الكتاب: لقاء الباب المفتوح المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)   [لقاءات كان يعقدها الشيخ بمنزله كل خميس. بدأت في أواخر شوال 1412هـ وانتهت في الخميس 14 صفر، عام 1421هـ] مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية   http://www.islamweb.net   [ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم اللقاء، عدد اللقاءات 236 لقاء، واللقاء رقم 195 غير موجود بموقع الشبكة الإسلامية] ---------- لقاء الباب المفتوح ابن عثيمين الكتاب: لقاء الباب المفتوح المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)   [لقاءات كان يعقدها الشيخ بمنزله كل خميس. بدأت في أواخر شوال 1412هـ وانتهت في الخميس 14 صفر، عام 1421هـ] مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية   http://www.islamweb.net   [ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم اللقاء، عدد اللقاءات 236 لقاء، واللقاء رقم 195 غير موجود بموقع الشبكة الإسلامية] لقاء الباب المفتوح [1] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بعض الأذكار المشروعة عند النوم السؤال ماذا يقول الإنسان عند نومه من الأذكار المشروعة؟ الجواب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عند نومه ينفث على يديه بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ثم يمسح بيديه وجهه، وما استطاع من جسده. هذا ثبت عنه كل ليلة، كلما أراد أن ينام. كما أنه أرشد علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما إلى أن يسبحا ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين قبل المنام، وقال: (إن هذا خير لكما من خادم) ؛ لأنهما طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فقال: (ألا أدلكما على خير لكما من ذلك) ثم ذكر التسبيح. وكذلك ينبغي أن يقرأ آية الكرسي، ويقرأ أيضاً ما استطاع من الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكتَ نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتَها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 أحاديث كتاب زاد المسلم في الميزان السؤال بالنسبة لكتاب زاد مسلم هل أكثر الأحاديث فيه صحيحة، أم لا؟ جزاكم الله خيراً. الجواب معروف عند العلماء أن ما رواه البخاري ومسلم صحيح، وكذلك ما رواه البخاري وحده أو مسلم وحده فهو صحيح، وما عدا ذلك فإنه يُنْظَر فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 حكم اقتناء التلفاز والفيديو السؤال بعض الناس يعلم أن اقتناء التلفاز حرام، وهو عنده في بيته، ويقول: أنا لا أستطيع أن أخرجه من البيت؛ لأنني إذا أخرجته خرج الأولاد والأهل إلى الجيران أو أقاربهم، وشاهدوا ما هو أفظع مما يشاهدونه عندي؟ الجواب جوابنا على هذا نقول: إذا كان هذا الرجل قوياً يمكنه أن يمنع أهله وأولاده من الخروج فليمنعهم، أو كان يمكنه أن يأتي بأشياء يشاهدونها بواسطة الفيديو وهي من الأشياء المباحة، فإنه لا يجوز له أن يقتني التلفاز حسبما يعتقده -أعني: يعتقد أنه حرام- وأما إذا كان لا يمكنه هذا ولا هذا، فلا شك أن ارتكاب أدنى المفْسَدَتين لدفع أعلاهما هو الحكمة، فيبقيه عنده، ويحرص على أن يكون حين فتحه موجوداً، لئلا يفتحوه على ما هو محظور، ويستعين بالله عزَّ وجلَّ في ذلك، ولا حرج عليه إن شاء الله. فصار الجواب: أولاً: إن كان عنده قدرة على منعه فليفعل. ثانياً: وإن لم يكن له قدرة على منعه فليأت لهم بفيديو يعرض فيه أشياء مباحة. ثالثاً: وإذا لم يمكنه ذلك فإن بقاء التلفاز عنده في البيت وانحصار المفاسد خير من أن يخرجوا إلى خارج البيت؛ لأنه يترتب على هذا مفاسد أكثر من مشاهدة التلفاز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 حرمة صبغ اللحية أو الرأس بالسواد السؤال هل صبغ اللحية أو الرأس بالسواد جائز؟ الجواب صبغ اللحية أو الرأس بالسواد، أنا أقول: هذا كله حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غيِّروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وورد أيضاً في السنن حديث فيه الوعيد على من صبغ الشعر الأبيض بالسواد. السائل: حتى ولو كان قصده التجمل؟ الشيخ: الغالب أن الذي يصبغ بالسواد قصده التجمُّل، وأن يبقَى وجهُه كوجه الشاب، وإلا فما فائدته؟! لأنه سوف يخسر الوقت والمال والعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ضرورة تجنب الوساوس والإعراض عنها السؤال الشخص عندما يتوضأ يأتي إليه الوسواس ويقول له: إنك ما غسلت الأظافر، أو كَعْبَي الرجلين، أو القدمين، هل جائز كونه لا يسمع هذا الكلام ويتركه؟ الجواب بعض الناس تكون عنده شكوك كثيرة، كلما توضأ شك: هل أتم غسل العضو أم لم يتمه؟ فمثل هذا لا يُلْتفت إليه؛ لأن الشكوك لو اعتبرها الإنسان -وهي كثيرة- لَتَعِب؛ ولكن لو فرضنا أن الشكَّ شكٌّ حقيقي، وليس بالكثير، فإنه يُعْتَمد هذا الشك، ويُزيلُ هذا الشكَّ اليقينُ. السائل: وإذا ما عَلِمَ كم مرة؟ الشيخ: إذاً معناه أن عنده وسواساً، هذا إذاً لا يزال في شك. السائل: وبعض الآيات ربما يقرؤها أكثر من مرة، وكذلك التشهد! الشيخ: أبداً، هذا موسوس. والذي أرى أنه يدع هذا الوسواس؛ لأنه إن فتح على نفسه باب الوسواس تَعِبَ، وجاءه الشيطان يشككه في الصلاة، ويشككه حتى في الله عزَّ وجلَّ، وربما تصل به الحال إلى الشك في الله، وربما يشككه في زوجته: هل طَلَّق أم لم يُطَلِّق؟! أو ما أشبه ذلك، فعلى الإنسان أن يدع هذا. السائل: وكيف هذا؟ الشيخ: يُعْرِض عنه، أعني: لو شك لا يَلْتَفت لهذا الشك. السائل: هل يجوز أن يردد الآية ويقرؤها مرة ثانية؟ الشيخ: لا يقرؤها أبداً مرة أخرى، إذا قرأها مرة تكفي، ولو شك في القراءة يُعْرِض عن هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 اصطحاب كاميرا الفيديو في الرحلات إذا كان لحاجة السؤال ما رأيك يا شيخ في اصطحاب (كاميرا الفيديو) في أثناء الرحلات البرية لتصوير المناظر الطبيعية؟ الجواب الذي أرى أن اصطحاب هذا التسجيل بالفيديو في الرحلات لا بأس به للمصلحة؛ لأنك تعرف أن هذا يستنفد مالاً وجهداً وزمناً، والشيء الذي يضيع بلا فائدة تركه فائدة، أما إذا كان فيه فائدة فلا بأس. السائل: وإذا كانت تصويراً لأشخاص؟ الشيخ: أما صورة الآدمي أو الحيوان فأنت تعرف ما فيه من الخلاف فتَجَنُّبُه أولى؛ لأنه يُخْشَى ولو في المستقبل البعيد أن يلزم منه محظور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 جواز بيع الأفلام الإسلامية إذا كان هناك مصلحة السؤال بيع الأفلام الإسلامية ماذا ترى فيه أي: التي فيها أرواح؟ الجواب ليس فيها شيء، الأفلام التي فيها مصلحة ليس فيها شيء، أعني مثلاً: خطيباً، واعظاً، يشرح أشياء نافعة للناس، فلا بأس أن يُنْقَل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الصوفية أقسام ومراتب السؤال الصوفية وما يعتقدونه من الحلول يقولون: إن المريد أو العارف يترك بعض الواجبات كالصلاة مثلاً، وبعضهم يقول مثلاً كما في أشعارهم: ادعني ستجدني قريباً، أو ما أشبه ذلك. ما أقل ما يقال عنهم يا شيخ؟ الجواب هؤلاء الصوفية الذين يقولون ما قلتَ؛ مِن أن المريد يفعل ما يريد، وأن المراد في منزلة وهو: الرب عزَّ وجلَّ، ويقول: إن المريد يكون بين يدي هذا المراد بمنزلة الميت بين يدي الغاسل يفعل فيه ما شاء، فهؤلاء لا شك أنهم كفار، خارجون عن الإسلام. وأما الصوفية اليسيرة كالذي يُحْدِث بعض الأذكار أو ما أشبه هذا، فإنه لا يصل إلى حد الكفر. فـ الصوفية أقسام وأصناف، ليس كلهم على حدٍ واحد؛ لكن فتح باب البدعة ولو في العبادات مُضِر، ويؤدي إلى التطور، وإلى أن يكون هناك ابتداع في العقائد كما أشرتَ إليه أنتَ. السائل: لو أقرَّ العارف -مثلاً- بما يعتقد، هل يُقْتَل مرتداً؟ الشيخ: إذا أقرَّ العارف بما يعتقد، وكانت عقيدته ما ذكرتَ، فإنه إن رجع وآمن وأسلم رُفِع عنه القتل والحكم بالكفر، وإلا قُتِل كافراً مرتداً؛ فلا يُغَسَّل، ولا يُكَفَّن، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَن مع المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الجائز والحلال والمباح عند الفقهاء بمعنى واحد السؤال ما الفرق بين الجائز والحلال؟ الجواب لا فرق بين الجائز والحلال في اصطلاح الفقهاء، فإذا قالوا: هذا حلال فهو بمعنى: هذا جائز. لكن عند المتكلمين يفرقون بين الحلال والجائز: إذ أنهم يعنون بالجائز: الشيء الممكن الذي ليس بمستحيل ولا واجب، فمثلاً: وجود المخلوقات من الأمور الجائزة، يعني: ليس بمستحيل؛ لأنه لو كان مستحيلاً لَمَا وُجِد، وليس من الأمور الواجبة؛ لأنه لو كان واجباً لَمَا كان معدوماً مِن قبل. أما عند الفقهاء: فالجائز والحلال والمباح كلها بمعنى واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 رخص السفر لا تستباح بالمعاصي السؤال بالنسبة للقول: أن المسافر سَفَرَ المعصية لا يجوز له أن يعمل برُخَص السفر، مثل: القصر، والجمع. أما قلنا قاعدةً: أنه إذا كانت المعصية متعلقة بذات العبادة فإن العبادة تبطل، وإذا كانت متعلقة بأمر خارج لا تبطل؟! الجواب مَأْخَذُ قولِ مَن يقول: إن السفر المحرم لا تستباح فيه رُخَص السفر ليس ما أشرتَ إليه، بل مَأْخَذُ ذلك عندهم أن الرُّخَص رُخَصٌ، وأنها لا ينبغي أن تستباح بالمعصية، كيف نقول: إن هذا نُرَخِّص له وهو عاصٍ لله؟! والأمر يسير، نقول: تُبْ من هذا، وإذا تبت فتَرَخَّص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 التفصيل في زكاة الدين السؤال الدَّين الذي يكون في ذمة الناس هل فيه زكاة؟ الجواب الدَّين الذي يكون في ذمم الناس: - إما أن يكون عند الأغنياء. - أو عند الفقراء. فإن كان عند أناس فقراء فليس فيه زكاة، إلا إذا قبضتَه، فتزكيه لِسَنَةٍ واحدة. وأما الدَّين الذي عند الأغنياء ففيه زكاةٌ كلَّ سنة؛ ولكن إن أحببتَ أخرجتَ زكاته قبل القبض، وإن أحببتَ فيما بعد أخرجتَ زكاته بعد القبض. السائل: إذا كان الدَّين عند أناس فقراء، واستمر مدة من الزمن، فهل عليه زكاة؟ وعن أي سنة؟ الشيخ: هل هم فقراء أم أغنياء؟! فإن كانوا فقراء فليس عليك زكاة إلا إذا قبضته، ولو بقي عشر سنين، ليس عليك زكاة إلا إذا قبضته، تزكية لِسَنَةٍ واحدة. السائل: والسنة التي فاتت؟ الشيخ: ليس عليك عنها زكاة. السائل: أزكي عن السنة الحالية؟ الجواب: السنة الحاضرة فقط، وإذا كان عند الأغنياء يمكنك أن تقول: أعطوني من مالي، فإذا أعطوك إياه، فإن هذا تزكيه كل سنة؛ ولكن أنت بالخيار: إن شئت أخرجتَ زكاته مع مالك قبل أن تقبضه منهم، وإن شئتَ انتظرت حتى تأخذه، وفي هذه الحال لو فرض أنك انتظرت حتى تأخذه ثم افتقروا، ولم يوفوا فليس عليك زكاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الأصل في ذبائح المسلمين وأهل الكتاب الحل السؤال ماذا تقول في ذبيحة القصَّاب المسلم؟ الجواب سلمك الله، القصَّاب المسلم، الأصل أن ذبيحته حلال، وأنه يسمي الله، ودليل ذلك أن البخاري رحمه الله روى عن عائشة رضي الله عنها: (أن قوماً جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه، أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) أنت تعرف أن حديثي العهد بالكفر لا يعرفون شيئاً من أحكام الإسلام إلا قليلاً، فإذا كان الذابح مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً فالأصل أن ذبيحته حلال، ولا نقول: لعله لا يسمي، أو لعله لا يصلي، أو ما أشبه ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الصوم والإفطار يكون مع أهل البلد السؤال هذا رجل يقول: إنه صام في بلده متأخراً عن بلادنا السعودية، وأفطر أهل بلده متأخرين عنا، فأهل بلده صاموا ثلاثين يوماً، ونحن صمنا ثلاثين يوماً؛ لكن الثلاثين يوماً التي عندنا هي له تسع وعشرون! فما الحكم؟ الجواب يفطر مع أهل البلد التي هو فيها حال فطرهم، ولا يلزم أن يكمل ثلاثين يوماً، وإن كمَّل الثلاثين نظراً إلى إكمال الثلاثين في البلدين فهو أحسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وجوب تكبيرة الإحرام لمن أدرك الإمام راكعا ً السؤال بعض المصلين يدرك الإمام وهو راكع؟ الجواب إذا دخل المسبوق في الصلاة والإمام راكع يلزمه أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم، ثم تكبيرة الركوع إن شاء كبر وإن شاء لم يكبر، تكون تكبيرة الركوع في هذه الحال مستحبة، هكذا قال أهل العلم رحمهم الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الأحوال المشروعة والممنوعة في تغيير النية السؤال ما حكم تغيير النية في الصلاة؟ الجواب تغيير النية في الصلاة إما أن يكون: - من معيَّن إلى معيَّن. - أو من مطلق إلى معيَّن. فهذان لا يصحان. وإذا كان من معيَّن إلى مطلق، فلا بأس. مثال المعيَّن منه إلى معيَّن: إذا أراد أن ينتقل من سنة الضحى إلى راتبة الفجر التي يريد أن يقضيها، فكبر بنية أنه يريد أن يصلي ركعتي الضحى، ثم ذكر أنه لم يصلِّ راتبة الفجر، فحوَّلها إلى راتبة الفجر، فهنا لا يصح؛ لأن راتبة الفجر ركعتان ينويهما من أول الصلاة. كذلك أيضاً: رجل دخل في صلاة العصر، وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل الظهر فنواها للظهر، هذا أيضاً لا يصح؛ لأن المعيَّن لا بد أن تكون نيته من أول الأمر. وأما المطلق إلى معين فمثل: أن يكون شخص يصلي صلاة مطلقة -نوافل- ثم ذكر أنه لم يصلِّ الفجر أو لم يصلِّ سنة الفجر، فحوَّل هذه النية إلى صلاة الفجر أو إلى سنة الفجر، فهذا أيضاً لا يصح. أما الانتقال من معيَّن إلى مطلق، فمثل: أن يبدأ الصلاة على أنها راتبة الفجر، ثم نسي، وفي أثناء الصلاة تبين أنه قد صلاها، فهنا يتحول من النية الأولى إلى نية الصلاة فقط. أو مثلاً: إنسان شرع في صلاة فريضة لوحده، ثم حضرت جماعة، فأراد أن يحوِّل الفريضة إلى نافلة؛ ليقتصر فيها على ركعتين نافلة، فهذا جائز؛ لأنه حوَّل من معيَّن إلى مطلق. فهذه هي القاعدة: من معيَّن إلى معيَّن لا يصح، ومن مطلق إلى معيَّن لا يصح، ومن معيَّن إلى مطلق يصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الاكتفاء بالنية المطلقة في صلاة الرواتب السؤال السنن الرواتب هل تكفي فيها النية المطلقة؟ أعني: لو كان عليَّ فوائت هل أنوي أن هذه راتبة الظهر القبلية مثلاً وهذه راتبة الظهر البعدية، أو يكفي التعيين بأنها راتبة الظهر فقط؟ الجواب الشيء المعين لا بد من أن يتعين، فإذا أردت أن تصلي راتبة الظهر فلابد أن تنوي راتبة الظهر إذا كان عندك عدة رواتب. وكذلك الفريضة لا بد أن تعيِّن، فلا تنوِ أنها فريضة فقط، بل تنوي أنها الظهر، أو أنها العصر، فالمعيَّن لا بد له من تعيينه، إلا أن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إن المعيَّن إذا لم يكن معه غيره فإنه يكفي أن ينوي الإنسان صلاة فريضة الوقت. فمثلاً: لو جئتَ لتصلي الظهر وغاب عن ذهنك الظهر؛ لكنك أتيت لتصلي فريضة الوقت، قالوا: هذا لا بأس به؛ لأن تعيين الوقت بمنزلة تعيين الصلاة، وهذا قولٌ فيه فسحةٌ للناس، وفيه تسهيلٌ عليهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 تداخل النية في النوافل السؤال هل النوافل تتداخل؟ مثلاً: لو كنتُ أوتر بثلاث فتكاسلتُ أو نسيتُ، ثم جلستُ بعد صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، فهل أصلي هذه الركعتين أو الأربع ركعات وأنوي أنها للوتر والشروق معاً؟ الجواب أقول: لا تتداخل، سنة الضحى للضحى، وسنة الوتر للوتر، وسنة الراتبة للراتبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ضعف حديث: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) السؤال كثيراً ما نسمع من أئمة المساجد عند تسوية الصفوف قول: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، هل هو حديث أو قول؟ الجواب لا شك أن الصف الأعوج صف ناقص، وأن المصلين يأثمون إذا لم يسووا الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد مَن لم يسوِّ الصف، فقال: (عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) . وأما الحديث الذي ذكرت: (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) ، فهذا ليس بصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 حكم رد الأخبار العقدية الغيبية بحجة أنها آحاد السؤال بعض أهل العلم يردون بعض الأمور العقدية، مثل: أمر المهدي وغيره، وذلك عن طريق رد خبر الآحاد، فما حكم هؤلاء؟ الجواب حكم هؤلاء أنهم معذورون ما دام ردهم كان عن اجتهاد وتأويل؛ ولكن ردهم لأحاديث المهدي ليس كردهم لنزول عيسى بن مريم؛ لأن نزول عيسى بن مريم ثابت بظاهر القرآن وصريح السنة الصحيحة، أما أحاديث المهدي فإن العلماء قسموها إلى أربعة أقسام: 1- صحيحة. 2- حسنة. 3- ضعيفة. 4- موضوعة. والراجح من أقوال أهل العلم: أنه سوف يأتي إذا دعت ضرورة الأرض إلى مجيئه، كأن تُمْلأ ظلماً وجوراً؛ ولكنه هذا المهدي الذي من عقيدة أهل السنة والجماعة ليس هو مهدي الرافضة الذي ينتظرونه، فإن مهدي الرافضة الذي ينتظرونه ليس إلا خيالاً في أذهانهم، ولا حقيقة له، فهم يعتقدون أن المهدي هذا في السرداب الذي في العراق، وينتظرون خروجه كل يوم، وهذا لا أصل له، ولا حقيقة له، لا من الناحية التاريخية، ولا من الناحية العقلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 حكم من رد الأحاديث الصحيحة بحجة مخالفتها للعقل وظاهر القرآن السؤال ردَّ بعضُهم أحاديثَ في الصحيحين بزعم أنها مخالفة لظاهر القرآن أو مخالفة للعقل؟! الجواب قد يكون مخالفتها للعقل لاختلاف عقله هو، لا لحقيقة الواقع، وإلا فنحن نعلم أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبداً أن يخالف العقل، بل لا بد من أحد أمرين: 1- إما عدم صحة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2- وإما فساد العقل. أما مع صحة النقل وسلامة العقل فلا يمكن التعارض أبداً. السائل: فما حكم هؤلاء؟ الشيخ: لا نستطيع أن نحكم حكماً عاماً حتى نرى الأحاديث التي زعموا أنها مخالفة للعقل. السائل: مثل حديث موسى وملَكِ الموت ولطمه إياه، وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها: (أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) وغيرهما من هذه الأحاديث؟ الجواب: لهؤلاء نَقول: إذا كنتم تعتقدون أن الرسول قالها؛ ولكن تكذِّبون الرسول وتقولون: قوله صلى الله عليه وسلم مخالف للعقل، فلا نقبله، فهذا كفر. أما إذا كنتم لا تعتقدون أن الرسول قالها، وتقولون: هذا وهم من الرواة مثلاً، أو خطأ منهم، فتكفيركم محل نظر! ففرق بين مَن يَرُدُّ قول الرسول؛ لأن قوله مخالف للعقل، وبين مَن يَرُدُّ قول الرسول؛ لأنه لم يثبت عنده، ولهذا لا نكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أنكر على القارئ القراءة التي سمعها القارئ من الرسول عليه الصلاة والسلام وعمر لم يسمعها؛ لأن عمر أنكر آية من القرآن؛ لكنه أنكرها اجتهاداً منه، ظناً منه أن هذا الرجل لم يتثبت، حتى وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأقر قراءة الرجل، ففَرْقٌ بين مَن يَرُدُّ ما قال الرسول لمخالفة العقل، وبين مَن يَرُدُّ ما رُوِي عن الرسول لظنه أنه لا يصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 معنى حديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) السؤال حديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ما معنى هذا الحديث؟ الجواب معناه: أنه يجب على الإنسان أن يجعل له إماماً، ولا يحل لأحد أبداً أن يبقى بلا إمام؛ لأنه إذا بقي بلا إمام بقي من غير سلطان، ومن غير ولي أمر، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . وهذا الذي مات وليس في عنقه بيعة شاذٌّ خارجٌ عن سبيل المؤمنين؛ لأن المؤمنين لا بد أن يكون لهم أمير مهما كانت الحال، فإذا خالَفَ هذا وشذَّ صار خارجاً عن سبيل المؤمنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 حكم تحكيم القوانين الوضعية دون الكتاب والسنة السؤال هل يعتبر الذين لا يحكِّمون القرآن والسنة ويحكِّمون القوانين الفرنسية أو الإنجليزية كفاراً؟ الجواب هذا يحتاج إلى النظر إلى السبب الذي حملهم على هذا، وهل أحدٌ غرَّهم ممن يدعي العلم، وقال: إن هذا لا يخالف الشرع، أم ماذا؟! فالحكم في هذه المسألة لا يمكن إلا على كل قضية بعينها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 حكم الزكاة في أرض ترددت فيها نية المالك السؤال رجل عنده أرض، واختلفت نيته فيها، لا يدري هل يبيعها، أو يعمرها، أو يؤجرها، أو يسكنها، فهل يزكي إذا حال الحول لثبوت نيته؟ أعني مثلاً: إذا جاء الحول ورأى كأنه مال إلى بيعها يزكيها إن كانت عروضاً للتجارة، وإذا جاء الحول الثاني مثلاً ورأى أنه سيعمرها ويسكنها لم يزكِّها، فما الحكم؟ الجواب نقول: هذه الأرض ليس فيها زكاة أصلاً، ما دام أنه ليس عنده عزم أكيد على أنها تجارة فليس فيها زكاة؛ لأنه متردد، أما مع التردد -ولو (1%) - فلا زكاة عليه. السائل: جاءت السنة مثلاً وحال عليها الحول، ونوى أن يبيعها هل يزكيها أم لا؟ الشيخ: ليس فيها زكاة، أعني: ليست تجارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 كيفية التعامل مع أهل البدع السؤال رجل عاش مع الرافضة مدة من الزمن، وبعدها انتقل من عندهم إلى منطقة بعيدة ووعدهم أن يزورهم، فهل يجوز له أن يفي بوعده لهم أم لا؟ وهل يجوز له أن يسلِّم عليهم ويقبِّلهم؟ وهل يجوز له أكل طعامهم، وشرب مائهم؟ الجواب الواجب على الإنسان النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولعامة الناس، هؤلاء الرافضة الذين يسكن معهم يجب عليه أولاً: أن يناصحهم، ويبين لهم الحق، ويبين أن ما هم عليه ليس هو الحق. ثانياً: إذا عاندوا ولم يقبلوا الحق فإنه يتركهم، ولا يجلس معهم؛ لأنهم مخالفون معاندون. وأما تركهم وما هم عليه من الضلال بدون النصيحة فهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما أمر الله به، فإن الواجب النصيحة أولاً، فإن هداهم الله للحق فهذا هو المطلوب. وإن لم يهتدوا وأصروا على ما هم عليه من الضلال فإنه يتركهم، ولا يجلس إليهم، ولا يزورهم إذا أبعد عنهم أو أبعدوا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مشروعية الصلاة على الميت بعد دفنه السؤال إذا دُفِن الميت في القبر فهل يجوز أن يُصَلَّى عليه؟ الجواب إذا دُفِن الميت في القبر جاز أن يُصَلَّى عليه، والدليل على هذا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وصلى على قبر المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد) ماتت ولم يعلم بها النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء السؤال إنسان أخطأ في ترتيب الوضوء، مثلاً: مسح على رأسه قبل غسل يديه وهو يعلم، فهل صلاته صحيحة بهذا الوضوء؟ الجواب صلاته ليست بصحيحة؛ لأن هذا الوضوء ليس بصحيح، حيث بدأ بمسح رأسه قبل غسل يديه، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] ، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءاً مرتباً، فإذا نكَّس الإنسانُ وضوءه فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسولِه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، فإذا رُدَّ الوضوء صار غير صحيح، وإذا صلى بهذا الوضوء فقد صلى بوضوء غير صحيح، فلا تقبل صلاته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 حرمة فصل عداد السيارة خوف زيادة الأجرة السؤال أحد الناس استأجر سيارة بالإيجار ففصل العداد حتى لا يُحاسب بالكيلو، فما حكم هذا؟ الجواب هذا حرام عليه، ويجب عليه أن يعيد ما بقي من الأجرة إلى صاحب السيارة، فإن كان لا يعرفه الآن وجب عليه أن يتصدق به عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 جواز تعزية الكافر للمسلم السؤال إحدى القواعد العسكرية السعودية متعاقدة مع الأمريكان، والقاعدة هذه توفي فيها أحد الأفراد، وعند العزاء أتى الأمريكان وقالوا: نريد أن نذهب لنعزي والد المتوفي، فهل يجوز هذا؟ الجواب يجوز أن يُعَزَّى المصاب سواء كان المعزي مسلماً أو كافراً؛ ولكن الاجتماع في البيت لتَلَقِّي المعزين بدعة لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابِه، وإنما تُغْلَق الأبواب -أي: أبواب الذين مات ميتهم-، ومن وجدهم في السوق أو في المسجد ورآهم مصابين عزاهم؛ لأن المقصود بالتعزية ليست التهنئة، المقصود بالتعزية تقوية الإنسان على الصبر، ولهذا رد النبي صلى الله عليه وسلم رسول ابنته الذي أرسلته لتخبره عن ابنٍ لها كان في سياق الموت، فرد النبي صلى الله عليه وسلم الرسول وقال له: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) ولم يذهب ليعزيها، حتى ألحَّت على أبيها أن يحضر، ليس من أجل العزاء؛ ولكن من أجل حضور هذا الغلام أو الطفل المحتضر. ولم يكن معروفاً في عهد الصحابة أن يجتمع أهل الميت ليتلقوا العزاء من الناس، بل كانوا يعُدُّون صُنْعَ الطعام في بيت أهل الميت والاجتماع على ذلك من النياحة، والنياحة من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ النائحة والمستمعة، وقال: (النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب) نعوذ بالله. فلهذا نحن ننصح إخواننا المسلمين عن فعل مثل هذه التجمعات التي هي ليست خيراً، بل هي شر لهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة السؤال هل مس الذكر باليمين ينقض الوضوء؟ الجواب القول الراجح عندي: أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، إلا إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء، وإذا كان من شخص آخر فنقول نفس الشيء، وبناءً على ذلك فالمرأة إذا قامت بتنظيف طفلها ومست ذكره فإن وضوءها لا ينتقض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 لا تبطل الصلاة بالنجاسة مع الجهل أو النسيان السؤال الرجل الذي صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد انتهاء الصلاة، فما حكم صلاته؟ الجواب صلاته صحيحة، وكذلك لو علم بها قبل الصلاة؛ ولكن نسي أن يغسلها وصلى بهذا الثوب ناسياً فصلاته صحيحة، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلتُ. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم (أتاه جبريل وهو يصلي بالناس وعليه نعلان فيهما قذر، فأخبره أن فيها قذراً، فخلعهما ومضى في صلاته) . ولو كانت الصلاة تبطل بالنجاسة مع الجهل، لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم صلاته من جديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الخلاف في مسألة الاستنجاء بعد الوضوء السؤال هل هناك قول -وما مدى صحة هذا القول؟ - في مسألة الاستنجاء بعد الوضوء؟ الجواب هذا فيه خلاف: - فبعض العلماء يقول: الوضوء لا يصح قبل الاستنجاء. - وبعض العلماء يقول: الوضوء يصح قبل الاستنجاء. وهذا القول الثاني أصح، أي: أن الوضوء يصح قبل أن يستنجي. والمسألة تُتَصَوَّر: بأن يبول الإنسان قبل الوقت مثلاً ويستجمِر استجماراً ليس تامَّ الشروط، ثم إذا جاء الوقت توضأ بدون استنجاء ناسياً مثلاً، فإذا صلى في هذا الوضوء فصلاته صحيحة، ونسيانه للنجاسة التي بقيت بعد قضاء الحاجة يعفى عنه. وعلى قول مَن يقول: إنه لا يصح الوضوء قبل الاستنجاء، نقول: صلاته غير صحيحة؛ لأن وضوءه لم يصح، فعليه أن يستنجي من جديد، ويتوضأ من جديد، ويعيد الصلاة من جديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 عدم صحة القول بأن جرس ساعة المسجد يشبه الناقوس السؤال كما نعلم أن التشبُّه بالكفار شيء محرم؛ لكننا الآن نسمع جرس الساعة الموجودة في المسجد كما سمعنا الآن فيقول البعض: إن جرسها يشبه صوت الناقوس الموجود عند النصارى، فهل ننكر هذا العمل؟ الجواب القول بأنه يشبه الناقوس قول غير صحيح؛ لأننا سألنا عنه، وقالوا: إنه ليس كذلك، وما هذا الصوت الذي نسمع إلا كصوت الساعة العادية اليدوية؛ لكنه في هذه الساعة الحائطية أقوى، إنما بعض الناس يشكو من هذه الساعة؛ لأنها تزعج الناس بصوتها لا من أجل الناقوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 حكم الصلاة في الثوب الذي فيه دم السؤال إذا كان الدم على الثوب، فهل تجوز الصلاة فيه أم لا؟ الجواب يقول العلماء: إذا كان الدم نجساً وكثيراً فإنه لا يُصَلَّى فيه، وإذا كان طاهراً كدم الكبد واللحم بعد الذكاة فإنه لا يضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 جواز إمامة المرأة لغيرها من النساء السؤال هل يجوز للمرأة أن تؤم غيرها من النساء في الصلاة؟ الجواب يجوز للنساء أن يصلين جماعة؛ ولكن هل هذا سنة في حقهن أم مباح؟ بعض العلماء يقول: إنه سنة. وبعض العلماء يقول: إنه مباح. والأقرب: أنه مباح؛ لأن السنة ليست صريحة في ذلك، فإذا أقمن الصلاة جماعة فلا بأس، وإذا لم يُقِمْن الصلاة جماعة فهنَّ لسنَ من أهل الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 عدم وجوب الحج على من عليه دين في ذمته السؤال ما حكم الحج للرجل الذي عليه دَين؟ الجواب إذا كان على الإنسان دَين فالحج ليس واجباً عليه، وإذا لم يكن واجباً فإن الدِّين والعقل يقتضيان أن يقدم الواجب الذي هو الدَّين، فاقضِ دَينك أولاً، ثم حج، وإذا مت في هذه الحال فليس عليك إثم. السائل: وإذا استسمح صاحب الدَّين؟ الشيخ: حتى ولو استسمح صاحب الدَّين؛ لأن صاحب الدَّين سوف يطالبه به، غاية ما هنالك أن صاحب الدَّين يسمح له أن يقدم الحج فقط، فنقول: حتى لو سمح لك، فالمسألة ليست تحريم المغادرة من أجل حق الدائن، المسألة إبراء الذمة قبل أن يحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 تعزية أهل الميت عبادة وليست عادة السؤال مسألة العزاء والاجتماع عليها: بعض الناس لو كلمناهم في هذا يقول: نحن نفعل هذا ولا نقصد به التعبُّد، وإنما نقصد به العادة، فكيف الرد عليهم؟ الجواب الجواب على هذا: أن التعزية سنة وهي من العبادة، فإذا صيغت العبادة على هذا الوجه الذي لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صارت بدعة، ولهذا جاء الثواب في فضل مَن عَزَّى المصاب، والثواب لا يكون إلا على عبادات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 حكم إخراج الزكاة لمن تجب عليه نفقتهم السؤال إنسان عنده ابن، أو أم، أو أخت -مِن الذين يلزمه نفقتهم- ويريد أن يخرج الزكاة إليهم، وقد قلتَ: مَن تلزمه نفقته لا يصح إخراج الزكاة إليه، فَمَن الذي يلزمه نفقتهم مع الشخص؟ الجواب كل من تلزمه نفقته لا يجوز أن يَدْفع زكاته إليهم من أجل النفقة، أما لو كان في قضاء دَين فلا بأس، فإذا فرضنا أن الوالد عليه دَين وأردتَ أن تقضي دَينه من زكاتك وهو لا يستطيع قضاءه فلا حرج، وكذلك الأم، وكذلك الابن، أما إذا كنت تعطيه من زكاتك من أجل النفقة فهذا لا يجوز؛ لأنك بهذا تُوَفِّر مالك، والنفقة تجب للوالدين: الأم، والأب، وللأبناء: الابن، والبنت؛ ولكل من ترثه أنت لو مات، أي: كل من ترثه لو مات فعليك نفقته؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] فأوجب الله على الوارث أجرة الرضاع؛ لأن الرضاع بمنزلة النفقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الاستدلال بقصة موسى مع المرأتين وأبيهن على أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة السؤال بعض العلماء يستدل من قول الله جل وعلا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ، ومن قوله: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص:26] على عدم خروج المرأة إلا لحاجة، هل هذا الاستدلال صحيح؟ الجواب هذا الاستدلال صحيح؛ لكنه من التكلُّف؛ لأن في الشريعة الإسلامية ما يغني عنه، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وبيوتهن خير لهن) والسنة في ذلك واضحة، من أن بقاء المرأة في بيتها خير لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المرأة الحائض إذا طهرت قبل المغرب بركعة وجب عليها قضاء العصر فقط السؤال امرأة طَهُرت من الحيض قبل المغرب بركعة، هل عليها قضاء الظهر والعصر؟ الجواب إذا طَهُرت المرأة قبل غروب الشمس بركعة فإنه لا يلزمها إلا قضاء العصر فقط؛ لأنها هي الصلاة التي طَهُرت في وقتها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) ، ولم يقل: وعليه الظهر. فالصواب: أن مَن أدرك من وقت صلاة العصر مقدار ركعة لا يلزمه إلا العصر، ومن أدرك من وقت صلاة العشاء مقدار ركعة لم يلزمه إلا صلاة العشاء ولا تلزمه صلاة المغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 الحلف بغير الله قد يكون كفراً أكبر وقد يكون كفراً أصغر السؤال الحلف بغير الله هل هو شرك أصغر أم أكبر؟ الجواب الحلف بغير الله شرك أصغر لا يُخْرِج من الملة، إلا إذا اعتقد الحالف أن للمحلوف به من التعظيم مثل ما لله عزَّ وجلَّ فحينئذ يكفُر كفراً أكبر؛ لأنه اتخذ لله نداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ضابط الإسراف هو العرف السؤال اشترى رجل ثوباً بثلاثمائة ريال مع وجود غيره بخمسين وهو قريب من جودته، أفلا يكون هذا من الإسراف؟ الجواب إذا كان قريباً منه كيف يكون هذا بثلاثمائة وهذا بخمسين؟! السائل: كأن يقال مثلاً: هذا ياباني، وهذا إنجليزي، والياباني ما شاء الله، والكوري أيضاً! الشيخ: لا أعرف أنا الياباني ولا الكوري! السائل: والإنجليزي؟! الشيخ: معناه أنه اشتراه لأنه أحسن. السائل: لكن هذا الرخيص جيد يُسْتعمل لمدة سنة، مع العلم أن هذا الشخص الذي اشترى بثلاثمائة قد يستعمله سنةً أيضاً ثم يرميه؟ الجواب: الإسراف تجاوزٌ للحد، وتعرف أن الناس يختلفون، فالرجل الذي عنده ملايين الريالات يمكن أن يشتري بثلاثمائة ولا يقال عليه: مسرف؛ لكن الرجل الذي يستدين وما عنده حتى نفقة بيته، نقول: هذا إسراف، فالإسراف: هو مجاوزةُ الحد، والناس يختلفون في هذا. السائل: هل تعني: أنه يكون على العرف يا شيخ؟ الشيخ: نعم، يكون على العرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 تقديم قضاء الدين على الحج السؤال ما رأيك في الذي لم يحج وعزم على أن يحج، وتوفرت لديه جميع السبل؛ ولكن عليه دَين، فهل يتم عزيمته على الحج، أم يُبْطله؟ الجواب قضاء الدَّين أهم من الحج، والريال الذي يصرفه في قضاء الدَّين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج، نعم لو فُرِضَ أنه تهيأ له أن يحج مجاناً، مثل: أن يخرج ليخدم الحجاج الذين معه، أو أن أحداً من أصدقائه أراد أن يتبرع له بالحج، فحينئذ لا بأس؛ لأن الحج هنا لا ينال الدَّين منه ضرر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 استحباب الوضوء لمن مس ذكره من غير شهوة السؤال سمعتُ أنه رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يتوضأ ثم يستحم فإن وضوءه جائز؛ ولكن قد يتوضأ الشخص ثم يستحم، وفي أثناء الاستحمام يُحْدِث أو تمسُّ يدُه ذكرَه فيُبْطِل وضوءه! الجواب مسُّ الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، أما لغير شهوة فإن الوضوء مستحب وليس بواجب، وعلى هذا فإذا استحم بعد الوضوء ومست يدُه ذكرَه بدون شهوة فوضوءُه صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 جواز التوكيل في ذبح الهدي والفدية للحاج السؤال من أراد أن يحج متمتعاً أو قارناً: نسمع أن شركة الراجحي تستقبل المبالغ لتقوم هي بذبح الهدي أو الفدية، حيث تُقَدَّم في بلد الحاج، وهي تقوم بهذا العمل يوم العاشر من ذي الحجة؟ الجواب أقول: لا بأس بمن عليه هدي التمتع أو القران، أو عليه فدية؛ فدية محظور أو ترك واجب، أن يوكل بمن يقوم به؛ لكن بشرط أن يكون الوكيل ثقة أميناً، فإن كان ثقة أميناً فلا بأس وإلا فلا يوكِّل، على أنه ولو كان ثقة أميناً فالأفضل أن يباشر الحاج ذلك بيده، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح هديه بيده، وذبح أضحيته بيده، وإن كان قد أعطى علي بن أبي طالب أن يتمم ذبح هداياه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في هديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الطفل إذا لم يتم الحج أو العمرة فلا شيء عليه السؤال رجل اصطحب ابنه معه لأداء العمرة، ولبس هذا الطفل ثياب الإحرام، وفي أثناء العمرة خلع الطفل إحرامه ولم يكمل هذه المناسك، فماذا عليه؟ الجواب ليس عليه شيء، والصحيح: أن الذين لم يبلغوا إذا أحرموا بحج أو بعمرة فما جاء منهم فاقبل، وما لم يأت فلا تطلب؛ لأنهم غير مكلفين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 حكم صلاة سنة الظهر القبلية أربعاً بدون تشهد السؤال سنن الرواتب مثل سنة الظهر الأربع القبلية هل يجوز للإنسان أن يصليها أربعاً بدون تشهد؟ الجواب السنن الرواتب فيها تسليم، بعد كل ركعتين يسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ضابط كثير الدم وقليله هو العرف السؤال ما مقدار الدم الذي تصح فيه الصلاة إذا كان دماً نجساً نجاسة مخففة؟ الجواب أما ما خرج من السبيلين فهو نجس قليله وكثيره، ولا يعفى عنه، وأما ما خرج من غير السبيلين مثل الخارج من الأنف، أو من الفم، أو من جرح في يده أو رجله، فهذا الغالب أنه يسير ولا يضر، وحَدُّه هو العرف، أي: ما جرت العادة بأنه يسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وجوب إعادة الصلاة لمن صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً السؤال رجل نام ثم استيقظ، ثم صلى الفجر، وبعد صلاة الفجر تبين أنه مُحْدِث حدثاً يوجب الغسل، ما صحة هذه الصلاة؟ الجواب كل إنسان يصلي، ثم بعد الصلاة يتبين أنه أحدث حدثاً أصغر أو أكبر، فالواجب عليه أن يتطهر من هذا الحدث وأن يعيد الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 جواز الصلاة في الثوب الذي فيه مني السؤال رجل لبس ثوباً وهو طاهر -أي: الرجل طاهر- ولكن الثوب كان فيه مني، فلبسه ناسياً، وبعد الصلاة تبين أن في هذا الثوب منياً لم يعلم به، فما حكم هذا؟ الجواب المني طاهر، ولو صلى الإنسان في ثوب وفيه مني فصلاته صحيحة سواء كان عمداً أو نسياناً؛ لكن قل: لو كان فيه بول، ثم صلى ناسياً أو جاهلاً ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 جواز الاكتحال للصائم السؤال فضيلة الشيخ: كنتُ أقرأ في مجلس كتابَكم (شرح بلوغ المرام) في كتاب الصيام، وكان الموضوع الاكتحال، حيث مال فضيلتكم إلى أنه لا يفسد الصوم على ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، فاعترضَ عليَّ قاضٍ في هذا المجلس، وقال: كيف ينشر الشيخ مثل هذا على عامة الناس؟! كأنَّ الأحوط أن الاكتحال يفسد الصوم، وتكلم في هذا الموضوع حتى قال: وهذا مثل قوله: إن التعزية بدعة، مع أن التعزية فيها شيء من وصل التراحم بين الناس. فما ردكم على مثل هذا القول؟ الجواب أما مسألة الاكتحال: فلا بد من بيانها للناس؛ لأن الاكتحال مما تدعو الحاجة إليه أحياناً، فإذا قلنا للصائم: لا تكتحل حرمناه مما أحل الله له وهو محتاج إليه، فضيقنا على الناس ما هو واسع. وأما قوله: إن الاحتياط اتباع هؤلاء: فنقول: ما هو الاحتياط؟ الاحتياط: اتباع ما دلت عليه السنة، وليس الاحتياط الأخذ بالأشد، قد يكون الأخذ بالأيسر هو الاحتياط، فالاحتياط هو موافقة الشرع، ونحن يلزمنا إذا علمنا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم حكماً أن نبينه للناس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] لا سيما في المسائل التي يحتاج الناس إليها. والكحل يحتاج الناس إليه، خصوصاً الذين اعتادوه وصارت أعينهم لا يستقيم نظرها إلا به، فما ظنك برجل يحتاج إلى الكحل أو امرأة؛ ولكنه نسي أن يكتحل حتى طلع الفجر وصار صائماً، فإن قلنا: لا تكتحل، تَعِبَ في نظره، وإن قلنا: اكتحل وأفطر، أفسدنا صومه. وليس هناك دليل. فهذا جوابنا على هذه المسألة وعلى غيرها أيضاً، كل شيء يحتاج الناس إلى بيانه يجب على العالِم أن يبين ما يتبين له الحق فيه؛ لأنه مسئول عن ذلك. وأما مسألة العزاء: فالعزاء إنما كان تركه قطيعة رحم؛ لأن الناس اعتادوه، فصار الذي يتخلف عنه عندهم قاطع رحم؛ لكن لو أن الناس تركوه كما تركه الصحابة والتابعون لَمَا صار تركه قطيعة رحم، وصار تركه عادة، ولهذا لو أن طلبة العلم بينوا للناس هذا الأمر، وبدءوا بأنفسهم هم كما بدأنا بأنفسنا؛ والدِينا توفوا مثلاً ولم نجلس للعزاء، أو والداتنا توفيت ولم نجلس للعزاء، لو أن أهل العلم فعلوا ذلك لكان فيه خير كثير، ولترك الناس هذه العادات، لا سيما في بعض البلاد، فإذا مررت ببيت مات فيه ميت قلتَ: هذا بيت فيه زواج! لأنك ترى فيه من الأنوار في الداخل والخارج، والكراسي، والأشياء ما ينافي الشرع، وفيه إسراف وبذخ. فالواجب على الإنسان أن يعرف الحق من الكتاب والسنة لا من عادات الناس، لو أن الناس تركوا هذه العادات وصار العزاء حيثما وُجِدَ المعَزَّى، فإن وُجِدَ في السوق، أو في المسجد عُزِّي، لكان خيراً، وأيضاً: التعزية إذا كان مصاباً أو كان قريباً، بعض الأقارب لا يهتم بموت قريبه، وربما يفرح إذا مات قريبه، قد يكون بينه وبين قريبه مشادات ومنازعات وخصومات، فإذا مات قال: الحمد لله الذي أراحني من هذا. فالتعزية للمصاب فقط، كما جاء في الحديث: (مَن عَزَّى مصاباً فله مثل أجره) فقال صلى الله عليه وسلم: (مصاباً) ، ولم يقل: (مَن عَزَّى مَن مات له ميت) . فمثل هذه المسائل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس الحق فيها، حتى يصير الناس به على الهدى لا على الهوى، فعلى كل حال كل له رأيه. ولكن أقول: الواجب لمن كان ناصحاً لله ولأئمة المسلمين، إذا رأى من أخيه شيئاً يرى أنه خطأ فعليه أن يكلِّم أخاه مباشرة، ويقول له: أنت قلت كذا وكذا، وأشكَلَ علينا حتى لا تحصل البلبلة في العامة. وأيضاً: إذا ارتدع المخطئ من نفسه أحسن مما إذا رُدَّ عليه، وربما إذا رُدَّ عليه يركب رأسه ويرتكب الخطأ وقد تبين له الخطأ، تأخذه العزة بالإثم. فالواجب على العلماء إذا رأوا من إخوانهم خطأً أن يكلموهم، وقد يكون الخطأ في فهمهم وهو صواب، ويرجعون إليه. ولذلك أنا أود أن تقول لهذا الأخ الذي قال: الاحتياط: أن الاحتياط هو: ما جاء في الكتاب والسنة، هذا هو الاحتياط. فأين في كتاب الله أو سنة رسول الله أن الكحل مُفْطِّر؟ فإذا كان عنده نص من القرآن أو السنة فعلى العين والرأس، وإذا لم يكن عنده نص فالأصل أن صوم المكتحل صحيح منعقد بمقتضى دليل الشرع، لا يمكن أن نضيق على عباد الله وأن نحرم عليهم ما أحل الله لهم إلا بالدليل؛ لأن الله سبحانه وتعالى سيسألنا: لماذا حرمتم على عبادي هذا الشيء بغير إذن مني؟ فالمسألة ليست بِهَيِّنة؛ لأن تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام، فتحليل الحرام فيه تسهيل، أما تحريم الحلال ففيه تشديد، والدين الإسلامي يميل إلى السهولة واليسر أكثر مما يميل إلى التضييق والعسر، وإن كان كلٌّ من تحريم الحلال وتحليل الحرام يؤدي بصاحبه إلى الهلاك؛ لأنه افتراء على الله، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:116] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وجوب طلب الماء لمن احتلم في بيت رجل من أصدقائه السؤال رجل استيقظ بعد أذان الفجر وهو جنب، وكان في غير بيته، وكان البرد شديداً يخاف على نفسه من شدة البرد، وليس عنده ما يسخن به الماء، واستحيا أن يطلب الماء الساخن من بيت المضيف وفيه امرأته أيضاً، فأخذه الحياء من طلب الماء الساخن، فهل له أن يتيمم؟ الجواب عليه أن يطرق الباب، ويطلب منهم الماء الساخن للغسل ولا يستحيي، إن الله لا يستحيي من الحق، كل الناس يحتلمون، والحياء ليس بعذر؛ لكن لو فُرِض أنه في البَرِّ وليس عنده ماء إلا ماء بارد، ويخشى على نفسه من الضرر أو من المرض فله أن يتيمم حتى يجد ما يسخن به الماء، أما مسألة الحياء فلا، وإذا صلى بالتيمم ولم يطلب الماء الساخن حياء من أهل البيت فعليه أن يغتسل وأن يعيد الصلاة من جديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 جواز القصر للمسافر سواء حددت المدة أم لم تحدد السؤال حصلت لي جلسة مع مدير المعهد العلمي في منطقة من المناطق، فجرى الحوار بيننا في قصر الصلاة، فقال: إن الشيخ -يعنيك أنتَ- أفتى لطلبة الجامعة بأن يقصروا الصلاة إذا فاتتهم الصلاة. وقال المدير: وهذا لا يجوز! فلا ندري كيف أفتى الشيخ بذلك؟! وابن هذا المدير يدرس عندكم في الجامعة، فنَبَّهَ ابنَه بأنه لا يقصر الصلاة بل يتمها، فنحن يا فضيلة الشيخ لا ندري أنقصر الصلاة أم لا؟ الجواب هذا -سلمك الله- أفتينا به بعد دراسة، وبعد النظر في الأدلة، وبعد النظر في كلام أهل العلم وجدنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب: قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ أن الرجل ما دام غائباً عن بلده ولم يتخذ البلد الثاني وطناً فهو مسافر، كل مَن بقي لحاجة ومتى انتهت رَجَعَ فهو مسافر سواء عَيَّن المدة أم لم يعيِّن؛ لأن أي تقدير قَدَّرَه كأن قَدَّر ثلاثة أيام مثلاً، قلنا: ما دليلك؟! وإن قَدَّر شهراً أو سنة قلنا: ما هو دليلك؟! ليس هناك دليل. فالقول مثلاً بأن المسافر إذا نوى الإقامة في هذا المكان هذه المدة انقطع عنه السفر لا يوجد له دليل، ومن وجد دليلاً فليتفضل به، ونحن إن شاء الله آخذون على أنفسنا بأننا إذا تبين لنا الدليل أن نأخذ به، وقولنا ليس بمعصوم، نحن نخطئ كما يخطئ غيرنا؛ لكن علينا أن نتقي الله ما استطعنا: و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] إذا كان هذا الذي بلغ إليه جهد الإنسان فهو معذور عند الله (إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) لكن أي مسألة مثلاً تترجح عند العالم فهو غير معذور في العدول عما ترجح عنده؛ لأنه سيُسأل يوم القيامة. وأي مسألة يقولها الإنسان وفيها دليل خلاف قوله وهو لا يعلم به فهو معذور، وأي مسألة يقولها الإنسان وهو مجتهد فإنه يجب عليه إذا تبين له الحق أن يرجع إليه عن اجتهاده. فنحن إذا أتانا إنسان بدليل على أن الإنسان إذا بقي المدة المعينة انقطع عنه حكم السفر وصار حكمه حكم المقيم، فعلينا القبول. ومن وجد دليلاً خلاف قولنا فليضرب بقولنا عرض الحائط. وأما المسافة فما وجدنا فيها شيئاً معيناً أيضاً، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ما عَيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته المسافة. ولم يكن في ذلك الوقت المسَّاحون الذين يقولون: هذا كيلو، وهذا أكثر، وهذا أقل، والعلماء الذين قدروا المسافة بأذرع أو أكيال أو أميال ليس عندهم دليل، ثم هم قدَّروها -رحمهم الله- بالذراع، والشبر، والإصبع، وشعرة البرذون -الحصان- معناه: أنَّني أنا إذا صرتُ هنا والصاحب الذي بيني وبينه ذراع هناك، نقول: هذا مسافر، وأنا غير مسافر! مَن يقول هذا؟! فأقرب الأقوال: أنه يُرْجَع فيه إلى ما سماه الناس سفراً، وشدوا الرحال له، هذا هو السفر، وما ليس كذلك فليس بسفر. هذا والله أعلم. وصلَّى الله وسلم وبارَك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 لقاء الباب المفتوح [2] افتتح الشيخ رحمه الله اللقاء بتذكير وجيز بفضل العلم وأهميته لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهل، وانتشرت البدع والخرافات، وقل العلماء الناصحون، ثم أجاب عن الأسئلة، وتطرق خلالها لمسائل مهمة عن الحج، ومسائل العذر بالجهل، وبعض أحكام السفر، والمساهمات التجارية، والمسابقات، والجوائز التجارية وغيرها من المسائل المتناثرة في شتى المجالات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 حكم المسابقات إذا كانت بعوض الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، الخامس من شهر ذي القعدة عام: (1412هـ) نفتتح اللقاء الأول من هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً. وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكركم بأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) ، وإن حضوركم إلى هذا المكان إنما تريدون به الوصول إلى العلم، ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى إنه جواد كريم. السؤال ما حكم المسابقة إذا اشتملت على عوض من أحد المتسابقين؟ الجواب حكمها الجواز في الأشياء الثلاثة التي أجازها الشرع: نصل، أو خف، أو حافر. السائل: والمصارعة يا شيخ ألا تدخل فيها؟ الشيخ: المصارعة لا تدخل فيها. السائل: لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صارع ركانة على شاة وصرعه. الشيخ: لا. صارعه على أن يُسْلِم فأسلم. السائل: يا شيخ! إذا كانت المصارعة بعوض من متسابقَين كليهما؟ الشيخ: يقول مثلاً: عليَّ مائة ريال إن سبقتني، أو عليك مائة ريال إن سبقتك. السائل: نعم. الشيخ: هذه هي التي نتكلم عليها، إما إذا قال: إن سبقتني فأنا أضمن لك مائة ريال، وليس في الجانب الثاني شيء فهذه لا تدخل في المراهنة، هذه ليس فيها شيء. السائل: طيب! إذا كان العوض من طرف ثالث ليس من المتسابقَين؟ الشيخ: فهذا لا بأس به. السائل: في كل المسابقات، أو في الثلاث؟ الشيخ: في كل المسابقات إلا هذه المسابقات المحرمة. السائل: جائزة يا شيخ؟ الشيخ: المسابقات المحرمة ليست جائزة. السائل: أقصد إن كان العوض في المسابقات من طرف ثالث! الشيخ: المسابقات الجائزة مثل أن يقول: تسابقوا على الأقدام والذي يسبق منكم له مائة ريال، هذا لا بأس به، أو تصارعوا والذي يصرع منكم له مائة ريال فهذا لا بأس به؛ لأنه يعتبر مكافأة وتشجيعاً، أما إذا كانت من الجانبين إما غارم أو غانم فهذه لا تجوز إلا في الثلاث التي ذكرتُ لك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 الهدي على من حج عن غيره السؤال ما حكم الشرع في رجل حج عن أبيه، هل يلزمه الهدي أو لا يلزمه؟ وإذا لم يجد الهدي هل يصوم؟ وهل يجزئ صيام العشرة أيام عن الهدي عند عدم القدرة؟ وهل في حالة القدرة على دفع ثمن الأضحية يجوز له الصيام لأنه في حاجة إلى هذا المال؟ الجواب أولاً: لا ينبغي أن يوجَّه السؤال إلى شخص بهذا اللفظ: (ما حكم الشرع؟) ؛ لأن المجيب قد يخطئ في جوابه فلا يكون من الشرع، وإنما يقال: ما رأيكم، أو ما ترون، أو ما حكم الشرع في رأيكم، أو في نظركم، أو ما أشبه ذلك. وأما الجواب عن المسألة: فإذا كان أبوه عاجزاً عن الحج عجزاً لا يرجى زواله، كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه؛ فإنه لا بأس أن يحج عن والده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة قالت: (يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً لا يثْبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) فيحج عنه. ثم إن كان الحج تمتعاً أو قراناً وجب عليه الهدي، وإن كان الحج إفراداً لم يجب عليه الهدي، وإذا كان عاجزاً عن الهدي: إما لعدم الدراهم معه، أو لأن معه دراهم لكنه يحتاج إليها للنفقة، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 الحج عن المعاق السؤال عندي ولد مشلول، وأفكر في الحج عنه؛ لأنه لو حج بنفسه فأخاف أن يأتيه الضرر، فهل يجوز أن أحج عنه؟ الجواب إذا كان الولد مشلولاً -كما قلتَ- فإنه يجوز لك أن تحج عنه الفريضة إذا كنتَ قد حججت عن نفسك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 حكم من بلغ وهو جاهل بحكم الصيام السؤال سائلة تقول: امرأة أتاها الحيض وهي في الثانية عشرة من عمرها ولم تصم؛ لأنها تظن أنها لا تكلف إلا ببلوغ الخامسة عشرة، وكان أبوها يضربها على ذلك ويقول: لا تصومي حتى تبلغي الخامسة عشرة، والآن سمعت أن التكليف يبدأ من الحيض فماذا عليها؟ الجواب إذا كانت هذه البنت التي بلغت الحيض في الثانية عشرة من عمرها ولكنها لم تصم حتى أتمت خمس عشرة سنة بناءً على أنها تعتقد أن الصوم لا يلزمها إلا إذا بلغت خمس عشرة سنة، وبناءً على أن أباها كان يضربها إذا صامت، فنقول: إذا كانت في ذلك الوقت تعتقد أن الصوم واجب عليها فإنه يلزمها القضاء؛ لأن ضرب والدها على ترك الصوم لا يؤدي إلى سقوطه عنها، وأما إذا كانت لا تدري كالذي ينشأ في البادية بعيداً عن المدن، بعيداً عن العلماء فليس عليه قضاء. والضابط في هذه المسألة وغيرها: أن الجاهل جهلاً يُعْذَر فيه لا تَلْزَمه الشرائع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الشرائع لا تَلْزَم قبل العلم، واستشهد لذلك بأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: إن الشرائع لا تَلْزَم قبل العلم صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 حكم ستر الجدران السؤال فضيلة الشيخ: ورد النهي عن ستر الجدر فهل هذا النهي للتحريم؟ ثم هل يحصل النهي بستر جهة واحدة أو جميع الجهات؟ الجواب ستر الجدر على قسمين: القسم الأول: أن يكون من الظاهر، فيستر البيت أو الحجرة كما تستر الكعبة، فهذا لا شك أنه منهي عنه؛ لأنه يجعل بيته شبيهاً بالكعبة. القسم الثاني: الستر الداخلي، فهذا لا بأس به إذا احتاجه الإنسان، إما للوقاية من البرد، أو الوقاية من الحر، أو الوقاية من الضوء إذا كان يريد أن ينام؛ لأن البناء الحديث -كما تعرفون- بارد في الشتاء وحار في الصيف، فإذا جعل على الجدار شيء من القماش فإنه يخفف البرودة في الشتاء ويخفف الحرارة في الصيف، فيكون هذا لا بأس به، لأنه ليس المقصود من ذلك الستر لذاته؛ ولكن المقصود ما يحصل من الستر من التدفئة في الشتاء وتلطيف الحرارة في الصيف، أو من الضوء لمن أراد أن ينام على وجه يستريح به في نومه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 حكم انتقال النساء إلى مدينة أخرى مع سائق بدون محرم السؤال بعض المدرِّسات أو الطالبات ينتقلن من مدينة إلى أخرى للدراسة أو التدريس، ينتقلن من عنيزة إلى بريدة أو العكس، ويكون معهن سائق يقوم بتوصيلهن، ولكن السائق لا يكون معه محرم، فأحياناً يكون السفر إلى منطقة بعيدة، فما حكم هذا للمدرسات والطالبات؟ وما حكم راتب هذا السائق؟ الجواب الذي نراه: أن ذهاب المدرسات إلى التدريس في منطقة ويرجعن في يومهن أن هذا ليس بسفر؛ لأنهن لا يتأهبن له أُهْبَة السفر، ولا يُوَدَّعْنَ عند السفر، ولا يُحَيَّيْنَ عند الرجوع، وإذا لم يكن سفراً فإنه لا بأس أن تذهب النساء مع السائق بلا محرم، بشرط: 1- أن يكون مأموناً. 2- ألا ينفرد بواحدة منهن، فإن انفرد بواحدة منهن حرم؛ لأجل الخلوة. وأما بالنسبة لراتب السائق أو مكافأته فلا بأس بها؛ لأنها أجر على أمر مباح. السائل: حتى لو اشترطت إدارة التعليم أن يكون معه محرم؟ الشيخ: إذا اشترطت وزارة التعليم بأن يكون معهن محرم فلا بد من أن يوفَّي بهذا الشرط إذا التزم به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 حكم التطبيل والإيقاع على الطاولة وغيرها السؤال ما حكم التطبيل على الطاولة أو على غيرها؟ الجواب الضرب بالإيقاع على الطاولة وشبهها فأقل ما نقول فيه أنه مكروه؛ لأنه يشبه الضرب على المعازف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 ضابط طلاق السكران السؤال هل طلاق السكران ينفُذ؟ الجواب نحن لا نفتي بهذا إلا إذا وقعت المسألة من شخص بعينه، وأما على سبيل العموم فهذه تَرْجِع إلى المحكمة، إذا رأت أن تنفِّذ الطلاق نفَّذته، وإذا رأت أن لا تنفِّذه فإنها لا تنفِّذه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 حكم كفارة السائق الذي مات ومعه ركاب السؤال فضيلة الشيخ حفظكم الله: من وقع في حادث، وتوفي معه أشخاص من غير تفريط منه هل يجب عليه الصيام؟ الجواب إذا وقع الحادث من غير تفريط من السائق فلا شيء عليه؛ ولكن أود أن تصف لي الحادث كيف كان! السائل: جميع متطلباته، واحتياجات السيارة، مع عدم السرعة. الشيخ: لكن كيف هو؟! كيف حصل؟! السائل: تعني: تقرير المرور؟ الشيخ: ما سببه؟! دعنا من تقرير المرور! السائل: تعرَّض له شخص في الطريق، فوقع الحادث من غير خطأ منه. الشيخ: صُدِم؟ السائل: نعم، خَرَجَت عليه سيارة أخرى ووقع الحادث. الشيخ: طيب! لما خَرَجَت عليه السيارة الأولى هل خَرَجَت في حال لا يتمكن فيها من تلافي الحادث بأن خرجت عليه قريبة منه؟ السائل: هي قريبة جداً. الشيخ: والسرعة عادية؟ السائل: نعم. عادية. الشيخ: ولم يتمكن من عطف السيارة؟ السائل: السرعة حسب أنظمة المرور، وغير متجاوزة للحد. الشيخ: ولم يتمكن من عطف السيارة؟ السائل: لم يتمكن. الشيخ: معنى ذلك أن السيارة خرجت مِن قرية؟ السائل: مِن قرية. الشيخ: هذا ليس عليه شيء؛ لأنه لَمْ يتعدَّ ولَمْ يفرِّط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 حكم العقيقة عن طفل مات بعد ولادته السؤال المولود الذي ولد وتوفي مباشرة هل تجب له العقيقة؟ الجواب إذا ولد المولود بعد تمام أربعة أشهر فإنه يُعَقُّ عنه ويسمى أيضاً؛ لأنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح، ويُبْعث يوم القيامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 حكم نبش المقبرة لشق طريق السؤال هل يجوز نبش القبور من أجل الطريق العام، كأن يكون الطريق لا يصلح إلا من المقبرة، فهل يجوز نبشها ووضعها في مقبرة ثانية من أجل المصلحة العامة؟ الجواب نبش القبور عند الضرورة من أجل الطريق أفتى بعض علماء اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية بجواز ذلك بشرط: ألا يمكن صرف الطريق عن الاتجاه إلى المقبرة، فتنبش القبور وتؤخذ العظام وتوضع في مقبرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 ضابط المسافة التي يُترخص فيها للتيمم السؤال فضيلة الشيخ: هناك مخيمات تكون في البريَّة، فكم المسافة التي يُعذَرون فيها بعدم طلب الماء إذا عُدِم الماء فيتيمَّموا؟ الجواب إذا كان أناس في البريَّة وليس عندهم ماء فإنهم يُعذَرون بالتيمم إذا كان يُشَق عليهم طلب الماء، والعبرة في ذلك العرف، أعني: ما جرت العادة أو ما قال الناس: إنه بعيد، فإنه بعيد، وما قال الناس: إنه قريب، فهو قريب، أي: ليس فيه حد شرعي. السائل: تعني يا شيخ: عشر دقائق بالسيارة مثلاً؟ الشيخ: عشر دقائق بالسيارة بعيد، لا سيما إذا كان الطريق رمالاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 حكم استئناف الوضوء بعد قطع لعارض السؤال بالنسبة لقطع النية في العبادة، فنحن في الجامعة نبدأ في الوضوء، ثم يضرب الجرس، ثم ينوي قطع الوضوء، ثم يعلم أن المدرس لن يحضر، فيرجع إلى الوضوء فهل يكمل أو يستأنف؟ الجواب متى نوى قَطْع العبادة وضوءاً أو غيره في أثنائها فإنها تبطل، فإذا أراد أن يعود فليبدأ من جديد، فإذا شرع في الوضوء ثم ضرب الجرس -كما سألتَ- فنوى قطع الوضوء، ثم بدا له أن يكمل نظراً لأن الأستاذ يتأخر فليستأنف الوضوء من جديد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وهذا قد نوى القطع فينقطع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 جواز الجمع بين سورتين في ركعة السؤال هل يجوز الجمع بين السورتين في صلاة الفريضة في ركعة واحدة؟ الجواب الجمع بين السورتين في صلاة الفريضة أو النافلة لا بأس به، لكن في صلاة الفريضة إذا كان يشق على المأمومين خلفه فإنه لا يفعل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 حكم الإجهاز على الحيوان المصاب السؤال أحياناً نجد الحيوانات في الطريق، مثل: القطط والكلاب قد دهست بالسيارة أو بغيرها فكُسِرت ظهورُها أو أرجلُها؛ لكنها لَمْ تَمُتْ إلى الآن بل فيها بعض الروح، فهل يجوز الإجهاز عليها وقتلها مثلاً بالسيارة وغيرها؟ الشيخ: هل هي من الحيوان المباح؟ السائل: لا، قطط أو كلاب أو غيرها. الجواب لا يجوز الإجهاز عليها، إذا رأيت شيئاً مريضاً من الحيوانات فدعه؛ لأنه ليس من مسئوليتك، فربما يشفى بإذن الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 جواز تأخر المأموم عن متابعة الإمام لحاجة السؤال كما تعلمون أن صلاة الظهر تقام في المدارس مع الطلاب جماعة، فبعض المدرسين المسئولين عن تنظيم الطلبة وتهيئتهم وإيقافهم في الصف يراقبون الطلاب بعد الإقامة حال كونهم واقفين في وسط الصفوف إلى أن يكبر الإمام للركوع فيركعون معه، فهل هذا يعتبر تفريطاً منهم؟ الجواب هذا لا بأس به؛ لأن تأخرهم إلى قرب الركوع لمصلحة وحاجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 حكم السباق بالعوض السؤال تبعاً للسؤال الأول حول السباق: إذا كان كل من المتسابقَين يقول: أنا مني مائة ريال، فإذا سبقت أنت تأخذ مائتي مع مائتك، وإذا سبقتُك أنا آخذ كذلك، فهذا يكون غارماً سالماً أو غانماً سالماً، أي: ستذهب منه مائة إذا سُبِق، أو يأخذ مائة إذا سَبَق! الجواب هذا حرام إلا في ثلاثة أشياء أجازها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في ثلاث: نصل، أو خف، أو حافر) . فهذه جائزة؛ وذلك لأن هذه الثلاث في المسابقة عليها فائدة؛ لأنها آلات الجهاد، وفيها عون على الجهاد، فتكون المسابقة فيها بالعوض جائزة لما يترتب على هذا من المصلحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 جواز القصر للمسافر سفراً مباحاً السؤال إذا ذهب أحدهم للنزهة إلى مسافة بعيدة تستوجب القصر أو الجمع، هل يقصر أو يجمع رغم أنه لم يذهب لسفر معين، وإنما لنزهة فقط؛ ولكنه قطع مائة وخمسين ميلاً أو مائتين أو ما أشبه ذلك؟ الجواب السفر -بارك الله فيك- ما دام مباحاً فإنه يترخص الإنسان فيه برخص السفر ولو كان نزهة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 حكم حج من يرتكب بعض الشركيات السؤال رجل كان عنده شيء من الجهل في العقيدة فكان يذبح لغير الله، ثم إنه حج في أثناء هذه الفترة، ثم بعد فترة من الزمن بعد الحج أقلع عن ذلك وتاب إلى الله سبحانه وتعالى، فهل حجه يجزئ عن حجة الإسلام أم لا؟ الجواب الجواب على هذا نسأل: هل هو جاهل يحسب أن هذا لا بأس به؟ - إن كان جاهلاً لا يدري فحجه صحيح. - وإن كان يدري أن الذبح لغير الله شرك فإن حجه ليس بصحيح. السائل: هو يعلم أن ذلك محرم، وقد سمع في ذلك بعض الفتاوى في هذا؛ ولكن ربما لا يعلم أنه مخرج من الملة، وهو يعتقد أنه إذا لم يذبح سيعود بالضرر عليه؟ الشيخ: الواجب عليه أن يعيد حجه في هذه الحال؛ لأنه يعلم التحريم، وكان عليه حين علم التحريم أن يقلع، ما الذي جعله ينتهك المحرَّم؟! فالاحتياط أن يعيد حجه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 مشروعية العقيقة عن الكبير السؤال رجل له مجموعة من الأبناء والبنات، ولم يَعُقَّ عن أحد منهم، وبعضهم الآن كبار، إما لجهل أو لتهاون في ذلك، فماذا عليه الآن؟ الجواب إذا عَقَّ عنهم الآن فهو حسن، أما إذا كان جاهلاً أو يقول: غداً أعق غداً أعق حتى تمادى به الوقت، أما إذا كان فقيراً في حين مشروعية العقيقة فلا شيء عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 مشروعية العمرة للميت السؤال رجل اعتمر وبعدما أنهى العمرة ذهب إلى الطائف لعمل له، وبعد أن انتهى منه أراد أن يعتمر للميت فهل هذا جائز؟ الجواب لا حرج عليه، إذا اعتمر الإنسان ثم خرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة لسبب، ثم بدا له أن يعتمر لميت فلا حرج. السائل: وإذا تكرر هذا في نفس العام أربع مرات أو خمس مرات؟ الشيخ: ولو تكرر لا مانع، الذي يُنْهَى عنه أن يكون في مكة، ثم يخرج إلى التنعيم ليأتي بالعمرة، هذا هو الذي يُنْهى عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 جواز التوكيل لإخراج زكاة الفطر السؤال إنسان صاحب عمل، وفي آخر رمضان أراد أن يدفع زكاة الفطر عنه وعن أبنائه، فوكل أبناءه ليدفعوا عنه، وذهب إلى بلد آخر من أجل الحراسة وهي وظيفته، فهل توكيله هذا جائز؟ الجواب لا بأس به، يجوز للإنسان أن يوكل أولاده أن يدفعوا عنه زكاة الفطر في وقتها، ولو كان في وقتها في بلد آخر للشغل. السائل: وإن كان قد أبطأ في هذا العمل أيام رمضان، ودفع الزكاة من عنده قبل أن يصل إلى أولاده؟ الشيخ: دفعها في وقتها أم قبل وقتها؟ السائل: في وقتها. الشيخ: لا بأس. السائل: لكنه بعيد عن أولاده. الشيخ: لا يوجد مانع؛ لأن زكاة الفطر تُدْفع في المكان الذي يأتيك الفطر وأنت فيه، ولو كان بعيداً عن بلدك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 مصطلح (الصحوة الإسلامية) في الميزان السؤال بعض الإخوة يقولون: إن كلمة (الصحوة الإسلامية) فيها نظر، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق) ، فيقولون: إن كلمة الصحوة الإسلامية تنافي هذا الحديث المذكور؟ الجواب هذا لا ينافي الحديث؛ لأن الرسول لم يقل: (لا تزال أمتي على الحق) بل قال: (طائفة. ) ، ومعناها أن هناك طوائف أخرى لا تكون على الحق، فالناس يقولون: (صحوة) بالنسبة لحالهم قبل هذه الصحوة، وليس فيها شيء أبداً؛ لأن الحديث يقول: (لا تزال طائفة من أمتي. ) ولم يقل: (لا تزال أمتي. ) وبينهما فرق، قد نكون في بلد يكون الدين فيه ظاهراً، وفي بلد آخر بالعكس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 الضابط في ترخص المسافر برخص السفر السؤال ما هو الضابط للمسافر في رمضان؟ هل يفطر في بيته ثم ينطلق، أم يجاوز البيوت حتى يفطر؟ الجواب لا يجوز للإنسان أن يترخص برخص السفر، لا في ترك الصيام، ولا في قصر الصلاة، ولا في جمعها، ولا التيمم، حتى يغادر البلد، فما دام في البلد ولو كان قد شد رحله فهو في البلد، فلا يترخص. السائل: لو أفطر في بيته ثم انطلق؟ الشيخ: حرام عليه. السائل: فهل عليه قضاء، أو هل عليه شيء؟ الشيخ: القضاء سوف يقضي على كل حال. السائل: والجاهل إذا أفطر؟ الشيخ: سوف يقضي؛ لأنه لا يفطر إلا بعد أن يخرج، فلو خرج من المدينة أفطر ولا بأس. السائل: هذا الرجل فعل هذا وهو جاهل، فأفطر في بيته، ثم سافر وانتقل، فهل نقول: إن عليه كفارة؟ الشيخ: الكفارة ليست إلا في الجماع، الأكل والشرب ليس فيهما كفارة. السائل: يقولون: إن المالكية يرون أنه فيهما كفارة؟ الشيخ: كلامهم ليس بصحيح، مَن قال من العلماء: إن من أفطر بأكل أو شرب أو جماع فعليه الكفارة، فقوله ليس بصواب. السائل: أليس في هذا قياس على أنه جامع في رمضان وعليه كفارة، فأفطر عن عمد؟ الشيخ: الجماع يفارق غيره من المحظورات، ولهذا يفسِد النسك في الحج والعمرة ولا يفسِد غيره من المحظورات، فالجماع له شأن أعظم، ولا يقاس الأدنى على الأعلى. السائل: إذاً قولهم غير صحيح؟ الشيخ: إي نعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 من نوى العمرة ثم مرض قبل وصوله الميقات السؤال رجل ذهب إلى مكة المكرمة ناوياً العمرة، ثم مرض في الطريق قبل أن يصل الميقات، فذهب إلى المستشفى بـ جدة بدون إحرام، فمكث يومين في المستشفى ثم أتى مكة وهو غير محرم؟ الجواب ليس فيه مانع؛ ما دام أنه عدل عن النية قبل أن يبدأ بالإحرام فلا بأس، أما إذا أحرم ثم جاءه المرض فهذا يبقى على إحرامه حتى يشفى. الذي فهمتُ من سؤالك الآن أنه مرض قبل الميقات ثم عدل عن العمرة، فلا بأس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 الحلف كذباً لإصلاح ذات البين السؤال هناك عائلة لديهم مشكلة، فأراد شخصٌ أن يصلح بينهم، فاتفق مع شخص آخر للإصلاح بينهم، وقال لمن اتفق معه: لا تخبرهم أني معك في الصلح، ثم ذهب أحدهما للصلح وحلفه أصحاب المشكلة، فحلف أنه ليس معه وأنه يريد الصلح بينهم، فهل عليه شيء؟ الجواب يجب عليه أن يتأول فيقول: والله ما قال لي، يعني مثلاً: إذا كان قال له في النهار يقول: لم يقل لي في الليل، فينوي؛ لكن ما دام أنه جاهل فليس عليه شيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 حكم الرضاعة من حليب المرأة في كأس السؤال امرأة حلبت للطفل من ثديها في فنجان القهوة لمدة ثلاثة أيام صباحاً ومساءً، فهل هو ابن لها من الرضاعة أم لا؟ الجواب يكون هذا ولد لها؛ لأن المرأة إذا أرضعت الطفل سواء من ثديها أو من فنجان حَلَبَتْه من ثديها خمس مرات فأكثر فهو ولد لها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 المفاضلة بين جمع التقديم أو التأخير في الصلاة للمسافر السؤال ما هو الأفضل في السفر، جمع التقديم أم جمع التأخير؟ الجواب الأفضل في السفر في الجمع أن تفعل الأهون عليك، فإن كان الأهون التقديم فقدم، وإن كان الأهون التأخير، فأخر. الأفضل هو: الأهون عليك، مِن التقديم أو التأخير، أما القصر فهو سنة مطلقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 المرور بالميقات لمن لا يريد العمرة السؤال ذهبنا من جدة إلى الطائف لزيارة أحد الأقارب، وفي أثناء ذهابنا مررنا على مكة، وفي نيتنا أن نأتي بعمرة عند الرجوع، وفي أثناء رجوعنا من الطائف إلى مكة مررنا بالميقات، وأحرمنا من السيل فهل عمرتنا صحيحة -إن شاء الله- أم علينا شيء؟ الجواب إذا مر الإنسان بالميقات وهو لا يريد العمرة، يريد الطائف -مثلاً- ودخل مكة وخرج إلى الطائف وفي نيته أن يأتي بالعمرة بالرجوع من الطائف فلا حرج عليه، يحرم من السيل وعمرته تامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 التكبير الجماعي أيام العيد ودبر الصلوات السؤال توجد ظاهرة وهي: أن التكبير يوم العيد قبل الصلاة يكون جماعياً، ويكون في ميكرفون، وكذلك في أيام التشريق يكون جماعياً في أدبار الصلوات، ويقولون: هذا قياساً على الأذان، فما حكم هذا؟ الجواب التكبير في عشر ذي الحجة ليس مقيداً بأدبار الصلوات، وكذلك في ليلة العيد -عيد الفطر- ليس مقيداً بأدبار الصلوات، فكونهم يقيدونه بأدبار الصلوات فيه نظر، ثم كونهم يجعلونه جماعياً فيه نظر أيضاً؛ لأنه خلاف عادة السلف، وكونهم يذكرونه على المآذن فيه نظر، فهذه ثلاثة أمور كلها فيها نظر. والمشروع في أدبار الصلوات أن تأتي بالأذكار المعروفة المعهودة، ثم إذا فرغت كَبِّر، وكذلك المشروع ألا يُكَبِّر الناس جميعاً، بل كلٌّ يكبر وحده، هذا هو المشروع كما في حديث أنس: (كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم المهلل ومنهم المكبر) ، ولم يكونوا على حال واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 النية للجمع في السفر السؤال ذهب أناس رحلة، والمسافة أكثر من (150كم) ، فصلَّوا صلاة المغرب، وبعد أن صلوا المغرب قالوا للإمام: اجمع بنا، وبعد المشاورة قاموا فجمعوا، فلما انتهت الصلاة قال أحدهم: ما كانت نية الإمام الجمع فلا بد أن تعيدوا الصلاة، أو أن تصلوها في وقتها، فما قولكم في المسألة؟ الجواب الصحيح أنه إذا وجد سبب الجمع سواء في سفر، أو مرض، أو مطر، أو غير ذلك من الأسباب التي تبيح الجمع فإن الجمع جائز سواء نواه قبل الصلاة أو بعد الصلاة، وعلى هذا ففِعل هؤلاء الإخوة جائز، ولا يُعْتَرَض عليهم ما داموا في سفر بعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 حكم السفر لمن سكن في غير بلده ثم جاء بلده زائرا ً السؤال شخص يسكن في الرياض، ويأتي إلى أهله بـ القصيم لمدة يومين أو ثلاثة، فهل ينطبق عليه أنه مسافر؟ الجواب إذا سكن الإنسان في بلد غير بلده الأول، وكان له في البلد الأول أهل، ثم جاء زائراً لهم فإن حكمه حكم المسافر، له الفطر في رمضان، وإذا فاتته الصلاة يصلي ركعتين، ويمسح على جواربه ثلاثة أيام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 امرأة أسقطت ولم تتأكد من تخلق الجنين السؤال امرأة أسقطت منذ زمن بعيد، ومكثت خمس عشرة يوماً ثم سألت، ولم تتأكد هل هو مُخَلَّق أم غير مُخَلَّق، فقيل لها: صلي، فأخذت تصلي كل فرضٍ في وقته، ثم قيل لها: لا يجوز ذلك؟ الشيخ: لكن هذه المرأة التي أسقطت هل خرج منها؟ السائل: تقول: خرج لحمة. الشيخ: لم تتأكد؟ السائل: لم تتأكد؛ لكنها متأكدة من أنها أسقطت. الشيخ: كم لها حامل؟ السائل: ربما ثلاثة أو أربعة أشهر. الشيخ: هذا معناه أنه نفاس، إذا كان له أربعة أشهر فهو نفاس يقيني. السائل: قيل لها: إنه نفاس؛ لكن بالنسبة للصلاة يا شيخ؟! الشيخ: ليس عليها صلاة، النفساء ليس عليها صلاة. السائل: وهل يجوز لها أن تصلي مع كل وقت وقتاً آخر؟ الشيخ: لا لا، إذا فات الإنسان صلوات فإنه يصليها مباشرة. السائل: ولو كان عدداً كثيراً؟ الشيخ: لو يصليها اليوم فهو أحسن. السائل: ولو فعل؟ الشيخ: لو فعل ليس عليه شيء إن شاء الله؛ لأن الجاهل له حكمه؛ ولكن العالم له حكم آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وجوب زكاة الحلي المستعمل السؤال كيف نرد على من لا يرى زكاة الذهب؟ الجواب نرد عليه بالأحاديث الواردة في هذا، وقد بينَّاها في رسالتنا الصغيرة؛ صغيرة وهي كبيرة في الواقع؛ لأن جميع الأدلة التي استدلوا بها قد رددنا عليها ضمناً في هذه الرسالة، اسمها: رسالة في وجوب زكاة الحلي على ما أظن، راجعْها وإن شاء الله تجد ما يشفيك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الشيعة وذكر طوائفهم السؤال فضيلة الشيخ: بفضل الله أقوم بتدريس مادة الجغرافيا في الجامعة، فسألني أحد الطلبة عند تقسيمي لسكان العالم حسب الأديان: أن هناك جزر في قارة أفريقيا، تسمى: جزر القمر، انتشرت فيها الشيعة، فسألني: مَن هم الشيعة؟ وما هي طوائفهم؟ وهل نكفر إحدى هذه الطوائف؟ فأرجأت السؤال حتى أسأل سيادتكم؟ الشيخ: هذا الجواب يحتاج إلى بسط. السائل: إجابة مختصرة؟ الشيخ: لا تنفع الإجابة المختصرة؛ لأن هذه المسألة خطيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ السؤال فضيلة الشيخ -أكرمك الله- هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ؟ الجواب (إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب) ، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب؛ لكن هذا القياس غير صحيح؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب. وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 الواجب نحو المناهج التعليمية وكيفية تعديلها السؤال فضيلة الشيخ -جزاك الله خيراً- ما الواجب نحو المناهج التعليمية وكيفية تعديلها؟ الجواب الذي أرى أن تعديل المناهج لا ينبغي أن يكون من فئة واحدة، بل من فئات متعددة، كل في مجال تخصصه: منها ما يتعلق بالأمور الطبيعية، ومنها ما يتعلق بالأمور الأخلاقية، واللغوية، وغير ذلك، فلا ينبغي أن يُوْكَل هذا إلى فئة معينة من الناس. والذي يجمع هذه الفئات جميعاً هو اتصافها بصفتي القوة والأمانة، وقد أشار الله عز وجل إليهما في كتابه بقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] . وقال الجني لما التزم بإحضار عرش بلقيس: {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:39] ، فلا بد أن تكون الهيئة متعددة الفئات، ولا بد أن يكون عندها قوة فيما تنظر فيه، ولا بد أن يكون عندها أمانة، تراعي المصلحة الدينية قبل كل شيء. وحينئذٍ نرى أنه لا بد من عرض المناهج المعدَّلة على هيئة كبار العلماء لإقراره، وإبعاد ما يخالف الشرع؛ لأن في ذلك إبراء للذمة -أي: ذمة ولي الأمر- وفي ذلك -أيضاً- سلامة من اعتراض معترض فيما يُسْتَقْبل على هذه المناهج. ثم إن هذه مسألة مِن أحوج ما يكون بالنسبة لشئون الأمة؛ لأنها ستربي أجيالاً، يكون في يدها زمام الأمة، تقود الأمة إلى الهاوية أو إلى العُلى. فالواجب النظر العميق الدقيق في هذه المناهج، وأظن أن الدولة -وفقها الله- سوف تحرص غاية الحرص على مثل هذا، ونسأل الله أن يوفقها لما فيه الخير والصلاح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 حكم شراء الأسهم التجارية السؤال بعض الناس يشتري الأسهم ولا يريد الاتجار بها؛ ولكنه يساهم قبل التخصيص من أجل انتظار ارتفاع أسعار الأسهم، فما رأيكم؟ جزاكم الله خيراً. الجواب شراء الأسهم لا بد أن نعرف ما هو الشيء الذي يريد أن يساهم فيه، إذا كان شيئاً محرماً كالبنوك فإن المساهمة فيها حرام مطلقاً، ولا يجوز لأحد أن يساهم فيها، وأما غيرها من المساهمات فالأصل الحل حتى يقوم الدليل على أن هذه المساهمة حرام. ومن المحرم في المساهمة أن تكون الشركة تتعامل بالربا، وإن كان أصلها ليس ربوياً، مثل: أن تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها ربا، أو أن تأخذ من البنوك وتعطي الربا، فتكون هنا آكلة للربا ومُوْكِلة، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومُوْكِله) فإذا علمنا أن الشركة تعمل هذا ولا بد، فلا تجوز المساهمة فيها، وإذا لم نعلم -فكما قلت لكم- الأصل الحل؛ لكن لو ساهمتَ ثم تبين لك فيما بعد أن الشركة تتعامل مع البنوك هذه المعاملة التي وصفتُ، فإنك إذا قبضتَ الربح وعلمتَ مقدار النسبة الربوية فأخرجها تخلصاً منها، وإذا لم تعلم فتصدق بنصف الربح احتياطاً لا لك ولا عليك، فإذا علمت هذه القاعدة في المساهمات فإنها تتلخص فيما يأتي: أولاً: المساهمة في البنوك حرام بدون تفصيل. ثانياً: المساهمة في غيرها الأصل فيه الحل، إلا إذا علمت أنها تتعامل مع البنوك معاملة ربوية فإنه لا يجوز الاشتراك، وإذا كنتَ قد تورطتَ فأخرج نسبة الربا من الربح الذي تعطى إياه، وإن لم تعلم النسبة فأخرج نصف الربح. هذه هي خلاصة القول في المساهمات. أما كون الإنسان يساهم قبل التخصيص من أجل انتظار ارتفاع أسعار الأسهم فهذا لا بأس به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 حكم إرسال الأضاحي إلى مكان آخر السؤال مسألة إرسال الأضحية إلى المجاهدين، البعض يقول: الأفضل أن ترسل إلى المجاهدين وتذبح عندهم، والبعض الآخر يقول: لا بل الأفضل أن تذبح هنا، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب القائل: بأن الإرسال إلى هناك أفضل مخطئ في هذا القول؛ لأن الأضحية من شعائر الإسلام الظاهرة، وليس المراد بها شيئاً مادياً وهو الانتفاع باللحم، كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وأهم مقصود منها: هو التقرب إلى الله بالذبح، حتى تكون شعيرة ونُسُكاً، ودليل ذلك: أن الأضحية لها أحكام خاصة: منها: أن تكون في وقت معين. ومنها: أن تكون من جنس معين. ومنها: أن تكون على وصف معين. ومنها: أن تخلو من العيوب. ولو كان المقصود مجرد اللحم لجازت في كل وقت، ومن كل جنس، وعلى أي وصف، ومعيبة أو غير معيبة، فمثلاً: الأضحية لا تكون إلا في أيام الذبح، يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعدهن. وأيضاً: الأضحية لا بد أن تكون في يوم العيد من بعد الصلاة. ولا بد أن تكون من جنس معين، وهي بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، فلو ذبحتَ فرساً وتصدقت به على أنه أضحية لم يجزئ. ولا بد أن تكون من سن معين، وهي: أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنياً مما سواه، ولو كان المقصود اللحم لجازت في الفرس، ولجازت بما دون هذا السن. ولا بد أن تكون سليمة من العيوب التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أربع لا تُجَوِّز الأضاحي: العوراءُ البَيِّنٌ عَوَرُها، والمريضةُ البَيِّنٌ مَرَضُها، والعرجاءُ البَيِّنٌ ضَلْعُها، والعجفاء -أي: الهزيلة- التي لا تنقي وليس فيها نقي) أي: ليس فيها مخ. ولو كان المقصود بها اللحم لجازت مع هذا العيب؛ لأن العوراء لا يؤثر عَوَرُها على لحمها. فإذا علمت ذلك تبين لك أن الأضحية عبادة مشروعة بذاتها، لا أنها مجرد تصدُّق باللحم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة الأضحية، فقال: (مَن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ولا نسك له) ، وهذا واضح من أنه ليس المقصود به مجرد اللحم، وإذا كان كذلك فإننا نرى أن لا يُبْعَث بالأضاحي إلى أفغانستان، ولا إلى غيرها من البلاد الإسلامية الفقيرة؛ لأن ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم: فإن مِن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يذبح الإنسان الأضحية بيده، فإن لم يُحسن وكَّل مَن يضحي. ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم: أن يشهد الأضحية. ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله به: أن يأكل منها، كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] كلوا منها، والأصل في الأمر الوجوب، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى وجوب أكل المضحي من أضحيته، وكيف يتأتى الأكل وهي في الشرق أو في الغرب؟! ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية: أن يسمي عليها، فيقول: (باسم الله والله أكبر، هذا منك ولك، عني وعن أهل بيتي) وكيف يمكن هذا وهي في الشرق أو في الغرب؟! ولا شك أننا لو قلنا بإرسال الأضحية إلى بلاد أخرى لعطلنا البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة؛ لأن كل الناس يحبون الأفضل. فإذا قيل لَهُم: الأفضل أن تبعثوا بأضحياتكم إلى المكان الفلاني، تعطلت البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة الإسلامية. ثم إن الأضاحي من أحكامها: أنه إذا دخل العشر فإن الإنسان يُنْهَى أن يأخذ شيئاً من شعره، أو بشرته، أو ظفره، حتى يضحي، وإذا أرسلتها يميناً أو شمالاً فلا تدري متى يضحون! فهذه الفتوى لا شك أنها خطأ، ومن أراد أن ينفع المسلمين فليفعل؛ لكن بغير الشعيرة الإسلامية، فالشعائر تبقى، ونفع المسلمين يحصل من باب آخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 حكم التبرع بنفقة حج النفل السؤال التبرع بنفقة حج النفل أفضل، أم الحج بها أفضل؟ الشيخ: يحج الإنسان عن نفسه؟ السائل: بدلاً من أن ينفق النفقة في سبيل الله يأخذها ويحج، مثلاً: إذا كان ينفق في الحج خمسة آلاف أو ثلاثة آلاف فإنه يتصدق بها! الجواب الحج أفضل من الصدقة، إلا إذا كان في المسلمين ضرورة فَدَفْعُ الضرورة عن المسلمين أفضل من حج النفل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 حكم التصوير واقتناء الصور السؤال مسألة التصوير يا فضيلة الشيخ! يخطئ كثير من الناس في فهم ما تريده؟ الجواب التصوير باليد على شكل التمثال لا شك في تحريمه إذا كان التصوير لذوات الأرواح، كما لو صنع من الجبس أو غيره صورة أسد أو صورة فرس أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام وفاعله داخل في لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم، في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي جحيفة أنه: (لَعَنَ المصورين، وقال: المصورون أشد الناس عذاباً يوم القيامة) والتحريم في هذه الصورة التمثالية محقق؛ لأنها جسم ذو أعضاء ورأس، فهو مضاهٍ لخلق الله تماماً. واختلف العلماء رحمهم الله في الصورة الملونة التي ليس لها جسم، هل تدخل في الحديث، أو لا تدخل؟ فمنهم من قال: إنها داخلة. ومنهم من قال: إنها غير داخلة. والصحيح: أنها داخلة في لعن المصورين؛ لأن مسلماً روى من حديث أبي الهياج عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال له: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألا تَدَعَ صورة إلا طمستَها، ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيْتَه. وفي لفظ: ألا تدع تمثالاً إلا طمستَه) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم (لما رأى النمرقة التي فيها صور عُرفت الكراهية في وجهه، ولم يدخل البيت، وقال: إن أهل هذه الصور يعذبون، يقال: أحيوا ما خلقتم) . فهاهنا شيئان: الشيء الأول: الصورة على تمثال مجسم، هذه حرام لا شك فيها. الشيء الثاني: الصورة بالتلوين باليد، فهذه مختلف فيها، والصحيح: أنها حرام وداخلة في اللعن. وأما التصوير بالآلات الحديثة؛ الكاميرات، فهذه نوعان: 1- نوع يحتاج إلى تحميض وتعديل باليد، فهذا للتحريم أقرب؛ لأن الإنسان له فيها عمل بيده. 2- نوع فوري لا يحتاج الإنسان فيه إلى عمل، فهذا لا يدخل في التصوير المحرم؛ لأن الرجل لم يصوِّر حقيقة، والتصوير تفعيل مِن صَوَّرَ الشيءَ أي: جَعَلَه على صورة معينة، ومُلْتَقِط الصورةَ بالكاميرا لم يعمل شيئاً، غاية ما هناك أنه سلط أضواء معينة على جسم فانطبع هذا الجسم، ولهذا يحدث هذا التصوير من الرجل الأعمى ومن الإنسان المبصر، وهو في ظلمة، وليس له فيه أي عمل. لكن يخفى على بعض الناس الفرق بين التصوير وبين اقتناء الصور، فيظن أنهما متلازمان، وهما ليسا كذلك. ولهذا فرق الفقهاء بينهما، فقالوا: يحرم التصوير واستعمال ما فيه صورة، فجعلوا التصوير شيئاً، وجعلوا استعمال ما فيه صورة شيئاً آخر. فنقول: اقتناء الصور لا يجوز إلا للضرورة، أو إذا كانت الصورة لا يؤبه بها كما يوجد في الكراتين وفي علب بعض المشروبات، فهذا لا يؤبه به، وليس مقصوداً؛ ولكن الشيء المقصود هو الذي يُحْفَظ، فهذا لا يجوز إلا للضرورة، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس الآن من التصوير للذكرى واقتناء ذلك ليتذكره؛ ليتذكر أولاده وهم صغار، أو ليتذكر رحلة قام بها مع أصحابه، فإن هذا لا يجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. قد يقول بعض الناس: إن هذا تناقض، كيف تقول في الأول عند التقاط الصورة: إن هذا ليس بتصوير، ثم تقول: اقتناء هذه الصورة يحرم إلا لحاجة؟! فنقول: لا تناقض؛ لأن الصورة موجودة الآن ولو بالآلة، فيقال: هذه صورة لا تقتنيها. والدليل على هذا: أن الرجل يقابل المرآة -مثلاً- فإذا قابل المرآة قيل: هذا -أي: الذي في المرآة- صورة مع أنها لا تبقى، فالصورة أعم من كونها مصورة باليد أو مصورة بالآلة، وعموم الحديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) يشمل هذا وهذا. السؤال: ما حكم الصور على ملابس الأطفال؟ الجواب: الصور على الملابس سواء للأطفال أو للكبار محرمة، لا يجوز أن يلبس الإنسان شيئاً فيه صورة، سواء كانت الصورة نقوشاً في كل اللباس، أو كانت الصورة ملصقة في أعلى اللباس، صورة بلاستيك أو مخيطة. السؤال: شراء قوارير الأطياب والشامبو وغير ذلك مما يوجد عليها صور، ما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن الصور الموجودة على قوارير الأطياب أو الشامبو أو ما أشبهها؛ لا شك أنها صور خليعة فاسدة، يُقصد بها فتنة الناس؛ ولكن كيف نتخلص منها؟ إذا كنا سنشتري الشامبو لأجل الانتفاع به فكيف نتخلص؟! أرى أن مثل هذه إذا ابتليتَ بها فاطمس وجهها ودعها تبقى عندك، وإن كانت التي في البيت لا يؤبه بها ولا يُهْتَم بها فهي من جنس الصور المهانة. السؤال: والصور في الفيديو؟ الجواب: المصوَّر في الفيديو ليس صوراً. السائل: ما رأيكم في التصوير بالفيديو؟ الشيخ: لا أجزم بالتحريم؛ لكن فيه إضاعة وقت ومال، وليست المسألة إضاعة الوقت عند التصوير فقط، بل إضاعة الوقت حتى عند مشاهدتها، فيغريه الشيطان بمشاهدتها كل وقت، كلما فكر ذهب فشغَّل الفيديو ونظر إلى هذه الصور، فهي أقل ما فيها أنها ملهية، والتحريم لا أجزم به. أما إذا كان تصوير الفيديو لمصلحة دينية أو علمية نافعة فلا بأس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 حكم تأخير الحمل لمصلحة يراها الزوج السؤال يرى الزوج تأخير الحمل لزوجته لمصلحة، ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم موانع الحمل من الحبوب واللولب وغيرها؟ الجواب لا شك أن موانع الحمل من الحبوب أو العقاقير خلاف المشروع، وخلاف ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من أمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد من أمته تكثير النسل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) . وقد امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة، فقال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} [الإسراء:6] . وذكَّر شعيبٌ قومَه بالكثرة، فقال: {إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف:86] . وما محاولة تقليل النسل في الأمة الإسلامية إلا خدعة من أعداء المسلمين سواء كانوا من المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام، أو من الكفار الذين يصرحون بالعداوة للمسلمين. لكن أحياناً تدعو الضرورة إلى التقليل من الولادة لكون الأم لا تتحمل ويلحقها الضرر، فحينئذٍ نقول: لا بأس بذلك، ويُسْلَك أخفُّ الضررَين، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعزِلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولَمْ يُنْهَوا عن ذلك، وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد سئل عن العزل؟ فقال: (هو الوأد الخفي) فهذا يدل على أنه وإن كان جائزاً فإن فيه شيئاً من الكراهة. وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ظاهرة ذُكِرت لنا، وهي: أن كثيراً من المولِّدين أو المولِّدات في المستشفيات يحرصون على أن تكون الولادة بطريقةِ عملية، وهي ما تسمى بالقيصرية، وأخشى أن يكون هذا كيداً للمسلمين؛ لأنه كلما كثرت الولادات على هذا الحال ضَعُفَ جِلْدُ البطن وصار الحمل خطراً على المرأة، وصارت لا تتحمل، وقد حدَّثني بعض أهلِ المستشفيات الخاصة بأن كثيراً من النساء عُرِضْن على مستشفيات فقرر مسئولوها أنه لا بد من قيصرية، فجاءت إلى هذا المستشفى الخاص فوُلِّدت ولادة طبيعية، وذَكَرَ أكثرَ من ثمانين حالة من هذه الحالات في نحو شهر أو أقل أو أكثر قليلاً، وهذا يعني أن المسألة خطيرة، ويجب التنبُّه لها، وأن يُعْلَم أن الوضع لا بد فيه من ألم، ولا بد فيه من تعب، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] ، وليس لمجرد أن تحس المرأة بالطَّلْق تذهب وتُنْزِل الولد حتى لا تحس به، فالولادة الطبيعية خير من التوليد، سواء عن طريق القيصرية أو غيرها؛ لكن إذا وُجِدَت مشقةُ غيرَ عادية فحينئذٍ تذهب وتَحْذَر من القيصريات بقدر ما تستطيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 إرسال المساعدات للمسلمين وفيهم مبتدعة السؤال بالنسبة لدعم المسلمين في الخارج، البعض يقول: هناك فئات معينة عندها بدعة، لا تُدْفَع الأموال إليها، فما هو الضابط؟ الجواب المسلمون في الخارج لا شك أن كثيراً منهم -وليس كلهم- عندهم بدعة، والبدعة: منها: ما يُعْذَر فيه الإنسان، ومنها: ما يَصِل إلى درجة الفسق، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر. فأصحاب البدعة المكفِّرة: لا تجوز معونتهم إطلاقاً، وإن تسمَّوا بالإسلام؛ لأن تسمِّيْهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على بدع مكفِّرة بعد البيان يُلْحِقُهُم بالمنافقين الذين قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1] ، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] . أما البدع المفسِّقة، أو التي يُعْذَر فيها الإنسان بتأويل سائغ: فإن بدعتهم هذه لا تمنع من معونتهم، فيعاوَنون على أعدائهم الكفار؛ لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 كيفية توزيع الزكاة السؤال أحد الأئمة يقول: تصل إليَّ أموال طائلة من الزكاة في رمضان المبارك فهل يجب توزيعها مباشرة، علماً بأنه قد تصل إلى بعض الفقراء فلا يحسنون تصريفها، أم يَصْرِفَها على الفقراء بناء على أقساط طوال السنة؟ الجواب يُنْظَر في هذا إلى المصلحة، فمتى وُجِد أهلاً لها في أسرع وقت ممكن وجب صَرْفُها؛ لأنه مؤتَمَن. وأما إذا كان يَخْشى إذا بادر بها أن تُصْرَف في غير محلها، فلا حرج أن يَنْتَظِر حتى يَجِد أهلاً لها؛ ولكن إذ تقدم أحدٌ هو أهل لها فليُعْطِه قدر حاجته، ولو استغرق شيئاً كثيراً من الزكاة، مثلاً: لو تقدم رجل مدين بمائة ألف، وهو يعلم أنه صادق بأنه مدين، وأنه لا يجد الوفاء، وأعطاه مائة ألف من الزكاة أي: قضى دينه الذي عليه من الزكاة فلا حرج، وقد يشِحُّ إذا رأى المبلغ كبيراً، وهذا لا ينبغي، صحيحٌ أننا قد لا نوفي جميع الديون عند الشخص مخافة أن يتلاعب ويهون عليه الدين في المستقبل، والإنسان يَنْظُر في هذا إلى الحكمة، المهم أنه متى صَرَف الزكاة في أهلها في أقرب وقت فليصرفها ولا ينتظر، أما إذا لم يمكن فلا حرج عليه أن يؤخر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 حكم استثمار الجمعيات الخيرية لأموال الزكاة السؤال أحد الإخوة من الجمعية الخيرية أخبره بعض المسئولين: أن أموال الزكاة لدى الجمعية الخيرية أحياناً يُسْتَثْمر، فما حكم هذا الأمر المذكور؟ الجواب الجمعية الخيرية عندها إذن من الحكومة، وأظن أن من جملة ما أُذِن لها فيه تقبُّل الزكوات، فهي إذا وصلتها الزكاة فقد وصلت مستحقها بناءً على أنها نائبة عن الحكومة، فتبرأ ذمة المزكي إذا أوصلها إلى الجمعيات الخيرية، فلو قدر أنها تلفت عند الجمعيات الخيرية لم يضمن المزكي؛ لأنه أداها إلى أهلها الذين قاموا بقبضها نيابة عن الحكومة، وأما استثمارها في شراء العقارات وشبهها فلا أرى ذلك جائزاً؛ لأن الواجب دفع حاجة الفقير المستحق الآن، وأما الفقراء في المستقبل فأمرهم إلى الله؛ لكن كوننا نجعلها في عقارات للاستثمار وهي زكاة تدفع الحاجة الملحة، أقول: إن هذا حرام ولا يجوز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 حكم الاقتراض لشراء الهدي في الحج السؤال بعض الحجاج يكون معهم دراهم، وهو ممن يجب عليه الهدي فتُسْرق منه أو تضيع، فهل له أن يقترض مِمَّن يعرفه لأجل شراء الهدي؟ الجواب له أن يقترض إذا كان يجد وفاءً في بلده عن قرب، أما إذا كان معسراً ولا يرجو الوفاء عن قرب فلا يقترض، بل يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، أما وجوب الاقتراض فلا يجب؛ لكن هل يجوز أم لا؟ فيه التفصيل الذي سمعتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 حكم ذبح الهدي وتركه حتى تحرقه البلدية السؤال أكثر الحجاج يذبح هديه ثم يتركه في المكان الذي ذَبحه فيه ولا يوزعه، فتأخذه البلدية فترميه في المحرقة، فما حكم هذا؟ الجواب الواجب على من ذبح الهدي أن يبلغه إلى أهله؛ لقول الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ، وكونه يذبحها، ثم يلقيها تُحْرَق لا تبرأ بذلك الذمة، فيجب عليه أن يضمن، أقل ما يقع عليه اسم اللحم؛ كيلو أو ما شابهه يتصدق به في مكة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 الإعداد للجهاد في سبيل الله السؤال ما حكم الإعداد في سبيل الله! وعلى مَن يكون؟ الجواب الإعداد للجهاد في سبيل الله فرض كفاية، والمخاطَب بذلك ولاة الأمور؛ لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ، ويكون في أحسن موضع يُتَلَقى فيه هذا الإعداد، فكما قلتُ: يخاطَب بذلك ولاة الأمور، أما أفراد الناس فهم لا يستطيعون في الغالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 الجمع في السفر وكيفيته السؤال البعض يتساهل والبعض يتشدد في الجمع في السفر، والبعض يقول: إذا استقر في مكانه الذي يريد الوصول إليه يجمع، والبعض يقول: لا. إذا اشتد به السفر وهو في الطريق؟ الجواب الجمع للمسافر سنة عند الحاجة إليه، وذلك إذا جَدَّ به الطريق، أي: إذا استمر في سفره، فيجمع جمع تقديم إن كان أسهل له، أو جمع تأخير إن كان أسهل له، أما إذا كان مقيماً في البلد أو مقيماً في المستراح في البر، فإن كان مقيماً في مستراح في البر فالأفضل ألا يجمع، وإن جمع فلا بأس، وإن كان مقيماً في بلد فالواجب أن يحضر صلاة الجماعة، ولا يجوز أن يتخلف عن الجماعة باسم أنه مسافر؛ لأن المسافر لا تسقط عنه الجمعة ولا الجماعة إذا كان في بلد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] والمسافر من الذين آمنوا، ولأن الله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يصلي بأصحابه جماعة في حال القتال، والقتال لم يكن إلا في سفر. وأما ما اشتهر عن بعض الناس من قولهم: إنه إذا كان مسافراً فلا جماعة عليه ولا جمعة، ففي هذا نظر، وقد نص العلماء رحمهم الله على أن المقيم في بلد تلزمه الجمعة، لكن قالوا: إنها تلزمه بغيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 حكم التمتع في الحج السؤال إذا كنت أريد الحج وأنا عند أهل بلد لا يرون الإفراد، فهل الأفضل أن أفرد أم أتمتع؟ الشيخ: من هم أهل البلد، هل هم أهل مكة؟ السائل: أهل قريتي. الشيخ: أهل قريتك ما عليهم منك؟! إذا كنت في بلد لا يرى (الإفراد) فقولهم هذا ضعيف، مخالف لهدي الخلفاء الراشدين، وليس أفقه من الخلفاء الراشدين، ولا ابن عباس أفقه من أبي بكر وعمر، وقد سئل أبو ذر رضي الله عنه: [هل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لهم خاصة، أم للناس عامة؟ فقال: لنا خاصة] . والصواب: ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله: أن التمتع واجب على الصحابة الذين كلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حتى تثبت هذه الشعيرة وهي جواز العمرة في أشهر الحج لمن أراد الحج. وأما مَن بعدهم فالأمر في حقهم على سبيل الاستحباب في التمتع؛ ولكن لو أفرد الإنسان فإن ذلك جائز. ثم على فرض أن هؤلاء القوم يرون وجوب التمتع إلا على مَن ساق الهدي، فلهم رأيهم ولك رأيك، وأنت إذا أفردت فقد فعلت جائزاً؛ لكن تركت مستحباً. فالأفضل التمتع سواء كانوا أهل بلدك يرون ذلك أم لا يرونه. إذاً الأفضل لك التمتع على كل حال، أما أنه يُحَرِّم الإفراد فهذا غير صحيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 الواجب تجاه المنكرات التي ترتكب السؤال الجلوس في مكان فيه منكر قد يكون في إزالته، أو الخروج من مكانه يسبب ضرراً يسيراً كأن يَغْضَب الموجود من قرابته أو أهله، والبعض -الحقيقة- يروي قصة يحتج بها يقول: إنه رآك مرة في العارضة النجدية سمعتَ فلا قمتَ ولا أنكرتَ، فهل هذا صحيح؟ الجواب أولاً: الجلوس مع أهل المنكر مع استطاعة الإنسان أن يقومَ مشارك لهم في الإثم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] يعني: إن قعدتم فأنتم مثلهم، ولا يحل لأحد أن يقعد مع أهل المنكر، إلا إذا كان في خروجه ضرر، أما مجرد أن يَغْضَب أهله أو ما أشبه ذلك فهذا ليس بعذر، فلو كان أهله مثلاً يفتحون التلفاز على شيء محرم ونهاهم؛ ولكن لم ينتهوا وجب عليه أن يقوم، فإذا قال: إن قمتُ يزعل عليَّ أبي أو أمي أو الزوجة أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن يبقى، بل يجب أن يقوم ولو غضبوا؛ لأن التماس رضا الناس بسخط الله يعني تقديم ما يرضاه الناس على ما يرضاه الله -والعياذ بالله-. وأما ما نسب إليَّ من الجلوس في العارضة النجدية: فأولاً: هذا صحيح، جلستُ لأني كنت أخاطب شخصاً أعتقد أن في مخاطبته فائدة كبيرة أكبر من قيامي، على أن العارضة النجدية يجوِّزها بعض العلماء في المناسبات كالأعياد وشبهها، ويَسْتَدل بفعل الأحباش في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يلعبون برماحهم أمام عين الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أذن لـ عائشة أن تنظر إليهم فكان يخفيها وهي تنظر من على كتفه عليه الصلاة والسلام، فيُهَوِّنُ هذه المسألة أنها فُعِلَت في مناسبة قد تكون مبيحةً لهذا اللهو. وثانياً: أني كما قلتُ لك: كنتُ أخاطب مَن أرى أن في مخاطبته مصلحة كبيرة تربو على مفسدة حضوري لشيء فيه خلاف في جوازه فإن هذا يجرُّنا إلى مسألة أخرى، وهي مسألة خلافية: إذا كان الإنسان يفعل الفعل وأنت ترى أنه حرام وهو يرى أنه مباح، فهل يجوز أن تبقى معه لأنه فعل محرماً عندك، أم لا يجوز؟ قد يقول بعض الناس: يجوز أن تبقى معه؛ لأن هذا الفعل عنده ليس بمحرم. وقد يقول الناس: إنه لا يجوز؛ لأن هذا الفعل عندك محرم. فهل العبرة باعتقاد الفاعل، أو باعتقاد الجالس؟ الذي يظهر لي: أن العبرة باعتقاد الفاعل، فإذا كان يرى أنه حلال وليس فيه نص واضح يُبْطِل اجتهاده فالعبرة في فعله، والدليل على هذا: لو أكلتَ أنت ورجلٌ لحمَ إبل، وأنت ترى أنه ينقض الوضوء فتوضأتَ، وهو يرى أنه لا ينقض الضوء فلم يتوضأ، وحانت الصلاة فقام يصلي أمامك أو ربما صلى مأموماً معك، فهل هذا حرام؟ الجواب: لا، مع أن الصلاة بغير وضوء من أكبر الكبائر، حتى إن بعض العلماء قال: الذي يصلي وهو محدث خارج عن الإسلام. ومعلوم أننا لا نأثم إذا صلى إلى جنبنا شخص أكل معنا لحم إبل وهو يرى أنه لا ينقض الوضوء ونحن نرى أنه ينقض، فإننا لا نأثم بكونه يصلي معنا. فلو رأيت إنساناً أحدث ببول أو غائط وقام يصلي معك، فهل يجوز أن تقرَّه؟ لا يجوز أن تقرَّه، بل تمنعه، فإن أبى إلا أن يفعل فانصرف عنه. فهذه المسألة؛ مسألة الخلاف بين العلماء المبنية على الاجتهاد المحض، التي ليس فيها دليل فاصل، إذا فعله مَن يرى أنه مباح فهو في حقه مباح، وأنا إذا كنتُ لم أفعله فليس عليَّ مِن إثمه شيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 حكم استقدام العمال وإلزامهم نسبة من الدخل السؤال ما حكم من اتفق مع عمال ففتح لهم مطعماً أو جلب لهم سيارة أجرة، وطالبهم بمبلغ معين كل شهر، يقول -مثلاً- أنا لا أستطيع أن أترك لهم الأمر لأنهم قد يسرقوني، ولا أستطيع أن أتابع محاسبتهم؛ لكن أنا أشترط عليهم مبلغاً معيناً في كل شهر يدفعونه إليَّ؟ الجواب العمال لهم نظام معين عند الحكومة: وهو أنهم يأتون بالشهرية، فاستعمالهم بالنسبة خروج عن النظام، والخروج عن النظام الذي وقعت عليه محرم؛ لأن الله يقول: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] . ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] . لكن إذا أردت أن تسلم من تقصيرهم ومن تهاونهم بالعمل فأعطهم بالنسبة فيما ينتجون من العمل، مثلاً: إذا كانوا مُلَيِّسِين، تقول لهم: لكم مشاهَرَتكم -الأجرة الشهرية- ولكم على كل متر كذا وكذا دراهم، أو إذا كانوا مثلاً: سبَّاكين: لكم بالمتر كذا وكذا، وإذا كانوا مثلاً: كهربائيين: لكم في المتر كذا وكذا، لكم على كل مفتاح، على كل لمبة كذا وكذا، زيادة على أجورهم، فبهذا تسلم من تقصيرهم وينصحون في العمل؛ لأنهم يريدون هذا الزائد، وأما أن تقول: أعطوني كذا وكذا، وتُرَوِّحْهم فهذا لا يجوز. أولاً: أنه خلاف نظام الدولة. ثانياً: ربما لا يتحصلون على ما فرضت عليهم، أو لا يحصلون إلا زائداً يسيراً، أو يحصِّلون شيئاً كثيراً أكثر مما كنت تتوقع، فتندم، تقول: ليتني جعلت عليهم ثلاثمائة بدل مائتين. فالمهم أن هذا العمل حرام، وهو في الحقيقة مُشْكِلٌ جداً جداً؛ لأن بعض الناس صار يتَّجر بها -والعياذ بالله- يجلب العمال الكثيرين ويفرض عليهم شهرياً أن يدفعوا له مائتين أو ثلاثمائة ريال ويتركهم، هذا حرام؛ حرام مِن جهة الشرع، وحرام مِن جهة النظام. مِن جهة الشرع: لأنك تفرض عليهم شيئاً قد لا يستطيعونه. ومن جهة النظام: لأن هذا خلاف نظام الدولة بلا شك. السائل: وإن قال مثلاً: أجَّرتُ هذه السيارة، فأنا أطلب ألفاً، كأني أجرتها على الألف، والمطعم كذلك، جهزتُه كاملاً بآلات، وأريد أن أؤجره مثلاً بخمسمائة، فما الحكم؟ الشيخ: هذا ممنوع في النظام، لا يمكن فعله. السائل: ولو فعله مثلاً فهل هذا حرام؟ الشيخ: نعم حرام، وأقول: لا تستهينوا بالنظام، نظام الدولة إذا لم يخالف الشرع فهو من الشرع؛ ليس من الشرع لأن الله شرعه؛ لكن لأن الله أمرنا بطاعة ولاة الأمور في غير معصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، والدولة إذا سَنَّت قانوناً، إن خالف الشرع ضُرِب به الحائط، ولا يجوز لنا أن ننفِّذه؛ لكن نناصحُ الدولة بأن تعدل عنه، أما إذا كان لا يخالف الشرع، ورأت الدولة من المصلحة سن هذا القانون فإنه يجب تنفيذه، لا لأن هذا من الشرع؛ لكن الله أمر بطاعة ولاة الأمور، ومن ظن أن ولاة الأمور لا يُطاعون إلا فيما شرعه الله فقد أخطأ؛ لأن ما شرعه الله فإننا مأمورون به سواء أمرونا أم لم يأمرونا به، فكون الله يأمرنا بطاعة ولاة الأمور زائداً على طاعة الله ورسوله يعني أن هذا فيما سنوه هم ولم يخالف أمر الله ورسوله. أما ما كان مشروعاً بدون سنِّهم إياه من الواجبات فهذا واجب علينا سواء أمرونا أم لم يأمرونا، بل لو نهونا عنه لم نمتثل أمرهم، لو نهونا عما أمر الله به فإننا لا ننتهي؛ لكننا لا ننابذهم، بل نفعله سراً حتى لا تحصل المنابذة والمضادة للدولة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 حكم التطبيق العملي للمعاملات المصرفية في البنوك الربوية السؤال بالنسبة للتطبيق العملي للدراسة في البنوك الربوية مثلاً كدراسة معينة في إحدى الجامعات مثلاً كمحاسبة أو غيرها مثلاً، فتلتزم أنك تطبق في بنك معين لكي تقدم لهم بحثاً معيناً: فتقول فيه: إني فعلتُ كذا وكذا، ووجدتُ النتيجة كذا وكذا في هذا البنك، من ناحية أرباح وخسائر، فدراسة هذه الأشياء، مثل: الأعمال البنكية دراستها دراسة وتطبيقاً فهل فيها شيء؟ الجواب الذي أرى أنه لا يجوز إطلاقاً أن تقرأ الربا، سواء دراسة أو عملية ميدانية أو أي شيء، إنما تقرأ طرق الربا ليتبين لك الطرق فتبطلها، وتقول: هذه حرام، وتنفِّر الناس منها، فهذا لا بأس، أما أن تذهب إلى البنك لتطبق مثلاً، فتنظر وتقول: إن هذا والله على النظام، وتكتب عليه علامة (صح) ، وهو ربا (100 %) ، فكيف هذا؟! يجب علينا أن نمتنع حتى ولو أمرونا بذلك. السائل: وإذا أُمِرَ الطلابُ بذلك فأقروا بالربا من أجل الحصول على درجات معينة أو غيرها؟ الشيخ: أبداً لا يجوز مهما كان، ولهذا أنا أنصح الطلاب إذا أُمِروا بهذا أن يمتنعوا؛ لأن هذا إضراب عن معصية الله، والإضراب عن معصية الله طاعة لله، فيقولون: كيف تأمروننا أن نقر بالربا، ونحن نعرف أنه ربا في كتاب الله؟! لا يمكن هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 حكم التعامل مع العمال بالنسبة السؤال إذا كان إنسان يملك محلاً للخياطة ووضع فيه العمال وتعامل معهم بالنسبة، وقال: كل شهر نسبة خياطة الملابس تكون بيني وبينكم كذا، فرأى أنه في نهاية كل شهر وهو يعطيهم مرتبات من جيبه وأنه خاسر في هذا المحل، فاتفق معهم على أن يدفعوا إيجار المحل لصاحب العقار، وأن يوافوه شهرياً بخمسمائة ريال محددة، وبقية الأرباح لهم، فيقول: اعملوا هذا الشهر كاملاً، إن ربحتم خمسة آلاف أو ربحتم مائة ريال لا بد أن توافوني شهرياً بخمسمائة ريال، وأجرة المحل عليكم، وهؤلاء العمال تحت كفالته هو، والمحل مؤجر باسمه، فما رأيكم في هذا؟ وما رأيكم بمن عمل هذا، والعمال موافقون ومسرورون بهذا العمل؟ الجواب أرى أن هذا لا يجوز، وأن الواجب أن يعطيهم الأجرة التي اتفق عليها معهم عند العقد وهم في بلادهم، وكما قلت لك آنفاً: يعطيهم مثلاً: نسبة معينة على كل ثوب أو كل متر ويسلم من تقصيرهم، وأما ما ذكرتَ فإنه حرام عليه؛ لأنه غَرَرٌ، وجهالةٌ، ومخالَفةٌ لنظام الدولة. وأما المال الذي اكتسبه قبل أن يعلم فإن الله جل وعلا يقول في الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275] . السائل: وإن لم يكن قد تصرف بالمال، ولا يزال موجوداً في حوزته؟ الشيخ: ما فعله قبل أن يعلم وتاب فهو له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 علاج المسلمة عند طبيبة نصرانية السؤال هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعالَج عند المرأة المسيحية؟ الجواب أولاً: أنا أناقشك على كلمة (مسيحية) ما معناها؟ السائل: متبعة للمسيح. الشيخ: وهل هي متبعة للمسيح حقيقة؟ السائل: لا؛ ولكن كما تزعم. الشيخ: لو اتبعَت المسيح حقيقة لأسلَمَتْ؛ لأن الدينَ الإسلامي نَسَخَ دينَ المسيح كما نَسَخَ دينُ المسيح دينَ اليهودية، هم الآن يقرون أن دينهم ناسخ لدين اليهودية؛ لكن لا يقرون أن دين الإسلام ناسخ لدينهم، مع أن الله يقول: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ، إذاً سَمِّها بما سماها الله به أي: النصرانية، والآن اسأل. السائل: المرأة المسلمة هل يجوز لها أن تعالَج عند المرأة النصرانية؟ الشيخ: إذا وثِقَتْ فيها فلا بأس، ودليل هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سافر من مكة إلى المدينة في الهجرة استعمل رجلاً مشركاً يقال له: عبد الله بن أريقط، من بني الديل؛ ليَدُلَّه على الطريق. وأنت تعرف خطورة المسألة كونه يدل على الطريق؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما تعلمون- كانت قريش قد أمْعَنَت في طلبه حتى جَعَلَت لمن يأتي به هو وأبو بكر مائتي بعير، هذا المشرك يمكن أن يستغل هذا بأن يُضِلَّهم الطريق، ومع ذلك لَمَّا ائتمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 مذهب أهل السنة والجماعة في رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم لربه عز وجل السؤال ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في رؤيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ربَّه كما في قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] ؟ الجواب الصحيح أنه ما رأى ربَّه، وأنه لا أحد يستطيع أن يرى الله يقظة في الدنيا، قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] ، فإذا كان الجبل لَمْ يثبت لرؤية الرب عز وجل فكيف بالآدمي؟! هذا هو الصحيح، وأن الرسول رأى ربَّه بقلبه، وما روي عن ابن عباس يجب أن يُحْمَل على هذا، وأما قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] فهو ما رآه من الآيات الكبرى، من آيات الله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] ، وليس المعنى: أنه رأى ربه عز وجل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 فقه قنوت النوازل السؤال هل يجوز القنوت لإخواننا المسلمين اليوغسلافيين في وقتنا هذا، أم لا؟ الجواب الذي أرى: أن القنوت عند النوازل يتوقف على ولي الأمر، كما هو المشهور في مذهب الإمام أحمد أنهم قالوا: يقنت الإمام فقط، الإمام الأعظم أي: الملك، وكذلك إذا أمر بالقنوت قنتنا. فالأَولى في مثل هذا أن يُنْتَظَر أمرُ الدولة بذلك، إذا أَمَرَ به ولي الأمر قنتنا، وإلا فلا، وبقاء الأمة عل مظهر واحد خير من التفرق؛ لأنه مثلاً: أقنت أنا والمسجد الذي بجانبي لا يقنت، أو نحن أهل بلد نقنت والبلاد الأخرى لا تقنت، ففيه تفريق للأمة وتوزيع، وجمع الشتات من أحسن ما يكون، ولعل بعضَكم عَلِم بأن عثمان رضي الله عنه في آخر خلافته صار يتم الصلاة في منى، يعني: يصلي الرباعية أربعاً، فأنكر الصحابة عليه، حتى إن ابن مسعود لما بلغه ذلك استرجع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فجعل هذا من المصائب، وكانوا يصلون خلفه أربعاً، فقيل لـ ابن مسعود: [يا أبا عبد الرحمن، كيف تصلي أربعاً وأنت قد أنكرتَ عليه؟ فقال: إن الخلاف شر] . فكون الأمة تكون على حال واحدة أفضل؛ لأن طلبة العلم تتسع صدورهم للخلاف؛ لكن العامة لا تتسع صدورهم للخلاف أبداً. فالذي أنصح به إخواننا أن لا يتعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، مع أن باب الدعاء مفتوح، يدعو لهم الإنسان في حال السجود، وبعد التشهد الأخير، وفي قيام الليل، وبين الأذان والإقامة، أعني: لا يتعين الدعاء في القنوت فقط، صحيح أن القنوت مَظْهَرٌ عام، ويجعل الأمة كلها تتهيأ للدعاء وتتفرغ له؛ لكن كوننا نترك كل واحد بهواه ونفرِّق الناس فلا. هذا ما أرى أنه جيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 حكم قبول هدية من يتعامل بالربا السؤال هل يجوز أخذ الهدية من رجل يتعامل بالربا؟ الجواب سأسألك: هل اليهود يأكلون الربا أم لا؟ قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ. } [النساء:155] إلى أن قال: {. وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161] ، ومع ذلك قَبِل النبي صلى الله عليه وسلم هديتهم، قَبِل هدية المرأة التي أهدت إليه الشاة في خيبر، وعامَلَهم، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي. ولهذا لدينا قاعدة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط، دون مَن أخذه منه بطريق مباح. فعلى هذا يجوز قبول الهدية ممن يتعامل بالربا، وأيضاً يجوز معه البيع والشراء إلا إذا كان في هجره مصلحة، أي: في عدم معاملته وعدم قبول هديته مصلحة، فنتبع هذا ابتغاء المصلحة، أما ما حُرِّم لعينه فهو حرام على الآخذ وغيره، فالخمر مثلاً لو أهداه إلى يهودي مثلاً أو نصراني ممن يرون إباحة الخمر فهل يجوز لي قبوله؟ لا؛ لأنه حرام عليَّ بعينه. وإنسان سرق مال شخص، وجاء إليَّ فأعطاني إياه، هذا المال المسروق يحرم أم لا يحرم؟ يحرم؛ لأن هذا المال بعينه حرام. هذه القاعدة تريحك من إشكالات كثيرة: ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب دون مَن أخذه بطريق الحلال، إلا إذا كان في هجره، وعدم الأخذ منه، وعدم قبول هديته، وعدم المبايعة معه والشراء مصلحة تردعه عن هذا العمل، فهذا يُهْجَر من أجل ابتغاء المصلحة، حتى الأكل! أليس النبي صلى الله عليه وسلم قبل دعوة اليهودي وأكل من طعامه؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 حكم أكل الدجاج الوطني المثلج السؤال ما حكم أكل الدجاج الوطني لمن لا يعلم كيف ذُكِّي؟ الجواب ثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن قوماً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذَكَروا اسم الله عليه، أم لا؟ قال: سَمُّوا أنتم وكلوا. قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) تعني: لم يسلموا إلَّا الآن، لا يدرون هل يُسَمُّون أم لا؟ فقال: (سموا أنتم وكلوا) ، فأباح الأكل، وإن كنا لا ندري هل سُمِّي عليه أم لا؟ كذلك يباح الأكل أيضاً إن كنا لا ندري هل ذُبِح على طريقة سليمة أو غير سليمة؛ لأن القاعدة تقول: (الفعل إذا صدر من أهله فالأصل صحته ونفاذه) الأصل أنه صحيح نافذ إلا بدليل، فإن جاءنا مذبوحاً من مسلم أو من يهودي أو نصراني لا نسأل عنه، فلا نقول: كيف ذُبِح؟! ولا هل سُمِّي عليه أم لا؟! فهو حلال ما لم تقم بيِّنه على أنه حرام، وهذا من تيسير الله، وإلاَّ كان مشكلة، كلما قُدِّم لنا مذبوح نسأل: مَن الذي ذبح؟ فلان. هل يصلي أم لا يصلي؟ يصلي. هل سَمَّى أم لا؟ سَمَّى. هل أنهر الدم أم لا؟ هذا مشكل؛ لكن من تيسير الله سبحانه وتعالى أن الفعل الصادر عن أهله، الأصل فيه الصحة والنفاذ إلا بدليل. ولَمَّا كان هذا السؤال عن أكل الدجاج أضيفُ إليه أكل اللحم أيضاً، فليكن آخر سؤال؛ لأن الغداء قد قَرُب أيضاً، والأكل قريب إن شاء الله. وأسأل الله أن يملأ قلوبنا علماً وإيماناً، وأن يغنينا بفضله عمن سواه. ونستودعكم الله إلى لقاء آخر. والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 لقاء الباب المفتوح [3] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 الضابط في الفتوى وكتم العلم السؤال بعض طلبة العلم يُسْألون فيتخوَّفون من الإجابة خوفاً من الفتيا بغير علم، ويتخوفون -كذلك- من عدم الإجابة حذراً من كتم العلم، فما هو الفيصل في ذلك حتى يسْلَموا من كلا الأمرين؟ الجواب الفيصل في ذلك أن يتورعوا ويدَعوا الفتيا إلا إذا كان عن علم؛ لأن الله فصَّل ذلك تماماً، فقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] . وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] . فهذا هو الفيصل. والنجاة من كتم العلم أن نقول: هم لم يعلموا حتى يكتموا، فلو علموا أن الحكم كذا وكذا وجب عليهم أن يبينوا؛ لكنهم ليس عندهم علم. السائل: حتى إذا كان التورُّع في بعض المسائل الظاهرة؟ الشيخ: أحياناً تكون المسائل الظاهرة عند الناس غير موافقة للحق. السائل: يعني: لا يمكن أن تسمى فتوى؟ الشيخ: مثلاً: لو سئل عن الربا، هل هو حرام أم حلال؟ فنَعم يقول: حرام. السائل: أو قضايا في الصلاة أو نحو ذلك؟ الشيخ: حتى الصلاة هل كل قضاياها معلومة؟ السائل: يعني: حكم تاركها؟ الشيخ: لا بأس، الشيء المعلوم معلوم؛ لكن ما دام عندهم إشكال أو تردد يجب عليهم الامتناع، وفي هذه الحال ينبغي لهم أن يطلبوا من الإخوة السائلين كتابة الأسئلة لعرضها على أهل العلم. السائل: وإذا نقلوا الفتاوى -أعني: في نفس كلامهم- عن العلماء؟ الشيخ: إذا نقلوا الفتوى عن العالم، وتأكدوا أن العالم قال هكذا في نفس هذه المسألة جاز لهم ذلك. السائل: وينسبونه إلى العالم؟ الشيخ: إذا نسبوه إلى العالم لا بأس، مثل أن يقول: سمعتُ فلاناً أو الشيخ الفلاني يُسْأل عن هذه المسألة فقال: كذا وكذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 حكم سَوْق الهدي السؤال هل يلزم مِن سَوق الهدي أن يكون الإنسان قارناً؟ الجواب سوق الهدي مسنون وليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به، والأصل فيما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تعبداً دون أمر فإنه مسنون. السائل: لو سقتُ هديي معي هل أكون متمتعاً؟ الشيخ: لا لا لا، أنت تسأل وتقول: هل يجب على مَن أراد القران أن يسوق الهدي؟ السائل: لا، أنا قلت: لو سقتُ الهدي هل يمكن أن أصير متمتعاً؟ الشيخ: لا، إذا سقتَ الهدي لا يمكن أن تكون متمتعاً؛ لأن المتمتع لا بد أن يتحلل من العمرة، والتحلل من العمرة لا يمكن مع سَوق الهدي. السائل: طيب! ما تُعطي شركة الراجحي ألا يكون مِن سَوق الهدي؟ الشيخ: لا لا، هذا سَوق القروش وليس سَوق الهدي. السائل: ولو اشترطوه قبل أن نذهب إلى مكة؟ الشيخ: ولو اشترطوه فليسوا هم الذين يسوقونه، هم يشترون إما من الخارج أو من مكة، لا ندري من أي مكان؛ لكنهم وكلاء لك، يشترون لك ويذبحون لك فقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 حكم السكنى أيام منى خارج منى السؤال ما رأيكم في أناس يذهبون للحج في كل عام؛ ولكنهم ينزلون خارج حدود مِنى طلباً للراحة حتى تكون السيارة إلى جانبهم، مع أنهم لو دخلوا إلى مِنى سيجدون أماكن؛ ولكنها وَعِرَة في الجبال أو كذا، فماذا نقول لهم؟ الجواب قولوا لهؤلاء: الذين ينزلون خارج مِنى مع إمكان النزول في مِنى آثمون، ومتعدُّون لحدود الله؛ لأن الواجب على الحاج أن يكون في مِنى، إلا إذا لم يجد مكاناً فإن الله تعالى يقول في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، ويقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . ورخص النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس أن يترك المبيت في مِنى ليالي مِنى؛ لأجل سقاية الحجاج. فمن لم يقدر فهو من باب أَولى أن يُعْذَر. أما أنهم يقدرون؛ ولكن يقولون: نريد الراحة، فأنا أشير عليهم براحة أكثر من هذا: أن يبقوا في بيوتهم حتى لا يتكلفوا عناء السفر، والنفقات، ومفارقة الأهل. والحج لا بد فيه من المشقة؛ لأنه جهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة: (هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) . وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] . فذِكْرُه إتمام الحج والعمرة لله بعد الإنفاق في سبيل الله يدل على أنه نوع من الجهاد وهو كذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 حكم تأخير الصلاة ليلة مزدلفة حتى منتصف الليل السؤال ذكرتم في منسك الحج أنه لا يجوز تأخير الصلاة ليلة المزدلفة إلى بعد منتصف الليل، هل يمكن البقاء بـ عرفة للصلاة، خاصة إذا كان معه نساء مع توفر الماء بدلاً من بقائهم في الحافلة نحو ست ساعات، وقد لا يمكنهم الانحراف عن الخط مع حاجتهم إلى الماء، ولا يتمكنون من الوصول إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل حين انصراف سيارات معظم الحجاج إلى مِنى؟ الجواب هذا إذا كانوا يخشون ألَّا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل، فإنه بمجرد غروب الشمس يُصَلُّون المغرب والعشاء في عرفة، ويمشون ما يتجاوز نصف الساعة، فربما إذا حملوا تقف السيارات قبل أن تركب الخط العام، وتغرب الشمس ويبقوا هناك ربع ساعة، وأحياناً نصف ساعة وهم لم يركبوا الخط العام بعد، فمثل هؤلاء يمكنهم إذا خافوا ألا يصِلُوا إلى المزدلفة إلا بعد منتصف الليل يمكنهم أن يصَلُّوا في عرفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 حكم تغيب الرجل عن زوجته فترة طويلة السؤال رجل يعمل لدينا في القصيم، ومتغيب عن أهله ثلاث سنوات، وتتصل عليه زوجته أكثر من ثلاث مرات فتقول له: ارجع. وهو يقول: إذا رجعتُ إلى أهلي فإن لديَّ هناك غرماء، ربما أدخل السجن قبل أن أذهب إلى أهلي، فما رأي الشرع في هذا؟ الشيخ: تعني: أن هذا رجل متغيب عن زوجته من أجل الدَّين الذي عليه، ويخشى أنه إذا رجع إلى بلده أن يُمْسَك ويُحْبَس، وزوجته تطالبه بالرجوع، فنقول: يجب أن يرجع إلى زوجته، أو يستقدمها إلى مكانه، أو يطلقها. السائل: وإذا استسمحها؟ الشيخ: وإذا استسمحها فسَمَحَتْ فالحق لها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 التفاضل بين الحج والجهاد السؤال هل يستفاد من الحديث الذي صدَّرتم به اللقاء أن الحج أفضل من الجهاد في سبيل الله؟ الشيخ: من أي ناحية؟ السائل: من ناحية بقيته: (ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل. ) ؟ الجواب أما بعمومه: (ما مِن أيامٍ العملُ الصالحُ. ) فهو يقتضي هكذا؛ لكن إذا كان الجهاد في هذه الأيام صار أفضل من غيره، فقوله: (ولا الجهاد في سبيل الله) أي: في غير هذه الأيام، وحينئذٍ يكون الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام أفضل من غيره. السائل: وكيف نوفق بين هذا الحديث وآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} [التوبة:19] ، وقد قال شيخ الإسلام بأفضلية الجهاد استناداً إلى هذه الآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:19] ؟! أفيدونا يرحمكم الله! الشيخ: الكفار والمشركون يفتخرون على المسلمين بأنهم يسقون الحجيج ويعمرون المسجد الحرام، فقال الله تعالى: أجعلتم هذا كهذا، أنتم لو عملتم هذا فسقيتم الحاج وعمرتم المسجد الحرام ومُتُّم على الكفر فلا حَظَّ لكم في هذا، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 حكم سعي المرأة بين العلمين الأخضرين في المسعى السؤال فضيلة الشيخ! ذَكَرْنا في درس المناسك: أن المرأة لا تسعى بين العَلَمين الأخضرين سعياً شديداً، للإجماع في ذلك، وقلنا: إنه إذا لم يكن هناك إجماع فالمرأة تسعى، ووقفتُ على كتاب المجموع للنووي قال فيه: أما المرأة ففيها وجهان: الصحيح المشهور وبه قَطَعَ الجمهور: أنها لا تسعى في موضع السعي، بل تمشي جميع المسافة سواء كان ذلك نهاراً أو ليلاً ولو في الخلوة؛ لأنها عورة. والثاني: أنها إن سعت في الليل حال خُلُوِّ المسعى استحب لها السعي في موضع السعي كالرَّجُل. والله أعلم، فأين ذِكْر الخلاف؟ الشيخ: الخلاف في صورة معينة وليس بمطلق، أعني: فيما إذا سعت ليلاً وليس في المسعى أحد ولا يمكن ذلك؛ لأن المسعى لا بد أن يكون فيه أحد. السائل: وفي غير المواسم؟ الشيخ: لا بد أن يكون في المسعى أحد، نحن ذهبنا في غير أيام المواسم ووجدنا أن المسعى غير خال من الرجال. فالخلاف هو في هذه الصورة المعينة؛ لأنها هي التي تشبه حال أم إسماعيل، أم إسماعيل ما كان عندها أحد؛ لكن هذه متى تأتي؟ لا تأت أبداً. السائل: يعني إذا أتت ممكنٌ ذلك؟ الشيخ: وإذا أتت فممكن ذلك، فيكون هذا هو القول الصواب؛ لكن هذه لن تأت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 مسألة في الرضاعة السؤال شخص رضع من امرأة ولها بنات، ثم طلقها زوجها وتزوجها رجل آخر، وأنجبت له بناتاً، فهل هن محارم للشخص هذا مثل بنات الرجل الأول؟ الشيخ: تعني: بنات زوجته من الرضاع؟ أنا فهمت أنك تريد الزوج الثاني هل يكون محرماً من التي أرضعته في حبال الزوج الأول؟ السائل: إي نعم. الشيخ: لا. الصحيح أنه لا يكون، نعم إن كان بناته من النسب فصحيح أنه محرم لهن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 حكم موت كافر في سيارة مسلم في حادث السؤال شخص مسلم كان معه شخص كافر في سيارته، فانقلبت السيارة، فمات الشخص الكافر، فماذا يلزم تجاه هذا؟ الجواب هذا ترجع فيه إلى المحكمة، والتي تحكم به إن شاء الله فهو خير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 حكم بيع النقود المعدنية بالأوراق النقدية مع زيادة السؤال ما حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة، أي: أن البائع يأخذ الزيادة كأن يبيع التسعة بعشرة؟ الجواب حكم بيع الدراهم المعدنية بالأوراق النقدية مع الزيادة أو النقص لا بأس به، بشرط أن يكون التقابض في مجلس العقد، وذلك لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) . وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن الفلوس التي يتعامل بها الناس لكونها معدناً لا ذهباً ولا فضة ليس فيها رباً: - فمنهم من أطلق وقال: ليس فيها رباً مطلقاً. - ومنهم من قال: فيها ربا النسيئة. وهذا أصح؛ لأنها لما كانت أثماناً وقيماً للأشياء أشبهت النقد الفضي والذهبي من وجه، فتُعْطَى بعض أحكامه من وجه آخر. فأقرب الأقوال في هذه المسألة: أنه يجوز فيها ربا الفضل وهو الزيادة والنقص، ولا يجوز فيها ربا النسيئة وهو تأخير القبض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 من تعذر عليه الانتقال من عرفة فلم يصل مزدلفة إلا فجرا ً السؤال لي أخ ووالده اشتركا في حملة الحج، وكانا مرتبطَين مع هذه الحملة، فعند النَّفْرة من عرفات إلى المزدلفة نَفَرا ولم يصِلا إلا مع أذان الفجر، فما الحكم عليهما؛ لأنهما كانا في الحافلة، فما استطاعا أن يوقفاها أو ينزلا؟ الشيخ: هل وصلا مع أذان الفجر المبكر قبل أن يرتفع النهار؟ السائل: وصلا وقت الأذان. الشيخ: المهم ما طلع الفجر؟ السائل: نعم ما طلع الفجر. الجواب الصحيح في هذه المسألة: أن الإنسان إذا حبسه حابس ولم يصِلْ إلى المزدلفة إلا وقت صلاة الفجر المبكر، وصلى الفجر هناك أنه لا شيء عليه، ودليله: حديث عروة بن مضرِّس رضي الله عنه حين أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في المزدلفة في صلاة الفجر، فقال: (يا رسول الله! قدمتُ من طيء، وأتعبت راحلتي، فما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تَفَثَه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 حكم قياس عمل صالح على ركن من الأركان السؤال قلنا في مسألة الأضحية: إن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية التي لا تجزئ يُبَيِّن أربعة أشياء، وقسنا عليها بعض الأشياء التي إما أن تكون أَولى، أو تكون ظاهرة القياس للعلة بينها. طيب! يا شيخ، قد يقول قائل: أنى نقيس على بعض أركان الإسلام أموراً أخرى على ما هي محددة في الحديث، فما هو الضابط فيها؟ الجواب أولاً: العيوب التي نص عليها الشارع في الأضحية أربعة، لأنه سئل: (ماذا يُتَّقَى من الأضاحي؟ فقال: أربعاً، وأشار بيده: العوراء البيِّن عَوَرُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى) . فهذه أربعة عيوب، ونحن نعلم أن الشريعة مبنية على الحكمة، فإذا نص الشارع على شيء كان نصاً عليه وعلى ما في معناه أو أَولى منه. أما مسألة أركان الإسلام، لو أراد أحد أن يقيس عملاً صالحاً على ركن من الأركان منعناه: أولاً: لأنه من باب فعل الأوامر، وليس من باب الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام، ولا يمكن أن نثبت أمراً إلا بإذن من الشرع. ثانياً: أننا نقول لكل من أراد أن يلحق شيئاً من غير أركان الإسلام في أركان الإسلام: من قال لك: إن هذا الشيء الذي تريد إلحاقه يساوي عند الله ما يساويه الركن؟! لا يمكن، فلهذا يمتنع القياس بالأوامر، الأوامر لا يمكن أن تقيس عليها شيئاً، فتقول: إذا أمر الشارع بهذا أمر بهذا! أما مسألة العيوب أو الأحكام المعلقة بأوصاف: فمتى وجدت هذه الأوصاف في شيء أو ما هو أَولى منه ثبت فيه الحكم، أرأيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خمس من الدواب كلهن فواسق يُقْتَلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأر، والكلب العقور) ؟! هل نقول: إن الأسد لا يُقْتَل في الحرم؟! يُقْتَل، وهو أَولى من الكلب العقور بالقتل. هل نقول: إن الحية لا تُقْتَل في الحرم؟! لا نقول هذا، بل نقول: تُقْتَل؛ لأنه إذا نص على العقرب فالحية أشد ضرراً منها. فإذا نص على شيء ثبت الحكم في مثله أو أَولى منه. السائل: تعني: وجود العلة يا شيخ؟ الشيخ: نعم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 كذب حديث (من حج فلم يزرني فقد جفاني) السؤال ما صحة الحديث القائل: (مَن حج فلم يزرني فقد جفاني) ؟ الجواب الحديث الذي يُرْوَى عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن حج فلم يزرني فقد جفاني) حديث موضوع مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأمور: أولاً: أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لا تُمْكِن بعد موته، لأنه يقول: (فلم يزرني) ، فكيف يزور الرسولَ صلى الله عليه وسلم وهو مقبور؟ فالزيارة -إن ثبتت- فهي للقبر. ثانياً: أن هذا الحديث لو صح لكان تَرْك الزيارة بعد الحج كفراً مخرجاً من الملة؛ لأن جفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ردة مخرجة عن الإسلام. فهذا الحديث موضوع مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 الانقطاع عن النوافل التي يعتادها الإنسان السؤال امرأة كبيرة في السن تصوم العشر الأُوَل من ذي الحجة دائماً في كل سنة إلا هذه السنة، تقول: ما أنا بصائمة إلا ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فهل عليها إثم؟ الجواب المرأة التي كانت تعتاد أن تصوم العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، وهذه السنة كان فيها ما يمنع من مرض، أو تعب، أو كِبَر في السن، أو ما أشبه ذلك، نقول لها: إن النوافل لا تُلْزِم الإنسان، حتى وإن كان صحيحاً، فلو كان من عادة الإنسان أن يصوم البيض -مثلاً- ولكن لم يتمكن هذا الشهر، أو كسل عنها، فلا حرج عليه أن يدعها؛ لأنها نافلة؛ لكن إذا ترك الإنسان هذه النافلة لعذر كُتب له أجرُها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 من تمتع بالعمرة إلى الحج وفصل بينهما بسفر السؤال من أحرم من ميقات أهل المدينة للحج وذهب إلى مكة واعتمر يوم الثالث من ذي الحجة، وبعد انتهائه من العمرة ذهب إلى جدة حيث هناك أهله، وعاد يوم الثامن من ذي الحجة ونزل إلى مكة، هل يجوز سفره هذا من مكة إلى جدة بعد انتهائه من العمرة؟ الجواب إذا أحرم الإنسان متمتعاً بالعمرة إلى الحج وانتهى منها فله أن يسافر إلى بلده أو غيره؛ لكنه إذا سافر إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج انقطع تمتعه وصار مفرِداً؛ لأن سفره الأول انقطع برجوعه إلى بلده، فإذا أنشأ سفراً للحج أنشأ سفراً جديداً وصار مفرِداً، أما إذا كان سفره إلى بلدٍ آخر غير بلده ثم رجع من هذا البلد محرماً بالحج فإنه لا يزال متمتعاً، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة. ومن العلماء من قال: إذا سافر بين العمرة والحج مسيرة قصر انقطع التمتع، سواء سافر إلى بلده أو إلى غير بلده. ومن العلماء من قال: إذا سافر لم ينقطع تمتعه سواء سافر إلى بلده أو إلى غير بلده. ولكن القول الوسط هو الذي نختاره، وهو التفريق بين رجوعه إلى بلده وبين رجوعه إلى بلدٍ آخر، وهو الذي رُوِي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الذي يقتضيه المعنى؛ لأن حقيقة الأمر أنه إذا رجع إلى بلده ثم عاد منه محرماً بالحج، حقيقة الأمر أنه لم يحصل له التمتع بين العمرة والحج في سفرٍ واحد، بل هما سفران مستقلان، أي: مستقل كل واحدٍ منهما عن الآخر. السائل: ومن أين يحرم للحج؟ الشيخ: في مثالك الذي ذكرته: إذا رجع إلى جدة فلا بد إذا عاد إلى مكة أن يحرم بالحج من جدة. السائل: من ميقات المدينة إلى مكة؟ الشيخ: من ميقات المدينة إلى مكة هذه للعمرة، فلما خرج إلى أهله في جدة، وجاء موسم الحج فإنه يحرم بالحج من جدة ويحج مفرِداً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 نصيحة مانعي الزكاة السؤال من أمر أهله بزكاة عروض التجارة فلم يستجيبوا له، ماذا يصنع معهم؟ الجواب إذا أمر أهله بزكاة عروض التجارة فلم يزكوا فهو كمن أمر بالمعروف ولم يُفْعَل المأمور، ليس عليه إثمهم في شيء؛ لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ؛ لكن عليه أن يكرر نصحهم لعل الله أن يهديهم. السائل: هل يزكي عنهم؟ الشيخ: لا يزكي عنهم، حتى ولو زكى عنهم لم ينفعهم ما داموا لم يوكلوه، وما داموا مصرِّين على عدم الزكاة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 حكم أخذ الجوائز من التجار لمن يشتري منهم السؤال فضيلة الشيخ! معي كتاب عنوانه: دروس وفتاوى الحرم المكي لفضيلتكم، فيه سؤال موجه إليكم: ما رأي فضيلتكم فيما يفعله بعض التجار من توزيع كروت على معروضاتهم، بحيث من يشتري بمبلغ معين يحصل على جائزة معينة، أو تكون على شكل ملصقات مجزأة، فالذي يحصل على كامل أجزائها يحصل على ما فيها من الصورة. وكان في نهاية إجابتكم: وصورة ثالثة لم يذكرها السائل: مثل: أن يقول البائع: من يشتري مقدار ألف ريال، فإنه سوف تُجْعَل قرعة بينه وبين غيره في جائزة قدرها خمسون ريالاً مثلاً. فهذه لا شك في تحريمها ولا تجوز. هكذا كان في إجابتكم، وأنا سمعتُ من أكثر من شخص أنكم أجزتم لبعض المحلات في عنيزة مثل أسواق العزيزية أنهم يضعون سيارات جوائز، ويكون فيها قرعة للمشترين، فمن تكون من نصيبه يأخذها. فما الفرق بين هذا وهذا؟ الجواب الفرق بينهما: أنه إذا كان المشتري يشتري بالثمن المعتاد بدون زيادة ولا أُخِذ منه شيء فهو إما سالم وإما غانم. وفي المثال الذي ذكرناه أنه يَدْفَع، لكنه يدفع شيئاً قبل أن يساهم، فإذا دفع شيئاً فإما أن يكون غارماً، وإما أن يكون غانماً، والقاعدة: أن كل معاملة يكون فيها المعامل إما غانماً أو غارماً أنها من الميسر فلا تجوز. السائل: مثلاً يشتري شخص بمائة ريال ويأخذ كرتاً، وبعد القرعة ربما تكون من نصيبه. الشيخ: إي نعم، لكن يشتري بالقيمة العادية، أعني: لا يُزاد عليها، ولا أُخِذَ منه شيء، ويشتري بنفس القيمة، فهذا ليس فيه شيء. السائل: أيكون هذا الفعل ليس جائزاً؟ الشيخ: اقرأ الكتاب. السائل: مثلاً: أن يقول البائع للذي اشترى منه بمبلغ ألف ريال: سأجعل قرعة بينك وبين غيرك بجائزة وقدرها خمسون ريالاً مثلاً فهذا لا شك في تحريمه ولا يجوز؟ الشيخ: لا لا، ربما هناك خطأ، فهذا جائز. السائل: مثل أن يقول البائع: من اشترى مني مقدار ألف ريال فإنني سوف أجعل القرعة بينه وبين غيره في جائزة قدرها خمسون ريالاً مثلاً، فهذا لا شك في تحريمه ولا يجوز؟ الشيخ: لا يمكن، فيها خطأ، وهذه النسخة كثيرة الغلط. السائل: تعني أن هذا جائز؟ الشيخ: نعم، هذا جائز. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 مشروعية التقرب إلى الله بذبيحة السؤال رجل يتقرب إلى الله بذبيحة لكن في غير وقت الأضحية؟ الجواب من المعلوم أن التقرب إلى الله بذبيحة في غير وقت الأضحية لا يُؤخذ عليه أجر الأضحية؛ لكن إن تصدق بلحمها فله أجر الصدقة، وأما أن يأخذ أجر الأضحية فلا، وحينئذٍ نقول له: لا تتقرب إلى الله بالذبح إلا على نية أنك تريد أن تتقرب بالصدقة بلحمها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 حكم الأعياد المحدثة السؤال ما رأيك يا شيخ بما يُسْمَى باليوم الوطني، وفي بعض الدول بالعيد الوطني؟ الشيخ: رأيي في هذا -بارك الله فيك- أن توجه السؤال إلى المسئولين عن هذا التنظيم، وهم يجيبونك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة المغرب مع الإمام الذي يصلي العشاء السؤال رجل يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، فدخل المسجد للصلاة وكان في نيته أن يصلي المغرب فوجد الإمام يصلي العشاء، فكيف تكون طريقة إدراك الإمام هنا؟ ولكم في ذلك فتوى مشهورة؟ الجواب أصح الأقوال في هذا: أن يدخل معهم بنية المغرب، ثم إذا قام الإمام للرابعة وهو قد صلى يجلس ويتشهد ويسلم. السائل: طيب! هذا المشهور عنكم يا شيخ؛ لكن ألا يتعارض هذا مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعِل الإمام لِيُؤْتَمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجدوا فاسجدوا) ؟ الشيخ: أقول: ما ذكرتُه لك -بارك الله فيك- لا يتعارض مع الحديث؛ لأن هذا مُؤْتَم بإمامه؛ ولكنه تخلف عنه حينما نوى الانفراد للتشهد، فكان ذلك عذراً شرعياً؛ لأن صلاته هي المغرب ولا تزيد على الثلاث، والمتخلف عن الإمام بعذر شرعي لا يعد عاصياً ولا آثماً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 تسمية المولود بـ (مهاد) السؤال سؤالي عن تسمية الأبناء: أنا سميتُ ابنتي (مهاد) ، هل يجوز التسمي بهذا الاسم المذكور أم لا؟ الجواب لا بأس أن تسميها بـ (مهاد) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 حجز الأماكن في المسجد السؤال ما يفعله كثير من الناس من حجز المكان في المسجد الحرام أو في غيره، فيضع كرسي المصحف مثلاً على مكانه، ويأتي بعد ست أو سبع ساعات، فيحجز عن غيره من المسلمين الذين يأتون قبله، هل يجوز هذا أم لا؟ الجواب الذي نرى في حجز الأماكن في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد أنه إن حجز وهو في نفس المسجد، أو خرج من المسجد لعارض وسيرجع عن قريب، فإنه لا بأس بذلك؛ لكن بشرط: إذا اتصلت الصفوف يقوم إلى مكانه، لئلا يتخطى الرقاب. وأما ما يفعله بعض الناس أن يحجز أحدهم ويذهب إلى بيته فينام ويأكل ويشرب، أو إلى تجارته فيبيع ويشتري، فهذا حرام ولا يجوز. هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة. ولكن قد يُرَدُّ علينا بمسألة الحجز في مِنى، فإنه يُذْكَر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: (ألا نبني لك بناء - أي: في مِنى - فقال: مِنى مناخ مَن سَبَق) . فنقول: إذا حجز الناس في مِنى فاحجز؛ لأنه لو لم تفعل ما وجدتَ مكاناً، لو أن الناس كلهم اتقوا الله عز وجل وتركوا الحجز وصار مَن سَبَق فهو أحق فهذا هو الخير؛ لكن الآن يحصل العكس؛ إلا أنه بحمد الله في ظني أن ما حصل أخيراً من الحملات التي تأخذ أرضاً بإذن المسئولين عن توزيع الأراضي هي أهون بكثير من الحجز؛ لأنه بذلك تكون البقاع منظَّمة، وكل إنسان يعرف مكانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 حكم زكاة الحلبة والرشاد ونصابهما السؤال بعض المزارعين يزرع الحلبة والرشاد، هل يجب فيهما الزكاة أم لا؟ الجواب تجب الزكاة في الحلبة والرشاد بشرط: أن تبلغا نصاباً، ولا يُضمُّ بعضهما إلى بعض، الحلبة وحدها، والرشاد وحده، أما إذا لم تبلغا النصاب فلا زكاة فيهما. السائل: وما هو النصاب فيهما؟ الشيخ: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 حال المؤمنة في الآخرة إذا توفيت ولم تتزوج السؤال المؤمنة إذا توفيت ولم تتزوج بعد، فما هو مصيرها في الجنة؟ لأن المؤمنة إذا توفيت ولها زوج فهي تكون مع زوجها في الجنة، وإن كان لها زوجان خُيِّرت بينهما، طيب! المؤمنة التي توفيت ولم تتزوج بعد، فماذا يكون مصيرها في الجنة؟ الجواب إذا لم تتزوج فسيجعل الله لها زوجاً: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً} [الواقعة:35] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:36] {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:37] سيجعل الله لها زوجاً من أهل الجنة. لكن ربما تقول لي: أليس نقول في دعاء الجنازة: (اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها) ، وهذا الدعاء مُشْكِل؛ لأنها إن كانت متزوجة فكيف نقول: (اللهم أبدلها زوجاً خيراً من زوجها) ، وإن كانت غير متزوجة فأين زوجها؟ الجواب عن هذا أنْ نقول: إنَّ قولنا: (أبْدِلْها زوجاً خيراً من زوجها) فيما إذا كانت غير متزوجة، فالمراد: خيراً من زوجها المقدر لها لو بقيت، وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيراً من زوجها أي: خيراً منه في الصفات في الدنيا؛ لأن التبديل يكون: 1- بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلاً. 2- ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت: بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان، وكما في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:48] والأرض هي الأرض؛ لكنها مدت، والسماء هي السماء؛ لكنها انشقت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 حكم الرضاع من الإناء السؤال الرضاعة من الكأس إذا كان في الحولين هل يحرم؟ الجواب الرضاع سواء كان من الكأس أو من الثدي محرم إذا بلغ خمس مرات؛ لأنه مُغَذٍّ سواء من الكأس أو من الثدي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة) فالرضاع الذي يغني من المجاعة يحرم سواء من الثدي مباشرة أو بواسطة الإناء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 عدم مشروعية الموعظة على القبر بصفة دائمة السؤال الموعظة بصفة دائمة على القبر ما حكمها؟ الجواب الذي أرى أنها خلاف السنة؛ لأنها ليست على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أنصح الخلق للخلق، وأحرصهم على إبلاغ الحق، ولم نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعظ على القبر قائماً فيتكلم كما يتكلم الخطيب أبداً، إنما وقع منه كلمات، مثل: ما وقع منه حين انتهوا إلى القبر ولما يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام وجلس الناس حوله، فجعل ينكُتُ بمخصرة معه بالأرض ويحدثهم ماذا يكون عند الموت. وهذه ليست خطبة، ما قام خطيباً في الناس يعظهم ويتكلم معهم أبداً. ثانياً: حينما كان قائماً على شفير القبر قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة أو النار، فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له) . وأما أن يُتَّخَذ هذا عادة، كلما دُفِن ميتٌ قام أحد الناس خطيباً يتكلم، فهذا ليس من عادة السلف إطلاقاً، وليُرْجَع إلى السنة في هذا الشيء، وأخشى أن يكون هذا من التنطُّع؛ لأن المقام في الحقيقة مقام خشوع وسكون وليس مقام إثارة العواطف، ومواضع الخطبة هي المنابر والمساجد كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، ولا يمكن أن نستدل بالأخص على الأعم. فلو قال قائل: سنجعل حديث علي حينما وقف على شفير القبر، وكذلك الحديث الآخر حينما جلس ينتظر أن يلحد القبر وتحدث إليهم، لو قال قائل: نريد أن نجعله أصلاً في هذه المسألة. قلنا: لا صحة لذلك؛ لأنه لو كان أصلاً في هذه المسألة لاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما تركه كان تركه هو السنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 حرمة كشف المرأة وجهها أمام الأجانب السؤال إذا كان الزوج فاسقاً وتخشى زوجته أن يُدْخِل عليها أحدَ الرجال الأجانب، أو شيئاً من هذا القبيل؛ حيث أنه صرح باللفظ وهو غاضب، فهل تترك الزوجة بيت زوجها وتذهب إلى بيت أبيها، أم تظل في بيتها وتطلب الطلاق؟ الشيخ: لماذا يُدْخِل الرجالَ عليها؟ السائل: هو نطق بلسانه فقال ذلك. الشيخ: الزوج قال للزوجة: سوف أُدْخِل الرجالَ عليك؟ السائل: نعم. الشيخ: لأي شيء يُدْخِلهم؟ السائل: هذا رجل قال هذه الكلمة غاضباً. الشيخ: أقول: لأي شيء يُدْخلهم؟ السائل: صدرت منه صريحةً هكذا. الجواب أقول: تنتظر، لا تخرج من البيت حتى يُدْخِل الرجال عليها، فإذا أَدْخَل الرجالَ عليها وألزمها أن تبقى عند الرجال مكشوفة الوجه فحينئذٍ لها الحق في أن تطالب بالطلاق؛ ولكني لا أظن رجلاً مؤمناً بالله واليوم الآخر وعنده غيرة الرجال على نسائهم أن يفعل هذا الشيء. مداخلة: من الناس من يرى ارتداء الحجاب حراماً؟! الشيخ: الذين يحرمون ارتداء الحجاب لا شك أن عندهم نقصاً في العلم، ونقصاً في الدين، ونقصاً في الغيرة، ولا يطاعون في ذلك، ويجب على المرأة أن تعصي زوجها إذا أمرها بكشف وجهها وجوباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الفتح على الإمام في القراءة إذا أخطأ السؤال هل يجب على المأموم أن يصحح للإمام إذا أخطأ في قراءته للقرآن؟ الجواب إذا أخطأ الإمام في القراءة الواجبة كقراءته الفاتحة وجب على المأموم أن يفتح عليه. وإذا كان في القراءة المستحبة نَظَرْنا: فإن كان يغير المعنى وجب عليه أن يرد عليه، وإن كان لا يغير لم يجب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 جواز تدريس الأعمى للنساء السؤال ما حكم دخول الكفيف على النساء لقصد التعليم في المدارس؟ الجواب دخول الرجل الأعمى على النساء للتعليم لا بأس به؛ لأنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأعمى ما لم يكن هناك فتنة، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس: (اعتَدِّي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده) ، وأذِنَ لـ عائشة أن تنظر إلى الحَبَشَة وهم يلعبون في المسجد. لكن إن حصل من هذا فتنة بكونه يتلذذ بصوت المرأة، أو يُدْنيها إلى جنبه مثلاً، ويمسك على يدها، وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز، لا من أجل أنه يحرم النظر إلى الرجل، ولكن من أجل ما اقترن به من الفتنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 مشروعية الحج عن المريض السؤال شاب بلغ من عمره عشرين عاماً وهو مصاب بسيلان الدم -أي: عنده جرح في كوعه يسيل الدم منه- وهو أعرج أيضاً، ولم يحج، فيريد الحج هذا العام، فماذا يصنع علماًَ بأنه خائف من زحمة الحجاج في هذا العام من أن يقع له جرح بسبب سيلان الدم؟ الجواب إذا كان هذا الشاب مستطيعاً بماله؛ ولكنه غير مستطيع ببدنه فإنه يوكل مَن يحج عنه؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدْرَكَتْه فريضة الله على عباده بالحج شيخاً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) ، فإذا كان هذا الرجل لا يستطيع الحج لكونه أعرجاً، ولأنه إذا جرح بأي جرح لا يُرْقَأ دمه بل ينزف وهذا خطر على حياته فهو معذور، من أجل العرج مع مشقة الازدحام، وإن لمن يحج فلا إثم عليه. السائل: وإذا كان يُرْجَى برؤه؟ الشيخ: إذا كان يرجى برؤه فإنه يؤخر حتى يشفيه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 حكم الأضحية السؤال ما هو القول الصحيح في حكم الأضحية؟ الجواب الذي يظهر لي أن الأضحية ليست بواجبة؛ ولكنها سنة مؤكدة يُكْرَه للقادر تركها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 حج المرأة بلا محرم السؤال إن حجت المرأة بدون محرم، فهل عليها الحج مرة أخرى، ويكون الحج الأول قد سقط عنها؟ الجواب إذا حجت المرأة بلا محرم فهي عاصية لله ورسوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك) ؛ لكن الحج مجزئ، أعني: لا يلزمها أن تعيده مرة أخرى، بل عليها أن تتوب إلى الله وتستغفر مما حصل منها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 حكم التسبيح بالسبحة السؤال من ناحية التسبيح بالمسبحة هل هي بدعة، وهل يُنْكَر على المسبح بالمسبحة؟ الجواب أولاً: التسبيح بالمسبحة تركه أَولى وليس ببدعة؛ لأن له أصلاً وهو تسبيح بعض الصحابة بالحصى؛ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن التسبيح بالأصابع أفضل، وقال: (اعْقِدْنَ -يخاطب النساء- بالأنامل، فإنهن مُسْتَنْطَقات) ، فالتسبيح بالمسبحة ليس حراماً ولا بدعة؛ لكن تركه أَولى؛ لأن الذي يسبح بالمسبحة ترك الأَولى. ثانياً: ربما يشوب تسبيحَه شيءٌ من الرياء؛ لأننا نشاهد بعض الناس يتقلَّد مسبحة فيها ألف خرزة كأنما يقول للناس: انظروني، إني أسبح ألف تسبيحة. ثالثاً: أن الذي يسبح بالمسبحة في الغالب يكون غافل القلب، ولهذا تجده يسبح بالمسبحة وعيونه في السماء وعلى اليمين وعلى الشمال، مما يدل على غفلة القلب. فالأَولى أن يسبح الإنسان بأصابعه، والأَولى أن يسبح باليد اليمنى دون اليسرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يعْقِد التسبيح بيمينه) وإن سبح باليدين جميعاً فلا بأس؛ لكن الأفضل أن يسبح بيده اليمنى فقط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 رجل استدان من بنك لعمل محل فأفلس وحكم الزكاة عليه السؤال رجل يملك محلاً تجارياً، والجزء الكبير من رأس ماله كان سلفة بَنْكِيَّة من بنك الرياض، وبعد سنتين أفلس المحل وعليه بعض الديون، فهل يُخرج زكاة السنتين؟ علماً بأنه الآن موظف. الشيخ: لكن هل أفلس قبل أن تجب الزكاة أو بعدما وجبت؟ السائل: أفلس بعد تمام سنتين. الشيخ: عليه الزكاة. السائل: كيف يخرج الزكاة؟! لأن السنة الأولى كان معروفاً رأس المال فيها، وأما السنة الثانية فلم يُعْلَم؟ الشيخ: يَتَحَرَّى، والقصة هذه التي ذكرتَ أن الرجل تسلف من البنك، وفتح هذا المحل وحصل عليه الإفلاس، يجب أن نتخذ منها عبرة من وجهين: الوجه الأول: أن ما بُنِي على باطل فإن الله لا يجعل فيه خيراً كثيراً ولا بركة. الوجه الثاني: أنه لا ينبغي للإنسان أن يستدين من أجل فتح المحل؛ لأن هذا من سوء التصرف، كيف تُشْغِل ذمتك بمال لا تدري هل تقدر على رده أم لا؟! والعامة يقولون مثلاً صحيحاً: (مُد رِجْلَك على قدر لحافك) ؛ لأنك لو مددتَ رِجْلَك على أكثر من لحافك برَزَتْ وظَهَرَت. فلهذا أشير على إخواني ألا يكونوا جشعين، يستدينون ليفتحوا محلاً أو يُكَثِّروا التجارة، بل ما كان عندهم من المال اتجروا به على الوجه المباح، وما لم يكن عندهم فلا يطلبوه. السائل: في السنة الثانية نفذ المال. الشيخ: إذا أفلس ونفذ ماله قبل السنة الثانية، فالسنة الثانية ليس عليه الزكاة فيها. السائل: إذا كان البنك لا يأخذ فوائد؟ الشيخ: قولك: إذا كان البنك لا يأخذ فوائد غير وارد، البنك لا يمكن أن يعطيك قرشاً واحداً إلا وهو ضامن الربا. السائل: البنك العقاري؟ الشيخ: البنك العقاري لم يُسَمِّه، بل هو عَيَّنَ وقال: بنك الرياض. السائل نفسه: الشيخ: لا يعطي البنك العقاري إلا عن طريق الحكومة؛ لكن الحكومة جعلت عن طريق البنك فقط، ليس من ماله، البنك لا يمكن أن يعطيك من ماله إلا وقد أخذ عليه ربحاً حتى إنه كلما زاد الأجل زاد في الربا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 من أحكام التسليم في الصلاة السؤال التسليم من الصلاة هل يكون مصاحباً للالتفات، أو بعده؟ الجواب التسليم للصلاة يكون مع الالتفات، من حين تبدأ التفت حتى تقول: (عليكم) وأنت ملتفت تماماً؛ لأنك تخاطب مَن وراءك. أما بعض الناس يقول: (السلام عليكم) ، فيرفع رأسه وإذا بقي (عليكم) التفت بسرعة، هذا ليس له أصل يا أخي، وليس بصحيح، إنما تقول: (السلام عليكم) من حين تبدأ بالجملة تبدأ بالالتفات حتى يكون التفاتك عند قولك: (عليكم) ؛ لأنك تخاطب الجماعة وراءك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 مقولة: (بأبي أنت وأمي) السؤال هل يجوز افتداء النبي صلى الله عليه وسلم بقولنا: (بأبي أنت وأمي) ، أو (هو بأبي وأمي) في هذا الزمن خصوصاً؟ الجواب نعم، العلماء رحمهم الله يقولون: (بأبي هو وأمي) إلى يومنا هذا، حتى نجد هذا كثيراً في عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا شك أنه يجب على الإنسان أن يفدي الرسول صلى الله عليه وسلم بأمه وأبيه وولده ونفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 حكم سحب الدم للصائم السؤال هل يجوز للصائم أن يسحب دمه في المستشفى أو في غير المستشفى؟ الجواب هذا يُنْظَر: إذا كان الدم المسحوب قليلاً مثل الذي يسحب للاختبار للتحليل فهذا لا بأس به ولا حرج فيه. أما إذا كان كثيراً يؤثِّر كما تؤثِّر الحجامة فالصحيح أنه لا يحل له ذلك إذا كان صومه واجباً؛ لأن هذا يفطر، وإن كان تطوعاً فلا حرج عليه في هذا؛ لأن التطوع يجوز للإنسان أن يقطعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 حكم من أغمي عليه في نهار رمضان السؤال امرأة أصيبت بجلطة قبل رمضان ولَمْ يُغْمَ عليها إغماء كاملاً، فكانت تبدأ بالصلاة وأثناء الصلاة تخاطِب مَن حولها، ولما قرب رمضان أغمي عليها إغماء كاملاً؛ ولكن الأطباء قالوا: إنها تسمع، ثم توفيت في رمضان فهل يكفَّر عنها؟ الجواب هذه -بارك الله فيك- التي أصيبت بجلطة قبل رمضان وبقيت مغمىً عليها أو فاقدة الشعور، يُطْعَم عنها لكل يوم مسكين؛ لأن الصحيح أن الإغماء لا يمنع وجوب الصوم، وإنما يمنع وجوب الصلاة، فلو أغمي على إنسان بغير اختياره وبقي يومين أو ثلاثة فلا صلاة عليه، أما إذا كان باختياره كما لو أغمي عليه بواسطة البنج فإنه يلزمه القضاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 حكم استخدام الموسيقي في الجيش السؤال يتحرج كثير من الطلبة العسكريين الذين منَّ الله عليهم بالالتزام من سماع الموسيقى -أعني: موسيقى المشاة- فكيف يتصرفون؛ حيث أن الموسيقى إجبارية؟! الجواب لا شك أن الموسيقى في الجيش وغير الجيش من البلاء الذي أصيب به الناس اليوم، وصار جزءاً من أعمالهم في بعض الجهات، وهذا لا شك أنه جهلٌ بالشريعة، أو تهاونٌ، أو تقليدٌ لبعض مَن أجاز ذلك من أهل العلم؛ لأن مِن العلماء مَن أجاز المعازف بِحجة أن حديثها الذي في صحيح البخاري فيه انقطاع -كما يزعمون- ومن هؤلاء: ابن حزم، وبعض العلماء المعاصرين، فربما يعتمد بعض الناس على مثل هذه الأقوال الضعيفة، ويرى أن لنفسه حجة في هذا. لكننا نرى أن المعازف حرام سواء في الجيش أو في غير الجيش، وأنه يجب على المسلمين أن يستغنوا بما أحل الله لهم عما حرم الله عليهم، وليست الشجاعة ولا الإقدام مبنية على هذه أبداً، الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً هو ذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] ، هذا هو الذي يملأ القلوب شجاعة وإقداماً. لكن على كل حال: هؤلاء الإخوة الذين يكرهون الموسيقى أو العزف هم مأجورون على كراهتهم، ومثابون عند الله، فإن قدروا على إزالتها أو تخفيفها فهذا هو المطلوب، وإن لم يقدروا فلا تُتْرك المصالح العظيمة في الالتحاق بالجيش من أجل هذه المفسدة اليسيرة بالنسبة للمصالح؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يقارن بين المصالح والمفاسد، وأهل الخير إذا تركوا مثل هذه الأعمال من أجل هذه المعصية بقيت لأهل الشر، وتعرفون خطورة الجيش فيما لو لم يُوَفَّق لأناسٍ من أهل الخير، ولا أحب أن أعيِّن بضرب الأمثلة، لَمَّا استولى أهلُ الشر والفساد على الجيوش ووصلوا إلى سدة الحكم، ماذا كان؟! كان من الشر والفساد ما الله به عليم. فأنا أحث إخواني الملتزمين خاصة بأن يلتحقوا بالجيش، وأن يستعينوا بالله عز وجل في إصلاح ما أمكنهم إصلاحه، وهذه المفسدة -أعني: مفسدة الموسيقى أو العزف- مفسدة لا شك فيها عندي، وإن كان فيها اختلاف أشرتُ إليه قبل قليل؛ لكني أقول: هذه المفسدة تنغمر بجانب المصالح العظيمة الكبيرة في أن يتولى قيادة الجيش أناس من أهل الدين والصلاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 حكم القول بأن السيئات يذهبن الحسنات السؤال ورد أن الحسنات يذهبن السيئات، فهل السيئات يذهبن الحسنات؟ الجواب الحسنات يذهبن السيئات فتمحوها محواً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنِبت الكبائر) . وأما أن السيئات تمحو الحسنات فلا، لكنها عند الموازنة يوم القيامة قد تَغْلِب على الحسنات، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] ، فيوازَن بين الحسنات والسيئات، فربما تكثُر السيئات على الحسنات، فيستحقُّ الإنسان دخول النار، يُعَذَّب بها بقدر ذنبه، وربما تتساوى الحسنات والسيئات، فيكون الإنسان من أهل الأعراف الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم، لا يدخلون النار ولا يدخلون الجنة إلا بعد أن يشاء الله عز وجل، وربما تزيد الحسنات، فيكون من أهل الجنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 نية المسافر للقصر أثناء الصلاة السؤال هل يجوز تغيير النية في الصلاة إذا كان في السفر من القصر إلى الإتمام إذا شك في قربه من المدينة التي هو مقيم فيها؟ الجواب الأصل في صلاة السفر القصر، ولهذا لا يحتاج إلى نية، أي: إذا دخلتَ الصلاة الرباعية وأنت مسافر وإن لم تنوِ القصر فاقصر؛ لأن الأصل في صلاة السفر القصر كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه (أول ما فُرِضَت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وزِيْدَ في صلاة الحَضَر) . ولهذا كان القول الراجح: أن صلاة القصر لا تحتاج إلى نية في السفر. نسأل الله أن يجمعنا وإياكم على طاعته، وأن يهب لنا منه رحمة وعلماً نافعاً وعملاً صالحاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [4] مضى عام من عمرك، أيامك فيه معدودة، وأعمالك فيه مكتوبة، فإن كنت ممن قدم فيه الصالحات فاحمد الله، واثبت على ذلك. وإن كانت الأخرى فبادر بالتوبة، ما دمت في زمن النور قبل أن تصير إلى ظلمة القبور. كما أجاب الشيخ رحمه الله عن العديد من الأسئلة المتناثرة، منها ما يتعلق بمناسك الحج، ومنها ما يتعلق بأحكام الصلاة وغير ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 بين يدي عام جديد الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: فإن هذه الجلسة الأولى من هذا الشهر المحرم عام (1413هـ) ، وهي الجلسة الأولى لهذا العام أيضاً، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا دائماً على الخير والبركة فيما ينفعنا وينفع المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 وقفة محاسبة أيها الإخوة: تعرفون ما لله سبحانه وتعالى من الحكم البالغة في تعاقب الليل والنهار، والشهور والأعوام، ومن ذلك ما أشار إليه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان:62] أي: يخلف بعضه بعضاً {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] ، فإن الإنسان يتذكر كلما تجدد يومٌ وليلة، يتذكر ويعمل العمل الصالح، ويجدد له ذلك نشاطاً يجده في نفسه، وراحةً يجدها في قلبه، بتجدد الزمان عليه، وتعاقب الليل والنهار، وكذلك بالنسبة للسنوات والشهور، وإذا كان تجار الدنيا يحصون ما حصل لهم في العام عند نهايته، فإن الذي ينبغي لتاجر الآخرة -وتجارة الآخرة أعظم وخير وأبقى- أن يحاسب نفسه على ما مضى من عامه، ويجدد النشاط لما يستقبل من عامه الجديد، أقول هذا وأنا أعتبر نفسي أشد الناس تقصيراً، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 بادر ما دمت في المهلة قبل النقلة إن المؤمن يتذكر فيما يتذكر بتجدد الأعوام والسنين، يتذكر من كان معه من إخوانه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حيث انفردوا بأعمالهم في قبورهم مرتهنين، لا يملك الواحد منهم زيادة حسنة ولا نقص سيئة، ويعلم علم اليقين أن هذا سيكون له إن عاجلاً وإن آجلاً، فينتهز الفرصة بالعمل الصالح حتى لا يغبن في حياته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ) فكم من إنسان مضت عليه صحته أياماً بل شهوراً بل أعواماً لم ينتفع من هذه الصحة بشيء، وهو إذا لم ينتفع بها بشيء فإنه قد خسرها؛ لقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فإذا خسرها كان مغبوناً فيها، وكم من إنسان مضت عليه أوقات فراغ كثيرة لا يتعب نفسياً ولا جسمياً بتحصيل معاشه، بل قد منَّ الله عليه بالنعمة والرغد، ومع ذلك غبن في هذا الفراغ حتى كأنه شاغل لهذه الفراغات لا يستطيع أن يتفرغ لعبادة الله. فخذوا أيها الإخوة من صحتكم لمرضكم، ومن حياتكم لموتكم، واستعدوا ليوم الرحيل، وأودعوا في كتاب أعمالكم حسنات تجدوها عند الله سبحانه وتعالى خيراً وأعظم أجراً، أقول هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب. وحيث أنَّ كثيراً منكم في هذا العام حجوا وشاهدوا ما حصل من الحجيج من مخالفات شرعية، أو من أنظمة فيها شيء من التقصير، فإني أطلب إليكم الآن وبسرعة عاجلة أن تكتبوا لي -جزاكم الله خيراً- ما شاهدتموه من التقصير في الأنظمة، أو في رجال الأعمال، أو من المخالفات من الحجاج، حتى يتم النظر فيها ودراستها لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يعين على إصلاح ما حصل، وحدود هذا إلى يوم الإثنين فقط؛ لأني مستعجل فيها، وأرجو ألا تكتبوا إلا شيئاً علمتموه، وأما ما ينقل بلا تثبت فإنه لا يعتمد عليه، ولكن لا بد أن تكون هناك مشاهدات، ويكون هذا منكم مساعدة ومعاونة على البر والتقوى، أصلح الله أحوالنا وأحوال المسلمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 حكم من أجنب ليلة عرفة ومضى في حجه ولم يغتسل السؤال حاج أصابته جنابة ليلة عرفة، ومضى في حجه حتى انتهى ورجع إلى بلده، فماذا عليه؟ الجواب الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله. وبعد: على هذا الإثم العظيم الكبير حيث أمضى كل هذه الأيام وهو يصلي على غير طهارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) فالواجب عليه نحو صلاته أن يعيد كل ما صلى قبل اغتساله، أما بالنسبة للحج فعليه أن يعيد طواف الإفاضة؛ لأنه طاف وعليه جنابة ولا يصح الطواف من الإنسان وهو على جنابة؛ لأن من عليه جنابة ممنوع من اللبث في المسجد، كما قال تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] ، وعليه إذا كان متزوجاً أن يتجنب أهله حتى يرجع إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، وفي هذا الحال يحرم من الميقات بعمرة، ثم يطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بطواف الإفاضة، وعليه -مع ذلك كله- التوبة إلى الله بالندم على ما حصل منه، وأن يرى نفسه مقصراً مفرطاً في حق الله، وأن يعزم على ألا يعود إلى مثل هذا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 لا يعتبر في التمتع أن يكون النسكان لشخص السؤال هل يكون متمتعاً من نوى العمرة لشخص والحج لشخص آخر؟ الجواب نعم. يكون متمتعاً، فإن العلماء رحمهم الله نصوا على أنه لا يعتبر في التمتع أن يكون النسكان لشخص واحد، بل يجوز أن تكون العمرة لشخص والحج لشخص آخر، أو تكون العمرة لنفسه والحج لآخر، أو تكون العمرة لآخر والحج لنفسه، كل هذا يرونه جائزاً ولا يبطل التمتع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 حكم من لم يتمتع بالعمرة إلى الحج السؤال هل يكون متمتعاً من اعتمر في أشهر الحج وفي نيته إن تيسر له حجٌّ حج وهو غير متيقن من هذا، ثم تيسر له حج فحج؟ الجواب لا يكون متمتعاً؛ لأنه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج، إذ أنه ليس عنده نية حج، لكن إذا كان يغلب على ظنه أنه سيحصل له الحج، فإنه يحتاط ويذبح هدي التمتع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 حكم من رمى وطاف دون أن يحلق السؤال ما مدى صحة القول المأثور: من فعل اثنين من ثلاثة حل. هل يحل بالرمي والطواف دون الحلق أو التقصير؟ الجواب كثير من أهل العلم يرى أنه يحل التحلل الأول بالرمي فقط، أي: برمي جمرة العقبة يوم العيد، ولكن الظاهر أنه لا يحل إلا بالرمي والحلق، وأما العبارة المشهورة عند الفقهاء: أنه يحل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهنَّ الرمي والحلق والطواف، فلا أعلم في هذا سنة، لكن فيه القياس والنظر؛ لأن الطواف له تأثير في التحلل الثاني، فإذا كان له تأثير في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فعلى كلام الفقهاء: إذا رمى وطاف حلَّ التحلل الأول وإن لم يحلق، وإذا حلق وطاف حلَّ التحلل الأول وإن لم يرم، وإذا رمى وحلق حل التحلل الأول وإن لم يطف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 حكم تغيير النذر السؤال شخص نذر إذا نجح في الامتحان ليصومن شهرين، وبعد ساعة عدل نيته إلى الشهر الواحد، ونجح في الامتحان فما الحكم؟ الجواب الصيام طاعة من الطاعات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذا الرجل نذر، فلزمه النذر بمجرد كلامه، ولا يمكن أن يحول الشهرين إلى الشهر؛ لأنه ثبت في ذمته شهران، لكن إن كان لم يبلغ فلا نذر عليه؛ لأنه غير مكلف. وخلاصة الجواب الآن: أنه إذا كان مكلفاً، أي: بالغاً عاقلاً لزمه أن يصوم شهرين، ثم إن كان في نيته التتابع لزمه أن يكون الشهران متتابعين، وإلا فهو حر إن شاء صام متتابعاً أو متفرقاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 أخطاء في تغسيل الميت السؤال عند غسل الميت بعض المغسلين إذا كفن الميت يضم يده اليمنى على اليسرى كالمصلي هل هذا العمل مشروع؟ الجواب ليس هذا العمل مشروعاً، وإنما تجعل يد الميت إلى جنبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 أضحية أهل البيت الواحد السؤال رجل له أولاد وله ابن كبير متزوج ساكن معه وموظف، وأكلهما وشربهما واحد، فهل في حقهما أضحية واحدة؟ الجواب أصحاب البيت الواحد أضحيتهم واحدة ولو تعددوا، فلو كانوا إخوة مأكلهم واحد وبيتهم واحد فأضحيتهم واحدة، ولو كان لهم زوجات متعددة، وكذلك الأب مع أبنائه ولو كان أحدهم متزوجاً فالأضحية واحدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 حكم انعقاد الحج في أيام التشريق السؤال أشهر الحج ثلاثة: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة، فهل ينعقد الحج في أيام التشريق؟ الجواب أشهر الحج يرى بعض العلماء أنها شهران وعشرة أيام، ويرى آخرون أنها شهران وثلاثة عشر يوماً تنتهي بآخر أيام التشريق، والظاهر أنها ثلاثة أشهر أي: آخرها المحرم، ولا ينعقد الحج في أيام التشريق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) وقد فات يوم عرفة. السائل: قصدي هل يجوز للإنسان أن يحرم بالحج وقد فات يوم عرفة في أيام التشريق أو بعد انتهاء أيام التشريق للعام القادم لأنه في أشهر الحج؟ الشيخ: إذا أحرم للعام القادم فقد أحرم بالحج قبل أشهره، فينبني على الخلاف هل ينعقد الحج قبل أشهره؟ فمن العلماء من قال: ينعقد لكن مع الكراهة، ومنهم من قال: لا ينعقد، وعلى هذا يحول الإحرام إذا أحرم بالحج قبل أشهره إلى العمرة ويطوف ويسعى ويقصر وفي العام القادم يأتي بالحج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 حكم تأخير أعمال الحج السائل: إلى متى يجوز تأخير أعمال الحج مثل طواف الإفاضة وغيره؟ الشيخ: الطواف والسعي والحلق عند علماء الحنابلة ليس لها حد، متى شاء حلق ومتى شاء طاف وسعى حتى لو بقي عشر سنوات، لكن يبقى عليه التحلل الثاني. ولكن الذي أرى: أنه لا يجوز أن يؤخره عن آخر يوم من شهر ذي الحجة؛ لأن هذه أشهر الحج، فيجب أن تكون أعمال الحج في أشهره إلا من عذر، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة ولم تطهر إلا بعد خروج شهر ذي الحجة، أو أصيب الإنسان بمرض ولم يستطع أن يطوف قبل انتهاء شهر ذي الحجة فلا حرج، متى زال المانع طاف. السائل: إذا قلنا: أخره بدون عذر على غير رأي الحنابلة وانتهت أشهر الحج؟ الشيخ: لا أدري ما يقولون في هذه المسألة، هل يقولون: إنه يقضيه كما تقضى الصلاة، أو يقال: عبادة فات وقتها فلا تقضى ويكون الحج الآن لم يتم ولا يكتب له الحج، لا أدري ماذا يقولون في هذا! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وجوب المبيت في منى ليالي أيام التشريق السؤال من لم يبت في منى ليالي أيام التشريق فهل عليه الدم كما يقول الفقهاء، أم ليس عليه الدم؟ الجواب يقول الفقهاء: المبيت في منى ليالي أيام التشريق واجب، والواجب في تركه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، وهذا القول إن لم يكن قوياً من حيث النظر لكنه قوي من حيث العمل وتربية النفس؛ لأننا إذا قلنا: إنه ليس بواجب ما حرصوا عليه ولم يهتموا به، فكون الشيء يبقى محترماً في نفوس الناس معظماً أولى وأحسن، والذي لا يستطيع أن يذبح فدية ليس عليه شيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 حكم إتمام الصلاة في السفر السؤال هل يجوز إتمام الصلاة في السفر؟ الجواب إتمام الصلاة في السفر غير جائز عند بعض العلماء الذين يقولون بوجوب القصر كـ أبي حنيفة، وعند الآخرين جائز لكن مع الكراهة؛ وهذا هو الأقرب، ودليل ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لما أتمَّ عثمان رضي الله عنه في منى أنكروا عليه الإتمام، ولكنهم كانوا يصلون معه ويتمون، ولو كانوا يرون أن القصر واجب ما أتموا معه؛ لأنهم يزيدون في الصلاة ما ليس منها، فالأقرب عندي أخيراً: أنه ليس بواجب لكنه مكروه، ما لم يصل الإنسان مع إمام يتم فيلزمه الإتمام سواء أدرك الصلاة كلها أو بعضها. السائل: لو كان المسافر إماماً ومن خلفه مقيمون فهل تبقى الكراهة؟ الشيخ: نعم، حتى لو كان إماماً ومن خلفه مقيمون فإنه يقصر، ويقول لهم: أتموا فإنا قوم مسافرون حتى تظهر السنة؛ لأن هذه السنة مجهولة عند كثير من الناس، وينكرها العوام، لكن إذا اشتهرت وفعلها الناس صارت مألوفة عند الناس، وصارت معروفاً كما هي معروف شرعاً، والذي ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم الذي يؤخذ بقوله، أن يحيي السنة التي أميتت حتى لا يكون المعروف منكراً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 حكم من ظل ساجداً حتى سلم إمامه السؤال إمام يصلي بالناس، وعندما رفع رأسه من السجدة الأخيرة التي بعدها التشهد الأخير كبر ولكنه لم يرفع صوته، فبقي الناس ساجدين إلى أن سلم الإمام فرفعوا رءوسهم، فما الحكم في هذه الحالة؟ الجواب أولاً: إنني أستبعد أن المأمومين بقوا مدة سجود الإمام ومدة تشهده وهم ساجدون، أقلَّ ما يكون سيقول الواحد منهم: إن صاحبنا أصابته سكتة فيقوم أحدهم. فعلى كل حال: إذا وقع هذا الشيء فإنهم إذا سلم الإمام يقومون ويتشهدون ويسلمون، وليس عليهم سجود السهو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 من حج عن طفلة ولم يطف طواف الوداع السؤال حججت عن طفلة رضيعة ولم أطف لها طواف الوداع، فما الحكم في ذلك؟ الجواب ليس عليك شيء، الصغار ما جاء منهم من المناسك فاقبلوه، وما تركوه لا تطالبون به، ولكني أشير عليك وعلى إخواننا ألا يحججوا الصغار في هذه المواسم؛ لأن في ذلك تضييقاً عليهم وعلى أطفالهم، تعب ومشقة، وتحجيجهم ليس بواجب، غاية ما في ذلك أن لهم فيه أجراً، لكن هذا الأجر الذي يحصلونه ربما يفوتهم من الأجر في تكميل مناسكهم أكثر وأكثر مما حصلوه من حج هذا الصبي، والإنسان ينبغي له أن يكون بصيراً بالشرع قبل أن يفعل، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يحججوا بأطفالهم، وغاية ما روي عنه: (أن امرأة رفعت صبياً لها وقالت: ألهذا حج؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم ولك أجر) ، فإذا كنا نحجج هؤلاء الصغار فسيفوتنا سنن كثيرة في عبادتنا التي جئنا من أجلها، فترك تحجيجهم أولى من تحجيجهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 من رمى الجمرات عن زوجته خشية الزحام السؤال رميت الجمرات عن زوجتي مع أنها قادرة خشية الازدحام عند الجمرات، فما الحكم؟ الجواب هذا أيضاً مما يحصل من التقصير من الناس؛ لأن الزحام ليس دائماً، يوجد الزحام في فترات ويوجد في فترات أخرى سعة، لو أنكم أخرتم الرمي إلى الليل ما وجدتم الزحام كما يفعله كثير من الناس، فإن كنت قد استفتيت أحداً بهذا ممن هو أعلم منك وأفتاك فلا شيء عليك، وإن كان تصرفاً منك فهو تصرف بجهل، لكنك فرطت؛ لأن المشاعر فيها -ولله الحمد- علماء، فإذا كان لك قدرة أن تذبح فدية في مكة وتوزعها على الفقراء فهذا طيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الصلاة على الغائب السؤال ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى على النجاشي صلاة الغائب، وسبب ذلك أنه ما كان هناك أحد من المسلمين يصلي عليه، وواقع المسلمين الآن يموتون جماعات وبالتأكيد لم يصل عليهم كما هو حاصل في وقتنا الحاضر في يوغسلافيا والصومال فأنا متأكد أنه لا يصلى عليهم؟ الجواب إذا تأكدت أنه لم يصل عليهم فصل عليهم؛ لأن الصلاة فرض كفاية، لكن ربما أهله صلوا عليه؛ لأن الصلاة على الميت تقوم بواحد. على كل حال: إذا تأكدت أن شخصاً لم يصل عليه فعليك أن تصلي عليه؛ لأنها فرض كفاية، ولا بد منها. السائل: صح التعليل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي؟ الشيخ: نعم، هذا هو الأقرب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب مات سوى النجاشي، مع أنهم أفضل منا وأكثر نفعاً للإسلام والمسلمين، وكذلك الخلفاء من بعده. السائل: لكن يبعد أن يَسلم ولا يُسلم معه أحد؟ الشيخ: لا، لو أسلم معه فهل هؤلاء ممن عرفوا شعائر الإسلام أم لا؟ قد يسلمون ولا يعرفون شيئاً من الشعائر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 من يستحق الإمامة في الصلاة السؤال هل الأفضل الصلاة خلف إمام قارئ فيه نوع من السفه أو قليل من السفه، أم خلف إمام غير متقن لكنه أتقى وأورع؟ الجواب الأتقى والأورع أحسن، لا سيما إذا كان الآخر يُخلُّ بشيء يتعلق بالصلاة، مثل: ألا يطمئن فيها، أو يكثر الحركة فيها، أو ما أشبه ذلك، فهنا الآخر أولى منه الذي هو أتقى وأتقن للصلاة، أما إذا كان في أمر لا يتعلق بالصلاة فالأقرب أيضاً أن نقدم الأتقى، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وكان الصحابة إذا قرءوا القرآن لا يتجاوزون العشر آيات حتى يعلموها، ويعملوا بها، فالأقرأ في وقتهم غالباً هو الأتقى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 من أصر على معصية حتى بعد إسلامه السؤال الكافر إذا أسلم وأخبر عند إسلامه بشعائر الدين وكان قبل إسلامه مدمن للخمر، فقال عندما أسلم: أسلم بكل شيء، لكن شرب الخمر أؤمن أنه محرم بشريعة الإسلام لكن سأواصل شربه، هل يحسب ذنبه -أي: شربه- قبل الإسلام مع ذنب شربه الخمر بعد الإسلام؟ الجواب الكافر إذا أسلم وأحسن إسلامه فإنه يعفى عنه كل ما سبق، وإن أسلم وأساء أخذ بما سلف وما عمل، فإذا أسلم محا الله عنه سيئات الشرك والكفر، وإذا بقي في إسلامه على ما هو عليه من المعصية في كفره فإنه لا يعفى عنه ما سبق من هذه المعصية في كفره؛ لأنه لم يتب منه. السائل: وما ورد بأن الإسلام يَجبُّ ما قبله؟ الشيخ: يَجبُّ ما قبله ما لم يصر على المعصية، وقد ثبت هذا في صحيح البخاري أن (من أساء في الإسلام أخذ بما أساء وما سلف) ؛ لأنه لم يتب منه حقيقة، تاب من الكفر فعفي عنه كفره، بقي على معصية الخمر فيأثم بها. ولهذا المسلم إذا أصر على عدة معاصٍ ثم تاب في تسعة من عشرة بقي العاشر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 حكم المأمومين إذا سجدوا والإمام راكع السؤال رجل صلى بالناس المغرب بسورة في آخرها سجدة التلاوة، ثم ركع، فبعض المأمومين سجد وبعضهم الآخر ركع، فماذا يفعل الذي سجد؟ الجواب الذين سجدوا إذا شعروا بأنه راكع يقومون من سجودهم ويركعون معه، فإن لم يشعروا إلا بعد ما قال: سمع الله لمن حمده، يقومون أيضاً ويركعون ثم يتابعون إمامهم؛ لأن القاعدة: إذا تخلف المأموم عن الإمام بركن أو أكثر لعذر فإنه يأتي به ويلحق إمامه. السائل: هل على الذين سجدوا والإمام راكع سجود السهو أم لا؟ الشيخ: عليهم سجود السهو إذا كان قد فاتهم شيء من الصلاة، وإن لم يفتهم شيء من الصلاة فليس عليهم سجود السهو؛ لأن الإمام يتحمله عنهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 الصلاة في حجر الكعبة السؤال هل تجوز الصلاة في حجر إسماعيل، وإذا كانت جائزة فهل يشترط لها التوجه إلى الكعبة أم لا؟ الجواب أولاً: أخبرك بأن هذا ليس حجر إسماعيل، ولا يعرف إسماعيل عنه شيئاً، وإنما هذا الحجر كان من فعل قريش، فإن قريشاً لما انهدمت الكعبة وأرادوا بناءها، قلَّت عليهم النفقة، فلم يجدوا نفقة يكملون بها الكعبة على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فرأوا أن يقتصروا على جانب منها ورأوا أن يبقى الجانب الذي فيه الحجر الأسود على ما هو عليه، والجانب المقابل هو الذي يؤخذ منه، ففعلوا ذلك، ولهذا قال العلماء: إن ستة أذرع ونصف تقريباً من الحِجْر هو من الكعبة، وبناءً على ذلك تجوز الصلاة فيه إذا كانت نافلة، ويتجه إما إلى الكعبة وإما إلى الجدار من الحِجْر الموازي لحد الكعبة، بمعنى: الجدار الذي يكون في الجزء الذي من الكعبة، هذا إذا كانت نافلة، وإن كانت فريضة ففيها خلاف، والصحيح: أن الفريضة تجوز في الحِجْر وفي الكعبة كما تجوز النافلة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى نافلة في الكعبة، وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 قصر الصلاة وجمعها في السفر السؤال أنا في أكثر الأحيان أكون مسافراً فأريد أن أستفسر عن حكم قصر الصلاة وجمعها في السفر؛ لأن بعض الناس يقول: الآن النظام غير النظام الأول فأفتونا مأجورين؟ الجواب ما دمت مسافراً فاقصر ولو طال سفرك، حتى لو كان أكثر وقتك مسافراً فاقصر الصلاة إلا إذا كنت خلف إمام يتم فأتمها، وأما الجمع فهو سنة لمن جدَّ به السير، وأما النازل فالأفضل ألا يجمع وإن جمع فلا بأس. السائل: لو قصرت صلاة العصر وجمعتها مع الظهر ثم وصلت إلى بيتي قبل العصر بساعة؟ الشيخ: الأولى ألا تجمع، تصلي مع الإمام الظهر وتتوكل على الله وتسافر، فإذا وصلت إلى بلدك فصل أربعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 السنة البقاء في منى ليلاً ونهاراً السؤال بعض الحملات يستأجرون المخيم في منى وعمارة في مكة فيبيتون في منى ويرجعون نهاراً إلى عمارتهم في مكة المكرمة ترفهاً منهم، فما حكم عملهم هذا؟ الجواب لا شك أن عملهم هذا من حيث القواعد الفقهية جائز، لكن عندي أن هؤلاء في الحقيقة إنما جاءوا للنزهة؛ لأنهم لم يتبعوا السنة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في منى ليلاً ونهاراً، والحج جهاد، ليس ترفهاً، ولا أدري كيف يشعر هؤلاء بالعبادة والإنابة إلى الله وأنهم مستمرون في الحج وهم ينتقلون إلى البيت رفاهية؟! وربما يكون عندهم آلات لهو، ثم يرجعون إلى منى جزءاً من الوقت، أنا لا أدري كيف يشعرون بأنهم في عبادة؟! ولهذا ينبغي أن ينبه المسلمون على هذه المسألة التي انهمك فيها كثير من الناس، أخذوا بقواعد الفقهاء أو بما يقتضيه كلام الفقهاء ونسوا أن المسألة عبادة. لذا ينبغي للإنسان أن يفعلها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم كيف وهو يقول: (خذوا عني مناسككم) ابق في خيمتك ولو كانت حارة، ولو حصل عليك عرق، ولو حصل عليك مشقة وأذية، هو في طاعة الله، والمسألة أيام، كل الحج لا يتجاوز ستة أيام، (الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر) ، وأنت آتٍ من بلدك، مغادر أهلك ومالك، ومخاطرٌ في الأسفار، وتعجز عن أن تحبس النفس ستة أيام أو خمسة أو أقل من هذا أربعة أيام، فوالله يؤسفني هذا جداً ويؤلمني جداً وإن كان بعض الناس يفتي بما يقتضيه كلام الفقهاء، فإنه سيتحول الحج بعدئذٍ إلى نزهة، فنسأل الله لنا ولهم الهداية. أرى أن هؤلاء حجهم ناقص ولا شك؛ لأنهم لم يتبعوا السنة في البقاء في منى ليلاً ونهاراً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون السؤال ما هو الدليل على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟ الجواب لأن الزكاة حق المال، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ حين بعثه إلى اليمن: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ، ولقول أبي بكر رضي الله عنه: [الزكاة حق المال] فهي من جنس النفقة تجب في مال الصبي وفي مال المجنون على من تجب عليه نفقته، فمثلاً: لو كان الصبي له أم فقيرة يؤخذ من ماله نفقة لأمه، ولو كان له زوجة يؤخذ من ماله نفقة لزوجته، فهكذا الزكاة حق لأهلها في مال هذا الصبي أو في مال هذا المجنون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 الإكراه الملجئ السؤال هل الإكراه الملجئ أن يكون كالآلة مثلاً: يسقط على فلان فيقتله، فهذا الإكراه ملجئ؟ الجواب ليس هذا هو الإكراه الملجئ، هذا ما أُكره، الذي سقط على شخص فقتله مكرهاً بل حصل منه شيء بغير قصد. المكره الذي يكون كالآلة، مثل: أن يأخذ الشخص الكبير الجسم شخصاً صغير الجسم ويجعله كالعصا فيضرب به شخصاً ثالثاً، هذا الفعل -فعل الضارب- ما هو فعل المكره، هذا المكره لم يفعل شيئاً أبداً ولم يكن منه حركة، أخذه هذا الرجل الكبير وضرب به الثالث، فالحكم هنا يتعلق بالضارب لا بالرجل الذي ضرب بها. السائل: فالضارب يضمن؟ الشيخ: ما فيه شك، الضارب يضمن. السائل: إن خير الإنسان مثلاً: أن يقتل فلاناً أو أن يُقتل؟ الشيخ: إذا قال له ظالم: اقتل فلاناً، أو أقتلك أنا، فلا يجوز له أن يقتل فلاناً؛ لأنه لا يجوز أن يتلف نفس غيره لاستبقاء نفسه، وإلا لجاز للإنسان إذا جاع وخاف الموت أن يذبح واحداً من الناس الذين يقدر عليهم ويأكله، فهل يجوز هذا؟ لا يجوز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 محبة الأنبياء عليهم السلام السؤال يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) ، فهل هذا الحكم عام في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أم خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فمسكوت عنهم، ولكن يجب علينا أن نحب الأنبياء لما لهم من مقام الصدق وإبلاغ الرسالة والصبر والتحمل، لأننا نحبهم لله، وهم على رأس من نحبهم لله، فكما يجب علينا أن نحب شخصاً لله يجب علينا أن نحب الأنبياء أكثر وأكثر، أما أن نلحقهم بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها للمحارم السؤال ما هو ضابط الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهرها أمام المحارم غير الزوج؟ الجواب يقول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] الزينة التي تظهر عادة، مثل: العباءات والجلباب وثياب البدلة، هذه الزينة التي تظهر، أما الزينة التي هي زينة التجمل فهذه لا تظهر إلا للمحارم فقط، بشرط: أن نأمن من الفتنة، فإن خيفت الفتنة ولو في المحارم حرم عليها أن تظهر ولو بثيابٍ جميلة؛ لأن بعض المحارم قد تكون علاقتهم بهذه المرأة بعيدة، كابن أخٍ من الرضاعة مثلاً لا يراها في السنة إلا مرة، أو ربما في السنتين مرة، وتكون مثلاً فتاة جميلة، ويكون هو ضعيف الإيمان وضعيف العزم فيخشى منه الفتنة، فلهذه نقول: ليس هذا كابن الأخ من النسب الذي هو دائماً مع المرأة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 لبس النساء للثياب القصيرة السؤال ما حكم لبس النساء للثياب القصيرة؟ الجواب نحن نحارب تقصير الثياب للنساء، ولا نفتي به ولو جاز؛ لأنا رأينا أنه إذا فتح للنساء في هذا المجال بابٌ صغير جعلنه باباً كبيراً لا يمكن إغلاقه بعد ذلك، فكوننا نتحفظ في هذه الأمور أولى، وعسى أن ندفع بعض الشرور من القوم الذين ينادون بتهتك المرأة، وإضاعة حيائها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 التفريق في المضاجع عام يشمل الجميع السؤال قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفرقوا بينهم في المضاجع) ، هل هذا الحديث عام يتناول جميع الناس مثلاً: الإخوة في الله من غير النسب أو الابن ووالده وغير ذلك؟ الجواب نعم، أي: بين البنين والبنات، وبين البنات بعضهن مع بعض، والبنين بعضهم مع بعض، يفرق بينهم في المضاجع؛ لأنه يخشى من الشر إذا بلغوا عشر سنوات. السائل: وهل الكبار فوق العشرين سنة يجوز لهم أن يرقدوا تحت غطاء وفراش واحد؟ الشيخ: الكبار الذين هم فوق العشرين سنة لا يكونوا في فراش واحد، خطر عليهم جداً، فإن الإنسان النائم قد لا يشعر بشيء. السائل: ما ورد عن زيد بن حارثة وأسامة رضي الله عنهما أنهما ناما في غطاء واحد؟ الشيخ: لكن هل هما نائمان؟ ربما كانا مضطجعين ولم يناما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وجوب غسل الجمعة السؤال ما حكم غسل الجمعة على القول الصحيح، وهل يجزئ عنه الوضوء أم لا؟ الجواب غسل الجمعة على القول الذي نراه راجحاً أنه واجب على كل من أتى جمعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم) ، ولكنه ليس شرطاً لصحة الصلاة؛ لأنه ليس عن حدث، ودليل ذلك: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تكلم عن عثمان حين جاء متأخراً، فقال له عثمان رضي الله عنه: ما زدت على أن توضأت يا أمير المؤمنين، قال: والوضوء أيضاً، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل) لكن هل غسل يوم الجمعة يجزئ عن الوضوء أم لا يجزئ؟ إن توضأ الإنسان قبله بنية رفع الحدث، فقد حصل رفع الحدث بالوضوء، وإن لم يتوضأ فإنه لا يجزئ؛ لأن هذا ليس عن حدث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 حكم من احتلم ولم ير شيئا ً السؤال شاب احتلم ولكنه لا يعلم هل نزل الماء، أم لا. ولكن هناك أثرٌ لهذه الجنابة مثل وجود رائحة الجسد فإنها تكون مثل رائحته عندما يقع في الجنابة، فهل يكون هذا من موجبات الغسل أم لا؟ الجواب إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئاً فإنه لا غسل عليه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة: (هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء) فقيد الجواب برؤية الماء، فإذا لم ير الإنسان الجنابة فإنه لا غسل عليه، حتى لو شم رائحةً إن كان هناك رائحة من عرقه فإنه لا غسل عليه، فالعبرة بخروج المني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 حكم انتقاض وضوء الإمام في التشهد الأخير السؤال ما حكم إذا انتقض وضوء الإمام في التشهد الأخير؟ الجواب إذا انتقض الوضوء في التشهد الأخير انصرف وقال لأحد الجماعة: تقدم وسلِّم بهم، أو قال لهم: أتموا صلاتكم فرادى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 حكم جمع رمي الجمار في اليوم الثالث عشر السؤال ما حكم جمع رمي الجمار أيام التشريق الثلاثة في اليوم الثالث عشر؟ الجواب جمعها في اليوم الأخير لا يجوز إلا لعذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها كل يوم بيومه، وقال: (خذوا عني مناسككم) ، ولم يرخص في الجمع إلا للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً؛ لأنهم معذورون؛ لأنهم في إبلهم، فإذا كان للإنسان عذر، كما لو كان في طرف منى، أو من وراء منى، وكان يشق عليه التردد كل يوم، فلا بأس أن يجمع الجمرات في آخر يوم، وإذا لم يكن له عذر فلا يجوز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 حكم ترك المبيت في المزدلفة السؤال حملة من حملات الحج ذهبوا من منى الساعة الحادية عشرة صباحاً من اليوم التاسع، فما وصلوا إلى عرفة إلا في الساعة الثانية عشرة ظهراً، ثم توقفت السيارات إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، ثم ساروا الساعة الثانية عشرة ليلاً إلى المزدلفة، فما أدركوا صلاة الفجر إلا بين عرفة ومزدلفة، فلم يصلوا المزدلفة إلا الساعة السادسة صباحاً، وكانوا متجهزين عند الغروب في عرفة وما أخرهم إلا تأخر السير، فما حكم ذلك؟ الجواب بعض العلماء يرى أن عليهم فدية؛ لأنهم تركوا المبيت في المزدلفة، والذي أرى أنه لا شيء عليهم؛ لأنه إذا كانت القصة على ما قلت أنت فهم غير مفرَّطين. السائل: لكن يا شيخ هناك رؤيا في هذا، وهي: أن أحد الحجاج رأى منادياً ناداه في الرؤيا وقال: لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، لقد أخطأ فلان، حيث لم يقف في المزدلفة أو لم يبت في المزدلفة؟ الشيخ: صحيح أنه أخطأ لكن أخطأ لعذر، والرؤى المخالفة للشرع لا تعتبر، لكن على كل حال -كما قلت- بعض العلماء يرى أن عليه فدية نظراً؛ لأنه لم يبت في المزدلفة، ولكني أقول: ما دام أن الرجل لم يحصل منه تفريط لكونه عجز فأرجو ألا يكون عليه شيء. السائل: وإن ذبح هل هو أفضل؟ الشيخ: وإن ذبح فهو أفضل ليس في هذا شك، أفضل قطعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 الإسراف في الوضوء السؤال ما حكم الإسراف في الوضوء؟ الجواب الإسراف في الوضوء لا يجوز. السائل: وإذا حصل الإسراف سهواً أي: غسل بعض أعضائه أربعاً أو خمساً مثلاً؟ الشيخ: لا حرج إذا كان سهواً، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 من انتظر طلوع الشمس وتنقل من مصلاه السؤال إذا جلس المصلي بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم تنقل من مصلاه هل يكتب له أجر حج وعمرة؟ الجواب إذا جلس الإنسان في مصلاه ينتظر طلوع الشمس، ثم يصلي ركعتين، لكنه قام من مكانه إلى مكان آخر لاستماع الذكر، أو لتنشيط نفسه عن النوم فلا بأس؛ لأن المصلى واحد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 حكم اقتناء الدش السؤال هناك آلة اسمها دش، مثل: القمر الصناعي، ولكنه صغير ويجلب الإذاعات الخارجية، فما حكم اقتناء الدش في البيوت؟ الجواب اقتناء الدش أو الإيريل أو (الأنتل) كما يقوله عامة الناس أيضاً على حد سواء، ما الذي يطلب من هذا الدش أو بهذا الإريل أو الأنتل؟ قد يكون الإنسان عنده مثلاً دراسة، يطلب العلم مثل العلوم التكنولوجية أو غيرها من المعلومات، وينشر في إذاعات خارجية ما لم ينشر عندنا من هذه المعلومات، فيريد أن يتعلم فهذا لا بأس به، لكن الغالب أن هذا الدش والإيريل والتلفاز، الغالب فيها أنها مآثم، والخير الذي فيها (10%) ، ولهذا ننصح كل إنسان ألا يجعلها في بيته، لا تلفازاً ولا دشاً ولا إريلاً ولا غيره، يتجنب هذا والسلامة أسلم. السائل: سماع الأخبار؟ الشيخ: الأخبار لا بأس بها، لا نرى فيها شيئاً، لكن السلامة منه أسلم، إذا كانت الأخبار ترافقها الموسيقى فهي من جنس الخمر فيها منافع ومآثم، فتكون حراماً؛ لأن الحرام إذا اختلط بالحلال على وجه لا تمييز بينهما وجب الاجتناب، كما هي القاعدة عند الفقهاء: إذا اجتمع حاظر ومبيح ولم يمكن الفصل بينهما غُلِّب جانب الحظر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 قضاء سنة الضحى السؤال إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟ الجواب سنة الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى، وكذلك الوتر لما ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه النوم أو المرض في الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، فالوتر يقضى أيضاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 صفة صلاة المريض السؤال كيف يصلي المريض؟ الجواب إذا مرض الإنسان قلنا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فيومئ بالرأس، أما الإيماء بالإصبع فلا أعلم قائلاً به من العلماء، ولا فيه سنة أيضاً، فهو عبث يعني: الحركة مكروهة؛ لأنها ليست مشروعة، وأما الحركة بالعين أو الإشارة بالعين فقد قال بها بعض العلماء، قال: إذا لم يستطع برأسه أومأ بعينه، فيغمض قليلاً للركوع ثم أكثر للسجود، وأما الإصبع فبناءً على أنه اشتهر عند العامة فيكون فاعله جاهلاً ولا شيء عليه وليس عليه إعادة، لكن يجب على طلبة العلم إذا اشتهر عند العامة ما ليس بمشروع أن يكرسوا جهودهم في التنبيه عليه؛ لأن العامة يريدون حقاً لكنهم جهال، فإذا سُكِت عن هذه الأشياء بقيت على ما هي عليه، لكن إذا نشرت في المجالس والخطب والمواعظ والمحاضرات نفع الله بها. السائل: بعض من كان يصلي بإصبعه سأل؟ فقيل له: تقضي الصلاة ولكن لا يدري في أي وقت؟ الشيخ: على كل حال، الذي يرى أنه لا عذر بالجهل يلزمه القضاء، لكن نرى فيه عذراً، لا سيما أنه اشتهر عند العامة وليس بشيء انفرد به الفاعل، كل العوام يقول: صل بإصبعك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 حكم من فاته قيام الليل ولم يتيسر له القضاء السؤال إنسان فاته قيام الليل ولم يتيسر له قضاؤه؛ لطلب العلم، ولأمر هام بين الفجر والظهر فهل يقضيه بعد الظهر؟ الجواب يقضيه ولو بعد الظهر لحديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 معنى قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم) السؤال هل معنى قوله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226] أن يضع زوجته عند أهلها أربعة أشهر؛ لكي يؤدبها، أم له معنىً آخر؟ الجواب معنى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة:226] أن الرجل إذا حلف أن لا يطأ امرأته يعطى مهلة أربعة أشهر، فإما أن يطأ، وإما أن يطلق، لكن له أن يؤدبها بشهر مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. السائل: لكن هل يأثم بثلاثة أشهر أو أربعة؟ الشيخ: ما دام تأديباً فلا بأس، لكن أربعة أشهر فما فوق، لا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 الفرق بين اليقين والتوكل السؤال قول القائل: لا بد أن يكون اليقين في قلب الإنسان على ذات الله سبحانه وتعالى ويخرج اليقين الفاسد؟ الشيخ: كيف؟ السائل: يعني: إدخال اليقين في القلب على ذات الله وإخراج اليقين الفاسد بمعنى: أن يكون في القلب يقين على ذات الله بأنه هو الرزاق النافع، المعز المذل، ويخرج من القلب يقينه على الأشياء كالمال وغيره؟ الجواب هذا يسمى التوكل، فلا شك أن الإنسان يجب عليه أن يجعل توكله على الله: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] وأن يجعل ما سوى الله مجرد سبب، فالإنسان لا شك أنه يعتمد على راتبه، ولهذا يستقرض على راتبه ويشتري أشياء مؤجلة على راتبه، ولكن لا يعني ذلك أنه يعتمد على هذا كما يعتمد على الله، بل يعتقد بأن هذا سبب من الأسباب، وتسمية التوكل يقيناً خطأ، وأخشى أن يكون هذا من كلمات الصوفية أو ما أشبههم، التوكل غير اليقين، التوكل: أن يعتمد الإنسان على الله، أما اليقين فهو: أن يتيقن وجود الشيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 حكم خروج المرأة للتعزية السؤال أثابكم الله، تعزية النساء للنساء مع أن النساء أضعف من الرجال في حث المرأة أو الرجل على الاحتساب والصبر، وربما يحصل منها تبرج، وخروج أمام الرجال، فأيهما أفضل أن تخرج النساء لتعزي النساء والرجال، أم الأفضل لها أن تبقى في البيت؟ الشيخ: أن تبقى من؟ السائل: المرأة المعزية. الجواب على كل حال، أولاً: يجب أن نعرف أن العزاء ليس تهنئة، حتى يجتمع الناس عليه ويسهرون، وربما يوقدون الأنوار، وتجد المسكن كأنه في حفلة زواج كما شاهدنا في بعض البلدان وكما نسمع أيضاً. العزاء المقصود به تقوية المصاب على الصبر، وتقوية المصاب على الصبر لا تكون في الأمور الظاهرية والحسية، إنما يكون بتذكيره باليقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن هذا من عند الله، وكما عزى النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حين قال للرسول الذي بعثه إليها بعد أن أرسلت إليه قال: (مرها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) . فالعزاء ليس المقصود به إظهار الفرح لنطرد الحزن؛ لأن هذه تعزية حسية فقط أو ظاهرية لا تعطي القلب يقيناً وإنابة إلى الله ورجوعاً إليه. التعزية أن تقول للرجل المصاب: يا أخي! اصبر، احتسب، هذه الدنيا فانية والملك لله، له ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء مقدر بأجل، لا يتقدم ولا يتأخر، وننصرف, فهذا الاجتماع الذي أشرتَ إليه غير مشروع، بل كان السلف يعدون الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام من النياحة؛ والنياحة من كبائر الذنوب. السائل: لو طلبت أمٌ أو زوجة أو أخت من أخ أن يوصلها إلى أهل الميت فهل ينصحها بالبقاء أم يلبي رغبتها؟ الشيخ: إذا كان أهل الميت أقارب بحيث إذا لم تأتوا تعزونهم صار في نفوسهم شيء، فليذهب بهن خمس دقائق أو نحوها ثم يرجع بهن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 السنة في حق ساقي القوم السؤال إذا أراد إنسان أن يصب القهوة يبدأ برئيس المجلس ثم عن يمينه أهذه هي السنة؟ الجواب السنة إذا أعطى كبير القوم أن يأخذ بيمينه هو -أعني: يمين الصَّاب- أما إذا أعطى الكبير ولم يأخذ منه فإنه -أي: الكبير- إذا فرغ يعطيه الذي عن يمينه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 ذبح الأضحية في غير بلد المضحي السؤال هل يجوز ذبح الأضحية في بلد غير بلد المضحي، مثل: مشروع الأضاحي في أفريقيا؟ الجواب الأضحية تكون في بلد المضحي هذه هي السنة، وهو المشروع، وهو الأفضل والأكمل، وأما نقلها إلى بلدٍ آخر فإننا قلنا: بوجوب الأكل منها، فإنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر، إلا إذا ضمنا أنه سيأتينا من هذا اللحم ما نأكله، وإن قلنا: بعدم الوجوب جاز، لكنه خلاف السنة، ولهذا نقول ونكرر لإخواننا: ألا يفعلوا هذا، أي: لا يبعثوا بضحاياهم إلى الخارج، بل يضحون في بيوتهم، وبين أهليهم حتى تظهر هذه الشعيرة، ويعرفها الصغار عن الكبار، وأما أن ترسل دراهم وتذبح هنا فلا، وإذا كان يريد نفع إخوانه في بلاد أخرى يرسل إليهم دراهم، فقد تكون الدراهم أنفع لهم من اللحم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 حكم لبس النساء (الكاب) السؤال ما حكم الكاب، لباس مشهور عند النساء؟ الشيخ: لباس مشهور عند النساء ولكن اشرحه لنا؟ السائل: هو يشبه الدرع. الشيخ: يكون على الرأس أو على المنكبين؟ السائل: لا. من المنكبين إلى القدمين. الشيخ: ويبقى الرأس والعنق بارزين؟ السائل: ويبقى العنق والرأس بارزين. الشيخ: له لباس آخر؟ السائل: لكنه بارز متميز. الجواب الأصل أن الكاب لا بأس به؛ لأنه ساتر، ولكن أرى ألا نفتح الباب للنساء في تقليد غيرنا، ما جاءنا هذا إلا حين جاء الناس إلينا أو ذهبنا إليهم، فكوننا نتلقف عادات غيرنا التي ليس فيها مزية نافعة عن عاداتنا، أمرٌ يجعل الإنسان دائماً في التبعية ودائماً ذنَباً لغيره، فما دام لباسنا العباءة هو الأستر للمرأة وهو الأحوط فلنبقى عليه؛ لأن هذه السنة ربما ترخص في الكاب، وفي السنة الأخرى تقول: أعطني البنطلون، ثم في السنة الثالثة أو الرابعة تطلب من اللباس القصير ومن لباس الأفندي -كما يقولون- وما أشبه ذلك، فالذي أرى أن نحجز النساء عن تلقف هذه العادات، ونقول لهن: ما الذي تستفيديه من هذا؟ العباءة إذا التمت بها المرأة صارت مثل الكاب وأستر وأحسن وأعز للإنسان، كون الإنسان يعتز بعاداته التي لا تخالف الشرع ولا يكون ذنباً لغيره في تلقف العادات، هذا هو المطلوب من الإنسان الحازم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 حكم المتمتع إذا أدى العمرة وخرج من مكة السؤال من زار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين العمرة والحج أو خرج إلى الطائف هل يلزمه الإحرام إذا رجع إلى مكة وهو متمتع؟ الجواب لا يلزمه الإحرام، يعني: إذا أدى المتمتع العمرة، وخرج من مكة إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى المدينة، ثم رجع، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج؛ لأنه رجع إلى مقره، فإنه لما جاء حاجاً صار مقره مكة، فإذا سافر إلى المدينة ثم رجع فقد رجع إلى مقره، فيحرم بالحج يوم التروية من مكة، كما لو كان من أهل مكة وذهب إلى المدينة في أشهر الحج، ثم رجع من المدينة وهو في نيته أن يحج في هذا العام، فإنه لا يلزمه الإحرام بالحج إلا من مكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 الحائض إذا لم تطف طواف الإفاضة وشق عليها البقاء في مكة السؤال امرأة أصابها الحيض ولم تطف طواف الإفاضة ويشق عليها البقاء في مكة، هل ترجع إلى بلدها وهو خارج المواقيت، فإذا طهرت رجعت إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة؟ الجواب إذا كانت المرأة حائضاً ولا يمكنها أن تنتظر في مكة فلا حرج عليها أن تخرج إلى بلدها، فإذا طهرت عادت لكنها في هذه الحال لا يقربها زوجها إذا كانت متزوجة؛ لأنها لم تحل التحلل الثاني. أما إذا كان لا يشق عليها الانتظار، فالأفضل أن تنتظر، ولا فرق بين أن يكون بلدها خارج المواقيت أو دون المواقيت. السائل: وهل يلزمها الإحرام إذا كانت خارج المواقيت في البلد إذا رجعت؟ الشيخ: إذا رجعت فالأفضل أن تحرم بعمرة فتطوف وتسعى وتقصر، ثم تطوف طواف الإفاضة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 من نذر أن يذبح كبشاً معيناً فمات الكبش السؤال نذر شخص أن يذبح كبشاً معيناً، فمات الكبش المعين دون تفريط منه، فهل يلزمه إبداله؟ الجواب إذا مات بغير تفريط منه ولا تعدي، فلا شيء عليه، إلا إذا كانت منذورة، فعليه أن يوفي بنذره، أما إذا كانت لم تجب إلا بالتعيين، ثم ماتت بدون تفريط منه فلا شيء عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 الصلاة ذات السبب تؤدى في أي وقت السؤال أتى شخص إلى المسجد بعد صلاة العصر، هل يجوز لمن صلى العصر مع الإمام أن يصلي معه حيث أن هذا الوقت وقت نهي؟ الجواب إذا دخل الإنسان في المسجد بعد صلاة العصر وقام معه أحد ليتصدق عليه بهذه الصلاة حتى تكون جماعة فلا حرج؛ لأن القول الراجح: أن الصلاة التي لها سبب ليس عنها نهي لا بعد العصر ولا بعد الفجر، والنهي إنما عن شخص أراد أن يتنفل هكذا مطلقاً، هذا هو الذي لا يجوز في أوقات النهي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 حكم إخراج الزكاة للعمال السؤال إذا كان لدى التاجر عمال في المحل، أو في المؤسسة، براتب قدره ستمائة ريال لكل شخص، فهل يجوز للتاجر أن يعطيهم زكاة ماله؟ الجواب نعم. يجوز أن يعطيهم إذا كانوا من أهل الزكاة، مثل: أن يكون لديهم عوائل ورواتبهم لا تكفيهم، أو عليهم ديون ورواتبهم لا تقضى به الديون، وما أشبه ذلك، المهم إذا كانوا من أهل الزكاة فلا حرج أن يعطيهم وإن كانوا عمالاً أو خدماً عنده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 حكم دفع الزكاة للأقارب السؤال هل يجوز دفع الزكاة إلى الأقارب؟ الجواب تدفع الزكاة للأقارب ودفعها للأقارب أفضل من دفعها للأباعد، إلا من وجبت عليك نفقته، فإنه لا يجوز أن تعطيه من الزكاة لسداد نفقته؛ لأنك إذا أعطيته ذلك وفرت على نفسك النفقة التي كانت واجبة لهذا الشخص. ولهذا نقول: يجوز قضاء دين القريب، ولو وجبت نفقته عليك فتنفق عليه وتقضي دينه من زكاتك؛ لأن دين القريب لا يلزمك قضاؤه حتى لو كان الأب، فلو أراد الابن أن يقضي ديناً على أبيه، وأبوه لا يستطيع قضاءه فقضاه الابن من زكاته، فلا حرج. السائل: الأخت إذا كانت ذات زوج وهي فقيرة وزوجها فقير، فهل يجوز أن يعطيها أخوها من زكاته؟ الشيخ: لا بأس أن يعطيها من زكاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 غسل الجنابة يكفي عن الوضوء السؤال الإنسان إذا أصابته جنابة واغتسل هل يجب عليه أن يتوضأ بعد الاغتسال؟ الجواب إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل كفاه الاغتسال عن الوضوء، وإن لم ينو، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ، ولكن يلاحظ أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 عمرة الصغير السؤال نويت العمرة لطفل صغير ثم تحلل ولم يأتِ بالعمرة، فهل عليَّ دم؟ الجواب الصغير غير مكلف إذا تحلل في الإحرام دعه يتحلل، وقلت لك قاعدة منذ قليل: ما جاءك من الصغير فاقبل، وما تركه فلا تطالبه به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 حكم من تعجل فرمى ثم طاف طواف الوداع وغابت الشمس وهو في مكة السؤال رجل أراد التعجل فرمى، ثم نزل إلى مكة ليطوف طواف الوداع، ثم غابت عليه الشمس في مكة، فهل يجوز أن يغادر مكة أم لا؟ الجواب هذا جائز، أما الممنوع أن تبقى في منى إلى غروب الشمس، وأنت بنية التأخر، ثم يبدو لك بعد غروب الشمس أن تتعجل فهذا لا يجوز؛ لأنك نويت التأخر فتأخرت وغابت عليك الشمس، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة:203] و (في) للظرفية. أما إذا تعجلت وخرجت من منى قبل غروب الشمس، أو تأهبت للخروج ولكن حبسك السير حتى غابت الشمس وأنت في منى، فاستمر في سيرك. السائل: يعني العبرة بالخروج من منى ليس بالطواف؟ الشيخ: نعم. العبرة بالخروج من منى. الشيخ: وأيضاً العبرة بالخروج من منى لمن أراد أن يتأخر ثم بدا له أن يتأخر بعد الغروب، أما من تأهب وحمل متاعه ومشى، ولكن حبسه السير حتى غابت الشمس فليستمر وليس عليه شيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 تحريم الأكل باليد اليسرى إلا لعذر السؤال الأكل باليد اليسرى هل هو محرم أم المسألة خلافية؟ الجواب الأكل باليد اليسرى بعذر لا بأس به، أما لغير عذر فهو حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال: (إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) ، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] ، ثم إن الشيطان يفرح إذا أكلت بيسارك؛ لأنك تكون متبعاً له مخالفاً للرسول صلى الله عليه وسلم. المسألة ليست هينة! إذا أكلت بيسارك أو شربت باليسار فرح الشيطان فرحاً أكبر من كونه فعلاً، يفرح بأنك وافقته وخالفت الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله، فالمسألة ليست هينة، ولهذا يجب على طلبة العلم أن ينبهوا العامة في ذلك. كثير من الناس نجدهم عند الأكل يشربون باليسار يقولون: نخشى أن يتسخ الكأس، والحال أن أكثر الكئوس الآن من الورق لا يشرب فيها أحد بعدك، اتركها تتلوث، ثم إنه يمكن أن تمسك حتى لو كانت من الزجاج أن تمسكها في أسفلها بين السبابة والإبهام وتشرب، ثم لو قدر أنه ما أمكن هذا ولا هذا، إذا تلوثت فتغسل، فليست مشكلة؛ لأنه ما دام عرف أنه حرام وأنه يكسب إثماً بالشرب بها، فالحرام لا يجوز إلا للضرورة. السائل: وإذا أمسكها باليسار ووضعها على اليمين؟ الشيخ: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، إذا وضعها على راحته اليمنى وأمسكها باليسرى إن دعت الحاجة، لكني ما رأيت الحاجة تدعو إلى ذلك أنا جربتها بنفسي، أُمسك الكأس من الأسفل ولا يتلوث إطلاقاً، ثم إذا تلوث تبقى خمس دقائق ويزيلها التغسيل، الأمر سهل، وكذلك الأخذ والعطاء بالشمال هذا أيضاً خلاف السنة وقد نهي عنه. السائل: لكن هل فيه قول للعلماء أنه جائز؟ الشيخ: بعض العلماء يرى الكراهة، ولكن يا أخي! أنصحك وغيرك، إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولاً لا تقل: هل قال بعض العلماء؟ فالعلماء يفتون بالفهم، إن بلغهم الدليل فقد يخطئون في الفهم، وقد لا يبلغهم الدليل، وربما يكون الدليل خفياً، ألم يخف على الصحابة رضي الله عنهم كلهم حديث الطاعون: لما أقبل عمر رضي الله عنه على الشام قيل له: إن الشام فيها طاعون، فوقف وجعل يشاور الصحابة، ويأتي بالمهاجرين والأنصار فيشاورهم على حدة، وكلهم ما علموا بالحديث، لكن ولله الحمد وفقهم الله للصواب أن يكون الرجوع دون القدوم، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الذي روى الحديث لكنه كان غائباً في حاجة، فجاء فحدثهم بهذا، كل الصحابة خفي عليهم هذا الحديث مع العلم بأنهم محصورون، كيف بعد انتشار الأمة والعلماء؟!! فلا ينبغي أن نعارض كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بقول: هل فيه خلاف؟ ألم يقل بعض العلماء بكذا؟ إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا الكلام: (لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) انتهى الموضوع، لو خيرت أي مؤمن: أتحب هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أم خطوات الشيطان؟ ماذا يقول؟ يقول: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. السائل: يا فضيلة الشيخ قصدي أن بعض الناس ينسبون إلى بعض العلماء عدم التحريم فأريد التأكد؟ الشيخ: هذا حسن، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] ، ومن العلماء عند أبي بكر وعمر؟ وقد قال فيهما الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) وقال: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) منصوص على أخذ رأيهما، فإذا كان أبو بكر وعمر خالفا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذنا بقولهما يوشك أن تنزل علينا حجارة من السماء، فكيف بأخذ قول غيرهما؟!! ولذلك حقيقة يؤلمني جداً إذا قال قائل مثلاً عندما أقول له: قال الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، قال: فيه خلاف، المخالف قد يكون معذوراً في مخالفة النص لتأويله، أو عدم علمه، لكن أنا غير معذور، وليس إذا عذر المتبوع يعذر التابع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 حكم المرور من مزرعة دون إذن صاحبها السؤال مزرعة في طريق ولا ندري عن صاحبها هل يسمح بالمرور منها أم لا، فهل للإنسان أن يمر منها؟ الشيخ: إذا كانت طريقاً تظنون أنها طريق هذا ممكن، ولكن صاحب المزرعة لو شاء لوضع شبكاً ومنع الناس، وأما إذا كانت المزرعة قد أحيطت بشبك تريد أنت أن تقفز من هذا الشبك وتمشي فهذا لا يجوز إلا بإذن صاحبها ورضاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 حكم رمي الجمار يوم الثالث عشر قبل الزوال لغير المتعجل السؤال ذهبنا إلى الحج ورمينا الجمرات يوم الحادي عشر والثاني عشر، وزميلي أشار عليَّ أنه يجوز أن نرمي الساعة الثانية عشرة ليلاً لليوم الثالث عشر وما كنا نريد التعجل فهل يجوز هذا؟ الجواب كان المفروض عليكم إذا كنتم تريدون التعجل أن تخرجوا من منى قبل غروب الشمس في اليوم الثاني عشر، ولكنك تقول: ما كنا نريد التعجل، فلا يصح رميكم قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، وعليكم الآن إذا كنتم موسرين على ما قال علماؤنا -رحمهم الله- أن يذبح كل واحد منكم فدية في مكة ويوزعها على الفقراء. السائل: هذا الكلام منذ ثلاث سنوات؟ الشيخ: لا بأس هو دين عليكم فأوفوا به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 خطورة لبس الكاب للنساء السؤال يا فضيلة الشيخ! بالنسبة للكاب الآن ظهرت فيه أشياء ضيقة هو مجرد ثوب ضيق للمرأة، وبدأت تظهر منه أشكال غريبة، فكيف الجواز؟ الجواب بلى الكاب إذا كان الذي ظهر منه الآن ضيقاً فهو يدخل تحت حديث: (نساء كاسيات عاريات) ؛ لأن الضيق الذي يصف مقاطع البدن لا يجوز للمرأة. والحقيقة أنه ينبغي لنا نحن طلبة العلم أن نحذر من اتباع العادات التي لا تجلب لنا خيراً، لماذا لا نعتز بعاداتنا؟ هل نحن إذا ذهبت المرأة منا إلى بلادهم مثلاً وعليها العباءة هل يقتدون بنا؟ يلبسون عباءات؟ ما أظن هذا، كيف نخضع لعاداتهم وهم يحترزون من أن يخضعوا لعاداتنا؟ ثم إذا كانت عادات مفيدة فنعم، المؤمن يريد الفائدة إذا لم تكن في معصية الله، ثم إن ذل الإنسان أمام عادات الناس يوجب أن تذل نفسه، ولهذا ذكر ابن خلدون في مقدمته، قال: إن من العادات أنه لا يخضع أحدٌ لاتباع أحد إلا إذا شعر بأنه أقل منه. هذه سنة الله، أن الضعيف يتبع القوي، فلنكن أقوياء. السائل: ألا يعتبر لبس الكاب خطوة نحو التبرج، علماً بأن بعض اللواتي يلبسن الكاب الآن كن يخجلن منه في بداية الأمر ثم أصبح الأمر عادياً؟ الشيخ: ما فيه شك -بارك الله فيك- كل خروج عن المألوف هو خطوة نحو التبرج، ولا يغرك ظاهر الحال الحاضر، كلها خطوة نحو التبرج، حتى أنها -مثلاً- أول ما تلبس الكاب وتمشي في السوق كأنها عريانة؛ لأنها ما عرفت هذا الشيء، ثم بعد ذلك يلين هذا الشيء في قلبها، يلين ويلين، ثم تكون درجته إلى ما فوق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 لقاء الباب المفتوح [5] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 دعوة لمساعدة المجاهدين في البوسنة والهرسك الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد: في هذه الأيام يكثر السؤال عما جرى على جمهورية البوسنة والهرسك، وهل يعتبر الدفاع عنهم جهاداً في سبيل الله؟ وهل يجب علينا أن نساعدهم بالمال والرجال؟ وحسب ما بلغنا أن القوم من المسلمين، وإن كانوا يجهلون كثيراً؛ لأن الدولة الشيوعية التي احتضنتهم مدةً طويلة حالت بينهم وبين الوصول إلى الدين الإسلامي علماً وعملاً، وإننا ولله الحمد نرى من الشباب من ذهب إليهم في هذه الآونة الأخيرة، وفتحوا هناك مركزاً لتعليم الدين الإسلامي، وجمعوا له ما تيسر من الأموال، وجلبوا له ما تيسر من طلبة العلم الذين يبلغونهم دين الله عز وجل، وكان ذلك بإدارة الأخ/ عقيل بن عبد العزيز العقيل، وأخيه الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز العقيل، والرجل كان نشيطاً، وله عمل مشكور إبان الحرب الأفغانية، ونسأل الله له التوفيق. أما بالنسبة لمساعدتنا لهم فالواجب علينا أن نساعدهم بما نستطيع من مال أو رجال، بشرط أن يكون لهذه المساعدة نفع مجدي؛ لأن الدفاع عن إخواننا المسلمين واجب، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والمساعدة لا بد أن تكون واقعة موقعها؛ بحيث نعلم أن ذلك نافع، وقد حدثني بعض الرجال الذين لهم خبرة ومعرفة، أنه لما قدم أحد وزرائهم إلى هذا البلد واتصل ببعض الشخصيات تشاوروا فيما بينهم، ما الذي يجدي في مساعدتهم؟ فرأوا أن أهم شيء في الوقت الحاضر أن يساعدوا بالمال من أجل توفير الغذاء واللباس والسكن، إذ أن أولئك الطغاة الصربيين قد أحاطوا بهم، ودخول السلاح عليهم صعب، وربما يؤخذ السلاح قبل أن يصل إليهم، وربما يشترون السلاح بثمن غالٍ من بعض الدول، وقد يكون صالحاً للاستعمال، وقد يكون غير صالح للاستعمال، وقد يدمر، فالمال خير ما نساعدهم به الآن، والإنسان يبذل ما يستطيع ويتيسر له في هذا. وكذلك أيضاً نساعدهم بالدعاء سواء في القنوت الذي أمر به ولي الأمر، أو في الدعاء في غير هذه الحال بأن ينصرهم الله عز وجل على أعدائهم ويخذل أعداءهم. هذا ما أردت أن أبين عن حال هذه الجمهورية الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصرهم، وأن يفرج كروبهم، ويكشف همومهم، وأن يمنحهم رقاب أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 أنواع النوافل وحكم قضائها السؤال من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يقضى من النوافل وما لا يقضى جزاك الله خيراً؟ الجواب النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له، فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يقضى، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه، ثم أراد أن يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد؛ لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي، ولا ينتفع به لو قضاه، أي: لا ينتفع به على أنه يوم عرفة أو يوم عاشوراء. وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي؛ لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 حكم من ترك واجباً من واجبات العمرة السؤال رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟ الجواب الظاهر أنه باقٍ على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية؛ بناءً على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية، فإذا كان موسراً قادراً وجب عليه أن يذبح في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادراً فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع؛ لأن هذه هي نيته. السؤال: الضابط المذكور لمن فعل اثنين من ثلاثة هل هو مطرد؟ الجواب: يقول الفقهاء رحمهم الله: إن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق أو التقصير، والطواف، ولكن لم يرد في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد في الرمي أن من رمى وحلق حلَّ التحلل الأول، أو من رمى فقط. فمن العلماء من قال: إن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وإن لم يحلق أو يقصر. ومنهم من قال: لا بد من الحلق أو التقصير مع الرمي، وهذا القول أحوط وأولى أن يؤخذ به، لكن الفقهاء يعللون ما قالوه: بأنه لما كان للطواف تأثيرٌ في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فإذا رمى وطاف حلَّ التحلل الأول، وإذا حلق وطاف حلَّ التحلل الأول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 التخيير في أنساك الحج الثلاثة وأفضلها التمتع السؤال من أحرم بالحج مفرداً وقيل له: يفسخ حجه إلى العمرة ولم يفسخ هل يُعدَّ عاصياً؟ الجواب الصحيح أن الأنساك الثلاثة وهي: التمتع، والإفراد، والقران، كلها جائزة، وأن الإنسان مخير فيها، لكن الأفضل التمتع إلا إذا ساق الهدي، فإنه يقرن لتعذر حِلَّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن معي الهدي فلا أحلَّ حتى أنحره) فإذا قيل لهذا الرجل المفرد: افسخ نية الإفراد إلى تمتع، أي: اجعل حجك عمرة، وتحلل منه ثم أحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولكنه أبى إلا أن يبقى على إحرامه فلا بأس ولا يُعدُّ عاصياً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 اجتماع صوم واجب مع مستحب السؤال إذا اجتمع قضاء واجب ومستحب، ووافق وقت مستحب هو يجوز للإنسان أن يفعل المستحب ويجعل قضاء الواجب فيما بعد، أو يبدأ بالواجب أولاً، مثال: يوم عاشوراء وافق قضاء من رمضان؟ الجواب بالنسبة لصيام الفريضة والنافلة لا شك أنه من المشروع، والمعقول أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة؛ لأن الفريضة دين واجب عليه، والنافلة تطوع إن تيسرت وإلا فلا حرج، وعلى هذا فنقول لمن عليه قضاء من رمضان: اقض ما عليك قبل أن تتطوع، فإن تطوع قبل أن يقضي ما عليه، فالصحيح أن صيامه التطوع صحيح ما دام في الوقت سعة؛ لأن قضاء رمضان يمتد إلى أن يكون بين الرجل وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه، فما دام الأمر موسعاً فالنفل جائز كصلاة الفريضة، مثلاً: إذا صلى الإنسان تطوعاً قبل الفريضة مع سعة الوقت كان جائزاً. فمن صام يوم عرفة أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يقال: إنه صام رمضان حتى يكمل القضاء، وهذه مسألة يظن بعض الناس أنه إذا خاف خروج شوال قبل صوم الست فإنه يصومها ولو بقي عليه القضاء، وهذا غلط، فإن هذه الست لا تصام إلا إذا أكمل الإنسان ما عليه من رمضان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 الجمع والقصر في منى أيام الحج السؤال بالنسبة للحاج المكي قلتم: بأنه في منى لا يقصر ولكن في مزدلفة وعرفة فإنه يقصر، ما التعليق على ذلك؟ الجواب أما بالنسبة للمكي إذا حج فإن العلماء الذين يقدرون السفر بالمسافة لا يرون له جمعاً ولا قصراً كالإمام أحمد والشافعي؛ ولهذا لا يجوزون للحاج المكي أن يقصر أو يجمع حتى فيما سبق من الزمن، لكن القول الراجح: أن السفر لا يتقيد بالمسافة وإنما يتقيد بالعرف والتأهب له، فما تأهب له وشدوا الرحل إليه فهو سفر، وعلى هذا القول فإنه يجوز للمكي أن يقصر ويجمع إذا حج، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ويقول: أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سفر وعلى هذا فنقول: إن مذهب الإمام أحمد على المشهور عنه والشافعي: أن المكيين لا يجمعون ولا يقصرون لا في منى ولا في عرفة ولا في مزدلفة. وأما عن القول الثاني الذي رجحناه: فإن الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فكما تعلمون أن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حيٌ من أحياء مكة، لهذا نرى أن الاحتياط ألا يجمع ولا يقصر في منى، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ أن من السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما في مزدلفة وعرفة فهي منفصلة كما قلت لك أولاً منفصلة عن مكة يعني: لم تتصل بها، حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 مقولة: الدنيا أرحام تدفع وأرض تبلع السؤال في مقولة: أرحام تدفع وأرض تبلع، ما أدري ما يقول الشرع فيها؟ وإلى من تنسب؟ الجواب هذه المقولة وهي قولهم: إن الدنيا أرحام تدفع وأرض تبلع وليس وراء ذلك شيء، فهذا قول أهل الدهر، الذين يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] وهو كفر؛ لأنه إنكار للبعث، وأما من قال: أرحام تدفع وأرض تبلع، وهو يؤمن أن وراء ذلك البعث فإن هذا ليس عليه بأس في هذه المقولة، لكنه قد ينكر عليه إطلاقها؛ لأن من سمعه أو من سمع هذه المقولة قد يتوهم مذهب الدهريين الذين يقولون: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ولا يؤمنون بالبعث، فالأولى التنزه والبعد عن هذه المقولة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 مقولة: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي أعطيته السؤال هناك مقولة أخرى إذا طلب من أحد شفاعة أو شيء قال: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، هل هي شرعية؟ الجواب هذا يقول: إن بعض الناس إذا طلب منهم شيء، قالوا: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، يراد بذلك أنه مستحيل أن يعطيه، لكن كأن الأمر بالعكس أن يقول: لو أراد مني حسنة من حسناتي ما أعطيته، أما كل الذنوب فكل واحد يحب أن يتحمل عنه الإنسان ذنبه، وعلى كل حال فالمسألة مفهومة عند العامة: أن المراد بها الامتناع أن يعطي هذا الشخص ما طلب منه، فلا أرى فيها محذوراً. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها السؤال ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين والذين تَحلَّ بهم مصائب؟ الجواب تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة الصحيح أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة، أو جهات، أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ نقول: يعجل لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلَّت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتريه من تلفٍ أو غيره، وعلى كل حال أيضاً ننبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل فإن هذه زيادة يجب دفع زكاتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 إجازة الموظفين قبل انتهاء الدوام السؤال بعض الموظفين تنتهي أعمالهم مثل المدرسين فيسمح لهم المدير المباشر إذا خرجت النتائج بعدم الإتيان إلى المدرسة، هل يحق لهم علماً بأن الدوام المقرر قد بقي عليه يومان أو ثلاثة؟ الجواب الظاهر أن تسأل فتقول: إذا انتهى زمن عمل الموظف، وأذن له رئيسه المباشر بعدم الحضور، فالظاهر لي أن هذا لا بأس به، لكن لا يغيب عن البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليه، فإذا كان الأمر كما قلت مثلاً انتهت أيام الاختبار في نصف الأسبوع وبقي النصف الآخر قبل الإجازة؛ فإذا رأى المدير المباشر أن لا يُلزم الأساتذة بالحضور فلا حرج، ولكن لا يغادرون البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليهم في إعادة النظر في بعض الأجوبة أو ما أشبهها. السائل: إذا أمكن الاتصال بهم عن طريق الهاتف لو غادروا البلد؟ الشيخ: لا يمكن في مسألة الجواب؛ لأن الرجل قد لا يقتنع برأي غيره مثل ما لو قال: هذا الجواب يحتاج إلى زيادة درجة أو درجتين، فإنه ربما لا يقتنع بذلك حتى يقرأه مرة ثانية ويكرره. السائل: أقصد يطلب منه الحضور عن طريق الهاتف؟ الشيخ: إذا كان يمكن فلا بأس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 تحريم الكلام أثناء خطبة الجمعة السؤال في بعض المساجد يكثر الأجانب الذين يتكلمون أثناء خطبة الجمعة، هل يحق للخطيب المداومة على التنبيه عليهم لأنهم يتغيرون؟ الجواب إذا كان الذين يتكلمون أثناء الخطبة يوم الجمعة، فإن علىالخطيب أن يتكلم ويقول: بلغنا أن أناساً يتكلمون وهذا حرام عليهم، ويأتي بالحديث الدال على ذلك، ولكن المشكلة أنه ربما يقع الكلام من قوم لا يفهمون اللغة العربية فتبقى المشكلة، وحينئذٍ لا بأس أن يشير من حولهم لهم بالإشارة ليسكتهم لا بالقول؛ لأن تسكيتهم بالقول محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فقد لغوت) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 حكم التنفل بركعة واحدة والسلام بتسليمة واحدة السؤال فضيلة الشيخ! ما صحة من اقتصر على ركعة واحدة؟ الجواب صلاة الفريضة لا يمكن أن تكون ركعة واحدة؛ لأنها معروفة، وصلاة النافلة الوتر تكون ركعة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى) وصلاة النافلة غير الوتر، وقد صحح بعض العلماء أنه يجوز للإنسان أن يتطوع بركعة لكن مع الكراهة. والذي يظهر لي أنه لا يصح التطوع بركعة، وما ورد عن بعض السلف فهو كغيره من الاجتهادات التي قد تخطئ وقد تصيب، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وفي رواية: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وهذا يدل على أنه لا يتطوع بركعة واحدة. السائل: ما حكم إنهاء الصلاة بتسليمة واحدة؟ الجواب: الاقتصار على تسليمة واحدة يرى بعض العلماء جوازها في النافلة فقط، ويرى آخرون جوازها في الفرض والنفل، والصحيح: أنه لا يجوز الاقتصار عليها لا في الفرض ولا في النفل، وأن الواجب أن يسلم مرتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم من الصلاة مرتين، ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فكون النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على التسليمتين يدل على أنه لا بد منهما، وهذا هو المشهور عند علماء الحنابلة رحمهم الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 حكم قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام في الجهرية السؤال قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية خلف الإمام إذا قرأ وشرع في السورة التي بعدها هل أقرأ الفاتحة؟ الجواب قراءة الفاتحة في الصلاة ركن لا تصح الصلاة إلا بها، والأدلة عامة ليس فيها استثناء، فتكون ركناً في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وفي الصلاة السرية والجهرية، هذا هو الصحيح في هذه المسألة، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، ودليل ذلك: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) . وأما حديث: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) فحديث مرسل ضعيف. وقد يقول قائل: الجهرية لا تجب فيها القراءة على المأموم؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ، وكما أن الإمام يتحمل عن المأموم السترة التي توضع بين يديه فكذلك يتحمل القراءة إذا كانت الصلاة جهرية. فالجواب: أن هذا قول جيد لولا حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر فلما انفتل من صلاته قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) لأن هذا نص في أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم، وإن كان في الصلاة الجهرية، فإذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة فاشرع في قراءة الفاتحة واستمر فيها حتى تكملها، ولو شرع الإمام في القراءة أثناء قراءتك فلا حرج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 حكم قراءة الأذكار لمن نام ظهرا ً السؤال هل إذا أراد الإنسان النوم في الظهر هل له أن يقرأ الأذكار، أو يقتصر على أذكار في نوم الليل فقط؟ الجواب الذي يظهر لي أن أذكار النوم الواردة إنما هي في نوم الليل، لكن لا حرج على الإنسان أن يقولها في نوم النهار؛ لأنها أذكار، وليس هناك نص صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يقولها إلا في نوم الليل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 حكم النية عند الوضوء والصلاة السؤال بالنسبة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] هل تكون النية عند الصلاة فقط أم عند الوضوء والصلاة؟ الجواب نية الوضوء تنقسم إلى قسمين: أولاً: نية العمل، لا بد منها سواء توضأ للصلاة أو لقراءة القرآن أو للذكر عموماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) لكن نية الامتثال هل يكون ذلك عند إرادة الصلاة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ، أو يكون نية الامتثال عند كل وضوء مشروع؟ ثانياً: هو الأقرب أنك تنوي الامتثال عند كل وضوء، فمثلاً: إذا أردت أن تتوضأ للطواف، أو إن أردت أن تتوضأ لقراءة القرآن أو للذكر عموماً، فإنك تنوي بذلك امتثال أمر الله عز وجل في أمره بالوضوء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 مشروعية قراءة سورة (تبارك) كل ليلة السؤال هل هناك حديث ينص على قراءة (سورة تبارك) كل ليلة؟ الجواب في حديث أن سورة تبارك تقرأ كل ليلة، والحديث حسن يصح الاحتجاج به في فضائل الأعمال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 حكم استخدام أدوات الدولة للأغراض الشخصية السؤال ما حكم استخدام سيارات الدولة للأغراض الشخصية؟ الجواب استخدام سيارات الدولة وغيرها من الأدوات التابعة للدولة كآلة التصوير وآلة الطباعة وغيرها لا يجوز للأغراض الشخصية الخاصة؛ وذلك لأن هذه للمصالح العامة، فإذا استعملها الإنسان في حاجته الخاصة فإنه جناية على عموم الناس؛ لأنه اختص الشيء من دونهم، فالشيء العام للمسلمين عموماً لا يجوز لأحد أن يختص به، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الغلول، أي: أن يختص الإنسان بشيء من الغنيمة لنفسه؛ لأن هذا عام، والواجب على من رأى شخصاً يستعمل أدوات الحكومة أو سيارات الحكومة في أغراضه الخاصة أن ينصحه، ويبين له أن هذا حرام، فإن هداه الله عز وجل فهذا هو المطلوب، وإن كانت الأخرى فليخبر عنه؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! هذا المظلوم فكيف الظالم؟ قال: تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه أو فذلك نصره) . السائل: وإذا كان رئيسه راضٍ بهذا فهل هناك حرج؟ الشيخ: ولو رضي الرئيس بهذا، الرئيس نفسه لا يملك هذا الشيء، فكيف يملك إذنه لغيره فيها؟! السؤال: عندنا منطقة عسكرية في المنطقة الشرقية، يوجد في هذه المنطقة سكن خاص بالموظفين وتوجد المكاتب في منطقة العمل، فحصل هناك تغيير في أثاث المكاتب كالستائر وغيرها، فبعض الموظفين أخذ هذه الستائر ووضعها في بيته، فسألوا بعض أهل العلم، فقال: بما أنك نقلتها من المكتب إلى البيت وجميعها خاصة بالدولة لا أرى في ذلك حرج، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب: إذا كان السكن للدولة، وهذه الستائر سينتفع بها إنسان بخاصته، والدولة غير ملزمة بهذه الستائر، فهذا ممنوع، أما إذا كانت الدولة ملزمة بهذه الستائر، بمعنى: أنه لا يمكن السكن والراحة إلا بهذه الستائر لكن حصل قصور من الدولة أو ليس هناك بند للستائر وأنه من المفروض عادةً أن تكون الستائر في البيت فحينئذٍ نقول: لا بأس بذلك، بشرط أن يكون المبنى الأول؛ مبنى المكاتب مستغنياً عنها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 الاعتماد على الأحلام في تقييم الناس السؤال خطب رجل امرأة فرأته في المنام حالق اللحية فهل توافق عليه، أم لا؟ الشيخ: وفي اليقظة؟ السائل: في اليقظة ظاهره طيب لم يحلق اللحية وهو شخص ملتزم ولا نزكي على الله أحداً. الجواب المرأة التي رأت الرجل الذي خطبها في المنام حالق اللحية وهو في الواقع ليس بحالق لها لا يضرها ما رأت في المنام، ولا ينبغي أن يمنعها من التزوج به ما دام مستقيماً في دينه وخلقه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 حكم التسمية على الوضوء السؤال فضيلة الشيخ: هل التسمية على الوضوء واجبة؟ الجواب من صحح الحديث فيها وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فإنها تكون واجبة، ولا يصح الوضوء إلا بها، ومن لم يصححه فإنه لا يرى وجوب التسمية، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله عن هذا الحديث: لا يثبت في هذا الباب شيء، فإذا كان لم يثبت فيه شيء فالأصل براءة الذمة، ولكن الأفضل أن يسمي احتياطاً، فلو ترك التسمية ولو عمداً فوضوءه صحيح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 الصلاة على الراحلة في الحضر السؤال ما حكم الصلاة على الراحلة في الحضر؟ الجواب الصلاة على الراحلة إن كانت فريضة فإنها لا تصح لا في الحضر ولا في السفر إلا للضرورة، مثل أن تكون السماء تمطر، والأرض مبتلة، ولا يمكنهم النزول عليها والسجود عليها، وأما النافلة فإنها تجوز في السفر خاصة على الراحلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به، وأما في الحضر فلا يجوز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 مقولة: (يا لطف الله) في الميزان السؤال ما رأيك في قول بعض الناس: يا لطف الله! يا وجه الله!؟ الجواب إذا قال: يا لطف الله! فقط ولم يقل: الطف بي، فلا حرج لأن (يا) هنا للتمني، أي: أتمنى لطف الله، وأما إذا قال: يا وجه الله! فهو يريد الله عز وجل؛ لأن الله يعبر بوجهه عنه ذاته، كما قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فالمهم أن الوجه لما كان يعبر به عن الذات مع ثبوت الوجه حقيقةً صح أن يقول: يا وجه الله! يدعو الله عز وجل، وأما اللطف فهو صفة معنوية إذا كان يقتصر على قوله: يا لطف الله! أي: أتمنى لطف الله، فهذا لا بأس به، أما إذا دعا الصفة قال: يا لطف الله الطف بي أو اغفر لي، فهذا لا يجوز كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن دعاء صفة من صفات الله كفرٌ بالاتفاق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 تصحيح وتضعيف علماء الحديث المتأخرين السؤال هل يؤخذ بتضعيف وتصحيح علماء الحديث المتأخرين، رغم أنه قد سبقهم من هو أكثر منهم حفظاً وعلماً وورعاً؟ الجواب إذا تعارض في حديث تصحيح المتقدمين والمتأخرين، بمعنى: أن الأولين صححوه والمتأخرين ضعفوه أو بالعكس، فإن الإنسان الذي عنده مقدرة وتمييز بين هذا وهذا ينظر أيهما أصح وأولى بالأخذ، وسيتبين له بأنه عنده علم، وأما من ليس كذلك فليأخذ بتصحيح أو تضعيف المتقدمين؛ لأنهم أقرب إلى الصواب من المتأخرين، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم: أنه كلما بعد الناس عن السنة زمناً أو عملاً ضعف علمهم بها. فهذا هو التفصيل، من كان يعرف كيف يرجح هذا على هذا، فليرجح ما رأى، ومن كان لا يعرف فليأخذ بأقوال المتقدمين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 عيوب المرأة المخطوبة السؤال رجل خطب امرأة، وهذه المرأة يُعرف عنها أن فيها عيباً خَلقياً، ولكن هذا العيب مستتر ليس بيِّن، وهذا العيب يرجى برءه كالبرص والبهق، فهل يُخبر الخاطب؟ الجواب إذا خطب الإنسان امرأة وفيها عيب مستتر، ومن الناس من يعلمه، فإن سأل الخاطب عنها وجب عليه البيان وهذا واضح، وإن لم يسأل فإنه يخبره بذلك؛ لأن هذا من باب النصيحة، ولا سيما إذا كان مما لا يرجى زواله، وأما ما كان مما يرجى زواله فهو أخف، ولكن هناك أشياء قد تزول ولكن ببطء كالبرص مثلاً إن صح عنه أنه يزول، فأنا إلى الآن ما علمت أنه يزول، فيفرق بين ما يرجى زواله عن قرب وما يرجى زواله عن بُعد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على خلاف أوصافه السؤال سائل يسأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) فهناك من يرى رجلاً ويقول: أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون مخالفاً لما ثبت فيه، وقد يكون متلبساً بكبيرة، ويقول: أنا رسول الله، فكيف الجمع بين الحديث وبين هذه الرؤيا؟ الجواب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) ، وبناءً على ذلك: إذا رأى الإنسان شخصاً في منامه وانقدح في ذهنه أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو سمع من يقول: إن هذا رسول الله فإنه يجب أن يطبق ما رآه على ما علمه من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية، فإن طابق فهو هو، وإن خالف فليس إياه، فمثلاً: إذا رأى شخصاً ولم تتبين له صورته فليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن تبينت وجب أن يطبقها على ما يعلم من صفته، فإن طابق الصفة فهو رسول الله، وإن لم يطابق فليس رسول الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 التوبة والرجوع إلى الله السؤال هناك شباب يعودون إلى الله في سن الخامسة والعشرين وفي سن الرابعة والعشرين، يعني: يكون أثناء البلوغ في ضياع، ويكون قد عصى الله سبحانه وتعالى وقد يكون تاركاً للصلاة، فبعد هذا السن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويكون من عباد الله سبحانه وتعالى، هل يكون داخلاً في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو الشاب الذي نشأ في طاعة الله؟ الجواب السن عندهم درجات، سن الشباب، وسن الكهولة، وسن الشيخوخة، وسن الهرم، فيرجع إلى هذا، فالذي في الخامسة والعشرين لا يزال في الشباب، ولكن مع ذلك لو فرض أنه لم يستقم إلا بعد الثلاثين فإن الله تعالى يقول في كتابه: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] فهؤلاء الذين تابوا بعد أن كبروا وعملوا عملاً صالحاً يبدل الله سيئاتهم حسنات، ويكتب لهم إن شاء الله ما يكتب لغيرهم، وإذا قدر أنه لم يكن شاباً فقد فاتته خصلة من الخصال التي يستحق بها أن يظله الله عز وجل فلا تفته الخصال الأخرى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 طمس الوجه من الصور السؤال هل طمس الوجه في الصورة يكفي؟ الجواب إذا طمس الوجه من الصورة فقد حصل المقصود؛ لأن الصورة حقيقة لا تكون إلا في الوجه؛ والوجه هو الرأس، فإذا طمسه فلا حرج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 قصر الصلاة قبل دخول البلد السؤال شخص رجع من السفر فقصر الصلاة بين البدائع وعنيزة، هل يصح قصره وهو من أهل عنيزة؟ الجواب إذا رجع المسافر من سفره فله أن يقصر الصلاة حتى يدخل إلى البلد حتى لو لم يبق بينه وبين بلده إلا عشرة أمتار، فإنه يقصر الصلاة كما أنه إذا خرج من البلد، ولو خرج عشرة أمتار فإنه يقصر الصلاة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 حكم ترك بعض النوافل السؤال بعض الناس في السفر يترك جميع السنن ما عدا ركعتي الفجر والوتر ما حكم ذلك؟ الجواب الذي يدع صلاة النافلة في سفره قد فاته خير كثير؛ لأن صلاة النافلة في السفر باقية على مشروعيتها كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وغيرها من النوافل، إلا ثلاث سنن وهي: راتبة الظهر والمغرب والعشاء، فهذه الثلاث: السنة ألا تصلى في السفر، فإن قال: أنا جئت إلى المسجد أنتظر مجيء الإمام فهل تمنعوني من الصلاة؟ نقول: لا نمنعك صلِّ ما شئت، لكن لا تنو أنها الراتبة، بل انوِ أنها نفل مطلق، وهذا يحتاج الإنسان إليه في المسجد النبوي والمسجد الحرام، فنقول: صلِّ ما شئت من النوافل؛ لأنها نوافل مطلقة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 تبييت نية صوم النفل والأجر على ذلك السؤال لو نوى الإنسان الصيام من صلاة الظهر وهو لم يأكل طيلة النهار إلى الظهر، فلما جاء الظهر نوى الصيام، فهل يكتب له صيام يومٍ كامل، أم من صلاة الظهر؟ الجواب إذا نوى الصيام أثناء النهار وهو نفل ولم يأت قبله بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو غيرهما فصومه صحيح، سواء كان قبل الزوال أم بعد الزوال، ولكن هل يثاب من أول النهار، أو يثاب من النية؟ الصحيح: أنه يثاب من النية فقط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، والفائدة: أنه يكتب له أجر الصيام منذ نوى إلى غروب الشمس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 الردة وحبوط الأعمال السؤال لو قلنا: إن الراجح أن الإنسان لو عمل في حال إسلامه عبادة ثم ارتد، ثم فريضة مثل فريضة الحج ثم ارتد، ثم رجع مرة أخرى فهل تكفيه فريضة الحج الأولى التي عملها، وبالنسبة لحديث: (وشاب نشأ في طاعة الله) هل نقول: إن الإنسان مثلاً لو نشأ في طاعة الله في سن الشباب ثم ارتد ثم رجع هل ينطبق عليه هذا الحديث؟ الجواب من المعلوم أن الردة تحبط الأعمال؛ لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ولقوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] لكن هذا مقيد إذا مات على الكفر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217] فلو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن أعماله الصالحة السابقة للردة لا تبطل، وكذلك ما له من المزايا والمناقب والفضائل، فالشاب الذي نشأ في طاعة الله، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يحصل له ثواب الشاب الذي نشأ في طاعة الله، وكذلك الصحابي لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام فإن صحبته لا تبطل، بل هذه المنقبة تبقى له كسائر الأعمال الصالحة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 الصورة التي أزيل منها ما لا تبقى معه الحياة السؤال مثَّل بعض الفقهاء: أن الصورة المأمور بطمسها هي الصورة التي إن رؤيت كاملة، قيل: إن الإنسان يمكن أن يعيش على هذه الحال، ولكن إن كان فضل جزء منه لا يستطيع أن يعيش؟ الجواب يعني قالوا: إذا أزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة فهو جائز، هكذا عند العلماء الفقهاء رحمهم الله، أنهم يقولون: إن الصورة إذا أزيل منها ما لا تبقى بعده الحياة فهي جائزة، ويستدلون لهذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن المصورين يقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) وقوله: (كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) والروح والحياة لا تحل نصف البدن مثلاً، فلهذا قالوا رحمهم الله: إنه إذا أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة حلَّت، فإذا قطعت الصورة من النصف مثلاً أو قطع منها الرأس كلية فإنها حلال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 علاج من أصيب بالسحر السؤال رجل متزوج منذ عشرين سنة، ومنذ سنة واحدة لا يقدر على جماع أهله، والرجل موجود في الأردن، طبعاً هناك كتابات من بعض أهل الشر تحجز الرجل عن زوجته، فيراجع أناساً آخرين لأجل أن يلغي هذه الكتابات أو هذه الحجابات التي تمت، وعند مراجعته لهؤلاء الناس قالوا: إن أمرك صعب، هل من سبيل من الكتاب والسنة جزاك الله خيراً؟ الجواب كأنك تسأل عن الرجل منع من زوجته لا يستطيع جماعها فهل من دواء؟ نعم هناك دواء، التعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شر خلقه، وقراءة المعوذتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وقراءة قوله تعالى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] ، وكذلك الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ورقية المريض، مثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك. ) إلى آخر الحديث، فليعالج نفسه بهذه الأدعية وهذه الآيات بإخلاص، يقرأ ويقرأ عليه، والله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 من اعتمر وترك السعي ثم حج بعد سنين سنوات واعتمر السؤال معتمر قبل سبع سنوات ترك السعي؛ ليخرج مع رفقته معتقداً أنه إذا أبطل هذا العمل بطل حجه، وحج بعد ذلك واعتمر، فماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟ الجواب أولاً: أقول: إن تأخير هذا السائل سؤاله إلى ما بعد سبع سنوات خطأ عظيم، يجب على المرء أن يسأل عن دينه أولاً قبل أن يعمل، ثم إذا عمل وشك في نفسه من بعض الأفعال فليسأل عنها مباشرة، ولكن الأمر وقد وقع الآن، فالذي أرى أنه يجب عليه أن يذهب إلى مكة ويأتي بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يأتي بالسعي السابق الأول؛ لأنه ما زال ديناً في ذمته، والحجات التي حجها بعد ذلك هي حجات منفصلة لم ينوها قضاءً عما سبق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 الموالاة بين الطواف والسعي السؤال هل للفصل بين الطواف والسعي زمناً محدوداً؟ الجواب ليس للفصل بين الطواف والسعي زمن محدود، فالموالاة بينهما ليست شرطاً، لكن لا شك أن الأفضل في أنه إذا طاف أن يسعى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين سعيه وطوافه، ولكن لو أخر فطاف في أول النهار وسعى في آخره أو بعد يوم أو يومين فلا حرج عليه في هذا؛ لأن الموالاة بين الطواف وبين السعي سنة وليست واجبة. السائل: من قال: إنه أخر طواف الإفاضة وسعى بعده للحج أنه لا يكفيه عن الوداع، معللاً: أنه تأخر ليسعى، وقد يستغرق السعي ساعات، هل لهذا القول وجهة نظر؟ الجواب: الذي أرى: أنه لا وجه له؛ لأن السعي تابع للطواف، وليس من شرط كون الطواف آخر أمره ألا يفعل بعده عبادة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف للوداع، وصلى الفجر بعد طواف الوداع، ثم مشى، وكذلك عائشة رضي الله عنها لما اعتمرت في ليلة السفر أتت بعمرة طواف وسعي وتقصير، وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه ترجمةً على حديث عائشة رضي الله عنها، وأن المعتمر يجزئه طوافه عن طواف الوداع مع أنه سيحول بينه وبين الطواف السعي. السائل: هذا الذي ترك السعي هل يلزمه غير القضاء وهو متزوج؟ الشيخ: لا يلزمه غير القضاء، ولكن عليه النساء فيتجنب زوجته حتى يسعى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 حكم دعاء: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء) والرد على ذلك السؤال أحسن الله إليك: كثيراً ما نسمع في الدعاء: (اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه) ما صحة هذا؟ الجواب هذا الدعاء الذي سمعته: (اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، وإنما أسألك اللطف فيه) دعاء محرم لا يجوز؛ وذلك لأن الدعاء يرد القضاء كما جاء في الحديث: (لا يرد القدر إلا الدعاء) ، وأيضاً: كأن هذا السائل يتحدى الله يقول: اقض ما شئت ولكن اللطف، والدعاء ينبغي للإنسان أن يجزم به وأن يقول: اللهم إني أسألك أن ترحمني، اللهم إني أعوذ بك أن تعذبني، وما أشبه ذلك، أما أن يقول: لا أسألك رد القضاء، فما الفائدة من الدعاء إذا كنت لا تسأله رد القضاء، والدعاء يرد القضاء، فقد يقضي الله القضاء ويجعل له سبباً يمنع ومنه الدعاء. فالمهم أن هذا الدعاء لا يجوز، ويجب على الإنسان أن يتجنبه، وأن ينصح من سمعه بأن لا يدعو بهذا الدعاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 الإحرام من مكة لمن هو ساكن في جدة السؤال حاج ساكن في جدة وأهله في مكة، وأحرم من بيت أهله في مكة، ثم قضى حجه فما الواجب عليه؟ الجواب ساكن في جدة ونوى أن يذهب إلى أهله ويحج معهم، هذا ليس عليه شيء، يحج مع أهله ويحرم من مكة. السائل: هل يجب عليه طواف الوداع؟ الشيخ: إذا أراد أن يخرج إلى جدة يجب عليه أن يطوف طواف الوداع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 جواز ارتفاع الإمام عن المأمومين في الصلاة السؤال ما حكم ارتفاع الإمام عن المأموم؟ الجواب لا بأس أن يرتفع الإمام عن المأمومين، وقيده بعض العلماء إذا لم يكن من الذراع فأكثر، والصحيح: أنه لا يقيد ما دام أنه يمكن المتابعة، ثم إن علو الإمام عن المأمومين عندنا لا يمكن أن يتحقق على الوجه الذي ذكره الفقهاء؛ لأن الإمام سيكون معه أحد في مكانه، والفقهاء الذين كرهوا أن يكون الإمام عالياً يريدون إذا انفرد في مكان وحده هو فوق والناس تحته، وهذا شيء لا يوجد في وقتنا الحاضر، أي: لا تجد إماماً عالياً إلا ومعه جماعة، وحينئذٍ لا كراهة، والعكس لا بأس به -أي: وعلو المأموم لا بأس به-. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 حكم متابعة الإمام خارج المسجد السؤال هل تجوز الصلاة في الشارع متابعة للإمام في المسجد؟ الجواب الصلاة في الشارع تجوز، إذا ازدحم المسجد وامتلأ فإنها تجوز؛ لأن الصفوف متصلة، أما مع الانفصال فلا يجوز لأحد أن يصلي مع جماعة وهو خارج المسجد. السائل: إذا كان يرى الصفوف في المسجد يجوز؟ الجواب: إذا كان في المسجد جاز سواء رآها أم لم يرها، أما إذا كان خارجه والصفوف متصلة طبعاً سيرى الصفوف حتى لو كان بعضهم على الدرج وبعضهم عند الأبواب فلا بأس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 تسليط الجن على نساء أهل الدنيا السؤال في سورة الرحمن يقول الله سبحانه وتعالى عن نساء أهل الجنة: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] هل يسلط الجن على نساء أهل الدنيا؟ الجواب في سورة الرحمن كما قال الأخ السائل: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] هذه الآية تدل على أن الجن يدخلون الجنة إذا كانوا مؤمنين كما هو القول الراجح، أما دخول الكفار منهم النار فمتفق عليه بالإجماع؛ لقوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38] ، ويسأل يقول: هل يمكن أن يتسلط الجني على إنسية فيجامعها أو أنسي يجامع جنية؟ يقول العلماء: إن هذا ممكن، وإنه يمكن للجني أن يجامع امرأة، وإنها تحس بذلك، وكذلك الإنسي يجامع الجنية ويحس بذلك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 أسباب النصر وشروطه السؤال في أيامنا هذه نترقب الحرب، والعلم عند الله، فما تنصحنا به حتى نأخذ بأسباب النصر؟ الجواب نحن نقول: النصر في الجهاد أو في القتال لا يكون إلا بشروطه، وقد بيَّن الله تعالى شروطه في قوله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40-41] ، فإذا تمت هذه الأسباب حصل النصر، أما إذا تخلف واحد منها فإنه يفوت النصر بقدر ما تخلف، وأما قولك: بتوقع الحرب هذه الأيام، فمن أين جئتنا بهذا؟ فإن كان قصدك الاستعداد للشيء وإن كان قد لا يكون قريباً والعلم عند الله عز وجل، و (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) هذا هو الضابط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 دعاء الاستفتاح للمأموم السؤال إذا دخل المصلي مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة هل يقرأ دعاء الاستفتاح؟ الجواب إذا دخل الرجل مع الإمام والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر وينصت، فإذا فرغ الإمام من الفاتحة استفتح ثم قرأ الفاتحة، أما إذا دخل مع الإمام بعد أن قرأ الفاتحة وهو يقرأ السورة التي بعدها، فهنا يقرأ الفاتحة ولا يستفتح؛ وذلك لأنه لا مكان للاستفتاح في هذه الحالة، إذ إن الإمام إذا كان يقرأ فلا يقرأ وهو يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، وعلى هذا فيكون هذا التفصيل إذا دخل وهو يقرأ الفاتحة سكت، فإذا فرغ الإمام من الفاتحة استفتح ثم قرأ الفاتحة، وإن دخل مع الإمام بعد أن قرأ الفاتحة وهو يقرأ سورة أخرى فإنه يكبر ثم يقرأ الفاتحة بدون استفتاح؛ لأن الاستفتاح هنا لا مكان له. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 تأمين الإمام والمأموم السؤال هل تجب متابعة الإمام في التأمين؟ الجواب نعم التأمين سنة مؤكدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) ويكون تأمين الإمام والمأموم في آنٍ واحد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) . السائل: الفضل الذي ورد في الحديث لمن وافق إمامه في التأمين حتى يوافق تأمين الملائكة، هل من سبق إمامه يدخل في هذا الفضل؟ الجواب: من سبق إمامه في هذا فإنه لا يدخل في هذا الفضل؛ لأنه قال: (فمن وافق) لكن لو فرض أن الإمام تأخر فحينئذٍ لا حرج على المأموم أن يؤمن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 حكم العمل الخاص على حساب العمل العام السؤال فضيلة الشيخ أثابك الله: رجل يعمل في إدارة حكومية فقال له مدير هذه الإدارة: أريد أن تدير أعمالاً تجارية لي وأعفيك من العمل، فهل يرضى بذلك، أم يستمر على عمله؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن النظام في الدولة أن الموظف لا يعمل بعمل تجاري سواءً كان مديراً أو غير مدير، فهذا المدير الذي قال للموظف: اعمل في تجارتي، نقول أولاً: تجارتك حرام إلا بإذن من الحكومة. السائل: ربما أذن له في العمل الزراعي؟ الجواب: حتى هذا لا يجوز أن يستعمل هذا الموظف في وقت عمله في زراعته؛ لأن هذا من باب الاختصاص بأعمال الحكومة، كما ورد في أول الجلسة فيمن يستعمل سيارة الحكومة في أعماله الخاصة، فلا يجوز للموظف أن يوافق على هذا التكليف، بل يقول: لا. أنا أريد أن أعمل في عملي الذي آخذ الراتب من أجله، وإذا كان هذا المدير سيعطيه أكثر من الراتب الحكومي فلينفصل عن الراتب الحكومي ويعمل لهذا المدير عملاً خاصاً بأجرة منه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 المسافر إذا دخل مع الإمام المقيم في التشهد الأخير السؤال إذا دخل المسافر مع إمام مقيم في التشهد الأخير هل له أن يتم أم يقصر، ما الأفضل يا فضيلة الشيخ؟ الجواب إذا دخل المسافر مع الإمام المقيم وهو في التشهد الأخير فإنه يلزمه الإتمام؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . و (ما) شرطية ما يدرك من قليل أو كثير، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: فما أدركتم مما تدركون به الجماعة فصلوا، وما فاتكم فأتموا، بل أطلق، قال: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، فهذا الرجل الذي دخل في التشهد الأخير أدرك التشهد الأخير، فإذا سلم الإمام وجب عليه إتمام ما سبق، هذا مقتضى الحديث، وإن كان بعض العلماء قال: إذا أدرك أقلَّ من ركعة فإنه لا يلزمه الإتمام؛ لأنه لم يدرك الصلاة، فنقول: إن الحديث عام: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 السلام على من جهلت ديانته السؤال إذا مررت بعمال ولا أدري ما يظهر من حالهم هل هم مسلمون أو كفار، كيف يكون السلام عليهم؟ الجواب إذا مررت بقوم لا تدري أمسلمون هم أم كفار؟ فانظر ما يترجح عندك سواءً في هيئة اللباس أو في أشكالهم، فإن لم يوجد مرجح، فانظر إلى الأكثر في هذا البلد، إذا كان الأكثر في هذا البلد مسلمين فسلِّم عليهم، وإذا كان الأكثر في هذا البلد غير مسلمين فلا تسلم. السائل: هل يجوز أن أقول: السلام على المؤمنين؟ الشيخ: يجوز أن تقول: السلام على من اتبع الهدى، لكن غالب العمال هؤلاء لا يفهمون معنى: السلام على من اتبع الهدى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 مشروعية الزكاة في حلي النساء السؤال بالنسبة للذهب الذي يُلبس هل عليه زكاة؟ الجواب الذهب الذي يُلبس عليه الزكاة على القول الراجح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي حقها إلا كان يوم القيامة صُفِّحت صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره) فإن قوله: (ما من صاحب ذهب أو فضة) عام يشمل الحلي وغيره. ولما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، قال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 كتابة ذكر الله على الألواح في الطرق للتذكير السؤال فيمن يذهب إلى الخطاط يخط لا إله إلا الله وسبحان الله؛ يخطها على خط طريق القصيم أو الرياض، أي: الأذكار هذه؟ الجواب الألواح الموضوعة في الخطوط ويكتب فيها سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، لا بأس بها؛ لأن هذا من باب التذكير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 صحة حديث: (الكيس من دان نفسه) السؤال حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (الكيِّس من دان نفسه. ) هل هذا الحديث صحيح؟ الجواب هذا حديث مشهور: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) هذا لا شك أن معناه صحيح، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111] يتمنون هذا، فالإنسان الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني ليس بكيِّس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 حكم أكل ذبائح أهل البدع السؤال العمال الأتراك والسوريون يكونون نصيرية، ويكتب في جوازاتهم وإقاماتهم مسلمون، ويعملون في الملاحم والمطابخ وغيرها، هل يجوز أكل ذبائحهم؟ الجواب النصيرية وغيرهم من أهل البدع ينظر في بدعتهم؛ إذا كانت بدعتهم تكفر فإنه لا يجوز أكل ذبائحهم؛ لأنه لا يجوز أكل ذبائح الكفار إلا أهل الكتاب -اليهود والنصارى- وأما إذا كانت البدعة لا تُكفر فلا بأس أن نأكل ذبائحهم، لكن غيرهم أولى منهم، حتى وإن كانت البدعة لا تكفر. السائل: ماذا يذكر شيخ الإسلام عن النصيرية؟ الجواب: الظاهر أن شيخ الإسلام رحمه الله يكفرهم، فإذا كانوا من القوم الكفار فكما قلت لك: لا تحل ذبائحهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 معنى مقولة: (نية المؤمن خير من عمله) السؤال فضيلة الشيخ عفا الله عنك، ما معنى قول بعض الناس: نية المؤمن خير من عمله؟ الجواب معناه أن النية قد يدرك بها ما لا يدرك بالعمل، مثل: أن يكون رجلاً عاجزاً عن فعل الطاعة، فيتمنى أن يدرك هذه الطاعة فينويها، فهذه قد تكون خير من العمل، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منزلة الشهداء وإن مات على فراشه) . السائل: ماذا يستثنى منه؟ الجواب: يستثنى منه إذا كان الإنسان قادراً على العمل ولكنه لم يعمل، فلا نقول: هذا الرجل نيته خير من عمله؛ لأنا لو قلنا هذا بقي الإنسان مستطيعاً للطاعة لا يفعل الطاعة ويقول: النية خير من العمل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 إلقاء السلام على جماعة وهم في ذكر السؤال إذا دخل الإنسان يلقي السلام أم لا يلقيه؟ الجواب لا بأس أن يلقي السلام إذا دخل الإنسان على قوم مسلمين في ذكر من الأذكار فلا بأس أن يلقي السلام، فإن الصحابة كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فيلقون عليه السلام، أما إذا جهر به وخاف التشويش فهنا لا يجهر به دراءً لهذه المفسدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 متى تكون المباحات عبادة السؤال الإنسان إذا لم يقلب المباحات إلى عبادات هل ينال الأجر؟ الجواب إذا فعل المباح ولم ينوِ أنه عبادة فليس فيه أجر، إلا إذا كان فيه نفع متعدٍ، مثل: أن يطعم الإنسان أهله الذين تجب عليه نفقتهم فيطعمهم، فهنا قد لا يستحضر النية ويكون له الأجر، وكذلك إن زرع حباً أو غرس نخلاً فأصاب منه طير أو دابة أو إنسان فإنه يكتب له الأجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 دعاء ركوب الدابة السؤال هل يلزم في ركوب الدابة كلما ركب الدابة يدعو بدعاء الركوب؟ الجواب ظاهر القرآن أن الإنسان كلما ركب على البعير أو السيارة أو السفينة أو القطار أن يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14] . السائل: هل يقاس المصعد على ذلك؟ الجواب: لا. لا أظن المصعد الكهربائي كهذا، لا أظنه من هذا النوع وإنما هو درج مسهل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 التسمي بأسماء من القرآن السؤال ما رأي فضيلتكم فيمن يسمى أبناءه ببعض الأسماء الموجودة في القرآن كأفنان وأمثال وبيان؟ الجواب لا حرج أن يسمي أبناءه أو بناته بكلمات يأخذها من القرآن إلا إذا كانت ممنوعة بعينها، مثل: أبرار، فإنه لا يسمي بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم برة إلى زينب وجويرية، وكذلك بيان لا يسمى بها؛ لأن البيان هو القرآن، كما قال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:138] ومن سمَّى بيان فليغيره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 حكم من فتح محلاً باسم غيره خروجاً من منع الدولة له بفتحه باسمه السؤال ذكرت جواباً لأحد الإخوة السائلين قبل قليل: أن موظف الدولة لا يجوز أن يتاجر في إحدى التجارات، فهل يجوز لموظف الدولة أن يفتح محلاً باسم زوجته أو باسم أحد إخوانه وهو له؟ الجواب لا يجوز للإنسان الموظف أن يفتح محل تجارة باسم ولده أو زوجته أو أحد أقاربه أو أصدقائه؛ لأن ذلك كذب، فإن هذا المحل ليس لمن كتب باسمه، وهو في الوقت نفسه خيانة للدولة؛ لأن الإنسان فعل ما منعته الدولة وتحايل عليها بهذا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 كيفية التعامل مع الشيعة السؤال تعلمون أن في المنطقة الشرقية يوجد كثير من الشيعة، فكيف يكون التعامل معهم، هل نبدأهم بالسلام؟ الجواب عامل الشيعة بما يعاملونك به، أما في العبادات فإن الشيعة ينقسمون إلى أكثر من واحد وعشرين قسماً، فمن كانت منهم بدعته مكفرة فإنه لا يجوز السلام عليه، ومن كانت بدعته دون ذلك فينظر في المصلحة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 اختلاف قنوت الوتر عن قنوت دفع البلاء السؤال بعض الأئمة في القنوت في هذه الأيام يدعون بدعاء القنوت في الوتر؟ الجواب القنوت هنا ليس قنوت وتر وإنما هو قنوت لدفع البلاء، فيقنت لدفع هذا البلاء، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للمستضعفين وعلى الظالمين بالدعاء المناسب، فإذا رأيت أحداً من هؤلاء فبلغه، وبيِّن له المشروع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد السؤال إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد هل يصلى العيد بنية الجمعة؛ ليسقط عنه الظهر والجمعة؟ الجواب الصحيح أن من يدرك العيد مع الإمام فإنه يرخص له في الجمعة إن شاء حضر وإن شاء لم يحضر، ولكن إذا لم يحضر يجب أن يصلي ظهراً؛ لأنه إذا سقطت الجمعة فلها بدل وهو الظهر، وهذا بالنسبة للمأمومين، أما الإمام فيلزمه أن يقيم الجمعة، ولا تجزئ صلاة العيد عنها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم العيد والجمعة إذا كانا في يوم واحد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 حكم سجود الرجل في زحام وأمامه امرأة في الحرم السؤال في الحرم زحام شديد، فيكون أمام الرجل امرأة فلا يستطيع السجود، فماذا يصنع؟ الجواب إذا كان أمامه امرأة وهو يخشى على نفسه من انشغال قلبه فلينصرف ويطلب مكاناً آخر ولو كان جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام) فكيف إذا كان بحضرة هذه المرأة التي يفتتن بها من باب أولى، حتى لو فاتت الجمعة يقضيها ظهراً، ولهذا لو فرض أن الإنسان أصيب مثلاً بغائط حاصره، فإنه ينصرف ويقضي حاجته، ثم يذهب إلى الجمعة، فإن أدرك فهذا المطلوب، وإن لم يدرك فلا شيء عليه، ومن ترك العمل لعذر ولا سيما بعد الشروع فيه فإنه يكتب له أجره كاملاً، أما إذا كان لا يخشى الفتنة فإنه يبقى في مكانه، وعند السجود ينتظر حتى يرفع الإمام، ثم يسجد بعده، وإن شاء جلس وأومأ بالسجود. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 حكم الصور التي فيها تعليم الصغار السؤال بالنسبة لصور الحيوانات التي تستخدم لتعليم الأطفال الحروف الهجائية، بأن يكون كل حرف فوقه حيوان يبدأ اسمه بهذا الحرف، مثلاً: جيم يوضع جمل، وهذا فيه فائدة لتعليم الصغار، فما هو الحكم؟ الجواب لا بأس من أن يبين للطلبة هذه الحروف بشرط: أن يقطع رأسها فيجعلها بعيراً بدون رأس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 لقاء الباب المفتوح [6] في هذا اللقاء تفسير الآيات الأُول من سورة النبأ، وبيان أن النبأ الذي يساءلون عنه هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، واختلافهم يعني: منهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر وكذب، وقد استمر الشيخ في تفسير آيات النبأ إلى الآية العاشرة من نفس السورة، ثم أجاب على أسئلة الحضور. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، الأول من شهر صفر، أو الثلاثين من شهر محرم، نفتتح هذه الجلسة كالعادة نبدأ هذه الجلسة بالحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. ورأيت أن نستفتح جلساتنا بشيءٍ من تفسير القرآن الكريم، وليكن ذلك من سورة النبأ؛ لأن هذه السورة كثيراً ما تقرأ في صلاة المغرب والعشاء، فنبدأ أولاً بسورة النبأ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) قال الله عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:1-3] يعني: عمَّ يتساءل هؤلاء المكذبون بالقرآن وغيره؟ ثم أجاب الله عز وجل عن هذا السؤال فقال: {عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:2-3] وهذا النبأ هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من البينات والهدى، ولا سيما ما جاء به من الأخبار عن اليوم الآخر والبعث والجزاء، وقد اختلف الناس في هذا النبأ الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: فمنهم من آمن به وصدق، ومنهم من كفر به وكذب، فبين الله أن هؤلاء الذين كذبوا سيعلمون ما كذبوا به علم اليقين، وذلك إذا رأوا القيامة: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:53] ، ولهذا قال هنا: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4-5] والجملة الثانية توكيد للأولى من حيث المعنى، وإن كانت ليست توكيداً باعتبار اصطلاح النحويين أنه فصل بينها وبين التي قبلها بحرف العطف، والتوكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده بشيء من الحروف، والمراد بالعلم الذي توعدهم الله به هو علم اليقين الذي يشاهدونه على حسب ما أخبروا به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض مهاداً) ثم بين الله تعالى نعمه على عباده ليقرر هذه النعم، فيلزمهم شكرها، فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ:6-9] إلى آخره. فالأرض جعلها الله تعالى مهاداً ممهدة للخلق ليست بالصلبة التي لا يستطيعون حرثها، ولا المشي عليها إلا بصعوبة، وليست باللينة الرخوة التي لا ينتفعون بها، ولكنها ممهدة لهم على حسب مصالحهم وحسب ما ينتفعون به، أما الجبال فجعلها الله تعالى أوتاداً بمنزلة الوتد للخيمة، حيث يثبتها فتثبت به، وهو أيضاً ثابت كما قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} [فصلت:10] . وهذه الأوتاد قال علماء الأرض: إن هذه الجبال لها جذور راسخة في الأرض كما يرسخ جذر الوتد بالجدار، ولذلك تجدها صلبة قوية لا تزعزعها الرياح، وهذا من تمام قدرته ونعمته: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} [النبأ:8] أي: أصنافاً ما بين ذكر وأنثى، وصغير وكبير، وأسود وأحمر، وشقي وسعيد، إلى غير ذلك مما يختلف الناس فيه، فهم أزواج مختلفون على حسب ما أراده الله عز وجل، واقتضته الحكمة ليعتبر الناس بقدرة الله تعالى، وأنه قادر على أن يجعل هؤلاء البشر الذين خلقوا من مادة واحدة أنواعاً وأصنافاً متنوعة متباينة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وجعلنا نومكم سباتاً) قال تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ:9] أي: قاطعاً للتعب، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام واستراح تجدد نشاطه، وهذا من النعمة، وهو في الوقت نفسه من آيات الله كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم:23] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً) قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] أي: جعل الله هذا الليل على الأرض بمنزلة اللباس، كأن الأرض تلبسه ويكون جلباباً لها، وهذا لا يعرفه تمام المعرفة إلا من صعد فوق ظل الأرض، وقد رأينا ذلك من الآيات العجيبة إذا صعدت في الطائرة وارتفعت وقد غابت الشمس عن سطح الأرض، ثم تبينت لك الشمس بعد أن ترتفع تجد الأرض وكأنما كسيت بلباسٍ أسود لا ترى شيئاً من الأرض، كله سواد من تحتك، فيتبين بهذا المعنى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:10] ، أما النهار فجعله معاشاً؛ يعيش الناس فيه في طلب الرزق على حسب درجاتهم وأحوالهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد، ولنقتصر على هذا الجزء من هذه السورة. ونسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يجعلنا ممن قرأ وانتفع إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 حكم الذهاب إلى الكاهن إذا كان يظن أنه عالم السؤال رجل أصيب بالجن، فذهب به والده إلى الكاهن، وهو على اعتقاد والديه أن هذا ليس كاهناً إنما عالم، ثم ذهبا به فأخرج ذلك الكاهن الجني وشفي، ولكن حين شفي كلمه الابن فقال له: أنت تعلم الغيب؟ قال الكاهن: نعم. إني أعلم الغيب، ثم أخذ والده من هذا الكاهن أدوية وأجبر الابن على أخذها، فأخذها مكرهاً، فما حكم المريض هل يأثم؟ وما حكم والديه حين أجبراه وهم في اعتقادهم أن هذا عالم وليس كاهناً؟ الجواب أما شأن الوالدين حيث أجبرا الولد على أن يذهب لهذا الرجل وهما يعتقدان أنه ليس بكاهن فلا إثم عليهما، ولكن الواجب أنه لما تبين لهم أنه كاهن الواجب على الرجل وعلى والديه -أيضاً- ألا يرجعا إلى هذا الكاهن بل يكذبانه؛ لأن: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 كيفية معرفة انقضاء عدة المرأة الحامل السؤال حامل أسقطت مضغة لم يتبين فيها تخليق، فما حكم الدم المصاحب لهذه المضغة؟ وهل تنقضي بها العدة؟ الجواب يقول الإمام أحمد رحمه الله: إن النفاس لا يثبت إلا إذا وضعت مضغة لم تخلق، فالدم دم فساد لا يمنعها من صلاة ولا غيرها ولا تنقضي به العدة إلا إذا وضعت ما تبين به خلق إنسان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 حكم قراءة البسملة في وسط السورة السؤال فضيلة الشيخ! البسملة في وسط السورة بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إنها مستحبة؛ لأنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع أو أبتر) فهل هي مستحبة، أو غير مشروعة؟ الجواب الصحيح أن البسملة إذا قرأ الإنسان من أثناء السورة لا تستحب؛ لأن الله قال في كتابه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] ولم يأمر بسوى ذلك، فما دامت المسألة فيها نص خاص بأن المطلوب ممن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن هذا يخصص العام وهو قوله: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 حكم الكلام أثناء قراءة القرآن السؤال ما حكم التكلم أثناء قراءة القرآن في المجالس العامة، كما يقرأ القرآن من شريط فيتكلم مجموعة من الأشخاص ما حكم هذا العمل؟ الجواب قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ، فإذا كان عندنا مسجل يصدر منه صوت القارئ ونحن نتحدث؛ فإما أن نغلق هذا المسجل، وإما أن نستمع إليه، أما أن نبقى في لغونا وكلامنا وكأننا لا نسمع إلا أصوات بشر فإن هذا خلاف الأدب مع القرآن، فهنا أقول: إما أن تغلق المسجل، وإما أن تستمع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 حكم تجويد القرآن السؤال فضيلة الشيخ! بعض علماء التجويد قالوا: إن قراءة القرآن بالتجويد واجبة، فما صحة قولهم؟ الجواب الصحيح أن قراءة القرآن بالتجويد ليست واجبة، وأن التجويد ليس إلا لتحسين القراءة فقط، فإذا قرأ الإنسان قراءة أوضح فيها الحرف وجعله محركاً بما هو محركٌ به فإن هذا كافٍ، فأما قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] فليس معناها جوّده، بل المعنى اقرأه على مهل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 معنى الصفات السلبية والإضافية والمركبة منهما السؤال نفاة الصفات لا يثبتون لله سبحانه وتعالى صفات ثبوتية، وإنما يثبتون له صفات سلبية أو إضافية أو المركبة منهما، ما السلبية؟ وما الإضافية؟ وما المركبة منهما؟ الجواب هؤلاء المبتدعة يقولون: إن الله تعالى لا يثبت له صفات ثبوتية، إنما يثبت له صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما، فالصفات الإضافية إذا قلنا أنه خالق، فليس معناه: أنه اتصف بالخلق، ولكن معناه: أن له مخلوقاً، فوصفه بالخلق من باب الإضافة فقط. أما السلبية فيقولون: إننا لا نثبت لله شيئاً هو ثبوتي، فلا نثبت له سبحانه عِلْماً، ولكن نقول: إن الله ليس بجاهل، ولا نقول: إن الله سميع بل نقول: إنه ليس بأصم، وهكذا، فيحولون الصفات الثبوتية إلى صفات سلبية، وهذا معنى قولهم: إنهم لا يثبتون إلا صفات إضافية أو سلبية أو مركبة منهما يجعلونها إضافية سلبية، نسأل الله العافية. الصفات السلبية الإضافية يقول مثلاً: إن الله خالق، يعني: ليس بعاجز عن الخلق، وهو خالق له مخلوق، فيجعلونها سلبية إضافية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 حكم تنقص المسلم السؤال ما الحكم إذا قال القائل: (والله والتراب بك) ؟ الجواب لعلَّ هذا قسم، كالذي يقول: (والله! والنعم) ، أو (والله! والخير) ، فهذا قسم ليس فيه تنقص لله عز وجل، لكن فيها تنقص لأخيه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 السقط الذي تنتهي به عدة المرأة المطلقة السؤال فضيلة الشيخ! حمل سقط قبل وقته، هل تنتهي به العدة، وسواءً كان سقطه بسبب خارجي، أو بدون سبب؟ الجواب يقول العلماء: السقط إذا كان قد تبين فيه خلق إنسان فإنه تنتهي به العدة، ويكون الدم فيه دم نفاس، وأما إذا لم يتبين فيه خلق إنسان فلا عبرة به، لا تنقضي به العدة، وليس الدم الذي حصل على المرأة دم نفاس. ولو تعمدت المرأة سقطه لا يحل لها أن تتعمد إسقاطه بعد أن تبين فيه خلق الإنسان، الإسقاط إذا كان في الأربعين الأول على رأي بعض العلماء، فإن بعض العلماء يرى أنه لا يجوز حتى في الأربعين الأولى، وأما بعد أن تبين فيه خلق الإنسان فلا يجوز لها إسقاطه، اللهم إلا لو تبين أن هذا الجنين فيه آفة كتشويهٍ لا يحتمل، ورأى الأطباء أن يُنزل، فلا بأس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 أنواع صوم يوم عاشوراء السؤال فضيلة الشيخ! ما تقولون في صيام يوم بعد عاشوراء، والمشروع الصيام قبله، هل الصيام بعد عاشوراء ثبت به حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب في مسند الإمام أحمد: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده خالفوا اليهود) ومخالفة اليهود تكون إما بصوم اليوم التاسع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: مع العاشر، وتكون بصوم يوم بعده؛ لأن اليهود كانوا يفردون اليوم العاشر فتحصل مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده، وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن صيام عاشوراء أربعة أنواع: - إما أن يصوم اليوم العاشر وحده. - أو مع التاسع. - أو مع العاشر. - أو يصوم الثلاثة، وصوم الثلاثة يكون فيه فائدة أيضاً وهي الحصول على صيام ثلاثة أيام من الشهر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 حكم تسمية الله بالنافع الضار السؤال فضيلة الشيخ! مما يطلق على الله سبحانه وتعالى بأنه النافع الضار، فهل هما اسمان أم صفتان؟ وهل ثبت حديث فيهما؟ الجواب ليس من أسماء الله النافع الضار، بل هما من صفات الله عز وجل فهو الذي بيده النفع وبيده الضر، وليس الضار من الصفة التي تقال وحدها، بل يقال: النافع الضار معاً، فإن قيل: النافع فقط فلا بأس، لكن النافع الضار فيه أن الله عز وجل بيده الأمر كله من نفعٍ وضر، وعلى كل حال فهما ليسا من أسماء الله، وإنما مما يوصف الله بهما فقط، والحديث الوارد في عدهما من أسماء الله ضعيف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 كيفية التخلص من المال الذي فيه ربا السؤال من له أسهم في شركة ثم تبين أن فيها نسبة ربوية، وأراد التخلص من هذه النسبة ففي أي الوجوه يصرفها؟ الجواب كل مال يدخل على الإنسان بطريق محرم ثم يتوب منه فإنه يصرفه بما يقرب إلى الله من بناء المساجد والصدقة على الفقراء وغير ذلك، المهم أن يخرجه من ملكه تخلصاً منه على أي وجه من وجوه الخير، حتى في بناء المساجد، حتى في الصدقات على الفقراء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 حكم امرأة اعتمرت بطفلها عن أبيها المتوفى ثم لم تكمل العمرة خوفاً على طفلها السؤال فضيلة الشيخ! امرأة أهلَّت بعمرة عن والدها المتوفى، وكان معها طفلها الرضيع، وحينما وصلت الحرم كان الهواء بارداً فخافت على وليدها ولم تكمل عمرتها، ثم رجعت إلى جدة وحلَّت، فما الذي يجب عليها؟ الجواب فعلها هذا محرم، ولا يحل لها أن تحل من عمرتها، والواجب عليها الآن أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتقصر، وما فعلته من محظورات الإحرام فإنه لا شيء عليها فيه؛ لأنها جاهلة، وعليك أن تنصحها في ألا تتسرع في شيء من العبادات إلا بعد سؤال أهل العلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 هل الأشاعرة من أهل السنة؟ السؤال فضيلة الشيخ! هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ نرجو التوضيح. الجواب الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من صفات الله إلا سبع صفات، ومع هذا لا يثبتونها على الوجه الذي أثبتها عليه أهل السنة، فلا ينبغي أن نقول هم من أهل السنة على الإطلاق، ولا أن ننفي عنهم كونهم من أهل السنة على الإطلاق، بل نقول: هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة، وهم مخالفون لـ أهل السنة فيما خالفوا فيه أهل السنة، فالتفصيل هو الذي يكون به الحق، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:152] ، فإخراجهم من أهل السنة مطلقاً ليس من العدل، وإدخالهم في أهل السنة بالإطلاق ليس من العدل أيضاً، والواجب أن يعطى كل ذي حقٍ حقه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 حكم الوصية للفقراء والمساكين بأكثر من الثلث السؤال فضيلة الشيخ، امرأة ليس لها زوج ولا ولد، ولكن لها أخ وأعمام، كتبت في وصيتها أن جميع ما تخلفه من مال بعد وفاتها صدقة للفقراء والمساكين، فهل تجوز هذه الوصية؟ الجواب هذه الوصية تجوز بشرط: إجازة الورثة لها، فإذا أجازها الورثة وهو أخوها العاصب، إذا أجاز أخوها هذه الوصية فلا بأس، وإن لم يجزها فله أن يمنع ما زاد على الثلث؛ لأن الوصية لا تجوز بزائد عن الثلث إلا بإجازة الورثة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 حكم الذبح لله عند القبر السؤال ما حكم الذبح لله عند القبر؟ الجواب الذبح لله عند القبر بدعة؛ لأنه في الحقيقة ذريعة إلى الشرك الأكبر؛ لأن من رآك تذبح عند القبر فإنه لا يظن إلا أنك تذبح لصاحب القبر، ويكون شركاً أكبر إذا نوى به التقرب إلى صاحب القبر، وتعظيم صاحب القبر؛ لأن ذبحه على سبيل التعظيم والتقرب لا يجوز إلا لله فهو من العبادات، فإذا صرفه إلى القبر فقد صرف شيئاً من أنواع العبادة لله فيكون بذلك مشركاً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) وقوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) السؤال فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) ، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟ الجواب نوفق بينهما: بأن النفي في قوله: (لا عدوى ولا طيرة) نفي لما يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى مؤثرة بنفسها دون تقدير الله عز وجل، وأما الأمر بالفرار من الأسد فهو أمر بالفرار مما يخشى شره؛ لأن الجذام -نسأل الله العافية- من الأمراض المعدية السريعة العدوى، فالأمر بالفرار منه أمر بالأسباب الواقية كما نقول مثلاً: اتق النار بالبعد عنها، مع أن قربك من النار وبعدك عنها كله بقضاء الله وقدره، فيكون النفي مُنْصباً على ما كان معهوداً أو معتقداً عندهم في الجاهلية من أن العدوى مؤثرة بنفسها، ولهذا لما أُورد عند النبي عليه الصلاة والسلام إيرادٌ بأن الرجل تكون إبله صحيحة ليس فيها شيءٌ من الجرب فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فهذه عدوى، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟) يعني: أن إصابتها بالعدوى بتقدير الله عز وجل، كما أن وجود الجرب في الأول من الله عز وجل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 كتاب (في ظلال القرآن) في الميزان السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيك في كتاب ظلال القرآن، وما قولك في صاحبه؟ الجواب كتاب في ظلال القرآن تفسير أدبي، وصاحبه يميل إلى الأساليب الأدبية، وفيه شيء من العلوم المتأخرة، وفيه علوم نافعة أيضاً، لكن فيه أخطاء كثيرة، وقد نبه عليها الشيخ عبد الله الدويش رحمة الله عليه، وألف في هذا كتاباً نبه على هذه الأخطاء التي فيه، فيحسن لك أن تراجعه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للعوام وشروطه السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للعوام؟ وهل الواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو عاد بالضرر على الشخص؟ الجواب الواجب على كل من له قدرة أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن بشروط: الشرط الأول: أن يعلم أن هذا منكر أو ليس بمنكر. لأن بعض الناس يظن الشيء منكراً وليس بمنكر شرعاً، فلا بد أن يكون عنده علم بأن هذا منكر، أما مجرد أن يكون ذوقه ينفر منه ويرى أنه منكر، فهذا لا يجوز أن ينكر؛ لأن الذوق ليس مقياساً شرعياً وليس هو الدليل الشرعي، لكن إذا علم أن هذا منكر فإنه ينهى عنه. الشرط الثاني: أن يعلم أن فاعل هذا المنكر واقعٌ في المنكر. فإنه قد يكون الفاعل فعله على وجه ليس بمنكر في حقه، ولهذا لما دخل الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وجلس لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم الجلوس وإنما سأله أولاً: (هل صليت؟ قال لا. قال: قم فصلِّ ركعتين) . فلو رأينا رجلاً ممسكاً بيد امرأة في السوق فلا يجوز أن ننكر عليه؛ لأنه من الجائز أن تكون المرأة من محارمه؛ أو زوجة له، أو أختاً له، أو ما أشبه ذلك، فلا بد من هذين الأمرين: الأمر الأول: أن يعلم أن هذا منكر في حكم الله. والمعنى الثاني: أن يعلم أن هذا الرجل متلبس به. فإن كان لا يعلم هذين الأمرين لا يحل له أن يتكلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 حكم المسح على النعلين السؤال ثبت عن بعض الصحابة كـ ابن عمر وعلي بن أبي طالب وأوس بن أوس الثقفي في السنن وغيرهم أنهم مسحوا على نعالهم، وأن بعضهم نزع نعليه ثم دخل فصلى في المسجد ومنها: حديث حصين بن عبد الرزاق على شرط الشيخين، فكيف نوجه هذا؟ الجواب هذا له توجيه عند بعض أهل العلم: أنه يجوز المسح على النعلين إذا كانت تستر أكثر القدم. وبعضهم يقول: إن القدم إما أن تكون مستورة بالخف والجورب فتمسح، أو غير مستورة بشيء فتغسل، أو مستورة بالنعل فترش رشاً بين الغسل والمسح، وحملوا الحديث الوارد في المسح على النعلين على هذا وقالوا: إن المراد أنه رشها، ثم مر بيده عليها. وعلى كل حال فالاحتياط للمرء ألا يقدُم على شيء إلا وهو يعلم أن السنة جاءت به، أو يغلب على ظنه أن السنة جاءت به، وأما ما ورد عن الصحابة مما يخالف ظاهر السنة فإنه لا يؤخذ به بل يعتذر عنهم ولا يحتج بفعلهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 حكم قطع صلاة النفل من غير عذر السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لصلاة النفل هل يجوز للإنسان أن يقطعها بدون عذر إذا شرع فيها؟ الجواب قال أهل العلم رحمهم الله: كل من دخل في نفلٍ فله أن يقطعه؛ لأنه نفل، والاستمرار فيه نفل لكنه يكره أن يقطعه لغير غرض صحيح، واستدلوا لذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع صومه حين دخل على أهله ووجد عندهم طعاماً فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل) . واستدلوا أيضاً: بأن النفل زيادة، إن جاء بها الإنسان فهو أكمل، وإن لم يأت بها فلا حرج عليه، إلا أنه يستثنى من ذلك الحج والعمرة، فإن الشروع في نفلهما مُلزم، ولهذا سمى الله تعالى ذلك نذراً وقال: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] وقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال ذلك قبل أن يفرض الحج والعمرة، ولكن كما قلت لك: لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرضٍ صحيح. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 البسملة ليست آية من سورة الفاتحة الشيخ: فضيلة الشيخ! هل البسملة آية من سورة الفاتحة؟ وإذا كانت آية فما حكم من لم يقرأها في الصلاة؟ الجواب الصحيح أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ودليل آخر: حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي. ) وذكر تمام الحديث، ولو كانت البسملة من الفاتحة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه ثبت بالاتفاق أن الفاتحة سبع آيات، وإذا قسمناها على الوجه الذي أتى القرآن الكريم عليه تبين أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأننا إذا جعلناها سبع آيات، والبسملة منها صارت الآية الأخيرة منها طويلة لا تتناسب مع الآيات الأخرى، ولأن قوله تعالى في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) يقتضي أن تكون أول الآيات {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ؛ لأن: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] لله، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] لله، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] بين الله وبين العبد، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] للعبد، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} للعبد {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] للعبد، فتكون ثلاث آيات من أول السورة لله، وثلاث آيات في آخر السورة للعبد، والآية الرابعة وهي الوسطى بين الله وبين العبد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 حكم من حكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله السؤال فضيلة الشيخ! إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وأنه أفضل وأحسن من غيره، وإنما حكم بغيره لهوى في نفسه، وتقليداً لمن سبقه من الحكام، فهل يكفر بذلك كفراً مخرجاً من الملة جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا يكفر بهذا كفراً مخرجاً من الملة، وإنما يكون عاصياً، جائراً في الحكم، وعليه إثم العصاة والجائرين في الحكم، ولا يخرج عن الإسلام. وأما من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم غير الله كحكم الله، أو أحسن منه، فهذا هو الذي يكفر. ولهذا نرى أن الذين يضعون قوانين تخالف الشريعة ليحكم فيها بين عباد الله وفي عباد الله، نرى أنهم على خطر عظيم، سواء حكموا أو لم يحكموا، ونرى فرقاً بين شخص يضع قانوناً يخالف الشريعة ليحكم الناس به، وشخصٍ آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله؛ لأن من وضع قانوناً ليسير الناس عليه، وهو يعلم مخالفته للشريعة، ولكنه أراد أن يكون الناس عليه؛ فهذا كافر، ولكن من حكم في مسألة معينة يعلم فيها حكم الله، ولكن لهوىً في نفسه؛ فهذا ظالم أو فاسق، وكفره إن وصف بالكفر، فكفر دون كفر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 حكم المسرحيات والتمثيليات لغرض الدعوة والترفيه السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم المسرحيات والتمثيليات لغرض الدعوة أو للترفيه؟ الجواب إذا كانت هذه التمثيليات لا تتضمن محرماً، فلا أرى فيها بأساً، ومعنى: لا تتضمن محرما، ً أي: ليس فيها تمثيل للرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا الأئمة، وليس فيها كذب، ولا قيام رجل بدور امرأة أو العكس، ولا تمثيل بالكفار وذوي الفسوق والنفاق. وإنما هي ضرب مثل بالفعل فلا بأس بها، ولا يعد هذا من الأشياء المحرمة، فإن الإنسان لا يريد أن يتحدث بالشيء على أنه واقع، ولكن يريد أن يضرب مثلاً لصورة معينة، وكل الناس يعلمون أن هذا الرجل ليس هو الممثَّل به حتى نقول: إنه كذب، بل نعلم أنه فلان بن فلان وليس هو الرجل الذي طلَّق امرأته بغضب، أو ضرب أولاده ضرباً مبرحاً، أو ما أشبه ذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 حكم القراءة في الصلاة بسورة الفاتحة فقط السؤال بعض الناس يستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ، فيقرأ الفاتحة ويعيد الفاتحة مرة ثانية، ويستدل بهذا الحديث، فما حكم ذلك؟ الجواب حكم هذا أن من قرأ الفاتحة ثم أعادها لا تكفيه إعادتها عن قراءة السورة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يقرأ ما تيسر معه من القرآن، ولكن كيف يقرأ هذا؟! نرجع إلى السنة، وإلا لكان للقائل أن يقول: يكفي أن يقرأ آية أو آيتين من كتاب الله بدون الفاتحة، أو يقول: يمكن أن يقرأ السورة قبل الفاتحة، فنحن نرجع في هذا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه أبداً لا بسند صحيح ولا ضعيف أنه كرر الفاتحة، غاية ما هنالك أنه كرر سورة الزلزلة أي: قرأها في الركعة الثانية، وشك الراوي نفسه: هل أعادها نسياناً، أو استناناً؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 حكم الخروج على الحاكم الكافر عن طريق الاغتيالات السؤال درسنا بالأمس في كتاب الفتن: بأنه لا يجوز الخروج على الحاكم ومنازعة الحاكم إلا إذا ظهر منه كفر بواح، فإذا كان شرط الخروج تكافؤ القوى، ولكن لم يتحقق هذا الشرط، وكان الخروج عن طريق الاغتيالات -مثلاً- أو الجماعات السرية التي تقوم بعمليات كما يفعل الآن في بعض المجتمعات، فهل هذا يعتبر من المنازعة، وهل هو جائز أم لا؟ الجواب إذا كان كفراً بواحاً عنده فيه من الله برهان، وقدر أن يقتل هذا الذي فعل هذا الكفر البواح الذي عنده فيه من الله برهان، فلا بأس، يقتله بما يستطيع، لكن أن ينازعه ويأتي علناً بدون أن تكون عنده قدرة، فهذا لا يجوز. ثم إن الاغتيال -أيضاً- يجب أن يقيد بما إذا كان خلفه لا يكون مثله أو أشد منه؛ فيحصل بقتله مفاسد أكبر من إبقائه ولا تحصل الفائدة، ومثل هذه المسائل دقيقة يجب أن نعتبر بما سبق وبما لحق من حصول الفتن والشر والتنازع في هذه الإجراءات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 حكم البيعة السؤال فضيلة الشيخ! ما هي شروط البيعة؟ وما حكم بيعة المجنون؟ الجواب البيعة التي تكون في بعض الجماعات بيعة منكرة شاذة؛ لأنها تتضمن أن الإنسان يجعل لنفسه إمامين وسلطانين؛ الإمام الأعظم الذي هو على جميع البلاد، والإمام الذي بايعه، وتفضي إلى شر بالخروج على الأئمة الذي يحصل به من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، ما لا يعلمه إلا الله، وأما التأمير على الجماعة، فهذا قد جاءت به السنة فيما إذا سافر جماعة أن يؤمروا أحدهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 حكم من صلى واقفاً دون أن يركع أو يسجد بسبب الزحام السؤال رجل صلى في الحرم، وكان الوقت وقت زحام، فصلى واقفاً لم يركع ولم يسجد؟ الجواب الواجب إذا كان هناك زحام أن يأتي الإنسان بالركوع؛ لأن الركوع يسهل، أما السجود فإنه ينتظر حتى يقوم الناس ثم يسجد، أو يجلس قاعداً ويومئ بالسجود، أو يسجد على ظهر إنسان على ما ذهب إليه بعض أهل العلم بأن يسجد على ظهر إنسان. ولكن الذي أرى: أنه إما أن يسجد بالإيماء، وإما أن ينتظر حتى يقوم الإمام ثم يسجد بعدها، ولعلَّ السجود بالإيماء أحسن؛ من جهة أنه لا يتخلف عن الإمام، ويكون قد اتقى الله ما استطاع. السائل: هل عليه إعادة الآن؟ الشيخ: إن أعاد فهو أحب إليّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 سبب التعبير عن القرب الشديد بشراك النعل دون غيره السؤال فضيلة الشيخ! قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار كذلك) ما العبرة من التعبير عن القرب بالنعال أو شراك النعل، ولم يقل مثلاً: بالدثار أو الشعار؟ الجواب الظاهر -والله أعلم- أن هذا مما جرى به المثل عند العرب، واستمع إلى قول أبي بكر رضي الله عنه: كلنا مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وأن هذا مما يضرب به المثل، فساق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعروف عند العرب، والله أعلم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 أفضل الكتب المختصرة في العقيدة السؤال فضيلة الشيخ! ما أحسن المختصرات في العقيدة؟ الجواب أحسن المختصرات فيما أرى: العقيدة الواسطية؛ لأنها كلها مبنية على الكتاب والسنة، كلها آيات وأحاديث، والطحاوية لا بأس بها، لكنها فيها تكرار كثير، وفيها تفريق في الموضوع الواحد، تجده يتكلم -مثلاً- عن الإرادة في أول الكتاب وفي آخر الكتاب، فأرى أن يدرس الإنسان العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية قبل أي كتاب صنف في هذا الباب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 حكم تكفير رجل معين يعمل أعمالاً كفرية السؤال فضيلة الشيخ! اختلف العلماء في تكفير رجل معين يعمل أعمالاً كفرية ما بين متشدد وما بين متساهل، بعضهم يقول: إذا رأيت رجلاً يطوف حول قبر فاسأل عن نيته: لماذا يطوف؟ وبعضهم يقول: بمجرد رؤية الرجل فإنه يكفر، خصوصاً إذا كان يعلم هذا الشيء، فهل ينكر بعضهم على بعض؟ وما رأيكم في هذا الشيء؟ الجواب أقول: لعلك تفهم أن في الأمة الإسلامية طائفتين متطرفتين: الخوارج والمرجئة، فالخوارج يقولون: لا ينفع مع المعصية إيمان، ويكفرون كل فاعل كبيرة. والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ويجعلون كل صاحب معصية مؤمناً كامل الإيمان. وهكذا في زمنك الآن فيه من جذبته المرجئة وتوسع في التساهل في الحكم على الناس، وفيهم من نزع نزعة الخوارج وصار يكفر في كل ذنب. والواجب الاقتصار في التكفير على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لأن الحكم بالتكفير من جملة الأحكام التي تُتلقى من عند الله، فكما أنه لا يحل لنا أن نقول: هذا واجب وهذا حرام إلا بدليل، فلا يجوز أن نقول: هذا كفر وهذا إيمان إلا بدليل، ثم إنا إذا قلنا: هذا كفر فلا نحكم عل كل فاعل أن يكون كافراً؛ لأنه قد يكون معذوراً، أو يشتبه عليه الحق، أو يكون مضطراً ارتكب هذا للضرورة، فنصبر حتى نتبين حال هذا المرء، فإذا تبين حاله وأن الرجل عنده علم، ولكنه تجرأ على ما يصل به إلى الكفر؛ كفَّرناه. السائل: هل ينكر بعضنا على البعض الآخر؟ الشيخ: نعم، معلوم ننكر على المتطرف في هذا ونقول له: اتق الله في عباد الله، لا تكفر من لم يكفره الله عز وجل، وللآخر لا ترجئ من لم يرجئه الله، هذا الكتاب والسنة نمشي عليهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 حكم الجمعيات التي تقام بين الموظفين السؤال فضيلة الشيخ! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل دَين أو قَرْضِ جَرَّ نفعاً فهو ربا) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هل يدخل هذا في الجمعيات التي يتخذها بعض الأشخاص الذين يجعلون من رواتبهم شيئاً فيأخذه كل شهر واحد منهم؟ الجواب أولاً الحديث الذي أشرت إليه حديث ضعيف مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مشهور عند أهل العلم -أي: مشهور عندهم: (أن كل قرض جر منفعة فهو ربا) - ووجهه: أن المقصود بالقرض الإحسان والإنفاق، فإذا انتفع المقرض من ورائه خرج عن مقصوده وصار مقصوداً به المعاوضة، فإذا قلت: إني أقرضك ألف ريال بشرط: أن ترده لي ألفاً ومائتين، فهذا ليس بإقراض. وأما الجمعيات التي يفعلها بعض الناس يتفقون على أن يجعلوا من مرتباتهم شيئاً معيناً يعطى لشخص منهم وفي الشهر الثاني للثاني، وفي الشهر الثالث للثالث، وهكذا، فهذا جائز وليس من باب القرض الذي جر نفعاً؛ لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض، سلم ألفاً وسيأتيه ألف فقط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 الأفضل في قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لقراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة هل هي مع قراءة فاتحة الإمام، أم عندما يدخل في السورة؟ وهل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سكت بين قراءة الفاتحة وبين السورة؟ الجواب الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة -الركن- لأنه لو قرأ الفاتحة والإمام يقرأ الفاتحة لم ينصت للركن، وصار إنصاته لما بعد الفاتحة وهو التطوع، فالأفضل أن ينصت لقراءة الفاتحة؛ لأن الاستماع إلى الركن أهم من الاستماع إلى السنة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى: أن الإمام إذا قال: (ولا الضالين) وأنت لم تتابع إلى ما تستمع له فلن تقول: (آمين) وحينئذٍ تخرج عن الجماعة، فالأفضل هو هذا. أما السكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتاً يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل، ولو كان الإمام يقرأ فهي سكتة يسيرة وليست طويلة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 حكم إخراج الرافضة من المساجد السؤال فضيلة الشيخ! في المنطقة الشرقية يكثر فيها الرافضة، وقد يدخل بعضهم أحد المساجد فيصلي فهل ننكر عليه ونخرجه من المسجد، وخصوصاً في مناطق الأعمال، حيث يزدحم المسجد في صلاة الظهر باشتراكه مع الرافضة في نفس العمل؟ الجواب لا أرى أن تخرجوهم من المسجد، بل أرى أن تمكنوهم من المسجد ليصلوا، ولكن يجب عليكم أن تناصحوهم، وألا تيأسوا من هداية الله لهم؛ لأن الله عز وجل على كل شيءٍ قدير، وقد بلغني أنه -ولله الحمد- بدأ منهم أناس يتحررون من رقِّ مذهبهم ويلتحقون بمذهب أهل السنة والجماعة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 حكم العمل في المحلات التي فيها أشياء محرمة السؤال فضيلة الشيخ! يوجد عند أبي محل لبيع الأدوات الكهربائية مثل: التلفزيون والفيديو وبعض آلات العزف وكذلك الساعات الذهب، ويطلب مني الجلوس فيه والبيع، ولكني أرفض ذلك هل يعتبر هذا من العقوق؟ وما هو الواجب عليَّ؟ الجواب هذا ليس من العقوق، إذا امتنعت عن فعل المحرم الذي يفعله والدك، لكن الواجب عليك أن تنصحه وتقول له: هذا حرام وكسبه حرام، فإن اهتدى فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فالإثم عليه وأنت لك أجر بنصحه؛ لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] ، وإذا قال: اجلس في الدكان للبيع، فلا تبع الأشياء التي تستعمل في محرم، بع الأشياء التي غالباً ما يفعل الناس بها الشيء المباح، كالراديو والمسجلات، وأما الفيديو والتلفزيون فلا تبعه؛ لأن أكثر الذين يشترون هذه الأشياء يستعملونها في محرم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 وجوب الإنكار على النساء اللآتي ينشدن بالمكبرات في الأعراس السؤال فضيلة الشيخ! يكون في بعض قصور الأفراح أن صالة النساء تكون بجانب صالة الرجال، فهل يجب الإنكار في حال سماع أصوات امرأة تنشد من مكبر صوت، أو بدونه؟ الجواب أما الإنشاد في مكبر صوت فهذا يجب منعه، يجب على ولاة الأمور أن يمنعوه، وعلى أهل القصور أن يمنعوه، وعلى أهل الزوج والزوجة أن يمنعوه؛ لما في ذلك من الضرر، والفتنة، والأذية للجيران. وأما الصوت الآتي بدون مكبر فينظر، إذا خيفت الفتنة فإنه يجب إبعاد النساء عن الرجال، والغالب أن الفتنة لا تؤمن لا سيما في هذه الليلة التي هي ليلة زواج، فإن النفوس مهيأة للفتنة، فنرى أن يفصل النساء عن الرجال في محل بعيد حتى لا يسمعوا أصواتهن. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [7] في هذه المادة تفسير بعض آيات من سورة النبأ، مع بيان بعض معانيها وفوائدها، ثم الجواب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذه الجلسة الثانية في الشهر، شهر صفر عام (1413هـ) ، الموافق يوم الخميس، وقد أخبرت الإخوة أننا سنتوقف عن الجلسة لمدة أسبوعين؛ نظراً للسفر إلى الحجاز إن شاء الله تعالى. وقد رأينا أن نبدأ بتفسير جزء عم، وأخذنا أول سورة (النبأ) إلى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ:10-11] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً) قال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] وهي السماوات السبع، وصفها الله تعالى بالشداد؛ لأنها قوية، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] أي: بنيناها بقوة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وجعلنا سراجاً وهاجاً) قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] يعني بذلك: الشمس، فهي سراجٌ مضيء، وهي -أيضاً- ذات حرارة عظيمة وهاجة -أي: وقادة- وحرارتها كما تشاهدون في أيام الصيف حرارة شديدة مع بعدها الساحق عن الأرض، فما ظنك بما يقرب منها، ثم إنها تكون في أيام الحر في شدة حرها من فيح جهنم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) وقال عليه الصلاة والسلام: (اشتكت النار إلى الله فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون منها الزمهرير -يعني: من البرد، زمهرير جهنم، نعوذ بالله منها- وأشد ما تكون من الحر من فيح جهنم) ومع ذلك فإن فيها مصلحةً عظيمة للخلق، إذ أنها توفر على الخلق أموالاً عظيمة في وقت النهار، حيث يستغني الناس بها عن إيقاد الأنوار، وكذلك طاقة تستخرج منها، تكون فيها فوائد كثيرة، وكذلك إنضاج الثمار، وغير هذا من الفوائد العديدة من هذا السراج الذي جعله الله عز وجل لعباده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً) ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك؛ فقال: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] والماء فيه رطوبة وفيه برودة، وهذا الماء أيضاً تنبت به الأرض وتحيا به، فإذا أضيف ماء السماء إلى حرارة الشمس حصل في هذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ} [النبأ:14] أي: السحاب، ووصفها الله بأنها المعصرات؛ كأنما تعصر هذا المطر عند نزوله عصراً كما يُعصر اللبن من الضرع، وقوله: {مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] أي: كثير التدفق واسعاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً) قال تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:15-16] لنخرج بهذا الماء الذي ينزل من السماء إلى الأرض فتنبت الأرض، فيخرج الله به الحب من جميع أصنافه وأنواعه؛ من البر، والشعير، والذُرة وغيرها، والنبات من الثمار: كالتين، والعنب وما أشبه ذلك: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:16] أي: بساتين ملتفاً بعضها على بعض؛ لكثرتها وحسنها وبهائها. ولما ذكر الله ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر، وأنه ميقات يجمع الله فيه الأولين والآخرين، وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه في جلسة أخرى. نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل عملنا خالصاً لله موافقاً لمرضاته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 الجمع بين أحاديث تقديم اليدين على الركبتين والعكس السؤال فضيلة الشيخ! كيف يتم الجمع بين حديث وائل بن حجر رضي الله عنه وبين حديث أبي هريرة، حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ركبتيه في السجود قبل يديه، وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) مع أن الحافظ ابن حجر رجح في بلوغ المرام حديث أبي هريرة وهو موقوف، والحافظ ابن القيم تكلم عليه من عشرة وجوه، فما قولكم في ذلك؟ الجواب قولي في ذلك: أنه ليس بينهما تعارض، وأن معناهما متفق، فحديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع ركبتيه قبل يديه يوافق حديث أبي هريرة تماماً؛ لأن حديث أبي هريرة يقول: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) والبعير إذا برك يقدم يديه كما يعرفه من شاهده، فكان مطابقاً تماماً لحديث وائل بن حجر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى في حديث أبي هريرة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه؛ لأنه إذا فعل ذلك صار كالبعير، وقد توهم بعض الناس فقال: إن ركبتي البعير في يديه، وصدق فإن ركبتي البعير في يديه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، بل قال: فلا يبرك كما يبرك البعير، فالنهي في الحقيقة نهيٌ عن الهيئة والصفة، وكل من شاهد البعير عند بروكه يجد أنه يقدم يديه أولاً وبذلك يتطابق حديث أبي هريرة رضي الله عنه مع حديث وائل بن حجر، ويبقى النظر في قوله في آخر الحديث: (وليضع يديه على ركبتيه) فإن هذا لا شك وهم من الراوي وانقلاب عليه، إذ أنه لا يتطابق مع أول الحديث، وأول الحديث هو العمدة وهو الأساس وآخره فرع عليه، وإذا كان فرعاً وجب أن يكون الفرع مطابقاً للأصل، وحينئذٍ لا يطابق الأصل إذا كان لفظه: وليضع ركبتيه قبل يديه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 السنة في المساقاة السؤال فضيلة الشيخ! مر في حديث الزبير في قصة شراج الحرة: أنه تخاصم هو ورجل من الأنصار في المساقاة، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير أن يسقي حتى ترتوي الأرض ويرتفع الماء إلى الجدر، أما الموجود عندنا يا فضيلة الشيخ في دمشق في مياه نهر بردي أنها لا تقسم على هذا النظام، بل بالقراريط يكتتب الشخص الذي يريد أن يسقي أرضه مقدار قراريط معينة من الأرض، ثم يسقي ولا يشترط أن تروى الأرض أو لا تروى حتى يقسم إلى غيره، فهل هذه القسمة التي يتبعونها صحيحة؟ الجواب والله! يا أخي! أنا لست عالماً في سوريا حتى أبين أنها صحيحة فتبقى، أو فاسدة فتلغى، وهذا يرجع إلى العلماء هنالك، أنت عرفت السنة الآن، واسأل العلماء هل هذا يوافق السنة أو يخالفها؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 الحكمة في إنكار المنكر السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز تأخير الإنكار على شخص وقع مثلاً في الشرك أو الكفر، وكذلك شخص وقع في المحرم للمصلحة، أو لترتب فتنة أعظم إذا أنكر؟ الجواب قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وطريق الحكمة هو الذي يجب أن يسير عليه المرء، فإذا رأى أنه لا يجابه صاحبه بالإنكار، وأن يتريث قليلاً ثم يستعمل معه الإنكار، كان هذا حسناً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 حكم العمل بخلاف العقد المتفق عليه السؤال فضيلة الشيخ: قد سألني أحد العمال الموجودين بالمنطقة أنه قدم إلى المنطقة وقد اتفق مع كفيله بالمنطقة على عمل معين، فلما أتى لم يجد عند هذا الكفيل مؤسسة فأطلقه وقال له: اذهب واعمل ونهاية الشهر تأتي لي بثلاثمائة ريال، فهو يقول: هل هذا العمل صحيح؟ الجواب هذا عمل محرم، ولا يحل لأحد أن يستقدم العامل على عمل معين ثم يصرفه إلى عمل آخر، حتى وإن كان بالأجرة الشهرية التي اتفق معه، يعني: لو استقدمه على أن يكون نجاراً فإنه لا يحل له أن يستعمله على الحدادة مثلاً، أو على رعي الإبل، أو على حرث الزرع؛ لأن هذا خلاف العقد، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] فإذا كان الأمر أشد من هذا كأن يتركه ويفرض عليه ضريبة كل شهر يحضرها، فهذا أشد وأقبح؛ لأن هذا أولاً: مخالف للشرع، ومخالف لنظام الدولة، وأكل للمال بالباطل، فلا يحل له، ولهذا العامل أن يرفع الأمر إلى نظام العمل والعمال ويشكو كفيله. السائل: لو أتى إليك شخص وقال: أنا أريد أن أعمل وقد تكلفت، يعني: دفعت مبالغ كبيرة في بلدي أريد أن أعمل أو أرجع إلى بلدي وقد خسرت أموالاً كثيرة، فعندما أعمل عندك أجد مبلغاً معيناً يغطي التكاليف التي بسببها جئت، فالرجوع أصعب عليَّ من العمل بهذه الصورة؟ الشيخ: على كل حال، إذا رضي لكنه راضٍ عن إغماض وكراهية فكأنه لم يرض، وهذا الكفيل سيعاقب على ذلك يوم القيامة، حتى لو رضي العامل، وقال: أنا إذا رجعت إلى بلدي أخسر خسارة كبيرة، وأنا أرضى وإن كان على خلاف ما تمًَّ العقد عليه، فإنه إذا كان ذلك عن إغماض وكراهية لا تبرأ به ذمة الكفيل. السائل: والكفيل الآخر الذي سوف يعمل عنده هل عليه شيء؟ الشيخ: أنا ما فهمت من كلامك إلا كفيلاً واحداً. أنت أتيت به من الخارج ليعمل عندك ولو مزارعاً يسقي الزرع، فقلت له: لا أريدك، اذهب واعمل وأعطني كل شهر ثلاثمائة ريال، أليس هذا سؤالك؟ السائل: ولكن سوف يذهب إلى صاحب زرع آخر في نفس الوظيفة يعمل فيها، فصاحب الزرع الآخر هل يمكن أن يجعله عاملاً لديه وهل عليه بأس؟ الجواب: على كل حال صاحب الزرع الآخر هو معه حر، يعني: ليس عليه بأس، لكن ذلك الكفيل هو الذي عليه البأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 حكم المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا السؤال هناك سائل يسأل عن شركة تسمى الشركة الدوائية، هذه الشركة قائمة وتعمل ولها أسهم، ولكن تريد توسيع رأس المال؛ فطرحت أسهماً جديدة للاستهام فيها، يقول: بأنه أول بداية الشركة أعطت أرباحاً قبل أن تعمل، قبل أن تباشر العمل أعطت أرباحاً للناس، وهذا يشك أن تكون هذه الأرباح أرباحاً ربوية كانت تحصلها عن طريق وضع الأموال في البنوك، فهذا السائل يقول: ما حكم الاستهام الآن فيها؟ وما واجبنا نحو هذه الشركة؟ الجواب الإجابة أنه كما قلت: إن هذا من الربا ما دامت أعطت أرباحاً قبل أن تعمل، ولكن الواجب عليه أن يخرج هذا الذي أخذه ويتصدق به تخلصاً منه، والاكتتاب الجديد ليس فيه بأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 حكم إتمام الصلاة في السفر السؤال فضيلة الشيخ! مسافر أمَّ ناساً مقيمين وأتم، ماذا يكون في صلاته؟ الجواب إذا أتم صلاته وهو مسافر وصلى إماماً للمقيمين، فإن ذلك لا بأس به، لكنه خلاف السنة، فالسنة أن يصلي قصراً وأن يقول لهم: إني مسافر، سأصلي ركعتين، فإذا سلمت فأتموا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 الجمع بين الصلاتين في السفر السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من أراد أن يجمع في السفر بين صلاتين جمع تقديم، مع العلم بأنه يغلب على ظنه أن يدرك الأخرى في بلده؟ وما يترتب عليه إذا وصل أثناء أداء الصلاة بالمساجد؟ الجواب ما دام الإنسان مسافراً فله أن يجمع حتى لو كان سيقدم إلى بلده قبل دخول وقت الفريضة الثانية، لكنه في هذه الحالة الأفضل ألا يجمع؛ لأن الجمع إنما يكون للحاجة، وهذا الرجل الذي علم أنه سوف يقدم قبل أن يدخل وقت الثانية لا حاجة له في الجمع، لكن مع ذلك لو فعل فلا بأس. وإذا قدم والوقت لم يدخل فقد أبرأ ذمته وليس عليه صلاة؛ لأنه أداها جمعاً مع الأولى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 حكم تصحيح الأحاديث الضعيفة وحمل الآيات القرآنية على الوقائع الحديثة السؤال فضيلة الشيخ! ترد بعض الأحاديث الضعيفة في الطب النبوي، ثم يثبت في هذا الزمان حقيقة هذا الحديث، وأن ما ورد في هذا الحديث صحيح، وهذا الحديث لا يمكن أن يكون من كلام البشر، يعني: هذا الذي ورد في الحديث لا يمكن أن يقوله إنسان إلا عن خبرة ودراية، إما أن يكون وحياً من الله سبحانه وتعالى، أو يكون غير ذلك، السؤال: يا شيخ! هل يكون هذا الحديث الضعيف الذي ثبتت موافقته للاكتشافات العلمية في هذا الزمان، هل يكون حديثاً صحيحاً بذلك أم لا؟ الجواب الحديث الضعيف إذا كان لا يخالف حديثاً صحيحاً وشهد الواقع له بالصحة، يقال: هذا ضعيف سنداً صحيح متناً، لكن بشرط أن يشهد له؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا الحديث أو هذه الآية تدل على هذا المعنى وهي لا تدل عليه، مثل قول بعضهم في قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] هذه الآية تدل على أننا يمكن أن نصل إلى القمر؛ لأنه قال: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] والسلطان هو العلم، فإن تفسير الآية بهذا المعنى حرام؛ لأنه تحريف للقرآن، فإن هذه الآية يوم القيامة كما يدل عليها سياق السورة من أولها إلى آخرها، ثم هو قال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:33] فهل نفذوا من أقطار السماوات؟ ثم إنه قال: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:35] فهل أرسل عليهم شواظ من نار؟ فالمهم أن بعض الناس قد يحدث الشيء الجديد يكون فيه حديث ضعيف، فيصحح الحديث من أجل هذا الواقع، ثم إنه بالتأمل يكون هذا التصحيح غير صحيح؛ لأن الحديث لا يدل عليه، لكنه توهم أنه يدل عليه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 حكم الأذكار الجماعية بعد الصلوات السؤال فضيلة الشيخ! قمنا برحلة إلى دولة عربية مجاورة، فصلينا في أحد المساجد فكان المؤذن إذا انتهى من الأذان يذكر بعض الأقوال، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله! يا أيها النبي الأمي! ومثل هذه الأقوال بعد الانتهاء من الأذان وعند الإقامة، كذلك يدعو: (اللهم رب هذه الدعوة التامة. ) وعندما ينتهي يقول نفس الكلام، وعند السلام من الصلاة كان المصلون يتلون الورد مثلاً يقولون: (قل هو الله أحد) ثم يكملون ثم يقول: (ما شاء الله، ولا إله إلا الله) وهم يكملون ثم يقول: (قل هو الله أحد) وهم يكملون! وهكذا جماعية، فما رأيكم؟ الجواب رأيي أن هذا من البدع؛ لأن الأذان لا يلحق به شيء، والإقامة كذلك، وكذلك بعد السلام ينصرف الإمام إلى الناس وهو يسبح وهم يسبحون كلٌّ لنفسه، وهذه مع الأسف قد تكون في بعض الدول الإسلامية، ومن المعلوم أن إحياء البدع إماتةٌ للسنن. السائل: الحمد لله! لقد ذكرناهم بذلك، ولكن هل يصلى معهم أم لا؟ الشيخ: إن وجدت مسجداً ليس فيه هذه البدع فلا تصل معهم، وإن لم تجد إلا هذا فصلِّ، ثم إذا سلمت انصرف ولا تتابعهم في هذه البدعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 أفضل الأعمال التي تقدم للميت السؤال فضيلة الشيخ! ما أفضل الأعمال التي تقدم إلى الميت؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الصلاة عليهم) ؟ الجواب أفضل الأعمال التي تقدم إلى الميت: الدعاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فالدعاء للميت أفضل من كل شيء، أفضل من أن تصلي أو تتصدق أو تحج أو تعتمر عن الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا: (ولد صالح يدعو له) في سياق الأعمال، فلو كانت الأعمال مشروعة للميت لقال: أو ولد صالح يتصدق له، أو يصوم عنه، أو ما أشبه هذا، فلما عدل عن ذلك إلى الدعاء علم أن الدعاء أفضل من إهداء العمل، وأما قوله: (الصلاة عليهم) فيعني به: الدعاء؛ لأن الصلاة تأتي بمعنى الدعاء، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103] أي: ادع لهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 حكم قراءة القرآن عند القبور السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة سورة (يس) عند المقبرة، أو قراءة سورة (الإخلاص) كأن يقول أحد الناس مثلاً: اقرءوا سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة؟ الجواب القراءة عند القبور من البدع سواءً (يس) أو قرأ بـ (قل هو الله أحد) أو (الفاتحة) فلا ينبغي أن يقرأ الإنسان على المقبرة، وإنما يقتصر على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) ثم ينصرف، ولا يزيد على هذا قراءة ولا غيرها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 حكم معاينة الطبيب للمرأة السؤال فضيلة الشيخ: نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحياناً تشتكي المريضة وتكون الشكوى -مثلاً- الصداع أو وجع بطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاماً أن يتم الفحص وتؤخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن فحص قد لا تتضرر المريضة كثيراً، يعني: هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يتم تقييم الحالة تقييماً تاماً يقتضي أن يفحص، فقد تكون المريضة أنثى والطبيب ذكراً، فإذا كان يريد أن يتحاشى مثل هذا فهل له ذلك، أم المصلحة أن يفحص؟ الجواب الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا، وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء، حتى إذا احتاجت نساء مريضات إلى العلاج أو الفحص أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها، ولم تبال؛ فأنتم لا حرج عليكم أن تفحصوا النساء لكن بشرط: ألا يكون هناك خلوة -وأيضاً- يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن هناك حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء؛ فأخروه، وإذا كان لا يمكن؛ فهذه حاجة، ولا بأس بها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 الأسباب وعلاقتها بالشرك السؤال فضيلة الشيخ! متى يكون فعل الأسباب مشروعاً، ومتى يكون شركاً أصغر أو أكبر؟ الجواب يكون فعل الأسباب مشروعاً إذا ثبت أن هذا السبب سبب حقيقي شرعي أو قدري، فالسبب الشرعي كالقراءة على المريض، والسبب القدري كالأشياء التي تعلم بالتجارب، ويكون هذا غير شرعي إذا كان هذا السبب لم يدل عليه الدليل، لا الدليل الشرعي ولا الدليل الواقعي، فإنه يكون هنا شركاً إما أصغر وإما أكبر، فإن اعتقد الإنسان أن السبب هو الفاعل بنفسه دون الله فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه سبب وأن الفاعل هو الله فهو شرك أصغر، إذا لم يقم دليل شرعي أو حسي على أنه سبب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 حرمة المصحف ولو كان مجزأ ً السؤال فضيلة الشيخ: هناك المصحف المجزأ الذي يكون كل جزء على حدة، كل جزء مطبوع في ضمن صفحات مجزأة هل يعامل كالمصحف الكامل، أي: أنه لا يجوز لمسه إلا بطهور، ولا يجوز الدخول به إلى الخلاء؟ الجواب المصحف يقول العلماء فيه: لا يشترط أن يكون كاملاً، ولو صفحة واحدة، فإنه يثبت له حكم المصحف الكامل، فلا يجوز لمحدث أن يمسه ولا يدخل به الخلاء، أما الآية الواحدة في كتاب فهذه يجوز للإنسان أن يمس الكتاب وهو بلا وضوء، ويجوز أن يدخل به الحمام إذا دعت الحاجة إلى ذلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 زكاة الرواتب السؤال إذا كان الإنسان يستلم راتباً على وظيفته، وفي نهاية كل شهر يأخذ هذا الراتب، فكيف يؤدي زكاة المال لهذا الراتب، وبعض الرواتب من هذه الوظيفة لا يحول عليها الحول، وبعضها تكون سنة، وبعضها عشرة أشهر، وبعضها ثمانية، فهل إذا كان نهاية السنة يؤدي زكاة ما اجتمع لديه من الأموال فيعجل في الزكاة، أم ينتظر كل شهر حتى يتم ويمضي حول على كل مال؟ الجواب لا تجب زكاته حتى يتم عليه الحول فإن شاء راقب الأموال التي تأتيه شيئاً فشيئاً وأدى زكاة كل مال عند تمام حوله، وهذا فيه مشقة، وإن شاء أدى الزكاة عند تمام حول أول راتب ثم يستمر على ذلك، ويكون ما تم حوله قد أديت زكاته في وقتها، وما لم يتم حوله قد عجلت، وتعجيل الزكاة لا بأس به، وهذا هو الذي نستعمله في زكاة الرواتب، نجعل شهراً معيناً كشهر رمضان -مثلاً- نؤدي فيه زكاة كل ما عندنا، حتى ما لم يتم عليه إلا شهر واحد؛ لأن هذا أريح وأبرأ للذمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 حكم أخذ الكفيل لبعض الأموال من العاملين عنده السؤال استقدم رجل عمالاً لمهنة معينة ولمدة معينة ويأخذ عليهم نسبة معينة في الشهر، ما حكم ذلك؟ الجواب الذي أرى أنه لا يجوز إلا إذا كان لا يخالف نظام الدولة، وكان لهذا الكفيل أثرٌ في نفس العمل الذي أخذ عليه النسبة، يعني: بأن كان هو الذي يتكلم مع الناس، يقاول، وهو الذي يحضر المواد وما أشبه ذلك، فهذا جائز بشرط: أن تكون الدولة تسمح بذلك، وكثير من الناس يقول: لو أنني أبقيت العمال على حسب العقد الذي بيني وبينهم، فإنهم لا ينصحون ولا يؤدون العمل -وهذا حق- ولكن يمكن تدارك هذا الشيء بأن يقول لهم: أنتم على راتبكم الشهري، وإذا عملتم كذا وكذا فلكم على هذا أجرة خاصة، مثل أن يقول: إذا كان سباكاً لك على كل نقطة ريالان أو ثلاثة أو أربعة حسب ما يتفق معه، أو إذا كان كهربائياً يقول له: لك على كل لمبة كذا وعلى كل مفتاح كذا، فهذا يُنشِّط، ولا يحصل فيه تفريط، ويكون قد سار على ما تم العقد عليه بينه وبين هذا العامل، إذاًً: المسألة لها صورتان: الصورة الأولى: أن يجعل نسبة، فهذا جائز بشرط: أن يكون له أثر في نفس العمل، وبشرط آخر: أن تأذن الدولة بذلك. الصورة الثانية: أن يبقوا على راتبهم الذي اتفقوا عليه، ويعطيهم إضافات تشجيعية، إذا فعلوا كذا وكذا فلهم كذا وكذا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 احتجاج أهل المعاصي بالقدر السؤال ما رأيك في الذي يحتج بالقدر على فعل المعاصي ويقول: مكتوب علي شقي، أم سعيد؟ الجواب رأيي أن هذا صادق في أنه مكتوب عليه شقي أو سعيد، ولكن هل هو مجبر على هذا؟ وهل يعلم أن الله كتب عليه ذلك؟ كلنا لا ندري ما المكتوب لنا إلا بعد أن نعمل؛ فإذا كان لا يدري أنه قد كتب عليه أنه يعمل عملاً سيئاً إلا بعد أن يعمل فليقدر قبل العمل أنه قد كتب من السعداء فيعمل بعملهم. ثم إنَّ هذا الرجل الذي يحتج بالقدر على المعصية لا يحتج بالقدر على مصالح الدنيا، تجده يفعل كل سبب يحصل به على المقصود ولا يحتج بالقدر، وقد أبطل الله سبحانه وتعالى الاحتجاج بالقدر بقوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ولو كان القدر حجة لكان حجة قبل الرسل وبعد الرسل، وأبطل سبحانه قول المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام:148] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 وقت زيارة القبور السؤال هل لزيارة القبور وقت محدد بالنسبة للرجال؟ وهل هناك وقت نهي لزيارة القبور؟ الجواب زيارة القبور ليس لها وقت محدد، أي ساعة من الليل أو النهار تزورها فلا بأس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زارها ليلاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 حكم صلاة التشفع خلف إمام يصلي الوتر السؤال فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم فيمن يصلي الشفع خلف الإمام الذي يصلي الوتر في صلاة التراويح؟ الجواب لا حرج في ذلك، لا حرج أن يصلي شفعاً خلف من يصلي وتراً، وإذا سلم الإمام قام فأتى بركعة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 مخالفة الشركات لمكتب العمل والعمال في توظيف الشباب السؤال مكتب العمل والعمال يقدم للطلاب فرصة عمل في الشركات في فصل الصيف، فبعض الشركات تقول للطلبة: اذهبوا وآخر الشهر تعالوا واستلموا رواتبكم؛ لعدم وجود متخصصين أو مدربين، وربما يكلف عليهم بعض الأموال لتعليم هؤلاء الطلاب؛ لأن بعض الشركات قد تكون متخصصة في عمل معين، فما رأيكم في هذا الراتب الذي يؤخذ، مع العلم أن مدير الشركة هو الذي أمر بذلك؟ الجواب صحيح أنهم يفعلون هذا الشيء؛ لأن الحكومة تلزمهم بتوظيف الشباب فيقول للشاب: أنا أعطيك الراتب وليست بحاجة لك، وهذا فيه محذورات: المحذور الأول: أن الذي يأخذ الراتب أخذه بغير حق؛ لأن الشركة مجبرة على هذا العمل، ولا يحل مال أحد إلا بطيب نفس منه. المحذور الثاني: أنه لم يعمل فيكون آكلاً للمال الباطل. والثالث: أنه يخالف مقصود الحكومة؛ لأن الظاهر إلزام الحكومة ليس هو من أجل المال فقط، لكن من أجل حفظ الشباب من الضياع في الأسواق، وربما يحصل منهم فساد في هذه الحال، ثم تمرين الشاب على العمل في هذه الشركة حتى يكتسب الخبرة، ولو أن الشباب إذا قالت لهم الشركات هذا، رفعوا الأمر للحكومة حتى يحصل المقصود لكان هو الأولى، لكن مع الأسف أن كثيراً من الشباب لا يهمه، يقول: أنا آخذ الراتب وأنا مستريح، فالذي أرى أنه لا يجوز أن يأخذ الراتب هذا ويستريح، بل عليه أن يعمل، وعليه أيضاً إذا أبت عليه الشركة أن يرفع الأمر إلى الحكومة لتتولاه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 رؤيا الميت في المنام السؤال فضيلة الشيخ! بعد الظهر من يوم عرفة وأنا صائم في المنام نبهني واحد يقول: امرأة تريدك، فانتبهت للمنبه هذا فإذا هي والدتي المتوفية آتية فسلمت عليها وضممتها إلى صدري وقالت لي: جزاك الله خيراً، فأفقت من نومي وكان ابني حاجاً فبلغت أهلي بذلك وقالوا: إن شاء الله خيراً، وبعد رجوع ابني من الحج أخبرته بذلك، فقال: أنا في كل موقف أتذكر جدتي وأدعو لها أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب الظاهر أن هذا خير إن شاء الله، ويدل على أن والدتك علمت بما تهديه إليها من الدعاء فشكرت لك هذا الشيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 الوفاء بالنذر السؤال نذرت والدتي نذراً أنها تذبح ثلاث شياه وتحقق النذر ونيتها في ذلك الوقت أن تطبخها، فما الحل تطبخها، أو تقسمها؟ الجواب ما دامت نوت أن تطبخها وتوزعها مطبوخة فعلى ما نوت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 حكم تقديم شركات الأدوية بعض العينات من الأدوية والهدايا السؤال فضيلة الشيخ! تقوم بعض شركات الأدوية بتقديم عينات من الأدوية والأقلام والمذكرات والكتب التي تحمل دعاية لشركة الأدوية، فتقوم بتقديم هذه العينات وهذه الأدوية إلى الأطباء والصيادلة فهل يجوز قبولها أم لا؟ الجواب إنه لا بأس ما لم يكن ذلك من باب الرشوة، وإن كان من باب الرشوة فلا، وأما إن كان من باب الدعوة لها، وهي مؤسسة جائزة ليس فيها حرام فلا بأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 حكم تخصص الطبيب في النساء والولادة السؤال فضيلة الشيخ طبيب متخرج حديثاً يريد أن يتخصص في النساء والولادة، فما حكم ذلك؟ الجواب إني أرى ألا يفعل، فيجب أن يكون تخصصه فيما يتعلق بالرجال؛ لأن تخصص الرجل فيما يتعلق بالمرأة فتنة عظيمة يخشى عليه أن يفتتن في دينه، فيهدم دينه من أجل دنياه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 حكم المساهمة في الشركات التي تودع أموالها في البنوك السؤال ما حكم الاكتتاب في الشركة الدوائية، وهي على ما يبدو قامت على الربا وأخذ أرباح سابقة، فما حكم الاكتتاب الآن؟ الجواب نحن قلنا: الأولى تجنب جميع الشركات التي تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها ربا، لكن تحريم ذلك لا يحرم، لا بأس أن تشارك، وإذا أتاك الربح من الربا فتخلص منه بالصدقة به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 حكم كتم العيب عند الزواج السؤال فضيلة الشيخ: هناك زميل لنا في العمل لم يتزوج بعد، وكل فترة نذكره بفضل الزواج ونحثه على ذلك فيقول: إن شاء الله، وفي أحد الأيام ألححت عليه في ذلك، وقلت: لا أظن أن هناك سبباً في عدم إقبالك على الزواج، فقال: إن هناك سبباً، ثم قال: إنني عقيم ولا أنجب، هل عندما أريد أن أخطب أخبرهم بذلك، أم لا؟ الجواب يجب على من كان به عيب أن يبينه لمن خطب منهم، ولا سيما هذا العيب العظيم وهو العقم؛ لأن المرأة لها الحق في الولد، ولهذا قال العلماء: يحرم أن يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها. فيجب عليه أن يخبرهم بأنه عقيم ليدخل على بصيرة، ثم إنه إذا قدر أنه لم يخبرهم ثم تبين لهم بعد ذلك هذا العيب فلهم المطالبة بفسخ العقد، ويفسخ العقد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 الإحرام من الميقات السؤال فضيلة الشيخ! إذا أردت العمرة فذهبت إلى جدة بالطائرة، ثم جلست يوماً في جدة وبعدها أحرمت من جدة، فهل عليَّ دم؟ الجواب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما ذكر المواقيت، قال: (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن يريد الحج والعمرة) فإذا أردت الحج أو العمرة ومررت بأول ميقات فأحرم منه، فإن تجاوزته وأحرمت من دونه فإن أهل العلم يقولون: هذا ترك واجب، وفي ترك الواجب دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء هناك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 حكم التشبيه والتمثيل عند قراءة الآيات السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان إذا قرأ قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67] هل يجوز له أن يقبض بيده؟ الجواب إذا قبض بيده أمام الناس فهذا تمثيل وتشبيه، ولا يجوز للإنسان أن يفعل شيئاً أو يوهم التشبيه والتمثيل ولا سيما أمام العامة، ثم هل يعلم أن الله تعالى يقبض الأرض على هذه الصفة التي قبضها هو، قد يكون يقبضها على صفة أخرى؛ لأن القبض يختلف حتى فيما بين الناس، فلهذا لا يحل له أن يفعل ذلك، قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وضع إصبعه على عينه وأذنه، فنقول: هذا جاءت به السنة وهو حق، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكد هذين الوصفين السمع والبصر بذكر موضعهما من بني آدم، أما أن يحكي كيفية القبض وهو لا يعلم فهذا حرام؛ لأنه قول على الله بغير علم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 حكم تقديم الأذان قبل دخول الوقت السؤال السؤال يتعلق بتصحيح وقت أذان الفجر، وكما جاء في الحديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت) وهذا الحديث فما نرى أنه مخالفٌ لما عليه الناس في الزمان، وكما تعلمون يأتي أحياناً من الأوقاف التأكيد على المؤذنين لالتزام التقويم، وسبق أن تكلم بعض الإخوان من طلبة العلم في هذا، فما رأيكم؟ الجواب رأينا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن الإنسان إذا تيقن أن الفجر لم يطلع حرم عليه أن يؤذن؛ لأن الوقت خطير، إذ لو أن الإنسان أذن قبل الوقت بدقيقة واحدة وكبر أحد من الناس على أذانه تكبيرة الإحرام قبل الوقت فإنه لا شك أنه يكون غرَّ الناس وأوجب أن يصلوا قبل الوقت. السائل: المؤذنون مضطرون، ولو أن أحداً تأخر عن المقرر في التقويم استدعي للأوقاف، ويؤخذ عليه تعهد ويؤذى؟ الشيخ: الواجب النظر في هذه المسألة؛ لأنها مشكلة جداً، والذي يظهر لي: أن أذان الفجر في كل أوقات السنة فيه تقديم خمس دقائق في كل أوقات السنة. السائل: بالنسبة للفجر تأكد لنا من بعض الإخوة أنه في حدود (15 - 20) دقيقة يسبق الوقت، وكذلك الظهر بعض الإخوان أفاد أنه في التقويم يتقدم عشر دقائق حتى تزول الشمس كما جاء في الحديث، ومثل ذلك العصر قدموا العصر بموجب تقديم الظهر، وخلاف هذا الأمر أهل المدينة لا يستخدمون تقويم أم القرى، يستعملون تقويماً ينشر شهرياً على المؤذنين في المساجد؟ الشيخ: هذا سمعته من الإخوان، أن أهل المدينة لا يعتمدون على تقويم أم القرى؛ لأن فيه خللاً، ولكن أرى أن يبحث الأمر بحثاً دقيقاً، ولو أنكم عرفتم الموضوع تماماً وأرسلتم ملخصاً منه لـ هيئة كبار العلماء لعلهم يبحثونه في الجلسة القادمة وأرسلتموه بسرعة وقلتم هذا أمر ليس بهين، أما المغرب فالظاهر أنه مقارب للصواب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 حكم الزكاة التي تؤخذ على الأنشطة المحرمة السؤال تقوم مصلحة الزكاة والدخل بجباية الزكاة عن بعض الأنشطة المحرمة كمحلات الفيديو والأغاني ومحلات الشيشة، فهل هذه الزكاة حلال أم حرام؟ الجواب هي حلال وليس فيها شيء. السائل: وما حكم العمل في أخذ هذه الزكاة؟ الشيخ: أنت الآن تأخذ صدقة، تأخذ خيراً، لكن قد يكون ترك العمل بها من جهة أنك إذا عملت بها وأخذت الزكاة منهم صار هذا إقراراً ضمنياً بما هم عليه، وأنت لم تأخذها بنفسك بل تأخذها لغيرك؛ فإن تركت هذا تورعاً منك فهو حسن، وإلا فلا حرج عليك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 جواز القصر أو الإتمام إذا لم يعرف حال الإمام السؤال فضيلة الشيخ! إنسان مسافر صلى في المطار وأدرك ركعة ولا يعلم عن الإمام ماذا يصنع؟ الجواب الإمام ليس عليه علامة السفر؟ يأت يحمل (شنطة) مثلاً؟ السائل: لا أدري. الشيخ: ليس عنده علامة، أنه من أهل المطار أو من موظفي المطار؟ السائل: لا. الشيخ: له أن يتم وأن يقصر، فأرجو ألا بأس به، إذا كان الذي في هذه الصالة أكثرهم من الركاب، لكن الاحتياط أن يتم إلا إذا وجد علامة كما قلت لك من (شنطة) أو شبها ذلك فليعمل بالعلامة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 حكم الاقتراض من البنوك الربوية السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان أن يقترض مبلغاً معيناً من بنك ربوي لبناء منزل أو لشرائه حيث أنه لا يملك منزلاً وكذلك أهله، فهل يجوز له أن يقترض هذا المبلغ؟ الجواب هم يعطونه هذا القرض بفائدة أو بدون فائدة؟ السائل: بفائدة. الشيخ: لا يجوز، ولكن لو كان هناك مثلاً عمائر سكنية قد بنيت واشتراها ممن بناها بزيادة عن الثمن فهذا لا بأس به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 حكم الانتفاع بإيجار البيت الذي بُنيَ من قرض ربوي السؤال هل يجوز أن يأخذ إيجار منزل بني عن طريق بنك ربوي، يعني: هل يجوز أن يستنفع بإيجار بيت بناه بواسطة قرض أخذه من بنك ربوي، الإيجار نفسه هل هو حلال؟ الجواب مثلاً: الإنسان بنى بيته عن طريق ربوي وأنت تريد أن تستأجر البيت، هذا لا بأس به ولا يوجد مانع. السائل: أقصد يا شيخ! هل يجوز لصاحب البيت أخذ الإيجار على هذا البيت والانتفاع به؟ الجواب: ليس فيه بأس، يتوب إلى الله عز وجل، ويخرج الربا الذي أخذه لأنه في الحقيقة مظلوم، هو مأخوذ عليه زيادة، وليس هو آكل للربا بل هو موكل، وموكل الربا ليس عليه إلا أن يتوب فقط؛ لأنه ما دخل عليه الربا حتى نقول: أخرجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 رفع الدعاوى إلى المراجع المخصصة لها السؤال ذكرت في كلامك -يا فضيلة الشيخ- العامل المظلوم فهل يرفع مظلمته إلى المحكمة، أم إلى مكتب العمل؟ الجواب الظاهر أنه لو رفعها للمحكمة لا تقبل؛ لأن له مرجعاً جعلته الحكومة، فيرفع إلى مكتب العمل، وإذا لم يحل على الوجه المشروع يطلب إحالتها إلى المحكمة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 قضاء الوتر السؤال فضيلة الشيخ! شخص نام عن الوتر، فكيف يقضيه؟ وفي أي وقت هل بين الأذان والإقامة، أم بعد طلوع الشمس؟ الجواب إذا نام عن الوتر فإنه يقضيه شفعاً، يعني: إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يصلي أربعاً، وإن كانت عادته أن يصلي خمساً يصلي ستاً، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه وجعٌ أو نوم صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) يصلي هذه الركعات بعد ارتفاع الشمس من اليوم التالي، يعني: بعد الارتفاع بمقدار رمح. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 حكم ادخار الزوجة لشيء من مال زوجها السؤال فضيلة الشيخ: زوجة توفر لزوجها جزءاً من راتبه دون أن يعلم، وحينما احتاج لبعض المال أخبرته بذلك وأعطته المبلغ كاملاً وهو يثق تماماً في صدقها، ما رأيك في فعلها هذا؟ الجواب إذا كان الزوج لا يحسن التصرف في ماله ورأت من المصلحة أن تدخر شيئاً مما زاد عن حاجته، فهذا حسن، وتعتبر ناصحة له، وأما إذا كان يحسن التصرف ويريد أن يتصرف بكامل راتبه فلا يحل لها أن تأخذ منه شيئاً؛ لأنه ملكه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 المشروع في الذكر بعد الصلاة عند الجمع بين الصلاتين السؤال إذا كان الشخص مسافراً وأحب أن يجمع بين صلاتين كصلاة المغرب والعشاء، فماذا يفعل في الذكر الذي بعد صلاة المغرب؟ هل يكفي الذكر الذي بعد العشاء عنه، أم أنه يقوله بعد صلاة العشاء ثم يأتي بالذكر الذي يقوله بعد صلاة العشاء؟ الجواب إذا جمع بين الصلاتين فهل يكفيهما ذكر واحد، أو لكل صلاة ذكر؟ الظاهر أنه يكفي ذكر واحد؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد، فيكتفى بأحدهما عن الآخر، وإن سبح بهذه الصلاة تسبيحه المعتاد ولهذه تسبيحه المعتاد؛ فهو أحسن. السائل: معروف أن الذكر بعد صلاة المغرب أطول من الذكر بعد صلاة العشاء؟ الشيخ: يأتي بالذكر الأكثر، يعني: يذكر الله عشر مرات، ويسبح، ويخلط بينهما، وكله ذكر ولا بأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 حكم إمامة من لا يحسن الفاتحة السؤال فضيلة الشيخ! هناك أحد الأئمة عند قراءته للفاتحة أحياناً يقول (اِهدنا) وأحياناً يقول (أَهدنا) فما حكم الصلاة خلف هذا؟ الجواب إذا قال (أهدنا) فالصلاة باطلة؛ لأن (أهدنا) معناها: أعطنا هدية، فيتغير المعنى، ويجب على هذا الإمام أن يقرأ بالقراءة الصحيحة، فإن لم يمكن فليدع المكان لغيره. السائل: عندما نوقش في هذا قال: أنا أقول (اِهدنا) ولكن لسانه بعض الأحيان يقول (أهدنا) ؟ الشيخ: نقول له: يجب أن تنتبه وتعدل لسانك!! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 لقاء الباب المفتوح [8] شرح الشيخ رحمه الله آية الوضوء مبيناً معانيها وبيان الراجح في الخلاف في بعض فقهياتها، مع ذكر أركان الوضوء وكيفيته وبعض سننه وآدابه، وختم الحديث بالجواب على الأسئلة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 تفسير آية الوضوء من سورة المائدة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم نفتتح جلساتنا بعد أن توقفنا مدة، وهذا هو الأسبوع الثالث من شهر ربيع الثاني عام (1413هـ) . هذه الجلسات المقررة في كل يوم خميس من الساعة العاشرة إلى ما قبل أذان الظهر بعشر دقائق، نسأل الله تعالى أن يجعلها جلسات نافعة لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) هذه الجلسة نتكلم فيها عن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. ) [المائدة:6] إلى آخر الآية، ففي هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ويمسحوا برءوسهم ويغسلوا أرجلهم إلى الكعبين. واعلم أن الله سبحانه وتعالى إذا صدَّر الآية بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:6] ، فإنه: إما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:104] فارعها سمعك؛ فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] ، وهذه الآية التي نتكلم عنها الآن هي خيرٌ يأمرنا الله به. {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] أي: عزمتم على القيام إليها، فافعلوا ما ذكر، وإنما أمر الناس أن يتطهروا هذا التطهر؛ لأنهم يقفون بين يدي الله عز وجل في صلاتهم يناجون الله بكلامه وتسبيحه وتعظيمه ودعائه، فالصلاة روضة من رياض العبادات، فلهذا أمر الله بالطهارة عند فعلها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) قوله عز وجل: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] قد يقول قائل: أين غسل الكفين الذي يكون قبل غسل الوجه؟ والجواب أن نقول: إن غسل الكفين ليس شرطاً لصحة الوضوء، بل هو سنة من سنن الوضوء، إن قام بها الإنسان أثيب عليها، وإن لم يقم بها فلا حرج عليه في ذلك، وأول فروض الوضوء غسل الوجه، والوجه قال العلماء: إن حده عرضاً من الأذن إلى الأذن، وحده طولاً من منحنى الجبهة من الأعلى إلى أسفل اللحية، حتى ما نزل من اللحية يعتبر من الوجه؛ لأنه مأخوذٌ من المواجهة، والإنسان يواجه غيره بكل هذا الجزء من بدنه، ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق؛ وذلك لأن الأنف والفم عضوان في الوجه، وعليه فيبدأ أولاً بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق) قوله عز وجل: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] (المرافق) هي المفاصل بين العُضد والذراع، وسميت مرافق؛ لأن الإنسان يرتفق بها عند الاتكاء عليها في حال الجلوس والاضطجاع، فهي مرفق يرتفق بها الإنسان، والمرافق داخلة في الغسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسلها، ويجب أن نعلم أن اليد تغسل من أطراف الأصابع إلى المرفق؛ لأن الله قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] ، فلا بد أن يغسل من أطراف الأصابع إلى المرافق، وكثير من الناس ربما يغسل الذراع فقط دون أن يغسل الكف؛ إما جهلاً منه، أو ظناً أن غسل الكف قبل غسل الوجه كافٍ في ذلك، ولكن يجب أن ننتبه؛ لأنه لا بد من أن نغسل جميع اليد التي أمر الله بغسلها من أطراف الأصابع إلى المرفق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم) ثم قال تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] ففصل الرأس عما قبله؛ لأن طهارته بالمسح وليست بالغسل، والحكمة من كونه مسحاً مشقة غسله لا سيما في أيام الشتاء، وفيما إذا كان له شعر كثير، فإنه يشق عليه وربما يضره، فلهذا خفف تطهير الرأس فكان بالمسح. وفيه تخفيفٌ ثانٍ وهو: أنه لا يكرر مسحه بخلاف بقية الأعضاء، فإن الأفضل أن تكرر ثلاث مرات، أما الرأس فلا يكرر. وفيه تخفيفٌ ثالث وهو: أنه يجوز أن يمسح على العمامة إذا كان على رأسه عمامة، فما دامت على رأسه فله أن يمسح سواء لبسها على طهارة أو لم يلبسها على طهارة، وسواء مسحها في خلال يوم وليلة أو أكثر من ذلك؛ لأنه لا تحديد لها، ولا يشترط أن تلبس على طهارة؛ لأن ظاهر السنة عدم اشتراط ذلك. ففي تطهير الرأس ثلاث تخفيفات: الأول: أنه مسح لا غسل. الثاني: أنه يمسح مرةً واحدة ولا يكرر. الثالث أنه يصح أن يمسح على العمامة ما دامت على رأسه، كما جاءت به السنة. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقَّت للعمامة كما وقَّت للخفين، الخفان على الرجل لهما يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر. ولم يثبت أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علل مسحها بأن يلبسها على طهارة، فـ المغيرة بن شعبة روى أنه مسح على العمامة وعلى الخف، والخف قال فيه: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) . والعمامة لم يذكر فيها ذلك، فدل هذا على أنه لا يشترط في لبس العمامة أن يلبسها على طهارة، ولا يشترط لها مدة معينة، وقياسها على الجورب قياسٌ مع الفارق؛ لأن الجورب ملبوس على عضوٍ يغسل، وأما العمامة فهي ملبوس على عضوٍ يمسح، وطهارته مخففة في الأصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين) ثم قال تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] (أرجلكم) فيها قراءتان سبعيتان؛ (أرجلَكم) بالنصب، و (أرجلِكم) بالجر، فأما على قراءة النصب (أرجلَكم) فإنها معطوفة على الوجه، أي: اغسلوا وجوهكم وأرجلكم، أي: واغسلوا أرجلكم، وأما على قراءة الجر و (أرجلِكم) فهي معطوفة على (رءوسكم) أي: امسحوا بأرجلكم. فإذا قيل: كيف يمكن أن نوجه هاتين القراءتين: أن الرِّجل تمسح أو أنها تغسل؟ ف الجواب أن يقال: إن السنة بينت متى تمسح ومتى تغسل، فإذا لُبست الجوارب أو الخفين فإن فرضها المسح، وإذا كانت مكشوفة فإن فرضها الغسل، فتكون القراءتان منزَّلتين على حالين للرِّجل في حال الكشف يجب الغسل، وفي حال اللبس يكفي المسح، وبهذا نكون عملنا بالآية الكريمة على الوجهين في القراءة. فإن قلت: هل يجوز أن نقرأ بالقراءتين فنقول: (وأرجلَكم) ، (وأرجلِكم) ؟ الجواب: أما في حال واحدة فلا، وأما أن تقرأ هذه أحياناً وهذه أحياناً فنعم، والأفضل لمن كان يعرف قراءتين في الآية أن يقرأ بهذه القراءة أحياناً وبالقراءة الأخرى أحياناً وذلك لوجهين: الوجه الأول: أن ذلك اتباع للسنة؛ لأن القراءتين كلتاهما قد وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الوجه الثاني: لئلا ينسى وجهاً ثبتت به الآية الكريمة؛ لأنه إذا لم يتابع ويقرأ بالقراءة هذه أحياناً وهذه أحياناً نسي القراءة التي كان لا يقرأ بها، فيكون قد نسي وجهاً من أوجه القراءات التي جاءت بها الآية الكريمة، ولكن يشترط أن تكون القراءة فيما بينه وبين نفسه، أو فيما بينه وبين زملائه من طلبة العلم، أما عند العامة فلا يقرأ بالقراءة غير الموجودة في المصحف الذي بين أيديهم؛ لأنه إذا قرأ بقراءة أخرى غير الموجودة في أيديهم حصل في هذا ارتباك عند العامة ويقولون: كيف يغير القرآن؟ كما لو قرأ شخص قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] وقرأ (فَتَثَبتُوا) في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] لو قرأ (فَتَثَبتُوا) أمام العامة لأنكروا عليه، ورموه بما يرمونه به من مخالفة القرآن الذي بين أيديهم، ثم حصل عندهم اضطراب وشك، فلهذا لا نرى من الأفضل، بل لا نرى من الأحسن أن يقرأ الإنسان أمام العامة بقراءة غير المشهورة بينهم لما فيه من هذين المحذورين، أما فيما بينه وبين نفسه فالأفضل أن يحفظ القراءات، ويقرأ بهذه مرة وبهذه مرة للسببين اللذين ذكرناهما. وقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] الكعبان: هما العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهم داخلان في الغسل، كما ثبت ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه صفة الوضوء التي أمر الله بها عند إرادة فعل الصلاة. لكن له فروض وسنن نذكرها الآن على الوجه الأكمل: المسنون إذا حضر الماء أو حضر وهو في الحمام وأراد أن يتوضأ من صنبور الماء؛ فإنه ينوي، والنية معروفة فلا بد أن ينوي الإنسان إذا كان عاقلاً، ويسمي، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض، ويستنشق ثلاث مرات؛ المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء تمضمض واستنشق من كفٍ واحدة ثلاث مرات، وإن شاء فصل؛ فيتمضمض ثلاثاً ثم يستنشق ثلاثاً، والأمر في هذا واسع، ثم يغسل وجهه ثلاث مرات، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم يمسح برأسه مرةً واحدة: يقبل بيديه ويدبر؛ يبدأ بالناصية، ويسحب يديه إلى العنق، ثم يرجع إلى الناصية ويمسح بأذنيه؛ لأن الأذنين من الرأس، فهما في الرأس كالأنف والفم في الوجه، فيمسح الأذنين بإدخال السبابتين في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه، ثم يغسل رجليه من أطراف الأصابع إلى الكعبين ثلاث مرات، والسنة أن يخلل الأصابع: أصابع اليدين وأصابع الرجلين ليتيقن دخول الماء إلى ما بين الأصابع، لا سيما أصابع الرجل؛ لأنها متلاصقة، وبعد هذا الوضوء السابغ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فإن الإنسان إذا فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، وبهذا يكون قد طهر ظاهره وباطنه؛ أما ظاهره فبالضوء، وأما باطنه فبكلمة الإخلاص شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وسؤاله الله تعالى أن يجعله من التوابين؛ لأن التوبة تطهير للنفوس من الذنوب، وأن يجعله من المتطهرين. أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعاً من دنس الشرك والشك والحقد والبغضاء للمسلمين، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين وصالحين مصلحين إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 فقه المسح على العمامة السؤال ذكرتم المسح على العمامة -بارك الله فيكم- فلا ينكر على من مسح على العمامة في هذه الحالة، وهل لها وقت معين؟ الجواب الصحيح أن مسح العمامة ليس له وقت معين؛ وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تُقيد الأمة به. السائل: بالنسبة للعمامة، هل العمامة التي نلبسها -الغترة والشماغ- أم العمامة الملفوفة؟ الشيخ: لا. العمامة هي الملفوفة على الرأس. السائل: هل معنى ذلك أنها التي يصعب فكها؟ الشيخ: نعم، أما الغترة والعقال فيجب أن يخلعها ويمسح على رأسه. السائل: تقريباً للفهم هل هي مثل عمامة الإخوان الأفغان والسودانيين؟ الشيخ: مثل الأفغان والسودانيين وغيرهم، وكذلك بالنسبة لما يلبسه البعض أيام الشتاء كالقبعة التي تكون شاملة للرأس كله، وفيها طوق من أسفل من عند الرقبة؛ فهذه لها حكم العمامة. السائل: المسح على العمامة مثل المسح على الرأس يُعمم، أو جزء بسيط؟ الشيخ: يكفي أن يمسح أكثرها. السائل: وما حكم الأذن؟ الشيخ: إن كانت مكشوفة تمسح، وإن كانت العمامة غطتها فلا تمسح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 مساهمة الطلاب في المقصف في المدرسة السؤال مدرسة تذكر أنها تأخذ من التلميذات فلوساً وتوضع في صندوق المدرسة بنية أنها مساهمة في المقصف، ولكن الفلوس ما تحركت من الصندوق طوال العام، وآخر العام يخرجون الفلوس، فإذا كان -مثلاً- التلميذ دفع عشرة ريالات يعطونه (25) على حسب المساهمات في المدرسة، لكن هذه الفلوس لا تخرج من الصندوق فهل في ذلك بأس؟ الجواب هذا ليس فيه بأس؛ لأن هذه الدراهم التي توضع في الصندوق تعتبر كالوديعة، والمدرسات يقرضن الطالبات ما ينفقنه على هذا المقصف، فإذا كان في آخر العام حسبوا المنصرف وحسبوا الربح ثم أعادوها للطالبات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 حكم التقيد باللوائح في شأن السرعة في الخطوط السريعة وغيرها السؤال بالنسبة للسرعة ذكرت على المنبر أنها تقيد باللوحات الموضوعة على الخطوط الطويلة -مثلاً- السرعة (120) ولكن السيارات تختلف، مثلاً: إذا مشيت بالسيارة الفخمة على سرعة (120 كم) كأنها واقفة لا تعتبر سرعة، فهل هناك شيء لو تجاوز الواحد (140كم، أو 150كم) ؟ الجواب السرعة المقيدة من قِبَل الجهات المختصة؛ الأصل أنه يجب على الإنسان أن يتقيد بها؛ لأنها من أوامر ولي الأمر، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فالواجب علينا نحن الرعية أن نمتثل ما أمر به ولاة أمورنا، حتى لو كانت السيارة مريحة ولا يشعر الإنسان بسرعتها، العبرة بالسرعة؛ لأنه حتى المريحة هذه لو انفجر الإطار لكانت عرضةً للهلاك، وأيضاً إذا قدرنا أن الإطار مأمون انفجاره فهل هو مأمون فيما لو عبر بين يديه بعير أو ماشية؟ السائل: أقصد الطرق السريعة وأنت تعرف أنها محاطة بسياج حديدي؟ الشيخ: على كل حال الأصل أنه يجب على الإنسان أن يسير على نظام الدولة؛ هذا هو الأصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 الأسباب المعينة للشباب على الاستمرار في النشاط السؤال يلاحظ في صفوف الشباب الملتزم الضعف والملل، فنريد أن تبين الأسباب التي تجعل الشباب يكون في قوة بعد الالتزام؟ الجواب الالتزام الذي طرأ على الشباب، لا شك أنه يَسُرُّ -ولله الحمد- وليس فيه ضعف، بل هو -والحمد لله- في تقدم، لكن الشيطان قد يأتي للإنسان الملتزم فيثبطه عن فعل الخير أو يدفعه لفعل الشر، ويغريه بأن الله يغفر له وما أشبه ذلك، والواجب على الإنسان أن يخلص القصد والنية لله عز وجل. ومن طلب العلى سهر الليالي وهناك أسباب تجعل الشاب نشيطاً: السبب الأول: أن يقصد وجه الله والدار الآخرة، فإنه كلما رأى الفتور على نفسه جدد العزيمة حتى يستمر على نشاطه. السبب الثاني: أن يحرص على مصاحبة الإخوان الذين ينشطونه على طاعة الله؛ فإن الجليس الصالح كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) . السبب الثالث: ألا يكون عند الالتزام مندفعاً أكثر مما ينبغي؛ لأنه إذا اندفع أكثر مما ينبغي وحمل نفسه ما لا يجب تعب ومل، ولكن إذا التزم بانتظام ومشى على ما تقتضيه الشريعة، فإن الغالب أنه لا يمل مع فعل بقية الأسباب. السبب الرابع: ألا يتضجر تضجراً يصده عن طاعة الله مما يشاهده في مجتمعه، فإن الله عز وجل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. } [الكهف:6] أي: مهلك نفسك على آثارهم، وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] ، فالإنسان إذا أصلح نفسه فيما بينه وبين ربه فلا يهلكَنَّ بفعل غيره؛ يدعو إلى الله، ويسأل الله لهم الهداية، ويعلم أنه ما من حسابهم عليه شيء ومن حسابه عليهم من شيء. السبب الخامس: سؤال الله الثبات؛ فيسأل الله دائماً أن يثبته وأن يعينه. فهذه خمسة أسباب تحضرني الآن، وربما يكون هناك أسباب أخرى لتقويته وتثبيته على ما هو عليه من الالتزام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 التحذير من الإسراف والتبذير السؤال جاء في الحديث الصحيح: (فراش للرجل وفراش لامرأته، والثالث للضيف والرابع للشيطان، ما معنى الحديث؟ الجواب المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من الإسراف واتخاذ أكثر من اللازم، ولا سيما في زمن كزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان الناس يحتاجون فيه إلى الأموال التي يبذلونها في أمور أنفع وأهم، وإنما نسبته إلى الشيطان؛ فلأنه من الإسراف، وقد قال الله تعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 معنى الاستعاذة بكلمات الله السؤال ما معنى: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟ الجواب (أعوذ) معناها: أعتصم بكلمات الله التامات. وكلمات الله التامات هي: التي اشتملت على العدل والصدق، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] . والكلمات هنا تحتمل أنها الكلمات الكونية والقدرية والكلمات الشرعية، فإن الإنسان يستعيذ بكلمات الله الشرعية بالقرآن مثلاً، كالتعوذ بسورة الفلق، وسورة الناس، ويتعوذ بالآيات الكونية وهي: أن الله عز وجل يحميه بكلماته الكونية من الشيطان الرجيم. وقوله: (من شر ما خلق) يدخل فيه النفس؛ فإن النفس مما خلق الله، ولها شرور كما جاء في خطبة الحاجة: (أعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 حكم الاختلاط للضرورة السؤال بعض الناس من العامة إذا أنكر عليه الاختلاط أو مصافحة قريباته غير المحارم يقيم شبهة، يقول: لو أن زوجة جاري كانت مريضة، وجاري غائب وليس عندها محارم، هل أتركها ولا آخذها إلى الطبيب؟ الجواب لا شك أن الاختلاط بالنساء من غير المحارم ومصافحتهن لا يجوز، والخلوة أشد وأعظم، لكن عند الضرورة تختلف الأحكام، قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فإذا كانت امرأة جاري مضطرة إلى أن أكلمها وأدخل عليها لنقلها إلى الطبيب وما أشبه ذلك، فلا بأس به مع أمن الفتنة، وإذا كان عنده زوجته يستعين بها حتى تزول الخلوة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 حكم عمل الرافضة في التدريس وكيفية معاملتهم السؤال بالنسبة للرافضة الآن موجودون في الشمال عندنا بكثرة خاصة من خلال التدريس، وانتشر المدرسون الرافضة عندنا، في مدخل المدينة في الحفر أتى تسعة مدرسين من الرافضة، فهل تصدرون فتوى عليهم وتحذرون منهم؟ وهل تنصحون بالخطب عنهم على المنابر؟ الجواب أما الفتوى فيهم فلا تصدر مني بل تصدر من دار الإفتاء؛ لأنها هي الجهة المسئولة. وأما ما يتعلق بالتدريس، فيجب أن يقول الإنسان الحق سواءً كان له أو عليه، فإذا ظهر منهم الدعوة إلى خلاف مذهب السلف الصالح فإنه يجب أن يمنعوا من إظهار هذه البدعة، وأن يناظروا عليها، ومعلوم أنه إذا ناظرهم هم أو غيرهم من أهل البدع من عنده علم بالسنة وطريقة السلف؛ معلوم أنهم سوف يعجزون عن مقاومة الحق؛ لأن الله تعالى قال: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] . أما إذا كان تدريسهم في أشياء لا تمت إلى العقيدة بصلة، إنما هم في أمور حسابية أو أمور أدبية أو لغوية، ولم يتعرضوا لما يتعلق بالعقيدة فلا بأس في ذلك، ولكن لا بد من أن يتأمل الإنسان خطر أهل البدع مطلقاً حتى لا تنتشر البدع بين شبابنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 حكم طرد الرافضة من المساجد السؤال الرافضة عندنا ينزلون إلى الأسواق ويصلون في المساجد، هل يجوز لنا أن نطردهم من المساجد رغم أن الجنود أحياناً يمنعوهم؟ الجواب أنا لا أرى أن يطردوا من المساجد، بل يتركون يصلون لعلَّ الله أن يهديهم، لأنهم إذا دخلوا المساجد فيما أعرف يُصلون مع الناس. السائل: وإذا كانوا يصلون وحدهم خلف الجماعة؟ الشيخ: إذاً: يمنعونهم من الصلاة خلف الناس ويقال: صلوا مع الناس، وأما طردهم من المساجد فلا أرى ذلك، وإذا كانوا لا يريدون الصلاة مع الجماعة، يقال لهم: انتظروا إذا كنتم لا تريدون الصلاة مع الجماعة، انتظروا حتى يخرج الناس من المسجد وصلوا، مع محاولة دعوتهم إلى الحق، لا على السبيل الجماعي، السبيل الجماعي يمكن ألا يحصل فيه فائدة، لكن تنظرون إلى المهذَّب منهم الذي عنده وعي، وتدعونه إلى بيوتكم وتتكلمون معه بإنصاف وعدل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 حكم أخذ أئمة المساجد أجرة على الإمامة السؤال إمام مسجد أحياناً يكون عنده ارتباط فيترك المسجد ويوكل شخصاً آخر ثقة، فهل عليه شيء؟ وهل المال حلال أم لا؟ ثم أقول: إن المال الذي يحصل عليه مكافأة وليس مقابل للصلاة، وكذلك الأوقاف في عملها، وهذا شيء طبيعي أن الشخص لن يواظب عليه بالتمام مهما كان الحال؟ الجواب إذا كان الإمام يعلم أنه سيقوم بالواجب ويواظب على الصلوات، ولكن حدث له حادث من شغل أو غيره وذهب إليه وأناب من فيه الكفاية، فلا بأس، لأن هذا شيء عارض والمكافأة التي يأخذها حلالٌ له، وهي تسمى عند العلماء رزقاً من بيت المال، وليست أجرة على الصلاة، لو كانت أجرة على الصلاة لكانت الصلاة وإمامته بأجرة. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن شخص قال: لا أصلي لكم في رمضان إلا بكذا وكذا، أي: كلموه أن يقوم بهم في رمضان فقال: لا أقوم إلا بكذا وكذا، فقال رحمه الله: نعوذ بالله، مَنْ يصلي خلف هذا؟! لأنه جعل إمامته على عوض، وأعمال الآخرة لا يجوز أن يراد بها الدنيا؛ لقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] * {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] ، فأمور الآخرة يجب أن تكون للآخرة، لكن ما نأخذه نحن الأئمة والمؤذنون، وكذلك أيضاً ما يأخذه المدرسون والقضاة وغيرهم من الحكومة ليس من باب الأجرة ولكن من باب الرزق من بيت المال للقيام بهذه المصالح العامة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 حكم إقامة جماعة في المسجد بعد الجماعة الأولى السؤال نحن طلاب جامعة نتأخر عن صلاة الظهر فنصلي جماعة مستمرين على ذلك، نصلي صلاة الظهر بعد الجماعة الأولى استمراراً، فهل هذا جائز على الاستمرار، أم لا؟ الشيخ: في نفس المسجد لا أرى هذا؛ لأن هذا معناه: التزامكم بإقامة جماعة بعد أخرى، لكن صلوا معاً في السكن، ودعوا المسجد لأهله يصلون صلاةً واحدة. السائل: لو كان مثلاً مسجد على الطريق دائماً نصلي فيه جماعة بعد جماعة؟ الشيخ: المساجد التي على الطرق لا بأس أن تُصلى الجماعات فيها، كلما جاءت جماعة صلت؛ لأن هذه المساجد لم تعد لجماعة واحدة بل هي معدة لكل من طرق هذا الطريق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 حكم أخذ مال من العمال من قبل الكفلاء بدون مقابل السؤال رجل عنده عمال لا يعملون عنده، ويأخذ منهم آخر الشهر مثلاً مائتين أو ثلاثمائة ريال، ما رأيكم في هذا؟ الجواب قضية العمال يجب أن يتمشى الإنسان فيها على نظام الدولة، وحسب علمي أن الدولة لا تسمح بمثل هذا، وإنما أذنت بأجرة مقطوعة للعامل، ولكن الكفلاء يشتكون من هذه الأجرة المقطوعة يقولون: إن العامل لا يهتم ولا يقوم بما يلزمه من الشغل؛ لأنه يعرف أن راتبه مضمون بكل حال ولا يهتم. ولكن نقول: يمكن أن تجعل شيئاً معلوماً على كل عمل ينتجه، فإذا كان خياطاً تقول: لك على كل ثوب خمسة ريالات، عشرة ريالات أو حسب ما تتفقان عليه، وإذا كان بنَّاءً تقول له: لك على كل متر كذا وكذا، وإذا كان سباكاً أو كهربائياً كذلك، ففي هذه الحالة ينشط بالإضافة إلى أجرته المعلومة. السائل: إذا كانوا كفاراً وثنيين أو نصارى هل يجوز أن يكونوا تحت كفالة المسلم؟ الشيخ: معلوم أن الكفار إذا دخلوا للعمل فقط لا للسكنى فلا بأس، لكن المسلم خير منهم، قال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] وقال تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 حكم الصلاة في مسجد بُني بأرض مغتصبة السؤال يوجد في إحدى القرى مسجد أقيم على أرض مغتصبة حسب قرار هيئة النظر من المحكمة، فهل يجوز الصلاة فيه وإقامة المحاضرات والمواعظ في هذا المسجد؟ الشيخ: كيف كان ذلك؟ السائل: الأرض في إحدى القرى، أقام عليها مجموعة مسجد جامع، فاحتج صاحب الأرض؛ لأن الأرض ملكه، وصار نزاع على الأرض أنها ملك الشخص هذا أو ملك غيره، فخرجت هيئة النظر من المحكمة، وأقرت أن الأرض ملك المدعي، فهل تجوز الصلاة فيه؟ الشيخ: مثل هذه الحالة إذا ثبت أنها لفلان وقد بني عليها المسجد، فالذي أرى أن يصالح صاحب الأرض بأن تقدر قيمة أرضه ويعطاها، ولا يمكن هدم المسجد بعد أن بني وأنفق عليه النفقات الطائلة، فالواجب أن هذا الرجل لما ثبتت الأرض له أن يُصالح من قبل المحسنين. السائل: القضية لها ثمان سنوات تقريباً، وصاحب الأرض معروف أنه غير متنازل مهما حدث، فهل تجوز الصلاة فيه، أم لا؟ الشيخ: الذي ينبغي ألا يصلى فيه، ولكن ما دام أن الحكومة قررت بناء هذا المسجد وجعلته للمسلمين، فإذا صلى فيه فلا حرج عليه، والأولى ألا يصلى فيه. السائل: سواء صلاة الفرض، أو الجمعة؟ الشيخ: الجمعة أو غيرها إذا ثبت أنه لصاحب الأرض، ولكني أقول: لا يمكن أن تبقى هذه المشكلة، لماذا لا تحلونها؟ السائل: القضية من عام 1405هـ؟ الشيخ: في أي بلدة؟ السائل: سأذكرها بيني وبينك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 حكم تحية المسجد في صلاة العيدين السؤال ورد لكم في كتاب حول صلاة العيدين أسئلة عن صلاة العيدين، وفي الكتاب ذكرتم: أن مصلى العيد له تحية كتحية المسجد، وعندما صلينا أنكر علينا كثير من الناس، فما الحل؟ الجواب مصلى العيد يشرع فيه تحية المسجد كغيره من المساجد، إذا دخل الإنسان لا يجلس حتى يصلي ركعتين. السائل: حتى وإن كان خارج القرية؟ الجواب: وإن كان خارج القرية؛ لأنه مسجد سواء سُوِّر أو لم يُسَوَّر، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع النساء الحيض أن يدخلن المصلى. وهذا يدل على أن له حكم المسجد. السائل: ولا ينكر على من ترك التحية؟ الشيخ: لا ينكر؛ لأن بعض العلماء قال: لا تحية له. ولكن القول الراجح: أنه يصلى فيه؛ لأن له تحية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 حكم استغلال اسم الغير لفتح عمل تجاري أو غيره السؤال بالنسبة لبعض الأشخاص يستغل اسم غيره في إقامة أو فتح مؤسسة تجارية، -مثلاً- أحد الموظفين في الدولة، وقرار الدولة يمنع الموظف من أن يفتح محلاً تجارياً هل يجوز أن يفتح عملاً تجارياً باسم غيره أم لا؟ الشيخ: أسألك: هل هذا كذب أو صدق؟ السائل: هذا كذب. الشيخ: هل الكذب جائز؟ السائل: ليس بجائز، لكن الملاحظ الشيخ: هل هذا من النصح للدولة أم من الغش؟ السائل: من الغش؟ الشيخ: المال المكتسب من عمل مبني على الكذب والغش هل هو باطل، أم حق؟ السائل: هو باطل. الشيخ: إذاً ثلاثة محاذير في هذه المسألة: الكذب، وغش الدولة، وأكل المال بالباطل، وعلى هذا فإنه حرام، ولا يجوز للإنسان أن يستعير اسم غيره ليفعل ما منعته الدولة. ويقال لهذا الرجل: إما أن تبقى على وظيفتك وتترك العمل، وإما أن تأخذ العمل وتترك الوظيفة، والدولة لم تجبرك على أن تكون موظفاً عندها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 حكم من استقدم عمالاً بكفالته ثم عملوا مع غيره وله نسبة من أجورهم السؤال هناك بعض الكفلاء يجلب عمالاً من الخارج ويتفق معهم بالمتر، كأن يقول: المتر بكذا، فإذا انتهى العمل الموجود لديه يتركهم يشتغلون بأجرة، فيأخذ المتر على سبيل المثال بعشرة ريالات، ثم يدفع لهم ثمانية ريالات، وتكون هذه الريالين له مقابل ما يقوم به من التعاقد مع صاحب العمل الجديد واستحصال حقوقهم وما إلى ذلك؟ الجواب لا بأس أن الكفيل يوجه العامل على أن يعمل وله سهم من أجرته بشرط أن يكون له أثر في هذا العمل، بأن يكون هو العاقد وهو المسئول عن العقد وغير ذلك مما له أثر، ولكن لا بد أن نلاحظ هل هذا يتفق مع شرط الحكومة أم لا؟ فإذا كان لا يتفق بأن تكون الحكومة منعت من هذا الشيء فإنه لا يجوز. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 حكم طلب الزوج مالاً أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع السؤال في حالة المخالعة من الزوجة، إذا طلب الزوج أكثر من المهر المدفوع لها، فهل يجوز ذلك؟ مع العلم أنها لا تستطيع الدفع إلا المهر فقط؟ الجواب هذه المسألة أعني طلب الزوج أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع أجازها بعض العلماء، واستدل بعموم قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] . وقال بعض العلماء: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وأن معنى الآية: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] مما أعطاها، ولا تكلف شيئاً لم يعطها، وفي طلب الزوج أكثر مما أعطاها شيءٌ من الإضرار بها؛ لأن الرجل استحل فرجها واستحقت المهر باستحلال فرجها، فعلى أقل تقدير أن يأخذ ما أعطاها فقط، أما أن يربح عليها فلا، والمشهور من مذهب الحنابلة الوسط بين المنع والجواز حيث قالوا: إنه يكره أن يطلب منها أكثر مما أعطاها. والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 حكم طلب المرأة الطلاق بغير سبب شرعي السؤال هل هناك دليل شرعي فيه لعن للزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب شرعي؟ الجواب لا أحفظ حديثاً في اللعن لكن هناك وعيد شديد وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة) وهذا وعيد شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن رائحة الجنة حرام عليها فهذا وعيد شديد، فالواجب على المرأة أن تتقي الله في نفسها وفي بعلها، وألا تطلب منه الطلاق إلا لسبب شرعي، لكن أحياناً تكون المرأة لا تطيق الصبر مع الزوج كراهة له، كما في زوجة ثابت بن قيس بن شماس حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها: خذ الحديقة وطلقها تطليقة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 حكم جعل محل تعود فائدته في خدمة المسجد السؤال ملحق بجوار المسجد يباع فيه أشرطة إسلامية دخلها للمسجد وخدمات المسجد، هل يجوز هذا؟ الشيخ: ما معنى دخلها لخدمات المسجد؟ السائل: ملحق بجوار المسجد دخله يصرف خدمات المسجد من كهرباء وما شابه ذلك. الشيخ: يعني أجرة المحل تكون للمسجد؟ السائل: المسجد خاص ليس تبعاً الأوقاف، وهذا الملحق ملاصق للمسجد مؤجر ودخله لخدمات المسجد كالكهرباء. الشيخ: لا بأس، لا يوجد مانع ما دام أن التسجيلات مباحة فليس فيها شيء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 حال حديث الجساسة السؤال فضيلة الشيخ: ما قولكم في حديث الجساسة في صحيح مسلم؟ السؤال: قولنا فيه: أن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في سياق متنه من النكارة، وقد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً؛ لأن سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. السائل: هل قال به أحد من السلف قبل محمد رشيد رضا؟ الشيخ: لا أعلم، لكن لا يشترط، وأنا لم أتتبع أقوال العلماء فيه لكن في نفسي منه شيء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 حكم إطلاق مصطلح أهل السنة والجماعة السؤال هناك من ينكر استعمال مصطلح أهل السنة والجماعة، ويقول: نقول: السلفيين أو السلف؛ لأن في ذلك إدخالاً للأشاعرة والماتريدية في هذا المصطلح؟ الجواب من الخطأ أن ندخل أهل البدع مهما كانت بدعتهم في الاسم المطلق لـ أهل السنة والجماعة، فإن أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم من خالف السلف فيما هم عليه، وفيما خالفهم فيه، فمثلاً: إذا كان هذا الرجل ينكر من صفات الله وأسمائه ما ينكره فهو ليس من أهل السنة والجماعة فيما أنكره، وإن كان منهم في أمور أخرى؛ لأن أهل السنة والجماعة يرون أن الإنسان قد يجتمع فيه بدعة وسنة، كفر أصغر وإيمان، فهذا الرجل الذي خالف السلف في صفات الله نقول: هو ليس من أهل السنة والجماعة في صفات الله، وإن كان منهم في أعمال أخرى، كالمسائل الفقهية مثلاً، فنحن نمنع أصلاً أن يكون صاحب بدعة من أهل السنة في بدعته، وحينئذٍ نسلم من هذا الإشكال الذي أدى إلى تضارب آراء العلماء. فالذي نرى أن أهل البدع في بدعهم ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ لأن هذه البدعة ليس عليها أهل السنة والجماعة وكيف يكون من أهل السنة والجماعة وهو مخالف لهم؟!! السائل: وهل مصطلح أهل السنة والجماعة يستعمل للسلفيين أم لا؟ الجواب: أبداً، لا حاجة لذلك؛ لأن أهل السنة والجماعة حقيقةً هم من كانوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم من كانوا على مثل ما كان عليه هو وأصحابه. السائل: -كمثال- نجعل النووي وابن حجر من غير أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: فيما يذهبان إليه في الأسماء والصفات ليسا من أهل السنة والجماعة. السائل: بالإطلاق ليسا من أهل السنة والجماعة؟ الشيخ: لا نطلق، ولهذا أنا قلت لك: إن من خالف السلف في صفات الله لا يعطى الاسم المطلق بأنه من أهل السنة والجماعة، بل يقيد يقال: هو من أهل السنة والجماعة في طريقته الفقهية مثلاً، أما في طريقته البدعية فليس من أهل السنة والجماعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 معنى الباء في قوله: (وامسحوا برءوسكم) السؤال الاستدلال على تعميم الرأس بما يتعلق بحرف الباء، وأنه مسألة لغوية تتعلق بحرف الباء، وهل هي للتبعيض، أم لا؟ والاستدلال بقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6] {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:28] ، وأيضاً سمعت بيتاً من الشعر العربي لكني لا أستحضره الآن؟ الجواب لعله: شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج لا شك أن من حروف المعاني ما يختلف معناه بحسب متعلقه، فنجد (من) تارة تكون للتبعيض، وتارةً تكون للسببية، ونجد (في) تارة تكون للظرفية، وتارة تكون للسببية، وكذلك (الباء) قد تكون للتبعيض، وقد تكون للسببية إلى غير ذلك، وهذا أمر معلوم، ولكن ليس الشأن في أن (الباء) للتبعيض أو لغير التبعيض في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] وإنما الشأن في كلمة الرأس، فإن الرأس يشمل كل الرأس، و (الباء) هنا للإلصاق؛ لأنها عدت للمسح، ومسح بكذا أي: جعل هذا آلة للمسح، يلصق به الممسوح ويبقى الاستدلال ليس بالباء وأنها للعموم أو التبعيض أو ما أشبه ذلك، وإنما الاستدلال بكلمة رءوس. السائل: لكن إنكار أنها للتبعيض لا يصح لأنها في المغني؟ الشيخ: لكن أنكرها بعض العلماء قال: إنها لم ترد في لسان العرب للتبعيض، وأما قوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6] فالصواب: أنَّ (يشرب) متضمن معنى: يرتوي، أي: يرتوي بها عباد الله، أو أن (الباء) بمعنى (من) أي: يشرب منها عباد الله، وكذلك أيضاً: شربن بماء البحر ثم ترفعت إلى لجنٍ خضرٍ لهن نئيج أي: شربن من ماء البحر أو روين بماء البحر، وقد قال صاحب المغني في الآية: الظاهر أن الباء فيها للإلصاق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 حكم إدخال شعر الأذنين في الحلق والتقصير عند التحلل من الإحرام السؤال إذا قلنا: إن الأذنين من الرأس هل يدخل شعرهما في حلق النسك أو التقصير؟ الجواب هذه المسألة غريبة، أي: إذا قلنا: أن الأذنين من الرأس، فهل إذا حج الإنسان أو اعتمر وقصر شعر رأسه هل يقصر شعر الأذنين أم يحلقه؟ لكن لا أستطيع أن أجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حلق رأسه حلق شعر أذنيه، ولكن في الوضوء ظاهر أنه يمسح رأسه وأذنيه، فإن ترك الإنسان ذلك، أي: حَلْقُ شَعْرِ أذنيه فأرجو ألا يكون عليه حرج. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 ضابط الإسراف في العبادات والعادات وحكم بيع التقسيط السؤال بعض أهل العلم يقول: إن الإسراف هو شيء نسبي، ويقول: إنه كذلك في شراء الطيب، فليس فيه إسراف مهما اشترى الإنسان، وذكر أنه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ الجواب أما إسراف العبادات فليس أمراً نسبياً؛ لأنه محدد من قبل الشرع، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة ومرتين وثلاثاً، وقال: (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) . وأما الإسراف في العادات فهو أمر نسبي، قد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لطائفة معينة، ولا يكون إسرافاً لطائفة أخرى، وقد يكون إسرافاً لأهل بلد، ولا يكون إسرافاً للبلد الآخر، فهو أمر نسبي، ويعرف هذا بالقاعدة: أن الإسراف مجاوزة الحد، وأما الطيب فلا شك أن الإنسان إذا كان من أهل الثروة، واشترى طِيباً طَيباً غالياً فإنه لا يعد مسرفاً، لا سيما وأن الطِّيب الطَّيب كما هو معروف تبقى رائحته مدة طويلة وتكون أطيب، وأما إذا كان من الناس المتوسطين والفقراء فإن شراء مثل هذا الطيب في حقه يعتبر إسرافاً، وكذلك بالنسبة للمركوبات، فبعض الناس يكون من متوسطي الحال أو من الأدنى ثم يشتري سيارة (كابرس) أو سيارة أفخم منها؛ لأنه يرى جاره الغني عنده مثل هذه السيارة، أو عند زميله في المدرسة، وما أشبه ذلك، ولا سيما حين فتح هذا الباب الذي نسأل الله أن يوصده؛ باب التقسيط، وهو في الحقيقة حيلة على رب العالمين، وهو ضررٌ عظيم على اقتصاديات البلاد وعلى ذمم الناس، فإن الصعاليك الفقراء سهل عليهم الآن الاستدانة بهذه الطريقة، وأنه يذهب إلى التاجر ويقول: اشتر لي السيارة الفلانية من أفخم السيارات، ثم يشتريها التاجر ويبيعها عليه بزيادة ربوية، والتاجر لم يشترها لنفسه إنما اشتراها لهذا، ولولاه ما اشتراها أبداً، وقولهم: إنهم لا يجبرونه، أي: إذا اشترى تاجر السيارات لا يجبر المستدين على القبول، هذا لا ينطلي على أحد، ولكنه مجادلة في الحقيقة، أما الواقع فليس كذلك؛ لأنه ما من إنسان يأتي إلى شخص يقول: اشتر لي السيارة الفلانية أو اشتر الحديد الفلاني أعمر بيتي، أو الأسمنت الفلاني لأعمر بيتي، ثم يرجع ويتراجع ويكون هذا بعيد جداً، ولا تكاد تجد من ألف صورة إلا صورة واحدة إن وجدت، كل هذا حيلة -والعياذ بالله- على رب العالمين والله أعلم -ولا أدعي الغيب، ولا أقول: إني نبي- أن هؤلاء سيكون مآلهم الإفلاس، هؤلاء الذين تحايلوا على رب العالمين عز وجل، وأشغلوا ذمم عباد الله بهذه الطريقة، الله أعلم أن مآلهم سيكون للإفلاس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 حكم العقود التي تسمى بـ (الوعد بالشراء) السائل: من هذا الباب الآن العقود التي تسمى الوعد بالشراء؟ الشيخ: كل ما كان حيلة على الربا فهو داخل فيه بأي طريق كان، إذا كان شيخ الإسلام رحمه الله -ونعم الرجل هو علماً وفقهاً وديناً- يقول: إذا اشتريت السلعة التي عند صاحبها بثمن أكثر من الحاضر وأنت تريد دراهم فهو حرام وربا، فكيف بهذه التي لا يملكها الرجل الدائن، وليست عنده وليست في حوزته، ولا فكر أن يشتريها أبداً؟!! بل سمعت أن بعض الناس يتجرأ فيشتري الشيء ثم يأتي به إلى التاجر يقول: أنا اشتريت الشيء الفلاني بكذا وكذا، وأنا الآن ما عندي فلوس، فيقول التاجر: أنا أقضي عنك، وأحولها عليك بالتقسيط مع أن الأول قد اشتراه من غيره. السائل: فإذا اشترى سلعة وعليه دين فيبيعها ليقضي الدين؟ الشيخ: نفس الشيء إذا اشترى سيارة، وعليه دين على الوجه الذي ذكرناه أولاً فهذا نفس الشيء وإذا اشتراها وهي عند التاجر موجودة واشتراها بعينه من أجل أن يسدد دينه فهذه تدخل ضمن التورق التي حرمها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والإنسان إذا كان معسراً لا ينبغي أن يستدين ليوفي الدين ويجب على دائنه إنظاره. السائل: إنه يبيعها لأناس آخرين ولم يبعها للتاجر نفسه؟ الشيخ: أعرف ذلك اشتراها بثلاثين ألفاً مثلاً من شركة السيارات، وهي تساوي خمسة وعشرين ألفاً ليوفي دينه. أقول: هذا خطأ، حتى لو جاز شرعاً فهو سفه عقلاً؛ لأنه إذا التزم هذه الطريقة وجاءت السنة الثانية وما عنده. السائل: هو ملتزم بهذه الطريقة وهو مورط يا شيخ؟ الشيخ: هذا غلط، ويجب أن ينصح، إذا كنت فقيراً فأنت فقير. السائل: يا شيخ في بعض القبائل الزواج وصل إلى مائة وخمسين ألفاً فيعمل بالطريقة هذه؟ الشيخ: هذا غلط، هذا غلط وهذه المشكلة. السائل: وما حكمها شرعاً؟ الشيخ: إذا اشترى الإنسان السلعة لأجل الدراهم فهي حرام عند شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: هذه حيلة على الربا، وهي من العينة التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 تلبس الجني بالإنسي وحكم الرقية وأخذ الأجرة عليها السؤال بسبب ما انتشر الآن من تلبس الجني بالإنسي، وجلوس بعض الناس وتفرغهم لأجل الرقية وأخذ المكافأة على ذلك ماذا ترون فيه؟ ويستدلون بحديث الرهط الذين رقوا الرجل بالفاتحة؟ الجواب أما من جهة أخذ الأجرة على الرقية على المريض فلا بأس بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، وهذا القارئ مثل المداوي، بخلاف الذي يأخذ الأجرة على مجرد قراءته، مثل الرجل يقرأ ليتعبد لله بالقراءة، ويأخذ على هذا أجراً، فهذا حرام، ولكن رجل قرأ على غيره لينتفع به، أو علم غيره القرآن، فلا بأس أن يأخذ الأجرة، وأما دعوى أنهم يقرءون على الجن وأن الجن تخاطبهم وما أشبه ذلك فلا، فهذا يحتاج إلى إثبات، فإذا ثبت فليس ببعيد أن الجن يخاطبون الإنسان ويقولون أنهم مسلمون أو أنهم كافرون؛ لأن بعضهم -حسب ما سمعنا من الإخوان الذين يقرءون- يقول أنه مسلم لكنه لا يريد أن يخرج من هذا الإنسي؛ لأنه يحبه، وأحياناً يصرح أنه كافر يهودي أو نصراني أو بوذي أو ما أشبه ذلك، ولكن لا يريد أن يخرج. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية رحمه الله: أنه جيء إليه بمصروع قد صرعه جني، فقرأ عليه الشيخ فلم يخرج، فضربه ضرباً شديداً فخاطبه الجني وهو امرأة فقالت: إني أحبه، قال: لكنه لا يحبكِ، فقالت له: أريد أن أحج به، فقال: لكنه لا يريد أن يحج معكِ، فقرأ عليها وضرب الرجل على رقبته ضرباً شديداً حتى أن يد شيخ الإسلام ابن تيمية تعبت وكلَّت، ثم قالت: أخرج كرامة للشيخ، فقال الشيخ: لا تخرجي كرامة لي اخرجي طاعة لله ورسوله، فخرجت، فأفاق الرجل فتعجب، ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ، يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني: ما الذي أتى به؟ وما أحس بالضرب؛ لأن الضرب يقع على المصروع في الظاهر وفي الحقيقة يقع على من صرعه. السائل: ولكن هل أخذ الأجرة مشروط بأنه إذا شفاه الله عز وجل؟ الشيخ: نعم يجوز أن يشترط المريض أو المصاب على القارئ على أنه إن عوفي من ذلك فله كذا وكذا، وإلا فلا شيء له. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 حكم الاستعانة بالجن الصالحين السؤال بعضهم يستعين بالجن يقول: هذا رجل صالح عندي في المسجد ويجيد القرآن (100%) ، قلنا: استعن بالله قال: لا. الجن كذلك يستعين بالجن الصالحين، كيف ندري أن هؤلاء صالحون؟ أم لا؟ الجواب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) فالاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا بأس بها، ولا حرج فيها، وأما مسألة كذبهم أو صدقهم هذا ينظر فيه، هم على كل حال مجهولون ودعواهم أنهم صالحون ينظر هل هو يأمر صاحبه بالخير أو بالشر، أنا بلغني أن بعض الناس الذين فيهم الجن إذا جاء عنده في آخر الليل أيقظه ليتهجد ويساعده، فإذا تأخر عن صلاة الجماعة أنبهه فمن هذه حالته فهي دليل على صلاحه. السائل: بعض الذين يقرءون يقولون: أن أحد الجن تابعي فهو يعرف أحد الصحابة من الجن؟ الشيخ: الله أعلم، هم على كل حال أعمارهم طويلة، ذكر المؤرخون أن جنياً اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام في أحد جبال مكة، وسأله فقال: أنا كنت شاباً حين قتل قابيل هابيل. فالله أعلم، وهذا الحديث ذكره المؤرخون، ولا أدري عن صحته شيئاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 حكم الاستدانة للزواج والعقيقة السؤال هل يستدين الرجل لكي يتزوج امرأة ثانية، وهل يستدين لأجل العقيقة؟ الجواب أما الاستدانة في الزواج فليست بمشروعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي لم يجد شيئاً يتزوج به: (هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، قال: زوجتك بما معك من القرآن) ولم يرشده إلى الاستقراض، وربما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ، وهذا الرجل عنده زوجة يستغني بها حتى يغنيه الله من فضله. وأما الاستقراض من أجل العقيقة فينظر، إذا كان يرجو الوفاء كرجل موظف، لكنه صادف وقت العقيقة أنه ليس عنده دراهم، فاستقرض من شخص حتى يأتي الراتب، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان ليس له مصدر يرجو الوفاء منه، فهذا لا ينبغي له أن يستقرض. السائل: يوجد نص عن الإمام أحمد يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: نعم قال الإمام أحمد قال في العقيقة: (يقترض يخلف الله عليه؛ أحيا سنة) ، لكنه يحمل كلامه على ما ذكرت على التفصيل، يعني: شخصاً يستطيع أن يقضي. السائل: إذا كان معسراً في الطفل الأول، وبعد أربعة أطفال أنعم الله عليه؟ الشيخ: يبتدئ من الأخير الذي أنعم الله عليه حين ولادته، أما الأولون فقد سقطت عنه عقيقتهم؛ لأنه كان معسراً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 حكم قتل الحر بالعبد السؤال ما هو القول الراجح في مسألة قتل الحر بالعبد؟ إذا قتل الحر العبد هل يقتل به؟ الجواب القول الراجح أنه يقتل به؛ لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة: النفس بالنفس) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) وقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فهذه العمومات تدل على أن الحر يقتل بالعبد كما أن العبد يقتل بالحر، وليس هناك نصوص صحيحة تدل على أن الحر لا يقتل بالعبد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 حكم ضرب الدف للرجال السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الدف للرجال؟ الشيخ: في أي مناسبة؟ السائل: في العرس. الشيخ: العرس بعض العلماء أجاز فيه الدف للرجال كما يجوز للنساء، ولكننا لا نفتي به؛ لأنه يفتح باب شر، ويحصل فيه من الاجتماع وربما يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء، لذلك لا نفتي بكون الرجال يضربون بالدف في النكاح. السائل: وإذا كان ينفصل الرجال عن النساء؟ الشيخ: ينفصل الرجال عن النساء في هذه الليلة وفي الليلة الأخرى لا ينفصلون، فلذلك منعه هو الأحسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 حكم آلات اللهو والمعازف في الأعراس والأعياد السؤال ذكرت -يا شيخ- في كتيب حكم الدف وشروطه، ففهم منه بعض الناس أنه يجوز للرجال، حتى أن بعض الشباب حديث الالتزام فهم هذا؟!؟ الشيخ: قل من فهم منه ذلك يسألني فأخبره. السائل: في العرضة -يا شيخ- لا أظن أن الرجال يختلطون بالنساء؟ الشيخ: العرضة لا بأس بها؛ لأنها أيام عيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لـ عائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد. السائل: وإذا كان فيها طبل ومزمار؟ الشيخ: الطبل والمزمار لا يجوز، لا في العرس ولا في أيام العيد ولا غيرها. السائل: بعض المناطق عندنا في الجنوب لا يعرضون إلا بالطبل والمزمار. الشيخ: لا يجوز هذا؛ لأن الأصل في آلات اللهو والمعازف المنع، فيقتصر في الجائز على ما جاءت به السنة وهو الدف. السائل: هل يجوز الدف للرجال في العرضة؟ الشيخ: لا بأس به؛ لأن في أيام العيد رخص في اللهو. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 حرمة قبر المسلم السؤال هناك حديث عند الطبراني والحاكم وذكره السفاريني في شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد ولم يعلق عليه في قضية أن رجلاً جاء إلى ابن عباس وهو معتكف، فقال: ما لي أراك كئيباً؟ قال: عندي هم أو دين أو كذا، لا وحرمة هذا القبر! ما أستطيع … … ثم خرج من عند ابن عباس وقضى حاجته، كذلك مر عليَّ حديث ابن عباس لما دعا واستسقى فسقوا فأخذ الناس يتمسحون به، ولا أدري ما صحة ذلك؟ الجواب كلا الحديثين لا أعرف عن صحتهما وسندهما، لكن الوجه الأول: حرمة قبر المسلم، فكما أن بيت المسلم في الدنيا محترم فقبر المسلم محترم، ولهذا قال العلماء: لا يجوز أن يدفن ميتٌ على ميت، مثل قبر نأتي لنحفره مرة أخرى لنضع فيه ميتاً آخر فإن هذا لا يجوز. وأما التمسح الثاني فإن صح هذا الحديث فإنه لا عمل عليه؛ لأنه لا يتبرك بعرقه أو لباسه أو شعره إلا بالرسول عليه الصلاة والسلام. السائل: بالنسبة لقبر الميت الأول فلم يبقَ منه إلا العظام، هل يجوز أن نضع عليه ميتاً آخر؟ الشيخ: العلماء يقولون: لا يجوز حتى يكون رميماً، لكن عمل الناس الآن في الأماكن الضيقة -كما قلت- يفعلون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 حكم معاملة الشركات المحدودة التي لا تغرم إذا أفلست غير رأس مالها فحسب السؤال بالنسبة للشركات: النظام أن الشركة ذات المسئولية المحدودة أن مسئولية أصحاب الشركات أو الشركاء في حدود حصتهم ولا يسألون عما زاد عليهم من ديون، فما أدري ما حكمها؟ الشيخ: لا أعرف كيف هذا النظام. السائل: النظام أن شركاء اجتمعوا فوضع كل واحد منهم عشرين ألفاً وهم خمسة، وضعوا شركة رأس مالها (مائة ألف) ، ثم أصبح الدين على الشركة في حدود مائة وخمسين ألف ريال، وأنهم فقط مسئولون عن الديون في حدود مائة ألف، أما ما زاد فلا يسألون عنه، هذا النظام نظام تجارة. الشيخ: كيف هذا؟ السائل: هذا نظام بعض الشركات السعودية -مثلاً- شركة ذات مسئولية محدودة، يأتي خمسة أفراد ويدفع كل منهم عشرين ألف ريال لتأسيس رأس مال الشركة، ثم تشتغل الشركة وتخسر مائتي ألف ريال فلا يضمنوا إلا مائة ألف ريال، كل واحد بقدر حصته والباقي لا يدفعونه ويسمونه ديوناً معدومة. الشيخ: على كل حال لو كان الأمر كما صورت الآن على صورته هذه فهو شرط باطل، يطالب الشركاء بما خسروه من أموال الناس. السائل: المجمع الفقهي قرأت فتواهم فأجازوها، مع أنني سمعت بعض العلماء حتى الدكتور الذي يدرسنا قال: هذا خطأ. الشيخ: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الخراج بالضمان) من له مكسب فعليه غرم، فإذا كان هؤلاء الجماعة الذين أسسوا بمائة ألف ريال شركتهم لو ربحوا مليوناً فالربح لهم، إذاً! الخسارة عليهم، ولهذا يعتبر هذا شرطاً باطلاً. السائل: هذا شيء موضوع كنظام بغض النظر عن كونه موافقاً لشرع أو مخالفاً له، المفروض أن الشخص الذي يتعامل مع الشركة ذات المسئولية المحدودة يعلم أنه لا ينبغي أن يتعامل معها إلا في حدود رأس مالها، فهو حينما أعطاهم بضائع أو أقرضهم أو تعامل معهم فيما يزيد عن رأس المال قد خالف النظام، ولا نقول: خالف الشرع، وهو بهذا يعلم مسبقاً بأنه إذا أفلست هذه الشركة فإنه بموجب هذا النظام لن يأخذ ما يزيد على حدود مسئولية الشركة؟ الشيخ: الآن على كلامك، معناه: أن التاجر ممنوع من أن يعطي الشركة أكثر مما تملك. السائل: هو ليس ممنوعاً أن الحكومة تمنعه، ولكنه ممنوع من جهة أنه يعلم أن هذه ذات مسئولية محدودة لو خسرت لا تعوضه إلا في حدود رأس مالها. الشيخ: هذا غلط؛ لأنها ربما تشتري أكثر من رأس مالها ترجو بذلك الربح، يمكن أن يكون السوق نشيطاً وتعرف أنك تشتري اليوم بمائة ألف أو مائتي ألف، وغداً تربح أكثر. السائل: هذا النظام استورد من بريطانيا يا شيخ؛ لأن جميع الشركات في بريطانيا شركات محدودة المسئولية، وهي تلتزم التزاماً مطلقاً بالعمل والاتجار والحركة بدفاترها، وتقدمها إلى الدولة بحدود رأس مالها ومسئوليتها وتراقب مراقبة دقيقة، ولا يحيدون عن وضعهم، ولهذا دخول الشركاء يقول: أنا أدخل بهذا المال، وأنا مسئول فقط بحدود رأس مالي العشرين ألف، ولكن لا يؤخذ من أشيائي الخاصة التي ما دخلت في هذه الشركة، هذه هي القاعدة. الشيخ: طيب -بارك الله فيك- فرضنا أنهم ما اشتروا إلا بقدر رأس مالهم، ولكنهم خسروا رأس المال، اشترينا بمائة ألف ولا بعنا إلا بخمسين ألف هل نحن مسئولون أم لا؟ نحن اشترينا في حدود ما نملك مائة ألف فقط، ولكن كسد السوق ونزل ولم نبع إلا بخمسين. السائل: إذا أفلست الشركة ما عندها من أملاك تعطى للغرماء؟ الشيخ: طيب! أُعطيت للغرماء ولم تفِ. السائل: يسجل الباقي ديوناً معدومة. الشيخ: لا يُطالب بها؟ السائل: لا يطالب بها، تسقط لو اغتنى الشركاء بعد ذلك لا يطالبون. الشيخ: على كل حال القاعدة الشرعية عندنا أن (الخراج بالضمان والغرم بالغنم) هذه القاعدة الشرعية فما خالف ذلك فهو باطل ولو كان مائة شرط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 لقاء الباب المفتوح [9] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة النبأ ، وهذه الآيات تتحدث عن موضوعين: الأول: عن نعم الله عز وجل على عباده حيث أنه بنى لهم السماء وجعل الشمس سراجاً، وأنزل من المعصرات ماءً ثجاجاً. أما الموضوع الثاني: فهو عن أهوال يوم القيامة ابتداءً من قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً) إلى قوله تعالى: (وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً) . ثم أجاب فضيلته على أسئلة الحضور. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الثاني عام (1413هـ) نختتم لقاءات هذا الشهر؛ لأنه اللقاء الرابع، وإن كان في أول الشهر قد حصل التخلف لعذر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الاجتماعات مطردة، وأن يبارك فيها لنا ولإخواننا، وأن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه جوادٌ كريم. والآن نكمل ما ابتدأنا به من تفسيرٍ موجز لآخر أجزاء القرآن الكريم وهو جزء عم؛ وذلك لأن هذا الجزء يكثر سماعه من الأئمة في صلواتهم، لهذا اخترنا بعد اختياركم أن نتكلم عليه كلاماً موجزاً، فآخر آية تكلمنا عليها في الأسبوع الماضي هي قوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:12-14] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وبنينا فوقكم سبعاً شداداً) يقول الله عز وجل: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية متينة، وهي: السماوات السبع، وقد جاء ذكر السماوات مقيدة بالسبع في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون:86] ، أما الأرضون فجاءت مقيدة بهذا العدد في السنة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله بها يوم القيامة من سبع أرضين) وجاءت في القرآن الكريم مقيدةً بهذا العدد على وجه الإشارة في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق:12] فقوله: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] لا يتأتى فيه إلا المماثلة في العدد؛ لأن المماثلة في الكيفية متعذرة إذ أن هناك فرقاً بين السماوات والأرض، في الكيفية والصفة والسعة والقوة، فتعين أن يكون المراد (مثلهن) في العدد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وجعلنا سراجاً وهاجاً) ثم قال تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] وهي هذه الشمس فإنها سراج الأرض ووهج شديدة الحرارة، ودليل ذلك: أننا نحس بحرارتها، وبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة، ولا سيما في أيام الصيف، إذا كانت قريبة من الرءوس عمودية فوقنا، ولا يخفى على أهل العلم بطبائع النبات والبحار والصحاري ما يكون من الفائدة العظيمة في هذه الحرارة على الأعيان وعلى الصفات، ولهذا أكد الله عز وجل ذلك بقوله: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] أي: يتوهج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماء نجاجاً) قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] (المعصرات) هي السحب، وسميت معصرات؛ لأنها بمنزلة الذي يعصر الماء من الثوب، فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النور:43] وقوله: (ثجاجاً) أي: كثير الثج يعني: الانهمار؛ وذلك لغزارته وقوته حتى يروي الأرض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً) قال تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:15-16] الحب والنبات هو الزروع وهو النبات الذي ليس له ساق {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:16] هي الأشجار التي لها ساق، فيخرج بهذا الماء الثجاج الزروع والنخيل والأعناب وغيرها، سواء خرج منه مباشرة أو خرج منه بواسطة استخراج الماء من باطن الأرض؛ لأن الماء الذي في باطن الأرض هو من المطر كما قال تعالى: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22] وقال تعالى في آية أخرى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:21] وقوله: (أَلْفَافاً) أي: ملتفة بعضها على بعض، حتى إنها لتستر من فيها؛ لكثرتها، والتفاف بعضها إلى بعض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إن يوم الفصل كان ميقاتاً) ثم قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] وهو يوم القيامة، وسمي يوم الفصل؛ لأن الله يفصل فيه بين العباد فيما شجر بينهم، وفيما كانوا يختلفون فيه، فيفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وأهل الكفر وأهل الإيمان، وأهل العدوان وأهل الاعتدال، ويفصل فيه -أيضاً- بين أهل الجنة والنار، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] و (كَانَ مِيقَاتاً) يعني: موقوتاً لأجل معدود، كما قال تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:104] وما ظنك بشيءٍ له أجل معدود، وأنت ترى الأجل كيف يذهب سريعاً يوماً بعد يوم حتى ينتهي الإنسان إلى آخر مرحلة، فكذلك الدنيا كلها تسير يوماً بعد يوم حتى تنتهي إلى آخر مرحلة، ولهذا قال تعالى: {وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:104] وكل شيء معدود فإنه ينتهي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً) قال تعالى: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] والنافخ فيها إسرافيل موكلٌ فيها فينفخ فيها نفختين: الأولى: يفزع الناس ثم يصعقون فيموتون، والثانية: يبعثون من قبورهم وتعود إليهم أرواحهم، ولهذا قال هنا: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] وفي الآية -كما لا يخفى- إيجاز بالحذف أي: فتحيون فتأتون أفواجاً، فوجاً مع فوج أو فوجاً يتلو فوجاً، وهذه الأفواج -والله أعلم- بحسب الأمم، كل أمة تدعى إلى كتابها لتحاسب عليه فيأتي الناس أفواجاً بهذا الموقف العظيم الذي تسوى فيه الأرض فيذرها الله عز وجل {قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:106-107] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وفتحت السماء فكانت أبواباً) وفي ذلك اليوم يقول الله عز وجل: {وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:19] فتحت وانفرجت فتكون أبواباً يشاهدها الناس بعد أن كانت سقفاً محفوظاً تكون في ذلك اليوم أبواباً مفتوحة، وفي هذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل أن هذه السبع الشداد يجعلها الله يوم القيامة كأن لم تكن، تكون أبواباً: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج:8-10] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) قال تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] أي: أن الجبال العظيمة الصماء تدك فتكون كالرمال، ثم تكون كالسراب تسير: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] ، ثم قال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] وندع ذلك للأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 حكم الجمع بين الوظيفة والتجارة السؤال شخص موظف لا يُسمح له بممارسة التجارة، فرأى أن يستغل اسم أمه وهي موجودة في فتح محل خياط نسائي وله إخوة وأخوات من هذه الأم، فأمه أعطته وكالة من أجل استقدام العامل وفتح المحل وربح المحل سيكون له شخصياً من دون إخوانه، وأمه سمحت له بهذا الشيء، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب أرى أن هذا عملٌ محرم؛ لأنه تضمن الكذب، وتضمن المكر بالدولة والخداع لها، وتضمن أكل المال بالباطل؛ لأنه بغير حق، وتضمن محاباة أحد الأبناء دون البقية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم) فنصيحتي للأم أن تسحب هذه المنحة التي أعطتها ابنها، وأن تستغفر الله. ونقول لهذا الشخص الموظف: أنت بالخيار، الحكومة لم تلزمك بشيء، إما أن تدع الوظيفة وتفتح المحل، وإما أن تبقى في الوظيفة وتترك المحل. ثم إن الذي فهمته من السؤال: أن هذا الأخ سيجعل المحل باسم أمه وسيعطيه العامل ويأخذ عليه الربح، فإن كان الربح مشاعاً، بأن قال: لك ثلث ما يحصل من الربح أو الربع أو النصف فهذا جائز من الناحية الشرعية، يكون من هذه المواد والآلات ومن هذا العمل، لكن إن كانت الدولة تمنع هذا فهو -أيضاً- لا يجوز؛ لأن علينا أن نسمع للدولة في كل أمر إلا ما خالف الشرع، وهذا لا يخالف الشرع، إذا قالت: لا تمنحوا هؤلاء عملاً، وإنما يبقون عندكم بالأجرة المقطوعة ولكن يقول بعض الناس: إذا جعلناهم بالأجرة المقطوعة حصل إشكال وهو تلاعب العمال بحيث لا ينتجون، فنقول دفعاً لهذا المحذور: يُجعل للعامل نسبة فيما ينتج، فيقال: لك الأجر الشهري المتفق عليه، ولك على كل متر كذا وكذا، أو على ثوب إذا كان خياطاً كذا وكذا، أو على كل وحدة إذا كان كهربائياً كذا وكذا، وبهذا يحصل موافقة الحكومة فيما ألزمت به الجالب، ويحصل مصلحة وعدم تلاعب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 حكم استقدام عامل من خارج البلاد دون أن يأخذ الكفيل شيئاً من العامل السؤال رجل استقدم عاملاً من خارج البلاد لا من أجل أن يعطيه راتباً شهرياً لكن سيحضر إلى هذه البلاد ويزاول مهنة من المهن الفنية من غير أن يأخذ منه شيئاً ولا يأخذ عليه شيئاً مقابل العمل، يأتي به هنا ويتركه يتجول في الأسواق والمحلات من أجل كسب العيش فقط، ولكن الكفيل ما يأخذ مقابل ذلك شيئاً؟ الجواب بمعنى: أنه يأتي ويعمل لنفسه ولا يأخذ الكفيل منه شيئاً، يعني: أنه ليس بحاجة إلى هذا الرجل. السائل: نعم. ليس بحاجة. الشيخ: والذي أفهم أن الدولة لا تسمح باستقدام الأجانب إلا إذا كان الإنسان محتاجاً إليه، يعني: إذا لم تكن هناك حاجة فلا تسمح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 حكم التأخر عن الدوام الرسمي أو الخروج قبل انتهائه السؤال النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة أو ينصرف من العمل قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، وأحياناً يتأخر ساعة أو أكثر، فما الحكم في ذلك؟ الجواب الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب؛ لأن العوض يجب أن يكون في مقابل المعوض، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ولا أن يتقدم قبل انتهائه. السائل: ولكن البعض يتحجج أنه لا يوجد عمل أصلاً؛ لأن العمل قليل؟ الشيخ: المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل، يعني: قيل لك: هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا، سواء كان هناك عمل، أو لم يكن هناك عمل، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن، فلا بد أن يستوفى هذا الزمن، يعني: أن يوفي هذا الزمن، وإلا كان أكلنا لما لم نحضر فيه باطلاً. السائل: كذلك استعمال السيارات الحكومية في غير وقت الدوام الرسمي؟ الشيخ: استعمال السيارات الحكومية في الدوام الرسمي أو خارج الدوام الرسمي إذا لم يكن لمصلحة العمل فإنه لا يجوز؛ لأن هذه السيارات للدولة ولشغل الدولة فلا يجوز لأحد استعمالها في شغله الخاص، والمشكل أن بعض الناس يتهاون في أموال الدولة مدعياً أن له حقاً في بيت المال، ونقول: إذا كان لك حقٌ في بيت المال فكل فرد من الناس له حق في بيت المال أيضاً، فلماذا تخص به نفسك وتستعمله لنفسك، أليس لو جاء أحد من الناس الذي قد يكونون أحق من هذا الرجل وأراد أن يستعمل هذه السيارة في أغراضه الخاصة يمنع، فكذلك هذا الرجل، وإذا كان الإنسان محتاجاً للسيارة فليشتر سيارة من ماله الخاص. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 السنة عند رؤية الأحلام المزعجة السؤال ما السنة عند رؤية الأحلام المزعجة؟ الجواب الأحلام الضابط فيها أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن من رأى ما يسره فليحدث به من يحب، ولا يحدث به من لا يحبه؛ لأنه ربما يكيدون له كيداً، كما فعل إخوة يوسف في يوسف، وأما إذا رأى ما يكره فإنه يقوم ويتفل عن يساره ثلاثاً ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان، ومن شر ما رأيت، ثم ينقلب إلى الجنب الثاني، ولا يخبر بها أحداً، فإنها لا تضره، فهذه أربعة أشياء: التفل على اليسار، والاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم ومن شر ما رأى، والانقلاب على الجنب الثاني، وألا يحدث بها أحداً؛ لأنه لو حدث بها أحداً ثم فسرها يعني: عبرها فإنها تقع؛ لأن الرؤيا ما دامت لم تعبر فإنها لا تقع إلا بإذن الله، فإذا عبرت وقعت، فأخشى أن يعبرها أحدٌ من الناس على الوجه المكروه فتقع. قال الصحابة رضي الله عنهم: [كنا نرى الرؤيا فنمرض أياماً] من شدة أثرها عليهم، فلما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وذكر لهم هذا الدواء استراحوا، فصار الإنسان إذا رأى ما يكره عمل بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فيستريح. وليُعلم أن الشيطان يتمثل للإنسان وهو نائم فيما يكره ويحدثه بما يكره، من أجل إدخال الحزن عليه؛ لأن الشيطان يحب أن يدخل الحزن على الإنسان والانقباض، وألا يسر الإنسان بشيء؛ لأنه عدو، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] ، ولأنه عدو فإنه يحب ما يسوء بني آدم ويكره ما يسرهم، وهو يستطيع أن يتمثل للإنسان في منامه بما يكره حتى يحزن، ولكن الحمد لله أن الله تعالى لم ينزل داءً إلا جعل له شفاء، والشفاء في الرؤيا المنامية المكروهة هو ما ذكرته آنفاً: أن يقوم فيتفل عن يساره ثلاثاً، ويقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ثم ينقلب على الجانب الثاني، ولا يحدث أحداً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 كيفية الإتيان بالأذكار التي بعد الصلاة في السفر السؤال من المعلوم أن المسافر يقصر الصلاة الرباعية، وكذلك يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، ولكن الأذكار الواردة بعد الصلاة هل هي أيضاً تقصر، أو تؤدى كأنها صلاتين؟ الجواب الظاهر في الأذكار أنه يكتفى فيها بذكر واحد؛ لأن الصلاتين صارت كأنها صلاة واحدة، فيكتفى فيها بذكر واحد، لكن يكتفى بالأعم، فمثل المغرب مع العشاء يسن في المغرب أن يذكر الله عشر مرات، وفي العشاء ثلاث مرات، فليأخذ بالأكثر؛ لأن الأقل يندرج بالأكثر، وإن أتى لكل واحدة بذكر فلا أرى في هذا بأساً والأول كافٍ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 حكم تقصير الشعيرات التي تحت الشفة السفلى السؤال بالنسبة للشعيرات التي تحت الشفة السفلى تقصر، أم تبقى كما هي؟ الجواب تسمى العنفقة وليست من اللحية، تبقى كما هي، إلا إذا تأذى منها الإنسان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 حكم التنازل عن دية القتل الخطأ والمقتول عليه دين وله وصية السؤال هل لأولياء المقتول خطأ العفو عن الدية، والمقتول عليه دينٌ وله وصية؟ الجواب إذا كان المقتول عليه دين وله وصية فإنه لا يحل للورثة أن يتنازلوا عن شيء من الدية إلا بعد قضاء الدين والوصية؛ لأن حق الورثة لا يرد إلا بعد الدين والوصية، كما قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] وإذا تنازلوا فالتنازل غير صحيح، وإذا كان تنازلهم عند المحكمة يجب أن يرجعوا إلى المحكمة ويخبروا القاضي أن المقتول عليه دين وله وصية فيؤخذ الدين أولاً، ثم الوصية ثانياً، والباقي للورثة. وأيضاً: لا بد أن يكون الورثة راشدين، أي: بالغين عاقلين، حسني التصرف، فإن كان فيهم قُصَّر فليس لأحدٍ من الورثة أن يتنازل عن حق هؤلاء القُصَّر إلا إذا ضِمِنَهُ لهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 حكم الصلاة في المسجد الذي بجواره مقبرة السؤال نجد في بعض البلاد الإسلامية أصحاب الطرق الصوفية يؤدون الصلاة في المسجد، بينما يوجد بالقرب منه مقبرة أو كما يسمونها ضريح الشيخ، وعند الإنكار عليهم يدعون أن هذه المقبرة بعيدة عن المسجد، وتجد كثيراً منهم لا يستدل بدليل على هذا الفعل، ويدعون ذلك فيقولون: إن هذا المسجد منفصل عن الضريح، يعني: بينهما مسافة، ما صحة الصلاة في ذلك المسجد؟ الجواب إذا كان المسجد ليس في المقبرة وليس فيه قبر فالصلاة فيه صحيحة. السائل: لكن بجواره قبر وليس ببعيد. الشيخ: ولو كان في جوار المقبرة، ما دامت المقبرة ليست أمام المسجد بل على اليمين أو على اليسار فليس فيها شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، أما إذا كان المسجد قد بني على القبر فالصلاة فيه لا تصح، وإن دفن الميت في المسجد فإنه يجب أن ينبش القبر ويدفن مع قبور الناس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 الأفضل للتائب تذكر الذنوب أو نسيانها السؤال فضيلة الشيخ! هل الأفضل للتائب أن يتذكر ذنوبه السابقة حتى يجد ويعمل بالأعمال الصالحة، أو أنه ينساها حتى لا تنكد عليه حياته؟ الجواب التائب هو الذي رجع إلى الله عز وجل مخلصاً له في توبته، عازماً على ألا يعود، وأما تذكر ما مضى فهذا ينظر في المصلحة، إن رأى مصلحةً في ذلك وهذا حينما يجد من نفسه غفلة أو يجد من نفسه إقبالاً على معصية فيذكر نفسه بما مضى، فهذا طيب، وإلا فإن كان يضره تذكر هذه المعصية ويخشى على نفسه من القنوط من رحمة الله من كثرة ذنوبه فلا يتذكر، وقد ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حينما راجع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية قال: [فعملت لذلك أعمالاً] يعني: أعمالاً صالحة تكفر ما مضى، فالإنسان ينظر إلى المصلحة في تذكره لذنوبه التي تاب منها أو غفلته عنها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 حكم المضاربة ومعناها السؤال إذا أراد شخص مساعدة شخص آخر فدفع إليه رأس مال وقال له: افتح محلاً باسمك ولي نسبة من هذا المحل، والقصد المساعدة لا الكسب؟ الجواب معناها: أن الدراهم كانت من شخص والعمل من شخص آخر فهذا يسمى عند العلماء (مضاربة) . إذا أعطيت شخصاً مالاً وقلت: اعمل فيه والربح بيننا أنصافاً أو أرباعاً أو ما أشبه ذلك فهو مضاربة وهي جائزة، ولا حرج أن يفتحه أي: العامل باسمه هو؛ لأنه حقيقة هو الذي يعمل فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 الواجب على من اعتمر ولم يقصر السؤال شخص حلق شعره وبعده بيوم ذهب إلى العمرة، فلما انتهى من السعي لم يحلق، فلما وصل إلى بلده قيل له: إنك أخطأت؛ لأنك لم تمر الموس على رأسك، هل يجب عليه شيء في هذا؟ الجواب يعني: اعتمر وقد حلق رأسه من قبل، فنقول: لا بد أن يمر الموس على رأسه؛ لأن الحلق وإن كان قريباً لابد أن ينبت الشعر، الشعر ينبت بسرعة، فإن لم يفعل، فأرى أنه من باب الاحتياط: أن يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء. السائل: ويحلق شعره ويقصره؟ الشيخ: لا يحلق؛ لأن الفدية بدل عن الحلق، الحلق فاته وقد تحلل واعتقد أنه أكمل العمرة، وإن حلق حيث علم ولم يذبح فدية فأرجو ألا حرج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 حكم الجمع والقصر لمن سافر وأراد الرجوع في نفس اليوم السؤال مسافر ذهب للتجارة بحيث يرجع في نفس اليوم، وصل قبل الظهر ويريد الرجوع قبل العصر، هل يحل جمع التأخير، أم لا؟ الجواب لا بأس، إذا كان البلد بعيداً، فلا بأس أن يجمع جمع تأخير أو جمع تقديم حسب ما تيسر له. السائل: لو نوى جمع التأخير -مثلاً- وصلى جمع تقديم ماذا عليه؟ الشيخ: لا بأس أن ينوي أولاً جمع التأخير، ثم يبدو له أن يقدم كما أنه لو نوى جمع تقديم، ثم بدا له أن يؤخر فكله جائز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 حكم من صلى قصراً في بلد يسمع فيه الأذان السؤال هل يأثم من صلى قصراً، يجمع في بلد وهو يسمع المؤذن ولا يذهب إلى الجماعة؟ الجواب الواجب على من سمع المؤذن أن يحضر إلى المسجد سواء كان مسافراً أم مقيماً، فإذا كان مسافراً قد نزل في البلد لمدة يوم أو يومين أو ساعة أو ساعتين، ولكنه سمع الأذان فإنه يجب عليه أن يصلي مع الجماعة، ويأثم إذا لم يفعل. وأما ظن بعض العامة أن المسافر ليس عليه جماعة، حتى أن بعضهم تقول له: صل مع الجماعة، يقول: أنا مسافر، فهذا ظنٌ ليس مبنياً على أصل، لقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فأوجب الله الجماعة على المقاتلين مع أنهم في سفر. السائل: والرحلة البرية ما رأيك في الجمع إذا كانت لمدة يومين ومثلاً كانت يوم الجمعة هل يقصر ويجمع، أم يقصر فقط؟ الشيخ: الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين ألا يجمع، بل يقصر ولا يجمع، أما إذا كان سائراً فالأفضل أن يجمع ويقصر. السائل: وماذا عن صلاة الجمعة؟ الشيخ: لا يصلون الجمعة؛ لأنهم في البر، وإنما يصلون ظهراً مقصورة ركعتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 حكم من جامع أهله في نهار رمضان جاهلا ً السؤال شخص جامع امرأته في نهار رمضان بدون علم، جهلاً منه، فما الحكم في ذلك؟ الجواب إذا جامع زوجته في نهار رمضان يظن أن الجماع لا بأس به فلا حرج ولا إثم ولا كفارة؛ لأن القاعدة: أن كل من فعل محظوراً في العبادة ناسياً وجاهلاً فلا شيء عليه لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: (قد فعلت) ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 حكم الذهاب إلى السحرة لغرض العلاج أو فك السحر السؤال ما حكم من يذهب إلى السحرة لغرض العلاج أو فك السحر؟ الجواب الذي يذهب إلى السحرة آثم؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من سحر أو سُحر له) ، ولكن ذكر بعض العلماء من السلف والخلف أنه إذا اضطر إلى ذلك فإنه لا بأس أن يذهب إلى الساحر ليفك عنه السحر، بشرط: ألا يكون هذا الساحر يدعو مع الله أحداً، أي: مشركاً؛ لأن المشرك نجس ولا خير فيه. السائل: ما ينطبق عليه الحديث: (من أتى ساحراً أو عرافاً. ) ؟. الشيخ: العلماء يقولون: إن الذين أجازوا هذا للضرورة، قالوا: إن الله تعالى قال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] ولكن أتدري ما هي الضرورة؟ الضرورة هي: أن يخاف الضرر من مرضٍ مستمر أو موت، وألا يمكن علاجه في القرآن والأدعية المباحة، ومن العلماء من منع ذلك، قالوا: لا يجوز أن يذهب إلى الساحر ولو مات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 حكم ارتكاب الشرك الأكبر جاهلا ً السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من يعمل الشرك الأكبر وهو جاهل بذلك؟ الجواب حكمه أنه لا شيء عليه، ولكن إذا دعي إلى الحق وجب عليه اتباعه، ولا يتصور هذا أن يكون جاهلاً بالشرك الأكبر إلا أن يكون ناشئاً قريب عهد بالإسلام، أو كان في بادية بعيدة عن العلماء، فهذا هو الذي يتصور جهله، أما رجل بين الناس فالظاهر أن جهله بذلك بعيد، وحينئذٍ يكون مفرطاً في ترك السؤال فيكون آثماً. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 حكم الصغير إذا ترك شيئاً من أحكام الحج السؤال امرأة ذهبت مع ابنها وهو صغير لم يبلغ، فلما اعتمرت لم تقصر شعره ناسية، فما الحكم في ذلك؟ الجواب الذي يظهر لي أن الصغير لا يلزمه شيء من أحكام الحج؛ لأنه غير مكلف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق) ، فإذا فعل محظوراً في الإحرام أو ترك واجباً فلا شيء عليه؛ لأنه غير مكلف، بل ولو تخلص من الإحرام وقال: أنا لا أريد أن أكمل فله ذلك؛ لأنه غير مكلف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 حكم زواج المرأة بخالها السؤال هناك رجلان، أحد هذين الرجلين له بنت، والآخر له أخت، فقال الرجل الذي عنده أخت: زوجني ابنتك وأزوجك أختي، فزوج الرجل الذي عنده البنت ذاك الرجل فأنجب منها طفلة، والرجل الثاني أنجب ولداً، هل يحق لهما أن يتزوجا؟ الجواب لا يحل أن يتزوج هذا الولد بالبنت؛ لأنه خالها أخو أمها من أبيها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 الحكمة في التصرف في مال اليتيم السؤال شخص وصيٌ على أيتام وأرامل، ولديه زكاة مال ويخشى أن يدفع هذا المال إلى الأرامل أن يسئن التصرف فيه، فقال: أدفع إليهم بعض المال والباقي أتصرف فيه لهم؟ الجواب هذا طيب، يعني: أن ولي اليتيم لا يدفع إليه المال إذا أتاه مال له، هذا هو الواجب؛ لأنه لو دفع المال أفسده، الواجب أن يبقى المال عنده، فإذا احتاج هذا اليتيم أنفق عليه منه. وهنا تنبيه يجب أن يتنبه له: وهو أنه لا يجوز أن يقبض للأيتام من الزكاة ما يزيد عن حاجتهم لمدة سنة؛ لأنه إذا زاد عن حاجة السنة صاروا لا يستحقون الزكاة، وهذه مسألة يجب التنبه لها؛ لأن كثيراً من الناس يأخذ للأيتام من الزكوات، ثم يصير عنده أموال كثيرة، وهذا حرام عليه، فمثلاً: إذا قدر أنه يكفيهم في السنة عشرة آلاف ريال لا يجوز أن يأخذها عشرة آلاف ومائة؛ لأن حد الغنى الذي يمنع من أخذ الزكاة هو أن يجد الإنسان كفايته سنة. السائل: يعني: هذا المال حتى لو كان زكاة ماله هو مال الولي؟ الشيخ: حتى لو كان ماله ينفق عليهم منه ما فيه بأس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 حكم مصافحة الأجنبية من وراء حائل السؤال يوجد بعض العادات من بعض الناس يصافح النساء ولسن محارم له، وتأتي المرأة وتضع جلبابها وبخناقها وتصافح الرجل، وعندما ينكر عليه بعض الناس يقول: أنا ما صافحتها، هي وضعت ثوبها أو جلبابها وأنا ما صافحتها، ما الحكم؟ الجواب الحكم أنه لا يجوز للرجل أن يصافح من ليست محرماً له، لا مباشرةً ولا من وراء حائل؛ لأن المصافحة من وراء حائل يقبض الإنسان على اليد ويجسها، فلا يجوز له أن يصافحها سواء بحائل أو بغير حائل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 مدى صحة حديث: (لئن يضرب أحدكم بمخيط في رأسه خير من أن يصافح امرأة لا تحل له) السؤال هل يصح الحديث الذي يقول: (لئن يضرب أحدكم بمخيط في رأسه خير من أن يصافح امرأة لا تحل له) ؟ الشيخ: هذا من أحاديث الوعيد، وفيه مقال، ضعيف، ولكنه من أحاديث الوعيد الذي يحصل به التحذير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 الجمع بين قوله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر) ، وقوله تعالى: (في أيام نحسات) السؤال يقول النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) فما حكم مدح الدهر؟ وما تفسير قول الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] ؟ الجواب قوله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر) أي: يسب الزمن -الوقت- الليل والنهار، وسب الليل والنهار سب لله عز وجل؛ لأنه هو سبحانه وتعالى هو المدبر لما يكون في الليل والنهار، ولهذا قال تعالى في الحديث نفسه: (وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) ، أما مدح الدهر باعتبار أن الإنسان يثني على ربه بذلك لا على الأيام والليالي فلا بأس، فهذا طيب، يقول: هذه الأيام مثلاً أيام سرور، وأيام أمن ورخاء ولله الحمد، فهي أيام مباركة، وما أشبه ذلك هذا لا بأس به، وأما أن يثني على الدهر ناسياً خالقه عز وجل وهو الله، فهذا لا يجوز؛ لأن الثناء على السبب -مع التغافل عن المسبب في الحقيقة- غضٌ وانتقاص للمسبب وهو الله عز وجل. وأما قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] فالذي ذم هذه الأيام هو الله عز وجل وله أن يثني على ما شاء من خلقه، وأن يعيب ما شاء من خلقه لكن قل لي: ما الجواب عن قوله تعالى عن لوط: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] فالجواب عنه يقال: إن لوطاً عليه الصلاة والسلام، لم يرد به القدح في هذا اليوم، إنما أراد الخبر عن هذا اليوم بأنه عصيب ويفرق في الأشياء بين القصد وعدم القصد، أرأيت لو جاء شخص يسأل مريضاً فجعل المريض يخبر هذا الرجل مجرد خبر فقط، وجاء آخر يسأل مريضاً آخر فجعل المريض يخبره يتشكى إليه، فالأول عمله جائز والثاني عمله مذموم، إذ كيف يشكو الخالق إلى المخلوق، وقد قيل: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 كيفية تقدير الصلاة أيام خروج الدجال السؤال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال عندما قال: (إن يوماً من أيامه كسنة وآخر كشهر، فسأله الصحابة رضوان الله عليهم فيما معناه: كيف نفعل بالصلاة؟ قال: اقدروا لها) فهل معنى ذلك أنه إذا كان مثلاً اليوم يقارب 180 يوماً يصلون فيه خمس صلوات، أم أنها خمس صلوات في كل (24) ساعة في تقدير لها؟ الجواب قوله: (اقدروا لها قدره) يعني: معناه صلوا على العادة فيكون اليوم الذي كسنة يصلي فيه صلاة سنة كاملة، وهذا إن بقيت الساعات معنا إلى أن يأتي الدجال فالأمر متيسر؛ لأن الإنسان يعرف المواقيت في الشتاء والصيف وعنده الميزان لهذه المواقيت، وهي الساعات وإن لم تبق -والعلم عند الله- فإنه يقدر كما كان الصحابة يقدرون. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 حكم مقولة: سقط من عين الله سبحانه وتعالى السؤال بالنسبة لعبارة من يقول: عندما نعصي الله سبحانه وتعالى ونبتعد عما أمر الله به نسقط من عين الله سبحانه وتعالى؟ الجواب هذه عبارة يريد العرب بها أن الإنسان يقل شأنه وأمره عند الله عز وجل، وليسوا يريدون أن الإنسان كان في عين الله، ثم سقط منها، أبداً! ولا يطرأ لهم على بال، لكن يريدون بقولهم: سقط من عين الله. أي: نقص قدره عند الله عز وجل، وقد يستعمل هذه العبارة بعض العلماء المحققين الذين لا نشك في أن عندهم من علم التوحيد والعقيدة ما لا يصل إليه كثير من الناس، بل كثير من العلماء، فهذا هو المراد، وإذا عرف المراد ولم يكن فيه التباس بأي حال من الأحوال فلا بأس بالتعبير به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ حين قال له: (يا رسول الله! إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) فأنت ترى هذا دعاء عليه بأن تفقده أمه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا، إنما أتى بعبارة يعبر بها العرب يريدون الحث على التزام هذا الشيء، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى: (ثكلتك أمك يا معاذ!) إن لم تكف عليك لسانك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى، يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا) ولكن المعنى الأول هو الصحيح، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، وحسبها، وجمالها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ومعنى هذه الجملة: افتقرت يداك حتى لصقت بالتراب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يحث على الظفر بذات الدين فلا يمكن أن يدعو عليه بالفقر، وإنما المراد بهذه العبارة الحث على ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الظفر بذات الدين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 حكم من دخل المسجد فوجد الإمام في التشهد الأخير السؤال ما صحة الكلام الذي يقول: إذا دخلت المسجد ومعك جماعة وكان الإمام في التشهد الأخير فإنك تنتظر حتى يسلم ثم تقيم جماعة أخرى؟ الجواب هذا صحيح، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وأنت الآن لم تدرك ركعة جئت في التشهد الأخير، فإذا لم تدرك الركعة لم تدرك الصلاة، وإذا صليت مع أصحابك الذين دخلوا معك جماعة أدركت الجماعة من أولها، أما لو جئت وقد بقي عليه ركعة فالأفضل أن تدخل معه، بل يجب أن تدخل معه ولو فاتتك أكثر الصلاة؛ لأن: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ، وإذا أتيتم والإمام في التشهد الأخير فإنه لا يشترط أن تنتظروا حتى يسلم، بل إذا كان المسجد واسعاً وذهبتم إلى ناحية منه بحيث لا تشوشون على أحد فلكم أن تصلوا قبل أن يسلم الإمام ولا حرج، أما إذا كنتم قريبين بأن يكون المسجد صغيراً فلا تشرعوا في الصلاة حتى يسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 حكم مهر امرأة تزوجت بدون إذنها ثم طلبت الطلاق من الزوج السؤال أرجو الإجابة التوضيحية عن هذا السؤال: رجل تزوج امرأة وله الآن قرابة ثلاثة أشهر، وخلال هذه المدة تبين له وبقولها هي أنه لم يؤخذ رأيها في الزواج منه صريحاً من قبل أمها، وهي تقول لزوجها: إنها لا تريده، وقد راجع بها خلال هذه المدة القراء وبذل كل ما في وسعه؛ لأنه يعتقد أنها مريضة، ولكنها -والله أعلم- تتظاهر بالمرض؛ لأنها لا تريد هذا الرجل زوجاً لها، فضيلة الشيخ: ما هو حق الزوج الشرعي وحق الزوجة في المهر إذا أرادت الزوجة الطلاق في الحالتين التاليتين الأولى: إذا كان خلال هذه المدة لم يجامعها أي: لم تفض البكارة. الثانية: إذا جامعها في هذه المدة؟ الجواب أولاً: إذا كان الرجل يرى أن المرأة صادقة في قولها أنها لم يؤخذ رأيها فعليه أن يطلقها؛ وذلك لأن النكاح بدون رضا الزوجة غير صحيح، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه حيث قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن) ، وإذا كان لم يصدقها بناءً على ما ظهر له من حالها أنها كاذبة فالنكاح صحيح؛ وذلك لأن الزوجة قد تدعي أنها لم يؤخذ رأيها، وقد أخذ ولكنها كرهت الزوج فادعت هذه الدعوى، وعلى كل حال هو إذا رأى أن البنت صالحة وأنها صادقة فالواجب عليه أن يصدقها ويقبل قولها ويفارقها، وأما إذا كان يغلب على ظنه أنها كاذبة فلا حرج عليه أن يبقيها ولعل الأحوال تتغير. أما بالنسبة للمهر فقد استقر المهر بخلوته بها؛ لأن الخلوة بالمرأة المعقود عليها تقرر المهر على القول الراجح، سواءً جامع أم لم يجامع، لكن إن رأى بناءً على أن أهل المرأة غروه أن يقول لهم: أنا أريد أن تضمنوا لي المهر؛ لأنكم غششتموني، فلا حرج عليه في هذه الحالة؛ لأنهم غروه حيث أوهموه أن المرأة راضية وليست براضية. السائل: أهل الزوجة يريدون هذا الزوج ثقة فيه ولأخلاقه؟ الشيخ: لكن المشكلة الزوجة. السائل: الزوجة تقول عند أخذ رأيها: أنها ما أعطت رأيها صريحاً وهي في نفسها تقول: لا أريده، وإنما كانت تبكي ولم تصرح برأيها؟ الشيخ: هذا البكاء الذي بكته هل أهلها يعلمون، أو يغلب على ظنهم أنها بكت لكراهتها للزوج، أو أنها بكت لفراقها أهلها؟ السائل: لا أعلم. الشيخ: هذه لا بد منها، ولهذا قال بعض العلماء: إن إذن البكر سكوتها، إذا لم تقل: لا أريده، فهذا إذن، قالوا: ولو بكت، وعللوا هذا الكلام بأنها ربما تبكي خوفاً من فراق أهلها لا كراهة للزوج. السائل: هي من قبل تقول أنها صرحت أنها لا تريده، ولكن عند كتابة عقد النكاح لما سألتها أمها قالت: إنها بكت ولم تدل برأيها صراحة. الشيخ: على كل حال ما دامت صرحت في الأول أنها لا تريده فهذا البكاء بكاء كراهة، فالنكاح غير صحيح، ويجب عليه أن يفارقها، وله أن يرجع أهلها الذين غروه ما أعطاهم من المهر. السائل: هل يأخذ المهر كاملاً؟ الشيخ: يأخذ المهر كاملاً من أهلها إذا كان قد دفعه إليهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 حكم الخروج من المسجد أثناء الأذان السؤال أرى بعض الإخوة يقعدون في المسجد للدرس، وعندما يشرع الأذان يخرجون، حيث إنني قرأت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخروج عند الأذان، فما حكم ذلك؟ الجواب في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أنه رأى رجلاً خرج بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم] قال أهل العلم: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، ولكن الحديث هذا ليس فيه صراحة بأن الرجل خرج ليصلي في مسجد آخر، فقد يكون خرج لئلا يصلي، والذي نرى أنه إذا خرج ليصلي في مسجد آخر يعلم أنه أدركه فلا حرج عليه، لكن لا ينبغي أن يفعل لئلا يقتدي به من يخرج ولا يصلي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 حكم التبرع بالدم للحصول على رخصة القيادة السؤال ما حكم التبرع بالدم لغير حاجة أو ضرورة؟ الجواب ما أظن أحداً يطلب منه التبرع بالدم لغير حاجة أو ضرورة. السائل: ما يتقدم للرخصة -رخصة القيادة- فالفحص الطبي فيه تبرع بالدم يجب عليك أن تتبرع بالدم. الشيخ: يعني: لا يعطونك رخصة إلا إذا تبرعت بالدم؟ السائل: لا بد من هذا. الشيخ: وإن كان ما فيه دم وهو لا يكفيه؟ الظاهر أن هذا لا يجوز من جهة أن هذا يشبه البيع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم ثمن الدم، لكن لو رغبوا الإنسان وقالوا: ما دام الله مغنيك وعندك دم كثير وافر اعطنا من دمك ربما ننقذ به شخصاً من الموت فهذا لا بأس به، فالتبرع بالدم إذا كان لا يضر الإنسان ما به بأس؛ لأن الدم يعوض سريعاً بخلاف التبرع بالأعضاء، فالأعضاء لو تبرعت بها ما عوضت مرة ثانية. السائل: بالنسبة لمثل هذا الفحص، يجب فيه التبرع بالدم؟ الشيخ: على كل حال: إذا ألزمت بأن تتبرع، وقالوا: لا نعطيك فحصاً أو رخصة إلا بهذا فافعل ما دام لا يضرك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 وجوب إعطاء الورثة نصيبهم من الإرث السؤال أنا عندي ابن عمره (17) سنة، ثم توفيت أمه وله منها ميراث، والآن اشترى له خاله سيارة فحصل له حادث، وطلبوا قيمة الإصلاح، وهو ليس له علم بالمال هذا، والسيارة كلفت مبلغ (2000) ريال مقابل إصلاحها، هل أعطيه هذا المبلغ؟ الشيخ: هذا ولد يتيم عندك؟ السائل: إي نعم. الشيخ: وعندك له مال؟ السائل: عندي له مال. واشترى له خاله سيارة وحصل منها حادث على السيارة وبلغ تكلفة إصلاحها ألفي ريالاً. الشيخ: أعطه. السائل: وطلب نفس المبلغ هذا وهو ما يدري، أأعطيه؟ الشيخ: أعطه؛ لأنك لو لم تعطه بقيت السيارة غير صالحة. السائل: أعطيه المال كاملاً أم قليلاً قليلاً؟ الشيخ: أعطه ما يحتاج فقط. السائل: عمره 17 سنة. الشيخ: هل هو رشيد؟ السائل: نعم. الشيخ: أعطه كل ماله إذاً! الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 حكم الجمع بين الوظيفة والتجارة السؤال هل يجوز لأحدٍ أن يمنع أحداً من المباح؟ الشيخ: كيف؟ السائل: يعني: مثلاً الدولة تمنع الشخص من أن يفتح محلاً وهو موظف، وهذا مباح هل يطيعها في هذا الشيء؟ الجواب الواجب على الإنسان أن يسمع ويطيع لولاة الأمور إلا في معصية الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (على المؤمن السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وأيضاً هذا شرط في العقد: على أنك إما أن تلتزم بواجب الوظيفة، أو تترك الوظيفة، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] فالواجب علينا نحن أن نطيع ولاة أمورنا في كل ما يأمرون به ما لم يأمروا بمعصية، فإن أمروا بمعصية فلا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به من معصية الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 كيفية الترديد بعد الأذان مع كثرة المؤذنين السؤال يتتابع المؤذنون فهل يلزم إجابة كل من سمعت مع أن الأذان يستمر لمدة نحو ربع ساعة، أو يكتفى بالأول؟ الجواب جاء في السؤال وإجابة المؤذن ليست بلازمة لا في أول مؤذن ولا في آخر مؤذن، لكن قل: هل يشرع ويستحب؟ فأنا أقول: الفقهاء رحمهم الله يقولون: إنه يجيب المؤذن كلما سمعه ولو تعدد المؤذنون، واستدلوا بعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) وهذا عام، إلا أنهم استثنوا إذا صلى فإنه لا يجيب المؤذن، لو فرضنا أن أحداً من المؤذنين تأخر ولم يؤذن إلا بعد أن صليت، قالوا: لا يجيب المؤذن، وعللوا ذلك: بأنه غير مدعو بهذا الأذان؛ لأن المؤذن يقول: (حي على الصلاة) وأنت قد صليت، فلا تجبه في هذه الحال، ولكن لو أجبته فأنت على خير أخذاً بالعموم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 حكم الزواج بابنة الجد السؤال شخص تزوج بابنة جده وآخر تزوج بابنة خاله، فالذي تزوج بابنة جده ماذا يكون؟ الجواب الذي تزوج بابنة جده هي عمته أو خالته؛ لأنه إن كان جده من جهة أبيه فهي عمته، وإن كان جده من جهة أمه فهي خالته، وأما أبناء بنته فهم إما بنات خالته وإما بنات عمته، ونكاح بنات العمة أو بنات الخالة جائز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 من أشراط الساعة السؤال المعلوم أن علم الساعة عند الله سبحانه وتعالى، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر من أشراطها وذكر أماراتها فذكر من أشراطها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (أنه يقبض العلم، وتكثر الزلازل، وتكثر الفتن) ، وكذلك أشراط كثيرة، والآن ما يحدث على الكرة الأرضية من زلازل كثيرة هل هي من أشراط الساعة؟ الجواب هذا هو الظاهر أن كثرة الزلازل من أشراط الساعة أو كثرة الفتن من أشراط الساعة، والفتن الآن كما ترون كثيرة، وأشراط الساعة كثيرة، وهذه الزلازل كثيرة، والعلماء الذين هم العلماء حقاً قليلون أيضاً، فكثير من العلماء اليوم إما علماء دولة، وإما علماء أمة، وقلَّ من يكون من علماء الملة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 الضابط في العبادات السؤال هل هناك ضابط للأذكار، خاصة أننا نجد بعض الجماعات تخصص وقتاً معيناً بعد صلاة المغرب لرفع الأصوات بالذكر عقب الصلاة؟ الجواب الضابط في الأذكار أو في غيرها من العبادات ما جاءت به السنة، فما جاءت به السنة فهو حق، وما لم تأت به السنة فهو بدعة؛ لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم الدليل على أنها مشروعة، فهل هؤلاء الذين يجتمعون بعد المغرب ويرفعون أصواتهم بالتكبير أو بالتسبيح على وجه جماعي هل جاء مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو جاء عن الخلفاء الراشدين؟ الجواب: لا. إذاً ما دام لم يأتِ عن الرسول ولا عن الخلفاء الراشدين فليس بسنة فهو بدعة ينهى عنها. السائل: وما حكم الصلاة مع هذه الجماعة؟ الشيخ: يعني: قصدك أن تكون مأموماً فلا بأس أن تصلي خلفهم؛ لأن هذه البدعة لا تكفرهم، أقول: لا تكفرهم، أي: أن هذه البدعة غير مكفرة، إلا إذا خفت إن صليت خلفهم أن يفتتنوا أو يفتتن بهم غيرهم لكونك صليت وراءهم، فهنا لا تصلِّ وراءهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 حكم رفع اليدين إلى السرة في تكبيرة الإحرام السؤال بعض الناس يرفع اليدين في تكبيرة الإحرام حول السرة أو فوق السرة قليلاً، فهل رفع اليدين يكون صحيحاً؟ وماذا على الإنسان لو كان عنده علم ثم بعد ذلك تركها ولم يرفع يديه حول المنكبين؟ الجواب هذا الرفع الذي ذكرت ليس رفعاً مشروعاً، بل هو عبث منهي عنه؛ لأن الرفع المشروع إما إلى المنكبين، وإما إلى فروع الأذنين، وما تقاصر عن ذلك فهو قصور عن السنة فينهى عنه، ويقال: إما أن ترفع كاملاً، وإما أن تتركه. السائل: إذا كان الإنسان عنده علم بذلك يلزمه أن ينبه؟ ولو ترك تنبيهه فماذا عليه؟ الشيخ: يلزمه أن ينبه؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه} [آل عمران:187] وفي هذه الحال يحتاج إلى بيان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 الرد على أهل البدع في تحريفهم قوله تعالى: (وجاء ربك) السؤال عندنا مدرس في اللغة العربية يقول: إن قول الله سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] يجوز من ناحية اللغة أن نقول: (جاء أمر ربك) ما نقصدها عقيدة، نقصد توضيح المضاف والمضاف إليه، فما قولكم في هذا؟ الجواب قولنا: إن هذا غلط منه، فإذا قلت إن معنى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] في اللغة: وجاء أمر ربك، فقد كذبت على اللغة؛ لأن اللغة تجعل حكم الفاعل للفعل، فإذا جاء في اللغة: جاء فلان، فالمراد جاء هو نفسه، كذلك لما قال تعالى عن نفسه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] فالمعنى: جاء هو بنفسه، وليس المعنى: جاء أمره، ومن زعم ذلك فقد كذب على اللغة العربية، ولا يجوز إقراره، والذي أعلم من جامعة الإمام محمد بن سعود أن هذا الذي قرره ابن عقيل رحمه الله الذي شرح الألفية علقوا عليه أو نبهوا الأساتذة على أن يبينوا أن هذا خطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 حكم تخصيص يوم الجمعة بزيارة المقابر السؤال ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح ذكر: أن الميت يعلم بزيارة الزائر في يوم الجمعة، وخص ذلك بيوم الجمعة، وما أدري ما دليله؟ وهل الآثار التي أوردها صحيحة، أم فيها ضعف؟ الجواب أما الآثار التي أوردها لا أدري عنها، وأما تخصيص ذلك بيوم الجمعة فلا وجه له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلاً كما في حديث عائشة الطويل المشهور، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له، كذلك روى أصحاب السنن بسندٍ صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح، أنه (ما من رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام في أي وقت) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 وضوء المرأة لا ينتقض بمسها عورة الطفل السؤال هل للطفل عورة، يعني: عورة الطفل إذا مستها المرأة هل ينتقض الوضوء؟ الجواب لا ينتقض وضوء المرأة إذا هي غسلت ولدها ومست ذكره أو فرجه؛ لأن ذلك لا ينقض الوضوء، حتى مس الرجل ذكره لا ينقض الوضوء إلا إذا كان بشهوة، أما إذا كان لغير شهوة فيستحب الوضوء ولا يجب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 حكم إخفاء المرأة المال الذي يأتي لولدها عن زوجها السؤال امرأة لديها ولد، وهذا الولد تأتيه مكافأة من المدرسة، وأبوه شديد الحرص، فيقول: لا يأتي مال إلا ويعطى إليَّ، فهذه المرأة تخفي هذا المال الذي يأتيه بحجة أنها تنفق على هذا الولد، وما يلزم البيت؛ لأنها لو طلبت من هذا الرجل قد لا يعطيها شيئاً، ولأدى إلى منازعات، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب أما ما تجحده على الأب من أجل إنفاقه على الولد فلا بأس به، أما من أجل إنفاقه على البيت فلا يجوز لها أن تأخذ من مال الولد؛ لأن نفقة البيت على الأب، هو الذي يجب عليه أن ينفق، ولها أن تأخذ من مال الأب للإنفاق على البيت، وإن لم يعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى بذلك هند بنت عتبة، لما جاءت تشتكي أبا سفيان بأنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) . السائل: وإذا كان الولد نفسه يخفي من أجل أن ينفق على نفسه؛ لأنه يخاف من أبيه؟ الشيخ: المهم ما دام يحتاج إلى النفقة فلا بأس أن يخفي عن أبيه ما يحتاجه من نفقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 الشرك والكفر لا يطلقان على شخص معين حتى تقوم عليه الحجة السؤال تكلم أحد الإخوة بالشرك الأكبر كدعاء غير الله أو الاستغاثة بغير الله، هل يطلق عليه أنه مشرك بعينه، أو هناك فرق بين مسائل الجلية والخفية؟ الجواب يقال: من فعل هذا فهو مشرك، من ترك الصلاة فهو كافر، لكن لا يحكم بهذا الحكم على شخص معين حتى تقوم عليه حجة، إما بأن يكون عالماً ولكنه متهاون أو مستكبر أو ما أشبه ذلك. السائل: بالنسبة لقيام الحجة ما دام أنه يقول لا إله إلا الله ويصلي ويعمل بعض شعائر الإسلام؟ الشيخ: لكن لا إله إلا الله لها شروط ولها نواقض والشرك يناقضها وترك الصلاة يناقضها. السائل: ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالة الفكاك من وله الإشراك في تكفير المعين، يقول: مثل هذا قامت عليه الحجة، فهذه مسائل جلية إلا من نشأ بدار بعيدة عن دار الإسلام فلا نقول: هذا مشرك بعينه؟ الشيخ: يفهم أن الشرك حرام، ويفهم أن الشرك موجب للخلود في النار، ويفهم أن من أشرك بالله حرم الله عليه الجنة، لكن قد لا يدري أن هذه مسألة بعينها شرك وهذا وارد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 حكم اشتراك الموظف في تجارة بماله فقط دون أن يعمل السؤال رجل موظف لدى الحكومة ولكن لا يكفيه راتبه ويعمل مع اثنين أو ثلاثة كمشاركة، يعني: دفع مالاً لديه واشتغل معهم باسم أحدهم فهل في ذلك شيء؟ الجواب الذي نرى أن الموظف له أن يدفع ماله لشخص مضاربة، يعني يقول: خذ هذا المال اتجر به ولي نصف الربح ولك نصف الربح؛ لأن الموظف الآن لم يباشر العمل، أما إذا شاركه وباشر معه العمل فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك ممنوع بنظام الموظفين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 لقاء الباب المفتوح [10] افتتح الشيخ رحمه الله لقاءه ب تفسير آيات من سورة النبأ ، ونبه إلى بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار وأنهما مخلوقتان الآن، وأنهما أبديتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، ثم رغب في الجد والاجتهاد في طلب الجنة وعدم الإهمال في طلبها، ثم تفرغ للإجابة على الأسئلة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نفتتح هذه الجلسة الأسبوعية الأولى، لشهر جمادى الأولى، الخميس الأول منه، الرابع عشر من الشهر، عام (1413هـ) ، وكنا نتكلم على تفسير سورة النبأ حتى بلغنا إلى قوله تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن جهنم كانت مرصاداً) ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] أي: مرصدة ومعدة للطاغين، وجهنم اسمٌ من أسماء النار التي لها أسماءٌ كثيرة، وسميت بهذا الاسم؛ لأنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها -أعاذنا الله وإياكم منها- وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن، فهي موجودة كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] ، و (رآها النبي صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف، ورأى فيها امرأةً تعذب في هرة لها حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار) -أي: أمعاءه-؛ وهو أول من أدخل الشرك على العرب. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (للطاغين مآباً) هذه النار يقول الله عز وجل إنها: {لِلْطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:22] والطاغين جمع طاغٍ، وهو الذي تجاوز الحد؛ لأن الطغيان: مجاوزة الحد، كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: زاد وتجاوز حده. وتجاوز الحد يكون في حقوق الله وفي حقوق العباد، أما في حقوق الله عز وجل فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم، وأما الطغيان في حقوق الآدميين، فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم، هذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن تحريمها في حجة الوداع في عدة مواضع، فقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فالطغاة في حقوق الله وفي حقوق العباد هم أهل النار -والعياذ بالله-، ولهذا قال: {لِلْطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:22] أي: مكان أوب، والأوب في الأصل الرجوع، كما قال تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30] أي: رجَّاع إلى الله عز وجل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لابثين فيها أحقاباً) قال تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] أي: باقين فيها أحقاباً؛ أي: مدداً طويلة، وقد دلَّ القرآن الكريم على أن هذه المدد لا نهاية لها، وأنها مدد أبدية كما جاء ذلك مصرحاً به في ثلاث آيات من كتاب الله: - في سورة النساء في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:168-169] . - وفي سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] . - وفي سورة الجن في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] . فإذا كان الله صرح في ثلاث آيات من كتابه بأن أصحاب النار مخلدون فيها أبداً فإنه يلزم أن تكون النار باقية أبد الآبدين، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن النار والجنة مخلوقتان لا تفنيان أبداً، ووجد خلافٌ يسير من بعض أهل السنة في أبدية النار، وزعموا أنها غير مؤبدة، واستدلوا بحججٍ هي في الحقيقة شبه لا دلالة فيها لما ذهبوا إليه إذا قورنت بالأدلة الأخرى؛ فهو خلافٌ لا معول على المخالف فيه ولا على قوله. والواجب على المؤمن أن يعتقد ما دل عليه كتاب الله دلالةً صريحة لا تحتمل التأويل، والآيات كما سمعتم كلها آيات محكمة لا يتطرق إليها النسخ ولا الاحتمال، أما عدم تطرق النسخ إليها فلأنها خبر، وأخبار الله عز وجل لا تنسخ، وكذلك أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن نسخ أحد الخبرين بالآخر يستلزم كذب أحدهما: إما تعمداً من المخبر، أو جهلاً بالحال، وكل ذلك ممتنع في خبر الله، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم المبني على الوحي. المهم أيها الإخوة! أنه يجب علينا أن نعتقد أمرين: الأمر الأول: وجود الجنة والنار الآن. وأدلة ذلك من القرآن والسنة كثيرة، منها قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] والإعداد التهيئة، وهذا الفعل (أُعِدَت) فعل ماضٍ يدل على أن الإعداد قد وقع، وكذلك قال الله تعالى في النار: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران:131] والإعداد تهيئة الشيء، والفعل هنا ماضٍ يدل على وقوع، وقد جاءت السنة صريحةً في ذلك في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة ورأى النار. الأمر الثاني: اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبداً، أما الجنة فمن دخلها لا يخرج منها، كما قال تعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] ، وأما النار فإن عصاة المؤمنين يدخلون فيها ما شاء الله أن يبقوا فيها، ثم يكون مآلهم الجنة كما شهدت بذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] لا تدل بأي حال من الأحوال على أن هذه الأحقاب مؤمدة، أي: إلى أمدٍ ثم تنتهي، بل المعنى: أحقاباً كثيرة لا نهاية لها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً) قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] نفى فيها البرد الذي تكون به برودة ظاهر الجسم، والشراب الذي تكون به برودة داخل الجسم، وذلك لأنهم -والعياذ بالله- كما قال الله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] . وهل الماء الذي كالمهل وإذا قُرب من الوجه شوى الوجه هل ينتفع به صاحبه؟ الجواب لا. بل بالعكس {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ، أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:47-48] وقال الله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:19-20] ما في بطونهم من الأمعاء والجلود ظاهر الجسم، فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يُطفئ حرارة بطونهم. ومن تدبر ما في القرآن والسنة من الوعيد الشديد لأهل النار فإنه كما قال بعض السلف: (عجبت للنار كيف ينام هاربها، وعجبت للجنة كيف ينام طالبها) . إننا لو قال لنا قائل: إن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة، لكنا نسير على أهداب أعيينا ليلاً ونهاراً؛ لنصل إلى هذه الجنة التي بها هذا النعيم العظيم، والتي نعيمها دائم لا ينقطع، وشباب سكانها دائم لا يهرم، وصحته دائمة ليس فيها سقم، وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها لينالوا درهماً من الدنيا أو ديناراً، قد يتمتعون به وقد لا يتمتعون به، فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة، وهذا الموقف من الهرب من النار؟! نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وجعلنا الله وإياكم من المنتفعين بكتابه التالين له حق تلاوته إنه جواد كريم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 معاني كلمة (كان) السؤال فضيلة الشيخ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] ، كثيراً ما ترد كلمة (كان) وفي السنة: (من ذبَّ عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) ، فما معاني هذه الكلمة؟ الجواب الجواب على ذلك أن (كان) تارة يراد بها الزمان الماضي مثل أن تقول: (هذا الرجل كان مريضاً فبرئ) وتارة يراد بها تحقق الخبر، مثل قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:96] هل معنى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:96] كان فيما مضى والآن ليس كذلك؟ لا، لكن المراد تحقق هذا الخبر والوصف، وكذلك قوله تعالى: {كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:21] ، يمكن أن يراد بها هذا المعنى أي تحقق كونها مرصاداً، ويمكن أن يكون المراد بها حقيقة الزمن، أي كانت من الآن ومن قبل الآن مرصاداً للطاغين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 حكم بيع المحرمات السؤال شاب قد هداه الله سبحانه وتعالى وعند أبيه بقالة، وهذه البقالة تحتوي على بعض المنكرات كبيع دخان وصور، وقد قام بالنصح لأبيه، ولكن أباه يحتج ويقول: ما دامت الحكومة أدخلت هذا، والناس يبيعون هذا، هذا ليس فيه شيء، وأبوه كبير في السن، وطبيعة الحال أن بعض كبار السن لا يتقبلون النصح من أولادهم إلا قليلاً، ما توجيهكم بارك الله فيكم؟ الجواب أولاً: نهنئ هذا الشاب الذي هداه الله فالتزم؛ لأن أكبر نعمة يمن الله بها على العبد أن يهديه ويوفقه لالتزامه شريعة الله، فإن هذا خيرٌ له من كل نعيم الدنيا. ثانياً: نوجه النصيحة لأبيه، ولا سيما وهو في آخر عمره أن يتقي الله عز وجل، وأن يخشاه ويعلم أن رزق الله لا يجلب بالمعاصي، وأن الرزق الذي يأتي بالمعصية رزق لا خير فيه ولا بركة، بل إنه وبالٌ على صاحبه، وقد جاءت السنة بالتحذير الشديد من الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!) . هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأنى يستجاب له) (أنى) هنا استفهام بمعنى: الاستبعاد، أي: يبعد أن الله عز وجل يستجيب لهذا الرجل الذي يأكل الحرام، وكذلك جاء في حديث ابن مسعود: (من اكتسب مالاً -أي: حراماً- فإنه إن تصدق به فلن يقبل منه، وإن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن خلفه كان زاده إلى النار) . وأرجو من أخينا الشيخ الكبير أبي هذا الملتزم أن يقبل منا هذه النصيحة وهذه الهدية، فإننا لم نسقها له إلا من أجل مصلحته ومصلحة أولاده من بعده. أما بالنسبة للشاب الذي يأمره أبوه أن يتولى البيع في هذه البقالة التي فيها ما هو محرم، فإني أقول له: لا تطع أباك في هذا، اجلس في البقالة وبع الشيء المباح ولا تبع الشيء المحرم؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما قول أبيك لك: إن هذا شيء لا بأس به؛ لأن الحكومة قد أذنت فيه وسمحت به، فإني أقول: أولاً: العبرة بما في الكتاب والسنة، لا بعمل الحكومة ولا بعمل الناس؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] إن تنازعتم حتى مع أولي الأمر {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ، وهذه الحجة لا تنفعه يوم القيامة عند الله؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ولا تنفع غيرهم في الدنيا عند العقلاء من الناس المؤمنين بالله؛ لأن كل مؤمن لا يمكن أن يقبل عمل الناس أو عمل ولاة الأمور حجةً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا حجة لأبيه في هذا. ويُخشَى أن يكون من يحتج بعمل الحكومة مشابهاً لمن قال الله فيهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166-167] ، وخلاصة الجواب أربعة أشياء: أولاً: تهنئة هذا الذي مَنَّ الله عليه بالالتزام. ثانياً: نصيحة الأب بترك هذا العمل المحرم. ثالثاً: أن الابن إذا أمره أن يبقى في هذا المكان في هذا الدكان فإنه يبيع الحلال ولا يبيع الحرام. رابعاً: أن المرجع في الأحكام الشرعية ليس إلى إقرار الحكومة أو عدم إقرارها، أو عمل الناس أو عدم عملهم، وإنما المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 خروج عصاة الموحدين من النار السؤال هل الإنسان يخلد في النار ولو كان في قلبه مثقال حبة خردل من الإيمان؟ الجواب لا. الذي في قلبه إيمان لا يخلد في النار، بل آخر أمره أن يخرج من النار إما بالشفاعة أو بفضل الله ورحمته ويدخل الجنة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 حكم العمل خارج وظيفة الدولة السؤال بالنسبة للموظف الذي لا يكفيه راتبه في مصاريفه الخاصة هل يجوز له العمل بآخر؟ الجواب الموظف الذي لا يكفيه راتبه لشئونه الخاصة يجوز له أن يعمل العمل الذي لا تمنع منه الحكومة أو يمنع منه النظام. السائل: النظام يمنع السجل التجاري لعمل مؤسسة؟ الشيخ: إذا كان النظام يمنع فإنه لا يجوز له أن يفتح لا باسمه ولا باسم مستعار؛ لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] ويقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] . والموظف تقدم للعمل في الحكومة وهو يعلم أن هذا مشروط على كل موظف، فيكون دخوله في الوظيفة التزاماً منه بألا يفتح سجلاً تجارياً أو يشتغل بتجارة. قد يقول بعض الناس: الحكومة ليس لها حق أن تمنع من ابتغاء رزق الله؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] فأباح الله لنا أن ننتشر في الأرض ونبتغي من فضل الله بعد صلاة الجمعة، فكيف تمنعنا الحكومة من ذلك؟ الجواب: نقول له: الحكومة لم تمنعك لكنها قالت: لا أدخل معك في عقد إلا بهذا الشرط، وهذا الشرط مباح، أعني: تركه للتجارة مباح، فإذا كان مباحاً والتزم الإنسان بتركه وفاءً بعهده للحكومة صار هذا جارياً على القواعد الشرعية. فنقول لهذا الموظف: أنت بين ثلاثة أمور: - إما أن تدع الوظيفة وتفتح السجل التجاري. - أو تدع السجل التجاري وتبقى في عملك. - أو تستأذن من الحكومة وتبين لها حاجتك، وربما إذا بينت لها حاجتك وأن راتبك قليل ومتطلبات حياتك كثيرة ربما تسمح لك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 حكم الذهاب للجهاد في البوسنة والهرسك السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن أراد أن يذهب إلى البوسنة والهرسك مع التوضيح؟ الجواب أرى في الوقت الحاضر ألا يذهب إلى ذلك المكان؛ لأن الله عز وجل إنما شرع الجهاد مع القدرة، وفيما نعلم من الأخبار، والله أعلم، أن المسألة الآن فيها اشتباه من حيث القدرة، صحيح أنهم صمدوا، ولكن لا ندري حتى الآن كيف يكون الحال، فإذا تبين الجهاد واتضح حينئذٍ نقول: اذهبوا؛ لأن في ذلك خيراً، أما الآن والمسألة وهمية لا نستطيع أن نقول للناس: اذهبوا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 المنهجية المثلى في طلب العلم السؤال فضيلة الشيخ أحسن الله إليك: ما رأيك فيمن يقول: إن طلب العلم في قراءة الكتب فقط، ولا يتعلق ذلك بالعلماء الأفاضل وإنه يقول: إذا عارضتني مسألة من المسائل أبحث فيها، وبعد ذلك إن لم أستطع فأردها إلى المشايخ، مع العلم أنه ليس عنده العلم الذي يعينه على ذلك، أفتونا مأجورين؟ الجواب الغالب في الأمور أن الناس يكونون فيها طرفين ووسطاً، فهذا القول الذي قاله الأخ يعارض بقول من قال: (من كان شيخه كتابه فخطأه أكثر من صوابه) ، فمن الناس من يقول: إنه لا طريق إلى العلم إلا بالتعلم من معلم. ومن الناس من يقول: بل هناك طريق إلى العلم وهو التلقي من الكتب. والصواب: أن الطريقين صحيحان، التلقي من الكتب والتلقي من أفواه العلماء، ولكن لا بد من شرطٍ أساسي في هذين الأمرين: وهو أن يكون المؤلف موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته. وكذلك نقول في المعلِّم: لا بد أن يكون موثوقاً في عقيدته وعلمه وأمانته، ولكن تلقي العلم من أفواه العلماء أيسر وأضبط وأسرع؛ لأن العلماء كالطباخين الذين جهزوا لك الطعام، بخلاف الذي يعاني طبخ الطعام، فإنه يشق عليه، وربما يأكله قبل أن ينضج، وربما يحرق قبل أن يأكله، فالتلقي من العلماء أيسر وأضبط، ولهذا نرى بعض الإخوة بل بعض العلماء الذين اعتمدوا في علمهم على قراءة الكتب فقط نرى عندهم أحياناً شطحات بعيدة جداً عن الصواب؛ لأنهم لم يتلقوا عن علماء ناضجين، لكن إذا لم تجد العالم الذي تتلقى من فِيه، فاقرأ الكتب، ثم إنه إذا قلنا: إنَّ التلقي من العالم أسرع وأحفظ، فلا يعني ذلك ألا يرجع الطالب إلى الكتب، بل يرجع إلى الكتب ولكن رجوعاً مقيداً بتوجيه العالم الذي يقرأ عليه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 ممارسة الدعوة بإذن ولي الأمر السؤال يوجد كثير من الشباب الذين قد بدءوا في طلب العلم وعندهم استعداد لإفادة الناس سواء كان في المساجد أو في الأماكن العامة، فيقولون: هل يقومون بتبليغ الدعوة لهؤلاء الذين يحتاجون لكلام الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أم ينتظرون حتى يكون عندهم إذن أو بطاقة من مكتب الدعوة؟ الجواب الذي أرى ألا يتكلموا فيما يمنع فيه الكلام إلا بإذن؛ لأن طاعة ولي الأمر في تنظيم الأمور واجبة، ونعلم أنه لو أذن للصغار الذين ابتدءوا طلب العلم بالكلام لتكلموا بما لا يعلمون، وحصل بذلك مفسدة واضطراب للناس ربما في العقائد فضلاً عن الأعمال البدنية، فمنع الناس من الكلام إلا بإذن وبطاقة ليس منعاً تاماً حتى نقول: لا طاعة لولاة الأمر في ذلك؛ لأن هذا منع لتبليغ الشريعة، لكنه منع مقيد بما يضبطه بحيث يعرف من هو أهل لذلك أو لا، وكما تعلمون الآن كل من تقدم إلى المسئولين لهذا الأمر وعلموا أنه أهل لذلك أعطوه إذناً، ولم نعلم أنهم قالوا لأحد تقدم وهو أهل لنشر العلم: لا تفعل، والأمر والحمد لله أمر يطمئن إليه الإنسان، ولا يجوز لأحد أن يتكلم في موضعٍ يمنع فيه الكلام من جهة ولي الأمر إلا بإذن، مثلاً: في المساجد وفي الأماكن العامة، لكن بينه وبين إخوانه، في غرفته، في حجرته، هذا ما فيه بأس، لا يمنع منه أحد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 نصيحة عامة لأفراد السكن العسكري السؤال أنا عسكري برتبة عريف، وأسكن في السكن العسكري، ويضم عدداً كبيراً من العسكر من مختلف الرتب من رقيب وأسفل، وفيهم المصلي والملتزم، وفيهم المصلي فقط، ومنهم عدد كبير تارك للصلاة والعياذ بالله، وأنا إذا أنكرت عليهم بالحكمة يقولون: جزاك الله خيراً، بسخرية ولا ينفع معهم، وأنا كما ذكرت عريف صلاحيتي محدودة في عقاب الذي لا يصلي، ولا أعاقب إلا من هو دوني في الرتبة، أما من هو أرفع مني في الرتبة العسكرية لا أستطيع أن أجازيه، وإذا نصحته ربما لا يأبه بالنصيحة، مع العلم بأن العسكري فيه من المعاصي ما الله به عليم، ولا أريد أن أذكر أنواع المعاصي التي تكون في السكن العسكري، ومع هذا الفساد هناك أناس صالحون يعدون على الأصابع منهم من هو صالح في نفسه ولا يدري ما يدور من حوله، ومنهم من يدري ولكن لا يحرك ذلك ساكناً في نفسه، ومنهم كما ذكرت إنكاره محدود، وعندنا قائد في السرية إنسان متهاون جداً في الصلاة، ولكنه يحب الصالحين وهو متناقض في أقواله وأعماله، مع أنه يحث على الصلاة ويهدد الناس الذين يرتكبون المعاصي ويتركون الصلاة بالفصل أو تحويلهم إلى الشئون الدينية، فماذا يجب عليَّ في ذلك جزاك الله خيراً؟ الجواب هذا السؤال الطويل وهو سؤال عن قرية كاملة؛ لأن المجمع السكني يجمع أناساً تختلف أفكارهم وأهواؤهم وأعمالهم وأقوالهم، والناصح إذا نصح فليس من شرط النصيحة تقبل المنصوح، أرأيت الله يقول لموسى وهارون: {اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43-44] فقاما بأعباء الرسالة، ولكن هل تذكر أو خشي؟ لا، فلا يشترط في النصيحة أن تكون مقبولة إذا قام الإنسان بما يجب عليه من النصيحة، فقد أدى ما عليه قبل من وجهت إليه فهذا له وللناصح، وإن لم يقبل فللناصح وعليه، ولكن مع ذلك لا أعفي الملازمين ومن تحتهم من أن يناصحوا من فوقهم، فإن رأوا منهم تقبلاً وإلا فليرفع الأمر إلى من فوقهم أيضاً، إما مباشرةً وإما بواسطة من يبلغ إلى المسئولين الذين فوقه؛ لأن تولي غير الصالح للصالحين عكس وانقلاب، إذ أن الواجب أن الصالح هو الذي يكون له الولاية، وليس معنى هذا أننا نريد أن يقفز من مرتبته إلى مرتبة الآخر، لكن نريد أن الذي فوقه إذا لم يصلح يغير إلى شخص آخر صالح، ومع هذا فإني أعتقد أن الصلاح -ولله الحمد- بدأ ينتشر في القطاعات العسكرية وغيرها، وأن من الناس من يجامل بالصلاح في أول مرة، ثم في النهاية يصلح صلاحاً خالصاً لله عز وجل، وأما اختلاف المسئولين الكبار من الرائدين ومن دونهم فإن هذا أمرٌ لا بد منه في الغالب، ولكن خيراً أن يقع من هذا الرجل إصلاح غيره وعقوبة من أساء، ولو كان هو أيضاً صالحاً في نفسه فهذا خير، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ عليه بصلاح نفسه، كما يحاول هو إصلاح غيره. فالخلاصة الآن: أنني أوصيك بالبقاء على النصيحة، وعقوبة من لك عقوبته، وإذا لم يتنصح من نصحته فإنه من الممكن أن ترفع الأمر إلى من فوقه إما مباشرة إن استطعت، وإما بواسطة غيرك إذا لم تستطع لا سيما إذا كانت معصيته خروجاً من الدين كالذي لا يصلي. فإن الذي لا يصلي -لا شك عندي أنه- كافر مرتد خارج عن الإسلام (يحشر -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) . الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 كيفية الفتوى في مسائل الخصومة والأوقاف السؤال مات شخص اسمه عبد الله فخلف من بعده ابنين محمد وعبد العزيز، وترك بيتين للوقف، وكل واحد منهما سكن في بيت، فوضعه لذوي الحاجة، عبد العزيز توفي وخلف ابناً بعده اسمه عبد الله بن عبد العزيز وهو في الرياض ليس له حاجة في البيت، فبقيت أمه في هذا البيت، وبناته تزوجن، ومحمد له أولاد سكنوا البيت الثاني، ويؤدون ما عليهم من العشاء وغيره من الوصايا، فطلب عبد الله بن عبد العزيز من عمه محمد أن يدفع أموالاً، قال محمد: البيت الآن ليس له حاجة ولا يعقل أن ندع البيت هكذا، فلا بد أن نؤجره، وأنت ليس لك حاجة في هذا البيت، فهل يبقى لعبد الله متى ما أتى يجلس فيه، أم يجلس فيه ذوي الحاجة من أبناء محمد؟ الجواب أولاً: هذه مسألة بين خصوم، ومن عادتي أنني لا أفتي بمسائل فيها خصوم؛ لأن الله عاتب داود -وهو نبي من الأنبياء- لما حكم قبل أن ينظر في كلام الخصم، فكيف بنا نحن؟! والشيء الثاني: أن مسائل الأوقاف لا يمكن الفتوى فيها إلا بالنظر في وثيقة الوقف؛ لأنه رب كلمة واحدة تغير مجرى العمل، فلذلك لا يمكن أن أفتي بهذا حتى يتفق عبد الله وعمه محمد على ذلك ويأتون إليَّ بوثيقة الوقف. السائل: لكن الأصل في الأوقاف؟ الشيخ: ليس لها أصل إلا ما في الوثائق، إلا ما خالف الشرع فيلغى. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 حكم القصر في السفر السؤال لقد سمعنا عن فضيلتكم فتوى قد تداولها طلبة العلم، وهي مسألة القصر في السفر، والكثير من طلبة العلم يقولون: إن الشيخ يقول: إن طلبة العلم إذا قدموا من بلدان خارج المملكة، إذا صلوا فرادى يقصرون الصلاة بناءً على أنهم في سفر، فنريد أدلة ذلك بالتفصيل؟ الجواب هذه المسألة بارك الله فيك وهي إقامة المسافر في بلد هل ينقطع بها حكم السفر أو لا ينقطع؟ العلماء مختلفون في هذه المسألة على أكثر من عشرين قولاً ذكرها النووي في المجموع شرح المهذب، وذلك أن المسألة ليس فيها نص قاطع يفصل بين المختلفين، لذلك ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أن المسألة ترجع إلى الاستيطان أو السفر، وأن حال الإنسان دائرة بين الاستيطان والسفر فقط، ويلحق بالاستيطان الإقامة الدائمة التي لم تحدد بعمل ولا زمن، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، وهو الذي تدل عليه ظواهر الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة حرف واحد يدل على تحديد المدة التي تقطع حكم السفر إذا نواها الإنسان، ومن كان عنده دليل في ذلك فليسعفنا به، وأكبر دليل عند الذين حددوا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام إقامات مختلفة: فمنهم من أخذ بالأدنى، ومنهم من أخذ بالأعلى، فـ ابن عباس مثلاً قال: (إذا نوى المسافر تسعة عشر يوماً أو أكثر فإنه يتم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بـ مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فإذا أقمنا هذه التسعة عشر يوماً قصرنا وإذا زدنا أتممنا) . والإمام أحمد والشافعي وأظن الإمام مالكاً أيضاً يقولون: (إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتمَّ، وإذا نوى أربعة فما دونها قصر) لكن الشافعي يقول: (يوم الدخول ويوم الخروج لا يحسب، فالأيام تكون صافية أربعة) وبناءً على هذا المذهب تكون الأيام ستة يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة صافية بينهما، والإمام أحمد يحسب يوم الدخول ويوم الخروج فما هو الدليل في هذا؟ الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهي آخر سفرة سافرها قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة ومكث بها يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، وفي يوم الخميس ضُحىً خرج إلى منى، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذه المدة يقصر الصلاة، قال أنس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: إلى مكة - في حجة الوداع، فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، فسئل: كم أقاموا في مكة؟ قال: أقمنا بها عشراً) ؛ لأنه وصلها يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج صباح الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الأيام عشرة، أربعة قبل الخروج إلى المشاعر، والباقي في المشاعر، ولكني أقول: هل هذا دليل على التحديد، أم على عدم التحديد؟ هو في الحقيقة دليل على عدم التحديد لا على التحديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: من جلس أكثر من أربعة أيام فليتم، وإنما كانت أربعة أيام مصادفة، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن الناس يقدمون إلى مكة للحج قبل اليوم الرابع، أي: ليس كل الحجيج لا يقدم إلا في الرابع فما بعده، أبداً؛ الحجاج يقدمون في الرابع في الثالث في الثاني في الأول في آخر ذي القعدة، بل يمكن من شوال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] أولها شوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع لم يقل للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم، فَعُلِمَ أن الإتمام لا يلزم، ولهذا لما صلى بـ مكة عام الفتح قال لأهلها: (يا أهل مكة! أتموا فإنا قوم سَفْرٌ) وكان يصلي ركعتين ويسلم، ثم يقوم أهل مكة فيتمون. فالنبي صلى الله عليه وسلم يبلغ البلاغ المبين، فإذا علمنا أنه أقام في مكة أربعة أيام قبل الخروج إلى منى وستة أيام بعد ذلك، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، فهذه مدد مختلفة ولم يتغير فيها الحكم، فحينئذٍ نقول: العبرة بقطع السفر أن ينوي الإنسان قطع السفر والإقامة المطلقة في هذا البلد، فصار من أهلها ولزمه ما يلزم المقيم، وأما إذا قال: أنا لست من أهل البلد لكني أقمت لشغل، فنقول: إذاً؛ أنت مسافر، لكن مع ذلك هذا الرجل الذي أقام في البلد لا نعفيه من صلاة الجماعة بل نلزمه بصلاة الجماعة والجمعة، إلا إذا فاتته فيصلي ركعتين، كذلك أيضاً لا نرى أن يفطر رمضان ثم يقضيه بعد ذلك، لأنه غير مسافر، لكن لأنه لو ترك صيام رمضان في هذه السنة ثم في السنة الأخرى ثم في السنة الثالثة تضاعفت عليه الأيام، وربما عجز وكسل، ثم إن تأكيد الفطر في السفر ليس كتأكيد القصر، القصر عند بعض العلماء واجب في السفر، ولم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم يوماً من الأيام وهو مسافر. وأما الفطر فإن الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يصومون ويفطرون، ولا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، والنبي صلى الله عليه وسلم صام، ولما قيل له: الناس قد شق عليهم أَفْطَر، فلهذا نقول: الصوم لهذا المسافر الذي أقام مدة طويلة لا يؤخر إلى رمضان الثاني، بل يصومه لئلا تتراكم عليه الأشهر فيضعف أو يتهاون. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 شبهة حول أبدية النار السؤال بعض العلماء يحتج على فناء النار بقول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:106-107] كيف نرد على هذه الشبهة؟ الجواب نرد عليهم برد سهل جداً من وجهين: الوجه الأول: أن الله قال مثل هذا في الجنة قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:108] فهل يقولون: إن الجنة غير مؤبدة لا يقولون ذلك؛ لأن الله قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] لكن هنا قال: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] والفرق بينهما ظاهر، فالجنة منة ونعمة، فبين الله فيها أثر المنة والنعمة وقال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ، أما في النار فهي انتقام وعدل فختمها الله بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] ومن فعله لما يريد أن يبقى هؤلاء أبد الآبدين في النار. الوجه الثاني: أن هذه الآية هب أنها مشكلة، وأن الاستثناء فيها ما نعلم ما وجهه، فهل من طريق الراسخين في العلم أن يأخذوا بالمتشابه ويدعوا المحكم، أو أن يأخذوا بالمحكم ويدعوا المتشابه؟ الثاني إذاً، المحكم عندنا ثلاث آيات من القرآن: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] ثلاث آيات من القرآن صريحة، فلماذا نعدل عنها إلى شيء مشتبه يحتمل أوجهاً، إننا لا نفعل هذا؛ لأن هذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، ولهذا نجد أهل السنة والجماعة في كتبهم يذكرون أن الجنة والنار موجودتان الآن، وأنهما لا يفنيان، فإن قال قائل: كيف أن الله عز وجل يجعل هذا الكافر أبد الآبدين في النار؟ نقول: لأن هذا الكافر أفنى دنياه كلها في معصية الله عز وجل فأفنى الله آخرته كلها في عقابه، ثم هل هذا الكافر ترك أم جاءه نذير؟ الجواب: جاءه نذير {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء:165] بآيات بينات يؤمن على مثلها البشر، فلا عذر له لا في الدنيا ولا في الآخرة، وتأبيد النار ومن فيها لا ينافي الحكمة بل هو غاية في الحكمة. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 حكم المساهمة في شركة ربوية السؤال إنني قدمت من المدينة للسلام على فضيلتكم، وعندي سؤال لي وسؤالان قد أوصيت بهما وسأؤخرهما، أما سؤالي فسأطرحه: فإنني قد تورطت في شركة مساهمة، وساهمت فيها ولم أعلم رباها، أو أنها سترابي، ثم اتضح لي فيما بعد أنها رابت، وصرحت بهذا، وأعلنت الفوائد البنكية، ثم أحببت أن أتخلص من هذا الأمر، فجئتهم، وقلت لهم: أعطوني ما أعطيتكم، وخذوا ما حصلتم عليه، فرفضوا، وقالوا: ليس أمامك إلا أن تبيع هذه الأسهم، وتأخذ رأس مالك، والباقي أنت حر فيه إن أكلته أو تركته، ولكن عندي شبهة خطرت في بالي هي أنني أعلم أن هذه الأسهم التي سأتخلص منها بالبيع بعد أخذ فوائدها؛ لأنهم لا يجيزون إلا بعد أن تأخذ الفوائد، علمت أنني سأخرج من هذه الأسهم، وأورط فيها أخاً آخر لي في الله؛ لأنه سيشتريها بعد ذلك؛ لأن هذه الأسهم لا يمكن أن تعود إلى الشركة إذ رأس مالها مليون سهم، وأنا لي ثلاثمائة سهم، ولن تنقص هذه باعتبار أن الأسهم ثابتة إلا أن يحل بدلي آخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ، فأنا -والله- لا أحب أن أخرج من النار وأقذف فيها بدلي أخاً آخر لي، فهذه الشبهة اعترضتني، وجعلت عندي تشكك في أن البيع لا خلاص منه، فعزمت أن أترك هذا المال وأخرج إلا أنهم قالوا: إن هذا سيظل حتى وإن مت سيكون لورثتك من بعدك بفوائد فأحب أن أتخلص من هذه الشبهة التي قد اعترضتني، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب أنا أرجو أن يكون تخلصك لله عز وجل خيراً لك من الدنيا وما عليها، وأما كون من يأتي من بعدك ويأخذه فالإثم عليه هو، أنت خلصت نفسك بأن تقول للشركة: إما أن تشتروها أنتم أيها المؤسسون! السائل: الشركة باسمها أو فرد من أفراد الشركة؟ الشيخ: باسمها أو فرد من أفرادها، لكن الفرد في النفس منه شيء؛ لأن بيعه على الفرد يعني: التعاون على الإثم. السائل: ما عندي أي استعداد لأن أبيع على الشركة نفسها؟ الشيخ: إذا كان ما عندك استعداد فاتركه لله، وسيخلف الله عليك. السائل: أنا بكل طوع سأترك هذا غير أني سأعلم أنه محفوظ لأبنائي من بعدي؟ الشيخ: ما يهمك هذه قدرتك، أنت إذا جاء الورثة من بعدك هم المسئولون، اكتب نصيحة لمن بعدك: بأني أنصحكم ألا تقربوا هذه الشركة، والمشكلة في هذه الشركة ليست مسألة الربا فقط، المشكلة أننا سمعنا أنها تغصب الناس أموالهم، ولا تسمح لهم بالعود لأموالهم على ما سمعنا، سمعنا أن هناك أناساً جنوا، وبعضهم ماتوا، لما حيل بينهم وبين أملاكهم. فالله أعلم، لكن على كل حال تركك إياها خير. السائل: أترك مالي وإن كان آلافاً مؤلفة؟ الشيخ: أنت قلت: ثلاثمائة سهم. السائل: تساوي حوالي عشرة آلاف ريال؟ الشيخ: إذا كان كذلك فأمرك سهل. السائل: أنا لا يضرني تركها. الشيخ: إذا كان لا يضرك، اتركها ويخلف الله عليك. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 الحماس الزائد في الدعوة إلى الله وانعكاساته على الداعية السؤال نجد من بعض الشباب الذين منَّ الله عليهم بالهداية وتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان عندهم دافع قوي في الدعوة وحماس زائد، فلو تعرضوا في يوم من الأيام إلى فتنةٍ سواء من عدم إلقاء كلمة أو خطبة أو منعوا من بعض الجهات المختصة، فنجدهم يصابون بإحباط، وبعضهم يرتد عن التزامه -والعياذ بالله- أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: ما فهمت وجهة سؤالك؟ السائل: ما نصيحتكم لهم وما هي الأسباب التي يجب أن يتمسكوا بها؟ الجواب نصيحتي أن أقول: من تمام الالتزام طاعة ولي الأمر في غير المعصية؛ لأننا لا نطيع ولاة أمورنا لأنهم من آل فلان أو من آل فلان، نطيعهم؛ لأن الله أوصانا بذلك قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ، ونعتقد أن طاعتنا لهم في غير معصية طاعة لله عز وجل، فيقال لهؤلاء الملتزمين: ليس عليكم شيء، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، هذا من طاعة الله، ما دام أنهم لم يأمروكم بشرب الخمر ولا بشيء من المحرمات فأطيعوهم. السائل: لو حصلت لأحدهم فتنة تجده يرتد عن التزامه، وهذا يحصل كثيراً؟ الشيخ: هذه مشكلة، وهذا أشار الله إليه في القرآن: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج:11] أعوذ بالله {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] نقول: يا أخي! اتق الله، ما دمت تعلم أن طاعة ولي الأمر واجبة، ومنعك من أن تتكلم، فطاعته من دين الله، فأنت على خير، عمار بن ياسر عندما كان يفتي بأن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء، وكان عمر بن الخطاب لا يرى ذلك، يقول: الجنب يبقى حتى يجد الماء ويغتسل ويصلي، فكان عمار بن ياسر يحدث بأن الجنب يتيمم؛ لأن المسألة وقعت عليه: (لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وعمر في حاجة، فأجنب عمار فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: إنما كان يكفيك أن تقول بيدك هكذا؛ وضرب بيده الأرض فمسح وجهه ويديه، فلما بلغ عمر أنه يحدث بهذا الحديث أمر أن يؤتى به، وقال ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! ألم تذكر حينما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم وإياك في حاجة وحصل كذا وكذا، ولكن يا أمير المؤمنين! إن شئت -بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة- ألا أحدث به فعلت -وهو حديث يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: إن شئت ألا أحدث به فعلت- قال عمر: نوليك ما توليت) يعني: وحدث به، فالإنسان الملتزم حقيقةً يجب عليه أن يلتزم في كل شئون الدين، ليس في شيء معين، إذا قيل له: لا تتكلم يقول: الحمد لله، لا أتكلم والإثم عليكم، والكلام فرض كفاية، وفيه من يكفي، وليس معناه: أن المسألة موقوفة على عين هذا الرجل لا يبلغ الشرع إلا هو، هناك أناس، فإذا طمأن نفسه بهذا الأمر وامتثل ولم ينابذ، فربما يأتي يوم من الأيام يؤذن له بالكلام، يفتح الله على ناس آخرين يقولون: لماذا منعتم هذا الرجل اتركوه يتكلم، ويؤذن له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 عقيدة الإخوان المسلمين والأشاعرة السؤال ما هي عقيدة الأشاعرة وهل الإخوان المسلمين عقيدتهم أشعرية؟ الجواب والله! لا نعرف عن الإخوان المسلمين ما هي عقيدتهم. لكن الأشاعرة، من خير ما رأيت فيما كتب عنهم رسالة صغيرة للشيخ سفر الحوالي، تكلم فيها بكلام جيد، وبين فيها مخالفتهم لـ أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، وفي الإيمان وفي الوعيد وفي أشياء كثيرة، من أحب أن يطلع عليها فإنه يستفيد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 كيفية رد المظالم إلى أهلها إذا لم يعرف أصحابها السؤال شخص قبل أن يهتدي سرق أموالاً من بعض المحلات، كانت بعض المحلات تغلق بشراع بسيط، فكان يدخل مثلاً في الظهر ويأخذ الأموال من الأدراج، ولما تاب يقول: نسيتها ونسيت أصحابها، فماذا يفعل؟ الجواب هذا الرجل يقول: كان قبل التزامه يأخذ أموال الناس، وأنه الآن نسي من أخذها منهم، ونسي الأموال، نقول له: تصدق عن أصحابها، فإذا قال: لا أدري كم أخذت؟ نقول: تحقق: إذا قَدَّرت أنه ألف أو ألفين فلا يلزمك إلا ألف، خذ بالأقل. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 حكم بيع التلفاز السؤال شخص في أول حياته كان فاسقاً، فاشترى تلفازاً يريد أن يرى فيه الأشياء المحرمة، ثم فتح الله عليه وتاب، وأراد أن يتخلص من التلفاز، وعرض عليه أحد مكاتب الدعوة أن يشتري منه هذا الجهاز، هل يجوز أن يبيعه عليه، أم يجب أن يبذله بدون مال؟ الجواب يجوز له أن يبيعه، يعني: يجوز للإنسان إذا تاب أن يبيع التلفاز لشخص لا يستعمله في الحرام وثمنه حلال له. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 منزلة إيمان الجار المسيء لجاره السؤال يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله! لا يؤمن، والله! لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) فما رأي فضيلتكم إذا كان جاري مسيئاً إليَّ؟ الجواب إذا كان يسيء إليك فإنه ليس بمؤمن، ولكن ليس المعنى أنه كافر، بل ليس بمؤمن كامل الإيمان، يعني: نقص من إيمانه شيء؛ لأن نفي الإيمان تارة يراد به الكفر الأكبر، وتارة يراد به العاصي الذي فعل ما ينافي كمال الإيمان، فإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن من فعل كذا، ينظر إذا كان فعله مكفراً كان نفي الإيمان نفياً مطلقاً، وإذا كان فعله لا يكفر كان نفي الإيمان نفياً مقيداً، أي: نفي الإيمان الكامل، فالمعنى: لا يؤمن، أي: الإيمان الكامل بل إيمانه ناقص. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 حكم طلاق السكران السؤال ما حكم رجل طلق امرأته وهو في حالة سكر، إلا أنه يقول: إنه كان في حالة سكر شديد، وكان يتكلم ويعي كلامه، فهل يقع طلاقه، هذه مسألة؟ والثانية في نفس الموضوع: ما الذي يجب على هذه المرأة المطلقة، وما هي الأحكام المتعلقة بها؟ الجواب طلاق السكران فيه خلاف بين العلماء، فمنهم: من يرى أنه لا يقع، ومنهم: من يرى أنه يقع، ومثل هذه المسألة مشكلة؛ لأن الرجل سكران ويعي ما يقول فلا بد أن تعرض على المحكمة ليحكم القاضي بما يرى، إلا إذا كانت هذه الطلقة هي الأولى أو الثانية فيقال للزوج: راجعها، درأً للشبهة. السائل: إذا حكم القاضي بوقوع الطلاق؟ الشيخ: إذا حكم بوقوع الطلاق فإن المرأة إذا انتهت عدتها تتزوج من شاءت. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 الحكمة من ورود (الصَّافَّات) بصيغة التأنيث السؤال كثيراً ما يرد في القرآن ذكر الملائكة بصفة التأنيث مثل، (والصافات صفا) ، ولم يقل: والصافون صافا، فما الحكمة في ذلك؟ الجواب قال الله تعالى عن الملائكة: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} [الصافات:1] وقال تعالى عنهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات:165-166] فـ (الصافات) هذه يراد بها الجماعات صفاً صفاً؛ لأن الملائكة جندٌ عظيم لا يعلم عدده إلا خالقهم عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أطَّت السماء وحُق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) والسماء واسعة: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ليس هناك أربع أصابع إلا وفيه ملك! من يحصيهم؟ ثم إنه ثبت أن البيت المعمور في السماء السابعة يطوف به كل يوم ويدخله سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه مرة أخرى إلى يوم القيامة، من يحصي هذا العدد؟ فلهذا جاءت (الصافات) ونحوها مما هو مؤنث، باعتبار جماعات لا باعتبار كل واحد، ولذلك لما جاء (الصافون) صار المراد بها الجماعة، كل جماعة على انفراد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 السحر بين الحقيقة والتخييل السؤال استدل المعتزلة في قولهم: إن السحر يقع تخيلاً وليس حقيقة بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] ما رد أهل السنة على هذا الاستدلال؟ الجواب التخييل هذا حقيقي أم غير حقيقي، إذا خيل للإنسان أن الحبال التي لا تتحرك أنها تسعى هل أثرت عليه؟ حسناً؛ السحر هو كون الإنسان يختل فكره بحيث أنه يرى الجماد: الحبال والعصي التي لا تتحرك يخيل إليه أنها تسعى وهي لا تسعى لكن يخيل إليه هل أثَّر؟ إذاً دليلهم كان دليلاً عليهم، نعم. السحر لا يؤثر في قلب الأعيان فلا يجعل الحديد خشباً ونحو ذلك. السائل: هل الاختلاف كان لفظياً بين أهل السنة والمعتزلة؟ الشيخ: لا، ليس اختلافاً لفظياً، بل حقيقي، فإن السحر يؤثر، يمرض الإنسان، وربما يفسد فكره، وربما يلحقه جنون، وربما يموته درجات، والعياذ بالله. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 قاعدة في كسب الحرام السؤال قلتم في إحدى المحاضرات قاعدة: ما كان مُحرماً لكسبه حرم على الكاسب فقط. نريد توضيح هذه القاعدة؟ الجواب هذا الذي نرى في المسألة: أن ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب، مثل الربا، إذا مات الإنسان الذي كان يتعامل بالربا فماله حلال لورثته، أما ما حرم لعينه كالخمر فذلك حرام على الناقل وعلى من ينتقل إليه، وكذلك ما كان محرماً قد بقي فيه التحريم مثل المغصوب والمسروق، لو أن الإنسان سرق مثلاً ثم مات لا يحل للوارث، فإن كان يعلم صاحبه أعطاه إياه، وإلا تصدق به عنه. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 القول في جماعة التبليغ بين الإفراط والتفريط السؤال فضيلة الشيخ: جماعة الدعوة الذين يخرجون ثلاثة أيام، وهم جماعة التبليغ والدعوة، المهم -يا شيخ- أني بدأت الالتزام قريباً، ومضطرب في هذا الأمر، هناك بعض الشباب من الإخوان يقول: لا تتبع هذه الجماعة، وهناك بعض العلماء في المدينة نصحني بالخروج معها، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب الغالب أن كل المسائل يكون الناس فيها طرفين ووسطاً: فمن الناس من يثني على هؤلاء كثيراً، وينصح بالخروج معهم، ومنهم من يذمهم ذماً كبيراً، ويحذر منهم كما يحذر من الأسد، ومنهم متوسط، وأنا أرى أن الجماعة فيهم خير، وفيهم دعوة، ولهم تأثير لم ينله أحد من الدعاة، تأثيرهم واضح، كم من فاسق هداه الله! وكم من كافر آمن! ثم إنه من طبائعهم التواضع والخلق والإيثار، ولا يوجد في الكثيرين، ومن يقول: إنهم ليس عندهم علم حديث أو من علم السلف أو ما أشبه ذلك؟ هم أهل خير ولا شك، لكني أرى أن الذين يوجدون في المملكة لا يذهبوا إلى باكستان وغيرها من البلاد الأخرى؛ لأننا لا ندري عن عقائد أولئك ولا ندري عن مناهجهم، لكن المنهج الذي عليه أصحابنا هنا في المملكة منهج لا غبار عليه، وليس فيه شيء، وأما تقييد الدعوة بثلاثة أيام أو أربعة أيام أو شهرين أو أربعة أشهر أو ستة أو سنتين فهذه ما لها وجه، ولكنهم يرون أن هذا من باب التنظيم، وأنه إذا خرج ثلاثة أيام وعرف أنه مقيد بهذه الثلاثة استقام وعزف عن الدنيا، فهذه مسألة تنظيمية ليست بشرع، ولا هي عبادة، فأرى -بارك الله فيك- إن كان اتجاهك لطلب العلم فطلب العلم أفضل لك؛ لأن طلب العلم فيه خير، والناس الآن محتاجون لعلماء أهل سنة راسخين في العلم، وإن كان ما عندك قدرة على تلقي طلب العلم، وخرجت معهم لأجل أن تصفي نفسك، فهذا لا بأس به، وهناك أناس كثيرون هداهم الله عز وجل على أيديهم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 كيفية حفظ القرآن ومتون اللغة وأيهما يقدم؟ السؤال أنا شاب عندي رغبة شديدة في تعلم العلوم الشرعية، وقد بدأت بحمد الله في حفظ المتون كـ ألفية ابن مالك وغيرها من المتون، ولكني لم أحفظ كتاب الله ولا أستطيع الجمع بينهما، وقدمت حفظ متون اللغة كي أصون لساني عن اللحن في كتاب الله، وتوقف فهم كثير من أحكام القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم النحو واللغة، وحيث أنني أبلغ من العمر ما يقارب السابعة والعشرين فإني أخشى إن بدأت بحفظ القرآن ألا أتمكن من حفظ غيره من المتون لتقدم السن، هذا وبالله التوفيق؟ الجواب الذي أرى لهذا الأخ الملتزم أن يبدأ بحفظ القرآن؛ لأن القرآن ترجع إليه كل الأمور: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] ، وحفظ القرآن إن قام يتلوه فله في كل حرف عشر حسنات، وإذا كان يتلوه بتدبر وتفهم للمعنى ازداد إيمانه، والمتون التي أشار إليها من متون العلم كـ الألفية وغيرها يجعلها أخيراً، فالذي أنصحه به أن يبادر بحفظ كتاب الله عز وجل قبل كل شيء. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 حكم إلقاء السلام على غير المسلمين السؤال عندي سؤال من جهة طبيعة العمل، حيث إن معي في العمل نصارى منهم عرب ومنهم أجانب، فيبادروني بالسلام، وأحياناً أسلم عليهم وأحياناً أعرض عنهم، فهل في هذا إثم عليَّ، جزاك الله خيراً؟ الجواب إذا سلم عليك رجل من المسلمين أو من اليهود أو من النصارى أو من البوذيين أو من الملحدين الذين لا يعترفون بدين فرد عليهم السلام؛ لأن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، وتأمل قوله: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء:86] لم يقل: إذا حياكم المسلمون، وإنما قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} [النساء:86] أي: واحد يحييكم بتحية {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] أنت لا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم ترد عليه وجوباً، ثم إن كان يصرح بقوله: السلام عليكم، قل: عليكم السلام، وإن كان لا يصرح وتخشى أن يقول: السام عليكم، كما كان اليهود يفعلون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة فقل: وعليكم. وكفى. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله آجمعين. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [11] هذا اللقاء عبارة عن تفسير بعض آيات من سورة النبأ والتي احتوت على ذكر ما أعده الله عز وجل من أنواع العذاب للكفار، فذكر تعالى أنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً، وأيضاً كما ذكر الله ما أعده لأهل عصيانه ذكر ما أعده لأهل طاعته من النعيم، لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثاني لشهر جمادى الأولى، الموافق ليوم الخميس الحادي عشر من هذا الشهر، عام (1413هـ) ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في هذه اللقاءات بركة ونفعاً لنا وللمسلمين. نُتمم ما نحن سائرون فيه من التفسير، وقد تكلمنا على قوله تعالى في سورة النبأ عن الطاغين، وأن جهنم كانت مآبهم، وأنهم لابثون فيها أحقاباً، {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:24-25] . تكلمنا على قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] وقلنا: إن الله سبحانه وتعالى نفى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم، والشراب الذي تبرد به أجوافهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إلا حميماً وغساقاً) ثم قال تعالى: {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:25] وهذا الاستثناء منقطع عند النحويين؛ لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، والمعنى: ليس لهم إلا هذا، الحميم: وهو الماء الحار المنتهي في الحرارة إلى ما ذكرناه سابقاً بأنهم يغاثون بماء كالمهل يشوي الوجوه، {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] ، وغساقاً؛ قال المفسرون: إن الغساق هو: شراب منتن الرائحة شديد البرودة، فيجمع لهم -والعياذ بالله- بين الماء الحار الشديد الحرارة، والماء البارد الشديد البرودة، ليذوقوا العذاب من الناحيتين: من ناحية الحرارة، ومن ناحية البرودة، بل إن بعض أهل التفسير قالوا: إن المراد بالغساق: صديد أهل النار وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق وغير ذلك. وعلى كل حال فالآية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطر أكبادهم من برودته -نسأل الله العافية- وإذا اجتمعت هذه الأنواع من العذاب كان ذلك زيادة في مضاعفة العذاب عليهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (جزاءً وفاقاً) ثم قال تعالى: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26] ، أي: يجزون بذلك جزاءً موافقاً لأعمالهم، من غير أن يظلموا، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44] ، فهذا الجزاء موافق ومطابق لأعمالهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا لا يرجون حساباً) ثم بين وجه الموافقة، أي: موافقة هذا العذاب للأعمال فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:27-28] ، فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول، {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً} أي: كانوا لا يأملون أن يحاسبوا، بل ينكرون الحساب وينكرون البعث، يقولون: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] ، فلا يرجون حساباً يحاسبون به؛ لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم. أما ألسنتهم فيكذبون يقولون: هذا كذب هذا سحر هذا جنون، وما أشبه ذلك، كما تقرءون في كتاب الله ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله، كما قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] ، وقال الله تعالى عن المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4] ، وقالوا إنه شاعر: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] وقالوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الحجر:6-7] ، ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل، وصبرهم على قومهم؛ ما صبروا على هذا الأمر، ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا، بل آذوهم بالفعل كما فعلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذية العظيمة، بل آذوه بحمل السلاح عليه، فمن كانت هذه حاله فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله، كما في هذه الآية الكريمة: {جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} [النبأ:26-28] . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه كتاباً) ثم قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} [النبأ:29] كل شيء، يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون، ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال، ويشمل كل صغير وكبير: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} أي: ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف، (كِتَاباً) أي: كتباً، وقد ثبت في الحديث الصحيح: (أن الله كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة) ، ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة، بل كل قول يكتب، قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ، (رقيب) أي: مراقب، و (العتيد) أي: الحاضر. دخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله، وهو مريض يئن من مرضه، فقال له: يا أبا عبد الله! إن طاوساً -وهو أحد التابعين المشهورين- يقول: إن أنين المريض يكتب، فتوقف رحمه الله عن الأنين، خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه، فكيف بأقوال ألسنتنا التي لا حد لها، ولا ممسك لها، ألفاظ تترا طوال الليل والنهار، ولا نحسب لها أي حساب، ونسأل الله تعالى أن يعاملنا بعفوه. كل شيء يكتب، حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك، من هم بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه، وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له، فلا يضيع شيء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً) قال تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} [النبأ:30] ، هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، أي: يقال لأهل النار: ذوقوا العذاب، إهانة وتوبيخاً، فلن نزيدكم إلا عذاباً، ولن نخفف عنكم، بل ولن نبقيكم على ما أنتم عليه، لا نزيدكم إلا عذاباً، في قوته، ومدته، ونوعه، وقد قرأتم آية أخرى أنهم يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] ، تأمل هذه الكلمة من عدة أوجه: أولاً: أنهم لم يسألوا الله سبحانه وتعالى وإنما طلبوا من خزنة جهنم أن يدعوا لهم، لماذا؟ لأن الله قال لهم: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ، فرأوا أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لأن يسألوا الله ويدعوه، بل بواسطة. ثانياً: أنهم قالوا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [غافر:49] ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأن وجوههم وقلوبهم لا تستطيع أن تتكلم أو تتحدث بإضافة ربوبية الله لهم، أي: بأن يقولوا ربنا، عندهم من العار والخزي ما يرون أنهم ليسوا أهلاً لأن تضاف ربوبية الله إليهم بل قالوا: (رَبَّكُمْ) . ثالثاً: أنهم لم يقولوا: يرفع عنا العذاب، بل قالوا: يخفف؛ لأنهم آيسون -نعوذ بالله- آيسون من أن يرفع عنهم. رابعاً: ثم انظر -أيضاً- هل قالوا: يخفف عنا العذاب دائماً؟ قالوا: {يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يوماً واحداً، يتبين لكم إذا تصورتم هذه الحال ما هم عليه من العذاب والهوان والذل: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] أعاذنا الله وإياكم منها. ثم ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم؛ لأن القرآن مثاني، إذا ذكر فيه العقاب؛ ذكر فيه الثواب، وإذا ذكر الثواب؛ ذكر العقاب، وإذا ذكر أهل الخير؛ ذكر أهل الشر، وإذا ذكر الحق؛ ذكر الباطل، مثاني حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء؛ وقع في الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف؛ وقع القنوط من رحمة الله، وكلاهما من كبائر الذنوب، كلاهما شر، لا الأمن من مكر الله، ولا القنوط من رحمة الله، لذلك تجدون القرآن يأتي بهذا وبهذا، ولئلا تمل النفوس من ذكر حال واحدة، والإسهاب فيها دون ما يقابلها، وهذا من بلاغة القرآن الكريم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 حكم الزكاة على معدات العمل السؤال رجل عنده مغسلة ملابس، وقال له بعض الناس: إن عليك أن تزكي على المعدات التي لديك فهل هذا صحيح؟ الجواب الزكاة تجب في عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتجارة تدخل عليه وتخرج منه، كلما رأى مكسباً باعها، وكلما لم يحصل مكسب أمسكها، ومعدات المغاسل لا تعد للتجارة؛ لأن صاحب المغسلة يريد أن تبقى عنده فهي من جملة ما يقتنيه الإنسان في بيته من فرش وأواني ونحو ذلك، فليس فيها زكاة، ومن قال له: إن فيها زكاة فقد أخطأ، وعلى صاحب المغسلة بعد كلامي هذا أن يبلغ من أفتاه بما قلت، لئلا يفتي غيره بمثل ذلك، لكن المواد التي تذهب، إن كان هناك مواد يشتريها وتذهب مع الغسل، فهذه قد يكون فيها التجارة، كما لو كانت مواد منظفة، فمثل هذه تجارة؛ لأنه يتكسب بها، أما الأشياء الباقية فإنه ليس فيها زكاة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 الموعظة في الأعراس وحكم الدف للرجال السؤال ذكرت في برنامج نور على الدرب في إذاعة نداء الإسلام عندما سُئلت عن الكلام في الزواج، وأن هذه الزواجات هي أفراح، وأن الكلام فيه نظر، وذكرت أن الدف يستخدم في العرس بدون تخصيص للنساء، فاستغل بعض ضعفاء النفوس ذلك بأنه عام للرجال والنساء، ثم إنني -يا فضيلة الشيخ- أرى أن الكلام في الزواج الغير الممل الطويل مما تيسر يكون فرصة إذا حضر كثير من الناس الذين قد لا يحضرون الصلاة مع الجماعة، وقد يكونون ضعفاء الإيمان فيحصل لهم من الفائدة والخير الشيء الكثير، كما ذكر كثير من الناس أنه التزم بسبب كلمة لأحد الإخوة ألقيت في الزواج، وكان لا يصلي من قبل في جماعة، فما رأي فضيلتكم جزاك الله خيراً؟ الجواب رأيي في هذه المسألة ما ذكرته في نور على الدرب أن بعض الناس يفرض نفسه في أيام الزواج ليتكلم ويسهب ويطيل ويمل ويبقى كثير من الناس ربما يكرهون الحديث بالخير من أجل صنيع هذا الرجل، فالناس طرفان ووسط، من الناس من يرغب التذكير ولو طال، ومن الناس من لا يرغبه مطلقاً، ومن الناس من يرغبه إذا قصر، ويمل منه إذا طال، ومن الناس من يرغبه من شخص ولا يرغبه من شخص آخر، فالناس يختلفون. والمعروف أن الناس في الزواج يأتون ليظهروا الفرح والسرور وإدخال السرور على المتزوج، ورؤية بعضهم بعضاً، وربما لا يرى بعضهم بعضاً إلا في هذه المناسبة، ويكون عنده من الكلام ما يحب أن يتفرغ له، فيصبح هذا الذي تكلم وأطال مملاً للناس. ثم إننا نعلم أنا لسنا أحرص على إبلاغ الناس وإرشادهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومع هذا ما علمنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا يقفون ليعظوا الناس في مثل هذه المناسبات، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وقد زفت امرأة لرجل من الأنصار: (ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار قوم يعجبهم اللهو) وهذا يدل على أن المسألة مسألة فرح لا مسألة وعظ، لكن لو رأى الإنسان منكراً فهنا يحب عليه أن يقوم وينكر ويتكلم بما يفيد الحاضرين حول هذا المنكر، أو كان شخصاً معروفاً مشهوراً يتطلع الناس إلى كلامه ويحبون أن يسمعوا منه، فقام رجل من الناس وقال: يا فلان! حدثنا، أو سأله سؤالاً ففتحوا باب الأسئلة والمناقشة فهذا طيب، أما أن تجعل هذه المناسبات موضع مواعظ بدون أن يكون الناس يتحرون هذا الشيء، وعلى غير هدي السلف الصالح، فهذا شيء مما ينظر فيه، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخول أصحابه بالموعظة حتى لا يملهم. وأما بالنسبة لمسألة الدف، فالدف لا نفتي للرجال باستعماله، وإن كان بعض العلماء يرى أن الرجال يجوز أن يستعملوه كالنساء، حتى الإمام أحمد رحمه الله نص على ذلك، على أنه للرجال والنساء كما نقله عنه صاحب الفروع، ولكن مع ذلك لا نفتي بأن الرجال يستعملونه، لما يخشى فيه من العواقب الوخيمة، بل ننهى عن هذا؛ لأنه يحصل فيه من تجمعات غير جيدة. أما النساء فهن في وسط الأحواش، وفي داخل القصر، وفي الغالب أنه لا يحصل فيه مضرة، ثم إننا ننكر أشد الإنكار أن يقع تصوير بالآلة الفوتوغرافية لهذا المحفل أو بالفيديو، وننكر هذا أشد الإنكار. والغناء لا بد أن يكون غناءً ترحيبياً، كما جاء في الحديث: (أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم) وما أشبه ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 حديث الشجاع الذي لا يدع شاذة ولا فاذة وكيفية إصلاح السريرة السؤال ذكرتم فضيلة الشيخ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الشجاع الذي لا يدع شاردة ولا واردة قالوا: إنه من أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه من أهل النار) وذكرتم عن إصلاح السريرة، فكيف يكون إصلاح السريرة؟ الجواب الحديث الذي ثبت في البخاري في قصة الرجل الذي كان لا يدع شاذة ولا فاذة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هو من أهل النار) ، وما علمت أن أحداً قال: إنه من أهل الجنة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هو من أهل النار، فَكَبُر ذلك على الصحابة، وقالوا: كيف يكون هذا الرجل من أهل النار؟ فقال أحدهم: والله لألزمنه وأنظر ماذا تكون حاله، وفي النهاية قتل الرجل نفسه، فجاء الذي لزمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أشهد أنك رسول الله: فقال: بم؟ فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) ، وهذا يدل دلالة واضحة على أن العبرة والمدار هو على ما في القلب من النية، ويدل على هذا قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] ، وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] أي: تختبر. إصلاح السريرة يكون بصدق الإخلاص مع الله عز وجل، بحيث لا يهتم بالخلق، مدحوه أو ذموه، نفعوه أو ضروه، يكون قلبه مع الله تعبداً، وتألهاً، ومحبة وتعظيماً، وقلبه مع الله تقديراً وتدبيراً، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، يرضى بما قدر الله له، إذا وقع الأمر يقول: عسى أن يكون خيراً، يستشعر دائماً قول الله عز وجل: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] وما أشبه ذلك من تعلق القلب بالله، أهم شيء أن يكون قلبك مع الله دائماً، وإذا كان مع الله دائماً صلحت سريرتك؛ لأنك لا يهمك الخلق، الخلق عندك مثل نفسك، بل أقل ما دمت متعلقاً بربك سبحانه وتعالى معتصماً به مهتدياً بهداه، معتصماً بحبله، فلا يهمنك أحد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 الواجب على من وكلت إليه قضية لدراستها السؤال إذا كان الإنسان لديه معاملة يدرسها، ثم أخلص في دراستها وأبدى رأيه الصحيح، ثم من له الصلاحية خالف ذلك، أي: خالف الدراسة الحقيقية فأمر بحفظها أو تغيير تلك الدراسة، هل تبرأ ذمته أم لا؟ الجواب إذا وكل للإنسان دراسة قضية، فالواجب عليه أولاً تقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أنه كما كان الآن محكَّماً في هذه القضية فسيقف أمام حكم عدل عز وجل، فليتق الله في نفسه في هذه القضية، ثم إذا تبين له حكم في هذه القضية وجب عليه أن ينفذه، إن كان موكلاً إليه النظر والتنفيذ، وإن كان موكلاً إليه النظر فقط وإبداء الرأي فعليه أن يبدي رأيه في هذا، والإثم على من ينفذ إذا لم ينفذها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 حكم إمامة من به حَدَث دائم السؤال ما رأيكم في إمامة من به حَدَث دائم؟ الجواب الذي نرى أن إمامة من به حدث دائم صحيحة، وأنه يصح أن يكون إماماً لمن ليس حدثه دائم، وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، وما دام هذا الرجل تصح صلاته، وهي مقبولة عند الله فتصح صلاته لغيره أيضاً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للناس أن يصلوا خلف من لا يستطيع القيام وهو ركن في الفريضة، بل أمرهم أن يجلسوا تبعاً لإمامهم فكذلك هذا. فالصحيح أن القاعدة التي تؤيدها الأدلة الشرعية فيما نرى: أن كل من صحت صلاته صحت إمامته، حتى الفاسق حالق اللحية، وشارب الدخان، تصح إمامته، والذي يغتاب الناس تصح إمامته، فهذه القاعدة هي التي نرى أن الأدلة الشرعية تدل عليها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثناه الشرع، كإمامة المرأة للرجال، فإن كون المرأة إماماً للرجال حرام ولا تصح، وتفسد الصلاة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فإذا ولينا أمرنا في الصلاة امرأة فلا فلاح لنا، إذاً فالقاعدة هي: كل من صحت صلاته صحت إمامته، إلا ما دل الشرع على منعه كإمامة المرأة للرجال. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 معنى الاستواء في اللغة السؤال عثمان الدارمي في رده على بشر المريسي أورد أن الاستواء يأتي بمعنى الجلوس، ما رأي فضيلتكم؟ الجواب الاستواء على الشيء في اللغة العربية يأتي بمعنى الجلوس، قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] ، والإنسان على ظهر الدابة جالس أم واقف؟ هو جالس، لكن هل يصح أن نعديه إلى استواء الله على العرش؟ هذا محل نظر، فإن ثبت عن السلف أنهم فسروا ذلك بالجلوس فهم أعلم منا بهذا، وإلا ففيه نظر، وإلا نقول: كيفية الاستواء مجهول، ومن جملة الجهل ألا ندري أهو جالس أو غير جالس، ولكن نقول: معنى الاستواء العلو، هذا أمر لا شك فيه، استوى على العرش يعني: علا علواً خاصاً غير العلو العام الذي على جميع المخلوقات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 حكم التسمية بأسماء الله السؤال ما حكم أن يسمى الشخص بأسماء الله كأن تقول لفلان: العزيز لا على أنه صفة وإنما على أنه اسم؟ الجواب أقول لك في الجواب على هذا: أسماء الله نوعان: نوع مختص به، لا يجوز أن يسمى به غيره، مثل: الله، الرحمن، الجبار، المتكبر، هذه لا يجوز أن يسمى بها أحد من الخلق؛ لأن هذه الصفة لا يتصف بها غيره. والنوع الثاني: لا يختص بالله ويجوز أن يسمى به غيره، فهذا إن كان ملاحظاً فيه الصفة بمعنى أنه يراد أن هذا الاسم يراد به ما يدل عليه من المعنى فهذا لا يجوز، كما لو سمينا شخصاً بعزيز وقصدنا بهذا أن له الغلبة والعزة والارتفاع بين الناس فهذا لا يجوز، أما إذا قصد به أنه مجرد علم لا يقصد به شيء من المعنى فهذا لا بأس به، وأنتم تعرفون أن في الصحابة من كان يسمى حكيم، ومن يسمى الحكم، وما أشبه ذلك. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 الضابط في التكفير السؤال أريد أن توضح لي قضية التكفير، التكفير المطلق والتكفير المعين؟ الجواب التكفير والتفسيق والتبديع كلها أوصاف مرتبة على معان إذا وُجِدت وُجِدت هذه الأوصاف، فإذا وجد السبب أو المعنى الذي من أجله يستحق من وجد فيه أن يوصف بهذا الوصف فإنه ينطبق عليه، فلا يجوز لنا أن نقول: فلان كافر حتى نتحقق من أمرين: الأمر الأول: ثبوت أن هذا العمل من الكفر، فإن لم نعلم وشككنا فالأصل أن المسلم باق على إسلامه ولا يحل أن نكفره، مثال ذلك: لو قال قائل: إن الذي يشرب الخمر كافر فهذا حرام، ما نقول كافر حتى نعلم أن الشرع نص على كفره. والأمر الثاني: أن نتحقق من انطباق هذا الوصف على هذا الشخص، أي: انطباق هذا المعنى الذي علق عليه الشارع الحكم عليه بالتكفير، لابد أن نعلم أنه منطبق على هذا الشخص بحيث تتم فيه شروط التكفير، ومن الشروط أن يكون عالماً، وأن يكون قاصداً، فإن كان غير عالم فإننا لا نكفره؛ لأنه لم تقم عليه الحجة بعد، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] ، وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] إلى قوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ، والآيات في هذا المعنى متعددة، فإذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الشيء من الكفر فإننا لا نحكم بكفره. الشرط الثاني: أن يكون الشخص مريداً لما قال من كلمة الكفر، أو لما فعل، فإن كان مكرهاً أو سبق لسانه على قول كلمة الكفر فإنه لا يكفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم -وذكر أنه- كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها فضاعت عنه وجعل يطلبها ولم يجدها ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك استيقظ وخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذ به فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) كلمة: أنت عبدي وأنا ربك، كفر لكن هل قصدها؟ لا. وإنما سبقت على لسانه، إذاً لابد من هذين الشرطين، العلم، والثاني: الإرادة والقصد، فإن لم يرد ولم يقصد فلا. ومن ذلك أيضاً قصة الرجل الذي كان ظالماً لنفسه فجمع أهله وأمرهم أن يحرقوه إذا مات، وأن يذروه في اليم لئلا يعذبه الله فجمعه الله عز وجل وسأله: (لماذا فعلت هذا؟ قال: ربي خوفاً من عذابك، فغفر الله له) ، فإن هذا الرجل كان جاهلاً في كون الله تعالى يقدر على أن يجمعه ويحاسبه، إذاً لابد من أمرين: الأمر الأول: أن نعلم بأن هذا الشيء مكفر. الأمر الثاني: أن نعلم انطباق الشروط أو إتمام الشروط على من قام به، فلابد من أن نعلم أن شروط التكفير قد انطبقت عليه، ومنها: العلم، والقصد، ولهذا يفرق بين كون المقالة أو الفعالة كفراً، وبين كون القائل لها أو الفاعل لها كافراً، قد تكون المقالة أو الفعالة كفراً، ولكن القائل لها أو الفاعل لها ليس بكافر لعدم انطباق الشروط عليه. ومن ثم نحن نحذر غاية التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على قوم لم يتبين فيهم الشروط، أي: شروط التكفير؛ لأنك إذا كفرته فلازم تكفيرك إياه أن تشهد بأنه في النار، فأنت الآن شهدت بالحكم وبما يقتضيه الحكم، المسألة خطيرة جداً، ثم إن الحكم بالتكفير يستلزم بغضه والبراءة منه والبعد عنه وعدم السمع له والطاعة إن كان أميراً، وما أشبه ذلك مما يترتب على هذه المسألة التي يجب على الإنسان أن يكف لسانه عنها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 الذكر الذي يقوله المأموم إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده السؤال إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، هل يقول المؤتم: ربنا ولك الحمد أم يقول: سمع الله لمن حمده؟ الجواب المؤتم إذا قال إمامه: سمع الله لمن حمده لا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) فقال: إذا كبر فكبروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين التكبير وبين التسميع، فالتكبير نقول كما يقول، والتسميع لا نقول كما يقول؛ لأن قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) بمنزلة قوله إذا قال: سمع الله لمن حمده فلا تقولوا: سمع الله لمن حمده، ولكن قولوا: ربنا ولك الحمد، بدليل سياق الحديث الذي قال: إذا كبر فكبروا. ومن قال من أهل العلم أنه يقول: سمع الله لمن حمده ويقول: ربنا ولك الحمد فقد أخطأ، وليس أحد يقبل قوله على الإطلاق ولا يرد قوله على الإطلاق حتى يعرض على الكتاب والسنة، ونحن إذا عرضنا هذا على السنة وجدنا الأمر كما سمعت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 إخراج زكاة الزروع نقداً ونصاب الزكاة السؤال إذا باع المزارع ثمر النخل، ونسي أن يخرج الزكاة، فهل يشتري زكاة أو يخرجها نقوداً، وما هو نصاب الزكاة؟ الجواب إذا باع الإنسان ثمرة نخله أو زرعه فإنه يخرج الزكاة من قيمتها؛ لأن هذا أقرب إلى العدل وهذا أنفع للفقراء في وقتنا، فمثلاً إذا بعته بعشرة آلاف ريال تخرج نصف العشر يعني: خمسمائة ريال. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 مدى انطباق أحكام المسافر على من سافر للدراسة السؤال أنا من مدينة جدة، وأدرس في جامعة الإمام فرع القصيم وتستلزم الدراسة أربع سنوات فهل أكون مسافراً أو أكون مقيماً؟ وإذا كنت مسافراً فهل إذا رجعت إلى مدينة جدة للزيارة هل أكون هناك مسافراً أم مقيماً؟ الجواب أما على رأي الجمهور فإنك مقيم غير مقيم، مقيم في وجوب إتمام الصلاة، وفي لزوم الصوم في رمضان، وفي الاقتصار على يوم وليلة في المسح على الخفين، غير مقيم في الجمعة فلا يكمل بك عدد الجمعة، ولا يصح أن تكون فيها إماماً، ولا يصح أن تكون فيها خطيباً هذا هو المشهور عند فقهاء المذاهب، ولكن الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أن الناس ينقسمون إلى قسمين فقط: مستوطن ومسافر، ومثل المستوطن من أقام إقامة مطلقة غير مقيدة بعمل ولا زمن، وعلى هذا فيكون إقامتك في القصيم للدراسة مع أن النية الجازمة بأنك سوف تغادر القصيم إذا انتهت الدراسة تكون مسافراً على هذا الرأي، وإذا رجعت إلى بلدك فإنك مقيم؛ لأنك رجعت إلى محل استيطانك، فعليك أن تتم في بلدك ولك أن تقصر في هذا البلد الذي أنت تقيم فيه للدراسة. وأما بالنسبة للصوم فنرى ألا تتأخر في صوم سنة إلى سنة أخرى؛ لأن ذلك يتراكم عليك وربما تعجز عن قضائه في المستقبل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 حكم لبس اللون الفسفوري وشراء الثياب الشفافة للزوجة ولبسها أمام زوجها السؤال ظهر مؤخراً في الدروس التي تقام في البيوت أن بعضهم يقول: إن لبس اللون الفسفوري -أي: الأصفر المشرب بخضرة- لا يجوز للمسلم أن يَلبسه أو يُلبسه أطفاله، ولا يجوز للمرأة أن تشتري ثياباً رقاقاً تلبسها لزوجها فقط، ولا يجوز أن تأخذ من شعرها شيئاً سواء قصدت التقليد أو لم تقصد؟ الجواب أولاً: الأصل في اللباس الحل، إلا ما قام الدليل على تحريمه، ولا أعلم دليلاً يحرم هذا اللون الفسفوري على المرأة، وأما الثياب الرقيقة عند الزوج فلا بأس بها، ولا حرج، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6] ، أما في مكان لا يختص فيه الزوج فإنه لا يجوز أن تلبس الرقاق سواء كان ذلك في السوق أو فيما بين النساء. وأما بالنسبة للشعر فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: تحريم أخذ شيء من شعر المرأة مطلقاً إلا في حج أو عمرة. والثاني: أنه يكره أن تأخذ شيئاً من شعرها. والثالث: الجواز مطلقاً، يعني يجوز أن تأخذ من شعرها ما شاءت ما لم يكن هذا على وجه يشبه شعر الكافرات، فإنه لا يجوز التشبه بالكافرات، وعلى كل حال نرى أنه لا ينبغي التشدد في هذا الشيء، وألا يرخص للنساء مطلقاً، يقال: الأولى أن يبقى الرأس على ما هو عليه، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 التحذير من الفتوى بغير علم السؤال نريد كلمة توجيهية للنساء اللاتي يقمن الدروس الخاصة في البيوت فإنهن يفتين بكثرة وبطلاقة، فبعضهن عندهن معلومات وليس عندهن علم أو رسوخ في العلم؟ الجواب لابد للإنسان من رجل أو امرأة أن يتقي الله فيما يقول عن شريعة الله، والمفتي يتحدث عن الله، فالواجب أن يتقي الله عز وجل فيما يتكلم به، وألا يفتي إلا عن علم أو عن غلبة ظن بعد الاجتهاد. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 حكم الأصم الأبكم من حيث التكليف السؤال الأصم الأبكم هل هو مكلف مثل غيره من المسلمين؟ الجواب الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه، وهما السمع والنطق، ولكن بقي عليه النظر، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر؛ فإنه لا يسقط عنه، وما كان لا يدركه؛ فإنه يسقط عنه، أما ما كان طريقه السمع إذا كان لا يدركه بالإشارة فإنه يسقط عنه، وعلى هذا فإذا كان لا يفهم شيئاً من الدين فإننا نقول: إذا كان أبواه مسلمين أو أبوه أو أمه فهو مسلم تبعاً لهما، وإن كان بالغاً عاقلاً مستقلاً بنفسه فأمره إلى الله، لكنه ما دام يعيش بين المسلمين فإننا نحكم له ظاهراً بالإسلام، يُعلم بعض الأشياء بالإشارة، وأنا أعرف الذين في معهد الصم والبكم في الرياض يعرفون بالإشارة أسرع من النطق؛ لأن هناك أناساً يترجمون لهم بالإشارة فيفهمون منهم مباشرة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 التحذير من التجاوز فيما ورد من أسماء الله وصفاته السؤال فضيلة الشيخ! في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا) هل تثبت هذه الصفة لله عز وجل ألا وهي الملل؟ الجواب أجيبك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ما بالك تبحث عن ثبوت الملل لله عز وجل أو عدم ثبوته؟ أنت تعلم أن الرسول خاطب الصحابة في ذلك، وتعلم أن الصحابة أحرص منا جميعاً على معرفة صفات الله تعالى، وهل أوردوا على الرسول هل يمل أو لا يمل، أو قالوا: سمعنا وصدقنا وآمنا أن الله لا يمل حتى نمل؟! فما كان في الملل من نقص فهو لنا وليس لله، فالله تعالى كامل الصفات. فيجب أن نتوقف عن البحث والنقاش في هذا الأمر، وأقول لك ولغيرك ولمن سمع كلامي هذا إن صفات الله عز وجل يجب أن يحترز الإنسان منها غاية الاحتراز، ولا يتجاوز ما ورد، فإن تجاوز ما ورد هلك؛ لأنه سوف يقع في أحد أمرين: إما التمثيل ولزوم النقص في صفات الله، وإما التعطيل، أحد هذين الأمرين، وسبحان الله العظيم الصحابة مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والتابعون أكثر وأكثر، وأئمة المسلمين سكتوا عن هذا فيأتي متأخرون من العلماء، ويأتي الإخوة الطلبة الشباب الذين يريدون أن يتعمقوا -زعموا- في صفات الله، فينقبون عن مثل هذه المسائل، كم أصابع الله؟! كيف عينه؟! كيف وجهه؟! أما تعلم أن الإمام مالك رحمه الله لما قال له شخص يا أبا عبد الله!: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ أطرق برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً خجلاً من هذا السؤال واستعظاماً له، وتعظيماً للرب عز وجل، ثم رفع رأسه وقال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج، فأخرج من المسجد. هذه المسائل أيها الشباب! مسائل الصفات لا تحرصوا على التعمق فيها حتى لا تقعوا في الهلاك، قولوا: سمعنا وآمنا وصدقنا وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، نحن ما دمنا نعمل فالله تعالى يثيبنا ولا يمل حتى نمل، والملل إذا كنت ترى أنه نقص فيك فلا تثبت لله صفة نقص، فهو ملل يليق به، ونعلم أنه لا يستلزم نقصاً في حق الله إن كان ثابتاً له، وأحذرك وأحذر السامعين من التنطع والتعمق في هذه المسألة الخطيرة، عليكم بما كلفتم به من الأعمال، ودعوا ما لم تكلفوا به، ابحث كيف تصلي كيف تتوضأ كيف تصوم كيف تتصدق، واترك صفات الله عز وجل، خذها كما جاءت ولا تنقب عنها؛ لأن أمامك أناساً أعلم منك، وأحرص منك على معرفة الله، وأشد حباً منك للخير وللعلم ما ناقشوا الرسول فيها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 حكم التوسع في شرح أسانيد الأحاديث السؤال هناك أمر بين بعض طلبة العلم هو أن بعضهم يحفظ الأسانيد ويرويها ويجلس يشرح في هذه الأسانيد فترة طويلة، ويذكر الرواة ويذكر ما في هذا الحديث حتى أني مرة سمعت في حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من بعد صلاة المغرب إلى أذان العشاء ولم يشرح الحديث نفسه فما رأيكم في هذه الطريقة المتبعة عند بعض طلبة العلم؟ الجواب الذي نرى أن هذه الطريقة عقيمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رب مبلغ أوعى من سامع) فالمهم من السنة هو فقهها ومعرفتها، والرجال والسند ما هو إلا طريق، فإذا كانت الرجال من رجال البخاري ومسلم وهو في الصحيحين مثلاً، فطول الكلام فيه قليل الفائدة وإضاعة للوقت، أما إذا كان الرجال في كتب لم تشتهر بين المسلمين، فهنا يجب أن يبحث الإنسان فيهم، وإذا كان مدرساً قال عن هذا الرجل: تكلم فيه الناس، وأكثرهم ضعفه، أو أكثرهم قواه، وينتهي ثم يتكلم على فقه الحديث، وما اشتمل عليه من فوائد وأحكام، هذه الطريقة الصحيحة التي تنفع الناس، أما كوني أعرف أناساً لهم مئات السنين قد ماتوا وما حالهم، وما قيل فيهم، والفائدة قليلة؛ لأن هذا الحديث في البخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأئمة بالقبول، بل تلقاهم الناس جميعاً بالقبول، فهذا إضاعة وقت في الحقيقة، وخير من هذا إذا كان يريد كذلك أن يأخذ التقريب أو التهذيب أو تهذيب التهذيب أو غيره من كتب الرجال ويقرأ ويشرح ويدع الأحاديث جانباً. فنصيحتي لإخواني الذين يدرسون في الحديث أن يهتموا بفقه الأحاديث، أما الرجال فلا يبحثوا إلا فيما دعت الضرورة إليه، وإذا كانوا قد تصدوا للتدريس فليتكلموا بما حصل عندهم في هذا الرجل فيقول مثلاً: هذا الرجل تكلم فيه الناس أكثرهم ضعفه وأكثرهم قواه والراجح أنه قوي، أو الراجح أنه ضعيف، إذا كان أهلاً للترجيح أو التضعيف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 فضيلة أجر السلام للمبتدئ به السؤال فضيلة الشيخ! سمعت بعض الإخوة يقول: إنك إذا ألقيت السلام على بعض الناس وقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فلك بهذا ثلاثون حسنة فكل من رد عليك السلام فلك مثل أجر المسلم؛ لأنك أنت دللتهم على الخير، هل هذا كلام صحيح؟ الجواب الذي يظهر لي أن السلام والرد عبادة واحدة، ولكل من قام به أجره، فأنت إذا ألقيت السلام فلك أجر المبتدئ بالسلام، ولك على كل جملة منه عشر حسنات، وهو إذا رد فله كذلك، ولا شك أن البادئ بالسلام أفضل من الراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، أما أن نجزم بأن أجر الإجابة يحصل للمبتدئ فهذا محل نظر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 حكم الغناء إذا كان علماء البلد يجيزونه السؤال إذا كان أهل مصر من الأمصار يحلون شيئاً، مثل أهل المدينة كانوا يحلون الغناء، وأهل الكوفة كانوا يحلون النبيذ، فما حكم الغناء إذا كان علماء المصر يجيزونه؟ الجواب إذا علمنا أن هذا العالم مجروح بالغناء لكونه يغني مثلاً، ولكنه مستقيم الحال فيما عدا ذلك، بحثنا هل هو ممن يرى إباحة الغناء؟ إذا قيل: نعم. فإن هذا لا يجرحه، وإن قيل: لا. فإن ذلك يجرحه؛ لأنه أصر على معصية، والغناء اختلف فيه العلماء ولا شك في هذا، ولكن قد وضع الله لنا ميزاناً عند اختلاف العلماء وهو الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] ، فلا يوهن الحكم اختلاف العلماء إذا بانت السنة إنما الذي يوهن الحكم ألا تثبت السنة أو لا تثبت دلالتها على الحكم؛ هذا هو الذي يوهن، أما مجرد الخلاف فإنه لا يوهن الحكم، لكنه يوجب للمستدل أن يبحث أكثر حتى يعرف ما وجه الخلاف الذي نشأ ويعرف الرد عليه، وهذه المسألة قلَّ من يتفطن لها حيث إن بعض الناس يظن أن مجرد الخلاف يوهن الحكم وهذا غلط، مثلاً إذا قال أحدهم: لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ ثم قال آخر: بل هو ينقض الوضوء للحديث، فيقول الثاني: العلماء مختلفون فيه، نقول: الاختلاف لا يضر ولا يوهن الحكم ما دام الدليل دالاً عليه، والدليل ثابت، والدلالة ثابتة، فإن الخلاف لا يوهن الحكم، لكن كما قلت لك: يوجب للمستدل الناظر أن يتثبت وأن ينظر لماذا حصل الخلاف؛ فلربما يكون الخلاف لأمر لم يعلمه هو فإذا علمه رجع عن قوله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 توضيح إشكال في توثيق الذهبي إبراهيم بن سعد السؤال ذكر الذهبي في ترجمة إبراهيم بن سعد بعدما وثقه، ثم قال: وكان يجيد الغناء، ونحن نعلم بأن الإمام مالك يرى بأن الذي يشتغل بالغناء فاسق؟ الجواب لا تستغرب، العلماء يخفى عليهم الدليل، وتخفى عليهم الدلالة، أحياناً لا يعلمون بالدليل فيبنون على أصل، وأحياناً يعلمون الدليل فتخفى عليهم الدلالة فيؤولون الحديث على غير وجهه، ويحصل بذلك الخلاف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 القوم الذين يمرقون من الإسلام آخر الزمان كما يمرق السهم السؤال ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي أقوام آخر الزمان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم) ، نرجو من فضيلتكم توضيح أوصافهم لنا، وما هو وجه المروق؟ الجواب هؤلاء الخوارج الذي وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أهل طاعة وعبادة وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، لكن هذا العمل لا يجاوز، تراقيهم يعني: لا ينزل إلى القلب والعياذ بالله، فيمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، والسهم إذا ضرب الرمية مرق بسرعة وخرج من الجانب الآخر، فهم كذلك يمرون بالإسلام مروراً سريعاً كسرعة هذا السهم ثم يخرجون منه، نسأل الله العافية، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم؛ لأنهم وإن تشددوا في الدين فهم مارقون منه، ولو فتشت في قلوبهم لوجدتها سوداء صماء لا يصل إليها الخير والعياذ بالله؛ لأن إيمانهم في الظاهر، وهذا في الحقيقة شيء يجب علينا أن نحاسب أنفسنا فيه؛ لأن بعضنا تجده يكره المعاصي من الناس، وينفر منها، وينكر عليهم ويسبهم، ولكن ما وصل الإيمان إلى قلبه، فتجده في عبادته مهملاً لا يحضر قلبه لصلاته، ولا ينيب إلى ربه، ولا يجد أنه مذنب إذا أذنب، وهذه من صفات الخوارج، ولهذا قال بعض السلف: من قال إن الناس هلكوا فهو أهلكهم، ومن قال إنهم ضلوا فهو أضلهم. ومرادهم بهذا أن من اشتغل بعيب غيره عن عيب نفسه ففيه شعبة من الخوارج، وهؤلاء الخوارج ينكرون على الناس ويشددون عليهم ويجعلون فاعل الكبيرة كافراً وهم أكفر منه؛ لأن إيمانهم لم يصل إلى القلب، وهم فقط ينكرون في الظاهر، وهذه المسألة خطيرة، يجب على الإنسان أن يعالج نفسه منها حتى يسلم من هذا الشر، وهؤلاء ليسوا في آخر الزمان، نعم في آخر الزمان بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لكنهم سبقوا، منذ عهد الخلفاء الراشدين وهم موجودون، بل إن بعضهم كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنهم ما حملوا السلاح، فالذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كان ابن عمتك يا رسول الله! لما حكم للزبير بن العوام. هذا نوع من الخروج، والذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنائم: اعدل! وقال آخر: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، هذا أيضاً نوع من الخروج. السائل: يعني: هؤلاء يقتدون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف نعرفهم؟ الشيخ: يقتدون ظاهراً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجاوز تراقيهم) أو قال: (حناجرهم) . أما كيفية معرفتهم فهذه هي التي يجب على الإنسان أن يتوقف فيها، ورد فيهم علامات، أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعلامات لهم منها ما وقع في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ظهور ذي الثدية وغيره، ولكن نحن الآن لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء بأنهم الخوارج، إلا إذا علمنا رأيهم، فإذا كان رأيهم رأي الخوارج عرفنا أنهم منهم، مثال ذلك: من يرى جواز الخروج على أئمة المسلمين، الذين هم مسلمون، هذا رأي الخوارج، نعرف أن هؤلاء متشددون في دين الله، لكن دينهم لم يتجاوز حناجرهم، قلوبهم خاوية وخالية من الإيمان. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 حكم من يرمي الملتزمين بأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية السؤال كثير من الناس الحالقين للحاهم والمسبلين يرمون الملتزمين بأنهم يخرجون من الإسلام كما يخرج السهم، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب هذا غير صحيح، الفاسق يرى العدل أنه كافر! وهؤلاء لا تقبل شهادتهم ولا يقبل حكمهم، الفسقة فسقة، قال الله فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] . الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 حكم استعمال بعض العبارات الشائعة مثل: لا سمح الله أو لا قدر الله السؤال ما حكم استعمال بعض العبارات الشائعة (لا سمح الله) (لا قدر الله) (المرحوم فلان) (المغفور له فلان) ؟ الجواب أما (لا سمح الله) فأكرهها؛ لأنها تنبي عن ضغط وإكراه لله عز وجل، والله لا مكره له، وأما (لا قدر الله) فلا بأس؛ لأن معنى (لا قدر الله) أي: أسأل الله ألا يقدر هذا، وكذلك المغفور له والمرحوم لا بأس بها أيضاً؛ لأنها ليست خبراً، وإنما هي دعاء، ولا فرق بين أن نقول: فلان غفر الله له، أو فلان مغفور له إذا قصدت الدعاء؛ لأن جملة غفر فعل ماض تدل على أن الغفران حاصل، لكن لما كنت تريد أن تسأل الله أن يغفر له، صارت جائزة، كذلك المغفور له اسم مفعول تدل على وقوع المغفرة، لكن لما كنت تريد أنك تسأل الله أن يغفر له صارت جائزة، فيظن بعض العامة أنك إذا قلت: فلان المرحوم، أن هذا خبر، وأن الله رحمه، فهذا غلط، أنا أقول: مرحوم يعني: الذي أسأل الله أن يرحمه، وكذلك المغفور له. السائل: إذاً حسب قصد المتكلم؟ الشيخ: نعم. كما إذا قلت: فلان غفر الله له، إن كان قصدك أن تخبر أن الله قد غفر له فهذا حرام ولا يجوز، لا تتقوَّل على الله وإن قصدت الدعاء فلا بأس. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 تعريف فقه الواقع والدليل على وجوده عند السلف والتحذير من الإكثار منه السؤال فضيلة الشيخ! علم فقه الواقع أصبح على لسان الكثير من إخواننا ما بين مُفرِط ومُفَرِّط فما هو الضابط الشرعي؟ وما هي الأدلة على وجود هذا الفقه عند سلف هذه الأمة، أرجو من فضيلتكم البسط في ذلك لأهميته، ولحاجة الكثير من إخواننا إلى ذلك وجزاكم الله خيراً؟ الجواب فقه الواقع يعني: فقه واقع الناس الذين هم عليه. هذا فقه الواقع، ومن المعلوم أن واقع الناس لابد أن يكون معلوماً لدى الإنسان حتى يعرف ماذا يعيش فيه، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) فأخبره عن واقعهم وحالهم، لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يطغى على الفقه في الدين، وأن يكون ليس للشاب أو لغير الشاب هم إلا أن يبحث فيما حصل في أمر لا يمكنه إصلاحه -أيضاً- لو أراد الإصلاح، فالفقه في الدين هو الأصل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . والفقه في الواقع نحتاج إليه لنطبق الفقه في الدين على أحوال الناس؛ لأنه لا يمكن أن تحكم على شخص بأنه فسدت صلاته مثلاً حتى تعلم أنه فعل مفسداً أو أن صيامه بطل حتى تعرف أنه فعل مبطلاً، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يطغى فقه الواقع على فقه الدين، بحيث لا يكون للإنسان هم إلا مطالعة الجرائد والمجلات، وما أشبه ذلك ويعرض بذلك عن مطالعة الكتاب والسنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 حكم امرأة حاضت وقد أدركت وقت الصلاة السؤال امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت؟ الجواب نعم. الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 المقصود بحديث الرجل الذي مر عليه الرسول وهو يشرخ رأسه فقيل له: إنه نام عن القرآن ونام عن الصلاة السؤال ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه مر على قوم يعذبون ومنهم رجل يشدخ رأسه فقيل له: إنه نام عن القرآن ونام عن الصلاة، فهل يقصد أنه نام عن النوافل كقيام الليل وعن حفظ القرآن أم ماذا؟ الجواب المراد بذلك الفرائض؛ لأن النوافل لا يعذب الإنسان على تركها، وأما أنه نام عن القرآن، أي: نام عما يجب أن يتعلمه من القرآن فيحمل هذا الحديث على الواجب، أما ما كان تطوعاً فالإنسان فيه بالخيار. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 حكم لبس الأحمر الخالص للرجال والنساء السؤال بالنسبة للبس المعصفر والأحمر هل هو خاص بالرجال أو النساء وما الراجح في ذلك؟ الجواب اللباس الأحمر الخالص نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لكن بشرط أن يكون خالصاً، أما إذا كان فيه خط أو خطوط بيضاء أو ليس أحمر خالصاً فإنه لا بأس به للرجال والنساء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 حكم النظر إلى المباريات وأضرارها السؤال كثير من الإخوة هداهم الله يشاهد المباريات من خلال التلفاز ويقول: إن هذا ليس فيه شيء، مع العلم أن المباريات يظهر فيها كشف العورات خصوصاً المباريات التي تحصل في خارج المملكة، ويحضر في المدرجات نساء وللأسف قد يكون البعض منهم ملتزماً، ويحتج بأنه يتابعها للمشاهدة وليس للتشجيع والحماس؟ الجواب الواقع أن ما أشرت إليه قد ابتلي به بعض الناس، وصاروا يهوونه هواية شديدة -أعني: النظر إلى المباريات- حتى أن بعضهم ربما يدع الصلاة مع الجماعة من أجل هذا، ولا ريب أنه إذا ترك الجماعة من أجل هذا أنه آثم وعاص؛ لأن الجماعة واجبة لكن إذا قدرنا أنه بعد أن صلى العشاء جلس فهنا نقول جلوسك هذا إن سلمت من الإثم؛ فإنه لغو ولكني لا أظنه يسلم من الإثم لأمور: أولاً: أنه يضيع وقته في غير فائدة، والوقت أغلى من المال، وأثمن من المال للعاقل، ولهذا قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ، ما قال: لعلي أشاهد المباريات أو أتمتع في الدنيا قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] فهذا يدل على ندمه عل ما أضاعه في غير طاعة الله عز وجل. ثانياً: أنه يوجب تعلق القلب بهذا، لكن لو فطم نفسه عنه ما همه، كما هو معروف في الناس الذين لا يرونها لا تهمهم بل إذا كانوا يشاهدون الأخبار ثم جاءت هذه المباريات أغلقوا التلفاز، لكن إذا صار يشاهدها تعلق قلبه بها وألفها، وصار حبه لها غراماً. ثالثاً: أنه ربما يغلب في هذه المباراة من هو كافر أو فاسق فيقع في قلبه تعظيمه ومحبته وموالاته وهذه خطيرة. رابعاً: أنه سيضيع مالاً بما ينفقه على هذا التلفاز من أجرة الكهرباء وكذلك الأضواء في المحل الذي هو فيه، فربما يستغرق شيئاً كثيراً من الأموال، لذلك نرى أن مشاهدة هذه المباريات فيها شيء من السفه، وفيها شيء من الخطر على الإنسان، فالذي ينبغي لك أيها الحازم ألا تشاهد هذه المباريات. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 حكم الصور التي تعرض على التلفاز والتحذير من البث المباشر السؤال كان أحد الإخوة يتكلم عن التلفاز، فمن المعروف يا شيخ! من كلامكم -هذا ما نعرفه- أن حكمه بحسب ما يستخدم له، ولكن لا تحبذه هذا الذي أعرفه، ولكن يقول: إذا كان التلفزيون أو الجهاز يستعمل لشيء من الأشياء الخيرة فالأصل فيه أنه للخيرات، ولكن أقول يا شيخ: بالنسبة للصورة التي تعرض سواء للخير أو لغيره أليست هي صورة، فلماذا لا تأخذ حكم الصور حفظكم الله وبارك فيكم؟ الجواب هي صورة لا شك، لكنها ليست حراماً؛ لأن هذه الصور إن كانت في شريط الفيديو، فإنها لا تظهر في نفس الشريط وإنما تظهر على الشاشة فقط، وإن كانت مباشرة فهي صورة كأنك تشاهد شخصاً من طاقة من البيت، وليس كل ما يسمى صورة يكون حراماً، فإن الإنسان يقف أمام المرآة ويشاهد صورة، ومع ذلك لا نقول: إن هذه الصورة حرام، فالمحرم من الصور الصور الثابتة التي تثبت باليد، تثبت على الأوراق، أما هذه فليست بثابتة، لكن إذا كان الإنسان يخشى على نفسه من مشاهدتها كما لو ظهر في الأخبار امرأة أو شاب جميل وتخشى المرأة على نفسها منه، فهنا لا تنظر إليه. وأما قوله أن فيه خيراً نعم إن فيه الخير وفيه الشر، لكن في الوقت الحاضر شره أكثر من خيره، والإنسان العاقل لا ينبغي أن يقتنيه في بيته حتى ولا للأخبار؛ لأنه إذا اقتناه في البيت فلن يقتصر على الأخبار فقط، لابد أن يشاهد أخباراً وغير أخبار. فنصيحتي لإخواني! أن يدعوا اقتناء التلفزيون مطلقاً مهما كان، لا سيما إذا جاء هذا الشبح الذي يهددوننا به الآن وهو البث المباشر، الذي سوف يشاهد الناس بواسطته ما عليه الدول الفاجرة الكافرة من الخلاعة والمجون والكفر، وإثارة الناس على ولاتهم، الذين في الخارج سينشرون كل ما يقال، حتى لو كان فيه ما يفرق بيننا وبين ولاة أمورنا؛ لأنهم يريدون الشر ويريدون الثورات، ويريدون القلق، ولا يريدون أمناً لهذه البلاد ولا لغيرها، ولهذا كان واجباً على الإنسان أن يحذر من هذا البث المباشر حتى يسلم الناس من شره. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 معنى اتباع المال للميت في قوله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة) السؤال الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يتبع الميت ثلاثة: يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع ماله وأهله ويبقى عمله) كيف أن ماله يتبعه؟ الجواب أليس الإنسان إذا خرج خرج معه أهله، أليس كذلك؟ وخرج معه ماله فما هو ماله؟ قال أهل العلم: هذا في الميت الذي له أرقاء يتبعونه، والأرقاء أمواله يباعون ويشترون، وقال بعض العلماء: المراد بماله هو ما يكرم من أجله، يعني: أن الناس غير أقاربه وغير أهله يخرجون معه من أجل ماله إذا كان تاجراً فعبر بالمال عن التابعين من أجل المال، ولهذا نجد الفقير إذا صلي عليه في المسجد من يتبعه؟ لا يتبعه إلا الذين يحملون النعش فقط، أربعة أو خمسة أو ستة، لكن إذا كان غنياً ما شاء الله، ملئوا المسجد، فهذا تبع المال، وربما يقال: ما يغطى به من أكسية أو نحوها يرجع فيكون هذا هو المراد بالمال لكن هذا ضعيف، فالمعنى إما أن يقال: إن المراد بالمال العبيد الأرقاء، أو يراد بالمال ما يكرم به من أجله، وهو كثرة الناس الذين ليسوا من أهل الميت. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 انطباق شروط الفتوى في الرجل على المرأة إلا ما خصه الدليل السؤال في مؤلفكم الأصول من علم الأصول ذكرتم شروط الفتوى، فهل هذه الشروط، تنطبق على المرأة لاسيما بعد السؤال السابق عن ظاهرة الفتوى للمرأة بغير علم؟ الجواب الشروط التي ذكرناها في كتاب الأصول تنطبق على المرأة والرجل، والأصل أن ما ثبت في الرجال ثبت في النساء إلا بدليل، وما ثبت في النساء ثبت في الرجال إلا بدليل، هذا هو الأصل، سواء من أدلة القرآن والسنة، فإنه ما ثبت للرجال ثبت للنساء، وما ثبت للنساء ثبت للرجال إلا بدليل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 38 حكم التنويه بالصلاة بعد الأذان السؤال هل يجوز للمؤذن بعد الأذان في الميكروفون أن ينوه بالصلاة بعدما ينتهي من الأذان؟ الجواب خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بالصلاة بالأذان فقط، فأي كلمات تزاد بعد الأذان فهي بدعة، لا ينوه بعده، يكفي قوله حي على الصلاة حي على الفلاح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 39 حكم احتجاب النساء عن طفل يعرف الأوصاف الجميلة من غير الجميلة السؤال إذا كان هناك طفل عمره سبع سنوات يصف خالته إلى آبائه فما حكم الظهور على هذا الطفل؟ الجواب هذا لا يظهر على المرأة، يجب أن تتغطى عنه لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] ، وهذا ظاهر ما دام يعرف الأوصاف الجميلة من غير الجميلة يجب التحرز منه. السائل: رغم أنها خالته؟ الشيخ: يجب أن ينهى عن هذا الشيء، ما دامت خالته لا يمكن أن تحتجب عنه، لكن يجب أن ينهى عن هذا الشيء، وأن يبين له قبحه، ويتوعدونه بما يمكن أن يفعلوه به. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 40 حكم استقدام الخادمات بدون محرم السؤال هل يجوز يا شيخ! استقدام خادمات إذا كانت هناك ضرورة: امرأة ليس لها بنات، لكن هناك شاب في نفس البيت؟ الجواب والله الذي نرى أنه لا يجوز استقدام الخادمات إلا بمحرم هذه واحدة. والثانية: أنه لابد أن يكون هناك ضرورة. السائل: ضرورتها أنها كبيرة ما تستطيع أن تخدم. الشيخ: ولا لها زوجة ابن؟ السائل: لها ولكن الأبناء متفرقون. الشيخ: في البيت؟ السائل: ليس في البيت إلا شاب فقط. الشيخ: لا. ما يجوز. السائل: حسن هل يجوز أن يمتنع أحد الأبناء عن دفع مبلغ راتب الخادمة؟ الشيخ: نعم. يجوز له. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 41 لقاء الباب المفتوح [12] بعد أن تحدثت سورة النبأ عن الكافرين، ذكرت بعد ذلك حال المتقين، وما أعده الله لهم من ضروب النعيم. كما ختمت السورة الكريمة بالحديث عن هول يوم القيامة، حيث يتمنى الكافر أن يكون تراباً. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النبأ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم. الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى عام (1413هـ) نلتقي بإخواننا اللقاء الثالث من هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله مباركاً نافعاً. نستمر في تفسير سورة النبأ، حيث وقفنا على قول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:31-33] . إلى آخر ما ذكر الله عز وجل. هذه الآيات جاءت بعد قوله: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:21-22] ، وذلك لأن القرآن الكريم مثاني تثنى فيه الأمور، إذا ذكر الثواب ذكر العقاب، وإذا ذكر العقاب ذكر الثواب، وإذا ذكرت صفات المؤمنين ذكرت صفات الكافرين وهكذا؛ لأجل أن يكون الإنسان حين يقرأ القرآن راغباً راهباً، إذا قرأ ما فيه الثواب للمؤمنين رغب ورجا وأمَّل، وإذا قرأ ما فيه عقاب الكافرين خاف، فيكون سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، لا يأمن مكر الله ولا ييأس من رحمة الله. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء، فأيهما غلب هلك صاحبه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن للمتقين مفازاً) قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:31] المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، أحياناً يأمر الله بتقواه، وأحياناً يأمر بتقوى يوم الحساب، وأحياناً يأمر بتقوى النار، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ} [آل عمران:130-131] فجمع بين الأمر بتقواه والأمر بتقوى النار، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] فأمر بتقوى يوم الحساب. وكل هذا يدور على معنى واحد، وهو أن يتقي الإنسان محارم ربه، فيقوم بطاعته وينتهي عن معصيته. فالمتقون هم الذين قاموا بأوامر الله، واجتنبوا نواهيه، هؤلاء لهم مفازاً، والمفاز هو: مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم وفائزون في أيامهم. يقول عز وجل: {حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] هذا نوع المفاز، حدائق، أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، {وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (حدائق وأعناباً) قال تعالى: {حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] هذا نوع المفاز (حدائق) أي: بساتين عظيمة الأشجار، منوعة الأشجار، {وَأَعْنَاباً} [النبأ:32] جمع عنب، وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وكواعب أتراباً) قال تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:33] (الكواعب) جمع كاعب، وهي المرأة التي تبين ثديها ولم يتدلِ، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر، {أَتْرَاباً} [النبأ:33] أي: على سن واحدة، لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا؛ لأنه لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً، فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وكأساً دهاقاً) قال تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ:34] ، أي: كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر، وربما يكون من الخمر وغيره؛ لأن الجنة: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] . {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ:35] لا يسمعون في الجنة لغواً، أي: كلاماً باطلاً لا خير فيه، ولا كذاباً، أي: لا كذباً، فلا يكذبون ولا يُكذب بعضهم بعضاً؛ لأنهم على سرر متقابلين، قد نزع الله ما في صدورهم من غلٍ وجعلهم إخواناً. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (جزاء من ربك عطاءً حساباً) قال تعالى: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ:36] أي: أنهم يجزون بهذا جزاء من الله على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا، واتقوا بها محارم الله. وقوله عز وجل: {حِسَاباً} ، أي: كافياً مأخوذة من الحسب وهو الكفاية، أي: أن هذا الكأس كافٍ لا يحتاجون معه إلى غيره؛ لكمال لذته وتمام منفعته. ثم قال عز وجل: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:37] فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء، قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] ، فهو رب السماوات السبع الطباق، ورب الأرض -وهي سبع كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وما بينهما، أي: ما بين السموات والأرض من المخلوقات العظيمة كالغيوم والسحب، والأفلاك وغيرها مما نعلمه ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وقوله: {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:37] يعني: أن الناس لا يملكون خطاباً من الله، ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله، وذلك {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ:38] وهو جبريل: {وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} [النبأ:38] أي: صفوفاً صفاً بعد صف؛ لأنه كما جاء في الحديث تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق ثم ملائكة السماء الثانية من ورائهم، ثم الثالثة ثم الرابعة والخامسة وهكذا صفوفاً، لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة) قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38] أي: لا الملائكة ولا غيرهم، كما قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:108] {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} [النبأ:38] بالكلام فإنه يتكلم كما أذن له {وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38] أي: قال قولاً صواباً موافقاً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وذلك بالشفاعة إذا أذن الله سبحانه وتعالى لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له أن يشفع فيه، على حسب ما أذن له. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً) قال تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} [النبأ:39] أي: اليوم الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق، والحق ضد الباطل، أي: الثابت الذي يقوم فيه الحق ويقوم فيه العدل، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] أعانني الله وإياكم على ذلك اليوم. {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} أي: من شاء عمل عملاً يئوب به إلى الله، ويرجع به إليه، وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى. وقوله: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} قيدتها آية أخرى وهي قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] أي: أن لنا الخيار فيما نذهب إليه، لا أحد يكرهنا على شيء، لكن مع ذلك خيارنا وإرادتنا ومشيئتنا راجعة إلى الله، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ، وإنما بين الله تعالى ذلك في كتابه من أجل ألا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى مشيئته، بل يعلم أنها مرتبطة بمشيئة الله حتى يلجأ إلى الله في سؤال الهداية لما يحب ويرضى، ولا يقول الإنسان: أنا حر أريد ما شئت وأتصرف كما شئت، نقول: الأمر كذلك لكنك مربوط بإرادة الله عز وجل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إنا أنذرناكم عذاباً قريباً) قال تعالى: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ:40] أي: خوفناكم من عذاب قريب، وهو عذاب يوم القيامة، وهو في الحقيقة قريب، ولو بقي في الدنيا ملايين السنين فإنه قريب: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ، فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت، قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان. قال تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] المرء، أي: كل امرئ ينظر ما قدمت يداه، ويأخذ كتابه ويعرف مصيره، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول، وما يشاهد من العذاب، يقول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول: كوني تراباً، حينئذ يتمنى أن يكون مثل البهائم، فقوله: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] تحتمل ثلاث معاني: المعنى الأول: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: فلم أخلق؛ لأن الإنسان خلق من تراب. المعنى الثاني: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] فلم أبعث، يعني: كنت تراباً في أجواف القبور. أو المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] أي: كما كانت هذه البهائم، والله أعلم. وإلى هنا تنتهي سورة النبأ وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه، وأن يجعله موعظة لقلوبنا وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمتي) السؤال ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ليكونن من أمتي أقوام كذا وكذا، هل القصد بقوله: أمتي المسلم والكافر أم المسلم فقط؟ الجواب الحديث عام في هذا وهذا، ولكن الغالب أنها تكون للمؤمنين، ولكن ليس هذا دليلاً على جواز هذا الشيء الذي يقع بل قد يكون للتحذير منه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) ، هذا لم يقله على وجه التقرير، لكنه قاله على وجه التحذير أي: فاحذروا من هذا، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن) فهو أخبر أن من أمته من يتبع اليهود والنصارى، ولكنه لم يقل ذلك على سبيل التقرير بل على سبيل التحذير. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 معنى حديث: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) السؤال وقفت على حديث ما معناه: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أن في كتب الفقه والحديث نقرأ دائماً أحكام الاعتكاف وتفصيله، وما يشرع له وما يبطله. إلى آخره، كيف ذلك؟ الجواب هذا الحديث الذي أشرت إليه هو من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رأى أقواماً معتكفين في مسجد الكوفة بين بيته وبيت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاء إلى ابن مسعود يحدثه بأنه رأى أقواماً يعتكفون في مسجد الكوفة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى) فقال له ابن مسعود: لعلهم أصابوا وأخطأت وحفظوا ونسيت، فكأن ابن مسعود رضي الله عنه رجح فعلهم على ما قاله حذيفة رضي الله عنه، ولا شك أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مخالف لعموم قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] والمساجد عامة ليس فيها تخصيص، ولا يمكن أن يخاطب الله تعالى الأمة بهذا الحكم العام في الاعتكاف ويقول في المساجد، ثم لا يراد به إلا ثلاثة مساجد، قد يدركها من يدركها من الناس، وقد لا يدركها. ثم على تقدير صحته إذا قدرنا أنه صحيح محفوظ، فإنه يعني: أنه لا اعتكاف كامل إلا في هذه المساجد وليس المعنى: لا اعتكاف يصح، والذي نرى أن الاعتكاف يصح في كل مسجد، في المساجد الثلاثة وفي غيرها، ويكون ذلك في العشر الأواخر من رمضان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما قال بعض أهل العلم: من أنه ينبغي لكل من دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فيه، فإن هذا بدعة، لم يكن معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولو كان من الشرع لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فهاهو يتحدث صلى الله عليه وسلم عمن بكّر إلى الجمعة، فيقول: (من اغتسل فجاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة) إلى آخر الحديث، ولم يقل: ولينوِ الاعتكاف، مع أنه حث على المجيء مبكراً، ولم يقل ولينو الاعتكاف حتى تأتي الصلاة. فالصواب أن الاعتكاف المشروع ما كان في العشر الأواخر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 المشروع والممنوع في التعازي السؤال ما هو الضابط في تقديم التعازي لأهل الميت، خاصة وأننا نجد في بعض البلدان أنهم يقرءون الفاتحة على الميت، وأنهم يستدلون على ذلك بأنه إذا كانت القراءة على المريض كالرقية جائزة فالميت من باب أولى أن يقرأ عليه الفاتحة، ونرجو البسط في هذه المسألة لأننا نجد فيها الكثير من الخلافات؟ الجواب العزاء مشروع لكل مصيبة، فيعزى المصاب وليس الأقارب فقط، قد يصاب الإنسان بموت صديقه أكثر مما يصاب بموت قريبه، وقد يموت القريب للشخص ولا يصاب به ولا يهتم به، وربما يفرح بموته إذا كان بينهما مشاكل، فالعزاء في الأصل إنما هو لمن أصيب، ويعزى يعني: يقوى على التمسك بالصبر، وأحسن ما يعزى به ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث أرسل إلى إحدى بناته، فقال: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) . وأما اجتماع الناس للعزاء في بيت واحد فإن ذلك من البدع؛ فإن انضم إلى ذلك صنع الطعام في هذا البيت كان من النياحة كما كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون ذلك، أي: الاجتماع عند أهل البيت وصنع الطعام يرونه من النياحة، والنياحة -كما يعلمه الكثير من طلبة العلم- من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة. وعلى هذا فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة أن هذا أمر غير مشروع، وأنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، وأن الواجب على خلف هذه الأمة أن يتبعوا سلفها، فهل جلس النبي صلى الله عليه وسلم للعزاء في بناته؟ في أولاده؟ في زوجته خديجة؟ وزوجته زينب بنت خزيمة؟ هل جلس أبو بكر؟ هل جلس عمر؟ هل جلس عثمان؟ هل جلس علي؟ هل جلس أحد من الصحابة ينتظرون من يعزيهم؟ أبداً. لم يفعل هذا ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وأما ما تلقي عن الآباء وجرت به العادات، فهذا يعرض على الكتاب والسنة وهدي السلف، فإن وافقها فهو مقبول لا لأنه عادة ولكن لأنه وافق السنة، وما خالفها فيجب أن يرفض. ولا ينبغي لطلبة العلم أن يخضعوا للعادات، وأن يقولوا: كيف ننكر على آبائنا وأمهاتنا وإخواننا شيئاً معتاداً؟ لأننا لو أخذنا بهذا الطريق ما صلح شيء، وبقيت الأمور على ما هي عليه من الفساد. وأما قراءة الفاتحة فهي بدعة على بدعة، فما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعزي بقراءة الفاتحة ولا بغيرها من القرآن، وأما قولهم بأنها تقرأ على المريض فنقول: يقرأ بها على المريض ليشفى بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية؟!) فهي تقرأ على المرضى ويشفون بإذن الله، لكن الميت ميت، هل إذا قرأناها عليه سيشفى؟ أبداً هو ميت، ولا يبعث إلا يوم القيامة. كل هذه من الأشياء التي يجب على طلبة العلم أن ينتزعوها من مجتمعاتهم، وأن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح فإذا قيل: إذاً متى نعزي؟ قلنا: أولاً: العزاء ليس بواجب، غاية ما فيه أنه سنة. ثانياً: أن العزاء للمصاب الذي نعرف أنه تأثر بالمصيبة فنعزيه ونورد عليه المواعظ حتى يطمئن. ثالثاً: أن العزاء المشروع ليس بالاجتماع في البيت، وإنما في أي مكان تلقاه فيه سواء في السوق أو في المسجد. وما أشبه ذلك. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 حكم الاقتداء بالمسبوق إذا قام لإكمال صلاته السؤال القائم بقضاء ما فاته في الصلاة هل يجوز أن يقتدي به شخص آخر؟ الجواب يعني: الرجل المسبوق الذي دخل مع الإمام في أثناء الصلاة ثم قام يقضي ما فاته، هل يأتم به أحد دخل معه؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من قال: إن هذا غير صحيح، وأنه لا يصح أن يأتم به أحد، ومنهم من قال: إنه صحيح ولكن خلاف الأولى وهذا هو الأقرب أنه صحيح لكنه خلاف الأولى، وهو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون هذا، كان الرجل إذا فاته شيء من الصلاة قام فقضاه وحده، ثم إن هذا يؤدي إلى التسلسل فيصلي من دخل مع القاضي الذي يقضي ما فاته، وربما يفوته شيء أعني هذا الداخل فيقضيه، ثم يأتي ثالث ورابع ثم في هذه الحال يظهر جداً أنه بدعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 الفرق بين بيع السلم والغرر السؤال بعض أصحاب المزارع يشتري مثلاً خمسين فرخ نخلة بخمسين ألفاً، دون أن يحدد نوع أو حجم الفراخ، ولكن يشترط عليه ألا يبيع شيئاً حتى يأخذ الخمسين التي له، فإذا كان لا يجوز فما رأيكم في حث أئمة المساجد على ذلك، لأن هذا سائد، وإذا كان يجوز فأرجو إفتاءنا جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا شك أنه إذا اشترى منه فراخة نخل فإنه على قسمين: القسم الأول: أن يشتري منه موصوفاً في الذمة، وفي هذه الحال لا بد أن يحدد النوع والكمية والحجم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) ، فمثلاً يقول: اشتريت منك مائة فرخ شجرة سكرية برحية بكذا وكذا من الدراهم. القسم الثاني: أما إذا كان معيناً كأن يقول: اشتريت منك فرخة هذا المقطر، فهذا لابد أن يعين الفرخ ولا يصح أن يكون موصوفاً بل يقول: هذه الفراخ العشرة ويعينها ويسمها بما تعرف به، فإن لم يكن كذلك فهي مجهولة، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر) . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 وقت الصلاة في حق النائم إذا استيقظ السؤال لو قام قائم من نومه ولم يبق على خروج الوقت إلا ما يكفيه لوضوئه، فهل في هذه الحال يتيمم ويصلي أو يتوضأ ولو خرج الوقت الواجب، ما الأولى في هذه المسألة حفظكم الله؟ الجواب إذا استيقظ الإنسان من نومه وقد بقي من الوقت ما لا يتسع لوضوئه وصلاته، فإنه يتوضأ ثم يصلي ولو خرج الوقت، وذلك لأن النائم يكون وقت الصلاة في حقه وقت استيقاظه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) يعني: إذا استيقظ، فالواجب أن يتطهر أولاً ثم يصلي ثانياً، ولو خرج الوقت، وفي هذا الحال تكون صلاته على القول الراجح أداء أي: كالذي صلى في الوقت. ولكن يجب علينا أن ننبه إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يُغَلِّب جانب النوم على جانب الصلاة، بل الواجب أن يكون عنده (منبه) ساعة أو تليفون، أو يطلب من أصحابه مثلاً أن يتصلوا به إذا حان وقت الصلاة، وإذا كان عنده أحد في البيت يستيقظ فليطلب منه أن يوقظه، وأما التهاون فإنه لا يجوز، يجب أن ننتبه لهذا الأمر، يعني لا يقول قائل: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها) يدل على أن الأمر هين، لا. لكن إذا كان الإنسان لا يجد من يوقظه، ولم يتمكن من الاستيقاظ وتعذرت الوسائل كلها، ففي هذه الحال يكون معذوراً. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 نكتة بلاغية في قوله تعالى: (ولكن الله ألف بينهم) السؤال في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] هل هناك نكتة بلاغية في مسألة: {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] ولم يذكر قلوبهم؟ الجواب معلوم ذلك من وجهين: الوجه الأول: لأن قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [لأنفال:63] أظهر في التأليف من قوله: (ألف بين قلوبكم) ؛ لأنه إذا تآلفت الظواهر كان ذلك دليلاً على تآلف البواطن، لكن لو تآلفت البواطن فقد يختلف التآلف في الظواهر، فلهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [لأنفال:63] هذا وجه. والوجه الثاني: أن المدار على تأليف القلوب وهو أمر باطن لا يقدر عليه إلا الله، أما تأليف الظواهر فقد يأتي شخص من الناس ولاسيما من له كلمة في مجتمعه فيؤلف بين اثنين تأليفاً صورياً ويقول: أنا ألفت بين هذين الرجلين، وجمعت بينهما، وأصلحت بينهما، لكن قلوبهما متعادية، ومثل هذا التآلف لا يدوم طويلاً فلهذا قال: {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 الأولى في حق الراغب في اعتناق الإسلام السؤال بالنسبة للكفار الذين يريدون الدخول في الإسلام ويرى بعض الإخوة ألا يستعجل في دخولهم، بل يرى أن يعطوا كتباً وأشرطة ويبقوا شهراً أو شهرين حتى يتعلموا ويتفقهوا في العقيدة الإسلامية، يأتي الرجل ويقول: أريد أن أدخل في الإسلام وبعد ذلك تخبروني بما يجب علي من العبادات، هل الأولى أن نسارع ونجعله يدخل في الإسلام أم نؤخره حتى يتعلم؟ الجواب الواقع أن بعض الناس كما ذكرت يقول: هؤلاء الذين جاءوا إلينا وافدين قد يقول قائل منهم: أنا أريد الإسلام وهو جاهل به، فإذا دخل في الإسلام لم يرق له، ولم يستحسن شعائر الإسلام فينكص على عقبيه، وحينئذ تكون الطامة أعظم؛ لأنه إذا دخل في الإسلام ثم نكص صار مرتداً، لكن لو بقي على دينه صار كافراً أصلياً، والمرتد أعظم من الكافر الأصلي؛ لأن الكافر الأصلي يقر على دينه، والمرتد لا يقر على ردته، يدعى للإسلام فإن تاب وإلا قتل، فيرى بعض الإخوة ألا نتعجل. ثم إن بعض هؤلاء العمال قد يدعي أنه مسلم لغرض دنيوي، ليس حباً في الإسلام، فكوننا نقيم عليه الحجة ببيان الإسلام ثم يدخل عن بصيرة أولى من كوننا نتعجل، فعلى هذا ينبغي أن ينظر للقرائن، إذا رأينا أن هذا الرجل عامل بين قوم مسلمين، وكان يشاهدهم ويشاهد طهارتهم وصلاتهم وأذكارهم وسيرهم، فهذا من حين ما يقول أنه راغب في الإسلام نقبل منه، وأما إذا كان جاهلاً وقد أتى حديثاً، ولم يدر عن الإسلام شيئاً فهنا يحسن أن نبين له الإسلام أولاً، ثم نقبل منه دعوى الإسلام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 (المحيي والستير) وعلاقتهما بالأسماء والصفات السؤال هل (المحيي والستير) يعتبران من أسماء الله؟ الجواب المحيي ليس من أسماء الله، من أسماء الله الحي، أم المحيي فهو صفة فعل من أفعال الله، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [غافر:68] ، فالمحيي اسم فاعل من أحيا، فهو من صفات الأفعال وليس من الأسماء. وأما الستير فقد ورد فيه حديث، ولكن يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو من أسماء الله؛ لأن مذهب أهل السنة والجماعة أن كل ما صح في أسماء الله عن رسول الله فإنه يثبت، أي: ثابت التسمية به. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 صفات من يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب السؤال ما المقصود بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب؟ الجواب هذا الحديث حديث طويل مشهور، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سواداً عظيماً قد سد الأفق فقيل له: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فجعل الصحابة رضي الله عنهم يتساءلون بينهم من هؤلاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) ، قوله: لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم لمرض كان فيهم، ولا يكتوون، أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، ولا يتطيرون، أي: لا يتشاءمون، وعلى ربهم يتوكلون، أي: يعتمدون اعتماداً كلياً. وعلم من قوله: لا يسترقون أنهم لو قرءوا على غيرهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وأنه لو قرأ عليهم غيرهم بلا طلب منهم فلا بأس، ولا يحرمون من هذا الثواب العظيم، وكذلك من كواه غيره بلا طلب منه فإنه لا يحرم هذا الثواب. أما التطير فهو التشاؤم، قال العلماء: التشاؤم يكون بمرئي أو مسموع أو معلوم، والتشاؤم من مرئي: مثل أن يرى شيئاً فيقع في نفسه التشاؤم، كأن يرى طيراً أسود فيقول: هذا سواد يومي، أو كأن يرى أمامه إنساناً عثر فمات فيتشاءم ويقول: إن ذهبت في هذا الطريق حصل لي مثلما حصل لهذا الشخص، أو ما أشبه ذلك، والتشاؤم بمسموع: مثل أن يسمع كلمة نابية فيتشاءم ويرجع عن حاجته. والتشاؤم بالمعلوم: التشاؤم بالأيام أو بالشهور، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، منهم من يتشاءم بشهر صفر، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ومنهم من يتشاءم بيوم الأربعاء، وغير ذلك مما هو معروف من طرق الجاهلية، فإن الطيرة من الشرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الطيرة شرك، الطيرة شرك) وعلى الإنسان أن يتوكل على الله ويعتمد عليه في أمره كله، وإذا رأى أن من الخير أن يفعل فليفعل، ولا يهمه ما سمعه وما رآه؛ لأن الطيرة من الشرك. وأما التوكل فهو: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب النافعة؛ لأن التوكل بدون فعل الأسباب النافعة يسمى تواكلاً وليس توكلاً، فإن سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يفعل الأسباب التي تقيه، ففي غزوة أحد ظاهر بين درعين يعني: لبس درعين خوفاً من السهام، وضرب الخندق على المدينة لئلا يدخلها العدو، واختفى في غار ثور ثلاثة أيام لئلا يدركه العدو، فالأسباب النافعة فعلها لا ينافي التوكل أبداً، بل هو من مقتضى التوكل. فهذه الأوصاف الأربعة أنهم: (لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) ، هي من صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، ولكن ليعلم أنه لابد أن يكون عندهم إيمان، فلو فرضنا أن أحداً اتصف بهذه الصفات لكنه لا يصلي فهذا لا يدخل الجنة أبداً لا بحساب ولا بغير حساب؛ لأن من لا يصلي كافر، ولا ينفعه أنه لا يسترقي، ولا يكتوي، ولا يتطير، وأنه يتوكل ويعتمد على الله، فيجب أن ننتبه إلى هذه المسألة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 21 معنى الفاضل والمفضول ومثال ذلك من الأعمال السؤال ما معنى الفاضل والمفضول وأيهما أفضل؟ الجواب المفضول أي: الذي فضله غيره، والفاضل: الذي فيه الفضل، فإذا قيل: فاضل ومفضول، فالفاضل هنا بمعنى أفضل، وأما إذا قيل: فاضل بدون ذكر المفضول، فالفاضل قد يكون غيره أفضل منه، فالمراتب ثلاث: أفضل، وفاضل، ومفضول، فإذا قيل: أفضل فمعناه أنه لابد من شيء مفضول، مثال ذلك: رجل يريد أن يتفرغ لطلب العلم أو يصلي النوافل، فصلاة النوافل لا شك أن فيها فضلاً لكن طلب العلم أفضل منها بكثير، شخص آخر أراد أن يتصدق على فقير عنده بعض الكفاية، وآخر أراد أن يتصدق على فقير ليس عنده شيء من الكفاية، فالأفضل الثاني، وكلاهما فيه فضل. ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، مثاله: قراءة القرآن من أفضل الذكر، والقرآن أفضل الذكر، فلو كان رجل يقرأ وسمع المؤذن يؤذن فهل الأفضل أن يستمر في قراءته أو أن يجيب المؤذن؟ هنا نقول: إن الأفضل أن يجيب المؤذن، وإن كان القرآن أفضل من الذكر، لكن الذكر في مكانه أفضل من قراءة القرآن؛ لأن قراءة القرآن غير مقيدة بوقت متى شئت فاقرأ، لكن إجابة المؤذن مربوطة بسماع المؤذن، كذلك أذكار الصلوات الخمس التي بعد الفرائض لو قال قائل: أنا أريد من حين أن أسلم أن أقرأ القرآن، فهل الأفضل أن أقرأ القرآن، أو أن أقول الذكر الوارد؟ فالجواب: الأفضل الذكر الوارد، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) ، مع أن قراءة القرآن من أفضل الأعمال، لكن نقول: إذا كنت راكعاً فأنت منهي عن قراءة القرآن، وكذلك إذا كنت ساجداً فإنك منهي عن قراءة القرآن، بل تقول سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، وقد قال بعض العلماء: لو قرأ الإنسان القرآن وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته؛ لأنه فعل شيئاً منهياً عنه، أنت ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني نهيت -يعني نهاني ربي- أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) مع أن القرآن من أفضل الذكر. وخلاصة الجواب أن نقول: الأعمال لها مراتب بعضها أفضل من بعض، ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 22 حكم الاقتصار على الأركان الخمسة السؤال يقول بعض الإخوة: إن من أدى أركان الإسلام الخمسة أصبح مسلماً، وإن لم يطبق السنة النبوية من حف الشارب وإرخاء اللحية، وتقصير الثوب، ولكنه لا يكون مستقيماً، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا صحيح. بأن الإنسان إذا أتى بأركان الإسلام الخمسة فهو مسلم، حتى لو حلق لحيته أو أنزل ثوبه إلى أسفل من الكعبين فهو مسلم، بل هو مؤمن لكنه ناقص الإيمان لارتكابه هذه المعصية، وإصراره عليها؛ لأنك لو قلت: ليس بمسلم فقد أخرجته من الإسلام، والإخراج من الإسلام ليس بالهين، لا يجوز لنا أن نخرج شخصاً من الإسلام إلا بدليل من الكتاب والسنة، أو إجماع الأمة؛ لأن الإخراج من الإسلام حكم من أحكام الله يترتب عليه مسائل عظيمة، فإذا كان ليس لنا أن نقول: هذا حرام إلا بدليل، أو هذا واجب إلا بدليل، فليس لنا أن نقول: إن هذا كفر إلا بدليل، ولا نقول: هذا كافر إلا بدليل، والأمة الإسلامية ما فرقها إلا مثل هذا القول المبني على الوهم، فـ الخوارج لماذا خرجوا على الأئمة وأفسدوا أشياء كثيرة في الأمة؟ لأنهم يكفرون بكبائر الذنوب، ويقولون: من فعل الكبيرة فهو كافر مخلد في النار يجب قتاله، ومن قرأ التاريخ عرف ما حصل عند ظهورهم من المفاسد العظيمة. فالحاصل: أن الكفر ليس بالأمر الهين، قد يعصي الإنسان معاصي كثيرة لكن يبقى مؤمناً، إلا أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولو سألتكم ما هو أعظم شيء من العدوان على بني آدم؟ لكان الجواب: القتل، القتل أعظم من أخذ المال، ومع ذلك جعل الله تعالى القاتل أخاً للمقتول فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] (من) يعني بأخيه المقتول {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178] أي من دم أخيه: {شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] . وقال تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] فأنتم ترون الآن القاتل لا يخرج من الإيمان، والمقاتل للمؤمنين لا يخرج من الإيمان، فكيف إذا حلق لحيته، أو أرخى ثوبه! نقول: هو مسلم مؤمن؛ لكنه ناقص الإيمان بما معه من المعاصي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 23 حكم من سها عن السجدة الأخيرة ولم يسجد للسهو السؤال جماعة صلوا أحد الفروض، وسها الإمام في السجدة الأخيرة ولم يسجدها وسلم وانصرف المأمومون، ومن المأمومين من فارق الإمام وأتى بالسجدة، ومنهم من قام وخرج من المسجد، ومنهم من أعاد الصلاة كلياً، فذُكِّر الإمام فقام بالسجدة وسلم ولم يسجد للسهو، ومن المعلوم أن السجود ركن وتبطل الصلاة بتركه سهواً أو عمداً؟ الشيخ: لكن سجد السجدة أو السهو فقط؟ السائل: السجدة فقط. الشيخ: ولم يسجد السهو؟ السائل: نعم. ما الحكم؟ الجواب الواجب على المأموم إذا أخل إمامه بركن أو واجب أن ينبهه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله إنما التصفيق للنساء) الواجب على المأمومين أن يسبحوا، وأن يلحوا في التسبيح حتى يرجع الإمام، وإذا قُدِّر أن الإمام لم يفهم فليقرءوا آية تشير إلى ذلك، مثلاً هذا الرجل الذي ترك السجدة الأخيرة وسلم يجب على المأمومين أن يسبحوا ويقولوا: سبحان الله حتى ينتبه، وإذا لم ينتبه فليقرءوا آية من القرآن تذكره، مثل أن يقولوا: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] أو آية نحوها تذكره. أما في القضية الواقعة فالذين سجدوا السجدة الثانية وسلموا صلاتهم صحيحة، والذين لم يسجدوا حتى طال الزمن يجب عليهم أن يعيدوا الصلاة من أولها، والذين ذكروا عن قرب ثم سجدوها يجب عليهم بعد السلام أن يسجدوا سجدتين للسهو ويسلموا، فأنت اسأل هؤلاء الإخوة الذين حصل منهم ما حصل، فمن قال منهم: إنه لم يسجد حتى الآن، فمره بأن يعيد صلاته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 24 حكم إطلاق اسم (عم) على أبي الزوجة ونحو ذلك السؤال إن من العادات المتبعة أن يطلق على أبي الزوجة خال، وعلى أم الزوجة خالة، وبعضهم يطلق عم أو عمة، وبعض الإخوة سمع منك في تفسير سورة النساء: أنه لا يجوز أن يطلق هذا الاسم على أبي الزوجة أو الأم فما هو البديل؟ وما صحة هذا الكلام جزاكم الله خيراً؟ الجواب أما أبو الزوجة فلا يسمى خالاً ولا عماً لأنه ليس خالاً شرعاً، ولا عماً شرعاً، وكذلك أم الزوجة ليست خالة ولا عمة، فلا ينبغي أن يسمى أبو الزوجة خالاً أو عماً، ولا ينبغي أن تسمى أم الزوجة خالة أو عمة، وإنما يسموا بالتسمية التي سموا بها عند أهل العلم وهم الأصهار، فيقال: صهري فلان، أبو زوجتي فلان، صهرتي فلانة، أم زوجتي فلانة، وأما أن يسموا بأسماء شرعية لا يتصفون بما تقتضيه هذه الأسماء فإن ذلك لا ينبغي. ولكن لم نقل إنه حرام ولعل الذي سمع كلامي، أي: قولي لا ينبغي ظن أن هذا يعني التحريم، فالأولى أن الإنسان يسمي الأشياء بتسمياتها الحقيقية الشرعية، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نسمي صلاة العشاء بالعتمة، وقال: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء) ، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور:58] ، ولم يقل العتمة، والعتمة هي: إعتام الأعراب بالإبل، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغلبنا الأعراب على تسميتنا للصلاة بغير اسمها الشرعي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 25 الهداية والعمل بالأسباب المشروعة السؤال في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في صحيح البخاري جزء من الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله الذي لا إله غيره إن منكم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع. ) الحديث. يوجد في أوساط الشباب من يقول: إذا كانت الهداية مقدرة أو متعلقة بالمشيئة فلا يوجد ثمة داعٍ لأن أعمل الصالحات، أو ألتزم بطاعة الله عز وجل، فما رأيكم يا فضيلة الشيخ! في هذا القول؟ الجواب لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة) . فإذا قال قائل: إذا كان الأمر مقدراً فلا فائدة من العمل، وأصر على ذلك، ونفذ ما قال، علمنا أنه من أهل الشقاوة والعياذ بالله؛ لأنه لم ييسر لعمل أهل السعادة، ثم نقول لهذا الرجل: هل أنت تعلم أن الله قدر لك أن تكون من أهل الشقاوة حتى تعمل بعملهم؟ فسيقول: لا. نقول: إذاً قدر أن الله كتبك من أهل السعادة واعمل بعمل أهل السعادة. ثم نقول ثالثاً: أنت الآن لو قيل لك: إن البلد الفلاني فيه تجارة كبيرة وهو بلد آمن فيه سعة رزق، وبلد آخر دون ذلك بكثير، هل تقول: لا أذهب إلى البلد الأول؛ لأنه لو قدر لي لذهبت! وتذهب إلى البلد الثاني، أو تذهب للبلد الأول وتقول: إنه قد قدر لي؟ الجواب: أنه سيقول الأخير، سيذهب إلى البلد الذي يرى أنه أنفع له، ويقول: إنه قد قدر لي أن أذهب إليه، هكذا أيضاً طريق الجنة والنار، لنفرض أن الجنة والنار بلدان هل تذهب إلى بلد الشقاء والعذاب أو بلد النعيم والسعادة، ستذهب إلى الثاني. فلهذا لا يقول هذا القول الذي أشرت إليه إلا رجل مخذول والعياذ بالله، نعلم أنه لو أصر على ذلك فإنه مقدر عليه أنه من أهل الشقاوة، وسيذوق بأس الله عز وجل، لقول الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148] . وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فهذا يوجب الحذر من أن يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس دون ما في باطن قلبه، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيح أيضاً: من أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا من أهل النار) فعظم ذلك على الصحابة، وشق عليهم كيف يكون هذا من أهل النار وهو على هذه الحال! ثم قال أحد الصحابة: والله لألزمنه -ألزم هذا الرجل وأمشي معه- حتى أنظر ماذا يكون من أمره، يقول: فأصابه سهم -أصاب هذا الرجل الشجاع الجيد سهم- فغضب وجزع ثم أخذ بسيفه ووضعه على بطنه واتكأ عليه حتى خرج السيف من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وبم؟) قال: إن الرجل الذي قلت لنا إنه من أهل النار صارت خاتمته كذا وكذا -نعوذ بالله من سوء الخاتمة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) ، وعلى هذا فيكون حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فيه التحذير من سوء الطوية وفساد النية، وأن الإنسان يجب عليه إذا عمل بعمل أهل الجنة أن يكون عمله مبنياً على إخلاص وتوحيد حتى يكون نافعاً له عند وفاته ومفارقته الدنيا. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 26 المصلى في البيت أو العمل ليس له حكم المسجد السؤال هناك مدرسة فيها مصلى معد لصلاة الظهر فقط، في وقت صلاة الظهر تجبر البنات على الدخول، وبعضهن تكون حائضاً، فهل هذا المصلى له حكم المسجد؟ يعني: لا يجوز أن تجلس فيه، وعندما يجلسن في الفصول ربما تحدث بعض الأشياء اللاأخلاقية، فهل يمكن أن يجبرن على دخول هذا المصلى؟ الجواب المصلى في المدارس ليس في حكم المسجد، بل هو مصلى، وليس كل مكان تقام فيه الصلاة يعتبر مسجداً، فالمسجد هو: ما أعد للصلاة على سبيل العموم وهيئ وبني. وأما مجرد أن يتخذ مكاناً يصلى فيه فهذا لا يجعله مسجداً، وعلى هذا فيجوز للمرأة الحائض أن تدخل مصلى المدرسة وتمكث فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 27 حكم لزوم المصلي مصلاه إلى الشروق السؤال هل الجلوس إلى الإشراق ملزم للمصلي أن يكون في مصلاه الذي صلى فيه الفجر؟ وماذا لو كان هناك عارض كذهابه إلى الجامعة أو طارئ يطرأ عليه وهو يريد الأجر؛ ولكن هذا الطارئ يعرض عليه في هذا الوقت؟ الجواب الجلوس في مصلى صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس بواجب ولكنه سنة مرغب فيها، فإذا عارضه واجب، أو عارضه ما هو أفضل منه كطلب العلم فليذهب إلى ما هو أفضل، أي لو قال قائل: أيهما أفضل: أن أجلس في مكاني في المسجد حتى تطلع الشمس وأصلي ركعتين، أو أذهب إلى حلقة علمية في مسجد آخر، قلنا: الذهاب إلى حلقة علمية أفضل، وكذلك الجامعة، فإن كانت دروس الجامعة دروس علم شرعي فهي أفضل من أن تبقى في مصلاك حتى طلوع الشمس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 28 معنى قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً) السؤال من المعلوم أنه لا يخلد في النار إلا أهل الشرك، ولكن في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] فكيف تفسر هذه الآية خاصة أن الخوارج يستدلون بها على كفر صاحب الكبيرة؟ الجواب يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال من خمسة أوجه: الوجه الأول: هذه الآية من الآيات المتشابهة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بحديدة: (أنه يعذب بها في جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً) -فهو من النصوص المتشابهة- والقاعدة عند أهل الإيمان: أن النصوص المتشابهة تحمل على النصوص المحكمة، والنصوص المحكمة دلت على أن قتل النفس لا يخرج به الإنسان من الإيمان، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] إلى أن قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] ؛ فإذا كان كذلك فإن الواجب أن تحمل آية الوعيد والحديث على معنى لا يتنافى مع النصوص الأخرى، فتقول: قتل المؤمن عمداً وقتل النفس عمداً سبب للخلود في النار، والسبب قد يعارضه مانع، يمنع من حصول المسبب. أرأيت مثلاً في باب الفرائض، القرابة سبب من أسباب الإرث، لكن قد يوجد مانع يبطل هذا السبب، لو كان الأب كافراً والابن مؤمناً فمات الابن فإن الأب لا يرثه، ولو مات الأب لم يرثه الابن، لوجود اختلاف الدين، فهكذا هذه الآيات والأحاديث التي فيها الوعيد، نقول: هذه الأفعال التي رتب عليها هذا الوعيد وهو الخلود في النار سبب من الأسباب، وإذا كان سبباً فمقتضى ذلك أن يحترز الإنسان منها؛ لأنه قد يكون هذا السبب لا مانع له كما جاء في الحديث: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أي: أن من أصاب دماً حراماً فإنه يوشك أن يزيغ فيموت على الكفر، فنقول: هذا الفعل أي: قتل النفس المؤمنة عمداً سبب للخلود في النار، وهذا السبب قد يوجد مانع يمنع منه وهو الإيمان، فإن من كان في قلبه أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لا يخلد في النار، هذا وجه. الوجه الثاني: أن هذا فيمن استحل القتل فإنه يخلد في النار، لكن هذا الوجه لما ذكر للإمام أحمد رحمه الله تعالى أن فلاناً قال: يخلد في النار من قتل المؤمن عمداً مستحلاً له ضحك، وقال: إذا استحل قتل المؤمن فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله، فهذا جواب ليس بشيء. الوجه الثالث: قال بعض العلماء في جواب آخر: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] إن جازاه الله تعالى، فجعل الآية على تقدير شرط يعني إن جازاه فهذا جزاؤه، وإن لم يجازه بل عفا عنه؛ فإنه لا يحصل له هذا العذاب، قالوا: لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] . الوجه الرابع: قال بعض أهل العلم: إن هذا خرج مخرج الزجر والتنفير، وما خرج مخرج الزجر والتنفير فإنه لا يقصد به هذا الحكم بعينه، وإنما يقصد تنفير الناس منه، كما تقول لابنك: والله إن فعلت ذلك لأقتلنك، وأنت لو فعله هل تقتله؟ لا. بل قد لا تضربه، مع أنك قلت لأقتلنك هددته بالقتل لكنك لم تقتله، ولكن من شدة التنفير عبرت بذلك، فقالوا: إن الله عبر بالخلود في النار فيمن قتل مؤمناً عمداً تنفيراً منه وزجراً، وليس المراد إيقاع حقيقة ذلك. الوجه الخامس: قال بعض العلماء: إن الخلود لا يقتضي التأبيد؛ لأن الخلود يأتي في اللغة العربية بمعنى المكث الطويل لا الدائم، وهذا الوجه يمكن أن يجاب به عن الآية الكريمة؛ لأن الله لم يذكر فيها التأبيد، لكن لا يمكن أن يجاب به عن الحديث أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في جهنم خالداً فيها مخلداً أبداً. وعلى كل حال فيما أرى أن أحسن الأجوبة الوجه الأول: أن القتل عمداً للمؤمن سبب للخلود في النار، ولكن هذا السبب قد يوجد فيه ما يمنعه فيكون في ذلك تحذير شديد أن يفعل الإنسان هذا الفعل؛ لأنه سبب للخلود في النار، فإذا فعله كان السبب موجوداً محققاً والمانع غير محقق، قد لا يحصل مانع. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 29 التهاون في إخراج الزكاة لا يسقطها السؤال إنسان تهاون في إخراج الزكاة لمدة خمس سنوات، والآن هو تائب فهل التوبة تسقط إخراج الزكاة، وإذا لم تسقط إخراج الزكاة فما هو الحل؟ وهذا المال أكثر من عشرة آلاف وهو لا يعرف مقداره الآن؟ الجواب الزكاة عبادة لله عز وجل وحق للفقراء، فإذا منعها الإنسان كان منتهكاً لحقين: حق الله، وحق الفقراء أو غيرهم من أهل الزكاة، فإذا تاب بعد خمس سنوات كما جاء في السؤال سقط عنه حق الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25] ، ويبقى الحق الثاني وهو: حق المستحقين للزكاة من الفقراء وغيرهم، فيجب عليه تسليم الزكاة لهؤلاء وربما ينال ثواب الزكاة مع صحة توبته؛ لأن فضل الله واسع. أما تقدير الزكاة فليتحر ما هو مقدار الزكاة؟ بقدر ما يستطيع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فعشرة آلاف مثلاً زكاتها في السنة كم؟ مائتان وخمسون، فإذا كان مقدار الزكاة مائتين وخمسين فليخرج مائتين وخمسين عن السنوات الماضية عن كل سنة، إلا إذا كان في بعض السنوات قد زاد عن العشرة فليخرج مقدار هذه الزيادة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 30 حكم محاباة بعض المشترين السؤال رجل باع سلعة لرجل غني بسعر، ثم جاءه آخر فقير فباعه فراعاه في السعر فعلم الغني فجاء يعاتبه فما حكم هذا البيع؟ الجواب إذا باع الإنسان سلعة لشخص بثمن ثم باعها لشخص آخر بثمن أقل محاباة ومراعاة له، إما لقرابة أو صداقة أو فقر أو غير ذلك، فليس للأول الحق في مطالبة البائع بتخفيض الثمن الذي جرى عليه العقد، إلا إذا كان قد زاد عليه زيادة لا يتسامح عن مثلها في السوق، مثلاً باعها له بمائة وهي في السوق بخمسين، هنا له الحق في مطالبته بتنزيل الثمن إلى ما تساويه في السوق. أما لو كانت قيمتها في السوق مائة فباعها لرجل بمائة، ثم جاء آخر فقير أو صديق أو قريب فباعها له بخمسين فليس للمشتري الأول أن يطالبه؛ لأنه لم يغبنه ولم يغره بل باع له بثمن يبيع به الناس. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 31 حكم إيقاع طلاق الثلاث السؤال سمعنا من أشرطتك أن القول الراجح لك في الطلاق ثلاثاً يقع واحدة، لكن لو طلق شخص ثلاثاً وقال: في نيتي ليس التأكيد وإنما أريد إيقاع الثلاث هل تقع الثلاث؟ الجواب إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، وقال: أردت التوكيد فهي واحدة، ولا أعلم في هذا خلافاً بين العلماء، ولكن لو قال: أردت التأسيس وأن كل طلقة نافذة؛ فأكثر أهل العلم على أنها ثلاث وأنها تبين بها المرأة، والراجح: أنها واحدة لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم: [كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر طلاق الثلاث واحدة، فلما أكثر الناس في ذلك قال عمر: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلأمضينه عليهم فألزمهم عمر بالثلاث] ، فتبعه أكثر أهل العلم على هذا، ولكن الصحيح أنها واحدة سواء قال: أنت طالق ثلاثاً، أو قال أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 32 حكم لعان المملوكة واليهودية والنصرانية السؤال إذا كانت تحت الرجل امرأة نصرانية أو يهودية أو مملوكة فهل يقع بينهما اللعان؟ الجواب أما المملوكة فلا لعان بينه وبينها؛ لأنها مملوكة وليست زوجة له، والله سبحانه وتعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور:6] . وأما اليهودية والنصرانية فيجري في حقهما اللعان كما يجري في حق المسلمة، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6] . الجزء: 12 ¦ الصفحة: 33 حكم إطالة الإمام التشهد الأول السؤال إذا أطال الإمام في الجلوس في التشهد الأول وأنهى المأموم قراءة التشهد الأول فماذا يفعل في باقي الوقت؟ الجواب إذا أطال الإمام التشهد الأول فاستمر في التشهد حتى لو أكملته فلا حرج، وكذلك لو أدركت معه الركعتين الأخيرتين فإنه سيطيل التشهد؛ لأن التشهد في حقه هو الثاني وفي حقك هو الأول، فأتم التشهد ولا حرج، وأكمل التشهد، صلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وبارك على النبي صلى الله عليه وسلم، وتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، أو ادع بما شئت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 34 نصيحة بتبليغ العقيدة الصحيحة السؤال كنت أناقش أحد الإخوة وهو وافد من إحدى الدول العربية، وكنت أحدثه عن التوحيد وعقيدة الشرك، وخلاصة الكلام أنه قال: يا أخي! في بلادنا آبائي وأجدادي ما زالوا على الشرك الأكبر في المزارات والخرافات، وما هو معلوم لديكم مثل: زيارة القباب، والطواف حولها، والنذور، وتقديم القرابين إلى تلك الأماكن، والاستغاثة، والاستعانة إلى آخره، والتوكل على المشايخ ممن يسمونهم بـ الصوفية، فكنت أناقشه في هذا فقال: ما سمعنا بهذا إلا عندما وصلنا هنا، وهو صادق في هذا، فما السبيل؛ لأنه يسألني يقول: والآن أبي وجدي على تلك العقيدة؟ قلت: ابدأ أنت معهم بعد أن تخرج نفسك وأسرتك من هذا الشرك وتجعل لهم وقاية، فأرجو أن توجه كلمة مثلاً لطلبة العلم والمدرسين أن يحتكوا بهؤلاء المدرسين، ويجتهدوا معهم في هذا الباب؟ الجواب أقول: إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد أن الله سبحانه وتعالى أبقى فيها عقيدة التوحيد، في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ولم يعرفوا تلك البدع المكفرة، وما دون المكفرة إلا حين اختلطوا بالناس ذهاباً إليهم، أو اختلط الناس بهم إياباً إليهم، ولهذا كان من الواجب علينا نحن هنا أن نبين للناس عقيدة التوحيد، وأن نحثهم عليها، وأن نقول لهم: إن من مات مشركاً؛ فإن الله سبحانه وتعالى يحرم عليه الجنة {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ، ونبين أن من دعا غير الله أو استغاث بغير الله من الأموات؛ فإنه كافر كفراً أكبر مشرك شركاً أكبر، إن مات على هذه العقيدة فهو مخلد في النار، ولو كان يصلي ويصوم. والواجب على طلبة العلم الذين منَّ الله عليهم بمعرفة الحق في هذه الأمور، أن يبينوا الحق لإخوانهم في البلاد الأخرى؛ لأن الله سائلهم عن ذلك، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] ، فالواجب أن يبينوا للناس وأن ينقذوهم من الشرك ولا يضرهم إذا عيروا في أول الدعوة، أو سبوا، أو قيل: أنتم كذا وكذا، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم عير وقيل له: أنت ساحر، ومجنون وكاذب، وأخرج من بلده، وأوذي في سبيل الله، وألقي سلى الناقة عليه وهو ساجد تحت الكعبة، وأدميت عقبه ومع ذلك كان صابراً محتسباً يؤدي ما أوجب الله عليه من الأمانة وتبليغ الرسالة، فنقول لإخواننا: بلغوا إخوانكم، بلغوا هؤلاء حتى لا يموتوا على الكفر والشرك، وإن أوذيتم وإن أخرجتم من دياركم، وإن عيرتم، وإن كتب السب لكم على الجدر، وفي الملصقات، وفي غيرها فاحتسبوا الأجر فأنتم مجاهدون. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 35 اقتراح بشرح الأصول الثلاثة السؤال ليس سؤالاً لكنه اقتراح، بعد النجاح الكبير لهذا اللقاء، وعبر لقاء الباب المفتوح، وبعد انتهاء تفسير سورة النبأ نقترح على فضيلتكم شرح الأصول الثلاثة؛ لأنها عظيمة في محتواها وهامة جداً، وخاصة أن كثيراً من الناس يودون من فضيلتكم شرح هذه الرسالة العظيمة؟ الجواب أنا أبشركم أننا قد شرحنا الأصول الثلاثة، وأن بعض الإخوة جزاه الله خيراً قد أفرغها من الأشرطة وأضاف إليها من العقد الثمين مجموعة الرسائل والمسائل التي لنا، وهو الآن مستمر في إخراجها وإذا أخرجت سيكون لها أثر بالغ إن شاء الله. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 36 صورة من صور الربا السؤال رجل ألح عليه ابنه بشراء سيارة، فذهب إلى إحدى الشركات وطلبوا منه الثمن نقداً وليس عنده فرجع وأتى بشخص آخر يشتريها له فاشتراها وأخرجها من محلها ثم باعها لهذا الرجل بزيادة فما الحكم؟ الجواب الصورة الآن واضحة لكم، إنسان احتاج إلى سيارة وليس معه نقد فجاء رجل آخر وقال: أنا أشتريها بنقد من الشركة وأبيعها عليك بتقسيط زائد على الثمن الذي اشتريتها به، والجواب: أن هذا حرام، وأنه حيلة على الربا؛ لأن هذا الذي اشتراها ثم باعها عليك حقيقة الأمر أنه أقرضك ثمنها بفائدة، فبدلاً من أن يقول: خذ الثمن يقول: هذه خمسون ألفاً وعليك بستين ألفاً إلى سنة، قال: أنا أشتريها وأبيعها عليك، ولولاك ما اشتراها، ولولا الربا الذي يكسبه منك ما اشتراها، فهي في الحقيقة ربا، ولكنه ربما يتضمن خداع رب العالمين عز وجل، وأنه لما حرم الربا الصريح ذهب هذا الرجل يحتال ويغير الصورة فقط، وتغيير الصورة لا يقلب الشيء الحرام حلالاً. فهاهم أصحاب السبت الذين حرم الله عليهم الصيد من البحر في يوم السبت، ابتلاهم الله عز وجل فصارت الحيتان يوم السبت تأتي على سطح الماء من كثرتها، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فطال عليهم الأمد، يوم السبت حرم علينا الصيد والحيتان تأتي شرعاً وفي غير يوم السبت ما تأتينا اصنعوا حيلة، فصاروا يضعون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان في يوم السبت وتقع في هذه الشباك ولا تستطيع الخروج، فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها من الشباك، صورة الأمر الواقع أنهم صادوا يوم الأحد، وما صادوا يوم السبت، فهي التي جاءت ووقعت في الشباك، ما جاءوا بها ولا أمسكوا بها فهل نفعتهم هذه الحيلة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة:65] فجعلهم معتدين في السبت، {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] . أمرهم الله أمراً كونياً أن يكونوا قردة خاسئين فصاروا قردة يتعاوون وكانوا بالأمس بشراً؛ لأنهم تحايلوا على محارم الله، ولهذا قال لنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود؛ لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوا الشحم ثم باعوه وأكلوا ثمنه) ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد في المسند بإسناد صححه بعض الأئمة: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ، فهذه المعاملة كما ذكرت لا شك أنها معاملة فيها حيلة على الربا واضحة، فهي حرام على الفاعل المعطي للربا، وعلى الآخذ لهذا الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه. السائل: والحل جزاك الله خيراً؟ الشيخ: الحل أن يتوب إلى الله كل منهما، أما بالنسبة لمن اشترى السيارة ثم باعها لهذا بزيادة، فإن من تمام توبته ألا يأخذ الزيادة من هذا، وما دام الثاني الذي أخذ السيارة جاهلاً فليس عليه إلا أن يسلم الثمن الأصلي لهذا الرجل، أما إذا كان كل منهما عالماً أنه حرام؛ فإن البائع الذي أخذ الزيادة لا يحل له أخذها، ولكن تجعل في بيت المال ولا توضع عن المشتري؛ لأن المشتري منتهك للتحريم، وفرق بين المنتهك للتحريم وبين الجاهل، فإذا كان كل منهما جاهلاً فالطريق الآن أن يقول الذي باعها بربح أو بربا في الحقيقة أن يقول: أنا يكفيني رأس مالي ولا أريد غيره. وإلى هنا ينتهي هذا المجلس وهذا اللقاء، وأسأل الله عز وجل أن يجعله نافعاً وإلى لقاء قادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [13] في هذا اللقاء تفسير الآيات الأولى من سورة النازعات، فبدأ بالتحدث فيها عن البسملة واختلاف العلماء فيها: هل هي آية من سورة الفاتحة أم لا؟ ثم واصل حديثه بتفسير الآيات من نفس السورة حتى الآية التاسعة من السورة، ثم أجاب على أسئلة الحضور. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النازعات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الأولى عام (1413هـ) ، وهو موعد اللقاء الأسبوعي في كل خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا جميع النعم، وأن ينفع بهذه اللقاءات وغيرها، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً. درسنا في هذا اليوم هو تفسير أول سورة النازعات. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 2 البسملة ليست آية من كل سورة قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:1-5] . البسملة آية من كتاب الله مستقلة، لا تتبع السورة التي قبلها ولا التي بعدها، ولهذا كان القول الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة بل هي آية مستقلة، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين أن الله تعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي) وذكر تمام الحديث، كما أنها -أيضاً- ليست آية من السور الأخرى، وما نشاهده في المصحف من جعلها آية في الفاتحة دون غيرها إنما هو على رأي بعض العلماء، ولكن الصواب ما ذكرت لكم أنها آية مستقلة، ولذلك لو اقتصر الإنسان في سورة الفاتحة على قوله: الحمد لله رب العالمين إلى آخر السورة لكانت صلاته صحيحة. إلا أنها لا توجد في أول سورة براءة وسبب ذلك: أنه لم ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين السورتين آية بسملة، فلذلك لم تكن موجودة، وأما تعليل بعض العلماء بأنها -أي: سورة براءة- نزلت بالسيف فإنه تعليل عليل لا يصح؛ لأن السيف إذا كان بحق فهو حق ولا يضر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والنازعات غرقاً، والناشطات نشطاً) يقول الله عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:1-5] . كل هذه أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم التي أمرهم الله عز وجل بها. فقوله: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} أي: الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار، تنزعها (غَرْقاً) أي: نزعاً بشدة. {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} أي: الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطاً، أي: تسلها برفق كالأنشوطة، وأظنكم تعرفون الأنشوطة، الرباط الذي يسموه عندنا: (التكة) أو ما أشبه ذلك من الكلمات، يعني يكون ربطاً بحيث إذا سللت أحد الطرفين انفكت العقدة بسرعة وبسهولة. فهذه الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين تنشطها نشطاً أي: تسلها برفق؛ وسبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح للخروج تناديها بأقبح الأوصاف، تقول الملائكة لروح الكافر: اخرجي أيتها النفس الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى غضب الله، فتنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق في الجسد والعياذ بالله، حتى يقبضوها بشدة، وينزعونها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع. أما أرواح المؤمنين -جعلني الله وإياكم منهم- فإن الملائكة إذا نزلت لقبضها تبشرها: اخرجي أيتها النفس الطيبة -كانت في الجسد الطيب- اخرجي إلى رضوان الله، وما أشبه هذا الكلام الذي يهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته فتخرج بسهولة، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت، فقال: ليس الأمر كذلك، ولكن المؤمن إذا جاءه أجله يبشر برحمة من الله ورضوانه فيحب لقاء الله) لأنه في تلك اللحظة يرى أنه سينتقل إلى دار أحسن من الدار التي فارقها، فيفرح كما يفرح أحدنا إذا قيل له: اخرج من بيت الطين إلى البيت المسلح والقصر المشيد الطيب، فيفرح المؤمن فيحب لقاء الله، والكافر -والعياذ بالله- بالعكس إذا بشر بالغضب والعذاب فإنه يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه. إذاً: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً) هي: الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة، (وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً) الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بسهولة ويسر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والسابحات سبحاً) قال تعالى: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} [النازعات:3] أيضاً الملائكة تسبح بأمر الله، أي: تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء، وكما قال تعالى عن الشمس والقمر والليل والنهار: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33] . فالمعنى أنها تسبح بأمر الله عز وجل على حسب ما أراد الله سبحانه وتعالى، والملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر، انظر إلى قوله تعالى عن سليمان: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:38-40] يعني إذا مددت طرفك ثم أرجعته فقبل أن يرجع إليك آتيك به {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40] رآه في الحال، قال العلماء: حملته الملائكة حتى جاءت به إلى سليمان، من أين؟ من اليمن، وسليمان بـ الشام في لحظة، فدل هذا على أن قوة الملائكة أكبر بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أكبر من قوة بني آدم؛ لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل مدة طويلة، الحاصل أن الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل بما يأمرها به. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فالسابقات سبقاً) {فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً} [النازعات:4] أيضاً هي: الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الملائكة أسبق إلى أمر الله عز وجل من بني آدم، قال الله تعالى في وصف ملائكة النار: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ، وقال عز وجل: {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] ، فهم سباقون إلى أمر الله عز وجل بما يأمرهم، لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لقوتهم وقدرتهم على فعل أوامر الله عز وجل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فالمدبرات أمراً) قال تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} [النازعات:5] أيضاً وصف للملائكة، تدبر الأمر وهو واحد يعني أمور الله عز وجل لها ملائكة تدبرها، وللنظر إلى أصنافهم: جبرائيل: موكل بالوحي يتلقاه من الله وينزل به على الرسل. إسرافيل: موكل بنفخ الصور الذي يكون عنده يوم القيامة، ينفخ في الصور فيفزع الناس ويموتون، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثون وهو أيضاً من حملة العرش. ميكائيل: موكل بالقطر والنبات. ملك الموت: موكل بالأرواح. مالك: موكل بالنار. رضوان: موكل بالجنة. {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] موكل بالأعمال. كل يدبر ما أمره الله عز وجل به (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً) إذاً فهذه الأوصاف كلها للملائكة على حسب أعمالهم، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة؛ لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم، إما في ذاته وإما لكونه من آيات الله عز وجل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة) ثم قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:6-7] ، (يَوْمَ تَرْجُفُ) متعلقة بمحذوف والتقدير: اذكر يا محمد! وذكر الناس بهذا اليوم العظيم (تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) وهما النفختان في الصور. النفخة الأولى: ترجف الناس ويفزعون، ثم يموتون عن آخرهم إلا ما شاء الله، والنفخة الثانية يبعثون من قبورهم، يقوم الناس من قبورهم مرة واحدة، قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] . فإذا رجفت وتبعتها الرادفة انقسم الناس إلى قسمين: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات:8-9] وهذه قلوب الكفار، (واجفة) أي: خائفة خوفاً شديداً، ذليلة لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة ولكن قد غضت أبصارهم -والعياذ بالله- لذلهم وهوانهم، قال الله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] . نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا ممن ينجون في هذا اليوم من عذاب الله، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين إنه جواد كريم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 حكم بيع السلعة مؤجلاً بثمن أكثر من ثمنها الحاضر السؤال رجل بجواره مزرعة أراد أن يشتريها فذهب إلى أحد المصارف وطلب منهم أن يشتروها له، فقالوا له: نرسل معك مندوباً يقدرها ثم نبيعها عليك، كيف يكون هذا؟ الجواب هذا عمل محرم، يعني: كون الإنسان يعين السلعة ثم يذهب إلى التاجر ويقول: اشترها لي، فيشتريها التاجر ثم يبيعها عليه بثمن مؤجل أي: مقسط أكثر من ثمنها الحاضر، فهذا ربا؛ ولكنه ربا فيه خداع لله عز وجل ومكر بآيات الله؛ لأنه بدل من أن يقول: خذ قيمتها الآن مائة ألف وأعطني بعد سنة مائة وعشرين ألفاً فهو ذهب يشتريها شراءً غير مراد، هذا التاجر ما أرادها إطلاقاً، ما اشتراها إلا من أجل أن يربح منك، فهو لم يشترها إحساناً إليك، ولم يشترها إلا من أجل هذه الزيادة التي أخذها عليك، فهي ربا لكنه ربا خداع، وربا الخداع لا يزداد إلا قبحاً وإثماً، الربا الخداع أشد من الربا الصريح؛ لأنه تضمن مفسدتين: المفسدة الأولى: مفسدة الربا، وهي: الزيادة المفسدة الثانية: فيه مخادعة لله رب العالمين الذي يعلم ما في القلوب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن الحق، قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، لو كان هذا التاجر يريد الإحسان إليك لقال: خذ هذه الدراهم قرضاً عليك بدون زيادة، لكن إذا كانت السلعة عند التاجر من الأصل وجئت أنت إليه واشتريت ما يساوي ألفاً بألف ومائة، أو بألف ومائتين هذا لا بأس به، أما في هذه الصورة التي ذكرها السائل، فإنها حرام ولا تحل. وأنا أسألكم الآن: هل هذه الحيلة أقرب إلى الحرام، أو حيلة اليهود الذين قيل لهم: لا تصيدوا السمك في يوم السبت، ثم ابتلاهم الله فصار السمك يأتي يوم السبت ويغيب غير يوم السبت، فطال عليهم الأمد فقالوا: دبروا لنا حيلة فاحتالوا وصاروا يضعون شبكاً يوم الجمعة وتأتي السمك يوم السبت وتقع في هذا الشبك، فإذا كان يوم الأحد أخذوا السمك وقالوا: نحن ما صدنا يوم السبت، فبماذا عاقبهم الله؟ قال: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] فأصبحوا قردة يتعاوون -والعياذ بالله- هذه واحدة. ثانياً: حرم الله عليهم الشحوم، قالوا: ما نأكلها فأذابوها وجعلوها ودكاً، ثم باعوها وأكلوا ثمنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحوم الميتة أذابوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها) لو قست هذه الحيلة اليهودية بهذه الحيلة التي ذكرها السائل لوجدت أن الحيلة التي ذكرها السائل أقرب إلى الحرام من حيلة اليهود، ولكن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لتركبن سنن من كان قبلكم) وليس من اللازم من ركوب السنن أن نكفر كما كفروا، إذا أخذنا من أخلاقهم شيئاً فقد ارتكبنا طريقهم في هذا الشيء. الحسد -مثلاً- من أخلاق اليهود، فالحاسد عنده شبه من اليهود في الحسد، كتمان الحق من أخلاق اليهود، هم الذين يكتمون ما أنزل الله، تحريف الكلم عن مواضعه أي: تفسير القرآن بغير ما أراد الله عز وجل، أو السنة بغير ما أراد رسول الله، هذا من أخلاق اليهود فقوله: (لتركبن سنن من كان قبلكم) ليس المراد أننا نكفر كما كفروا، وإنما نأخذ من كل شيء من أخلاقهم بنصيب، فوجد في هذه الأمة الحسد، ووجد فيها الحيل، ووجد فيها الغش، ووجد فيها تحريف الكلم عن مواضعه، ووجد فيها كتمان الحق. فعليك يا أخي! أن تنقذ نفسك من أخلاق اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار حتى تسلم وتكون مسلماً لله حقاً. المهم أن هذه المعاملة حرام على المعطي وعلى الآخذ؛ لأن الربا يستوي فيه الآكل والموكل، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 جواز قراءة الفاتحة للمأموم مع قراءة الإمام لسورة أخرى السؤال إذا قرأ الإمام الفاتحة وانتهى من قراءة الفاتحة، من العادة أن يتوقف قليلاً، هل يقرأ المأموم الفاتحة ولو باشر الإمام السورة التي تليها؟ الجواب الإمام إذا قرأ الفاتحة سكت قليلاً لكن من العلماء من قال: يسكت حتى يتم المأموم الفاتحة، ومنهم من قال: يسكت قليلاً ثم يقرأ، والثاني هو الصحيح، يعني لا يسكت سكوتاً طويلاً، يسكت قليلاً فإذا شرع المأموم في الفاتحة استمر فيها وأكملها ولو كان الإمام يقرأ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وانصرف يوماً من صلاة الفجر فقال لأصحابه: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 إجزاء الغسل عن الوضوء السؤال هل يجزئ الغسل عن الوضوء أم الأفضل أن يستقل الوضوء؟ الجواب الغسل يجزئ عن الوضوء؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء، لكن الأفضل أن يتوضأ أولاً ثم يغسل رأسه ثلاثاً حتى يرويه ثم يغسل بقية جسده هذا هو الأفضل، وإن اغتسل جميعاً بدون ترتيب؛ فلا بأس، لكن لابد من المضمضة والاستنشاق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 حكم تصويب المرأة للإمام في الصلاة السؤال لو صلت امرأة خلف الرجال ثم أخطأ الإمام في قراءة القرآن ولم يصوب، والمرأة تعرف ذلك، هل تصوب له؟ الجواب إذا كان هذا في الفاتحة فإنه يجب أن تصوب له؛ لأنه لو أخل بالفاتحة فصلاته غير صحيحة، أما إذا كان في غير الفاتحة وكان الرجال من معارفها ولا يستغرب أن تتكلم عندهم، فإنها تفتح عليه ولا حرج؛ لأن صوت المرأة ليس بعورة، والدليل على أنه ليس بعورة قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فالنهي عن الخضوع بالقول دليل على جواز القول. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 معنى التوسل بدعاء الصالحين السؤال ما هو التوسل بدعاء بعض الناس الصالحين؟ الجواب التوسل بدعاء الصالحين جائز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يأتونه يستشفعون به إلى الله عز وجل في الدعاء، فقد دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: [يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا] فدعا لهم، وقال عكاشة بن محصن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال عكاشة: (ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم) والشواهد على هذا كثيرة، إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا خيف من هذا الرجل الصالح أن يغتر بنفسه وأن يلحقه الغرور والعجب؛ فإنه لا يطلب منه الدعاء، ومع ذلك فلا ينبغي للإنسان أن يطلب من غيره أن يدعو له؛ لأن هذا نوع من المسألة المذمومة، ادع الله أنت، لا تقل: يا فلان! ادع الله لي، وما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر: (لا تنسنا يا أخي! من دعائك) فهذا لا صحة له. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 متابعة المأموم إمامه في الصلاة السؤال إذا دخل شخص المسجد وقد صلى الإمام ركعة، وقرأ الإمام التشهد والمأموم في غير محل التشهد فماذا يفعل؟ الجواب المأموم يتبع إمامه فيجلس معه للتشهد وإن كان في غير محل التشهد، ويقرأ التشهد كله حتى يسلم إمامه، ثم يقوم فيكمل. السائل: لكنه قرأ التشهد في غير محله؟ الشيخ: نعم. هو في غير محله بالنسبة لصلاة المأموم، لكن بالنسبة لصلاة الإمام في محله والمأموم مأمور بأن يتابع إمامه. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 المراد بالصحف في قوله تعالى: (صحف إبراهيم وموسى) السؤال قال تعالى: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:19] ما المراد بالصحف هل هي التوراة؟ الجواب بعض العلماء يرى أنها التوراة وبعضهم يرى أنها غير التوراة، فالله أعلم؛ لأن التوراة سماها الله تعالى ألواحاً، قال الله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:150] والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 الجمع بين قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (اعدلوا بين أبنائكم) السؤال أراد رجل أن يقسم بين أولاده مالاً هل يعطى للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى في الآية: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ. } [النساء:11] أم يقسم بينهم بالتساوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم) وإذا فعل الأولى في حياته ثم توفي فهل يسترد ما أخذه الذكور ويعطى للإناث؟ الجواب أولاً نسأل هل هذا الذي أعطاه نفقة أو تبرعاً زائداً؟ إن كان نفقة فإنه يعطى كل إنسان ما يحتاجه قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قدر أن أحد الأولاد احتاج إلى زواج يزوجه، ولا يعطي الآخرين مثله، ولو فرضنا أن إحدى البنات مرضت وأنفق على دوائها نفقات باهظة فإنه لا يعطي الآخرين. أما إذا كان تبرعاً فإنه يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عز وجل، فإذا أعطى الذكر مائة يعطي الأنثى خمسين ولا يسترد بعد موته ما أعطى الذكور؛ لأن هذا حق وعدل أن للذكر مثل حظ الأنثيين، والحديث قال: (اعدلوا بين أبنائكم) والعدل بينهم اتباع ما جاءت به السنة وما دل عليه الشرع، هذا هو العدل. وينبغي أن نعرف الفرق بين العدل والمساواة، الآن كثير من الناس يقول: الإسلام دين المساواة، وهذا غلط، ليس في القرآن كلمة مساواة أو أن الناس سواء، بل لو تأملت أكثر ما في القرآن تجد نفي المساواة: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] ، {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:95] ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16] وما أشبه ذلك، فأكثر ما في القرآن نفي للمساواة فيما بينهما اختلاف. في القرآن العدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ} [النحل:90] {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ، وفرق بين العدل والمساواة، لو أخذنا بظاهر كلمة المساواة لقلنا: الذكر والأنثى سواء كما ينادي به الآن المتفرجون، لكن إذا قلنا العدل أعطينا الذكر ما يستحق والأنثى ما تستحق، ولهذا نرجو من إخواننا الكتاب وغير الكتاب أن ينتبهوا إلى هذه النقطة؛ لأن كلمة المساواة أدخلها بعض المعاصرين، والله أعلم كيف أدخلوها، قد يكون عن سوء فهم، وقد يكون لسبب آخر، إنما الدين دين العدل، والعدل إعطاء كل أحد ما يستحق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 حكم التصدق من مال المجنون السؤال امرأة كبيرة في السن تسكن عند إحدى بناتها، وهذه المرأة عندها مال، والآن هي ليست جيدة العقل، ومعتادة قبل أن يكون عقلها بهذا الشكل أن تعطي أطفال بناتها في رمضان أو في العيد، وكذلك تطعم في رمضان، والآن تقوم البنت بما كانت تقوم به الأم في السابق، والناس أنكروا عليها قالوا: ما يجوز أن تفعلي هذا الشيء، فما رأي سماحتكم؟ الجواب نعم. الصحيح الإنكار، أنه ينكر على البنت أن تتصرف بشيء من مال أمها الآن؛ لأن أمها لما كانت عاقلة فالأمر بيدها فلما اختل عقلها صار لا بد لها من ولي، ولهذا نقول لا تتصرف في شيء من مالها إلا بعد أخذ ولاية من المحكمة، فالواجب عليها الآن أن تذهب إلى المحكمة وتبلغ القاضي بالواقع، وتطلب الولاية على أمها. السائل: هل يحق للولي عمل نفس العمل؟ الشيخ: إذا صار ولياً فإنه لا يتصرف في مالها إلا فيما هو لازم، أما التبرع فلا يتصرف فيه بشيء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 المراد بقوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) السؤال ما المراد بقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] هل السماء تتوسع الآن أو لا كما هو موجود في بعض المقررات؟ الجواب يقول الله عز وجل عن نفسه أنه بنى السماء بأيد -أي: بقوة- كما قال تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي قوية: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي: لموسعون فيها؛ وذلك لأن السماء إذا قارنت بينها وبين الأرض وجدت بينهما بعداً عظيماً في السعة، فالسماء على الأرض مثل القبة محيطة بها من كل جانب وبينها وبين الأرض ما لا يعلمه إلا الله عز وجل من المسافات البعيدة، هذا معنى قوله: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) . أما أن نقول: (لَمُوسِعُونَ) في المستقبل وأنها كل مدى تتسع فهذا شيء لا نعلمه، بل ظاهر اللفظ أن الله أوسعها الآن، وأما أنها تتسع كلما مضى زمن فالله أعلم. السائل: موجود الآن في بعض المقررات أنها تتوسع الآن؟ الشيخ: لا نستطيع أن نجزم بهذا، الآية لا تدل على هذا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 حكم من وجد شيئاً ثميناً لا يعلم صاحبه ثم تاب إلى الله وأراد أن تبرأ ذمته من هذا الشيء السؤال رجل كان مسافراً فوجد ساعة ثمينة في إحدى محطات البنزين فأخذها ولا يعلم صاحبها، وبعد فترة تاب إلى الله وأراد أن يتخلص من هذه الساعة فهل يتصدق بها أو يعطيها لولي الأمر؟ الجواب الواجب عليه بعد أن تاب الله عليه ووفقه للتوبة أن يقدر قيمتها حيثما وجدها؛ لأنه يمكن أن يكون مر عليها زمن تغيرت فيه، فيقدر قيمتها اليوم بما تساوي لو كانت على الصفة التي وجدها عليها ثم يتصدق بها لصاحبها أو يبيعها، ثم يخرج الفرق بين قيمتها حين وجدها وبين قيمتها الآن ويتصدق به، مع ثمنها الذي باعها به. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 حكم إهداء ثواب العمل للحي السؤال هل يجوز للحي أن يتبرع أو يعطي الأجر لحي آخر بأن يأخذ مثلاً كفالة أيتام واحدة له وواحدة لآخر بدون علمه لكن ينوي أن الأجر له؟ الجواب هذه اختلف فيها أهل العلم هل يجوز للحي أن يهدي ثواب العمل للحي أم لا؟ كما اختلفوا أيضاً هل يجوز أن يهدي الحي للميت ثواب العمل في غير ما جاءت به السنة أم لا؟ والاحتياط للإنسان أن يفعل ما وجهه إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل أو ولد صالح يعمل له، مع أن سياق الحديث في العمل، فلو كان العمل للوالدين من الأمور المطلوبة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وهما الوالدان فكيف بمن سواهما. لذلك نحن نحث إخواننا أن يجعلوا الأعمال الصالحة لأنفسهم، إذا أراد أن يتصدق بدرهم لأبيه أو لأمه فليجعله لنفسه، وليدع لوالديه متى شاء في الصلاة وبين الأذان والإقامة، وفي صلاة الليل أو في غير ذلك، هذا هو الأفضل، وهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لكن مع ذلك لو تصدق عن والديه بصدقة أو حج أو اعتمر عنهما فلا بأس. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 الجمع بين ذم القرآن للذين يستخفون من الناس عند المعاصي وأمر السنة بالاستتار وعدم المجاهرة السؤال ورد في القرآن الكريم ذم الذين يستخفون من الناس عند المعاصي {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء:108] وورد في السنة الأمر بالاستتار وعدم المجاهرة فما الجمع بينهما؟ الجواب الجمع بينهما أن الآية في المنافقين، المنافقون إذا كانوا جميعاً بيتوا ما لا يرضى الله عز وجل، وإذا كانوا مع الناس أظهروا للناس الحسنى وأنهم مسلمون. أما المؤمن العاصي فإنه إذا ابتلي بالمعصية فإن الأفضل ألا يجاهر بها وألا يخبر بها أحداً، وأن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ، المجاهرون هم الذين يعملون السيئات ثم يصبحون يتحدثون للناس بما صنعوا، فمن أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله عز وجل ولا يخبر بها أحداً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 22 حكم بيع الدراهم بدراهم مع الفضل السؤال شخص له حق الاقتراض من بنك التنمية الحكومي، ولكن قد يتأخر ذلك القرض فيذهب إلى البنك ويأخذ مبلغاً أقل من قيمة القرض ويحيل البنك على الحكومة ليأخذ القرض كاملاً، ثم هو يسدد هذا المبلغ كاملاً للحكومة، فما حكم ذلك؟ الجواب هذا لا يجوز، لا يجوز للبنك أن يشتري الدراهم التي عند الحكومة بدراهم حاضرة، صورة المسألة أن يكون للإنسان اسم عند الحكومة في صندوق التنمية العقارية وهذا الاسم يتأخر إقراضه فيأتي الإنسان للبنك يقول هذا اسمي عند الحكومة قد وافقوا على الإقراض، فأعطني الآن كذا وكذا من الدراهم أقل مما تعطيه الحكومة وأنا أحيلك على الحكومة فيفعل البنك، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأنه بيع دراهم بدراهم مع الفضل، وبيع ما لا يملك؛ لأن الإنسان لا يملك الذي عند الحكومة؛ لأن الحكومة قد تعطيه أو لا تعطيه، وفيه أيضاً جهالة، فهذه المعاملة معاملة محرمة والواجب على الإنسان إذا قدم للبنك ونزل اسمه أن ينتظر حتى ييسر الله الأمر. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 23 حكم صلاة من خلع الشراب بعد أن مسح عليها ثم أعادها من غير وضوء السؤال توضأت أمس لصلاة الصبح بعد الصلاة لبست الشرابات ومسحت عليها لصلاة الظهر وصليت بها العصر، وبعد صلاة العصر نزعتها لمدة ساعة ولبستها ثانية وصليت المغرب، فلما انتهيت من صلاة المغرب صار عندي شك وسألت بعض الإخوان فقال: لابد أن تعيد صلاة المغرب. فما رأي سماحتكم؟ الجواب هذا صحيح، الإنسان إذا خلع الشراب بعد أن مسح عليها فإنه لا يمكن أن يعيدها إلا بعد وضوء وأنت أعدتها على غير وضوء ومسحت عليها المغرب. السائل: لبستها لأني على وضوء ولم أحدث؟ الشيخ: لكن لبستها على وضوئك الأول الذي مسحت فيه الظهر هذا لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يلبس الإنسان الشراب على طهارة قد غسلت فيها القدم، فعليك الآن إعادة صلاة المغرب، وإذا كنت لم تتوضأ أيضاً لصلاة العشاء وتغسل رجليك فعليك أن تعيد الصلاتين أيضاً المغرب والعشاء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 24 حكم من نذر صوم ثلاثة أيام من كل شهر ولم يستطع الوفاء بسبب المرض السؤال امرأة مرضت مرضاً شديداً فنذرت إن شفيت أن تصوم في كل شهر ثلاثة أيام، فلما شفيت صامت ولكن مرضت بعدها بعدة سنوات فلم تستطع أن تصوم فهل يصوم أحد أبنائها أو تطعم عن كل يوم؟ الجواب إذا كان مرضها هذا لا يرجى زواله فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً، تطعم ثلاثة مساكين ولا يصام عنها؛ لأن الحي لا يصام عنه، إنما يصام عن الميت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 25 حكم بيع الثياب القصيرة للبنات اللاتي عمرهن تسع أو عشر سنين السؤال في بعض المحلات هداهم الله يبيعون الثياب القصيرة للبنات اللاتي عمرهن تسع وعشر سنين، أفلا يكون تعاوناً على الإثم والعدوان كما ذكر الله في الآية؟ الجواب بلى. بيع المحرم حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) . الجزء: 13 ¦ الصفحة: 26 حكم بقاء المرأة عند زوجها الذي يتعاطى المخدرات ويتهاون بالصلاة السؤال امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة كالمخدرات ونحو ذلك، وهي تعاني من هذا الرجل، وهي امرأة فيها صلاح وإيمان، نحسبها كذلك والله حسيبها، ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بدون جدوى، فما رأيك هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه، وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة، فنريد كلمة بسيطة حول هذا الموضوع؟ الجواب هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي؟ السائل: يصلي بتهاون، أحياناً في البيت، وأحياناً في العمل، وأحياناً يتأخر. الجواب: أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد فلها الحق في طلب الفسخ ويفسخ النكاح، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ؛ لأنها معها أولاد، يحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر فلا حرج عليها أن تبقى معه خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي فهذا لا تبقى معه طرفة عين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 27 معنى قوله تعالى: (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) السؤال ما المقصود بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج:27] ؟ الجواب المقصود بذلك: وصف هؤلاء بأمرين بالإيمان وبالخوف من عذاب الله، الإشفاق بمعنى: الخوف، وكونهم يخافون منه يدل على أنهم كانوا يؤمنون به، ففي هذا الثناء على من خاف من عذاب الله؛ لأن من خاف من شيء اتقاه، فإذا خاف من عذاب الله فلابد أن يتقي أسباب العذاب. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 28 معنى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه السؤال هل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة يدل على الاستحباب أو على الوجوب؟ الجواب إذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على فعل عبادة، فإن كانت من هديه فهي مستحبة، وإن كانت من غير هديه لكن أقر عليها فهي من القسم الجائز الذي إذا فعله الإنسان لا ينكر عليه، مثاله: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان إذا قرأ في الصلاة يختم بقل هو الله أحد، كلما قرأ ختم بقل هو الله أحد، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، ولكن هذا ليس من السنة؛ لأنه لو كان من السنة لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 29 حكم التأمينات الاجتماعية الإسلامية وصورتها السؤال ظهر مؤخراً تأمينات تسمى التأمينات الاجتماعية الإسلامية، وصورتها أن تقوم شركة بجمع تأمينات من عند الشركات، فإذا قدرنا أنهم جمعوا مثلاً مليون ريال في آخر السنة، تأخذ الشركة أتعابها وتسدد خسائر بعض الشركات، وتوزع المال على الشركات التي تأخذ المال منها، فما حكم هذه التأمينات؟ الجواب ما يتبين لي في هذا حكم، وأخشى أن يتهاون الناس فيما يكون فيه خسارة بأن إذا عرف أن هذا مضمون فربما يتهاون. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 30 الواجب على من جامع أهله ولم ينزل وظل يصلي لمدة أسبوع دون غسل السؤال رجل جامع أهله لكنه لم ينزل فصلى لمدة أسبوع وبعد ذلك قال أحد الشباب له: عليك الغسل وإعادة الصلاة فهل يجب ذلك أم لا؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن الغسل يجب بواحد من أمور ثلاثة: بالإنزال ولو بدون جماع، أو بالجماع ولو بدون إنزال، أو بالجماع والإنزال، وعلى هذا الرجل أن يعيد الصلاة التي صلاها قبل أن يغتسل؛ لأنه في الحقيقة عنده نوع من التفريط، والواجب عليه أن يسأل أهل العلم ويعيد هذه الصلوات جميعاً، بمعنى أنه لا يصلي كل صلاة مع نظيرتها بل يصليها جميعاً. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 31 حكم التيمم مع وجود الماء في أماكن بعيدة السؤال يوجد مسجد المياه بعيدة منه، هل أتيمم أم أذهب أتوضأ من بعيد؟ الجواب لا يجوز للإنسان أن يتيمم إلا إذا عدم الماء كالإنسان المسافر، أو خاف الضرر باستعماله كالمريض، وأما إذا كان الماء بعيداً عنه لكنه قريب في البلد الذي به المسجد فإنه يذهب إلى الماء، ثم يتوضأ، ثم يصلي ولابد. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 32 حكم التوسل بالعمل الصالح السؤال سمعنا عن الذين انطبقت عليهم الصخرة ودعوا الله بصالح أعمالهم، فهل التوسل بالعمل الصالح جائز؟ الجواب التوسل بصالح الأعمال جائز، مثلاً يكون عمل صالح فعله الإنسان وقال: اللهم إني فعلت كذا صليت تصدقت تعففت عن الزنا بررت والدي، اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك ففرج كربتي أو فاشف مرضي. هذا جائز لا بأس به، وهو من الأمور المشروعة حتى في ترك المعاصي؛ لأن أحد الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة ترك المحرم، كانت له بنت عم وكان يحبها حباً شديداً وقد راودها عن نفسها فأبت، فألمت بها سنة من السنين، واحتاجت وجاءت إليه ومكنته من نفسها، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته، قالت: يا عبد الله! اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام وتركها وهي أحب الناس إليه، تركها عفة وتقوى لله عز وجل، فتوسل إلى الله بهذا الترك للمحرم؛ لأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته إلا أنه لم يجامع، فلما ذكرته بالله قالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قام عنها لا يخاف إلا الله عز وجل، فكان هذا سبباً في تفريج كربته. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 33 بيان الغسل المجزئ دون تبيين سننه وواجباته السؤال عندنا شاب دائماً أراه في المسجد وإذا استفتاه أحد في غسل الجنابة وصف له الغسل المجزئ ولا يبين لهم سننه وواجباته ويتعلل بأنه لا يريد أن يشق على الناس فهل من كلمة لمثل هذا؟ الجواب هذا الرجل الذي لا يبين من الشرائع إلا ما كان فريضة يعتبر ممن كتم العلم؛ لأن الواجب على طالب العلم أن يبين الفريضة والسنة ثم يقول للناس هذه فريضة وهذه سنة، فمن أتى بفريضة أجزأه، ومن أتى بسنة زاد أجره، أما أن يكتم السنة مخافة أن يشق على الناس فهو والله ليس أرحم من الله، ولا أرحم من الرسول، فالرسول بين للناس المجزئ وبين لهم السنة. فأنصح هذا الأخ وصية مني له بواسطتك: قل له: يتقي الله ويبين للناس الواجب والمستحب، وإذا عمل الناس بالمستحب بناءً على ما أعطاهم من العلم كان له أجر، فهو يبين للناس الواجب ويبين المستحب، الزائد عن الواجب يقول: يا جماعة! إن اقتصرتم على الواجب برأت ذمتكم، وإن فعلتم المستحب فهو أكمل وأكثر لأجوركم. أما أن يكتم الحق خوفاً من أن يشق فالله المستعان، هل هو أرحم بالمؤمنين من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا ما هو أرحم، الذي فعل المجزئ صح غسله، يعني: لو أنك غمست نفسك في بركة مثلاً أو بحر أو نهر ونويت الغسل من الجنابة وتمضمضت واستنشقت وطلعت ارتفعت عنك الجنابة، لكن الأفضل أن يغسل فرجه أولاً من أثر الجنابة، ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يحثي على رأسه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 34 حكم إحضار الخادمة من بلدها من غير محرم وحكم مبيتها في البيت الذي تعمل فيه السؤال ما حكم إحضار الخادمة من بلدها من غير محرم، ثم إذا كانت هذه الخادمة موجودة أصلاً في نفس البلد هل يجوز أن تبيت في البيت الذي تعمل فيه من غير محرم؟ الجواب أما إحضارها من بلدها من غير محرم فهو حرام، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ، وأما إذا كانت في البلد وأتى بها يستخدمها في بيته فهذه إن كانت تأتي وتقضي الحاجة وتذهب إلى بيتها فلا إشكال أيضاً أنه جائز. أما إذا كانت تبيت عنده فهذا على خطر لا سيما إذا كان عند شباب مراهقين فإنه يخشى من المفسدة كما جرى في بعض الأحيان، أما إذا لم يكن عند شباب فنرجو إن شاء الله ألا يكون فيها بأس، لكن التنزه عنها أولى وأن تبقى في مكان آخر، وتأتي تقضي حاجته في الصباح وترجع؟ السائل: وإذا كانت زوجته مدرسة ولا يوجد في البيت غيره؟ الجواب: هذا لا يجوز. يلزم من هذا أن يخلو بها؛ لأن زوجته تخرج ولا يبقى في البيت إلا هو والخادمة. السائل: هو يخرج إلى العمل ولا يأتي إلا وزوجته تكون قد أتت قبله؟ الشيخ: إذا كان ليس هناك خلوة فعلى ما قلنا في السؤال السابق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 35 حكم تعيين صاحب المحل مبلغاً معيناً من العامل شهرياً السؤال يوجد شخص عنده مؤسسة دائماً يفتح محلات يأتي بلوازم المحل هذا، ويأتي بأشخاص يعملون عنده فيقول: عليكم بأن تعملوا في هذا القسم -مثلاً- وأنا آخذ شهرياً منكم أربعة آلاف أو خمسة آلاف، ويجبرهم على ذلك، فهل يجوز هذا؟ الجواب هذا بارك الله فيك حرام، كون الإنسان يفتح محلاً ويأتي بعامل يعمل فيه ويقول: عليك كل شهر -مثلاً- ألف ريال أو ألفان أو أقل أو أكثر هذا حرام شرعاً وممنوع نظاماً، والدولة لا تسمح بهذا، إذا كان العامل أجنبياً وإذا كان أهلياً فهو حرام من جهة الشرع فلا يجوز، نعم لو فرض أنه جهز المال ثم جاء بإنسان وقال له: يا فلان! اعمل بهذا المال على النصف، نصف الربح لك ونصف الربح لي أو ثلاثة أرباع الربح لك وربعه لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه مضاربة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 36 حكم تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (المفرق) السؤال جاء في الحديث عند البخاري عندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام الملائكة فقالوا: (اضربوا له مثلاً -وجاء في آخر الحديث- قال: ومحمد رسول الله فرق بين الناس) فهل يجوز أن نسمي الرسول صلى الله عليه وسلم بالمُفَرِّق؟ الجواب لا. لأن التفريق على الإطلاق ذم، بل إن الرسول جمع الناس، وجمع الله به بعد الفرقة، وألف به بعد العداوة، وأعز به بعد الذل، ونصر به بعد الخذلان: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين جمعهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي) فلا يمكن أن نسميه المفرق على الإطلاق. السائل: بل نقول: فرق بين الحق والباطل؟ الشيخ: كما سمى الله القرآن فرقاناً؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 37 امرأة اعتمرت دون إذن زوجها وهي عند أخيها السؤال امرأة تسأل أنها اعتمرت مع أخيها ولم تستأذن من زوجها، علماً بأنها تسكن مع أهلها لوجود خلاف بينهما فما الحكم؟ الجواب المرأة إذا كانت عند أهلها على خلاف بينها وبين زوجها فإن كان الخطأ منه فلا حق له عليها، وإن كان الخطأ منها فقد أثمت، فينظر قد يكون الخطأ منه هو الذي نشز، وهو الذي اعتدى عليها، وهو الذي أضاع حقوقها فلا حق له عليها، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ولقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126] ولقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] وأما إذا كانت هي المخطئة فعليها أن تتوب وترجع إلى بيت زوجها. السائل: والعمرة؟ الشيخ: لا يجوز أن تعتمر إذا كان الخطأ منها، ولكن عمرتها صحيحة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 38 حكم منع الصغار من الصلاة في الصفوف الأولى السؤال حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار على الصف الأول فبعض الأئمة ينكرون على الصغار ويمنعونهم من الصف الأول وخاصة الوسط خلف الإمام فيقول لهم: ليس هذا مكانكم، والكبار ما يتقدمون فما رأيكم يا شيخ؟! الجواب نقول للذي يمنع الصغار من الصف الأول أو من الصف وراء الإمام أين دليلك؟ ليس عنده دليل، الواجب أنه من سبق إلى مكان فهو أحق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه فيجلس مكانه وقال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ، ولا دليل لهذا الرجل الذي يبعد الصغار عن الصف الأول بل في هذا جناية على هؤلاء الصبيان، وفيها أيضاً تنفير لهم عن المسجد، وفيها أيضاً كراهة الصغار لهذا الرجل. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فالمراد أنه أمر الكبار أن يتقدموا ليلوه ولم يقل: لا يلني إلا أولو الأحلام، لو قال: لا يليني إلا أولو الأحلام كنا نؤخر الصغار؛ لأنه نهى أن يليه إلا هؤلاء، أما وقد قال: (ليليني منكم) فالمعنى حثهم على التقدم، نعم لو فرض أن الصبي يحصل منه إفساد للمسجد أو تشويش على المصلين فهنا نؤدبه، إما بواسطة وليه أو مباشرة، فإن لم يتأدب منعناه حتى من دخول المسجد. السائل: وإذا احتاج الإمام إلى من يستنيبه كأن حدث له شيء في الصلاة ولم يجد وراءه إلا الصغار وهم ليسوا على استعداد لذلك؟ الشيخ: أولاً بارك الله فيك متى تقع هذه المسألة؟ متى يحدث أن الإمام يحتاج إلى تقديم أحد؟ يمكن في السنة مرة، أنا في المسجد أكثر من ثلاثين سنة ما حدث هذا أبداً، هذه واحدة، والثانية: لا بأس أن يتقدم الصبي إذا كان قارئاً للقرآن ولو كان سنه عشر سنين نقدمه يصلي بالجماعة؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤمكم أكثركم قرآناً) وعمرو بن سلمة الجرمي كان ذكياً وكان وهو ابن سبع سنين يتلقى الركبان ويأخذ منهم القرآن، فلما جاء الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (يؤمكم أكثركم قرآناً) نظروا في القبيلة فلم يجدوا أكثر من هذا الصبي قرآناً فقدموه يصلي بهم وهو ابن سبع سنين، هذا في صحيح البخاري وكان عليه إزار قصير إذا سجد ارتفع مع السجود حتى تبدو عورته، فخرجت امرأة من الحي ذات يوم وهذا الصبي يصلي بالجماعة فقالت لهم: غطوا إست قارئكم، الإست هي: الدبر، والعرف أن الإست هو قبل المرأة وهو ليس كذلك، الإست هي: الدبر، فلما قالت هذه المرأة غطوا عنا إست قارئكم، اشتروا له قميصاً جديداً قال: فما فرحت بعد الإسلام فرحي بهذا القميص. السائل: والتمييز؟ الشيخ: التمييز يكون غالباً في سبع سنين، ولكن قد يميز الصبي وعمره خمس سنين، قال محمود بن الربيع رضي الله عنه: [عقلت مجة مجها الرسول صلى الله عليه وسلم في وجهي وأنا ابن خمس سنين] فبعض الصغار يكون ذكياً يميز وهو صغير، وبعضهم يبلغ ثماني سنين وما يميز. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 39 حكم تخيير الرجل للزوجة أن تتنازل عن بعض وقتها للزوجة الثانية أو يطلقها السؤال هناك رجل متزوج باثنتين وحدث بينه وبين إحداهن صدود فخيرها بين أمرين: إما التسريح وإما أن تبقى معه على شرط أن تتنازل عن بعض وقتها للزوجة الثانية؟ الجواب لا حرج في هذا أن يقول: أنا لا أستطيع العدل بينكما؛ فإن شئت أن تبقي على ما أنا عليه أو أطلقك فله ذلك، ودليل هذا أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها كانت كبيرة في السن فشعرت أن النبي صلى الله عليه وسلم سيطلقها فقالت: يا رسول الله! إني وهبت يومي لـ عائشة رضي الله عنها، وهبت يومها لـ عائشة فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم لـ عائشة يومين يومها ويوم سودة الذي تنازلت عنه رضي الله عنها، فهذا لا بأس به. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 40 لقاء الباب المفتوح [14] في هذا اللقاء تفسير بعض آيات سورة النازعات، يذكر فيها بيان يوم القيامة وعظمة الله سبحانه وتعالى وتعامله مع الأمم السابقة وبالأخص بني إسرائيل أتباع موسى عليه السلام. وعقب ذلك أجاب عن أسئلة كثيرة في التعزية وأحكام لبعض عمليات البيع الشرعية، وتفسير لبعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النازعات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني في هذا الشهر، شهر جمادى الآخرة سنة (1413هـ) يوم الخميس التاسع من هذا الشهر. نبدأ في هذا اللقاء بما وقفنا عليه من تفسير سورة النازعات. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) قال تعالى في بيان قيام الساعة: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] زجرة من الله عز وجل، يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واحد على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها، قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] كل الخلق بهذه الكلمة الواحدة يخرجون من قبورهم أحياءً، ثم يحضرون إلى الله عز وجل ليجازيهم، ولهذا قال: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] وهذا كقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] أي: ما أمر الله إذا أراد شيئاً أن يكون إلا واحدة فقط، وهي كن! ولا يتأخر هذا عن قول الله لحظة {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] والله عز وجل لا يعجزه شيء؛ فإذا كان الخلق كلهم يقومون من قبورهم لله عز وجل بكلمة واحدة فهذا أدل دليل على أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] . {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث موسى) ثم قال تعالى مبيناً ما جرى للأمم قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وليعُلم أن ما قص الله عز وجل علينا من أخبار الأمم السابقة له فوائد كثيرة وعبر عظيمة، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111] فمن ذلك تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه من الأذى القولي والفعلي، فكأن الله يقول له: إن الرسل من قبلك قد أوذوا {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34] ومن ذلك: أن فيها تهديداً للمكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من العذاب والنكال، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] . والعبر في قصص الأنبياء كثيرة، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات:15] والخطاب في قوله: {هَلْ أَتَاكَ} [النازعات:15] للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، ويكون على المعنى الأول: هل أتاك يا محمد! وعلى المعنى الثاني: هل أتاك أيها الإنسان! حديث موسى وهو ابن عمران عليه الصلاة والسلام أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وقد ذكروا في القرآن في موضعين أحدهما في الأحزاب، وهو قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7] والثاني في الشورى: وهو قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:13] . وحديث موسى عليه الصلاة والسلام ذكر في القرآن أكثر من غيره؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام هو نبي اليهود، وهم كثيرون في المدينة وحولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت أخبار موسى أكثر ما قص علينا من نبأ الأنبياء وأشملها وأوسعها، وفي قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات:15] تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) قال تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} [النازعات:16-17] فرعون كان ملك مصر، وكان يقول لقومه: إنه ربهم الأعلى، وإنه لا إله غيره، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] فادعى ما ليس له وأنكر حق الله عز وجل. وقوله: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} [النازعات:16] هو: الطور، والوادي: هو مجرى الماء وسماه الله المقدس؛ لأنه كان فيه الوحي إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: (طُوىً) اسم للوادي. {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات:17-18] . ونكتفي بهذا القدر وستأتي إن شاء الله بقية القصة، والآن موعدنا مع الأسئلة . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 من أحكام الجمع والقصر للمسافر السؤال رجل مسافر وعندما بقي على البلدة التي سافر إليها مسافة ساعة تقريباً دخل وقت صلاة الظهر فذهب إلى أحد المساجد فصلى الظهر والعصر جمع تقديم، فهل يعيد صلاة العصر عند وصوله؟ وهل الأفضل أن يجمع أو أن يصلي الظهر فقط؛ لأنه سيصل قبل العصر؟ الجواب أولاً يجب أن نعلم أن المسافر يسن له قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليها، وهذا لا إشكال فيه، وأما الجمع فالأفضل ألا يجمع إلا عند الحاجة إلى الجمع، وبناءً على هذا نقول لهذا الرجل الذي يعلم أو يغلب على ظنه أنه سيصل إلى بلده قبل أن يدخل وقت الثانية نقول له: الأفضل ألا تجمع؛ لأنه لا داعي للجمع حينئذ، أنت لست في حاجة إليه، ولكن مع ذلك لو جمع فإنه لا تلزمه إعادة الصلاة إذا قدم إلى بلده؛ لأن ذمته برئت بالصلاة التي جمعها إلى ما قبلها. السائل: حتى لو فعل ذلك تحسباً لما يطرأ عليه كعطل في السيارة مثلاً؟ الشيخ: كل هذا متوقع، والأفضل ألا يجمع، لأن وقوع ما يمنع الوصول ليس متيقناً ولا غالباً على الظن، بل الغالب السلامة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 حكم إطلاق لفظ: (الحرم) على غير مكة والمدينة السؤال انطلاقاً من الآيات السابقة هل يعتبر (وادي طوى) حرماً، وبالتالي ما هي الأماكن المحرمة غير المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب لا يعتبر الوادي المقدس الذي كلم الله فيه موسى حرماً، وليس في الأرض حرم إلا موضعان فقط، حرم مكة وحرم المدينة، وأما المسجد الأقصى فليس بحرم، وكذلك (وادي وَجّ) بـ الطائف ليس بحرم، فليس هناك حرم إلا حرمان فقط حرم مكة وحرم المدينة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 حكم طلب الدعاء من الغير السؤال سمعنا أن من فضيلة الدعاء قول الشخص لأخيه: لا تنسَنا يا أخي! من صالح دعائك، هل لكم تفصيل في هذا الأمر، مع ذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عكاشة عندما قال: (ادع الله يجعلني منهم يا رسول الله!) الجواب طلب الدعاء من الغير إن كان لمصلحة عامة فلا بأس به، مثل ما حصل للأعرابي الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، وفي الجمعة التالية قال هذا الرجل أو غيره: غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المصلحة للغير، فهو بمنزلة الشافع، أما إذا كان لمصلحة خاصة فهذا إن كان من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا بأس به، أي: لا بأس أن يسأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليس كدعاء غيره. أما إذا كان من غيره فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه يدخل في المسألة المذمومة، فلا تقل لأحد: ادع الله لي إلا إذا قصدت مصلحته هو، وكيف يكون مصلحة له؟ يكون مصلحة له لأنه إذا دعا لك فقد أحسن إليك والله يحب المحسنين؛ ولأنه إذا دعا لك قال الملك: آمين ولك بمثله، فيستفيد من هذا الدعاء الذي دعاه لك بظهر الغيب، أما إذا قصد مصلحة نفسه -أي الطالب- فكما سبق عن شيخ الإسلام، وفيه محذور آخر؛ وهو أنه قد يعتمد على دعاء هذا الرجل ولا يدعو هو لنفسه، وفيه محذور ثالث؛ وهو أن المسئول ربما يغتر ويرى أنه رجل صالح يطلب دعاؤه فيزهو بنفسه ويعلو بنفسه، فأنت يا أخي! ادع الله لنفسك؛ لأن دعاءك الله عبادة، سواء أجابك أو لم يجبك، ودعاؤك لربك صلة بينك وبينه، فألح على الله بالدعاء بدل أن تقول لشخص من الناس ادع الله لي، وحديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله له: (لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك) حديث ضعيف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 حكم من انتسب إلى جده السؤال مر علينا في بعض الدروس أن من انتمى إلى غير أبيه فهو مذموم، فما رأيك فيمن ينتمي إلى جده من قبل أبيه، ومع أن بعض الناس يستحقر أباه؛ لأن جده أشهر من أبيه؟ الجواب أما الانتماء إلى الجد الأعلى لشهرته وسيادته في قومه مع بيان أنه جد له في محل آخر فهذا لا بأس به، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) مع أن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، لكن انتسب إلى جده لشهرته وسيادته في قومه، مع العلم أنه هو ابن عبد الله، أما إذا انتسب إلى جده متناسياً أباه ولا ينتسب إليه في أي وقت من الأوقات فهذا لا يجوز، لا سيما إن كان ذلك من أجل احتقار أبيه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 الضابط في معرفة الدعاء الشركي السؤال ما هو الضابط الذي نعرف من خلاله إذا كان الدعاء لغير الله شركاً، وقد ورد يا فضيلة الشيخ! في كتاب السنة الثانية ابتدائي أنشودة هذا نصها: إلى السماء يا علم إلى السما عش في صعود يا علم عش في علا أيا علم أيا علم ثم قال: رفرف علينا بالمنى جدد لنا أمجادنا رفرف علينا بالهنا رفرف فإن هتافنا حيوا العلم حيوا العلم هل هذا الدعاء لغير الله سبحانه وتعالى؟ الجواب لا شك أن هذا الكلام خطأ، وأن العلم ليس هو الذي يعيد المجد والشرف، وإنما الذي يعيده التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذا هو السبب الحقيقي الذي جعله الله سبباً للرفعة والعز والشرف، قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] ، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [النور:55] . أما دعاء العلم فإنه لولا علمنا بأن الداعي إنما يريد أن العلم سبب لا أنه مُوجد لقلنا: إن هذا شرك، فهو كالذي يدعو الشجر والحجر في الجاهلية. لكن نعلم أن هذا القائل لا يريد أن العلم نفسه هو الذي يأتي بالعزة والمجد والشرف وإنما هو سبب؛ فمن أجل ذلك لا يمكن أن نحكم بأن هذا شرك أكبر لكن مع ذلك نقول: هو نوع من الشرك الأصغر، حيث جعل ما لم يجعله الله سبباً سبباً، ولو أنك كتبت لي هذا من أجل أن ننظر في موضوعه لكان أفضل؛ حتى لا يتعلق الشباب ولا سيما الصغار بمثل هذه الأمور وينسوا الله عز وجل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 حكم تدريس الأعمى في مدارس البنات السؤال ما رأيك في أن هناك مشايخ فاقدي البصر يدرسون في المدارس الثانوية أو المتوسطة للبنات فعندما تريد المرأة قراءة القرآن يجب أن ترتل فما رأيك في تحسين صوتها أمام هذا الرجل؟ الجواب تدريس الأعمى للنساء إذا كان موثوقاً لا بأس به، أما إذا كان مشتبهاً فيه فإنه لا يجوز أن يدرس، بل يجب أن يمنع من التدريس على أي حال كان، ويبقى السؤال إذا درس هل يجوز للمرأة أن تنظر إليه، والجواب: نعم. يجوز للمرأة أن تنظر إليه بشرط ألا يكون ذلك عن شهوة؛ لأن نظر المرأة للرجال ليس بحرام، ودليله حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستر عائشة رضي الله عنها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، وأما تلاوة القرآن عند هذا الرجل الأعمى وتحسين المرأة صوتها بذلك فأخشى أن يكون فيه فتنة، وأرى أن ترتل القرآن ترتيلاً بدون تحسين الصوت؛ لأن تحسين الصوت خطير بالنسبة للمرأة ولا سيما الشابة، فقد قال الله تبارك وتعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] فهي ترتل لكن بصوت عادي بدون تحسين ولا ترقيق لصوتها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 مدة السفر التي يقصر فيها المسافر السؤال لو سافر شخص إلى مدينة وكانت مدة سفره أربع سنوات هل يقصر الصلاة؟ الجواب هذه مسألة اختلف فيها العلماء هل هناك مدة محدودة ينقطع بها حكم السفر، أو ما دام الإنسان مسافراً مغادراً بلده فهو مسافر ولو طالت المدة، والثاني هو الصحيح؛ أن الإنسان إذا لم ينوِ الإقامة المطلقة في هذا البلد، بل أقام لغرض دراسة أو علاج أو غيرهما، وفي نيته أن يرجع حين ينتهي عمله وشغله فإنه مسافر، ولكن إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فإنه يجب عليه أن يحضر إلى المسجد ويصلي مع الناس، وكذلك يجب عليه صلاة الجمعة، ولا يحل له أن يتأخر عن صلاة الجماعة أو الجمعة؛ لأن السفر ليس عذراً مسقطاً لوجوب الجماعة أو الجمعة، وحينئذٍ سوف يتم الصلاة إذا ائتم بمن يتم الصلاة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 حكم استعمال الأشياء المطلية بالذهب السؤال ما حكم استعمال النظارات أو الأواني الملونة بلون الذهب؟ الجواب الأواني المطلية بالذهب إن كان يجتمع من هذا الذهب شيء إذا عرض على النار، يعني إذا قال الصائغ هذا الذهب لو عرض على النار لاجتمع منه شيء فإن المطلي بها محرم؛ لأنه استعمال للذهب حقيقة، وأما إذا كان مجرد لون فإنه لا بأس به، أي لا بأس أن يأكل ويشرب بها، لكن الأفضل ترك ذلك. لماذا؟ لأن من نظر إليه وهو يأكل فقد يسيء به الظن ويقول: هذا الرجل يأكل بآنية الذهب، ومن نظر إليه فقد يظن ذلك ذهباً خالصاً فيقتدي به، وفي الأواني الكثيرة المنوعة ما يكفي عن استعمال مثل هذه الأواني. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 معنى قوله تعالى: (للسائل والمحروم) السؤال ما معنى قول الله سبحانه وتعالى: {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 25] ؟ الجواب قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] يمتدح الله سبحانه وتعالى هؤلاء القوم الذين جعلوا في أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم، السائل: الذي يسأل ويقول: أعطني كذا، وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد سائلاً، وهذا غاية الكرم، حتى لو كان غنياً وسأله، فإن من مكارم الأخلاق أن تعطيه لكن إذا أعطيته فانصحه وقل له: يا أخي! لا تسأل الناس فإن الرجل لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم، وتقول له: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرني بعمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) . وأما المحروم فهو الذي حرم من المال، وهو الفقير، وليس المراد بالمحروم البخيل كما يفهمه الكثير من العامة؛ لأن البخيل ليس له حق في الإعطاء إنما المراد بالمحروم من حرم المال وهو الفقير. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 حكم من انتدب في عمل فأنهاه ثم قام بعمرة السؤال شخص كلف بانتداب إلى الطائف، فأنهى العمل خلال ساعات، وأراد أن يأخذ عمرة مع موافقة العمل على ذلك، هل يصح له هذا؟ الجواب يصح للإنسان إذا انتدب لعمل معين وأنهاه ثم أراد أن يأتي بعمرة أن يأتي بذلك؛ لأن العمل الذي انتدب من أجله قد أتمه وبقي بقية وقت، له أن يتصرف فيه بما شاء لا سيما إذا كان قد استأذن من مسئوله وأذن له، فإن الأمر واضح بأن هذا جائز. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 حكم من أدرك الإمام ساجدا ً السؤال هل يجوز لمصلي فاتته ركعة ثم وجد الإمام ساجداً أن يكبر ثم يسجد، أو ينتظر حتى يرتفع الإمام؟ الجواب الأفضل إذا جاء الإنسان والإمام على حال أن يدخل مع الإمام على أي حال كان، فإذا جاء ووجده ساجداً فليكبر ثم يسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ولأن هذه السجدة التي سجدها ربما تكون سبباً لمغفرة ذنوبه فلا يفوتها على نفسه؛ لذلك فعليه أن يسجد ثم يقوم مع إمامه، لكن لا يحتسب بها ركعة؛ لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 معنى كلمة (الأعراف) السؤال سمعت من شخص يقول: إن الأعراف سور بين الجنة والنار يمكثون فيه عدداً من السنين؟ الجواب الناس إذا كان يوم القيامة انقسموا إلى ثلاثة أقسام: قسم ترجح حسناتهم على سيئاتهم فهؤلاء لا يعذبون ويدخلون الجنة، وقسم آخر ترجح سيئاتهم على حسناتهم فهؤلاء مستحقون للعذاب بقدر سيئاتهم ثم ينجون إلى الجنة، وقسم ثالث سيئاتهم وحسناتهم سواء فهؤلاء هم أهل الأعراف ليسوا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل هم في مكان برزخ عالٍ مرتفع يرون النار ويرون الجنة، يبقون فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة، وهذا من تمام عدل الله سبحانه وتعالى أن أعطى كل إنسان ما يستحق، فمن ترجحت حسناته فهو من أهل الجنة، ومن ترجحت سيئاته عذب في النار إلى ما شاء الله، ومن كانت حسناته وسيئاته متساوية فهو من أهل الأعراف لكنها -أي الأعراف- ليست مستقراً دائماً، وإنما المستقر: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، جعلني الله وإياكم من أهل الجنة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 حكم تعليق العزائم وبيان كيفية الاستشفاء بالقرآن السؤال ما رأيك في الذين يذهبون لعمل عزائم تحتوي على آيات قرآنية، ويقال لهم: ضعها تحت مخدة، أو بلها واشرب ماءها؟ الجواب أما الاستشفاء بالقرآن فإنه مشروع، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة السرية الذين بعثهم، ثم نزلوا على قوم ضيوفاً، ولكن هؤلاء القوم لم يضيفوهم، فتنحى الصحابة ناحية، ثم قدر الله سبحانه وتعالى على سيد القوم فلدغته عقرب، واشتد الأمر عليه، فقالوا: اذهبوا إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا بكم فاسألوهم لعل فيهم راق فجاءوا إلى الصحابة وقالوا: هل فيكم من راق؟ قالوا: نعم. فذهب أحدهم إلى سيد القوم، وقال لهم: لا نرقي لكم إلا بجعل، فجعلوا لهم شيئاً من الغنم، فقرأ الرجل على اللديغ سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال، في لحظة قام، ثم إن الصحابة أشكل عليهم أمر الغنم التي أخذوها، فقالوا: لا نأكلها حتى نأتي المدينة، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) ثم قال: (وما يدريك أنها رقية؟ أي الفاتحة) فالاستشفاء بالقرآن أمر مطلوب وفيه مصلحة، ولكن على أي صفة نستشفي به؟ نقول: نستشفي به على الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بقراءة القارئ على المريض، هذا وارد. أما أن يعلق على رقبته ما فيه شيء من القرآن، فهذا أجازه بعض السلف ومنعه آخرون، فممن منعه: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأجازه بعض أهل العلم من السلف والخلف. وأما وضعه تحت الوسادة أو تعليقه على الجدار أو ما أشبه ذلك، فهذه صفات لم ترد عن السلف، ولا ينبغي أن نعمل عملاً لم يسبقنا إليه أحد السلف، وكذلك من باب أولى ما يفعله بعض الناس، يقرأ في ماء فيه زغفران، ثم يأتي بأوراق ويخطط فيها خطوطاً فقط من هذا الزعفران، خطوطاً لا يُقرأ ما فيها، فهذا أيضاً من البدع ولا يستقيم ولا يصح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة والاعتكاف في الساحة التي خلف المسعى السؤال هل من صلى في الساحة التي خلف المسعى يكون أجره مثل الذي صلى بجوار الكعبة، والمعتكف هل له أن ينتظر في الساحة التي خلف المسعى؟ الجواب أما الصلاة في الساحة فإذا اتصلت الصفوف بأن امتلأ المسجد حتى وصلت الصفوف إلى الساحة فهؤلاء يرجى لهم أن يكونوا مثل الذين في المسجد في الأجر، وأما إذا كان المسجد خالياً وفيه مكان فإن الصلاة في هذه الساحة ليست كالصلاة في المسجد الحرام، فلا يكون لمن صلى فيها مائة ألف صلاة؛ لأنها منفصلة عن المسجد، بينها وبين المسجد شارع واسع كما تعرفون. وأما مسألة الاعتكاف فمن خرج إليها وجلس فيها بطل اعتكافه؛ لأنها ليست من المسجد بل هي خارجة عن المسجد محوطة بحائط خاص بها له أبواب، فهي كالحوش الذي يكون خارج المسجد فلا تعتبر منه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة التوبة السؤال ما حكم صلاة التوبة وما صحة الدليل الذي ورد في ذلك؟ الجواب صلاة التوبة حديثها فيه ضعف، لكن له شواهد تدل على أن له أصلاً مثل حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما توضأ كوضوء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) فهذا الحديث شاهد يدل على أن الإنسان إذا توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين؛ فإنه يغفر له ما تقدم من ذنبه، ولا تسمى صلاة التوبة ولكنها سنة الوضوء ولكن تحصل بها التوبة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 21 حكم إيداع الأموال في البنوك السؤال ما رأيكم في البنوك التي نضع النقود فيها؟ وما البنك الذي تنصح به يا شيخ؟! الجواب أما وضع الدراهم في البنوك فلا أرى أن توضع إلا للحاجة، مثل أن يخاف الإنسان على الدراهم في بيته فيضعها في هذه البنوك للحاجة إلى ذلك، وأقول: إنه يجوز وضعها في البنوك للحاجة؛ لأن البنوك ليست ربا (100%) إذ أن لها معاملات كثيرة طيبة ليست حراماً، وإلا لو كانت معاملتها ربا (100%) لقلنا: لو تحترق فلوسك لا تضعها عندهم؛ لأنك تكون مشاركاً لهم في الربا، وعلى هذا نقول: إن دعت الحاجة إلى وضع دراهمك في البنوك فإن كانت البنوك لا تتعامل إلا بالربا فلا تضعها فيها أبداً، لو تحترق الفلوس أو تحفر لها حفرة تجعلها فيها فلا تضعها في البنوك. وأما إذا كانت تعمل بشيء مباح وشيء حرام فلا بأس أن تضع الفلوس عندها للحاجة، وأما أي البنوك أحسن فأنا لا أعرف أي البنوك أحسن معاملة، لكن يقال أن شركة الراجحي هي أسلم من غيرها في التعامل بالربا. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 22 حكم تقاضي الراتب مع تغيب الموظف السؤال كنت موظفاً في إمارة إحدى القرى التي تبعد عن منزلي نحو (75كم) ، طريق صحراوي وعر، وعندما كنت أتردد لحقتني مشقة، فقلت لأمير المنطقة: ائذن لي أن أداوم يومين في الأسبوع، فكان يأذن لي في بعض الأيام وبعضها لا يأذن لي، ومضى على ذلك عامان، فما حكم الأيام التي كنت أتغيب فيها من غير إذن من أمير المنطقة؟ الجواب الأيام التي تتغيب فيها عن عملك بدون إذن لا يحل لك أن تأخذ ما يقابلها من الراتب؛ لأن الراتب في مقابلة عمل، فإذا أتممت العمل استحققت الراتب كاملاً، وإن نقصت لم تستحقه كاملاً، وإذا كنت الآن أخذت الراتب كاملاً بدون خصم فالواجب عليك أن ترده إلى من أخذته منه إن أمكن، وإن كنت تخشى من المسئولية والتعب فتصدق به تخلصاً منه أو أدخله في عمارة مسجد في إصلاح طريق لتسلم من إثمه. السائل: واستأذنت من نفس المسئول فما الحكم؟ إذا استأذنت منه أي المسئول المباشر عندك وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك فلا تقبل منه الإذن، يجب أن تحضر ولو أذن لك بالغياب، وأما إذا كان العمل لا يحتاج وأذن لك صاحبه المباشر فأرجو ألا يكون في ذلك بأس. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 23 حكم منع الكفلاء عمالهم من صلاة الجمعة السؤال أنا خطيب مسجد، وقال لي بعض العمال: إن كفلاءهم لا يأذنون لهم بأداء صلاة الجمعة بحجة أنهم كحراس في المزرعة، وقد قالوا لي أن أتحدث في الجمعة على هذا، وأن آمر الكفلاء بأن يأذنوا لهم في الصلاة، فما رأيكم يا شيخ؟ الجواب إذا كان هؤلاء العمال بعيدين عن المسجد بحيث لا يسمعون النداء لولا مكبر الصوت وهم خارج البلد، فإن الجمعة لا تلزمهم، ويطمئن العمال بأنه لا إثم عليهم في البقاء في المزرعة ويصلون ظهراً، ويشار على كفيلهم أن يأذن لهم؛ لأن في ذلك خيراً وخيراً لهم، وتطييباً لقلوبهم وربما يكون ذلك سبباً في نصحهم إذا قاموا بالعمل، بخلاف ما إذا ضغط عليهم، وكثير من العمال يطلبون صلاة الجمعة من أجل أن يلتقوا بأصحابهم ومعارفهم، ولهذا تجدهم يأتون إلى الجمعة ويجلسون في السوق يتحدثون إلى أن يحضر الإمام، فإذا حضر الإمام دخلوا المسجد وجلسوا يتحدثون والإمام يخطب، ومثل هذا العمل يدل على أن صاحبه لا يريد صلاة الجمعة، إنما لكي يجتمع بأصحابه ومعارفه فقط، والله أعلم بالنيات، والمدار هو على ما سبق: إذا سمعوا النداء بدون مكبر الصوت وهم في البلد فليحضروا، وإذا كانوا خارج البلد فليس عليهم شيء. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 24 حكم من أراد الحج وعليه دين السؤال أنا إنسان متزوج وأريد أن أحج لكن عليَّ دين هل يصح لي أن أحج أم لا؟ الجواب الأفضل لمن عليه الدين أن يقضي الدين أولاً، لماذا؟ لأن الحج لا يجب على الإنسان وعليه دين. يعني الإنسان الذي عليه دين، وإن كان في يده مال يستطيع أن يحج به كالإنسان الذي ليس عنده مال، والدين قضاؤه واجب، والحج على المدين ليس بواجب، فلا ينبغي للإنسان أن يقدم ما ليس بواجب على ما كان واجباً، فنقول: لا تحج حتى تقضي الدين الذي عليك، ودرهم تصرفه في دين عليك خير من درهم تصرفه في حج لا يجب عليك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 25 حكم خروج الإمام أو المؤذن للدعوة وترك مسجده السؤال أكثر الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في هذه البلاد هم أئمة أو مؤذنون وقد توجه إليهم دعوات كثيرة من القرى المجاورة أو البلاد المجاورة، وقد سمعت فتوى لك تقول: لا يجوز أن يترك الإنسان مسجده ويذهب إلى الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأن بقاءه في المسجد أفضل، فنحتاج إلى فتوى خاصة لهؤلاء الدعاة بجواز الذهاب للدعوة، وإن أدى ذلك إلى ترك المسجد بعض الوقت؟ الجواب الذي أرى كما قلت أنه لا يجوز للإنسان أن يدع مسجده من أجل أن يدعو الناس، وذلك لأن الدعوة إلى الله فرض كفاية، وقد يكون قام بها من يكفي، والقيام بواجب الوظيفة فرض عين، فلا يجوز أن تذهب إلى الدعوة وتدع المسجد، نعم لو ذهبت يوماً في الأسبوع أو يومين بعد مشاورة الأوقاف وأهل الحي فلا حرج عليك، أما أن تبقى كل وقت فهذا لا يجوز، وإذا كنت ملحاً على أن تدعو إلى الله فاترك الإمامة وتفرغ للدعوة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 26 حكم شراء سيارة بأكثر من قيمتها السؤال وجدت أحد زملائي لديه سيارة، والسيارة يقارب سعرها (30) ألفاً في حالتها، فأنا قبلتها بحالتها الراهنة واستلمتها بـ (65) ألفاً على ألا أدفع شيئاً مقدماً، ولكن أسدد المبلغ على أقساط شهرية، فهناك من قال: هذا ربا، فهل هذا ربا؟ مع العلم أنني استلمت السيارة بحالتها وذهبت بها؟ الشيخ: هذا ليس ربا؛ لأنك اشتريت السيارة، ولم تشتر دراهم بدراهم. السائل: لا أدري بكم اشتراها لكن قيمتها الراهنة عند استلامي لها (30) ألفاً، وأنا قبلتها بـ (65) ألفاً على أن أدفع كل قسط شهرياً؟ الشيخ: هذا ليس فيه شيء وليس فيه ربا. السائل: لكن قالوا: إن فيها ربا؛ لأنه زاد عليك أكثر من ثمنها؟ الشيخ: لا بأس، هذا الذي يناسبه، المهم أن هذه المسألة ليس ربا إطلاقاً، لكن ينبغي للإنسان إذا رأى أخاه مضطراً إلى شيء ألا يزيد عليه في الثمن هذه الزيادة الفاحشة؛ لأنه الآن جعل المائة مائتين أليس كذلك، (30) جعلها (65) ، لكن إذا قبلت أنت ورضيت بهذا الشيء فلا حرج. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 27 حكم تخلف شخصين عن الجماعة لمصلحة العمل السؤال إننا نطالب بعض أصحاب المطاعم والمخابز بالصلاة في الجماعة في المسجد، ولكن يطالبون بأن يبقى واحد منهم في المطعم أو في المخبز، وكثير من الأئمة يقولون لنا: لماذا لا تلزمون الجميع بالحضور، ولا يبقى أحدٌ فسألنا بعض طلبة العلم، فقالوا: يجوز أن يبقى واحد، فأحببنا أن نأخذ برأيك؟ الجواب الذي أراه أن الأمر أوسع من ذلك، أوسع من أن نلزم الناس بأشياء تضرهم، ربما يكون إغلاق الآلات يسبب عليهم ضرراً، فإذا كان الأمر كذلك يترك منهم اثنان يبقيان في المكان من أجل إذا جاء بقية زملائهم يصلي الاثنان جماعة ولا حرج في هذا، لكن يغلق الباب حال صلاة الناس الجماعة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 28 صفة الغسل المجزئ في إزالة الجنابة السؤال إذا توضأ المغتسل ثم أفاض عليه من الماء هل يلزمه تعهد أعضاء الوضوء؟ الجواب إذا توضأ المغتسل بنية أن هذا عن الغسل فإنه لا يلزمه إعادة الماء على ما غسله من الأعضاء، وكذلك لو أنه اغتسل وغسل جميع بدنه مثل أن ينغمس في بركة فإنه يكفيه عن الوضوء لكن لابد أن يتمضمض ويستنشق. السائل: ما دليل هذه الصفة الأخيرة؟ الشيخ: الأخيرة دليلها قوله تعالى بعد أن ذكر الوضوء قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر سوى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أعطاه الماء ليغتسل به قال: (خذ هذا أفرغه على نفسك) والحديث طويل في البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة إعواز الماء على المسلمين، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ورأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم قال: (ما منعك؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم جيء بالماء وتوضأ الناس، وبقي منه بقية فأعطاه هذا الرجل وقال: خذ هذا فأفرغه على نفسك) ولم يبين له الوضوء. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 29 ضابط السقط الذي به تترك الصلاة السؤال امرأة حملت ثلاثة أشهر، وسقط ما في بطنها، وخرج الدم؛ هل تصلي أم لا؟ وقد وجدنا في كتب بعض أهل العلم أن (81) يوماً هي أقل مدة يمكن أن يتكون فيها الجنين؟ الجواب يقول العلماء رحمهم الله: إنه إذا سقط الجنين وقد خلق فإن الدم الخارج دم نفاس، وإن سقط ولم يخلق فالدم دم فساد لا تترك من أجله الصلاة، تصلي ولو كان بها من الدم، وأدنى ما يمكن أن يخلق فيه (81) يوماً، ولا يمكن أن يخلق قبل الثمانين، وثلاثة أشهر فيها احتمال فينظر هذا السقط إن كان قد خلق فالدم دم نفاس، وإن لم يخلق فهو دم فساد. السائل: يقال: إنه مقطع؟ الشيخ: ثلاثة أشهر في الغالب يكون فيها مخلقاً إذا كانوا قد ضبطوا ابتداء الحمل، لكن أحياناً تحسب المرأة ولا يكون الحساب مضبوطاً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 30 حكم بيع الهاتف للغير بأكثر من سعره الذي وضعته الدولة السؤال هناك بعض الإخوة يريد السفر، ويريد أن ينقل الهاتف إلى شخص آخر مقابل مبلغ معين يزيد عن المبلغ الذي وضعته الدولة مقابل الخدمة الهاتفية، فهل هذا العمل جائز؟ الجواب هذا العمل جائز بشرط أن تأذن الدولة بذلك، إذا قال أنا أريد أن أبيعه على شخص بربح، وقالوا: لا بأس، فلا بأس. أما إذا منعوا من هذا فإنه لا يجوز. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 31 حكم السنن الرواتب بالنسبة للمسافر السؤال المسافر سواء طالت مدة إقامته أو قصرت، فهل الأفضل في حقه أن يؤدي السنن الرواتب أم يتركها باستثناء سنة الفجر؟ الجواب أولاً يجب أن نعلم أن المسافر مطلوب منه أن يتنفل بجميع النوافل، ما عدا راتبة الظهر والمغرب والعشاء، ويفعل كل شيء من التطوع. فإن قال: أنا أحب أن أتطوع بعد وقبل الظهر، وبعد المغرب وبعد العشاء؛ قلنا: لا مانع. تطوع لكن بغير نية الراتبة، بل بنية النفل المطلق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 32 حكم التيمم إذا كان سيجد الماء في الوقت السؤال بالنسبة يا شيخ لطريق الرياض كما ترى بعد كل (100كم) يوجد أماكن للمياه، لكن الإنسان إن دخل الوقت تيمم، رغم أنه غالباً بعد (100كم) يوجد استراحات فيها مياه، هل يجزئه تيممه؟ الجواب نعم. إذا دخل الوقت على المسافر وليس عنده ماء فلا حرج أن يتيمم لكن العلماء يقولون: إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل أن يؤخر. السائل: وهل يلزم بحمل الماء؟ الشيخ: من العلماء من قال: يلزمه حمل الماء إذا لم يضره، والآن لا يضره في الواقع حمل الماء؛ لأنه يمكن أن يأخذه في جالون أو جالونين في السيارة الصغيرة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 33 أنواع قسم الله تبارك وتعالى في القرآن السؤال إن الله عز وجل أقسم في مواطن كثيرة، فأقسم بالضحى، وأقسم في سورة القيامة، قال: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] فما هو الفرق بين القسمين؟ الجواب أما إقسام الله تعالى فقد أقسم بالضحى وأقسم بالشمس وأقسم بالليل، وأقسم بغيره من المخلوقات، وأما قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] هذا ليس بنفي هذا إثبات و (لا) في قوله: (لا أقسم) للتنبيه وليست للنفي، ولهذا نقول: إن في هذه الآية أقسم الله بيوم القيامة ولا نقول إنه لم يقسم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 34 حكم قراءة ما جرى بين الصحابة من فتن السؤال سمعنا منكم أن من خاف على نفسه من قصص الصحابة والفتن التي جرت بينهم أنه لا يقرؤها، وقرأت مرة من المرات ما جرى على الحسين، وأقسمت أني لو كنت حضرته لنصرته، فماذا ترى في هذا، هل علي فيه خطيئة؟ الجواب أنا أرى -كما سمعت- أن ما جرى بين الصحابة من المعارك والقتال لا يقرؤه إلا رجل يأمن على نفسه من الحيف على أحد الصحابة؛ وذلك لأن التاريخ فيه تزوير في الواقع لا سيما ما يأتي من قبل الرافضة، فإنهم في الحقيقة حرفوا التاريخ تحريفاً عظيماً، وكذبوا على بني أمية كذباً فاحشاً والعياذ بالله، والتاريخ المتوسط المعتدل كـ البداية والنهاية لـ ابن كثير قد يخشى الإنسان على نفسه لا من الميل إلى واحد منهم، فالميل لأحد منهم لا بأس به، لكن يخشى على نفسه من تضليل الآخرين، وتخطئتهم، وكراهتهم، وعداوتهم، وهذا هو المحظور، وعلى كل حال كل إنسان حسيب نفسه إذا خشي على نفسه الفتنة؛ فترك ما يخشى من الفتنة خير. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 35 حكم إطلاق تسمية العم أو الخال على أبي الزوجة ونحو ذلك السؤال هناك سؤال وجه إليكم عن تسمية أبي الزوجة عماً أو خالاً، وكذلك أم الزوجة فقلت: إنه ينبغي أن يسمى هؤلاء بأسمائهم الشرعية، وقد ورد في السنة حديث صححه أهل العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل، دخل عليه وكان رجلاً كبير السن وكان يحتضر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا خال! قل لا إله إلا الله) وكذلك قول النبي لـ سعد بن أبي وقاص: (هذا خالي) ومن المعلوم أنه ليس خالاً للنبي يعني أخاً لأمه فما قولكم في ذلك؟ الجواب لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مسترضعاً في بني سعد فهم أخواله بالنسبة لـ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ثم إن هناك فرقاً بين أن تخاطب شخصاً حضر وتقول: يا عم! تفضل، أو يا خال! تفضل، وبين أن تضع هذه التسمية لهذا الشخص دائماً، يعني لا بأس أن نقول للإنسان للكبير: يا عم! تفضل، أو يا خال! تفضل، هذا ليس فيه بأس، لكن كونك تطلق وصفاً مستقراً كالخال مثلاً على أبي الزوجة، هذا هو الذي نقول: لا ينبغي بل تذكر الأسماء الشرعية، واستدللنا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمى صلاة العشاء العتمة، وقال: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء العتمة فإنهم يعتمون في الإبل) إنما الصلاة هي صلاة العشاء كما في كتاب الله عز وجل، وعلى هذا تقول: صهري فلان، لكن لا بأس إذا دخل أن تقول: يا عم! تفضل ونحو ذلك، ولكن قولك: عمي فلان أو ما أشبه ذلك على الدوام ليس حسناً، والله أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 36 وقت قضاء سنة الفجر السؤال من فاتته سنة الفجر فهل الأولى أن يقضيها بعد الإشراق أو قبل الإشراق؟ الجواب إذا فاتت سنة الفجر، يعني أتيت والناس يصلون صليت معهم، وأنت لم تصل الراتبة فصلها بعد الصلاة ولا حرج بعد الذكر، بعدما تذكر الله تصليها ولا حرج عليك، وإن شئت أخرها إلى النهار بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح، ولكن هذا الأخير بشرط ألا تخشى النسيان، فإن خشيت النسيان فصلها بعد الصلاة أحسن. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 37 حكم الكدرة السابقة للدورة بيوم أو يومين السؤال الكدرة التي تأتي قبل الدورة بيوم أو بيومين هل هي عادة أم لا؟ الجواب الكدرة التي تأتي قبل الحيض بيوم أو يومين ليست بعادة، لحديث أم عطية: [كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً] . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 38 حكم صلاة سنة الظهر بسلام واحد السؤال هل يجوز وصل سنة الظهر أربع ركعات بسلام واحد؟ الجواب لا. السنة في صلاة الليل وصلاة النهار أن تكون مثنى مثنى، والأفضل أن تسلم من كل ركعتين. السائل: والوتر؟ الشيخ: الوتر مستثنى: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع على التفصيل المعروف. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 39 أفضل وقت لاغتسال المرأة بعد الطهر السؤال إذا طهرت المرأة هل يجب عليها الاغتسال مباشرة أم تنتظر وقت الصلاة، مع العلم أنها امرأة متزوجة؟ الجواب إذا طهرت المرأة في وقت الصلاة وجب عليها أن تغتسل لئلا يخرج وقت الصلاة قبل أن تصلي، وإن كان في غير وقت الصلاة كما لو طهرت بعد طلوع الشمس فلها أن تؤخر الغسل إلى أذان الظهر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 40 حكم الصلاة في أوقات النهي السؤال هل يجوز للإنسان أن يصلي -سواء رجلاً أو امرأةً- سنة الوضوء في وقت النهي مثل العصر؟ الجواب صلاة سنة الوضوء في وقت النهي جائز؛ لأن القول الراجح أن جميع الصلوات ذوات الأسباب جائزة في وقت النهي مثل سنة الوضوء تحية المسجد سنة الطواف إعادة الجماعة إذا جئت والناس يصلون جماعة، ونحو ذلك، فالصحيح، القاعدة العامة أن كل صلاة ذات سبب فإنها جائزة في وقت النهي. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 41 حكم قول: فلان يطلب نسب الله ونسبك السؤال ما رأيك في قول بعض الناس إذا أراد أن يخطب لشخص من شخص آخر يقول لولي المرأة: إن فلاناً يطلب نسب الله ونسبك؟ الجواب رأيي أن هذه الكلمة أن يقول الخاطب: إن فلاناً يطلب نسب الله ونسبك كلمة منكرة؛ لأن الله عز وجل لا نسب له، الله واحد أحد فرد صمد، وأيضاً حتى قول نسبك هذه لغة عرفية؛ لأن النسب في اللغة العربية هم القرابة، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] فالنسب هم القرابة، والصهر هم أقارب الزوجة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 42 حكم تقبيل شخص فم غيره السؤال يوجد عادة عند أهل مُرة أن يقبل الشخص فم الآخر عندما يسلم عليه، فهل هذا يجوز؟ الجواب التقبيل إما على الجبهة وإما على الرأس، ويكون بين العينين، وأما على الشفتين فلا إلا مع الزوجة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 43 حكم العقيقة عن طفل مات قبل يومه السابع السؤال إذا توفي الطفل بعد ولادته هل يعق عنه؟ الجواب إذا توفي الطفل ساعة ولادته فإنه يعق عنه في اليوم السابع، وذلك لأن الطفل إذا نفخت فيه الروح فإنه يبعث يوم القيامة، ومن فوائد العقيقة أن الطفل يشفع لوالديه، وقال بعض العلماء: إذا مات قبل اليوم السابع سقطت العقيقة؛ لأن العقيقة إنما تسن يوم السابع لمن كان حياً وأما إن مات قبل السابع فإنها تسقط، فمن كان قد أغناه الله وتيسرت له فالأفضل أن يذبحها، ومن لم يكن كذلك فلا داعي له. السائل: وهل يسمى؟ الجواب: يسمى إذا خرج بعد نفخ الروح فيه وذلك إذا تم له أربعة أشهر. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 44 حكم الأضحية عن الميت السؤال هل يسن في الأضحية أن تكون للأب مثلاً إذا كان متوفى خاصة؟ الجواب ليس من السنة أن الإنسان يضحي عن ميت على سبيل الخصوص، السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته، وإذا نوى أنها عن أهل البيت الأحياء والأموات ففضل الله واسع، ولا بأس. أما أن يخص الأموات بها دون الأحياء؛ فإن هذا ليس من السنة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن أحد من الأموات أبداً على سبيل الاستقلال. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 45 حكم بيع المساهمة في بنك أو غيره السؤال شخص قدم في بنك عقاري وهو لا يريد أن يعمل، ثم ظهر اسمه، وجاء شخص آخر فباعه اسمه بأمر بيع حتى يسمح البنك بنقل عمارة باسمه هل يجوز هذا الكلام؟ الجواب إذا سمح البنك للجديد فلا بأس. السائل: البنك لا يسمح إلا بعد خمس سنوات. الشيخ: إذاً لا يبيعها منه إلا بعد خمس سنوات حسب النظام. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 46 معنى حديث: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً) السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيك في حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) أو كما قال، هل الغرباء الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم قد أتوا ومضوا؟ أم هم الذين في وقتنا هذا في هذه الغربة والفتن؟ أم أنهم لم يأتوا حتى الآن؟ الجواب قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وسيعود غريباً) لم يحدد الزمن، فقد يكون الإنسان غريباً في وقت من الأوقات، ثم يعود غير غريب بعد ذلك، وقد يكون غريباً في أماكن دون أماكن أخرى، لكن: (طوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو الذين يصلحون إذا فسد الناس) ولا يمكن أن نحدد وقتاً معيناً ولا مكاناً معيناً، وبالنسبة لنا فالدين ولله الحمد ليس غريباً في بلادنا فيما نظن، صحيح أنه كثرت المعاصي في إعلان الفسوق في بعض الأشياء، لكن لا يمكن أن نقول: إننا الآن في غربة، أبداً، فصلاة الجماعة تقام، ورمضان يعلن عنه، والحج كذلك، ليس هناك غربة للإسلام في هذه البلاد والحمد لله. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 47 حكم الهجر فوق ثلاثة أيام السؤال هناك حديث يقول: من هجر أخاه المسلم ثلاثة أيام دخل النار، ما صحة الحديث؟ الجواب الحديث بهذا اللفظ لا أذكره، لكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) . السائل: الحديث هذا يا شيخ يعني ما مر عليك؟ الجواب: لا. هجر المؤمن حرام حتى لو كان فاسقاً عاصياً لا تهجره إلا إذا كان الفاسق أو العاصي يستفيد من الهجر فيخجل ويتوب فلا بأس أن تهجره من أجل إصلاحه، وربما يكون الهجر حينئذ مطلوباً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 48 حكم لبس البرقع السؤال ما حكم البرقع إذا لم يتخذ للزينة وإنما للستر ومع ذلك يوضع غطاء؟ الجواب البرقع الذي للزينة ولكن تغطي المرأة به وجهها لا بأس به؛ لأنه لا يشاهد فستغطيه بشيء فوقه، لكن البرقع الذي يظهر ولا يغطى لا نفتي بجوازه؛ لأنه فتنة، ولأن النساء لا يقتصرن على هذا، ولو كانت النساء تقتصر على فتحة العين لقلنا: إن هذا النقاب، وهو معروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بأس به، لكن ثق أنك إذا قلت: إنه يجوز للمرأة أن تنتقب لعينها وتنظر من وراء النقاب بعينها أنه بعد مدة قليلة سيكون هذا النقاب متسعاً يتسع إلى الجبهة وإلى الخد، ثم لا يزال يتضاءل المغطى من الوجه حتى يكشف كل الوجه، هذا هو المعروف من عادة النساء، فسد الباب أقرب للصواب. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 49 حكم القول بأن الميت المؤمن تأتيه حورية في قبره السؤال هل صحيح إذا دخل المؤمن القبر تأتيه حورية ينقطع عقدها فينظم هذا العقد حتى تقوم الساعة؟ الجواب هذا ليس بصحيح، الصحيح أن الإنسان إذا دخل في قبره وسأله الملكان، وأجاب بالصواب فسح له في قبره مد البصر، وأتاه من روح الجنة ونعيمها، ويأتيه عمله الصالح في أحسن صورة ويبقى عنده. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 50 حكم تسجيل المالك ما لديه من حصة زائدة باسم غيره السؤال بعض المزارعين يكون لديه قمح زائد عن المحدد له، ويكون عنده مائة وخمسون طناً والمحدد له مائة فقط، وهذه الخمسون الزيادة يدخلها باسم شخص آخر، فبعد استلام المبلغ يسلم له صاحبه قيمته؟ الجواب يعني معناه أن الخمسين الزائدة يجعلها باسم شخص مزارع آخر، المزارع الآخر سيضيف الخمسين إلى زرعه، وبعد استلام المبلغ يسلم صاحب المبلغ حقه، لا يجوز؛ لأنه يتضمن كذباً فيكون العوض عليه باطلاً؛ لأن المبني على باطل باطل، لكن يقال: بعه على هذا الرجل إن شئت نقداً وإن شئت مؤجلاً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 51 حكم من خطب ابنته رجل غير كفء السؤال عندي بنت بالغة للزواج، وجاء أخي طلبها لولده، وبعد ذلك حصل عليه قضية وسجن، ورفضتُ وغضب مني أخي قرابة ثلاثة أشهر، وقاطعني ولا أقدر على فعل شيء؟ الجواب يجب أن تعلم بارك الله فيك أن بنتك ليست مملوكة لك، بنتك حرة ولا يجوز أن تخاطر بها فتزوجها، وهذا الذي صار عليه قضية، حتى لو غضب أخوك قل له: البنت رفضت، اجعلها هي التي رفضت، وهي أيضاً يجب أن ترفض، إذا كانت هذه القضية تتعلق بالأخلاق أو الدين، فلا تزوجها منه، وقل لأخيك: إن البنت رفضت، ولا يمكن أن أكرهها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 52 حكم قصر الصلاة للمقيم داخل مزرعة كبيرة السؤال رجل يعمل في مزرعة مساحتها (300كم2) ، يعني يمشي بسيارته فيها بالساعة والساعتين حتى يتجول في المزرعة، فهل هناك بأس أن يقصر الصلاة، أو يجمع في مزرعته؟ الشيخ: وهل هذه المزرعة بعيدة عن البلد؟ السائل: نعم ليست في البلد. الشيخ: وسكناه في المزرعة أو خارج المزرعة. السائل: في المزرعة. الشيخ: لا يجوز. بل يصلي في وقتها، ويصلي أربعاً ما دام هو في المزرعة لا يمكن أن يقصر، المزرعة هذه مثل البلد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 53 لقاء الباب المفتوح [15] تحدث الشيخ في لقائه هذا عن فقه صلاة الكسوف وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف، وذكر حكمة الله سبحانه وتعالى من هذا الكسوف، وأقسام الناس تجاه هذا الأمر، وتكلم عن مسائل مهمة حول صفة صلاة الكسوف. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 1 فقه صلاة الكسوف الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله عز وجل، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس، السادس عشر من شهر جمادى الآخرة، نلتقي وإياكم اللقاء الثالث لهذا الشهر عام (1413هـ) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله لقاءً مباركاً نافعاً. كنا نتكلم في تفسير القرآن الكريم من أول سورة النبأ إلى آخر القرآن، نظراً لكون المسلمين يستمعون إلى هذه السور كثيراً، لكثرة قراءتها في الصلوات، ولكننا هذا اليوم سوف نتكلم عن مناسبة حصلت البارحة ألا وهي كسوف القمر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 2 فزع المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الكسوف والكسوف كما نعلم أمر غير عادي يقدره الله عز وجل إنذاراً للعباد وتخويفاً لهم، وقد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس -مرة واحدة في التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، وقد وقع هذا الكسوف أول النهار حين ارتفعت الشمس قدر رمح أو رمحين، وكان كسوفاً عظيماً كلياً للشمس حتى صارت كأنها قطعة نحاس- ففزع الناس لذلك فزعاً عظيماً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يجر رداءه. قال الراوي: يخشى أن تكون الساعة، وأمر صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس رجالاً ونساءً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأقام لهذا الكسوف صلاة غريبة، صلاة لا نظير لها في بقية الصلوات، وذلك لأنها كانت لها مناسبة لا نظير لها، فالظهر تصلى عند زوال الشمس كما هو معتاد، والمغرب عند غروب الشمس كما هو معتاد، لكن الكسوف غير معتاد فصلاتها غير معتادة. صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وجهر فيها بالقراءة؛ لأن الصلاة صلاة جمع، يجتمع فيها الناس، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يجتمع الناس في صلاة الكسوف في الجوامع، وألا تقام في كل مسجد بل السنة أن يجتمع الناس في الجوامع؛ لأنه أكثر عدداً وأقرب إلى الإجابة والرحمة، فإنه كلما كثر جمع المسلمين كانوا أقرب إلى رحمة الله، كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عباداً من النار من يوم عرفة) وذلك لأنه يوم يضم أكثر جمع من المسلمين في موقف واحد، يرجون ثواب الله تعالى ويخشون عذابه. اجتمع الناس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقرأ بهم جهراً قراءة طويلة طويلة، حتى كان بعضهم يسقط من قيامه من شدة التعب، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا غرابة أن يقف هذا الوقوف، لأنه صلى الله عليه وسلم من عادته أنه كان يطيل القيام حتى تتورم قدماه، بل حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك: (أما قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً) ، وأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع إطالة طويلة، ثم رفع فقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة طويلة إلا أنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم رفع بعد الرفع من الركوع بدون قراءة، لكن بحمد وتسبيح وتعظيم لله عز وجل، وأطال هذا القيام بقدر إطالة الركوع، ثم هوى ساجداً صلى الله عليه وسلم، وأطال السجود نحواً من ركوعه، ثم رفع من السجود الأول فقعد وأطال القعود بمقدار إطالة السجود، ثم سجد السجدة الثانية وأطال كالسجود الأول، ثم قام إلى الركعة الثانية وصلاها كالأولى، لكنها أقل قراءة وأقل إطالة في الركوع والسجود ثم انصرف، فقام في الناس خطيباً صلى الله عليه وسلم وخطب خطبة بليغة قال فيها: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياة أحد) لأن الحوادث الأرضية ليس لها أثر في الفلك، الأفلاك تجري بأمر الله، ولا علاقة لها بما يحدث في الأرض، فهي تتغير بأمر الله عز وجل، لا لفقدان عظيم، ولا لوجود عظيم. والنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة البليغة: ذكر أنه عرضت عليه الجنة ورأى ما فيها من النعيم، وتقدم قليلاً ليأخذ منها قطفاً من العنب، وقال: (لو أني أخذته لبقي لكم ما بقيت الدنيا) ولكن الله سبحانه وتعالى حال بينه وبينه؛ لأن الوقت لم يأت بعد، إذ أن نعيم الجنة لا يتنعم به الناس إلا يوم القيامة، ثم عرضت عليه النار، حتى تقهقر صلى الله عليه وسلم وخاف من لفحها، ورأى فيها من يعذب، رأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قُصبه في النار -أمعاءه والعياذ بالله- لأنه أول من أدخل الشرك على العرب، فهو أول من أدخل الأصنام وسيب السوائب، وأدخل على العرب أنواعاً من الشرك والفسوق فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يعذب في نار جهنم، ورأى فيها امرأة تعذب في هرة حبستها، فلا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، ولا هي أطعمتها بشراب ومأكول، حتى ماتت الهرة فعذبت بها. ورأى صلى الله عليه وسلم صاحب المحجن يعذب فيها، وصاحب المحجن رجل يسرق الحجاج بمحجنه، والمحجن عصاً لها رأس منحنٍ فيمر بالحاج فيخطف متاعه، فإن فطن له قال: هذا الذي جذبه المحجن، وإن لم يتفطن له سار به وأخذه والعياذ بالله، فرآه يعذب في نار جهنم، وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: (يا أمة محمد! ما من أحد أغير من الله عز وجل أن يزني عبده أو تزني أمته) أي: الله سبحانه وتعالى له غيرة عظيمة، إذا زنا العبد الرجل أو الأمة المرأة، ولهذا حرم سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولما نزلت هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] قال سعد بن عبادة وكان سيد الخزرج، وكان غيوراً رضي الله عنه حتى إنه من غيرته كان لا يتجاسر أحد أن يتزوج امرأته بعد فراقه لها، فقال: (يا رسول الله! أرأيتَ إن رأيتُ لكع بن لكع -وهذا وصف ذم- على امرأتي أذهب حتى آتي بأربعة شهداء، والله لأضربنه بالسيف غير مصفح -يعني أضربه بحد السيف لا بصفحته فأقتله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني) عليه الصلاة والسلام. فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله يغار من زنا الرجل أو زنا المرأة، وأن ذلك من أسباب سخط الله وعقابه، وقال في هذه الخطبة العظيمة: (يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) أي: لو أيقنتم كما أوقن لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولكنه ليس عندنا من اليقين ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 3 الحكمة من الكسوف هذا الكسوف بين النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة أن الله تعالى يحدث من أمره ما شاء، ومنه الخسوف أو الكسوف، فالخسوف للقمر والكسوف للشمس، وربما قيل الكسوف لهما جميعاً. يحدث ذلك سبحانه وتعالى ليخوف بذلك عباده، فالكسوف إنذار من الله لعقوبة انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً لكنه إنذار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد تكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة ما ندري، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله) ما قال: قوموا، وما قال: صلوا اذكروا الله، ولكن قال: افزعوا، افزعوا إلى ذكر الله واستغفاره، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف، مع أنه بسبب موت القلوب في عصرنا هذا صار يمر وكأنه أمر طبيعي، كأن كسوف الشمس غروبها فنقوم نصلي المغرب، تكسف فنقوم نصلي صلاة الكسوف من غير وجل ولا خوف، نسأل الله أن يلين قلوبنا لذكره. الحقيقة أن الأمر خطير، وكون الكسوف يأتي ويمضي بهذه السهولة وكأن شيئاً لم يكن، هذا يدل دلالة واضحة على أن القلوب بها بلاء {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:14-17] . الجزء: 15 ¦ الصفحة: 4 أقسام الناس بالنسبة للكسوف هذا الكسوف ينقسم فيه الناس إلى قسمين: - قسم يؤمن بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لتخويف العباد؛ فيحذر ويخاف ويفزع ويلجأ إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذا القسم. - وقسم آخر يقول: هذه الأمور طبيعية ليس لها أثر، بل الكسوف سببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، فهذا الجزء المظلم من القمر هو ظل الأرض، حيث حالت بينه وبين الشمس كما يكون ظل السحاب على الأرض إذا حال بين الشمس وبين الأرض، فيقول هذا أمر طبيعي وليس هو للتخويف، ويستدل على ذلك بقوله: إن الناس يعلمون بالخسوف قبل أن يقع، ويحددونه بالساعة والدقيقة ابتداءً وتوسطاً وانتهاءً، إذاً لا حاجة أن نفزع ولا حاجة أن نخاف، وهؤلاء طبع الله على قلوبهم والعياذ بالله فلم يتفطنوا للوحي، ولم يتفطنوا أن الذي قدر هذا السبب هو الله عز وجل. من يستطيع أن يجعل الأرض تحول بين الشمس والقمر؟! من يستطيع في كسوف الشمس أن يجعل القمر يحول بين الشمس والأرض؟! من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟! فإذا قدره فإنما يقدره لحكمة، وهي تخويف العباد، والمؤمن العاقل يستطيع أن يجمع بين السبب الشرعي والسبب الكوني، وذلك أن الكسوف له سببان: السبب الأول: التخويف: تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية. والسبب الثاني: كوني قدري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد، أرأيتم الصواعق والفيضانات؟ هل لها أسباب كونية قدرية؟ الجواب نعم. لها أسباب كونية قدرية لكن من الذي خلق هذه الأسباب؟ الله عز وجل خلقها يخوف بها العباد: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:12-13] . إذاً: علينا أن تكون قلوبنا واسعة تسع السبب الكوني وهو القدري، والسبب الشرعي، ونقول: يقدر الله تعالى هذه الأسباب من أجل أن يخوف العباد. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 5 مسائل في صلاة الكسوف في صلاة الكسوف عدة مسائل: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 6 السبب في كون صلاة الكسوف ليست مثل الصلوات الأخرى أولاً: لماذا جعلت الصلاة على هذا الوصف، ولم تكن كالصلوات الأخرى؟ لماذا كان فيها ركوعان في ركعة واحدة؟ الجواب لأن سببها ليس أمراً معتاداً حتى تكون كالصلاة المعتادة، فغروب الشمس سبب لصلاة المغرب، تصلي المغرب على عادتك لكن هذا سبب غير معتاد، آية من آيات الله، فناسب أن تكون الصلاة على غير الوجه المعتاد لتكون أيضاً آية من آيات الله، لكن الصلاة آية شرعية والكسوف آية كونية شرعية. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 7 الجهر في صلاة الكسوف نهارا ً ثانياً: لماذا يجهر في صلاة الكسوف إذا وقعت نهاراً؟ الجواب لأنها صلاة جامعة، ونحن نرى أن الصلوات الجامعة النهارية تكون قراءتها جهرية، الجمعة صلاة نهارية، يجهر فيها بالقراءة لماذا؟ لأنها جامعة، العيد صلاة نهارية يجهر فيها بالقراءة لأنها جامعة، الاستسقاء كذلك، لهذا نقول: صارت صلاتها جهرية لأنها صلاة جامعة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 8 مكان أداء صلاة الكسوف ثالثاً: أين تشرع هذه الصلاة هل هي في كل مسجد؟ الجواب في الجوامع، هذا هو الأفضل، لكن لو فرض أن الناس تكاسلوا وصلى كل إنسان في مسجده فلا بأس، لكن الأفضل أن تكون في الجامع كما ذكر ذلك أهل العلم، وكما هو ظاهر السنة حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى لها: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 9 أسباب إطالة القراءة في صلاة الكسوف رابعاً: لماذا تطال هذه الصلاة في القراءة وفي الركوع، والقيام والسجود. الجواب لأنها صلاة رهبة يحتاج الإنسان فيها إلى الرجوع إلى الله عز وجل والتوبة، وأيضاً فإن الكسوف قد تطول مدته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقي حتى تجلت الشمس، فما انصرف من صلاته إلا وقد تجلت، وقد ذكرنا في أول كلامنا أن الكسوف الذي وقع في عهده كان كسوفاً كلياً للشمس، وهذا في العادة يستغرق وقتاً طويلاً، وقد ذكرت أن بعض الصحابة وقع من التعب والإرهاق من طول القراءة. إذاً: تطال لأن الغالب أن زمن الكسوف يطول، فإذا قدر أننا لم نعلم بالكسوف إلا حين بدأ بالتجلي، وهو إذا بدأ بالتجلي أحياناً ينجلي سريعاً فهل نصلي أو لا نصلي؟ الجواب: نصلي؛ لأنها صلاة ذات سبب قيدت بغاية، فتتقيد الغاية بغايتها، فإن لم نعلم بالكسوف إلا بعد أن تجلت نهائياً فهل نقضيها؟ لا نقضيها؛ لأن هذه الصلاة لسبب زال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) . الجزء: 15 ¦ الصفحة: 10 من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف خامساً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أن فيها ركوعين في كل ركعة، فهل إذا جاء رجل مسبوق ودخل مع الإمام بعد الركوع الأول هل يكون مدركاً للركعة؟ الجواب لا. لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع الأول، فلو جئت والإمام في الركعة الأولى وقد رفع من الركوع الأول فقد فاتتك الركعة الأولى، فإذا سلم تقوم وتقضي ركعة كاملة بركوعين وسجودين؛ لأن إدراك الركعة في صلاة الكسوف لا يكون إلا بإدراك الركوع الأول، وهذه مسألة تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس إذا أدرك الركوع الثاني ظن أنه أدرك الركعة وليس كذلك؛ لأنه بقي عليه ركوع في الركعة، كيف تكون مدركاً للركعة وأنت قد فاتك ركوع؟ الجزء: 15 ¦ الصفحة: 11 خطبة الكسوف من الخطب الراتبة سادساً: ومما يسأل عنه: هل الخطبة في صلاة الكسوف من الخطب الراتبة أو من الخطب العارضة؟ لو أن الكسوف وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثاً، فخطب في إحدى المرات، وترك في إحدى المرات. قلنا: هذه من الخطب العارضة، لأنه فعل وترك، لكنه لم يقع إلا مرة واحدة وخطب، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله، هل هي من الخطب الراتبة؟ بحيث نقول: يشرع للإمام أن يخطب في الناس على كل حال. أم هي من الخطب العارضة التي إن شاء قام بها وإن شاء لم يقم؟ والذي يتبين لي أنها من الخطب الراتبة، وأنه يسن لكل إمام عنده قدرة أن يخطب الناس، لما في ذلك من إثارة الشعور، وبيان عظم هذا الحادث حتى لا ينصرف الناس عن هذا المكان بدون موعظة، فالذي أراه أنها من الخطب الراتبة التي تسن بكل حال، فكلما صليت صلاة الكسوف وكان الإمام عنده قدرة فليتكلم في الناس ويعظهم، فإن لم يقدر وكان في القوم من هو قادر فليطلب منه ويقول: يا فلان! قم حدثنا، فيحدث الناس بمثل ما حدثهم به النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 12 التكبير لصلاة الكسوف سابعاً: ومن المسائل التي ترد على صلاة الكسوف أنه: إذا أذن لها هل يكبر ويتشهد؟ الجواب لا. بل يقول الصلاة جامعة، وكم يكررها؟ يكررها ثلاثاً أو أربعاً، أو خمساً، ولكن الأفضل أن يقرأها على وتر، ويكررها بحسب الحاجة، فمثلاً إذا وقع الكسوف في وقت يقظة الناس وانتباههم فهنا لا يحتاج إلى تكرار طويل، لأن الناس مستيقظون ومنتبهون، لكن إذا وقع في أثناء الليل كما في كسوف القمر البارحة فإنه يكرر حتى يغلب على ظنه أنه قد أبلغ؛ لأن الناس نائمون، وفي الغالب أنهم في أيام الشتاء يكونون في الحجر المغلقة عليهم فلا يسمعون، فتكرار النداء لصلاة الكسوف بحسب الحاجة، إن احتاجوا إلى التكرار الكثير فعل وإلا فلا. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتعظ بآيات الله، وينتفع بها، وأن يحيينا وإياكم حياة طيبة، ويتوفانا على الإيمان ويجعلنا من عباده المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 13 الأسئلة الجزء: 15 ¦ الصفحة: 14 مدة المسح على الخفين حال السفر السؤال فضيلة الشيخ: المسح على الخفين في السفر هل ورد في مدته زيادة على ثلاثة أيام؟ الجواب صحت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسح للمسافر ثلاثة أيام بلا قيد، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يمسح ما شاء، لكن الصحيح الأول، وأنها مقيدة بثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم، إلا أن يكون هناك ضرورة، كما لو كان في بلاد باردة، ويخشى إن خلع الجوارب أو الخفين أن تتضرر أصابعه وتتألم فهذا لا بأس أن يستمر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 15 حكم التخلف عن صلاة الكسوف السؤال ما رأي فضيلتكم فيمن سمع الإمام يقرأ في الليل في صلاة الكسوف، ولكنه أكمل نومه وما خرج لصلاة الكسوف فهل يلحقه إثم في ذلك؟ الجواب إذا سمع الرجل صلاة الكسوف وهو على فراشه فإن الأفضل له أن يقوم من فراشه ويصلي مع المسلمين، فإن لم يفعل فقد حرم نفسه خيراً كثيراً، وقد أثم عند من يرى من أهل العلم أن صلاة الكسوف فرض عين، والصحيح أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وكانت في حق الآخرين سنة وليست بواجبة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 16 حكم الترخص برخص السفر لمن يسافر يوميا ً السؤال نحن ثلاثة أشخاص نسافر يومياً (70كم) ، وفي أيام الاختبارات نرجع وتدركنا صلاة الظهر قبل الوصول إلى البلد، هل يجوز لنا القصر أم لا؟ الجواب إذا كنتم تسافرون يومياً (70كم) فإنكم غير مسافرين؛ لأن المسافر هو الذي يحمل الزاد ويتأهب للسفر، ومثل هذه المدة القصيرة في مسافة قصيرة أيضاً لا تبلغ المسافة التي حددها أكثر العلماء، فإنكم لستم مسافرين بل عليكم أن تتموا الصلاة ولا تجمعوا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 17 تعيين شيء معين من القرآن في صلاة الكسوف السؤال ما الذي يشرع من القرآن لصلاة الكسوف؟ الجواب صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة، بل المشروع فيها الإطالة، لكن لو أتى مثلاً بسورة فيها مواعظ كثيرة فالوقت مناسب، وكان بعض مشايخنا يستحب أن يقرأ سورة الإسراء؛ لأن فيها آيات مناسبة، منها قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} [الإسراء:59] المهم أن يقرأ ما تيسر، ولكن يطيل القراءة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 18 مسائل حول الدعوة والغربة والكتب السؤال سمعت بعض الدعاة يقول: إن الإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى في بلاده قد ينزل الله سبحانه وتعالى الهداية في بلاد أخرى، وكذلك قولهم: إن هذه الكتب هي ألفاظ الدين وليست الدين، يعني: الدين هو الحركة، وكذلك قولهم: إن الغربة الآن هي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فهم يقولون: إن الغريب الآن ليس هو الذي يصلي ويصوم ويحج وليس في ذلك غرابة، وإنما الغريب الآن هو الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، فما صحة هذه الأقوال؟ الجواب لا صحة لذلك؛ لأنك إذا دعوت الله دعاء محدداً تقول: اللهم اهد هؤلاء، اللهم اهد أهل هذه البلدة، فإما أن يستجيب الله دعاءك ويهتدي هؤلاء، وإما أن يصرف عنك وعن أهل البلد من السوء ما هو عظيم، وإما أن يدخر لك أجرها إلى يوم القيامة، أما أن يهتدي قوم في محل آخر لم تدع الله لهم فإن دعاءك ليس سبباً لهدايتهم. السائل: فضيلة الشيخ! إنما أقصد زيارتهم في بيوتهم ودعوتهم إلى الله ولم أقصد الدعاء لهم؟ الشيخ: كيف ذلك؟ كيف إذا دعوت مثلاً أهل بلد معينة، كيف يهتدي قوم ما دعوتهم؟ السائل: يستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أهل مكة ثم اهتدى الأنصار في المدينة؟ الشيخ: هذا ليس بصحيح؛ لأن هداية الأنصار لها سبب غير دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة، السبب أن عندهم أناساً من اليهود، واليهود عندهم كتاب، وعندهم علم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث في مكة، وسيهاجر للمدينة، يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم، كما في القرآن، والأنصار -الأوس والخزرج- لهم اختلاط باليهود في المدينة وكانوا يسمعون هذا، فلما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سافروا إليه وبايعوه بيعتي العقبة، والأمر في هذا مشهور، فهداية الأنصار سببها أنهم كانوا يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبعث وأن وقته قد حان فذهبوا إليه وبايعوه. أما المسألة الثانية: قولهم إن هذه الكتب في ألفاظ الدين، والدين هو الحركة والدعوة إلى الله، يعني من الناس الآن ربما يأتي من الجامعة ويذكر الناس فلا يستفيدون؛ لأن ما قاله ألفاظ الدين، ولكن إذا أخذت الإنسان وسافرت به، وتحركت به ربما يكون في هذه الحركة الفائدة المطلوبة. هذا أيضاً جهل منه، فكتاب الله عز وجل القرآن أشرف الكتب، سماه الله تعالى كتاباً ولا شك أنه الدين، تلاوته دين، وتأمل معناه دين، والعمل به دين، فالكتب هذه وسيلة لتَعَلُّم الناس الدين، وقراءتك للقرآن دين، وقراءتك للكتب التي فيها فائدة دين، وقراءتك للوسائل التي تدلك على معاني كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها دين. أما الحركة فنعم هي من الدين فالعمل الصالح لا شك أنه من الدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) مع أن الله قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ} [آل عمران:19] فهذا هو الإسلام، لكن إطلاق أن الكتب ليست من الدين هذا خطأ وقصور، هي دين لأنها تدل على الدين. السائل: يقال: إن الغرباء الآن هم أهل الدعوة أو الدعاة؛ لأن المصلي والحاج ليس غريباً، والذي يصوم ليس عليه غرابة الآن بين الناس، ولكن الداعي تتوجه إليه الأنظار في غرابة؟ الشيخ: الآن والحمد لله لا غرابة لذلك في بلادنا فالداعي يدعو، والمصلي يصلي، والمتصدق يتصدق، والعابد يعبد الله، وليس في ذلك غرابة، ولكن قد يوجد في بعض بلاد المسلمين من يستغرب أكثر من يصلي مع الجماعة، ويستغرب من يتصدق الآن، فالغرابة معناها الشيء الغريب، كالرجل الذي ليس من أهل الوطن يعتبر غريباً، والغربة عندنا في بلادنا والحمد لله ليست موجودة، لا في الدعوة ولا في الصلاة. وأما مسألة نظرة الناس إليه، فالناس ينظرون إلى المتصدق كثيراً، والذي يصلي ينظرون إليه كثيراً، ويحترمونه وهكذا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 19 حكم تغيير المرأة لون شعر رأسها السؤال هل يجوز تغيير شعر المرأة من الأسود إلى الأحمر مثلاً بصبغة؟ الجواب الجواب على صبغ المرأة شعرها الأسود بغير الأسود ينبني على قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة هذا هو الأصل، وأن الإنسان يلبس ما شاء ويتجمل بما شاء ما لم يرد منعه في الشرع، فالصبغ مثلاً بالأسود ممنوع منه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) وغير الأسود قد يكون مأموراً به كتغيير الشيب بالحناء والكتم، وقد يكون مسكوتاً عنه، فالألوان ثلاثة: قسم مأمور به كالحناء لتغيير الشيب، وقسم منهي عنه وهو السواد لتغيير الشيب، وقسم مسكوت عنه، وما سكت الله عنه مما الأصل فيه الحل، فهو حلال، وعلى هذا فنقول: هذا الصبغ الذي تصبغه النساء حلال، إلا إذا كان لا يصبغ به إلا النساء الكافرات فلا يجوز؛ لأنه يكون من باب التشبه بالكفار، والتشبه بالكفار محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ولأن التشبه بهم نوع من الولاية، وتولي الكفار حرام، ووجه كون التشبه بهم نوعاً من الولاية، أنهم إذا رأوا الناس يتشبهون بهم قووا في باطلهم، وقالوا: الناس تبع لنا، فينشطون على باطلهم ويستذلون من تشبه بهم؛ لأن المتشبه بغيره يوحي تشبهه بأنه يرى نفسه أدنى بذلك من غيره، ولذلك اتبعه، ومن ثم نقول: تشبه بعض المسلمين بالكفار اليوم نوع من الولاية والذل، وهو أيضاً نوع من الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) فإذا كانت هذه الألوان التي اتخذتها النساء مما يختص بشعور الكافرات صار حراماً من أجل التشبه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 20 حكم زكاة مال مات صاحبه قبل أن يحول عليه الحول السؤال فضيلة الشيخ! رجل مات وترك مالاً ولم يحل عليه الحول، وظل هذا المال فترة لم يوزع على الورثة، فهل إذا حال الحول عليه تخرج زكاته؟ الجواب أما بالنسبة للميت الذي مات قبل أن يتم الحول فلا زكاة عليه؛ لأنه مات قبل الوجوب، كما لو مات قبل رمضان بيومين فإنه لا يقضى عنه. أما بالنسبة للورثة فالذي يبلغ نصيبه نصاباً عليه الزكاة إذا تم الحول على موت مورثه، والذي ماله قليل لا يبلغ النصاب وليس عنده ما يكمله به فإنه لا زكاة عليه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 21 حكم إتلاف المال باللهو السؤال بعض الشباب يذهبون للبر في تجمعات كبيرة ويقومون بالصعود على الكثبان الرملية المرتفعة مما يسبب إتلاف السيارات، فهل عملهم هذا جائز، ومن يشاهدهم هل يكون آثماً؟ الجواب أولاً: المشاهدة تنبني على الفعل، هل هو جائز أم لا؟ فنقول: خروج الشباب إلى البر على هذا الوجه ربما يفضي إلى المفاسد، منها: تركهم للجماعات في المساجد، وبعدهم عن أهلهم، ومنها أن فيه كما أشرت إليه إتلافاً للمال؛ لأن السيارات تتلف بهذا الاستعمال، وهو إجبار السيارات على أن تصعد إلى كثبان الرمل، وإذا تضررت كان في هذا إتلاف للمال، وإتلاف المال لغير مصلحة شرعية دينية أو دنيوية محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، ثم إني أسمع كثيراً من الناس يشكون من هذه السيارات، يشكون منها حيث إنها تفسد الأرض وتفسد النبات، ومعلوم أنه إذا كثر تردد السيارات على أرض بعينها فإنها ستتلف، ويحصل في هذا ضرر على المواشي. وإذا تبين أن مثل هذا العمل مضيعة للوقت ومضيعة للمال، وقد يكون سبباً لأمور محظورة كان تشجيعه والخروج للتفرج عليه محرماً؛ لأنه إقرار للمحرم ومساعدة عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ويدلك أيضاً على أن هذا العمل سفه، أن مثل هؤلاء لا يمكن أن يقوموا بهذا العمل أمام شرفاء الناس ووجهائهم؛ لأنهم يستحيون منه، وفي الحكمة القديمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت، والحياء شعبة من الإيمان) . السائل: فضيلة الشيخ! إن بعضهم يحتج بوجود بعض المتدينين؟ الشيخ: بعض المتدينين قد يخفى عليهم الأمر، ولو تأملوا لعرفوا أنهم ليسوا على شيء، فربما يخفى على بعض الناس أشياء عند التأمل يتبين لهم أنها غير مناسبة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 22 حكم بيع المستدين سلعة بأقل من سعرها ليستفيد من ثمنها السؤال في كتابكم المداينة في القسم الخامس كان عن مسألة التورق، وكان جوابكم: ولكن نظراً لحاجة الناس اليوم وقلة المقرضين ينبغي القول بالجواز بشروط، وكان الشرط الرابع ألا يبيعها المستدين إلا بعد قبضها وحيازتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فإن القول بجواز مسألة التورق متجهٌ كي لا يحصل تضييق على الناس، وليكن معلوماً أنه لا يجوز أن يبيعها المستدين على الدائن بأقل مما اشتراها به، والسؤال يا شيخ: هل عليه شيء إذا أراد أن يبيعها لشخص آخر بأقل مما اشتراها به؟ الجواب الغالب في هذا أنه إذا باعها على شخص آخر فإنه يبيعها بأقل لاشك؛ لأن الدائن قد رفع سعرها بمناسبة تأجيل الثمن، فإن بيع الحاضر ليس كبيع المؤجل، فهو لن يبيعها إلا بأقل من ثمنها ما لم ترتفع الأسعار؛ لأنه أحياناً يشتريها بخمسين ألفاً مؤجلة، وقيمتها حاضرة أربعون ألفاً، ثم يرتفع السعر في يومين أو أقل حتى تبلغ هذه السلعة ستين ألفاً نقداً، فإذا كان ذلك فهذا ليس فيه إشكال، نقول: إذا باعها على غير من استدانها منه فله أن يبيعها بأقل وله أن يبيعها بأكثر، وله أن يبيعها بمثل ما اشتراها به حسب الحال. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 23 حكم الإكرام بالعقيقة للمسلم والكافر السؤال شخص يقول: عندي عقيقة ذبحتها فأكرمت العمال وبينهم مسلم وكافر، فهل يجوز لي إكرامهم أم لا؟ الجواب أولاً العقيقة ذبيحة لله عز وجل ولا يجوز أن يدفع بها الإنسان مذمة عن نفسه، ولا أن يجلب لنفسه بها مصلحة، فإذا كان قد أكرم بها العمال من أجل أن يزيدوا في عملهم وينصحوا له فهذا لا يجوز، أما إذا أكرم العمال بها؛ لأنهم فقراء فهذا لا بأس به، سواء كانوا من المسلمين أو غير المسلمين، وسواء كان معهم مسلم أم لم يكن؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] . الجزء: 15 ¦ الصفحة: 24 حكم أداء السنة الراتبة القبلية قبل دخول الوقت السؤال هل يشترط للسنة الراتبة التي قبل الظهر وقبل الفجر دخول وقت الصلاة؟ الجواب السنة الراتبة القبلية التي تكون قبل الصلاة لابد أن تكون بعد دخول الوقت؛ لأنها راتبة لصلاة لا تصح إلا بعد دخول الوقت، فلو فرض أن الإنسان صلاها قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل ثم تبين أنه لم يدخل فليعدها وتكون الأولى نافلة نفلاً مطلقاً لا راتبة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 25 الفرق بين الدَّين والقرض والسَّلم السؤال ما الفرق بين الدين، والقرض، والسلم؟ الجواب الدين عند الفقهاء كل ما ثبت في الذمة، سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو كان أجرة لم يسلمها المستأجر أو غير ذلك، كل ما ثبت في الذمة فإنه دين عند أهل العلم، وعلى هذا يكون القرض والسلم نوعين من الدين. أما العامة فالدين عندهم هو: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضرة، من أجل أن يبيعها المشتري، وينتفع بثمنها، هذا هو الدين عند العامة، أما في الشرع وعند العلماء فالدين: كل ما ثبت في الذمة من ثمن مبيع، أو قرض، أو سلم، أو غير ذلك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 26 وسائل تحديد جهة القبلة في الصحراء السؤال بالنسبة لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء: نرى بعض الناس يجعلون الشمس عن يسارهم فهل هذه الوسيلة صحيحة أم هناك وسائل لتحديد اتجاه القبلة في الصحراء؟ الشيخ: في أي محل هم؟ هل هم هنا في القصيم؟ السائل: أي صحراء يا شيخ! الشيخ: إذا كانت الصحراء المقصود بها العموم فإن هذه الوسيلة لا تصلح؛ لأننا إذا قدرنا أنهم في الشام فكيف يجعلون الشمس عن يسارهم؟ السائل: هم في أي مكان يا شيخ! يجعلونها عن يسارهم ويصلون. الجواب هذا غلط كبير، حتى عندنا مثلاً هنا في نجد ليست الشمس على اليسار، الشمس عن اليمين دائماً في صلاة العصر، لكنها في الشتاء تكون عن اليمين قريبة، وفي الصيف تكون بعيدة، تكاد تكون عن يمينك رأساً (100%) ، لكن في الشتاء لا تكون كذلك؛ لأنها تنصرف إلى الجنوب. أما في الظهر فالظهر في الصيف عند انتهاء طول النهار تكون على رأسه عند الزوال، أما في الشتاء فتكون عن يمينه هذا في نجد، ويختلف أيضاً الجنوب والشمال والوسط منها. أما الوسائل لتحديد القبلة فقد حدثت الآن آلات ولله الحمد تدل الإنسان، آلات مرقمة بأرقام معينة، وآلات مركبة على خطوط الطول والعرض وغير ذلك، ومن أحسن ما رأيت ساعة تسمى ساعة العصر تدلك على أوقات الصلاة وعلى القبلة لكن لها برنامج يحتاج الإنسان إلى معرفته كي تدله على القبلة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 27 الخروج للنزهة وقصر الصلاة فيها السؤال خرجت مجموعة من مقر سكنهم ليتمشوا في البر، فهل يجوز أن يقصروا الصلاة؟ الجواب إذا خرج الإنسان من بلده للتجارة أو طلب العلم أو العمرة أو الحج أو الصيد أو النزهة أو غير ذلك من المقاصد فهو مسافر، لكن الذي يخرج يتمشى في أول النهار ويرجع في آخره فهذا ليس بمسافر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 28 الغائب عن أهله وحكم صلته لأرحامه وكيفية ذلك السؤال أنا لي والحمد لله ثلاث سنوات أدرس في بريدة ولكن الأهل والأصدقاء والأقارب يلومونني على عدم الاتصال بهم ويقولون عني: قاطع الرحم، وبعض الشباب يرمونني بهذا، علماً أنني لا أستطيع أن أتصل بهم جميعاً؟ الجواب أما الغائب عن أهله الأقربين كالأم والأب والأخ فلا ينبغي أن يقطع عنهم أخباره، فالهاتف ولله الحمد يقرب البعيد، وتستطيع أن تتصل بوالديك كل أسبوع مرة. أما الأصدقاء فكما أن لهم حقاً عليك فلك حق عليهم، قل لهم أنتم أولى أن تتصلوا بي لأني يشق علي وأنتم لا يشق عليكم، أما الأقربون فلابد أن تتصل بهم كل يوم جمعة أو كل يوم اثنين حسب ما يتيسر لك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 29 نصائح لجماعة الدعوة والتبليغ السؤال هل دعوة التبليغ في باكستان دعوة حقيقية، وهل تشجعنا على أن نذهب إلى باكستان رغم ما يقوله بعض الناس: إن هذه ليست صحيحة وفيها شبهة، ونريد منكم أن تدلونا على ما فيه الخير؟ الجواب أولاً: الذين يسمون أنفسهم جماعة التبليغ هم الذين يذهبون إلى باكستان وغيرها للدعوة إلى الله ونحن لا نتهمهم بسوء النية والقصد، وهم لا يريدون بالذهاب إلا الخير لا شك، لكن هذا الذهاب صار سبباً ووسيلة للقدح في هذه الجماعة، وصاروا يقولون: إنهم يذهبون إلى هناك ليأخذوا العلم والإيمان عن قوم هناك، وعندنا والحمد لله من هم أعلم منهم، ومن هم أقوى إيماناً، ثم إن هؤلاء القوم فيهم شبهة؛ لأنهم بنوا أصولهم على غير الأصول التي بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الدين، فهم بنوا أصولهم على أمور ستة، من يقرأها لنا؟ 1- تحقيق لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 2- الصلاة ذات الخشوع والخضوع. 3- العلم مع الذكر. 4- إكرام المسلمين. 5- تصحيح النية. 6- الدعوة إلى الله والخروج في سبيله. لو أنهم بنوا هذا الأمر على ما بناه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لكان خيراً لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) ولا أظن أحداً يكون في قلبه أدنى شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بما يبنى عليه الإسلام، وأنه أنصح الخلق، وأنه أفصح الخلق، وقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خير وشره) وقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) . لهذا أنا أنصح إخواني من أهل التبليغ، وأكرر عليهم النصيحة ألا يذهبوا إلى باكستان أولاً: دفعاً عن أعراضهم؛ لأن الكثير من الإخوة إذا أثنينا على جماعة التبليغ، وقلنا: إن لهم تأثيراً لم يقم به أحد غيرهم، وتأثيرهم واضح، كم من ضال اهتدى على أيديهم، وكم من فاسق أطاع على أيديهم، بل وكم من كافر آمن على أيديهم، قالوا: هؤلاء فيهم وفيهم، ومن جملة ما يجعلونه سبباً للقدح سفرهم إلى باكستان. فأنا أكرر نصيحتي لإخواني الذين يوجدون في الجزيرة بألا يذهبوا إلى باكستان، ويجتمع بعضهم مع بعض والحمد لله في مكة في الحج أو في العمرة، في رمضان أو في غير رمضان، أما أن يذهبوا إلى بلاد اشتبه حقيقة ما هم عليه، ومن يديرون دفة الأمر فيها، فهذا لا ينبغي. شيء آخر أنصح به إخواننا جماعة التبليغ وهو: الحرص على العلم، والتعلم بقدر ما يستطيعون، فبقدر ما يجتهدون في الدعوة إلى الله، والاتصال بالناس، وزيارتهم، ودعوتهم إلى الحق جزاهم الله خيراً ونفع بهم، نقول: بقدر ذلك لابد أن يتعلموا، فيحضرون مجالس العلماء الذين وهبهم الله سبحانه وتعالى علماً وتعليماً ولو في الأسبوع مرة، ليعرفوا شيئاً مما يجهلونه كثيراً؛ لأن هذا أيضاً مما ينقمه الناس عليهم بأنهم بعيدون عن العلم، وإن كان بعضهم يقول: إنهم لا يحبون المناقشة في العلم إطلاقاً بل يحبون أن تمشي الأمور على ما هي عليه، وهذا لا شك أنه نقص شديد ومأخذ على جماعة التبليغ، فلو أنهم يحرصون أيضاً على العلم لكان خيراً. العلم ليس في كتب الفضائل فقط، كتب الفضائل تنمي الإيمان وتزيد في قوته، لكنها ليست هي العلم، لابد من معرفة الأحكام كما نعرف الرقائق التي ترقق القلوب، فهذا أيضاً مما ينقم عليهم. وأما مسألة تحديد الخروج بثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو شهر، أو شهرين، فأنا لا أنقمه على جماعة التبليغ لأن هذا قد يكون من باب الوسائل، أي من باب أنهم يرون أن تحديد المدة وسيلة لاستصلاح الرجل الخارج معهم والوسائل ليس لها حد شرعي، فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصود ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقربه. فلو قال قائل: أنا أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقى؛ لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذباً له فأدعوه بالموسيقى والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا. لا يجوز أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد، وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها يقول: هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير. لذلك أنا أكرر مرة أخرى: أن يحرص إخواني من جماعة التبليغ على أن يتلقوا العلم ويقرءوا كتب من يثقون بعلمه ودينه حتى ينتفعوا بها، وأما مجرد الاقتصار على الرقائق التي ترقق القلوب فهذا لا شك أن فيه خيراً، لكنه لا يكفي في ثقافة المسلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 30 حكم التكبير والتسليم لسجود التلاوة السؤال سجود التلاوة هل له تكبير وتسليم؟ الجواب سجود التلاوة ليس له تكبير عند السجود وليس له تكبير عند الرفع من السجود؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مالم يكن الإنسان في صلاة، فإن كان في صلاة وجب أن يكبر إذا سجد وأن يكبر إذا قام. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 31 حكم استثمار التبرعات الخيرية السؤال هناك بعض الشباب أرادوا القيام بمشروع خيري فجمعوا تبرعات وبعدما جمعوا التبرعات رأوا أن هذه التبرعات لا تنتهي، فقالوا: نقتطع جزءاً من هذه التبرعات ننفقه فيما جمعناه له وجزءاً ندخره حتى يتكون رأس مال نقيم به مشروعاً، ودخل هذا المشروع في نفس الهدف الذي جمع له المال الأصل، فهل ادخارهم لهذا المال بدون الإذن جائز شرعاً مع أن عمل المشروع ربما يحتمل الخسارة وربما يحتمل الربح؟ الجواب إذا جمع الإنسان تبرعاً لشيء معين فيجب أن يصرفه في ذلك الشيء المعين، ولا يصرفه في غيره إلا إذا فوض إليه الأمر أو استأذن، ولنضرب لهذا مثلاً لشخص يجمع للصومال فجمعوا أموالاً كثيرة، وقالوا: من الممكن أن نأخذ نصف ما جمعناه نعمر به عمائر أو نشتري به دكاكين لتكون غلته لهؤلاء وتستمر، فنقول: هذا لا يجوز؛ لأن المقصود بجمع المال دفع حاجة الموجودين الآن. أما الذين لم يوجدوا فإننا لم نجمع لهم كما أنه ربما يحال بيننا وبين إيصال هذا المال إليهم في المستقبل ولا ندري أهذا أمر يمكن تحقيقه في المستقبل أم لا. كما أن في ذلك أيضاً ظلماً للموجودين، فدفع حاجة الموجودين عاجلة لابد أن نعطيهم ما جمعنا لهم، لكن إذا فوض الأمر إليك أو استأذنت فهذا لا بأس به. السائل: وماذا عن هذا المال لو حال عليه الحول؟ الجواب: لا زكاة فيه؛ لأنه خارج عن ملك أصحابه، كل الأموال المجموعة للصدقات أو لغيرها ليس فيها زكاة، ومن ذلك أيضاً ما تجمعه بعض العائلات إذ يجمعون أموالاً فإذا حصل لأحد نكبة ساعدوه، فهذا أيضاً ليس فيها زكاة؛ لأنها خرجت عن ملاكها، ولهذا لو أراد الإنسان أن يستردها ما أمكنه ذلك ولو مات لم تورث عنه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 32 حكم التحية العسكرية وحكم التحية بالإشارة السؤال ما حكم التحية العسكرية مع العلم أنها إلزامية على الجندي؟ الجواب الجمع بين السلام القولي والإشارة لا بأس به، مثل أن يقول: السلام عليكم، لكن الضرب بالرجل هذا ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينبغي أن يضرب بالرجل، فربما يؤثر على رجله أو يؤثر على الأرض التي تحته إذا كانت من خشب أو ما أشبه ذلك، ولكن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين إلى إلغاء مثل هذه الأمور، وإلى أن ينظروا إلى من سبقهم من هذه الأمة لا إلى من تخلف عنهم من الأمم الحاضرة، نحن مسلمون والأولى بنا أن نقتدي بهدي المسلمين، إذا مر قال: السلام عليكم، وإذا كان بعيداً جمع بين الإشارة والقول، وإذا كان أصم جمع له أيضاً بين القول والإشارة، أما بدون ذلك مثل أن نقتصر على الإشارة فقط فهذا غلط. ثم إني رأيت بعض الجنود صاروا يسلمون تسليماً غريباً يعكف يده على صدره، نسأل من الله أن يهدي المسئولين إلى اتباع هدي السلف الصالح، إذا مر الضابط عليه أن يسلم فيقول: السلام عليكم؛ لأن أخاه هذا مسلم، وإن كان أقل منه رتبة، والثاني يقول: وعليكم السلام، والله لو فعلوا هذا كان هذا دعاء وعبادة وثواب وأجر، الآن الجيش كلهم معتادون الدعاء لهم بالسلامة، فهل أفضل أن نقول: السلام عليكم؛ لأنهم كلهم يريدون السلامة، فنرجو الله تعالى أن يفطن المسئولون لهذا الأمر، وأن يكون لهم شعار خاص وهو الشعار الذي كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [16] في هذا اللقاء تفسير بعض آيات من سورة النازعات، والتي احتوت على قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وكيف أن موسى عليه السلام كان يدعوه باللين ولم يشدد عليه حتى لا ينفر ولكن دون جدوى فقد استمر فرعون في عناده وكبره حتى قال: (أنا ربكم الأعلى) وكانت نهايته أن أهلكه الله عز وجل غرقاً في الماء بعد أن كان ينادي ويقول: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي) فأجراها الله من فوقه. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النازعات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: الجزء: 16 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (اذهب إلى فرعون إنه طغى) في مبدأ كلامنا هذا نتكلم عن بقية الآيات من سورة النازعات عند قوله تعالى مخاطباً موسى صلى الله عليه وسلم: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات:17] فأمر الله نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون، وهذه هي الرسالة، وبيَّن سبب ذلك وهو طغيان هذا الرجل -أعني: فرعون- وفي سورة طه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43] ولا منافاة بين الآيتين؛ وذلك لأن الله تعالى أرسل موسى أولاً ثم طلب موسى عليه الصلاة والسلام من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون، فأرسل هارون مع موسى، فصار موسى وهارون كلاهما مرسلٌ إلى فرعون، وقوله تعالى: {إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] أي: زاد على حده؛ لأن الطغيان هو الزيادة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: زاد، ومنه الطاغوت؛ لأن فيه مجاوزة الحد، فهنا يقول عز وجل: {إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فقل هل لك إلى أن تزكى) قال تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات:18] الاستفهام هنا للتشويق، تشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة: النمو والزيادة، وتطلق بمعنى: الإسلام والتوحيد، ومنه قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت:6-7] ومنه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] ثم قال تعالى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18-19] أي: أدلك إلى دين الله عز وجل الموصل إلى الله (فتخشى) أي: تخاف الله على علم منك؛ لأن الخشية هي: الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف. الفرق بينهما: أن الخشية عن علم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] وأما الخوف فهو خوف مجرد، ذعرٌ يحصل للإنسان ولو بغير علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأهديك إلى ربك فتخشى) قال تعالى: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:19-20] أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات:18-19] ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر الإنسان، لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة، جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسولٍ آية تدل على صدقه، وهنا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:20] أي: أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟ هي: عصا خشب من فروع الشجر، كان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى، ثم يحملها فتعود عصا، وهذه من آيات الله، أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال إلى حاله الأولى، وهي عصا من جملة العصي {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات:20] وإنما بعثه الله بهذه الآية وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، أي: من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس ببياض البرص ولكنه بياضٌ جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك -بالعصا واليد- لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً، فأرسله الله عز وجل بشيءٍ يشبه السحر ولكنه ليس بسحر حقيقة، من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدوا له عليه الصلاة والسلام. قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً فجاء عيسى بأمرٍ يعجز الأطباء وهو أنه كان لا يمسح أي ذي عاهة إلا برئ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة -أي عاهة تكون- مسحه بيده فيبرأ بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص مع أن البرص لا دواء له، لكن هو يبرئ الأبرص بإذن الله عز وجل ويبرئ الأكمه الذي خلق بلا عيون. أشد من هذا أنه يحيي بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وأشد من ذلك وأعظم أنه يخرج الموتى بإذن الله، يخرجهم من أي مكان من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حياً، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس. قال أهل العلم: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن العظيم، الذي أعجز أمراء الفصاحة وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] أي: ولو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله. نعود فنقول: إن موسى صلى الله عليه وسلم أرى فرعون الآية الكبرى ولكن هل انتفع بالآيات؟ لا. {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:11] فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءت كل آية -والعياذ بالله- ولهذا قال: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى} [النازعات:20-21] كذب الخبر وعصى الأمر، وقال لموسى: إنك لست رسولاً، بل قال: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27] وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ثم أدبر يسعى) قال تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات:22] (أدبر) أي: تولى مدبراً يسعى حثيثاً {فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات:23] حشر الناس، أي: جمعهم ونادى فيهم بصوتٍ مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم وصدهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام. {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:23-24]-والعياذ بالله- قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، يعني: لا أحد فوقي؛ لأن الأعلى اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله: {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:24] ؟ وكان يفتخر بالأنهار والملك الواسع، فيما قال لهم: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:51-52] فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم، قال الله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات:25] يعني أنه نكل به في الآخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، فكل من قرأ كتاب الله وقرأ ما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به. وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم، وهذا الجبروت، وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) يقول عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات:26] (إن في ذلك) أي: فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عبرة، (لمن يخشى) أي: يخشى الله عز وجل. فمن كان عنده خشية من الله وتدبر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا، فإنه يعتبر ويأخذ من ذلك عبرة، والعبر في قصة موسى كثيرة. ونقف على قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] . هنا ننهي هذه الكلمة التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة له ونافعة لنا جميعاً. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 16 ¦ الصفحة: 8 الدليل على أن الله تعالى يحفظ الدعاة إلى دينه ويحميهم السؤال فضيلة الشيخ! كلف الله موسى عليه الصلاة والسلام بدعوة فرعون إلى توحيد الله تعالى مع أنه كان ضعيفاً لا يملك شيئاً وفرعون كان طاغية، فهل في ذلك دليل على أن الله تعالى يحفظ الدعاة إلى دينه ويحميهم؟ الجواب لا شك أن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى إلى فرعون وموسى ليس معه إلا أخاه هارون وفرعون معه كل جنوده؛ أن هذا يدل على أن المنصور من نصره الله، وكيف لا يكون النصر لموسى وهارون وقد قال الله سبحانه وتعالى له لما قال: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] قال: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالذي معه الله لا يخاف، لا بد أن يكون منصوراً، ولذلك لما قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: (يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، قال: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا، فما ظنك باثنين الله ثالثهما) هل أحد يضرهما؟ أبداً. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أنه يوجد في بعض الكتب أن العنكبوت ضربت على باب الغار نسيجاً وعش الحمامة وهذا لا صحة له، ليس هناك نسيج من العنكبوت وليس هناك حمامة على شجرة على باب الغار، إنما هي حماية الله ولهذا قال أبو بكر رضي الله عنه: [لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا] لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، ولكن الله أعمى أبصارهم فلم يروا أحداً في هذا الغار وانصرفوا عنه. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 9 حكم إطلاق بعض الأبيات الشعرية الموهمة السؤال في الأسبوع قبل الماضي كان لكم فتوى عن هذين البيتين: وقد قمت باستئذان صاحب السؤال، وكان لكم توقف فيهما: أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب على استعبادنا الغجر الجواب إي نعم. هذان البيتان: أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر إذا كان يريد الاعتصام بشخص وهو المعتصم فهذا شرك أكبر؛ لأنه دعا ميتاً ودعاء الأموات شرك، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6] فجعل الله دعاءهم عبادة، وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117] فجعل الله ذلك كفراً، أما إذا كان لا يريد المعتصم نفسه إنما أراد أن يهيئ الله لنا قائداً عظيماً بطلاً كـ المعتصم فإن هذا لا بأس به، ولكن ينهى عن إطلاق هذا اللفظ على هذا الوجه؛ لأنه يوهم أننا ندعو المعتصم نفسه، وما أوهم الباطل فإنه ينبغي التحرز منه. أما قوله في البيت الثاني: أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب على استعبادنا الغجر هذا أيضاً يقال فيه كالأول، إذا كان يريد صلاح الدين نفسه فهذا أيضاً كفر؛ لأن صلاح الدين لا يعصم، صلاح الدين ميت لا يعصم أحداً، وإن أراد بذلك، ولا أظن أنه يصح أن يريد بذلك أن يأتي لنا برجل كـ صلاح الدين؛ لأنه قال: أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا والبيت فيه شيء من الركاكة. وعلى كل حال هذا البيت بالنسبة للبيت الذي قبله أهون؛ لأنه كأنه يقول: ليس لنا أحد بعد صلاح الدين يعصمنا، فنقول له: إن هذا الإطلاق فيه نظر؛ لأن الذي يعصمك من الشر قبل صلاح الدين هو الله تعالى، ثم إن صلاح الدين ليس أعظم قائدٍ في الأمة الإسلامية، فأعظم قائد في الأمة الإسلامية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من تلاه من الخلفاء والقواد المسلمين كـ خالد بن الوليد وغيره. وعلى كل حال مثل هذه الأبيات يجب على الإنسان أن يتحرز منها وألا يذكرها إلا مقرونةً ببيان أنها ليست بشيء، وأن إطلاقها لا يجوز. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 10 حكم صلاة المأموم عن يسار الإمام إذا كانا اثنين السؤال فضيلة الشيخ! شاب دخل المسجد وكان هناك رجل يصلي، فأراد أن يأتم به ولا يعرف أين موقف المأموم فوقف عن يساره، ثم جاء ثالث وأراد الدخول معهم في الصلاة فدفع المأموم إماماً وأخر الإمام إلى أن انتهت الصلاة فما الحكم؟ الجواب على كل حال هذا الذي حصل منهم لا شك أنه صدر عن جهل، والجهل في هذه الأمور يعفى عنه، وبذلك تكون صلاة الجميع صحيحة، لكن لو فرض أنه لم يأتهم ثالث وظلا هكذا: المأموم على اليسار والإمام على اليمين، فالصلاة صحيحة؛ لأنها أيضاً صادرة عن جهل؛ لأن السنة فيما إذا كان إمام ومأموم أن يكون الإمام عن يسار المأموم والمأموم عن يمين الإمام، هذه هي السنة. فإذا كان أحدهما على عكس ذلك فصلاتهما صحيحة، لكن يبلغ فما بعد أن السنة أن يكون المأموم على يمين الإمام، وفي هذه الحال يكون وقوفهما متساوياً ولا يكون الإمام متقدماً على المأموم؛ لأنهما في هذه الحال يكونان صفاً واحداً، والصف الواحد يكون متساوياً. وإذا جاء ثالث فمن الناس من يشكل عليه هل يدفع الإمام ويؤخر المأموم أو يكبر أولاً فنقول: أخر المأموم، ثم إذا استوى في مكانه كبر أنت، أو نقول: قدم الإمام فإذا استويت مع المأموم كبر؛ لأنه أحياناً يكون تقديم الإمام أسهل كما لو كان المكان الذي أمامه واسعاً، وأحياناً يكون تأخير المأموم أسهل كما لو كان المكان الذي أمامهم ضيقاً، والذي خلفهم واسعاً، المهم لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يؤخر المأموم لكن لا يكبر قبل ذلك لئلا يلزم من ذلك حركة في الصلاة لا حاجة إليها. السائل: ما المحذور إذا كان ذلك على علم؟ الشيخ: المحذور هنا أن الإمام ربما يستمر على نية الإمامة مع أنه صار مأموماً، وأما التحول من الإمامة إلى المأموم فهذا لا بأس به، فقد تحول أبو بكر رضي الله عنه من كونه إماماً إلى كونه مأموماً عندما كان يصلي بالناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ففي أثناء الصلاة تأخر أبو بكر وصار مأموماً والنبي صلى الله عليه وسلم إماماً. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 11 الجمع بين أمر الله لموسى باللين مع فرعون وغلظة موسى على فرعون السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لقول الله سبحانه وتعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] نجد في سورة الإسراء أن موسى حصل بينه وبين فرعون كلام فيه شدة وغلظة ومنه قول موسى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] كيف نجمع بين هذه الآية والقول باللين؟ الجواب الجمع بينهما أنه خاطبه باللين أولاً، فلما طغى وشمخ وارتفع كان حقه أن يهان، وهذا من التدرج في الدعوة إلى الله بالحكمة، تتكلم مع المدعو أولاً باللين والسهولة، فإذا أصر وعاند ليس جزاؤه إلا أن يغلظ عليه، كما قال الله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 12 طرق قراءة كتب الحديث السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لدراسة الكتب الستة البخاري ومسلم والسنن هل تكون قراءة فقط، أو يقرأها مع الشرح، أو يقرأ كتاباً -مثلاً- مع الشرح ويقرأ الكتب الأخرى فقط أم كيف؟ الجواب قراءة كتب الحديث بارك الله فيك قسمان: قراءة يتوصل بها الإنسان إلى معرفة صحة الحديث وعدم صحته، وهذه تعتمد على معرفة أحوال الرواة وترجماتهم لأجل أن يعرف من هو المقبول ومن هو الذي لا يقبل، ومعرفة تاريخهم ليعرف هل السند منقطع أو غير منقطع، -فمثلاً- إذا قال شخصٌ عن فلان وقد علمنا أن الذي روى عنه ولد بعد موته عرفنا أن السند منقطع فلا بد من معرفة تاريخ الرواة، ولا بد -أيضاً- من معرفة ثبوت لقاء من روى عنه؛ لأنه قد يدلس فيروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه. فالذي يطلب علم الحديث على هذا النحو لا بد أن يقرأ الكتب الستة بأسانيدها ويبحث عن رجالها، ونحن نعلم أن العلماء مختلفون اختلافاً كبيراً في الرجال، فتجد هذا المحدث -مثلاً- يقول عنه الإمام أحمد إنه ثقة، ويقول عنه يحيي بن معين إنه منكر الحديث -مثلاً- ويقول ثالث إنه متروك. وهذه المسألة قد تحير طالب العلم، فما موقفه إذا رأى الحفاظ الأئمة تكلموا في هذا الرجل كلاماً متبايناً؟ ننظر إلى متن الحديث، قد يكون متن الحديث شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، فنعرف أن الذين تكلموا عن هذا الرجل بالقدح أصوب من الذين تكلموا عنه بالتعديل؛ لأن حديثه منكر بل ربما يأتي الحديث صحيح السند من حيث رجاله ومن حيث اتصال السند، ولكن يكون المتن منكراً أو شاذاً، قد يكون شاذاً لمخالفته للأحاديث الصحيحة فيرد. فالحاصل أن الذي يطلب علم الحديث من أجل إثبات الحديث يجب أن يعتني بالرجال وتواريخ حياتهم وكلام الناس فيهم. أما الذي يطلب الحديث من أجل فقه الحديث فهذا له طريق آخر لا يلزمه مثل ما يلزم الأول، بل ربما يكتفي بالحديث متناً، فإذا كان في صحيح البخاري وصحيح مسلم فالنفس مطمئنة إليه، وإذا كان في غيرهما يكفيه أن يقول -مثلاً- صححه فلان أو صححه فلان من الحفاظ المعتمدين، وإن لم يراجع السند، وأهم شيء في القرآن الكريم والسنة النبوية فقه النص ومعرفته وما يستنبط منه وما يترتب عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ مبلغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقه غير فقيه) و (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . السائل: إذاً لا بد أن يبدأ طالب علم الحديث أول ما يبدأ بدراسة كتب المصطلح والرجال؟ الشيخ: نعم. لا بد أن يكون عنده علم بالمصطلح إذا كان يريده على الوجه الأول. السائل: والوجه الثاني؟ الشيخ: ليس بلازم؛ لأنه يكتفي -مثلاً- إذا صححه الحافظ ابن حجر، صححه فلان من الأئمة العلماء المحدثين الموثوقين فهذا كافٍ، فلا يذهب ينظر -مثلاً- في السند؛ لأنه لا دراية له بمصطلحات أهل العلم في ذلك. السائل: وماذا عن الاستنباطات من الحديث والفوائد؟ الشيخ: قد يكون الإنسان في الاستنباطات ضعيفاً مع قوته في التخريج، ولهذا تجد فرقاً بين الفقهاء في استنباطهم الأحكام من الحديث والمحدثين. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 13 حكم تأخير الأذان احتياطا ً السؤال يلاحظ على بعض المؤذنين أنهم يؤخرون الأذان دقيقة إلى دقيقتين في أغلب الأوقات وخاصة في الفجر والمغرب، وإذا سألتهم لماذا لا تتقيدون بتقويم أم القرى، يقولون: نحن نفعل ذلك زيادة في التأكيد، فهل عملهم هذا صحيح؟ الجواب لا مانع من الاحتياط بدقيقة أو دقيقتين خصوصاً الفجر، تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق، ولهذا يجب التحرز في هذه المسألة فينتظر الإنسان خمس دقائق قبل أن يصلي، أما المؤذنون فكما تعرفون منهم من يؤذن على توقيت أم القرى، ومنهم من يتقدم عليه ومنهم من يتأخر عنه كثيراً. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 14 واجبنا تجاه السيرة السؤال فضيلة الشيخ! منذ قليل ذكرت قصة العنكبوت وقصة الحمامة أنها غير صحيحة في حماية الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، ولكن كتب السيرة تكتب هذا وغيره من القصص المختلقة المكذوبة سواء في الرسول صلى الله عليه وسلم أو في الخلاف الذي وقع بين علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، وأعداء الإسلام حاولوا الدخول علينا وعلى الإسلام عن طرق القرآن ولكن حفظه الله، وعن طريق السنة، وقد جعل الله من يقوم بتمييز الصحيح من الضعيف، ولكن بعض كتب السيرة قد تكلمت على الصحابة، والسؤال يا شيخ: ما الذي يجب علينا تجاه السيرة؟ الجواب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء تحتاج إلى تنقيح بلا شك؛ لأن التاريخ يدخله الهوى، فمن غَلب رفع ومن غُلب هضم، ونحن نضرب لكم مثالاً بالرؤساء الذين تعاقبوا على الدول العربية إذا هلك الإنسان منهم محي وطوي قيده، وإذا كان موجوداً جعل الرئيس الأعلى الذي ليس فوقه أحد، ويكتب هذا ويبقى إلى أن يموت فتجد -مثلاً- الذين لهم هوى في خلفاء بني أمية يمدحون هؤلاء الخلفاء مدحاً عظيماً، والذين هم على ضد ذلك يذمونهم ذماً عظيماً، ولهذا لا شك أن السيرة تحتاج إلى تحقيق وتحرير ليتبين الضعيف منها من القوي، وأنا إلى الآن ما وجدت أحداً فعل ذلك إلا شيئاً خفي علي لا أدري لكن في السيرة ما هو ثابت في صحيح البخاري وصحيح مسلم وهذا يعتمد. السائل: توجد بعض الكتب التي تتكلم عن بعض الصحابة كأمثال أبي موسى الأشعري وقد وصفته بالغباء في قصته مع عمرو بن العاص في قصة التحكيم، وقصة التحكيم هذه ليست صحيحة كما سمعت في الجامعة في دراستي؟ الشيخ: نفس الشيء أيضاً يتكلمون عن غير أبي موسى ممن هو أفضل من أبي موسى الأشعري في هذه المسائل. ولهذا مسألة السياسة مشكلة الآن، لو ذهبت إلى بعض كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون الذين يميلون إلى آل البيت وجدت عجباً، ولو قرأت في كتب التاريخ التي تميل إلى بني أمية لوجدت عجباً، لكن كما قلت لك: لا بد أن يكون السند صحيحاً. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 15 حكم النذر المباح السؤال فضيلة الشيخ! مما درست أن هناك أنواعاً للنذر: فهناك نذر واجب، ونذر طاعة، ونذر مباح، ونذر معصية، وسمعت أن النذر المباح لا يجب القضاء فيه بل يجوز الكفارة، ويجوز أن يقضيه فكيف؟ الشيخ: ماهو النذر المباح الذي فهمت؟ السائل: مثلاً: يقول عليَّ نذر أن أقرأ كتاب كذا أو أبيع سيارتي؟ الجواب النذر المباح حكمه حكم اليمين، فإذا قال: لله عليَّ نذر أن أبيع سيارتي، أو لله عليَّ نذر أن أشتري البيت الفلاني قلنا له: أنت الآن بالخيار إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعله وكفر كفارة يمين؛ لأن هذا نذر مباح، ونذر الطاعة أن يقول: عليَّ نذر أن أصوم غداً يعني: يوم الإثنين، ونذر المعصية أن يقول: لله عليَّ أن أهجر فلاناً وهو لا يستحق الهجر. السائل: رجل نذر أن يشتري لوالدته -مثلاً- كذا وكذا من أي الأنواع؟ الشيخ: هذا من أنواع نذر الطاعة إذا كان هذا مما يسر الأم أو تحتاجه الأم؛ لأنه حينئذ يدخل في البر، وبر الوالدين من الطاعة فيلزمه أن يشتري ذلك لها إلا إذا قالت: لا أريده، فإذا قالت: لا أريده فإنه لا يلزمه أن يشتريه لها، وفي هذه الحالة ينبغي أن يكفر كفارة يمين. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 16 الضابط في استخدام الجلود السؤال فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في استخدام الجلود وما يحل من ذلك وما يحرم؟ الجواب من المعلوم أن الجلود في السوق هي جلود مدبوغة، والجلود المدبوغة عند كثير من العلماء طاهرة، وإن كانت من حيوان نجس، والصحيح أنها ليست بطاهرة إذا كانت من حيوان نجس؛ لأن نجس العين لا يطهر لو غسل بماء البحر، أما إذا كانت الجلود مما هو مباح الأكل ولكن لا تدري أنت هل هي جلود مذبوحة أو ميتة فلا يهمنك؛ لأنه حتى لو كانت جلود ميتة أو جلود حيوانٍ مذبوح على غير الطريقة الإسلامية فإنها إذا دبغت تكون طاهرة مثل بعض الفراء، تكون مبطنة بجلد من جلود الضأن الصغار فنقول: البسها ولا حرج عليك، حتى لو فرض أنها من ميتة أو فرض أنها مما ذكي ذكاة غير شرعية؛ لأنه إذا دبغ فإنه يطهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما إهاب دبغ فقط طهر) ومر بشاة يجرونها ميتة لـ ميمونة، فقال: (هلا أخذتم إهابها قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: إذا دبغ الإهاب فقط طهر) . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 17 حكم الحيوانات التي لا يؤكل لحمها من حيث النجاسة السؤال فضيلة الشيخ! هل كل حيوان لا يؤكل لحمه نجس؟ الجواب نعم. كل ما لا يؤكل فهو نجس إذا مات، أما في الحياة ففيه تفصيل، الهرة وما شابهها طاهرة إلا بولها وعذرتها ودمها، وأما السباع التي ليست مما يطوف علينا ويكثر التردد علينا فهي نجسة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 18 حكم الشروع في خطبة الجمعة قبل الوقت والصلاة قبل الزوال السؤال هناك بعض الخطباء يدخلون إلى المسجد يوم الجمعة ويشرعون في الخطبة قبل الوقت وربما أقيمت الصلاة ولم يحن وقت الزوال فما صحة ذلك؟ الجواب هذه المسألة -أي: الشروع في الخطبة والصلاة يوم الجمعة قبل الزوال- فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنها لا تجوز حتى تزول الشمس، ومنهم من قال: إنها تجوز، والصحيح أنها تجوز قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة أو ما قارب ذلك، ولكن الأفضل بعد الزوال حتى عند القائلين بأنه يجوز أن تتقدم ساعة ونحوها؛ وذلك لأن المؤذن إذا أذن وسمعه من في البيوت فإنهم ربما يتعجلون فيصلون الظهر فيحصل بذلك غرر للناس، ثم إن زوال الشمس بالاتفاق شرطٌ لإقامة صلاة الجمعة على وجه الأفضلية، ولكن من العلماء من أجاز التقديم على الزوال ومنهم من لم يجزه، ولكنهم متفقون على أن تأخيرها حتى تزول الشمس أفضل، ولو صلى قبل الزوال على الرأي الذي يقول بجوازها قبل الزوال فلا بأس، لكن بزمنٍ قريب. وهنا مسألة بالنسبة لوقتنا الآن: لا نحبذ أن أحداً يصلي مبكراً وحتى لا تتخذ عادة عند الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: (اللهم صلِّ على آل فلان) فإذا لم تتخذ شعاراً فلا بأس، وكذلك إذا لم تتخذ على وجه التعيين -مثلاً- بأن يقول: اللهم صلِّ على آل تيمية، اللهم صلِّ على آل عبد الوهاب، وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به، لكن اتخاذها شعاراً كلما ذكر فيه صلى الله عليه وسلم هذا لا يجوز؛ لأنه قد يتوهم واهم بأن هذا نبي من الأنبياء. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 19 مدى صحة تسمية ملك الموت بعزرائيل السؤال وردت أسماء الملائكة مثل جبريل وإسرافيل وملك الموت، وقد ورد أن ملك الموت عزرائيل فهل هذا صحيح أم لا؟ الجواب الملائكة عليهم الصلاة والسلام وردت أسماء بعضهم مثل جبريل الموكل بالوحي، وإسرافيل الموكل بنفخ الصور، وميكائيل الموكل بالقطر والنبات يعني: بالأمطار ونبات الأرض، وهؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم في استفتاح صلاة الليل فيقول إذا استفتح صلاة الليل: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) . وإنما كان يتواصل بهؤلاء الثلاثة؛ لأن هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم موكل بما فيه حياة، فجبرائيل موكل بما فيه حياة القلوب، وميكائيل موكل بما فيه حياة الأرض، وإسرافيل موكلٌ بما فيه حياة الأبدان، إذا نفخ في الصور؛ لأنه هو موكل للنفخ في الصور، وأما ملك الموت فإنه لا يصح تسميته بعزرائيل وإنما يقال فيه: ملك الموت، كما قال الله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسمه عزرائيل، وأما مالك خازن النار فقد جاء في القرآن: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 20 معنى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ونحن حوله) السؤال فضيلة الشيخ! ذكر البخاري في كتاب يوم الجمعة حديثاً قال: عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ونحن حوله) فهل يدل ذلك على مشروعية التحول أو الالتفات إلى الإمام حتى ولو كان في طرف الصف؟ الجواب لا. معنى (نحن حوله) أي: أننا نحرص أن نكون قريبين منه، وليس المعنى أنهم يتحوطون عليه أو يستديرون عليه، وإنما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب وكانوا يحرصون أن يكونوا قريبين منه وإلا فهو يخطب الناس وهم على صفوفهم، بل ورد حديث ينهى عن التحلق يوم الجمعة لما في ذلك من التضييق على المصلين في المسجد، وفيه أيضاً ما توهمته من أن المراد أنهم يتحوطون حوله ويتحلقون. السائل: لو كان الالتفات بالرأس؟ الشيخ: الالتفات بالرأس لا بأس به، يعني: أن ينظر الإنسان إلى الخطيب حال الخطبة هذا لا بأس به، بل هذا طيب؛ لأنه يشد انتباه الإنسان أكثر، وقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب استقبلوه بوجوههم) . الجزء: 16 ¦ الصفحة: 21 حد المعلوم من الدين بالضرورة السؤال فضيلة الشيخ! نريد حداً للمعلوم من الدين بالضرورة؟ الجواب المعلوم من الدين بالضرورة هو ما لا يمكن لأحد من المسلمين جهله، كوجوب الصلاة -مثلاً- وتحريم الخمر والزنا وما أشبه ذلك، هذا من المعلوم من الدين بالضرورة، فأما الشيء الذي لا يعلم بالضرورة إلا بعد البحث والنظر فهذا ليس مما يعلم من الدين بالضرورة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 22 حكم الزواج بامرأة زانية السؤال فضيلة الشيخ! رجل تزوج من امرأة وقد حملت منه سفاحاً، فهل العقد صحيح وهل الطفل ينسب إليه؟ الجواب هذه المسألة تحتاج إلى إجابة خاصة، وينظر هل هذا وقع أو لم يقع، وينظر أيضاً ما يحيط به من الشبهات، وما أشبه ذلك، وعلى كل تقدير: فإن المرأة الزانية لا يحل نكاحها إلا بعد التوبة، وكذلك الزاني لا يصح أن تتزوجه إلا بعد التوبة، لقول الله تبارك وتعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3] أما هذه القضية فتحتاج إلى فتوى خاصة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 23 حكم من فاتته ركعتا الاستسقاء السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لصلاة الاستسقاء إذا دخل جماعة والإمام يخطب وقد صليت الركعتان، هل يصلونها أم يجلسون في الخطبة؟ وهل تقضى؟ الجواب إذا لم يدركوا صلاة الاستسقاء فقد فاتت، ولكنهم إذا جاءوا والإمام يخطب يصلون ركعتين تحية المسجد ثم يجلسون لاستماع الخطبة والتأمين على دعاء الإمام. السائل: أم يصلون جماعة؟ الشيخ: لا يصلونها جماعة؛ لأنها فاتت. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 24 حكم قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة بالقلب السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس في الصلاة يقرءون الفاتحة والأذكار بالقلوب ولا يقرءونها باللسان فهل تجزئهم؟ الجواب لا يصلح أن يقال قرأ فلان إلا بنطق، فأما إذا أمرها على قلبه فهذا لم يقرأ ولا تجزئه في الصلاة؛ لأنه ترك الفاتحة في الحقيقة، وترك التسبيح، وترك التكبير، لكن اختلف العلماء هل يشترط أن يسمع نفسه بمعنى أن يكون لحركات لسانه وشفتيه صوت يسمعه أو لا يشترط؟ والصحيح أنه لا يشترط أن يسمع نفسه لكن يشترط أن ينطق. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 25 تحديد مدة النفاس السؤال فضيلة الشيخ! إن من النساء من تسقط الجنين بعد مضي شهرين أو ثلاثة، وتترك الصلاة وغيرها وتعتبره نفاساً، فما حكم ذلك بعد مضي تقريباً ثلاثين سنة أو أقل بقليل أو أكثر بقليل، وما هي المدة التي تحدد النفاس؟ الشيخ: السؤال أوله فيه إبهام، كلمة تسقط الجنين يسقط الجنين من نفسه، أو تحاول إسقاطه؟ السائل: يسقط من نفسه بقضاء الله عز وجل. الشيخ: يقول العلماء رحمهم الله: إن النفاس لا يثبت إلا إذا تبين في الجنين خلق إنسان، يعني: إذا كان متميزاً يده ورجله ورأسه، فإنه إذا أسقط فإن الدم الخارج معه نفاس، وأما قبل التخليق فليس بنفاس، ومعلوم أنه لا يمكن التخليق قبل ثمانين يوماً لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك) يعني أربعين يوماً (ثم يكون مضغة مثل ذلك) ومعلوم أن المضغة كما قال الله عز وجل في القرآن: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج:5] . والمضغة لا يأتي طور الجنين إليها إلا بعد تمام ثمانين يوماً، فإذا كانت المرأة تعلم متى الحمل وأنه لم يمض عليه إلا أقل من ثمانين يوماً فليس بنفاس، والسؤال الآن يقول مضى شهران، والشهران ستون يوماً، وعلى هذا فيعتبر هذا الدم الذي حصل ليس دم نفاس ولا يلزمها إلا قضاء الصلاة، وإذا كانت جاهلة لا تدري فليس عليها شيء، لا قضاء ولا غيره. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 26 حكم إدخال الكتب التي تحتوي على صور إلى المساجد السؤال فضيلة الشيخ! مما لا يخفى عليكم أنه الآن قد اقترب الامتحان وكثر الشباب الذين يدرسون في المساجد، ومن المعروف خاصة في الابتدائي والثانوي والمتوسط وبعض الجامعات أنه يكون عندهم بعض الكتب التي تحوي الصور، فما حكم إدخال هذه الكتب إلى المسجد للدراسة؟ الجواب أما الصور الظاهرة البارزة كالتي تكون على الغلاف -مثلاً- فإنه لا يجوز أن يدخل بها المسجد؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإذا كانت الملائكة تتأذى من ريح البصل والكراث فتتأذى من هذه الصورة التي تمنعها -أي: تمنع الملائكة من دخول المسجد- أما إذا كانت خفية وليست مقصودة بذاتها فأرجو ألا يكون بذلك بأس؛ لأنها خفية داخل الكتاب، وأيضاً هي غير مقصودة وإن رأى الإنسان أن يفعل ما هو الأكمل والأفضل فليطمس على وجهها فإذا طمس على وجهها زال ما بها. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 27 ضابط التشبه بالكفار السؤال فضيلة الشيخ! يوجد نوع من القماش (الجينز) يفصل بطرق مختلفة لملابس الأطفال بنين وبنات يمتاز بالمتانة، والإشكال أن هذه الخامة يلبسها الكفار وغيرهم بطريقة البنطلون الضيق وهو مشهور معروف، والسؤال: هل استعمال هذا القماش بأشكاله المختلفة غير البنطلون الضيق بمعنى استعماله لمتانته وجودته؛ هل يدخل في التشبه وجزاكم الله خيراً؟ الجواب التشبه بمعناه أن يقوم الإنسان بشيء يختص بالمتشبه بهم، فإذا استعمل هذه القماشة أو غيرها على وجه يشبه لباس الكفار فقد دخل في التشبه، أما مجرد أن يكون لبس الكفار من هذا القماش ولكن يفصل على وجه آخر مغاير للباس الكفار فإن ذلك لا بأس به ما دام مخالفاً لطريقة الكفار، حتى لو اشتهروا بهذا القماش ما دام أن الهيئة ليست على هيئة ما يلبسه الكفار، فلا بأس. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 28 حكم الصلاة خلف الصف منفرداً قبل إتمام الصف الأول السؤال فضيلة الشيخ! رجل دخل في مسجد لصلاة المغرب فوجد المصلين في حالة ركوع، وكان جانب الصف من الجهة الأخرى لم يكتمل فصلى في الصف الثاني ولم ينتصف في الصف، فدخل بعده آخر فصلى بجانب الرجل جهلاً بحاله، فلما انتهت الصلاة أتى الإمام إليهما وسأل عن الأول، وقال: عليه إعادة الصلاة؛ لأنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، فما رأيكم في هذا أفادكم الله؟ الجواب رأيي في هذا أن الرجل الذي صف وحده خلف الصف مع وجود مكان له في الصف الذي أمامه أن صلاته باطلة، لاسيما إذا رفع من الركوع قبل أن يدخل معه أحد، فإن دخل معه أحد قبل أن يرفع من الركوع فقد صحح بعض أهل العلم صلاته، وقال: إن هذا الرجل أدرك جميع الصلاة مع الرجل الآخر الذي صف فتصح صلاته لكن من نظر إلى حديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) فإنه يظهر منه أن من كبر وحده بدون عذر فصلاته باطلة؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة. السائل: يا شيخ! وإذا كان لا يدري أن الصف لم يكتمل؟ الشيخ: الواجب عليه ألا يصف وحده حتى يتيقن أن الصف الذي أمامه قد كمل، كيف يأتي ويصف ولا يدري، لا بد أن يدري. السائل: وهل عليه إعادة الصلاة؟ الشيخ: ليس عليه إعادة الصلاة؛ لأنه جاهل بالحكم. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 29 حكم استقدام الخادمات المسلمات سواء بمحرم أو بغير محرم السؤال فضيلة الشيخ! أريد أن أسأل عن استقدام الخادمات المسلمات وقد حصل بعض النقاش بيني وبين بعض الشباب يريد استقدامهن؛ سواء كان معها محرم أو ليس معها محرم جزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً: لا بد أن نوجه نصيحة إلى إخواننا عموماً، وهو أنه لا ينبغي أن يستقدموا خادمات أو خدماً إلا عند الحاجة أو الضرورة؛ وذلك لأن هؤلاء الخدم إذا جاءوا فإنهم سوف يكلفون الإنسان نفقات لا حاجة له إلى إنفاقها ولا ضرورة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال. ثانياً: أن بعضهن غير مؤتمنات تلك الأمانة التي نثق بها، لهذا أقول: لا ينبغي أن نستقدم خدماً ولا خادمات إلا بشروط: فبالنسبة للمرأة أولاً: لا بد أن يكون معها محرم، فإن لم يكن معها محرم فإنه لا يجوز استقدامها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) فإذا استقدمتها وليس معها محرم فهذه مخالفة لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أن يكون محتاجاً إليها، فإن لم يكن محتاجاً إليها وإنما يقصد بذلك الترفيه وسقوط الكلفة ولو كانت يسيرة عن أهله ففي جواز ذلك نظر. ثالثاً: ألا يخشى الفتنة، فإن خشي على نفسه الفتنة أو على أحد من أولاده إن كان عنده أولاد فإنه لا يجوز أن يعرض نفسه لذلك. رابعاً: أن تلتزم ما يجب عليها من الحجاب بحيث تغطي وجهها ولا تكشفه، ولا يصح أن يستدل بقول الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] لا يصح الاستدلال بذلك على أنه يجوز للخادمة أن تكشف وجهها لمن هي عنده؛ لأن المستخدم لم يملكها وإنما هي أجيرة عنده، والأجيرة كالأجنبية في مسألة الحجاب. خامساً: ألا يخلو بها، فإن كان ليس عنده أحد في البيت فإنه لا يجوز أن يستقدمها مطلقاً، وإن كان عنده أحد في البيت وأهل البيت يذهبون عن البيت ويبقى وحده مع هذه الخادمة فإن ذلك لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) . وفي البيت أيضاً لا يخلو بها، وإذا تحقق هذا الشرط بألا يكون هناك خلوة لكن بقية الشروط هل إذا جاءت إليه تعطيه القهوة والشاي والغداء والعشاء وهي كاشفة أم لا؟ السائل: قد يحصل نزاع بين الأخوين ويقول الأخ الذي يريد خادمة لزوجته: أنا لا أريد البقاء مع إنسان لا يحبني ولا يقدرني ولا يطيعني، ثم يحصل نزاع وشقاق بينهم قد يصل إلى قطع الرحم؟ الشيخ: قطع الرحم ليس بلازم، فقد يخرج الإنسان عن البيت والصلة موجودة، فإذا كان أحدهما لا يرضى وقال: والله لا أرضى أن تكون في بيتي ونحن لسنا بحاجة لها، لا أرضى أن تكون في البيت وهي متكشفة، فله أن يخرج ولا يعد متسبباً بقطع الرحم، يخرج ويزورهم بين حينٍ وآخر. مادامت العلة في ذلك أن المرأة جاءت بلا محرم، وأنها ربما تنتهك الحجاب ولا تتحجب، فلا عليه شيء. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 30 مدى صحة القول بأن قول الزور من مبطلات الصيام السؤال فضيلة الشيخ! بعض أهل العلم يستشهد بقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) على أن قول الزور من مبطلات الصيام، فهل هذا في محله؟ الجواب هذا غير صحيح، وتوجيه الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإنسان ليصلي وما كتب له من صلاته إلا نصفها إلا ربعها إلا عشرها) وما أشبه ذلك، فالمراد أن الصوم الكامل هو الذي يصوم فيه الإنسان عن قول الزور والعمل به والجهد، أما الصيام فمعروف كما قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] . فهذا هو الصيام: أن يصوم عن هذه الأشياء وما شابهها، وأما الصوم عن القول المحرم والعمل المحرم فلا شك أنه أكمل وأفضل وهذه هي الحكمة من الصوم، ولكنه ليس شرطاً فيه، قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صيام، من يسلم من الغيبة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به) ما قال بطل صومه أو صيامه لا يقبل بل قال: (ليس لله حاجة) : يعني ليست هذه الحكمة من الصوم، الحكمة من الصوم أن يصوم عما حرمه الله. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 31 حكم إمامة الأعرج السؤال فضيلة الشيخ! يوجد إنسان حافظ للقرآن وهو إنسان أعرج وعليه جهاز هل تجوز إمامته عند الحاجة؟ الجواب نعم. يجوز للإمام أن يكون عاجزاً عن القيام والركوع والسجود؛ لأن صلاته تصح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلّى بأصحابه قاعداً فقاموا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما سلم أخبرهم بأن الإمام يؤتم به، وقال: (وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فالصواب أنه متى صحت صلاة الإنسان صحت إمامته. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 32 حكم ختانة النساء السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لختان المرأة هل هو على سبيل الوجوب أو على الندب؟ الجواب الصحيح من أقوال أهل العلم في مسألة الختان القول الوسط وأنه واجب على الذكور دون النساء، والفرق ظاهر؛ لأن قلفة الرجل لو بقيت لكان في ذلك ضرر عليه من حيث البول، وكان في ذلك أيضاً تلويث، يعني: البول يحتقن بين القلفة والحشفة بخلاف المرأة، فالصواب من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أنه واجب في حق الذكور سنة في حق النساء، وبعض العلماء يقول: إنه واجب على الجميع، وبعضهم يقول: ليس واجباً على الجميع بل هو سنة، والصواب الوسط أنه على الرجال واجب وعلى النساء سنة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 33 حكم تسمية البنات بأسماء من القرآن السؤال فضيلة الشيخ! كثر السؤال عن تسمية بعض الناس بناتهم بأسماء من القرآن مثل (بيان) وبعضهم يسمون (إيمان) فهل هذا صحيح أم لا؟ وهل يغير الاسم إذا كانت لا تصح التسمية بهذه الأسماء؟ الجواب نعم. الأصل في التسمية الإباحة إلا ما دل الدليل على كراهته بعينه أو بمثله -فمثلاً- اسم (برة) واسم (أبرار) ، واسم (إيمان) ، كل هذا ينهى عنه، يعني: يُغيَّر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم برة إلى زينب وإلى جويرية، وأما ما لا يشبه ذلك فلا بأس به -فمثلاً- (أفنان) ما فيه بأس، (أغصان) ما فيه بأس، (جنا) ما فيه بأس، أما (بيان) فلا أرى أن يسمى به وكذلك (إيمان) لأن فيه شيئاً من التزكية و (أبرار) كذلك. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 34 حكم التصوير الفوتغرافي السؤال فضيلة الشيخ! يوجد أحد الشباب أشكل عليه أمر التصوير إشكالاً كبيراً، ويقول: هناك أحاديث صريحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتحريمها وإنه جائز في حال الضرورة وعنده إشكالات كثيرة نريد بسطها؟ الجواب الواقع أنه ليس هناك إشكال؛ لأن التصوير الذي كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيه مضاهاة لخلق الله؛ ليس عندهم آلات تعكس الصورة، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يرسمون باليد، والراسم باليد مضاهٍ لخلق الله، لأن هذا عمله بيده هو الذي قدر العين، قدر الأنف، قدر الشفتين وما أشبه ذلك فيكون مضاهياً لخلق الله، وأما في وقتنا الحاضر فإن المصور لا يفعل هذا، ولا يصور بيده، وإنما ذلك بآلة تنعكس على ما أمامها سواء كان رجلاً أو حيواناً أو شجراً أو أي شيء فيطبع فيها، لكن الإنسان ليس له عمل في تخطيطها وتكييف عينيها وشفتيها وأنفها، فليس هذا من التصوير في شيء. فلا إشكال عليك أبداً، استعن بالله لكن لا تعملها على وجه العبث أو الذكرى أو ما أشبه ذلك، ولكن يتوقف عليها أن يدخل الإنسان المدرسة -مثلاً- أو يتوظف في وظيفة ينفع المسلمين بها أو أن يسافر لحاجة فلا إشكال فيها. الآن لا ينضبط الناس إلا بالصورة، وإلا كان كل إنسان يأتي يزور عليك ويقول: أنا فلان الفلاني وليس هو كذلك. السائل: ولكن تحريم التصوير في الأحاديث أطلق ولم يقيد؟ الشيخ: لا. وصفهم بأنهم يضاهون بخلق الله وهذا تقييد. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 35 حكم ترك الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية السؤال فضيلة الشيخ! إمام كبر لصلاة المغرب ونسي أنه إمام، سها بأمر أشغله ثم قرأ الفاتحة وشرع في السورة التي بعد الفاتحة سراً، ثم تذكَّر ثم أعاد قراءة الفاتحة، فالسؤال يا شيخ! لو قدر أنه كبر وهو إمام ولم يقرأ سورة الفاتحة جهراً فماذا على المأمومين؟ الجواب ليس عليهم شيء، غاية ما هنالك أنه لم يجهر بالقراءة والجهر بالقراءة سنة ليس واجباً، ولو تركه الإنسان عمداً فلا شيء عليه. السائل: المأمومون لم يسمعوا قراءة الفاتحة ولم يقرءوها؟ الشيخ: المأموم لابد أن يقرأ الفاتحة حتى في الصلاة الجهرية؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) . السائل: هم ينتظرون من الإمام أن يقرأها حتى يقرءوا بعده؟ الشيخ: هذا غريب منهم، فكيف ينتظرون هذه المدة الطويلة ولم ينتبهوا، فالظاهر أنه غشيهم أيضاً النسيان. على كل حال: من صلى ولم يقرأ الفاتحة يجب عليه إعادة صلاته ولو بعد سنين أو أشهر، فلا بد من الإعادة. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 36 وقت النهي عن التحلق يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للنهي عن التحلق يوم الجمعة هل يقصد به قبل الصلاة مباشرة أو بعد صلاة الفجر؟ الجواب الظاهر أن التحلق قبل أن يحضر الناس إلى المسجد لا بأس به، وإنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا يضيقوا على الناس الذين يأتون الصلاة، وغالباً بعد الفجر لا يوجد أناس. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 37 حكم سفر الخادمة بدون محرم السؤال إذا كانت الخادمة جاءت مع عائلة -مثلاً- وهي بدون محرم هل يجوز ذلك؟ الجواب هذا لا يجوز ولابد من محرم، المرأة لا يمكن أن تأتي إلا بمحرم. الجزء: 16 ¦ الصفحة: 38 لقاء الباب المفتوح [17] فسر الشيخ في مستهل هذا اللقاء آيات من سورة النازعات، وضمن إيضاحه لمعانيها تكلم عن: مصير الإنسان وما سيلاقيه، وتذكره لما عمل من خير وشر، وأنه مكتوب، وتحدث عن أنواع وأقسام النفس، وبعد ذلك ركز على نصيحة حول سوء الخاتمة، وحسن الخاتمة والحرص على أن يموت الإنسان والله راضٍ عنه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النازعات الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اليوم الذي نلتقي فيه بإخواننا في هذا الشهر، كما هو مقرر في كل يوم خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها لقاءات مباركة، ونبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل وقد بدأنا من سورة النبأ إلى آخر القرآن، ووقفنا على قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. } [النازعات:27-28] إلى آخر السورة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها) يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده يقول: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] وأراد بهذا الاستفهام تقرير إمكان البعث؛ لأن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالبعث، وقالوا: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] ؟ فيقول الله عز وجل: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ} [النازعات:27] والجواب معلوم لكل أحد أن السماء أشد خلقاً، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57] . (بناها) هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارئ إذا قرأ أن يقف عند قوله: {أَمْ السَّمَاءُ} [النازعات:27] ثم يستأنف فيقول: {بَنَاهَا} [النازعات:27] فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء، (بناها) أي: بناها الله، وقد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى في سورة الذاريات أنه بناها، فقال: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] أي بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (رفع سمكها فسواها) قال تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات:28] (رفع) أي: عن الأرض، ورفعها عز وجل بغير عمد، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] (فسواها) أي: جعلها مستوية وجعلها تامة كاملة كما قال تعالى في خلق الإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6-7] أي: جعلك سوياً تام الخلقة، فالسماء كذلك سواها الله عز وجل. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها) قال تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:29] أغطشه، أي: أظلمه، فالليل مظلم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] . {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:29] فالشمس تخرج كل يوم من مطلعها وتغيب في مغربها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:30-33] . (وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ) أي: بعد خلق السماوات والأرض (دَحَاهَا) وبين هذا الدحو بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:31-32] وكانت الأرض مخلوقة قبل السماء كما قال الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:9-12] . فالأرض مخلوقة قبل السماء، لكن دحوها وإخراج الماء منها والمرعى كان بعد خلق السماوات: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:31-32] أي: جعلها راسية في الأرض تمسك الأرض لئلا تضطرب بالخلق {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:33] أي: جعل الله تعالى ذلك متاعاً لنا نتمتع به فيما نأكل ونشرب، ولأنعامنا، أي: مواشينا من الإبل والبقر والغنم وغيرها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الطامة الكبرى) ولما ذكر الله عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته، ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لا بد منه، فقال عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [النازعات:34] وذلك قيام الساعة، وسماها طامة؛ لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها، (كبرى) أي: أكبر من كل طامة {فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34-35] بيان لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى، وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، يتذكره، ويجده مكتوباً عنده يقرأه بنفسه، قال الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] إذا قرأه تذكر ما سعى، أي: ما عمل، أما اليوم فإنا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح ومنها اللغو ومنها السيئ، لكن كل هذا نُسي، وفي يوم القيامة يُعرض علينا هذا في كتاب، ويقال: {اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:14] أنت بنفسك: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] فحينئذٍ يتذكر الإنسان ما سعى {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وبرزت الجحيم لمن يرى) ثم قال: {وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36] أعاذنا الله وإياكم منها، (وبرزت) أظهرت، تجيء وتقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، إذا ألقي فيها الظالمون في مكان ضيق مقرنين، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} [الفرقان:13] وتأتي جهنم وتبدو -والعياذ بالله- لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود، ولهذا قال: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39] هذان الوصفان هما وصفان لأهل النار، الطغيان وهو: مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وكونها أكبر هم للإنسان، فإذا قال قائل: ما هو الطغيان؟ قلنا: الطغيان مجاوزة الحد كما ذكرناه آنفاً، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي؛ فأنت مخلوق لعبادة الله لا لتأكل وتتمتع وتتنعم كما تتمتع الأنعام، فاعبد الله عز وجل فإن لم تفعل فقد طغيت، وهذا هو الطغيان. وقوله: {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النازعات:38] هما متلازمتان، فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له: اذكر الله آثر اللهو على ذكر الله وهكذا، وقوله: {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:39] أي: هي مأواه، والمأوى هو: المرجع والمقر، وبئس المقر مقر جهنم أعاذنا الله وإياكم منها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:40] أي: خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه، ويقول: عملت كذا وعملت كذا، كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا أقر قال الله له: (قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) هذا الذي خاف هذا المقام {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى} [النازعات:40] أي: عن هواها، والنفس أمارة بالسوء، لا تأمر إلا بالشر، ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي النفس المطمئنة؛ لأن للإنسان ثلاثة أنفس: مطمئنة، وأمارة، ولوامة، وكلها في القرآن. أما المطمئنة: ففي قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30] . وأما الأمارة بالسوء: ففي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53] . وأما اللوامة: ففي قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1-2] . والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس، يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير ويفعله، هذه هي النفس المطمئنة، ويرى أحياناً في نفسه نزعة شر فيفعله، هذه هي النفس الأمارة بالسوء. تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل، فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير -والعياذ بالله- فإن من الناس من يلوم نفسه على فعل الخير، وعلى مصاحبة أهل الخير، ويقول: كيف أصحب هؤلاء الذين يصدوني عن حياتي وشهواتي وعن الهوى وما أشبه ذلك. فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء، وتلوم المطمئنة تارة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين، تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء وتُنَدِّم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير -نسأل الله العافية- يقول الله عز وجل: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41] الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] هكذا جاء في القرآن وجاء في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت كيف ذلك؟ إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروج وقالت: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله، وتبشر النفس بالجنة، قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} [النحل:32] متى يقولون؟ حين الوفاة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] فيبشر بالجنة، فتخرج روحه راضية متيسرة سهلة، ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت، قال: ليس الأمر كذلك) كلنا يكره الموت هذه طبيعة، ولكن المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله، أحب الموت، وسهل عليه، وأن الكافر إذا بشر بما يسوءه -والعياذ بالله- عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه، وتفرقت في جسده، حتى ينتزعها منه كما ينتزع السفود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جر عليه السفود -وهو معروف عند الغزَّالين- يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه. هكذا روح الكافر -والعياذ بالله- تتفرق في جسده؛ لأنها تبشر بالعذاب فتخاف، ولهذا يوجد بعض الناس -والعياذ بالله- يسود وجهه، ولونه في الحياة أحمر، وحدثني من أثق به -وأقسم لي أكثر من مرة- وهو ممن يباشرون تغسيل الموتى، يقول: والله مرت عليّ حالتان لا أنساهما أبداً، غسلت اثنين بينهما زمن، يقول: الوجه أسود مثل الفحم -والعياذ بالله- والبدن طبيعي؛ لأنه يبشر بما يسوءه، والإنسان إذا بشر بما يسوءه تغير. فالجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقلت: إن الإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به، ولا يخفى علينا ما جاء في السيرة النبوية أن أنس بن النضر رضي الله عنه قال: (والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد) وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، إنما هو وجدان حقيقي -كما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من أن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدنيا- ثم انطلق أنس فقاتل وقتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) ثم قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [النازعات:42] (يسألونك) أي: يسألك الناس، كما قال تعالى في آية أخرى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وسؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين: سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر، كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18] . وسؤال عن الساعة للاستعداد لها، وهذا لا بأس به، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال له: ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: المرء مع من أحب) فالناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ولكن مهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله، ولهذا قال: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} [النازعات:43-44] أي: أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لماذا؟ لأن علمها عند الله، كما قال الله تعالى في آية أخرى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وقد سأل جبريل -وهو أعلم الرسل من الملائكة- النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أعلم الخلق من البشر- فقال: (أخبرني عن الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: إذا كانت خافية عليك فأنا أيضاً خافية عليَّ، وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما؟ وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا، وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنهم كَذَبَة في ذلك؛ لأنهم لا يعلمون متى الساعة، ولا يعملها إلا الله عز وجل. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر من يخشاها) قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:45] أي: ليس عندك علم بها ولكنك منذر، (من يخشاها) أي: يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفعه: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] ولهذا نقول: أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال، هذا أمرٌ مفروغ منه ولا بد أن يكون، ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً، بل كما قال تعالى هنا: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ولكن السؤال الذي يجب أن يَرِدَ على النفس، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو: على أي حال تموت؟! لا أريدك أن تسأل: هل أنت غني أو فقير؟ قوي أو ضعيف؟ ذو عيال أو عقيم؟ بل: على أي حال تموت من حيث العمل، فإذا كنت تسأل نفسك هذا السؤال فلا بد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفاجئك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورُجِعَ به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول: هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولا يأكله، وكم من إنسان لبس قميصاً وزرَّ أزرته، ولم يفكها إلا الغاسل قبيل أن يغسله، هذا أمر مشاهد لكل أحد، بحوادث. !! بغتة على أي حال، فينبغي أن تنظر الآن، وتفكر على أي حال تموت؟ نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التوبة والإنابة. ولهذا ينبغي أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه؛ لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى، واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:105-106] . وهذا استنباط جيد يمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] والاستغفار من الهدى، لذلك أوصي نفسي وإياكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار ومحاسبة النفس، حتى نكون على أهبة الاستعداد لما نخشى أن يفاجئنا من الموت، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (كأنهم يوم يرونها) قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] العشية: من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى: من طلوع الشمس إلى زوالها، أي: كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم وهذا هو الواقع، لو سألت الآن: كيف ما مضى من السنوات علينا؟ هل نشعر الآن بأنها سنوات أو كأنها يوم واحد؟ كأنها يوم واحد لا شك، والإنسان الآن بين ثلاثة أشياء: يوم مضى فهذا قد فات، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أم لا يدركه، ووقت حاضر وهو المسئول عنه، أما ما مضى فقد فات وهلك عنك، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسئول عنه. أسأل الله تعالى أن يحسن لي ولكم العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة، وخاتمتنا سعيدة، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 13 استغلال فرصة الإجازة للدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! كما تعلم في آخر الشهر القادم ستبدأ إجازة الربيع، ويا حبذا لو رغبت طلاب الجامعة والمدرسين في الدعوة إلى الله، ومحادثة الناس في الشمال والجنوب، حتى أني أذكر أني حملت رجلاً قبل أيام من بعض القرى، فأردت أن أقرأ أنا وإياه بعض قصار السور، وقرأ الفاتحة فلم يحسن قراءتها، فتعجبت منه! وقلت له: يا أخي! إذا رجعت القرية جزاك الله خيراً تحاول أن تقرأ على إمام القرية، فقال: أنا إمام القرية، وهو لا يحسن الفاتحة، فحبذا التنبيه على فضل الدعوة إلى الله؛ لأن بعض الناس يذهبون إلى البر وهذا مباح، ولكن أيهما أفضل: الخروج إلى هذه البراري أم الدعوة إلى الله، جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا شك أن هذا توجيه مهم من الأخ، وذلك أن الناس في أيام إجازة الربيع الكثير منهم يخرج إلى البر للنزهة والأنس بأصحابه وإخوانه، وهذا من الأمور المباحة لكن ينقسم الناس في هذا الخروج إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: يكتسبون به إثماً، فتجد عندهم من آلات اللهو والموسيقى، والأغاني والألعاب المحرمة التي يحصل فيها شر، ويكون ذلك وبالاً عليهم. القسم الثاني: يقضون الوقت في اللغو واللهو وإن لم يصل إلى درجة التحريم. القسم الثالث: من يستغله في الدعوة إلى الله، يكون إذا بقي في مخيمه يتلو كتاب الله، يقرأ في كتب التفسير وكتب الحديث، ويتجول بين المخيمات للدعوة إلى الله عز وجل والترغيب والترهيب، ويهدي الله به بشراً كثيراً، والحازم العاقل هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 14 حكم المسح على الجوربين في وضوء تخفيف الجنابة السؤال فضيلة الشيخ! هل يجزئ في وضوء تخفيف الجنابة المسح على الجوربين حتى يمكث في المسجد مع بقاء مدة المسح أم أنه لا بد من غسل القدمين؟ الجواب نعم. هذا سؤال جيد، يقول: وضوء تخفيف الجنابة هل يجزئ إذا مسح على الجوارب مع بقاء مدة المسح أو لا بد أن يخلعها ويغسل قدميه؟ والجواب: يكفي إذا مسح على الجوارب؛ لأنه وضوء يبيح الصلاة له، فإذا كان يبيح الصلاة له إذا كان على غير جنابة، فكذلك يخفف في الجنابة. أما المكث في المسجد فلا يجوز إلا إذا توضأ، وإذا كان لابساً جورباً ومسح عليه هل يكفي أو لا بد أن يخلع الجورب ويغسل قدميه؟ فالجواب: أنه يكفي؛ لأن هذه كيفية الوضوء الشرعي الذي يبيح الصلاة، فإذا استدل أحدهم بحديث صفوان بن عسال أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (امسحوا عليهما إلا من جنابة) تقول له: هذا في الاغتسال، فإذا أراد أن يغتسل لا بد أن يخلع الجوارب. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 15 أجر الداعية إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! سمعنا من بعض المشايخ أن الإنسان إذا مشى بفكر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي نيته أن يهتدي كل العالم ويدخل في الدين، ويمشي بالفكر والهم لهذه الأمة، فكل من دخل في هذا الدين يكون له نصيب في الأجر، وهذا الشخص خرج للدعوة إلى الله، ولكن لم يذهب إلى جميع البلاد، ولكن نيته أن يهتدي العالم كله، فهل كل من دخل في الدين له بدخوله أجر وثواب؟ الجواب لا. إذا لم يكن للإنسان أثر في إدخال غيره في دين الله فليس له أجر، الأجر إنما يكون على من دل على خير وأعان عليه، أما من نوى الخير فله -لا شك- أجر النية بأنه يحب أن الله يهدي الخلق، ولكنه لا يكتب له أجر كل من آمن. السائل: فضيلة الشيخ! هم يستشهدون بالحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً بـ المدينة ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم) وفي رواية: (لهم الأجر) أي: أن الله كتب لهم الأجر على نيتهم أن يكونوا مع الرسول في هذه الغزوة؟ الشيخ: نعم. بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حبسهم العذر، فهم لولا العذر لخرجوا مع المجاهدين فيكتب لهم أجر هذا العمل، ولكنهم لم يدركوه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 16 حكم الاستدانة للفدية في الحج السؤال فضيلة الشيخ! حاج ضاعت نفقته هل عليه أن يستدين للفدية؟ الجواب إذا ضاعت نفقة الحاج فإنه ليس عليه أن يستدين للفدية، ولكن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع؛ أما إذا ضاعت نفقته ويحتاج إلى نفقة خاصة مثل الأكل والشرب وما أشبه ذلك، فهذا لا بد أن يستدين إذا لم يكن لديه شيء، إلا من عَلِمَ بحاله وأعطاه من الزكاة أو صدقة تطوع فهذا طيب. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 17 الجمع بين العمرة عن الشخص وعن الميت في وقت واحد وحكم عمرة الصغير السؤال فضيلة الشيخ! معتمر يريد أن يعتمر عن ميت، هل له أن يشرك نفسه في الثواب؟ وإذا اعتمر لصبية صغار ونوى هو أجرهم للميت هل يكون ذلك؟ الجواب هذان سؤالان في سؤال. أما المسألة الأولى: فإنه لا يصح أن ينوي نسكاً واحداً عن اثنين؛ لأن النسك لا يجزئ إلا عن واحد، كما لو أردت أن تصوم قضاءً عن نفسك وعن ميت فإنه لا يصح. وأما المسألة الثانية: فإن ثواب الأولاد لهم؛ لأن الصبي الذي لم يبلغ يكتب له الثواب، ولا يكتب عليه العقاب، لكن لك أجر لكونك أحرمت بهم، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرأة التي رفعت إليه الصبي وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) أي: الحج للصبي وأنتِ لك أجر، أما ما اشتهر عند العامة أن أجره يكون لأبيه أو لأمه أو لمن حج به فهذا لا أصل له. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 18 الجمع بين تربية الأبناء وحج التطوع السؤال فضيلة الشيخ! شخص يسأل أن له أولاداً يشغلونه عن التطوع في الحج ويخشى عليهم من نقص الأخلاق في أثناء أداء حج التطوع، فهل ترى له عذراً في ذلك أم لا؟ الجواب لا شك أن تربية أولاده واجبة، وحج التطوع ليس بواجب، وكذلك عمرة التطوع، فإذا كان يخشى على أولاده من الضياع إذا ذهب لأداء العمرة في رمضان -مثلاً- أو الحج فإنه لا يجوز أن يذهب للحج؛ لأنه مسئول عن أهله سؤالاً مباشراً، والحج الذي أتكلم عنه حج التطوع. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 19 مسافة القصر في السفر السؤال فضيلة الشيخ! في الأسبوع قبل الماضي سأل أحد الإخوان، فقال: إنه يذهب (70 كم) ويرجع، فهل عليه قصر أم لا؟ فأفتيته بأنه ليس عليه قصر، بسبب أنه لا يحتاج إلى مئونة وطعام، فما رأيكم: اليوم يستطيع الإنسان أن يذهب إلى الرياض أو الدمام، ويرجع في يوم ولا يحتاج إلى مئونة سواء بالسيارة أو بالطائرة، أرجو التفصيل لدفع الالتباس، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب العبرة بالعادة وليس بالفعل، العادة أن من ذهب إلى (70كم) ورجع في يومه لا يستعد له استعداد السفر، لكن من ذهب إلى الرياض أو إلى مكة من القصيم فالعادة أنه يستعد له، هذه العادة، يشدون الرحال ويأتون بالأزواد وبالمياه وبالقرب، لكن كونه الآن بالطائرات ليس بعبرة، العبرة بما كان الناس عليه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن مثل هذا السفر يستعدون له، الآن ربما يذهب الإنسان إلى أبعد من الرياض إلى أماكن بعيدة ليس معه إلا الدراهم فقط، يجد الطعام هناك أمامه في الفنادق وغيرها، ولا يحمله، ولكن العبرة بالأول، قديماً كان الناس إذا ذهبوا إلى مكان قريب (70 كم) -مثلاً- ورجعوا في يوم أنهم لا يستعدون لهذه المدة، ولا يقال: إن فلاناً مسافر، ولكن إذا أراد أن يسافر إلى محل آخر أو إلى (70 كم) ويبقى يومين أو ثلاثة، فإن هذا يستعد له. فالمسألة في الحقيقة كما سمعت الآن مني، هذا قول بعض العلماء، بعض العلماء يقول مسافة القصر محدودة لا ترجع للعرف، إذا بلغ (81 كم) أو أكثر قليلاً فهذه مسافة قصر، وإذا كان دون ذلك فليست مسافة قصر، ولكن هذا ليس عليه دليل، ولهذا أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: العبرة بما يسمى سفراً. الآن -مثلاً- إذا ذهب الإنسان إلى الرياض صباحاً ورجع وقت العصر قال الناس: إنه مسافر، ولكنه لو ذهب إلى الرس من عنيزة ورجع في يومه لم يقل الناس: هذا مسافر. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 20 حكم تأخير إنكار المنكر لأجل الدعوة السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض المسلمين من أصحاب المعاصي نزورهم بنية الدعوة إلى الله عز وجل، لكن هؤلاء لا يحضرون مجالس الذكر وهم بعيدون عن الله عز وجل، ونجد عندهم بعض المنكرات وأحياناً يريدون أن يختبرونا بأن يفتح أحدهم أغانٍ في وجودنا، ونحن لا ندعوهم أمام الناس، بل نأتيهم إلى بيوتهم، ونحاول أن نكسب قلوبهم في البداية بتكرار الزيارات، ووجدنا حسب التجارب أننا إذا بدأناهم بإنكار المنكر يفرون منا ولا يجالسوننا، ولكن بفضل الله عز وجل نصبر على ذلك، وإن سمعنا أحياناً بعض المنكرات، ولكن بعض الإخوة ينكرون يقولون: لا بد أن تنكروا المنكر، فهل ننكر المنكر مباشرةً أو نصبر بنية الدعوة إلى الله عز وجل؟ الجواب منكر المنكر هو مثل الطبيب، لو أن الطبيب أتى على جرح وشقه مباشرة ليستخرج ما فيه فربما يتولد ضرر أكبر، ولكن لو أنه شقه يسيراً يسيراً وصبر على ما يشم منه من رائحة منتنة لحصل المقصود، فأنتم ما جلستم مع أهل المنكر رغبة فيما هم عليه من المنكر، وإنما جلستم من أجل الدعوة إلى الله، وفي ظني أن كل إنسان عنده عقل مميز إذا جلس إلى جانبه صاحب خير فإنه سوف يقلع عن المعصية التي هو عليها، وربما يكابر أو يعاند فيبقيها أو يزيدها كما قلتَ، ولكن اصبرْ فإذا عرفت أنه ليس فيه رجاء فحينئذ لا تجلس معه، ويجب حينئذٍ أن تفارقه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 21 حكم اللقطة في الحرم السؤال فضيلة الشيخ! إنسان وجد لقطة وهو داخل مكة في طريق السيل الكبير، ما رأيك هل يدعها في مكانها أم يأخذها معه ويرجع إلى القصيم -مثلاً-؟ الشيخ: هل وجدها قبل دخول الحرم أم بعد دخول الحرم؟ السائل: قبل دخول الحرم. الجواب هذه مثل غيرها من اللقطات إن شاء أخذها إن أمن نفسه عليها، وعلم أنه سوف يعرّفها فليأخذها؛ لأن ذلك خير، وأما إذا كان يخشى ألا يعرفها أو لا يأمن نفسه عليها فإنه لا يأخذها ويتركها. السائل: إذا كانت شيئاً قليلاً مثلاً (10) أو (20) ريالاً؟ الأشياء الصغيرة مثل (10) ، (20) ، (50) ريالاً حسب عرف الناس هل يهتم بها أوساط الناس؟ الظاهر أنه لا يُهتم بها، والشيء الذي لا يُهتم به ولا يُظن أن صاحبه يرجع يبحث عنه يملكها بمجرد الالتقاط ولا يحتاج إلى تعريف. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 22 المسح على الجوربين السؤال إذا توضأ الإنسان ثم لبس الشراب، وبعد أن مسح عليه احتاج إلى شراب آخر يلبسه، فهل يمسح على الشراب الثاني، وكذلك العكس إذا كان عليه جوارب عدة بعضها على بعضها، فاحتاج إلى نزع أحدها فكيف يكون البناء على المسح؟ الجواب أما المسألة الأولى: إذا احتاج أن يلبس ولبس الزيادة على طهارة فلا بأس، فيمسح عليها، ولكن يعتبر المدة من مسح الأول، فلو مضى -مثلاً- يوم وبقيت ليلة على المقيم، فلبس فوق الأول على طهارة، فإنه لا يمسح الثاني إلا بقية الليلة فقط. أما العكس إذا مسح الأعلى ثم أراد أن يخفف وخلعه فإنه يخلع الثاني إذا أراد أن يتوضأ ويغسل الرجلين؛ لأنه خلع الممسوح، وإذا خلع الممسوح بطل المسح. أما إذا توضأ الإنسان ومسح على الجورب ثم احتاج إلى زيادة، ولبس الجورب الثاني على طهارة بعد أن مسح الأول وهو طاهر فإنه يمسح على الثاني وليس فيه بأس، لكن يمسح عليه بقية المدة، لا يبدأ من جديد، والمثال كما قلت: إنسان -مثلاً- لبس جوارب في الفجر ومسح عليها الظهر والعصر والمغرب، ثم مسح عليه ولبس الجورب الثاني هل يبتدئ يوماً وليلة من جديد أو يكمل الليلة الماضية؟ الجواب أنه يكمل اليوم والليلة الماضية، أما الآن فيمسح ولو لم يبق من المدة إلا وقتاً واحداً، أما العكس كما لو كان لبس اثنين، ولما مضى نصف يوم خلع الذي كان يمسحه، فهنا يجب أن يتوضأ للصلاة بدون خف، أي: يخلع الجورب، والفرق بينهما أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 23 معنى إحصاء الأسماء الحسنى السؤال ما صحة حديث: (من أحصى أسماء الله الحسنى دخل الجنة) وكيف يحصيها، وكيف يدخل بها الجنة؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) هذا ثبت في صحيح البخاري وغيره، ومعنى إحصائها: أن يعرفها لفظاً ومعنى، ويتعبد لله بها، ليس إحصاؤها أن تتغيبها فقط، لابد أن تحفظها وتعرف معناها وتتعبد لله بها، أي: بما تقتضيه هذه الأسماء -فمثلاً- إذا علمت أن الله (غفور) فإنك تتعرض للمغفرة فتستغفر، وتفعل العبادات التي تكون سبباً لغفران الذنوب. وإذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى (عليم) لا تفعل شيئاً يبغضه؛ لأنه عالم بك. وإذا علمت أنه يراك فإن مقتضى هذا الإيمان بأن الله يراك ألا تعمل عملاً سيئاً؛ لأنه يراك ولو كنت في أقصى بيتك. وإذا علمت أن الله (سميع) فإنك لا تُسمِع الله شيئاً يغضبه. فإحصاؤها ليس بمجرد أن تحفظها؛ لأن هذا سهل لكنَّ إحصاءها معرفتها لفظاً، أي: حفظها، ومعرفة معناها، والتعبد لله بها، فالإنسان إذا فعل هذا أحصاها لفظاً، وفهمها معنى، وتعبد الله بها فهذا هو الدين، ومن دان لله بهذا أدخله الله الجنة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 24 حكم الاجتماع للتعزية السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يجتمعون في البيت ينتظرون الذين يأتون للعزاء، فهل هذا صحيح أم فيه شيء؟ الجواب هذا غير صحيح، وهو من البدع، فإن السلف الصالح لم يكونوا يفعلون هذا، بل الشخص يبقى في بيته، وإذا خرج ووجده أحد في السوق عزاه، والتعزية ليست تهنئة يتبادر إليها الناس، ويذهبون إليها، ويسهرون الليل من أجلها، التعزية هي: التسلية والتقوية، وإذا رأيت المصاب فاجلس عنده، أو كلمه وأنت في السوق، وقل: اصبر واحتسب، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، اجعله يطمئن فقط، ليس المقصود بالتعزية أنك تجيء تعلله وتؤنسه كأنك في نزهة، هذا العمل في الحقيقة ينسي الآخرة وينسي الثواب وينسي الأجر، ولذلك تجد الذين يعزون يأتون للإيناس فقط، ولا تجد منهم تذكيراً للمعزى بأن الإنسان يؤجر على الصبر وما أشبه ذلك، إنما يجيئون من أجل إيناس صاحبهم فقط. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 25 حكم المكث عند القبر بعد الدفن السؤال فضيلة الشيخ! بعد دفن الميت هناك حديث يقول: يبقى قدر ما يذبح البعير، فما معنى ذلك؟ الجواب هذا أوصى به عمرو بن العاص رضي الله عنه، قدر ما تنحر الجزور ويقسم لحمها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه الأمة ولم يفعله الصحابة فيما نعلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) هذا هو المشروع، فيقف على القبر ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له ثم ينصرف، أما المكث عنده فليس بمشروع. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 26 حكم العقيقة، والهدية للكافر السؤال فضيلة الشيخ! حبذا لو أتحفتنا ببعض أحكام العقيقة: تسميتها، ووقتها، وهل يعطى الأغنياء منها، وهل يجوز إعطاء الكافر منها، وهل الأفضل توزيعها أو عمل وليمة؟ الجواب العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها ويوزع على الأغنياء هدية وعلى الفقراء صدقة. السائل: هل يجوز أن يعطى الكافر منها؟ الشيخ: الكافر يتصدق منها عليه إذا كان لا ينال المسلمين منه ضرر، لا منه ولا من قومه، لقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] أي: لا ينهاكم عن برهم، بروهم أي: تصدقوا عليهم، ليس هناك مانع أن تبروهم وتقسطوا إليهم، فالبر إحسان، والقسط عدل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 27 حكم الصلاة إلى المدفأة السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يتورع أن يصلي أمام المدفأة فهل هذا صحيح؟ الجواب الصحيح أنه لا بأس بذلك، وما علمنا أن أحداً كرهه من أهل العلم، وإنما كره بعض العلماء استقبال النار التي تتوهج ولها لهيب، وعللوا كراهيتهم لذلك بأن وقوفهم بين يدي النار يشبه وقوف المجوس الذين يعبدون النار، فأما هذه الدفايات فليست كنار المجوس، وإذا قلنا بهذا لقلنا حتى النجفات لا نضعها في الجدران وتزال من المسجد إذا كانت في القبلة؛ لأنها نار، وما زلنا نذكر عن علمائنا أنهم كانوا يأتون بالمباخر ويضعونها أمام الناس بين يدي الصفوف، ثم إن المدفأة هذه إنما تكون بين يدي المأمومين لا بين يدي الإمام، والذي يؤثر هو ما يكون بين يدي الأمام، لو قلنا: أنه مكروه؛ لأن المأمومين تبع لإمامهم، ولهذا لا يشرع لهم اتخاذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، المهم أنه ليس في النفس شيء، ولا بأس بها. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 28 حكم الصلاة خلف إمام عاص ٍ السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الصلاة خلف إمام مُرابٍ ومُسبِل؟ الجواب الصلاة خلف الإمام المرابي والمسبل صحيحة، لكن إن تيسر لك أن يؤمك متقٍ صاحب دين فافعل وإلا فصل خلف إمام عاصٍ، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف أنه ظالم، قَتَّال للنفوس، ومع هذا صلوا خلفه، وكان ابن عمر وهو من أزهد الناس وأورع الناس يصلي خلفه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 29 حكم قراءة سورة (يس) على الموتى السؤال فضيلة الشيخ! ما صحة الحديث الذي يقول: (اقرءوا يس على موتاكم) وبعض الناس يقرءونها على القبر؟ الجواب (اقرءوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يُقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح؛ لأن فيها قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] فتُقرأ عند المحتضر، هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 30 حكم العمل باسم شخص آخر السؤال فضيلة الشيخ! عندنا أحد المحسنين قام ببناء مسجد، وأتى بإمام على نفقته، ولكن هذا الإمام لم يتمكن من أن يكون إماماً رسمياً، وهو حافظ للقرآن، ويعمل في الجمعية الخيرية، ولكن يوجد حل آخر وهو أن يأتي باسم شخص سعودي ويتم التفاهم بينه وبين هذا الشخص السعودي، هل هذا العمل صحيح وجزاك الله خيراً؟ الشيخ: أنا أسألك هل هذا كذب أو صدق؟ السائل: هذا في الظاهر كذب. الجواب هذا كذب ظاهر على كل حال، والجهات المسئولة إن كانت قالت لك ذلك فقد ظلمت نفسها، وظلمتك، وخانت الدولة؛ لأن الواجب على المسئول أن يمشي على ما رسم له في حدود ما شرع الله، وإن كان لا يعجبه، ولا مانع أن يبدي رأيه للجهات المسئولة إن كان لديه رأي، ولكن كونه يخادع ويكتب في المحاضر أن العمل باسم سعودي، والحقيقة أنه غير سعودي هذا فيه خيانة للدولة، وكذب وأكل للمال بالباطل، فلا يجوز أبداً للإنسان أن يتستر ويكتب الوظيفة باسم غيره لأجل أن يأخذها هو. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 31 حكم بطائق الائتمان البنكية السؤال فضيلة الشيخ! هناك بطاقات ائتمانية تصدرها بعض البنوك وشركات الصرافة، هذه البطاقة يستفاد منها عند السفر للخارج يسدد بها حساب البنوك أو بعض المشتروات من الأسواق، فعندما تأتي الفواتير تخصم من حسابه في البنك أو الشركة، وأحياناً يكون رصيده لا يغطي فيبقى عليه مبالغ للبنك، فالبنك يتحصل عليها فوائد ربوية بنسب معينة، أحياناً تكون عن غير قصد من هذا الشخص فما حكمها؟ وماذا يعمل من حدث له ذلك في السابق؟ الجواب هذه المعاملة حرام؛ لأنها معاملة على التزام الربا، وهو إن كان يدفع قبل أن يحل عليه الربا، لكنه قد دخل على التزام الربا فهي حرام، ومن وقعت منه وكان هو المستفيد فالزائد الربوي هذا يتصدق به بنية التخلص منه، وإذا كان هو المظلوم والذي أخذ منه ظالم فتوبته تكفي؛ لأنه مظلوم وليس بظالم. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 32 كيفية التخلص من الوساوس السؤال فضيلة الشيخ! شاب كان يعمل المعاصي كثيراً والتزم وذهب إلى الدعوة، فأخذت الشياطين توسوس له أن الله ليس حقاً، وأن الرسول ليس حقاً، وأن الصحابة قصص خرافية هل يعاقب على هذا الفكر؟ الجواب هذه وساوس -بارك الله فيك- يلقيها الشيطان في قلوب أهل الإيمان، وقد جرى هذا للصحابة رضي الله عنهم، وجاءوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: (إن أحدنا يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء ولا يتكلم به أو يحب أن يكون حممة -أي: فحمة محترقة- ولا يتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان) أي: هذا هو الإيمان الخالص، هذا علامة على الإيمان الخالص، لماذا؟ لأن الشيطان إذا رأى من الإنسان إقبالاً على الحق صرفه عنه بكل ما يستطيع، وإذا كان معرضاً فقد كفي المئونة فلا يأتي إليه، ولا تدخل عليه الوساوس؛ لأن قلبه مظلم. والتخلص من ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته) (يستعيذ بالله) أي: يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (ولينته) أي: يعرض عن هذا ولا يفكر فيه إطلاقاً. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 33 الفرار من الفتن السؤال أخبرنا أحد الإخوة أنه قرأ في كتيب منشور في المملكة أنه في آخر الزمان تكثر الفتن، وأنه على الإنسان أن يسافر إلى الشام أو إلى اليمن هروباً من الفتن، ما صحة هذا الحديث؟ الجواب أما كثرة الفتن في آخر الزمان فقد تواترت به الأحاديث، أو كادت تتواتر الأحاديث في هذا، وأما كونه يهاجر إلى الشام أو إلى اليمن فلا أعلم في هذا حديثاً صحيحاً، والهروب من الفتن يكون بالخروج من المدن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يكون خير مال الرجل غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) ولكن من أمكنه أن يبقى ويصبر ويدعو الناس إلى الخير كان هذا أوجب وأنفع له. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 34 دفع توهم الإشكال في قوله تعالى: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) السؤال فضيلة الشيخ! قرأت تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] والإشكال الذي لديّ أن أول الآية يدل على القدرة في الخلق وفي نهاية الآية السمع والبصر؟ الجواب قوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] أي: في سهولة هذا على الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] إذا أمر بالشيء فهو مثل لمح البصر، يأمر الله الأرض فتهتز، وبلمح البصر يُتلف بهذه الهزة عالماً وبيوتاً وأموالاً لا يحصيها إلا الله، كلمة واحدة لو أتيت بأقوياء الدنيا كلها ما فعلوا هذا الفعل، أو بقنابل الدنيا كلها ما فعلت هذا الفعل، ولكنها كلمة واحدة يقول (كن) فيكون، فيقول: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28] هذا من باب التهديد، فهو سميع لأقوالكم، بصير بأفعالكم، فإياكم أن تنكروا شيئاً وأنتم تعرفون عظمة الله عز وجل، هذه المناسبة؛ لأن هذا تهديد لهم لئلا ينكروا شيئاً من عظمة الله. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 35 ضمة القبر للميت السؤال فضيلة الشيخ! حديث الصحابي الذي حضر جنازته سبعون ألف ملك، وعندما دفنه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد ضُم ضمة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ) هل هذا حاصل لنا جميعاً أم لا؟ الجواب أما كونه حضر جنازته سبعون ألف ملك فهذا لا أعلم به، أما كونه ضمته فهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سيد الأوس، وقصته معروفة مع بني قريظة الذين كانوا حلفاءه حين غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فغزاهم وحاصرهم أكثر من عشرين ليلة، فلما تعبوا من الحصار سألوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وكان سعد رضي الله عنه في خيمة له في المسجد؛ لأن أكحله أصيبت في يوم الأحزاب فبنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قبة -أي خيمة- في المسجد ليزوره عن قرب. وكان رضي الله عنه لما سمع أن بني قريظة وهم حلفاؤه قد نقضوا العهد قال: [اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بهم] أي: بأن يؤخذوا بما نقضوا العهد. بعد ذلك أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (إن حلفاءك أرادوا أن ينزلوا على حكمك، فجاء رضي الله عنه من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان بني قريظة راكباً على حمار، فلما أقبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه، ونزل ثم اجتمع رؤساء اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، وكان اليهود ينتظرون أن يحكم سعد فيهم بما حكم به عبد الله بن أُبي في بني النضير لكن فرق بين عبد الله بن أبي رأس المنافقين وبين سعد بن معاذ رضي الله عنه. فلما حضروا قال: حكمي نافذ عليكم؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هنا؟ ولم يقل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبه، ما قال: حكمي نافذ على الرسول، بل قال: وعلى من هنا؛ قال: أحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ثم نفذ الحكم فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية. وبعد ذلك انبعث الدم من جرح سعد بن معاذ ومات رضي الله عنه، بقي حتى استجاب الله دعوته، أقر الله عينه ببني قريظة حتى صار حكمهم بيده، ولما حكم وانتهت قضيتهم انبعث الدم فمات رضي الله عنه، وورد في الصحيح: (اهتز عرش الرب لموت سعد بن معاذ) الله أكبر! وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لـ سعد أبي عمر أما الضمة فقد ورد أن القبر ضمه رضي الله عنه ولكن فيما أظن أن هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرجل إذا سأله الملكان وأجاب بالصواب فسح له في قبره، فإن صح الحديث فالمعنى أنه أول ما دخل ضمه القبر ثم فسح له وقد ذكر أن ضمة القبر للمؤمن كضمة الأم الرحيمة لولدها، أي: ليس ضماً يؤلم أو يؤذي، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 36 حكم دخول الرجل المسجد وفي رجله روث غنم السؤال فضيلة الشيخ! رجل يدخل المسجد وفي رجله روث غنم، فما الحكم؟ الجواب أنا سأعطيك قاعدة -بارك الله فيك- كل شيء يؤكل لحمه فروثه وبوله طاهر، الغنم روثها طاهر، والبقر طاهر، والدجاج طاهر، والإبل بعرها طاهر، ولكن النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ليس هو من أجل النجاسة، لكن لأن أعطان الإبل غالباً تكون مأوى للشياطين؛ لأن الإبل طباعها سيئة غليظة، لهذا تجدون رعاة الإبل عندهم غلظة وفظاظة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الغلظة والجفاء في الفدادين أصحاب الإبل) وقال أيضاً: (السكينة والوقار في أصحاب الغنم) راعي الغنم ساكن هادئ وعنده تأنٍ بخلاف صاحب الإبل، فصاحب الإبل تجده نافشاً رأسه مختالاً كأنه فوق الناس، هذا شيء مشاهد، ولهذا اختار الله للأنبياء أن يرعوا الغنم: (ما من نبي إلا رعى الغنم) . الجزء: 17 ¦ الصفحة: 37 حكم وضع صوت (قراءة قارئ للقرآن) عند انتظار المكالمة السؤال شخص اتصل فقال: أريد فلان، فوضع مسجلاً عند سماعة الهاتف يقرأ القرآن، هل فيها شيء أم لا؟ الجواب هذه يستعملها بعض الإخوة إذا اتصلت عليه، وقلت: أريد فلاناً أسمعك آية من القرآن، حتى في بعض الجهات المسئولة، لكني أرى أن يجعل بدل ذلك شيءٌ من الحكم والأمثال، أو حكم من الأحكام الشرعية، -مثلاً- دخل رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بلا طمأنينة ثم جاء فسلم، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة تقام) ما يحث على صلاة الجماعة فهذا أحسن؛ لأن القرآن أولاً: ربما يكون الذي اتصل عليك يكره هذا الشيء ولا يطمئن له، أنا والحمد لله وإياكم نحب القرآن، لكن قد يكون بعض الناس لا يحب القرآن، يستثقله وإن كان لا يكرهه كراهة قلبية، لكنه يستثقله، أو يقول: هذا الرجل يلزمنا -مثلاً- نستمع ثم يغلق السماعة أو يبقى على مضض، والحمد لله إذا وضعت أحكام أو حِكم مثل (رأس الحكمة مخافة الله) أو ما أشبه ذلك. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 38 غثائية المطبوعات السؤال نجد الآن في الأسواق بعض الكتيبات الصغيرة تنتشر فيها قصص، وهذه منشورة في المكتبات، فما أجد فيها شيئاً يا شيخ! هل هذه القصص صحيحة، وإن كانت ليست بصحيحة فما حكمها؟ الجواب مع الأسف أن أهل المطابع الآن اتخذوا -أو بعضهم- طباعة هذه الكتب تجارة، ولهذا تجدهم يحرصون على التسويق بالكتاب وتصحيح القطاع وما أشبه ذلك، ويأتون بما هب ودب، والسبب في ذلك أن الرقابة على الكتب التي تنشر في الأسواق أو التي تطبع ضعيفة، إما ضعيفة في العلم أو مقصرة في العمل والمسئولية، ولكن الإنسان إذا رأى شيئاً منافياً للدين والأخلاق يجب أن يرفعوا إما إلينا وإما إلى غيرنا ممن يوصل الأمر إلى الحكومة. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 39 حكم العقيقة عن السقط السؤال الولد الصغير الذي يسقط قبل أن يتم، هل له عقيقة أم لا؟ الجواب ما سقط قبل تمام أربعة أشهر فهذا ليس له عقيقة، ولا يسمى، ولا يصلى عليه، ويدفن في أي مكان من الأرض، وأما ما سقط بعد أربعة أشهر فهذا قد نفخت فيه الروح، فيسمى، ويغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين، ويعق عنه على ما نراه، لكن بعض العلماء يقول: لا يعق عنه حتى يتم سبعة أيام حياً، لكن الصحيح أنه يعق عنه؛ لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويكون شافعاً لوالديه. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 40 المسح على الشراب السؤال توضأت وأنا لابس شُراباً ثم خلعت الشراب ولبست شراباً آخر، فما الحكم؟ الجواب ما دمت على طهارتك فصل ما شئت، لكن إذا انتقضت طهارتك فلا بد أن تخلع الشراب وتغسل قدميك. السائل: اتسخ الشراب مرة، ثم توضأت ومسحت عليه ثم خلعته ولبست آخر ولم أتوضأ. الشيخ: هل توضأت وضوءاً كاملاً؟ السائل: نعم. ومسحت على الشراب الأول، ثم خلعته ولبست آخر؟ الشيخ: لا يصلح. أي:لا تمسح على الأخريات، لا بأس أن تبقى على طهارتك لكن لا تمسح على هذا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 17 ¦ الصفحة: 41 لقاء الباب المفتوح [18] في هذه المادة تفسير أول آيات سورة: (عبس) والوقوف مع كل آية وإيضاح معانيها وذكر ما ترشد إليه الآيات. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 1 حكم الجمع بين الصلاتين بسبب البرد الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر رجب، اليوم السابع منه، عام (1413هـ) نسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً، يصادف هذا اليوم وما قبله بيومين أو ثلاثة أياماً باردة شديدة البرودة، وذلك خير للإنسان والنبات، فإن من الأمراض والميكروبات ما لا يقتله إلا البرد الشديد، كما أن منها ما لا يقتله إلا الحر الشديد، فالله عز وجل له حكمة فيما يقدره في خلقه وفيما يشرعه لهم، فكما أنه عز وجل حكيم في شرعه، فهو كذلك حكيم في قدره، ومن لطف الله سبحانه وتعالى أنه لا تعارض بين القضاء والقدر وبين الشرع، فكلما اشتد القضاء والقدر خف من الشرع ما يناسب تلك الشدة. ومن الأمثلة على ذلك: أنه إذا اشتد البرد مع ريح تؤذي الناس فإنه يجوز للإنسان أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا لـ ابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أن الحكمة من مشروعية الجمع إزالة المشقة عن المسلمين وإلا فإنه لا يجوز الجمع. والمشقة في البرد إنما تكون إذا كان معه هواء وريح باردة، وأما إذا لم يكن معه هواء فإن الإنسان يتقي البرد بكثرة الملابس ولا يتأذى به، ولهذا لو سألنا سائل: هل يجوز الجمع بمجرد شدة البرد؟ لقلنا: لا يجوز إلا بشرط أن يكون مصحوباً بريح باردة تؤذي الناس، أو إذا كان مصحوباً بنزول الثلج، فإن الثلج إذا كان ينزل فإنه يؤذي بلا شك، فحينئذ يجوز الجمع، أما مجرد البرد فليس بعذر يبيح الجمع، فمن جمع بين الصلاتين لغير عذر شرعي فإنه آثم وصلاته التي جمعها إلى ما قبلها غير صحيحة، وغير معتد بها، بل عليه أن يعيدها. وإذا كان جمع تأخير كانت صلاته الأولى في غير وقتها وهو آثم بذلك. هذه المسألة أحببت أن أنبه عليها؛ لأن بعض الناس ذكروا لي أنهم جمعوا قبل ليلتين من أجل البرد بدون أن يكون هناك هواء يؤذي الناس وهذا لا يحل لهم. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة عبس نعود لما اعتدنا من افتتاح هذا اللقاء بآيات من كتاب الله اخترنا أن تكون من الجزء الأخير من القرآن، لكثرة ترديده على المسلمين في صلاتهم، وقد أنهينا بحمد الله وتوفيقه سورتي عم والنازعات، والآن نبدأ بالسورة الثالثة: الجزء: 18 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (عبس وتولى) قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1-2] قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} هذا العابس والمتولي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى: (عبس) أي: كلح في وجهه، أي: استنكر الشيء في وجهه، ومعنى: (تولى) أعرض. والمراد بالأعمى في قوله: (أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) هو عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وهو في مكة وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صلى الله عليه وسلم في إسلامهم، ومعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان ذلك سبباً في إسلام من خلفهم، وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم شديداً، فجاء هذا الأعمى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أنه كان يقول: علمني مما علمك الله، ويستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه، وعبس في وجهه رجاءً وطمعاً في إسلام هؤلاء العظماء، وكأنه خاف أن يزدريه هؤلاء العظماء الشياطين إذا أعطى وجهه لمثل هذا الرجل الأعمى وأعرض عنهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين: الأمر الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء. والأمر الثاني: ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وسلم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقرٌ عندهم. ولا شك أن هذا اجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم وليس احتقاراً لـ ابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوة الحق بين عباد الله وأن الناس عنده سواء، بل من كان أشد إقبالاً على الإسلام فهو أحب إليه، هذا ما نعتقده في رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وما يدريك لعله يزكى) قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ} [عبس:3] أي: أي شيء يؤلمك أن يتزكى هذا الرجل ويقوى إيمانه، {لَعَلَّهُ} [عبس:3] أي: لعل ابن أم مكتوم {يَزَّكَّى} [عبس:3] أي: يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه. {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:4] أي: يتعظ فتنفعه الموعظة، فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أما من استغنى) ثم قال تعالى: {أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:5-7] . {أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى} أي: استغنى بماله لكثرته واستغنى بجاهه لقوته، {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:6] أي: تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:7] أي: ليس عليك شيء إذا لم يتزك هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ فالله سبحانه وتعالى بين أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، قال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:3] وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء. قال تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} [عبس:7] أي: ليس عليك شيء إذا لم يتزك؛ لأن إثمه عليه وليس عليك إلا البلاغ. ثم قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:8-10] وهذا مقابل قوله: {أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى} [عبس:5-6] . الجزء: 18 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأما من جاءك يسعى) قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس:8] أي: يتعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ يَخْشَى} [عبس:9] أي: خاف الله بقلبه: {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:10] أي: تتلهى عنه وتتغافل، لماذا؟ لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (كلا إنها تذكرة) قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:11] فمعنى (كلا) أي: لا تفعل مثل هذا، ولهذا نقول: إن (كلا) هنا حرف ردع وزجر، أي: لا تفعل مثلما فعلت: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:11] أي: إن الآيات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تذكرة، أي: تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فمن شاء ذكره) قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس:12] أي: فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ ومن شاء أن يتعظ؛ لقول الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] فالله سبحانه وتعالى جعل للإنسان الخيار قدراً، وأما شرعاً فلا، جعل له الخيار بين أمرين: أن يسلم أو يكفر، أما شرعاً فلا؛ فإنه {َلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7] ، وليس الإنسان مخيراً شرعاً بين الكفر والإيمان، بل هو مأمور بالإيمان، والإيمان مفروض عليه، لكن من حيث القَدَر هو مخير، وليس كما يزعم بعض الناس أنه مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم، فالإنسان في الحقيقة مخير، ولذلك إذا وقع الأمر بغير اختيار الإنسان مثل أن يكون مكرهاً فلا عبرة بفعله. والمهم أن الله يقول: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس:12] أي: ذكر ما نزل من الوحي فاتعظ به، يعني: ومن شاء لم يذكره، والموفق من وفقه الله عز وجل. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (في صحف مكرمة) قال تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:13-16] أي: إن هذا الذكر الذي تضمنته هذه الآيات في صحف مكرمة، معظمة عند الله، والصحف جمع صحائف، والصحائف جمع صحيفة، وهي ما يكتب فيه القول، هذه الصحف بأيدي سفرة، والسفرة هم الملائكة، وسموا سفرة لأنهم كتبة، مأخوذة من السِّفْر وهو الكتاب، لقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وقيل السفرة: الوسطاء بين الله وبين خلقه، من السفير وهو الواسطة بين الناس، ومنه حديث أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة قبل أن يحرم، قال: وكنت السفير بينهما) أي: الواسطة. المهم أن السفرة هم الملائكة؛ وسموا سفرة لأنهم كتبة يكتبون، وسموا سفرة كذلك؛ لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق، فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (كرام بررة) قال تعالى: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:15-16] (كرام) في أخلاقهم، (كرام) في خلقتهم؛ لأنهم على أحسن خلقة، وعلى أحسن خلق، ولهذا وصف الله الملائكة بأنهم: {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11-12] وأنهم عليهم الصلاة والسلام: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:19-20] . هذه الآيات من سورة عبس فيها تأديب من الله عز وجل للخلق، ألا يكون همهم هماً شخصياً، بل يكون همهم هماً معنوياً، ألا يفضلوا في الدعوة إلى الله شريفاً لشرفه ولا عظيماً لعظمته ولا قريباً لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله، الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد. وفيها أيضاً تلطف الله عز وجل بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال في أولها: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1-2] ثلاث آيات لم يخاطب الله فيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها عتاب شديد، فلو وجهت للرسول بالخطاب لكان فيه ما فيه، ولكن جاءت بالغيبة (عبس) وإلا لكان مقتضى الحال أن يقول: (عبست وتوليت، أن جاءك الأعمى، وما يدريك لعله يزكى) ولكنه قال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات الغليظة الشديدة؛ ولأجل ألا يقع في مثل ذلك من يقع من هذه الأمة، والله سبحانه وتعالى وصف كتابه العزيز بأنه بلسانٍ عربي مبين، وهذا من بيانه. وفي الآية أيضاً دليل على جواز أن يلقب الإنسان بوصفه، مثل: الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء يفعلون هذا، فما أكثر ما يرد عليكم: الأعرج عن أبي هريرة، والأعمش عن ابن مسعود، قال أهل العلم: واللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به، وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام؛ لأن الأول إذا كان المقصود به تبيين الشخص فإنه مما تدعو الحاجة إليه، والثاني إذا كان المقصود به التعيير فإنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة، وقد جاء في الأثر: (لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك) نسأل الله لنا ولكم الاستقامة والسلامة في الدنيا والآخرة. وإلى هنا ينتهي بنا القول على ما يسر الله من آيات هذه السورة الكريمة ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعله نافعاً لنا ولكم. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 18 ¦ الصفحة: 12 أحكام تتعلق بسجود التلاوة السؤال فضيلة الشيخ! ما الذي يشترط في سجود التلاوة للإمام في الصلاة غير الجهرية، وما الذي يشترط في سجود التلاوة للمنفرد في الصلاة الجهرية، وما الذي يشترط في سجود التلاوة للذي يركب السيارة أو يمشي في طريقه؟ الجواب سجود التلاوة هو السجود الذي سببه تلاوة القرآن، وسجدات القرآن معلومة والحمد لله، ومشار إليها في المصاحف، فإذا مر الإنسان بآية فيها سجدة فإنه يسن له أن يسجد اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولخلفائه الراشدين، وفي الصحيح: (أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على المنبر، فمر بآية السجدة التي في سورة النحل، فنزل وسجد وسجد الناس معه، وفي الجمعة الأخرى قرأها فمر بآية السجدة فلم يسجد، وقال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) فسجود التلاوة سنة، متى مر الإنسان بآية سجدة في أي وقت من ليل أو نهار فإنه يسجد، ولكنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا رفع، ولا يسلم؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل حتى التكبير إذا سجد فيه نظر، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يكبر للسجود ولا للرفع من السجود، ولا يسلم. ولكن ينبغي أن يكبر للسجود لحديث ورد في ذلك، يكبر للسجود لا للقيام من السجود ما لم يكن في صلاة، فإذا كان في صلاة فليكبر إذا سجد وإذا رفع. أما سؤال الأخ عن قراءة الإمام آية السجدة في الصلاة السرية فقد قال العلماء: لا ينبغي للإمام أن يقرأ بآية سجدة في الصلاة السرية؛ لأنه بين أمرين: الأول: إما أن يسجد فيشوش على المأمومين، لاسيما إذا كان المسجد واسعاً والمأمومون كثيرون فإنه يشوش على من وراءه. الثاني: ألا يسجد فيكون قد ترك مسنوناً، فالأفضل للإمام ألا يقرأ آية سجدة في صلاة سرية، ولكن لو قرأها فلا بأس؛ إلا أنه في هذه الحالة ينبغي أن يشعر المأمومين بأن هذا سجود وليس بركوع بأن يرفع صوته بآية السجدة حتى يعرف الناس أنه ساجد لا راكع. وأما قراءة المنفرد لها فالذي يصلي منفرداً فإنه يسجد سواء في صلاة سرية أو صلاة جهرية. وأما الذي يقرأها في السيارة فإنه يسجد أيضاً بالإيماء ما لم يكن سائق السيارة فإن كان سائق السيارة فلا يسجد؛ لأنه إذا سجد انشغل عن ملاحظة السير وألقى بنفسه إلى التهلكة. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 13 جواز الجمع والقصر في السفر السؤال فضيلة الشيخ! أنا من أهل الدوامي وعملي في حائل، والعمل يتطلب مني أن أذهب أذان العصر وأرجع العصر الثاني، فإذا مشيت -مثلاً- أذان العصر من الدوامي هل يجوز لي أن أقصر الصلاة -ومثلاً- يأتي المغرب هل يجوز أن أجمعه مع العشاء أو أصلي كل فرض في وقته؟ الجواب كل هذا يجوز لك، أعني: يجوز أن تقصر وهو الأفضل، ويجوز أن تجمع؛ لأنك مسافر. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 14 حكم تغيير النية في الصلاة السؤال عندما جمع الناس ذات ليلة صلى أحدهم المغرب مع الإمام وظن أنه صلى المغرب ثلاث ركعات مع أنه كان يشك أنه ما صلى إلا ركعتين فقط، ثم سلم الإمام من المغرب فسلم معه، ولما كانت الإقامة ضعيفة وقام الإمام للركعة الأولى من العشاء ظن هذا المصلي أنه قام يركع الركعة الثالثة من المغرب وأن الناس نبهوه، فصلى خلفه على أنها من المغرب، ولما سمع الفاتحة تبين له أنه العشاء فأكمل معهم؟ الشيخ: أي: أنه نوى العشاء بعد أن سمع الإمام يقرأ الفاتحة، وترك نية المغرب؟ فهذا الرجل لم يسلم مع الإمام في صلاة المغرب، أليس كذلك، أو سلم؟ السائل: بل سلم. الشيخ: كيف يسلم وهو يعتقد أنه ما صلى إلا ركعتين؟ السائل: كان شاكاً. الشيخ: لكن لما سلم الإمام هل غلب على ظنه أنها تامة؟ السائل: لما سلم الإمام وقام يجمع ظن أن الناس نبهوه؛ لأن إقامة المؤذن ضعيفة، وظن أنه قام يأتي بثالثة المغرب. الشيخ: على كل حال صلاة العشاء غير صحيحة في حقه؛ لأنه لم يكبر تكبيرة الإحرام، وإنما قام يريد أن يكمل المغرب، ثم لما سمع الإمام يقرأ عرف أنها العشاء واستمر على أنها العشاء ولم يكبر للإحرام، ولو كبر للإحرام لصلاة العشاء لكانت صلاته صحيحة. أما صلاة المغرب فإن صلاته صحيحة؛ لأنه تبين أنه واهم، وأن الصلاة تامة، فعلى كل حال مره أن يعيد صلاة العشاء. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة من سلم قبل الإمام السؤال فضيلة الشيخ! شخص سلم قبل أن يسلم الإمام، نسي ثم انتبه بعدما استغفر فأكمل وسلم مع الإمام، فهل صلاته صحيحة أم لا؟ الجواب صلاته صحيحة وليس عليه شيء، وكان عليه سجود السهو؛ لأنه سلم قبل أن تتم الصلاة، ولكن نظراً لأنه لم يفته شيء من الصلاة مع الإمام فليس عليه شيء؛ لأن الإمام يتحمل عن المأموم سجود السهو إذا لم يفته شيء من الصلاة. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 16 حكم إمامة المسبوق السؤال فضيلة الشيخ! هل يشترط للمأموم أن ينوي نية الإحرام في تكبيرة الإحرام لمن لم يدرك بداية الصلاة مع الإمام؟ الجواب نعم. المأموم إذا جاء والإمام يصلي سواء أدركه في الركعة الأولى أو في الثانية أو فيما بعدهما فالواجب أن يكبر للإحرام. السائل: تكبيرة الإحرام لمن فاتته الصلاة مع الإمام، فمثلاً: أتى شخص والإمام قد سلم وأراد أن يأتم بالمأموم. الشيخ: يعني يوجد مأموم يقضي صلاته؟ السائل: المأموم مسبوق، وسلم الإمام وقام وأتم الآخر ولم يدرك الصلاة مع الإمام مع الجماعة، وأراد أن يأتم بهذا المأموم، فهل يشترط النية للإتمام بهذا المأموم؟ الشيخ: هل يشترط للمقضي المسبوق أن ينوي الإمامة؟ السائل: نعم. الشيخ: أولاً: هذا الفعل ليس مطلوباً، وليس مشروعاً أنك تأتي وتجد إنساناً يقضي ما فاته من الصلاة فتدخل معه على أنك مأموم وهو إمام، هذا غير مشروع، وقد اختلف العلماء في جوازه فمنهم من قال: إنه جائز، ومنهم من قال: إنه غير جائز، ولكن الصحيح أنه جائز، ولكن لا ينبغي؛ لأنه إذا دخل مع هذا المأموم فإنه إن نوى المأموم أنه إمام له صحت صلاته، صلاة المسبوق وصلاة الذي دخل أخيراً، وإن لم ينو أنه الإمام فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاة الداخل غير صحيحة؛ لأنه نوى الائتمام بمن لم ينو الإمامة فتبطل صلاته، وعلى هذا تلزمه الإعادة. والقول الثاني في المسألة: أنه يصح الائتمام بمن لم ينو الإمامة بك، وبناءً على هذا القول تصح صلاة المأموم، لكن يلاحظ من الأصل أن هذا أمر غير مشروع، ولا نأمر الإنسان بأن يفعله، فإذا جاء ووجد شخصاً يقضي فهل نقول: ادخل معه؟ لا. لا نقول بمثل هذا. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 17 أهمية صلاة الجماعة السؤال فضيلة الشيخ! الرسول صلى الله عليه وسلم جمع كما ذكرت من غير سفر ولا خوف ولا مطر، فهل هذا يدل على عظم صلاة الجماعة؟ الجواب الجمع بين الصلاتين لعذر المطر أو نحوه يدل على أهمية صلاة الجماعة، ووجه ذلك: أنه أجيز للإنسان أن يقدم الصلاة على وقتها من أجل إدراك الجماعة. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 18 لباس المرأة في ميزان الشرع السؤال فضيلة الشيخ! قرأت بخطكم جواباً على سؤال يقول: للمرأة أن تكشف لمحارمها عن الوجه والرأس والرقبة والكفين والذارعين والقدمين والساقين وتستر ما سوى ذلك، هل هذا الكلام على إطلاقه، خصوصاً أن موقفكم من الملابس القصيرة بالنسبة للأطفال والنساء عموماً أنه لا يجوز؟ الجواب نحن إذا قلنا: يجوز أن تكشف كذا وكذا ليس معناه أن تكون الثياب على هذا الحد، لكن لنفرض أن امرأة عليها ثوب إلى الكعب، ثم انكشف ساقها لشغل أو لغير شغل فإنها لا تأثم بهذا إن لم يكن عندها إلا المحارم، أو لم يكن غير النساء. أما اتخاذ الثياب القصيرة فإننا ننهى عنه ونحذر منه؛ لأننا نعلم -وإن كان جائزاً- أنه سوف يتدهور الوضع إلى أكثر من ذلك، كما هو العادة في غير هذا أن الناس يفعلون الشيء في أول الأمر على وجهٍ مباح، ثم يتدهور الوضع حتى ينحدروا به إلى أمر محرم لا إشكال في تحريمه، كما أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) ليس معناه أن المرأة يجوز لها أن تلبس ما يستر ما بين سرتها وركبتها فقط، ولا أحد يقول بهذا، لكن المعنى أنه لو انكشف من المرأة الصدر وكذلك الساق مع كون الثوب وافياً، فإن ذلك لا يحرم نظره بالنسبة للمرأة مع المرأة، ولنضرب مثلاً: امرأة ترضع ولدها فانكشف ثديها من أجل إرضاع الولد، لا نقول للمرأة الأخرى: إن نظرك لهذا الثدي حرام؛ لأن هذا ليس من العورة، أما أن تأتي امرأة تقول: أنا ما ألبس إلا سروالاً يستر ما بين السرة والركبة فلا أحد يقول هذا، ولا يجوز، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن لباس نساء الصحابة كان من كف اليد إلى كعب الرجل، هذا إذا كن في بيوتهن، أما إذا خرجن إلى السوق فمعروف حديث أم سلمة أن المرأة ترخي ثوبها، فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن ترخيه إلى ذراع، من أجل ألا تنكشف قدماها إذا مشت. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 19 العمل بخلاف العقود السؤال فضيلة الشيخ! رجل استقدم عاملاً ليعمل عنده في الرعي، فهذا الرجل الكفيل استقل العمل، أي: رأى أن العمل المنوط بهذا العامل قليل، فجعله يعمل في أشغال كثيرة، منها: أنه يتقاول مع بعض أهل الاستراحات ينظف لهم الاستراحات أو بعض المساجد يقوم بفرشها وتنظيفها بمقابل راتب، فهو أول ما استقدم هذا العامل تقاول معه في الراتب مقابل ستمائة ريال مثلاً وفي نهاية الشهر يعمل هذا العامل في المساجد وفي بعض الاستراحات عملاً طارئاً، فيكون في نهاية الشهر يحصل ما يقارب ألف ريال، فيقوم الكفيل بأخذها ويعطي لهذا العامل ستمائة ريال، مع أنه يأخذ أربعمائة ريال، ويضعها في جيبه مع أن هذا العامل يعمل عنده زيادة على الأعمال المكلف بها ويقول: إنه راضٍ، فما حكم ذلك؟ الجواب ما دام العامل راضياً بذلك من غير إكراه فلا حرج، حتى لو قال العامل: أنا أعمل عندك مجاناً من غير إكراه، فلا حرج، لكن إذا كان بإكراه بأن يقول له: إما أن تشتغل هذا الشغل الزائد على ما في العقد وإما سفرتك؛ فهذا لا يجوز، بل الواجب عليه أن يقتصر على ما اتفقوا عليه من قبل؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] . السائل: بالنسبة للزيادة على الراتب؟ الجواب: ليس هناك مانع بأن الزيادة تكون للكفيل، المهم أن العامل راضٍ بهذا. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 20 حد الحلق في الحج والعمرة السؤال فضيلة الشيخ! هل العظمة التي في الصدغ تدخل في الحلق في الحج والعمرة؟ الجواب لا. المنتهي هو العظم الناتئ الذي على امتداد صماخ الأذن، هذا هو الحد. السائل: هل الواجب أن يحلق؟ الجواب: لا. لا يحلقه. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 21 ما تدرك به الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! سمعت مفتياً في التلفاز يفتي ويقول: إنك إذا دخلت والإمام ساجد فإنك تركع وتتم ركوعك، ثم تدرك الإمام وهو ساجد وتسجد معه، فتكون بذلك قد أدركت الركعة؟ الجواب هذه الفتوى مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهذا إذا أدرك الإمام ساجداً فالواجب عليه أن يسجد مع الإمام، ولا يحل له أن يقضي الركوع قبل أن يسجد مع الإمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا الرجل قد فاته الركوع فكيف يصلي الركوع وقد فاته مع الإمام؟ فهذه الفتوى غلط لا شك، ولكن بعد أن ينتهي المجلس أخبرنا باسمه لنتصل به إن شاء الله تعالى ونبين له خطأ هذه الفتوى. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 22 حكم القول بأن أهل نجد ليسوا على التوحيد السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من يقول بأن أهل نجد ليسوا على التوحيد؟ الجواب حكم هذا أن نقول له: بيِّن لنا ما هو التوحيد، وبين هل أنت تعرف ما عليه أهل نجد؟ فما هو التوحيد الذي يريد أن ينفيه عن أهل نجد؟ أنا لم أسمع بهذا، ولكن مع ذلك إذا سمعت من يقول هذا فقل: تعال يا أخي! أخبرني ما هو التوحيد؟ فإذا أخبرك ما هو التوحيد فقل: هل تعلم الآن أن أهل نجد على هذا أم لا؟ ونقول: إذا أخبرك بالتوحيد ينظر هل هذا توحيد أم غير توحيد؛ لأنه قد يخطئ في معنى التوحيد، فإذا فسره لنا بالمعنى الصحيح قلنا له: هل تعلم أن أهل نجد على هذا أو ليسوا على هذا؟ الجزء: 18 ¦ الصفحة: 23 حكم الوضوء من لحم الجزور السؤال فضيلة الشيخ! أكلت لحم جزور عدة مرات ولم أتوضأ بعد أكله، ونسيت وصليت وأنا أعرف أن لحم الجزور ناقض للوضوء، والصلوات التي صليتها على هذا الحال لا أعلم عددها؟ الجواب هذه المسألة جزء من مسألة عامة: لو أن الإنسان أحدث ببول أو غائط ونسي أن يتوضأ وصلى، هل صلاته صحيحة؟ الجواب: لا. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ولقوله: (لا تقبل الصلاة بغير طهور) . وعلى هذا فصلاته غير صحيحة، فيجب عليه قضاء ما صلاه بغير وضوء بعد أكل اللحم، فإذا قال: أنا لا أدري، قلنا: ليتحر؛ فإذا غلب على ظنه أنها خمس أو ست صلوات أخذ بغلبة الظن، وإذا لم يغلب على ظنه شيء فليأخذ بالأقل؛ يعني: أنها خمس بمثل هذا؛ لأنه متيقن، وما زاد مشكوك فيه ولا عمل عليه. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 24 حكم تذكير الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا ً السؤال فضيلة الشيخ! هل الأفضل إذا رأيت صائماً يريد أن يأكل أو يشرب وهو ناسٍ أن أذكره أو أتركه؛ لأن الله هو الذي يطعمه ويسقيه؟ الجواب إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب ناسياً فذكره قل: إنك صائم، وإذا رأيت شخصاً قائماً إلى خامسة في الظهر فنبهه، وإذا رأيت مصلياً يصلي لغير القبلة فوجهه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم) وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] فإذا رأينا أي شخص يفعل ما تفسد به عبادته وجب علينا أن نذكره، حتى لو كانت اللقمة في فمه نذكره ليلفظها. السائل: فضيلة الشيخ! سمعت أنهم يقولون: نتركه يأكل ويشرب فقد أطعمه الله وسقاه؟ الشيخ: الذي يقول هذا الكلام جاهل؛ لأن الله أطعمه وسقاه باعتبار نفسه هو؛ لأنه ناسٍ، أما أنت فأنت عالم، فلا بد أن تنبهه، هذا مثل الذي يقول: إذا رأيت القط يأخذ حمامة شخص فلا تنقذها منه؛ لأن هذا رزق القط، هل هذا صحيح؟! لا. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 25 حكم الذهاب إلى بلاد الكفر للدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! هناك ظاهرة انتشرت في القرى وهي ذهاب بعض الشباب من الدعاة بعوام تلك القرى إلى بعض البلاد التي تكثر فيها البدع والانحرافات كـ باكستان وبنجلاديش وغيرها، بل إنهم تعدوا الآن إلى البرازيل، بل إنهم يذهبون بالنساء وهذا ثابت، وظاهر أن هؤلاء لا يهتمون بالتوحيد والعقائد، كما أنهم لا يعرفون لغة هؤلاء القوم الذين يذهبون إليهم، وإذا سألتهم قالوا: نذهب نصقل قلوبنا، فما أدري ما الواجب علينا، هل نسكت أم نحذر من الذهاب إلى تلك البلدان؟ الجواب الواقع أن الذهاب إلى البلاد الكافرة للدعوة إلى الله عز وجل لا شك أنه خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الدعاة إلى بلاد الكفر ليدعوا إلى الله عز وجل وهذا يتوقف على أمرين: الأمر الأول: العلم، بأن يكون لدى الداعية علم؛ لأن الداعي إذا دعا فقد قال على الله ما لا يعلم وهو حرام؛ ولأن الداعي لا بد أن يُسأل، فإذا لم يكن عنده علم فإنه يتوقف حيران أو يجيب بالخطأ فيحصل بذلك شرٌ وفتنة. الأمر الثاني: لا بد أن يكون عنده لسان، أي: لغة يخاطب بها القوم، ويوصل المعلومات إليهم؛ لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] وإلا كيف يبين لهم دعوته وما يدعوهم إليه وهم لا يعرفون لغته؟! وكيف يجيبهم على الإشكالات وهو لا يعرف لغتهم؟ فهذان أمران لا بد منهما: العلم واللسان. وينبغي للداعية أن يبدأ بالأهم فالأهم، فليبدأ أولاً بالدعوة إلى التوحيد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى اليمن: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ولأن التوحيد هو الأصل الذي تبنى عليه الشرائع، فلابد أن يكون الأساس والأول قبل كل شيء، ثم بعد ذلك بالصلاة، ثم بعد ذلك بالزكاة، ثم بالصوم ثم بالحج. هكذا ترتيب الدعوة، وأما أن تهمل الدعوة إلى التوحيد فهذا لا شك أنه نقص، وبعض الناس يتراءى له أنه إذا دعا إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أولاً من لين الجانب والعطف والإحسان وما أشبه ذلك؛ يظن أن هذا أدعى لقبول الإسلام، لكن هذا وإن كانت وجهة نظر، لكنها لم تدل عليها السنة؛ لأنك إذا بدأتهم بهذا قبل كل شيء ظنوا أن هذا هو الأساس وصاروا لا يهمهم أن ينقصوا في التوحيد أو في الصلاة، وما أشبه ذلك إذا قاموا بمحاسن الأخلاق والأعمال والآداب. فعلى كال حال هؤلاء القوم الذين ذكرت، موقفنا معهم أن نرشدهم إلى ما ينبغي أن تكون عليه الدعوة، وأن نشجعهم إلى الذهاب لدعوة الناس بالحق، وألا يكون موقفنا معهم موقف المتفرج؛ لأنه موقف سلبي، أو موقف الشامت؛ لأنه موقف عدائي، فهم إخواننا ويظهر لنا من نيتهم الخير والسعي في إصلاح الخلق، لكن ليس إذا فسدت الطريق نجعل ذلك فساداً للنية والعمل من الأصل، بل المؤمن الناصح يشجع على الخير ويوجه إلى الطرق السليمة. ولا شك أن تأثير هؤلاء الإخوة الذين تشير إليهم كبير، وأن الله فتح على أيديهم من الخير ما لم يفتحه على دعاة آخرين؛ لأنهم يقابلون الناس باللين واللطف والإحسان والمروءة والخدمة لكن طريقتهم تحتاج إلى تعديل في الواقع، لذلك أرى أن يكون موقفنا نحن من هؤلاء وغيرهم ممن يظهر لنا منهم قصد الإصلاح، أن يكون موقفنا منهم موقف المصلح المقوم المشجع؛ لأننا ما علمنا أحداً يصبر صبرهم على إيذاء الناس لهم، ولا صبرهم على السفر إلى بلاد قريبة أو بعيدة، ولا صبرهم على تحمل النفقات، ولهذا نسمع أنهم لا يقبلون من أحد شيئاً يتبرع به لهم من أجل دعوتهم. كذلك ننصح إخواننا هؤلاء ألا يسافروا إلى المجتمع الذي يكون في باكستان؛ لأننا سمعنا عنهم أشياء كثيرة، فلا ينبغي السير إليهم ويوجد عندهم من أهل الخير كفاية يهتدون بهم ويدلونهم على الخير، وأما السفر إلى هنالك فأخشى أن يكون فيه شيء من البدعة. وأما مسألة الخروج في سبيل الله وجعل هذا من الجهاد فيقال: أما الجهاد الذي هو قتال الأعداء فليس هذا هو الجهاد الذي هو قتال الأعداء، لكنه نوع من الجهاد؛ لأن طلب العلم والدعوة إلى الله عز وجل بما أعطاك من العلم نوع من الجهاد، قال الله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] يعني: بالقرآن، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73] ومعلوم أن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم للمنافقين ليس جهاد قتال، بل لما استؤذن في أن يقتل من يقتل من المنافقين، قال: (لا. لكي لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فتبين من هذا أن جهاده للمنافقين جهاد بالعلم؛ ولأن الله تعالى جعل التفرغ للعلم قسيم الخروج للجهاد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وبقيت طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا} [التوبة:122] أي: الطائفة الباقية: {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] هذا موقفنا من هؤلاء، نسأل الله لهم التوفيق وأن يدلهم على ما فيه الخير. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 26 الحكمة من عدم وجود البسملة في سورة التوبة السؤال فضيلة الشيخ! ما الحكمة من عدم البسملة في سورة التوبة؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب سورة التوبة كما هو معلوم للجميع ليس بينها وبين الأنفال بسملة، فقال بعض العلماء: إنها نزلت بالقتال والبسملة بركة وطمأنة فلا يناسب أن تبدأ السورة التي في القتال وفي الحديث عن المنافقين بالبسملة، ولكن هذا ليس بصحيح، فالبسملة جيء بها قبل سورة المسد، وقبل سورة الهمزة مع أن كلها وعيد، والصحيح أنه لم يكن بينها وبين الأنفال بسملة؛ لأن البسملة آيةٌ من كتاب الله عز وجل، فإذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: ضعوا البسملة بين السورتين لم يضعوها بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعين ويقول: ضعوا البسملة، ولم يعين لهم بسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة فلم يكتبوها، ولكن بقي أن يقال: إذا كان لم يعين فلماذا يفصل بينها وبين سورة الأنفال؟ لماذا لم يجعلوهما سورة واحدة؟ نقول: نعم. لم يجعلوهما سورة واحدة؛ لأنهم شكوا هل هي سورة واحدة مع الأنفال أو سورتين متباينتين؟ فقالوا: نجعل فاصلة بين السورتين، ولا نجعل بسملة، وهذا هو الصحيح في عدم ذكر البسملة بينها وبين سورة الأنفال. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 27 حكم الاجتماع السنوي لجماعة التبليغ السؤال فضيلة الشيخ! ذكرت في الإجابة على السؤال قبل السابق أنك لا ترى الذهاب إلى باكستان وتذكر أن فيه بعض الخرافات، هل يا صاحب الفضيلة! ذهبت إلى هذا الاجتماع، أو أرسلت من تثق به حتى تتكلم عن هذا الاجتماع؟ الجواب أما أنا فلم أذهب ولم أرسل أحداً بصفة تكليفية، ولكن الذين ذهبوا وعادوا من هناك انقسموا أيضاً إلى قسمين: قسم منهم قال: ما رأينا خطباً إلا خطباً، يعني: لا تنافي الإسلام، لكن مجرد الاجتماع في وقتٍ معين في مكان معين بهذه الكثرة كأنها عيد يتكرر أو كأنه موسم حج، ومجرد وقوع هذا الأمر لا نعلم له أصلاً من الشرع لا في زمن الخلفاء الراشدين ولا من جاء بعدهم. ثم إن أكثر الإخوان الذين يتكلمون يقولون: إن عندهم بدعة في هذا المجتمع وإن كانت لا تعلم بالخطب، لكن يختارون بعض رؤساء الجماعات ويتكلمون معهم في أشياء، لاسيما إذا كانوا من غير البلاد (السعودية) ، فالله أعلم. ونحن نقول: مادام الشيء فيه احتمال، وما دام أصل هذا التجمع في وقت محدد في كل سنة ليس له أصل من السنة ولا من عمل الخلفاء فتركه أولى. السائل: فضيلة الشيخ! هذا الاجتماع ليس هو المقصد، وإنما المقصد هو تفريغ الأوقات للدعوة والتضحية في سبيل الله؟ الشيخ: إذا كان ذلك مقصدهم فيقال لهم: لستم أحرص من الخلفاء الراشدين ولا من الأئمة الذين سبقوكم، ولا عهدنا أنهم يجتمعون حتى في المدينة التي هي أصل الإسلام وأصل السنة، ما سمعنا أنه يكون فيها اجتماع كهذا الاجتماع، يبلغون أحياناً مليون شخص، ما سمعنا هذا. وأنا في الحقيقة موقفي منهم ليس كموقف الإخوان الذين يشددون فيهم ويصفونهم بالبدعة ويصفونهم بالضلال ويحذرون منهم، ولكن موقفي الذي أدين الله به أن لهم تأثيراً لا يوجد له نظير في إصلاح الخلق وترقيق القلوب، ولكن عندهم أمور تحتاج إلى تعديل، ونحن قد كتبنا إلى بعض الإخوة قلنا لهم: لو أنهم جعلوا أساس ما يدعون إليه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مجيء جبريل عليه السلام في سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انتهى قال: (أتدرون من السائل قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) . فشرائع الدين وشعائر الدين موجودة في هذا الحديث، لو جعلوا هذا الحديث هو الأساس لكان أولى. أما إذا جعلنا هذه الصفات الست هي الأساس فمن واضعها؟ واضعها فلان من الناس معروف عندهم، وبهذا يكون في قلب الإنسان اتباع لهذا الشخص وتناسٍ لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جعل هذا هو الأساس في دينه ودعوته، وهذه خطيرة، هذه شرك في الرسالة، ليس شرك في الألوهية والعبادة، ولكنها شرك في الرسالة، إذا قام بقلبه أنه يتبع هذه الأسس الستة التي أسسها فلان، وأن هذه هي العبادة وهذا هو الدين فمسألتها خطيرة، والإنسان يجب عليه أن يجرد شيئين لا يشرك أحداً فيهما: الإخلاص لله في العبادة، وهذا إخلاص في القصد، والإخلاص للرسول بالاتباع وهذا إخلاص الاتباع. وهذه المسألة عظيمة كما قال ابن القيم في النونية فاجعل لنفسك هجرتين، الهجرة الأولى: إلى الله، والهجرة الثانية: إلى الرسول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) هجرتك إلى الله بإخلاص التوحيد وهجرتك إلى الرسول بتجريد المتابعة بحيث لا تتابع إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. السائل: هو أخذ بكلمة لا إله إلا الله فكلامهم كيف يخرج اليقين الفاسد من القلب كعبادة الأشياء ويدخل اليقين على ذات الله؟ الشيخ: فلا إله إلا الله تفرد العبادة لله وحده، أي: لا معبود بحق إلا الله، ومحمد رسول الله تفرد الاتباع له وحده. السائل: في الزيارات يقولون: كيف يحيا الدين فينا وفي الناس أجمعين، يعني: إن زار الناس كيف يحيا الدين فيهم وفي الناس ما هم فيه؟ الشيخ: على كل حال نيتهم إن شاء الله طيبة، لا نقول في نيتهم شيئاً، وتأثيرهم كبير وأخلاقهم نادرة الوجود، لكن يحتاجون إلى تعديل في المنهج، كل إنسان خطاء، إذا أصاب في شيء أخطأ في آخر، ولكن كيف نعالج هذا الخطأ؟ هذا هو محل الكلام. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 28 حكم الهجر فوق ثلاثة أيام السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في أشخاص تخاصموا على أشياء من الدنيا، فلا يسلم أحد على أحد ولا يأكل معه ولا يجلس معه، ويستمر هذا الحال شهوراً وسنين، فما رأيكم في هؤلاء الأشخاص وهم من قرابتي، وجزاك الله خيراً؟ الجواب أقول: إن هذا عمل سيئ من أكابر الذنوب، فإنه (لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) والشحناء والعداوة والبغضاء من إلقاء الشيطان: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91] وكذلك غير الخمر والميسر، والشحناء بين الناس يمكن أن تكون مانعاً من الخير؛ فإن الأعمال تعرض على الله عز وجل يوم الإثنين والخميس، فينظر الله عز وجل فإذا كان بين اثنين شحناء وعداوة قال عز وجل: (أنظروا هذين حتى يصطلحا) وكذلك ورد أن الشحناء تمنع بركة ليلة القدر، وأنه لا يغفر لاثنين بينهما شحناء وعداوة في هذه الليلة العظيمة. فالواجب أن تسعى للصلح بينهما ولو اقتطعت شيئاً من مالك من أجل هذا؛ لأنك سوف تكسب ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: أنك تبذل مالك في طاعة الله. الفائدة الثانية: أنك تصلح بين اثنين من المسلمين. الفائدة الثالثة: أن تكون سبباً لصلة الرحم؛ لأن هؤلاء أقارب، فإذا أصلحت بينهم أزلت الشحناء والعداوة ثم جعلتهم يتواصلون فتكون أنت السبب، فاحرص جزاك الله خيراً على أن تسعى بينهم بالإصلاح ما استطعت ولو بشيء من مالك. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 29 حكم التيمم مع إمكانية استعمال الماء السؤال فضيلة الشيخ! قبل ليلتين أو ثلاث ليال حدث أن تيمم بعض الناس لصلاة المغرب والعشاء؛ لأن الماء كان بارداً، وهناك أشخاص سخنوا الماء وتوضئوا وجمعوا بين صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم، وصلوا النافلة وأوتروا خشية أن ينتقض الوضوء؟ الجواب هذا العمل جمع شيئين، الأول: هؤلاء الذين تيمموا مع إمكان تسخين الماء والتوضأ به صلاتهم باطلة وعليهم أن يعيدوها؛ لأن الله عز وجل أباح لنا التيمم إذا لم نجد الماء أو كنا مرضى لا نستطيع استعماله. الثاني: هؤلاء الذين توضئوا وصلوا العشاء مع المغرب جمع تقديم ثم إيتارهم بعد ذلك خوفاً من مشقة الوضوء مرة ثانية، فهذا صحيح لا بأس به، لكن الذين لم يتوضئوا عليهم الإعادة، إعادة المغرب والعشاء وجوباً وإعادة النفل تطوعاً؛ لأن النافلة نافلة من شاء قضاها ومن شاء لم يقضها. ثم قوله: إن الهواء بارد فالحمد لله هناك ما يتقي به الهواء، الخيمة منصوبة قائمة يتقي بها الهواء، استدبار الهواء، إذا جعلت الهواء خلف ظهرك لم يضرك. فشرط التيمم هو تعذر استعمال الماء سواء بمرض أو فقد الماء، أو يكون بارداً لا نستطيعه ولا عندنا ما نسخن به، سبحان الله! الناس إذا خضعوا للكسل صار الشيء عندهم هيناً، بمعنى أنه يهون عليهم تضييع الواجبات، كان الناس سابقاً يسافرون في الشتاء على الجمال، ويتعرضون لمثل هذا البرد أو أكثر، ومثل هذه الريح أو أكثر، يقفون على الغدير قد جمد أعلاه ثلجاً، فيكسرون الثلج ويغتسلون بالماء تحته ويصبرون؛ لأن عندهم قوة إيمان، وإن كنا لا نوافقهم على هذا العمل؛ لأن ذلك يخشى منه على النفس، ولكن مع ذلك لا يهتمون بهذا، وهؤلاء عندهم ما يسخنون به الماء فيتكاسلون ويتيممون مع وجود الماء. السائل: بعض العوام تيمم عند شدة البرد هل يؤمر بقضاء الصلوات القديمة؟ الشيخ: نعم. الذي يتيمم مع إمكان استعمال الماء عليه أن يقضي الصلاة. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 30 كيفية التعامل مع الأخطاء الموجودة في المناهج الدراسية السؤال فضيلة الشيخ! ما الواجب على المدرس الذي يجد بعض الأخطاء في المناهج، هل يبينها للطلاب أم يترك هذا الدرس ويتعداه مع أن الموجه يقول: لا تترك شيئاً ولا تنبه الطلاب على أي خطأ، بل ارفعه للوزارة ليناقشوه؟ الجواب أما مسائل الاجتهاد إذا وجدت في المقرر ما يخالف اجتهادك فلا تغير المقرر؛ لأنك لا تدري الصواب معك أو مع الثاني، فأنت لست رسولاً يوحى إليك حتى تقول: إن كلامي هو الصواب والآخر خطأ بل أنت مجتهد، يحتمل أن يكون الصواب معك أو مع الثاني، فمثل هذا لا تغيره. أما إذا كان مما ليس فيه اجتهاد كمسائل العقيدة فهذه يجب أن تبينها ولكن لا يكفي أن تبينها للطلاب، يجب أن تكتب عنها للمسئولين في الوزارة، وإذا لم يبت فيها اكتب لغيرهم من العلماء، هذا في مسألة العقيدة -مثلاً- إذا وجدت في الكتاب المقرر أن الله خلق القرآن ولم ينزله، هذا لا يجوز إطلاقاً مع إني والحمد لله فيما أظن أنه لا يوجد في المقررات في الابتدائي ما يخالف العقيدة الإسلامية. السائل: هناك أنشودة في الصف الثالث: الله أكبر من أمي ومن أبي ومن التلفاز، فهل يجوز مثل هذا؟ الشيخ: هذا الذي ذكرت كتب إلي فيه، والحقيقة أنه غلط كبير؛ لأن التلميذ إذا ألقي في ذهنه هذا الكلام فما الذي يتصوره بالنسبة لله؟ يتصور أن الله أكبر من التلفاز، يعني: كبر هذا الباب وهذا خطأ عظيم جداً، وأنا أتعجب! أين الموجهون الذين يوجهون الطلاب، ويوجهون المدرس، وينظرون في المقررات، قد تقول: هذه غفلة منهم أو تغافل أو جهل بلا شك. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 31 الانشغال بكرة القدم السؤال يسألون الطالب في الصف الثالث عن تمجيد كرة القدم بوضع كأس العالم لها والناس يحبونها، فهل تحب كرة القدم؟ الجواب إذا قال: تحب كرة القدم، قال: نعم. ومن وقت خروجه من الدرس يضع كتبه ويذهب يلعب كرة القدم، ولهذا أوجبت هذه الكرة غفلة التلاميذ، حتى كبار التلاميذ في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، أخذت لبهم وعقولهم، ونسوا ما خلقوا له، إلا من شاء الله، ونسوا ما ينبغي أن يكونوا عليه من التفكير بأحوال المسلمين، وماذا يجب علينا نحو جاهلهم، وماذا يجب علينا أن نعد لهم، أنستهم ذلك كله، والحقيقة أني أرى أن المسألة تحتاج إلى نظر، كون هذه الألعاب تكثف للطلاب حتى يشتغلوا بها عما هو أهم، بل حتى يشتغلوا بها عما هو مهم، هل نحن إذا تعلمنا هذه الكرة والألعاب الأخرى التابعة لها نستطيع بذلك أن نفتح بيت المقدس؟! أبداً لا نستطيع، هل نستطيع أن ندافع بها عن وطننا لو حصل عليه هجوم من عدو؟ أبداً لا نستطيع بلا شك، وفي المحنة التي حصلت للخليج قبل سنتين من الذي نفع الناس؟ نفعهم الله عز وجل لكن بواسطة الدعاء والمباشرة أن الناس المتدينين هم الذين بقوا في البلد بعد احتلالها من الآخرين هم الذين صاروا يوزعون الطعام ويعينون المحتاج للمعونة، ما جاء أصحاب الكرة وغيرهم، أصحاب الكرة يمكن خرجوا إلى بلادٍ بعيدة حتى ينجوا بأنفسهم، لهذا فالواجب علينا نحن أن نهتم بالشيء النافع، أما هذه الألعاب فيسلي الإنسان نفسه عند التعب وعند الملل والكسل، أما أن تكون هي رأس المال وكل شيء فلا. نسأل الله الهداية. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 32 حكم التورية والتأول للتخلص من رفقاء السوء السؤال شخص هداه الله سبحانه وتعالى وله أصدقاء سوء يتحجج لهم أنه ليس في البيت أحد، وأنه مشغول، ويخشى على نفسه أن يكون كذاباً بهذه الطريقة؟ الجواب هذا الذي مَنَّ الله عليه بالهداية وله قرناء السوء يتعذر لهم إذا جاءوا إليه بأنه مشغول، لا حرج عليه إذا فعل ذلك وينوي بقوله مشغول، فإن كل إنسان مشغول بالذكر، مشغول مع الأهل، مشغول بإصلاح البيت، أو نحو ذلك، ويتأول في هذه الحال ولا بأس عليه؛ لأنه يريد أن يسلم من شرهم ولكن هناك شيء أحسن من هذا: أن يدخلهم ويعرض عليهم الهداية، يدعوهم للهدى ويقول لهم مثلاً: الحمد لله أن هداني الله عز وجل ووجدت أن الهداية نور وانشراح صدر وأنس وطمأنينة، وأنا كنت مثلكم في السابق لكن وجدت الخير والهداية فاعملوا لهذا الخير. يدعوهم فربما يهتدون، وإذا لم ير منهم استجابة فبإمكانه أن يزور أحدهم زيارة خاصة في البيت ويدعوه؛ لأنك إذا عجزت عن الجمع فعليك بالأفراد، وهذا من الحكمة؛ لأن الجمع إذا كان جميعاً قد يكون بعضهم يقوي الجانب الآخر على عدم القبول ويبقون على ما هم عليه، لكن إذا جئتهم واحداً واحداً استجاب لك الواحد تلو الآخر، مثلما صنعت قريش في نقض الصحيفة التي اتفقوا على أن يقاطعوا بني هاشم حتى حاصروهم في شعب أبي طالب -ويمكن قرأتم ذلك في كتب السيرة- قام بعض الناس منهم وقالوا: لا يمكن فبنو هاشم منا، ومن أشرافنا، فكيف نجعلهم محصورين في الشعب، فبدأ يذهب كل شخص على انفراد، يقول: انقض الصحيفة، تخلّ عن هذا، حتى تخلوا عنها. فهذا خير إذا كان يتمكن من إصلاحهم وهدايتهم، وهو الأولى، أما إذا لم يتمكن فلا بأس أن يقول: أنا مشغول، أو يقول لأهل البيت إذا عرف أنهم هم: قولوا: فلان غير موجود. فهذا يجوز إذا نوى أنه غير موجود بأحد حجرات البيت، وهو كذلك في الحقيقة وإن كان موجوداً بغرفة أخرى. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 33 حكم مصافحة الداخل للجالسين في المجلس السؤال فضيلة الشيخ! هل في مصافحة الداخل على الجالسين دليل من الكتاب والسنة أو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم جزاك الله خيراً؟ الجواب لا أعلم فيها شيئاً من السنة، ولهذا لا ينبغي أن تفعل، بعض الناس الآن إذا دخل المجلس بدأ المصافحة من أول واحد إلى آخر واحد، وهذا ليس بمشروع فيما أعلم، وإنما المصافحة عند التلاقي، أما الدخول إلى المجالس فإنه ليس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه أن يفعلوه، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس ولم نسمع أيضاً أنه إذا جلس حيث انتهى به المجلس أنهم يقومون ويصافحونه. فالمصافحة على هذا الوجه ليست بمشروعة، وقد سألت عنها من نعتمدهم من مشايخنا فقالوا: لا نعلم لها أصلاً في السنة، وبعض الناس إذا دخل بالقهوة أو بالشاي صب للذي على يمينه ولو كان أصغر القوم بناءً على التيامن في كل شيء، وهذا أيضاً ليس بمشروع، إذا دخلت فابدأ بالأكبر ثم أعط للذي على يمينك أنت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام اثنين وفي يده سواك أراد أن يعطيه لأحدهما فقيل له: (كبر كبر) يعني: ابدأ بالأكبر فالأكبر، إذا كان إنسان على يمينه شخص وعلى يساره آخر وأراد أن يعطيهم شيئاً فليبدأ باليمين؛ لأن هذا يمين وهذا يسار، أما الذي أمامك فابدأ بالأكبر فإذا دخلت على المجلس ومعك الشاي والقهوة، فابدأ بالأكبر ثم بالذي على يمينك. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 34 حكم الغسل من الجنابة عند استخدام الكبوت السؤال فضيلة الشيخ! إذا أراد إنسان أن يجامع زوجته وقبل أن يجامع يضع شيئاً يسمى (كبوت) يباع في الصيدليات فلما جامع لم ينزل هل يجب عليه الغسل أو لا؟ الجواب يجب عليه الغسل احتياطاً، وإلا فبعض العلماء يقولون: هذا لا يحب عليه الغسل؛ لأنه ما التقى الختانان. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 35 الأقربون أولى بالمعروف السؤال هناك امرأة تريد أن تتبرع بمبلغ من المال لبناء مسجد في هذه البلدة، ولكن أشير عليها أن تبني بقيمة بناء مسجد واحد أربعة مساجد في أربعة أماكن في الدول الشيوعية التي منَّ الله عليها وتحررت من الشيوعية ولعل الخير هناك يكون أكثر، فما رأيك يا شيخ! هل تقيم مسجداً صغيراً هنا أم تقيم أربعة مساجد كبيرة هناك؟ الجواب الذي أرى أنه ما دامت البلدة التي فيها محتاجة إلى مسجد كبير أو صغير فهي أولى من هناك، ابدأ بنفسك أولاً، ثم الأقربون أولى بالمعروف. الجزء: 18 ¦ الصفحة: 36 لقاء الباب المفتوح [19] في هذا اللقاء تفسير ما تبقى من سورة الانشقاق، حيث تحدثت الآيات عن الإنسان وكفره بالله عز وجل، كما تحدثت الآيات عن خلق الإنسان وبيان الشيء الذي خلق منه وكيف أن الله تعالى أماته ثم أكرمه بالدفن في الأرض؛ لأن الإنسان أفضل مخلوق على وجه الأرض، فلذلك أكرمه بأن دفنه فيها، واستمر الشيخ في تفسيره للآيات حتى آخر السورة، ثم أجاب على الأسئلة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة عبس الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1413هـ) وهو يوم الخميس الذي اعتدنا اللقاء فيه بالإخوان، وكان من عادتنا أن نقدم بين يدي الأسئلة تفسيراً موجزاً ابتدأنا فيه من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من القرآن الكريم؛ لأنه يتكرر كثيراً على العامة في الصلوات، وكان منتهى ما تكلمنا عليه قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:15-16] . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قتل الإنسان ما أكفره) ثم قال جل وعلا: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] (قتل) تأتي في القرآن كثيراً، فمن العلماء من يقول: إن معناها (لعن) ، والذي يظهر أن معناها: أُهلك؛ لأن القتل يكون به الهلاك وهو أسلوبٌ تستعمله العرب في تقبيح ما كان عليه صاحبه، فيقولون -مثلاً-: قُتل فلان ما أسوأ خُلقه، قُتل فلان ما أخبثه، وما أشبه ذلك. وقوله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ} [عبس:17] قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة وليس كل إنسان؛ لقوله فيما بعد: {مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس؛ لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح: (أن الله يقول: يا آدم -يقول ذلك يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك، فيقول له الله عز وجل: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا ربِّ! وما بعث النار، فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار وواحد من الألف في الجنة) فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك لما دلت عليه النصوص الأخرى. وقوله: {مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17] قال بعض العلماء: إن (ما) هنا استفهام، أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟ وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب يعني: ما أعظم كفره! وإنما كان كفره -أي: كفر الإنسان- عظيماً؛ لأن الله أعطاه عقلاً، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وأمده بكل ما يحتاج معه إلى التصديق، ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيماً. والفرق بين القولين: أنه على القول الأول تكون (ما) استفهامية أي: ما الذي أكفره؟ وعلى القول الثاني: تكون تعجبية، يعني: عجباً له، كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى؟! والكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر، ومنه: إنكار البعث، فإن كثيراً من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يبعث الناس بعد أن صارت عظامهم رميماً، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره) قال تعالى: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [عبس:18] استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} [عبس:19] أي: أنت أيها الإنسان! كيف تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟! ألم تخلق من العدم؟ لم تكن شيئاً مذكوراً من قبل فوجدت وصرت إنساناً، فكيف تكفر بالبعث؟ ولهذا قال: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ} [عبس:19] والنطفة هي في الأصل: الماء القليل، والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب، يلقيه الرجل في رحم المرأة فتحمل {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:19] أي: جعله مقدراً أطواراً، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق، فقال: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) . فهو مقدر في بطن أمه، من الذي يقدره هذا التقدير؟ من الذي يوصل إليه ما ينمو به من الدم الذي يتصل به بواسطة السرة إلا الله عز وجل؟ ولهذا قال: {فَقَدَّرَهُ} [عبس:19] . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ثم السبيل يسره) قال تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] (السبيل) هنا بمعنى الطريق، أي: يسر له الطريق ليخرج من بطن أمه إلى عالم المشاهدة، ويسر له -أيضاً- بعد ذلك ما ذكره تعالى في قوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] يسر له ثديي أمه يتغذى بهما، ويسر له بعد ذلك ما فتح له من خزائن الرزق، ويسر له فوق هذا كله ما هو أهم وهو طريق الهدى والفلاح، وذلك بما أرسل إليه من الرسالات وأنزل عليه من الكتب. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ثم أماته فأقبره) ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:21] والموت مفارقة الروح للبدن، (وأقبره) أي: جعله في قبره، أي: مدفوناً ستراً عليه وإكراماً واحتراماً؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات، جثثاً ترمى في الزبائل لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَأَقْبَرَهُ} [عبس:21] قال: [أكرمه بدفنه] . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ثم إذا شاء أنشره، كلا لما يقض ما أمره) قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:22] إذا شاء الله عز وجل (أنشره) أي: بعثه يوم النشور ليجازيه على عمله، فهو لا يعجزه عز وجل أن ينشره ولكن لم يأتِ أمر الله بعد، ولهذا قال: {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس:23] (لما) بمعنى: (لم) ولكنها تفارقها في بعض الأشياء، والمعنى: أن الله تعالى لم يقض ما أمر به كوناً وقدراً، أي: أن الأمر لم يتم لإنشار هذا الميت، بل له موعدٌ منتظر، وفي هذا ردٌ على المكذبين بالبعث الذين يقولون: لو كان البعث حقاً لوجدنا آباءنا الآن، وهذا القول منهم تحدٍّ مكذوب؛ لأن الرسل لم تقل لهم: إنكم تبعثون الآن، ولكنهم قالوا لهم: إنكم تبعثون جميعاً بعد أن تموتوا جميعاً. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه) ثم قال عز وجل مذكراً الإنسان بما أنعم عليه: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:24-25] أي: فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحد خلقه غير الله؟ وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الآية قول الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:63-67] من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى؟ ويسر الحصول عليه حتى كان طعاماً لنا؟ هو الله عز وجل، ولهذا قال: (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:68-70] وهنا يقول: {فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس:24] من أين جاءه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس:25] أي: من السحاب {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً} [عبس:26] بعد نزول المطر عليها تتشقق بالنبات: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} [عبس:27] أي: في الأرض {حَبَّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:27-31] أنبتنا فيها حباً كالبر والأرز والذرة والشعير وغير ذلك من الحبوب الكثيرة (وَعِنَباً) معروف، (وَقَضْباً) قيل: إنه القتّ وهو معروف، (وَزَيْتُوناً) معروف (وَنَخْلاً) كذلك. (وَحَدَائِقَ غُلْباً) الحدائق جمعها حديقة، و (الغلب) كثيرة الأشجار، و (فاكهةً) أي: ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه، (وَأَبّاً) الأب نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس:32] أي: أننا فعلنا ذلك متعة لكم يقوم بها عودكم وتتمتعوا بها أيضاً بالتفكه بهذه النعم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءت الصاخة) ثم لما ذكر الإنسان بحاله منذ خُلق من نطفة حتى بقي في الدنيا وعاش ذكر حاله الأخيرة في قوله: {فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ} [عبس:33] أي: الصيحة العظيمة التي تصخ الآذان، وهذا هو يوم القيامة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34-36] (من أخيه) شقيقه أو لأبيه أو لأمه (وأمه وأبيه) الأم والأب المباشر والأجداد -أيضاً- والجدات، يفر هؤلاء كلهم (وصاحبته) أي: زوجته (وبنيه) وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه يفر من من هؤلاء كلهم. قال أهل العلم: يفر منهم لئلا يطالبوه بما فرط به في حقهم من أدب وغيره؛ لأن كل شخص في ذلك اليوم لا يحب أبداً أن يقوم له أحدٌ يطالبه بشيء: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] كل إنسان مشتغلٌ بنفسه لا ينظر إلى غيره، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: واسوأتاه يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذٍ مسفرة) ثم قسم الله الناس في ذلك اليوم قسمين فقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38-39] (مسفرة) من الإسفار وهو الوضوح؛ لأنها وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم من السرور والانشراح (ضَاحِكَةٌ) أي: متبسمة، وهذا من كمال سرورهم (مُسْتَبْشِرَةٌ) أي: قد بشرت بالخير؛ لأنها تتلقاهم الملائكة بالبشرى يقولون: سلام عليكم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [عبس:40] أي: يوم القيامة {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس:40] أي: شيء كالغبار؛ لأنها ذميمة قبيحة {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:41] أي: ظلمة {أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:42] الذين جمعوا بين الكفر والفجور. نسأل الله العافية، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة. هذا الكلام الذي نتكلم به عن هذه الآيات لا نريد به البسط، ولكن نريد به التوضيح المقرب للمعنى لكثرة قراءتها في الصلوات والاستماع إليها خلف الأئمة، ونسأل الله أن يجعل فيه فتحاً مبيناً لنا ولكم، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 19 ¦ الصفحة: 11 حكم اختلاف نية المأموم عن نية الإمام في الصلاة السؤال ما رأي فضيلتكم عند إقامة الصلاة للمسافرين إذا أدوا فريضة المغرب وأرادوا أن يؤدوا فريضة العشاء وإذا بجماعة أخرى دخلت المسجد لأداء الفريضة، هل يصلون المغرب بنية العشاء أم يقيمون جماعة منفصلة؟ الشيخ: أولاً: الجمع الذي ذكرت أن المسافرين يصلون الراتبة والمسافر ليس عليه راتبة، ولا ينبغي أن يصلي الراتبة. السائل: يريدن أن يصلوا المغرب وجاءوا وقت العشاء لأنهم نووا جمع تأخير. الشيخ: المهم أنه ما فيه راتبة. السائل: نعم. الجواب هؤلاء الجماعة جمعوا جمع تأخير، ثم لما صلوا المغرب حضرت جماعة تريد صلاة المغرب: الذي ينبغي أن الجماعة التي حضرت هم الذين يصلون وراء الجماعة الأولى، فتقيم الأولى صلاة العشاء وتدخل معهم الجماعة الثانية بنية المغرب، فإذا سلمت الجماعة الأولى من صلاة العشاء -وهي ركعتان- قام هؤلاء فأتموا صلاة المغرب، هذا أولى؛ لأن هؤلاء أسبق من المتأخرين؛ ولأن هؤلاء إذا كان إمامهم هو الذي يصلي بهم جميعاً لم تختل صلاة المغرب بالنسبة للآخرين، لكن لو أن المتأخرين هم الذين صلوا بهؤلاء جماعة اختلت صلاة العشاء في حقهم، فالأولى أن يكون الإمام من الجماعة الأولى الذين يريدون أن يصلوا صلاة المغرب. السائل: لو أدوا المغرب والعشاء جماعة وهناك جماعة يصلون العشاء في نفس الوقت هل يجوز أم لا؟ الشيخ: إمامة الجماعتان في مسجد واحد في آن وا حد هذا خلاف السنة، وخلاف الاجتماع، بل عده بعض العلماء من البدع، فالذي ينبغي أن يجتمعوا جماعة واحدة، والأولى أن تكون الجماعة مؤتمة بإمام الجماعة الأولى. السائل: لو دخلوا والإمام يصلي المغرب وهم مسافرون وقد أدوا صلاة المغرب ويريدون أن يصلوا العشاء هل يأتون بأربع لأنهم يريدون أن يقصروا. الشيخ: الجماعة الذين دخلوا معهم وهم يصلون المغرب؟ السائل: صلوا المغرب وتبقى لهم صلاة العشاء. الشيخ: الجماعة الثانية باقي لها العشاء فقط؟ السائل: نعم. الشيخ: دخلوا بنية صلاة العشاء مع هؤلاء الذين يصلون المغرب. السائل: نعم. الشيخ: الإمام نيتة المغرب، وهؤلاء نيتهم العشاء، وأدركوا مع الإمام صلاة المغرب أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا صلوا مع الإمام صلاة المغرب ثلاثاً وسلم قاموا فأتوا ركعة واحدة فصارت صلاة العشاء متممة. السائل: هل يسلمون على ركعتين لأنهم مسافرون؟ الشيخ: لا. ما ينفع أن يسلموا، لكن إن شاءوا جلسوا إذا قام، وإن شاءوا أتموا معه، فإذا سلم أتوا بركعة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 12 معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) السؤال أرجو توضيح حديث الرجل الذي كان يعمل بعمل أهل الجنة ثم ختم له بعمل أهل النار؛ لأن بعض الإخوة كان من أهل الالتزام والاستقامة ثم قبل وفاته بشهر تقريباً انتكس ثم مات؟ الجواب الحديث هو حديث ابن مسعود: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حديث صحيح. ولكنه قد ورد تقييده بالنسبة لمن يعمل بعمل أهل الجنة فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، ورد تقييده بأنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وذلك فيما رواه البخاري في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يدع شاذة ولا فاذة للعدو إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة وكبر عليهم، كيف يكون هذا المجاهد البطل من أهل النار؟! فقال أحد الصحابة: والله لألزمنه -أي: ألازمه حتى أنظر ماذا تكون العاقبة- فيقول: فتابعته حتى أصابه سهم من العدو فجزع، فأخذ بسيفه وجعله على صدره واتكأ عليه حتى خرج من ظهره فمات، فجاء الرجل الذي كان ملازماً له إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: ولم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فهذا الحديث يقيد حديث ابن مسعود يعني: أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، إلى أن يقرب أجله ثم يعمل بعمل أهل النار، ولهذا ينبغي للإنسان دائماً أن يسأل الله تعالى الثبات وحسن الخاتمة، وألا يغتر بعمله الذي هو عليه الآن؛ لأن هذا العمل قد يختلف عند الوفاة، فالأمر شديد عظيم. نسأل الله عز وجل أن يحسن لنا ولكم الخاتمة. السائل: هل يجب الحذر من النفاق والرياء؛ لأنه يدخل في هذا؟ الشيخ: نعم. المنافق يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدوا للناس وهو من أهل النار، وكذلك المرائي، ولذلك يجب الحذر من النفاق والرياء بحيث يراجع الإنسان قلبه دائماً ويتجنب آيات المنافق التي حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) يتجنب هذا كله. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 13 حكم دخول المأموم الذي لم يصل المغرب مع الإمام في صلاة العشاء السائل: بعض الأحيان في صلاة المسافر مع المقيم من حيث الترتيب مثل أن يدخل المسافر مع المقيم صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب، هل يقدم العشاء على المغرب إذا دخل مع الإمام؟ ما هو الحكم؟ الشيخ: الحكم ليس كما قلت، إذا جاء الإنسان والإمام في صلاة العشاء، وهو لم يصل صلاة المغرب، ودخل مع الإمام بنية المغرب فليستمر مع الإمام. السائل: يعني بصلاة العشاء؟ الشيخ: الإمام يصلي العشاء والمأموم يصلي معه، يستمر معه، فإذا أتم المأموم ثلاثاً جلس وقرأ التشهد وسلم ودخل مع الإمام فيما بقي للإمام من صلاة العشاء، هذا إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة. أما إذا دخل مع الإمام من الركعة الثانية فلا إشكال، إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية ونوى المغرب فليستمر مع الإمام ويسلم معه ولا إشكال هنا. وبقي مسألة التشهد وليس فيها إشكال، التشهد يفوت حتى في صلاة الظهر، لو دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فإنه سوف تتشهد في ركعتك الأولى وتترك التشهد في ركعتك الثانية، يعني الإمام سوف يقوم إلى الرابعة. السائل: بعض الناس يفتي أنه يدخل مع الإمام بأن يصلي العشاء ثم يصلي المغرب؟ الشيخ: نعم. بعض العلماء يرى هذا أنك تدخل مع الإمام بنية الإمام، أي: بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب. السائل: والراجح يا شيخ؟ الشيخ: الراجح الأول من أجل الترتيب. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 14 حكم كشف الزوجة لوجهها أمام زوج أم زوجها السؤال رجل تزوج بامرأة، فهل يحق للمرأة أن تكشف لزوج أمه؟ الجواب إذا تزوج الرجل بامرأة صار جميع أصوله محرماً لها، فزوج أمه إذا كانت المرأة التي تزوجها، إذا كان جده من جهة أمه فإنها تكشف وجهها له، أما إذا كان زوج أمه والبنت من غير هذه المرأة، فإنها لا تكشف له، لأنه ليس محرماً لها. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 15 حكم إتيان الإمام براتبه الفجر مع تأخره عن الناس السؤال فضيلة الشيخ! إمام أتى إلى المسجد متأخراً في صلاة الفجر، والجماعة ينتظرون الصلاة، هل من الأفضل أن يأمر بإقامة الصلاة أو يصلي ركعتين الراتبة ثم يقيم الصلاة؟ الجواب إذا كان يشق على المأمومين لو صلى ركعتين، فالأفضل أن يصلي بالناس ثم يصلي الركعتين بعد ذلك، وإذا كان لا يشق -كما هو الغالب- فإنه يصلي ركعتين أولاً لأنهم إذا رأوه قد حضر سهل عليهم الأمر. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 16 الآيات الأولى من سورة الغاشية وحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) السؤال فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:1-4] كيف تعمل هذه الوجوه وتنصب ثم في الآخرة تصلى ناراً حامية، وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) موافق لهذه الآية؟ الجواب هذه الوجوه خشوعها وعملها ليس في الدنيا، هذا يوم القيامة؛ لأن الله قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [الغاشية:2] أي: يومئذ تأتي غاشية {خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2-3] وكذلك قوله: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] فهذا يكون يوم القيامة وليس في الدنيا، وعاملة عملاً لا تعرف ما هو العمل الذي تكلف به يوم القيامة، وناصبة من النصب الذي هو التعب. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 17 حكم الحلف بالطلاق السؤال رجل تزوج امرأة وفي ساعة غضب بينه وبين أمه، والأم دائماً في شجار مع زوجته، فأقسم بالطلاق ألا تبقى زوجته في هذا البيت في هذا اليوم، فهل تحسب طلقة؟ الجواب لا. هذا ليس بطلاق، هذا يمين؛ لأن مراده بقوله: عليَّ الطلاق توكيد منه بعدم المبيت. السائل: حلف ثم باتت في البيت. الشيخ: إذ حلف فعليه كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين، وليس عليه طلاق. السائل: لا تحسب طلقة؟ الشيخ: لا تحسب طلقة؛ لأن هذا يمين، نعم لو قال: أنا أردت الطلاق وما قصدي بذلك التأكيد قلنا: تطلق. لكنه أراد التأكيد. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 18 حكم تعليق التمائم السؤال قرأت في كتاب التوحيد في باب ما جاء في الرقى والتمائم إذا كان المعلق من القرآن رخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص، ويجعله من المنهي عنه، منهم: ابن مسعود رضي الله عنه، وعن إبراهيم قال: [كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن] ولكن هذا قول إبراهيم وقول ابن مسعود رضي الله عنه وهو بسندٍ ضعيف أو صحيح. سؤالي: أولاً: في أي كتاب وجدت أقوال السلف الذين لم يرخصوا. ثانياً: وما حكمهما عندهم: هل هو شرك أو بدعةٌ أو مكروه كما في مسند أبي الجعد عن إبراهيم قال: [كانوا يطلبون الشيء ولا يحرمونه] . ثالثاً: وما علة النهي، هل أنهم يدخلون به الخلاء أم عندكم علةٌ أخرى، كما قال ابن مسعود وإبراهيم في مصنف ابن أبي شيبة؟ الجواب التمائم هي ما يعلق على الإنسان المريض ليشفى من المرض أو يعلق على الإنسان الصحيح ليتقى به العين، وإن كان مريض يعلقها لكي يشفى ويزول المرض، أو صحيح ليس بمريض لكن يعلقها لئلا تصيبه العين (الحسد) ، هذه التمائم لا تخرج عن حالات ثلاث: الحالة الأولى: أن يكتب فيها شرك وطلاسم، فهذه حرام بالاتفاق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فكيف بالتمائم؟ التمائم أشد. الحالة الثانية: ألا نعرف ما المكتوب فيها، فهذه أيضاً حرام؛ وذلك لأنه قد يكتب فيها شيء من الشرك من دعاء الجن أو الشياطين أو غير ذلك فتكون حراماً. الحالة الثالثة: أن نعلم أن المكتوب فيها من القرآن أو من الأدعية النبوية، فهذه فيها خلاف بين السلف والخلف، فمنهم من أجازها مستدلاً بعموم قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فيقول: (ما هو شفاء) مطلق للمبين، فكل شيءٍ من القرآن يستشفي به الإنسان ويشفى فهو حق وأجاز ذلك، ومنهم من منعها وقال: إنها مكروهة كراهة تحريم أو كراهة تنزيه؛ لعموم النهي عن التمائم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) فتكون ممنوعة، فمنهم من قال: إنها كراهة تنزيه، ومنهم من قال: إنها كراهة تحريم، ولا شك أننا إذا جعلناها قسماً من الشرك فإنها تكون محرمة؛ لأن الشرك محرم صغيره وكبيره، ووجه ذلك: أن الإنسان إذا علقها تعلق قلبه بها ونسي القراءة المشروعة والتعوذات المشروعة، بل وربما يتعلق قلبه بها تعلقاً تاماً ينسى بها الخالق، ولهذا جاء النهي عنها. وأما الكراهة في قول النخعي: كانوا يكرهون، فالكراهة في العرف السابق في سلف هذه الأمة للتحريم إلا إذا صرحوا بأنها كراهه تنزيه. أما الكراهة عند المتأخرين بعد أن كتبوا في أصول الفقه وألفوا وفرعوا وأكثروا، فإن الكراهة عندهم للتنزيه وليست للتحريم. والذي أرى في التمائم المكتوبة من القرآن أن تجنبها أولى ولكنها ليست حراماً. السائل: ولكن أريد أقوال السلف الذين لم يرخصوا في أي كتاب؟ الشيخ: الذين لم يرخصوا بذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: هذا أثر ابن مسعود. السائل: هل هو بإسناد ضعيف؟ الشيخ: إسناده ضعيف، لكن متنه قوي من حيث عموم (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) . السائل: أي أنه فقط أصل ظاهر؟ الشيخ: الأصل أن المتن هذا يقوى بالأحاديث، ويجب أن تعلم أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن ضعيفاً، وقد يكون المتن قوياً والسند صحيحاً، ومن ثم اشترط العلماء -علماء مصطلح الحديث- لصحة الحديث ألا يكون الحديث معللاً ولا شاذاً، فإن كان معللاً بعلة قادحة أو شاذاً فإنه مردود ولو كان سنده صحيحاً، واعتبروا الشواهد فيما إذا كان السند ضعيفاً أو المتن، وأنه إذا جاءت شواهد تؤيد هذا الشيء فإنه يكون صحيحاً ولو كان سنده ضعيفاً. السائل: ولكن لما قال: إن بعضهم لم يرخص، أين البعض؟ هل البعض ابن مسعود رضي الله عنه أم غيره؟ الشيخ: ابن مسعود أو غيره، والذي نقل هذا -أن بعضهم لم يرخص- هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو ثقة، وعلينا نحن الآن إذا قال بعضهم: علينا أن نبحث وأن ننظر في كتب الآثار كـ المصنف لـ عبد الرزاق وابن أبي شيبه وغيرهما. السائل: قرأت في مصنف ابن أبي شيبة فما وجدت غير قول ابن مسعود رضي الله عنه فقط. الشيخ: لكن هناك مصنفات أخرى غير مصنف ابن أبي شيبة، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثقة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 19 توضيح حديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) السؤال في الحديث: (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة) هل هم دائمون في النار أو أنهم من فرق الضلالة من المسلمين؟ الجواب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) لا يعني أنها كلها مخلدة في النار؛ بل تبتدع بدعة توجب التخليد في النار أو بدعة يستحق بها العبد أن يدخل بها النار ولكنه لا يخلد فيها، فكون حاله حسب البدعة التي ارتكبها وخالف فيها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. السائل: وواحدة في الجنة، أي: لا يدخل رجل من الفرقة الناجية النار؟ الجواب: قد يدخل في النار وإن دخل لم يخلد فيها. السائل: كيف نفهم هذا؟ الشيخ: نقول -مثلاً- الناس أربعة أقسام: أولاً: مبتدع خالص ليس عنده سنة إطلاقاً، فهذا مخلد في النار ولا إشكال فيه. ثانيا: مبتدع مختلط، فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد فيها. ثالثاً: سني خالص، فهذا يدخل الجنة ولا يستحق أن يدخل النار وإن دخلها بمعاص أخرى لم يخلد فيها. رابعاً: سني مختلط {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] ^ فهذا يستحق أن يدخل النار ولكنه لا يخلد. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 20 حكم الصلاة في الدوائر الحكومية وفي جماعات متفرقة السؤال في أحد الدوائر الحكومية أو في مكانٍ ما يوجد مكان للصلاة يصلي فيها أغلبهم ولكن توجد بعض الفئات يصلون منفردين جماعات؟ الجواب أولاً: نسأل هذه الدوائر الحكومية: هل يمكن أن تخرجوا إلى المساجد القريبة حولهم أم لا؟ إذا كان يمكن أن تخرج إلى المساجد القريبة حولهم دون أن يعطلوا العمل فإنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد؛ لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة يجب أن تكون في المساجد، وإن كان بعض العلماء يقول: الواجب الجماعة سواء كان في المسجد أو في البيت أو في المكتب، وإذا كان لا يمكن أن يخرجوا إلى المسجد لبعدها أو يخشى أنهم إذا خرجوا إلى المسجد تفرقوا أو تلاعبوا كما يوجد من بعضهم إذا خرج ذهب إلى بيته ولم يرجع، أو إذا خرجوا تعطل العمل لكون العمل كثيفاً يختل إذا خرجوا إلى المسجد؛ فإنهم يصلون في الدائرة في هذه الحال؛ لأن المحافظة على الوظيفة واجب لا يجوز الإخلال به، وإذا قلنا: إنهم يصلون في الدائرة فالواجب أن يجتمعوا جميعاً على إمام واحد إذا أمكن، فإن لم يمكن صلى كل دور في دوره، يجتمع أهل الدور الواحد في مكان واحد ويصلون. السائل: يوجد مكان متسع مخصص يصلون فيه؟ الشيخ: نعم مكان واسع يصلون فيه. السائل: لكن بعض الأفراد خمسة أو ستة يصلون لمفردهم؟ الشيخ: هذا لا يجوز ويجب أن يصلوا جميعاً. السائل: بعضهم يشتكي ويتعلل برائحة الشراب فبعض الطلاب رائحة شرابه مؤذية؟ الشيخ: كل هذا تحجر وتعلل غير صحيح، الشُراب حتى لو كان على الإنسان شُراب ولو لم يخلعها، ولو كان شرابه حين دخل غير نظيفة فإنها لا تصل إلى حد أن ينفر الناس منه؛ لأن القدم في الغالب لا يكون فيها عرق مؤذٍ، لكن هؤلاء يتحججون بكل شيء، فيقال: إذا كان عندك طالب رائحة جواربه مؤذية فاذهب إلى الجهة الأخرى. السائل: سألني بعضهم فأفتيته بأنه يجوز أن يصلوا منفردين؟ الشيخ: لا نفتي أنه يجوز أن تتعدد الجماعات في آن واحد. السؤال: هل يوجد تحديد للمسافة من بيته إلى المسجد؟ الجواب: المسافة ليس فيها تحديد شرعي وإنما يحدد ذلك العرف. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 21 حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل بدء السفر السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم جمع الصلاة بنية السفر قبل الخروج من البنيان؟ الجواب الجمع بين الصلاتين للمسافر سنة إذا كان يسير في البر، وجائز إذا كان نازلاً في البر، أما قبل أن يسافر من بلده فإنه لا يحل له أن يجمع؛ لأن سبب جمعه هو السفر ولم يبدأ به الآن، فلا يجوز أن يجمع إلا إذا خرج من البلد، كما أنه لا يجوز أن يقصر، فلو قال: إني عازم على السفر أصلي الرباعية ركعتين وأخرج؟ قلنا: لا يجوز. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 22 حكم صلاة الإمام الذي تذكر أنه على غير وضوء وحكم صلاة المأمومين السؤال نحن شباب من رفحة جئنا لزيارة بعض المشايخ، ونخبركم أن أهل رفحة يسلمون عليكم وعلى جميع الشباب، ونخبركم أن الدعوة ماضية، ويقولون: نحن نحبك في الله ونتقرب بحبك إلى الله، والسؤال يا شيخ! إذا أم إنسان جماعة وتذكر وهو في الصلاة أنه على غير وضوء ولم ينتقض وضوءه في الصلاة فهل تبطل صلاته لوحده أم الجماعة؟ الجواب نحن أولاً نود أن تقرئ إخواننا في رفحة السلام، ونخبرهم بأننا نسأل الله لهم الثبات على ما بشرتنا به من الاستقامة والدعوة، وأوصيهم أولاً بتقوى الله عز وجل، وبإخلاص النية، وبالتأني والصبر، وألا يملوا من القيام بالعمل الصالح، وألا يسأموا من الدعوة إلى الله ولو نالهم ما ينالهم من الأذى، ولكن ليكن هذا بالرفق، وانشراح الصدر، وانبساط الوجه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف) وهذا شيء أخبر به المعصوم عليه الصلاة والسلام وصدقه الواقع، فكثيرٌ من الشباب الذين مَنَّ الله عليهم بالهداية والاستقامة يريدون من الناس أن يستقيموا بين عشية وضحاها! فتجد صدورهم تضيق إذا رأوا من الناس عدم القبول، وربما يغضبون على من دعوهم وربما يشتمونهم أو يصفونهم بالضلال أو ما أشبه ذلك، وكل هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاث عشرة سنة ينزل عليه الوحي ولم يجد الاستجابة التامة، بل اضطر إلى أن يخرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، فعليهم بتقوى الله عز وجل والتأني في الأمور، والصبر، وانتظار الفرج، واحتساب الأجر من الله عز وجل، وأن يكثروا من الاستغفار والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة حتى تتم لهم الأمور، وليسألوا الله دائماً الثبات فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، إن شاء أزاغ القلب، وإن شاء ثبته، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وليحرصوا على تلقي العلم من أهل العلم، وألا يقرءوا كل كتاب وقع في أيديهم؛ لأننا نشاهد في الوقت الحاضر كثرة المؤلفات من قوم لم يعرفوا بالعلم، وهذا خطر عظيم، والإنسان لا ينبغي له أن يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل لا يعتمدون إلا على كتب عرف أهلها بالعلم والنصح والصلاح. وأما سؤالك عن الإمام الذي تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء فإننا نقول: إنه يجب عليه أن ينصرف من صلاته، ولا يحل له أن يستمر فيعبد الله بغير ما شرع ويتقرب إلى الله تعالى بما يسخط الله، فإن الله لا يرضى من العبد أن يصلي على غير وضوء، بل على غير طهارة، عليه أن ينصرف ثم يقول لأحد الجماعة الذين خلفه: يا فلان! أتم بهم الصلاة، فإن انصرف دون أن يستنيب من يكمل الصلاة فللمأمومين الخيار بين أمرين: إما أن يتموا فرادى، وإما أن يقدموا واحداً منهم يصلي بهم. أما المأموم فصلاته صحيحة وليس فيها بأس، ولا فرق بين أن يتذكر إمامه أنه ليس على وضوء أو أن يحدث له الحدث في أثناء الصلاة، فلا فرق بين هذا وهذا، فالمأموم معذور على كل حال؛ لأن المأموم لا يدري بحدث إمامه ولو علم أن إمامه محدث ما صلى وراءه. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 23 توضيح حديث: (لا يحل شرطان في بيع) السؤال أقرأ في كتاب البيوع من كتب الحنابلة مثل منار السبيل أو غيره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل شرطان في بيع) مع أن الفقهاء يجيزون شراء الشيء وحمله وتنزيله. كيف توجه هذا الحديث؟ الجواب توجيه الحديث أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفسر بعضه بعضاً ولا تناقض فيه، فالشرطان في بيع أن يقول البائع للشخص: بعت عليك هذه السلعة بعشرة مؤجلة بشرط أن تبيعها عليَّ بثمانية نقداً. فتنطبق المسألة على مسألة العينة، ومسألة العينة هي: أن يبيع الإنسان الشيء بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن باعه عليه بأقل من ذلك نقداً، مثل أن يقول: بعتك هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً، هذه مسألة العينة وهي حرام، سواء اتفقا عليها قبل أم لم يتفقا عليها، ويفسر هذا الحديث: (لا يحل سلف في بيع، ولا شرطان في بيع) على أن المراد بالشرطين بيع العينة. وأما ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، من أنه إذا جمع بين شرطين فإن العقد لا يصح، مثل: أن يشترط على رجل حمل البضاعة وتنزيلها فإن هذا القول ضعيف، والصحيح أن الشروط إذا جمعت ألف شرط وهي معلومة يمكن الحصول عليها فإنها جائزة؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقد يشمل الوفاء بأصل العقد وبما شرط فيه؛ لأن الشروط في العقد من أوصاف العقد فهي داخلة فيه، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء:34] ولما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا الحديث وإن كان في سنده كلام كثير، لكن يؤيده حديث عائشة الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فمفهومه: كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 24 فوائد الزواج من غير الأقارب السؤال فضيلة الشيخ! في كتاب النكاح من كتب الحنابلة رحمهم الله، يقولون: الأفضل في الزواج ألا تكون المرأة من أقاربه، هل ثبت من السنة ما يؤيد ذلك أو خلاف ذلك؟ الجواب هذا ذهب إليه بعض العلماء لفائدتين: الفائدة الأولى: أنه أنجب للولد، بمعنى أنه يجذبه عرق أمه إذا كانت من قبيلة وعرق أبيه إذا كان من قبيلة، فيجتمع في هذا الطفل أخلاق هؤلاء وهؤلاء. الفائدة الثانية: أنه أسلم من القطيعة؛ لأنه قد يحدث بينه وبين زوجته خلاف يؤدي إلى تقاطع الأرحام ليس بين الزوج والزوجة فقط بل بين الأقارب كلهم من هؤلاء وهؤلاء، ولكن عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يشمل القريبة والبعيدة، ولا يخفى علينا أن علي بن أبي طالب تزوج بـ فاطمة رضي الله عنها وهي بنت ابن عمه، فالصواب أنه لا يلتفت للقرابة والبعد، لكن يلتفت إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 25 توضيح مخالفة شيخ الإسلام الأئمة الأربعة في بعض المسائل السؤال بالنسبة للمسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأئمة الأربعة ألا يوجد كتاب مؤلف فيها؟ الجواب نعم. يوجد، جمعها بعض العلماء تزيد على عشرين مسألة، ولكنه رحمه الله لم يخالفهم بمعنى أنه خرج على أقوالهم كلها، ولكن خرج عن المشهور من أقوالهم، فتجده إذا اختار قولاً من الأقوال لا بد أن يكون له أصل ولاسيما عند الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يكون هذا القول الذي ذهب إليه غير مشهور فيظن الظان أنه خالف الأئمة الأربعة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 26 الأفضل في مسألة تغيير لون اللحية البيضاء السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان شعر اللحية أبيض، ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تغيير لونه بالحناء أو بغيره، فسؤالي هو: أيهما أفضل: تغييره أو إبقاؤه على ما هو عليه؟ الجواب الأفضل تغييره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، قال: (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 27 حكم صحبة من لا يصلي والجلوس معه السؤال إذا كان هناك شخصان أحدهما لا يصلي والآخر لا يشهد صلاة الجماعة ويدعي الصلاة في المنزل، فهل يجوز لي التعامل معهما من كلام وأكل وشرب وضحك إلى آخره؟ الجواب أما الذي لا يصلي أبداً فهذا كافر مرتد أخبث من اليهود والنصارى؛ لأن اليهودي والنصراني يقر على دينه، وهذا لا يقر على دينه. وأما الذي لا يصلي مع الجماعة فهو فاسق، ولكنه ليس بكافر، وهؤلاء الكفار أو الفساق لا يجوز للإنسان أن يوادهم بمعنى أن يطلب مودتهم أو محبتهم، ولكن له أن يتكلم معهم ويضحك إليهم بقصد التأليف إذا كان يرجو من ذلك أن يهتدوا، وكما نعلم جميعاً أن التأليف له أهمية، ولهذا يعطى الكافر من الزكاة -التي هي ركن من أركان الإسلام- للتأليف، فينظر الإنسان إذا كان هذا الرجل العاصي بترك الجماعة أو الذي لا يصلي أبداً إذا كان يرجو منه أن يستقيم إذا ضحك إليه وجلس معه وأكل معه فليفعل، وإن كان لا يرجو ذلك فلا يفعل لكنه لا يمنع من نصحه. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 28 حكم التكلم بأشياء لا تبنى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! سمعت من بعض الدعاة أكثر من مرة يقول: إن الناس قد ضعف عندهم التوكل، ذلك أني إذا سألت شخصاً أراد السفر عند من تنزل عندما تصل المكان الذي تريد؟ يقول: عند قريبي، فتقول: وإذا لم تجد قريباً؟ يقول: معي مال أنزل في فندق أو في شقة، فتقول: فإن لم يكن معك مال؟ يقول: الله يسهل الأمر، فهنا جعل الله في المرتبة الثالثة فهو ضعف في التوكل، وهذا يا فضيلة الشيخ! موجود بكثرة، وأمثال هذا الكلام متداول عندهم كثيراً وهم الذين قد سألت عنهم في الجلسة الماضية؟ الجواب أقول: إن من الآفات أن يتكلم الإنسان بأشياء لا تبنى على كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيتصور الحق باطلاً أو الباطل حقاً، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أضاف الشيء إلى سببه المعلوم فهو جائز، فإذا قيل للمسافر: كيف تسافر؟ إلى من تذهب؟ قال: أذهب إلى قريبي، فإذا لم أجده فمعي دراهم أنزل بها في فندق، فإذا لم يكن عندي قريب ولا معي دراهم فسييسر الله الأمر، فليس في هذا شيء من ضعف التوكل؛ لأنه اعتمد على أسباب ظاهرة معلومة، فإذا فقدت هذه الأسباب فقد علق الرجاء بالله، حتى في اعتماده على الأسباب المعلومة فهو في قرارة نفسه يعلم أن الله هو الذي ييسرها له، وهو الذي سهلها عليه، ولولا تسهيل الله تعالى ما تيسرت. ولا يعني ذلك أنه جعل الله في المرتبة الثالثة بل بين الأسباب المعلومة المحسوسة، فإذا تعذرت عليه فالله ييسر الأمر، وليس في هذا شيء أبداً من نقص التوكل أو ضعف التوكل. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 29 سقوط صلاة الراتبة عن المسافر السؤال إذا صلى المسافر الجمعة، هل تسقط عنه الراتبة أو يصليها؟ الجواب المسافر إذا كان في بلد تقام فيه الجمعة فإنه يجب عليه أن يصلي الجمعة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] والمسافر يدخل في العموم لأنه من المؤمنين، لا يقول: أنا مسافر سأقصر، الجمعة أوجب عليك فإذا صلى الجمعة فإنها ليس لها راتبة قبلها كما هو معروف، ولكن لها راتبة بعدها فهل يصلي الراتبة أم لا؟ الظاهر أنه لا يصلي الراتبة ولكن يصليها نفلاً مطلقاً، وإنما قلنا: الظاهر ألا يصلي؛ لأنه ليس العلة من ترك الراتبة أن تكون الصلاة مقصورة، بدليل أن المغرب للمسافر ليست مقصورة ومع ذلك لا يصلي لها الراتبة، فنقول: ليست للجمعة راتبة في حقك، ولكن إن صليت تطوعاً مطلقاً بغير قصد الراتبة فلا بأس. السائل: هل يجوز أن يجمع إليها العصر؟ الشيخ: الجمعة لا يجمع إليها العصر؛ لأن الجمعة صلاة مستقلة لا يجمع إليها ما بعدها ولا تجمع هي أيضاً إلى ما بعدها فتؤخر، فإن السنة الواردة في الجمع بين الظهر والعصر فقط، لا بين الجمعة والعصر، والجمعة كما نعلم تخالف الظهر في مسائل كثيرة. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 30 معنى: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) السؤال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة في الحديث: (نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال) والإشكال قوله: (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) ما السبب في قبض الأمانة؟ الجواب المراد -والله أعلم- بهذا الحديث أن الإنسان ينام وقلبه على الأمانة، ثم يستيقظ وقد نزعت الأمانة من قلبه؛ لأنه نام على الأمانة التي ليس عنده فيها قوة فتنزع من قلبه، أو يقال: نام نومة فنزعت الأمانة من قلبه، أي: ولو بعد النوم، وهذا كالحديث الآخر: (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) . ولا يلزم من هذا أن تنزع الأمانة من قلبه وهو نائم بل ينام النومة ثم يستيقظ فتنزع الأمانة من قلبه. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 31 ضابط العذر بالجهل في الأحكام الشرعية السؤال فضيلة الشيخ! كثيراً ما نسمع أن هذا الإنسان يعذر بالجهل، فلو كان هناك عذر بالجهل فما ضابط هذا الجهل في الأحكام الشرعية؟ الجواب الجهل -بارك الله فيك- هو: عدم العلم، ولكن أحياناً يعذر الإنسان بالجهل فيما سبق دون ما حضر، مثال ذلك: ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أن رجلاً جاء فصلى صلاة لا اطمئنان فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، كرر ذلك ثلاثاً، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني) فعلمه ولكنه لم يأمره بقضاء ما مضى لأنه كان جاهلاً، إنما أمره أن يعيد الصلاة الحاضرة. فإذا كان الإنسان لا يصلي -مثلاً- فيما سبق بناءً على أنه لم تجب عليه الصلاة وهو في محل ناءٍ ليس عنده من يسأله من أهل العلم، فإننا لا نأمره بقضاء ما فاته؛ لأنه معذور، أما إذا كان في بلدٍ فيه العلماء، ولكنه فرط فهذا لا يعذر بالجهل، ويقع هذا كثيراً في المرأة التي تحيض وهي صغيرة، فتظن أنها لم تبلغ بناءً على أن البلوغ لا يكون إلا بتمام خمس عشرة سنة، فتجدها تدع الصيام بناءً على أنها لم تبلغ، ثم تأتي بعد ذلك تسأل تقول: إنها بلغت؛ لأنها حاضت -مثلاً- وبقيت سنتين أو ثلاثاً لم تصم رمضان فهل تقضي؟ ننظر إذا كانت في بلد فيه علماء ويمكنها أن تسأل أهل العلم فهي مفرطة نلزمها بالقضاء، وإذا كانت في مكان بعيد عن العلماء كأهل البادية فإننا لا نلزمها بالقضاء؛ لأنها جاهلة ومعذورة ليس عندها من تسأل، وليس العلم الشرعي متداولاً في البادية. فكل شيء يكون الإنسان فيه معذوراً فإنه معفو عنه؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] وقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 32 حكم أخذ الأجرة على الدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! الإنسان يريد الدعوة إلى الله والعمل الصالح ولكن يرى أن نشاطاته وأعماله الشخصية تأخذ وقته، فهل يأخذ الأجرة على هذه الأعمال بالنية الصالحة؟ الجواب أولاً: إذا نوى الإنسان النية الطيبة فإن الله ييسر له العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . ثانياً: ينبغي للإنسان أن يرتب وقته، فإن لنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، ولضيفه عليه حقاً، فيرتب الوقت الذي يتمكن به من أداء الحقوق إلى أهلها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) . وهو إذا عمل هذا العمل مع إخلاص النية يسر الله له ذلك، لكن كونه يحب أن يكون إماماً في العلم والدعوة إلى الله والعمل الصالح بدون أن يتحرك هذا لا يمكن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) . الجزء: 19 ¦ الصفحة: 33 الحث على الابتعاد عن مواقع الريب السؤال هناك شاب ملتزم ويلاعب الصغار من الحارة والشباب، فينصحه الإخوان بأن هذا لا يليق بك؛ لأنك إنسان متمسك، ويقولون: إنهم عصاة؛ لأنهم يتلفظون بألفاظ قبيحة وربما يصل بعضهم إلى ترك الصلاة لكن ليس بالكلية، فلا أدري هل يجوز له ملاعبتهم أم لا؟ الجواب أولاً: يجب على الإنسان أن يبتعد عن مواقع الريب، وكون هذا الرجل يعاشر الصبيان والغلمان يبقى محل تهمة عند الناس، فيجب عليه البعد عن هذا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه وكانت معه زوجته: صفية بنت حيي، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان معتكفاً فجاءته زوجته صفية وتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتذهب إلى مكانها، فقام عليه الصلاة والسلام يمشي معها فمر رجلان من الأنصار فأسرعا المشي لما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه امرأته خجلاً وحياءً، فقال صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله! -يعني: نحن لا نظن شيئاً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال: شيئاً) مع أن المسألة أبعد مما بين السماء والأرض في أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم محلاً لما لا يليق به صلى الله عليه وسلم فكيف بغيره. فنصيحتي لهذا الأخ الملتزم أن يبتعد عن مواطن الريب ليسلم عرضه ويسلم دينه، ثم إني -أيضاً- لا آمن عليه أن يلقي الشيطان في قلبه ما يلقي من الشر مع كثرة مخالطته هؤلاء الصبيان ومعاشرتهم. نعم، لو فرضنا مرةً من المرات -مثلاً- مزح مع أحد منهم فهذا لا بأس به مع سلامة القلب، فإن الرسول عليه الصالة والسلام كان يلاطف الصبيان ويمزح معهم، وقصته مع الصبي الذي كان عنده طائر صغير يسمى النغير، وهذا الطائر كان مع هذا الصبي يفرح به ويلعب به، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهذا الصبي: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) . أما معاشرتهم أي: معاشرة الصبيان والغلمان فإني أشير عليه أن يدعها ليسلم عرضه ويسلم دينه، حتى من باب الدعوة لا يعاشرهم، لكن يأتي إليهم ويدعوهم ويكون معه أناس آخرون بحيث لا ينفرد بهم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 34 حكم طمس الصور المهانة السؤال هناك حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحد الصحابة وقال له: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صورة إلا طمستها) فهل هناك حديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان في عهده صور مهانة، وهل الأفضل طمسها أو تركها مهانة؟ الجواب أما الذي أوصاه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أوصاه ألا يدع صورة إلا طمسها، وفي لفظ (تمثالاً إلا طمسه ولا قبراً مشرفاً إلا سواه، فالمشروع طمس الصور ولاسيما الصور التي تعظم، كصور الزعماء والعلماء والأمراء وما أشبه ذلك، ولهذا قال: (ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) لأن القبر المشرف قد يكون معظماً تعظيماً يؤدي إلى الشرك وكذلك هذه الصور. وأما الصور المهانة فإن جمهور العلماء أجازوها واستدلوا بحديث الوسادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة وعندها قرام سترت به بيتها أنكر ذلك فشقته وجعلته وسادتين يرتفق بهما، قال العلماء: فهذا دليل على أنه إذا كانت مهانة فإنه لا بأس بها؛ لأن الذي يحذر من الصور إنما هو التعظيم، فإذا أهينت زال المحذور وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز إبقاء الصورة ولو كانت مهانة، وإنه لا يجوز أن يفترش الإنسان ما فيه الصورة ولا أن يتكئ على ما فيه صورة، وهذا بلا شك أحوط وأسلم. السائل: والمجلة المصورة؟ الشيخ: المجلة نوعان: مجلة تصوير وهذه لا تجوز، ومجلة علم ولكن فيها صورة أحياناً فهذه تجوز؛ لأن الصورة غير مقصودة. السائل: وملابس الأطفال؟ الشيخ: ملابس الأطفال المصورة لا يجوز لولي الطفل أن يلبسه إياها. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 35 حكم زيادة لفظة وبركاته في التسليم من الصلاة السؤال ما حكم الزيادة في التسليم من الصلاة وبركاته؟ الجواب لا بأس بها أحياناً. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 36 حكم الصور في الملابس الملبوسة السؤال ما حكم الصور في الملابس الملبوسة؟ الجواب لبس ما فيه صورة لا يجوز. السائل: الصور في ماركات الشركات مثل صورة الجمل وغيره؟ الشيخ: لبُس ما فيه صورة لا يجوز. السائل: لا يوجد ملابس إلا وفيها صور؟ الشيخ: ابحث عن غيرها. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 37 حكم إقرار المنكر من أجل الدعوة السؤال تكلمت بارك الله فيك عن الدعوة وما الدعوة، وبعض الدعاة يذهب إلى شخص يدخن ويعطونه في بعض الأحيان نقوداً من أجل أن يشتري بها دخاناً، ويقول: إن ذلك في سبيل الدعوة؛ فهل هذا صحيح، ويقعد معه وعنده التلفاز ويقول: لا تنفر هذا من أجل الدعوة، فهل هذا صحيح أم لا؟ الجواب هذا غير صحيح، الإقرار على المنكر منكر، وكونه يعطيه دراهم يشتري بها دخاناً ليتألفه هذا غير صحيح، تأليفه أن ينصحه ويبين له مضار المعصية سواء كانت دخاناً أو غير دخان، ويحذره منها ويعطيه -مثلاً- أشرطة موجهة أو رسائل أو كتيبات، هذا هو التأليف، أما أن يباشر المعصية هو نفسه ويشتري له الدخان أو يعطيه الدراهم ليشتري الدخان هذا غير صحيح. السائل: هل يأثم أم لا؟ الجواب: نعم. يأثم الذي يحضر المنكر، إلا من حضر لإزالته، مثل من جلس عند قوم عندهم تلفزيون يعرض أشياء محرمة فجلس ولم يبادرهم مباشرة بالإنكار، جلس وجعلهم يطمئنون إليه، ثم قال: إن هذا حرام ولا يجوز، ونصحهم، إن أعرضوا عنه وأغلقوا التلفاز فهذا هو المطلوب، وإن أصروا يخرج، فإن بقي بعد ذلك فهو آثم. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 38 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) السؤال ما المراد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] ؟ الجواب المراد بها أن الله حث الإنسان على أن ينجي نفسه، وإذا أنجى نفسه بقيامه بما أوجبه الله عليه فإنه لا يضره ضلال من ضل، ولا يعني هذا أن الآية تسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس، وقال: (إنكم تقرءون هذه الآية وتنزلونها على غير ما أراد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) ولهذا جاءت الآية الكريمة مؤيدة {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] ومن الهداية أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 39 حكم تنفيذ الوصية بالدفن في مكان معين السؤال فضيلة الشيخ! هناك امرأة أوصت أن تدفن ببقعة معينة وما تمت الوصية، ويسأل ولدها ويقول: إنها تعرض له في المنام كثيراً وتعرض لوالده والآن لهم سنة من دفنها، فيسأل: هل يعتبر هذا عصياناً، ثم هل يجوز نبش القبر وإرجاعها إلى المكان الذي أوصت أن تدفن فيه؟ الجواب لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت ألا يدفن إلا في مكان معين، بل يدفن مع المسلمين؛ إذ أن الأرض كلها سواء، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها، وكونها تعرض له في المنام لأنه كان يفكر فيها، ومعلوم أن الإنسان إذا فكر في الشيء قد يراه في المنام. ولهذا عند الناس يقولون: حلوم أهل نجد حديث قلوبهم. السائل: ألا يدخل هذا تحت إنفاذ الوصية؟ الشيخ: هذا لا يجب تنفيذه أبداً؛ لأنه ليس فيه مقصود شرعي. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 40 حكم صلاة سنتي الظهر بعد العصر لمن جمع الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! إذا حصل جمع تقديم في المطر هل يصلي سنتي الظهر بعد العصر والعصر لم يحن بعد؟ الجواب نعم. إذا جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير وكان غير مسافر فإنه يصلي راتبة الظهر بعد العصر؛ لأن لها سبباً، وفعل ذوات الأسباب في وقت النهي لا بأس به؛ لأن ذوات الأسباب ليس في فعلها نهي. الجزء: 19 ¦ الصفحة: 41 لقاء الباب المفتوح [20] تكلم الشيخ في هذا اللقاء عما حملته سورة الضحى من معانٍ عظيمة، وقسم الله بآياته على أن ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وما منَّ به عليه من النعم، ثم أجاب فضيلته على الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الضحى الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نفتتح لقاءنا بعد شهر رمضان في يومنا هذا (23) من شهر شوال عام (1413هـ) ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات نافعة. وقد اخترنا أن يكون بداية اللقاء تفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ثم بعد ذلك يأتي الجواب على الأسئلة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى) في هذا اليوم سوف نتكلم عن قول الله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:1-5] هذه السورة والتي بعدها كلها في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وما حباه الله به من النعم والكرامات، فالله عز وجل أقسم بالضحى وبالليل، والضحى يكون به ضوء النهار (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) أي: إذا غطى الأرض فأظلمت بعد هذا النور. والنور والظلمة شيئان متقابلان، وهما -والعلم عند الله- يمثلان حال الناس قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته، فالناس قبل البعثة في ظلمة وجهل وغشم وعدوان، وبعد أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم صاروا على النور والهدى. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى) ثم بين الله تعالى ما أقسم عليه في قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي: ما تركك وأهملك، وما قلاك، أي: أبغضك بل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحد الخليلين اللذين اختصا بهذه الصفة العظيمة؛ وهي من صفات الله عز وجل، وهي الخلة، والخلة أعلى أنواع المحبة، وليس من عباد الله من هو خليل الله إلا إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) . وقوله: (وَمَا قَلَى) أي: ما قلاك وأبغضك، فهو لم يتركك ولم يبغضك بل هو سبحانه وتعالى قد اعتنى به وحفظه وأحبه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى) بين الله لرسوله أن الآخرة خير له من الأولى، فإن الآخرة وما فيها من النعيم لا يعدله شيء من النعم مهما كان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ثم وعده سبحانه وتعالى بهذه العدة العظيمة والبشارة السارة: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فأعطاه الله عز وجل من النصر في الدنيا والعز والعلو على عدوه ما رضي به صلى الله عليه وسلم، وسيعطيه أيضاً في الآخرة ما هو أعظم، فإنه في الآخرة يبعثه الله مقاماً محموداً، فيشفع للخلائق، ويعطيه الله عز وجل الوسيلة، وهي درجةٌ في الجنة لا ينالها إلا عبد من عباد الله، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى) ثم ذكَّره الله تعالى بالنعم، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] فقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم يتيماً ليس له أب، وماتت أمه أيضاً وبقي صلى الله عليه وسلم متفرداً في كفالة جده، ثم مات جده، فكفله عمه أبو طالب، فالله عز وجل خلقه يتيماً ولكنه آواه ونصره وأيده ويسر له من عباده ما يحصل به المنعمة والحفظ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى) قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف شيئاً من العلم قبل بعثة الله إياه، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] وقال الله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه ما كان عنده من العلم الذي أوحاه الله إليه شيء، ولهذا قال: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] . وهنا قال: (فهدى) ولم يقل: (فهداك) لأن الله هداه وهدى به. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى) قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: فقيراً فأغناه الله تعالى وأغنى به صلى الله عليه وسلم، وذلك بما أحل الله له من الغنائم التي يغنمها من أعدائه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر) قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9] أي: تذكر يتمك؛ فعامل اليتيم باللطف والحنان، ولا تقهره إلا أن يكون قهره في أمرٍ فيه مصلحة له، فهذا ليس قهراً في الحقيقة وإن كان قهراً ظاهرياً، ولكن المصلحة عظيمة لهذا اليتيم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} (السائل) : الذي يسأل عن العلم، والسائل: الذي يسأل المال، لا تنهره حتى وإن أغلظ لك القول فلا تنهره، وعامله باللين واللطف والقبول عندما يسأل، وإذا كان على خطأ فبإمكانك أن تنصحه بعد أن تعطيه ما سأل. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وهو ما أنعم الله به عليه من الوحي المبين والهدى، وما جبله عليه من مكارم الأخلاق وحسن العبادة حدِّث بها، ولكن تحديث المعترف بنعم الله لا المفتخر على عباد الله. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية لما يحب ويرضى؛ إنه على كل شيء قدير. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجزء: 20 ¦ الصفحة: 13 حكم الإحرام لمن جاوز الميقات وله حاجة غير العمرة السؤال رجل يريد التنزه في المنطقة الغربية، ويريد البقاء في جدة عدة أيام، ويحب أن يعتمر، وآخر قدم من خارج المملكة وطريق سيره يمر بـ جدة ويحب أن يعتمر، هل يعتمران من جدة؟ أو يلزمهما الإحرام من الميقات وجزاك الله خيراً؟ الجواب الميزان في هذا هو الإرادة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة) أي: من غير أهل البلاد التي وقتت لهم ممن أراد الحج والعمرة، فمن أراد الحج أو العمرة فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ثم بعد ذلك يقضي غرضه الذي أراد، ولكن من كان أهله في جدة -مثلاً- وسافر من البلد التي سافر منها إلى جدة لأهله، ولكن في نيته أنه في يوم من الأيام يأتي بعمرة، فلا يلزمه الإحرام؛ لأن سفرته هذه في الواقع سفرة إلى أهله. وأما من أراد العمرة ولكنه قال: أقضي عملي أولاً ثم أحرم من المكان الذي قضيت به العمل؛ فلا يحل له ذلك، وعليه أن يرجع إلى الميقات الذي مر به ويحرم منه. هذا بالنسبة لمن سافر من بلد في المملكة إلى المنطقة الغربية لعمل، وأما القادم من مصر إلى المملكة فإننا -أيضاً- نسأل عن إرادته، إذا كان يريد أن يقدم للعمل الذي يعمله في المملكة، ولكن في نيته أنه في يوم من الأيام يأتي بعمرة، فهذا لا يلزمه الإحرام، وأما إذا كانت نيته في هذه السفرة الاعتمار والذهاب إلى العمل فيجب عليه أن يحرم من الميقات. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 14 حكم تحريك الشفتين في الصلاة وقراءة القرآن السؤال هل يلزم تحريك الشفتين في الصلاة والأذكار والقراءة؟ أم يكفي أن يقرأ بدون تحريك الشفتين؟ الجواب لا بد من تحريك الشفتين في قراءة القرآن في الصلاة، وكذلك في قراءة الأذكار الواجبة كالتكبير والتسبيح والتحميد والتشهد؛ لأنه لا يسمى قولاً إلا ما كان منطوقاً به، ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعلمون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم باضطراب لحيته -أي: بتحركها- ولكن اختلف العلماء هل يجب أن يُسمع نفسه؟ أم يكتفي بنطق الحروف؟ فمنهم من قال: لا بد أن يسمع نفسه، أي: لا بد أن يكون له صوت يسمعه هو بنفسه، ومنهم من قال: يكفي إذا أظهر الحروف، وهذا هو الصحيح. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة ركعتين بعد الوتر السؤال ما رأيكم فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين بعد الوتر جالساً، وهل هي سنة تفعل دائماً؟ الجواب يعني! ما هو رأيي في الجمع بين الأحاديث لا في الأحاديث نفسها؛ لأن الحديث ليس لنا فيه رأي، لكن الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وكذلك بين الآيات التي ظاهرها التعارض، ينبغي على الإنسان أن يسأل عنه إذا وقع في نفسه شك؛ لأن الآيات أو الأحاديث التي ظاهرها التعارض إذا لم يعرف الإنسان وجه الجمع بينهما بقي قلقاً. ويجب أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد تعارض بين كلام الله عز وجل، ولا بين السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -فمثلاً- لو قال قائل: إن الله يقول في القرآن: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] . هذه الآية تدل على أنهم لا يكتمون الله حديثاً، وفي آية أخرى يقول الله عز وجل: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] فهنا كتموا، كيف يكون هذا؟ آية تنفي أن يكتموا الله حديثاً، وآية تثبت أنهم يكتمون الله حديثاً. نقول: إن الجمع بينهما هو أن لهم أحوالاً، ففي بعض الأحوال يكتمون الله حديثاً، وفي بعض الأحوال لا يكتمون، كذلك أيضاً بالنسبة للوتر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وثبت في صحيح مسلم أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر جالساً، فكيف يمكن الجمع بين فعله وقوله؟ نقول: الحقيقة أنه لا تعارض. أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على هاتين الركعتين بل يفعلهما أحياناً. ثانياً: أن ابن القيم رحمه الله قال: إن هاتين الركعتين ليستا مستقلتين بل هما تابعتان للوتر، فهما بالنسبة للوتر كراتبة الفريضة، فلا يكون ذلك مخالفاً لقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) . الجزء: 20 ¦ الصفحة: 16 حكم ما يأخذه الأئمة والمؤذنون من الرواتب السؤال ما حكم من أذَّن لأخذ الأجرة فقط؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن ما تعطيه الحكومة من المكافآت للأئمة والمؤذنين ليس بأجرة؛ ولكنه عطاء من بيت المال لمن قام بمصلحة من مصالح المسلمين، كالمدرسين، والأئمة، والمؤذنين، والقضاة، والأمراء، وما أشبه ذلك. فليس هذا من باب الأجرة حتى نقول: إن الأجرة على القرب لا تجوز، بل هو من باب العطاء من بيت المال لمن قام بهذه الوظيفة، ولكن يبقى النظر في مسألة: هل يجوز للمؤذن أو الإمام أن يقول: أنا أؤذن من أجل الراتب أو أكون إماماً للناس من أجل الراتب؟ الجواب: نقول: لا تنوي هذه النية، فهذه النية تحبط عملك، ولا يكون لك أجر من الأذان، ولا أجر من الإمامة، ولا أجر من القضاء، ولا أجر من التدريس، انوِ أنك تدرس، وأنك تقبل ما يأتي من الحكومة من هذا الراتب لتستعين به على أمور حياتك. فإذا فعلت ذلك فإن الراتب لا يفوتك والنية الصالحة تبقى، ولكن قد يغلب الشيطان على بني آدم يقول: أؤذن أو أدرس لأجل هذا العطاء، فهذا قال فيه شيخ الإسلام رحمه الله: إن من عمل عبادة لأجل المال فليس له في الآخرة من خلاق، بل ليس له نصيب في الآخرة، وصدق؛ لأنه تقاضى أجره في الدنيا، المهم ينبغي أن ندعو الناس إلى تصحيح النية. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 17 حكم من جامع زوجته في نهار رمضان السؤال فضيلة الشيخ: رجل جامع زوجته في نهار رمضان بدون إنزال؟ الجواب إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم، فإنه يترتب على جِماعه خمسة أمور: أولاً: الإثم. ثانياً: فساد صوم اليوم. ثالثاً: وجوب الإمساك. رابعاً: وجوب القضاء. خامساً: الكفارة، وهي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، حتى ولو لم ينزل؛ لأن الجماع يوجب الغسل وإن لم ينزل، ويفسد الصوم وإن لم ينزل، ويفسد الحج وإن لم ينزل إذا كان قبل التحلل الأول. أما إذا كان الإنسان الذي جامع زوجته في نهار رمضان ليس واجباً عليه الصوم مثل أن يكون مسافراً هو وزوجته، وفي أثناء النهار جامعها وهما صائمان، فهذان ليس عليهما إثم، وإنما يفطران ذلك اليوم ويأكلان ويشربان ويقضيان بدلاً ليومهما؛ لأن المسافر لا يلزمه الصوم. السائل: كان يعتقد أن الكفارة على الإنزال، أي: يعلم أن الجماع بإنزال عليه الكفارة، ولكن لا يعلم أن الجماع بدون إنزال حرام؟ الشيخ: إذا كان هذا اعتقاده فإنه لا شيء عليه؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . السائل: ولا يقضي ذلك اليوم؟ الشيخ: ولا يقضي ذلك اليوم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 18 حكم قراءة الأذكار مرتبة صباحاً ومساءً، وقراءة سورة العصر في ختام المجلس السؤال فضيلة الشيخ: بعض الناس لهم أوراد يقولونها قبل الغروب وقبل الشروق بترتيب معين؛ وهي أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظة بترتيب معين، يواظبون عليها يومياً، وما حكم قراءة سورة العصر في ختام المجلس، وجزاك الله خيراً؟ الجواب أما الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أو من الأذكار النبوية فإنها تفعل كما وردت صباحية أو مسائية، أو كانت دبر الصلوات، أو كانت لأسباب معينة كذكر الدخول للمنزل والخروج منه، المهم أن الأذكار والأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفعل كما وردت. وأما الأذكار التي لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو وردت على وجه آخر غير الذي يفعله الإنسان، فإن ذلك يكون بدعة إذا قام به الإنسان؛ لأن البدعة قد تكون في أصل العبادة وقد تكون في وصف العبادة، أما ختم المجلس بسورة العصر؛ فإن ذلك بدعة ولا أصل له. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 19 المصلون عن يمين الإمام ويساره لا ينالون فضيلة الصف الأول السؤال لدينا مصلى في مدرستنا ولكنه لا يكفي لجميع الطلاب، ويقف بعض الطلاب في صف موازٍ للإمام، فهل الصف الموازي للإمام هو الصف الأول مع أنه يحدث كل يوم؟ الجواب الصف الأول هو الذي خلف الإمام، فأول صف يلي الإمام هو الصف الأول، والذين يصفون عن يمينه وشماله لا يكون لهم ثواب الصف الأول؛ لأن هذا الموقف -يعني: موقف المأموم عن اليمين وعن الشمال- هو من الأمور الجائزة وليس من الأمور المستحبة، فموقف المأموم وراء الإمام هو السنة بلا شك، فإذا اضطروا إلى أن يقف أحد عن يمينه أو شماله فلهم أن يقفوا، ولكن لا يعد ذلك الصف الأول. السائل: مع أن هذا يحدث كل يوم طيلة السنة؟ الشيخ: لا يوجد مانع على كل حال، الأمر جائز ولله الحمد، ووقوف هؤلاء عن يمينه وشماله خير من كونهم ينتظرون حتى تفرغ الطائفة الأولى. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة تحية المسجد في المصلى السؤال فضيلة الشيخ: المصلى الذي لا يؤذن فيه إلا لفرض واحد هل تجب له تحية المسجد؟ الجواب إذا كان هذا المصلى محجوزاً لعامة الناس فحكمه حكم المسجد، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل مصلى العيد في حكم المسجد، فإنه أمر أن تخرج النساء إلى صلاة العيد، وأن تعتزل الحيض المصلى، وهذا دليل على أنه في حكم المسجد، أما المصلى الخاص الذي يتخذه الإنسان في بيته، أو تتخذه بعض الدوائر في مكان الإدارة فليس لهذا حكم المسجد. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 21 رؤية المنافقين لربهم يوم القيامة السؤال فضيلة الشيخ! هل يرى المنافقون الله عز وجل يوم القيامة؟ الجواب نعم. الناس يوم القيامة على ثلاثة أقسام: كفار خُلَّص، ومؤمنون خُلَّص، ومنافقون. أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله أبداً، لقول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] . وأما المؤمنون الخلص فيرون الله عز وجل يوم القيامة وفي الجنة؛ لقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] . وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة ولا يرونه بعد ذلك، وهذا أشد حسرةً عليهم أن يستمتعوا بالنظر إلى الله عز وجل، ثم بعد ذلك يحجبون عنه. فهذه أقسام الناس يوم القيامة بالنسبة للنظر إلى الرب عز وجل، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يرون ربهم في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 22 حكم الفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع السؤال فضيلة الشيخ: في أحد المساجد في يوم الجمعة الماضية حصل مطر في مدينة الرياض فصلينا المغرب، وبعد الصلاة قام الإمام ثم رجع ثانية وأقام لصلاة العشاء يريد الجمع فجمعنا، فما حكم هذا الجمع؟ الجواب المعروف عند أكثر العلماء أنه إذا كان الجمع جمع تقديم فلا بد من موالاة الصلاتين لكن لا تبطل الموالاة بالضوء الخفيف والجلسة الخفيفة. وقال بعض العلماء: إذا جاز الجمع فلا حرج في الفصل بين الصلاتين حتى لو صليت الأولى في أول الوقت والثانية في آخره. وهذا القول الثاني اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن الجمع ليس معناه ضم الصلاتين بحيث تلي الثانية الأولى، وإنما هو ضم الوقتين بحيث يكونان وقتاً واحداً، فمتى وجد سبب الجمع كالسفر والمطر والمرض فلا حرج عليك أن تصلي الأولى في أول الوقت والثانية في آخر الوقت، فهو يرى رحمه الله أن الجمع هو ضم الوقتين بعضهما إلى بعض، وليس ضم الصلاتين بعضهما إلى بعض. فعلى هذا نقول: القصة التي وقعت حيث إن الإمام بعد أن خرج ورأى المطر رجع وجمع، نقول: هذه لا بأس بها ولا حرج فيها حتى لو لم يبد له إلا بعد الصلاة فلا يضر؛ لأنه اشتراط نية الجمع قبل تكبيرة الإحرام في الصلاة الأولى ضعيف، فالصواب أنه لا يشترط بل لو حدث المطر بعد أن سلم من المغرب فله أن يجمع. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 23 موضع دعاء الاستخارة من الصلاة السؤال بالنسبة لدعاء الاستخارة في أي موضع يكون من الصلاة؟ الجواب دعاء الاستخارة بعد السلام؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فليصل ركعتين ثم ليقل) وذكر الدعاء. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 24 حكم رواية الأحاديث الضعيفة في المواعظ السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم رواية الأحاديث الضعيفة التي يستعان بها في المواعظ؟ الجواب الأحاديث الضعيفة التي يستعان بها في المواعظ لا يجوز ذكرها إلا بثلاثة شروط: الشرط الأول: ألا يكون الضعف شديداً؛ فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز أن تذكر. الشرط الثاني: أن يكون لهذا العمل الذي فيه الترغيب أو الترهيب أصل -فمثلاً- إذا ورد حديث ضعيف في الترغيب في صلاة الجماعة -مثلاً- هذا له أصل، فإن صلاة الجماعة قد صح الأمر بها، أو حديث ضعيف في التحذير من الغيبة هذا له أصل، لكن لو يأتي حديث ضعيف في عمل غير مشروع كصلاة التسبيح -مثلاً- فإنه لا يجوز الاعتداد به ولا ذكره إلا مبيناً ضعفه. الشرط الثالث: ألا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وهذا الشرط يوجب لنا ألا نذكر الضعيف أمام العامة مطلقاً، لماذا؟ لأن العامي إذا سمع الحديث فسوف يعتقد أنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لنا أن نذكر الأحاديث الضعيفة أمام العامة إلا إذا كان الرجل سيذكر الحديث ثم يقول: إن هذا الحديث ضعيف، فهذا خير لأجل أن يبين الأمر على وجهه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 25 حكم الترتيب بين الصلاتين في جمع التأخير السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان شخص مسافراً فوجد جماعة يصلون العشاء فهل يصلي معهم العشاء وبعد ذلك يصلي المغرب؟ الجواب الصحيح أن هذا يصلي معهم المغرب فيدخل بنية المغرب وإن كانوا يصلون العشاء، ثم إن دخل معهم في الركعة الأولى فإنه إذا قام الإمام للركعة الرابعة يجلس هو ويقرأ التشهد ويسلم. والانفراد هنا جائز للعذر؛ لأنه لا يمكن أن يقوم إلى الرابعة وهو في صلاة المغرب، فيسلم ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان دخل مع الإمام في الركعة الثانية سلم مع الإمام، وإن دخل في الثالثة أتى بعد سلام الإمام بركعة، هذا هو أرجح الأقوال في هذه المسألة. وقال بعض العلماء: يدخل معهم بنية العشاء فإذا فرغ صلى المغرب، وهذا يفوت به الترتيب. وقال بعض العلماء: بل يصلي وحده صلاة المغرب، ثم يدخل معهم فيما بقي من صلاة العشاء، وهذا يحصل به وجود جماعتين في مسجد واحد، إن كان هذا الرجل معه غيره وصلوا جماعة، أو انفراد الإنسان عن جماعة المسلمين، وهذا كله غير مرغوب فيه شرعاً، فأحسن الأقوال في هذه المسألة ما ذكرته أولاً. وهذه المسألة لا تقع في المسافرين فقط بل تقع أيضاً في المقيمين في جمع المطر، وقد يأتي الإنسان -مثلاً- في جمع المطر وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب فنقول له: ادخل معهم بنية المغرب ويعمل كما سبق. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 26 حكم قص الشعر للمحرم بعد الشك في التطيب السؤال فضيلة الشيخ: امرأة ذهبت مع أهلها لأداء العمرة فلم يتسن لها القص بعد السعي فذهبت إلى جدة مع أهلها فأبدلت ملابسها وشكت أنها تطيبت ثم قصت بعد ذلك؟ الجواب هذه المرأة ليس عليها شيء؛ لأنها لم تفعل محظوراً من محظورات الإحرام، حيث إنك تقول: شكت هل تطيبت أم لا؟ والأصل براءة الذمة وعدم التطيب، والتقصير أو الحلق ليس له مكان، يجوز في كل مكان في مكة أو في بلد آخر، لكن إذا لم يحلق أو يقصر بقي عليه من محظورات الإحرام ما بقي. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 27 الابتداء بحفظ القرآن في طلب العلم السؤال فضيلة الشيخ: أيهما أولى عند طالب العلم في بداية طلبه للعلم: حفظه كتاب الله عز وجل أم قراءته؟ الجواب الأفضل لطالب العلم أن يحفظ كتاب الله؛ لأنه أصل الكتب، وأنفع الكتب، فيحفظ القرآن أولاً، ولكن إذا أمكن أن يحفظ القرآن وما تيسر من متون الحديث النبوية كان هذا خيراً، ويحضر الجلسات العلمية أيضاً عند العلماء، لكن لو قُدر أن يقول: أنا لا أستطيع أن أحفظ القرآن أو أحضر عند العلماء قلنا: ابدأ بالقرآن؛ لأنه الأصل. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 28 حكم التداوي بعلاج مع الشك أن الذي دل عليه ساحر السؤال فضيلة الشيخ: إنسان مريض، ودل على شخص أنه يعالج، وذهب إليه ودله على دواء من الأعشاب وتعامل به وشفي، وهناك آخر به نفس المرض، ولكنه خشي أن يكون هذا الرجل الذي ذهب إليه هذا الإنسان يتعامل بالسحر، فهل يجوز له أن يستعمل هذا الدواء العشبي أم لا؟ وكيف يعرف الإنسان أن هذا الرجل يتعامل بالسحر أم لا؟ الجواب بالنسبة للتداوي بالأعشاب لا بأس به سواءً أعطاك إياه إنسان ساحر أو غير ساحر؛ لأن الأعشاب مما أحله الله. أما بالنسبة للذهاب إلى هذا الرجل فإن كان ساحراً فلا تذهب إليه؛ لأن الذهاب إلى السحرة محرم، هذا إذا علمت أنه ساحر، أما إذا لم تعلم وكان ظاهر الرجل الصلاح والتقوى فالأصل براءة المسلم، ولا بأس أن تذهب إليه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 29 حكم المال إذا حال عليه الحول وكان مدخراً لزواج ونحوه السؤال فضيلة الشيخ: شاب يجمع مالاً للزواج وحالته متوسطة، وحال على هذا المال الحول فهل يزكيه؟ الجواب نعم. إذا جمع الإنسان مالاً للزواج أو ليشتري به بيتاً أو ما أشبه ذلك، فإنه تجب عليه فيه الزكاة حتى إن كانت حالته المادية متعبة؛ لأن المال تجب الزكاة فيه من حيث إنه مال، وإذا وجد مال عند أي إنسان فإنه يجب عليه أن يزكيه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 30 كيفية التخلص من التعلق بالقبور السؤال فضيلة الشيخ: أهالي منطقة شرورة يسلمون عليك ويطلبون منك الدعاء وجزاك الله خيراً، لأنك أرسلت طلبة العلم من عندك وأفادوا المجتمع هناك فائدة عظيمة. ونسألك عن حال رجال من كبار السن في منطقة شرورة، وهم -والحمد لله- استمعوا للدعوة السلفية وعلموا أنها هي الحق في الدعوات، إلا أنه ما زال لديهم نوع من التعلق بالقبور، وهناك طريق يزورونها وفيها قباب، وعندما نقول لهم: سنزيل هذه القباب يرفضون، فنرجو التوجيه قبل أن يقع بيننا وبينهم مصادمات؟ الجواب أقول: عليك وعليهم السلام، وقد بلغني والحمد لله أن الإخوان الذين جاءوا إليكم في أيام الإجازة حصل بهم نفع كبير، وأن الناس والحمد الله قابلوهم بالقبول والاستماع والاجتماع إليهم، وجاءنا -والحمد لله- أيضاً كتب حول هذا الموضوع كلها تدل على أن الناس انتفعتوا، وهذا مما يجعلنا ننشط لإرسال البعثات. أما بالنسبة لما ذكرت من أنهم تركوا -والحمد لله- الشرك وانتهوا عنه وتبين لهم أنه باطل فهذا خير والحمد لله، وأما ما ذكرت من الحجارة أو القباب وأنهم إذا قيل لهم في إزالتها توقفوا، فأقول: ينبغي ألا نتعجل عليهم في إزالتها إذا كانت إزالتها سبباً لرجوعهم إلى ما كانوا عليه أولاً، فتبقى ما دامت لا تعبد، فليست شركاً، لكن إذا رسخ الإيمان في قلوبهم والتوحيد فهم بأنفسهم يزيلونها بلا شك، فأرى ألا تتعجلوا عليهم، وألا تصادموهم من أجل هذا، ما داموا لا يذهبون إليها، ولا يطوفون بها، اتركوهم وهم بكل حال إذا وقر الإيمان في قلوبهم سوف يزيلونها. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 31 حكم الوقف والعمل فيه إذا تعطلت منافعه السؤال فضيلة الشيخ: توفي والدي رحمه الله وترك لنا منزلاً عشنا فيه فترة من الزمن، وتذكر الوالدة أن الوالد قبيل وفاته سبله بثلث ما وراءه أضحية وعشاء، وليس هناك ما يثبت أنه وقف، وقد آل هذا البيت للسقوط، وهو الآن معطل المنفعة، ولدينا الآن مبلغ من المال ورثناه عن الوالد، ولكن هذا المبلغ لا يكفي لبناء هذا البيت، ثم إن بعض أخواتي بحاجة ماسة إلى المال فأحوالهن ضعيفة ويردن توزيع هذا المال، فما العمل حفظكم الله في هذا البيت وفي هذا المال، وجزاك الله خيراً؟ الجواب أما بالنسبة للمال فالمال الذي وجدتموه خلف أبيكم تركة ويجب أن يوزع على مستحقيه، أما بالنسبة للبيت فهو لم يثبت أنه وقف ثبوتاً شرعياً؛ لأن شهادة المرأة لا تثبت بها الوقفية، ولكن أنتم إذا كان يغلب على ظنكم أن الوالدة قد تأكدت من هذا الموضوع، فالواجب عليكم التنزه عن هذا البيت وأن تعتبروه وقفاً، وإذا كان الآن معطلاً فخذوا إذناً من المحكمة ببيعه، ويجعل ثمنه في بناء المساجد؛ لأن بناء المساجد أفضل من أضحية أو عشاء يأتي سنة بعد سنة، إلا إذا قال: إنه وقف على أولاده فإنه يباع ويشترى به بيتاً يكون وقفاً كما نص الوالد. السائل: والسبرة؟ الشيخ: السبرة لأصحابها، تبقى في هذا البيت حتى لو بعتموه، فيبلغ المشتري بأن فيه السبرة. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 32 حكم الوفاء بالشروط المشترطة في النكاح السؤال إذا وافق الزوج على شرط من الشروط ولم يف به بعد فترة من الزمن لظروف معينة فما الحكم؟ الجواب إذا اشترط الزوج على نفسه شرطاً، أو وافق على شرط من الشروط اشترطته الزوجة أو وليها فإنه إذا لم يف به فللزوجة الفسخ، أي: لها أن تفسخ النكاح. السائل: إذا لم يف به لظروف معينة؟ الشيخ: إلا إذا كان عند الشرط قال: نعم. أنا ألتزم بهذا ما لم يكن كذا وكذا فهو على ما شرط، أما إذا قال: أنا ألتزم به مطلقاً، فإنه يلزم به وإلا لها الفسخ، ولما وقع هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالوا: يا أمير المؤمنين إذاً يطلقننا، قال رضي الله عنه: [مقاطع الحقوق عند الشروط] فمن شرط شرطاً لنفسه فهو به أملك، لكن للزوج في هذه الحالة أن يطلب من المرأة التنازل ولو بعوض. السائل: إن منعها من ذهابها للعمل بسبب وجود الأولاد وضياع حقوقهم وحقوقه بسبب الذهاب إلى العمل؟ الشيخ: إن كانت شرطت عليه أن تعمل فليس له منعها من العمل؛ لكن لا شك أن المرأة إذا جاءها أولاد فإن بقاءها في بيتها أنفع لها ولأولادها، وينبغي في هذه الحالة أن يقنعها ويبين لها أن هذا خير، وأن ذهابها للعمل بعوض إضاعة لبيتها، وإضاعة لأولادها، فإذا اقتنعت ولو بعوض يعطيه لها فذلك خير، وإن لم تفعل فهي على شرطها، إلا إذا كان شرط عليه أن يلتزم بالسماح لها بالتدريس أو العمل بشرط ألا يأتي أولاد يصدونها، إذا كان ذكر ذلك فله منعها حينئذ. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 33 حكم مسألة التورق السؤال هناك رجل اشترى لرجل آخر سيارة وباعها عليه بأقساط كثيرة وزاد في القيمة لأجل معلوم؟ الجواب مثلاً: جاء شخص لتاجر وقال: أنا أريد السيارة الفلانية، فذهب التاجر واشتراها من المعرض بخمسين ألف ريال -مثلاً- ثم باعها على هذا الرجل بستين ألف ريال، نقول: هذه حيلة على الربا؛ لأن التاجر بدلاً من أن يقول: أقرضك قيمتها بخمسين ألف ريال على أن ترد إلي ستين ألف ريال إلى أجل، ذهب التاجر يشتري هذه السيارة شراءً غير مقصود؛ لأنه ما اشتراها إلا لهذا الرجل؛ فهذا لا يجوز، أما إذا كانت السيارة عند التاجر وقد اشتراها بخمسين ألفاً وجاء هذا الرجل وقال: بعنيها بستين ألفاً إلى أجل فهذا لا بأس به. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 34 حكم ما يخرج إلى الحلق من المعدة أثناء الصوم السؤال فضيلة الشيخ! في فجر رمضان في أثناء الصلاة -مثلاً- يكون البطن ممتلئاً، وعندما يريد أن يتجشأ يخرج شيء من الطعام أو قليل من الماء معه حال الصلاة -مثلاً- وعندما خرج لم يصل إلى الفم وبلعه فهل يفطر؟ الجواب هذا الذي سألت عنه يحدث كثيراً مع الناس إذا امتلأت المعدة بالطعام، فإن الإنسان إذا تجشأ وخرج الهواء من معدته قد يخرج شيء من الطعام أو من الماء، فإذا لم يصل إلى الفم وابتلعه فلا شيء عليه، والمقصود بالفم ما فيه اللسان. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 35 حكم الطبول في الأعراس والذهاب إليها والرقص عليها ودفع الأجرة لذلك السؤال ما حكم ذهاب النساء إلى الأعراس التي يوجد فيها ضرب بالدف والطبل خاصة إذا شكت أنه يوجد طبل قبل الذهاب للعرس، وحكم دفع المال لصاحبة الطبل من صاحب العرس؟ الجواب أما العرس الذي ليس فيه إلا الدف فإن حضوره لا بأس به بشرط أن تكون الأغاني مباحة، وأما إذا كان فيه طبول فإنه لا يجوز حضوره، والفرق بين الطبل والدف، أن الطبل مستور من الجانبين والدف من جانب واحد، ولكن إذا قدر أن المرأة ذهبت إلى هذا العرس ثم فوجئت بالطبول فإنها تنهاهم عن هذا وتنصحهم، فإن امتثلوا فهذا المطلوب، وإلا وجب عليها أن تخرج. السائل: ودفع المال لصاحبة الطبل؟ الشيخ: أما دفع المال (للدفافات) فلا بأس به؛ لأنه على عمل مباح، وأما دفعه (للطبالات) فلا يجوز؛ لأنه على عمل محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) . السائل: وما حكم رقص المرأة على هذه الدفوف؟ الجواب: الرقص مكروه ولاسيما إذا كان يخشى منه فتنة؛ وأحياناً تكون الراقصة شابة جميلة ويثير رقصها الشهوة عند النساء. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 36 حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر السؤال فضيلة الشيخ: ورد نقاش بين طلبة العلم من باكستان حول الصلاة في المسجد الذي يوجد فيه قبر ليس متصلاً به وإنما في الساحة الخارجية، وأفاد هذا الأخ بأن علماء باكستان قد أجازوا ذلك بحجة عدم قدرتهم على إزالتها، وعدم قدرة الحكومة الباكستانية نفسها على إزالة هذه القبور لتعلق الناس بها، وقد ذكر أحد الإخوة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان يمر على الناس وهم حول قبر زيد فيقول: الله خير من زيد، فما الضابط في هذه الأمور؟ الجواب إذا كان المسجد قد بني على القبر فإن الصلاة فيه لا تجوز وهذا المسجد يجب هدمه، وقد قال الله للرسول صلى الله عليه وسلم عن مسجد الضرار: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} [التوبة:108] لأن مسجد الضرار يجب أن يهدم، فكذلك كل مسجد يجب أن يهدم فإن الصلاة فيه محرمة قياساً على مسجد الضرار. وأما إذا كان المسجد سابقاً ودفن فيه هذا الرجل بعد أن بني المسجد، فإن كان القبر في القبلة فإنه لا يجوز أن يصلى فيه؛ لأنه إذا صلي فيه استقبل القبر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه، أنه قال: (لا تصلوا إلى القبور) أي: لا تجعلوها قبلةً لكم، وإن كان القبر عن يمين أو شمال أو خلف الظهر فلا بأس بالصلاة فيه. السائل: وإن كان في الساحة الخارجية في الحوش؟ الشيخ: الحوش من المسجد والحكم فيه كما قلت، والظاهر -إذا كان القبر في الحوش- أن المسجد سابق عليه فتكون الصلاة فيه صحيحة، إلا أن يكون القبر أمامه. السائل: وما حكم من صلى في مسجد فيه قبر في قبلته، وكان بين القبر والقبلة مسافة هي حوش هذا المسجد، فهل يعيد الصلاة أم يصلي منفرداً؟ الشيخ: لا يصل في هذا المسجد أبداً ما دام القبر في مكان ينسب للمسجد وهو في القبلة، فلا يُصَل فيه. السائل: والضابط في هذه المسألة يا شيخ؟! الشيخ: الضابط في هذا: إذا كان القبر بين يديك فلا تصل، وإذا كان القبر خلف ظهرك أو عن يمينك أو عن شمالك فينظر هل القبر سابق على المسجد، أم أن المسجد بني عليه وفي هذه الحالة لا تصل أيضاً، وإن كان المسجد سابقاً على القبر فصل. فصرت تصلي في حال ولا تصلي في حالين: لا تصلي إذا كان القبر بين يديك، ولا تصلي إذا كان المسجد قد بني على القبر، وتصلي إذا كان المسجد سابقاً على القبر والقبر ليس في القبلة. السائل: ولكن إذا كان القبر يطاف حوله؟ الشيخ: لا فرق، الأحوال الثلاثة السابقة ارجع إليها. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 37 حكم مسابقة الإمام في التأمين السؤال هل يجوز للمأموم أن يسبق الإمام بقوله: (آمين) بعد الفاتحة؟ الجواب إذا قال: (آمين) بعد أن قال الإمام: (ولا الضالين) فلا بأس: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (ولا الضالين) فقولوا: (آمين)) . فجعل محل قولنا: (آمين) إذا قال الإمام: (ولا الضالين) . أما من توهم من الناس أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا) أي: إذا قال الإمام: آمين، فقولوا أنتم بعده: آمين فليس هذا بصحيح، فمعنى قوله: (إذا أمَّن) إذا شرع؛ بدليل اللفظ الثاني الذي ذكرته. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 38 ما يلزم الزوجة بعد وفاة الزوج السؤال فضيلة الشيخ: هناك رجل توفي وخلف زوجة كبيرة في السن مريضة، لا أدري ما يلزمها؟ الجواب إذا توفي الإنسان لزم زوجته العدة أربعة أشهر وعشرة أيام إلا أن تكون حاملاً فإلى أن تضع الحمل، ويلزمها في هذه العدة الإحداد، والإحداد أن تتجنب الطيب إلا الطيب الذي يكون بعد الحيض بأن تطيب المرأة الفرج، أو ما كان مثل البخور فلا بأس به، وتتجنب الحناء في الرأس أو اليدين أو الرجلين، وتتجنب الكحل والتحسين بتحمير الوجه بمكياج أو ما أشبه ذلك، والحلي، وثياب الزينة، والخروج من البيت إلا عند الحاجة أو الضرورة سواء كانت كبيرة أو صغيرة فهذه سبعة أشياء. السائل: بالنسبة للثوب يا شيخ؟! الشيخ: تلبس ما شاءت من الثياب غير أنها لا تلبس ثياب التجمل أو الزينة، سواء كانت سوداء أو خضراء أو أي لون. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 39 حكم البسملة في الخلاء لمن أراد الوضوء فيه السؤال فضيلة الشيخ: من أراد أن يدخل إلى الخلاء ونوى أن يتوضأ داخل الخلاء هل يذكر نص البسملة لفظاً أو ينوي بها داخل قلبه؟ الجواب إذا أراد أن يدخل الخلاء يقول قبل أن يدخل: (باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث) ، وإذا نوى أن يتوضأ داخل الخلاء سمى في قلبه. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 40 حكم من نسي حلق الرأس أو تقصيره في العمرة السؤال فضيلة الشيخ: رجل اعتمر ونسي أن يحلق رأسه إلى الآن فما الحكم؟ الجواب لا بد أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ويتجنب جميع محظورات الإحرام؛ لأنه لم يحل بعد، ثم يحلق ويحل من إحرامه، بَلِّغه الآن، جزاك الله خيراً. السائل: هل يلبس الإحرام؟ الشيخ: نعم. يلبس الإحرام لأنه لم يحل بعد. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 41 حكم استعمال الشيء المأكول للنظافة السؤال فضيلة الشيخ: يوجد في الأسواق بعض الأنواع من الشامبو والصابون ممزوجة بالعسل ولبن الزبادي ما حكم استعمالها؟ الجواب لا بأس باستعمال هذه الأشياء التي يزال بها الأذى ويحصل بها التنظيف، لكنها لا تستعمل في الاستنجاء أو في الاستجمار وفيها شيء مطعوم. الجزء: 20 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [21] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات بينات من سورة التكوير، حيث بيَّن الأهوال العظيمة التي تكون يوم القيامة: من تكوير الشمس، وتساقط النجوم، واشتغال البحار وغيرها، ثم تكلم عن النار التي أعدت للكافرين، والجنة التي أعدت للمتقين، ثم أجاب الشيخ بعد ذلك عن الأسئلة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة التكوير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا قد وقفنا في تفسير جزء عم على سورة التكوير, وها نحن نبدأ بها إن شاء الله في هذا اللقاء الموافق (يوم الخميس) الأول من شهر ذي القعدة عام (1413هـ) . فنقول: قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:1-3] إلى أن قال: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا الشمس كورت) قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} التكوير:1] هذا يكون يوم القيامة، والتكوير: جمعُ الشيء بعضِه إلى بعض، ولفُّه كما تُكَوَّر العمامة على الرأس. و (الشمس) كتلة عظيمة كبيرة واسعة، يكوِّرها الله عز وجل يوم القيامة، فيلفها جميعاً ويطوي بعضها على بعض، فيذهب نورُها، ويلقيها عز وجل في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:98] أي: تحصبون في جهنم، {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:98] ويستثنى من ذلك من عُبِد من دون الله تعالى من أولياء الله، فإنه لا يلقى في النار، كما قال الله تعالى بعد هذه الآية بآيتين: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:101-102] . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإذا النجوم انكدرت) قال تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} [التكوير:2] (انكدرت) أي: تساقطت، كما تفسرها آيةٌ أخرى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار:2] ، فالنجوم يوم القيامة تتناثر، وتزول عن أماكنها. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وإذا الجبال سيرت) قال تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3] فإن هذه الجبال العظيمة الصلبة العالية الرفيعة تكون هباءً يوم القيامة، وتُسَيَّر، كما قال الله تعالى: {وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وإذا العشار عطلت) قال تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:4] (العشار) جمع عُشَراء وهي: الناقة الحامل التي تم لحملها عشرة أشهر، وهي من أنفس الأموال عند العرب، وتجدُ صاحبَها يرقُبُها ويلاحظها، ويعتني بها، ويأوي إليها، ويحف بها في الدنيا؛ لكن في الآخرة تُعْطَّل ولا يُلْتَفَتُ إليها؛ لأن الإنسان في شأن عظيم مزعج يُنْسِيه كلَّ شيء، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37] . الجزء: 21 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] (الوحوش) جمع وحش، والمراد بها: جميع الدواب، لقول الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38] ، فتحشر الدواب يوم القيامة، ويشاهدها الناس، ويُقْتَص لبعضها من بعض، حتى إنه يُقْتَص للبهيمة الجلحاء -التي ليس لها قرن- من البهيمة القرناء، فإذا اقْتُصَّ من بعض هذه الوحوش لبعض، أَمَرَها الله تعالى فكانت تراباً، وإنما يفعل ذلك سبحانه وتعالى لإظهار عدله بين خلقه. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وإذا البحار سجرت) قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] (البحار) جمع بحر، وجُمِعَت لعظمتها وكثرتها، فإنها تُمَثِّل ثلاثة أرباع الأرض تقريباً أو أكثر، هذه البحار العظيمة إذا كان يوم القيامة فإنها تُسَجَّر -أي: توقَد نار عظيمة تشتعل- وحينئذ تيبس الأرض ولا يبقى فيها ماء؛ لأن مياه بحارها العظيمة تُسَجَّر حتى تكون ناراً. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وإذا النفوس زوجت) قال تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] (النفوس) جمع نفس، والمراد بها: الإنسان كُلُّه، فتُزَوَّج النفوس، بمعنى: يُضَمُّ كلُّ صنف إلى صنفه؛ لأن الزوج يراد به: الصنف، كما قال الله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] ، أي: أصنافاً ثلاثة. وقال تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، وقال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] أي: أصنافهم وأشكالهم. فيوم القيامة يُضَمُّ كلُّ شكل إلى مثله، أهلِ الخير إلى أهل الخير، وأهلِ الشر إلى أهل الشر، وهذه الأمة يُضَمُّ بعضها إلى بعض {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] لوحدها: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:28] . إذاً معنى {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] أي: شُكِّلت وضُمَّ بعضُها إلى بعض، كلُّ صنف إلى صنفه، وكلُّ أُمَّة إلى أُمَّتها. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت) قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8-9] ، الموءودة هي: الأنثى تُدْفن حية، وذلك أَنَّ الناس كانوا في الجاهلية لِجَهلهم وسوءِ ظنهم بالله وعدمِ تحمُّلهم يُعَيِّر بعضُهم بعضاً إذا أتته الأنثى، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] ممتلئاً هَمَّاً وغماً: {يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ} [النحل:59] أي: يختفي منهم {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] إذا قيل لأحدهم: نبشرك أن الله تعالى جاء لك بأنثى، اغْتَمَّ واهْتَمَّ وامتلأ من الغمِّ والهمِّ وصار يفكر: هل يُبْقِي هذه الأنثى على هون وذل، أم يدسُّها في التراب ويستريحَ منها؟! فكان بعضهم هكذا، وبعضهم هكذا، فمنهم -والعياذ بالله- مَن يدفن البنت وهي حية، إما قبل أن تُمَيِّز، أو بعد أن تُمَيِّز حتى إن بعضهم كان يحفر الحفرة لبِنْتِه فإذا أصاب لحيتَه شيءٌ من التراب نَفَضَته عن لحيته وهو يحفر لها ليدفنها، ولا يكون في قلبه لها رحمة، وهذا يدلك على أن الجاهلية أمرها سفال، فإن الوحوش تحنو على أولادها وهي وحوش، وهؤلاء لا يحنون على أولادهم. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (بأي ذنب قتلت) يقول عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:8] ، تُسأل يوم القيامة: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] لماذا قُتِلَت؟! هل أذنَبَت؟! فإذا قال إنسان: كيف تُسْأل وهي المظلومة، وهي المدفونة، ثم إنها قد تُدْفَن وهي لا تُمَيِّز ولم يَجْر عليها قلم التكليف فكيف تسأل؟! قيل: إنها تُسأل توبيخاً للذي وَأَدَها؛ لأنها تُسأل أمامه، فيقال: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] ؟! نظير ذلك: لو أن شخصاً اعتدى على آخر في الدنيا، فأتوا إلى السلطان أو الأمير، فقال للمظلوم: بأي ذَنْبٍ ضَرَبَك هذا الرجل؟! وهو يعرف أنه معتدٍ عليه وليس له ذنب؛ لكن من أجل التوبيخ للظالم. فالموءودة تسأل: {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:9] توبيخاً لظالمها وقاتلها ودافنها، نسأل الله العافية. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (وإذا الصحف نشرت) قال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير:10] ، الصحف: جمع صحيفة، وهي: ما تُكْتَب فيها الأعمال. واعلم أيها الإنسان أن كل عمل تعمله من قول أو فعل، فإنه يُكْتَب ويُسَجَّل في صحائف على أيدي أمناء {كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11-12] ، فيسجلون كل شيء تعمله، فإذا كان يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13] أي: عَمَلَه في عنقه {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} [الإسراء:13] ، أي: مفتوحاً، {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] . كلامنا الآن ونحن نتكلم يُكْتَب، كلام بعضِكم مع بعض يُكْتَب، كلُّ كلامٍ يُكْتَب، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] . ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت) ؛ لأن كل شيء سيُكْتَب عليه، ومَن كَثُر كَلِمُه كَثُر سَقَطُه، أي: أن الذي يُكْثِرُ الكلامَ يَكْثُرُ سَقَطُه وزلاتُه. فاحفظ لسانك، فإن الصحف سوف يُكْتَب فيها كل ما تقول، وسوف تُنْشَر لك يوم القيامة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (وإذا السماء كشطت) قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير:11] ، السماء فوقنا الآن سقفٌ محفوظ قوي شديد، قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] ، أي: بقوة، وقال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية. ففي يوم القيامة تُكْشَط، أي: تُزال عن مكانها كما يُكْشَط الجلد عند سلخ البعير عن اللحم، فيكشِطها الله عز وجل، ثم يطويها جل وعلا بيمينه، كما قال تعالى: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] . وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء:104] أي: كما يطوي السجلُّ الكتبَ، بمعنى: أن الكاتب إذا فرغ من كتابته طَوَى الورقة حفظاً لها عن التمزق وعن المحو. فالسماوات تُكْشَط يوم القيامة، ويبقى الأمر فضاءً، إلا أن الله تعالى يقول: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] ، فتكون السماء التي فوقنا يكون بدلاً عنها العرش؛ لأن السماء تُطْوَى بيمين الله عز وجل، يطويها بيمينه ويهزها، وكذلك الأرض باليد الأخرى، ويقول: أنا الملك أين ملوك الدنيا؟! الجزء: 21 ¦ الصفحة: 13 تفسير قوله تعالى: (وإذا الجحيم سعرت) قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] ، الجحيم هي: النار، وسُمِيَّت بذلك لِبُعدِ قعرها، وظُلْمَة مرآها، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها. تُسَعَّر أي: تُوْقَد، وما وَقُودُها الذي توقَد به؟ الجواب وَقُودُها الذي توقَد به قال الله تعالى عنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] بدلاً من أن يؤتَى بالحطب والورق، يكون الوقودَ الناسُ -أي: الكفار-، والحجارة: حجارةٌ من نار عظيمة شديدة الاشتعال والحرارة، هذا تسعير جهنم. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 14 تفسير قوله تعالى: (وإذا الجنة أزلفت) قال تعالى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:13] الجنة: دار المتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سَمِعت، ولا خطر على قلب بشر. {أُزْلِفَتْ} أي: قُرِّبت وزُيِّنَت للمؤمنين. وانظر الفرق بين هذا وهذا! دار الكفار ماذا يُفْعَل بها؟! تُسَعَّر وتوقد! ودار المؤمنين؟! تُزَيَّن وتُقَرَّب، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} . كل هذا يكون يوم القيامة. فإذا قرأنا هذه الآيات: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:1-13] نجد أنها اثنتا عشرة جملة؛ ولكن إلى الآن لم يأت الجواب؛ لأنها كلها في ضمن الشرط، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} . إلخ، فالجواب لم يأت بعد، ماذا يكون إذا كانت هذه الأشياء؟ الجزء: 21 ¦ الصفحة: 15 تفسير قوله تعالى: (علمت نفس ما أحضرت) قال الله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] أي: ما قدَّمت من خير وشر، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] أي: يكون مُحْضَراً، أيضاًَ {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30] فتعلمُ في ذلك اليوم كلُّ نفس ما أحضرت من خير أو شر، نحن في الدنيا نعلم ما نعمل من خير أو شر؛ لكن سرعان ما ننسى، مَن يتذكر الآن ما عمله مما سبق مُذْ جرى عليه قلم التكليف؟! إننا نسينا الشيء الكثير، فلا نتذكر من الطاعات ولا من المعاصي شيئاً؛ لكن هل تظنون أن هذا ذهب سُدَىً كما نسيناه؟ لا. هو باقٍ، فإذا كان يوم القيامة أحْضَرْتَه أنتَ بإقرارك على نفسك بأنك عملته، ولهذا قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] . فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة، وأن يتعظ بما فيها من المواعظ، وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين؛ لأن ما أخبر الله به وعَلِمْنا مدلوله، فإنه أشد يقيناً عندنا مما شاهدناه بأعيننا، أو سمعناه بآذاننا؛ لأن خبر الله تعالى صدق لا يخلف؛ لكن ما نراه أو نسمعه كثيراً ما يقع فيه الوهم، فقد ترى الشيء البعيد شبحاً تعيِّنُه في تصورك وهو خلاف الواقع، وقد تسمع الصوت فتظنه شيئاً معيناً في ذهنك وهو خلاف الواقع، فالوهم يَرِد على الحواس؛ لكن خبر الله عز وجل إذا عُلِم مدلولُه لا يمكن أن يَرِد عليه شيء من الوهم؛ لأنه خبرُ صدق. فهذه الأمور التي ذكرها الله تعالى في هذه الآيات أمورٌ حقيقية، يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين، ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار، والقيام بالواجبات وترك المنهيات، حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته، جعلنا الله وإياكم منهم بِمَنِّه وكرمه، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 16 الأسئلة الجزء: 21 ¦ الصفحة: 17 حكم وسائل الدعوة السؤال فضيلة الشيخ! بعض المدارس في العطلة الصيفية، تقوم بفتح المراكز الصيفية لإشغال وقت الشباب الضائع في الشوارع بأمور خيِّرة من محاضرات، وندوات، ومسابقات، وغيرها من الأمور النافعة، وربما يشغلون الشباب في هذه المعسكرات بلعب الكرة، وبمسارح، ثم اعترض بعض الشباب وقال: هذا لا ينبغي ولا يجوز، وإن هذا ليس من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، إِذ الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد، ويقولون: وسائل الدعوة توقيفية، ثم إن كثيراً من الشباب احتاروا في ذلك. فنريد منكم توجيهاً شافياً كافياً في ذلك للتفريق بين الوسائل والمقاصد، حتى يتضح الأمر أثابكم الله، وجزاكم الله خيراً. الجواب بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. لا شك أن الحكومة وفقها الله تُشْكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية؛ لأنها تكف بهذه المراكز شراً عظيماً، وفتنة كبيرة، فلو أن هؤلاء الشباب، وهذه الجحافل الكثيرة العدد صارت تجوب الأسواق طولاً وعرضاً، أو تخرج إلى المنتزهات، أو إلى البراري، أو الشعاب، أو الجبال، فما ظنكم بالذي يحصل منها من الشر؟! أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع سيظن أن كارثة ما ستحصل للشباب من الانحراف، وفساد الأخلاق، والأفكار الرديئة، وغير ذلك؛ لكن هذه المراكز -ولله الحمد- صارت تحفظ كثيراً من الشباب، ولا نقول: تحفظ أكثر الشباب، ولا كل الشباب، كما هو الواقع، ويحصل فيها خيرٌ كثير من استدعاء أهل العلم لإلقاء المحاضرات التي يكون بها العلم الكثير، والموعظة النافعة، والألفة بين الشباب والشيوخ، وهذا لا شك أن فيه مصالح عظيمة. أما ما يحصل فيها من إمتاع النفس بلعبة الكرة، والمسرحيات، وما أشبه ذلك، فهذا من الحكمة؛ لأن النفوس لو أعطيت الجد في كل حال، وفي كل وقت، لَمَلَّتْ وكَلَّتْ وسئمت، فالصحابة رضي الله عنه قالوا: (يا رسول الله! إذا كنا عندك وذكرتَ لنا الجنة والنار، فكأننا نراها رأي عين؛ لكن إذا ذهبنا إلى بيوتنا، وعافَسْنا الأهل والأولاد نسينا، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ساعة وساعة) بمعنى: أن الإنسان يكون هكذا مرة وهكذا مرة. وقال عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو بن العاص لما قال رضي الله عنه: (لَأَقُومَنَّ الليلَ ما عِشْتُ، ولَأَصُومَنَّ النهار ما عِشْتُ، قال له: أقُلْتَ هذا؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزَوْرِك -أي: ضيفك- عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حق حقه) . وسمع الرسول بقوم قالوا -حين سألوا عن عمله عليه الصلاة والسلام في السر في بيته، وأُخْبِروا به، وكأنهم تَقالُّوا هذا العمل قالوا: الرسول عليه الصلاة والسلام غَفَر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن لسنا كذلك، فقال بعضهم: أنا لا أنام الليل -أي: يقوم الليل ولا ينام-، وقال الثاني: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أنا لا آكل اللحم، وقال الرابع: أنا لا أتزوج النساء، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، قال: (ما بال أقوام يقولون هذا؟! إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) . فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة لا شك أنه غاية الحكمة، ثم إن لعبة الكرة مع ما فيها من التسلي وإذهاب التعب النفسي، ففيها منفعة للبدن؛ لأنها تنشطه وتقويه؛ لكن يجب فيها الآتي: أولاً: أن يتجنب اللاعبون ما يفعله بعض السفهاء من لبس السراويل القصيرة، فإن هذا لا يجوز، لا يجوز للشباب الإسلامي أن يلبس سراويل قصيرة؛ لأننا إن قلنا: إن الفخذ عورة فالأمر واضح؛ فالعورة لا يجوز كشفها، والنظر إليها، وإن لم نقل: إنه عورة فإن كشف أفخاذ الشباب فتنة يفتتن بعضهم ببعض، وهذه مفسدة يجب درؤها. ثانياً: ألا يؤدي ذلك إلى الكلام البذيء مِن سب أو شتم أو ما أشبه ذلك، فإن ما يوصِل إلى الكلام البذيء الخارج عن المروءة لا يجوز. ثالثاً: ألا يحصل فعلٌ ينافي المروءة، كما يفعل بعض اللاعبين، إذا غلب أحدٌ منهم الآخر جاءوا يركضون إليه يضمونه، ويَخُمُّونه، ويحملونه على أكتفاهم، وما أشبه ذلك من الأفعال المنافية للمروءة؛ لأن هذه الأفعال وإن كانت جاءتنا من دول ليس عندهم مروءة ولا دين، لكننا أول من ننكرها، حتى الأطفال الصغار الذين دون البلوغ والذين هم في سن العاشرة ونحوها لو فعلوا هذا، لكان ينبغي توجيههم بترك هذا الفعل. أما قول القائل: إن مكان المواعظ المساجد، فَصَدَق، لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعظ الناس إلا في المسجد؟ لا. بل كان يعظهم في المسجد، ويعظهم في السوق، ويعظهم في السفر، ووعد النساء يوماً يعظهنَّ فيه، فأتى إليهن في بيت إحداهن. فمكان الوعظ صحيحٌ أنه المساجد، وهذا هو الأصل؛ لكن كلما دعت الحاجة إلى الوعظ في غيره فإنه يُوعَظ فيه. وهؤلاء الشباب لو قلنا: ائتوا لهم بمراكز في المساجد، واطبخوا لهم الغداء فيها، واصنعوا القهوة فيها، لكان هذا منكراً أيضاً، أنكر من كونهم يجلسون في مكان معين. وإني أقول لهذا الأخ الذي اعترض بهذا الاعتراض: يجب أن يكون عند الإنسان إدراك ووعي، وأن يُنَزِّل الأمور منازلها، وألا يكون سطحياً يرى من فوق السقوف، بل يكون إنساناً واعياً يَسْبُر أغوار الأمور، وينظر ما الذي يترتب من المصالح والمفاسد على الأفعال، والقاعدة العريضة الواسعة الشاملة للشريعة الإسلامية إنما هي: جلبُ المصالح ودفعُ المفاسد، فقد أتت المراكز بالمصالح ودَفْع المفاسد، ولا أحد يشك في أننا لو قلنا لروَّاد المراكز الصيفية: ائتوا إلى المساجد لما تحمل الناس هذا، حتى العامة لا يتحملون هذا الشيء. فإذاً نقول: هذه الأماكن؛ أماكن المدارس التي هي محل العلم من أزمنة طويلة، والمسلمون لا ينكرونها، بل درسوا فيها وبنوها، وبنوا لها الأربطة، وطبعوا لها الكتب، كل ذلك لم يكن معروفاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، غاية ما هنالك أنه يمكن أن يُسْتَدلَّ للأربطة بأصحاب الصُّفَّة؛ لكن هل منع الرسول عليه الصلاة والسلام من ذلك؟ أبداً. ما منع من هذا، فالمدارس الآن مكان للعلم، يُدْرَس فيها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء، والوسائل المساندة للعلم من نحوٍ وغيره. فنقول للأخ الذي اعترض هذا الاعتراض: فكِّر في الأمر، واعلم أن الدين أوسع من فكرك، وأوسع من عقلك، وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت، ما لم تشتمل على مضار مساوية أو غالبة فتُمْنَع. أما قوله: إن وسائل الدعوة توقيفية: فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية, فما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة، نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة؛ ما لم تكن محرمة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، ألسنا الآن نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت؟! هذه وسيلة، فهل كانت هذه الوسيلة موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! الجواب: غير موجودة! ألسنا نقرأ الكتب بلبس النظَّارة من أجل تكبير الحرف أو بيانه؟! هذه وسيلة لقراءة الكتب وتحصيل العلم، فهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؟! الجواب: غير موجود! ألسنا نضع في أذن الأصم أو خفيف السمع سماعة ليسمع ما يُلقَى من الخير؟! الجواب: بلى! وهل كان هذا موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟! ما دمنا أقررنا بأنها وسيلة، فإننا ننظر إلى الغاية، فإذا كانت الوسيلة محرمةً حَرُمَت في ذاتها. فلو جاء أناس وقيل لكم عنهم: هؤلاء الجماعة لا يقربون منكم حتى تضربوا لهم بالمعازف، ويرقصوا عليها! قلنا: هذه لا نستعملها؛ لأنها وسيلة محرمة. أو قيل: لا يقبل هؤلاء الدعوة إلى الله إلا أن تكون الداعية امرأة شابة جميلة! فهل نأتي بامرأة شابة جميلة؟ لا. إذاً فالوسائل جائزة، وعلى حسب ما هي وسيلة إليه، ما لم تكن ممنوعة شرعاً بعينها فإنها تُمْنَع. وأنا أحبذ المراكز الصيفية، وأرى أنها من حسنات الحكومة، وأحثُّ أولياء الأمور على إدخال أولادهم فيها؛ لكن يجب الحذر من مسائل، وهي: الأولى: أن يُخْلَط الشباب الصغار مع المراهقين والكبار؛ لما في ذلك من الفتنة التي يُخْشَى منها. الثانية: أن يكون القائمون على هذه المراكز من ذوي العلم، والأمانة، والصلاح، والمروءة، بحسب الإمكان ولا نقول: لابد أن يكون كذلك؛ لأنه أمر قد يكون مستحيلاً، فالكمال لله وحده؛ لكن بحسب الإمكان، ولهذا لما تكلم العلماء عن القضاة، وأنه يجب أن يكون القاضي عدلاً، قالوا: إذا لم يوجد قاضٍ عدلٌ، فإنه يُوَلَّى أحسن الفاسقَين، وأقربهما للأمانة؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الثالثة: أن على ولاة الأمور إذا أدخلوا أولادهم في هذه المراكز أن يتحسسوا أخبار هذه المراكز، وينظروا كيف تكون مثلاً طلعات التلاميذ إلى البَرِّ، ومن الذي يخرج بهم وهكذا، حتى يحافظوا على أولادهم. فنسأل الله التوفيق للجميع. وأكرر -ولا سيما مع طلبة العلم- لابد أن يكون طالب العلم ذهنُه واسعاً وتفكيرُه عميقاً، وألا يأخذ الأمور بظاهرها وسطحيتها، وأن ينظر مقاصد الشريعة وما ترمي إليه من إصلاح الخلق، وألا يمنع ما يكون صلاحاً أو ما يكون درءاً لمفسدة أكبر، إلا إذا ورد الشرع بمنعه. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 18 حكم من رمى الجمرة ليلاً مع امرأته السؤال فضيلة الشيخ! تعلمون ما يكون على النساء في وقت الحج من الزحام، وعدم القدرة على أداء المناسك في بعض الأماكن، وقد أفتى أهل العلم بالنسبة للمرأة بأنها ترمي في الليل، فهل لوليِّها أن يذهب ويرمي لنفسه معها في الليل، أو يذهب في النهار ويصاحبها فقط في الليل؟ الجواب الصحيح أن الرمي في الليل جائز، إلا ليلة العيد فإنه لا يجوز إلا في آخر الليل، وكذلك في اليوم الثاني عشر لا يؤخره إلى الليل؛ لأنه لو أخره إلى الليل لزم أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كذلك رمي الثالث عشر لا يؤخر إلى الليل؛ لأن أيام التشريق تنتهي بغروب ليلة الثالث عشر. فيجوز حتى لغير المرأة أن يرمي ليلاً، ونرى أن الرمي ليلاً مع الطمأنينة والإتيان بالرمي على وجه الخشوع، أفضل من كونه يذهب ليرمي في النهار وهو لا يدري أيرجع إلى خيمته أو يموت، ولا يؤدي العبادة -حين يؤديها- عبادةً، بل يؤديها وكأنه مشغول البال بالخوف على نفسه، وقد قررنا قاعدة دلت عليها الشريعة: أن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على زمانها أو مكانها ما دام الوقت متسعاً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ، فمن كان يدافع الأخبثين نقول له: أخِّر الصلاة إلى آخر الوقت حتى تقضي حاجتك، وإن كانت الصلاة في أول الوقت أفضل؛ لكن إذا صليت وأنت تدافع الأخبثين فإنك لا تحصل على الخشوع الذي يتعلق بذات العبادة. لهذا نرى في الوقت الحاضر أن الرمي في الليل أفضل من الرمي في النهار، إذا كان الرمي في النهار لا يحصل به الخشوع وأداء العبادة على الوجه المطلوب، فيجوز للرجل أن يؤخِّر الرمي إلى الليل من أجل أن يذهب هو وأهله ليرموا الجمرة. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 19 حكم تأخير إخراج الزكاة السؤال يا شيخ! ما الحكم إذا أُخِّرت زكاة الذهب أكثر من ثلاثة أشهر؟ هذا أمر. والأمر الآخر: ما الحكم إذا اشترى ذهباً جديداً وأضافه إلى الذهب القديم الذي وجبت عليه الزكاة؟ الجواب تأخير الزكاة سواءً كانت زكاة الذهب أو غيره لا يجوز، إلا إذا لم يجد الإنسان أهلاً للزكاة وأخَّرها ليتحرى مَن يرى أنه أهل فهذا لا بأس به؛ لكن يجب أن يقيد الحول؛ لكيلا يقول في السنة الثانية مثلاً: أنا ما زكيتُ إلا من مدة ستة أشهر، فأضيف ستة أشهر أخرى مثلاًَ: إذا كانت تحل في رمضان، ولم يجد أحداً يعطيه، وأخَّرها إلى ذي القعدة، فإذا جاء رمضان الثاني يؤدي الزكاة، فلا يقل: أنا لم أؤدِّ إلا في ذي القعدة، فلا أخرجها إلا في ذي القعدة؛ لأن الأول تأخير، فإذا كان لمصلحة فلا بأس. أما إذا اشترى ذهباً في أثناء الحول، فإنه لا يُضَمُّ إلى الذهب الأول في الزكاة، بل يجعل له حولاً وحده، وإن شاء أن يضمه إلى الأول ويُخْرِج زكاتهما في آن واحد فلا بأس، ويكون هذا من باب تقديم الزكاة. السائل: وإذا كان الجديد أقل من النصاب؟ الشيخ: إذا كان الذي اشتراه أقل من النصاب فيضاف إلى الأول في النصاب؛ لكن في الحول له حول وحده، ما لم يختر أن يجعل زكاتهما في شهر واحد. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 20 حكم الخروج من مزدلفة ليلا ً السؤال فضيلة الشيخ! حاج خرج من مزدلفة بعد منتصف الليل ومعه أهله؛ ولكن لم يتجه إلى الجمار ليرمي جمرة العقبة، بل اتجه إلى المخيم ولم يرم جمرة العقبة إلا بعد الضحى، فهل يلزم من خرج من مزدلفة أن يتجه إلى الجمار؟ الجواب أولاً: السنة أن يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ويُسْفِر جداً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن من خاف من زحام الناس في رمي العقبة فليخرج في آخر الليل وليرمِ الجمرة، وكونه يخرج من آخر الليل ولا يرمي الجمرة لا شك أنه مخالف للسنة من وجهين: الوجه الأول: خروجه قبل أن يصلي الفجر. الوجه الثاني: أنه أخر الرمي إلى أن ارتفعت الشمس، والإنسان الذي يتقدم من أجل الرمي مأمور بأن يتقدم في الرمي. السائل: هل يلزمه شيء في هذا؟ الشيخ: لا يلزمه شيء. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 21 من نوى الحج يوم عرفة السؤال يا شيخ! شخصٌ نوى الحج في يوم عرفة، فأيُّهما أفضل له: أن يقرن أم يُفرد؟ الجواب الذي يظهر لي أن القران أفضل؛ لأنه يحصل به نُسُكان: عمرةٌ وحج، فيقول: لبيك عمرة وحجاً ويُهدي. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 22 حكم الاستمناء بيد الزوجة في نهار رمضان السؤال فضيلة الشيخ! رجل غلبته شهوتُه في نهار رمضان، فاستمنى بيد زوجته فما الحكم؟ الجواب الحكم أن هذا حرام عليه إلا إذا كان مسافراً، فإن المسافر يجوز أن يفطر بالأكل والشرب والجماع وغيره؛ لكن إذا كان غير مسافر فإنه يحرم عليه؛ لأنه صومَه يَفْسُد بهذا العمل، وعليه أولاً: التوبة إلى الله تعالى -وهي أهم شيء- وأن يشعر بالخجل من الله والذل بين يديه. ثانياً: يقضي هذا اليوم الذي أفطره، وزوجتُه لا شيء عليها إلا إذا أنزلت، وقد مَكَّنَتْه من هذا الفعل باختيارها، فعليها أن تقضي، ويحرم عليها هذا التمكين، فيكون عليها التوبة والقضاء. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 23 حكم الملابس التي عليها الصليب السؤال فضيلة الشيخ! كَثُرَت أنواعُ الصلبان في الملابس والبضائع، فلا أدري هل هناك صليبٌ محددٌ تجب إزالته؟ وإذا كان لا يمكن أن يزال هذا الصليب إلا بتلف جزء من هذه العين أو جميع هذه البضاعة، فهل تجب إزالته؟ وكذلك ما يتعلق بالنجمة السداسية، هل يجب أيضاً إزالتها أم ماذا؟ الجواب أقول -بارك الله فيك- أولاً: لابد أن نعلم أن هذا صليب؛ لأن بعض الأشياء يظنها بعض الناس صلباناً وليست كذلك. ثانياً: أن نعلم أنه وُضِع لأنه صليب، لا لكونه نقشاً في الثوب مثلاً؛ لأن النصارى يعظمون الصليب، فلا يمكن أن يجعلوا وَشْياً في ثوب، إنما يضعونه موضع الاحترام. فلابد من هذين الأمرين، فإذا تحققنا أنه صليب فإن الواجب تمزيقه، أو على الأقل السنة تمزيقه، ولنقاطع هذه الثياب؛ فإذا قاطعناها ولم يستفد التجار منها قاطعوها أيضاً. وكذلك يقال في النجمة السداسية التي يقال: إنها شعار اليهود، فحكمها حكم الصليب، وإن كان اليهود لا يتخذونها على سبيل العبادة؛ لكنها مختصة بهم. السائل: ولكن الصلبان -يا شيخ- على أنواع مختلفة، أعني: هل كل صليب لابد أن أتأكد أنه صليب؟ الشيخ: نحن سألنا عنها النصارى الذين أسلموا فقالوا: إن الصليب عندنا هو الصليب المعروف؛ أن يكون خطان، أحدهما يقع عرضاً والثاني طولاً، ويكون الطوليُّ مِن جانبٍ أطولَ من الثاني. حتى أننا سألناهم عن ساعة الصليب هذه التي يسمونها ساعة الصليب فقالوا: هذه لا يراد بها الصليب، هذه علامة الشركة فقط؛ لأن الصليب عند النصارى يقولون عنه: إنه خط مرتفع طويل، ثم خط عرْضي، وأحد الجانبين في الخط الطولي أطول من الآخر؛ لأن هذا هو الواقع، فالإنسان المصلوب توضع له خشبةٌ عرضاً من أجل أن تربط بها يداه، فهل يمكن أن تكون الخشبةُ الموضوعةُ لليدين موضوعةً في النصف؟! لا. بل تكون في الأعلى، لهذا نحن في شك من هذه التي نُشِرَت قبل سنتين بأشكال مختلفة، وقالوا: هذه صلبان! ثم إن علامة (+) هل هي صليب؟ ليست صليباً. السائل: ولكنهم يشكلون أشكالاًَ وصوراً على أشكال الصليب! الشيخ: لا. هم يقولون: هذا ليس صليباً، فقد حدَّثني إنسان مسلم وكان نصرانياً، فقال: هذا هو الذي عندنا. كذلك يوجد فيما سبق الدلاء التي يُرفع بها الماء من البئر، في أعلاها شيء يُسمى: (العَرْقات) ، عبارة عن خشبتين، إحداهما عَرْضِية والأخرى طولية، فمِن هذه الأشياء ليست صليباً. فالشيء الصليب هو الذي وُضع على أنه صليب. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 24 وجوب العدل بين طلاب أهل السنة والرافضة السؤال من المعلوم -يا شيخ- لديكم أنه يوجد عندنا نحن في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام الرافضة بكثرة، ويدرسون معنا في المدارس كلها، فيسأل بعضُ المدرسين فيقول: هل يجب علي أن أعدل بينهم وبين الطلاب الذين هم من أهل السنة أم أقصر في حقهم ولا أعطيهم حقهم؛ لأنهم -كما يقول هو- أعداء لله ولرسوله، وهم كما قال كثير من أهل العلم: كفار خارجون عن الملة. الجواب أولاً: أعجبني قولك: المدينة النبوية؛ لأن المشهور عند الناس المدينة المنورة، والصواب: المدينة النبوية؛ لأن النور كان في مكة أيضاً قبل أن يكون في المدينة. ثانياً: الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} [المائدة:8] أي: لا يحملكم بُغْض قوم على ألا تعدلوا {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] حتى إن العلماء قالوا: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهما منه مجلساً واحداً، فلا يقول للمسلم: تعال هنا وللكافر: اذهب هناك، لا. بل يجعلهما جميعاً أمامه، وأن يعدل بينهما في الكلام، فلا يغلظ الكلام للكافر ويرققه للمسلم، فلا يقول للمسلم: صبحك الله بالخير ولا يقوله للكافر، بل يجعلهما سواء في باب المحاكمة؛ لأن هذا هو العدل. فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليَغُضَّ النظر عن كونه فلاناً أو فلاناً، ليصحح على ما كان أمامه من قول، إن صواباً فهو صواب، وإن خطأً فهو خطأ، كما أنه لا يجوز أن ينظر -إذا كان يعرف صاحب الجواب- إلى حال الطالب من قبل، هل هو فاهم أو غير فاهم؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقَدِّر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم، وهذا غلط، بل يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رُفِع إليه في الجواب النهائي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أقضي بنحوِ ما أسمع) . وكثيراً ما يكون الطالب جيداً، فيتوهم في الجواب أو في السؤال، فيفهم السؤال على أن السائل أراد به كذا، ويجيب بحسب هذا الفهم. أو يتوهم في الجواب فيظن أن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا، وهو غلط، مثل أن يكون في السؤال: كم أقسام الحديث؟ فيظن الطالب أن المراد: كم أقسامه من حيث العدد، فيقول: متواتر ومشهور وعزيز، وغريب وغيره. ويتوهم آخر أن المراد: مراتب الحديث من حيث الصحة فيقول: صحيح، وحسن، وضعيف. والصحيح إما لذاته أو لغيره، والحسن إما لذاته أو لغيره. فالمهم: أن الواجب على المدرس إذا قدمت إليه أوراق الإجابة، أن يصحح حسب الجواب بقطع النظر عن المجيب. وكذلك في أثناء التدريس يجب أن يعدل بين التلاميذ مهما كان الأمر، وهو بهذه الطريقة يفتح آفاقاً بعيدة قد لا يدركها؛ لأن الخصم يفهم أنه لم يتحدَّاه، فيرغب فيه ويقول: هذا مُنْصِف، وعادل، ويجره ذلك إلى أن يألَفَه ويقبل منه ما يقول. ولهذا فنحن ننصح إخواننا المدرسين في البلاد التي ذكرتَ، والتي يختلط فيها أهل السنة وأهل البدعة أن يحاولوا بقدر المستطاع تأليف أهل البدعة وجذبهم إليهم؛ لأن الشباب لَيِّن العريكة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شَرْخَهم) أي: شبابهم؛ لكي يجتذبهم لكن لو أن الأستاذ يعامل طلابه من أهل البدعة بالقسوة والآخرين باللين، أو يعاملهم بالتشديد في التصحيح والآخرين بالتخفيف، أو يعاملهم بإسقاطهم وهم مجيبون صواباً، فلا شك أن هذا يولِّد في قلوبهم البغضاء والكراهية، حتى للحق الذي كان عند هذا الأستاذ. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 25 حكم ترتيب الصلاة السؤال إذا نوى المسافر جمع المغرب والعشاء جمع تأخير إلى أن يصل إلى المنطقة الفلانية، فلما وصل دخل وقت العشاء، أو أنه أذن، أو أقيمت الصلاة، فكيف يعمل؟ الشيخ: وصل إلى بلده أم وصل إلى بلد آخر؟ السائل: لا. هو مسافر من محل إقامته إلى محل آخر. الشيخ: أي: وصل إلى المحل الآخر؟ السائل: نعم. الجواب هو الآن يصلي المغرب، ثم يصلي مع الجماعة العشاء، فإن أقيمت الصلاة قبل أن يصلي المغرب، دخل معهم بنية المغرب، فإن أدرك العشاء من أول ركعة وقام الإمام إلى الرابعة جلس هو وتشهد وسلم، ثم قام مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخل مع الإمام في صلاة العشاء في الركعة الثانية فما بعدها فالأمر واضح، إن دخل في الركعة الثانية سلم مع الإمام، وإن دخل في الركعة الثالثة أتى بركعة بعدها، وإن دخل في الرابعة أتى بركعتين بعدها. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 26 حكم من جامع امرأته وهي تقضي صيامها السؤال يا شيخ! الذي يجامع امرأته وهي تقضي صيامها، هل هو آثم؟ الجواب هل هي تقضي بإذنه أم بغير إذنه؟ السائل: بإذنه. الشيخ: نعم. هو آثم؛ لأنه أفسد عليها صومها؛ لكن ليس فيه كفارة عليها ولا عليه؛ لأنه مفطر. السائل: لكن فعله هل هو من الكبائر أم لا يدخل في ذلك؟ الشيخ: لا أعلم فيه وعيداً خاصاً، والذنب إذا لم يكن عليه وعيد خاص فلا يكون من الكبائر. الجزء: 21 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [22] في هذا اللقاء تفسير الآيات الأخيرة من سورة التكوير، والتي احتوت على قسم الله تعالى بالخنس، وعلى قسمه بالليل والنهار، وسبب قسمه تعالى بهذه المخلوقات هو بيان عظمة المقسم عليه وهو القرآن، ثم وصف الله تعالى رسوله جبريل بأنه كريم وأنه ذو قوة. وهكذا استمر الشيخ في تفسير الآيات إلى آخر آية من سورة التكوير. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة التكوير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا هو اللقاء الثاني من شهر ذي القعدة عام: (1413هـ) في يوم الخميس. ونكمل فيه ما تكلمنا عنه فيما سبق من سورة التكوير، حيث قال الله عزَّ وجلَّ: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:15-16] إلى أن قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس) قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] : قد يظن بعض الناس أن (لا) نافية، وهي ليست كذلك، بل هي مثُبِته للقسم، ويؤتى بها في مثل هذا التركيب للتأكيد. فالمعنى: أُقْسِم بالخُنَّس، والخُنَّسُ: جمعُ خانسة، وهي: النجوم التي تَخْنِس أي: ترجع، فبينما تراها في أعلى الأفق، وإذا بها راجعة إلى آخر الأفق، وذلك -والله أعلم- لارتفاعها وبُعدها، فيكون ما تحتها من نجوم أسرع منها في الجري بحسب رؤية العين. وقوله: {الْجَوَارِ} [التكوير:16] أصلها: الجواري بالياء؛ لكن حُذِفت الياء للتخفيف. و {الْكُنَّسِ} [التكوير:16] هي: التي تكنس أي: تدخل في مغيبها. فأقسم الله بهذه النجوم، ثم أقسم بالليل والنهار، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:17-18] . فمعنى قوله: {عَسْعَسَ} [التكوير:17] أي: أقبل، وقيل: أدبر، وذلك أن الكلمة (عَسْعَسَ) في اللغة العربية تصلح لهذا وهذا؛ لكن الذي يظهر أن معناها: أَقْبَل ليطابق ما بعده من القسم وهو: قوله {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18] فيكون الله أقسم بالليل حال إقباله، وبالنهار حال إدباره. وإنما أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات لعِظَمِها وكونها من آياته الكبرى، فمَن يستطيع أن يأتي بالنهار إذا كان الليل؟! ومن يستطيع أن يأتي بالليل إذا كان النهار؟! قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:71-73] . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم) فهذه المخلوقات العظيمة يقسم الله بها لعِظَمِ المُقْسَم عليه، وهو قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير:19] . (إِنَّهُ) أي: القرآن. {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو: جبريل عليه الصلاة والسلام، فإنه رسول الله إلى الرسل بالوحي الذي ينزله عليهم، ووصفه الله بالكرم لحسن منظره، كما قال تعالى في آية أخرى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:6] قال العلماء: (المِرَّة) : الخَلْق الحسن والهيئة الجميلة. فكان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفاً بهذا الوصف، فهو كريم. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ذي قوة عند ذي العرش مكين) قال تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:20] وصفه الله تعالى بالقوة العظيمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه على صورته التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، قد سَدَّ الأفقَ كلَّه، وذلك مِن عظمته عليه الصلاة والسلام. وقوله: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ} أي: عند صاحب العرش، وهو الله جل وعلا، والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:15] فذو العرش هو الله عزَّ وجلَّ. وقوله: (مَكِينٍ) أي: ذو مكانة، أي: أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف، ولهذا خَصَّه الله بأكبر النعم التي أنزلها الله على عباده، وهو الوحي، فإن النعم -يا إخواني- لو نظرنا إليها لوجدنا أنها قسمان: الأول: نِعَمٌ يستوي فيها البهائم والإنسان وهي: متعة البدن: الأكل، والشرب، والنكاح، والسكن، هذه النعم يستوي فيها الإنسان والحيوان، أليس كذلك؟! الإنسان يتمتع بما يأكل، وبما يشرب، وبما ينكح، وبما يسكن، والبهائم كذلك. الثاني: نِعَمٌ أخرى يختص بها الإنسان وهي: الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق أو تطيب حياتهم إلا بالشرائع، {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] فالمؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة، واللهِ لو فتشتَ حياةَ الملوكِ، وأبناءِ الملوك، والوزراءِ، وأبناءِ الوزراء، والأمراءِ، وأبناءِ الأمراء، والأغنياءِ، وأبناءِ الأغنياء، لو فتشت حياتهم، وفتشت حياة من آمن وعمل صالحاً لوجدت الثاني أطيب عيشة، وأنعم بالاً، وأشرح صدراً؛ لأن الله عزَّ وجلَّ الذي بيده مقاليد السماوات والأرض تكفل بذلك، فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] فتجد المؤمن العامل للصالحات مستور القلب، منشرح الصدر، راضياً بقضاء الله وقدره، إن أصابه خيرٌ شكر الله على ذلك، وإن أصابه ضدُّه صبر على ذلك، واعتذر إلى الله مما صنع، وعلم أنه إنما أصابه بذنوبه، فرجع إلى الله عزَّ وجلَّ، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً للمؤمن! إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام. إذاً: أكبر نعمة أنزلها الله على الخلق هي: نعمة الدين الذي به قوام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة. وأنا أسألكم الآن: ما هي الحياة؟ هل هي حياة الدنيا أو حياة الآخرة؟! حياة الآخرة، الدليل: قوله تعالى في سورة الفجر: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] ، فالدنيا ليست شيئاً، إنما الحياة الحقيقية حياة الآخرة، والذي يعمل للآخرة يحيا حياةً طيبة في الدنيا، كما تلوتُ عليكم الآية. فصار المؤمن العامل للصالحات هو الذي كسب الحياتين، حياة الدنيا، وحياة الآخرة. والكافر هو الذي خسر الدنيا والآخرة: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (مطاع ثم أمين) يقول عزَّ وجلَّ: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:21] (مُطاعٍ ثَمَّ) أي: هناك (أمينٌ) على ما كُلِّف به، فجبريل هو المُطاع، فمَن الذي يطيعه؟! قال العلماء: تطيعه الملائكة؛ لأنه ينزل بالأمر من الله، فيأمر الملائكة فتطيعه، فله إمرة، وله طاعة على الملائكة، ثم الرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين ينزل جبريل عليهم بالوحي، لهم إمرة وطاعة على المكلَّفين، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [المائدة:92] . ولما أقسم الله عزَّ وجلَّ على أن هذا القرآن قول هذا الرسول الكريم الملكي ففي آية أخرى بيَّن الله سبحانه وتعالى وأقسم أن هذا القرآن قول رسول كريم في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:38-41] فهل الرسول هناك هو الرسول هنا؟ الجواب لا. الرسول هنا في سورة التكوير رسولٌ ملكي أي: من الملائكة، وهو جبريل. والرسول هناك رسول بشري، وهو محمد عليه الصلاة والسلام. والدليل على هذا واضح: هنا قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:19-20] وهذا الوصف لجبريل، هو الذي عند الله، أما محمد عليه الصلاة والسلام فهو في الأرض. وهناك قال: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} [الحاقة:38-41] رداً على قول الكفار الذين قالوا: إن محمداً شاعر {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ} [الحاقة:42] . أيهما أعظم قسماً: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ} [التكوير:15-20] أو {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:38-40] ؟ أيُّ القسَمين أعظم؟ الثاني أعظم، لأنه لا يوجد شيءٌ أعمُّ منه؛ {بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:38-39] ، كل الأشياء إما نبصرها أو لا نبصرها، إذاً: أقسم الله بكل شيء، ولكن هنا أقسم بالآيات العُلْوية فقط؛ {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:15-16] والليل، والنهار، هذه آيات عُلْوية أُفُقية، لاحظوا! سبحان الله! تناسب الرسول الذي أُقْسِم على أنه قوله، وهو: جبريل؛ لأن جبريل من عند الله. إذا قال قائل: كيف يصف الله القرآن بأنه قول الرسول البشري، والرسول الملكي؟! نقول: الرسول الملكي بلَّغه إلى الرسول البشري، والرسول البشري بلغه إلى الأمة، فصار قول جبريل بالنيابة، وقول محمد بالنيابة، فمن القائل الأصلي الأول؟! القائل الأول هو: الله عزَّ وجلَّ. فالقرآن قول الله حقيقةً، وقول جبريل باعتبار أنه بلَّغه إلى محمد، وقول محمد باعتبار أنه بلغه إلى الأمة. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وما صاحبكم بمجنون) حَسَنٌ! قال الله تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] مَن المراد بقوله: {صَاحِبُكُمْ} ؟! المراد به: محمد رسول الله. وتأمل أنه قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} ، ولم يقل: وما محمد! فكأنه قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ} الذي تعرفونه، وأنتم وإياه دائماً، فهو صاحب، فقد بقي فيهم أربعين سنة في مكة قبل النبوة، يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته، حتى كانوا يطلقون عليه اسم: (الأمين) . {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} أي: ليس مجنوناً، بل هو أعقل العقلاء عليه الصلاة والسلام، أكمل الناس عقلاً بلا شك، وأسَدُّهم رأياً. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ولقد رآه بالأفق المبين) قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ} [التكوير:23] أي: رأى جبريل {بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:23] أي: البيِّن الظاهر العالي، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى جبريل على صورته التي خُلِق عليها مرتين: مرة في غار حراء. ومرة في السماء السابعة، لما عُرِجَ به عليه الصلاة والسلام. {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} : أيُّ رؤية هذه؟ هل هي الرؤية التي في غار حراء، أم الرؤية التي فوق السماء؟ في غار حراء؛ لأنه يقول: {رَآهُ بِالأُفُقِ} [التكوير:23] ، إذاً: محمد في الأرض. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين) قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ} [التكوير:24] أي: وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب -أي: على الوحي الذي جاءه من عند الله- بِمُتَّهم، ظنين: بالظاء المُشالَة أي: بِمُتَّهم، من الظن وهو: التهمة، وفيها قراءة {بِضَنِينٍ} بالضاد، أي: ببخيل، فهو عليه الصلاة والسلام ليس بمتهم في الوحي، ولا باخلٍ به، بل هو أشد الناس بذلاً لما أوحي إليه، يُعَلِّم الناس في كل مناسبة، وهو أبعد الناس عن التهمة، لكمال صدقه عليه الصلاة والسلام. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وما هو بقول شيطان رجيم) قال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التكوير:25] أي: ليس بقول أحدٍ من الشياطين، وهم الكهنة الذين توحي إليهم الشياطين الوحيَ، ويكذبون معه، ويخبرون الناس، فيظنونهم صادقين. ثم قال: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:26-27] . وندع الكلام على بقية السورة إلى جلسة أخرى؛ لئلا ينتهي بنا الوقت عن الأسئلة . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 22 ¦ الصفحة: 11 بم تدرك الجماعة مع الإمام السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يقول: إنه يتأخر في البيت حتى تقام الصلاة، فيظل في البيت حتى يجلس الإمام للتشهد الأخير ثم يأتي فيقول: أدرك الجماعة وفضل الجماعة بإدراكي للتشهد، فما رأيك؟ الجواب رأينا أن هذا محروم غاية الحرمان، والإنسان إذا لم يدرك من صلاة الجماعة إلا التشهد فليس مدركاً لصلاة الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فمفهومه: أن من أدرك دون ذلك فليس مدركاً لها، فيجب أن يُنصح هذا الرجل ويُبَيَّن له الحق، لعل الله يهديه بذلك. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 12 سقوط الصدقة عمن أفطر رمضان لمرض السؤال فضيلة الشيخ! لي بنتٌ مَرِضَت في رمضانِ الماضي، وطَرَحَها المرضُ على الفراش، وبعد أن تعافت صامت، فهل عليها الصدقة أم لا؟ الجواب ليس عليها صدقة؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] ولم يذكر الله الصدقة، فليس عليها الصيام. السائل: وإذا كانت مصابة بمرض في القلب يمنعها من الحج، هل لي أن أحج عنها أم لا؟ الشيخ: فريضة؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً: يصح. السائل: عندي حِجَّة! أتعرف أحداً يأخذها؟ الشيخ: والله الآن لا أعرف أحداً؛ لكن مُرَّ عليَّ فيما بعد إن شاء الله، وإن وجدتَ أحداً فأعطِه إياها. السائل: وهل يصح أن أحج عنها إذا صارت لا تقدر؟ الشيخ: نعم. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 13 لزوم المفطر لرمضان قضاء ما أفطره من أيام السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم كفارة فطر شهر رمضان كاملاً من قبل امرأة حامل كانت تتوقع عدم قدرتها على الصيام؛ ولكنها صامت الشيء اليسير منه، ولا تحصي عدد الأيام التي لم تصمها؟ الجواب الواجب عليها أن تتحرى الأيام التي أفطرتها وتصومها. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 14 حكم الذهاب إلى امرأة بقصد معالجة الأَخَيَّة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الذهاب إلى امرأة بقصد معالجة الولد الصغير مِمَّا يسمى بـ (الأَخَيَّة) ، علماً بأن هذه المرأة تعلم ما إذا كان فيه أَخَيَّتُه أو لا، وذلك بمص أصبعه الإبهام بفمه، فما حكم الذهاب إلى هذه المرأة؟ الجواب إذا كانت هذه المرأة تعالِج بأشياء حسية معلومة فلا حرج؛ لأنه قد يكون عندها -مع التجارب والممارسة- علم بآثار هذا المرض وطبيعته، فإذا كانت تعطيكم أدوية معروفة محسوسة، فهذا لا بأس به. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 15 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يكتوون ولا يسترقون) السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يَكْتَوُون) هل المراد به كقوله: (ولا يَسْتَرْقُون) ، أم أنه غير ذلك؟ الجواب المراد بقوله: (ولا يكتوون) أي: لا يطلبون من أحد أن يكويهم، وكذلك (ولا يسترقون) أي: لا يطلبون من أحد أن يَرْقِيَهم. أما إذا كواك إنسانٌ بدون طلب منك فإنك لا تخرج عن هؤلاء السبعين ألفاً. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 16 حكم من عزم على السفر في نهار رمضان وجامع أهله قبل السفر السؤال رجل أراد السفر في نهار رمضان مع جماعته، فوَاقَعَ امرأتَه في نفس النهار الذي سيسافر فيه، وسافر، فهل عليه شيء يا شيخ؟ الجواب المواقعة في بلده؟ السائل: نعم. في بلده. الشيخ: أولاً: عليه الإثم. ثانياً: عليه أن يقضي هذا اليوم. ثالثاً: عليه أن يكفر كفارة الجماع في نهار رمضان؛ لأن الرجل لا يجوز له أن يترخص برخص السفر إلا إذا غادر البلد، أما قبل مغادرة البلد فهو مقيم، فبلِّغه بهذا. السائل: الإشكال أن هناك بعض الصحابة ورد عنهم أنهم أفطروا في نفس هذا الظرف؟ الشيخ: ورد عن أنس رضي الله عنه في الفسطاط أنه لما أراد أن يسافر والسفينة على الشاطئ أتى بسفرته وأفطر؛ لكن هذا خلاف ما عليه عامة الصحابة، والله عز وجل يقول: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:184] . وهذا الرجل إن كان طالبَ عِلْمٍ وفَهِمَ مِن هذا الحديث أنه جائز له فليس عليه شيء، مع أني أنا أرى أن الواجب على طلبة العلم الصغار ألا يتسرعوا في إفتاء أنفسهم؛ لأنهم ليس عندهم إدراك حتى يبحثوا مع العلماء. السائل: يا شيخ! لو أنه ما كان لديه علم. الشيخ: أرأيت لو اشتهى وهو لا يريد السفر، هل يُمَكَّن من ذلك؟! لا يُمَكَّن. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 17 صورة إخراج الزكاة من الرواتب الشهرية السؤال فضيلة الشيخ! كيف يتم إخراج زكاة الرواتب الشهرية؟ الجواب إخراج الزكاة في الرواتب الشهرية إن كان الإنسان كلما أتاه الراتب أنفقه بحيث لا يبقى إلى الشهر الثاني فهذا ليس عليه زكاة؛ لأن من شروط وجوب الزكاة: تمام الحول. وإن كان يدَّخر أعني مثلاً: ينفق نصف الراتب، ونصف الراتب يدخره فعليه الزكاة، كلما تم الحول يؤدي زكاة ما عنده؛ لكن هذا فيه مشقة؛ أن الإنسان يحصي كل شهر بشهره، ودرءاً لهذه المشقة: يجعل الزكاة في شهر واحد لجميع ما عنده من المال، فمثلاً إذا كان يتم حول أول راتب في شهر محرم، فإذا جاء شهر محرم الذي يتم به حول أول راتب يُحصي كل الذي عنده، ويخرج زكاته، وتكون الزكاة لأول شهر واقعةً عند تمام الحول، وتكون لما بعده معجلة، والتعجيل جائز. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 18 مقدار نصاب الفضة السؤال كم نصاب الفضة؟ الجواب النصاب بالنسبة للفضة (56) ريالاً من الفضة، أو ما يعادلها من الورق، ويُسألُ عن هذا الصيارفةُ، فيقال مثلاً: كم قيمة (56) ريالاً من الفضة من الورق، فإذا قالوا مثلاً: قيمتها (500) كان النصاب (500) ، وإذا قالوا: أقلَّ أو أكثرَ فعلى حَسَبِه. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 19 حكم الزكاة على من باع مزرعته بالتقسيط السؤال رجلٌ عنده مزرعةٌ لم يطرأ في باله بيعُها، ولا عَرَضَها؛ إنما عَرَضَ له مَن أغراهُ، فباعها بأقساط تمتد إلى عشر سنوات؛ في كل سنة قسط، فكيف يزكي هذا؟ الجواب قبل أن يبيعها ليس عليه فيها زكاة؛ لأنها ليست عروضاً. وبعد بيعها تكون زكاتُه زكاةَ دَين، بمعنى: أنه إذا استوفى شيئاً أدَّى زكاتَه لِسَنَتِه، وإذا استوفى في السنة الثانية يؤدي زكاتَه لِسَنَتَين، وإذا انقضت السنة الثالثة يؤديه لثلاث سنوات، وهكذا. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 20 حكم وضع السواك بين الأصابع في الصلاة السؤال يا شيخ! هل ورد شيءٌ في وضع السواك بين الأصابع في الصلاة؟ وإذا كان لم يرد فما حكم مَن عَمِل هذا؟ الجواب لا أعلم أنه ورد عن الرسول أنه يجعل سواكه لا في أذنه ولا بين أصابعه. أما الحكم في هذه المسألة: فلا ينبغي أن يضعه بين أصابعه؛ لأنه يشغله، إذْ أنه يحتاج إلى مراقبة. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 21 عدم سنية ما يقال من ذكر بعد التجشؤ والتثاؤب السؤال فضيلة الشيخ! إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فهل هناك ذكر معين يقوله؟ الجواب لا. إذا تجشأ الإنسان أو تثاءب فليس له ذكر، خلافاً للعامة، فالعامة إذا تجشئوا يقولون: الحمد لله! والحمد لله على كل حال؛ لكن لم يرد أن التجشؤ سبب للحمد، كذلك إذا تثاءبوا قالوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذا لا أصل له، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يفعل ذلك. لكن قد يقول قائل: أليس التجشؤ نعمة، والنعمة يستحق الله عز وجل عليها الحمد؟ قلنا: بلى. هو نعمة؛ لكن لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يحمد الله إذا تجشأ، وإذا لم يرد فإنه ليس مشروعاً بناء على قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن كلَّ شيء وُجِد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فلم يفعله ففعلُه ليس بسنة؛ لأن فعل الرسول سنة وتركه سنة، فالتجشؤ موجود، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يحمد الله عليه، إذاً: ترك الحمد هو السنة. كذلك الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند التثاؤب قد يقول قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (التثاؤب من الشيطان) ، وقد قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] ! قلنا: إن المراد بقوله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف:200] أنك إذا هممتَ بمعصية أو بترك واجب فاستعذ بالله؛ لأن الأمر بالفحشاء من الشيطان، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] فإذا حصل هذا النزغ فاستعذ بالله. أما التثاؤب فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدُكم فليَكْظِم ما استطاع، فإن عجز فليضع يده على فيه) ولم يقل: إذا تثاءب أحدكم فليستعذ بالله، مع أنه قال: (التثاؤب من الشيطان) ، فدل هذا على أن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ليست بسُنَّة. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 22 وجوب إخراج زكاة الذهب المستعمل السؤال فضيلة الشيخ! الذهب المستخدم هل يُزَكَّى أم لا يُزَكَّى؟ الجواب الذهب المستعمل، أو الذي يُستعمَل ويُعار، أو الذي باقٍ لا يستعمل إلا عند المناسبات، كله فيه زكاة، على القول الراجح الصحيح. وبعض العلماء يقول: المستعمل ليس فيه زكاة. لكن الصحيح: أن فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، وأما ما دون ذلك فليس فيه زكاة، والدليل على وجوب الزكاة فيه: ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار وأُحْمِي عليها في نار جهنم، فيُكْوَى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلما بَرَدَت أعيدت في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، ثم يَرَى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار) . ونسأل الآن: المرأة التي عندها حلي هل هي صاحبة ذهب أو لا؟ كلنا يقول: إنها صاحبة ذهب، ويدل على العموم: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يد ابنتها مُسَكَتان غليظتان من ذهب -أي: سوارَين غليظين- فقال لها: (أتؤدين زكاة ذلك؟ قالت: لا. قال: أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَك الله بهما سوارَين من نار؟! فخَلَعَتهما وأعطتهما النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) . وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على ترك واجب. وكذلك سألت إحدى أمهاتِ المؤمنين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن حلي عندها: (أهو كنز؟ قال: إذا بلغ أن تُؤَدَّى زكاتُه ثم زُكِّي فليس بكنز) . وقد يقول قائل: ما مقدار الزكاة؟! نحن عرفنا الآن أن الحلي من الذهب إذا بلغ النصاب ففيه الزكاة، فما مقدار هذه الزكاة؟! نقول: مقدارها ربع العشر، أي: (2. 5%) ففي الألف ريال تكون (25) ريالاً، وفي العشرة آلاف ريال تكون (250) ريالاً، وفي المائة ألف ريال تكون (2500) ريالٍ، فهي جزء يسير والحمد لله، وربما يكون هذا من بركته، وهو من بركته بلا شك؛ لأن الزكاة فيها أجر عظيم: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:261] ، وفيها أيضاً بركة للمال، فإنه ما خالطت الزكاةُ مالاً إلا بَرَّكَتْه، وربما يُبارَك في هذا الحلي ويُوْقَى الآفات بسبب إخراج الزكاة منه. هذا فضلاً على الأجر الذي يكتسبه الإنسان، فإذا أعطيتَ الآن من الحلي زكاته [25] ريالاً من الألف، أتظن أن هذه الخمسة والعشرين ريالاً غُرْماً وخسارة؟! لا. بل هو ربح، فالخمسة والعشرون ريالاً تكون يوم القيامة الريال بسبعة ريالات، ومع كل ريال (100) ريال، فيصير الريالُ (700) ريال، فتحصل يوم القيامة أجر سبعمائة ريال في كل ريال، بينما أنت في الدنيا توفِّر إن وفَّرت الخمسة والعشرين ريالاً في الألف ريال فربما يكون عدم إخراجك سبباً لضياع هذا الحلي، أو لتلفه، أو لتكسُّره، أو لسرقته، أو لاستعارة أحدٍ إياه ثم يجحده، أو ما أشبه ذلك. فالذي أحب مِن إخواني المسلمين ألا يظنوا أن الصدقات أو الزكوات تذهب جفاءً، بل هي خير، فليس لك من مالك إلا ما أنفقته لله، والباقي سيكون لغيرك. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 23 حكم ترك السنة خوفاً من أذية الناس السؤال التورُّك في الصلاة بالنسبة للمأموم إذا كان يضايق مَن بجانبه، أيهما أفضل: أن يتورَّك، أو أن يتركها؟ لأن كثيراً من الناس لا يستطيع أن يتورَّك إلا إذا اتكأ على مَن بجانبه؟ الجواب التورُّك في الصلاة معروف؛ أن تنصب اليمنى وتخرج اليسرى من الجانب الأيمن وتتورَّك، أي: أنك تضع وَرِكَكَ على الأرض، وهذا يوجب من الإنسان أن يتجافى قليلاً، وربما يكون الصف متضايقاً والناس مزدحمين فيه فيؤذي مَن إلى جانبه. فهنا اجتمع عندنا شيئان: فعل سنة. ودفع أذى عن المسلم. فأيهما أولى: فعل السنة، أو دفع الأذى؟ دفع الأذى؛ لأن أذية المؤمن ليست بالهينة، أذية المؤمن ولو بالقول فضلاً عن الفعل الذي يحصل في الصلاة ويشوِّش عليه صلاته، أذية المؤمن تكون بالقول أو بالفعل، يقول الله عز وجل فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] . ويقول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جارَه) . وخرج مرَّةً على أصحابه وهم في المسجد يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال: (كلكم يناجي ربه، فلا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً في القراءة) ، أين هي الأذية؟! الأذية أنك إذا جهرت شوَّشتَ على الذين هم حولك فآذيتَهم. ومِن ثَمَّ نعرف أن بعض الإخوة الذين يصلون بالمايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة ويشوِّش على المساجد التي حوله أنهم ليسوا على صواب، وأنهم إن لم يكونوا آثمين فليسوا غانمين، إذْ لا فائدة من رفع الصوت على المنارة، ما الفائدة منه؟! هل فيه فائدة؟! أبداً، ما فيه فائدة، فيه مدعاة للكسل؛ لأن بعض الناس الذين في البيوت يقولون: لِتَوِّهِ صَلَّى، لِتَوِّهِ بَدَأ، أَصْبِرُ حتى إذا بقيت ركعة ذهبت. ثم ربما يذهب إذا بقيت الركعة، ولا يدركها، ففيها مدعاة للكسل. وفيها -أيضاً- أذية للجيران، فربما يكون بعض الناس مريضاً أو قلقاً كل الليل، فإذا أُذِّن للفجر صلى الفجر ثم رقد ليستريح، فيأتي هذا الصوت الكبير فيزعجه ولا ينام، فهذه أذية. والمساجد الأخرى أيضاً تتأذى! بَلَغَنا أن بعض الناس لما كَبَّر المسجد الذي بجواره تابعه، وهذا إخلال بمتابعة إمامه، ما سببها؟! سببها هذا المايكروفون الذي يُسْمَع من المنارة. وبلغني عن بعض الناس قال: إن لنا مسجداً قريباً منا، قراءة إمامه جيدة، أداءٌ طيب، وصوت جميل، وإمامنا من الناس الذي تَمْشي حالُه، فكان إذا قرأ الإمام الذي بجوارنا تابعتُه، وأنصتُ لقراءته، وتركت إمامنا يسرح. فهذه أذية عظيمة. وأنا دائماً أفكر وأقول: ما هي النتيجة التي نحصلها من وراء هذا؟! ثم لو فُرِض أن هناك مصلحة فإنها تقابلها الأذية، والرسول قال لأصحابه يخاطبهم؛ يخاطب أفضل القرون وخير القرون، قال: (لا يؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً) فجعل ذلك أذية، وصَدَق الرسول، إنها أذية. فهذه القاعدة انتبه لها: تركُ السنة لدفع الأذية خير من فعل السنة مع الأذية، فهذا المتورِّك إذا كان بتَوَرُّكِه يؤذي جاره فلا يتورَّك، وإذا علم الله من نيته أنه لولا هذا لَتَوَرَّكَ فإن الله تعالى يثيبه؛ لأنه يكون كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) . السائل: بعضهم يشغل المايكروفون ليُسْلِم مَن أراد أن يُسْلِم! الشيخ: يُسْلِم، هل نحن في دار كفر؟! السائل: أو أنه يهتدي. الشيخ: هذا إذا كان يريد أن يهتدي، وما سمعنا أحداً اهتدى بهذا أبداً. مداخلة: وربما اختلط بالرياء! الشيخ: والرياء الله أعلم! إذا كان الإمام قصده الرياء فهذا شيء آخر. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 24 وقت قراءة المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية السؤال فضيلة الشيخ! كيف يمكن للمأموم أن يقرأ بفاتحة الكتاب إذا لم يعطه الإمام فرصة له في الصلاة الجهرية؟ الجواب يمكن أن يقرأ والإمام يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الفجر ذات يوم وقد نوزِع القراءة، فسأل الصحابة، قال: (هل تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ، فأنت تقرأ ولو كان إمامك يقرأ، وإذا كان الإمام له سكتة ولو يسيرة فيمكنك أن تقرأ فيها آية من الفاتحة وتكْمِل. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 25 حكم حج من توفي عنها زوجها وهي في زمن الإحداد السؤال فضيلة الشيخ! امرأة توفي عنها زوجها، وأدركتها فريضة الحج وهي في الحداد، وهي مستطيعة وقادرة وعندها محرم، فهل تحج أم لا؟ الجواب لا تحج، بل تبقى في بيتها. أعني: إذا مات عنها زوجها وجاء وقت الحج وهي في العدة -في الإحداد- فإنها تبقى، وفي هذه الحال لا يجب عليها الحج؛ لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهذه المرأة لا تستطيع شرعاً. السائل: وإذا كان معها محرم يا شيخ؟ الشيخ: نعم. تؤجل إلى السنة الثانية أو الثالثة. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 26 الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان. ) وانتشار الصحوة السؤال فضيلة الشيخ! كيف يكون الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشر منه) وبين ما نراه في واقعنا من إقبال الناس على الله؟! فنحن نجزم ونقطع قطعاًَ أن هذا الوقت أحسن من أوقاتٍ قد مضت من قلة المنكرات، وإقبال الناس على الله، وهذا شيء مشاهَد، وهو ما يُسمى الآن بالصحوة، ومعلوم أن هذه الصحوة لا تكون إلا بعد غفلة، فكيف يكون الجمع بين هذا وهذا؟ الجواب يجب أن نعلم أن القرآن وصحيح السنة لا يخالفان الواقع أبداً، فإذا وقع شيء يخالف ظاهر القرآن والسنة فاعلم أنك أخطأت في فهم الكتاب والسنة، وأن المراد بذلك معنىً لا يخالف الواقع. الواقع الآن -كما تفضل الأخ- أن هناك إقبالاً شديداً ولله الحمد من الشباب على دين الله، ونسأل الله لهم الثبات وأن يوفقهم إلى الصواب؛ لكن هناك شر مستطير بالنسبة لكثير من الناس! هناك إقبال والحمد لله؛ لكن يوجد شر عظيم أيضاً، فالمنكرات الموجودة الآن في المسلمين هل كانت توجد من قبل؟! ما كانت توجد، بل ما كنا نصدق أن إنساناً يشرب الخمر! والآن الخمر في بعض بلاد الإسلام يُباع علناً، ويوضع في الثلاجات كما يوضع الشراب الحلال! وما كنا نظن أن شخصاً يلوط بمثله! والآن في بعض البلاد الإسلامية يُعْرَض الذكر على الإنسان كأنه امرأةٌ حلال! والمخدرات المهلكات للأمم هل كنا نعرفها؟! لا. فالأمة الآن فيها خير كثير، وفيها شر، وإذا قارنت بين هذا وهذا فقد تقول: إن الخير أغلب إن شاء الله، وإذا لم يُرْدَع مِن قِبل أهل الشر فسَيَغلِب أهلُ الخير. لكن المراد بالحديث: الوُلاة؛ لأن سبب ذكر أنس رضي الله عنه لهذا الحديث أن الناس جاءوا إليه يشكون ما يجدون مِن الحجاج، والحجاج بن يوسف الثقفي معروف، فقال لهم: (اصبروا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) ، وهذا واقع بالنسبة للولاة، فما يأتي على الناس زمانٌ إلا وما بعده شر منه. انظر الآن إلى البلاد الإسلامية، ولا سيما العربية التي نحن نعرف! فـ مصر -مثلاً- لما كانت ملكية هل هي أحسن، أم بعد أن صارت جمهورية؟! الأول أحسن بكثير، ثم الجمهوريات التي توالت عليها، كل جمهورية شر من التي قبلها! وانظر إلى العراق! ستجده كذلك! وانظر إلى الشام! ستجده كذلك! فالناس بالنسبة للولاة لا يأتي زمان إلا وما بعده شر منه، في الظلم، والبُعد عن الدين، وقمع أهل الحق، وغير ذلك. أعرفتَ الآن؟! فصار المراد بذلك -فيما يظهر- هم الولاة؛ (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه) . قَدْ يَرِدْ على هذا خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإن الخلفاء قبله كانوا شراً منه، وهو خير منهم بلا شك، خيرٌ ممن سبقه، لا سيما القريبين منه، فيقال: هذا لا يخالف الحديث؛ لأن نصوص الكتاب والسنة أحياناً تأتي على الأغلب، ليس على كل عين وكل فرد. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 27 حكم استقدام العمال وأخذ المال على استقدامهم السؤال فضيلة الشيخ! شخصٌ لديه مكتب استقدام أيدٍ عاملة، يقوم بإحضار العمال من الخارج؛ ولكنه يأخذ مبلغاً من المال مقابل إحضار هذا العامل، والمصلحة للعامل كبيرة جداً، فحتى لو دفع مبلغاً، وأتى إلى هنا واشتغل فستكون مصلحته لا تقارن مع المرتبة التي يكون قد سلَّم المبلغ فيها، فهل هذا جائز لصاحب المكتب أن يأخذ من العامل مبلغاً مقابل إحضاره إلى هنا؛ ليشتغل ويستلم الرواتب ويتحسن وضعُه؟ الجواب أولاً: ننصح مكاتب الاستقدام ألا تستقدم إلا مسلمين:- ألا يستقدم الكفار، لا من النصارى، ولا من غيرهم، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) . وقال في مرض موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) . وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلماً) . كل هذه أحاديث صحيحة! وأين نحن إذا وقفنا بين يدي الله عز وجل وكنا نستقدم هذه الجنود والجحافل العظيمة من غير المسلمين إلى بلاد نشأ فيها الإسلام، وهي مأوى الإسلام أولاً وآخراً؟! (الإيمان يأرِزْ إلى المدينة -أي: يرجع- كما تأرز الحية إلى جُحرها) . إذاً: بلادنا منشأ الإسلام ومَرَدُّ الإسلام. ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب، قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخَبَث) ومَن هم الخَبَث؟! أما تقرءون القرآن؟! {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] كل مَن سوى المسلم فهو نَجَس. فإذا كثر الخَبَث سواء من العمال أو من العمل هَلَكَ الناسُ. فنصيحتي لمكاتب الاستقدام: ألا يستقدموا إلا مسلماً. قد يقولون: إن الاختصاص قد يكون في الكفار، ولا نجد من المسلمين رجلاً مختصاً بهذا العمل، أي: يُتْقِنُه! فنقول: إذا قدَّرنا هذا، فلماذا يأتي عاملٌ في زراعة؟! أو يأتي عاملٌ فيكون راعياً؟ أو يأتي عامل فيكون في كناسة البلدية؟! هل هذا لا يعرفه المسلمون؟! أنا أسألكم! هل المسلم لا يُحسن هذا أم أنه يُحسن؟ يُحسن. فعلى كل حال هذه نصيحتي للمستقدمين، وليعلموا أن الله سيسألهم يوم القيامة عما خالفوا به شريعته. ثانياً: ألا يستقدم إلا إذا كانت هناك حاجة بيِّنة لهذا العامل:- ولكن مع الأسف صار استقدام العمال الآن مُتَّجراًَ، صار الواحد يجلب من العمال ما يزيد على حاجته أضعافاً مضاعفة، ويَكُدُّهُم بالسوق، ويأخذ عليهم ضريبة؛ كل شهر كذا وكذا! وهذا حرام شرعاً، ومخالف للدولة نظاماً. أما إذا توفر هذان الشرطان، وهما: أن يكون مسلماً. وأن يكون بقدر الحاجة. ثم أخذ منه شيئاً لاستقدامه، وإذا لم يصلح له وردَّه ردَّ عليه ما أخذ فلا بأس؛ لأنه مما هو معروف أنه يكون بين العامل والمستقدم ثلاثة شهور تجربة، فإذا لم يصلح العامل ردَّ عليه ما أخذ، فأرجو ألا يكون به بأس. أما إذا كان لا يردُّه فهذا يعني أنه ربح والعامل المسكين خسر، وقد يكون باع ما وراءه وما دونَه -كما يقولون- لأجل أن يعطي هذا القدر الذي طلبه المستقدم، ثم بعد أن يقعد شهراً أو شهرين يقال له: ارجع، ليس لك شيء. وأزيد على هذا: أن بعض الكفلاء يكُدُّون المكفولين، ويأخذون منهم العمل الذي بينهم وبينهم، أو ربما أكثر، ثم لا يعطونهم الأجور، وكثيراً ما يأتينا عمال يبكون؛ لأنهم لا يعطَون أجوراً، ويموتون من الجوع، ويُجْعَلون في دور قديمة، ويُحشر العشرات في دار لا تتحمل إلا نصفَهم، وهذا حرام على الكفلاء، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حراً وأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً، فاستوفى منه ولم يعطه أجره) . فنصيحتي للكفلاء: أن يتقوا الله عز وجل في هؤلاء الفقراء، وأن يعطوهم حقهم، وألا يكلفوهم أكثر مما تم عليه العقد، وليعلموا أن الدنيا دولٌ، فلعلهم في يوم من الأيام يكونون كهؤلاء العمال، يذهبون إلى بلادهم مِن فَقْرٍ كما جرى من قبل، حيث كان الناس من قبل يذهبون إلى الهند والشام والعراق من الفقر، أفلا يمكن أن ترجع هذه الحال؟! أجيبوا! بلى. يمكنها أن ترجع، فالله على كل شيء قدير. فإذا كان الله أنعم علينا بهذه النعمة الآن -ولله الحمد- إن لم نشكرها زالت، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] . الجزء: 22 ¦ الصفحة: 28 حكم الزكاة على الدين السؤال أولاً: يا شيخ! نحن نحبك في الله. ثانياً: أنا بعتُ لشخص سيارة، وبَقِيَت لي عنده (5000) ريال، وما زالت عنده من عدة سنين، ثم إن الشخص اختفى، وما أدري أين هو، فهل أزكي عنها أم لا؟ الجواب أولاً: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه. ثانياً: لا. فالدين الذي على معسر ليس فيه زكاة، إلا إذا قبضتَه فإنك تزكيه سنة واحدة، والآن ما دمتَ لا تعرف أين ذهب الرجل، فليس عليك زكاة. ونختم هذه الجلسة بأن نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم ممن تحقق فيهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله به طريقاً إلى الجنة) . والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 22 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [23] في هذا اللقاء تفسير ثلاث آيات من سورة التكوير، الأولى: قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين) والثانية: قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) وقد توسع في شرح هذه الآية، فقد تحدث فيها عن مشيئة الإنسان وأنها باختياره، وأن ما نفعله هو باختيارنا وإرادتنا، وتحدث أيضاً عن معنى الاستقامة، أما الآية الثالثة والأخيرة فهي قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ، ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة التكوير الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في هذا الشهر، شهر ذي القعدة، عام: (1413هـ) ، وهو اللقاء الأسبوعي الذي يكون في كل يوم خميس. وكما نحن نمشي عليه فيما سبق، فإننا نمشي عليه الآن، وباستمرار إن شاء الله تعالى، ما لم يوجد منهج آخر أكمل منه، فإن الإنسان ينشد الكمال بقدر ما يستطيع. في الأسبوع الماضي تكلمنا عن سورة التكوير: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، حتى وصلنا إلى قول الله تبارك وتعالى-: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير:24-26] . الجزء: 23 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين) قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] : (إِنْ) هنا بمعنى: (ما) ، وهذه قاعدة؛ أنه إذا جاءت (إلاَّ) بعد (إنْ) فهي بمعنى (ما) أي: أنها تكون نافية؛ لأن (إنْ) تأتي نافية، وتأتي شرطية، وتأتي مخفَّفة من الثقيلة، والذي يبيِّن هذه المعاني هو السياق، فإذا جاءت (إنْ) وبعدها (إلاَّ) فهي نافية، أي: ما هو، وهو القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ونزل به جبريل على قلبه {إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] ، فـ (ذِكْر) يشمل التذكير، والتذكُّر؛ فهو تذكير للعالَمين، وتذكُّر لهم، أي: أنهم يتذكرون به ويتعظون به، والمراد بالعالَمين: مَن بُعِث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] . وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] . فالمراد بالعالمين هنا: مَن أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم) قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] جملة (لِمَنْ شَاءَ) بدل مما قبلها؛ لكنها بإعادة العامل وهو (إلاَّ) يصير: {إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:27-28] ، وأما من لا يشاء الاستقامة فإنه لا يتذكر بهذا القرآن، ولا ينتفع به، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] . فالإنسان الذي لا يريد الاستقامة لا يمكن أن ينتفع بهذا القرآن. إذا قال قائل: هل مشيئة الإنسان باختياره؟ نقول: نعم. مشيئة الإِنسان باختياره، فالله عز وجل جعل للإنسان اختياراً وإرادة، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل؛ لأنه لو لم يكن ذلك لَمَا قامت الحجة على الخلق الذين أُرْسِلَت إليهم الرسل بإرسال الرسل. أفهمتم الموضوع؟! إذاً: هل ما نفعله نحن يكون باختيارنا وإرادتنا؟ الجواب نعم. هو باختيارنا وإرادتنا، ولولا ذلك لَمَا كان لإرسال الرسل حجة علينا، إذْ أننا نستطيع أن نقول: نحن لا نقدر على الاختيار، فالإنسان لا شك فاعل باختياره، وكل إنسان يعرف أنه إذا أراد أن يذهب إلى مكة فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى المدينة فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى بيت المقدس فهو باختياره، وإذا أراد أن يذهب إلى الرياض فهو باختياره، أو إلى أي مكان أراد فهو باختياره، لا يرى أن أحداً أجبره عليه، ولا يشعر أن أحداً أجبره على ذلك. كذلك أيضاً من أراد أن يقوم بطاعة الله فهو باختياره، ومن أراد أن يعصي الله فهو باختياره. فالمشيئة للإنسان هو حر فيها؛ ولكن نعلم علم اليقين أنه ما شاء شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل، ولهذا قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير:29] ، ما نشاء شيئاً إلا بعد أن يكون الله قد شاءه، فإذا شئنا الشيء علمنا أن الله قد شاءه، ولولا أن الله شاءه ما شئناه، كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة:253] . فنحن إذا عملنا الشيء نعمله بمشيئتنا واختيارنا؛ ولكن نعلم أن هذه المشيئة والاختيار كانت بعد مشيئة الله عز وجل، ولو شاء الله ما فعلنا. فإن قال قائل: إذاً لنا حجة في المعصية؛ لأننا ما شئناها إلا بعد أن شاءها الله! فالجواب: أنه لا حجة لنا؛ لأننا لم نعلم أن الله شاءها إلا بعد أن فعلناها، وفِعْلُنا إياها باختيارنا، ولهذا لا يمكن أن نقول: إن الله شاء كذا أو شاء كذا إلا بعد أن يقع، فإذا وقع فبأي شيء وقع؟! وقع بإرادتنا ومشيئتنا. لهذا لا يَتَّجِه أن يكون للعاصي حُجَّةٌ على الله عز وجل وقد أبطل الله هذه الحجة في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام:148] ، فلولا أنه لا حجة لهم ما ذاقوا بأس الله، ولَسَلِموا من بأس الله؛ ولكن لا حجة لهم، فلهذا ذاقوا بأس الله. وكلنا نعلم أن الإنسان لو ذُكِر له أن بلداً آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان، فيه من المتاجر والمكاسب ما لا يوجد في البلاد الأخرى، وأن بلداً آخر خائف غير مستقر، مضطرب في الاقتصاد، مضطرب في الخوف والأمن، فإلى أيِّهما يذهب؟! بالتأكيد سيذهب إلى الأول ولا شك، ولا يرى أن أحداً أجبره أن يذهب إلى الأول، بل يرى أنه ذهب إلى الأول بمحض إرادته. هكذا الآن طريق الخير وطريق الشر، قال الله لنا: هذه طريق جهنم، وهذه طريق الجنة، وبيَّن لنا ما في الجنة من النعيم، وما في النار من العذاب، فأيَّهما نسلك؟! بالقياس الواضح الجلي سنسلك طريق الجنة لا شك، كما أننا في المثال الآنف سنسلك طريق البلد الذي يأتيه رزقه رغداً من كل مكان. فلو أننا سلكنا طريق النار فإنه سيكون علينا العَتب والتوبيخ واللوم، وينُادَى علينا بالسَّفَه، كما لو سلكنا في المثال الأول طريق البلد المَخُوْف المتزعزع الذي ليس فيه استقرار، فإنَّ كل أحدٍ يلومنا ويوبخنا. إذاً: ففي قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] تقرير لكون الإنسان يفعل الشيء بمشيئته واختياره؛ ولكن بعد أن يفعلَ الشيءَ ويشاؤه نعلم أن الله قد شاءه من قبل، ولو شاء الله ما فعل، وكثيراً ما يعزم الإنسان على شيء، يتجه بعد العزيمة على هذا الشيء، وفي لحظة ما يجد نفسه منصرفاً عنه، أو يجد نفسه مصروفاً عنه؛ لأن الله لم يشأْه. فكثيراً ما نريد أن نذهب -مثلاً- إلى مسجدٍ ما لنستمع إلى محاضرة، وإذا بنا ننصرف بسبب أو بغير سبب، أحياناً بسبب بحيث نتذكر أن لنا شغلاًَ أو يُقال لنا: إن المحاضرة أُلغيت، فنرجع، وأحياناً نرجع بدون سبب، لا ندري إلا وقد صرف الله تعالى همتنا عن ذلك فرجعنا، ولهذا قيل لأعرابي: بِمَ عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم، وصرف الهِمَم. بنقض العزائم يعني: أن الإنسان يعزم على الشيء عزماً مؤكداً، وإذا به ينتقض. من نقض عزيمته؟ لا يشعر أن هناك مرجحاً أوجب أن يعدل عن عزيمته الأولى، بل بمحض إرادة الله. وصرف الهمم أي: أن الإنسان يهمُّ بالشيء ويتجه إليه تماماً، وإذا به يجد نفسه منصرفاً عنه، سواء كان الصارف مانعاً حسياً، أو كان الصارف مجرد اختيار من الإنسان أن ينصرف، وكل هذا من الله عز وجل. فالحاصل: أن الله يقول: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] . ما معنى الاستقامة؟ الاستقامة هي: الاعتدال، ولا عَدْلَ أَقْوَمُ من عدل الله عز وجل في شريعته. ففي الشرائع السابقة كانت كل شريعة تناسب حال الأمم زماناً ومكاناً وحالاً، وبعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام أصبحت شريعته تناسب الأمة التي بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم إليها مِن أول بعثته إلى نهاية الدنيا. ولِهذا كان من العبارات المعروفة: أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وحال، ولو تمسك الناس به لأصلح الله الخلق. انظر مثلاً الإنسان! يصلي أولاً قائماً، فإن عجز فقاعداً، فإن عجز فعلى جنب، إذاً: الشريعة تتطور بحسب الشخص؛ لأن الدين صالح لكل زمان ومكان. ويجب على المحدث أن يتطهر بالماء، فإن تعذر استعمال الماء لِعَجْزٍ أو عَدَمٍ عَدَل إلى التيمم، فإن لم يجد ماءً ولا تراباً، أو كان عاجزاً عن استعمال التراب فإنه يصلي بلا شيء، لا بطهارة ماء ولا بطهارة تيمم. كل هذا لأن شريعة الله عز وجل كلها مبنية على العدل، فليس فيها جور، وليس فيها ظلم، وليس فيها حرج، وليس فيها مشقة، ولهذا قال: {أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] . وضد الاستقامة انحرافان: انحرافٌ إلى جانب الإفراط والغُلُو. وانحرافٌ إلى جانب التفريط والتقصير. ولهذا كان الناس في دين الله عز وجل ثلاثة أصناف: طَرَفان، ووسط. طرفٌ مُغالٍ مُبالغٌ مُتَنَطِّعٌ مُتَعَنِّتٌ. وطرفٌ آخرُ مُفَرِّطٌ مُقَصِّرٌ مُهْمِلٌ. والثالثُ وَسَطٌ بين الإفراط والتفريط، مستقيمٌ على دين الله. وهذا الأخير هو الذي يُحْمَد. أما الأول المغالي، والثاني المجافي فكلاهما هالك، بحسب ما عند كليهما من الغلو أو من التقصير. وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغلو والإفراط والتعنت والتنطع، حتى إنه قال: (هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون) ؛ لأن التنطُّع فيه إشقاق على النفس، وفيه خروجٌ عن دين الله عز وجل. كما أن الله ذَمَّ المفرِّطين والمهملين، وقال في وصف المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] . فدينُ الله وسط بين المغالي فيه والمجافي عنه، ولهذا قال هنا: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:28] ، لا يميل يميناً ولا شمالاً، بل يكون سيرُه سيرَ استقامة على دين الله عز وجل. والاستقامة كما تكون في معاملة الخالق عز وجل وهي: العبادة، تكون -أيضاً- في معاملة المخلوق، فكن مع الناس بين طرفين، بين طرفِ الشدة والغلظة والعبوس، وطرفِ التراخي والتهاون وبذل النفس، وانحطاط الرتبة، كن حازماً من وجهٍ، وليناً من وجه. ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في القاضي: ينبغي أن يكون ليِّناً من غير ضعف، قوياً من غير عنف، فلا يكون لينُه يشطح به إلى الضعف، ولا قوته إلى العنف، بل يكون بين ذلك، ليناً من غير ضعف، قوياً من غير عنف، حتى تستقيم الأمور. فبعض الناس -مثلاً- يعامل الناس دائماً بالعبوس، والشدة، وإشعارِ نفسه بأنه فوق الناس، وأن الناس تحته، وهذا خطأ. ومن الناس من يحط قدْر نفسه، ويتواضع إلى حد التهاون، وعدم المبالاة، بحيث يبقى بين الناس لا حرمة له، وهذا أيضاً خطأ. فالواجب أن يكون الإنسان بين هذا وهذا، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام يشتد في موضع الشدة، ويلين في موضع اللين. فيجمع الإنسان هنا بين الحزم والعزم، واللين والعطف والرحمة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] أي: لا يمكن أن تشاءوا شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل. فأنا مشيئتي الآن أن أحدثكم وأتحدث إليكم، فهذه مشيئةٌ مني أنا؛ لكنها ما كانت إلا بعد مشيئة الله عز وجل، لو شاءَ اللهُ أشاءُ أنا، ولو شاء الله ألا يكون الشيء ما كان ولو شئتُ، فحتى لو شئتُ والله تعالى لم يشأ فإنه لن يكون، بل يقيِّض الله تعالى أسباباً تحول بيني وبين هذا حتى لا يقع، وهذه مسألة يجب على الإنسان أن ينتبه لها؛ أن يعلم أن فعلَه بمشيئته، مشيئةٌ تامةٌ بلا إكراه؛ لكن ليعلم أن هذه المشيئةَ مقترنةٌ بمشيئة الله، وأنه ما شاء الشيء إلا بعد أن شاء الله، وأن الله لو شاء ألا يكون لما شاءه الإنسان، أو أن الإنسان شاءه؛ ولكن يحول الله بينه وبينه بأسباب وموانع. وهنا قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] ولم يقل ربكم؛ إشارة إلى عموم ربوبية الله، وأن ربوبية الله تعالى عامة؛ ولكن يجب أن تعلموا أن (العالَمِين) هنا ليست كـ (العالَمِين) في قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير:27] . قلتُ في (العالَمِين) الأولى: إن المراد بها مَن أُرْسِل إليهم الرسول. أما هنا في (العالَمِين) الثانية: فالمراد بها: كلُّ مَن سوى الله؛ لأنه ما ثَمَّ إلا رب ومربوب، فإذا قيل: ربُّ العالَمِين، تعيَّن أن يكون المراد بـ (العالَمِين) كلُّ مَن سوى الله، كما قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وكلُّ مَن سوى الله فهو عالَم، وأنا واحدٌ من ذلك العالَم. الحاصل: أن هذه السورة سورة عظيمة، فيها تذكرة وموعظة، ينبغي للمؤمن أن يقرأها بتدبر وتمهل، وأن يتعظ بما فيها، كما أن الواجب عليه في جميع سور القرآن وآياته أن يكون كذلك، حتى يكون ممن اتعظ بكتاب الله، وانتفع به. نسأل الله تعالى أن يعَظِنا وإياكم بكتابه، وسنةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وآياتِه الكونية، إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 23 ¦ الصفحة: 6 حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث في المجالس أو في السيارة السؤال ما حكم تعليق الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في مجلس -مثلاً- أو في سيارة، أو في غيرهما؟ الجواب تعليق الآيات القرآنية في المجالس أمر مُبْتَدَع أحدثه الناس، ولم يكن ذلك معروفاً في عهد السلف الصالح، وذلك لأن القرآن الكريم ليس وَشْياً تُوَشَّى به الجدران، وتُزَيَّن به، كما رأينا بعض الناس يعلِّق لوحةً تُكْتَبُ فيها آية، وتجعل هذه الآية كأنها قصر، بحيث تُهَنْدَس على صفة البناء الذي في الشرفات، وبعضُهم علَّق سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] على هذا الوجه، إذا رأيتَه تقول: هذا قصر، والقرآن أشرفُ مِن أن يكون زينةً ووَشْياً في الجدران. وإن قُصِدَ بذلك التبرك: فليس التبرك بأن يكتب كتاب الله ويعلق في الجدران، التبرك بالقرآن حقيقةً هو: التبرك بتلاوته، فإن كل حرف منه بعشر حسنات. كذلك إن أُرِيْدَ بذلك الاتعاظ والتذكر: فإننا لم نجد أن المجلس الذي يكتب فيه شيء من آيات الله يزداد فيه تقوى الناس، واتعاظهم، وتذكُّرهم، بل إننا نرى بعض هذه المجالس يُفْعَل فيها المنكر؛ ويُشْرَب الدخان فيها، ويُغْتاب فيها الناس، وتُؤْكَل لحومُهم، وما هذا إلا نوعٌ استهزاء؛ كتاب الله فوق رأسه وهو يسهر به في معصية الله! وإن أُرِيْدَ بذلك التحصُّن والوِرْد، كما تعلق الآيات على الصدور: فهذا أيضاً بدعة، فما كان السلف الصالح يتحصنون بمثل هذا؛ ويكتبوا الآيات على جدرانهم. وهذا الأخير -أعني: أن يُقْصَدَ به التحصُّن- يوجب أن الإنسان يعتمد على ذلك، ولا يَقْرَأُه هو بنفسه، أي: الآيات التي فيها التحصين، مثل آية الكرسي؛ مَن قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومثل الآيتين الأخيرتين في سورة البقرة؛ مَن قرأهما في ليلة كَفَتاه، فتجد الإنسان يعتمد على ما كتبه في هذا المجلس أو في مُقَدَّمِ البيت ومَدْخَلِه، ويقول: الآن احتمى البيت بِما كتب فيه من الآيات، ويُعْرِض عن التحصين الحقيقي الذي هو في التلاوة. لذلك نرى ألا تُعَلَّق هذه الآيات على الجُدُر. أما الأحاديث فإذا عُلِّق ما يناسب المقام، مثل أن يُعَلَّق كفارةُ المجلس، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا تذكير، وينتفع به الناس، فالإنسان إذا رأى مكتوباً عند باب المجلس: كفارة المجلس: أن تقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، فإنه يتذكر هذا ويقوله. كذلك التعليق في السيارات، إذا كان التعليق في السيارات أذكاراً واردةً مناسبة، مثل أن يعلق الإنسان في السيارة دعاءَ الركوب، فإن هذا حسن، وتذكير، ولا بأس به، وكل إنسان يشعر بأنه يستفيد من ذلك، ويا حبذا لو كانت الكتابة بحرف مُكَبَّر، بحيث يقرَأُه مَن في الخلف؛ لأن هذه الكتابة الصغيرة لا يقرَأُها إلا مَن كان إلى جانبها، أو الذي يقرَأُها، أما مَن كان في الخلف فلا يستطيع قراءتها، فلو جُعِلت بخط كبير إذا أمكن حتى يقرأها مَن في الخلف لكان هذا طيباً. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 7 حكم المداومة على الوعظ عند القبور أثناء الدفن السؤال فضيلة الشيخ! ما مشروعية الموعظة عند القبر؟ فقد سمعنا مَن يقول: إنها ما وردت عن الرسول، وسمعنا مَن يقول: إنها سنة! الجواب القولُ بأنها (ما وَرَدَتْ) على إطلاقه غيرُ صحيح، والقولُ بأنها (سنة) غيرُ صحيح، ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة، ثم يعظ الناس ويذكرهم، هذا ما سمعنا به، وهو بدعة، وربما يؤدي في المستقبل إلى شيءٍ أعظم؛ ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً، ثم يقول: انظروا إلى هذا الرجل! بالأمس كان يلعب، بالأمس كان يستهزئ، بالأمس كان كذا وكذا، والآن هو في قبره مُرْتَهَن، أو يتكلم في تاجر مثلاً، فيقول: انظروا إلى فلان، بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم والآن انظروا حالَه. فلهذا نرى ألا تُفْعَل هذه؛ لأن هذه ليست من السنة، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت، فيقوم ويخطب الناس، أبداً، ولا عهدنا هذا أيضاً في مشايخنا السابقين، وهم أقرب إلى السنة مِنَّا، ولا عهدنا هذا أيضاً فيمَن قبلهم من الأصحاب، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي -فيما نعلم- يفعلون هذا، وخير الهَدْي هَدْيُ مَن سَلَفَ إذا وافَقَ الحق. وأما الموعظةُ التي تعتبرُ كلامَ مجلس، فهذه لا بأس بها، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى بقيع الغرقد وفيه أناس يدفنون ميتاً لهم؛ لكنَّ الميتَ لَمْ يُلْحَدْ بعد، أي: معناه أنهم يَحفرون القبر، فجلس وجلس حوله أصحابُه، وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته، وحالِ الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة. وكذلك ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه جلس على شفير قبر ابنته وهي تُدفَن فقال عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِبَ مقعدُه من الجنة ومقعدُه من النار! فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟! قال: اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِق له) . فالحاصل: أن الموعظة عند القبر التي هي قيام الإنسان ليخطب هذه لا شك أنها ليست من السنة، ولا تنبغي، لِمَا عرفتَ مِمَّا سيحدُث في المستقبل، وأما الموعظة مثل أن يكون الإنسان جالساً ويدعو حوله أصحابَه، ثم يتكلم بما يناسب فهذا طيب، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 8 مسألة دفع القدر بالدعاء السؤال فضيلة الشيخ! كيف يجمع بين أن الدعاء يردُّ القدر، وأن الأمور جميعَها مقدرةٌ قبل خلق السماوات والأرض؟ الجواب نجيب بأن الله سبحانه وتعالى مقدِّرٌ للأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدَّر أن هذا الشيء الذي كان بصدد أن يحدث من البلاء قد قُدِّر ما يمنعُه وهو الدعاء، فيكون الدعاء مُقَدَّراً، وكذلك ما كان بصدد النزول من البلاء مقدراً. فيكون هذا الشيء الذي امتنع أو ارتفع من البلاء بعد نزوله بسبب الدعاء يكون قد قُدِّر من الأصل أنه سيرتفع بهذا الدعاء، أو أنه سيمتنع بهذا الدعاء. فالدعاء مكتوب من الأول، والبلاء مكتوب من الأول. فإذا دعا الإنسان أن يرفع الله عز وجل البلاء بعد نزوله، فارتفع بدعائه -كما هو مشاهَدٌ الآن؛ يدعو الإنسان فيرتفع البلاء- فهذا معناه أن الله قد كتب في اللوح المحفوظ أن هذا البلاء سينزل ويرفعه الدعاء. إذاً: كلٌّ منهما مكتوب، البلاء المتوقَّع نزوله يمتنع بالدعاء، فيكون هذا البلاء الذي كان بصدد النزول قد قدر الله له دعاءً يمنعه، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام إذا كسفت الشمس أو القمر أن نفزع للصلاة والدعاء؛ لأن الله ينذرنا ببلاء سينزل، ولهذا قال: (يخوف الله بهما عباده) ولم يقل: ينتقم الله بهما من عباده؛ لكنه تخويف وإنذار من الله عز وجل، فإذا صلينا ودعونا الله فإن هذا الذي أُنذرنا به بهذا الكسوف يمنعه الله عز وجل. كما أن الدعاء نفسه عبادة سواء أُجيب أم لَمْ يُجَب، وما من إنسان يدعو الله بصدق إلا أعطاه الله تعالى واحدة من ثلاث: إما أن يعطيَه ما سأل. أو يكفَّ عنه من الشر ما هو أعظم. أو يدخرَ ذلك له عنده يوم القيامة ثواباً. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 9 حكم الحج على من لا يستطيع دفع بعض تكاليفه السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للحج هذا العام أصبح عن طريق حملة، فهل يجوز لي إن لم أستطع دفع تكاليف الحملة، -وخاصة إذا كان معي أهلي- أن أذهب إلى مكة وأحرم من هناك؟ وما الأمور التي تترتب على ذلك؟ الجواب هل الحج فريضة؟ السائل: نعم. فريضة. الشيخ: إذا كان فريضة، وكان يمكنك أن تذهب إلى مكة فلا بد أن تحرم من الميقات؛ لأنك تريد الحج والعمرة. السائل: لا أستطيع دفع تكاليف الحملة، فهي ثقيلةٌ عليَّ! الشيخ: إذا كنت لا تستطيع فليس عليك حج؛ ومن الممكن أن تخبر أحداً من الإخوان الذين يعرفونك، والناس يُحبون الخير. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 10 حكم ذبح العقيقة خارج البلاد لعدم حاجة أهلها للحم السؤال ما حكمُ توزيعِ العقيقة وإخراجِها خارجَ البلاد، مع العلم بعدم حاجة أهلها لِلَحم هذه العقيقة، وباستطاعتهم أن يقيموا بدلاً عنها واحدةً أخرى في نفس البلد؟ الجواب بالمناسبة لهذا السؤال أود أن أبين للإخوة الحاضرين والسامعين أنه ليس المقصودُ من ذبح النسك سواءً كان عقيقةً أو هدياً أو أضحيةً اللحمُ أو الانتفاعُ باللحم، فالانتفاع باللحم يأتي أمراً ثانوياً. المقصود بذلك هو: أن يتقرب الإنسان إلى الله بالذبح، هذا أهم شيء، أما اللحم فقد قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] . وإذا علمنا ذلك تبين لنا خطأ من يدفعون مالاً ليُضَحَّى عنهم في مكان آخر، أو يُعَقَّ عن أولادهم في مكانٍ آخر؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك فاتهم المهم، بل فاتهم الأهم من هذه النسيكة وهو التقرب إلى الله بالذبح، وأنت لا تدري من يتولى ذبح هذه، قد يتولاه مَن لا يصلي، فلا تحل، أو قد يتولاه مَن لا يسمي عليها، فلا تحل، أو قد يُعبث بالذبيحة ولا يُشترى إلا شيئاً لا يُجزئ. فمن الخطأ جداً أن تصرف الدراهم لشراء الأضاحي أو العقائق من مكان آخر، نقول: اذبحها أنت، بيدك إن استطعت، أو بوكيلك، واشهَدْ ذبحها حتى تشعر بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذبحها، وحتى تأكل منها؛ لأنك مأمورٌ بالأكل منها، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] . وقد أوجب كثير من العلماء على الإنسان أن يأكل من كل نسيكةٍ ذبحها تقرباً إلى الله، كالهدايا، والعقائق وغيرها، فهل ستأكل منها وهي في محل بعيد؟! لا. وإذا كنت تريد أن تنفع إخوانك في مكان بعيد فابعث بالدراهم إليهم، ابعث بالثياب إليهم، ابعث بالطعام إليهم، أما أن تنقل شعيرة من شعائر الإسلام إلى بلاد أخرى فهذا لا شك أنه من الجهل. أنا أعتقد أن الذين يفعلون ذلك لا يريدون إلا الخير؛ لكن ليس كل من أراد الخير يوفَّق له، ألَمْ تعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل رجلين في حاجة، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والثاني لم يعد الصلاة، فقال للذي لم يعد الصلاة: (أصبت السنة) ، والذي أعاد الصلاة كان يريد الخير، فشفَعَت له نيته هذه، وأُعْطِي أجراً على عمله الذي كرَّرَه؛ لكنه خلاف السنة، ولهذا لو أن الإنسان أعاد الصلاة بعد أن سمع بأن السنة عدم الإعادة لم يكن له أجر؛ لكن هذا كان له أجر؛ لأنه كان لا يعلم أن السنة عدم الإعادة. فالحاصل أنه ليس كل من أراد الخير يوفَّق له، وأنا أخبرك، وأرجو أن تخبر من يبلُغُه خبرُك بأن هذا عمل خاطئ ليس بصواب. نعم. لو فُرِضَ أنه دار الأمر بين أن تَعُقَّ أو تُنْجِي أناساً من المجاعة المهلكة وهم مسلمون، وأردت أن تأخذ دراهم العقيقة وترسلها لقلنا: لعل هذا أفضل؛ لأن إنقاذ المسلمين من الهلاك أوجب من العقيقة؛ لكن لا ترسل دراهم على أن تكون عقيقة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 11 تنظيم دروس خاصة بالمرأة السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في جَعْل دروس خاصة بالمرأة، وذلك لتوجيهها وإعانتها على طلب العلم، لتكون مربية لنفسها ولأولادها ولمن هي مسئولة عنهم؟ الجواب من يدرِّسها؟ السائل: طالبات علم مثلها، أو نساء فاضلات عندهن علم. الشيخ: المهم أن تدرِّسها أنثى. فأقول: لا بأس بهذا، لا بأس أن يُجْعَل -مثلاً- مكانٌ تدرَّسُ فيه النساء؛ تقوم امرأة ذاتُ علم ودين لتدريس هؤلاء النساء؛ لكن بشرط ألا يترتب عليه محظور من وجه آخر، مثل أن يكون تجمُّعُ النساء في هذا البيت سبباً لِحَوْمِ السفهاء حولهن، وعدم التنظيم؛ لأن مدارس البنات منظَّمة الآن؛ كلٌّ يأتي وينادَي بمكبر الصوت على ابنته أو مَن هو ولِيٌّ عليها، فإذا حصل هذا منظَّماً سالماً من المحظور فلا بأس. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 12 أقسام المصائب وأقسام الناس تجاهها السؤال بالنسبة للمصيبة التي تصيب المسلم، كيف يفرق المسلم بين كونها مكفِّرة للذنوب ورافعة للدرجات، وبين أن تكون نذيراً من الله سبحانه وتعالى للإنسان؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن الله قال في الكتاب: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] . لأول: إما أنها بما كسبت يده، فيُعاقب على المعصية في الدنيا، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة. الثاني: وإما أن تكون من أجل امتحانه حتى يصل إلى درجة الكمال في الصبر؛ لأن الإنسان بين حالين: إما سراء، فوظيفتها الشكر. أو ضراء، فوظيفتها الصبر. فلا يصل الإنسان إلى درجة الصبر إلا بشيء يُصْبَر عليه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبتلى أكثر مما يبتلى غيره، حتى إنه يوعَك بالمرض كما يوعَك الرجلان منا، وشدِّد عليه عليه الصلاة والسلام عند الموت من أجل رفعة درجته بمقام الصبر. فالإنسان يُبْتَلى بلاءً خاصاً، إما بسبب ذنوب ارتكبها، فيكفر الله عنه بهذه المصيبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ولهذا بعض الناس إذا فعل ذنوباً ثم حصلت عليه مصائب وبلايا يشكر الله على هذا؛ لأنه يقول: علم الله بذنبي فعاقبني في الدنيا قبل الآخرة، وعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فيَجْعل ذلك نعمة يشكر الله عز وجل عليها. والإنسان إذا أصيب ببلاء فله أربع حالات: الأولى: إما أن يتسخط بقلبه أو جوارحه، فيشق الجيب، وينتف الشعر، ويلطم الخد، ويَرَى في قلبه أنه ساخط على ربه -والعياذ بالله- فهذا في أدنى الدرجات، وهو آثم، وقد تبرأ منه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) . الثانية: وإما أن يصبر ويحتسب مع كراهته لما حصل، فهذا قام بالواجب، وله أجر الصابرين، وإذا احتسب الأجر على الله فـ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] . الثالثة: حالة أكمل من الصبر وهي الرضا؛ الرضا أكمل من الصبر، فالصابر ساخط للبلاء؛ لكنه صابر، والراضي متساوٍ عنده الأمران بالنسبة لقضاء الله عز وجل ويقول في نفسه: ما قضى الله هذا لي إلا خيراً، فيرضى تماماً، ويكون حاله غير متأثر إطلاقاً، لا بقلبه ولا بجوارحه. الرابعة: أن يكون في مقام الشكر. كيف يشكر الله على المصيبة؟! نقول: وجهه ما ذكرتُ لكم قبل قليل: أنه يعلم -إذا كان قد فعل ذنوباً- أن هذه عقوبة لذنوبه، فيشكر الله أن عجل له العقوبة لتكون في الدنيا، وذلك أهون من كونها في الآخرة، ثم يشكر الله على أنه إذا رضي وصبر كانت خيراً له، فيشكر الله على ذلك. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 13 حكم العامل إذا نوى وعلق النية بإذن الكفيل له السؤال فضيلة الشيخ! هناك رجل قَدِم من مصر إلى بلادنا هنا، ونوى أن يأخذ العمرة؛ ولكنه يقول: إن كفيله سوف يكون في المطار، وهو يعرف أن هذا الكفيل شديد، فخشي ألا يأذن له، فلم ينوِ بالعمرة إلا بعد أن يأذن له، فلما نزل المطار أذن له، وقد كان نَوَى أن يأخذ العمرة؛ لكن ما أحرم من المطار، وشبيهٌ بذلك: أن بعض الناس يذهب إلى جدة لعمل، ويقول: إن بقي وقتٌ فإنه ينوي من جدة، ويأخذ العمرة، فما حكم هاتين المسألتين؟ الجواب حكم هاتين المسألتين واحد. فالعامل الذي قَدِم إلى جدة وقال: إن أذن لي كفيلي أتيتُ بعمرة وإلا فلا، نقول: إذا وصل إلى جدة وأذن له كفيله فليحرم من جدة ولا شيء عليه. وكذلك الآخر الذي قدم إلى جدة لعمل، وقال: إن تيسر لي أتيتُ بعمرة وإلا فلا، نقول: إن تيسر له فليحرم من جدة ولا شيء عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ومن كان دون ذلك -أي: دون المواقيت- فمن حيث أنشأ) . الجزء: 23 ¦ الصفحة: 14 اشتراط الوضوء في مس المصحف للمكلفين السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لِمَسِّ المصحف والقراءة فيه، هل يلزم له الوضوء؟ والطلاب في المدارس هل يؤمرون بالوضوء؟ أحسن الله إليك. الجواب أما القراءة في المصحف فلا يشترط لها الوضوء، وأما مَسُّ المصحف فلا بد فيه من وضوء! وعلى هذا فبإمكان الإنسان أن يأخذ المصحف بين يديه، ويكون عليهما قفازان، أو يكون معه منديل يتصفح به المصحف ويقرأ. أما بالنسبة للصبيان فقد رخص في ذلك كثير من العلماء أن يمسوا القرآن بلا وضوء، وقالوا: لأنهم غير مكلفين، فقد رُفِع القلم عن ثلاثة. وقال بعض العلماء: إن الصبيان لا يمسون المصحف إلا بوضوء؛ لأن هذا احترام للمصحف، واحترام المصحف واجب على كل أحد. ولكن نحن نقول: إن أمكن أن يتوضئوا فهو أفضل بلا شك وأسلم، وإن لم يمكن فلا بأس. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 15 حكم بيع الوقف المحصور إذا تعطلت منافعة السؤال فضيلة الشيخ! رجلٌ أوقف منزلَهُ على أربعٍِ من بناته، وهذا المنزل بعد فترة من الزمن أصبح خرباً، ولا يمكن الاستفادة منه، وهؤلاء البنات لا يستطعن إصلاحه والاستفادة منه، فهل يجوز لهن بيعه؟ الجواب أولاً: لنسأل: هل وقَّفَ هذا البيت على أربعٍ من بناته دون الآخرين والأخريات؟ السائل: أعطى الآخرين شيئاً آخر. الشيخ: تعني: أنه أرضى أولئك! إذاً: الوقف صحيح. فإذا تعطلت منافع هذا الوقف فلهنَّ بيعُه، وشراء ما هو خير منه؛ لأن الوقف لا يعدُوهنَّ. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 16 حكم ذكر اسم الميت عند الصلاة عليه السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض الناس إذا قدم الميت للصلاة عليه يذكر اسم هذا الشخص، هل هذا الأمر فيه شيء؟ الجواب تعني أنه يقول: هذا الذي مات فلان بن فلان؟ السائل: نعم. يقول: الصلاة على فلان بن فلان. الجواب: إخبار الناس بالميت إذا قُدِّم بأنه ذكر أو أنثى من أجل أن يكون الدعاء بضمير المذكر إذا كان ذكراً أو بضمير المؤنث إذا كانت أنثى، أو إذا كانت هناك جنازة كبيرة أو صغيرة لم تبلغ الحلم، فيخبر الناس من أجل أن يدعوا لكل ميت بما يناسبه، هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة. وأما الإخبار عنه باسمه فلا أدري، أتوقف في هذا! قد يكون فيه مصلحة، وقد لا يكون فيه مصلحة، قد يكون مثلاً مِن الحاضرين مَن بينه وبين هذا الميت المعين عداوةٌ سابقةٌ مثلاً، فينصرف عن الصلاة، ويقول: لستُ مصلياً على هذا الرجل، فيكون في هذا تشويش، أو ربما يصلي عليه وبدلاً من أن يدعو الله له يدعو الله عليه، فلو أنه تُرك التعيين بالاسم لكان أحسن. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 17 حكم العمرة في أشهر الحج السؤال ما رأيكم في العمرة في شهر ذي القعدة؟ وهل نقول: بأنها سنة مؤكدة لورودها عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة ثلاث عُمَرٍ منفردة؛ في عمرة الحديبية التي صُد عنها، وفي عمرة القضاء في السنة التي تلتها، وفي عمرة الجعرانة في السنة التي تلتها أيضاً، وفي عمرة حَجِّه، حيث كان قارناً في السنة العاشرة. والعمرة في أشهر الحج في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانت مؤكدة؛ لأنه كانت عند العرب في الجاهلية عقيدة فاسدة؛ أنه لا اعتمار في أشهر الحج، وأن أشهر الحج للحج، حتى إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة استغربوا ذلك، وقالوا: يا رسول الله، كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ قال: (افعلوا ما أمرتكم به) . وقد استحب بعض العلماء أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إن بعض العلماء تردد؛ هل العمرة في أشهر الحج أفضل أم العمرة في رمضان؟ الجزء: 23 ¦ الصفحة: 18 حكم قول القائل: (أقامها الله وأدامها) عند إقامة الصلاة السؤال قام شاب مجتهدٌ في أحد المساجد وتكلم عن بعض البدع في الصلاة، وقال: من البدع قول الشخص: (أقامها الله وأدامها) عندما يقيم المقيم، فلما انتهى قام شخص آخر وأنكر عليه في نفس المسجد، وقال: هذه ليست بدعة؛ لأنها وردت في حديث ضعيف، والحديث الضعيف يؤخذ به في باب الفضائل -على حد قول الرجل هذا- ويستند على فتوى وكلام أحد المشايخ؟ الجواب قول القائل إذا قال المقيم: قد قامت الصلاة: (أقامها الله وأدامها) هو مبني على حديث ضعيف كما قال الأخ الأخير، فالحديث في هذا ضعيف؛ ولكن بعض الفقهاء أخذ به، وقال: إنه يقول كما يقول المقيم، إلا عند قد قامت الصلاة فيقول: أقامها الله وأدامها، وما دامت المسألة فيها خلاف بين علماء السنة، فلا ينبغي أن نقول لمن قالها: إنه مبتدع. وأما قول الأخير: إنها من فضائل الأعمال، فالأحاديث الضعيفة لا تثبت بها الأحكام، ومن قال: إن الأحاديث الضعيفة يُحْتَج بها في الفضائل فمراده أنه إذا ورد الحديث الضعيف في فضيلة عمل من الأعمال ثبت بالسنة؛ لكن فيه فضل، وهذا الفضل جاء في حديث آخر ضعيف، فيقول: إننا نأخذ بهذا الضعيف؛ لأنه إن كان الثابت مأموراً به كان هذا الحديث الضعيف الذي فيه الفضيلة دعماً لهذا الأمر، فيزيد الإنسان نشاطاً. ثم إن كان الحديث صحيحاً فهذا ما يريده الإنسان، وإن لم يكن صحيحاً فإنه لم يزده إلا قوة في الطاعة. وإذا كان الحديث نهياً، وورد فيه تحذير عن هذا الفعل في حديث ضعيف فهذا التحذير إن كان صحيحاً فالإنسان قد سلم من هذه العقوبة، وإن كان غير صحيح فهذا لا يزيده إلا بُعداً عن المعصية، وهو أمر مطلوب. فالحاصل أن الحديث الضعيف لا يمكن أن يُثْبَت به حكم من الأحكام، حتى عبارة (قد قامت الصلاة) لا نثبتها بالحديث الضعيف. فمن لم يصح عنده الحديث، فإنه لا يقوله، ومَن رأى أن الحديثَ حَسَنٌ وأنه حجةٌ قالَهُ. ولذلك يقول العلماء: لا يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف إلا بشروطٍ ثلاثة: الأول: ألا يكون الضعف شديداً. الثاني: أن يكون لهذا العمل الذي فيه الفضل، أو التحذير أصلٌ ثابت. الثالث: ألا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قالَهُ. وليس الاحتجاج بالضعيف على إطلاقه، بل يُحْتَج بالضعيف في باب الترغيب وفي باب الترهيب بشرط: أن يكون لهذا المُرَغَّب فيه أو المُحَذَّر عنه أصلٌ ثابت. وأظنكم سمعتم الآن الأذان، وهو الحد الفاصل لهذه الجلسة. وإلى جلسة أخرى إن شاء الله تعالى، وسيكون إن شاء الله الكلام فيها عن الحج، وما يتعلق به؛ لقُرْبِ موسم الحج. نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. الجزء: 23 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [24] تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن الحج؛ حكمه وفرضيته، وحكم من تركه تكاسلاً أو تركه إنكاراً، ثم تحدث عن شروطه، وتعمق في مسألة الاستطاعة، وأنه لا يجب الحج على من عليه دين أو امرأة لم تجد لها محرماً. ثم بعد ذلك أجاب عن الأسئلة. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 1 الحج. حكمه وفرضيته الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر ذي القعدة من عام (1413هـ) هو يوم اللقاء الرابع لهذا الشهر. وقد تكلمنا فيما سبق عن سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، وما قبلها من سُوَر عبس، والنازعات، والنبأ، وأكملنا ولله الحمد هذه السور الأربع. أما اليوم فسنجعل افتتاح لقائنا هذا بالكلام عن الحج. فالحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بُنِي عليها الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) . وقد فرضه الله عزَّ وجلَّ على عباده في السنة التاسعة من الهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السنة العاشرة، وهو فرضٌ بإجماع المسلمين؛ مَن أنكر فرضيته وقد عاش بين المسلمين فهو كافر؛ لأنه أنكر فرضاً ثابتاً بالكتاب والسنة معلوماً بالضرورة من دين الإسلام، ومن أقر بفرضيته ولكنه تركه تهاوناً مع وجوبه عليه، فمن العلماء مَن قال: إنه كافر، كما هي إحدى الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله، ومنهم مَن قال: إنه ليس بكافر، وهو القول الراجح؛ لكنه آثم وفاعلٌ كبيرةً مِن كبائر الذنوب، ويدلُّ على كونه غير كافر: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ولكنه لا يجب إلا بشروط: الجزء: 24 ¦ الصفحة: 2 شروط وجوب الحج الشرط الأول: الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، ولا يؤمر به، ولا يجوز له أن يدخل مكة - أي: حَرَمَ مكة -؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] . ومِن ذلك: مَن لا يصلي، فإننا لا نأمره بالحج، ولا نُمَكِّنه من دخول مكة - أعني: حرم مكة - لأنه مرتد كافر، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] . والثاني: البلوغ: وضده الصِّغَر، فالصغير لا يجب عليه الحج؛ ولكن لو حج صحَّ حجه، ووجب عليه إذا بلغ أن يحج حج الفريضة. والثالث: العقل: وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه الحج؛ لعدم صحة النية منه. والرابع: الحرية: وضده الرِّق، فالرقيق لا يجب عليه الحج؛ لأنه مملوكٌ مشغولٌ بخدمة سيده؛ ولكنه لو حج بإذنه وهو بالغٌ عاقل فمِن العلماء مَن قال: إن حجه صحيح ومجزئ. ومنهم مَن قال: إنه غير مجزئ. ولكنهم متفقون على أنه صحيح. والخامس: الاستطاعة، أي: القدرة على الوصول إلى البيت الحرام بالمال والبدن، وضده العجز، فمن كان عاجزاً بماله فلا حج عليه، كالفقير الذي ليس عنده من المال ما يمكنه أن يحج به، إما لكونه قليل ذات اليد، أو لكونه مديناً بدين يستغرق ما في يده. ولهذا نقول: إن من عليه دين فإنه لا يحج حتى يقضي الدين، فإن كان الدين مؤجلاً -أعني: مُقَسَّطاً- فإن كان يَثِق من الوفاء كلما حلَّ القسط، وبيده الآن ما يحج به وَجَبَ عليه الحج، وإن كان لا يثق فإنه لا يجب عليه الحج، ولا ينبغي أن يحج أيضاً؛ لأن وفاء الدين أهم من الحج، لماذا نقول: أهم من الحج؟ الجواب لأن الحج مع وجود الدين ليس بواجب، فحتى الآن لم يصبح عليه فريضة، وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يحج وعليه دين حتى لو أذن له الدائن بأن يحج؛ لأن إذن الدائن لا يوجب أن يَسْقُط عنه شيءٌ من دينه. وقد ظن بعض الناس أن الدائن إذا أذن فإن المدين يحج، والأمر ليس كذلك؛ لأن الدائن لا يتعلق حقه ببدن المدين حتى نقول: إذا أذن له فليحج، وإنما يتعلق الحق بمال المدين، فهل إذا أذن الدائن لمدينه أن يحج يَسْقُط عنه شيءٌ من دَينه؟ الجواب: لا، إذاً لا فائدة من الإذن. وحينئذٍ نقول: مَن كان عليه دَين فإن كان حالاً فلْيُوْفِه قبل أن يحج، وإن كان مؤجلاً -أي: مُقَسَّطاً- وكان الرجل يثق من نفسه أنه إذا حل القسط أوفاه، وبيده الآن ما يمكن أن يحج به فليحج، وإن كان لا يثق من نفسه فلا، وإنما يجعل ما بيده الآن مدخراً لقضاء الدين إذا حل القسط. ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فإن الحج ليس بواجب عليها، بل يحرم عليها أن تحج بلا محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) قال ذلك عليه الصلاة والسلام وهو يخطب الناس معلناً ذلك، حتى لا يخفى على أحد، فلا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كانت كبيرة أو شابة، وسواء كان معها نساءٌ أم لم يكن، وتهاوُن بعضِ الناس اليوم خطأ؛ لكونهم يطلقون نساءهم أو خَدَمهم فيحجون بلا محرم، فإن هذا لا يحل -أي: لا يحل للمرأة ولو كانت خادمة- أن تحج بلا محرم، ولو كانت مع نساء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) . فمتى وجب الحج وَجَبَ على الإنسان أن يبادر به، ولا يجوز أن يتأخر؛ لأن جميع أوامر الله تعالى على الفورية ما لم يوجد دليل على جواز التأخير؛ لقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] . وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] . ولأن الإنسان لا يدري ما يعرِض له، فقد يموت قبل أن يحج، ويبقى الحج ديناً في ذمته. وعلى هذا فالواجب على مَن وجب عليه الحج لتمام شروطه أن يبادر به، فإن لم يفعل كان آثماً، وإذا مات قبل أن يحج مع التأخير فمِن العلماء مَن يقول: إنه يُحَجُّ عنه ويُجْزِئُه. ومنهم من يقول: إنه لا يُحَجُّ عنه؛ لأنه لا يُجْزِئُه؛ لكونه أخَّر الحج مع قدرته عليه، فلا ينفعه حج غيره عنه. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 3 الأسئلة الجزء: 24 ¦ الصفحة: 4 بعض أحكام المعتدة السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين! وفقكم الله! أرجو من فضيلتكم بيان ما يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تفعله فترة العدة، وما يجب عليها أن تتجنبه؟ الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. المرأة التي مات عنها زوجها تتجنب في مدة العدة الآتي: أولاً: كل ثياب جميلة تُعَدُّ تَزَيُّناً. ثانياً: التحلِّي بجميع أنواعه، سواء كان في الأذن، أو الذراع، أو على الرأس، أو قلادة، أو ما أشبه ذلك، فيشمل جميع أنواع الحلي. ثالثاً: الاكتحال، فلا تكتحل، لا ليلاً ولا نهاراً. رابعاً: التحسين بتحمير الشفاه أو غيره، فلا يجوز لها أن تفعل شيئاً من ذلك. خامساً: الخروج من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة. سادساً: التطيُّب بأي نوعٍ من أنواع الطيب، إلا أنها إذا طَهُرت فلها أن تستعمل شيئاً من البخور تُطيب به ما حصل فيه رائحة من فرجها وما حوله. السائل: وإذا كان فيها صرع حيث يأتيها صرع، فهل يجوز لها أن تخرج؟ الشيخ: قلتُ: لا تخرج من البيت إلا لحاجة أو ضرورة. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 5 حكم قطع النافلة إذا أقيمت صلاة الفريضة السؤال فضيلة الشيخ! ما هو القول الراجح في صلاة النافلة إذا أقيمت الصلاة؟ الجواب القول الراجح في النافلة إذا أقيمت الصلاة: إن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى قطعها. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 6 وجوب الذبح في مكة على من ترك واجباً في الحج السؤال فضيلة الشيخ! هناك رجل لم يتمكن من المبيت بـ مزدلفة، ولم يطف طواف الوداع، فترتب على ذلك دم لعدم المبيت بـ مزدلفة، ودم لعدم الطواف، فهل له أن يذبح في محل إقامته ويوزِّع لحم الذبيحتين إذا كان يشق عليه إيصال الذبيحتين إلى الحرم؟ الجواب هذا الرجل الذي ترك المبيت بـ مزدلفة، وترك طواف الوداع ترك واجبين من واجبات الحج، فعليه لكل واجب دم، والدم الواجب لترك الواجب يجب أن يكون في مكة، ولا يلزم أن يذبح هو بنفسه، فبإمكانه أن يوكِّل أحداً من الحجاج أو المعتمرين فيذبحه الوكيل، ويفرق جميع لحمها على الفقراء هناك. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 7 حكم توكيل الأهل في الأضحية السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز لشخص توكيل أهله في الأضحية؟ الشيخ: لماذا يوكِّل أهله في الأضحية؟ السائل: للتفرغ لأعمال الحج. الشيخ: تعني: أنه حاج؟ السائل: نعم. الشيخ: يجوز للإنسان إذا حج أن يوكل أحداً من أهله الباقين في البلد، فيُضَحِّي عنه، وعن أهل بيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكَّل علي بن أبي طالب في ذبح بقية هديه. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 8 ضوابط في سفر العائلات إلى خارج الوطن السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم سفر العائلات إلى خارج البلاد الإسلامية، مع العلم بأن هناك جوازات فيُنْظَر إلى صورة المرأة، وقد يطلبُ الرجل من المرأة كشف وجهها حتى يتثبت من شخصيتها؟ فهل هذا يجوز إذا كان من غير ضرورة؟ الجواب أولاً: لا نرى أن الإنسان يسافر إلى بلد خارج بلده إلا لحاجة أو مصلحة راجحة؛ وذلك لأن السفر إلى البلاد الخارجية يتكلف نفقات كبيرة لا داعي لها، فتكون من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إضاعة المال. ثانياً: أن هذا السفر ربما يشغلهم عن أشياء يفعلونها في بلدهم، من صلة رحم، وطلب علم إذا كانوا يطلبون العلم. وغير ذلك، ولا شك أن الاشتغال عن الشيء النافع يعتبر خسارة في عمر الإنسان. ثالثاً: أن البلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثَّر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار، فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره، وهذا هو أشد الأمور التي يُخشى منها في السفر إلى الخارج. ولهذا أقول لهذا السائل ولغيره: عندنا -ولله الحمد- من المصايف في بلادنا ما يغني عن الخارج، مع قلة النفقات، ونفع المواطنين. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 9 توجيه قوله تعالى: (إذ يريكهم الله في منامك قليلاً) السؤال مِمَّا هو معلوم أن رؤيا الأنبياء حق، فما هو الجواب عن قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال:43] ؟ الجواب رؤيا الأنبياء حق بلا شك، والله سبحانه وتعالى أَرَى نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم عدوَّه قليلاً لأجل المصلحة العظيمة، فهو مَثَلٌ ضربه الله عزَّ وجلَّ له، وليس هو رؤيا بالفعل؛ لكنه مثل ضُرب له من قِبل الله عزَّ وجلَّ من أجل أن لا يكون فيه ذل أو جبن عن التقدم في الجهاد؛ ولهذا قال: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال:43] فكان من الحكمة أن الله سبحانه وتعالى يريه إياهم مثلاً يضربه من أجل التنشيط على الجهاد. السائل: أتعني أن هذه الرؤيا ليست حقاً؟ الشيخ: لا. هي حق من الله عزَّ وجلَّ، فالرسول رأى حقاً؛ لكنه لم ير هؤلاء القوم، بل أُرِي إياهم مثلاً. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 10 من أحكام الحائض في الحج السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الأحكام المتعلقة بالمرأة إذا حاضت وهي تؤدي المناسك؟ وهل يجوز لها أن تأخذ حبوب مَنْع الدورة في أثناء هذه الفترة؟ الجواب إذا حاضت المرأة بعد إحرامها فإنها تفعل كل ما يفعله الحاج إلا الطواف بالبيت والسعي الذي بعده، فإذا حاضت مثلاً بعد أن أحرمت ولم تصل بعد إلى مكة فإنها إن غلب على ظنها أنها تطهر قبل اليوم الثامن تبقى على إحرامها؛ ولكنها لا تطوف ولا تسعى حتى تطهر. وإن غلب على ظنها أنها لا تطهر إلا بعد اليوم الثامن فإنها تحرم بالحج فتُدْخِل الحج على العمرة، وتصير قارنة، كما جرى ذلك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وأما أخذ الحبوب من أجل منع العادة فلا بأس به هنا للحاجة بشرط مراجعة الطبيب. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 11 معنى القول بأن القرآن (عرض) السؤال يا شيخ! أحسن الله إليك! هناك رجل يقول: إن القرآن عَرَضٌ، فما معنى هذه الكلمة؟ الشيخ: الرجل الذي قال لك: إن القرآن عَرَضٌ لماذا لم تسأله: ما معنى عَرَض؟! السائل: يقول: إنه يُقْصَد بها أن القرآن يتبادر إلى الذهن بالحفظ في وقت الصلاة عندما يقرأ الإنسانُ القرآنَ في التراويح، فيقول: هو عَرَضٌ، أو قريباً من هذا الكلام؛ لكني ما فهمتُ معنى عَرَض؟ الجواب لا بد أن تسأله، هل يريد بالعَرَض الصفة، أي: أنه صفة من صفات الله، فهذا صحيح؛ لأن الكلام كلام الله، وكلام الله تعالى صفة من صفاته، أو أنه يريد شيئاً آخر، لا ندري. فالواجب أن يُسْتَفْصل هذا الرجل، ويقال له: إن كنت تريد بقولك: عَرَض، أنه صفة من صفات الله تكلم به عزَّ وجلَّ، وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل فهذا حق. وإن أراد معنَىً آخر فيُنْظَر في هذا المعنى الذي أراد. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 12 التفضيل بين قراءة القرآن وبين طلب العلم السؤال ما هو الأفضل: قراءة القرآن في وقت كثير، أم قراءته في وقت قليل وإشغال الوقت الباقي بطلب العلم مثلاً، أو قراءة كتاب، لا سيما إذا كانت قراءة القرآن كثيراً تكون بتدبُّرٍ قليل؟ الشيخ: هل المراد قراءة القرآن حفظاً أو قراءته نَظَراً. السائل: نَظَراً. الجواب إذا كان نظراً فإن طلب العلم أفضل -أعني: العلم الشرعي- وطلب العلم الشرعي هو من القرآن في الواقع؛ لأن العلم الشرعي كله أحكام القرآن الذي وجد فيه أو وجد في السنة المفسِّرة له. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 13 توجيه حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) السؤال حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) هل المقصود بالصلاة قبل الأذان أم بعد الأذان؟ الجواب حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) إذا صح فالمراد به ما بين الأذان والإقامة. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 14 حكم القنوت في صلاة الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم القنوت في صلاة الجمعة؟ الشيخ: يقول العلماء: إن الإمام لا يقنُت في صلاة الجمعة؛ لأن الخطبة فيها دعاء للمؤمنين، فيُدعى لمن يُراد أن يُقْنَت لهم في أثناء الخطبة، هكذا قال أهل العلم. والله أعلم. السائل: وإن قنت يا شيخ؟ الشيخ: ما دام أن العلماء قالوا: لا يقنت، فعليه أن يترك. السائل: وهل هو جائز يا شيخ؟ الشيخ: لا بأس؛ لأنه حتى لو قنت فإنه لا يعتبر عاصياً؛ لكن الأحسن أن يدعو لمن أراد القنوت لهم في أثناء الخطبة. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 15 حكم من اعتمر لنفسه وحج عن غيره السؤال فضيلة الشيخ! إنسان حج واعتمر، ونوى العمرة لنفسه والحج لغيره، هل يكون هذا متمتعاً؟ الجواب إذا اعتمر الإنسان لنفسه وأراد الحج لغيره في سَنَة واحدة فإنه يعتبر متمتعاً؛ لأن الفاعل واحد؛ جمع بين العمرة والحج؛ ولكن أسألك: لماذا جعل العمرة له والحج لغيره؟ هل هو متبرع أم أن غيره قد وكله في الحج؟ السائل: نوى العمرة لغيره، والحج له. الشيخ: أمتبرعٌ هو؟ السائل: نعم متبرع. الشيخ: لا بأس. السائل: وإذا لم يكن متبرعاً؟ الشيخ: إذا لم يكن متبرعاً فإن المعروف عندنا في عرفنا أن الإنسان إذا وكَّلك بالحج وأعطاك نفقته؛ المعروف أنه يريد العمرة والحج جميعاً. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 16 وقت صلاة الضحى السؤال متى يبدأ وقت صلاة الضحى ومتى ينتهي؟ الجواب سنة الضحى وقتها من لحظة ارتفاع الشمس قدر رمح -أي: بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة- إلى قبيل الزوال، أي: إلى قبل زوال شمس الظهر بنحو عشر دقائق. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 17 توجيه قوله صلى الله عليه وسلم في المساجد: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) السؤال بالنسبة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه المساجد، فقال: (لَتُزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفَتِ اليهودُ والنصارى) فهل المقصود بالزخرفة الصور والتماثيل، وإذا حدث أن زُخْرِفَت بالصور، فهل تجوز الصلاة فيها؟ الجواب هذا الحديث مروي عن ابن عباس رضي الله عنه من قوله. وإذا كان كذلك فإن الزخرفة يراد بها الزخرفة المشابهة لزخرفة اليهود والنصارى. وأما الزخرفة التي لا تشغل المصلي وإنما تعطي المسجد زيادةً في الراحة والبرودة في الصيف والدفء في الشتاء، فهذه لا بأس بها؛ ولكن يجب أن لا يبالغ في ذلك كما يفعل بعض الناس الآن؛ تجده يجعل على المحراب من الزخارف والنقوش ما يشغل المصلي أو يكون له ثمن باهظ. وأما الصور فلا يجوز إطلاقاً أن تُجْعَل في المساجد صورة، لا صورة آدمي ولا صورة حيوان. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 18 حكم كتابة ذكر الله على لافتات الطرق السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم وضع اللافتات على الطرق الطويلة التي يُكتب فيها -مثلاً-: سبحان الله أو اذكر الله؟ الجواب هذه اللافتات التي توجد في الطرق لا بأس بها، ففيها تذكير. لكن هناك أناس يكتبون على الجسور كلمات ساقطة جداً، فمثل هذه لا يجوز إقرارها، بل يجب محوها؛ لأنها كلمات لا تليق بالإنسان، فضلاً عن أن هذه طرق يأتيها الناس من كل بلد، فيحصل في هذا سمعة سيئة عن الشعب السعودي؛ بأنه شعب ساقط سافل، وربما يكون كاتب هذه الكلمات السيئة مُغْرِضاً. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 19 تحريم إيذاء الكافر المعاهد السؤال بعض الشباب يضايق الكفار في الطرق، وقد يؤذيهم، فهل هذا جائز؟ الجواب إيذاء الكفار الذين بيننا وبينهم عهد وميثاق مُحَرَّم ولا يحل؛ لكن إكرامهم وإفساح المجال لهم هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) ، وليس المعنى أن يؤذيهم ويرصَّهم -مثلاً- على الجدار أو ما أشبه ذلك؛ لأن الكفار اليهود كانوا موجودين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، ولم يكن يعاملهم بهذه المعاملة؛ بالإيذاء، بل كان عليه الصلاة والسلام يعاملهم بما يقتضيه العهد. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 20 حكم صيام عشر ذي الحجة السؤال هل ورد في الحديث حديث صحيح صيام العشر من ذي الحجة؟ الجواب صيام العشر من ذي الحجة من الأعمال الصالحة ولا شك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) . فيكون الصيام داخلاً في عموم هذا الحديث، على أنه ورد حديث في السنن حسَّنه بعضهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذه العشر، أي: ما عدا يوم العيد، وقد أخذ بها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو الصحيح أي: أن صيامها سنة. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 21 حكم التعامل مع أهل البدع الداعين إلى بدعهم السؤال كَثُرَ الرافضة عندنا في السكن، وأصبح لهم بعض التحرك مع الطلاب الذين يأتون من خارج البلاد، فيذهبون معهم إلى الأسواق، ويباشرون عليهم، ولهم بعض الأشياء، فما الحل معهم؟ الجواب إذا كان لهؤلاء نشاط في الدعوة إلى بدعتهم فليكن منكم نشاط أكبر في الدعوة إلى سنتكم؛ لأن الحق إذا قام به أهله فإن الله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء:18] لكن كوننا نرى نشاط أهل البدع في بدعتهم -ولا سيما البدع الغليظة- ثم نسكت أو نقول: ماذا نفعل؟ فإن هذا يعتبر جبناً، فإذا كان لهم دعوة فلتكن دعوتكم أنتم أكبر وأعظم؛ لأنكم على حق ومأجورون، أما أهل البدع إذا دعوا إلى بِدَعِهم فهم آثمون مأزورون؛ عليهم الوبال، وعليهم وبال كل مَن دعوه إلى هذه البدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) . فأنا أحثكم على أن يكون لكم نشاط عظيم، فإذا كانوا يبذلون درهماً فابذلوا درهمين، وإذا كانوا يأتون إلى هؤلاء في بيوتهم ويدعونهم إلى أن يأتوا إليهم في البيوت فليكن نشاطكم في هذا أكثر وأعظم. السائل: ومضايقتهم لنا؟ الشيخ: كما قلنا فيما سبق أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطانا قاعدة نسير عليها؛ نعاملهم بمثل ما يعاملوننا به. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 22 حكم من لا يستطيع الصوم في كفارة القتل الخطأ السؤال فضيلة الشيخ! هذا سؤال لشخص ليس موجوداً الآن، يقول: لقد حصل لي حادث مروري حيث كنتُ في شارع رئيسي عام، وكانت سرعتي فوق المتوسطة، وخَرَجَتْ لي سيارة مع تقاطع، ولم أشعر بها إلا عندما اصطدمتُ بها، فتوفى بهذا الحادث رجلٌ واحد، وكانت نسبة الخطأ عليَّ (25 %) ، وبالنسبة لأهل الرجل فقد سامحوا في الدية، وقال لي القاضي: عليك صيام شهرين متتاليين. والحقيقة أن هذا الحادث له الآن ثلاث سنوات أو أكثر، وأنا مِن أثر الحادث جلستُ في المستشفى أكثر من شهرين، وجسمي لا يساعدني على الصيام، حيث أني أتعبُ من صيام رمضان كثيراً لولا مساعدة ربي جلَّ وعَلا. أرجو أن تجدوا لي حلاً، حيث إنني عندما صدمت بالسيارة لم أكن متعمداً، بل هو الذي طلع عليَّ، وكذلك لم تكن سرعتي جنونية؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب خلاصة السؤال: أنه صدم رجلاً خرج عليه من شارع فرعي، وأن الشيخ القاضي حكم عليه بصيام شهرين متتابعين، وأنه حسب تقرير المرور حُكِم عليه بـ (25 %) من الدية؛ ولكن أهل الدية تنازلوا، فبَقِي عليه حق الله عزَّ وجلَّ وهو صيام شهرين. فإن كان يستطيع أن يصوم الشهرين فليصُم، وإذا كان لا يستطيع فليس عليه شيء؛ لأن الله عزَّ وجلَّ بين في كفارة القتل: أن فيها عِتْق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولم يذكر الإطعام. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 23 حكم الذهاب إلى السحرة وتصديقهم السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز للرجل أن يذهب إلى ساحر ليعرف هل هو مسحور أم لا؟ ولو قابل ساحراً ولم يقصد الذهاب إليه، وأخبره أنه مسحور، هل يصدقه أم لا؟ الجواب أولاً: السحر لا شك أن له أثراً في الإنسان أثراً في العقل، وأثراً في البدن، وأثراً في الإحساس، ولهذا لما ألقى السحرة سِحْرَهم أمام موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أن هذه الحبال والعصي تسعى، بمعنى: أنها تمشي وتركض. فالسحر لا شك أن له تأثيراً ولكن لا ينبغي أن يكون الإنسان سريع التوهُّم؛ فكلما أصابه شيء قال: إنه سحر، حتى إن بعض الناس يُزْكَم فيقول: هذا الزكام سحر! وهذا خطأ. لكن على كل حال إذا تبين أثر السحر على الإنسان بأثرٍ ظاهر، فصادفه ساحر وقال: إنك مسحور، فلا يعتمد على قول هذا الساحر؛ ولكن يعتمد على ما حصل له من آثار السحر، ويكون قول الساحر مؤيِّداً له. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 24 حكم الصلاة على سطح الحرم المدني السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للصلاة على سطوح الحرم المدني، ما حكمها؟ علماً بأن الصفوف غير متصلة فوق السطوح! الشيخ: في الحرم المدني؟! السائل: نعم. فُتحت في هذه الأيام الأخيرة. الشيخ: على السطوح؟! السائل: نعم. الجواب على كل حال، الصلاة على السطوح في الحرم المدني كالصلاة على السطوح في الحرم المكي، وكذلك في بقية المساجد، أي: أنه لا بأس بذلك. وأما اتصال الصفوف فالذي ينبغي للإنسان إذا جاء أن يبدأ أولاً بالمكان الذي فيه الإمام، فلا ينزل إلى القَبَوات ولا يصعد إلى السطوح إلا إذا وجد أن المكان الذي فيه الإمام قد مُلِئ. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 25 حكم خروج المذي في رمضان بشهوة السؤال هل المذي يوجب القضاء في شهر رمضان إذا كان بشهوة؟ الجواب المذي لا يُفسد الصوم، سواء كان الصوم في رمضان أو في غير رمضان. السائل: المذي لا يُفسد؟! الشيخ: لا يُفسد الصوم، نعم. السائل: فهل يوجب القضاء؟ الشيخ: إذا قلنا: لا يفسد الصوم فإنه لا يوجب القضاء. السائل: بشهوةٍ أو بغيرها؟ الشيخ: هو -غالباً- لا ينزل إلا بشهوة، فحتى لو كان بشهوة، وحتى لو قبَّل امرأته أو باشرها، وأمذى فإن صومه صحيح، ولا يلزمه القضاء. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 26 مناقشة شروط نقل الفتوى عن المفتي السؤال بعض طلبة العلم ذكر أن نقل الفتوى عن المفتي لا تجوز إلا بأربعة شروط: أولاً: لا بد أن يعرف الحكم في المسألة. ثانياً: لا بد أن يعرف الدليل. ثالثاً: لا بد أن يعرف وجه الاستدلال. رابعاً: لا بد أن يعرف الجواب عن قول من خالف إذا كان في المسألة خلافاً. وعزا هذا القول إلى ابن القيم. فهل هذا صحيح، ثم إذا كان صحيحاً فما توجيهكم؟ الجواب أولاً: يقال لهذا الناقل عن ابن القيم: أثبت ذلك عن ابن القيم؛ لأن ما أكثر الذين يقولون: جاء في هذا حديثٌ عن الرسول، أو جاء كلامٌ عن السلف، أو جاء كلامٌ عن بعض العلماء، ثم يكون متوهِّماً في نقله! فيقال: أرِنا كلام ابن القيم؛ لأن كلام ابن القيم ربما يكون على غير الوجه الذي فهمه. ثم إذا صح هذا عن ابن القيم فإنه غير مُسَلَّم؛ لأن الناقل ليس مفتياً على حسب فتوى المفتي، فهناك فرق بين أن يقول: قال الشيخ الفلاني: كذا وكذا، فيكون ناقلاً، وبين أن يُسأل هذا الذي استفتى العالم، ثم يفتي بدون أن ينسبه ذلك إلى العالم، فهذا هو الذي يحتاج إلى أن الإنسان لا بد أن يعرف الدليل والاستدلال، ويكون كالمجتهد تماماً. فهناك فرق بين نسبة القول إلى العالم، وبين أن يفتي به اعتماداً على قول عالمٍ بدون أن ينسبه إليه، فالأول مخبرٌ ناقل، وليس فيه شيء، إلا أن يتأكد أن المفتي قال: كذا وكذا، وأما الثاني فيعتبر مفتياً مجتهداً، والمفتي المجتهد لا بد أن يعرف الدليل ويعرف الاستدلال، ويجيب عن أدلة المخالف إذا كان هناك مخالف. فأنت أولاً: طالِبْه بما ذَكَرَ عن ابن القيم، ثم بعد ذلك الحكم في المسألة كما قلتُ لك؛ أي: أن هناك فرقاً بين الإخبار؛ أن فلاناً أفتى بكذا، وبين أن يفتي الإنسان على أنه مستقل بالفتوى، فهذا يكون مجتهداً حكمه حكم المجتهدين. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 27 جواز قتل الحيوان المملوك لمرض ونحوه السؤال تصاب بعض الحيوانات بأمراض أو حوادث أو تهرم عند الإنسان، وهي في ملكه، من المأكولة وغير المأكولة، فهل إذا كانت تتألم ألماً شديداً أو فيها مرض يُخشى من العدوى، هل ينبغي قتلها أو تركها؟ الجواب إذا كان عند الإنسان حيوان مسئول عنه لكونه في مُلكه أو في حوزته ثم أصيب هذا الحيوان بمرض لا يمكن الانتفاع به مع هذا المرض فلا بأس أن يقتله؛ لأنه في هذه الحالة سيكون عبئاً عليه، وسوف نلزمه بالإنفاق عليه، فيكون في ذلك إضاعة للمال؛ لأنه ينفق على شيء لا يستفيد منه. فعلى هذا نقول: لا بأس أن تقتل هذا الحيوان إذا كان مريضاً لا تنتفع منه، أو كان يُخشى منه عدوى ضارة بالحيوانات الأخرى، هذا إذا كان تحت مسئوليتك. أما إذا كان خارجاً عن مسئوليتك بأن يكون هناك حمار أو كلب أو دابة في البر ليس لك عليها ولاية فدَعْها حتى يَقْضِي الله فيها أمراً كان مفعولاً. السائل: وإذا كان من المسئولين الرسميين؟ الشيخ: أما المسئول الرسمي عن مراعاة الحيوانات فهو مسئول كالذي يملكها مباشرة. السائل: والذي أصيب في حادث يقتله؟ الشيخ: نعم. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 28 حكم المريض الذي لا يرجى برؤه إذا مات وعليه صوم السؤال هناك مريض مَرِضَ في رمضان، وبعد رمضان شُفِي قليلاً، ورأى من نفسه أنه قد خَفَّ، وحالته أصبحت جيدة تمكِّنه من الصيام، فقال: أريد أن أصوم؛ لأن عليه أياماً من رمضان، فصام وجرَّب يوماً؛ ولكنه رأى من نفسه أنه مُتْعَبٌ، وقال: إن شاء الله عندما أتعافى تماماً أكمل الصيام، فقبضه الله قبل هذا الوقت الذي حدده ليقضي فيه، فهل يقضي عنه وليه أم ماذا؟ الشيخ: وهذا المرض قديمٌ فيه، أعني: له مدة فيه؟ السائل: نعم، فقد كان مريضاً بالسكر، ثم حصل له هذا. الجواب هذا بارك الله فيك يُطْعَم عنه عن كل يوم مسكيناً؛ لأن تركه الصيام كان لمرضٍ لا يُرجى زواله؛ لأن السكر -أعاذنا الله وإياكم منه- في الغالب لا يزول، فيُطْعَم عن كل يوم مسكيناً. فهذه السنة كان صيامنا تسعة وعشرين يوماً، فيُطْعِم تسعة وعشرين فقيراً. السائل: لم يفطر رمضان كاملاً، أفطر فقط اثنا عشر يوماً. الشيخ: يكون بحسب الأيام، كل يوم له مسكين؛ إذا كان أفطر اثنا عشر يوماً فيُطْعَم عنه اثنا عشر مسكيناً. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 29 حكم حج من لا يصلي السؤال ما حكم حج من لا يصلي؟ الجواب أما سمعتَ كلامنا قبلُ؟! الكافر لا يصح حجه، ولا يجوز أن يدخل حدود الحرم، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] فهذا الذي لا يصلي لا يحل له أن يدخل حدود الحرم، أي: ما كان داخلاً في حدود الحرم لا يجوز دخوله فيه، يُمنع منه. فإذا كان مع رفقة وهو لا يصلي، ويعرف رفقتُه أنه لا يصلي فالواجب عليهم إذا أقبلوا على حدود الحرم أن ينزلوه، فإن أبى كلموا السلطات عنه؛ لأنه كافر، والكافر لا يجوز أن يدخل مكة، ولا يصح إحرامه بالحج، ولا حجه، ولا صيامه، حتى يعود إلى الإسلام، ويصلي. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 30 حكم الجاهل الذي لا يتعلم وواجبنا نحوه السؤال فضيلة الشيخ! نحن رأينا في عامة المسلمين في داخل البلاد وخارجها إعراضاً عن دين الله عزَّ وجلَّ؛ لا يعلمونه ولا يتعلمونه، ونقع في إحراجات كثيرة معهم في مسائل بسيطة في الدين لا يسوغ لمسلم أن يجهلها، فكيف نتعامل مع هؤلاء؟ وهل هم معذورون شرعاً؟ ومن هو الذي عليه المسئولية تجاه هؤلاء؟ الجواب الواجب عليهم أن يتعلموا من دين الله ما يحتاجون إليه؛ فيتعلمون من أحكام الطهارة ما يحتاجون إليها، ومن أحكام الصلاة ما يحتاجون إليها، ومن أحكام الزكاة ما يحتاجون إليها، ومن أحكام الصيام ما يحتاجون إليها، ومن أحكام الحج ما يحتاجون إليها، لا بد. يجب عليهم هذا، وهذا العلم فرض عين كما قاله العلماء. فهُمُ الواجب عليهم أن يسألوا، ووسائل تحصيل العلم اليوم -ولله الحمد- سهلة، فالمواصلات ميسَّرة والاتصالات ميسَّرة؛ المواصلات بالسيارات، فالمسافة التي كان الناس يقطعونها في الأول في يومين يقطعونها اليوم في ساعتين، والاتصالات كذلك ميسرة، فالهاتف موجود؛ يتصلون بالعلماء ويسألونهم، فهم في الحقيقة غير معذورين. ومع ذلك نقول: إن على العلماء واجباً؛ أن يطوفوا بالبلدان التي يكثر فيها الجهل حتى يعلموهم أمور دينهم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبعث الدعاة إلى البلاد ليعلموهم دينهم ويرشدوهم، وأمَرَ مالك بن الحويرث وأصحابه أن يرجعوا إلى أهليهم ويعلموهم ويؤدبوهم. فهنا واجب على العامة، وواجب على العلماء. السائل: أنا أقصد أنهم يتقنون أمور الزراعة والصناعة والأمور الدنيوية. الشيخ: هم يتقنون أمور دنياهم؛ لكن أمور الدنيا ربما يعرفونها بالتجارب، وربما يكونون حريصين على أمور الدنيا أكثر من حرصهم على أمور الدين. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 31 وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس المال السؤال فضيلة الشيخ! أحد الإخوة كان يضع أمواله في البنك، والحمد لله وبفضل من الله عزَّ وجلَّ تاب من ذلك، وكانت الأسهم -كما يقول- سعر السهم منها (100) ريال، وحصل أن خسر هذا البنك، فصار سعر السهم (80) ريالاً، أي: أنهم أعادوا له أقل من رأس المال، وهو يعرف أنه إذا تاب له رأس ماله؛ ولكن قبل ذلك وزَّعوا أرباحاً بخمسة ريالات، وأخذ الأرباح، فهل يتخلص من الخمسة ريالات هذه، أم يجعلها ضمن رأس المال؟ الجواب الواجب عليه أن يتخلص من هذه الخمسة ريالات؛ لأنها في وقتها تعدُّ زيادةً ورباً، فهي ليست أرباحاً بل خسارة. فعليه أن يتصدق بما جاءه من الزيادة قبل التوبة تخلُّصاً منها، لا تقرباً إلى الله بها. السائل: وإن كان في حين توبته أراد أن يصفي فأعطوه الخمسة ريالات؟ الشيخ: نفس الشيء، ما دام أنه الآن خسر فمعنى ذلك أن هذه الزيادة كانت قبل أن يحصل النقص برأس المال. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 32 حكم السلام على المصلي وكيفية رده للسلام السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم السلام على المصلي؟ وكيف يردُّ المصلي إذا سُلِّم عليه؟ الجواب السلام على المصلي لا بأس به إذا لم يُخْشَ أن يشغلَه ذلك عن صلاته، أو أن تَفْسُد صلاتُه برد السلام على المسلِّم؛ لأن من العامة من لا يعرف؛ ربما إذا قلت له: السلام عليكم، قال: وعليكم السلام. والأَولى إذا كنتَ تريد أن تنتظر حتى يَخرج من صلاته ثم تسلم عليه فهذا هو الأفضل، وإذا كنت لا تريد البقاء فاذهب ولا تسلِّم. أما كيفية الردِّ فالردُّ باليد فقط، ترفع يدك إشارة إلى أنك قد فهمتَ، ثم إن بقي حتى تُسَلِّم، فَرُدَّ عليه السلام باللفظ، وإن انصرف فالإشارة كافية. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 33 الأضحية. مقصودها وحكم دفعها إلى البلاد الفقيرة السؤال هل الأفضل في هذا الزمان دفع الأضاحي إلى البلاد الفقيرة أم ذبحها هنا؟ الجواب هذا سؤال مهم وهو دفع قيمة الأضاحي إلى بلاد فقيرة ليُضَحَّى بها هناك، فإن بعض الناس يفعل هذا، بل يزيد على ذلك أنه يضع دعايةً في الصحف أو غير الصحف لحث الناس على بعث الأضاحي إلى بلاد أخرى، وهذا يصدر في الغالب عن جهل بمقاصد الشريعة، وعن جهل بالحكم الشرعي. المقصود بالأضحية: المقصود الأول: هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها: فإن الذبح من أكبر العبادات، بل قرنه الله عزَّ وجلَّ بالصلاة: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] على القول بأن النسك هنا: الذبح. فالذبح نفسه عبادة؛ لا يمكن أبداً أن تحصل هذه العبادة إذا ما أرسلت الدراهم إلى بلاد أخرى ثمناً لأضحيةٍ، وذُبِحَت هذه الأضحيةُ عنك، وقد قال الله تعالى في كتابه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] . المقصود الثاني: أن الإنسان إذا أرسلها إلى بلاد أخرى فإنه يفوته ذكرُ اسمِ الله عليها: وقد قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج:34] فجعل ذكرَ اسمِ الله عِلَّةً لهذه المناسك التي جعلها الله عزَّ وجلَّ، وهذا الذكر سيفوته إن كان الذبح هناك، وربما يذبحها من لا يسمِّي أصلاً. المقصود الثالث: أنه إذا أرسلها إلى الخارج يفوته الأكل منها: وقد قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] والأمر بالأكل منها للوجوب على رأي كثير من العلماء، فإذا أرسلتَها إلى الخارج فاتك القيام بهذا الأمر، سواء كان واجباً أم مستحباً. المقصود الرابع: أنه إذا أرسلها إلى الخارج خَفِيَت الشعيرةُ العظيمة التي جعلها الله تعالى في بلاد المسلمين عوضاً عن الشعيرة العظيمة التي جعلها الله تعالى في مكة، فالشعيرة التي تكون في مكة هي: الهدي، والشعيرة التي تكون في بلاد المسلمين الأخرى هي: الأضحية، فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشعائر؛ ذبح الهدي في مكة، وذبح الأضحية في البلاد الأخرى لِتُقام الشعائر في بلاد الإسلام كلها، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى لمن أراد الأضحية شيئاً من خصائص الإحرام، كتجنب الأخذ من الشعر مثلاً. المقصود الخامس: أن هذه الشعيرة ربما تموت بالنسبة لأبنائنا وبناتنا: فإذا كانت الأضحية في البيت فإن الأهل كلهم يشعرون بها، ويشعرون أنهم على طاعة، فإذا أُرْسِلَت دراهم فما الذي يُدْرِيهم بها؟ فتفوت هذه الشعيرة. فنقول: من الخطأ الواضح أن ترسَل قيم الأضاحي إلى خارج البلاد ليُضَحَّى بها هناك؛ لأن كل هذه المصالح وربما أشياء أخرى لا تحضرني الآن كلها تفوت بهذا الأمر. المقصود السادس: أن الناس يبدءون ينظرون إلى الأضحية نظرةً ماديةً فقط، وهي: إطعام الجائع: وهذا أيضاً ضرر، وقد قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وإذا كنت صادقاً في أن تتعبد لله في الأضحية، وأن تنفع إخوانك المسلمين فضحِّ في بلدك، وأرسل الدراهم والأطعمة والأكسية إلى البلاد الأخرى. ما الذي يمنعك؟! لهذا أرجو منكم -بارك الله فيكم- أن تبينوا للناس أن هذا خطأ، وأن لا يصرفوا قيمة ضحاياهم إلى البلاد الأخرى، بل يضحوا في بيوتهم. ولا يرد على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام وكَّلَ علي بن أبي طالب في ذبح هديه، أو أنه بعث بالهدي من المدينة إلى مكة؛ لأن بعثَه بالهدي من المدينة إلى مكة ضروري، إذْ لا هدي إلا في مكة، فلو ذبحه في المدينة لم يكن هدياً. وأما توكيل علي بن أبي طالب فالرسول عليه الصلاة والسلام وكَّله؛ لأنه مشغول بأمور الناس، فالناس في حاجة إلى أن يتفرغ لهم، ومع ذلك أمَرَ مِن كل بعير بقطعة، فجُعِلَت في قدر فطُبِخَت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ فهو لم يترك الأكل منها. فنرجو -بارك الله فيكم- أن تحرصوا على توعية الناس، وأن تقولوا: إن المسألة ليست مسألة أن الفقير ينتفع من اللحم، بل أهمُّ شيء هو التقرُّب إلى الله في الذبح الذي جعله الله قرين الصلاة، وأنت لا تُمْنَع من نفع إخوانك، فتُرسل لهم دراهم، لا مانع من ذلك. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله. الجزء: 24 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [25] صفة الحج وكذا العمرة واجب على من أراد أن يحج أو يعتمر أن يتعلم أحكامهما حتى يؤديهما على الوجه الشرعي الصحيح؛ حتى يكون عمله مقبولاً مبروراً هذا وقد بين الشيخ -رحمه الله- صفة الحج والعمرة على التفصيل، ثم أردف ذلك بالأجوبة المقنعة الممتعة على الأسئلة التي وردت إليه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 1 أنواع أنساك الحج الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في شهر ذي القعدة عام: (1413هـ) الذي يتم في يوم الخميس، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله وسابقاته لقاء خير وبركه. في الأسبوع الماضي تكلمنا عن شروط وجوب الحج والعمرة. أما اليوم فسنتكلم عن صفة العمرة والحج. فالأنساك الشرعية ثلاثة أقسام: - حج مفرَد. - وحج قِران. - وحج تمتع. فأما الحج المفرَد: فأن يحرم الإنسان بالحج مفرداً، فيقول: لبيك حجاً. وأما القِران: فأن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً، أو يحرم بالعمرة أولاً، ثم يُدْخِل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، كما جرى ذلك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض، فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تُدْخِل الحج على العمرة، وكان ذلك قبل أن تطوف للعمرة. أما التمتع فهو: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج -أي: بعد دخول شوال- بِنِيَّة أن يحج هذا العام، ثم يتحلل منها، ويحرم بالحج في وقته. وهذا الأخير -أعني: التمتع- هو الأفضل؛ لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه أكثر عملاً، فإن المتمتع يأتي بالعمرة كاملة ويتحلل منها، ثم يأتي بالحج، إلا إذا ساق الهدي معه بِأَن اصطحب معه هدياً إلى مكة فإنه لا سبيل له إلا القِران فقط، أو الإفراد؛ لأن مَن ساق الهدي لا يمكن أن يتحلل إلا يوم العيد، ودليل ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حج أمر أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة إلا من ساق الهدي، وبقي هو صلى الله عليه وسلم على إحرامه؛ لأنه قد ساق الهدي. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 2 صفة العمرة أما كيفية العمرة: فالإنسان إذا وصل إلى الميقات تجرَّد من ثيابه واغتسل وتطيب في رأسه ولحيته، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين أو جديدين، وتفعل المرأة كما يفعل الرجل إلا في اللباس، فإنها تلبس ما تلبسه عادةً، وتلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة، ولا تتطيب بالطيب الذي تظهر رائحتُه؛ لئلا يكون في ذلك فتنة. فإذا أتم ذلك فليحرم. وإذا ركب السيارة فليقل: لبيك اللهم عمرة، ولا حاجة إلى أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج، بل يقول: لبيك اللهم عمرة، ونيته كافية. ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة. ثم يعمد إلى الكعبة فيطوف، وهذا الطواف هو الطواف الأول، وفيه ينبغي للرجل أن يضطبع من أول الطواف إلى آخره، وأن يرمُل في الأشواط الثلاثة الأولى. فالاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على كتفه الأيسر في كل الطواف؛ لكن لا يضطبع قبل الطواف ولا بعده، وأما الرَّمَل فيكون في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وهو أن يسرع في المشي مع مقاربة الخُطَا. وفي ابتداء الطواف يستلم الحَجَر الأسود ويقبِّله، فإن لم يستطيع استلمه وقبَّل يده، فإن لم يستطيع أشار إليه ولا يقبِّل يده، ويقول في ابتداء الطواف: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ويجعل البيت عن يساره. ويمسح الركن اليماني بيده اليمنى، فإن لم يستطع فإنه لا يشير إليه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والعبادات لا تثبت بالقياس. ويقول بينه وبين الحَجَر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فإن قالها قبل أن يصل إلى الحَجَر الأسود وذلك فيما إذا كان الطواف زحاماً فإنه يكررها، ولو كررها عشر مرات لا يضر. فإذا حاذى الحَجَر الأسود كَبَّر، ثم يكبِّر كلما حاذى الحَجَر الأسود، ولا يكبر عند الركن اليماني؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فإذا أتم سبعة أشواط التي ينبغي أن يدعو فيها، ويذكر الله، ويقرأ القرآن إن أحب، وإذا رأى منكراً أنكره، وإذا رأى إخلالاً بواجب أمَرَ به؛ لأن هذا من الخير؛ لكن لا يشْغَله عن طوافه، فإذا أتمها صلى ركعتين خلف المقام، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] ، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] مع الفاتحة، ويُسَن تخفيفهما. ثم ينصرف بعدهما فوراً، ولا يجلس للدعاء؛ لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يتجه بعد ذلك إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به، فيرقى على الصفا ويستقبل القبلة، ويرفع يديه داعياً، ويقول: الله أكبر ثلاثاً (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة. ثم ينزل متجهاً إلى المروة حتى يصل إلى العمود الأخضر، فيسعى سعياً شديداً -أي: يركض- إلا إذا كان هناك زحام وتأذَّى بالركض، أو آذى غيرَه فلا يفعل. فإذا وصل إلى المروة صعد عليها، وقال ما قاله على الصفا وهذا شوط. وإذا رجع من المروة إلى الصفا فهذا شوط آخر، حتى يكمل سبعة أشواط. سؤال: ماذا يقول في هذه الأشواط الطويلة؟ الجواب يقول ما شاء من ذكر، ودعاء، وقرآن، وغير ذلك. وأنبِّه هنا أنه يوجد كتيبات فيها الدعاء لكل شوط في الطواف، والدعاء لكل شوط في السعي، وهذه بدعة لا أصل لها ولا يُعمل بها؛ لأن كل بدعة ضلالة. ويوجد أيضاً بعضُ الناس كلما صعد الصفا أو أقبل عليه قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] ، وكذلك في المروة، وهذا خطأ، وإنما يقرأ هذه الآية إذا خرجَ من المسجد الحرام ودنا من الصفا قبل أن يصعد عليها، يقرأها مرة واحدة في أول مرة فقط. ثم بعد السعي يقصِّر من جميع الرأس. وبذلك تمت العمرة وأحلَّ التحلل كله. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 3 صفة الحج إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، فماذا يصنع؟ نقول: أيام الحج هي: الثامن، والتاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر (خمسة أيام) وإن شاء زاد الثالث عشر فتكون ستة، ولننظر ماذا يفعل في اليوم الأول! الجزء: 25 ¦ الصفحة: 4 أعمال الحج في اليوم الثامن في اليوم الأول -يوم الثامن- يحرم بالحج ضُحَىً قبل الظهر من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في مِنى فمن مِنى، وإن كان في عرفة فمن عرفة، من أي مكان كان، فيحرم بالحج من مكانه في أي مكان كان. ثم يخرج إلى مِنى ويبقى فيها، يصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصراً بلا جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجمع في حَجِّه حين خرج إلى الحج إلا في عرفة ومزدلفة فقط. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 5 أعمال الحج في اليوم التاسع فإذا طلعت الشمس يوم عرفة -وهو اليوم التاسع- فماذا يفعل؟ الجواب يذهب إلى عرفة، وإن تيسَّر له أن ينزل بـ نَمِرة نزل إلى زوال الشمس، ثم يركب إلى عرفة، وإن لم يتيسر -كما هو الغالب في الوقت الحاضر- فليستمر في سيره إلى عرفة وينزل فيها، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمع تقديم، ثم تفرغ بعد ذلك للدعاء والذكر؛ يدعو الله سبحانه وتعالى ويذكره بما شاء إلى أن تغرب الشمس. وبهذا تنتهي أعمال اليوم التاسع. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 6 أعمال الحج في اليوم العاشر وفي اليوم العاشر -ومنه ليلة العاشر بعد غروب الشمس- يدفع من عرفة إلى مزدلفة، فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها حتى يصلي الفجر، ثم يذكر الله عزَّ وجلَّ إلى أن يُسْفِر. ثم ينصرف إلى مِنى، فماذا يفعل في هذه الليلة؟ الجواب يصلي المغرب والعشاء في مزدلفة ويبيت بها، ويصلي الفجر، ويدعو، حتى يُسْفِر، وله أن يدفع في آخر الليل من مزدلفة إذا غاب القمر؛ لكن إن كان قوياً لا يشق عليه مزاحمة الناس فإنه يبقى حتى يصلي الفجر ويدعو، وإن كان ضعيفاً يشق عليه مزاحمة الناس، أو كنَّ نساء؛ فإنه لا حرج عليه أن ينصرف في آخر الليل، وليس الحكم معلقاً بنصف الليل، بل في آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ترتقب غروب القمر فإذا غاب دَفَعَت. أما يوم العيد وبعد أن يصل إلى مِنى فعليه أن يفعل ما يأتي: أولاً: رمي جمرة العقبة، بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف ولا يقف. ثانياً: النحر، ينحر الهدي أو يذبحه، إن كان من الإبل فنَحْرٌ، وإن كان من غيرها فذَبْح. ثالثاً: الحلق أو التقصير. رابعاً: الطواف بالبيت. خامساً: السعي بين الصفا والمروة. خمسة أنساك تُفْعَل في اليوم العاشر، ولهذا سُمِّي هذا اليوم (يوم الحج الأكبر) لأنه أكثر الأيام أنساكاً، وهي أنساك متنوعة: رمي، ونحر أو ذبح، وحلق أو تقصير، وطواف، وسعي. وهذه الأنساك مرتبة كما عرفتم: - فيبدأ أولاً بالرمي. - ثم بالنحر أو الذبح. - ثم بالحلق أو التقصير. - ثم بالطواف. - ثم بالسعي. فتُرَتَّب هكذا وإن قدَّم بعضها على بعض فلا حرج، أعني: لو أنه حين دَفَعَ من مزدلفة استمر في السير حتى وصل إلى مكة وطاف، وسعى، وخرج إلى مِنى فرمى، ونحر أو ذبح، وقصر أو حلق فلا حرج عليه، ولو أنه رمى ثم حلق أو قصر، ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى، ثم عاد إلى مِنى ونحر أو ذبح فلا بأس، ولو أنه رمى ثم نحر أو ذبح، ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى، ثم حلق فلا بأس. المهم أن تقديم هذه الأفعال الخمسة بعضِها على بعض لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: (افعل ولا حرج) . إذاً في اليوم العاشر ماذا يفعل؟ الجواب: يفعل خمسة أنساك: - الرمي. - ثم النحر أو الذبح. - ثم الحلق أو التقصير. - ثم الطواف. - ثم السعي. مرتبةً هكذا. وإن قدَّم بعضها على بعض فلا بأس، وإن أخر الطواف والسعي حتى ينزل من مِنى فيطوف ويسعى عند سفره فلا بأس، وفي هذه الحال يجزئ عن طواف الوداع. وإن نزل من مِنى ليلاً وطاف وسعى في الليلة الحادية عشرة أو الليلة الثانية عشرة فلا بأس؛ لكن لِيُلاحِظ أن لا ينزل من مِنى إلا بعد منتصف الليل؛ لأنه لو نزل قبلُ فربما يحجزه السير عن الرجوع إلى مِنى، فيفوته المبيت، فليكن محتاطاً، إما أن ينزل مبكراً في النهار ليتمكن من الطواف والسعي والرجوع إلى مِنى قبل منتصف الليل، أو أن يتأخر حتى يمضي أكثرُ الليل، ثم ينزل ليطوف ويسعى. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 7 أعمال الحج في اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر يرمي الجمرات الثلاث: الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة. - فيرمي الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يقف بعد ذلك مستقبِلَ القبلة، رافعاً يديه يدعو دعاءً طويلاً، كما جاءت بذلك السنة. - ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم ويقف طويلاً مستقبِلَ القبلة، رافعاً يديه يدعو الله عزَّ وجلَّ. - ثم يرمي جمرة العقبة، ولا دعاء بعدها، فجمرة العقبة ليس بعدها دعاء، ولا يوم العيد، ولا الأيام التي بعده. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 8 أعمال الحج في اليوم الثاني عشر -وفي اليوم الثاني عشر يرمي أيضاًَ الجمرات الثلاث متعاقبات: الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، ثم ينصرف. ولا يرمي في هذين اليومين -أعني: الحادي عشر، والثاني عشر- إلا بعد الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمِ إلا بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم) . وبعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر إن شاء تعجَّل ونزل إلى مكة وأنهى حجَّه، وإن شاء تأخَّر إلى اليوم الثالث عشر؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] . الجزء: 25 ¦ الصفحة: 9 أعمال الحج في اليوم الثالث عشر فإذا كان اليوم الثالث عشر، وهو متأخر في مِنى رمى الجمرات الثلاث، كما يرميها في اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر. وبذلك تنتهي أعمال الحج. وإذا أراد الخروج إلى بلده فإنه لا يَخرج حتى يطوف للوداع طوافاً بدون إحرام، وبدون سعي. تقبل الله منا ومنكم ومن جميع المسلمين، ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، إنه جواد كريم. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 25 ¦ الصفحة: 11 حكم المبيت بمنى السؤال بالنسبة للمبيت بـ مِنى هل يلزم المبيت إلى الفجر أم نذهب قبل الفجر؟ الجواب يقول العلماء: لا بد أن يبيت الحاج بـ منى فيها معظم الليل، أي: ثلثا الليل، إما من الأول، أو من الآخر، بمعنى أنه يزيد على النصف. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 12 حكم بيع محصول مزرعة بصك مزرعة أخرى السؤال هناك شخص عنده مزرعتان؛ مزرعة في المدينة ومزرعة هنا في القصيم للقمح، فإذا أراد أن يبيع المحصول يبيعه بصك المدينة للدولة، والدولة لا تجيز ذلك، فهل هذا يجوز؟ الجواب لماذا لا يبيعه بصك القصيم؟! السائل: مزرعة القصيم ليس لها صك. الشيخ: أولاً: هذا السائل -كما عرفتم- يزرع في أرض ليس فيها صك، ويقدم المحصول باسم أرض فيها صك؛ ولكن ليس فيها زرع. سؤالي الآن: هل هذا كَذِبٌ أم صِدْقٌ؟! أسألك! السائل: كَذِبٌ. الشيخ: كَذِبٌ! وتحصيل المال عن طريق الكذب حلالٌ أم حرام؟! السائل: حرام. الشيخ: حرام! إذاً لا يحل هذا الشيء، والرزق لا يُسْتَجْلَب بالمعاصي، فإذا عرفتَ فاتقِ الله وأطعه، لقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] . السائل: والصك من كلتا الأرضين ملكه؟ الشيخ: نعم؛ لكنه ما قدَّم إلا باسم الأرض التي لم تُزرع، فسيقول -مثلاً-: زرعتُ في الأرض الفلانية في المدينة وهو لم يزرع، نعم لو قبلوا بلا تعيين لو قال: هذا زرعتُه في ملكي بلا تعيين فلا بأس لو قال: هذا الزرع من أرضٍ لي أو بستان لي ولم يعين فلا بأس؛ وفي هذه الحالة لا بد أن يعين. السائل: لكن لو قدَّم صك المدينة فسيتضح أنه زرع في المدينة. الشيخ: نعم، بلا شك فيكون هذا كذباً. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 13 حكم الحج عن الغير السؤال فضيلة الشيخ! مرَّ في درس ماض مسألة إعطاء الحِجَّة إلى الغير، وجاء سؤال على الموضوع، وأفتيتم -جزاكم الله خيراً- بأن مَن أخذ دراهم ليحج بها عن الغير فله أن ينوِّب عنه إنساناً آخر، فيكون هذا مدعاةً إلى أن يختار الناسُ شخصاً بعينه، ولا يختارون الحِجَّة نفسها؛ لأن بعض الأشخاص يطلبون بالمعروف، ويحج بنيته، وبعضهم يطلب بالمعروف أن يحج هو فلا يسمحون له! الجواب الظاهر لي أنك فهمتَ خطأً؛ لأنه لا يجوز للإنسان إذا أُعْطِي حجاً أن يقيم غيره مقامَه إلا بعد مراجعة صاحبه، أو إذا قيل له: خذ هذه الدراهم وأعطها من تراه صالحاً، أما إذا عَقَدَ معه على أنه هو الذي سيحج، فإنه لا يجوز أن يعطيها غيره؛ لأنني ربما أختار هذا الرجل ولا أختار الآخر. هذا هو الواقع. أما ما ذكرتَ فربما فاتك شيء من الكلام. السائل: سأعطي -يا شيخ- مثالاً على هذا: للإنسان أن يستأجر بيتاً، وله هو بدوره أن يؤجر هذا البيت من الباطن بأكثر مما استأجره لنفسه! الشيخ: هذا قياس مع الفارق. السائل: لكن هذا المثال مرَّ مع السؤال نفسه في الدرس المذكور. الشيخ: ولكنه قياس مع الفارق؛ لأن سُكْنى البيت لا يهم المؤجر إن سكنه زيدٌ أو عبيد، ولهذا قلنا: بشرط أن لا يكون المستأجر الثاني أكثر ضرراً من المستأجر الأول. فهذا غير هذا. فالمهم أنه إذا كان الشيء المؤجَّر تتفاوت فيه الرغبات؛ فإنه لا يجوز للمستأجر أن يعطيه غيره، مثال ذلك: افرض أني استأجرتك لتنسخ لي كتاباً، فحينئذٍ لا يجوز أن تعطيه غيرك لينسخه؛ لأنني ربما أختار كتابتك ولا أختار كتابة الآخر، وهكذا الحج. مداخلة: يا شيخ! تكملة لهذا السؤال: لو أن إنساناً أتاني وطلبني بالمعروف، وقال: حج عني بنيتي، فهل لي من أجر؟ الشيخ: أنا قلتُ لكم في أثناء الدرس: أن الإنسان إذا أخذ الحج لأجل قضاء حاجة صاحبه، فما يحصل له هو من الخير في المشاعر فهذا طيب، يؤجر عليه الإنسان. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 14 عدة المرأة المتوفى عنها زوجها السؤال هناك رجل توفي، وله زوجتان، وبعد وفاته أنجبت إحدى زوجاته ولداً، والزوجة الثانية عاقر لا تنجب منذ أن تزوجها، فهل للولد أن يُخْرِج أمه بولادته هذه عن العدة؟ الجواب إذا كان لرجل زوجتان إحداهما حامل، ثم مات، فوضعت الحامل بعد مُضْي أسبوعٍ مثلاً. السائل: يومين! الشيخ: أو يومين، انقضت عدتها، وانقضى إحدادها، والثانية تبقى حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت حاملاً فحتى تضع، فربما لا تضع إلا بعد عشرة أشهر، المهم أن كل واحدة لها حكم نفسها. السائل: أي: لا تمنعها الزوجة الثانية الباقية في عدتها! الشيخ: لا تمنعها الزوجة الثانية. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 15 فضيلة صلاة الجماعة وإن كانت في البيت السؤال رجلان صاحبا مزرعة، ولهما مسجد صغير، فمرض أحدهما ولم يستطع الذهاب إلى المسجد، والآخر هل يذهب ويصلي في المسجد منفرداً أم يصلي مع صاحبه في بيته؟ الجواب هل المسجد يأتيه أحد؟ السائل: لا. المسجد صغير لهما فقط. الشيخ: وليس هناك مارَّة يمرُّون من عند المسجد؟ السائل: لا. هما في مزرعة بعيدة عن الإسفلت. الشيخ: إذاً: يأتي مع صاحبه، ويصلي معه جماعة في بيته أفضل من كونه يصلي في المسجد منفرداً. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 16 حكم رفع القدمين أثناء السجود السؤال يُشاهَد على بعض المصلين أنه في أثناء سجوده يرفع إحدى قدميه أو كليهما، فما حكم هذا الفعل؟ الجواب لا يجوز للساجد أن يرفع شيئاً من أعضائه السبعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أُمِرْنا أن نسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين) ، فإذا رفع رجليه أو إحداهما، أو يديه أو إحداهما، أو جبهته أو أنفه أو كليهما، فإن سجوده يبطل، ولا يُعْتدُّ به، وإذا بطل سجوده ولم يأتِ ببدله على وجهٍ مشروع فإن صلاته باطلة. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 17 الاشتراط في الحج السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للاشتراط في الحج، هل هناك حالات معينة يَشْتَرِط فيها الحاج ويقول: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي؟ الجواب الاشتراط في الحج أن يقول عند عقد الإحرام: إن حَبَسَنِي حابسٌ فمحلي حيث حَبَسْتَنِي. وهذا الاشتراط لا يُسَنُّ إلا إذا كان هناك خوف مِن مرض أو امرأة تخاف من الحيض، أو إنسان متأخر يخشى أن يفوته الحج، ففي هذه الحالة ينبغي أن يشترط، وإذا اشترط وحصل ما يمنع من إتمام النسك، فإنه يتحلل وينصرف ولا شيء عليه. أما إذا كان الإنسان غير خائف فالسنة أن لا يشترط، بل يعزم، ويتوكل على الله، ويحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 18 حكم صلاة المغرب والعشاء بعد منتصف الليل في المزدلفة السؤال فضيلة الشيخ! إذا وصلتُ إلى مزدلفة بعد منتصف الليل، فهل يجوز لي أن أصلي المغرب والعشاء هناك، أم الأفضل أن أصليها قَبْلُ؟ الجواب إذا خشي الإنسان بعد انصرافه من عرفة أن لا يصل إلى مزدلفة بعد منتصف الليل فإن الواجب عليه أن يصلي ولو في الطريق، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد منتصف الليل؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 19 التفصيل في تداخل السنن السؤال هل السنن تتداخل في بعضها؟ مثل مَن أراد سنة الوضوء فإنه يدخلها في سنة الضحى! الجواب نعم. يصح ذلك؛ لأن بعض السنن تكون مقصودة بذاتها، فهذه لا تتداخل، وبعض السنن يكون المقصود منها تحصيل الصلاة فقط، فمثلاً: سنة الوضوء المقصود بها أن تصلي ركعتين بعد الوضوء؛ سواء سنة الوضوء أو ركعتي الضحى، أو راتبة الظهر أو راتبة الفجر، أو السنة التي تكون بين الأذان والإقامة؛ لأن بين كل أذانين صلاة، وكذلك تحية المسجد يجوز إذا دخلتَ المسجد أن تصلي بنية الراتبة وتغني عن تحية المسجد. أما إذا كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تتداخل، ولهذا لو قال قائل: سأجعل راتبة الظهر الأولى -التي هي أربع ركعات- ركعتين وأنويها عن الأربع، نقول له: لا يصلح؛ لماذا؟ لأن السنة هنا مقصودة بذاتها، بمعنى أن تصلي ركعتين ثم ركعتين. وهكذا أيضاً سنة الطواف مع سنة الفجر، مثلاً: لو انتهى الإنسان من طوافه بعد أذان الفجر وقبل الإقامة، فنوى بالركعتين سنة الطواف وراتبة الفجر فإنها لا تغني إحداهما عن الأخرى؛ لأن سنة الطواف سنة مقصودة بذاتها، وسنة الفجر سنة مقصودة بذاتها. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 20 حكم تقديم اليدين على الركبتين عند السجود السؤال عندما يخر العبد للسجود، هل يقدم يديه أم ركبتيه؟ وما الراجح في هذا؟ الجواب إذا خر الإنسان للسجود فإنه يقدم ركبتيه، ولا يقدم يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرُك كما يبرك البعير) ، والبعير إذا برك يقدم يديه كما هو مشاهَد، فالحديث ليس لفظه: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، بل لفظه: (فلا يبرك كما يبرك البعير) ، وفرق بين العبارتين. فإذا قيل: (فلا يبرك كما يبرك البعير) فهو نهي عن الهيئة والكيفية. وإذا قيل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، فهو نهي عن العضو الذي يسجد عليه. وعلى هذا لو كان لفظ الحديث: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير لقلنا: لا تقدم الركبتين؛ لأن البعير يقدم الركبتين؛ ولكنه قال: (فلا يبرك كما يبرك البعير) أي: في الكيفية والهيئة، ومعلوم أن البعير عندما يبرك أول ما يقدم يديه؛ لكن إذا كان الإنسان فيه أوجاع في ركبته، أو فيه مرض، أو كان ثقيل الجسم، وكان نزوله على يديه أسهل فلا بأس أن يقدم يديه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 21 الجمع بين حديثي: (فر من المجذوم) وحديث: (لا عدوى ولا طيرة) السؤال كيف نجمع بين الحديثين: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) و (لا عدوى ولا طِيَرة) ؟ الجواب الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ، وقوله: (لا عدوى ولا طِيَرة) هو أنه عند التأمل لا تعارض بينهما. فالحديث الأول: (فر من المجذوم) أراد به النبي عليه الصلاة والسلام أن يتجنب الإنسان أسباب الخطر. والحديث الثاني: أراد أن يبين أنه لو فرض أنه حصل له عدوى فإن هذه العدوى حصلت بإذن الله، وليست كما يعتقده العرب، من أنها تعدي بنفسها، بل هي بأمر الله عزَّ وجلَّ، فيكون النفي في قوله: (لا عدوى ولا طِيَرة) أي: نفي تأثيرها إلا بإذن الله لا نفي وجودها، بل العدوى موجودة، كلٌّ يعرف أن بعض الأمراض سريعة العدوى. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 22 حكم من هم بسيئة فلم يعملها أو هم بها فعملها السؤال يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] ، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في آخر الحديث: (وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة) كيف نجمع بين الآية والحديث؟ الجواب الجمع بين الآية والحديث من أحد وجهين: الوجه الأول: أن قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج:25] أي: من يهم فيفعل، لقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام وهي مكية: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160] ولم يقل: ومَن هَمَّ، بل قال: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [الأنعام:160] فيكون المعنى: مَن يرد فيه بإلحاد بظلم ويفعل، وعلى هذا فلا تعارض. الوجه الثاني: أن يقال: إن قوله: (ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة) هذا في غير مكة وتكون مكة مستثناة من ذلك، أي: أنه يؤاخذ الإنسان فيها بالهم، وفي غيرها لا يؤاخذ. ولكن هنا نسأل: إذا هم بالسيئة وتركها، هل يؤجر على كل حال؟ لا. يؤجر إذا تركها لله، ولهذا جاء في تعليل هذا الحديث: (فإنه إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي؛ لأن من هم بالسيئة ولم يعملها تختلف أحواله: الأولى: إذا هم بالسيئة فتركها لله عزَّ وجلَّ فإنه يُثاب، ولا سيما إذا كانت هذه السيئة تدعو إليها النفس دعوة شديدة فإنه يثاب أكثر، ولهذا جاء في الحديث: أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله) ترك المعصية مع قدرته عليها خوفاً من الله. الثانية: أن يترك السيئة التي هَمَّ بها خجلاً من الناس لا خوفاً من الله، فهذا لا أجر له، بل قد يأثم على ذلك؛ لأن الترك -أعني: ترك المعصية- عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله. الثالثة: أن يدعها عجزاً عنها، فهذا يعاقب على نيته السيئة، ولا ينفعه عدم الفعل؛ لأنه غير قادر. الرابعة: أن يدعها عجزاً عنها مع فعل الوسائل التي توصل إليها، فهذا يُكْتَب عليه وزر الفاعل، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار! قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) . فترك المعصية ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول: أن يتركها خوفاً من الله، فهذا يؤجر. الثاني: أن يتركها خوفاً من الناس، فهذا يأثم. الثالث: أن يتركها عجزاً دون أن يفعل الوسائل التي توصل إليها، فهذا أيضاً يأثم بالنية. الرابع: أن يتركها عجزاً مع فعل الوسائل التي توصل إليها؛ لكن لا يتحقق مراده، فهذا يكتب عليه إثم الفاعل. أما مَن لم يهم بالسيئة، ولم تطرأ له على بال، فهذا ليس عليه إثم وليس له أجر. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 23 تخصيص الصحابة بوجوب التمتع في الحج دون غيرهم السؤال فضيلة الشيخ! قلتم: إن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمتع واجب على الصحابة فقط، ما دليل الصرف هذا مع أن القاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ الجواب الدليل: حديث أبي ذر في صحيح مسلم: كانت لنا خاصة، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وأكابر الصحابة لم يَمْنَعوا من غير التمتع، ولا شك أنهم هم أعلم منا بمراد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأعلم من ابن عباس بمراد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأعلم ممن بعد ابن عباس إلى يومنا هذا. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 24 ضابط في معرفة البدعة السؤال فضيلة الشيخ! في الأسبوع الماضي قدمنا سؤالاً، وكنتُ رسولاًَ ممن خلفي، وسألنا عن اللوحات في الشوارع، وهي: سبحان الله، والحمد لله، فقال قائل منا: أليست بدعة؟! أفعلها الصحابة؟! فما هو ضابط البدعة عفا الله عنك؟ الجواب البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه الله عزَّ وجلَّ هذه هي البدعة. أما وسائل العبادة فإنها ليست ببدعة، فهناك فرق بين المقاصد والوسائل، فلو قال قائل -مثلاً-: مكبر الصوت في الصلاة والخطبة والمواعظ كان غير موجود في عهد الرسول، فهو بدعة! لقلنا: هذا غلط؛ لأن ذلك وسيلة لإيصال الخير إلى الناس. وهذه اللافتات التي توجد في الطرقات وسيلة لتذكير الناس بذكر الله عزَّ وجلَّ. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 25 استنقاذ أموال الناس من اللصوص السؤال ثَمَّة عصابةٌ في بلدةٍ تسرق الناس، وقد استفحل خطرها، وليس في تلك البلدة رجال أمن، وأحد الناس يعرف وكرها ومخبأها، فهل يجوز لهذا الرجل الذي يعرف وكرها مع أناس شجعان أن يأخذوا هذه الأموال خِلْسَةً منهم، ويعرِّفونها أو يعرِفون أصحابها فيرسلونها إلى أصحابها، أم أن خِلْسَتَهم هذه تعتبر سرقة كذلك؟ الجواب الرجل إذا رأى المال المسروق وهو يعرف صاحبه، فإنه يجب عليه وجوباً أن يستنقذه من السارق، فإذا ذهب هؤلاء الجماعة إلى أوكار هؤلاء السُّرَّاق، وأخذوا أموال الناس ليردوها إلى الناس فهم على خير كثير، ولهم أجر كبير، فليفعلوا ذلك ما استطاعوا. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 26 حكم المبيت خارج منى السؤال بالنسبة لحدود مِنى، بعض الناس مِن الذين لا يعرفون مِنى وليسوا من أهل مكة يسكنون خارج سيل الجبال داخل مِنى، أي: عند حد السيارات الآن، الذي يتم فيه إخراج السيارات من داخل مِنى، فلستُ أدري هل هذا المكان يعتبر من مِنى؟! وهل يُعفى عنهم في ذلك أم لا؟! المهم أنه قد أنكر عليهم بعض الناس، ولم يستجيبوا، وقالوا: إلا أن يكون هناك فتوى من سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، أو من هيئة كبار العلماء! الجواب الواجب على الإنسان أن يحتاط لدينه بأن يبحث بحثاً دقيقاً عن مكان له في مِنى، فإذا لم يجد فقد قال الله عزَّ وجلَّ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، فإذا لم يجد سقط عنه الوجوب؛ لأنه عاجز. وقال بعض العلماء: إذا مُنع المبيت في مِنى فإنه يسقط عنه وجوب المبيت؛ لكن يجب عليه البدل، وهو فدية يذبحها ويوزعها على فقراء مكة. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 27 أفضل الأدعية في يوم عرفة السؤال ما أفضل الأدعية في يوم عرفة؟ الجواب أفضل الذكر يوم عرفة وغيره: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. والذكر دعاء؛ لكنه دعاء ضمني؛ لأن مَن أثنى على الله بذكره عزَّ وجلَّ فلسان حاله يقول: يا رب، أثبني على هذا الذكر؛ ولهذا قال بعض العلماء: إن الذكر دعاء في الواقع؛ لأنك لو سألتَ ذاكراً: لماذا ذكرتَ الله؟ لقال: ليثيبني. لكن إذا دعا الإنسان بالدعاء الذي يريد، مثل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] أو يختار أدعية من القرآن، أو من السنة، فهذا طيب، ولا أعلم دعاءً خاصاً لعرفة، بل يقول الإنسان ما تيسر، إن علم من الأدعية التي في القرآن أو في السنة شيئاً فلْيَدْعُ بها؛ لأنها خير الأدعية، وإن لم يعلم فبما أراد. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 28 كيفية فتنة الكفار للمؤمنين السؤال يقول الله سبحانه وتعالى: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة:5] فكيف يكون المسلم فتنة للذين كفروا؟ الجواب يكون فتنة للذين كفروا بتسلُّط الكفار عليه؛ لأن تسلط الكفار على المؤمن فتنة، حيث إنهم يؤزَرون على ذلك ويأثمون عليه، فيكون ذلك فتنة لهم. ويحتمل أن معنى {فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة:5] أي: أن يفتنونا هم عن ديننا، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] . والآية تشتمل المعنيين جميعاً؛ لأن المعنيين لا ينافي أحدهما الآخر، والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 29 التوسل بالعمل الصالح لأكثر من حالة السؤال هل للإنسان أن يتوسل بالعمل الصالح لأكثر من شيء ولأكثر من حالة؟ الجواب نعم. يمكن أن يتوسل بالعمل الصالح لعدة أمور {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:173-194] هذه عدة أشياء توسلوا إلى الله بالإيمان لتحصل لهم. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 30 مشروعية التجارة مع أداء فريضة الحج السؤال هل يجوز أن يذهب رجل إلى مكة للتجارة بجانب أداء فريضة الحج؟ الجواب نعم. يجوز للإنسان أن يذهب إلى مكة بنية التجارة والحج، لقول الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198] ؛ لكن ينبغي له أن يُغلِّب جانب الحج. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 31 الهيئة التي يجب بها سجود السهو السؤال هل يشترط للإمام في الصلاة الرباعية أن يسجد سجود السهو بمجرد قيامه، أو بوصوله إلى القيام؟ الشيخ: قصدُك الزيادة؟ السائل: نعم، الزيادة. الشيخ: الزيادة لا تتحقق إلا إذا وصلتَ إلى الركن الذي بعد الذي قمتَ منه، فمثلاً: لو أن الإنسان نهضَ في الرباعية ليقوم إلى الخامسة، ثم ذكر قبل أن يعتمد، فإنه يجلس ولا سهو عليه؛ لأنه لم ينتقل إلى الركن الذي يليه. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 32 حكم إجبار الإمام على جمع الصلاة السؤال ما الحكم إذا أجبر الإمام على جمع الصلاة؟ الشيخ: من يجبره؟! السائل: جماعة المسجد! الشيخ: لا يمكن أن يجبر الإمام على الجمع؛ الإمام إمام، وهو سلطان في مسجده، فإذا قال له الناس: اجمع، نظر، إن كان الناس في حال يسوغ لهم فيها الجمع وجب عليه أن يجمع؛ لأنه ولي، والولي يجب عليه أن يفعل ما هو أرفق بمن هم تحت يده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أمَّ أحدُكم الناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطوِّل ما شاء) . فإذا طلب منه الجماعة أن يجمع والجمع سائغ وَجَب عليه أن يجيب؛ لكنه بنفسه يجوز له أن يجمع ويجوز له ألا يجمع، مع وجود المسوِّغ، وإذا طلب منه الجماعة أن يجمع وليس الحالُ بِمُسَوِّغ للجمع، فإنه لا يجوز له أن يقبل منهم، ويقول: أنا لا أجمع؛ لأني لا أرى الجمع، فإن أصروا وقالوا: إما أن تصلي بنا جمعاً وإلا صلينا نحن، يقول: صلوا أنتم، أما أنا فلا أجمع. وإن خاف من فتنة في مثل هذه الحال فليصلِّ بهم، وينويها نفلاً، هذا إذا خاف من فتنة، والمسألة ممكنة ولو على وجه بعيد، أن يكون هناك مسوِّغ للجمع. أما إذا لم يكن هناك مسوِّغ فإنه لا يجوز أن يجمع، وعليه أن يقول لهم: يا جماعة، هذا حرام؛ أن أجمع بدون مسوِّغ؛ لأن الله قال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] والنبي عليه الصلاة والسلام فسَّر هذا الوقت، وجعل لكل صلاة وقتاً معيناً. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 33 وجوب العدل بين الأولاد في العطية السؤال هناك رجل لديه ثلاث عمارات، ولديه زوجتان، وله من إحدى الزوجتين بنت، وله من الزوجة الثانية عدة أبناء، فكتب إحدى هذه العمارات باسم ابنته الوحيدة التي من إحدى زوجاته، وكان ذلك سراً بينه وبين هذه البنت، دون أن يعلم إخوانها من الزوجة الأخرى! فهل هذا جائز؟ الشيخ: تعني: أنه أوصى لها بها، أم أعطاها لها هبة؟ السائل: هبة. الشيخ: حال حياته. السائل: نعم. الشيخ: ما فعله هذا الرجل حرام عليه، بمعنى أنه لا يجوز له أن يخصص أحداً من أبنائه أو بناته بشيء من ماله؛ لأن البشير بن سعد رضي الله عنه حينما أعطى ابنه النعمان عطية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: (هل فعلت ذلك بكل ولدك؟ قال: لا. فقال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فرجع البشير في هبته للنعمان، وأخذها منه. فإذا كان الرجل حياً فبلغه أن هذا حرام، فيجب أن يعود فيما فعل، وأن يمزق الوثيقة، وأن يجعل المسألة راجعة إلى حكم الله عزَّ وجلَّ، فإذا قدر الله عليه أن يموت، وكانت البنت باقية ورِثَت مع إخوانها ما تستحقه في دين الله، وربما تموت قبله. فأنت على كل حال بلِّغ -إن شاء الله- وانصح. السائل: وإذا أصرَّ؟ الشيخ: أنت بلِّغه فحسب، إنما عليك البلاغ. السائل: قصدي إذا أصر على أنه لن يرجع في هذه الهبة، ثم توفي، هل تنفُذ؟ الشيخ: تُرَدُّ في الميراث، ويُجعلُ الميراثُ سواء. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 34 تفسير المتأخرين للقرآن السؤال هل إذا فسر أحد الخلف آيات قرآنية بآيات أُخَر، وكان مقنِعاً مفحِماً، هل نرد تفسيره؛ لأن السلف كان لهم تفسير مخالف لهذا؟ الجواب إذا فسر المتأخرون الآية بتفسير لم يتكلم فيه السابقون، وكان لا يخالف، فإنه يؤخذ به، مثل تفسير كثير من الآيات الكونية بما ثبت الآن مما كان مجهولاً من قبل. أما إذا كان يخالف ما كان عليه السلف مخالفةً واضحة كتفسير (الاستواء على العرش) بـ (الاستيلاء على العرش) ، فهذا يجب أن يُرَدَّ، ولا يجوز قبوله. السائل: التفسير كان في سورة يوسف بالنسبة ليوسف عليه السلام، حيث قال السلف: إنه كان وزيراً للمالية، وقال المعاصرون: إنه لم يكن وزيراً للمالية وإنما كان هو الملك أو العزيز. الشيخ: أما العزيز فليس هو العزيز؛ لأن الله قال: {قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51] . السائل: ولكن صار فيما بعد هو العزيز. الشيخ: ربما، فهذه المسألة هل كان ملكاً أو كان وزيراً للمالية فقط، إن نظرنا إلى قوله تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] ، قلنا: إنه وزير مالية. وإذا نظرنا إلى قول الملك: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف:54] قلنا: هو أيضاً مستشار خاص. وإذا نظرنا إلى تصرفه فيما بعد: {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ} [يوسف:62] ، وما أشبه ذلك من التصرفات، قلنا: لعله في النهاية صار هو الملك، سواءً بموت العزيز، أو بتخليه عن الملك، والله أعلم. السائل: عفواً يا شيخ! هو لَمَّا قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف:55] استدل هذا الرجل المفسِّر المعاصر بأن الخزائن هي: السلطة العليا، واستدل بآيات كثيرة، منها: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون:7] ، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر:21] فاستدل بأنها هي السلطة العليا، وليست مجرد وزارة المالية. الشيخ: هذا غلط منه؛ لأن قوله: {خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون:7] مضاف ومضاف إليه، والمضاف ليس هو المضاف إليه، فالسماوات شيء، وخزائنها شيء آخر. وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر:21] نفس الشيء، فالمضاف والمضاف إليه شيئان مختلفان. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 35 حكم حلق الشعر في الحج السؤال الجمهور قاسوا في أيام الحج بقية الشعر على حلق شعر الرأس أنها لا تُنْتَف ولا تُحْلَق، ألا يمكن أن يُستدل لدخول بقية الشعر في النهي عن حلقه بقول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] ، لا سيما أن ابن عباس ذكر في تفسير هذه الآية أن المقصود: حلق الشعر، وتقليم الأظفار، ونحو ذلك؟ وهذا إباحة بعد نهي! الجواب لا يُستدل به، ولا يدل على المنع، بل يدل على أنه يُطْلَب من الإنسان أن يتنظف بعد فراغه من الحج، كما لو قلنا -مثلاً-: يُطلب يوم الجمعة أن تتنظف بتقليم الأظفار أو نحو ذلك، فلا يعني ذلك أنه ممنوع في بقية الأسبوع، فليس فيه دليل. لكن لا شك أن القول للناس بأن يتركوا هذه الأشياء من باب الاحتياط، وتعويدِهم على تعظيم الشعائر لا شك أنه خير. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 36 حكم وضوء من كان على جسمه زيت ونحوه السؤال ما صحة وضوءِ مَن لَبَّدَ رأسه بزيت أو وضع على جسمه شيئاً من الزيت؟ الجواب مَن لَبَّدَ رأسه بزيت أو حناء أو نحوهما فلا بأس، ويمسح عليه، وإن لم يصل الماء إلى الشعر؛ لأن هذا مما يُتَسامَح فيه؛ بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في إحرامه مُلَبِّداً. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 25 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [26] في هذه المادة أمور ينبغي مراعاتها في الحج والعمرة، وأهمية استغلال الأمة لمعالمها وتاريخها، ثم تأتي الإجابة عن الأسئلة الواردة. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 1 أمور ينبغي مراعاتها في أداء مناسك الحج والعمرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في هذا العام (1413هـ) الذي حصل بعد موسم الحج، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا عامنا هذا بالمغفرة والعفو والرضوان، وأن يختم حياتنا بالتوحيد والإيمان. إننا نذكركم نعمة الله سبحانه وتعالى على الحجاج في هذا العام، فإن هذا العام ولله الحمد من أيسر الأعوام على الحجاج، بالنسبة للسير ولتهيئة المشاعر وللجو اللطيف الذي لم يكن فيه مشقة. ونذكركم أيضاً بأن الحج نوعٌ من الجهاد في سبيل الله فلا بد فيه من المشقة، وكثير من المترفين التالفين إذا رأوا أدنى مشقة عليهم خرجوا من النسك وتحللوا منه ورجعوا إلى بلادهم، وكأنهم يريدون أن يكون النسك نزهة، كما يخرجون إلى المنتزهات والأودية والرمال ورءوس الجبال، وهذا من سفههم، فإن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه، حيث قال عز وجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة:195-196] ولهذا كان من شَرَع في الحج أو العمرة ولو كان نفلاً لزمه إتمامهما، كما أن من شرع في الجهاد والتقى الصفان فإنه لا يحل له أن يفر، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] . كما أذكركم بأن الحج عبادة عظيمة ومسئولية كبيرة، فلا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بحيث يخرج إليها وهو لا يعلم شيئاً عن واجباتها وأركانها ومحظوراتها؛ لأنه يخطئ، فإذا أخطأ ثم جاء يسأل عن هذا الخطأ بعد أن وقع فربما يكون خطأً لا يمكن تلافيه، ونضرب لهذا مثلاً: بعض الناس عندما رأى الزحام في المطاف صار يدخل ما بين الحِجر والكعبة؛ لأنه أقصر وأسهل، وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن الإنسان إذا فعل ذلك فإن شوطه الذي حصلت فيه هذه المخالفة غير صحيح، وإن كان هذا العام -كما ذكر لي- قد وضع المسئولون على باب الحِجر من الناحية الشرقية شباكاً بحيث لا يتجاوزه أحد، ولكن ربما يكون هناك غفلة من بعض الناس فيزيح هذا الشباك ويدخل. فالمهم أن يحتاط الإنسان لهذا النسك قبل أن يدخل فيه، وأن يحتاط لهذا النسك بعد الدخول فيه، فإذا وقع في شيء يرى أنه مخالف فعليه أن يبادر بالسؤال عنه ما دام في مكة، حتى يسهل عليه تلافي الخطأ وتكميل النسك، ولا يسأل إلا من يطمئن إلى علمه وأمانته، كما أن المريض لا يذهب إلى أي شخص كان ليعالجه؛ بل لا يذهب إلا إلى من يرجو منه المعالجة الصحيحة السليمة. فكذلك في مسائل العبادة لا يجوز للإنسان أن يسأل إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للإجابة؛ لكونه يعرف أنه عالم وأمين وثقة، حتى يكون على بصيرة من أمره، وما أكثر الذين يبلغنا عنهم إجابات في الحج والعمرة لا أساس لها، لا من السنة ولا من أقوال أهل العلم، بل هي خطأ محض، لكن العامي كالغريق يتشبث بكل شيء، فإذا وجد من يرى أنه من أهل العلم إما لهيئته أو لباسه أو ما أشبه ذلك ذهب يسأله مع أنه جاهل فيضله. كل هذه مسائل يجب على الإنسان أن يلاحظها ليس في الحج فقط؛ بل في الحج والصيام والزكاة والصلاة والطهارة وغيرها، حتى يعبد الله على بصيرة. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 2 خطر العدول عن التاريخ الهجري إن المسلمين حين كثروا وانتشروا في الأرض وحدثت لهم معاملات وأحوال غير الحال الأولى احتاجوا إلى أن يجعلوا تاريخاً يمشون عليه، وكان ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمنهم من قال: نبتدئ تاريخ السنة من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي أُنزل فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي أول ما نزل؛ ولأنه الشهر الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وكوَّن الدولة والأمة، ولكن استقر الرأي على أن يكون أول السنة شهر المحرم؛ لأنه حين ينتهي الناس من موسم الحج وينصرفوا عنه. والحج كما نعلم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فيكون المسلمون قد أنهوا هذا الركن العظيم واستراحوا بعده ولاسيما فيما سبق من الزمن، حيث كانوا يتعبون في الوصول إلى مكة وفي الرجوع منها، فرأوا أن ابتداء السنة يكون في الشهر المحرم، وهذا الرأي رأي موفق وسديد، ولا ينبغي لنا نحن معشر المسلمين أن نتحول عنه إلى تاريخ الأمة الكافرة التي تبني ميقاتها على أشهر وهمية ليس لها أصل وإنما هي اصطلاحية فقط، ثم ينبغي لنا أيضاً ألا نعتبر السنوات الميلادية؛ لأن لدينا السنوات الهجرية التي هي رمز عزتنا وقوتنا وكرامتنا. وإننا لنأسف أن بعض الناس اليوم وهم قلة ذهبوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، وتنكبوا عن تاريخهم الهجري الإسلامي الذي وضعه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق عليه المسلمون، ولم نجد أحداً من العلماء يؤرخ فيما سبق بالتاريخ الميلادي أبداً، إنما يؤرخون بالتاريخ الهجري، تولى الخلافة سنة كذا وكذا، يعني: من الهجرة، ولد العالم الفلاني في سنة كذا وتوفي سنة كذا، حصل كذا في سنة كذا وكذا، بالتاريخ الهجري الذي وضعه الخليفة الثاني الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذه الكتب الآن تجد الإنسان إذا انتهى من المُؤلف قال: انتهى من تأليفه في يوم كذا، في شهر كذا من سنة كذا، كله بالهجرية، لكن دخلت الميلادية على المسلمين لما استعمر النصارى بلاد المسلمين في الشام ومصر والعراق وصارت لهم الغلبة والسيطرة؛ لأن العادة والطبيعة والفطرة تقتضي أن المغلوب يقلد الغالب، ولهذا أخذوا بهذا التاريخ، لكن هذه الدولة - السعودية باعتبارها دولة- قد جعلت تاريخها كما في نظام الحكم الصادر تاريخها هو التاريخ الهجري، وهذا لا شك أنه خير، لكن نأسف لبعض الناس الذين تنكبوا هذا وصاروا يؤرخون بالتاريخ الميلادي، مع أن نظام الدولة أن تاريخها هو التاريخ الهجري، بل نظام الأمة الإسلامية منذ وُضع هذا التاريخ في عهد عمر إلى يومنا هذا. فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم اتباع سلفنا الصالح عقيدةً ومنهاجاً، وأخلاقاً وآداباً ومعاملة؛ إنه على كل شيء قدير. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 3 الأسئلة الجزء: 26 ¦ الصفحة: 4 حكم ترك صلاة الجماعة لشبهة مرض السؤال رجل مريض إذا شم رائحة الطيب زاد مرضه، فنصحه الطبيب ألا يخرج إلى الجماعة أربعين يوماً حتى يشفى من مرضه؛ وذلك أنه إذا خرج إلى المسجد وشم الطيب من المصلين مرض، فما رأيكم حفظكم الله تعالى؟ الجواب لا يجوز العمل بهذا القول أي: بترك الجماعة ولا ليومٍ واحد، نعم لو أن الإنسان إذا خرج رأى في نفسه أن المرض يزداد أو أنه يتأخر في البرء، فهذه حالةٌ طارئة يحكم لها بما تقتضيه تلك الحال وقت وجودها، وأما أن يقال للشخص: من تمام العلاج ألا تصل مع الجماعة فهذا ليس بمسلَّم إطلاقاً، ولا يجوز العمل به، والطيب كان الناس يدرءونه فيما سبق بأن يأخذوا معهم ما يعرف بالحلتيت يستنشقه الإنسان، فكلما شم طيباً استنشق الحلتيت حتى يزول عنه أثر الطيب. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 5 حكم شراء عرائس البنات السؤال ما حكم شراء عرائس البنات والصور الموجودة في الكتب، كصور الحيوانات والطيور وغيرها، حيث إن الأطفال يجدون في النظر إليها متعة ويتعلمون من خلال النظر إليها، فما أدري ما حكم ذلك؟ الجواب ما يسمى بعرائس الأطفال وهي الصور المجسمة على صورة امرأة أو بنت أو ولد ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: جائز ولا إشكال فيه، وهو ما صار يصنع الآن حديثاً بحيث تكون الصور كظل ليس لها عين ولا أنف ولا فم وهذه لا إشكال في جوازها، وكان لـ عائشة رضي الله عنها بنات من هذا النوع تلعب بهن. القسم الثاني: ما يصنع من البلاستيك ويكون على شكل الصورة الآدمية تماماً حتى في العيون والشفتين والأهداب والحواجب، حتى إن بعضها ربما تمشي وتصوت، فهذا في جوازه نظر، ولكن لا أشدد فيه؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات، فقد يقال: إنه يدل على الفسحة والتوسع للبنت، لاسيما وأنها يحصل لها بذلك -كما قلت- شيء من المتعة، لكن مع هذا نقول: ما دام وقد وجد ما يغني عن ذلك، فلا ينبغي العدول إلى شيء مشتبه مع وجود شيء لا شبهة فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . أما صور الحيوانات الأخرى كالحصان والأسد وما أشبهها فلا وجه لاقتنائها إطلاقاً ويستغنى عن هذا بصور الآلات المصنوعة كالسيارة والجراف وما أشبه ذلك، فإن الصبي يلهو بها كما يلهو بصور الحيوان الأخرى، وإذا لم يكن فيها بد بأن أهدي للإنسان شيء من هذه الحيوانات فإنه يقطع رأسها ويبقيها بلا رأس ولا حرج في هذا. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 6 حكم الصور المعلقة على الجدران السؤال فضيلة الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدخل حجرة عائشة عندما وجد الصور على القرام حتى قُطعت وجُعلت وسادة، هل أقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا إذا دخلت في أي مكان أو محل أو بيت؟ الجواب لا شك أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم مما أمر الله به، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] . فإذا دخلت في بيت ووجدته قد علقت فيه الصور فارجع ولا تدخل، إلا إذا أمكنك أن تكلم صاحب البيت بأن يزيلها فإنك تأمره أو تطلب منه أن يزيلها وتدخل؛ لأن في ذلك مصلحتين: الأولى: إزالة المنكر. والثانية: إتمام إجابتك للدعوة. أما إذا كنت تعرف أنه لن يقبل منك ولن يزيل هذه الصور فإنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فلا تدخل، ومثل ذلك أيضاً ما يوجد من صور العائلة أو أبو العائلة أو صور الملك أو صور الأمير أو صور الوزير أو ما أشبه ذلك مما يوجد معلقاً في براويز، فإنك لا تدخل مادام هذا الشيء معلقاً حتى يُزال. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 7 حكم تنظيم النسل السؤال فضيلة الشيخ: ما الحكم في تنظيم النسل وهل هناك حالات توجب على الإنسان أن ينظم النسل إذا كان قليل اليد، وما حكم إنزال الجنين قبل أربعة أشهر؟ الجواب تنظيم النسل ليس بيد الإنسان، بل هو بيد من له ملك السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى:49] وقال: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:50] ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في العزل: (لو شاء الله أن يخلقه ما منعته) قال هذا أو معناه، فالأمر بيد الله، وتنظيم النسل هل هو للمرتقب المقبل أو للنسل الحاضر؟ كل ذلك بيد الله، ربما يريد الإنسان تنظيم النسل بناءً على أن عنده الآن ثلاثة أولاد ثم يأتي على هؤلاء الأولاد حادث يحصدهم جميعاً ولا يبقى له ولد، بناءً على أنه يريد أن ينظم النسل، ولكن في بعض الأحيان قد تضطر المرأة إلى تأجيل الحمل لسببٍ من الأسباب كمرضها أو ضعفها أو عجزها عن القيام بحضانة أولادها، فهذا لا بأس أن تتخذ ما يؤجل الحمل بشرط أن يكون ذلك برضا الزوج. أما الجنين إذا حملت به المرأة فإنه كما قال الله عز وجل: {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] لا يجوز إنزاله؛ لأنه منذ كان نطفة ابتدأ تكوينه، وإذا كان العزل قد اختلف العلماء فيه فكيف بشيءٍ ابتدأ تكوينه؟ فلا يجوز إنزال الحمل منذ تكوينه إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك؛ لكون الأم لا تتحمل الحمل لمرضٍ في قلبها أو في صحتها أو في بطنها أو غير ذلك، فحينئذٍ ينزل إلى تمام أربعة أشهر، أي: إلى أن تنفخ فيه الروح، فإذا نفخ فيه الروح فإنه لا يجوز تنزيله أبداً بأي حالٍ من الأحوال؛ لأنه إذا نفخ فيه الروح صار إنساناً، والإنسان لا يجوز قتله بأي حالٍ من الأحوال. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 8 حكم نقل الطالبات في الحافلات وهن كاشفات الوجه السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم نقل الطالبات في حافلة إلى المدرسة وهن كاشفات الوجوه؟ الجواب كشف الطالبة أو المعلمة أو المرأة غير الطالبة وجهها والرجال ينظرون إليها حرام ولا يحل، ولو كانت في السيارة ولا يظهر من كان خلف الزجاج لكون الزجاج ساتراً، أما لو كانت بين النساء وبين السائق سترة فلا حرج عليهن في هذه الحال أن يكشفن وجوههن؛ لأنهن كاللاتي في حجرة منفردة عن الرجال، وأما إذا كان الزجاج شفافاً يرى من ورائه أو كان غير شفاف لكن ليس بينهن وبين السائق حاجز؛ فإنه لا يجوز لهن كشف وجوههن حيث يراهن السائق أو أحدٌ من الرجال. السائل: هل الأجرة حرام؟ الشيخ: الأجرة ليست حراماً؛ لأن النساء لم يستأجرن هذه السيارة لأجل كشف الوجه، لكن يجب على السائق أن يأمرهن بتغطية الوجه، فإن أبين وأصررن على أن يكشفن وجوههن فليجعل على السيارة ستائر أو يتخذ من الزجاج المحجوب ويجعل بينه وبينهن سترة ويزول المحظور. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 9 حكم استعمال المرأة لعقاقير منع الحمل السؤال هل يجوز للمرأة أن تستعمل موانع الحمل لمدة سنتين بدون عذر بحجة أنها تريد أن ترتاح، وهل يحق للزوج أن يمنعها من ذلك؟ الجواب هذا السؤال يشبه السؤال السابق عن تنظيم النسل، فاستعمال المرأة دواءً يمنعها من الحمل إلى مدة سنتين، نسمي هذا تأجيل الحمل، وتأجيل الحمل جائزٌ عند الحاجة إليه، لكن بشرط أن يأذن الزوج بذلك، فإن لم يأذن فإنه لا يحل للمرأة أن تستعمل هذه الموانع بدون علمه؛ لأن الولد حقٌ للزوج وللزوجة، فإذا لم يرغب الزوج في أن تؤجل الحمل حرم عليها أن تستعمل ما يؤجله، والمرجع في هذا إلى الزوج وإلى الزوجة، أما كونه إلى الزوج فلأن الله عز وجل قال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] فالحارث هو الزوج، والحارث له أن يحرث أرضه متى شاء ويسقيها ويزرعها، كذلك الزوج لو أراد أن يعزل بحيث لا ينزل في الفرج فللزوجة أن تمنعه إذا لم ترض بذلك، ولهذا قال العلماء: يحرم العزل عن الزوجة الحرة بدون إذنها؛ لأن المرأة لها حقٌ في الولد، ولهذا لو تبين أن الزوج عقيم فللزوجة المطالبة بفسخ النكاح إذا لم ترض بكونه عقيماً؛ لأن المرأة لها حقٌ في الولد. وخلاصة الجواب: أنه لا يجوز للمرأة أن تستعمل ما يؤجل الحمل إلا برضا الزوج، ثم إذا رضي الزوج ننظر إذا كان هناك حاجة لتأجيل الحمل فلا بأس، وإن لم يكن هناك حاجة فالأولى عدم ذلك. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 10 كيفية قضاء الفائت من صلاة السفر في الحضر السؤال فضيلة الشيخ: إنسان فاتته صلاة سفر فماذا يقضيه من الحضر إذا كان تركها عمداً؟ الجواب إذا وجبت الصلاة في السفر فإنها تجب ركعتين، فإذا فاتته لغفلة أو نسيان أو نوم أو لإخلال في واجب ولم يعلم به إلا وهو في الحضر فإنه يقضيها ركعتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) أي: يصلي تلك الصلاة التي نسيها أو نام عنها بعينها ووصفها، إن كانت مقصورة فمقصورة، وإن كانت غير مقصورة فغير مقصورة. كما أنه لو سافر بعد دخول الوقت ولم يصل الصلاة إلا في السفر فإنه يصلي ركعتين؛ وذلك لأن العبرة بفعل الصلاة لا بدخول وقتها. أما إذا ترك الصلاة عمداً في حضر أو سفر فإنه لا يقضي منها ولا تبرأ ذمته ولو صلى ألف صلاة؛ لأن من ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها ثم صلاها فإنها لا تقبل منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وتأخير الصلاة عن وقتها ليس عليه أمر الله ورسوله، بل عليه نهي الله ورسوله ولكن ماذا يصنع؟ نقول: إذا تاب تاب الله عليه، ولا يشترط للتوبة قضاء ما تركه عمداً. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 11 حكم إجزاء صلاة الجنازة عن تحية المسجد السؤال فضيلة الشيخ: إذا دخل رجل إلى المسجد فوجدهم يصلون صلاة الجنازة فصلى معهم، فهل تغني عن تحية المسجد؟ الجواب إذا دخل وهم يصلون الجنازة وصلى معهم فإن كان يريد البقاء بعد انصرافهم بالجنازة فليصل تحية المسجد بعد صلاة الجنازة، وإن كان سيخرج مع الجنازة فليخرج وإن لم يصل تحية المسجد. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 12 حكم قطرات البول الخارجة بعد الاستنجاء السؤال فضيلة الشيخ: إذا بال الإنسان واستنجى وخرج ففي بعض الأحيان ينزل قطرات، فهل يعتبرها من أثر الاستنجاء يعني لا ينظر إليها؟ الجواب هذه المسألة -أعني ما يحصل من بعض الناس أحياناً- إذا بال ثم استنجى وتوضأ ثم خرج ومشى فإن بعض الناس يحصل منه قطرات، ولهذا أسباب: منها ضعف إمساك المثانة بحيث يكون عنده ضعف في إمساك المثانة، فيتقاطر البول منه. ومنها: أن بعض الناس إذا انتهى من البول جعل يمسح بإبهامه من أصل الذكر إلى رأس الذكر بحجة أنه يريد إخراج ما تبقى من البول، وهذا يضره؛ لأن قنوات البول رقيقة جداً ومع هذا التعصير ربما تتآكل وتضعف، ولهذا يُنهى الإنسان أن يعمل مثل هذا العمل -يعني التعصير من أسفل الذكر إلى رأسه- قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا من البدع، وإن الذكر مثل الضرع إن حلبته درَّ، وإن تركته قرَّ. والإنسان إذا عرّض نفسه لهذا حصل منه ما ذكرت من القطرات التي تحدث إذا استنجى ثم توضأ ثم مشى، فإنه مع الحركة ينزل البول، فإذا تأكد الإنسان أن البول نزل فالواجب عليه أمران: الأمر الأول: تطهير ما أصاب هذا البول من بدنه أو سرواله أو ثيابه. الأمر الثاني: إعادة الاستنجاء والوضوء؛ لأنه انتقض الوضوء، إلا إذا كان هذا أمراً مستمراً يحصل باستمرار، بمعنى أنه لا يحدث عند البول فقط، بل هو مستمر حتى لو كان له ساعة أو ساعتان من البول فإنه يخرج هذا، فإن هذا يسمى سلس البول، وحينئذ يستعمل ما يأتي: أولاً: إذا استنجى فليجعل حفاظة على ذكره حتى لا ينتشر البول. ثانياً: لا يتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: (توضئي لكل صلاة) فإذا خرج بعد هذا فإنه لا يضره؛ لأننا لو قلنا: ينتقض الوضوء فلو توضأ خرج ثانية، وبقي هكذا يتوضأ ويحدث ويتوضأ ويحدث، وهذا من الحرج الذي نفاه الله سبحانه وتعالى في قوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] هذا إذا تيقن خروج البول. أما إذا كان وهماً كما يوجد في بعض الناس الذين عندهم وساوس فإن هذا لا يلتفت إليه إطلاقاً يعرض عنه ويتلهى عنه وسيزول عنه بإذن الله. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 13 حكم السجود على العمامة السؤال بالنسبة للطاقية، السجود عليها جائز أم غير جائز؟ الجواب السجود على (الطاقية) وعلى الغترة وعلى الثوب الذي تلبسه مكروه؛ لأن هذا شيء متصل بالمصلي، وقد قال أنس رضي الله عنه: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) فدل هذا على أنهم لا يسجدون على ثيابهم أو على ما يتصل بهم إلا عند الحاجة، يقول: (إذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض) أما إذا لم تكن حاجة فإنه مكروه. وعلى هذا فالسجود على طرف الطاقية مكروه؛ لأنه لا حاجة إليه، فليرفع الإنسان عند السجود طاقيته، حتى يتمكن من مباشرة المصلى. أما الشيء المنفصل كأن يسجد الإنسان على سجادة أو على منديل واسع، يسع كفيه وجبهته وأنفه فإن هذا لا بأس به؛ لأنه منفصل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى على الخُمرة) ، وهي حصيرة صغيرة تسع كفي المصلي وجبهته. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 14 قراءة الفاتحة في الصلاة السؤال إذا كان الإمام لا يعطي المأموم فرصة لقراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية فكيف يقرأ المأموم الفاتحة؟ الجواب قراءة الفاتحة واجبة في كل صلاة، وواجبة في كل ركعة على الإمام والمنفرد والمأموم، إلا أنه يستثنى في حق المأموم حالة واحدة، وهي: ما إذا جاء والإمام راكع فإن الفاتحة تسقط عنه في هذه الحالة، وكذلك لو جاء والإمام قائم وكبر للإحرام وشرع في الفاتحة ثم ركع الإمام وخاف إن أتمها أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فحينئذٍ يسقط عنه ما لم يدركه من الفاتحة، ويكون مدركاً للركعة، ودليله حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، فلما قضى الصلاة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) وجعله مدركاً للركعة. فإذا كانت الصلاة سرية فقراءة الفاتحة للمأموم لا إشكال فيها، وإذا كانت جهرية فإن المأموم يقرأ الفاتحة في سكتات الإمام، فإن لم يكن له سكتات -يعني: يواصل القراءة- فإنه يقرأ ولو كان الإمام يقرأ، لما رواه أهل السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف ذات يوم من صلاة الصبح وكان الصحابة يقرءون خلفه فقال: ما لي أُنازع القرآن) أي: يغالب في القرآن، حيث يقرأ من وراءه، ثم قال لهم: (لا تقرءوا خلف الإمام إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . الجزء: 26 ¦ الصفحة: 15 مسائل في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: إذا كنت إماماً وخلفي اثنان أو واحد ونصلي جماعة فسلمت بصوت منخفض، فتذكرت أني إمام وأن من خلفي لم يسمعوا فهل أعيد التسليم بصوت عالٍ؟ الجواب إذا سلم الإمام بصوت منخفض لا يسمعه المأمومون فإنه لا يعيد السلام مرة ثانية، ولكن إذا سلم استغفر الله وانصرف فيعرف الناس أنه انتهى. ومثل ذلك الفاتحة أيضاً، فلو أن الإمام نسي في الصلاة الجهرية أنه الإمام فقرأ الفاتحة سراً ثم ذكر فإنه يتمها ولا يعيدها، وقال بعض العلماء: بل يعيدها؛ لأن إعادتها جهراً إعادة لسنة وليست عبثاً، والإنسان مأمور بأن يأتي بالقراءة على وجه السنّة، لكن الأول أحوط؛ يبدأ من حين ذكر. وفيه فائدة أيضاً: وهو أنه إذا ابتدأ من حين ذكر فلن يعود مرةً ثانية إلى ذلك، وبالتالي يكون دائماً متذكراً، لكن لو أعادها من الأول هان عليه أن ينسى وأن يعود مرة ثانية؛ لأن المأمومين لن يعلموا به إذا أعادها من أولها. والخلاصة أن الإمام إذا سلم سراً نسياناً حتى أتم التسليمتين فإنه لا يعيدهما ويكفيه الانصراف، وإن أسر في الأولى ثم ذكر جهر في الثانية. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 16 ضعف حديث: (لم يُر للمتحابين مثل النكاح) السؤال فضيلة الشيخ: هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يُر للمتحابين مثل النكاح) فهل في هذا حجة لمن يجوِّز الحب بين النساء والرجال، جزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً: هذا الحديث فيه ضعف ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه من الناحية الطبيعية أنه إذا قُدر أن يكون بين الرجل وبين امرأة من الناس محبة؛ فإن أكبر ما يدفع الفتنة والفاحشة أن يتزوجها؛ لأنه سوف يبقى قلبه معلقاً بها إن لم يتزوجها، وكذلك هي، فربما تحصل فتنة. قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير الوجه الشرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق وقصم الظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل. ويقول: إنه يرغب في زواجها خوفاً من الفتنة، وإلا فالأصل أنه لو حصل أن المرأة تخبر وليها أنها تريد فلاناً مثلاً فيتصل به كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان رضي الله عنه، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل الفتنة. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 17 العقيقة عن السقط بعد أربعة أشهر السؤال فضيلة الشيخ: إذا أسقط الجنين في حدود أربعة أشهر هل يعق عنه، ويُصلى عليه؟ الجواب قد ثبت في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين إذا أتم أربعة أشهر نفخت فيه الروح، فإذا سقط بعد نفخ الروح فهو كما لو سقط عن تمام، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر. وأما العقيقة ففيها خلاف، بعض العلماء يقول: يُعق عنه؛ لأنه سوف يبعث، وبعض العلماء يقول: لا يُعق عنه، وأرى أنه يُعق عنه إذا كان أبوه موسراً؛ لأن هذا فيه خير وصدقة وبر. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 18 حكم استخدام الصور في الهوية والرخصة السؤال ما رأي فضيلتكم في الصورة التي في حفيظة النفوس ورخصة القيادة، وهل يجوز الاستغناء عنها إذا أمكن للشخص؟ الجواب رأيي في الصور التي تكون في حفيظة النفوس وفي رخصة القيادة وفي الدراهم أنه مما عمت به البلوى، وأنه لا يمكن التخلص منها، فلا يكون على الإنسان في ذلك حرج، فإذا علم الله من نيته أنه كاره لهذا؛ فإنه لا يلحقه إثم بلا شك. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 19 حكم من نسي لأي جهة رمي الجمار السؤال فضيلة الشيخ: إذا نسي الحاج لأي جهة رمي الجمار فما حكم الرمي؟ الجواب يجب أن نعلم أن الشك إذا كان بعد الفراغ من العبادة فإنه لا يلتفت إليه أصلاً. أما إذا كان أثناء العبادة فهذا إن غلب على ظنه أنه صواب فهو صواب، أو تيقن أنه صواب فهو صواب، وإن غلب على ظنه أنه خطأ أو تيقن أنه خطأ فهو خطأ، وإن شك بلا ترجيح فإنه خطأ، هذا إذا كان في أثناء العبادة، يعني: أنت واقف الآن ترمي ثم شككت هذا الموقف صحيح أم لا؟ هل هذا المرمى صحيح أم لا؟ أما بعد أن تنصرف فالأصل أنه صحيح ولا شيء عليك. وإلى هنا ينتهي المجلس، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم. الجزء: 26 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [27] في هذا الدرس نصيحة حول كيفية استقبال العام الجديد، حيث وأن هذا الدرس كان في أول السنة، وكيف نعوض ما فاتنا في السنة الماضية، وفي هذا اللقاء شرح بعض الآيات من أول سورة المطففين والتي فيها الوعيد الشديد لمن يطفف في المكيال، وأن من اكتال من الناس فاستوفاه ثم كال لغيره فأخسر فيه فقد جمع الشر الموجب للوعيد الذي ذكر في أول السورة. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 1 نصيحة مع استقبال العام الهجري الجديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا أول لقاء يحصل في هذا العام؛ وهو اللقاء الأسبوعي الذي يكون في كل يوم خميس، وهو يوافق الرابع من شهر المحرم عام (1414هـ) . والنصيحة التي ينبغي للإنسان أن ينصح بها نفسه في استقبال هذا العام أن ينظر ماذا أودع في العام الماضي من الأعمال الصالحة؟ وماذا قام فيه من الأعمال التي تنفعه وتنفع غيره من المسلمين؟ ولاسيما طلبة العلم فإن طالب العلم عليه واجبان: واجب لنفسه وواجب لغيره، إذ أن العلم الشرعي إرث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن العلماء ورثة الأنبياء، وإذا نظرنا في حال الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وجدنا أنهم أبلوا بلاءً حسناً في عباداتهم الخاصة، وفي دعوتهم الخلق إلى الحق. لقد كان النبي صلى الله عليه أتقى الناس وأخشى الناس لربه، وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه وتتورم من طول القيام، فيُسأل في ذلك فيقال له: إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) . وفي مجال الدعوة إلى الله، دعا صلى الله عليه وسلم قومه إلى توحيد الله وعبادته، فرأى منهم الأذى حتى كانوا يُلقون سلا الجزور على ظهره وهو ساجد في بيت الله، وتمالئوا عليه فيما ذكر الله سبحانه وتعالى من قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] . فكان النقاش بينهم على هذه الأمور الثلاثة: الإثبات وهو الحبس، والقتل والإخراج، فأذن الله سبحانه وتعالى له بالخروج والهجرة من مكة إلى المدينة، ونصره الله سبحانه وتعالى عليهم حتى عاد بعد ثماني سنوات إلى مكة فاتحاً منصوراً ظافراً ولله الحمد. فأقول: إن على طلبة العلم واجبين: الواجب الأول: لأنفسهم. والواجب الثاني: لغيرهم من الناس. أن يعلموهم ويرشدوهم ويدعوهم إلى الله، وأن يبينوا الحق الذي جاء به الكتاب والسنة بما يتعلمونه من أساتذتهم، وبما يتعلمونه بأنفسهم من الكتب، وبما يسمعونه من الأشرطة الصادرة عمن يوثق بعلمه. ولا شك أن نشر العلم سببٌ للقيام بطاعة الله سبحانه وتعالى كما هو معروف، فإن الرجل يأتي إلى القوم يلقي بينهم كلمة أو موعظة مُوجهة فيتفرق الناس وقد فهموا ما قال، ثم يأخذون بتطبيقه في أنفسهم وفي غيرهم، وهذا أمر مشاهد معلوم. وعلى الإنسان في مستقبل هذا العام أن يعد نفسه بالجد والاجتهاد وتتميم ما نقص في العام الماضي، وتحسين ما كان فيه شيء من الاعوجاج أو الانحراف حتى يستقبل هذا العام بجدٍ ونشاط، وليُعلم أن الإنسان إذا عود نفسه الكسل اعتاد عليه وصعب عليه أن ينشط بعد ذلك، وإذا عود نفسه النشاط وبث الوعي الديني في الأمة سهل عليه ذلك وكان ديدناً له، حتى إنه ليحزن ويضيق صدره إذا لم يقم بهذا الأمر. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة المطففين أما ما كنا نتحدث عنه في اللقاءات السابقة من تفسير الآيات الكريمات فنحن كنا قد توقفنا عند سورة المطففين، فنتكلم بكلام موجز على ما تيسر منها، فنقول: الجزء: 27 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ويل للمطففين) إن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (ويل) ، و (ويل) تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح: كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه، على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها، فهنا يقول الله عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] فمن هؤلاء المطففين؟ المطففون فسرتهم الآية التي بعدها، فقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:2-3] (إذا اكتالوا على الناس) أي: إذا اشتروا منهم ما يكال استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص، (وإذا كالوهم أو وزنوهم) أي: إذا كالوا لهم، أي: إذا باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً (يخسرون) أي: ينقصون، فهؤلاء والعياذ بالله يستوفون حقهم كاملاً وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل؛ الشح في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل بمنع ما يجب عليهم من إتمام الوزن والكيل. وهذا الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن، وهو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبهه ممن طلب حقه كاملاً ممن هو عليه، ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة. فمثلاً: الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً وألا تتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكو النساء من هذا الطراز من الأزواج والعياذ بالله؛ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه لا يعطيها حقها كاملاً، وربما ينقص أكثر حقها؛ من النفقة، والعشرة بالمعروف وغير ذلك. والغريب أيها الإخوة! أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام، حتى إن بعض النساء تشير أنها ما اختارت هذا الزوج إلا لما له من السمعة الحسنة والالتزام، فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق! فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام! هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط، ويضيع حقوق الناس؟ إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه بالتعدي على حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة؛ إذا كان دون الشرك غفر له إن شاء وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة؛ لا بد من أن يُوفَّى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع! قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة، فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار) . فنصيحتي لهؤلاء الإخوة الذين يفرطون في حقوق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) ، فأمرنا أن نتقي الله عز وجل في النساء، وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم) أي: بمنزلة الأسرى؛ لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك؛ إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده، فليتق الله فيها! كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام، لكنه مفرط في حقوقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه؛ أن يبروه بالمال وبالبدن وفي كل شيء يكون فيه البر، لكنه مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائمٍ بما يجب عليه نحوهم. نقول: هذا مطفف كما قلنا في المسألة الأولى؛ مسألة الزوج مع زوجته: إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً ويبخسها حقها نقول: إنه مطفف، وهذا الأب إذا أراد من أولاده أن يبروه تمام البر، وهو مقصر في حقوقهم، فنقول: إنه مطفف ونقول له: تذكر قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] . الجزء: 27 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) قال الله تعالى: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4-5] ألا يتيقن هؤلاء ويعلمون علم اليقين؟ فالظن هنا بمعنى اليقين؛ والظن بمعنى اليقين يأتي كثيراً في القرآن، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46] أي: هم متيقنون أنهم ملاقو الله، وهنا يقول عز وجل: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين:4] ألا يتيقن هؤلاء أنهم مبعوثون؟ أي: مُخرجون من قبورهم لله رب العالمين. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ليوم عظيم) {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:5] هذا اليوم العظيم، ولا شك أنه عظيم، كما قال تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] عظيم في طوله وأهواله؛ فيما يحدث فيه، وفي كل معنى تحمله كلمة عظيم، لكن هذا اليوم العظيم هو على قوم عسير، وعلى قوم يسير، قال الله تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10] وقال تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] ، لكنه بالنسبة للمؤمنين -جعلني الله وإياكم منهم- يسير، كأنما يؤدون صلاة الفريضة من سهولته ويسره، لاسيما إذا كان المؤمن ممن يستحق هذه الوقاية العظيمة، وكان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، المهم أن هذا يوم عظيم، لكنه بالنسبة للمؤمن يكون يسيراً ويكون على الكافر عسيراً. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين) قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] ؛ يقومون من قبورهم حفاةً ليس لهم نعال ولا خفاف، عراة ليس عليهم ثياب؛ لا قمص ولا سراويل ولا أزر ولا أردية، غرلاً، أي: غير مختونين، بمعنى أن القلفة التي تقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها، كما قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء:104] ويعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى، وأنه يُعيد الخلق كما بدأه. والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول، وتكون عرضةً للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:42-43] . المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف: (حفاةً عراةً غرلاً) وفي بعض الأحاديث: (بُهماً) قال العلماء: البُهم الذين لا مال لهم، ففي يوم القيامة لا مال يفدي به الإنسان نفسه من العذاب، وليس هناك ابن يفدي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحب ولا خليل، كلٌ يقول: نفسي نفسي {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا. قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا مُلك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:16-17] . وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة من سورة المطففين. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 27 ¦ الصفحة: 8 إمكان قضاء من تعجل في رمي الجمرات السؤال فضيلة الشيخ: حاج تعجل ثم تبين له أن رميه في اليوم الثاني عشر كان خطأً، فرجع ليلاً ورمى، هل ينقض تعجله ورجوعه إلى منى ليلاً؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. هذا الرجل الذي تعجل وخرج من منى قبل غروب الشمس ثم بان له أن رميه كان فيه خطأ فعاد فقضاه لا ينقض قضاء ما فاته لتعجله، أي: أن له أن يرمي في الليل ثم يخرج من منى؛ لأن هذا الرمي كان قضاءً لما فات، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] ، وهذا الرمي الذي حصل منه في الليل بعد الغروب إنما هو قضاء وليس أداءً، فليس عليه شيء إذا رمى في الليل ثم انصرف. أما لو أخر الرمي يوم الثاني عشر إلى الليل، فإنه يبقى في تلك الليلة ليبيت في منى ثم يرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 9 تغيير المنكر باليد السؤال فضيلة الشيخ: تزوج قريبٌ لي قبل خمس عشرة سنة؛ قام خلال زواجه بالتقاط صور له ولعروسه وأهله وحضور الزفاف بواسطة آلة تصوير، ثم سافر بعروسه إلى ليبيا حيث يعمل هناك، وكان قد كلفني بطبع الصور وإرسالها له، ولما فعلت عادت إليَّ الصور بسبب تغيير في عنوانه، ولما كنت قد طمست كل الصور التي معي بعد أن هداني الله، فهل أحتفظ بصوره كأمانة عندي إلى حين ألقاه فأنصحه، أم أطمسها؟ الجواب قال الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] وأرى أنه يجب عليك طمسها؛ لأنك قادر على التغيير بيدك. إذاً عليك أن تطمسها، وتبين له أن ذلك منكر، وأنه يجب طمسها لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لـ أبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) ، اللهم إلا أن تخشى أن يترتب على ذلك مفسدة كبيرة، بحيث يجرك إلى المحاكم أو غير ذلك من الأشياء التي تضرك، فلا حرج عليك في هذه الحال أن ترسلها إليه فوراً ولا تبقيها عندك. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 10 تغليظ الشارع في تحريم الربا السؤال فضيلة الشيخ: شخص اضطر لأخذ الفوائد الربوية يقول: أليس الأفضل أن آخذها وأجعلها في بناء المساجد أو للفقراء بدلاً من أن يستفيد منها أعداء الإسلام؟ الجواب الواقع أن هذا السؤال سؤال مهم لشدة الحاجة إلى معرفة الجواب المبني على الكتاب والسنة لا على استحسان العقل، ونحن إذا بنينا جواب هذا السؤال على الكتاب والسنة تبين لنا أنه لا يحل لهذا أن يأخذ هذا الربا؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278-279] فهنا بين الله عز وجل أن الإنسان إذا تاب فليس له إلا رأس ماله فقط، لا يظلم ولا يُظلم. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة، فقال: (ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) ، فأنت ترى في هذا الحديث أن الرسول وضع الربا الذي كان معقوداً في الجاهلية قبل تقرر الأحكام في الإسلام، فما بالك بربا حصل بعد تقرر الأحكام في الإسلام؟! وعلى هذا نقول: لا يجوز للشخص أن يأخذ الربا من البنوك مهما كانت هذه البنوك، ثم نقول: لو فرضنا صدق ما قيل من أن هذه الفوائد ترسل إلى الكنائس وإلى محاربة المسلمين فإنه لا إثم عليه في ذلك، لماذا؟ لأن هذه الفوائد ليس فوائد ماله، إذ من الممكن أن يكون ماله الذي أعطاه هذا البنك تصرف فيه البنك تصرفاً خسر فيه أو تصرفاً لم يربح فيه، أو تصرفاً ربح فيه دونما وضع من الربا، فالقول: إن هذه فوائد ماله ليس بصحيح، هذه ليست فوائد ماله، هذه ربا يعطيها البنك من أعطاه هذا المال ينتفع به، وإذا لم تكن ثمرات ماله فليس عليه من إثمه نصيب فيما لو صُرفت إلى بناء الكنائس أو إلى سلاح يصوب إلى صدور المسلمين. ثم نقول: إننا إذا منعنا هذا الربا وقد يكون أموالاً طائلة -قد يكون ملايين- إذا منعناه وقلنا للمسلمين: أيها المسلمون، إنكم بإيمانكم وإسلامكم لا يحل لكم أن تأخذوا الربا فسوف يضطر المسلمون إلى أن يبحثوا عن مصارف إسلامية وبنوك إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية؛ لأن الأزمات والحاجات والضرورات لا بد أن تبرز شيئاً ما، فإذا قيل للناس: هذا الربا الذي تدَّعون أنه فوائد لا يحل لكم، وأنتم إذا أخذتموه فقد أكلتم الربا حين أكلتموه، وإن تصدقتم به تقرباً إلى الله لم يقبل منكم وإن تصدقتم به تخلصاً منه، فما الفائدة من أن يلوث الإنسان يده بالنجاسة ثم يذهب ليغسلها. فنقول: إن مُنع هذا، فإنه لا شك أنه سيكون سبباً لكون الناس يبحثون عن مصادر إسلامية، ويُكَوَّنون بنوكاً إسلامية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية. ثم إننا نقول: لا شك أن علماء اليهود والنصارى يعلمون أن الربا محرم عليهم، فإن الله تعالى قال في القرآن: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء:161] فهم يعلمون هذا في كتبهم، ويعلمون كذلك أن المسلمين قد نهوا عنه، فيفرح أعداء المسلمين إذا رأوا أن المسلمين استحلوا الربا وأخذوه، ويعلمون أن المعاصي من أسباب الخذلان، فيرون أن أخذ المسلمين لهذه الأموال الربوية سهام صوبها المسلمون نحو صدورهم؛ لأن المعاصي سبب للخذلان، ولا يخفى علينا جميعاً ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم والله أعظم جند على وجه الأرض منذ خُلق آدم وقد كانوا تحت قيادة أعظم قائد من بني آدم، ومع ذلك حصلت عليهم الهزيمة لمعصية واحدة: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] حصلت الهزيمة. فإذا كانت معصية واحدة وهي دون الربا حصل فيها الخذلان فما بالك بالربا الذي جاء فيه من الوعيد ما لم يأتِ على أي معصية كانت إلا الشرك، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فكيف نستحل الربا؟! فهؤلاء إذا علموا أننا استحللنا الربا لا شك أنهم يفرحون بهذا، ويقولون: الآن فعل المسلمون ما به خذلانهم، والواقع شاهد بهذا؛ فالمسلمون يمثلون اليوم جزءاً كبيراً من البشرية، ومع هذا تُقَطَّع أوصالهم قَطْعاً وهم يشاهدون، لم يستطيعوا أن يرفعوا رأساً بذلك، فهذه البوسنة والهرسك جمهورية إسلامية مستقلة معترف بها دولياً تمزق؛ يقتّل أبناؤها، وتنتهك أعراض نسائها، ويُيَتم أطفالها، والمسلمون لم يحركوا لذلك ساكناً! ولا يخفى علينا الوثيقة السرية التي عثر عليها الإخوة في البوسنة والهرسك الصادرة من رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خارجيته، حيث يقول: إن المسلمين لا يمكن أن يتحركوا تحركاً تستفيد منه البوسنة والهرسك؛ لأنهم تحت إمرتنا. أو كلمة نحوها. ويقول: إننا سنمانع بشدة أن تقوم جمهورية إسلامية في أوروبا، ونمانع بشدة أن نعطي المسلمين سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم، وهذا تحدٍّ للشعور الإسلامي، لكن لماذا؟ لأن المسلمين مع الأسف عندهم من العصيان ما يوجب الخذلان والانكسار، نسأل الله العافية. فلهذا نقول: إن هذه الأموال الربوية التي يقال عنها: إنها فوائد، هي والله خسائر، ولا يجوز أخذها بأي حالٍ من الأحوال، فأنتم أيها المسلمون! إذا شئتم التخلص من هذا الإثم اتركوا الربا، أنشئوا بنوكاً إسلامية تسير على نهج الله؛ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تسلموا، لكن لو فرض أن البنك أصر على أخذ هذه الأموال الربوية كما يوجد في بعض البنوك؛ فبعض البنوك تقول: لا يمكن أن أقبل منك رد هذا الشيء؛ لأن هذا يخل بحساباتي فهنا تأخذها؛ لأنك مرغم عليها، ثم تتصدق بها تخلصاً منها لا تقرباً إلى الله بها. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 11 حكم الخروج عن بيعة ولي الأمر والقدح في العلماء السؤال هناك أمر بدأ ينتشر بين كثير من الشباب ألا وهو يتمثل في أمرين: عدم البيعة لولي الأمر، ثم أيضاً يترتب على هذا أمر ثانٍ ألا وهو القدح في هيئة كبار العلماء، وأن هيئة كبار العلماء تتكلم وفق ظروف خاصة ومعطيات معينة، وأن علماءنا لم يتكلموا إلا وفق مدركات وظروف تحتم عليهم المجاملة وغيرها من الطعن الصريح الذي نسمعه في هيئة كبار العلماء، فما توجيهكم لهؤلاء الشباب؟ الجواب توجيهنا لهؤلاء الشباب أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي إخوانهم من شباب الصحوة، وأن يعلموا أنه (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية) وأن يعلموا أن شق عصا المسلمين من أعظم المنكرات، ويترتب عليه أعظم المفاسد، ثم إذا كانوا هنا في المملكة العربية السعودية فليشكروا الله على هذه النعمة؛ البلاد آمنة والحمد لله مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فإذا حصلت الفوضى لا قدر الله زال هذا الأمن، وزال هذا العيش الرغيد، وأتت فتن وشرور متلاحقة متلاحمة لا يعلم مداها إلا الله، وليسأل هؤلاء الصغار كبارهم: ماذا كانت عليه البلاد قبل توحيدها وقبل اطمئنان أهلها؟ الجواب: لا يستطيع الإنسان أن يخرج من قريةٍ إلى قرية إلا بسلاح ومع ذلك هو خائف حتى في فراشه إذا نام. فأنصح هؤلاء الشباب بألا يزيلوا هذه النعمة بما يحدث من تصرفاتهم الهوجاء. أما طعنهم في هيئة كبار العلماء فهو طعنٌ مبنيٌ على عاصفة ولا أقول على عاطفة، وإن شئت قلت: على عاطفة لكنها عاصفة بواقع، نشأت من كلمات يسمعونها من بعض الناس تثيرهم وتهيجهم، وكذلك يسمعونها من بعضهم البعض فيثور بعضهم بسببها؛ هيئة كبار العلماء والحمد لله نقموا منها أنها أذنت للدولة بالاستعانة بالكفار في أزمة الخليج، وتكلم بعض الناس وقال: إن هذه الأزمة مفتعلة، وأن المقصود بها احتلال البلاد من الكفار وما أشبه ذلك، ورسموا خرائط ورسومات ووزعوها في أيدي الشباب وتبين خطأ هذا الشيء تماماً، وتبين والحمد لله ما حصل من درء الفتنة التي أرادها من أرادها من حكام العراق، وتبين أيضاً ما عند العراق من الأسلحة العظيمة التي يتعجب الإنسان كيف اقتنى هذه الأسلحة، وتبين أن هناك إرادة سيئة والله أعلم بها، فصار والحمد لله الخير فيما وقع. نقموا من هيئة كبار العلماء البيان الأخير الذي صدر منهم بسبب تكوين لجنة لحقوق الإنسان أو للحقوق الشرعية أو لدفع الظلم أو ما أشبه ذلك، والواقع أن هيئة كبار العلماء لا تنكر أبداً إعانة المظلوم بل تؤيد إعانة المظلوم، وترى أن إعانة المظلوم فرض كفاية يجب على المسلمين أن يعينوه، وإذا لم يقم به من يكفي وجب على من قدر، وهذا أمرٌ مسلمٌ به ولا إشكال فيه، لكن الهيئة تنكر كونه على هذه الصفة، أي: تكوين لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية تحت ظل حكومةٍ شرعية، ومن المعلوم أن تكوين اللجان على هذا الوجه لا يكون تحت حكومة شرعية إلا بإذن هذه الحكومة، أرأيت لو أن رجلاً وجد قريةً ليس فيها قاض، فقال: أنا أريد أن أكون قاضياً في هذا البلد؛ لأن البلد ليس فيها قاضٍ والناس محتاجون للحكم بينهم فسأكون قاضياً، هل يملك هذا؟ الجواب: لا. لا يملك أن ينصب نفسه قاضياً في هذا البلد تحت ظل حكومةٍ شرعية إلا بإذن هذه الحكومة الشرعية باتفاق العلماء واتفاق المسلمين. ثانياً: لو أنه أتى إلى قرية ليس فيها هيئة قائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: هيا نكوِّن هيئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر تحت ظل حكومةٍ قائمة شرعية هل يمكن هذا؟ لا يمكن تكوين طائفة لحفظ الحقوق الشرعية أو الدفاع عن المظلوم على هذا الوجه بدون إذن الدولة، لا شك أنه غير شرعي وأنه افتيات على ولي الأمر، وأنه يؤدي إلى الفوضى، فإنه إذا كونت هذه اللجنة نفسها قام أناس من أهل البدع وقالوا: نريد أن تكون لنا لجنة، وقام أناس من الصحفيين ومن العلمانيين ومن غيرهم وقالوا: نريد أن نُكوِّن لجنة. ثم نقول: ما هو الضابط للظلم؟ كل خصمين عند قاضي لا بد أن يكون أحدهما يدعي أنه مظلوم، معنى هذا أن كل مسألة أو قضية يحكم فيها القاضي بشيء ويقول المحكوم عليه: أنا مظلوم، يلجأ إلى هذه اللجنة، وتحصل فوضى وبلبلة بين الحكام القضاة وبين الناس، ثم إننا لا نأمن أن يقوم غداً النصارى وهم أقلية في بلادنا -والحمد لله- فيقولون: نحن لنا حق؛ لأن الحق الشرعي في نظر العالم غير الحق الشرعي في نظر هؤلاء الإخوة الذين كونوا لجنة؛ لأن هذه اللجنة ترى أن الحق الشرعي ما قام على الشرع؛ على الوحي الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام، لكن العالم لا يفهم هذا؛ ويرى أن الحق الشرعي ما حكم به نظاماً أو شرعاً إلهياً، حتى الأنظمة والقوانين عندهم شرعية، فيأتي مثل هذا النصراني ويقول: إن لي الحق في أن أقيم كنيسة، فيرفع الأمر إلى هذه اللجنة، وهذه اللجنة الآن لا ترى هذا الحق وترى أنه لا يمكن إقامة الكنائس في بلاد المسلمين، لكن يأتي خلفها لجنة مبنية على هذه اللجنة ولو على المدى الذي يكون بعيد المنظار فتوافق وتقول: نعم هذا حق شرعي، ويأتي أهل البدع ويقولون: لنا حق أن نعلن بدعنا، كما أن أهل السنة لهم حق أن يعلنوا سنتهم؛ نحن مسلمون وهم مسلمون، أيُّ فرق بين أن نعلن بدعتنا وأن يعلنوا هؤلاء سنتهم؟ ثم إنهم -أعني الإخوة الذين نصبوا أنفسهم هذا المنصب- كتب بعضهم عنوان هاتفه، فمن يأمن أن يأتي أناس مغرضون يريدون القدح في هذه الأمة السعودية وكل ساعة يتصلون عليه أنا مظلوم بكذا وكذا في قضية مفتعلة من أجل أن تكثر الطلبات عند هذه اللجنة في نصر المظلوم، فيتكون عندهم آلاف المسائل المفترضة المفتعلة وليس هناك شيء، لكن من أجل التشويه الإعلامي العالمي أو الداخلي. ثم إننا نقول: ما الموجب لتكوين هذه اللجنة وفي البلد مكاتب للمحاماة مفتوحة بإذن الدولة ألا يُكتفى بهذا؟ إنك إذا سمعت تكوين هذه اللجنة ستقول: ربع المملكة مظلوم على الأقل، مع أن المملكة تقدر بإثني عشر مليوناً وأنا أقول: اجعلوها ثمانية ملايين، أي: نزل الثلث، ثمانية ملايين نسمة، لو أنك تريد أن تثبت ألف قضية فيها ظلم محقق أصر على بقائه ولم يحاول إزالة هذا الظلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وألف قضية من ثمانية ملايين ليست بشيء، لكن لسنا نقول: هذه المملكة ربعها مظلوم ظلماً يحتاج إلى تكوين لجان للدفاع عنهم. لذلك أقول: إن هيئة كبار العلماء لا يقولون: إن نصر المظلوم غير شرعي، ولا أن الدفاع عن الحقوق الشرعية غير شرعي، بل يرون هذا من الشرع وأنه فرض كفاية، لكن تكوين لجنة تحت ظل حكومةٍ شرعية بدون مراجعة في هذه الحكومة هو الخطأ، وهو الذي سيفتح باب شرٍ كبير، ولهذا رجع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عن هذه اللجنة وتبرأ من الانضمام إليها؛ لأنه عرف ما ينتج عنها من المسائل أو من الأضرار التي تكون قريبةً أو بعيدة، فنصيحتي لهؤلاء القوم الذين أشرت إليهم أن يتقوا الله عز وجل وألا يموتوا ميتةً جاهلية فيلقون الله عز وجل وهم على جاهليتهم، بل يجب عليهم الرجوع إلى الحق واعتقاد أن لولي أمر المسلمين في هذه البلاد بيعةً صحيحةً شرعيةً بايعه عليها أهل الحل والعقد، ومن المعلوم أن البيعة لا يشترط فيها أن يبايع كل إنسان حتى الطفل والعجوز في مخدعها، أبداً. إذا بايعها أهل الحل والعقد ثبتت البيعة، فـ أبو بكر هل بايعه الناس كلهم في مكة والمدينة والطائف. وغيرها من البلاد؟ لا. لم يبايعوه إلا أهل الحل والعقد، وكذلك عثمان. كانت البيعة في أصحاب الشورى الستة، وكذلك علي بن أبي طالب. ، فلا يشترط في البيعة أن يبايع كل إنسان، ولم يقل بهذا أحد من الناس، وأهل الحل والعقد في هذه البلاد بايعوا لولي الأمر هنا في البلاد، فثبتت بيعته شرعاً، ومن مات على غير بيعته فإن ميتته ميتة جاهلية، وإذا كان عند هؤلاء الإخوة شكٌ في الأمر فنحن مستعدون لأن يحضروا إلينا ونناقشهم في هذا الأمر رأفةً بهم وإحساناً إليهم؛ لئلا يموتوا ميتةً جاهلية، ولئلا يحدثوا في هذه البلاد فتناً لا يعلم مداها إلا الله عز وجل. أما هيئة كبار العلماء فقد علمت الآن وجه ما نشروه من البيان، وإن كان البيان -في الواقع- مقتضباً؛ لأنهم لم يحبوا أن يطيلوا في الكلام وأخذوا بالزبدة فقط، ولكن وجه المنع ليس من أجل أن العلماء يعارضون نصر المظلوم أو يعارضون الدفاع عن الحقوق الشرعية، لكن يعارضون الكيفية التي صار بها هذا الشيء. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 12 حكم بيعة أمراء الجماعات الإسلامية السؤال فضيلة الشيخ: بالنظر إلى العالم الإسلامي اليوم نجد أن هناك كثيراً من الجماعات التي تدعو إلى الإسلام، وكل منهم يقول: أنا على منهج السلف، ومعي الكتاب والسنّة، فما هو موقفنا نحو هذه الجماعات، وما حكم إعطاء البيعة لأمير من أمراء هذه الجماعات؟ الجواب الحكم في هذه الجماعات التي تدعي كل طائفة منها أنها على الحق سهل جداً، فإنا نسألهم: ما هو الحق؟ الحق ما دل عليه الكتاب والسنة، والرجوع إلى الكتاب والسنة يحسم النزاع لمن كان مؤمناً، أما من اتبع هواه فلا ينفع فيه شيء، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] . فنقول لهذه الجماعات: اجتمعوا ولينزع كل واحد منكم هواه الذي في نفسه، ولينو النية الحسنة أنه سيأخذ بما دلَّ عليه القرآن والسنة مبنياً على التجرد من الهوى، لا مبنياً على التقليد أو التعصب؛ لأن فهم الإنسان للقرآن والسنة على حسب ما عنده من العقيدة والرأي لا يفيده شيئاً؛ لأنه سوف يرجع إلى عقيدته. ولهذا قال العلماء كلمة طيبة، قالوا: يجب على الإنسان أن يستدل ثم يبني، لا أن يبني ثم يستدل؛ لأن الدليل أصل والحكم فرع، فلا يمكن أن يُقلب الوضع ونجعل الحكم الذي هو الفرع أصلاً، والأصل الذي هو الدليل فرعاً. ثم إن الإنسان إذا اعتقد قبل أن يستدل ولم تكن عنده النية الحسنة صار يلوي أعناق النصوص من الكتاب والسنة إلى ما يعتقده هو، وحصل بذلك البقاء على هواه، ولم يتبع الهدى. فنقول لهذه الطوائف التي تدعي كل واحدة منها أنها على الحق: تفضل. ائت بنية حسنة مجردة عن الهوى والتعصب وهذا كتاب الله وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا أن فيهما حل النزاع ما أحال الله عليهما، فإن الله لا يحيل على شيء إلا والمصلحة فيه: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] لكن البلاء الذي يحصل من عدم الاتفاق على الكتاب والسنة بسبب -فقط- الشرط الذي في الآية: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] فإن بعض الناس قد يرجع إلى الكتاب والسنة لا عن إيمان، ولكن عن هوىً وتعصب لا يتزحزح عنه، فهذا ليس فيه فائدة. ولكن على من هم على الكتاب والسنة، أن يستعينوا بالله عز وجل على هذه الطوائف وسيتبين الحق من الباطل، فقد قال الله عز وجل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] . أما بالنسبة لإعطاء البيعة لرجل فهذا لا يجوز؛ لأن البيعة للولي العام على البلد، وإذا أردنا أن نقول: إن كل إنسان له بيعة تفرقت الأمة، وأصبح البلد الذي فيه مائة حي من الأحياء له مائة إمام ومائة ولاية وهذا هو التفرق، فما دام في البلد حكم شرعي فإنه لا يجوز إعطاء البيعة لأي أحد من الناس. أما إذا كان الحاكم لا يحكم بما أنزل الله، فإن هذا له أحوال قد يكون هذا كفراً، وقد يكون ظلماً، وقد يكون فسقاً بحسب ما تقتضيه النصوص الشرعية، وعلينا إذا كان هذا الحاكم مصراً على كفر بواح عندنا فيه من الله برهان أن نسعى لإزالته ما استطعنا، لكن ليس علينا أن نقوم في وجهه، وليس معناه الخروج بالقوة؛ لأن هذا تهور مخالف للشرع وللحكمة، ولهذا لم يُؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد في مكة؛ لأنه ليس معه قوة يستطيع بها أن يخرج هؤلاء من مكة أو يقتلهم، فكون هؤلاء النفر القليل الذين هم عزّل من السلاح المقابل لسلاح الحكومة يقومون على الحكومة لا شك أن هذا تهور مخالف للحكمة. إذا رأيت كفراً بواحاً عندك فيه من الله برهان فانتظر الشرط الخامس وهو القدرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بالخروج على الأئمة إلا بشروط وهي: أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فشرط الوجوب أن يكون لدينا القدرة على إزالة هذا الحاكم وحكومته، أما بلا قدرة فالإنسان يجب عليه أن ينتظر الفرج من الله عز وجل وألا يناهض من يقضي عليه وعلى طائفته وعلى الآخرين. وقوله: (أن تروا) أي: أنتم بأنفسكم فلا يكفي النقل؛ لأنه قد ينقل الشيء على غير وجهه، وقوله: (كفراً) يعني: لا فسقاً، فالحاكم لا يجوز الخروج عليه لو فسق بأكبر الفسوق ما عدا الكفر، يعني: لو كان يزني أو يشرب الخمر أو يقتل بغير حق لا استحلالاً ولكن ظلماً، فإنه لا يجوز أن نخرج عليه، وقوله: (بواحاً) أي: صريحاً لا يحتمل التأويل، أما الكفر الذي يحتمل التأويل فقد يكون هذا الحاكم فيه متأولاً. وقوله: (فيه من الله برهان) يعني: عندنا دليل من الكتاب والسنة دون الأقيسة التي قد تخطئ وتصيب. هذه أربعة شروط، والشرط الخامس لوجوب الخروج عليه: القدرة، وهذا الشرط -أعني القدرة- شرط في كل واجب؛ لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ولقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . فهؤلاء الإخوة الذين يريدون أن يكوِّنوا طوائف لكل طائفة أمير بناءً على أن الحاكم عندهم ليس حاكماً شرعياً في نظرهم، نقول لهم: لا يجوز لكم تفتيت الأمة بأن يكون لكل طائفة أمير، هذا خطأ عظيم، وقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ليس من هؤلاء في شيء، لكن عليهم أن يعدوا أنفسهم لإزالة هذا الحاكم الذي انطبقت عليه شروط جواز الخروج على الحاكم حتى يقويهم ويعينهم على إزالته. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 13 حكم من جاوز الميقات وأحرم من مقر إقامة أهله السؤال فضيلة الشيخ: رجل سافر من القصيم إلى جدة لزيارة أهله وهو من أهل جدة وقد نوى الاعتمار في هذا السفر، فهل يجوز له أن يؤخر إحرامه حتى يصل إلى أهله؟ الشيخ: الرجل الذي أهله في جدة أنشأ السفر لأجل زيارة أهله سواء اعتمر أم لم يعتمر لكن يقول: سأعتمر إذا بقيت أسبوعاً أو شهراً أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجب عليه أن يحرم من الميقات، كما أن الرجل من أهل مكة لو أنه سافر من القصيم إلى مكة ذهب إلى أهله وهو يريد أن يحج هذا العام، فإننا لا نلزمه أن يحرم إذا مر بالميقات؛ لأن هذا الرجل ذاهب إلى أهله، وكذلك المسألة الأولى الذي ذهب إلى أهله في جدة. أما الذي من أهل الرياض فهو في جدة مسافر غير مستوطن، فإذا ذهب إلى جدة لغرض شغل أو زيارة أو تجارة أو وظيفة وهو يريد أن يعتمر في هذا السفر، فهذا السفر كان للأمرين، فإننا نقول: لا تتجاوز الميقات حتى تحرم؛ لأنك مسافر حتى وأنت في جدة. السائل: وإذا كان متزوجاً ويسكن مع زوجته وأولاده في الرياض وأمه وأبوه في جدة فما الحكم؟ الشيخ: هذا إذا جاء إلى جدة فهو مسافر، فهنا إذا أراد أن يذهب إلى أهله للزيارة وهو يريد أن يعتمر نقول: لا بد أن تحرم من الميقات؛ لأن وطنه الرياض. أما جدة فهي وطن أبيه وأمه، ولهذا لو كان في رمضان فله أن يفطر إذا سافر إلى مقر أبيه وأمه وهو ساكن في بلد آخر، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 27 ¦ الصفحة: 14 لقاء الباب المفتوح [28] يتحدث الله عز وجل في هذه الآيات عن الفجار، وأن مصيرهم يوم القيامة في نار جهنم بل في سجين وهو أسفلها، وكان هذا جزاؤهم، لأنهم كذبوا بذلك اليوم ووصفوه بأنه أساطير الأولين، فكان الجزاء من جنس العمل. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المطففين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: في هذا اليوم الخميس الحادي عشر من شهر المحرم عام (1414هـ) نفتتح اللقاء الثاني في هذا الشهر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله كاللقاءات السابقة لقاء خيرٍ وبركة وعلم نافع. وإننا رأينا أن يستمر هذا اللقاء على الرغم من أن هذا الأسبوع هو أسبوع امتحانات، وقد يشتغل فيه كل من المدرسين والطلبة، لكننا نحب أن الإنسان إذا عمل عملاً أثبته، كما هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه إذا عمل عملاً أثبته واستمر فيه، إلا لوجود مانع شرعي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قَل) . الجزء: 28 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الفجار) قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:7-8] . (كلا) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق؛ قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى: حقاً، وقد يكون لها معانٍ أخرى يدل عليها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنىً ذاتياً لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام. في هذه الآية يقول تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:7-8] فتحتمل أن تكون بمعنى: حقاً إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال بيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كتاب الفجار لفي سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق؛ أي: في مكان ضيق. وهذا المكان الضيق هو نار جهنم -والعياذ بالله- كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:13-14] ، وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين) أي: الكافر في الأرض السابعة السفلى، فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار نعوذ بالله منها؛ فهذا الكتاب في سجين. ثم عظم الله عز وجل هذا السجين بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} [المطففين:8] فالاستفهام هنا للتعظيم، أي: ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى بُين لك؟ والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه، ولكنه لسفوله ونزوله. ثم قال تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:9] (كتاب) لا يعود على سجين، وإنما يعود على كتاب في قوله: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ} [المطففين:7] فما هذا الكتاب؟ قال: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:9] أي: مكتوب لا يزاد فيه ولا ينقص، ولا يبدل ولا يُغير، بل هذا مآلهم ومقرهم -والعياذ بالله- أبد الآبدين. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ويل يومئذٍ للمكذبين) {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المطففين:10] (ويلٌ) سبق الكلام عنها في أول هذه السورة، وقلنا: إنها كلمة وعيد؛ يتوعد الله بها من يستحق الوعيد، وهي كثيرة في القرآن الكريم، وقوله: {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المطففين:11] والكلام كله من أول السورة إلى آخرها في يوم الدين والجزاء، وهؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين توعدهم الله بالويل؛ لأن هؤلاء المكذبين بيوم الدين لا يمكن أن يستقيموا على شرع الله؛ لأنه لا يستقيم على شريعة الله إلا من آمن بيوم الدين؛ لأن من لم يؤمن به وإنما آمن في الحياة الدنيا فقط فهو لا يهتم بما وراءها، ولا يعمل لذلك، وإنما يبقى كالأنعام: {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] . ولهذا الله يقرن الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر دائماً؛ لأن الإيمان بالله ابتداء، والإيمان باليوم الآخر انتهاء، فتؤمن بالله ثم تعمل لليوم الآخر الذي هو المقر. فهؤلاء -والعياذ بالله- كذبوا بيوم الدين، ومن كذب به لا يمكن أن يعمل له أبداً؛ لأن العمل مبني على عقيدة، فإن لم تكن لك عقيدة فكيف تعمل؟! ولهذا قال: {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [المطففين:12] أي: ما يكذب بيوم الدين وينكره إلا كل معتدٍ أثيم، أي معتدٍ في أفعاله أثيم في أقواله، وقيل: معتدٍ في أفعاله أثيم في كسبه، أي: أن مآله إلى الإثم، والمعنيان متقاربان، المهم أنه لا يمكن أن يكذّب بيوم الدين إلا رجل معتدٍ أثيم، آثم كاسب للآثام التي تؤدي به إلى نار جهنم نعوذ بالله. قال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين:13] (إذا تتلى عليه) يعني: إذا تلاها عليه أحد، وهو يدل على أن هذا الرجل لا يفكر أن يتلو آيات الله، ولكنها تتلى عليه، فإذا تليت عليه قال: (أساطير الأولين) أي: هذه أساطير الأولين. وأساطير: جمع أسطورة، وهي الكلام الذي يقال للتسلي، ولا حقيقة له ولا أصل، فيقول: هذا القرآن أساطير الأولين! لماذا لا ينتفع بالقرآن وهو أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على القلب؟! حتى قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] . ونكتفي بهذا القدر من الكلام على تفسير آيات هذه السورة. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة . الجزء: 28 ¦ الصفحة: 5 حكم تأخير المغرب والعشاء إلى بعد منتصف الليل يوم الإفاضة السؤال فضيلة الشيخ: في الإفاضة إلى المزدلفة يأتي بعض الناس متأخرين جداً، وربما إلى قبيل منتصف الليل، فيصلون المغرب والعشاء، فهل صلاة المغرب هنا في وقتها أي: صار وقت العشاء وقتاً لصلاة المغرب؟ الجواب نعم. الذين يأتون من عرفة إلى مزدلفة ولا يصلون إلى مزدلفة إلا متأخرين يجمعون جمع تأخير، فإنه ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنه نزل في أثناء الطريق في مزدلفة فبال وتوضأ، وكان معه أسامة بن زيد فقال: يا رسول الله: الصلاة، قال: الصلاة أمامك ثم بقي إلى أن وصل إلى مزدلفة وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير) ، لكن لو فرضنا أنه خشي أن ينتصف الليل قبل أن يصل إلى مزدلفة ففي هذه الحال يجب أن يصلي، ولا يجوز أن يؤخر صلاة العشاء أو المغرب إلى ما بعد منتصف الليل. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 6 رد شبهة من رد السنة لوجود أحاديث ضعيفة وموضوعة فيها السؤال فضيلة الشيخ: ما هو الرد على من يقول: إن السنة ليست بحجة؛ وذلك لورود الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، فلو كانت حجةٌ مثل القرآن لحفظها الله عز وجل؟ الجواب من قال: إن السنة ليست بحجة، وأراد بالسنة كل ما يُنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من صحيح وحسن وضعيف، فهذا له وجه، ويرد عليه من وجه آخر. فيقال له: إطلاقك أن السنة ليست بحجة خطأ فيجب التفصيل، فيقال: ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وليس بصحيح فإنه لا ينسب إليه أصلاً، ولا يصح أن نقول: هو من السنة أو ليس من السنة، بل ساقط من الأصل؛ فلا يصح إطلاق السنة عليه. وأما ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حجة بلا شك، ولو لم يكن حجة لبطلت أكثر الشريعة؛ لأن أكثر الشريعة ثبتت بالسنة. والسنة كما تعلم إما أن تكون ابتداءً، وإما تفسيراً للقرآن، وإما تفصيلاً لمجمله، وإما تقييداً لمطلقه، وإما تخصيصاً لعامه؛ فهي حجة بلا شك، وقد قال الله عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن:23] وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، والآيات في هذا كثيرة، فمن أنكر العمل بالسنة فقد أنكر العمل بالقرآن ولا شك؛ لأن القرآن دل على أن السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحت إليه هي من شرع الله، فعلى هذا القائل الذي أطلق هذا القول أن يصحح قوله وأن يقول: ما ينسب إلى الرسول فهو ينقسم إلى قسمين: 1- قسم ليس بسنة فلا يكون حجة. 2- وقسم هو سنة فيكون حجة. وأما قوله: لو كانت حجة لحفظها الله؛ لأنها من دين الله، فيقال: نعم. هذا صحيح، والله تعالى قد حفظها ولله الحمد، فقيض الله من هذه الأمة أئمة وعلماء يميزون الصحيح من الضعيف، كما يميز الطبيب المرض المهلك من غير المهلك، وكما يُميز الرجل السليم من غير السليم؛ فقد ميزوها ومحصوها وبينوا الصحيح من الضعيف، واستقامت السنة ولله الحمد؛ وما زالت مستقيمة، ومن الكتب ما اتفق العلماء على ما فيه، مثل: صحيح البخاري وصحيح مسلم؛ فإن ما فيهما صحيح، حتى أطلق العلماء على أن ما فيهما يفيد العلم ليس الظن فقط؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، ومُحال أن تتفق هذه الأمة الإسلامية على باطل. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 7 مفهوم هجر القرآن السؤال فضيلة الشيخ: إذا استمر الإنسان في حفظ القرآن وترك القراءة بالنظر، هل يعتبر هاجراً للقرآن، وما هو مفهوم هجر القرآن؟ الجواب إذا منَّ الله على الإنسان بحفظ القرآن عن ظهر قلب واقتصر في قراءته على ذلك فإن هذا خير، وقد كان أكثر الصحابة رضي الله عنهم يعتمدون على الحفظ في الصدور؛ لأن كثيراً منهم كان لا يكتب، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه اعتمد في حفظ القرآن على حفظ القلب، فهو لا يكتب عليه الصلاة والسلام، ولا يقرأ من كتاب، ولهذا نقول: إن من حفظ القرآن عن ظهر قلب وصار لا يقرأ إلا عن ظهر قلب فإنه ليس بهاجر للقرآن، بل هو حافظ للقرآن ملازم له. وأما مفهوم هجر القرآن فهو نوعان: 1- هجر لتلاوته. 2- هجر للعمل به. والثاني أشد وأعظم؛ لأن الاستكبار عن العمل بما في القرآن قد يكون كفراً، أما هجر التلاوة فإنه لا يمكن لأي أحد من المسلمين أن يهجر تلاوة القرآن أبداً، حتى العجائز في بيوتهن لا يهجرن القرآن؛ لأنه ما من مسلم إلا ويقرأ الفاتحة وما تيسر من كتاب الله، وإذا قرأ الفاتحة -وهي أمُّ القرآن- وما تيسر فليس بهاجر للقرآن. وعلى هذا نقول: هجر القرآن نوعان: الأول: هجر تلاوته، وهذا لا يُتصور من أحد من المسلمين، اللهم إلا من نشأ في بلاد بعيدة وصار لا يعرف حتى الفاتحة، وإلا فسوف يقرأ في الصلاة الفاتحة وما تيسر. الثاني: هجر العمل به؛ وهذا هو الخطير، ولهذا قال الله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] أي: يقرءونه ولا يعملون به، وهذا هو الخطر الذي يخشى على الأمة منه، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: (إنهم يقرءون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم) ؛ لأنهم لا يعملون به، وإن عملوا به ظاهراً لكن القلوب خراب منه. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 8 تحريم بخس الناس أشياءهم السؤال فضيلة الشيخ: إن كثيراً من العمال الذين أتوا للخدمة في هذه البلاد يخالطوننا؛ يعملون معنا في المدارس والمساجد وكثيراً ما تُبخس حقوقهم، وقد تؤخر رواتبهم شهوراً كثيرة، حتى إن بعضهم أراد الحج في هذه السنة فأبى كفلاؤهم إلا أن يوقعوا على استلام رواتبهم لمدة عشرة أشهر أو يزيد، سؤالي هو: ماذا يجب علينا في إنكار هذا المنكر؟ وهل تبرأ ذممنا إذا أبلغنا المسئولين من قبل الحكومة عن ذلك؟ الجواب الواقع أن سؤال الأخ هذا سؤال مهم إذ يقع فيه من الكفلاء كثيرون، وما أكثر الشكاوي التي ترفع إلينا وإلى غيرنا في هذا الموضوع، والحقيقة أنها ظاهرة خطيرة يخشى معها أن نصاب بنقمة من الله عز وجل تعم الصالح والطالح؛ لأن بخس الناس حقوقهم أمر خطير، فقد أرسل الله تعالى رسولاً من أجل إزالة هذا البخس، وهو شعيب عليه السلام: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:85] . وبخس الناس أشياءهم فساد في الأرض؛ فساد يعم الصالح والطالح، فيجب علينا جميعاً نحو هذه المشكلة أمور: نصيحة الكفيل وتخويفه من الله، وأن يقال له: استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه: (أن الله قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) . فنناصح هذا الكفيل ونخوفه بالله عز وجل، فإن اتعظ بوازع الإيمان وواعظ القرآن فهذا ما نريد، وهو أحسن من أن يتعظ بردع السلطان، فإن لم يرتدع وأصر على بخس هذا العامل الفقير حقه، فإنه يجب علينا أن نرفع الأمر للمسئولين وأن ندلي بشكايتنا وشهادتنا. لنا الحق أن نشكو هذا الكفيل الذي أضاع حق مكفوله؛ لأننا نخشى أن تعمنا عقوبة هذه المصائب، فنشكو ونشهد على أن هذا الكفيل أضاع حق هذا المسكين الذي ترك أهله ووطنه وأصحابه؛ ليعيش هو وأهله، ثم يأتي هذا الرجل الظالم فلا يوفيه حقه، وعلى الحكومة أن تردع مثل هذا الكفيل ردعاً زاجراً يزجره وأمثاله حتى لو باعت ممتلكاته لتُوفي هؤلاء الفقراء الذين أضاع حقوقهم؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني وجب أن يقوى الرادع السلطاني؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني تفلتت الأمور ولم تقض الحقوق. فنصيحتي لهؤلاء الكفلاء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخشوا الله تبارك وتعالى، وأن يعطوا هؤلاء حقوقهم، وما ندري فلعل يوماً من الأيام يأتي ويكون هذا الكفيل مثل هؤلاء مكفولاً؛ فإن الناس في بلادنا هذه قبل عشرات السنين كانوا يذهبون إلى الشام والعراق والهند يطلبون لقمة العيش؛ لأنهم فقراء، ولولا أن الله منَّ علينا بمنابع هذا البترول لكنا أسوأ حالاً منهم، فليتقوا الله عز وجل، وليعطوا هؤلاء حقوقهم قبل أن يموتوا؛ فتؤخذ حقوق هؤلاء من حسناتهم، فإن بقي من حسنات الكفلاء وإلا أخذ من سيئات المكفولين وطُرح عليهم ثم طُرحوا في النار والعياذ بالله، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم. كما أني أنصح إخواني المواطنين المؤمنين الذين عندهم غيرة على إخوانهم وعلى بلادهم أن يناصحوا هؤلاء الكفلاء، فإن لم يفد فيهم النصح شيئاً فيرفعوا أمرهم إلى الحكومة، وليطلبوا من الحكومة بإلحاح أن يعاقبوا هؤلاء الكفلاء معاقبةً شديدة تردعهم وأمثالهم لئلا تحيط العقوبة بنا وبهم. كما أن كثيراً من الكفلاء يغيبون عن المكاتب ويسافرون إلى غير بلدهم، وربما يختبئون في بيوتهم كما جرى لنا ذلك كثيراً؛ إذا أُعطينا رقم تليفون الكفيل واتصلنا به عدة مرات لا نجده، نعم ربما يختفون، ففي هذه الحال لا نتمكن من النصيحة. فيجب أن نرفع الأمر إلى السلطة، والسلطة بنفسها تتقي الله عز وجل وتعطي هؤلاء المظلومين حقوقهم وتنتقم من هذا الذي بخسهم حقهم وأضاعه. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 9 حكم من مات وكانت إحدى أسنانه من ذهب السؤال فضيلة الشيخ: إذا توفي إنسان وكان أحد أسنانه من ذهب، هل يُترك هذا السن أو يُخلع؟ وإذا كان هذا الخلع يترتب عليه مضرة لبقية الأسنان فما الحكم، وهل ورد نص في ذلك؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن السن الذهب لا يجوز أن يركب إلا عند الحاجة إليه، فلا يجوز أن يركبه أحد للزينة، اللهم إلا النساء إذا جرت عادتهن التزين بتحلية الأسنان بالذهب فلا بأس، أما الرجال فلا يجوز أبداً إلا لحاجة. ثانياً: إذا مات من عليه أسنان من ذهب فإن كان يمكن خلع السن بدون مُثلة خُلع؛ لأن دفنه مع الميت إضاعة مال، والرسول صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإن كان لا يمكن خلعه إلا بُمثلة بحيث تسقط بقية الأسنان فإنه يبقى ويدفن معه. ثم إن كان الوارث بالغاً عاقلاً رشيداً وسمح بذلك تُرك ولم يعرّض له، وإلا فقد قال العلماء: إذا ظن أن الميت بلي حُفر القبر وأُخذ السنُّ؛ لأن بقاءه إضاعة مال، أما إذا كان الوارثون عقلاء مرشدين فهذا مالهم، لهم أن يسمحوا فيه ويبقى مع الميت ولا يحفر. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 10 تفسير حديث: (يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء) السؤال فضيلة الشيخ: روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل فقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام. ) والسؤال هو عن أسباب دخول الأغنياء الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام، بينما نجد ولله الحمد الصحوة من الأغنياء بشكل واضح؛ يُسخِّرون أموالهم من أجل الدين فما توجيهكم لهذا الحديث؟ الجواب ظاهر الحديث أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام أو بمدة أخرى تتفاوت عن الخمسمائة عام، ولكن هذا فيما إذا تساوى المؤمن الغني والفقير؛ فإن الله يَجْبُرُ هذا الفقير الذي لم يتنعم في الدنيا بما تنعم به الغني فيقدمه على الغني في دخول الجنة، أما إذا كان الغني عنده من الأعمال الصالحة ما يفوق الفقير فالظاهر -والله أعلم- أن الغني يسبق الفقير بحسب سبقه للعمل الصالح، ويكون هذا الحديث مقيداً بما إذا تساوى الغني والفقير، أو يقال: إن هؤلاء يسبقون الأغنياء دخولاً ولكن الأغنياء إذا دخلوا الجنة صاروا في منازلهم التي يستحقونها، وكانوا فوق الفقراء إذا كانوا يستحقون منزلة فوق الفقراء والجنة درجات {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام:132] . الجزء: 28 ¦ الصفحة: 11 حكم إفراد يوم عاشوراء بالصيام دون شفعه بآخر السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم صيام يوم عاشوراء فقط من غير صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهو قادر على أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، لكن يشق عليه؟ الجواب الأفضل أن الإنسان يصوم التاسع والعاشر من شهر الله المحرم، هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) لكنه قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: مع العاشر، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) وفي رواية: (يوماً قبله ويوماً بعده) لكن لا شك أن المخالفة تكون إذا صام الإنسان يوماً قبله أو يوماً بعده. فالأفضل أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً، وإن صام التاسع مع العاشر فهو أفضل من صوم الحادي عشر مع العاشر، وإن صام الأيام الثلاثة؛ التاسع والعاشر والحادي عشر حصل له أجر صيام ثلاثة أيام من الشهر؛ لأن الإنسان إذا صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كصيام الدهر، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأفضل في صيام الثلاثة أيام أن تكون الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، لكن يجوز أن يُصام في غير هذه الأيام الثلاثة، فقد قالت عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره) ، وإن اقتصر على صوم اليوم العاشر فقط حصل له الأجر، لكن ينقص أجره عمن صام اليوم التاسع معه أو الحادي عشر، وقد قال بعض العلماء: إن صيام عاشوراء على ثلاثة مراتب: المرتبة الأولى: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر. والمرتبة الثانية: أن يصوم التاسع والعاشر. والمرتبة الثالثة: أن يصوم العاشر والحادي عشر. وأما من اقتصر على العاشر فلا حرج عليه؛ لعموم الأدلة الدالة على فضيلة صوم اليوم العاشر، ولكن يبقى النظر فيما يحصل من الناس من الذبذبة في اليوم العاشر متى يكون؟ نقول: العبرة بأحد أمرين: إما رؤية هلال محرم، أو إكمال شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً، فإذا لم يُر هلال شهر المحرم فإنه يتمم شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً ومنازل القمر ليس بها عبرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) ، وهذا ينطبق على جميع الشهور، إذا لم يُر الشهر الداخل فإننا نكمل الشهر الذي قبله ثلاثين يوماً وبهذا نطمئن، أما كون الناس مذبذبين حتى إن بعض الناس قال: إن اليوم العاشر في يوم الجمعة، وسبب ذلك أنه نزل في الإذاعة حديثٌ للشيخ صالح اللحيدان كان حديثاً في العام الماضي، والعام الماضي اليوم العاشر فيه هو يوم الجمعة -فنزل الحديث في الإذاعة وهو حديث العام الماضي فسمعه الناس على أن العاشر هو يوم الجمعة فكانوا يسألون: هل هم أجلوا اليوم العاشر إلى يوم الجمعة؟ فقلنا: اليوم العاشر لا يتأجل ولا يمكن أن يتأجل، وسببه الخطأ في تنزيل الشريط الذي في العام الماضي لهذا العام. وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، ونسأل الله تعالى أن يعيدنا وإياكم عوداً حميداً، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيءٍ قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 28 ¦ الصفحة: 12 لقاء الباب المفتوح [29] تحدث الشيخ عن بعض آيات سورة المطففين، وبين من خلالها حال المتقين الأبرار، وما لهم من النعيم المقيم في الدار الآخرة، ثم أجاب بعد ذلك على الأسئلة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المطففين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في شهر المحرم عام (1414هـ) الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، والذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيه الخير والبركة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الأبرار) قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18] في هذه الآية يخبر الله عز وجل خبراً مؤكداً بـ (إن) لأن (إن) في اللغة العربية من أدوات التوكيد، فإنك إذا قلت: الرجل قائم، فإن هذا خبر غير مؤكد، وإذا قلت: إن الرجل قائم، صار خبراً مؤكداً، فيقول الله عز وجل: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18] وهذا مقابل قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7] فكتاب الفجار في سجين في أسفل الأرض، وكتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة، أي: أنهم في هذا المكان العالي، قد كُتب ذلك عند الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:19] أي: ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام يراد به التفخيم والتعظيم، يعني: أي شيء أدراك به فإنه عظيم. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (كتاب مرقوم) قال الله تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:20] هذا بيان لقوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين:18] أي: أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم، مكتوب لا يتغير ولا يتبدل {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:21] أي: يحضره أو يشهد به المقربون؛ و (المقربون) عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته، وكلما كان الإنسان أكثر طاعةً لله كان أقرب إلى الله، وكلما كان الإنسان أشد تواضعاً لله كان أعز وأرفع مكاناً عند الله. قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فقربهم الله تعالى {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:22-23] الأبرار: جمع بَرٍّ، والبَرُّ: كثير الخير كثير الطاعة كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منَّ الله عليهم بفعل الخيرات وترك المنكرات في نعيم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22] والنعيم هنا يشمل: نعيم البدن ونعيم القلب. أما نعيم البدن: فلا تسأل عنه، فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] ، وقال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] . وأما نعيم القلب: فلا تسأل عنه أيضاً، فإنه يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وأن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وكل هذا مما يُدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن. (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) يقولون لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24] جعلني الله وإياكم منهم. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (على الأرائك ينظرون) قال تعالى: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:23] (الأرائك) جمع أريكة، وهي: السرير المزخرف المزين الذي وضع عليه مثل الظل، وهو من أفخر أنواع الأسرة، فهم على هذه الأسرة الناعمة الحسنة البهية، (ينظرون) أي: ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم الذي لا تدركه الأنفس الآن، {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وقال بعض العلماء: إن هذا النظر يشمل حتى النظر إلى وجه الله، وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله تعالى في الجنة. قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24] تعرف أيها الناظر إليهم (في وجوههم نضرة النعيم) أي: حسن النعيم وبهاءه، أي: التنعم. وأنتم تشاهدون الآن في الدنيا أن المنعمين المترفين وجوههم غير وجوه الكادحين العاملين؛ تجدها نضرة، وحسنة، ومنعمة، فأهل الجنة تعرف في وجوههم (نضرة النعيم) أي: التنعم والسرور؛ لأنهم أسرُ وأنعم ما يكون. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 29 ¦ الصفحة: 6 الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية السؤال ما الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية؟ الجواب لله سبحانه وتعالى إرادة؛ وهذه الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية، وإرادة كونية، والفرق بينهما من وجهين: الفرق الأول: أن الإرادة الكونية تتعلق بالتكوين والخلق سواء كان مما يحبه الله أو مما لا يحبه الله. أما الإرادة الشرعية: فتتعلق بالشرع وتختص فيما يحبه الله، فلا يريد الله شرعاً إلا ما يحبه. والفرق الثاني: أن الإرادة الكونية لا بد أن يقع فيها المراد، بخلاف الإرادة الشرعية، ويظهر ذلك بالمثال، يقول تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً} [الرعد:11] قال الله تعالى: {فَلا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد:11] لا بد أن يكون وإن كان سوءاً، فهذه إرادة كونية، أما الإرادة الشرعية كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} [البقرة:185] فلا يمكن أن يريد منا ما هو عسير علينا، بل إذا تعسر الأمر شرعاً خُفف، فالمسافر يفطر، والمريض يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب. وقد أراد الله تعالى من كل إنسان أن يكون مؤمناً تقياً، لكن أراد ذلك إرادة شرعية، ولهذا نجدها تتخلف، فمن الناس من لا يكون مؤمناً ولا تقياً. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 7 حكم اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر للطواف السؤال هل تجب الطهارة من الحدث الأصغر للطواف، وما صحة حديث: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) ؟ الجواب أما الأول وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) فهذا لا يدل على وجوب الطهارة من الحدث الأصغر؛ لأن عائشة رضي الله عنها حائض، والحائض لا يمكن أن تقوم بطوافٍ ولا غيره، ولا يمكن أن تمكث في المسجد، فالعلة ليست عدم الطهارة إنما العلة أنها حائض. وأما أن الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام ابن عباس رضي الله عنه مع أنه منتقض وليس مطرداً؛ لأن الطواف يخالف الصلاة في أكثر من الكلام: 1- الطواف ليس له تحريم ولا تحليل بخلاف الصلاة. 2- الطواف لا يبطله الضحك والصلاة يبطلها الضحك. 3- الطواف لا يبطله الأكل والشرب، والصلاة يبطلها الأكل والشرب. 4- الطواف لا يشترط فيه القراءة لا الفاتحة ولا غيرها، والصلاة يشترط فيها. 5- الطواف لا يشترط فيه استقبال القبلة -بل لا بد أن تكون الكعبة عن يساره- والصلاة يشترط فيها ذلك. فهو يخالف الصلاة في كثير من المسائل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن يكون مطرداً لا ينتقض، فلما انتقض هذا الحديث بما ذكرت؛ عُلم أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم. ثم إنا إذا قلنا: بأنه لا يشترط الوضوء لا يعني أننا نقول: إنه ليس بمشروع، بل هو مشروع وأفضل ولا شك، الإنسان يطوف على طهارة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الطائف سوف يصلي بعد الطواف ركعتين مباشرة ولا بد لهاتين الركعتين من الطهارة بالاتفاق. وهذا الذي ذكرناه هو ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ورجحه وقواه. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 8 الدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء السؤال فضيلة الشيخ: هل الدم الكثير يبطل الوضوء؟ الجواب الدم الكثير الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، سواء خرج من الأنف، أو من جرح، أو من الرأس، أو من أي مكان من البدن، إلا ما خرج من السبيلين، وذلك لأنه لا دليل على أن خروج الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء، والسبيلان هما: القبل والدبر. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 9 من أنواع السحر المحرم السؤال فضيلة الشيخ: في بلادنا ما يسمى بالحواة جمع حاوٍ، وهو رجل يقوم بأعمال سحرية للتسلية في المدارس وفي أماكن النزهة، فيأخذ ورقة بيضاء ويدخلها في جيبه ويخرجها عملة ورقية من فئة الألف أو الخمسمائة، أو يدخل منديلاً في فيه ويخرجه عشرات المناديل معقودة ببعضها وبها أسلاك أو أمواس وما أشبه ذلك. فهل هذا من السحر المحرم؟ الجواب نعم. هذا من السحر المحرم لا شك، وقد قال الله تعالى في شأن سحرة آل فرعون لما ألقوا حبالهم وعصيهم أن موسى عليه الصلاة والسلام {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] خُيِّل له أنها حيات ملأت الأرض وأنها تسعى نحوه فخاف، فأمره الله أن يلقي عصاه {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الشعراء:45] . وهذا يكون سحراً للعيون، وإلا فلا تأثير له في خلق الله عز وجل، فهذه المناديل التي أدخلها ليست إلا منديلاً واحداً، والورقة التي أدخلها وأخرجها نقوداً ليست إلا الورقة الأولى، لكنه سحر أعين الناس. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 10 سير الناس أثناء الجنازة السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للجنازة أيهما أفضل: أن تكون تابعة أم متبوعة، وما حكم الدعاء بصوت عالٍ للميت والناس يؤمنون خلفه في حال الدفن؟ الجواب ذكر أهل العلم أن التابع للجنازة إن كان راكباً فالأفضل أن يكون خلف الجنازة، وإن كان ماشياً فالسنة أن يكون خلفها أو يمينها أو شمالها. والأمر في هذا واسع والعلماء قالوا: إن الركبان يكونون خلف الجنازة في عهدهم؛ لأن الناس كانوا يركبون على الإبل أو على الحمير أو ما أشبهها. أما الآن فالأولى للركبان إذا كانوا في السيارات أن يكونوا أمامها؛ لأن وجودهم خلف المشيعين يزعجهم وربما يزعج المشيعين فيسرعوا إسراعاً فاحشاً يخشى على الميت مع قوة الرجِّ أن يخرج منه شيء، فلهذا أرى أن الركبان في السيارات في الوقت الحاضر يكونون أمام الجنازة، فإن لم يتيسر لهم ذلك فليكونوا خلفها بعيداً عن المشاة لئلا يزعجوا المشاة، والأمر بالنسبة للمشاة واسع؛ إن كانوا عن أمامها أو خلفها أو يمينها أو شمالها. أما الدعاء للميت برفع الصوت عند الدفن فإنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) ولو كان الدعاء بصوت جماعي سنة لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك لأصحابه؛ لأن دعوته لهم أبرك وأقرب للإجابة، ولكن يقال للناس: كلٌ يدعو بنفسه لهذا الميت إذا دفن، فيستغفروا له ويسألوا الله له التثبيت ويكفي مرة واحدة، لكن إن كررها ثلاثاً فهو خير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا؛ دعا ثلاثاً. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 11 وقت صلاة الضحى السؤال فضيلة الشيخ: متى يكون آخر وقت صلاة الضحى، وما أفضل وقت لصلاتها؟ الجواب صلاة الضحى أول وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رُمح، وهذا يكون بنحو ربع ساعة بعد طلوع الشمس، وينتهي وقتها قبيل الزوال، أي: إذا دخل وقت النهي، وذلك قبل زوال الشمس بعشر دقائق تقريباً. وهذه الصلاة من الصلوات التي ينبغي أن تصلى في آخر وقتها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الأوابين حين ترمضُ الفِصال) أي: حين يزداد حرُّ الشمس، لكن قبل الزوال بنحو ربع ساعة هذا هو الأفضل، وإذا كان لا يتيسر للإنسان هذا الوقت لكونه مشغولاً بوظيفةٍ أو دراسةٍ أو تجارةٍ، فإنه يصليها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح؛ أي: بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 12 حكم من اعتمر وكان طوافه ناقصا ً السؤال فضيلة الشيخ: رجل وامرأة اعتمرا وطافا ستة أشواط، وفي الشوط السابع دخلا ما بين الكعبة والحجر ثم رجعا إلى بلدهما، وارتكبا العديد من محظورات الإحرام من جماعٍ وغيره، فما الحكم في هذه الحالة وما الحكم لو لم يرتكبا أي محظور؟ الجواب الطواف الذي يدخل فيه الإنسان بين الحجر والكعبة طواف ناقص؛ لأن الواجب أن يكون الطواف بجميع الكعبة مع الحجر؛ لقول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] وإذا كان طوافاً ناقصاً لم يكن عليه أمر الله ورسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. وبهذا يتبين أن طواف هذين الشخصين -الرجل وزوجته- طواف غير صحيح وأوصيك أن تخبرهما: أنه يجب عليهما الآن فوراً أن يلبسا ثياب الإحرام وأن يذهبا إلى مكة فيطوفا بنية العمرة، ويسعيا ويقصرا أو يحلق الرجل وتقصر المرأة وبذلك يحلان من إحرامهما هذا هو الواجب عليهما الآن. وأما ما ارتكباه من فعل المحظور وهو صادر عن جهل منهما فلا إثم عليهما ولا فدية؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . السائل: لقد عرفا أن العمرة باطلة، ومع ذلك يرتكبان كثيراً من المحظورات بعد علمهما أنها باطلة؟ الشيخ: هذا عن جهل أيضاً؛ لأنهما ظنا أنها بطلت وحلا منها، كما أن الصلاة إذا بطلت خرج الإنسان منها، فهو أيضاً صادر عن جهل، لكن لو علما أنها باطلة وأنهما لا زالا محرمين ما فعلا شيئاً من المحظورات. السائل: فضيلة الشيخ: هل تكون العمرة القادمة بنية القضاء للأولى؟ الشيخ: هي تكميل للأولى وليست قضاء؛ لأنهما لا يزالان الآن محرمين، لا يجوز لهما الطيب ولا أي شيء من محظورات الإحرام، ولذلك يجب عليك الآن أن تتصل بهما على الهاتف وتخبرهما بذلك، هذا واجب عليك، وواجب علينا، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيت فذكروني) . الجزء: 29 ¦ الصفحة: 13 حكم رواية أحاديث الصفات بالمعنى السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم رواية أحاديث الصفات بالمعنى؟ الجواب رواية أحاديث الصفات بالمعنى أخشى أن يكون الراوي من أهل التعطيل، فيروي الحديث بالمعنى الذي هو يعتقده، مثل أن يتحدث عن نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا والحديث: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فيقول هذا الراوي بالمعنى معتقداً أن معنى الحديث: ينزل ملك من الملائكة فيقول: كذا وكذا، ثم يروي هذا الحديث على ما يعتقد هو من معنى، فيحصل بهذا ضلال كبير. فرواية الحديث بالمعنى من أهل البدع لا تجوز بالنسبة لأحاديث الصفات؛ لأنهم ربما يروونها على ما يعتقدون من البدع، فيحرفون الكلم عن مواضعه لفظاً ومعنىً. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 14 ارتكاب بعض محظورات الإحرام جهلا ً السؤال ما رأي فضيلتكم في رجل حج بنية القِران فلما طاف طواف القدوم سعى وقصر وبقي على إحرامه حتى أكمل حجة؟ الجواب رأينا أنه لا شيء عليه، فهذا الرجل الذي أحرم قارناً ثم طاف وسعى رأى الناس يقصرون فقصَّر لا بنية التحلل واستمر على إحرامه، فليس عليه شيء؛ لأن غاية ما حصل منه أنه قص شعره جاهلاً، ففعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً، ومحظورات الإحرام إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 15 دعوى ضد شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب السؤال ما رأي فضيلتكم في هذه المقالة: إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما بين العقيدة لم يبينها من جميع نواحيها وإنما من توحيد الأسماء والصفات فقط؟ وأن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم يبينها إلا في توحيد الألوهية فقط؟ الجواب نقول: هذه دعوى، والدعوى لا تقبل إلا ببينة، وهي صادرة إما من شخص لم يطالع كتب الشيخين ولم يستوعب ما كتباه في التوحيد، وإما من شخص له غرض بهذا الكلام يريد أن ينال من قدر هذين الشيخين اللذين منَّ الله بهما على العباد. وشيخ الإسلام رحمه الله له كلام كثير في توحيد الربوبية مع الفلاسفة وغيرهم، وله كلام كثير في توحيد الألوهية، بل له كتب مستقلة في ذلك، مثل: رسالة العبودية، كلها في تحقيق توحيد الألوهية، وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له في هذا وهذا، ولكن لما كانت الصولة في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأهل الكلام وكان جلُّ كلامهم في الصفات وما يتعلق بها؛ صار أكثر ما كتب في هذه الناحية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لما كان في عهده صولة للشرك في العبادة صار أكثر ما كتب في توحيد العبادة. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 16 حكم تأخير الزكاة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم تأخير الزكاة شهراً أو شهرين حتى تسلم للحكومة؟ الجواب الواجب على الإنسان أن يؤدي الزكاة فوراً، كما أن الدَّين لو كان لآدمي وجب عليه أن يؤديه فوراً إذا لم يؤجل وكان قادراً على تسليمه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) وقوله: (اقضوا الله فالله أحق بالقضاء) وعلى هذا فالواجب على الإنسان أن يبادر بدفعها، لكن إن كان من عادة الناس أن تأخذ زكاتهم الحكومة، وأخرها خوفاً من أن تأتي الحكومة وتطالبه بها فهذا لا حرج عليه، ينتظر حتى يأتي مبعوث الحكومة ويسلمها له. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 17 حكم من باع محلاً قبل حلول الزكاة السؤال فضيلة الشيخ: شخص باع محلاً قبل حلول زكاته بشهرين فمن الذي يدفع الزكاة؟ الجواب إذا انتقل ملك المال الزكوي قبل تمام الحول، فإن كانت عروض تجارة كما قبضه المالك الأول يزكيه مع أمواله، مثال ذلك: إنسان عنده أرض للتجارة فباعها قبل حلول زكاته بشهرين، فإنه إذا حلت الزكاة يجب عليه أن يؤدي زكاة الدراهم التي باع بها هذه الأرض، أما لو باعها بدراهم ثم اشترى بالدراهم سكناً له قبل تمام الحول فإنه لا زكاة عليه. أما الثاني الذي انتقلت إليه، فينظر: هل انتقلت إليه على وجه تجب فيه الزكاة مثل أن يكون اشتراها للتجارة فهذا ينبني حولها على حول ماله الذي عنده قبلها، وإن كان اشتراها ليبني عليها ويسكنها فإنه لا زكاة عليه. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 18 نصيحة لاستغلال الإجازة الصيفية السؤال فضيلة الشيخ: أريد توجيه الشباب في هذه العطلة وإسداء النصيحة خاصة للإخوة المدرسين في هذه الإجازة، هل الأفضل لهم أن يسافروا لنصرة إخوانهم في المشرق والمغرب من إعانات ونحوها؟ أو الأفضل لهم الانضمام للمراكز العلمية الصيفية لحفظ الشباب؟ أو الذهاب إلى العلماء والاستفادة من الدروس العلمية التي توجد في كل مكان، ثم نصيحة للذين يضيعون أوقاتهم في غير هذه الأمور الثلاثة؟ الجواب أولاً: أنا لا أرى أن نسمي هذه الإجازة عطلة؛ لأنه ليس في أيام الإنسان المسلم المؤمن عطلة، بل ولا غير المؤمن، كلٌ يعمل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] نعم هي عطلة من الدراسة النظامية لكن لو سميت بدلاً من العطلة إجازة فهذا جيد. ثانياً: بالنسبة لما سألت: هل الأفضل للأساتذة أن يذهبوا يميناً وشمالاً ليساعدوا إخوانهم أو يتفرغوا لطلب العلم، أو لتوجيه الشباب، أو للدعوة إلى الله؟ فهذه تختلف باختلاف الناس وباختلاف الحاجات، فالرجل الذي هو وعاء علم حفظاً وفهماً وإدراكاً نقول له: الأفضل أن تبقى في طلب العلم؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد: لا يعدله شيء، فهو أفضل من الجهاد في سبيل الله إذا لم يتعين الجهاد؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وبقي طائفة، (لِيَتَفَقَّهُوا) أي: الطائفة الباقية، {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فجعل الله سبحانه وتعالى البقاء للتفقه في الدين معادلاً للخروج للجهاد في سبيل الله وهو أفضل منه؛ لأن الجهاد يُحتاج إليه في بعض الأوقات دون بعض، والناس محتاجون للعلم في كل شئون الحياة: في العبادات، والأخلاق، والمعاملات. أما الجهاد في سبيل الله فالناس محتاجون إليه إما للدفاع عن دينهم وأوطانهم الإسلامية، وإما لأن تكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الجهاد إما دفاع وإما هجوم، لكنه في جانب خاص من الحياة، وأما العلم فهو في جميع الجوانب، قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صلحت نيته. أما الرجل الذي ليس وعاءً للعلم ولو جلس في الحلقات لا يفهم ولا يدرك شيئاً لكنه بصير بأحوال الجهاد قوي البدن قوي العزيمة، فالأفضل أن يخرج ويجاهد، وأما رجل ثالث لا يقوى على هذا ولا على هذا لكنه عنده إقناع وأسلوب في الدعوة والموعظة؛ يجلب القلوب ببيانه وموعظته، ويرقق القلوب ويدمع العيون، فنقول لهذا: تجوَّل وادع الناس في البلاد؛ لأن بلادنا محتاجة إلى طلبة علم ودعاة ليفقهوا الناس ويعلموهم، فإن كثيراً من أطراف البلاد -كما بلغنا- عندهم جهل كثير وهم يحتاجون إلى طلبة علم يعلمونهم. فلقد سافر بعض الطلبة في الإجازة الربيعية إلى جهة الجنوب، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً -بهؤلاء الطلبة- وصاروا يلاحقونهم في كل مكان، يتلقون منهم ويأخذون منهم، هذا وهم طلبة، فكيف إذا ذهب من هو أعلى منهم شأناً؟ سيكون له فائدة كبيرة بلا شك. أما بالنسبة للشباب فإني أنصح الشباب أن يحرصوا على حفظ أوقاتهم وألا يتعودوا على الكسل والخمول، وأن يلزموا أهل الخير الذين يوجهونهم توجيهاً سليماً ويحفظون عليهم دينهم وأخلاقهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك أو يبيعك أو تجد منه ريحاً طيباً، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) . فنصيحتي للشباب أن يحرصوا على أن يصطحبوا أهل الخير وأهل العقول وأهل التأني والتروي، وليحذروا من قرناء السوء، فإن قرناء السوء كالنار تحرق الثوب شيئاً فشيئاً حتى تأتي إلى الجسد فتأكله، وعليهم أن يلتحقوا بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال مأمنون ديناً وخلقاً وفكراً وتوجيهاً، أو يلتحقوا بحلقات تحفيظ القرآن لعلهم في هذه الإجازة يحفظون شيئاً من كتاب الله، فإن أفضل كتاب وأحق كتاب بالعناية هو كتاب الله عز وجل، ونسأل الله للجميع التوفيق، وأن يجعلنا ممن حفظ أوقاته فيما يرضي الله عز وجل. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 19 أقسام استعمال (لو) السؤال فضيلة الشيخ: هل كلمة (لو) أو (لولا) جائزة مطلقاً أم ممنوعة مطلقاً أم هناك تفصيل، خصوصاً أنها قد وردت بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على الجواز وبعض الأخبار تدل على عدم ذلك؟ الجواب استعمال (لو) أو (لولا) على أقسام: القسم الأول: أن تكون لمجرد الخبر، فهذه لا بأس بها ولا حرج فيها، مثل أن تقول: لولا أني مشغول لزرتك، وهذه ليس فيها شيء إطلاقاً؛ لأنها مجرد خبر، إن كان صدقاً فهو صدق وبر، وإن كان كذباً فله أحكام الكذب. القسم الثاني: أن تكون للتمنّي، فهذه حسب ما يتمنّاه الإنسان، إن تمنى خيراً فخير، وإن تمنى شراً فشر، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الفقير الذي قال: لو عندي ما لفلان لعملت به مثلما عمل، وكان فلان يعمل بماله في الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فهما في الأجر سواء) والثاني قال: لو أن لي ما لفلان لعملت به مثلما عمل فلان، وكان فلان يعمل في ماله بالشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فوزرهما سواء) . القسم الثالث: أن تكون للندم على ما فات وللتحسر، فهذه منهي عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فهذه أقسام (لو) كما رأيت. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 20 أقسام إسناد الشيء إلى سببه السؤال فضيلة الشيخ: هل إسناد الأمور إلى الأسباب شرك مطلقاً أم هناك تفصيل؟ الجواب إسناد الشيء إلى سببه ينقسم إلى أقسام: الأول: قسم يكون شركاً أكبر، مثل أن يقول: لولا الولي فلان لهلكت، والولي فلان مدفون مقبور لا ينفع أحداً شيئاً، ولا يصدر هذا القول إلا من شخص يعتقد أن للولي المدفون تصرفاً في الكون، فيكون شركاً أكبر مخرجاً عن الملة. الثاني: جائز، وهو أن يضيف الشيء إلى سببه المعلوم شرعاً أو المعلوم حِساً، فهذا جائز لا بأس به، مثل أن تقول: لولا أن فلاناً توضأ لم تصح صلاته، هذا صحيح وواقع لو لم يتوضأ لم تصح صلاته، هذا السبب الشرعي. ومثال السبب الحسي: أن يدخل رجل في بئر فيخرجه رجل آخر فيقول: لولا فلان أخرجني لهلكت، هذا أيضاً صحيح، لكن لا يعتقد أن فلاناً هو الذي استقل بإخراجه لكن يسره الله له فأنقذه. ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب حيث أُخبر أن عمه أبا طالب في ضحضاح من النار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، قال صلى الله عليه وسلم: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) وهو كثير في كلام العلماء إضافة الشيء إلى سببه المعلوم حساً أو شرعاً. الثالث: أن يضيفه إلى السبب مع الله مقروناً بالواو، فهذا لا يجوز؛ بل هو من الشرك لكنه شرك أصغر، إلا أن يعتقد أن الثاني الذي مع الله له تصرف كتصرف الله فهذا شرك أكبر، مثل أن يقول: لولا الله وفلان لحصل كذا وكذا، فهذا لا يجوز حتى وهو يعتقد أن الله فوق كل شيء، بل يقول: لولا الله ثم فلان، أما إن اعتقد أن الله وفلاناً سواء في التأثير فهذا شرك أكبر. وأهم شيء في هذا التقسيم الثلاثي أن الإنسان إذا قال: لولا كذا لكان كذا، إذا كان خبراً فإنه لا بأس، أو إذا كان مستنداً إلى سببٍ صحيح فإنه لا بأس بذلك. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 21 حكم من نوى الفطر في نهار رمضان السؤال فضيلة الشيخ: رجل مسافر وصائم في رمضان، نوى الفطر ثم لم يجد ما يفطر به، ثم عدل عن نيته وأكمل الصوم إلى المغرب فما صحة صومه؟ الجواب صومه غير صحيح ويجب عليه القضاء؛ لأنه عندما نوى الفطر أفطر، أما لو قال: إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي ولم يجد الماء فهذا صومه صحيح؛ لأنه لم يقطع النية ولكنه علّق الفطر على وجود الشيء، ولم يوجد الشيء فبقي على نيته الأولى. السائل: كيف نرد على من يقول: إنه لم يقل أحد من العلماء: إن النية من المفطرات؟ الجواب: نقول للذي قال هذا: إنه لا يعرف عن كتب أهل العلم شيئاً -كتب أهل العلم في الفقه والمختصرات- ففي زاد المستقنع يقول: ومن نوى الإفطار أفطر. وأنا يا إخواني أحذركم من غير العلماء الراسخين المعروفين بالتقدم في العلم، وأحذركم منهم إذا قالوا، فلم يعلم قائلاً بذلك، أو لم يقل أحد بذلك؛ لأنهم قد يكونون صادقين؛ لأنهم لا يعرفون كتب أهل العلم ولم يطالعوها، ولا يعرفون عنها شيئاً، فلذلك هذا الذي تقول: إنه لم يقل أحد بذلك مع إنه في مختصرات الفقه: (من نوى الإفطار أفطر) ، ثم لو فرضنا إنه لم يوجد في كتب أهل العلم أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات) ؟ بلى، قال ذلك، فإذا كان يقول: (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل نوى الإفطار هل يفطر؟ نعم. يفطر. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 22 حكم الأذان لمن فاتته الصلاة السؤال هناك سؤال وُجه إلى أحد العلماء عن حكم أذان من فاتته الصلاة، يقول: إنه واجب؛ لأنه ثبت في حديث المسيء صلاته أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالأذان ثم الإقامة، والأمر للوجوب ولم يصرفه صارف فما حكم ذلك؟ الجواب نقول له: أولاً: أثبت ما ادعيت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته أن يؤذن ويقيم. ثانياً: إذا ثبت أنه أمره بذلك فإنا نقول: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بذلك؛ لأن هذا الرجل قدم المدينة بعد أن أذّن الناس ولم يسمع الأذان، وقد كان بعيداً في البر مثلاً، ونحن نقول: إذا كان الإنسان وصل إلى المدينة وكان الأذان قد حصل وهو في البر ولم يسمع الأذان وليس في بلد حتى نقول: أذان الناس يكفيه فهذا نأمره بأنه إذا جاء فدخل المسجد أن يؤذن لكن أذاناً خفيفاً لا يسمعه إلا من معه فقط لئلا يشوش. وأما إذا كان في البلد فإن أذان الناس يكفيه، ودليل هذا: الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) لم يؤذن ولم يأمره بالأذان. والحاصل أن نقول: إذا جاء الإنسان وقد فاتته الصلاة فإن كان في البلد فأذان المسلمين يكفيه؛ لأن الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة وقد حصل، وإن كان خارج البلد كمسافر قدم البلد ووجد الناس قد صلوا فهنا نقول: يشرع أن يؤذن، لكن الأذان يكون بقدر ما يسمعه من معه لئلا يشوش على الناس. وأما الإقامة فهي سنة حتى لمن فاتته الصلاة وهو في البلد؛ لأن الإقامة إعلام بقيام الصلاة، فكل من أراد الصلاة المفروضة فإنه يقيم. وإلى هنا انتهى المجلس بحلول الأذان ونحن الآن نتكلم عن الأذان، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. الجزء: 29 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [30] فسَّر الشيخ رحمه الله آخر الآيات في سورة المطففين، حيث بيَّن النعم العميمة والعطايا الجزيلة التي يجدها الأبرار في دار القرار، وكما ضحك الكفار من المؤمنين في الدنيا؛ فكذلك المؤمنون يضحكون من الكفار في الآخرة، وإنما العبرة بالخواتيم. ثم أجاب الشيخ بعد ذلك عن الأسئلة التي طرحت عليه. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 1 تفسير الآيات الأخيرة من سورة المطففين الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس الخامس والعشرين من شهر المحرم عام (1414هـ) نختتم اللقاءات في هذا الشهر؛ لأن هذا اللقاء هو الرابع في هذا الشهر. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) قال الله تعالى: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:25-26] الضمير في قوله: (يسقون) يعني: الأبرار، يسقيهم الله عز وجل بأيدي الخدم الذين وصفهم الله بقوله: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] * {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:18-19] . فقوله: (يسقون من رحيق) أي: من شراب خالص لا شوب فيه ولا ضرر على العقل، لا يسبب ألماً في الرأس، بخلاف شراب الدنيا، فإنه يغتال العقل ويصدع الرأس. أما هذا فإنه رحيق خالص ليس فيه أي أذى (ختامه) أي: بقيته وآخره، (مسك) أي: طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا فإنه خبيث الرائحة، فهؤلاء القوم الأبرار لما حبسوا أنفسهم عن الملاذ التي حرمها الله عليهم في الدنيا أُعطوها يوم القيامة. {وَفِي ذَلِكَ} [المطففين:26] أي: وفي هذا الثواب والجزاء، {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] أي: فليتسابق المتسابقون سباقاً يصل بهم إلى حد المنافسة، وهو كناية عن السرعة في المسابقة، يُقال: نافسته، أي: سابقته سباقاً بلغ بي النفس، والمنافسة في الخير هي: المسابقة إلى طاعة الله عز وجل وإلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والبعد عما يسخط الله. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) ثم قال الله عز وجل: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:27-28] مزاج هذا الشراب الذي يُسقاه هؤلاء الأبرار (من تسنيم) ، أي: من عينٍ رفيعة حساً؛ وذلك لأن (أنهار الجنة تفجر من الفردوس؛ والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب عز وجل) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم؛ أي: من المكان المسنّم الرفيع العالي، وهو جنة عدن. وقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:28] أي: أن هذه العين والمياه النابعة والأنهار الجارية يشرب بها المقربون. وهنا سيقول قائل: لماذا قال: (يشرب بها) ؟ هل هي إناء يحمل حتى يقال: شرب بالإناء؟ الجواب لا. لأن العين والنهر لا يُحمل، إذاً لماذا لم يقل: يشرب منها المقربون؟ والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين: الوجه الأول: فمن العلماء من قال: إن (الباء) بمعنى (من) فمعنى (يشرب بها) ، أي: يشرب منها. الوجه الثاني: ومنهم من قال: إن يشرب ضُمنت معنى يروى، فمعنى (يشرب بها) أي: يُروى بها المقربون، وهذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله؛ لأن هذا الوجه يتضمن شيئين يرجحانه وهما: أولاً: إبقاء حرف الجر على معناه الأصلي. ثانياً: أن الفعل (يشرب) ضُمِّن معنىً أعلى من الشرب وهو الريُّ. فكم من إنسان يشرب ولا يروى، لكن إذا روى فقد شرب، وعلى هذا فالوجه الثاني أحسن وهو أن يُضمن الفعل (يشرب) معنى يروى. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] (إن الذين أجرموا) أي: قاموا بالجرم وهو المعصية والمخالفة، (كانوا) أي: في الدنيا، من الذين آمنوا يضحكون استهزاءً وسخريةً واستصغاراً لهم. {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:30] (وإذا مروا) الفاعل هل هم الذين أجرموا؟ أو الذين آمنوا؟ الآية تصلح لهذا وهذا، يصلح أن نقول: إذا مرَّ المؤمنون بالمجرمين، أو إذا مرَّ المجرمون بالمؤمنين. والقاعدة التي ينبغي أن تفهم في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي أحدهما الآخر وجب حملها على المعنيين؛ لأن ذلك أَعَمَّ، فإذا جعلنا الآية للأمرين كان المعنى: أن المجرمين إذا مروا بالمؤمنين وهم جلوس تغامزوا، وإذا مر المؤمنون بالمجرمين وهم جلوس تغامزوا أيضاً، فتكون شاملة للحالين، حال مرور المجرمين بالمؤمنين، وحال مرور المؤمنين بالمجرمين. (يتغامزون) أي: يغمز بعضهم بعضاً، يقولون: انظر إلى هؤلاء سخريةً واستهزاءً واستصغاراً. وقال تعالى: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:31] إذا انقلب المجرمون إلى أهلهم (انقلبوا فكهين) يعني: متفكهين بما نالوه من السخرية من هؤلاء المؤمنين، فهم يستهزئون ويسخرون ويتفكهون بهذا ظناً منهم أنهم نجحوا وأنهم غلبوا المؤمنين ولكن الأمر بالعكس. ثم قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] (إذا رأوهم) أي: رأى المجرمون المؤمنين {قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون، متشددون، إلى غير ذلك من الألقاب. ولقد كان لهؤلاء السلف خلفٌ في زماننا اليوم وما قبله وما بعده، فمن الناس من يقول عن أهل الخير: إنهم رجعيون، إنهم متخلفون، ويقولون عن الملتزم: إنه متشدد متزمّت، وفوق هذا كله من قالوا للرسل: إنهم سحرة أو مجانين، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] فورثة الرسل من أهل العلم والدين سينالهم من أعداء الرسل ما نال الرسل؛ من ألقاب السوء والسخرية وما أشبه ذلك، ومن هذا تلقيب أهل البدع والتعطيل لأهل الإثبات من السلف بأنهم حَشوَّية، مُجسِّمة، مُشبِّهة، وما أشبه ذلك من ألقاب السوء التي ينفرون بها الناس عن الطريق السوي. ثم قال تعالى: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:33] أي: أن هؤلاء المجرمين ما بعثوا حافظين لهؤلاء يرقبونهم ويحكمون عليهم بل الحكم لله عز وجل. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34] (اليوم) يعني: يوم القيامة، الذين آمنوا يضحكون من الكفار، (فالذين) مبتدأ و (يضحكون) خبره و (من الكفار) متعلق بـ (يضحكون) والمعنى: فالذين آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين من المؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور. {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:35] أي: أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، و (الأرائك) : هي السرر الفخمة الحسنة النظرة (ينظرون) أي: ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون أولئك الذين يسخرون منهم في الدنيا، كما قال الله تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:51-54] يقول لأصحابه في الجنة ويعرض عليهم أن يطلع كل إلى قرينه الذي كان في الدنيا ينكر البعث ويكذب به {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] في قعره وأصله، قال له: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:56-57] . فأنت ترى الآن أن المؤمنين يرون الكفار وهم يعذبون في قعر النار، والمؤمنون في الجنة، قال: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:35] إذاً ينظرون شيئين: الشيء الأول: ما أعد الله لهم من النعيم، ومنه النظر إلى وجه الله عز وجل. والثاني: ينظرون إلى هؤلاء المكذبين الذين كانوا في الدنيا يسخرون منهم ويستهزئون بهم، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله. ثم قال تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36] (ثوب) أي: جوزي، و (هل) هنا للتقرير، أي: أن الله تعالى قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكمٌ عدل، فحكمه دائرٌ بين العدل والفضل؛ بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه فضل، وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين. وبهذا يتم الكلام الذي يسره الله عز وجل على سورة المطففين، نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به، وأن يجعلنا من المتعظين الواعظين إنه جواد كريم. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة . الجزء: 30 ¦ الصفحة: 7 حكم قراءة الإمام جزءاً من السورة في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز للإمام أن يقرأ بعض السورة أثناء الصلاة الجهرية؟ الجواب نعم. يجوز أن يقرأ المصلي سورة كاملة أو بعض سورة، سواء كان هذا البعض من أولها أو وسطها أو آخرها، لعموم قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لكن الأفضل أن يقرأ سورة كاملة؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال له: (هَلاَّ قرأت {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] ، و {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] ) وما أشبه ذلك، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يقرأ سورة تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، وطوال المفصل من (ق) إلى (عم) وقصاره من (الضحى) إلى آخر القرآن، وأوساطه من (عم) إلى (الضحى) . هذا هو الأفضل، وإن قرأ في المغرب بطواله أحياناً فهذا من السنّة، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها بسورة الأعراف، لكن الغالب أن يقرأ من قصاره يعني: ينبغي أن تكون قراءته غالباً كما وصفنا؛ في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه، وإن قرأ آيات من سورة فلا حرج؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قرأ في ركعتي الفجر في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. ) [البقرة:136] وفي الركعة الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:64] ) لكن كون الإنسان لا يقرأ السورة كلها إلا نادراً كما يوجد عند بعض الأئمة؛ لا تكاد تسمعه يقرأ سورة كاملة بل دائماً يقرأ آيات من السورة، وهذا لا شك أنه خلاف السنة. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 8 حكم رمي جمرة العقبة بست حصوات السؤال فضيلة الشيخ: حاج رمى جمرة العقبة بست وفي اليوم الثاني عشر، ثم سأل فقال له من سأله: تعيد رمي جمرة العقبة، وتعيد الرمي في اليوم الحادي عشر ثم رمي الثاني عشر، ولكنه سأل آخر فقال له: يكفيك رمي جمرة العقبة بست، فاختار الأسهل فهل الترتيب واجب؟ وماذا عليه؟ الجواب أما الذي أفتاه أولاً وقال له: ارم جمرة العقبة ليوم العيد ثم ارم ثلاث جمرات يوم الحادي عشر ثم ارم الجمرات الثلاث للثاني عشر، فقد سار على ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهو: أنه لا بد من الترتيب، ولكن القول الراجح ما أفتاه به الآخر: وهو أنه يُعفى عن نقص الحصاة، فقد ذُكر أن الصحابة رضي الله عنهم كان بعضهم يرمي بست وبعضهم يرمي بسبع ولم ينكر أحد على الآخر، لاسيما لو تركها نسياناً، فالصحيح بأن رمي الست مجزئ. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 9 حكم قول: (بلى) بعد الآيات التي فيها استفهام السؤال فضيلة الشيخ: هل يقال بعد: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36] دعاء أم لا؟ والآيات الأخرى كذلك كقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36] ؟ الجواب يختلف الحكم بين {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36] وبين {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] فالأولى تقرير، فـ (هل) فيها بمعنى قد، أما {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] و {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] و {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] ، فهذا استفهام يحتاج إلى جواب، فإذا قلت: (بلى) فلا بأس، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد قوله تعالى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] قال: (سبحانك فبلى) فإذا أجاب الإنسان على الاستفهام وقال: (بلى) ، فلا بأس. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 10 مسألة: رؤية الله تعالى في المنام السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لرؤية الله عز وجل في المنام، هل يصح القول بأن الرؤية يمكن أن تقع لأي مؤمن من المؤمنين؟ الجواب رؤية الله تعالى في المنام في الدنيا -أما في الآخرة فليس هناك نوم- هذه جاءت في حديث اختصام الملأ الأعلى الذي أخرجه أهل السنن (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام) ورؤية الله لغير النبي صلى الله عليه وسلم لا أعلم أنها ثابتة ولا أدري هل تقع أم لا؟ لكنه قد ذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه في المنام، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الإنسان قد يرى ربه في المنام، وذلك بأن الله سبحانه وتعالى يضرب له مثلاً بحسب تمسكه بالدين، يراه رؤية حسنة يكون في ذلك مساعدة له على التمسك بالدين والاستمرار على ما هو عليه، فالله أعلم. أنا أتوقف في أن الإنسان يرى ربه في المنام رؤيةً حقيقة، أما إذا كان الله تعالى يضرب له مثلاً يبين له تمسكه بدينه فهذا شيءٌ ليس بغريب. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 11 ضابط المعصية التي بها يصبح الفاعل فاسقا ً السؤال هل المعصية الواحدة تجعل الإنسان فاسقاً؟ وهل هناك فرق بين المعصية الظاهرة مثل حلق اللحية وغيرها؟ الجواب المعروف عند أهل العلم أن الكبيرة الواحدة تجعل الفاعل فاسقاً ما لم يتب منها، وأما الصغيرة فلا تجعله فاسقاً إلا إذا أصر وداوم عليها، فحلق اللحية -مثلاً- قد يكون بذلك فاسقاً؛ لأن إصراره على الصغيرة دليل على تهاونه بالرب عز وجل، وبأوامره أو نواهيه، وهذه كبيرة بالنسبة للقلب، ولهذا لا يبعد أن تكون الصغيرة الواحدة كبيرة إذا فعلها الإنسان استخفافاً بحكم الله عز وجل وعدم المبالاة، لا لهوىً نفسيٍ أوجب له أن يفعل ذلك، فقد تكون الصغيرة كبيرة. قال بعض العلماء: وقد تكون الكبيرة صغيرة إذا قام بقلب الإنسان الحياء من الله عز وجل والخجل حال الفعل، ولكن نفسه الأمارة بالسوء ألجأته إلى الفعل، وهذا قد يكون فيه نظر، إنما كون الصغيرة تكون كبيرة بحسب ما قام بالقلب من التهاون بها فهذا ليس ببعيد، ولكن يبقى النظر فيما يترتب على فسقه؟ هل يترتب على ذلك أن نرد شهادته، أو أن نمنع إمامته، أو أن نمنع ولايته، وما أشبه ذلك؟ هذا محل خلاف بين العلماء، فبعض العلماء يقول: إن الإنسان إذا فسق سقطت ولايته حتى إنه لا يُزوج ابنته، ولا يكون إماماً في الجماعة، ولا تقبل شهادته، ولكن في هذا نظر؛ لأننا لو أخذنا بهذا القول لم نجد من الناس صالحاً للشهادة والولاية والإمامة إلا نادراً، وسوف أضرب لكم مثلاً بغير اللحية؛ اللحية قد يكون كثيرٌ من الناس يعفي لحيته ولا يتناولها بسوء لكن الغيبة قل من يسلم منها، وهي من كبائر الذنوب، إذا فعلها الإنسان مرة فقط ولم يتب كان بذلك فاسقاً تسقط عدالته، فلو أننا أخذنا بهذا القول بأن الفاسق لا يكون ولياً ولا إماماً ولا شاهداً ولا قاضياً فإن الأمر يكون مشكلاً جداً؛ لأنه قل أن يسلم أحدٌ من الغيبة، حتى الملتزمون إذا كانوا في مجالسهم ربما يغتابون، وقد يُسلط الملتزمون -مع الأسف- على اغتياب من غيبته أشد وأعظم، قد يُسلط هؤلاء الملتزمون على اغتياب العلماء والدعاة والأمراء والسلطان، واغتياب هؤلاء وغيرهم من ولاة الأمور ولو قلت ولايتهم -كمدير مدرسة مثلاً- أعظم من اغتياب عامة الناس، ويتضح ذلك بأننا إذا اغتبنا العلماء -مثلاً- قلّت ثقة الناس بهم، وإذا قلّت الثقة من الناس بهم؛ قل قبول الناس لما يقولون من شرع الله، وهذا خطر عظيم. إذا اغتبنا الأمراء أو السلطان قلّت هيبة الناس لهم، وسهل التمرد عليهم وعصيانهم، وهذا إخلالٌ كبير بالأمن، ولذلك كانت غيبة ولاة الأمر من العلماء والأمراء أعظم من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة عامة الناس إن حصل فيها مفسدة فإنما تكون للشخص نفسه فقط؛ لأنه ليس قاعدة ولا قدوةً في شيء. فالحاصل أن القول بأن الفاسق تسقط إمامته وولايته وشهادته قولٌ ضعيف، نعم. لو فرض أن رد شهادته أو منع ولايته أو عزله عن الإمامة يحصل به فائدة له ولغيره، بحيث ينتهي عن المعصية وينزجر غيره لكان منعه من ذلك متوجهاً، ويكون هذا من باب التعزير بالعزل عن الولايات، والتعزير بالعزل عن الولايات سائغٌ شرعاً، فقد روي (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد وكانت من الإمام فعزل الإمام) وهذه العقوبة أصل في العزل عن الولايات والوظائف وما أشبه ذلك. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 12 حكم المداومة والاجتماع على دعاء معين السؤال بعض الناس لهم ورد دعاء يلتزمون به صباحاً ومساءً، بأن يدعو أحدهم ويؤمّن الباقون على هذا الدعاء بصوت مرتفع، ويسمى ورد الرابطة، ونصه هو: (اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك؛ فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمِتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير) فما حكم هذا؟ الجواب هذا الدعاء لا بأس به، دعاءٌ لا ينافي ما جاءت به السنة، وإن كان بلفظه لم يرد، لكن معناه صحيح، وأما الاجتماع عليه أو على غيره من الأدعية الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام واتخاذ ذلك راتبة بعد كل صلاة أو بعد صلاة الفجر، أو بعد صلاة المغرب بدعة؛ لأن هذا لم يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة، وكل عبادةٍ يتعبد بها الإنسان لم تُفعل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا في عهد أصحابه فإنها بدعة، وكل بدعةٌ ضلالة، فيُنهى عن ذلك ويقال: بدلاً من أن تجتمعوا على هذا الدعاء بصوتٍ مرتفع وتؤمّنوا عليه؛ كل أحد منكم يدعو لنفسه بما تيسر، مع أن الأفضل أن يكون الدعاء ليس بعد السلام بل قبل السلام؛ لأن ما بعد السلام ذكر، وليس دعاء، قال الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ؟ وأما الدعاء فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما ذكر التشهد، قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما أحب) فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الدعاء بعد الفراغ من التشهد وقبل السلام، وجعل الله عز وجل بعد السلام الذكر ولم يذكر الدعاء. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 13 حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عموماً والصلاة عليه في التشهد الأخير وفي خطبة الجمعة؟ الجواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الصلاة في التشهد الأخير عند كثير من أهل العلم لا تصح الصلاة إلا بها، أما في غير الصلاة فتجب الصلاة عليه إذا ذُكر اسمه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، قل: آمين، فقال: آمين) فيجب على الإنسان إذا سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: صلى الله عليه وسلم. أما في خطبة الجمعة فقد ذكر بعض العلماء أن من شرط صحة الخطبة أن يصلي الخطيب على النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض العلماء: إن ذلك سنة وليس شرطاً لصحة الخطبة. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 14 حكم تمثيل دور الصحابة والأئمة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم التمثيل بالصحابة والتابعين وما يحصل في المراكز الصيفية؟ الجواب أرى أن التمثيل بالصحابة والأئمة من التابعين وغيرهم لا يجوز؛ لأن ذلك يؤدي إلى ازدرائهم واحتقارهم، لاسيما إن كان القائم بالتمثيل ممن ليس من أهل الصلاة كشخص حليق مثلاً، يجعل على نفسه لحية -كذباً- ويمثل أحداً من هؤلاء، فإن هذا لا يجوز. والذي ينبغي هو تجنب التمثيل كله، لكن إذا كان التمثيل لا يشتمل على محرم وهو في علاج مشكلة من المشاكل فأرجو ألا يكون في ذلك بأس، أما إذا اشتمل على شيء محرم من كذب أو نحوه فإن ذلك لا يجوز، وقد جاء في الحديث: (ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له) . الجزء: 30 ¦ الصفحة: 15 حكم الدعاء بعد تكبيرة الإمام السؤال فضيلة الشيخ: هل ورد دعاء بعد تكبير الإمام تكبيرة الإحرام؛ لأني أرى بعض الناس يدعون بعد تكبيرة الإمام وربما دعوا بقول الله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40] وهل هذا الدعاء يجوز؟ الجواب لا يشرع الدعاء بعد تكبيرة الإحرام من الإمام، بل السنة إذا كبر الإمام أن تبادر وتكبر حتى تدرك فضل تكبيرة الإحرام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كبر فكبروا) والفاء تدل على الترتيب والتعقيب، يعني: من حين أن يكبر وينقطع صوته من الراء بقوله: (الله أكبر) فكبر أنت ولا تشتغل لا بدعاء ولا بتسوك ولا بمخاطبة من بجانبك، فإن هذا يفوت عليك إدراك فضل تكبيرة الإحرام، وأما الدعاء بقوله: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) فهذا من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وليس بمشروط، لكن إن دعا به فلا بأس به ما لم يفوت عليه فضل تكبيرة الإحرام. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 16 كتاب (الحصن الحصين) في الميزان السؤال فضيلة الشيخ: أثناء تأدية الامتحان -يحفظكم الله- وجدت في جيب أحد الطلاب كتيباً يدعى (الحصن الحصين) هذا الكتاب يمنع شرور الإنس والجن ويحمي الحاضر، وإذا وضع في أحد المحلات التجارية فإنه يزيد الرزق على صاحب هذا المحل، ما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب رأيي أن ذلك لا يثبت ولا يصح، وكتاب الحصن الحصين يحتاج إلى النظر فيه وما يحتويه من الأدعية، فهو يشتمل على أدعية غير صحيحة، فالاعتماد عليه لا يصح. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 17 كفارة من اغتاب غيره السؤال فضيلة الشيخ: ما كفارة الغيبة، وهل يكفي الدعاء لمن اغتيب؟ الجواب كفارة الغيبة إن علم صاحبك فاذهب إليه واستسمح منه، وإن لم يعلم فكفارة ذلك أن تستغفر له، وأن تذكر صفاته الحميدة في المجلس الذي اغتبته فيه؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 18 جواز ائتمام المتنفل بالمفترض السؤال فضيلة الشيخ: أمَّ متنفل مفترضاً، وكانت الفائتة لهذا المفترض أربع ركعات، فقام فصلى به ركعتين إماماً وسلم من الركعتين، ثم قام المفترض وأكمل الصلاة رباعية فما حكم ذلك؟ الجواب لا حرج أن يكون المتنفل إماماً للمفترض، ولا حرج أيضاً أن يصلي المتنفل ركعتين ثم يسلم وبعد سلامه يكمل المفترض ما بقي من صلاة الفرض؛ لأن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة؛ فهي له نافلة ولهم فريضة. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 19 حكم الزكاة على من رغب عن شيء من ملكه ثم عرضه للبيع السؤال فضيلة الشيخ: اشترى شخص قطعة أرض كي يبني عليها منزلاً له، وبعد فترة غير رأيه وقرر أن يبيع هذه الأرض ولم تبع إلا بعد سنوات، فهل عليه زكاة عن هذه الأرض التي بقيت في ملكه عدة سنوات، مع العلم أنه اشترى قطعة أخرى وسيبني بمال الأرض الأولى منزله؟ الجواب ليس عليه زكاة في ذلك فلو أن الإنسان رغب عن شيء من ملكه من أرض أو سيارة أو غير ذلك وعرضها للبيع وبقيت فلم يشترها أحد لمدة سنة أو سنتين أو أكثر فليس عليه في ذلك زكاة؛ لأن هذا ليس تجارة، والزكاة إنما تجب في التجارة، في الرجل الذي يبادل السلع لطلب الربح، أما هذا فلم يطلب ربحاً ولكنه زالت رغبته عن هذه الأرض فأراد بيعها، فليس عليه زكاة ولو بقيت عدة سنوات. السائل: لكن لو باعها بربح؟ الشيخ: ولو باعها بربح، لكن إذا باعها وبقيت الدراهم عنده حتى أتمت السنة ففيها الزكاة، زكاة الدراهم. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 20 حكم الخطبة بعد صلاة الجنازة السؤال فضيلة الشيخ: رأيت في إحدى الدول الإسلامية في صلاة الجنازة أن الإمام يسلم تسليمتين، وبعد السلام يقوم ويخطب بالمصلين بأن الموت سيأتي لكل واحد منهم ويذكرهم بهذا الشيء، هل هذا له أصل؟ الجواب أما التسليم مرتين في صلاة الجنازة فقد ذهب إليه بعض أهل العلم، ولا حرج أن يسلم الإنسان مرتين. أما الخطبة بعد ذلك قبل أن ترفع الجنازة أو الخطبة في المقبرة بالترغيب أو الترهيب فإن هذا ليس بسنة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من الصلاة على الجنازة قام فذكر الناس، ولا أنه قام في المقبرة فذكر الناس، وغاية ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أتى إلى البقيع وفيه قوم ينتظرون اللحد ليدفنوا ميتهم، فجلس وجلس الناس حوله، وجعل يذكرهم صلى الله عليه وسلم وهو جالس لا على سبيل الخطبة. وكذلك كان صلى الله عليه وسلم ذات يوم في المقبرة أيضاً، فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار! فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10] ) . أما أن يقوم قائم ويخطب الناس هناك، فإن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سمعناه أيضاً عن الخلفاء الراشدين أو عن أحد من الصحابة. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 21 حكم بيع الرجل ما ليس عنده بالتقسيط السؤال فضيلة الشيخ: تقدمت بطلب إلى إحدى الشركات لشراء سيارة بالتقسيط، فأبلغوني بقيمة القسط والدفعة الأولى، وأبلغوني أن السيارة إن لم تكن موجودة فسوف يشترونها ثم يبيعونها عليَّ بالتقسيط، وإذا زالت رغبتي فيها فلي الحق أن أتراجع عن شرائي ولكن بعد فترة، وأبلغوني بأن الأمر انتهى وكأنهم اشتروها، فسألتهم هل كتبت باسم الشركة فقالوا: لا. إنما عليك الحضور وأخذ أوراقها وتسجيلها باسمك في المرور، وأخبروني بأنه قد تكون وصلت إلى معرض يتعاملون معه أو لم تصل بعد السيارة، فلا أدري هل هذه الطريقة شرعية أم لا؟ وما هي الطريقة الشرعية؟ الجواب أولاً: إذا كانت السيارة ليست عند البائع ولكنه باعك سيارة بشرط أن يشتريها لك ثم يبيعها لك، فهذا حرام ولا يجوز، إلا إذا باعها منك برأس مالها فلا بأس؛ لأنه ليس هناك رباً إذا باعها برأس مالها. أما إذا باعها منك بربح فإن هذا الربح ربا، لكنه ليس رباً صريحاً؛ بل هو رباً مغلفاً بصورة عقد ليس بمقصود؛ فإن البائع لم يقصد الشراء لنفسه من الأصل إنما قصد الشراء لك، فيكون كالذي أقرضك القيمة بزيادة، وهذا هو الربا بعينه. وأما إذا كانت السلعة موجودة عند البائع وقال: هذه السيارة نحن نبيعها بأربعين ألفاً نقداً، وإذا كنت تريدها بالتقسيط فنحن نبيعها منك بخمسين ألفاً؛ فَقَبِل فلا بأس، إذا كنت ستستعمل السيارة. أما إذا كنت تريد أن تبيعها للانتفاع بثمنها فهذه مسألة يسميها العلماء (مسألة التورق) وفيها خلاف بين العلماء، منهم من أجازها ومنهم من قال: إنها لا تجوز. أما إذا لم تكن موجودة عندهم فهذا حرام ولا يجوز؛ لأن هذا من بيع ما لا يملك، ولأن شراءها شراء صوري ليس مقصوداً، وإنما المقصود ما يأخذونه من الربا، والدليل على ذلك أيضاً ما ذكرت أنهم يقولون: نكتبها باسمك من المعرض، ولا نكتبها باسمنا، وهذا واضح جداً أنهم ما أرادوها حتى لو كتبها البائع باسمه ثم نقلها إليك في نفس الشيء. أما قول بعضهم: إني لا ألزمك بالسيارة إن شئت فاتركها، فهذا كلام فارغ؛ لأن الرجل لم يأت يقول: أريد سيارة بعينها ثم بعد ذلك يتراجع أبداً. فالذي نرى أن هذه الطريقة حرام، وإذا أردت بدلها فاذهب إلى صاحب معرض عنده سيارات وقل له: أنا أريد أن تبيع لي هذه السيارة بخمسين ألفاً مقسطة، وآتي لك بكفيل يغرم لك الثمن عند حلول الأجل، وإن شئت أيضاً أرهن السيارة، وهكذا تسلم من هذه الحيل. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 22 حكم من اعترف بأنه استدان ثم ادعى أنه أوفى السؤال ما رأي فضيلتكم في رجل أعطى لآخر ديناً من مال فمضت مدة فذهب إليه ليسترد الدين، فقال له المدين: أعطيت لك دينك، واختلفا في ذلك، فما هو الحكم؟ الجواب إذا اعترف بأنه استدان لكن أوفى صار عندنا اعتراف ودعوى؛ اعترف أن عليه ديناً وادعى أنه أوفاه، فنحن نأخذه باعترافه ولا نصدقه بدعواه إلا إذا جاء ببينة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي) . الجزء: 30 ¦ الصفحة: 23 معنى حديث: (وكلتا يديه يمين) السؤال فضيلة الشيخ: جاء في حديث وصف يده سبحانه وتعالى بأن كلتا يديه يمين، وجاء في حديث آخر في صحيح مسلم: (أن الله عز وجل يوم القيامة يقبض السماوات والأرض بيمينه وتبقى شماله فارغة) فكيف الجمع بين الحديثين؟ الجواب ليس هذا نص الحديث وإنما نصه هكذا: (يقبض الله السماوات بيمينه والأرض بشماله) والجمع بين الحديثين واضح، أن الله تعالى له يمين وشمال، لكن كلتا اليدين يمين، أي: يُمن وخير وبركة، فلا يتوهم واهم أنه إذا كانت له يد شمال أن يده الشمال قاصرة كما هي في المخلوقين، فالخلق أشرفهم البشر، والشخص يده الشمال قاصرة عن يده اليمين، ولهذا نُهي الإنسان أن يأكل بشماله، أو يشرب بشماله، أو يأخذ بشماله، أو يعطي بشماله، فلما كان البشر هذه صفة اليد الشمال عندهم، رُفع هذا الوهم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين) . الجزء: 30 ¦ الصفحة: 24 حكم عملية طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي السؤال ما حكم التلقيح الصناعي -طفل الأنابيب- وهو أخذ ماء الرجل فيوضع في رحم المرأة عن طريق أنابيب بواسطة طبيب أو طبيبة؟ الجواب التلقيح الصناعي يقال: إنه يؤخذ ماء الرجل ويوضع في رحم المرأة عن طريق أنابيب (إبرة) وهذه المسألة خطيرة جداً، ومن الذي يأمن الطبيب أن يلقي نطفة في رحم زوجة أخرى؟ ولهذا نرى سد الباب، ولا نفتي به إلا في قضية معينة بحيث نعرف الرجل والمرأة والطبيب، وأما فتح الباب فيخشى منه الشر. وليست المسألة هينة؛ لأنه لو حصل فيها غش لزم إدخال نسب في نسب وصارت الفوضى في الأنساب، وهذا مما يحرمه الشرع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا توطأ ذات حمل حتى تضع) فأنا لا أفتي في ذلك، اللهم إلا أن ترد إلي قضية معينة أعرف فيها الزوج والمرأة والطبيب. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 25 حكم إرث اللقيط ممن التقطه السؤال سأل شخص السؤال التالي: بعد أن صليت الفجر وبينما أنا أمشي في طريقي إلى بيتي وجدت طفلاً مرمياً في الأرض فأخذته فرضع مع ابنتي ثم توفيت ابنتي إلى رحمة الله تعالى، فرضع هو بدلاً من ابنتي، فبعد ذلك كبر وعلمته وعمل في إحدى الأشغال أو في أحد المصانع، فهل يجوز أن ينال ميراثاً مني أم لا؟ الجواب هذا لقيط وُجد في السوق فالتقطه الرجل ورضع من امرأته ورباه، فهل يرث من الرجل لو مات أو يرثه الرجل لو مات اللقيط؟ أكثر العلماء أنه لا توارث بينهما؛ لأن أسباب الإرث ثلاثة: القرابة، والزوجية، وولاء العتق، وهذا ليس منها، وعلى هذا فإذا مات اللقيط فإن ميراثه يكون لبيت المال يؤخذ ما وراءه من المال ويعطى لبيت المال الذي تتولاه الحكومة. وذهب بعض العلماء إلى أن اللقيط إذا لم يكن له أبناء أو بنات فإنه يرثه من التقطه، أي: من وجده ورباه؛ لأنه أولى الناس به، فقد تعب عليه ورباه حتى كان مثل أبنائه، وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه. وعلى هذا يكون الجواب: أنه إذا مات اللقيط ورثه اللاقط إذا لم يكن للقيط أولاد، فإن كان له زوجة -يعني: تزوج اللقيط- فإن الزوجة تأخذ ميراثها وهو الربع إذا لم يكن له أولاد والباقي لمن التقطه، هذا هو القول الراجح، أما لو مات اللاقط فإن اللقيط لا يرثه؛ لأنه لا نعمة للقيط على اللاقط فلا يكون له إرث منه. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 26 الصبر على تبعات الدعوة السؤال فضيلة الشيخ: رجل كان يحب الغناء فنصحته كثيراً وأعطيته الأشرطة النافعة وكنت أمسح له أشرطة الغناء وأبدلها بأشرطة نافعة، ثم بعد ذلك عاد للغناء مرة ثانية ثم إنه يسبني ويلعنني، وأنا أنصحه، فما حكم ذلك؟ الجواب أقول: أبشر بالخير حيث أصابك الأذى في الدعوة إلى الله؛ لأن الإنسان إذا دعا إلى الله وأوذي في الله عز وجل وصبر كان له نصيب من الأجر لأجل الدعوة، وكان متأسياً بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34] فيؤجر على صبره وتأسيه بالأنبياء. فاصبر على كلامه إذا لعنك، وأنت إن شاء الله لست أهلاً للعنة، فإن اللعنة تعود عليه، وإذا سبك فإن ذلك حسنات يهبها لك من حسناته، فاصبر واحتسب واسأل الله له الهداية، وكرر دعوته هو وغيره واصبر على ما أصابك، ألم تسمع أن لقمان قال لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] فلابد للإنسان الداعي إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أذى، فعليه الصبر والاحتساب وسيجعل الله له أجر الأمر والنهي والصبر على الأذى. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 27 مسألة التفضيل بين الصحابة السؤال ما رأي فضيلتكم في مسألة التفضيل بين الصحابة؛ فإنه قد قيل: أفضلهم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ونتوقف عندها، وهذا دأب السلف مستدلين بأثر ابن عمر أنه توقف كذلك ولم يذكر علياً، واعترض على الإجماع الذي نقله الحافظ ابن حجر أن أهل السنة كلهم يرون تفضيل علي بعد عثمان على غيره من الصحابة، لكن اعترض على هذا الإجماع؛ لأنه نقله عن أبي عمر ابن عبد البر وهو فيه شيء من التشيع فكيف يُجاب؟ الجواب أولاً: إن ابن عبد البر رحمه الله من المتساهلين في نقل الإجماع؛ لأنه ينقل الإجماع في مسألة وإذا بحث الإنسان فيها وجد أنه لا إجماع فيها، وأما مسألة التفضيل فالصحابة ومن بعدهم أجمعوا على أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر لا خلاف في ذلك، ثم اختلفوا في عثمان وعلي، فمنهم من قدم عثمان ومنهم من قدم علياً، ومنهم من اقتصر على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان وسكت، ومنهم من توقف، لكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: إنه استقر رأي أهل السنة والجماعة على أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، وأنهم أجمعوا ولا خلاف بينهم على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وأجمعوا أيضاً على أن هذا الترتيب في الخلافة حق ليس فيه منع لحق أحد، وقد خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منبر الكوفة، وأعلن بأن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر. ومسألة التفضيل بين عثمان وعلي أمرها سهل ما دام قد وُجد فيها خلاف قديم بين أهل السنة، لكن الذي يُضلل فيها المخالف هو أن يقدم علياً على عثمان في الخلافة فيقول: إن علياً أحق منه، وأضل منه وأفظع وأظلم من قدم علياً في الخلافة على أبي بكر وعمر، وقال: إنهما ظلماه. والعجب أني رأيت كلاماً مضحكاً يقول: إن أبا بكر وعمر كلاهما فاسقٌ ظالم، وعلي بن أبي طالب أيضاً كافر؛ لأنه لم يطالب بحقه، والسكوت عن الحق كفر، إذاً من بقي؟ معناه: أن كل الخلفاء صاروا كفاراً على رأي هذا القائل. ومن يقول من الضلال المبتدعة: إن أبا بكر وعمر ظلما علي بن أبي طالب في الخلافة، فقد كذب في ذلك؛ لأن علي بن أبي طالب ممن بايعهما في الخلافة وأقر لهما بالفضل علناً. الجزء: 30 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [31] الجزء: 31 ¦ الصفحة: 1 حكم اللحوم المستوردة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء الأول من شهر صفر عام (1414هـ) ، وهو اللقاء الأسبوعي الذي نعقده يوم الخميس من كل أسبوع، ونظراً لتأخرنا هذا اليوم فإننا نرجو منكم المعذرة أولاً، ثم السماح لنا بعدم الكلمة التي تكون مقدمة للأسئلة؛ من أجل أن نستوعب أسئلة الحاضرين إن شاء الله تعالى. السؤال اللحوم المستوردة كثر عليها الكلام، وفي مجلة البحوث لهيئة كبار العلماء ذكر أحد من بعث من قبل الرابطة أنها فعلاً لا تذبح على الطريقة الإسلامية، خاصة الدجاج البرازيلي، وما رأيكم يا شيخ! في الدجاج الوطني؟ الجواب أولاً: رأينا في اللحوم المستوردة أنها إذا جاءت من دول أهل الكتاب فإنكم -كما تعلمون- قد أحل الله لنا طعام الذين أوتوا الكتاب، فقال جل وعلا: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] قال ابن عباس رضي الله عنهما: [طعامهم: ذبائحهم] وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أكل من الشاة التي أهدتها له المرأة اليهودية في خيبر، وأكل صلى الله عليه وسلم من الطعام الذي دعاه إليه يهودي في المدينة، وكان فيه إهالة سنخة -أي: شحماً قديماً- وكذلك أقر عبد الله بن المغفل أن يأخذ الجراب الذي رمي به في خيبر وهو من ذبائح اليهود. فإذا جاء الدجاج من دول أهل الكتاب فإنه حلال، هذا هو الأصل، وليس لنا ولا علينا أن نسأل كيف ذبحوه؟ وهل سموا عليه أم لا؟ ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري: (أن قوماً جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ وكانوا حديثي عهد بالكفر، فقال: سموا أنتم وكلوا) . وقد جرى البحث في مجلس هيئة كبار العلماء، ودعوا وكلاء وزارة التجارة، وقالوا: إننا لا يمكن أن نأذن لشيء يرد إلا ونحن مطمئنون إلى أنه مذبوح ذبحاً شرعياً، ولنا وكلاء هناك، لكننا لا نقول: إن جميع المصانع أو مذابح أولئك القوم كلها على الطريقة الإسلامية، لكن ما يرد إلى المملكة فإنه محتاط له، هكذا قالوا لنا، وبناء على ذلك يكون حلالاً. وكذلك الدجاج الوطني الذي يذبح هنا أيضاً لا شك في حله، وما يذكر من أنه يُعطى من الدم أو نحو ذلك لا يضر؛ أولاً لأن كثيراً من العلماء يقولون: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وإن الحيوان إذا أكل نجاسة تحولت النجاسة إلى دم، ثم إلى لحم مباح. وثانياً: أن الجلالة التي حرمها أكثر أهل العلم هي التي يكون أكثر أكلها النجاسة، لا التي تأكل النجاسة، فتحرم حتى تحبس وتطعم طعاماً طاهراً ثلاثة أيام ثم تحل. فلا ينبغي أن يدخل على الناس الشك في مآكلهم؛ لأنك إذا أدخلت عليهم الشك فهم بين أمرين: إما أن يأكلوا وهم قلقون، وإما أن يتجرءوا ويقولوا: لا نبالي حلالاً كان أم حراماً! وما وجد بأسواقنا سنأكله، فإدخال الشكوك على المسلمين في أطعمتهم وألبستهم بدون مستند شرعي أمر لا ينبغي. ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء القوم الذين شكوا في اللحم الذي يأتيهم من حديثي عهد بكفر، قال: (سموا أنتم وكلوا) كأنه يقول: ليس عليكم من فعل غيركم أي: أنتم أدوا ما تؤدون على الوجه المشروع ولا عليكم من سواكم. السائل: والأجبان؟ الجواب: والأجبان طاهرة وحلال، والصحابة رضي الله عنهم فتحوا بلاد فارس وأكلوا من أجبانهم وهم فرس لا تحل ذبائحهم. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 2 حكم الاكتفاء بالأشرطة العلمية في طلب العلم السؤال ما حضرنا إلا حباً لك في الله، والسلام عليكم، والاطمئنان على صحتك، وطلب العلم والجلوس معكم، وسؤالي حول هذا الموضوع: ما رأيك في السفر إلى العلماء والجلوس معهم؟ هل تحث الشباب على ذلك؟ لأني سمعت البعض يقول: يكتفى بسماع الأشرطة ولا داعي للسفر؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) ، ورحل جابر بن عبد الله -أحد الصحابة- إلى عبد الله بن أنيس لكي يأخذ منه حديثاً واحداً لمدة شهر على الإبل. فالسفر لطلب العلم ولو لمسألة واحدة فيه أجر وخير كثير، والسفر لأجل زيارة الإخوان وإلقاء المودة والمحبة، وما الرائي كالسامع، وليس الخبر كالمعاينة؛ فأنت إذا جئت لرجل وشاهدته أشد بكثير مما إذا سمعت عنه، هذا أيضاً خير كثير، فأنت إن شاء الله لك أجر على سفرك من أجل السلام، وعلى سفرك من أجل العلم. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله صلى الله عليه وسلم في التسبيح: (أو زاد عليه) السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) وقال في حديث آخر: (ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد عليه) ومشايخ الطرق من الصوفية أخذوا من قوله: (أو زاد عليه) أن الزيادة مطلقة؛ فألزموا أتباعهم بالتسبيح عشرة آلاف مرة مثلاً، أو مائة ألف مرة، ويعطونهم مسبحة فيها نحو ألف حبة، فهل يؤخذ من هذا أن التسبيح عشرة آلاف مرة أو مائة ألف مرة جائز للإطلاق الوارد في الحديث؟ الجواب التسبيح المحدد يؤخذ بما حدده الشرع، والمطلق يؤخذ بإطلاقه ولا يحدد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) . لكن إذا زدت بدون تحديد، فقد جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فأوصني، قال: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله) ، وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] لكن تحديدها بعشرة آلاف مرة، أو مائة ألف مرة، ثم اتخاذ هذه المسبحة التي تحوي على ألف حبة -كما ذكرت- يتقلدها الإنسان وتثقل رقبته، فكل هذا لا شك أنه ينهى عنه. فيقال: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام ما اتخذ مسبحة، لا صغيرة الحب، ولا كبيرة الحب، ولا عين لأمته مائة ألف، أو عشرة آلاف. أو ما أشبه ذلك، فاذكر الله ذكراً كثيراً بدون تحديد. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 4 حكم إقامة الحدود من غير جهة الولي السؤال قد يُلقي رجال الحسبة القبض على بعض المجرمين، مثل: من يفعل اللواط أو يشرب الخمر، فإذا أُحيل هذا الرجل إلى المحكمة الشرعية قد تخرج صكاً في إدانته، ويفصل من عمله لمدة خمس سنوات أو يزيد، فهل لرجل الحسبة أن يطهر هذا المجرم بإقامة الحد عليه في المركز نفسه أو في الهيئة، علماً بأنه يعول أسرة، وقد يؤدي الأمر به إلى ضياع تلك الأسرة، جزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً: المعروف أن رجال الحسبة لا يملكون التأديب، فإذا كانوا لا يملكونه؛ فلا يمكنهم تأديب أحد بدون إذن من ولي الأمر. ثانياً: إذا قبض رجل الحسبة أو غيره على مجرم، فينظر هل هذا المجرم ممن عرف بالشر والفساد أم لا؟ فإذا كان كذلك فيجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر وإن ترتب عليه ما ترتب، وعائلته قد تكفل الله برزقهم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] . أما إذا كان الرجل ليس معروفاً بالشر والفساد، ورأوا أن من المصلحة أخذ التعهد عليه وإطلاقه مع مراقبته بعد ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن مسائل التهم لا تستوجب الحدود الشرعية حتى يقال: إنه لا يمكن إسقاط الحد، وإنما تبيح التعزير؛ والتعزير إذا رأى من له الأمر أن يخفف عنه لمصلحة شرعية فلا بأس. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 5 حكم من نسي فصلى العصر قبل الظهر السؤال شخص مسافر وأراد أن يجمع صلاة الظهر مع العصر فلم يتذكر إلا بعد أن صلَّى العصر مع الجماعة فما الحكم؟ وهل الأفضل جمع التقديم أم جمع التأخير؟ الجواب يصلي الظهر وليس عليه شيء، والأفضل في الجمع ما كان أيسر له، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في السفر إذا ركب قبل أن تزول الشمس أخر الظهر إلى العصر، وإذا زالت الشمس قدم العصر مع الظهر، وكذلك المريض الذي يحل له الجمع يفعل ما هو أسهل له، فقد يكون الأسهل له أن يبكر، فيجمع جمع تقديم، مثل أن يجمع العشاء مع المغرب لينام مبكراً، وقد يكون الأمر بالعكس، مثل أن يأتي عليه وقت الظهر وهو نائم ويؤخر الظهر إلى العصر. المهم أن الجمع سببه المشقة -مشقة الصلاة في وقتها- فإذا كان هذا هو السبب؛ فما كان أيسر في الجمع فهو أفضل. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 6 الضابط في مسألة دخول الأطفال على النساء السؤال كثيراً ما رأيت من خلاف بين الناس في مسألة دخول الأطفال على النساء، فبالنسبة لغير طلبة العلم رأيت تفريطاً، فبعضهم قد يسمح لمن كان في الثانية أو الرابعة عشر بالدخول على النساء، وربما بعضهم يكون أكبر من ذلك، ومع هذا لا يرون بذلك بأساً. ورأيت أيضاً في المقابل عند بعض الإخوة الملتزمين بدين الله عز وجل تشدداً في ذلك، فيمنعون حتى من كان في الخامسة من عمره وربما في الرابعة ادعاءً منهم أن هذا الطفل فيه ذكاء، وأنه يلاحظ أو يميز بين الحسن والقبيح من النساء، فما هو الضابط لذلك مع الأدلة؟ الجواب الضابط لهذا ذَكره الله عز وجل في القرآن، قال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] هذا هو الضابط. فإذا رؤي من الطفل أنه يلحظ المرأة، أو يلمسها أو ما أشبه ذلك، أو يميل إلى الجميلة دون الأخرى، عرف أنه يظهر على عورات النساء، وهذا لا يكون إلا من السنة العاشرة فما فوق، إلا إذا كان الطفل يعيش في بيئة يتحدثون دائماً عن النساء وعن الشهوة فربما يكون له اطلاع على عورات النساء قبل أن يبلغ العاشرة، هذا بالنسبة لإظهار المرأة وجهها عنده. أما بالنسبة للخلوة بالمرأة فهذا يجب التحرز منه؛ وذلك لأنه وإن كان الطفل ليس فيه ما يؤدي إلى الاحتجاب عنه؛ لكن إذا خلا بالمرأة فقد تكون المرأة نفسها فيها شيء من الفساد فتحاول أن تثير شهوته، وربما تمكنه من نفسها، أو ما أشبه ذلك. فالخلوة شيء، وكشف المرأة وجهها للطفل شيء آخر، يعني: أن الخلوة يجب التحرز منها كثيراً لئلا تعبث المرأة بالطفل، وإذا علمنا أن من النساء من تدخل القرد عليها لتتمتع به فما بالك بالصبي لسبع سنين أو ثمان. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 7 حكم الدم الخارج من المرأة قبل الولادة السؤال بالنسبة للمرأة الحامل قبل أن تضع بأيام وينزل منها دم أو ما أشبه ذلك، متى تسقط عنها الصلاة؟ الجواب يقول العلماء: إن النفاس هو الدم الذي يحصل عند الولادة مع الطلق، فإذا أتاها الطلق قبل الولادة بيوم أو يومين فهي نفساء، وأما الدم الذي بلا طلق فليس بنفاس حتى وإن كان في يوم وضعها، وإذا انقطع دم النفاس بعد الولادة بفترة فمتى طهرت وجب عليها أن تتطهر وتصلي ولا تنتظر تمام المدة. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 8 وقت ابتداء أحكام السفر وانتهائها في حق المسافر السؤال متى تبدأ أحكام السفر ومتى تنتهي بالنسبة للمسافر؟ الجواب تبدأ أحكام السفر في حقه إذا خرج من بلده، وتنتهي إذا دخل بلده، مثلاً إذا سافر الإنسان من عنيزة، فإنه بمجرد خروجه من البنيان وما يتصل به تثبت له أحكام السفر، وعلى هذا فإذا كان يسافر بالطائرة فله أن يجمع ويقصر في المطار؛ أي مطار القصيم لأنه خارج البلد، أما المطار إذا كان داخل البلد فليس له أن يجمع ولا يقصر ولا يفطر في رمضان. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 9 السنن التي لا تفعل في السفر السؤال ما هي السنن التي لا تفعل في السفر؟ الجواب الذي لا يفعل في السفر من السنن: سنة الظهر، والمغرب، والعشاء، وما عدا ذلك فكل النوافل تصلى في السفر. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 10 حكم استخدام الصابون المشتمل على شحم الخنزير السؤال وجدنا بعض المنشورات تقول: إن بعض الصابون يصنع من شحم الخنزير، فما رأيكم؟ الجواب أرى أن الأصل الحل، في كل ما خلق الله لنا في الأرض، لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] فإذا ادعى أحد أن هذا حرام لنجاسته، أو غيرها فعليه الدليل، وأما أن نصدق بكل الأوهام، وكل ما يُقال؛ فهذا لا أصل له. فإذا قال: إن هذه الصابونة من شحم خنزير قلنا له: هات الإثبات، فإذا ثبت أن معظمها شحم خنزير أو دهن خنزير؛ وجب علينا تجنبها. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 11 الجمع بين آية: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل) وحديث: (من رأى منكم منكراً) السؤال كيف نجمع بين قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة:105] ، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه،) إلى آخر الحديث؟ الجواب ليس بين الآية والحديث منافاة، وليس بين الآية وبين قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} [آل عمران:104] منافاة؛ لأن الآية التي ذكرت قوله: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] قيدت بقوله: إذا اهتديتم، ومن هدايتنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، لكن إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفيد شيئاً فحينئذٍ على الإنسان بخاصة نفسه، ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مر بالمعروف، وانه عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام) . فآية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105] هي فيما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، أو كان أمره ونهيه لا يفيد، ولهذا قرأ أبو بكر هذه الآية، وقال: (أيها الناس! إنكم تقرءون قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه) . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 12 حكم اجتماع الناس للعزاء السؤال ما حكم اجتماع الناس للعزاء؟ الجواب اجتماع الناس للعزاء بدعة وليس من عادة السلف، وإن انضاف إلى ذلك صنع الطعام، والولائم، والاجتماع عليها؛ كان هذا من النياحة، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة. ثم هذا الاجتماع لا ينفع الميت، ولا ينفع الحي، بل إن الحي ربما يزداد غماً وهماً، حيث يجتمع بعضهم إلى بعض ولا سيما النساء، فيشرعن في البكاء والندب، فليس فيه خير؛ بل فيه ضرر. فالذي ينبغي لطلبة العلم أن ينهوا عن هذا، ومن أراد أن يعزي؛ فإنه يجد الرجل في المسجد، ويجده في السوق، أو غير ذلك، ثم العزاء أيضاً يكون لمن أصيب بالمصيبة، ليس لمن مات له قريب، فقد يموت للإنسان قريب ولا يهتم به، لكن إذا رأينا رجلاً مغموماً مهموماً متأثراً بالمصيبة جلسنا إليه، وقلنا: يا فلان! اصبر واحتسب، فلله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 13 أقوال أهل العلم في حلول الأوراق النقدية بدلاً من النقدين السؤال ذكر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في كتاب الفتاوى أن الدراهم الموجودة الآن لا تلحق ولا تقوم بالنقدين، فما وجه قوله؟ وهل هذا صحيح؟ وما الذي ينبني على ذلك؟ الجواب الأوراق النقدية هذه تعرفون أنها حدثت أخيراً، وأنها لم تكن تعرف فيما سبق، فاختلف العلماء في شأنها إلى ستة أقوال: فمنهم من يقول: إنها مثل الثياب لا يجري فيها الربا، ولا تجب فيها الزكاة، وتعد عروض تجارة، إن قصد بها الإنسان تجارة؛ فهي تجارة، وإن قصد بها النفقة؛ فليس فيها شيء، ولو اجتمع عند الإنسان ملايين الملايين، ولا شك أن هذا القول باطل ولا عبرة به. ومنهم من قال: إنه يجري فيها الربا؛ ربا الفضل، وربا النسيئة، وأنه لا يجوز أن تأخذ ريالاً بريالين، لا نقداً، ولا مؤجلاً، وهذا أيضاً قول شديد. ومنهم من يقول: إذا اختلف الجنس جاز التفاضل دون النسيئة، فيجوز مثلاً أن أشترى دولاراً يساوي أربعة ريالات بخمسة ريالات، أو أن أبيعه بثلاثة ريالات وهو يساوي في السوق أربعة، لكن أنا محتاج له فقلت لمن هو عنده: أعطني دولاراً بأربعة ريالات، أو يساوي أربعة وأنا محتاج للفلوس، ولم أجد من يشتريه إلا بثلاثة؛ أبيعه، أو يكون ورقة ويحتاج الإنسان إلى فلوس نحاس أو حديد فأعطاه ورقة فئة عشرة وأخذ منه تسعة فلا بأس، لكن يشترط في الجميع القبض في مجلس العقد. وهذا القول قول وسط بين المنع مطلقاً، وبين الإباحة مطلقاً، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله؛ يرى أن بيع هذه النقود بعضها ببعض لا بأس به متساوياً ومتفاضلاً، بشرط ألا يكون مؤجلاً، والشيخ رحمه الله يتوسع أكثر مما قلت، يعني: يجوز عنده أيضاً أن يتأخر القبض إذا لم يكن محدداً بأجل، لكن ما ذكرته أنا هو الذي أختاره؛ أنك إذا بعت ورقة من فئة عشرة بتسعة ولم تقبض فإنه حرام ولا يصح البيع، وإن قبضت فلا بأس. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 14 لزوم الإحرام لمن نوى العمرة قبل أن يجاوز الميقات السؤال من أراد زيارة مدينة جدة مع أسرته، ثم بعد ذلك بيوم أو يومين يذهب للعمرة، هل هذا صحيح أم يبادر بالعمرة أولاً، وهل يحرم من جدة أم من الميقات بعد ذلك؟ الجواب إذا كان عازماً على العمرة فإنه لا يجوز أن يتجاوز الميقات إلا بإحرام، وأرغب أن ينوي العمرة من حين أن يركب من بيته لينال أجر السعي للعمرة ولا ينوي أنه يسافر إلى جدة لزيارة أقاربه، أو لتجارته، أو ما أشبه ذلك، وإنما ينوي أن سفره للعمرة، وإذا وصل إلى الميقات أحرم منه وقضى عمرته، ثم انصرف إلى شغله في جدة. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 15 حكم وصف الإنسان بأنه خليفة الله السؤال كثيراً ما نقرأ ونسمع عن وصف الإنسان بأنه خليفة الله في أرضه، ويستدلون بقول الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] ، وقوله سبحانه وتعالى لداود {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ. } [ص:26] ، ويفرقون بينه وبين قول الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام:165] ، فما هو الصحيح في هذا الشيء؟ الجواب الصحيح بارك الله فيك! أنه إن أريد بالخليفة أنه وكيل عن الله في خلقه فهذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى أعلم بخلقه، وهو متصرف فيهم، ولا يحتاج إلى واسطة أو وكيل، وإن أريد بذلك أنه قائم بأمر الله، منفذ لأمر الله، في عباد الله؛ فهذا لا بأس به. وقد ذكر الله عدة آيات تدل على هذا المعنى مثل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام:165] وقوله: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26] وما أشبه ذلك، فالخليفة إذا قصد به أن الإنسان وكيل لله، وأن الله عز وجل أسند الأمر إليه؛ فهذا لا يجوز، وإن أريد بذلك أنه خليفته، أي: منفذ لشريعة الله في أرض الله؛ فهذا لا بأس به، أي أنه يجوز أن يطلق عليه خليفة الله بالمعنى الذي ذكرت. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 16 ما تظهره المرأة من جسدها بين النساء السؤال ما الذي يجوز للمرأة كشفه عند النساء من جسدها؟ الجواب يجب على المرأة أن تلبس اللباس الشرعي الذي يكون ساتراً، وكان لباس نساء الصحابة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: من الكف إلى الكعب في بيوتهن، فإذا خرجن لبسن ثياباً طويلة تزيد على أقدامهن بشبر، ورخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذراع من أجل ستر أقدامهن، هذا بالنسبة للمرأة المكتسية، فإن رفعت اللباس فهي من الكاسيات العاريات. أما بالنسبة للمرأة الناظرة فإنه لا يجوز لها أن تنظر عورة المرأة، يعني: لا يجوز أن تنظر ما بين السرة والركبة، مثل أن تكون المرأة تقضي حاجتها مثلاً فلا يجوز للمرأة أن تنظر إليها؛ لأنها تنظر إلى العورة، أما ما فوق السرة أو دون الركبة، وكانت المرأة قد كشفت عنه لحاجة، مثل أنها رفعت ثوبها عن ساقها؛ لأنها تمر بطين مثلاً، أو تريد أن تغسل الساق وعندها امرأة أخرى؛ فهذا لا بأس، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام النساء؛ فهذا لا بأس أيضاً. لكن لا يفهم من قولنا هذا كما تفهم بعض النساء الجاهلات أن المعنى: أن المرأة تلبس من الثياب ما يستر ما بين السرة والركبة فقط، هذا غلط عظيم على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله، وعلى شريعة الله، وعلى سلف هذا الأمة؛ فمن قال: إن المرأة لا تلبس إلا سروالاً يستر من السرة إلى الركبة؟ وهل هذا لباس المسلمات؟! لا يمكن! فالمرأة يجب عليها أن تلبس اللباس الظاهر من الكف إلى الكعب، أما المرأة الأخرى التي تنظر؛ فلها أن تنظر على الصدر والساق، وليس لها أن تنظر إلى ما بين السرة والركبة، فيما لو كشفت الأخرى ثوبها. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 17 حكم دخول الحمام بأشرطة القرآن ونحوها السؤال ما حكم دخول الحمام بالشريط الذي سجل عليه القرآن الكريم؟ الجواب لا بأس أن يدخل الحمام ومعه شريط سجل عليه شيء من القرآن؛ وذلك لأن الحروف لا تظهر على هذا الشرط، ولا يبين إلا الصوت إذا مر الشريط على الجهاز الذي يظهر به الصوت، فلا حرج أن يكون مع الإنسان أشرطة فيها قرآن، أو حديث، أو غيره؛ ويدخل بها الخلاء. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 18 وجوب استجابة الإمام الشاك للمأمومين إذا ما نبه السؤال أنا إمام مسجد أصلي بالجماعة، نسيت مرة في صلاة رباعية هل أنا في الركعة الثالثة أم الرابعة، فهل أعتبر تسبيح الجماعة خلفي إرشاداً لي أنني في الرابعة مثلاً؟ الجواب نعم. إذا شك الإمام هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، ثم قام وسبحت له الجماعة، وهو لا يجزم بصواب نفسه؛ وجب عليه أن يرجع لتسبيحهم. أما إذا لم يسبحوا؛ فإنه يبني على ما غلب عليه ظنه، فإذا غلب على ظنك أنك صليت ثلاثاً؛ فهات الرابعة، ثم اسجد للسهو بعد السلام، فإن نبهوك إذا قمت للرابعة اجلس ولا تقم للرابعة؛ اجلس لأنه ليس عندك يقين مثل يقينهم. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 19 حكم استقدام الأجنبي لزوجته للعمرة ومكثها إلى الحج السؤال أحدهم يريد استقدام أهله لأداء فريضة الحج، لكن استقدامهم مكلف ولا يطيقه، وهو من خارج السعودية، ولكن يمكن استقدامها للعمرة، ومن ثم يبقيها إلى موسم الحج، ثم يحج بها، ثم يرجعها؛ هل هذا الأمر جائز يا شيخ أم لا؟! الجواب إذا قدمت بمحرم فليس هناك مانع. السائل: لكن الجلسة غير قانونية؛ لأنها إذا دخلت بعمرة فلا يمكن أن تجلس أكثر من خمسة عشر يوماً. الجواب: على كل حال هذا يرجع للحكومة إذا خالف القانون، لكن المهم أنه لا يستقدمها إلا مع محرم. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 20 مسألة تقديم زكاة الذهب المتأخر مع المتقدم شراؤه السؤال سائلة تقول أنها تملك كمية من الذهب يختلف وقت امتلاكه، فهل لها أن تؤخر إخراج زكاة ذهبها كله في آخر وقت امتلكت فيه آخر قطعة منه؟ الجواب الصواب أن لها أن تقدم المتأخر، وليس لها أن تؤخر المتقدم؛ لأن الزكاة إذا وجبت؛ فإنه لا يجوز تأخيرها إلا لمصلحة شرعية، وهنا لا توجد مصلحة شرعية، فالأحسن لها أن تقدم المتأخر، ولها أن تزكي كل شيء في وقته. السائل: وإذا كانت لا تعلم وقت الامتلاك؟ الشيخ: إذا كانت لا تعلم مثل أن تشك هل ملكته في شهر محرم أو صفر؛ فإنه لا يجب عليها إلا الإخراج في آخر الوقت -أي: تعتبر صفر-. أما إذا كانت تعلم أوقات الامتلاك فذلك له طريقان في إخراج الزكاة، يعني: نفرض أنها ملكت هذه القطعة في المحرم، وهذه القطعة في ربيع، والثالثة في جمادى، والرابعة في شعبان، نقول: أخرجي زكاة الجميع إن شئت، ويكون هذا تعجيلاً لزكاة المتأخر، ولا يجوز أن تؤخر المحرم إلى شعبان، والحاصل أن التقديم يجوز، والتأخير لا يجوز. ولها طريق ثانٍ: أنها تزكي الذي ملكته في المحرم في محرم، والذي ملكته في الأشهر التي بعدها كلٌ في وقته. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 21 حكم قصر الصلاة لمن عمله خارج بلده ويعود في نهاية الأسبوع السؤال رجل مقر عمله خارج البلد الذي يسكنه، ويحتاج إلى للوصول له بما هو مسافة قصر، وهو يبيت في مقر عمله أربعة أيام ثم يرجع إلى بلده بقية الأسبوع، فهل يعتبر مسافراً؟ الجواب هذا يعتبر مسافراً، مثل إنسان وكل إليه التدريس في قرية من القرى؛ يبقى فيها أسبوعاً، وفي عطلة آخر الأسبوع يرجع إلى أهله، فهذا يعتبر مسافراً، لكن يجب عليه أن يصلي مع المسلمين في جماعة. السائل: لكن إذا رجع إلى بلده هل يعتبر مسافراً؛ لأنه سيرجع؟ الجواب: لا. لأنه رجع إلى وطنه، فينقطع السفر. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 22 حكم من يقوم بإيصال كشوف الحسابات من البنوك إلى العملاء السؤال بالنسبة لسعاة البريد تأتيهم كشوف الحسابات من البنوك لإيصالها إلى عملاء البنوك، فما أدري حكم هذا بارك الله فيك؟ الجواب هل يعلمون أن في هذه الخطابات ربا؟ السائل: يعلمون أن فيها كشف حساب. الجواب: ليس في ذلك شيء؛ لأن كشف الحساب إذا لم يكن فيه ربا فليس فيه شيء. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 23 كيفية التعامل مع أهل البدع إذا كانوا معنا في العمل السؤال أنا أعمل في الشرقية، وفي الآونة الأخيرة دخل معنا الرافضة في العمل العسكري بكثرة، ونتعامل معهم في الأكل والشرب، والمجالسة والمخالطة، ونعلم بنواياهم الخبيثة، ومذهبهم التقية، ولا نعلم الولاء والبراء من ناحية هؤلاء، وكثير من إخواننا هناك يتعاملون معهم بضحك، وأخذ وعطاء، ومعاملة كثيرة، ولا يبدون الكراهية لهم، فما حكم هذا يا شيخ؟ الجواب الذي أرى أن تحرصوا على أن تتألفوهم للأخذ بالسنة وتقولوا لهم: أنتم الآن مقرون أننا أهل السنة فهل أنتم تكرهون السنة أم لا؟ ونحن نوافقكم أن من آل البيت من ظُلم كـ الحسين بن علي رضي الله عنه، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وجادلوهم بهذه الأشياء لكن بدون عنف؛ بإرادة هدايتهم، ولعل الله أن يهديهم، فإذا قالوا مثلاً: أئمة الشيعة فيهم كذا وكذا، قلنا: نعم. وأئمة السنة فيهم الخير والصلاح، وجادلوهم لعله مع كثرة المجادلة -وأقصد المناشة- لعله يحصل في هذا خير. السائل: يا شيخ! الموجودون في مجال العمل عامة ليس لهديهم علم ولا يفهمون، والولاء والبراء عندهم يأخذون ويعطون بشكل كبير؟ الشيخ: أنا قصدي أن هؤلاء الشيعة، أما السنة عوامهم أنهم ربما لا يعرفون عن هذا الشيء. هذا أمرهم منتهي. السائل: وإذا كان عليهم خطر منهم؟ الشيخ: إذا كان عليهم خطر منهم فيجب أن يعلم هؤلاء العامة الحق حتى لا يضلوا، أو أن نسألهم بين حين وآخر: هل قالوا لكم شيئاً؟ لأن قصدي أن أهل السنة يتألفون الشيعة ليدخلوهم في السنة. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 24 ضابط استمتاع الرجل بزوجته السؤال ما الضابط في حدود استمتاع الرجل بزوجته في جميع بدنها؟ الجواب الضابط ألا يأتيها في دبرها، ولا يأتيها في القبل في حال الحيض أو النفاس، هذا هو الضابط؛ لأن الله قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:29-31] . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 25 حكم الطعام الساقط على السفرة السؤال الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى؟ الجواب نعم. الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سقطت لقمة أحدكم، فليأخذها وليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان) . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 26 تحريم قول القائل: (من سخرية القدر كذا وكذا) السؤال بعض الكتاب يقولون: من سخرية القدر كذا وكذا، فهل يجوز هذا القول؟ الجواب لا يجوز للإنسان أن يقول هذا القول؛ لأن القدر تقدير الله عز وجل، وتقدير الله كله حكمة، نعم. يسخر الله من بعض الناس كقوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79] لكن القدر من حيث هو قدر ليس سخرية، كله حكمة، وكله موافق للصواب، وكله جد، لكن من سخر بالله، وبأولياء الله؛ سخر الله منه، ومن سخرية الله بهؤلاء أنهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، كما قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14-15] . الجزء: 31 ¦ الصفحة: 27 بيان استخلاف الله للإنسان في الأرض السؤال بالنسبة للخليفة عن الله عز وجل، أليس الخليفة يكون عن الغائب؟ الجواب نعم. لكن جعله خليفة، يعني: جعله يقوم بشرع الله عز وجل، وينفذ شرع الله في عباد الله. قلت: إنه إذا أراد الإنسان بقول: خليفة الله، أنه نائب عن الله كما ينوب أحد عن الآخر؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الله هو الذي بيده الملك، وإن أراد خليفة بمعنى: أنه قائم بأمر الله لينفذ شرع الله في عباد الله؛ فهذا ليس فيه بأس. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 28 حكم نظر المكلف بالنهي عن المنكر إلى الأفلام للتأكد من خبثها السؤال رجال الهيئة أو رجال الحسبة إذا ألقوا القبض على بعض الأفلام الخليعة، أو وصلهم بلاغ بهذه الأفلام، أو مثلاً بعض الصور، هل لهم أن ينظروا إلى هذه الأفلام للتأكد، أم المرء يكلف بنفسه؟ الجواب لا بأس أن ينظر رجال الحسبة إلى هذه الأفلام؛ ليطلعوا على ما فيها من خبث، لكن من لا يأمن على نفسه؛ لا يجوز له أن ينظر. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 29 حكم سفر المرأة بدون محرم السؤال يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تسافر المرأة بدون محرم أكثر من يوم وليلة) أو كما قال، فكأن مفهوم الحديث أن ما قل عن ذلك أنه يجوز لها أن تسافر أقل من يوم وليلة؟ الجواب التحديد بيوم وليلة أو بأكثر مختلف، ولهذا أخذ العلماء بالعموم، قالوا: ما دام ورد في يوم وليلة وثلاثة أيام علم أن القيد ليس بواجب. الجزء: 31 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [32] شرح الشيخ أوائل سورة الانشقاق، وما فيها من تفسير لتغير نظام الكون يوم القيامة، وعن حال الإنسان في الدنيا وأن نهايته إلى الله لا محالة. ثم أجاب عن أسئلة كان من ضمنها سؤال عن علاقة الرعية بولاة الأمر، ومنهج أهل السنة والجماعة تجاههم، وأسئلة أخرى عن ضوابط بعض الإطلاقات الشرعية كلفظ الشهيد والنفاق وغير ذلك من الأسئلة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الانشقاق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني لشهر صفر عام (1414هـ) ، في يوم الخميس العاشر من شهر صفر. نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى، ونحن قد انتهينا من تفسير سورة النبأ إلى آخر المطففين. يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] وقد تقدم الكلام على البسملة، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله مستقلة، وليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، وإنما يؤتى بها في ابتداء السور إلا سورة براءة، وليست آية من الفاتحة، وإن كان المكتوب في المصاحف أنها آية، لكن القول الراجح الذي هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وعليه عامة أصحابه؛ أنها ليست آية من الفاتحة وهو الذي دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين؛ قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم؛ قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين؛ قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم؛ قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) . وعلى هذا فتكون الآية الأولى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، والثانية: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، والثالثة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، والرابعة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، والخامسة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، والسادسة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، والسابعة: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) . وهذا كما أنه الموافق لما دلت عليه السنة فهو الموافق أيضاً للسورة لفظاً ومعنى: أما لفظاً: فلتناسب الآيات في الطول؛ لأنه لو كانت صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخر السورة آية واحدة لم تتناسب مع ما قبلها في الطول، وأيضاً لو كانت آية؛ لم تكن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وسط الآيات بل تقع على هذا التقدير الخامسة؛ فالآيات الثلاث الأولى كلها لحق الله عز وجل، والآيات الثلاث الأخيرة كلها لحق الإنسان، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] ، والآية الرابعة الوسطى بين الله وبين العبد، هذا هو القول الراجح في أن الفاتحة أولها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا السماء انشقت) أما السورة التي نبتدئ بها الآن فهي قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] (انشقت) انفتحت وانفرجت، كقوله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} [المرسلات:9] ، وكقوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:37-39] ، إذاً فانشقاقها يوم القيامة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأذنت لربها وحقت) قال تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:2] (وأذنت) بمعنى: استمعت وأطاعت أمر ربها عز وجل أن تنشق؛ فانشقت مع أنها كانت كما وصفها الله تعالى سبعاً شداداً قوية، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] أي: بقوة، وقال: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] فهذه السماء القوية العظيمة تنشق يوم القيامة وتنفرج بإذن الله سبحانه وتعالى، {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:2] أي: وحق لها أن تأذن -أي: تسمع وتطيع- لأن الذي أمرها ربها وخالقها عز وجل، فتسمع وتطيع؛ كما أنها سمعت وأطاعت في ابتداء خلقها، قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] . فتأمل أيها الآدمي البشر الضعيف كيف كانت هذه المخلوقات العظيمة تسمع وتطيع لله عز وجل بهذه الطاعة العظيمة في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق، ثم قال: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:2] تأكيداً لاستماعها لربها وطاعتها له. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وإذا الأرض مدت) قال تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق:3] وهذه الأرض التي نحن عليها الآن هي غير ممدودة: أولاً: لأنها كروية مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً -أي: ممتدة قليلاً- فهي مدورة الآن، ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً وفيها المنخفض، وفيها الأودية والسهول، والرمال؛ فهي غير مستوية، لكن يوم القيامة تمد مداً واحداً كمد الأديم -أي: كمد الجلد- كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تمد حتى إن الذين عليها -وهم الخلائق- يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر؛ لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم، لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: (يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر) . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وألقت ما فيها وتخلت) يقول تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:4-5] ألقت ما فيها، ما الذي فيها؟ فيها جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة؛ تلقي هذه الجثث فيخرجون من قبورهم لله عز وجل كما بدأهم أول الخلق، أي: كما خرجوا من بطون أمهاتهم؛ يخرجون من بطون الأرض، وأنت خرجت من بطن أمك حافياً عارياً أغرل إلا بعض الناس قد يخلق مختوناً، لكن عامة الناس يخرجون من بطون أمهاتهم غرلاً؛ كذلك تخرج من بطن الأرض يوم القيامة حافياً ليس عليك نعال، وعارياً ليس عليك كساء، وأغرل لست مختوناً، ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قالت عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء؟ قال: الرجال والنساء بادياً عوراتهم، لكن الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك) الأمر شديد، فكل إنسان لاهٍ عن غيره بنفسه، يقول تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] . والإنسان إذا تصور الناس في ذلك الوقت مجرد تصور؛ فإنه يرتعد ويخاف، وإذا كان عاقلاً مؤمناً؛ عمل لهذا اليوم. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) ثم قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] (الكادح) هو الساعي بجد ونوع مشقة، وقوله: (إلى ربك) يعني: إنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك، انتبه! كدحاً يوصل إلى الله يعني: أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى الله؛ لأننا سنموت، وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل، فمهما عملت فإن المنتهى إلى الله عز وجل {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] ، ولهذا قال: {كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً} [الانشقاق:6] حتى العاصي كادح، غايته الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25-26] لكن الفرق بين المطيع والعاصي: أن المطيع يعمل عملاً يرضي الله، يصل به إلى مرضاة الله يوم القيامة، والعاصي يعمل عملاً يغضب الله؛ لكن مع ذلك أين ينتهي؟ إلى الله عز وجل. إذاً قوله تعالى: (يا أيها الإنسان) يعم كل إنسان، مؤمن أو كافر. {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] يقول النحويون: الفاء تدل على الترتيب والتعقيب، أي: فأنت ملاقيه عن قرب، {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:134] وكل آتٍ قريب {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] . وإذا شئت أن يتبين لك أن ملاقاة الرب عز وجل قريبة؛ فانظر ما مضى من عمرك الآن، فلو مضى عليك مائة سنة؛ كأنما هذه المائة السنة ساعة واحدة، كل الذي مضى منها كأنه ساعة واحدة، إذاً هو قريب. وإذا مات الإنسان أتظنون أن البرزخ الذي بين الحياة الدنيا والآخرة طويل؟! هو قريب كاللحظة، فالإنسان إذا نام نوماً هادئاً، ولنقل أربعاً وعشرين ساعة وقام كم يقدر النوم؟ دقيقة واحد، مع أنه يمكن أن يكون نام أربعاً وعشرين ساعة، فإذا كانت مفارقة الروح في الحياة يمضي بها الوقت بهذه السرعة؛ فما بالك إذا كانت الروح بعد خروجها من البدن مشغولة إما بنعيم أو جحيم؟! ستمر ملايين السنين على الإنسان وكأنها لا شيء؛ لأن امتداد الزمان في حالة يقظتنا ليس كامتداد الزمن في حالة نومنا، فالإنسان القائم من طلوع الشمس إلى زوالها يحس بأن الوقت طويل، لكن لو كان نائماً ما أحس بذلك الطول. ألم تر إلى الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [البقرة:259] . وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وتسعاً، فلما بعثوا قال بعضهم لبعض كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وهذا يدل على أنه لا عجب أن ملايين السنين تذهب على هؤلاء الأموات وكأنها دقيقة واحدة؛ لأن حال الإنسان بعد أن تفارق روحه بدنه سواء كانت مفارقة كلية أو جزئية غير حاله إذا كانت الروح في البدن؛ لأنه يعاني من المشقة والمشاكل والهواجس، والوساوس، أشياء تطيل عليه الزمن، ولكن في النوم يتقلص الزمن كثيراً، وفي الموت يتقلص أكثر وأكثر، فهؤلاء الذين ماتوا ولهم ملايين السنين، أو آلاف السنين؛ كأنهم لم يموتوا إلا اليوم، ولو بعثوا وقيل لهم كم لبثتم؟ لقالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم. وهذه مسألة قد يرد على الإنسان فيها إشكال، ولكن لا إشكال في الموضوع، مهما طالت المدة لأهل القبور فإنها قصيرة، ولهذا قال: (فملاقيه) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، وما أسرع أن تلاقي الله عز وجل! ثم قسم الله عز وجل الناس إلى قسمين: منهم من يأخذ كتابه بيمينه، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم منهم، ومنهم من يأخذ كتابه وراء ظهره. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 32 ¦ الصفحة: 8 وقوع الأجر لمن فعل فعلاً متعدياً بغير نية السؤال هل يثاب المسلم إذا عمل أعمالاً بغير نية، كإماطة الأذى عن الطريق، وكالمصافحة وحضور مجالس الذكر من غير نية يطلب الأجر من الله تعالى؟ الجواب الأعمال الصالحة قسمان: النوع الأول: أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير، فهذه إن عملها الإنسان بنية أثيب ولو بنية القيام بالواجب؛ يعني: ولو لم ينو الاحتساب لكنه نوى القيام بالواجب فإنه يثاب. والنوع الثاني: عبادات متعدية ينتفع بها الغير، فهذه يؤجر على انتفاع الغير بها، وإن لم يكن له نية عند فعلها، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعاً أو غرس شجرة فأصاب منها حيوان أو سرق منها؛ فإن له بذلك أجراً، مع أنه ربما يغرس ولا ينوي هذه النية، ولكن ما دام فيه انتفاع للناس فله أجر به، ويدل على هذا قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] وهذا إذا فعله الإنسان ولو لمجرد الإصلاح بدون قصد الثواب ففيه خير، ثم قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره الله في أول الآية. فإماطة الأذى عن الطريق نفعها متعدٍ؛ فيثاب الإنسان عليه، وإن لم يكن له نية على هذه الإماطة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 9 منهج أهل السنة في التعامل مع ولاة الأمر السؤال كما تعلمون أن من نعم الله تعالى على هذه البلاد أنها على منهج الكتاب والسنة، ولكن هناك من يقحم بعض المناهج أو الدعوات، وربما بعض المذاهب الضالة كمذهب الخوارج فهل ترون بهذا مسوغاً، أم أنه يفرق الأمة ويشتت الصف؟ الجواب لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبه يوم الجمعة وفي مناسبات أخرى أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا نظرنا إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وجدنا أنه يريد أن تكون الأمة أمة واحدة، لا تتفرق، ولا تختلف، ولا يكون في قلوب بعضها شيء على الآخرين؛ حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يترك ما هو اختياره لدرء الفتنة، وحتى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصبر على ولاة الأمور على ظلمهم، وعلى جورهم، وعلى أثرتهم واستبدادهم، وأخبر أن هذا سيكون فقال للأنصار رضي الله عنهم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة -أي: استئثاراً عليهم- فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره ما يكره فليصبر) ، وقال صلى الله عليه وسلم: حينما سأله رجل عن بعض الأمراء يسألون حقهم ويمنعون حق الرعية فقال: (اسمعوا وأطيعوا؛ فإن عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم) . ولا شك أن مما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم إيغار الصدور على ولاة الأمور، والحديث بما يوجب كراهتهم وبغضهم، وذلك لأن الأمة الإسلامية يقوم أمرها على صنفين من الناس: على العلماء، وعلى الأمراء، وهم أولو الأمر الذين قال الله عز وجل فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . قال المفسرون وغيرهم من أهل العلم: أولوا الأمر منا هم العلماء والأمراء، فالعلماء قادة الأمة بشريعة الله، والأمراء قادة الأمة بسلطان الله عز وجل، فلولا العلماء والأمراء ما استقامت الأمة؛ لأن العلماء يقودون الناس بالشريعة، والأمراء يقودون الناس بالسلطة والتنفيذ. فإذا تكلم أحد في الأمراء، أو تكلم في العلماء بما يوجب عداوتهم والحط من قدرهم فإن الأمة تضيع؛ لأنه لا يكون لها علماء تثق بأقوالهم فتضيع الشريعة، وليس لديها أمراء تثق بتصرفاتهم فيضيع الأمن، ولهذا نرى أن من الخطأ الفاحش ما يقوم به بعض الناس من الكلام على العلماء أو على الأمراء فيملأ قلوب الناس عليهم بغضاً وحقداً، وإذا رأى شيئاً من هؤلاء؛ يرى أنه منكر، فالواجب عليه النصيحة، وليس الواجب عليه إفشاء هذا المنكر، أو هذه المخالفة، ونحن لا نشك أنه يوجد خطأ من العلماء، ويوجد خطأ من الأمراء؛ سواء كان متعمداً، أو غير متعمد، لكن ليس دواء المرض بإحداث مرض أعظم منه، ولا زوال الشر بشر أشر منه أبداً، ولم يضر الأمة الإسلامية إلا كلامها في علمائها وأمرائها، وإلا فما الذي أوجب قتل عثمان؟ هو الكلام فيه، تكلموا فيه وأنه يحابي أقاربه، وأنه يفعل كذا، ويفعل كذا، فحملت الناس في قلوبها عليه، ثم تولد من هذا الحمل كراهة، وبغضاء، وأهواء، وعداء؛ حتى وصل الأمر إلى أن قتلوه في بيته وتفرقت الأمة بعد ذلك. وما الذي أوجب قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طلب إلا هذا؟ خرجوا عليه وقالوا: إنه خالف الشرع وكفروه، وكفروا المسلمين معه، وحصل ما حصل من الشر. فالواجب علينا أيها الإخوة! ونحن في هذا البلد -ولله الحمد- كما قال السائل بلد آمنة ومطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وهي من خير ما نعلمه في بلاد المسلمين تطبيقاً للشريعة، وهذا أمر مُشاهد، ولا نقول: إنها تامة مائة في مائة، بل عندهم قصور كثير، ويوجد ظلم، ويوجد استئثار، لكن الظلم إذا نسبته إلى العدل وجدت أنه لا شيء، ومن الظلم أن ينظر الإنسان إلى الخطأ، ويغمض عينيه عن الصواب، فإذا كان كذلك فالواجب أن الإنسان يحكم بالعدل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة:8] وشنئان يعني: بغض، ويجرم بمعنى يحمل -أي: لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة:8] . فأقول: إننا -ولله الحمد- في بلاد آمنة ولله الحمد والمنة، وهي خير ما نعلمه في بلاد المسلمين في تطبيق الشريعة، فالواجب علينا أن نحرص على توحيد الكلمة ما استطعنا، وأن نجعل الخلاف الذي يكون بيننا من باب الاجتهاد المأجور صاحبه مع حسن النية؛ إما أجرين إن أصاب أو أجراً واحداً إن أخطأ، وأن نتناقش فيما بيننا -فيما يظن بعضنا أنه خطأ- حتى نصل إلى الصواب جميعاً، وإذا علم الله من نيتنا أننا نريد الحق يسره الله، ويسر لنا الاجتماع عليه، هذا ما أحببت أن أقوله حول هذا الموضوع، وأرى أنه يجب الكف عن نشر مساوئ الناس ولا سيما العلماء والأمراء، وأنه يجب إصلاح الخطأ بقدر الإمكان، ولكن بالطريقة التي يحصل بها المقصود ونسلم فيها من المحذور. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 10 حدود استئذان الوالدين السؤال ما هي حدود استئذان الوالدين؟ الجواب الوالدان الأم والأب برهما واجب، وعقوقهما من كبائر الذنوب، كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور) . لكن ليس كل شيء يُستأذن فيه الوالدان، فلو أراد الإنسان أن يصلي صلاة فريضة فلا يستأذن والديه، بل لو قالا: لا تصل مع الجماعة مثلاً، وجب عليه معصيتهما لقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، ولا يجب استئذانهما أيضاً في صلاة النافلة إلا إذا كان لهما شغل وهما محتاجان إليه، فحينئذٍ يستأذنهما؛ لأنهما إذا احتاجا إليك كان القيام بحاجاتهما من البر، والبر واجب وصلاة النافلة تطوع، وحينئذ تستأذن منهما، وأما إذا كانا لا يحتاجان إليك، ولا ضرر عليهما فيما تفعل من الطاعة، فلا حاجة للاستئذان منهما. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 11 حكم الأماكن التي توجد داخل سور المسجد السؤال يوجد في بعض المساجد مكاتب وهي إما أن تكون في الطابق العلوي أو ملاصقة للمصلى، فهل تأخذ حكم المسجد؟ الجواب يقول العلماء رحمهم الله: ما كان في داخل سور المسجد وبابه من الداخل فهو من المسجد، فتأخذ حكم المسجد يعني: أنه لا يلبث فيها الجنب إلا بوضوء، ولا يصح فيها البيع والشراء، وإذا دخلت فصلِّ ركعتين، أي تأخذ جميع أحكام المسجد المعروفة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 12 ضابط لباس الشهرة السؤال يوجد في مدينتنا بعض الشباب الطيب الذين يلبسون العمامة وخاصة في المناسبات كالجمع والأعياد، وقمنا بالحديث معهم بأن لبسها ليس بسنة، وإنما هذا راجع إلى عرف البلد، وأنها قد يكون لباس شهرة وتميز في الوقت الحالي، وكان جوابهم أن هذا لبس الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فعله ولنا فيه قدوة، والناس لما بعدوا عن الدين استنكروا هذا اللباس، فما رأيكم وتوجيهكم في هذا الأمر حفظكم الله ورعاكم؟ الجواب رأينا أن هذا القول يحتاج إلى تعمق في الفقه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس العمامة، ولبس الإزار، ولبس الرداء؛ لأن الناس كانوا يلبسونه، ومعنى ذلك: أن لبس ما اعتاده الناس ولم يكن محرماً بعينه فهو سنة. أما ما كان محرماً بنوعه كالحرير للرجال، أو بصفته كلبس الرجال ما ينزل عن الكعب؛ فهذا لا يجوز ولو اعتاده الناس، لكن ما كان مباحاً وكان من عادة الناس؛ فإن السنة أن تلبس كما يلبسون؛ لأنك لو خرجت عن ذلك لصار شُهرة، ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي بدليل على أن الرسول أمر بالعمامة، ولو أمر بها لعلمنا أنها عبادة؛ لأن كل ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عبادة إلا في أشياء دل الدليل على أنها للإباحة، ولكن لا يوجد أي حديث يأمر بلبسها، إنما هي من فعل الرسول؛ لأن الناس كانوا يعتادون هذا، وقل لهؤلاء الإخوة: إذاً البسوا إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى عليه وسلم كان يلبس إزاراً ورداءً ويلبس القميص أحياناً. فنقول للإخوة: إن فعلكم هذا شهرة ولا سيما إذا كان في المناسبات، وكأن الفاعل يقول للناس: انظروا إليَّ فإني أنا صاحب السنة، ومن ليس عليه هذا اللباس؛ فليس على السنة، هذا لسان حاله؛ وإن لم يذكره بلسان مقاله. فنصيحتي لهم أن يلبسوا كما يلبس الناس، وهاهم علماؤنا السابقون واللاحقون ما رأينا أحداً منهم يفعل ذلك، وهم على جانب من الصلاح، والتقى، والعلم، والحرص على التمسك بالسنة، وهم أفقه من هؤلاء بلا شك. وأقول: بلغهم أننا نشكرهم على حصرهم على اتباع السنة، ولكن أحب أن يتعمقوا في السنة أولاً، ويعرفوا ما يريده الشرع من اتحاد الناس واتفاقهم، وعدم اختلافهم حتى في الزي، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهرة في اللباس فقال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله ثم ألهب فيه النار) . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 13 ضابط إطلاق كلمة (شهيد) في الشرع السؤال يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة. ) إلى نهاية الحديث، فما هو الضابط في إطلاق كلمة شهيد؟ أهي على من مات في المعركة، أو على صالح حُبس أو سُجن فمات هل يطلق عليه لفظ شهيد؟ الجواب كلمة شهيد لا شك أنها لفظ محبوب للنفوس {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] ، ولكن لا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه شهيد إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم لوجوه: الوجه الأول: لو رأينا رجلاً يقاتل الكفار فقتل فإننا لا نقول: هذا شهيد، لكن نقول: نرجو أن يكون شهيداً، أو نقول على سبيل العموم: كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، وذلك أن الشهادة تنبني على أمر غير معلوم لنا، تنبني على نية القلب، ونية القلب غير معلومة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله. ) وهذا احتراز من أحسن الاحترازات، كأنه يقول: ولا تحكموا على كل من قُتل أو جرح في سبيل الله أنه في سبيل الله؛ لأن الله أعلم بمن يكلم في سبيله، وحينئذ لا نأخذ بالظاهر، أي: لا نشهد بأن هذا شهيد؛ لأنه قد يكون في قلبه شيء لا نعلمه، فالإنسان قد يقاتل شجاعة، وقد يقاتل حمية، وقد يقاتل لعصبية وهي الحمية، وقد يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا وهذا في سبيل الله، لكن هذا مبني على النية. الوجه الثاني: أننا لا نقول: فلان شهيد؛ لأننا لو قلنا: فلان شهيد؛ لزم أن نشهد له بأنه من أهل الجنة؛ لأن كل شهيد فهو من أهل الجنة لا شك، ولا يجوز أن نشهد لشخص بعينه أنه من أهل الجنة إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن إذا لم نقل: إنه شهيد، وكان عند الله شهيداً؛ لم تضره عدم شهادتنا له، وإذا قلنا: إنه شهيد، وهو ليس عند الله بشهيد، هل تنفعه شهادتنا له؟ فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا نطلق ألسنتنا في أمر لا نعلمه؟ ولكن نقول: من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ونرجو أن يكون هذا الرجل ممن قتل في سبيل الله فينال الشهادة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 14 ارتكاب المعاصي من أسباب عذاب القبر السؤال مر الرسول صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) الحديث، فشهد أنهما يعذبان وهما من الصحابة، وبالقطع الصحابة أفضل ممن بعدهم، فهل يدل هذا على أن كل من مات منَّا أنه سيعذب؟ الجواب لا. هذان الرجلان يعذبان في أمر عصيا الله فيه، قال: (أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ، فمن فعل هذا فإنه يعذب في قبره. ولسنا أفضل من الصحابة قطعاً، ولكن إذا تجنبنا هذا العمل الذي هو من أسباب التعذيب في القبر؛ فإننا لن نعذب إلا أن يكون هناك سبب آخر. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 15 حكم طلاق الحامل عند الغضب السؤال رجل نهى زوجته أن تضرب الأولاد ولكنها فعلت، فقال لها غاضباً: أنت طالق طالق طالق، وهي حامل، وبعضهم أفتاه بأنها طلقة واحدة، وبعضهم قال: ثلاث، وآخر قال: إن الطلاق لا يقع على الحامل، فما قولك؟ الجواب قولنا: إننا في عصر كثر فيه المتكلمون بغير علم، ولهذا يجب على الإنسان ألا يعتمد على أي فُتيا إلا من شخص معروف موثوقٍ، فهذا الذي قال: إن الحامل لا تطلق جاهل جهلاً مركباً، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط؛ لأن الجاهل جهلاً بسيطاً يعلم فيتعلم، لكن الجاهل جهلاً مركباً يرى أنه عالم فيتكلم بما لا يعلم، فالذي قال: إن الحامل لا تطلق، قد خالف القرآن لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] ثم قال في نفس السورة: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] إذاً فالحامل تطلق بهذا النص والإجماع، ولم يخالف أحد بذلك، حتى لو جامعها زوجها في الليل وطلقها في النهار فلا بأس. فنقول للأخ السائل: زوجته طلقت إلا إذا كان غضب غضباً شديداً لم يملك نفسه معه؛ فلا طلاق عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) ، لأن الغضب الشديد يحمل الإنسان على أن يقول شيئاً لا يريده، فإن كان في غضب يسير يملك نفسه ثم قال: أنت طالق، طالق، طالق، فالطلاق واحدة حتى على مذهب الحنابلة المشهور عندهم؛ لأن هذا لم يكرر الجملة، إنما كرر جزء الجملة، فالجملة قوله: أنت طالق، لكن هو قال: طالق طالق، فكرر الخبر فقط، قال الفقهاء من الحنابلة: فتطلق واحدة ولا يلزمه أكثر من واحدة إلا بنية، إذا نوى بقوله: طالق طالق طالق، كل واحدة بطلقة؛ فإنها تكون ثلاثاً، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، ولكن الصحيح أنها لا تطلق إلا واحدة على كل حال، حتى لو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق فهي واحدة، أو قال: أنت طالق ثلاثاً فهي واحدة، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: [كان الطلاق الثلاث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فلما كثر ذلك في الناس قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم] فأمضاه عليهم، فالقول الراجح في هذه المسألة أنها لا تطلق بهذا إلا واحدة فقط، وإذا لم يسبق منه طلقتان فله أن يراجعها فيُشهد اثنين على أنه راجع زوجته وهي في عصمته. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 16 ما يفعله من فاته قيام الليل السؤال متى أصلي صلاة القيام إذ لم أقم إلا بعد أذان الفجر؟ الجواب إذا فات الإنسان قيام الليل لمرض أو نوم غلبه فإنه يصلي في النهار، ولكن إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يجعلها أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس يجعلها ستاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع من الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 17 حكم استعمال الإشارة في أحاديث الصفات لتقريب معنى الصفة ونحوه السؤال معلم يعلم الناس، ففي مبحث الصفات في العقيدة تراه يشير لتقريب الفهم، فمثلاً إذا أورد حديثاً في تجلي الرب لموسى أظهر خنصره، فيشير بالخنصر أو نحوه من أحاديث الصفات، فهل هذا العمل يسوغ؟ وإذا كان سائغاً فعلامَ يحمل نهي بعض السلف عن ذلك، كقول الشافعي وغيره، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب هذه مسألة خطيرة، ولسنا أحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة، ولم يكن من عادته أنه صلى الله عليه وسلم يشير إذا تكلم عن الصفات، فإنه حدث أمته أن الرب عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له) . وهل الرسول صلى الله عليه وسلم قدم رجله ليرى الناس كيف ينزل الله؟ أبداً. وقال: (إنه يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة) ولم يقل هكذا وهكذا، وكذلك استوى الله على العرش ولم يقل كاستوائي على السرير، أو يحاول أن يكيف ذلك. ولا شك أن الذي يُحدِّث العامة ثم يشير بيده إلى معنى الصفة لا شك أنه سوف يجعل في قلوب العامة التمثيل -أي: سينتقلون من المعنى إلى التمثيل- لأن العامي لا يفهم ولا يفكر، فنقول لمن أراد أن يبين أو أن يبلغ عن الله ورسوله ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات، نقول: يكفيك هدي النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه قد يورد علينا: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)) [النساء:58] ووضع إصبعه على عينه والثانية على أذنه) ، فنقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بيان تحقيق هذه الصفة، ثم إنه يحدث قوماً عندهم فهم وعندهم وعي، أما العامة ولا سيما في وقتنا هذا فإنهم لو حدثوا بوصف كل الصفات بالفعل لكان لبعضهم فتنة، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم؛ إلا كان لبعضهم فتنة] وقال علي رضي الله عنه: [حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟] . فإذا أورد علينا شخص مثل هذا الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والبصر، أو في قبض السماوات يوم القيامة، فإنا نقول له: لكل مقام مقال، ثم إننا نقتصر على ما جاء به النص فقط، فلا يشير في شيء آخر؛ لأنه لم يرد فيه النص. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 18 واجب الولد إذا تعارض أمر الوالد والوالدة له السؤال ما الحكم إذا تعارض أمر الوالد مع الوالدة؟ الجواب إذا تعارض أمر الوالد والوالدة فيجب أن تداريهما وأن تقضي شغل الوالد وشغل الوالدة، فإذا تعذر ذلك يُنظر أيهما أكثر ضرراً إذا خالفته، فإن كان الأكثر ضرراً الوالد فاقض حاجة الوالد، وإن كانت الوالدة أكثر ضرراً فاقض حاجة الوالدة، وإن تساويا فقدم الوالدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أحق الناس بحسن صحبتي قال: (أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) . الجزء: 32 ¦ الصفحة: 19 حكم تقسيم الناس إلى درجات من جهة التلقي السؤال بعض أهل العلم يقسم الناس من حيث التلقي إلى ثلاث مراتب: مرتبة الاجتهاد وهم العلماء، ومرتبة الاتباع وهم طلبة العلم، ومرتبة التقليد وهم العوام، فما رأي فضيلتكم في هذه القسمة؟ الجواب نعم. الناس يختلفون، فمنهم من يصل إلى درجة الاجتهاد ومنهم دون ذلك، ومنهم من يكون مجتهداً في مسألة من المسائل، يحققها ويبحث فيها ويعرف الحق فيها دون غيره، ومن الناس من لا يعرف شيئاً. فالعامة مذهبهم مذهب علمائهم، ولهذا لو قال لنا قائل: إنني أشرب الدخان؛ لأن في البلاد الإسلامية الأخرى من يقول: إنه جائز، وأنا لي حرية التقليد، قلنا: لا يسوغ لك هذا؛ لأن فرضك أنت هو التقليد، وأحق من تقلد علماؤك، ولو قلدت من كان خارج بلادك أدى ذلك إلى الفوضى في أمر ليس عليه دليل شرعي، ولو قال: إنه سيحلق لحيته؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، نقول له: لا يمكن، أنت فرضك التقليد، لا تخالف علماءك، ولو قال: أنا أريد أن أطوف على قبور الصالحين؛ لأن من علماء الأمصار من قال: لا بأس بذلك، أو قال: أريد أن أتوسل بهم إلى الله، وما أشبه ذلك، قلنا: لا يمكن هذا. فالعامي يجب عليه أن يقلد علماء بلده الذين يثق بهم، وقد ذكر هذا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: العامة لا يمكن أن يقلدوا علماء من خارج بلدهم؛ لأن هذا يؤدي إلى الفوضى والنزاع، ولو قال: أنا لا أتوضأ من لحم الإبل؛ لأنه يوجد من علماء الأمصار من يقول: لا يجب الوضوء منه، ولقلنا: لا يمكن، يجب عليك أن تتوضأ لأن هذا مذهب علماءك وأنت مقلد لهم. لكن العامي إذا استفتاك فأفته بما تراه أنه الراجح، وإذا كان الراجح يخالف ما عليه الناس؛ فأفته به سراً ما دامت المسألة اجتهادية وليس فيها نص، وقل له: هذه فتوى بيني وبينك. أما إذا كان الذي عليه الناس مخالف للنص؛ فأفته علناً ولا تُبالِ، لكن لا تذكر له الخلاف، فإن العوام يقولون: إذا أردت أن تحيِّر فخيِّر، ولهذا دائماً نقول للطلبة: لا تبينوا الخلاف للعامة فتذبذبوهم، ونقول: أيضاً لمن يعرف القراءات السبع: لا تقرأ بها أمام العامة؛ لأنك لو قرأت بقراءة أخرى غير التي في المصحف عندهم شوش عليهم ذلك. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 20 أقسام النفاق وضوابطه السؤال كثيرون هم من يتهمون غيرهم بالنفاق في هذا الزمان، ويستدل بالآية: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] وغيرها، فما هو ضابط النفاق؟ الجواب النفاق -بارك الله فيك- نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، فالنفاق الاعتقادي محله القلب ولا يعلم به إلا الله، ولهذا بعض الصحابة الذين حصل منهم المخالفة، فقال عمر: [إنه نافق] فعارضه الرسول صلى الله عليه وسلم. فالنفاق الاعتقادي محله القلب، ولا يجوز أن يرمي الإنسان به أحداً من المسلمين، وأهل الولاء لله ورسوله إلا ببينة واضحة. والنفاق العملي: أن يأتي الإنسان خصلة من خصال المنافقين، فلا بأس أن تقول: هذا منافق لهذا الفعل، فإذا رأينا الرجل يحدث ويكذب؛ قلنا: هذا منافق نفاقاً عملياً في هذه المسألة، وإذا رأيناه قام إلى الصلاة وهو كسلان؛ نقول: هذا فيه خصلة من خصال المنافقين؛ لأنه أشبه بالمنافقين في قيامه إلى الصلاة على وجه الكسل، فالنفاق العملي واسع؛ فكل من وافق المنافقين في خصلة من خصالهم فإنه منافق في هذا العمل خاصة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) ، هذه علامة المنافق، لكن هذه العلامات قد يقوم بها أناس من المسلمين؛ فنقول: هو منافق في هذه المسألة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 21 أجود التفاسير النافعة المختصرة السؤال تعلمون حفظكم الله أن الإجازة الصيفية قادمة، فحبذا لو دللتمونا على بعض كتب التفسير تنصحونا بقراءتها، وتكون خالية من الإسرائيليات والموضوعات، وما تعليقكم على تفسير الجلالين من حيث الإسرائيليات جزاكم الله خيراً؟ الجواب أنا أرى أن من خير التفاسير تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله على ما فيه من بعض الآيات التي يختصر فيها إختصاراً مخلاً، أو ربما يطويها ولا يتكلم عليها لكن هذا قليل، إنما فيه فوائد ما تكاد تجدها في غيره، فهو صالح لطالب العلم، والنقص الذي فيه يمكن للإنسان أن يتلافاه بمراجعة تفسير ابن كثير أو غيره كـ فتح القدير للشوكاني، وإن كان فيه ما فيه لكنه طيب. والذي يصلح للعوام تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي؛ لأنه ليس فيه إسرائيليات، ولا أسانيد ولا شيء يشوش عليهم، وتفسير الجلالين لطالب العلم جيد؛ لأنه في الحقيقة زبدة، وكما تعلم أنه يتمشى في مسألة الصفات على مذهب الأشاعرة فلا يوثق به فيرد قوله في ذلك، لكن في غير ذلك جيد جداً من حيث سبكه للقرآن، وتنبيهه في كلمات وجيزة على أمور تخفى على بعض طلبة العلم، فإذا اجتمع الفتوحات الإلهية وهو ما يعرف بـ حاشية الجمل مع الجلالين كان طيباً. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 22 حكم حمل ما فيه صورة السؤال ما حكم حمل الأشياء التي فيها الصور؟ الجواب إذا كان يحملها للضرورة، أو للحاجة فلا بأس، مثل النقود. فالنقود الآن فيها صور الملوك، لكن هل نحن اخترنا ذلك؟ الجواب: لا. لكننا مضطرون إلى هذا، ماذا نصنع في نقودنا؛ لابد أن ينقلها الإنسان، وكان الناس من قبل يحملون نقوداً فيها صور غير المسلمين، وهي صور مجسمة أيضاً، كانوا يحملون الريال الفرنسي، والريال الفرنسي فيه صورة ملك السويد أو غيرها، وهي صورة مجسمة تلمسها بيدك، ومن ورائها صورة الطير، ويحملون الجنيه الإفرنجي وعليه صورة جورج ملك الإنجليز، وعليها من الجانب الآخر فرس عليه راكب، ويلمس، لكن ماذا يصنع الناس، والحاجة مثل أن يحمل الإنسان بطاقته الشخصية من أجل أن يثبت شخصيته إذا دعت إليه الحاجة، فهذا لا بأس به إن شاء الله. أما حمل صورة مقصود حملها للذكرى كصورة الصديق وما أشبهها فهذا لا يجوز، وقولي مقصود حملها احترازاً مما يوجد في بعض الصحف من الصور التي هي غير مقصودة -يعني الذي يقرأ الصحيفة ما قصد الصورة ولا يريدها- فهذا لا بأس من حملها؛ لأنها غير مقصودة، لكن لو قال قائل: أريد أن أشق الصورة فقط ويجعلها -أي الصورة- في جيبه فلا يجوز؛ لأنها حينئذٍ مقصودة. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 23 حكم الدعاء بعد الصلاة السؤال ما حكم الدعاء بعد الصلاة؟ الجواب الدعاء بعد الصلاة إذا كان المقصود به رقع الخلل الذي فيها فإنه مشروع، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثاً، قال: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله) أي أسأل الله المغفرة، أما إذا كان دعاء لغير ذلك فالأفضل أن يدعو به قبل أن يسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) . وليس من اللائق أن الإنسان إذا انصرف عن ربه بالسلام من الصلاة ذهب يدعو، بل الأليق أنك ما دمت بين يدي الله تناجيه وتدعوه عز وجل، ولهذا لم يكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم من الصلاة دعا، إلا فيما يعتبر ترقيعاً لخللها كالاستغفار. وما حفظ عنه بعد الفريضة ولا بعد النافلة فيما أعلم إلا مرة واحدة؛ وذلك حين وضع كفار قريش عليه سلى الناقة وهو ساجد تحت الكعبة قبل الهجرة، والقصة مشهورة معروفة، فإنه لما سلم رفع يديه يدعو وكأن هذا والله أعلم من أجل إغاظة هؤلاء الكفار وإدخال الرعب في قلوبهم؛ لأنه لو دعا وهو يصلي ما علموا بذلك، فلما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو، فهذا له سبب، والله تعالى أعلم. وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 32 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [33] في هذا اللقاء بيان نعم الله الكثيرة وأهمها نعمة الإسلام، وعرّج الشيخ على التحذير من الفرقة والاختلاف، ثم أجاب على الأسئلة، ومن أهم ما أجاب عليه الشيخ مسألة القوانين الوضعية، وحكم الجهاد في هذا العصر، وما هو سبب اختلاف العلماء، ثم أشار بإشارة مهمة عن التحذير من فرقة المرجئة. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 1 نعم الله على عباده الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نذكر الإخوة جميعاً بما أنعم الله به علينا في هذه الجلسة المباركة، وهذا اللقاء المبارك، وهو اللقاء الثالث في شهر صفر من عام (1414هـ) الذي يكون كل يوم خميس. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 2 نعمة الإسلام إننا -ولله الحمد- في هذه البلاد نتمتع بنعم كثيرة، أهمها: نعمة الإسلام، فليس -ولله الحمد- في بلادنا شيء من خصال الكفر الظاهرة، أو البدعة الظاهرة، فالكل -ولله الحمد- على عقيدة التوحيد والعقيدة السلفية، عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالأمور التي خالف فيها أهل البدع لطريق السلف الصالح، وهذه أكبر نعمة على العبد؛ لأنها تتصل بها سعادة الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] . الجزء: 33 ¦ الصفحة: 3 نعمة الطعام والشراب أما النعمة الثانية: فهي نعمة توفر الطعام، والشراب، واللباس، والمساكن، والمراكب؛ التي قد تكون غير متوفرة في كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، فما أكثر الذين يموتون جوعاً، أو يتضورون جوعاً، وما أكثر الأمم الذين لا يجدون ما يكسون به عوراتهم أو يتقون به البرد، أو يتقون به الحر! وما أكثر الأمم الذين لا يجدون مساكن إلا عشاشاً أو أشجاراً يضعون عليها قطعاً من الثياب يتظللون بها! وهذا شيء معلوم بالأخبار المتواترة من الثقات الذين يذهبون إلى تلك البلاد، ومما نسمع من الإذاعات. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 4 نعمة الأمن أما النعمة الثالثة فهي: نعمة الأمن، التي ترفل بها هذه البلاد، فالناس -ولله الحمد- في أمن كامل على أنفسهم وعلى أهليهم وعلى أموالهم، ليس هناك -ولله الحمد- اغتيالات ولا سطو على البيوت، ولا سرقة للأموال، حتى أن الأموال تكون في الأسواق ليس عندها حارس، ولكن الله سبحانه وتعالى يحرسها بما أودع في هذه البلاد من الأمن. وهذه النعم الثلاث هي التي أشار الله تعالى إليها في قوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3-4] . فالإطعام من الجوع حاصل، والأمن من الخوف حاصل، وبقي علينا العبادة. نحن -ولله الحمد- نرى أن بلادنا من خير البلاد الإسلامية، ولكن هل هذه النعم ستبقى، أو تزيد، أو تزول؟ الجواب جاء من عند الله عز وجل قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فإن شكرنا الله على هذه النعم، وقمنا بما يجب من حقوق الله، وحقوق عباد الله وأعظمها حقوق الوالدين. أما حق النبي صلى الله عليه وسلم فإنه داخل في حق الله، ولهذا تجدون الآيات الكريمات يذكر الله تعالى فيها حقه، ثم حق الوالدين، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] . فلماذا لم يذكر حق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من حق الوالدين؟ لأنه داخل في حق الله تعالى، إذ أن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن إذا قمنا بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أدينا الحق. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 5 الحذر من التفرق والاختلاف كذلك -أيضاً- يجب علينا أن نحذر من التفرق، وتمزق الكلمة، واختلاف القلوب؛ فإن ذلك يوجب الفشل والخذلان، كما قال الله عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] . وأنا أرى في الساحة اختلافاً، وأرى قيل وقال، فهذا ينصر هذا القول، وهذا ينصر القول المضاد، وهذا ينتحل لهذا الرجل، وهذا ينتحل لرجل آخر، وكل شخص منهم يقف ضد الآخر، وهذا خطر عظيم، ما لنا ولزيدٍ أو لعمروٍ، نحن نتبع الحق أينما كان، ومن أي جهة كانت، وليس الحق مخصوصاً بشخصٍ معين دون شخصٍ آخر، ربما يأتي الحق من رجل كافر، وربما يأتي الحق من رجل فاسق، وربما يفوت الحق رجلاً مؤمناً يخطئ، وكل إنسان خطَّاء. وقد تستنكرون أن أقول: إن الحق يأتي من رجل كافر! ولكنه يأتي من رجل كافر، ويجب قبوله، أليس الله تعالى يقول: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28] ولم يكذبهم في قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] لأن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] حق فأبطل الله قولهم: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] ولم يبطل قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] لأنه حق فيجب قبوله ولو كان من كافر، وهذا الرجل اليهودي الذي حدث النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، إلى آخر الحديث هل كذبه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أو قال: لا نقبل منك لأنك يهودي؟ لا. صدَّقه، وضحك حتى بدت نواجذه تصديقاً لقوله، ثم قرأ قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67] . وإذا كان هذا هو الواقع؛ فالواجب علينا أن نتبع الحق أينما كان، وأن نأخذ به من أي مصدر كان. فما بالنا ننتحل لزيد أو لعمرو ثم نقول: كل ما قاله فهو حق وصواب، وكل ما قاله الآخر فهو باطل وخطأ، فهذا لا يليق بالمؤمن إطلاقاً، اتبع الحق أينما كان، واعلم أن الإنسان قد يأتي بالحق الكثير ثم يخطئ مرة واحدة، أو يأتي بالخطأ الكثير ثم يصيب مرة واحدة، أو يكون خطؤه وصوابه متساويين، وفي الأحوال الثلاث كلها الواجب علينا: أن نأخذ بالحق وندع الباطل، وإذا رأينا من شخص خطأً ونحن نعلم حسن نيته فالواجب الاعتذار عنه لا التشنيع عليه؛ لأن التشنيع بأهل الحق من خصال النفاق، هم الذين إذا أمسكوا على أهل الإيمان خطأً واحداً بنوا عليه أخطاء كثيرة، وشنعوا عليه، وأشاعوا الفاحشة فيه. أما المؤمن فإذا رأى من شخصٍ خطأً وهو يعرف منه حسن نيته، فإنه يعذره لحسن نيته، فليس كل إنسان يخطئ نعذره في خطئه، يمكن أن يخطئ متعمداً، لكن إذا علمنا حسن نية الرجل، وأن هذا خطأ فادح، وكل ابن آدم خطاء؛ فإن الواجب علينا أن نعذره، وألاَّ نتحدث ونشنع عليه أمام الناس، ثم الواجب علينا تارة أخرى أن نتصل به، ونقول: إنك قلت كذا، أو فعلت كذا، ثم نبين الخطأ، قد يكون الخطأ بفهمنا نحن، ويكون ما قاله هو صحيحاً، وقد يكون الخطأ منه، وإذا كان حسن النية رجع إلى الصواب حتى لو كان أكبر الناس، من لم يتواضع للحق فهو مستكبر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) . فالواجب علينا -أيها الإخوة- ألا يكون همنا القيل والقال، وقال فلان وقال فلان، وفلان على حق، وفلان على خطأ، الواجب علينا أن نتبع الحق أينما كان، وأن نأخذ به من أي مصدر كان، وإذا صدر من شخص خطأ -والإنسان معرض للخطأ- فإنه لا يجوز أن نشنع عليه بهذا الخطأ، بل نعتذر عنه أمام الناس متى علمنا حسن نيته، ثم نتصل به لمناقشته على ما نظن أنه خطأ؛ إذ قد يكون الخطأ منا لا منه، حتى تستقيم الأمة وتكون الكلمة واحدة، ولا يحصل تفرق ولا نزاع، وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أنه إذا حصل التفرق والتمزق بين الأمة زالت هيبتها، وصارت فريسة للشيطان والهوى، لكن إذا عقدنا العزم على أن نكون يداً واحدة، وأن نكون قلباً واحداً، وأن نكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً خبراً يجب أن يطبق: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وبهذا تتم أمورنا وتحسن أحوالنا، نسأل الله أن يتم لنا ذلك بمنه وكرمه. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 33 ¦ الصفحة: 7 حكم صلاة المنفرد خلف الصف السؤال بعض الأحكام التي اختلف فيها الفقهاء قد ورد فيها نص من الكتاب والسنة، كصلاة المنفرد خلف الصف، هل يقال في هذا النص أو هذا الدليل: إنه ضعيف وليس حجة، ولا ينبني عليه حكم؟ أو يقال: إنه حديث صحيح، ولا اجتهاد مع النص؛ فأيهما قد ورد في هذه المسألة؟ الجواب بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الاختلاف بين العلماء كثير في هذه المسألة وغيرها، وأسبابه -أيضاً- متعددة، قد يكون سبب الخلاف أن العالم لم يبلغه الحديث، ولا غرابة ألا يبلغه الحديث؛ لعلنا نذكر قصة خفي فيها الحديث على الخليفة الثاني في هذه المسألة وعلى من معه من الصحابة وذلك حينما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى الشام، وفي أثناء الطريق قيل له: إن الطاعون وقع في الشام -والطاعون وباء فتاك- فوقف واستشار الصحابة كلهم؛ المهاجرين والأنصار، واختلفت آراؤهم، فمنهم من يقول: تقدم وتوكل على الله وما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنت آتٍ لله عز وجل فاستمر، ومنهم من قال: لا تهلك المسلمين، لا تقدمهم على الطاعون يقتلهم ومعك الصفوة من المهاجرين والأنصار؛ فإذا قتلوا بالطاعون فهذه نكبة كبيرة ارجع. اختلفوا لكن استقر رأيهم على أن يرجعوا، فأتى أبو عبيدة بن الجراح -أمين هذه الأمة- ومنزلته عالية عند أمير المؤمنين عمر، حتى أنه لما طُعن عمر رضي الله عنه قال: [لو كان أبو عبيدة حياً لخلفته على المسلمين] جاء أبو عبيدة إلى عمر فقال: [يا أمير المؤمنين! كيف ترد الناس؟ كيف ترجع؟ أتفعل هذا فراراً من قدر الله، قال: نفر من قدر الله إلى قدر الله، ثم ضرب له مثلاً، قال: لو كان هناك وادٍ -مجرى الماء- له شعبتان إحداهما مخصبة والثانية مجدبة، ولك إبل هل تعدلها عن المجدبة إلى المخصبة أم تذهب إلى المجدبة، قال: أعدلها من المجدبة إلى المخصبة، قال: بقدر الله، قال: بقدر الله، قال: هكذا نعدل] وفي أثناء ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان قد تغيب لحاجة له، فسمع بالخبر فجاء إلى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين! إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون: (إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فراراً منه) فوافق الاجتهاد النص. فأقول لكم أولاً: قد يخفى على العالم النص فلا يبلغه فيقول بخلافه، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع. ثانياً: قد يبلغه النص لكن لم يتبين له صحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: هذا حديث ضعيف، ولا يعمل به. ثالثاً: ربما بلغه ويعتقد صحته لكن لا يفهمه على فهم الآخر، فيخطئ في الفهم، يتأول ويخطئ في التأويل. رابعاً: قد يكون بلغه وهو عنده صحيح، ويفهمه فهماً صحيحاً لكن يظن أن له نصاً آخر يعارضه، يكون النص المعارض عنده أقوى من هذا. خامساً: قد يكون ثبت عنده وليس له معارض، لكنه ظنه منسوخاً فيأخذ بما ظنه ناسخاً، مثل: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل، وهذا ثابت، فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث البراء وحديث جابر بن سمرة، ففي حديث جابر (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) ، فظن كثير من العلماء أن أكل لحوم الإبل لا ينقض الوضوء؛ لأن جابراً يقول: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) فظن أن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول؛ لأنه قال: آخر الأمرين، والحق أنه ليس بناسخ؛ لأن مورد النصين مختلف، وذلك في لحم الإبل نيئاً أو مطبوخاً، وهذا فيما مست النار، ثم ترك ذلك، فيخطئ من يظن أن حديث الوضوء من لحم الإبل منسوخ، المهم أن أسباب الخلاف كثيرة. والمثال الذي ذكره الأخ السائل: وهو صلاة الإنسان منفرداً خلف الصف، للعلماء فيه أقوال متعددة: القول الأول: أن صلاته صحيحة سواء تم الصف الذي أمامه أم لم يتم، ولكنه ترك الأفضل، وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد، انظر كيف أن أكثر العلماء على أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة سواء تم الصف الأول الذي قبله أم لم يتم، يعتبر ثلاثة مذاهب ورواية في مذهب الإمام أحمد، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) على نفي الكمال قالوا: لا صلاة أي: كاملة، وليس المعنى أن الصلاة غير صحيحة. القول الثاني: أن صلاة المنفرد خلف الصف غير صحيحة، سواء تم الصف الذي قبله أم لم يتم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، هذان قولان متقابلان. القول الثالث: وسط، يقول: إن تم الصف الذي قبله فصلاته صحيحة، وإن لم يتم فصلاته غير صحيحة، وهذا القول أصح الأقوال؛ لأن الأدلة تجتمع في هذا القول، فيكون معنى: لا صلاة لمنفرد خلف الصف مع تمكن القيام في الصف، وأما إذا لم يتمكن فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أين يذهب؟ هل يترك الفرض مع الجماعة أم ماذا؟ قال بعضهم: اذهب وتقدم مع الإمام وهذا ليس بحل، إذا تقدمت مع الإمام لزم من هذا تخطي رقاب الناس وشق الصفوف، وهذا يؤذي المصلين، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتخطى الرقاب يوم الجمعة فقال: (اجلس فقد آذيت) ثم إنه إذا تقدم وقام مع الإمام حصل بهذا مخالفة للسنة، فالسنة أن ينفرد الإمام بمكانه حتى لا يأتم الناس بإمامين، ولو كان مع الإمام أحد فأيهما الإمام؟ نقول: السنة أن يقف الإمام وحده في مكانه ليتبين أنه إمام، وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو تقدم وصلى مع الإمام وجاء آخر ووجد الصف تاماً نقول: تقدم فصاروا ثلاثة، ثم جاء آخر وجد الصف تاماً نقول تقدم فصاروا أربعة، حتى يصبحوا عشرة مع الإمام وهذا غير ممكن أن يصف هؤلاء جميعاً مع الإمام، لكن لو وقف وصلى وحده خلف الصف ثم جاء آخر وقف معه وكونوا صفاً، فالقول الوسط الذي يقول: إذا وجدت الصف تاماً فصف وحدك ولا حرج، هذا هو الصحيح، وهو الذي تجتمع عليه الأدلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي فالمهم: أن العلماء والأئمة لا يمكن أن يخالفوا النص مع علمهم بأنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتأويل أو بخفاء الدليل، أو بظن مرجح في غيره، أو بظن النسخ، فهذه أعذار أهل العلم في مخالفة ما يظهر من النصوص، وأنصح الأخ السائل والمستمعين -أيضاً- بقراءة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أو رسالتنا الصغيرة التي ألفناها في هذا الموضوع، وهي (أسباب اختلاف العلماء وموقفنا من ذلك) ، ففي ذلك كفاية وفيها أمثلة -أيضاً- تزيدكم علماً، لأن فيها أمثلة لما خالف فيه بعض العلماء ظاهر النص، وأعذار أهل العلم في ذلك. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 8 حكم المحاماة ودراسة القانون الوضعي السؤال ما حكم عمل المسلم الذي يدرس القانون الوضعي؛ ثم يفتح مكتباً للمحاماة ويقف مرافعاً أمام المحاكم المدنية لإدارات الشركات؟ وما حكم ما يجمعه من مال؟ الجواب وضع القوانين المخالفة للشرع مكان الشرع كفر؛ لأنه رفع للشرع ووضع للطاغوت بدله، وهذا يدخل في قوله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ولا حجة لمن قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وهذه قوانين دنيوية نحن ما أتينا الصلاة والعبادات، والنكاح، والفرائض، لكن المعاملة بين الناس هي أمور دنيوية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) فنحن لا نكفر بذلك لأننا لم نرفع الشرع بل تصرفنا وفق الحديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ؟!! نقول: لقد ضلوا فيما فهموا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) في أمر الصناعة، وأمر الحرفة، لو جاء النجار وقال: كيف يصنع الباب؟ هل هو أعلم أم الرسول؟ هل النجار الماهر بالصنعة أعلم كيف يصنع هذا الباب أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: النجار؛ لأن الرسول تحدث عن هذا في أمر صناعي، وذلك أنه لما قدم المدينة وجد الناس يصعدون إلى فحل النخل ويأخذون الطلع، ثم يصعدون إلى النخلة ويلقحونها، فكم تعب الإنسان؟ أربع مرات، صعود الفحل والنزول منه، وصعود النخلة والنزول منها أربع مرات تقتضي جهداً ووقتاً، فقال لهم: (لو لم تفعلوا لصلح) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من المرء أن يكون حازماً، وألا يضيع دقيقة واحدة من عمره إلا في فائدة، فظن أن المسألة ليس فيها فائدة؛ لأنه لم يعش في بلد زراعة ونخيل، أين عاش؟ في مكة في بلد غير ذي زرع، ولا يعرف من هذا شيئاً، فتركوا النخل بدون تلقيح ففسد النخل وخرج البلح شيصاً، فجاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله! فسد النخل، فقال لهم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) أي: أنتم أعلم في الحرفة والصنعة لا في الحلال والحرام، ولهذا نظم الرسول صلى الله عليه وسلم بيع النخل، فقد نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وأطول آية في القرآن تتعلق بالبيع والدين في أمور الدنيا. فهؤلاء الذين ظنوا أن وضع القوانين المخالفة للشرع في الحكم بين الناس والرجوع إليها عند التنازع أخطئوا في فهم هذا الحديث، والواجب أن يبلغوا أنهم مخطئون؛ فإن أصروا على المخالفة وعلى رفع الحكم الشرعي ووضع القانون بدله فهذا -والعياذ بالله- كفر. وأما تعلم الإنسان للقوانين الوضعية، إذا كان يتعلمها من أجل أن يدفع الباطل بالحق؛ فهذا لا بأس به، وإذا كان يتعلمها من أجل أن يتبع ما فيها من القوانين المخالفة للشرع؛ فهذا حرام. وفي هذا نقول: حتى المحاماة في بلد تحكم الشريعة فيه نقول: إذا كان المحامي يريد إيصال الحق إلى أهله؛ فلا بأس أن يمارس هذه المهنة، وإن كان يريد أن يغلب الناس في قوله ومحاماته بالحق أو بالباطل؛ فهذا حرام. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 9 حكم النذر المعلق في الطاعات السؤال رجل أصابه مرض فنذر نذراً إن شفاه الله أن يصوم أيام البيض، فشفاه الله، فبدأ يصوم أيام البيض، هل يستمر في صيامها رغم أنه بدأ يمل؟ الجواب أولاً: النذر مكروه، ويكره للإنسان أن ينذر سواءً على الشفاء، أو على النجاح، أو على حصول شيء ضائع له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن النذر) . ثانياً: إذا نذر نذر طاعة وجب عليه أن يوفي به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وعلى هذا يجب على الأخ الذي نذر أن يصوم أيام البيض أن يصومها من كل شهر، إلا إذا كانت نيته أن يصومها من الشهر الذي يلي الشهر الذي شفاه الله فيه، فيكتفي بشهر واحد، أما إذا أطلق فيجب أن يصومها كل شهر. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 10 الفرق بين جماعة الإخوان والجماعة السلفية السؤال نريد أن نعرف ما الفرق بين جماعة الإخوان والجماعة السلفية؟ الجواب والله -يا أخي- إنني أرى أن الواجب على الجميع أن يكونوا إخواناً في الله وأن يكونوا على طريقة السلف؛ كما قال تعالى ممتناً على المسلمين ومذكراً لهم: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] وإذا كانوا متآخين على طريق السلف فهذا طريق المؤمنين، أما إذا كان هناك مبادئ وأفكار تخالف ما كان عليه السلف الصالح؛ فإنه يجب أن تُعدل أو تبدل. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 11 الضابط في حمل الصور السؤال في الجلسة الماضية قلتم: إنه يجوز حمل الصور للضرورة فلو بينتم ضابط الضرورة؟ الجواب الضرورة مثل أن تكون الصورة في النقود، أو في التابعية التي لابد للإنسان من حملها، أو في رخصة القيادة؛ هذه من الضرورات. فالإنسان لا تهمه هذه الصورة ولا يقع في نفسه أي تعظيم لها، حتى الصور التي في النقود كصور الملوك لا يشعر الإنسان بأنه يعظم هذه الصورة. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 12 معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمن فأمنوا) السؤال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا أمن فأمنوا) فما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن فأمنوا) ؟ الجواب معناه: إذا شرع في التأمين أو إذا بلغ موضع التأمين فأمنوا؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) وهذا نص في الموضوع، واللغة العربية قد يطلق فيها الفعل، ويراد الشروع فيه؛ وبعض الناس قال: إن قوله: إذا أمن أي: إذا انتهى من التأمين، وليس كذلك، بل إذا بلغ موضع التأمين فأمنوا، وحديث أبي هريرة في صحيح مسلم يوضح ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) . الجزء: 33 ¦ الصفحة: 13 موضع دعاء الاستخارة السؤال موضع دعاء الاستخارة هل هو في السجود أو بعد الانتهاء من الصلاة؟ الجواب موضع دعاء الاستخارة إذا سلم من الركعتين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليصل ركعتين ثم ليقل) وذكر الدعاء. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 14 توجيه أحاديث الرجاء وتعذيب العصاة السؤال بالنسبة للحديث الذي ورد في الرجل الذي يمنُّ الله عليه ويخلصه وكان له تسعة وتسعون سجلاً من الذنوب والمعاصي وضعت في كفة، ثم جيء بالبطاقة التي فيها شهادة أن لا إله إلا الله فرجحت البطاقة وطاشت السجلات، فما توجيهكم للحديث مع بقية الأحاديث التي هي معلومة؟ ولابد من تعذيب العصاة في جهنم مع أنهم جميعاً يقولون: لا إله إلا الله -وأيضاً- هل يصلح إيراد هذا الحديث وبقية أحاديث الرجاء على العوام، أو لابد من البيان؟ الجواب أما الأول: فيجب أن نعلم أن من كان مؤمناً ولو كان إيمانه ضعيفاً، فإننا لا نجزم له بدخول النار؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فهذا الرجل الذي معه كلمة التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله، كان هذا الإخلاص التام مانعاً له من الخلود في النار، ومجوزاً أن يغفر الله له كما في الآية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وهذه الآية -كما تعلمون- ذكرت مرتين في سورة النساء. وأما أحاديث الرجاء كهذا الحديث وغيره فهل يحسن أن تتلى على العوام؟ الجواب: يحسن أن تتلى على العوام مع أحد أمرين: إما أن يُشرح للعوام معناها، وإما أن يذكر معها أحاديث الوعيد حتى لا يغلب عليهم الرجاء فيقعوا في الأمن من مكر الله، ولا الخوف فيقعوا في القنوط من رحمة الله، ولهذا قال عبد الله بن مسعود كلمة جيدة قال: [إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة] فالواجب على الإنسان إذا ذكر مثل هذه الأحاديث أن يشرح معناها حتى لا يتلبس على العوام. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 15 حكم الجهاد في هذا العصر السؤال أرجو أن تبين مدى حاجة المجتمع الإسلامي للجهاد في سبيل الله؟ الجواب هذه الحاجة بينها الله عز وجل في كتابه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] فالناس في حاجة إلى قتال الكفار الآن حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ولكن هل يجب القتال، أو هل يجوز القتال مع عدم القدرة عليه؟ الجواب: لا يجب، بل ولا يجوز أن نقاتل ونحن غير مستعدين له، والدليل على هذا أن الله عز وجل لم يفرض على نبيه وهو في مكة أن يقاتل المشركين، وأن الله أذن لنبيه في صلح الحديبية أن يعاهد المشركين ذلك العهد الذي إذا تلاه الإنسان ظن أن فيه خذلاناً للمسلمين. كثير منكم يعرف كيف كان صلح الحديبية حتى قال عمر بن الخطاب: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نعط الدنّية في ديننا؟) فظن هذا خذلاناً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أفقه من عمر، وأن الله تعالى أذن له في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري) . انظر الثقة الكاملة في هذه الحالة الضنكة الحرجة، يعلن هذا ويقول: (لست أعصيه، وهو ناصري) سيكون ناصراً لي، وإن كان ظاهر الصلح أنه خذلان للمسلمين، وهذا يدلنا على مسألة مهمة، وهي: قوة ثقة المؤمن بربه، فهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال الحرجة يقول: (وهو ناصري) . وفي قصة موسى عليه السلام لما لحقه فرعون وجنوده وكان أمامهم البحر وخلفهم فرعون وجنوده، ماذا قال أصحابه؟ قالوا: إنا مدركون، قال: كلا. لا يمكن أن ندرك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] سيهديني لشيء يكون فيه الإنقاذ، وحصل الإنقاذ وحصل هلاك فرعون وقومه. فالمهم: أنه يجب على المسلمين الجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ولا يستطيعون جهاد الكفار، حتى ولا جهاد مدافعة في الواقع. جهاد المهاجمة -لا شك- أنه الآن غير ممكن حتى يأتي الله عز وجل بأمة واعية تستعد إيماناً ونفسياً ثم عسكرياً، أما ونحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد أعداءنا، ولذلك انظر إلى إخواننا في جمهورية البوسنة والهرسك ماذا يفعل بهم النصارى؛ يمزقونهم أشلاءً، وينتهكون حرماتهم، وقيل لنا: إنهم يذبحون الطفل أمام أمه، ويجبرونها على أن تشرب من دمه، نعوذ بالله! شيء لا يتصور الإنسان أنه يقع، ومع ذلك فإن الأمم النصرانية تماطل وتتساهل وتعد وتُخلف؛ والأمة الإسلامية ليس لها إلا التنديد القولي دون الفعلي، من بعضها لا من كلها، وإلا فلو أن الأمة الإسلامية فعلت شيئاً ولو قليلاً مما تقدر عليه لأثر ذلك، لكن مع الأسف أننا نقف وكأننا متفرجون لاسيما بعض ولاة الأمور في الأمة الإسلامية، الشعوب معها شعور، معها حركة قلبية، لكن لا يكفي هذا، والله إن الإنسان كلما ذكر إخوانه هناك تألم لهم ألماً شديداً، لكن ماذا نعمل؟ نشكو إلى الله عز وجل، ونسأل الله تعالى أن يقيم علم الجهاد في الأمة الإسلامية حتى نقاتل أعداءنا وأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا. فالآن الخلاصة في الجواب: أن الجهاد واجب (حتى لا تكون فتنة) أي: صد عن سبيل الله، ولا يستطيع أعداء المسلمين أن يدعوا لدينهم، ويكون الدين كله لله، ولكن هذا بشرط أن يكون عندنا قدرة، وليس عندنا الآن قدرة، حتى ولا قدرة الدفاع مع الأسف، فكيف بقدرة المهاجمة، ولما كان المسلمون على الحق، ويعتمدون على رب العزة والجلال، ويمسكون المصحف بيد والرمح بيد، ويقدمون المصحف على الرمح فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وبدأ الناس يأتون إليهم من كل جانب {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1-2] . فبدأ الناس يقبلون على الإسلام؛ لأن الإسلام دين الفطرة، والقيم العالية، والأخلاق الفاضلة، فلو عرض للناس، وصور لهم نظرياً وتطبيقياً؛ ما أرادوا سواه، لكن -مع الأسف- المسلمون اليوم أكثر همهم ماذا عندك من المال؟ وكيف قصرك وبيتك؟ وكيف سيارتك؟ هذا أكثر حال الناس -مع الأسف- ولهذا تجد الغش في المعاملات، والكذب، والخداع، والمكر وكل شيء؛ لأن الناس شغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له، نحن خلقنا للعبادة، وخلق لنا ما في الأرض جميعاً؛ فشغلنا بما خلق لنا عما خلقنا له، نسأل الله أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، وأن يبدل الحال بخير منه. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 16 حكم الصلاة داخل الحجر السؤال هل الصلاة داخل الحجر جائزة في جميع الاتجاهات؟ الجواب أعتقد أنك لو صليت في الحجر وظهرك إلى الكعبة لعدك الناس مجنوناً، لكن من الناحية النظرية لو أن الإنسان في الحجر وصلى إلى الجهة الشرقية منه أو الغربية لكفى؛ لأنه يصلي إلى جدار، والحجر من الكعبة. أما أن يجعل الكعبة وراء ظهره، ويتجه إلى الشمال فإنه لا يجزئه؛ لأن جدار الحجر الشمالي ليس من الكعبة إذ أن الحجر ليس كله من الكعبة، بل من الكعبة مقدار ستة أذرع ونصف تقريباً. وأما إذا جعلت الكعبة عن يسارك أو عن يمينك إلى الجدار الشرقي أو الغربي من الحجر الداخلي في حدود الكعبة، فإن ذلك يجزئك إن كانت الصلاة نفلاً، ولا يجزئك في الفريضة هذا هو القول المشهور عند أصحاب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ولكن القول الصحيح أنها تجزئ الفريضة والنافلة إلا أنه ليس من المستحسن أن تدع الكعبة القائمة عن يمينك أو شمالك وتصلي إلى جدار من الحجر. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 17 حكم حجز الأماكن في المساجد السؤال ما حكم حجز الأماكن في المساجد حيث إن بعض الناس يجعل له مكاناً يحجزه ثم يجلس في الخلف حتى يأتي الإمام، ثم يتقدم يحرم الناس هذا المكان، وهو لا ينتفع به إلا عند الإقامة، مع علمكم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا، والأحاديث توحي أن الصحابة لم يكونوا يفعلون هذا، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصف الأول: (حتى لو لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) وحديث أنس في صحيح البخاري أنه قال: (حتى إذا قضيت الصلاة تبادروا إلى السواري) أو نحو ذلك، أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً؟ الجواب تحجير الأماكن في المساجد يرى بعض العلماء أنها جائزة مطلقاً سواءً كان الإنسان في المسجد أو خارج المسجد، وهذا هو المشهور عند الحنابلة في كتب الفقه، أنه يجوز للإنسان أن يتحجر ومتى جاء دخل في مكانه، ولكن الصحيح أن هذا حرام، وأنه لا يجوز أن يتحجر؛ لأنه يمنع غيره مما هو أحق به منه؛ ولأن ذلك يؤدي إلى أن يتراخى هو أيضاً في الحضور؛ لأنه إذا اطمأن أن مكانه في الصف الأول تهاون ولم يأت إلا متأخراً؛ ولأنه يترتب عليه -أحياناً- أن يؤذي المصلين بتخطي رقابهم إذا لم يكن للمسجد مدخل من الأمام، هذا الذي نراه في هذه المسألة. أما إذا كان الإنسان في المسجد بأن يضع شيئاً يحجز به المكان وهو في المسجد فهذا لا بأس به بشرط ألا يلزم منه التخطي لرقاب الناس، وعلى هذا إذا حجزت مكاناً في الصف الأول، ثم وصل الثاني إلى مكانك وحاذاه؛ فإنه يجب عليك أن تتقدم لئلا تتخطى رقاب الناس، ما لم يكن للمسجد مدخل من الأمام تدخل منه، فالصحيح في هذه المسألة التفصيل، وهو: أن من كان في المسجد فلا حرج عليه؛ لأنه حصل له التقدم، ولكن ربما يقوم بعض الناس حيث يرى أن ابتعاده عن الناس أخشع له في صلاته، أو ربما يكون ممن يجهرون بالقراءة فلا يحب أن يبقى في الصف الأول فيشوش على الناس، أو يحب أن يكون له مذاكرة في درس من الدروس يجب أن يكون بعيداً عن الصف، أو غير ذلك من الأغراض، فإذا أقيمت الصلاة تقدم إلى مكانه. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 18 حكم المرجئة ومن يعذر بجهله السؤال ما حكم المرجئة؟ وما حكم من يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم؟ الجواب أولاً: لا بد أن نعرف من هم المرجئة؟ المرجئة هم الذين يقولون: الإيمان عمل القلب، ولكن قولهم هذا باطل لا شك فيه؛ لأن النصوص تدل على أن الإنسان إذا عصى الله عز وجل نقص إيمانه، وأما العذر بالجهل فهذا مقتضى عموم النصوص، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أن الإنسان لا يعذر بالجهل، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ولولا العذر بالجهل لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة، وقد نص على ذلك أئمة أهل العلم: كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية أي: أنه قد يتيسر له أن يتعلم؛ لكن لا يهتم، أو يقال له: هذا حرام؛ ولكن لا يهتم، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية، ويأثم بذلك. أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية، ولا يرون إلا أنها مباحة ثم نقول: هذا يأثم، وهو لم تبلغه الرسالة هذا بعيد، ونحن في الحقيقة -يا إخواني- لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة، والرب عز وجل يقول: (إن رحمتي سبقت غضبي) فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام، بل إن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم. والمرجئة لم أعلم أن أحداً أخرجهم من الإسلام، وهم لا شك أنهم مخطئون، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كما يدل على ذلك نصوص كثيرة، وأن عدم عمل الصالحات ينقص من الإيمان. الجزء: 33 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [34] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير الآيات الأخيرة من سورة الانشقاق، والتي أقسم الله تعالى فيها بالشفق وهو: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس، وأقسم أيضاً بالليل وما وسق أي: ما جمع، والمقسم عليه هو: قوله تعالى: (لتركبن طبقاً عن طبق) أي: حالاً عن حال، فذكر أحوال الزمان والمكان وأحوال القلوب والأبدان. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الانشقاق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في شهر صفر عام (1414هـ) في يوم الخميس، وبه نختتم ما بقي من سورة الانشقاق. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بالشفق) انتهينا في اللقاء السابق إلى قول الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:16-19] هذه الجملة مكونة من قسم ومقسم به ومقسم عليه ومُقسِم. فالقسم في قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16] قد يظن الظان أن معنى (لا أقسم) نفي، وليس كذلك؛ بل هو إثبات و (لا) هنا جيء بها للتنبيه ولو حذفت في غير القرآن لاستقام الكلام، ولها نظائر مثل قوله: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ} [المعارج:40] {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:38] وكلها يقول العلماء: إن (لا) فيها للتنبيه، وأن القسم مثبت. أما المُقسِم فهو الله عز وجل، وأما المُقسَم به في الآية فهو الشفق وما عُطف عليه، فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟ وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟ قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن نزل باللسان العربي. وإذا كان من عادة العرب أنهم يؤكدون الكلام بالقسم، صار هذا الأسلوب جارياً على لسانهم. وقوله: (بالشفق) الشفق هو: الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء، وبعضهم قال: إذا غاب البياض -وهو يغيب بعد الحمرة بنحو نصف ساعة- لكن الذي عليه الجمهور ويقال: إن أبا حنيفة رحمه الله رجع إليه هو أن الشفق هو الحمرة، وإذا غاب هذا الشفق فإنه يدخل وقت العشاء ويخرج وقت المغرب. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والليل وما وسق) قال تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق:17] هذا أيضاً مقسم به معطوف على الشفق، أي: وأقسم بالليل وما وسق، وهذان قسمان: الأول بالليل والثاني بما وسق. الليل معروف، فما معنى (ما وسق) ؟ أي: ما جمع؛ لأن الليل يجمع الوحوش، والهوام، وما أشبه ذلك، فتجتمع وتخرج، تبرز من جحورها وبيوتها، وكذلك ربما يشير إلى اجتماع الناس بعضهم إلى بعض {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ} [الانشقاق:18] القمر معروف، ومعنى إذا اتسق، أي: إذا اجتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار، فأقسم الله عز وجل بالليل وما وسق، أي: ما جمع، وبالقمر؛ لأنه آية الليل. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لتركبن طبقاً عن طبق) ثم قال بعد ذلك: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق:19] والخطاب هنا لجميع الناس أي: لتركبن حالاً عن حال، يشير إلى أن الأحوال تتغير، فيشمل أحوال الزمان، وأحوال المكان، وأحوال الأبدان، وأحوال القلوب، انتبه! يتضمن أربعة أشياء. أحوال الزمان نعرف أنها تتنقل {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس حتى إن الإنسان ليشعر بهذا من غير أن يكون هناك سبب معلوم وفي هذا يقول الشاعر: فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُساءُ ويوم نُسرَّ وهذا شيء يعرفه كل شخص منا بنفسه، تصبح اليوم مستأنساً فرحاً مسروراً، وفي اليوم الثاني تكون بعكس ذلك بدون سبب، لكن هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقاً. كذلك في أحوال الأمكنة: ينزل الإنسان هذا اليوم منزلاً، وفي اليوم الثاني منزلاً آخر، وثالثاً ورابعاً إلى أن تنتهي به المنازل في الآخرة، ومن قبل الآخرة في القبور، وهي منازل مؤقتة، القبور ليست هي آخر المنازل؛ بل هي مرحلة. وسمع أعرابي رجلاً يقرأ قول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فقال الأعرابي: والله ما الزائر بمقيم، إن الأعرابي بفطرته عرف أن وراء هذه القبور شيئاً يكون المصير إليه؛ لأننا نعرف أن الزائر يزور ثم يرتحل. وبهذا نعرف ما نقرأه في الجرائد: (فلان توفي ثم نقلوه إلى مثواه الأخير) أن هذه الكلمة خطأ كبير، ومدلولها كفر بالله عز وجل وكفر باليوم الآخر؛ لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير؛ فهذا يعني أنه ليس بعده شيء، وهذا كفر بالبعث. الذي يرى أن القبر هو المثوى الأخير وليس بعده مثوى؛ فهو كافر، والمثوى الأخير إما جنة وإما نار. أحوال الأبدان: الأبدان يركب الإنسان فيها طبقاً عن طبق، واستمع إلى قول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] . أول ما يخلق الإنسان يكون طفلاً صغيراً، يمكن أن تجمع يديه أو رجليه بيد واحدة منك وتحمله بهذه اليد، يكون كائناً ضعيفاً، ثم لا يزال يقوى رويداً رويداً حتى يكون شاباً جلداً قوياً، ثم إذا استكمل القوة عاد فرجع إلى الضعف مرة ثانية، وقد شبه بعض العلماء حال البدن بحال القمر، يبدو هلالاً ضعيفاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى يمتلئ نوراً، ثم يعود ينقص شيئاً فشيئاً حتى يضمحل، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، نعم هذه حال الأبدان. أما أحوال القلوب وما أدراك ما أحوال القلوب! أحوال القلوب هي البلية هي المصيبة هي النعمة هي النقمة، كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أزاغها، وإن شاء هداها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث قال: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) . القلوب لها أحوال عجيبة، تارة يتعلق القلب بالدنيا، وتارة يتعلق بشيء من الدنيا كالمال، فيكون المال أكبر همه، وتارة يتعلق بالنساء، وتكون النساء أكبر همه، وتارة بالقصور والمنازل، ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يتعلق بالمركوبات والسيارات، ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يكون مع الله عز وجل، دائماً يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ويرى أن الدنيا كلها وسيلة إلى عبادة الله، وإلى طاعة الله؛ فيستخدم الدنيا؛ لأنها خُلقت له، ولا يجعل الدنيا تستخدمه، فانظروا -يا إخواني- أصحاب الدنيا هل تظنون أن الدنيا تخدمهم أم يخدمونها؟ هم الذين يخدمونها، هم الذين أتعبوا أنفسهم في تحصيلها، لكن أصحاب الآخرة هم الذين استخدموا الدنيا وخدمتهم الدنيا، ولذلك لا يأخذونها إلا عن طريق رضى الله، ولا ينفقونها إلا في رضى الله عز وجل، فاستخدموها أخذاً وصرفاً، لكن أصحاب الدنيا الذين تعبوا بها سهروا الليالي يراجعون الدفاتر، ويراجعون الشيكات، ويراجعون المصروفات، ويراجعون المدفوعات، ويراجعون ما أخذوا وما صرفوا هؤلاء في الحقيقة استخدمتهم الدنيا ولم يستخدموها، لكن الرجل المطمئن الذي جعل الله رزقه كفافاً يستغني به عن الناس، ولا يشقى به عن طاعة الله، هذا هو الذي خدمته الدنيا. أحوال القلوب هي أعظم الحالات الأربع، ولهذا يجب علينا جميعاً -وأقول ذلك لنفسي قبلكم- أن نراجع قلوبنا كل ساعة وكل لحظة، أين يعيش القلب؟ بماذا ينشغل؟ لماذا ينصرف عن الله؟ لماذا يلتفت يميناً وشمالاً؟ ولكن نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وغلب على كثير من الناس حتى إنه ليصرف الإنسان عن صلاته، التي هي رأس ماله بعد الشهادتين، فتجده إذا دخل في صلاته ذهب قلبه يميناً وشمالاً، حتى يخرج من صلاته ولم يعقل منها شيئاً، والناس يصيحون يقولون: صلاتنا لا تنهانا عن الفحشاء والمنكر، أين وعد الله؟ حينها يقال: يا أخي! هل صلاتك صلاة؟ إذا كنت من حين تكبر تفتح لك أبواب هواجس لا نهاية لها، فهل أنت مصلٍّ؟ صليت بجسدك لكن لم تصل بقلبك، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لينصرف من صلاته وما كتب له إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها) حسب ما يعقل منها، إذن فالقلوب تركب طبقاً عن طبق. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فما لهم لا يؤمنون) ثم قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] (فما لهم) أي شيء يمنعهم من الإيمان؟ كما قال تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [النساء:39] أي شيء يمنعهم من الإيمان؟ وأي شيء يضرهم إذا آمنوا؟ قال مؤمن آل فرعون: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28] فأي شيء على الإنسان إذا آمن؟ ولهذا قال موبخاً لهم: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق:20] . الجزء: 34 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق:21] أي: لا يخضعون لله عز وجل، فالسجود هنا بمعنى الخضوع لله، وإن لم تسجد على الأرض؛ لكن يسجد قلبك لله ذلاً وخضوعاً إذا سمعت آياته، وجرب نفسك -يا أخي- إذا تُلي عليك القرآن هل قلبك يسجد ويلين ويذل؟ إن كان الأمر كذلك فأنت من المؤمنين الذين إذا تليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيماناً، وإن لم يكن قلبك كذلك ففيك شبه من المشركين الذين إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون. ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن: أن الإنسان إذا قرأ آية فيها سجدة سجد لله ذلاً وخضوعاً، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب السجود -أي: سجود التلاوة- وقالوا: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً، والصحيح أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول -أعني: القول بالوجوب- هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن هذا قول مرجوح. وذلك أنه ثبت في الصحيح أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى آية السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد، فقال رضي الله عنه: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتباعها، وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب لكنه سنة مؤكدة. فإذا مررت بآية فاسجد في أي وقت كنت، في الصباح، أو في المساء، أو في الليل، أو في النهار، تكبر عند السجود وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم، هذا إذا سجدت خارج الصلاة، أما إذا سجدت في الصلاة فلا بد أن تكبر إذا سجدت، وأن تكبر إذا نهضت؛ لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم سجود الصلاة. قال الله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:22-23] ونقتصر على هذا؛ لأن الوقت الباقي نجعله للأسئلة وبقية السورة فإننا نتركها للجلسة القادمة، إن شاء الله. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 34 ¦ الصفحة: 8 مسألة العزاء والتوسع فيها السؤال مسألة العزاء يتوسع الناس فيها، تجد إذا مات عند الناس ميت يُصنع الطعام ويؤتى بالذبائح، وإذا قلنا في ذلك يقولون: أناس يزورون أفلا نغديهم؟! وكذلك إذا كلمناهم في الجلوس للعزاء، قالوا: أين نستقبل الناس؟ الجواب لنا رسالة صغيرة في أحكام التعزية وما يتعلق بها لو أخذت منها شيئاً يكون نافعاً، التعزية ليست تهنئة كما يهنأ الإنسان القادم، التعزية يراد بها أننا إذا رأينا شخصاً مصاباً متأثراً نكلمه بما يهون عليه المصيبة هذا هو المقصود منها، فنقول له -مثلاً- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته: (اصبري واحتسبي فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) ولا حاجة إلى الاجتماع في البيت، فإن الاجتماع في البيت خلاف ما كان عليه السلف الصالح، حتى قالوا: كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة، والنياحة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة. ولكن إذا سمعنا أن شخصاً من الناس تأثر بموت قريبه، أو صديقه، أو ما أشبه ذلك؛ فإننا نحرص على أن نصل إليه ونقول: اصبر واحتسب، أما مجرد أن يموت القريب نجتمع ويجتمع الناس، وربما توقد الأنوار، ونأتي بالقراء فهذا لا يجوز، كان الناس إلى عهد قريب لا يفعلون هذا إطلاقاً، يموت الميت للإنسان، فإذا فرغوا من دفنه ورأوا أخاه أو أباه متأثراً عزوه ورجعوا إلى أهلهم، ثم من وجده في السوق أو في المسجد عزاه، وأما الاجتماع فلا شك أنه بدعة، وأنه ينهى عنه لا سيما إن صحبه ندب، كأن تجتمع النساء تقول: والله هذا كان كذا وكذا هذا أبو العائلة هذا صاحب البيت من للعائلة من للبيت، وما أشبه ذلك فإنه يكون من الندب المحرم، وعلى طلبة العلم أن يبصروا الناس قبل أن يتسع الخرق على الراتق. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 9 حكم العقد الذي يكون فيه أحد الطرفين غانم أو غارم السؤال ما الحكم إذا استقدمت عاملاً أو عاملين من البلاد المجاورة، أو غيرها، وهيأت له محلاً تجارياً، ووضعته فيه، وأعطيته الحرية، وقلت -مثلاً- سواء ربحتم خمسة أو غيرها الربح لكم وأن تعطوني -مثلاً- في كل شهر مبلغاً معيناً كألف ريال؛ وذلك لأني لا أعلم كم يربحون ربما لا ينضبط؟ الجواب الحكم في هذا التحريم يعني: لا يجوز للإنسان أن يستقدم عمالاً، أو تجاراً، أو أن يتفق مع شخص من أهل البلد على أن يتجر في هذا الدكان، ويعطيه كل شهر كذا وكذا، ويكون بقية الربح لهم، فإن هذا من الميسر؛ لأنه قد يربح الدكان ربحاً كثيراًُ تكون النسبة التي اتفقوا عليها قليلة بالنسبة إلى هذا الربح، وقد لا يربح إلا قليلاً فتكون النسبة كثيرة، وقد لا يربح شيئاً أبداً وقد يخسر فهذا العقد متضمن للقاعدة الميسرية، وهي: إما غانم وإما غارم، فلا يحل ولا يجوز، وقد قال رافع بن خديج رضي الله عنه: [كان الناس يؤاجرون على الماذيانات، وإقبال الجداول، وأشياء من الزرع] يعني: يقول لك هذا ولي هذا، فيسلم هذا ويهلك هذا، ويهلك هذا ويسلم هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان العامل أجنبياً ازداد الأمر حرمة؛ لأن الحكومة لا تسمح بهذا ولا توافق عليه، ونظام الدولة إذا لم يكن مخالفاً للشرع واجب الاتباع؛ لأن اتباعه من طاعة الله ورسوله، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . ويظن بعض الجهال القليلين العلم ضعيفين الإيمان أن الحكومة لا تطاع إلا فيما أمر الله به، وهذا ظن فاسد؛ لأن ما أمر الله به يجب علينا فعله إذا كان واجباً سواء أمرت به الحكومة أو لا؛ ولأننا لو قلنا: إن الحكومة لا تطاع إلا فيما أمر الله، لم يكن بينها وبين عامة الناس فرق في الطاعة، فكل إنسان يأمرك بما أمر الله به فهو واجب الاتباع إذا كان قد أوجب الله ذلك، لكن ولي الأمر له شأن خاص، فولي الأمر إن أمرك بما أمرك الله به صار فعلك واجباً من وجهين: من جهة أمر الله، ومن جهة أمر ولي الأمر، وإن أمرك بمحرم؛ فلا تطعه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن أمرك بشيء ليس مأموراً به ولا منهياً عنه؛ فأطعه، وهذا هو الفرق بين ولي الأمر وبين سائر الناس، سائر الناس إذا أمروك بشيء فأنت بالخيار إذا لم يكن قد أمر الله به، وأما ولي الأمر فيجب أن تطيعه إلا في المعصية، فإذا قال ولي الأمر لا نسمح لأي شخص من المواطنين أن يسلم أحداً من غير المواطنين محلاً تجارياً يتجر فيه وجب علينا أن نكف عن هذا، ولا يحل لنا أن نخالف النظام؛ لأن معصية ولي الأمر معصية لله تعالى إلا إذا أمروا بمعصية. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 10 حكم أمر رجال الهيئة المرأة الكاشفة الوجه أن تحتجب السؤال لا شك أن من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عالماً بشروطه هل هو منكر أو غير منكر؟ وبعض الناس إذا رأى أحد رجال الهيئة يعترض على امرأة كاشفة الوجه يقول: لا يجب عليك أن تنكر؛ لأنها لا تخلو من حالتين: إما أن تكون مسلمة ترى عدم وجوب ستر الوجه، وإلا فتكون كافرة فلا يجب في الأصل أن تحتجب، هل ما يقول هذا صحيح، أو غير صحيح؟ الجواب لا. هذا غير صحيح؛ لأن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذا ندعه ورأيه إذا كان أهلاً للاجتهاد، وقسم تضر غير صاحبها، ولا شك أن كشف المرأة وجهها لا يختص ضرره بها هي، بل يضر غيرها؛ لأن الناس يفتتنون بها، وعلى هذا يجب أن تنهاها سواء كانت كافرة أو مسلمة، وسواء كانت ترى هذا القول أو لا تراه، انهها وأنت إذا فعلت ما فيه ردع الشر سلمت منه. أما ما كان لا يضر إلا صاحبه مثل رجل يشرب الدخان، وقال: أنا أرى حله ولا أرى أنه حرام، وعلمائي يقولون: إنه حلال، فهذا ندعه إذا كان عامياً؛ لأن العامي قوله قول علمائه، فإذا قال: أنا أرى أنه ليس بحرام نتركه؛ لأن هذا لا يضر إلا نفسه، إلا إذا ثبت صحياً أنه يضر الناس بخنقهم أو كان يؤذيهم برائحته، قد نمنعه من هذه الناحية، فاعرف هذه القاعدة. إن المعاصي قسمان: قسم لا تضر إلا صاحبها فهذه إذا خالفنا أحد في اجتهادنا ندعه، وقسم تضر الغير فهذا نمنعه من أجل الضرر المتعدي، لكن إذا خيف من ذلك فتنة تزيد على كشف هذا الوجه فإنه يدرأ أعظم الشرين بأخفهما، يعني: لو فرض أنك لو فعلت هذا ربما تعاقب، وربما تفصل عن مكانك، أو ما أشبه ذلك مما هو متوقع؛ فلا تنكر الإنكار الشديد، ولكن من باب المشورة إذا رأيت امرأة كاشفة مع ولي أمرها تمسك ولي الأمر، وتقول: يا أخي! هذا لا يجوز؛ هذا حرام، هذا يضر أهلك ويضر غيرهم، تكلمه بالتي هي أحسن -باللين- لا تتكلم مع المرأة نفسها قد يكون في هذا ضرر أكبر عليك أنت. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 11 حكم الإخبار بموت الميت عبر مكبرات الصوت السؤال إذا مات الميت يأتون بسيارة عليها مكبر صوت ويطوفون في القرى، ويقولون: توفي إلى رحمة الله فلان الفلاني، ويعدون مكاناً يستقبلون فيه الناس ويصنعون لهم الطعام ويأتون بالمقرئ يقرأ، فما حكم هذه الأشياء؟ وهل الميت يستفيد من قراءته على أنه يأخذ أجراً على قراءته؟ الجواب هذا محرم من عدة أوجه: أولاً: هو من النعي الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن النعي، وهو: الإخبار بموت الميت إلا إذا كان الميت لم يدفن وأخبرنا بموته من أجل كثرة المصلين عليه؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأمر الناس فخرجوا فصلوا عليه. ثانياً: أن هذا العمل من عمل الجاهلية، وقد نهينا عن التشبه بهم. ثالثاً: أنه نياحة حيث يجتمع الناس إلى أهل الميت، ويصنعون الطعام ويأكلونه. رابعاً: أنه متضمن لمحرم وهو الاستئجار في قراءة القرآن؛ فإن هذا عمل محرم؛ لأن القرآن لا تقع تلاوته إلا قربة لله، وما لا يقع إلا قربة لا يصح أن تؤخذ عليه الأجرة، وأما انتفاع الميت بذلك فإنه لا ينتفع قطعاً، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب بما نيح عليه) فهو يعذب من هذا الصنيع، ولا ينتفع بقراءة المقرئ؛ لأن هذا المقرئ لا أجر له، قد استعجل أجره بما أخذ من الأجرة فليس له في الآخرة من خلاق، وإذا لم يكن له أجر في الآخرة؛ فإن الميت لا ينتفع بشيء، لذلك يجب أن يُنبه الفاعلون لهذا الأمر، وأن يحذروا منه، وأن يعلموا أنه ليس فيه إلا إضاعة المال، وإضاعة الأوقات، والوقوع في السيئات -والعياذ بالله-. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 12 الفرق بين الرجاء الشركي والرجاء المباح السؤال كما نعلم أن الشرك أقسام، والخفي منها علاجه أن الإنسان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه، لكن الأكبر مثل: الرجاء، والخوف؛ أحياناً المسلم قد يلتبس عليه، ولا يفرق بين الرجاء الشركي، والرجاء المباح، هل لكم أن تفصلوا في هذا الموضوع؟ الجواب الرجاء الشركي هو رجاء العبادة، أن الإنسان إذا كان يرجو رجاءً يتضمن التذلل، والخضوع، والاعتماد على المرجو اعتماداً كلياً، وأن هذا المرجو بيده الأمر يفعل ما شاء، هذا هو الشركي، فإذا رجا الإنسان مخلوقاً على هذا الوجه؛ فهو شرك أكبر. أما رجاء الإنسان فيما يمكن حصوله منه بدون أن يتعلق القلب به تعلق ذلٍّ وخضوع؛ فإنه لا بأس به، مثل أن تقول للشخص: أرجو أن تساعدني، أرجو أن تذهب لفلان تقول له: كذا وكذا، أرجو أن تفعل كذا وكذا، فهذا ليس فيه بأس وليس من الشرك في شيء؛ لأن رجاء الإنسان لربه ليس كرجائه لغيره، رجاء الإنسان لله رجاء تذلل، وخضوع، واعتماد، وإيمان بأنه قادر على ما يشاء، وهذا الرجاء إذا صرفه الإنسان لغير الله كان مشركاً شركاً أكبر، ورجاؤه لغير الله لا يتضمن مثل ذلك. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 13 الاستماع إلى القرآن لا يجزئ عن قراءته في منع دخول الشيطان البيت السؤال هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة البقرة لا يدخل الشيطان بيته، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر؟ الجواب لا. صوت الشريط ليس بشيء، لا يفيد؛ لأنه لا يقال: قرأ القرآن يقال: استمع إلى صوت قارئ سابق، ولهذا لو سجلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في الميكروفون وتركناه يؤذن، هل يجزئ؟ لا يجزئ، ولو سجلنا خطبة خطيب مثيرة، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام الميكروفون فقال المسجل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم أذن المؤذن ثم قام فخطب هل تجزئ؟ لا تجزئ، لماذا؟ لأن هذا تسجيل صوت ماض، كما لو أنك كتبته في ورقة، لو كتبت ورقة أو وضعت مصحفاً في البيت هل يجزئ عن القراءة؟ لا يجزئ. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 14 حكم من مات ولم يصم شهر رمضان لمدة أربع سنين بعذر المرض السؤال أمي ألمَّ بها مرض لمدة أربع سنوات وتوفيت، ولم تصم شهر رمضان، فما الحكم؟ الجواب أطعم عن كل يوم مسكيناً الصاع لأربعة مساكين، صاع الأرز عن أربعة أيام. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 15 حكم إعطاء بعض العمال غير المسلمين من مال الزكاة لتأليف قلوبهم السؤال لو أن الإنسان آنس من أحد العمال الكفار خيراً والقرب من الإسلام هل يجوز أن يعطيه من الزكاة على أنه من باب المؤلفة قلوبهم أو لا يجوز؟ وما هو أفضل سبيل لدعوة هؤلاء الكفرة؟ الجواب أما الرجل المقبل على الإسلام والذي تعرف منه الرغبة في الإسلام، إذا رأيت أنك إذا أعطيته مالاً ازدادت رغبته فأعطه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المؤلفة قلوبهم يتألفهم على الإسلام، لكن بعض العلماء رحمهم الله قال: إنه لا يعطى إلا السيد المطاع في عشيرته؛ لأن إسلامه ينفع من وراءه، وأما الفرد فلا يعطى من التأليف، ولكن الصحيح أن الفرد يعطى لعموم الآية {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60] ولأنه إذا كان يجوز أن نعطيه لسد حاجة جسمه فإعطاؤه لينجو من النار من باب أولى. فالصحيح أنه يعطى ولكن ينبغي للإنسان أن يُبين له أولاً ما يجب عليه في الإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن: (أخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وذلك من أجل أن يدخل على بصيرة؛ لأن بعضهم لا يظن أن الإسلام فيه هذه العبادات فيدخل في الإسلام كأنه اسم من الأسماء، ثم إذا قيل له إن فيه كذا وفيه كذا فيرتد -والعياذ بالله- فيكون كفره الثاني أعظم من كفره الأول. أما كيف نعامل هؤلاء فإن لكل حال مقالاً منهم من نرى أن فيه إقبالاً وليونة، فهذا نعامله بكل ما يقتضيه تأليف القلب بالدعوة، ندعوه -مثلاً- للبيت نهدي إليه هدايا نعطيه أشرطة نعطيه كتيبات ينتفع بها نثني عليه أمام الناس نفعل كل شيء يرغبه في الإسلام. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 16 حكم حلق اللحية خوفاً من الضرر والأذية السؤال كثير من المقيمين في هذا البلد وأكثرهم من المدرسين الذين يذهبون في الإجازة إلى بلادهم وهم من إحدى الدول العربية، فتكون لهم لحى فإذا أرادوا السفر حلقوها فلما نصحناهم أتوا بحجة قوية قالوا: نحن إذا أبقيناها أوذينا وربما نلقى في المعتقلات ومعنا أطفال وزوجات، فيقع الإنسان في حيرة معهم، فبماذا ننصحهم بارك الله فيكم؟ الجواب إذا كنت ترى أن حجتهم قوية فالقوي يُعتمد، لكن نحن نرى أنها ليست بقوية، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:10] فارتد وترك ما كان عليه مما أوذي عليه، هذه واحدة فنقول: اصبر واحتسب ثم نقول: أنت إذا اتقيت الله جعل لك مخرجاً، فكم من أناس نعرفهم نحن يذهبون إلى البلاد التي تشير إليها ومع ذلك لا يقال لهم شيء، يذهبون وهم ملتحون ويرجعون وهم على ما هم عليه ولا يقال لهم شيء. فهذه الحكومات الظالمة الجائرة -نسأل الله أن يبدل المسلمين خيراً منهم- إذا لم تر الإنسان يتكلم فيهم أو له حركة فإنها لا تهتم، يكون متديناً أو غير متدين، يهمها أن أحداً تكون له حركة وله دعوة، فلذلك ربما يقبضون على شخص ليس له لحية، يحلق لحيته صباحاً ومساءً، ولكننا نعلم أن هؤلاء إنما سلطوا على المسلمين بسبب ذنوبهم، وإلا فمن يتصور أن أحداً يتولى على أمة مسلمة ثم يرغمها على عصيان الرسول عليه الصلاة والسلام، من يتصور هذا؟! ولكن الذنوب والمعاصي هي التي أوجبت أن يتسلط علينا هؤلاء، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] . فهؤلاء ما سلطوا على الأمة الإسلامية إلا بسبب أن الأمة الإسلامية انحرفت عن مسارها الصحيح، وإلا لكان حكامها مثلها، ويذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلاً من الخوارج أتى إليه قال: [يا علي! ما بال الناس معك يفعلون ويفعلون وكانوا مع أبي بكر وعمر سامعين مطيعين؟ قال له: لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك] وهذا صحيح. وقيل أن عبد الملك بن مروان سمع الناس يتكلمون فيه، ويتكلمون في ولايته، فجمع أشراف القوم وأعيان البلد وتكلم معهم بكلام فصيح، وقال لهم: أنتم تريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر، فكونوا أنتم مثل رجال أبي بكر وعمر حتى نكون نحن مثل أبي بكر وعمر. فلو فكرت في هؤلاء القوم الذين سلط عليهم هؤلاء الولاة لوجدت عندهم من البلاء والشر ما لا يعلمه إلا رب العباد، حتى إن بعض الثقات قدم أخيراً من بعض البلاد العربية وقال: إني والله كنت العام الماضي في وسط لندن ولم أر تبرج النساء في لندن كتبرجهن في هذه البلاد التي تسمى بلاداً إسلامية، أيُنا أحق بالستر والحجاب، نحن أم النصارى؟ نحن أحق، ومع ذلك هذه بلادنا، فإذا كان الشعب مثل هكذا فكيف لا يُسلط عليهم الولاة؟ فنسأل الله أن يصلح رعيتنا ورعاتنا، ويقينا وإياكم شر الفتن. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 17 قضية البوسنة والهرسك وواجب المسلمين السؤال أحد الإخوة يريد الجهاد في البوسنة هل تنصحه بالجهاد هناك أو في أي بلد ثانٍ؟ الجواب أرى أن الواجب على المسلمين في مسألة البوسنة والهرسك غير ما يفعلونه اليوم، الحقيقة أن المسلمين لم يؤدوا الواجب بالنسبة للبوسنة والهرسك، وليس يهمني أنا أن يقتل شخص، أو يؤسر شخص، أو يقطع شخص أوصالاً؛ لأن هذه من المصائب التي يكفر الله بها السيئات، ومع الاحتساب يرفع الله بها الدرجات وكل إنسان سيموت، ومن لم يمت بمثل هذه الميتة مات بغيرها، لكن يهمني أن يقال جمهورية إسلامية قائمة معترف بها تسقط في أيدي النصارى! هذا هو الذي يجرح القلب ويدمي الكبد، أين المسلمون؟! كم من مليون من المسلمين؟ عدد هائل كبير. والله لو كانوا جراداً أرسل على الصرب لأكلوهم أكلاً، ولكن أنا لا أدري هل الحكومات الإسلامية عاجزة أم ماذا؟ إن كانت عاجزة فالله يعذرها، والله يقول: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:91] فإذا كان ولاة الأمور في الدول الإسلامية قد نصحوا لله ورسوله، لكنهم عاجزون فالله قد عذرهم، لكن لا ندري هل تحقق فيهم هذا الشرط أم لا؟ هل تحقق فيهم أنهم نصحوا لله ورسوله؟ هل تحقق فيهم أنهم عاجزون؟ الله أعلم. الجزء: 34 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [35] تحدث الشيخ عن تفسير قوله تعالى: (بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) إلى آخر السورة، حيث ذكر بأن الله يتكلم عن الكافرين، بأنهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون؛ بسبب تكذيبهم، وأن التقصير في الواجبات دليل على ضعف الإيمان والحكم بنقيضه، فبشر الله وأمر المسلمين بتبشيرهم بالعذاب، ثم خص المؤمنين بأنهم ناجون من العذاب، وأن لهم أجراً كبيراً. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر آيات سورة الانشقاق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر ربيع الأول عام (1414هـ) ، وهو اللقاء الذي يكون في كل يوم خميس من كل أسبوع. في هذا اللقاء سنتكلم عن آخر سورة الانشقاق وهو قوله تبارك وتعالى: {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق:23-25] . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (بل الذين كفروا يكذبون) لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه إذا قُرئ عليهم القرآن لا يسجدون، بيَّن سبحانه وتعالى أن سبب تركهم السجود هو تكذيبهم بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأن كل من كان إيمانه صادقاً فلابد أن يمتثل الأمر ويجتنب النهي؛ لأن الإيمان الصادق يحمل صاحبه على ذلك، ولا تجد شخصاً ينتهك المحارم أو يترك الواجبات إلا بسبب ضعف إيمانه، ولهذا كان الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو التصديق المستلزم للقبول والإذعان، فمتى رأيت الرجل يترك الواجبات أو بعضاً منها، أو يفعل المحرمات؛ فاعلم أن إيمانه ضعيف، إذ لو كان إيمانه قوياً ما أضاع الواجبات، ولا انتهك المحظورات، ولهذا قال هنا: {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} [الانشقاق:22] أي: أنَّ تركهم السجود كان بسبب تكذيبهم لما جاءت به الرسل. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والله أعلم بما يوعون) قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:23] أي: أنه سبحانه وتعالى أعلم بما يوعونه، أي: بما يجمعونه في صدورهم، وما يجمعونه من أموالهم، وما يجتمعون عليه من منابذة الرسل ومخالفتهم، بل ومحاربة الرسل وقتالهم، وأنتم تعلمون أن الكفار أعداء للرسل من حين بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وهم يجمعون لهم، ويكيدون لهم، فتوعدهم الله تعالى في هذه الآية: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:23] أي: بما يجمعون من أقوال، وأفعال، وضغائن، وعداوات، وأموال ضد الرسل عليهم الصلاة والسلام. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) ثم قال تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الانشقاق:24] أخبرهم بالعذاب الأليم الذي لابد أن يكون، والخطاب في قوله: ((فَبَشِّرْهُمْ)) [الانشقاق:24] عام للرسول صلى الله عليه وسلم ولكل من يصح منه الخطاب، كل من يصح خطابه فإنه داخل في هذا، فنحن نبشر كل كافر بعذابٍ أليم ينتظره، كما قال تعالى: {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة:30] . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق:25] (إلا) هنا بمعنى (لكن) ولا تصح أن تكون استثناءً متصلاً؛ لأن الذين آمنوا ليسوا من المكذبين في شيء، بل هم مؤمنون مصدقون وهذا هو استثناء منقطع وتقدر (إلا) بـ (لكن) أي: لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون؛ الذين آمنوا بقلوبهم، واستلزم إيمانهم قيامهم بالعمل الصالح، فهؤلاء هم الذين ليس لهم عذاب ولا ينتظرون العذاب، بل لهم أجر غير ممنون. فإن قيل: ما هو العمل الصالح؟ ف الجواب أن العمل الصالح ما جمع شيئين: الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يكون الحامل على العمل هو الإخلاص لله عز وجل ابتغاء مرضاته وثوابه، وابتغاء النجاة من النار، -أي: لا يريد الإنسان بعمله شيئاً من الدنيا- ولهذا قال العلماء: إن الأعمال التي لا تقع إلا عبادة لا يصح أخذ الأجرة عليها كالأذان: -مثلاً- فلا يصح أن تؤذن بأجرة، والإمامة: فلا يصح أن تؤم بأجرة، وقراءة القرآن: فلا يصح أن تقرأ بأجرة، بخلاف تعليم القرآن فيصح بالأجرة؛ لأنه متعدٍّ وتكون الأجرة على العمل الذي هو التعليم لا على التلاوة، فلو أتى إنسان وقال: أريد أن أتلو القرآن بأجرة، فإن ذلك لا يصح ولا يحل؛ لأن من شرط العمل الصالح أن يكون مخلصاً لله عز وجل، ومن قرأ بأجرة أو تعبد بأجرة؛ فإنه لم يخلص العمل لله فلا يكون عمله مقبولاً. الثاني: أن يكون متبعاً فيه شريعة الله التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: أن يتبع الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله فعلاً لما فعل، وتركاً لما ترك- فما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود سببه فالسنة تركه. أي: إذا وجد سبب الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فإن السنة تركه. ولهذا نقول: إن ما يفعله أكثر المسلمين اليوم من الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول بدعة ليس له أصل من السنة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بعيد مولده ولا خلفاؤه الراشدون، مع أننا نعلم علم اليقين أنه لو كان مشروعاً ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بلا بيان للأمة؛ لأن عليه البلاغ، فلما لم يقل للأمة أنه يشرع الاحتفال بهذه المناسبة، ولما لم يفعله هو بنفسه، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون، عُلم أنه بدعة لا يزيد فاعله من الله إلا بعداً نسأل الله العافية. وهذه البدعة حدثت أول ما حدثت في القرن الرابع، أي: بعد مضي أكثر من ثلاثمائة سنة على الأمة الإسلامية، حدثت هذه البدعة وزعموا أنهم يعظمون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أن كل بدعة ليس فيها تعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو باتباع سنته، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] . ولننظر هذه البدعة! هل لها أصل من التاريخ؟ هل لها أصل من الشرع؟ نقول: ليس لها أصل من التاريخ، وذلك أن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم مختلف فيه على أكثر من خمسة أقوال، بعد الاتفاق على أنه في ربيع، لكن مختلف في أي يوم هو، وقد رجح بعض علماء التاريخ المعاصرين أنه كان في اليوم التاسع وليس في الثاني عشر، فبطل من الناحية التاريخية أن يكون في اليوم الثاني عشر، أما من الناحية الشرعية فهو باطل لوجوه: الأول: أنه عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون الذين أمرنا باتباع سنتهم، فإن ادعى مدعٍ أن ذلك مشروع في القرآن والسنة، أو في عمل الخلفاء الراشدين، أو الصحابة؛ فعليه الدليل؛ لأن البينة على المدعي، ولن يستطيع إلى ذلك سبيلاً -أي: لن يستطيع أن يأتي بدليل واحد من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين، أو الصحابة؛ على أنه يسن الاحتفال بيوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: أن نقول: هذا الاحتفال إما أن يكون حقاً أو يكون باطلاً، فإن كان حقاً؛ لزم من ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إما جاهلاً بالحق، وإما عالماً به وكاتماً له، وكلا الأمرين باطل يمتنع غاية الامتناع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم جاهلاً بشيء من شريعة الله، أو يكون عالماً به ولكن لم يبينه للأمة؛ لأن الاحتمال الأول: يقتضي أن يكون جاهلاً بالشرع مع أنه هو صاحب الشرع. والاحتمال الثاني: يقتضي أن يكون كاتماً ما أنزل الله إليه وحاشاه من ذلك، ولو كان كاتماً ما أنزل الله إليه لكتم قول الله تعالى: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] . ثالثاً: إذا تبين أنها بدعة، فإنه لا يحل لأحد أن يقيمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . ولو اتبع الحق أهواءهم وصار كل من عنَّ له أن في أمرٍ ما مشروعية فيشرعه؛ لاختلفت الأمة، ولتمزق الدين، ولكان كل قوم لهم دين معين، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة الإسلامية من وجوب الاتفاق على كلمة الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. رابعاً: نقول: هذه بدعة لم تقتصر على مجرد الاجتماع، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر محاسنه، ومآثره، وشريعته، بل عدل عن هذا إلى قصائد المديح البالغة في الغلو غايته، بل المتجاوزة لطبيعة البشر إلى حقوق الله عز وجل، فقد كان هؤلاء الذين يجتمعون يترنمون بقصيدة البوصيري الذي كان يقول فيها يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم قال بعض العلماء: إذا كان الأمر هكذا لم يبق لله شيء، ولم يكن الله تعالى هو الملجأ عند الشدائد والفزع، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، هو الملجأ وهذا غاية ما يكون من الغلو الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار هؤلاء الذين يدعون أنهم يتقربون إلى الله بمثل هذه الاحتفالات، وأنهم هم المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاروا في الحقيقة هم الذين يبتعدون عن الله عز وجل بما أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً. ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرضى بمثل هذا أبداً، فإذا قالوا: إن منشأ هذا هو محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجل أن نبين للنصارى أننا نعتني برسول الله كما كانوا يعتنون برسولهم فيجعلون من ميلاده عيداً، قلنا: إذا كنتم صادقين في محبة الله ورسوله فهنا ميزان قسط عادل هو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ولهذا كلما كان الإنسان أشد حباً لله كان أشد اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلما كان أقل حباً لله كان أقل اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيت الرجل يدعي محبة الله ورسوله لكنه لا يلتزم بالشريعة فاعلم أنه كاذب؛ لأن محبة الله ورسوله تنتج إنتاجاً لازماً هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. فالحاصل أنه يجب على طلبة العلم هنا في هذه البلاد وفي غيرها من البلاد الإسلامية أن يبينوا للعامة ولغير العامة أن هذا الاحتفال ليس له أصل من السنة، وأنه بدعة لا يزيد الإنسان إلا بعداً من الله عز وجل؛ لأنه شرع في دين الله ما ليس منه، فإن قال قائل: أليست الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعة كل وقت؟ فالجواب: بلى. أكثر من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم يُعظِم الله لك فيها أجراً، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، لكن ترتيبها في ليلة معينة والاجتماع عليها وذكر المدائح والقصائد البالغة في الغلو غايته هذا هو الممنوع، ونحن لا نقول: لا تصلوا على الرسول، بل نقول: أكثروا من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا نقول: لا تحبوا الرسول، ولكن نقول: أحبوا الرسول أكثر مما تحبون أنفسكم، ولا يكمل إيمانكم إلا بذلك، ولكن لا تُحدِثوا في دينه ما ليس منه. فالواجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس، وأن يقولوا لهم: اشتغلوا بالعبادات الشرعية الصحيحة، واذكروا الله، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحسنوا إلى المسلمين في كل وقت، أما أن تجعلوا عيداً معيناً في السنة لم يجعله الله، فالله تعالى لم يجعل في السنة إلا ثلاثة أعياد فقط: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد الأسبوع يوم الجمعة، أما أن تحدثوا أعياداً أخرى فإنكم تحدثون في دين الله ما لم يشرعه. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (لهم أجر غير ممنون) ثم قال الله تبارك وتعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق:25] (لهم أجر) أي: ثواب، (غير ممنون) أي: غير مقطوع بل هو مستمر أبد الآبدين، والآيات في تأبيد الجنة كثيرة ومعلومة في الكتاب والسنة، وليس من الصعوبة بحيث نسوقها إليكم الآن؛ لأنها واضحة ولله الحمد، فأجر الآخرة لا ينقطع أبداً، ليس كالدنيا هناك وقت تثمر الأشجار ووقت لا تثمر، أو وقت تنبت الأرض ووقت لا تنبت، كلا. الأجر فيها دائم {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم:62] . فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين العاملين للصالحات المجتنبين للسيئات إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 8 حكم الطلاق من حيث الوقوع والعدم السؤال ما حكم الطلاق من حيث الوقوع أو عدمه في الصورة التالية: وهي أن رجلاً قال لأخي الزوجة: اذهب إليها وقل لها إن لم تفعل كذا فهي طالق، فدخل إلى الغرفة ولم يخبرها ثم خرج، فقال للزوج: إنها ترفض أن تفعل ما تقول -أي: إن لم تفعل كذا فهي طالق- ولم تفعل ولم يخبرها، يعني كذب عليها فخرج الزوج من البيت ولم يقل شيئاً؟ الجواب لا يقع الطلاق في هذه الحال؛ لأن المرأة لم تُخبر، فإذا تركت فعل ما قاله الزوج في الوقت الذي حدده وهي جاهلة؛ فليس على الزوج طلاق، وليس عليه يمين أيضاً. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 9 كيفية الدعاء للطفل الميت في صلاة الجنازة السؤال هل ورد في السنة دعاء خاص يدعى به للطفل الميت في الصلاة عليه؟ وهل في السنة نهي عن استلقاء المرأة على ظهرها؟ الجواب أما الأول فليس فيه سنة صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن وردت أحاديث في صحتها نظر، وهو أن الطفل الذي لم يبلغ يدعى لوالديه، وقد ذكر بعض الفقهاء دعاءً مناسباً قالوا: اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم. وأما استلقاء المرأة على ظهرها فإنه لا ينبغي خصوصاً إذا كان في البيت أحد فإنه قد يمر بها وهي على هذه الحال، وقد تحصل الفتنة، وأما إذا كانت وحدها في بيتها فلا بأس. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 10 الرد على القول بعصمة الصحابة السؤال قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) قال أحد مشايخ الصوفية: لقد رفع الرسول صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة إلى درجة العصمة حيث أمر الأمة باتباع سنتهم فهل أمرنا باتباع سنتهم وهو يعلم أنهم كانوا يخطئون؟ وما معنى كلمة مهديين؟ أليست تعني الحفظ من الله لهم من الوقوع في الأخطاء فما قولكم؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) فبدأ صلى الله عليه وسلم بسنته أولاً، وهذا يعني أن سنة الخلفاء الراشدين إذا خالفت سنته فإنها لا تتبع، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر] والمتتبع لأقوال الخلفاء الراشدين يجد أن في أقوالهم ما يكون ناتجاً عن اجتهاد لكنه لم يصب السنة، وهذا أمر معلوم في التتبع، وهذا يدل على أنهم غير معصومين من الخطأ، ولكن إذا لم يكن في الأمر سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا شك أن سنتهم أقرب إلى الصواب من غيرهم، وأن قولهم حجة كما قال ذلك الإمام أحمد رحمه الله، ولكن لا يعني هذا قوله أنهم معصومون في كل قول يقولونه، أو في كل فعل يفعلونه. وأما كونهم مهديين فالهداية تكون لهم ولغيرهم، لكن الهداية الأكثر لهم بلا شك؛ لأنهم خلفاء راشدون خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، عقيدة وعملاً ودعوة، ثم إنه وصفهم بالخلفاء الراشدين، ومعلوم أن الإنسان إذا أخطأ في مسألة من المسائل لم يكن راشداً فيها ولكنه مغفور له إذا كان ذلك ناتجاً عن اجتهاد. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 11 حكم الحلف بالطلاق السؤال من كان بينه وبين زوجته شجار فقال لها: عليَّ الطلاق لأفعلن كذا وكذا، سواء كانت واحدة أم ثلاث فما الحكم؟ الجواب أولاً: أنصح الأزواج عامة ألا يتساهلوا بلفظ الطلاق، وألا يتسرعوا فيه، وأقول: إن الرجل إذا قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو عليَّ الطلاق أن تفعلي كذا، ثم خالفت؛ فإن أكثر العلماء يرون أنها تطلق على كل حال، ويقولون: إن هذا أتى بصريح الطلاق، فوجب أن يقع الطلاق، كما لو أتى به غير معلق، ومعلوم أن الإنسان إذا قال لزوجته: أنت طالق فإنها تطلق، ولكن إذا كان معلقاً بأن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي كذا فأنت طالق، فجمهور العلماء قالوا: إن المعلق كالمنجز، وأنها إذا خالفت الزوج في ذلك طلقت بكل حال. فإذاً المسألة خطيرة ليست بالهينة، ولكن ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه إذا قصد بذلك الحث أو المنع فإنه يكون حكمه حكم اليمين، أي: أن الزوجة لا تطلق ويكفر كفارة اليمين، فإذا قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، فإن فعلت فعلى قول جمهور العلماء تطلق، وعلى قول شيخ الإسلام نسأل الرجل ونقول: هل أردت أن الزوجة إذا فعلت هذا تكون طالقاً، فإن قال: نعم. فحينئذٍ تطلق، وإذا قال: لا. وإنما أردت أن أؤكد عليها المنع من هذا الشيء وأهددها بالطلاق قلنا: إذاً طلاقك في حكم يمين فتكفر كفارة يمين ولا يقع الطلاق، وبهذا عرفتم خطورة هذه المسألة وأنها ليست بالأمر الهين، نسأل الله الهداية للجميع. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 12 استغلال دعوة الكفار الذين بين أظهرنا إلى الإسلام السؤال يأتي إلى بعض مناطق المملكة عمال وأغلبهم كفار قد يكونون نصارى أو هندوس، ويسكنون في مناطق المملكة، وقد يكون بجوارهم طلاب علم، وطلاب العلم قد لا يدعونهم إلى الإسلام، ويحصل منهم جفاء في المعاملة، ويستمرون هكذا طيلة السنين، ويذهبون إلى بلادهم ولا يدعونهم، مع أن المسلمين لو كانوا في الخارج لبذل النصارى جهودهم في دعوتهم فما توجيهكم؟ الجواب توجيهي أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم لكنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، لقول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] (أدعوا إلى الله) كل أحد، (أنا ومن اتبعني) ، فكلما كان الإنسان أشد اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان أشد دعوة لشريعته، ولا شك أن هؤلاء الإخوة الذين نزل إلى جانبهم قوم من الكفار ولم يدعوهم إلى دين الإسلام لا شك أنهم مقصرون، وأن الذي ينبغي بل الذي يجب عليهم أن يدعوا هؤلاء إلى دين الإسلام حتى بالتأليف، فلو دعوهم إلى البيت وقدموا لهم الطعام، ثم تحدثوا إليهم ودعوهم إلى الإسلام، وبينوا لهم محاسنه كان هذا طيباً. ولكن بعض الإخوة تغلب عليهم الغيرة مع الجهل فينفر من هؤلاء، ويقاطعهم، ويعاملهم بالشدة والقسوة، حتى ينفروا من الإسلام بسبب هذا الرجل المسلم، ويظنون أن أخلاق هذا المسلم هي الأخلاق التي يأمر بها الإسلام. والغيرة وإن كانت حسنة محمودة؛ لكنها إذا لم تقرن بالحكمة والعلم صارت في الحقيقة غيرة ضارة، فعلى هذا ننصح إخواننا هؤلاء وغيرهم بأن يدعوا إلى الله عز وجل، وكما تفضلت بأن النصارى يبذلون كل غالٍ ورخيص من أجل الدعوة إلى النصرانية، مع أنها دين باطل أبطله الإسلام، ولكنهم حريصون بوحي الشيطان إليهم على دعوة الناس للنصرانية مع أنها دين باطل منسوخ بالإسلام؛ فما بالنا نحن -ونحن أمة العزم والحزم والصدق- نتكاسل حتى عن جيراننا الذين لهم حق علينا لا ندعوهم إلى الإسلام، ولا أدري عن هؤلاء الإخوة هل يقومون بحق الجوار أو لا يقومون؟ وفي الحديث: (إذا طبخت مرقة؛ فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) وفي الحديث الصحيح أيضاً: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وقال العلماء: إن الجار إذا كان غير مسلم فله حق الجوار، وإن كان مسلماً فله حق الجوار والإسلام، وإن كان مسلماً قريباً فله حق الجوار والإسلام والقرابة. فانصح هؤلاء وقل لهم: ادعوا هؤلاء للدين، ربما يكون في دعوتهم خير (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وربما إذا اهتدى هذا الرجل دعا غيره كما هو مشاهد ومعلوم الآن. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 13 صفة دعاء السفر السؤال ذهبنا من القصيم إلى الرياض في سفر قبل أمس؛ فأشكل علينا أنا والإخوة سؤالان، نقول: متى يقال دعاء السفر؟ هل هو عند الخروج من المدينة أم عند ركوب الدابة؟ وعندما رجعنا من الرياض اختلف الشباب في المكان الذي يقال فيه دعاء السفر، فقال البعض: مكانه عندما نشرف على المدينة - عنيزة - ونراها؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعمون، وقال بعضهم: بل مكانه حال خروجنا من الرياض متوجهين إلى القصيم ويدل عليه سياق الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى) وقال: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل) فكيف يقول هذا وقد انتهى من سفره ووصل إلى أهله؟ أفتونا مأجورين. الجواب الدعاء المأثور يذكر إذا ركب الدابة أو السيارة، لقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:12-13] أي: ما جعل لنا من الفلك والأنعام، والآن نحن نركب الفلك لكنه فلك بري، والفلك ثلاثة أنواع: بري، وبحري، وجوي، ولا يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا البحري لكنه الآن تنوع بهذا التنوع، فإذا استوى عليه قرأ الذكر وقال: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل) أما إذا رجع فإنه يقول: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) إذا قفل من البلد التي رجع منها وعند رؤية بلده. فالأول يقال في حال السفر فقط، لكن (آيبون تائبون) في الرجوع عند العودة، أما {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف:13] فيقوله كلما ركب الدابة، سواء في السفر أو في الحضر حتى إذا ركبت السيارة الآن من بيتك إلى المسجد تقول: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14] . الجزء: 35 ¦ الصفحة: 14 حكم بول وروث ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل السؤال بالنسبة للبول وروث الحيوانات التي يؤكل لحمها هل هي نجسة وتنقض الوضوء أم لا؟ الجواب بول وروث الحيوان المأكول طاهر، ولا يلزم إذا أصابك منها شيء أن تغسل ثيابك أو بدنك، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة في مرابض الغنم، وهو محل ربضها عند المنام والمبيت، وهو لا يخلو من الروث ومن البول، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولكن لا يصلى في معاطن الإبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وليس من أجل نجاستها بل لمعنى لا نعقله عند بعض العلماء، أو هو معقول عند آخرين وهو يعني أن الإبل خلقت من الشياطين فيكون في معاطنها تأثير من هذه الإبل التي خلقت من الشياطين، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في معاطنها. وأما بول ما لا يؤكل لحمه وروثه فإنه نجس كالبغل والحمار والهر ونحو ذلك، وأما هل تنقض الوضوء؟ الجواب: لا تنقض الوضوء حتى الأشياء النجسة لا تنقض الوضوء؛ لأن النجس يجب غسله فقط ولا يجب الوضوء له. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 15 حكم الاحتفال بالمولد النبوي السؤال في بعض البلاد يقوم الناس بالاحتفال بالمولد النبوي كاحتفالهم بعيد الفطر أو عيد الأضحى، ويقوم رب البيت بالتوسعة على أولاده في الطعام والشراب والحلوى، وشراء الهدايا، والقيام بالزيارات للأهل فهل هذا من البدع؟ وما واجبنا تجاه هذا الأمر؟ الجواب نعم. هذا من البدع لا شك، وواجبنا نحو هذا الأمر أن نبين للناس أن هذا بدعة وأن كل بدعة ضلالة، ونقول: أربعوا على أنفسكم ولا تتعبوها بهذا الأمر الذي لا يزيدكم إلا ضلالاً، ثم نقول لهم: إذا كنتم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تقدموا بين يديه، ولا تدخلوا في دينه ما ليس منه، وهل جعل النبي صلى الله عليه وسلم عيداً للمسلمين سوى الأعياد الثلاثة؟! بل إنه لما قدم المدينة ووجد الأنصار يحتفلون بأعيادٍ لهم كانت في الجاهلية قال لهم: (إن الله أبدلكم بخيرٍ منها عيد الأضحى، وعيد الفطر) فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما رغب في العيدين أن يدعوا الأعياد التي ليست أعياداً شرعية. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 16 ما يفعل الشخص عند الدخول على زوجته السؤال هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده على ناصية إحدى زوجاته؟ وما يجب أن يفعل من يدخل على زوجته ليلة البناء؟ الجواب ورد من قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ملك دابة، أو تزوج زوجة، أو ما أشبه ذلك أخذ بناصيتها وقال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ولكن لو أن الإنسان فعل هذا أول ما يدخل على زوجته ربما يحصل منها نفرة؛ فليمسك برأسها كأنه يريد أن يقبلها ويقول هذا الذكر سراً حتى تحصل المصلحة بدون مفسدة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 17 ما هي الصور التي يجب طمسها السؤال لو بينتم بعض الصور التي يجب طمسها؟ الجواب الصورة التي يجب طمسها كل ما كان على صورة إنسان أو حيوان؛ فإنه يجب طمس وجهها فقط، ويكفي طمس وجهها عن بقية بدنها، أما صور الأشجار، والأحجار، والجبال، والشمس، والقمر، والنجوم؛ فإن هذا لا بأس به، ولا يجب طمسه. أما صورة عين فقط أو وجه فقط فهذا ليس فيه شيء؛ لأنه ليس بصورة، هذا جزء منها وليس صورة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 18 حكم إقامة الحجة وفهمها على أهل البدع السؤال بعض الإخوة ذهبوا بدعوة صلة أرحامهم في جنوب اليمن وأرحامهم هؤلاء تربوا وترعرعوا على أيدي علماء الصوفية ومما علموهم قالوا: إذا جاءكم أي شخص من الحجاز أو من نجد أو كان موحداً فهذا يعتبر وهابياً فلا تقبل منه، وأردنا أن ندعوهم إلى التوحيد فلم يقبلوا منا هذه الدعوة، فهل هذه حجة؟ وهل يشترط مع إقامة الحجة فهم الحجة أم لا؟ الجواب لا شك أنه إذا قيل لهم: هذا هو الحق وهذا هو كتاب الله، وهذه هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد قامت عليهم الحجة؛ لأنهم عرب يفهمون بمجرد ما يسمعون، أما لو كان أعجمياً وكنت تتكلم أمامه باللغة العربية وهو لا يفهمها؛ فإن الحجة لم تقم عليه؛ لأنه لا يفهم ما تقول، فإذا كان يعلم ما تقول، وأتيت بالكتاب والسنة دليلاً ولكنه أصر وقال: سأتبع مشايخي فقد قامت عليه الحجة، ويكون هذا كالذين قال الله عنهم: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] إذاً نقول: سمونا ما شئتم، وهابية، أو حنبلية، أو نجدية، أو حجازية، أو ما شئتم، ألستم تؤمنون بالله ورسوله؟! ألستم ترون أن القرآن دليل، وأن السنة دليل؟! ولكن يبدو أن بعض الدعاة يكون منه انفعال، وإذا قالوا: نحن لا نأخذ منكم أنتم وهابية، ينفر منهم، أو يرد عليهم بالمثل، ويقول: أنتم ضلال، وأنتم فيكم كذا وكذا، فلا يحصل منه الدعوة بالحكمة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 19 حكم نسيان الإمام للبسملة في الصلاة السؤال إذا نسي الإمام قراءة البسملة في الصلاة هل تبطل صلاته؟ الجواب إذا نسي الإمام البسملة في الصلاة فإن صلاته لا تبطل، وكذلك المنفرد والمأموم؛ لأن البسملة ليست من الفاتحة، بل هي آية مستقلة يؤتى بها عند ابتداء السور إلا سورة براءة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 20 حكم قول: إن كنت على خلاف كذا فعلي كذا السؤال ما رأيكم فيما يكون في المجالس، يقول الرجل لأخيه: إن كان ذلك على خلاف ما تقول علي حق؟ الجواب إذا التزم القائل بهذا فلا حرج؛ لأن هذا من جانب واحد، وقصد القائل بذلك تأكيد قوله فهو يقول: إن كنت كاذباً فعلي كذا وكذا. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 21 حكم تلحين الأناشيد الإسلامية السؤال نجد بعض أشرطة الأناشيد الإسلامية فيها تلحين يشبه الأغاني فما حكم ذلك؟ الجواب الذي أرى أن التلحين للأناشيد المباحة إذا كان تلحيناً كأغاني المطربين فإنه حرام؛ لأنه تشبه بقوم لا يجوز التشبه بهم، وكذلك إذا كانت هذه الأناشيد قد لحنت من رجال أصواتهم جميلة جذابة يخشى منها الفتنة، فإنها لا تجوز لما يخشى منها من الفتنة. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 22 حكم إتمام الصلاة الفائتة جماعة السؤال إذا كان الرجل عليه قضاء بعض الصلاة، فقام ليتم الصلاة فهل يتم هو ومن بجواره؟ الجواب يعني: أنه إذا دخل اثنان في الصلاة وقد فاتهما بعض الصلاة فقال أحدهما للآخر: أكون إماماً لك فيما نقضي، فهل هذا جائز؟ يقول بعض العلماء، أنه جائز، ويقول بعض العلماء أنه لا يجوز؛ لأن الإنسان مأمور بأن يقضي ما فاته وحده: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) والذي نرى أنه لا بأس به ولكن الأحسن ألا يُفعل، بل يقضي كل إنسان وحده؛ لأنه إذا قضى بصاحبه جماعة فربما يشوش على غيره بالتكبير وبالقراءة إن كان فيما يقضيان قراءة جهرية، وربما يكون هو وصاحبه جماعة ويأتي اثنان آخران فيكونان جماعة وتتعدد الجماعات في مسجد واحد؛ فلهذا ينبغي ألا يفعل، لكن لو فُعل فالصحيح أن الصلاة لا تبطل، وقال بعض العلماء أنها تبطل. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 23 حكم جمع الصلاة للمسافر السؤال هل صحيح أن جمع الظهر والعصر جمع تأخير في سفر يصح عند غروب الشمس؟ وما هي السنة في الجمع في السفر؟ الجواب أولاً: لا يجوز أن تؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس فضلاً عن تأخيرها إلى الغروب أو قربه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) سواء في جمع أو في غير جمع، في حضر أو في سفر. ثانياً: إذا جاز الجمع فإنما يجوز الجمع في وقت الجواز، أي: لا يجوز أن يؤخر الجمع حتى تصفر الشمس، أما حكم الجمع في السفر فإنه جائز ولكن الأفضل ألا يجمع إلا عند الحاجة، والحاجة إنما تكون فيما إذا جد به السير، إذا كان مستمراً في سيره، أو وصل إلى البلد التي يريد وهي غير بلده، وصار متعباً وأراد أن يؤخر الصلاة حتى ينشط قليلاً فلا بأس، وفي هذه الحال -أي: فيما إذا احتاج المسافر إلى الجمع يكون الجمع أفضل- إما جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر له، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع إذا جد به السير، ولا يجمع إذا كان نازلاً. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 24 دخول الوضوء مع الغسل أثناء غسل الجنابة السؤال هل يقوم الغسل من الجنابة مقام الوضوء؟ الجواب نعم. إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل مع المضمضة والاستنشاق كفى عن الوضوء، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 25 حكم صلاة الجنازة في المقبرة السؤال يوجد مكان يصلى فيه على الجنازة في المقبرة ولا تقام فيه صلوات أخرى فهل يجوز إقامة صلاة الجنازة في المقبرة في هذا المصلى؟ الجواب نعم. لا بأس أن يصلى على الجنازة في المقبرة؛ لأنه لا دليل على المنع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ولا أعلم في ذلك سنة، ولكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر، وذلك في قصة المرأة التي كانت تقمُّ المسجد -أي: تنظفه من القمامة- فماتت في الليل فكأنهم تقالوا شأنها وقالوا: لا نخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فلما سأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنها ماتت ليلاً فقال: (هلا كنتم آذنتموني) -أي: أخبرتموني- ثم قال: (دلوني على قبرها) فدلوه على قبرها فخرج وصلى عليها صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز الصلاة على الميت في المقبرة، ولا فرق بين المدفون وبين الذي لم يدفن بعد. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 26 حكم التسمية عند ذبح مجموعة من الدجاج السؤال قمت بزيارة إلى مزارع الدواجن الوطنية فرأيت كيف يذبحون الدجاج؛ ففي البداية يعلقون الدجاج يعني حتى ما يستطيع أن يتحرك ثم يمر على الذابح فيذبح بدون تسمية فسألت، لماذا لا تسمي؟ قال: لأني أنا أسمي في البداية ولا أستطيع أن أسمي على خمسمائة ألف دجاجة، فأقول عندما أدخل بسم الله، الله أكبر ويكفي هذا، فقلت: من سألت؟ قال: أهل العلم أفتوا بذلك وأجازوها فما أدري يا فضيلة الشيخ! جواز هذا الفعل؟ الجواب لابد أن يسمي على شيء معين، سواء كانت واحدة أم أكثر -فمثلاً- إذا صف ألف دجاجة ثم عند تحريك الماكينة قال: باسم الله كفى، فإذا صف له ألف دجاجة -مثلاً- ثم تحركت الماكينة وتحركت الأمواس يكفي إذا قال: باسم الله على هذه المصفوفة، فإذا صف له مجموعة أخرى سمى عليها. السائل: يقول أنا أسمي مرة واحدة ويكفي؟ الشيخ: يعني إلى أن تقف الماكينة لا يجوز هذا، إذ لابد أن تكون تسميته على معين. السائل: الأمر الآخر يا شيخ! كنا في زيارة كذلك إلى مزارع استرا في تبوك وهم يذبحون طيور السمان فماذا يفعلون؟ يعلقون هذه الطيور، وبعد تعليقها تمر على مثل آلة ترش الماء على هذا الطائر فنوعاً ما يتخدر، ثم يمر على مثل الجدار ومكتوب عليه بسم الله والله أكبر، ثم يذهب إلى الآلة فيقطع رأسه، وقال المسئول: هذا يجزئ؛ فبسم الله والله أكبر مكتوب كتابة؟ الشيخ: كل هذا جهل ويجب بارك الله فيك الآن أنك ترفع ما شاهدت أنت مع إخوانك وتوقعون عليه وترسلونه إلى دار الإفتاء، وتبينون متى كان ذلك، هل في هذه السنة أو قبل سنوات؛ حتى تبرأ ذمتك لذلك. السائل: يا شيخ! هم يقولون: إن مجموعة من المشايخ أفتوا بذلك. الشيخ: لا. قد يكون بعض المشايخ أفتى بشيء على غير هذا الوجه، ويمكن أنه أفتاه بما قلت أنا أي: أنه يجمع مجموعة ثم يحرك الماكينة على هذه المجموعة، وإن لم يسم على كل واحد بعينها، مثل ما لو رأى فرقة من الطير فرماها فقال: بسم الله، فسقط عشرون طائراً فإنها تحل. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 27 حكم الإيثار بالقربات السؤال موضوع الإيثار بالقرب، كأن نؤثر العالم أو الوالد بالصف الأول، فإذا كنا في الصف الأول -مثلاً- ووجدنا الأب أو العالم الشيخ في الصف الثاني، وأردنا أن نقدمه إلى الصف الأول -مثلاً- فهل هو مشروع، أو مكروه، أو يدخل في حدود الإباحة وجزاكم الله خيراً؟ الجواب الإيثار بالقرب على نوعين: النوع الأول: القرب الواجبة: فهذه لا يجوز الإيثار بها، ومثاله رجل معه ماء يكفي لوضوء رجل واحد فقط، وهو على غير وضوء، وصاحبه الذي معه على غير وضوء ففي هذه الحال لا يجوز أن يؤثر صاحبه بهذا الماء؛ لأنه يكون قد ترك واجباً عليه وهو الطهارة بالماء، فالإيثار في الواجب حرام، وأما الإيثار بالمستحب فالأصل فيه أنه لا ينبغي، بل صرح بعض العلماء بالكراهة، وقالوا: إن إيثاره بالقرب يفيد أنه في رغبة عن هذه القرب، لكن الصحيح أن الأولى عدم الإيثار، وإذا اقتضت المصلحة أن يؤثر فلا بأس، مثل أن يكون أبوه في الصف الثاني وهو في الصف الأول، ويعرف أن أباه من الرجال الذين يكون في نفوسهم شيء إذا لم يقدمهم الولد، فهنا نقول: الأفضل أن تقدم والدك، أما إذا كان من الآباء الطيبين الذين لا تهمهم مثل هذه الأمور فالأفضل أن يبقى في مكانه، ولو كان والده في الصف الثاني، وكذلك بالنسبة للعالم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. الجزء: 35 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [36] تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن فضل مجالس العلم ، وتدبر القرآن، ثم فسر آيات من سورة البروج، وذكر حكم البسملة وأنها إنما أنزلت للفصل بين السور. وأجاب عن بعض الأسئلة، مثل: كيفية التعامل مع الشيعة، وحكم من يدعو غير الله ويعتقد فيه النفع والضر ومات على ذلك، وفسر المقصود بتكفير المعين عند ابن تيمية. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 1 فضل مجالس العلم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: نفتتح لقاءنا هذا، وهو اللقاء الثاني من شهر ربيع الثاني، يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني عام (1414هـ) ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا جميعاً في أعمارنا وأعمالنا، وأن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاه. هذه اللقاءات المباركة بين العلماء وطلبة العلم، وبين طلبة العلم وعوام الناس، لا شك أنها لقاءات خيرة ونافعة، تجعل الناس يستبصرون في دينهم، ويتآلفون فيما بينهم، ويشكو بعضهم إلى بعض حوائجه ونوائبه، ولا غرابة في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وهذا هو الواجب في حق الأمة الإسلامية أن تكون جسداً واحداً، إذا تألم منه عضو تألم سائر الجسد له حتى يبرأ ويهدأ، وكذلك يجب أن يكونوا كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه إشارةً إلى أن البنيان كلما تراصّ وتلاءم كان أقوى له. لقاءاتنا هذه ولله الحمد فيها بركة، يستفيد منها الحاضرون، ويستفيد منها المستمعون، ويستفيد منها السامعون بما مَنَّ الله به علينا في هذا الزمن من تسهيل الأشرطة المنتشرة بين الناس. فقد يكون الإنسان قائداً لسيارته وهو يستمع إلى الشيخ يحدثه بدون تعب ولا ملل، ويكون الإنسان مضطجعاً في فراشه وهو يستمع إلى العلم، كل هذا بما مَنَّ الله به علينا من هذه الأشرطة، ولذلك نرى ولله الحمد آثار هذه الأشرطة في البيوت عند الصغار والكبار والنساء والرجال، وهذا لا شك أنه من الخير والبركة. ومن عادتنا أننا نفتتح اللقاء بكلام على آيات من القرآن الكريم، ابتدأناها بسورة النبأ حتى وصلنا إلى سورة البروج، واخترنا هذا الجزء؛ لأنه يكثر سماعه من الناس في الصلوات، والقرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة بل نزل للتلاوة وللتدبر وللتذكر، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. والذي ليس له حظ من القرآن إلا التلاوة هو أمي في الحقيقة، كما قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة، فوصفهم الله بأنهم أميون، مع أنهم يقرءون، فلا بد من أن يتعلم المسلمون معاني القرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الذي يسمى (مقدمة في علم التفسير) قال: إن الناس لو جعل لهم كتاب يدرسونه في الطب أو في أي علم كان، فلا بد أن يفهموا معناه حتى يستفيدوا منه، فإذا كان هذا في الكتب العلمية التي هي من كلام البشر، فكيف بأم العلم وأصل العلم الذي هو من كلام الله عز وجل، فهو أولى وأجدر أن نعتني به، ونفهم معناه وتفسيره، ونتلقاه من أئمة التفسير الذين عُرفوا بصحة العقيدة وسلامة المنهج. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة البروج وقفنا عند سورة البروج وفيها يقول الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} [البروج:1-2] . البسملة آية مستقلة في الكتاب العزيز، وليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، يؤتى بها في أول كل سورة إلا سورة براءة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيت بدون بسملة، وما اشتهر عند العوام من أن الجن اختطفوا بسملة سورة براءة، فهذا لا شك أنه باطل؛ لأن الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ولا يمكن أن يسلط عليه الشياطين أو الجن حتى يختطفوا منه، بل إن الله تعالى حماه حين نزوله، وحماه بعد نزوله، وما ذكر عن بعض العلماء: أنه لم يذكر فيها البسملة؛ لأنها نزلت بالسيف؛ لأن فيها الأمر بقتال المشركين، فهذا غير صحيح؛ لأن البسملة بركة والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يطلب فيه البركة. على كل حال هي آية مستقلة من أول كل سورة إلا سورة براءة، وليست من الفاتحة على القول الراجح الذي دل عليه الحديث القدسي، وهو قوله تعالى فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي. ) إلى آخر الحديث، وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وكذلك أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة (اقرأ) أقرأه إياها جبريل، ولم يكن فيها بسم الله الرحمن الرحيم، فدل هذا على أنها ليست من السورة. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والسماء ذات البروج) قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج:1] الواو: حرف قسم، يعني: يقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، أي: صاحبة البروج، والبروج جمع برج، وهي المجموعة العظيمة من النجوم، وسُميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيين اثنا عشر برجاً جمعت في قول الناظم: حمل فثور فجوزاء فسرطان فأسد فعذراء فميزان فعقرب قوس فجدي وكذا دلو وذي آخرها الحيتان فهي اثنا عشر برجاً؛ ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء. فيقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله وبأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من مخلوقاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولقوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . الجزء: 36 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (واليوم الموعود) قال تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} [البروج:2] اليوم الموعود هو: يوم القيامة وعد الله سبحانه وتعالى به، وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً، كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104] . ثم قال تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج:3] ذكر علماء التفسير في معنى الشاهد والمشهود عدة أقوال، يجمعها: أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شهيد علينا. ومنهم نحن -هذه الأمة- سوف نشهد على الناس. وكذلك أعضاء الإنسان تشهد عليه يوم القيامة بما عمل من خير وشر. وكذلك الملائكة يشهدون يوم القيامة، فكل من شهد بالحق فهو داخل في قوله: (وشاهد) . وأما المشهود فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود:103] فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود) ثم قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} [البروج:4] (قُتل) أي: أُهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وأصحاب الأخدود هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار. وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام ومنها شيء في اليمن، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا أن يردوا المؤمنين عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً -أي: حفراً ممدودة- في الأرض كالنهر، وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين -والعياذ بالله- ولهذا قال: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [البروج:5] أي: أن الأخدود هو أخدود النار (ذات الوقود) أي: الحطب الكثير المتأجج. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إذ هم عليها قعود) قال تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج:6] أي: أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين، كان - والعياذ بالله - عندهم قسوة وجبروت، يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها فاكهين كأن شيئاً لم يكن -والعياذ بالله- وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان أحد البشر تلتهمه النار وهو جالس يتفكه بالحديث ولا يبالي: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج:7] أي: هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، أي: حضور لا يغيب عنهم ما فعلوا بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد؛ بل استحقوا هذه العقوبة، أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 36 ¦ الصفحة: 8 حال طوائف الشيعة وكيفية معاملتهم السؤال فضيلة الشيخ: هل عموم الشيعة الموجودين في هذا الزمان انقرضوا إلا طائفة الرافضة؟ وإذا لم يبق إلا هؤلاء الرافضة كيف يعاملهم من لا يعلم منهجهم، وهل يعاملهم كالمنافقين، أم ماذا؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد: الشيعة: هم كل من يزعم أنه يتشيع لآل البيت، أي: لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم طوائف وفرق كثيرة، وقد ذكر المتكلمون على فرق هذه الأمة أنهم يزيدون على عشرين فرقة، وهذا يعني أننا لا يمكن أن نحكم على جميعهم بحكم واحد، بل لا بد أن ننظر ماذا يفعلون، وماذا يعتقدون في النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا يعتقدون في الصحابة؟ فمثلاً: إذا قالوا: نحن نعتقد أن علي بن أبي طالب إله وربٌّ، كما يُذكر عن عبد الله بن سبأ الذي قابل علياً رضي الله عنه بالمواجهة الصريحة فقال: أنت الله، فأمر علي رضي الله عنه بالأخاديد فخدت ثم أحرقهم بالنار لشناعة قولهم والعياذ بالله. كذلك أيضاً من قال: إن الصحابة ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً من آل البيت فهم كفار أيضاً؛ لأن هذا يؤدي إلى القدح في الشريعة الإسلامية، وألا نثق بما نقل إلينا منها، لا القرآن ولا ما ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم منها، وإذا كان هذا يتضمن القدح في الشريعة ونسفها فهو كفر بالله تعالى وكفر بشريعته أيضاً. ومن قال: إن علياً ولي وأنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأن المسلمين أجمعوا على أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل البشر. والمهم أن ننظر إلى عقيدة هذا الرافضي أو الشيعي، فإذا كانت تقتضي الكفر حكمنا بكفره، وإذا كانت لا تصل إلى الكفر بل هي بدعة تجعله فاسقاً لا كافراً حكمنا بما تقتضيه بدعته. أما معاملتهم فإننا نعاملهم بما تقتضيه المصلحة فكل ما تقتضيه المصلحة فإننا نعاملهم به، فلو كان من المصلحة أن نهاديه لندعوه إلى الحق ونبين له أنه هو الواجب، وأنه لا يجوز العدول عنه فلا حرج من أن نهاديه، ومن اقتضت حاله سوى ذلك فلنعامله بما تقتضيه حاله، وأما بالنسبة للتقية لا شك أنها من مذهبهم -أعني الرافضة - فهم يعتقدونها ديناً، ولكن قد لا يكون عند بعضهم تقية؛ لكنه رجل عامي مخدوع بكبرائهم وزعمائهم فلكل مقام مقال، والإنسان العاقل يستطيع أن يعامل الناس بتوفيق الله حسب ما تقتضيه حالهم. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 9 حكم من مات وهو يعتقد أن غير الله ينفع أو يضر السؤال فضيلة الشيخ: يعلم الله أننا نحبك في الله، وأما سؤالنا فهو عمن كان يعتقد بأن الأولياء المقبورين ينفعونهم أو يضرونهم! مع اعتقادهم بوجود الخالق، وإقامتهم للصلاة، فما مصير هؤلاء الناس بعد مماتهم؟ هل يكونون بحكم الكفرة أم الموحدين؟ الجواب أسأل الله أن يحبك كما أحببتني فيه، وأن يجعلنا جميعاً من أحباب الله وأولياء الله. أولياء الله سبحانه وتعالى هم الذين جمعوا بين وصفين: الإيمان، والتقوى، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] وحينئذٍ قبل أن نقول: إن هذا قبر ولي، يحتاج أن ننظر في سيرة هذا الميت، هل هو من المؤمنين المتقين؟ فإذا كان كذلك فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله، أم هو من المخرفين المشعوذين الخداعين الذين يظهرون للناس بمظهر الصلاح، وهم أبعد الناس عن الصلاح فهذا ليس بولي، وإن زعم أنه ولي، هذا أولاً. ثانياً: إذا تقرر أنه بما يظهر لنا من حاله أنه من المؤمنين المتقين، فإننا نرجو له الخير، ونعلم أنه هو نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأنه ما آمن واتقى إلا خوفاً من عقاب الله، ليس له من الأمر شيء، فإذا كان هو لا يملك لنفسه شيئاً، فكيف يملك لنا؟ ثم كيف يملك لنا ذلك وهو الآن جثة هامدة، وربما أكلته الأرض؟ وإذا كان الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعراف:188] وقال له: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] وقال له: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} [الجن:21-23] يعني: ليست وظيفتي إلا البلاغ، فإذا كان كذلك فمن دونه من باب أولى. والصحابة رضي الله عنهم لما نزل بهم القحط والجدب في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام المشهور الذي يعرف بعام الرمادة، لم يستسقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأتوا إلى القبرة ليقولوا: يا رسول الله! ادعُ الله أن يسقنا، وادعُ الله أن يغيثنا، وإنما هم دعوا الله عز وجل، وطلب عمر من العباس أن يقوم فيدعو الله تعالى بالسقيا. لكن مع ذلك فهؤلاء الذين يأتون إلى الأولياء ويدعونهم وهم جهال، ليس عندهم من يعلمهم، ولا من ينبههم، ولكنهم يقولون: نحن مسلمون يُصلون، ويتصدقون، ويصومون، ويحجون، ويجتهدون، ويتهجدون، لكن لا يعلمون عن هذا الأمر شيئاً، ولم ينبهم عليه أحد، ولم يخبرهم به أحد، فهؤلاء معذورون بجهلهم، ويُحكم بأنهم مسلمون، وأما من بلغه أن هذا شرك ولكنه أصر وقال: إن هذا دين آبائي وأجدادي ولا يمكن أن أحيد عنه، فهذا يحكم بكفره؛ لأن قوله هذا كقول من قال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] . الجزء: 36 ¦ الصفحة: 10 حكم إهداء الجوائز التشجيعية من التجار لزبائنهم السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض التجار يضع جوائز وهدايا للذين يشترون من المحل بمبالغ معينة فهل هذا جائز؟ الجواب هذا لا بأس به بشرط أن يكون بيعه كبيع الناس، فمثلاً إذا كان هذا الكرتون عند الناس بعشرة وهو يبيع بعشرة، لكن وضع للناس جائزة لمن اشترى مائة كرتون مثلاً، أو اشترى بمبلغ ألف ريال، فهذا لا بأس به، هذا بالنسبة لواضع الجائزة. أما بالنسبة للمشتري إذا كان يشتري الشيء بدون حاجة إليه لكن لعله يربح جائزة، فهذا حرام؛ لأنه إضاعة مال، وقد سمعت أن بعض الناس يشتري كراتين اللبن وهو لا يريدها ويريقها، ولكن من أجل أن ينال الجائزة، وهذا لا يجوز؛ لأنه من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. فالمسألة فيها الآن نظران: النظر الأول لواضع الجائزة، والنظر الثاني: للمشتري. فواضع الجائزة إذا كان لا يضيف إلى سلعته مبلغاً زائداً من أجل الجائزة يعني: الناس يبيعون بعشرة وهو يبيع بعشرة، فهذا لا شيء عليه، أما بالنسبة للمشتري نقول له: هل أنت تشتري لأنك محتاج لهذه السلعة، وتقول: مادمت محتاجاً لها فكوني أشتري من هذا البائع الذي عنده الجائزة لعلها تصيبني أحب إليَّ من أن أشتري من شخص ليس عنده جائزة، فهذا لا بأس به. أما إذا كان يشتري وليس له حاجة، ولكن لعله ينال الجائزة، فهذا حرام لأنه إضاعة للمال، ولأنه ربما يشتري أشياء كثيرة ولا يحصل على الجائزة، فيكون مغامراً مخاطراً. بقي أن يقال في المسألة الأولى: إذا كان واضع الجائزة يبيع كما يبيع الناس، أفلا يكون هذا من باب قطع رزق الآخرين؛ لأنه ربما يقبل الناس على هذا ويتركون الآخرين؟ نقول: هذا صحيح، إنه قد يؤثر، فإذا رأى ولي الأمر أو من ينوب عنه -كالبلدية مثلاً التي ترعى أسواق الناس- منع مثل ذلك فلهم ذلك، ويكون هذا من باب التنظيم وحفظ الأسواق عن التلاعب. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 11 حرمة الحلف بغير الله السؤال في بداية التفسير علمنا أن الله عز وجل أقسم بمخلوقاته كالسماء والليل، ونجد بعض الناس يحلف ويقول: وحياة أولادي، ويقول: عليَّ الطلاق، أو حرام عليَّ ما أفعل كذا وكذا، فما حكم ذلك؟ الجواب أما (وحياة أولادي) فهذا قسم صريح لا يجوز، وهو يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وأما: عليَّ الطلاق لأفعلن فهذا ليس قسماً لكن له حكم القسم، فإذا قال: الحرام عليَّ ما أشرب من هذا الحرام عليَّ ما أزور فلاناً الحرام عليَّ ما آكل طعام هذا حرام عليَّ ما تذبح لي ذبيحة. فهذا ليس بقسم من حيث الصيغة لكنه بمعنى القسم، والدليل على هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] فسمى الله التحريم يميناً، أما الحكم فنقول: إذا قلت مثل هذا فكفِّر عن يمينك، وذلك بأن تطعم عشرة مساكين، ولا فرق بين أن يقول: حرام عليَّ زوجتي، أو عليَّ الطلاق، أو حرام عليَّ أن أفعل كذا، لكن في مسألة الطلاق إن أراد الطلاق وقع إن حنث فيما قال. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 12 الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر السؤال فضيلة الشيخ: ما هو الضابط في التفريق بين النصوص في الشرك الأكبر والأصغر؟ الجواب هذا السؤال يسأل عنه كثير من الناس يقولون: ما الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر؟ الشرك الأكبر هو: الذي إذا حصل من الإنسان خرج عن الملة. والأصغر هو: الذي دون ذلك. فصرف العبادة لغير الله شرك أكبر، وتعظيم المخلوق كتعظيم الله، بأن يجعل له حقاً في الربوبية، أو التعظيم كما يعظم الخالق؛ فهذا شرك أكبر. وما دون ذلك فهو شرك أصغر، مثلاً: مسألة الحلف بغير الله شرك أصغر في الأصل، لكن لو كان في قلب الحالف أن الذي حلف به مثل الله؛ صار شركاً أكبر. فالضابط أن ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة فهو شرك أصغر، وما كان يخرج من الملة فهو شرك أكبر. ويبقى علينا سؤال آخر: ما هو الذي يخرج من الملة؟ وما هو الذي لا يخرج؟ هذا يتوقف على النص الوارد، فمن جعل للمخلوق حقاً يختص به الخالق فهذا شرك أكبر، وما دون ذلك فهو شرك أصغر. وأضرب لك مثلاً: لو أن إنساناً يعظم والده، وكلما جاء قبل يده أو قبل جبهته ووضع له النعال، وقرب له السيارة، فهذا تعظيم، ولو جاء لإنسان آخر وفعل به مثل ما فعل بوالده، فهذا جعل غير الوالد مثل الوالد، لكن لو قدم له النعال فقط، فهل يكون مساوياً لهذا الغير مع والده؟ طبعاً لا. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 13 حكم مخالفة المأموم للإمام في بعض السنن السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الإتيان ببعض السنن والتخلف البسيط عن الإمام كجلسة الاستراحة وكالإقعاء في الصلاة، وهل هذا يستوجب على المأموم المتابعة في الصلاة أم الإتيان بها، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب الأصل موافقة الإمام في الأفعال، وأقصد بالموافقة المتابعة بأن يأتي بها بعد الإمام مباشرة. هذا هو السنة، وأما ما لا يقتضي التخلف عن الإمام مثل أن يجلس مقعياً بين السجدتين والإمام مفترش، أو أن يتورك في التشهد الأخير والإمام مفترش، فإن هذا لا يعد مخالفة، أو أن يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع من الركوع، والإمام لا يرى ذلك، فهذا لا يعد مخالفة، لأنه ليس فيه التخلف، وأما جلسة الاستراحة ففيها تخلف، لكن لكونه تخلفاً يسيراً لا نقول إنها حرام، لكن نقول الأولى أنك لا تجلس إذا كان الإمام لا يجلس، كما نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي قال: الأولى أن المأموم إذا كان يرى جلسة الاستراحة سنة والإمام لا يراها أن يتابع إمامه؛ لأن متابعة الإمام أفضل، وكذلك العكس لو أن الإمام يرى الجلسة، وأنت لا تراها، فإذا جلس فاجلس؛ لأن المتابعة أتم، فما أدى إلى تأخر المأموم عن الإمام فإنه لا يفعله، وما لا يؤدي إلى ذلك ولكن اختلاف في الصفة؛ فهذا لا بأس به، ولا يعد ذلك مخالفة. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 14 حكم الجهر بالبسملة في الصلاة السؤال هل نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصلاة؟ الجواب ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه جهر لكن أحاديث الإسرار أكثر، وبعض العلماء ضعف ما ورد من الجهر وحكم بشذوذه، والشاذ لا يعمل به. والأقرب أن يقال: المسألة ليس فيها كبير مخالفة، فلو صليت خلف إمام يجهر بالقراءة - قراءة البسملة- فلا تنكر عليه، لكن لك أن تسأل -مثلاً- هل هي سنة أو ليست بسنة؟ وإذا جهرت بها أحياناً تأليفاً للقلوب إذا صليت بقوم لا يرون الإسرار بها فلا بأس به، المهم ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، فبعض العلماء قال: إنه ضعيف لأنه شاذ، وبعضهم قال: إنه صحيح لكن الأكثر الإسرار. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 15 حكم تكفير المعين السؤال ما معنى مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية: تكفير المعين يحتاج إلى دليل معين؟ الجواب أنت تعرف -بارك الله فيك- أن الأحكام تارة تكون معلقة بالوصف، وتارة تكون معلقة بالشخص، فمثلاً نقول: كل مؤمن هو من أهل الجنة، هذه كلمة عامة معلقة بوصف، كل مؤمن فهو في الجنة، وكل كافر فهو في النار، لكن هل تقول لهذا الشخص المعين: فلان من أهل الجنة؟ لا. وهل تقول لهذا الشخص المعين: فلان من أهل النار؟ لا. ففرق بين المعلق بالوصف والمعلق بالشخص. فإذا قال الإنسان كلمة كفر، أو فعل فِعل كفر فإننا لا نكفره حتى ننظر ما الحامل له على هذا؟ ثم نعامله بما يقتضيه حاله. رجل أكره على أن يسجد لصنم فسجد، ورجل آخر أكره على أن يقول كلمة كفر فقالها هل يكفر هذان الرجلان؟ لا؛ لأن الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106] فقوله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} [النحل:106] يشمل من كفر بالقول أو الفعل، فهذا الرجل سجد لصنم مكرهاً، والرجل الذي قال كلمة كفر مكرهاً، هل فعله كفر أم لا؟ نعم. فعله فعل كفر، فهل هو كافر؟ لا؛ لأنه وجد مانع من التكفير وهو الإكراه، والرجل الذي كان مسرفاً على نفسه، قال لأهله: إذا مت فاحرقوني وذروني في اليمّ، فعل هذا ظناً منه أنه ينجو بذلك من عذاب الله، ثم فعل أهله به ما قال، فجمعه الله عز وجل وسأله: لم فعلت هذا؟ قال: ربي خوفاً من عقابك، فغفر الله له، هذا الرجل فعله فعل كفر لماذا؟ لأنه شاك في قدرة الله على أن يجمعه ويعاقبه، لكن لما كان الحامل له على ذلك الخوف من عقاب الله عز وجل غفر الله له. فمعنى كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن يقال: إن الكفر معلق بالوصف يحكم به على كل حال، من كفر بالله فهو في النار، من سجد لصنم فهو كافر، من قال: إن مع الله إلهاً آخر، فهو كافر، لكن الشخص المعين لا تحكم عليه حتى تنظر، قد يكون جاهلاً ولا يدري، قد يكون متأولاً، وقد يكون هناك حال تستدعي أن يقول هذا الشيء بدون إرادة. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله أشد فرحاً بتوبة العبد من رجل كانت له راحلة فضاعت في البر، فطلبها فلم يجدها، فأيس، فاضطجع تحت ظل شجرة ينتظر الموت، فإذا بخطام ناقته معلق بالشجرة، فأخذ بالخطام وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك) الكلمة هنا كلمة كفر؛ لأنه ادعى الربوبية لنفسه، وادعى العبودية لله، لكن لما كان لا يقصد هذا، إنما أخطأ من شدة الفرح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذه الله. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 16 حكم التصوير بالفيديو السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز التصوير بالفيديو؟ الجواب التصوير بالفيديو حسب المصور، وماذا تريد أن تصور؟ فما يفعله بعض الناس الآن في أيام العرس يصورون المحفل، فهذا خطأ عظيم وجناية؛ لأن هذه الصورة سوف يشاهدها كل الناس، قد يكون فيه النساء متبرجات بزينة، قد يكون فيه النساء كاشفات الوجوه، قد يكون النساء فيما بينهن يتكلم بعضهن إلى بعض ويضحك بعضهن إلى بعض، فيحصل بذلك فتنة، هذا حرام ولا إشكال فيه، وقد يكون التصوير لنقل مواد علمية كتمرين على صناعة الشيء، أو على تحضير الشيء، المهم مادة علمية مفيدة، وقد يكون محاضرة لإنسان يتكلم مع الناس يرشدهم ويعظهم، فهذا لا شيء فيه، فالمهم أنه على حسب الشيء الذي يصور. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 17 كيفية زكاة الدين السؤال بالنسبة لزكاة الدين، إذا أسلف شخص شخصاً آخر كيف يزكي عن هذا؟ ولو تأخر المدين عن السداد ثلاث سنين؟ الجواب الدين بارك الله فيك، هل فيه زكاة أم لا؟ فيه تفصيل، إذا كان الدين على معسر فلا زكاة فيه، ولو بقي عشر سنوات، لكن إذا قبضته فتؤديه سنة واحدة فقط، هذا إذا كان على فقير. أما إذا كان على غني وامتدت المدة فتزكيه كل سنة، لكنك بالخيار إن شئت تدفع زكاته مع مالك كل سنة، وإن شئت إذا قبضته تزكي لما مضى، وأستحب أن تزكيه مع مالك؛ لأنه ربما يموت الإنسان ويتهاون الورثة في إخراج الزكاة، وربما يحصل أشياء تمنع الزكاة، فإذا أديته مع مالك يكون اطمئناناً لقلبك، أما إذا ماطل الغني: فإن كان لا يمكن مطالبته كالأب وكالسلطان وكالأمير المتسلط وما أشبه ذلك فهو كالمعسر ليس فيه زكاة إلا سنة قبضه. وأما إذا ماطل وهو يمكن مطالبته تشكوه إلى الأمير ويسلمك فهذا عليك الزكاة فيه؛ لأن الأمر باختيارك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 36 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [37] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة البروج ، وهي المتعلقة بما كان من نقمة أعداء الله على أوليائه بسبب إيمانهم، وأن ملك الله تام لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وفي ختام اللقاء أجاب الشيخ على الأسئلة الموجهة إليه. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البروج الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير من شهر ربيع الثاني عام (1414هـ) والذي يتم في يوم الخميس الثامن والعشرين من هذا الشهر، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير، وأن يحسن لنا ولعامة المسلمين العاقبة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وما نقموا منهم) تكلمنا في الأسبوع الماضي على أول آيات سورة البروج إلى أن وقفنا على قول الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8] أي: ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا، أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل: {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ، وهذا الإنكار أحق أن ينكر؛ لأن المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يساعد ويعان، وأن تسهل له الطرق، أما أن يمنع ويردع حتى يصل الحد إلى أن يحرق بالنار؛ فلا شك أن هذا عدوان كبير، وليس هذا بمنكرٍ عليهم، بل هم يحمدون على ذلك؛ لأنهم عبدوا من هو أهل للعبادة وهو الله جل وعلا الذي خلق الخلق ليقوموا بعبادته، فمن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقها. وقوله: (إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) العزيز: هو الغالب الذي لا يغلبه شيء؛ فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحد، ولما قال المنافقون: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] . قوله: (الحميد) بمعنى: المحمود، فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءه ما يسر به قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) وإذا جاءه خلاف ذلك قال: (الحمد لله على كل حال) . وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقوله عند المكروه: (الحمد لله على كل حال) أما ما تسمعه من بعض الناس: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، فهذا خلاف ما جاءت به السنة، بل قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله على كل حال) أما أن تقول: (الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه) فكأنك الآن تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك، وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يرضى الإنسان بما قدر الله عليه مما يسوءه أو ما يسره؛ لأن الذي قدره عليك هو الله عز وجل وهو ربك، وأنت عبده وهو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع، يجب عليك الصبر وألا تسخط، لا بقلبك ولا بلسانك، ولا بجوارحك، اصبر وتحمل الأمر وسيزول، فدوام الحال من المحال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . فقوله جل وعلا: (الحميد) أي: المحمود على كل حال، من سراء أو ضراء؛ لأنه إن قدر السراء أو الضراء فهو ابتلاء وامتحان، قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] . ولما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس بين يديه في لحظة ماذا قال؟ قال: {هَذَا فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40] . فأنت يا أخي! إذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها دليل على رضا الله عنك، فتفرح وتمرح، هي نعمة لا شك، لكن اعلم أنك ممتحن بها، هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي؟ وإن أصابتك ضراء فاصبر، فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر؟ وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] . ويجوز أن يكون معنى قوله: الحميد، هو الحامد فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد، يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين، والثناء عليهم حمد لهم، فهو جل وعلا حامد وهو كذلك محمود، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها) لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة أو الشربة ما حصلت عليها، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64] أجب عن هذا السؤال، الله يسألنا (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) فما الجواب؟ الجواب بل أنت يا رب {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس؛ يجعله الله حطاماً ولم يقل عز وجل لو نشاء لم ننبته؛ لأن كونه ينبت وتتعلق به النفوس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً. ثم انتقل للماء فقال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة:68-69] الجواب: بل أنت يا ربنا، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] أي: مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه {فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:70] يعني: فهلا تشكرون الله على ذلك، وهنا لم يقل عز وجل لو نشاء لم ننزله من المزن؛ لأن كونه ينزل ولكنه لا يشرب ولا يطاق لملوحته أشد من كونه لم ينزل أصلاً، فتأملوا القرآن الكريم وستجدون فيه من الأسرار والحكم أشياء كثيرة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذي له ملك السماوات والأرض) ثم قال الله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البروج:9] له وحده ملك السماوات والأرض لا يملكها إلا هو عز وجل، فهو يملك السماوات ومن فيها، والأرضين ومن فيها، وما بينهما وما فيهما، كل شيء ملك لله، ولا يشاركه أحد في ملكه، وما يضاف إلينا من الملك فيقال مثلاً: هذا البيت ملك لفلان، هذه السيارة ملك لفلان، فهو ملك قاصر وليس ملكاً حقيقياً؛ لأنه لو أن إنساناً أراد أن يهدم بيته بدون سبب هل يملك ذلك؟ لا. هذا حرام عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، لو أردت أن تحرق سيارتك بدون سبب هل تملك هذا؟ لا تملكه، حتى لو أنك فعلت لحجر القاضي عليك، ولأنه يمنعك من التصرف في مالك، مع أن الله قد منعك من قبل، إذاً ملكنا قاصر، والملك التام لله. قوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:9] مطلع عز وجل على كل شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار وسوف يجازيهم على هذا يوم القيامة، ولكن مع فعلهم هذا الفعل الشنيع عرض عليهم التوبة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] قال بعض السلف: انظر إلى رحمة الله عز وجل، يحرقون أولياءه ثم يعرض عليهم التوبة يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} وإن تابوا فماذا؟ فلا شيء عليهم، فتأمل يا أخي الكريم! رحمة الله عز وجل؛ حيث يحرق هؤلاء الكفار أولياءه والتحريق أشد ما يكون من التعذيب. ثم يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:10] قال العلماء: فتنوا بمعنى: أحرقوا كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:13-14] فهؤلاء أحرقوا المؤمنين وأحرقوا المؤمنات، يأتون بالرجل وبالمرأة ويحرقونهم بالنار، يقول عز وجل: (ثم لم يتوبوا) أي: لم يرجعوا إلى الله {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] لأنهم أحرقوا أولياء الله، فكان جزاؤهم مثل عملهم، جزاءً وفاقاً. في هذه الآيات من العبر: أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة. المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى، وهو يستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فما لنا نحن الآن نسمع ما يحصل في البوسنة والهرسك من الانتهاكات العظيمة انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي فنقول: سبحان الله! ما هذا التسليط الذي سلط الله على هؤلاء المؤمنين، نقول: يا أخي! لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالاً لمن سبقونا، يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، لا تستغرب، فهذا فيه رفعة درجات للمصابين وتكفير سيئات، وهو عبرة للباقين، علينا أن نعتبر بهذا، وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر. وأيضاً في هذه الآيات من العبر: أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا على المسلمين بذنب إلا شيئاً واحداً، وهو أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهذا ليس بذنب، بل هذا هو الحق، ومن أنكره فهو الذي يُنكر عليه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يقينا شر أعدائنا، وأن يجعل كيدهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 37 ¦ الصفحة: 5 حكم الزيادة على الأذكار الثابتة في الشرع السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للحديث الذي رواه الترمذي والحاكم أن رجلاً عطس ثم قال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال له ابن عمر: وأنا معك. الحمد لله والصلاة على رسول الله، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا القول بدعة؟ الجواب بسم الله الرحمن الرحيم، الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كاملة من كل وجه، فإذا كان المشروع للعاطس أن يقول: الحمد لله فقط فليقتصر الإنسان عليها، فإذا زاد عليها نظرنا إن كان يرى أن الزيادة عليها أفضل فهذا مبتدع، وإن كان يرى أن هذه الزيادة من باب الجائز ويفعلها أحياناً فهذه ليست ببدعة، لكن الأولى المحافظة على ما جاءت به الشريعة من الأذكار سواء في أذكار السلام أو العطاس أو غير ذلك، فإنه أفضل وأولى وأكمل. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 6 حكم قراءة القرآن بطريقة الإدارة السؤال فضيلة الشيخ: أناس يجلسون لقراءة القرآن فيقرأ كل واحد منهم بعض الآيات ويستمع الآخرون فهل في ذلك شيء؟ الجواب هذه تسمى قراءة الإدارة، يعني: أنهم يجلسون كحلقة فتدور القراءة عليهم، بحيث يقرأ أحدهم جزءاً؛ ثم الثاني الجزء الذي بعده، ثم الثالث الجزء الثالث، أو على صفحة، أو على ورقة، أو يعيد القارئ الثاني فمن بعده ما قرأه الأول فهذا كله لا بأس به؛ لأنه غاية ما فيه أنهم يتساعدون ويطردون الملل عن أنفسهم، ولا حرج في ذلك. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 7 حكم قراءة الأذكار بشكل جماعي السؤال فضيلة الشيخ: ما الحكم إذا اجتمع بعض الناس فرددوا الأذكار الواردة بشكل جماعي؟ الجواب هذا من الأشياء التي لا ينبغي للإنسان أن يفعلها؛ لأنه إذا فعل ذلك فإنه يحرم نفسه من أن يقول الذكر هو بنفسه، والقائل للذكر أفضل من المستمع، فالذي ننصح به هؤلاء: أن يقول كل واحد منهم الذكر الوارد في نفسه. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 8 حكم اختلاف نية الإمام والمأموم السؤال دخلنا المسجد وقت صلاة العصر ولم نصل الظهر، هل نصلي العصر بنية صلاة الظهر؟ الجواب نعم. ادخلوا معهم بنية الظهر، ولكل امرئ ما نوى، أنتم لكم ما نويتم، والإمام له ما نوى، ثم إذا انتهت الصلاة فصلوا العصر. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 9 الفرق بين الوجوب والإيجاب السؤال ما هو الفرق بين الوجوب والإيجاب في الواجب المخير؟ الجواب الوجوب وصف للحكم، والإيجاب وصف للحاكم، فيقال: أوجب الله كذا، ويقال: هذا واجب، فالوجوب وصفٌ للحكم، يعني: يقال: هذا واجب وهذا غير واجب، فالله هو الذي يوجب، والواجبات كما تعرف بعضها معين ولا بديل لها، وبعضها معين وله بدل، وبعضها مخير، فالمعين الذي لا بدل له هذا أكثر الواجبات، والمعين الذي له بدل كخصال الكفارة كالظهار ففيه عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، هذا واجب وله بدل، والواجب المخير؛ كخصال الفدية، في حلق الرأس أثناء الإحرام قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] . الجزء: 37 ¦ الصفحة: 10 حال حديث: (صوتان ملعونان. ) ومعناه السؤال فضيلة الشيخ: سؤالي عن حديث هل هو صحيح أم لا، ثم إذا كان صحيحاً ما معناه؟ الحديث يقول: (صوتان ملعونان: صوت عند المصيبة، وصوت عند الفرح) ؟ الجواب هذا الحديث ضعيف، والمراد بالصوتين صوت عند المصيبة يعني بذلك: صوت النائحة، وصوت الفرح صوت الطرب الذي هو الغناء، هذا إن صح الحديث. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 11 حكم المولد النبوي السؤال فضيلة الشيخ: في لقاءات سابقة عرفنا البدعة وحكمها؛ ونجد أن بعض الناس في الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، يقولون: إن هذه الاحتفالات هي تأليف لقلوب المسلمين بعد أن تفرقت الأمة فما قولكم لهؤلاء؟ الجواب قولنا لهؤلاء الذين يقولون: الاحتفال بالمولد تأليف للقلوب، وإحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول: أولاً: لا نسلم بذلك؛ فإن هؤلاء الذين يجتمعون يتفرقون عن غير شيء، ولا يمكن أن تتآلف القلوب على بدعة إطلاقاً. ثانياً: إن في هذا إحداث لشيء لم يشرعه الله، فالله تعالى قد جعل لتأليف القلوب اجتماعاً آخر، كل يوم يجتمع الناس في بيت من بيوت الله خمس مرات، وهي كافية في حصول التأليف، فنحن في غنى عن هذه البدعة التي ابتدعوها وقالوا: إنه يحصل بها التأليف. وأما ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسبحان الله العظيم! لا يكون للإنسان ذكرى للرسول عنده إلا على رأس كل سنة!! ألسنا نذكر الرسول في كل عبادة، فعندما تريد أن تتوضأ لا بد في الوضوء من أمرين: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فمتى استشعرت المتابعة؟ فأنت الآن تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، تتوضأ على أنك متبع للرسول صلى الله عليه وسلم، تصلي على أنك متبع للرسول صلى الله عليه وسلم. ثم الذكرى العلنية. والحمد لله كل يوم خمس مرات على الأقل نعلن في الأذان: أشهد أن محمداً رسول الله، فنحن في غنى عن هذه البدعة؛ بدعة الاحتفال بالمولد. فنرد عليهم بمثال ونقول: سبحان الله! أين أنتم من الصحابة؟ أين أنتم من التابعين؟ أين أنتم من تابعي التابعين؟ كل القرون المفضلة الثلاثة مضت ولم يحدث أحد هذا الاحتفال، لم يعرف هذا الاحتفال إلا في القرن الرابع فيما بعد الأربعمائة، هي بدعة ليس فيها شك، وبدعة غير محمودة، وكل بدعة ضلالة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 12 حكم صلاة النافلة وقت إقامة الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: في صلاة الفجر ندخل أحياناً فنجد بعض الناس يأتي بالسنة عند إقامة الصلاة، فهل ننكر عليهم هذا؟ الجواب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فهؤلاء الذين دخلوا في السنة بعد أن أقيمت الصلاة ليس لهم سنة، وإنما فعلوا حراماً وبطلت سنتهم، ونحن ننكر عليهم ولكن بالحكمة والحسنى، نأخذ بيده ونقول: يا أخي! الفريضة أفضل من النافلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) سيقول لك: هذا رأي علمائي، أن سنة الفجر لا بد منها قبل الصلاة ولو أقيمت الصلاة، قل له: أيهما أولى رأي علمائك أو قول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إننا نقول: إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة قد دخلت فيها فإن كنت في الركعة الأولى فاقطعها بدون سلام، وادخل مع الإمام وإن كنت قمت للثانية، فأتمها خفيفة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 13 العمل الدعوي في صفوف الرجال والنساء السؤال يوجد بعض الإخوة الدعاة يعملون في مجال التمريض، وهذا المجال فيه اختلاط فهل يدعون الرجال فقط أم الرجال والنساء؟ الجواب الواجب على الإنسان أن يدعو إلى دين الله عز وجل، لكن مخاطبة الرجل للمرأة ولو بالدعوة إلى الله قد تحدث به فتنة، فالأولى أن يكون هناك من الممرضات الصالحات من تدعو النساء، ومن الرجال من يدعو الرجال حتى لا تحصل الفتنة؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما مع المخاطبة يدخل الشيطان بين المرأة والرجل. فلكل مقام مقال. أما لو كان هناك مثلاً نساء مجتمعات وقام رجل يخطب فيهن فهذا لا بأس به، لكن دعوة مباشرة لامرأة لا نرى أن فيها مصلحة؛ ولو كان فيها مصلحة ففيها مضرة أكثر. وأما الممرضون فيدعوهم، لكن إن خفت أن ينفروا فادعهم واحداً واحداً، تدعو أحدهم مثلاً إلى بيتك وتسقيه القهوة وتؤنسه وتعرض عليه الإسلام. وأما من لم يدع وهو قادر أخشى أن يأثم على ذلك. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 14 تعريف الحسنة والدرجة السؤال فضيلة الشيخ: ما الفرق بين الحسنة والدرجة؟ وهل الدرجة مثل الحسنة بعشر أمثالها أم لا؟ الجواب الحسنة في العمل والدرجة في الثواب، قال الله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأحقاف:19] وقال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] فالحسنة وصف للعمل، والدرجة وصف للثواب، وفي الجنة مائة درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 15 اختصاص الأجر بالصلاة داخل مسجد الكعبة دون غيره السؤال فضيلة الشيخ: هل الصلاة في المسجد المجاور للحرم تعادل الصلاة في الحرم نفسه؟ الجواب الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، والمساجد المجاورة للمسجد النبوي لا يكون فيها ثواب المسجد النبوي، أما مكة فقد اختلف العلماء هل يحصل ثواب المسجد الذي فيه الكعبة للمساجد الأخرى أم لا، والصحيح أنه لا يحصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) فقوله: (إلا مسجد الكعبة) نصٌّ في أن الذي فيه هذا التفضيل هو مسجد الكعبة، ومعلوم أنك لو صليت في مسجد بالعزيزية مثلاً ما قال الناس هذا مسجد الكعبة، لكن الصلاة في الحرم أي فيما كان داخل حدود الحرم، أفضل من الصلاة في الحل، يعني: لو صليت في مسجد العزيزية أو العوالي أو ما أشبه ذلك، فهو أفضل مما لو صليت في مسجد في الرياض أو ما أشبهه، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بـ الحديبية وكان بعضها من الحرم وبعضها من الحل، (كان إذا حضرت الصلاة دخل إلى الحرم وصلى فيه) . الجزء: 37 ¦ الصفحة: 16 حكم قطع شيء من الحيوان لمصلحة راجحة له السؤال فضيلة الشيخ: عندنا نوع من الماعز السوري الشامي له آذان طويلة يزيد طول الأذن الواحدة عن ثلاثين (سنتمتر) بحيث إذا شربت من الماء وقع نصف أذنها في الماء، فإذا أكلت من العلف اتسخت أذنها بالعلف أو التبن، ثم إذا شربت أو أكلت من المعلف أدى ذلك إلى اتساخ الماء أو العلف وقد يسبب لها التهابات في أذنها، لهذا يقوم بعض الناس بقطع شيء من أذنها -النصف أو أقل- للأسباب السابقة، وهذا يسبب تجميلاً لها؛ ويزيد في سعرها، علماً بأن هذا العمل خالٍ من الاعتقادات الجاهلية، ومثل ذلك قص القرون لما فيه من الأذى ولما في قصها من جمال وزيادة في الثمن، لذا يقصونها أو يضعون عليها دواء منذ الصغر فلا ينبت القرن، وكذلك الخصي للتسمين وطيب اللحم، فما حكم هذه الأعمال، من قطع أذن وقرون وخصي الخرفان والتيوس، فنرجو الإجابة منكم وجزاكم الله خيراً؟ الجواب هذه ثلاثة أشياء كما جاء في السؤال، الأول: قطع الأذن، وقال السائل: إنه لا يريد بذلك ما يريده الجاهليون من البحيرة وشبهها إنما يريد ثلاثة أمور: الأول: منع الأذى أو المرض بطول هذه الآذان. الثاني: التجميل. الثالث: زيادة القيمة. وجوابنا على هذا أن نقول: لا بأس بذلك بشرط: ألا يكون في هذا ألم على البهيمة؛ لأن هذا الألم إذا لم يكن هناك سبب بين لا يجوز، فمن الممكن أن تبنج الأذن وتقطع، أو يعمل فيها عمل آخر بحيث لا تتأذى من القطع. وأما قطع القرون فهو أهون؛ لأن القرون كما قال السائل ربما يحصل فيها أذية، تنطح بها من عاندها. وأما الخصاء فهو أيضاً جائز إذا كان فيه مصلحة، ولكن يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تألم البهيمة. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 17 حكم جمع المسافرين وقراءة آية الكرسي عليهم السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض الأفعال يفعلها بعض الناس إذا خرجوا إلى البر، فهم يجلسون ثم يأتي أبوهم أو أحد الأشخاص يقرأ آية الكرسي والمعوذات، ثم يخط على المكان أو على البيت فما حكم هذا الفعل؟ الجواب سؤال الأخ يقول: إن بعض الناس إذا خرجوا في استراحة أو نزهة اجتمعوا، ثم خطوا عليهم خطاً، ثم قرأ عليهم كبيرهم من أب أو أخ أو غيرهما آية الكرسي، وهذا بدعة، ولم يكن هذا معروفاً في عهد السلف الصالح، والذي يشرع أن كل واحد منهم يقرأ آية الكرسي؛ لأن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فالسنة أن يعلَّموا ويقال: كل واحد منكم يقرأ آية الكرسي. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 18 حد الزاني المحصن السؤال فضيلة الشيخ: الزاني المحصن ما حده؟ الجواب الزاني المحصن حده الرجم بأن يقام أمام الناس ويرجم بحجارة لا هي كبيرة ولا صغيرة حتى يموت. السائل: لكن كيف يجاب عن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في مسلم أنه قال: (جلد مائة والرجم) ؟ الشيخ: يجاب عن ذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم خمسة ولم يجلدهم، فكأن الله سبحانه وتعالى خفف عن عباده؛ لأن حديث عبادة بن الصامت الذي يظهر من سياقه أنه أول ما جاء في الرجم من السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) لكن بعد ذلك رجم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع بين الجلد والرجم فيكون هذا نسخاً، أي أن الله تعالى نسخ الجمع بين الرجم والجلد. فإن احتج شخص بأن عدم ذكر الجلد في الحديث لا يدل على عدمه فهذه دعوى من أبطل الدعاوى، ففي قصة الأجير الذي زنى بامرأة مستأجرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) هل قال: اجلدها؟ لم يقل اجلدها! وكذلك في قصة ماعز قال: اذهبوا به فارجموه، ولم يقل اجلدوه، وكذلك في قصة الذميين اليهوديين، وإذا تنزلنا مع هذا وقلنا هو فعل، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم، يترك الجلد يدل على جواز الترك وأنه ليس بواجب. وأما فعل علي رضي الله عنه، فهو اجتهاد منه فقد قال: [جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله] والاجتهاد لا يمكن أن تعارض به السنة. لكن ليكن في ذهنكم أن ثبوت الزنا بالشهادة صعب، لا يأتي أحد ويزعم أنه رأى ذكر الزاني في فرج المرأة هذا صعب جداً، وكنا نقول في الماضي بجواز العمل بالصورة الملتقطة للزانيين، لكن تبين لنا أنه حتى الصورة لا يمكن العمل بها؛ لأنه يمكن أن تدبلج وهذا سهل، فالآن لما تقدم العلم في هذه الأمور صار كل شيء ممكن فكنا نقول في الأول: إذا وجدت الصورة بأن هذا الرجل يزني بامرأة فهذه بينة من أقوى البينات لكن تبين الآن أن المسألة فيها شك. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 19 حكم التضحية بشاتين إحداهما بنية التوزيع للجيران السؤال فضيلة الشيخ: إذا جاء وقت الأضحية أذبح شاتين؛ واحدة بنية الأضحية، وواحدة بنية توزيع اللحم لكي يتوفر اللحم في البيت وعلى الجيران، فهل أنا مصيب في هذا أم مخطئ؟ الشيء الثاني: الماعز التي قطعت أذنها وقرناها هل تكفي وتجزئ عن الأضحية؟ الجواب هذا سؤال طيب، أما بالنسبة للمسألة الأولى فالسنة أن يضحي الإنسان بواحدة عنه وعن آل بيته، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل، ونحن نعلم أن الرسول أكرم الخلق، ولكن اقتصر على واحدة، فالسنة خير؛ لكن لو زدت لهذا الغرض الذي ذكرت فلا بأس إن شاء الله. وأما ما يتعلق بمقطوعة الأذن ومقطوعة القرن؛ فالصحيح أنها جائزة مجزئة لكنها مكروهة؛ لأنها ناقصة الخلقة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن أي: نطلب شرفهما وكمالهما. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 20 الخشوع في الصلاة أهميته وسبله السؤال فضيلة الشيخ: ما أهمية الخشوع في الصلاة؟ وكيف يكون الإنسان خاشعاً في صلاته؟ الجواب أهمية الخشوع في الصلاة على وجهين: الوجه الأول: أنه كمال للصلاة، بل هو لب الصلاة، وروحها، والخشوع يعني: حضور القلب بحيث إن الإنسان يكون حال الصلاة وهو يقرأ ويركع ويسجد مستحضراً هذه العبادة العظيمة، فلا يفعل هذه الأشياء وقلبه في مكان بعيد. والوجه الثاني: أن الخشوع في الصلاة أكثر ثواباً، وقد امتدح الله عز وجل الذين هم في صلاتهم خاشعون. أما ما يعين على الخشوع فهو: أن الإنسان يفرغ قلبه إذا أقبل على الصلاة تفريغاً كاملاً، ويشعر بأنه واقفٌ بين يدي الله عز وجل، وأن الله عز وجل يعلم ما في قلبه كما يعلم تحركاته في بدنه، ليس كالملوك، يمكن أن تقف أمام الملك متأدباً بظاهرك وقلبك في كل مكان ولا يعلم، لكن الله عز وجل يعلم ظاهرك وباطنك، فاستحضر أنك بين يدي الله، وإذا قلت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] استحضر أن الله يجيبك؛ لأنه ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] ، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) . لو أننا استحضرنا هذه المحاورة مع الله عز وجل، هل يمكن أن تلتفت قلوبنا يميناً أو شمالاً؟ لكن المصلي في غفلة؛ فمن أكبر العون على الخشوع أولاً: أن يتعقد الإنسان أنه واقف بين يدي الله. ثانياً: أن يعتقد أن الخشوع من كمال الصلاة، وأن الإنسان ربما ينصرف من صلاته وما كتب له منها إلا نصفها أو ربعها أو عشرها. ثالثاً: أن يعتقد كثرة الثواب بالخشوع، فهذه من الأسباب أن الإنسان يستحضر ذلك، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثان) لماذا؟ لأن قلبه مشغول. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 21 حكم صلاة العيد السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة العيد، هل هي فرض كفاية أم فرض عين؟ وما الدليل على أنها فرض كفاية؟ الجواب صلاة العيد فيها أقوال ثلاثة للعلماء منها: أنها سنة؛ لأن الأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره عن الصلوات الخمس قال: (هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) . ومنهم من قال: إنها فرض كفاية، وقال إنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولهذا تفعل جماعة وتفعل في الصحراء، وما كان من الشعائر الظاهرة؛ فهو فرض كفاية كالأذان. ومنهم من قال: إنها فرض عين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها حتى النساء الحيض، وذوات الخدور، والعواتق أمرهن أن يخرجن إلى مصلى العيد، وهذا القول أقرب الأقوال، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنها فرض عين، لكن إذا فاتت لا تُقضى، يعني: لو جئت والإمام قد سلم فلا تقضيها؛ لأنها مثل الجمعة لا تقضى إذا فاتت، لكن الجمعة عنها بدل وهو الظهر؛ لأن الوقت هذا لا بد فيه من صلاة، وأما صلاة العيد فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لها بدلاً. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 22 عدم ثبوت قصة استئذان ملك الموت النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ: ذكرت بعض كتب التاريخ أن ملك الموت أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه على شكل أعرابي ما صحة هذا الكلام؟ الجواب هذا غير صحيح، كون ملك الموت أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه فهذا غير صحيح إطلاقاً، لكن ملك الموت أتى إلى موسى ليقبض روحه فضربه حتى فقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله عز وجل وقال: أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، فقال الله له: اذهب إلى موسى وقل له يضع يده على ظهر ثور، فما كان من تحت يده من الشعر فله مثله من السنوات، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت؛ لأنه كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] هذه السنوات لو نفرض أنها ألف سنة، أو أكثر فإنها تمضي على الإنسان وكأنها ساعة، الآن كلنا أعمارنا مختلفة لكن الذي عاش منا طويلاً والذي عاش منا قصيراً، كلنا سواء في الماضي كأنه لم يكن، ولهذا لما قال ملك الموت لموسى ثم الموت، قال: يا رب إذاً قربني من البلاد المقدسة، فقربه الله عز وجل من البلاد المقدسة، وقُبض هناك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قبره عند الكثيب الأحمر ولو كنت ثمَّ لأريتكم إياه) . أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأته ملك الموت ولم يستأذن منه، بل خطب صلى الله عليه وسلم في آخر حياته خطبة وقال: (إن عبداً خيره الله تعالى بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه) هكذا قال في آخر حياته، فبكى أبو بكر، فتعجب الناس كيف يبكي أبو بكر من هذه الكلمات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ورد، أما أن ملك الموت جاء يستأذنه فهذا غير صحيح. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 37 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [38] تكلم الشيخ في لقائه هذا على مسألة منتشرة بين الناس وهي مسألة التثبت في الأخبار، والنهي عن الإشاعة والتشهير، وخاصة بأولي الأمر من العلماء والأمراء، ووجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية، ثم أجاب عن أسئلة، منها: حكم اتباع سنة الخلفاء الراشدين، وبيان ضوابط التكفير. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 1 أهمية التثبت في الأخبار الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول في شهر جمادى الأولى من عام (1414هـ) والذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب الجميع على ما يقدمونه من بحث عن العلم والتعلم، ونبشركم جميعاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) فنسأل الله أن ييسر لنا ولكم ذلك بمنه وكرمه. نقول: إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الجاثية:7] والأفاك هو ذو الإفك، والإفك هو الكذب، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ومعنى ذلك: أن الإنسان الذي يحدث بكل ما سمع فإنه سيثقل كاهله بالكذب؛ لأنه ليس كل ما قيل وكل ما ينقل يكون صدقاً، بل كثير من الأخبار ولاسيما مع الانفعالات والعواطف يكون كذباً ويزاد فيه وينقص. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 2 وجوب التثبت عند سماع الإشاعات يجب على الإنسان إذا سمع عن شخص شيئاً أن يتأكد أولاً من صحة النقل، فقد يكون النقل خطأً، وهذا يقع كثيراً، وكثيراً ما نسمع مما ينسب إلى المشايخ أو الأمراء أو غيرهم من الناس، ثم إذا تحققنا منه وجدنا أنه كذب لا أصل له، وربما يكون له أصل لكن يزاد فيه، وهذه محنة عظيمة، فيجب أولاً أن نتحقق من صحة النقل، فإذا صح النقل، وأن فلاناً قال كذا، من أمير أو عالم أو وزير أو رجل عادي، فإننا نتأمل قبل أن نتحدث معه، نتأمل هل لكلامه وجهة نظر؟! هل هو اجتهاد يخطئ فيه ويصيب، وقد نكون نحن مخطئين وهو المصيب. نتأمل قبل أن نتجاسر على الكلام معه بإنكار ما نسب إليه أو ما أشبه ذلك، وكثيراً ما ينقل الشيء ويكون النقل صحيحاً، ونعلم أن هذا الرجل قاله أو فعله، ثم إذا تأملنا وجدنا أن له مبرراً ومسوغاً، وإذا كان له مبرراً أو مسوغاً -وإن كان يجهله كثير من الناس- فإنه ليس أهلاً للملامة أو أهلاً للإنكار؛ لأنه قاله عن اجتهاد، وليس الشخص منا ينزل عليه الوحي بحيث يكون ما قاله حقاً أو ما فعله حقاً، فإن الوحي انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تأملنا ما صح به النقل عنه، ووجدنا أن لقوله ولفعله مساغاً ومبرراً فإننا نسكت ولا نتكلم معه. فإذا تبين لنا أنه لا مساغ لقوله ولا مبرر له، أو لا مساغ لفعله ولا مبرر له حينئذٍ نتكلم ولكن كيف الكلام؟ هل يكون الكلام بأن نشهر بهذا الرجل عند الناس، ونقول: هذا فلان فيه كذا وكذا؟ لا. الواجب النصيحة بالحكمة بأن نذهب إليه ونقول: فعلت كذا أو قلت كذا، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يخالف قول الله عز وجل، كذا وكذا، أو قول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو إجماع العلماء على كذا وكذا، فكيف تقول ذلك أو تفعل ذلك؟ الجزء: 38 ¦ الصفحة: 3 النهي عن التشهير وبيان خطره ولا يجوز إطلاقاً أن نشهر به، لاسيما إن كان من العلماء أو كان من الأمراء؛ لأنك إذا شهرت بخطأ عالم من العلماء فأنت في الحقيقة أسأت إليه شخصياً كما تسيء إلى سائر الناس، ولكنك أضفت إلى هذه الإساءة إساءة إلى العلم الذي يحمله والشريعة التي يتكلم بها، فإن العلماء إذا سقطوا من أعين الناس، لم يبق لقولهم ميزان ولم يثق الناس بقولهم، وحينئذٍ يذهب جزء من الشريعة على يد هذا العالم الذي أخطأ مرةً واحدة، ولا أحد معصوم من الخطأ فتضيع بالتشهير به مصالح كثيرة، وهذه جناية عظيمة ليس على الشخص نفسه بل على الشخص وما يحمله من شريعة الله عز وجل كما هو معلوم، وإذا كان هذا مع الأمير وشهرت به فأنت أسأت إليه شخصياً كما تسيء إلى سائر الناس، وأسأت إلى الأمن مرة أخرى، وذلك لأن حُفّاظ الأمن هم الأمراء ومن جُعل لهم سلطة العقوبة والتنفيذ، فإذا شهرت بهم قَلَّت هيبتهم في نفوس الناس، وصاروا كعامة الناس لا أحد يهتم بهم، لا بأوامرهم ولا بنواهيهم، وحينئذٍ يختل الأمن ويحصل التمرد، فكان التشهير بالعلماء يستلزم التمرد على الشريعة التي يحملها هذا العالم ويتكلم بها، والتشهير بالأمراء يستلزم التمرد عليهم وانقضاض البنية التي يبنى عليها المجتمع من الأمن وانفلات الأمر، وهذه جناية عظيمة كبيرة، ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] . فمن هم أولو الأمر؟ أولو الأمر طائفتان من الناس: العلماء هم أولو الأمر في شريعة الله وتبيينها للخلق، والأمراء هم أولو الأمر في تنفيذ الشريعة وحفظ الأمن، أوجب الله طاعة هؤلاء؛ لأجل حفظ الشريعة وحفظ الأمن وانتظام الناس؛ لأن الناس لو تمردوا عليهم وجعلوا أمر الأمير أو أمر العالم كأمر زيد وعبيد لم يكن لهم سلطة على القلوب ولا على النفوس، وصاروا كعامة الناس، إن قالوا فالإنسان بالخيار إن شاء قبل ما قالوا وإن شاء رده، وإن أمروا فالإنسان بالخيار إن شاء أطاع وإن شاء عصى، وإلا فله الخيار إن شاء انتهى وإن شاء فعل، وهذه من كبار المسائل، ولهذا قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ما قال: وليطع بعضكم بعضاً، قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فخص ولاة الأمور. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 4 حكم طاعة ولاة الأمر بالمعروف وإن كانوا عصاة إذا أمروا بمعصية الله -مثلاً- كما لو قالوا للناس: لا تصلوا مع الجماعة، أو قالوا للناس: اشربوا الخمر، افعلوا كذا من الأشياء المحرمة، أو اتركوا شيئاً من الأشياء الواجبة، فهؤلاء لا يطاعون ولا سمع لهم ولا طاعة، فإذا أمرونا بالمعصية قلنا: لا. لكن لو فعلوا المعصية هل لهم أمر علينا؟ الجواب نعم. لهم أمر علينا وإن فعلوا المعصية، لو كانوا يعصون فلهم أمرٌ علينا وطاعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة ولاة الأمور حتى وإن رأينا منهم ما نكره، وأمر بطاعة ولاة الأمور حتى وإن ضربوا الظهر وأخذوا المال، وكونهم يعصون الله فمعصيتهم عليهم، لكن إذا أمرونا مباشرة وقالوا: افعلوا هذه المعصية أو اتركوا هذا الواجب، قلنا لا سمع ولا طاعة، وما يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بأمر، فقال بلال رضي الله عنه: لا سمع ولا طاعة؛ لأن عليك ثوباً جديداً أو ثوبين، فإن هذا لا أظنه يصح؛ لأن عمر له من الهيبة ما لا يمكن لـ بلال أن يتكلم بمثل هذا أمام الناس، ثم إن بلالاً رضي الله عنه عنده من احترام عمر ما لا يمكن أن يتكلم بمثل هذا أمام الناس، ثم لو فرضت صحته مثل الشمس، فلعل بلالاً قال ذلك؛ لأن من الناس من انتقد عمر في هذا الفعل، فأراد بلال من عمر رضي الله عنه أن يبين السبب الذي جعله يلبس ثوباً جديداً أو ثوبين، حتى يزول الإشكال الذي وقع في قلوب بعض الناس. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 5 واجبنا تجاه الأخبار المشاعة أما أن يعلن إنكاره أمام الملأ فهذا بعيد جداً، ولكن إن صح فوجهه ما قلت: لعله سمع من يتكلم بهذا الكلام فأراد أن يبرأ ساحته مما يتكلم الناس به. على كل حال يجب علينا إزاء ما نسمع من الأخبار أمور ثلاثة مرتبة: الأمر الأول: التثبت. الأمر الثاني: التأمل. الأمر الثالث: المواجهة والنصيحة، دون التشهير والإعلان، ولاسيما إذا كان الإنسان من ولاة الأمور من عالم أو أمير أو نحو ذلك. وبهذا نسلك سبيل السلف الصالح رضي الله عنهم ويحصل الخير الكثير، وهذا لا يُفَوِّتُ شيئاً، فبدلاً من أن تنكر اليوم تثبت وتأمل ثم أنكر غداً أو بعد غد. نحن نقول: تثبت وتبين لكن بهدوء وخطوات ثابتة متزنة مبنية على الحجة: المنقول والمعقول، وبهذا تتم الأمور وتصلح الأحوال. نسأل الله تعالى أن يجمع قلوبنا على طاعته وتقواه، وأن يوحد كلمتنا بالحق، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 38 ¦ الصفحة: 7 حكم اتباع سنة الخلفاء الراشدين السؤال هل للخلفاء الراشدين الأربعة سنة متبعة؟ وهل المقصود بحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. ) الخلفاء الأربعة أم يشمل غيرهم من الخلفاء، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب الخلفاء الأربعة هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي باتفاق المسلمين وهم خلفاء راشدون لا شك، ولاسيما أبو بكر وعمر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) وقال: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) ولهم سنة متبعة لا شك في هذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مقدمة على سنتهم إذا ثبتت السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة بقول واحد منهم، ولا بقول جميعهم! مع أن هذا قد يكون مستحيلاً أن يتفقوا جميعاً على مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. أما أن تخفى على بعضهم السنة فهذا قد يقع، فهذا حديث الطاعون حين سافر عمر بن الخطاب إلى الشام وفي أثناء الطريق قيل له: إن هناك طاعوناً، فتوقف رضي الله عنه واستشار الصحابة الذين معه من المهاجرين والأنصار، ولم يكن عند أحدهم أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن استقر الرأي على أن يرجع إلى المدينة وألا يخاطر بالمسلمين، فأذن بالرحيل، فجاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح) وكان عمر بن الخطاب يجله ويقدره، حتى قال حين طعن: لو كان أبو عبيدة حياً لجعلته خليفة من بعدي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعله أمين هذه الأمة، فقال: [يا أمير المؤمنين! كيف ترجع أتفر من قدر الله؟ قال: نعم، أفر من قدر إلى قدر الله!] أي: إن ذهبت إلى الشام فبقدر الله، وإن رجعت إلى المدينة فبقدر الله، ثم ضرب له مثلاً قال: [لو كان لك إبل في وادٍ له عدوتان -أي: شعبتان- إحداهما مخصبة والثانية مجدبة، بأي العدوتين ترعاها؟ قال: بالمخصبة، قال: أبقدر الله؟ قال: نعم، قال: إذاً تركت المجدبة بقدر الله، ورعيت المخصبة بقدر الله] وفي أثناء ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وكان قد ذهب في حاجة له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون: (إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فراراً منه) ولا شك أن مثل هذا يُسَرُّ به أمير المؤمنين ويُسَرُّ به المؤمنون جميعاً، فالحاصل أن السنة قد تخفى على بعض الخلفاء، فيقول قولاً أو يفعل فعلاً يخالفها من غير قصد منه، لكن كون الأربعة يتفقون على مخالفة السنة هذا بعيد ولا أذكر له مثالاً، وإن كان! فإذا تعارضت سنة أي شخص من هذه الأمة مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالواجب تقديم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 8 حكم الغائب عن زوجته السؤال امرأة تزوجت رجلاً، وهذا الرجل سافر إلى بلد آخر، وغاب عنها سنين، ولا تدري هذه المرأة إن كان زوجها حياً أو ميتاً، فهل تطلق منه أو تنتظره؟ الجواب هي بالخيار، إن شاءت رفعت القضية إلى المحكمة وطلبت الفسخ ولها أن تفسخ، وإن شاءت بقيت في عصمته حتى يُنظر في أمره. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 9 ضوابط تكفير أهل البدع السؤال فضيلة الشيخ: أنقل إليك سلام شباب الرياض، وخاصة شباب النسيم وحي النظيم، والسؤال يا شيخ: ما هو ميزان تكفير المبتدع؟ الجواب أقول: عليك وعليهم السلام، ومسألة التكفير مسألة كبيرة عظيمة، أشد من التحليل والتحريم؛ لأن التحليل والتحريم لا يؤدي إلى استباحة الدم والمال، والتكفير يؤدي إلى استباحة الدم والمال؛ لأنك إذا قلت: هذا كافر، معناه: أنه مرتد، فإما أن يعود إلى الإسلام، وإما أن يقتل ويستباح ماله، فالمسألة كبيرة، ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يحفظ لسانه عن قول: فلان كافر، أو فلان مشرك، أو ما أشبه ذلك، والتكفير لا بد فيه من شرطين: الشرط الأول: أن نتحقق من الكتاب والسنة أن هذا الشيء كفر، فإذا لم نتحقق فلا يجوز أبداً أن نقول: إنه كفر، لابد أن نتحقق أنه كفر. الشرط الثاني: أن نتحقق أن هذا الوصف الذي رتب الشرع عليه الكفر قد اتصف به هذا الرجل بحيث تكون الحجة قد قامت عليه، وفهمها ولكنه أبى واستكبر، وقال كما قال أسلافه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] فإذا وجدنا رجلاً مبتدعاً سواءً كان من المقلدين العامة أو ممن فوقهم لكنه ليس مجتهداً في بدعته داعياً إليها، فإننا لا نكفره حتى تقوم عليه الحجة، ويُبيّن له الأمر، فإذا بُيَّن له الأمر فحينئذٍ نحكم بما تقتضيه دلالة الكتاب والسنة، لكون هذه البدعة مكفرة أو غير مكفرة، فالمسألة خطيرة. واعلم أنه ربما يكون القول كفراً أو الفعل كفراً والقائل أو الفاعل ليس بكافر، ولعله قد بلغكم من قصة الرجل الذي أضل راحلته في أرضٍ فلاة ضاعت منه، وعجز أن يلقاها وعليها طعامه وشرابه، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فإذا بزمام الناقة معلق بالشجرة فأخذه، ومن شدة الفرح قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، هذه الكلمة كفر، لكنه أخطأ من شدة الفرح، فلم يكن عليه شيء، والرجل يُكره على الكفر ولا يكفر كما قال الله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] . إذاً هو يكفر ومع ذلك يرفع عنه حكم الكفر، من أجل الإكراه والخطأ، والرجل العاصي الذي كان قد أهلك نفسه بالمعاصي، قال لأهله: إذا مت فأحرقوني وذروني في اليم، خاف من قدرة الله عليه أن يعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعل أهله ذلك به أحرقوه وذروه، فجمعه الله عز وجل بقدرته كن فيكون، وسأله: لِمَ فعلت؟ قال: يا رب خوفاً من عقابك، فغفر الله له، مع أن الرجل شك في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكن هذا الرجل لم يشك في قدرة الله تعالى استهانة بالله، لكن خوفاً من الله عز وجل أن يعاقبه فظن أنه إذا فعل ذلك سوف ينجو. فعلى كل حال أنا أدعوك أنت أيها السائل! وأدعو أيضاً غيرك أن يتريثوا في إطلاق كلمة الكفر، حتى يتبين من الكتاب والسنة أن هذا كفر، ثم يتبين أن هذا الوصف ينطبق على هذا الرجل بعينه، ثم يحكم بما تقتضيه الشريعة الإسلامية وكما لا يجوز أن نقول: هذا حلال وهذا حرام إلا بإذن من الله، كذلك لا يجوز أن نقول: هذا كفر، أو ليس بكفر إلا بإذن الله. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 38 ¦ الصفحة: 10 لقاء الباب المفتوح [39] ألقى الشيخ رحمه الله الضوء على آيات من أول سورة الطارق، فذكر ضمن هذا اللقاء معنى الطارق وأنه النجم، وسمي طارقاً لأنه لا يظهر إلا ليلاً تشبيهاً له بالقادم ليلاً، وذكر عظم هذا القسم وتأكيد الله له، ثم بين المقسم عليه (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) أي: ما كل نفس إلا عليها حافظ، ثم شرح مدلول هذه الآية، وأجاب عن الأسئلة. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطارق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا اللقاء الثاني لشهر جمادى الأولى عام (1414هـ) ، الذي يقام أسبوعياً في كل خميس، نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل عملنا جميعاً خالصاً لوجهه الكريم نذكر الكلام على قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:1-4] . الجزء: 39 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق) هذه آيات كريمة تتضمن القسم بالسماء وبالطارق. أما السماء فهي معروفة، وأقسم الله سبحانه وتعالى بها لعظمتها وقوتها واتساعها وارتفاعها، ودلالتها على قدرة خالقها جل وعلا، وما له من العظمة والقوة والحكمة التي تبهر العقول، قال الله تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ، وقال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:32] والآيات في ذكر السماء وما تتضمنه من الدلالة على قدرة الله وقوته وعظمته وحكمته كثيرة في كتاب الله، ولهذا كانت جديرة بأن يقسم الله تعالى بها. أما القسم الثاني فهو الطارق، أقسم الله تعالى بالطارق وهو النجم، وسمي طارقاً لأنه لا يتبين إلا بالليل، والطارق في اللغة العربية هو القادم ليلاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً) ، فسمي النجم بذلك؛ لأنه لا يتبين ضوؤه إلا في الليل، وليس هذا الوصف خاصاً بالثريا ولكنه عامٌ لكل نجم، سواء كان نوره قوياً أو كان نوره خفياً، وأقسم الله تعالى بالنجوم لأنها زينة للسماء، ورجوم للشياطين التي تسترق السمع، وعلامات يهتدى بها كما قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] وقال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:15-16] . فبالنجم يهتدي الخلق إلى الجهات الأربع؛ الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، ويهتدون أيضاً إلى اتجاه القبلة، كما يعرف ذلك من يمارس هذا الاستدلال، وإن كان الناس في عصرنا هذا -نظراً لوجود الآلات التي تبين هذا بدون كلفة ولا مشقة- قد غفلوا عن هذه العلامات، ولكنها لا تزال موجودة يعرفها من تتبعها وشاهدها وسبر سيرها. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب) قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} [الطارق:2] هذا استفهام تفخيم. أي: أيُ شيء أعلمك بهذا الطارق الذي هو النجم؟ ثم بين عز وجل مراده بقوله: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] أي: هو النجم الثاقب الذي يثقب الظلام بضيائه، مأخوذٌ من ثقب المسمار للخشبة، فهو يشق الظلام حتى يصل بنوره إلى الأرض، وهذا لا يتبين في وقتنا الحاضر في المدن؛ لأن الأرض مملوءة بأنوار الكهرباء، ولكن لو خرجت إلى البر بعيداً عن مواضع الكهرباء لرأيت إضاءة النجوم على الأرض ظاهرة، ويتبين ظهورها فيما إذا أظلمت السماء بالغيوم، حيث تكون الأرض مظلمةً أشد، ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى النجم بالثاقب؛ لأنه يثقب الظلام بضيائه، أي يخرقه حتى يصل إلى الأرض. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ) ثم بين الله المقسم عليه بقوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4] (إن) هنا بمعنى (ما) وإذا جاءت (إلا) بعد (إن) فإن (إن) بمعنى (ما) ، أي: ما كل نفس، (ولما) هنا بمعنى (إلا) أي: ما كل نفس إلا عليها حافظ، أو كل نفس عليها حافظ، كما قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] وكل نفس عليها حافظ يكتب ما يفعله الإنسان؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12] ، وإنما أخبرنا الله عز وجل بذلك وأقسم عليه مؤكداً له من أجل أن نحذر، وأن نتجنب كل ما يكتب علينا من المعاصي؛ إما بتركه من الأصل، وإما بالتوبة منه إن وقع منا، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فالمؤمن إذا علم أن عليه حافظاً يكتب ما يقول ويفعل؛ فإنه لا شك يحذر ويخاف أن يكتب عليه ما يفعله من المعاصي والمخالفات، كما قال الله تبارك وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] . الجزء: 39 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 39 ¦ الصفحة: 6 حكم عطية الوالد لولده دون إخوانه السؤال أعطاني أبي قطعة من الأرض، ولي أشقاء أحياء، علماً بأنني قد بنيت له بيتاً قبل ذلك، فربما أعطاني هذه الأرض مكافأة لي على البيت الذي بنيته له، فهل هذا الفعل يجوز؟ وهل ترد هذه الأرض للورثة بعد وفاة والدي؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب الأصل أنه لا يحل للوالد أن يعطي أحداً من أبنائه أو بناته شيئاً إلا إذا أعطى الآخرين مثله؛ لأن بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النعمان بن بشير عطية، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على عطية ابنه، فقال له: (ألك بنون؟ قال: نعم. قال: أنحلتهم مثل هذا؟ قال: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال له أيضاً: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فلا يجوز للأب أن يخص أحد أولاده من بنين أو بنات بشيء إلا إذا أعطى الآخرين مثله، أو إذا سمحوا وطابت نفوسهم عن اختيار ورضا وهم راشدون، فإن هذا أيضاً لا بأس به، وإلا إذا كان عطاء لدفع حاجة النفقة أو حاجة الزواج، مثل أن يكون أحدهم غنياً ولا يحتاج إلى نفقة أبيه، والثاني فقيراً يحتاج إلى نفقة أبيه، فينفق على هذا الفقير بقدر حاجته، فإن ذلك جائز وإن لم يعط الآخر الغني، وكذلك لو احتاج أحد الأبناء إلى زواج فزوجه؛ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا لزواجه، ولكن يجب عليه إذا بلغ الآخرون سن الزواج وأرادوا أن يتزوجوا أن يزوجهم كما زوج الأول. وبهذه المناسبة أشير إلى مسألة يفعلها بعض الناس، وهي: أنه يكون له أولاد بلغوا سن الزواج فيزوجهم، ويكون له أولاد صغار ولم يبلغوا سن الزواج، فيوصي لهم بعد الموت بمقدار ما أعطى إخوتهم، فإن هذه الوصية حرام وباطلة، وذلك لأن تزويجه للكبار كان دفعاً لحاجتهم، وهؤلاء الصغار لم يبلغوا سناً يحتاجون فيه للزواج، فإذا أوصى لهم بعد موته بمثل ما زوج به الآخرين فإن ذلك حرام ولا يصح ولا تنفذ الوصية. أما ما ذكره الأخ السائل من أن الأب منح ابنه أرضاً لكونه بنى لأبيه بيتاً، فإنه ينظر إذا كان الأب منحه هذه الأرض ونيته بذلك مكافأة على بناء البيت، أي أنه من الأصل لم يقبل تبرع ابنه ببناء البيت إلا بمكافأة، فكافأه بهذه الأرض وهي تقابل بناء البيت؛ فإن هذا لا بأس به، كما لو اشترى منه حاجة وأوفاه ثمنها. وأما إذا كان الأب قد قبل تبرع الابن ببناء البيت، ولم يكن يخطر على باله أن يكافئه؛ فإنه لا يحل له أن يعطيه أرضاً دون إخوته، وإذا قدر أنه أعطاه فإنه يجب عليه في حياته أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه، أو يرد الأرض وتكون من جملة المال الذي يورث من بعده، فإن مات قبل ذلك فإن سمح الأولاد بهذه العطية فهي ماضية نافذة، كما لو سمحوا بها في حياته، وإن لم يسمحوا بها فإنها ترد في الميراث، وتورث من جملة ماله، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا مات الأب قبل أن يردها فإنها تكون لمن أعطيت له، ويكون بذلك آثماً، ولكن ما ذكرناه أولاً، وهو أنه يجب على المعطى أن يردها إذا لم يسمح إخوته بذلك هو الصواب؛ إبراءً لذمة الميت، وإحلالاً للمال من جهة الحي. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 7 حكم لبس الساعات المطلية بالذهب السؤال فضيلة الشيخ: بعض الساعات تكون مطلية بالذهب، فما حكم لبسها؟ الجواب الساعات المطلية بالذهب لا يحل لبسها للرجال إذا كان الذهب كثيراً، بحيث يجتمع منه شيء لو عرضت على النار، ويعرف هذا الصاغة. أما إذا كان مجرد لون فلا بأس بلبسها للرجال، لكني أنصح بعدم لبسها؛ لأنه إذا لبسها اتهم بأنه يلبس الذهب، وصار ذلك سبباً للقدح فيه، أو إذا كان ممن يقتدى به فإنه ربما يغتر به أحد ويلبس ساعات الذهب الخالصة. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 8 ضابط العذر بالجهل السؤال فضيلة الشيخ: ما الضابط في العذر بالجهل في أمور العبادات؟ وهل كل من جهل شيئاً من أمور العبادات -وخاصة في المسائل الاجتهادية- يسقط عنه ما يترتب على تركه لهذا الأمر بسبب جهله؟ الجواب العذر بالجهل ثابت بالقرآن والسنة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تبارك وتعالى: قد فعلت، ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] أي: ما تعمدت قلوبكم فعله على وجه مخالفة الشرع. وكذلك في السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة قضايا تدل على العذر بالجهل، منها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء. ومنها: حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، حين أصبح صائماً فكان يأكل، وكان قد وضع تحت وسادته عقالين أحدهما أبيض والثاني أسود، وجعل يأكل حتى تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، فأمسك، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل، وليس بياض الخيط الذي هو الحبل الأبيض من الأسود، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] وهذا يدل على أنه إذا لم يكن ثمة رسل فإن لهم الحجة على الله، وكذلك لو كان لهم رسل ولكن لم يعلموا بذلك؛ لأنه لا فرق بين ألا يكون له رسول، وبين أن يكون له رسول لم يعلم به، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] والآيات في هذا المعنى عديدة. ولهذا نقول: كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته. ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً، ولهذا كان القول الراجح أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظناً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظناً منه أن الجماع حلال، فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها. فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 9 البهاق من عيوب النكاح السؤال هل البهاق اليسير من عيوب النكاح؟ يعني: لو وجد الرجل في زوجته بهاقاً فهل يعد عيب؟ الجواب نعم. هو عيب لا شك؛ لأن الإنسان ينفر من هذا، ولا يمكن أن يركن إلى زوجته إلا أن يشاء الله، وهو عيب سواء في الرجل أو في المرأة، حتى الرجل لو كان به بهاق، وتزوجت المرأة منه غير عالمة به؛ فإنه عيب لها أن تفسخ النكاح به، ولكن إذا كان هذا البهاق مما يمكن معالجته؛ فإن الأولى والأفضل الصبر حتى ينظر هل يبرأ بالمعالجة أو لا يبرأ؛ لأن الفراق والطلاق ليس بالأمر السهل، أما إذا تعذر برؤه فإنه عيب. والحاصل أن البهاق عيب يثبت به الفسخ سواء كان في الرجل أو في المرأة، ولكن إذا كان في الرجل فللمرأة الفسخ، فتطلب أن يفسخ النكاح فتفسخ النكاح وتتزوج غيره، لكن إذا كان في المرأة فالرجل معلوم أنه يجوز أن يفارق زوجته بالطلاق، لكن فائدة قولنا إنه له الفسخ: أنه إذا فسخ من أجل هذا العيب فله أن يسترد الصداق ممن غره. وأما من جهة الإثم فالرجل يأثم والمرأة تأثم إذا كان فيهما هذا العيب أو غيره من العيوب التي تمنع كمال الاستمتاع ولم يخبر صاحبه، فإن كتمانه لا شك أنه محرم، وهو من الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 10 حكم رقص الرجال على الطبول بأسلحتهم السؤال فضيلة الشيخ: إننا نحبك في الله عندنا في مناطقنا هناك في الجنوب في الأعراس يحصل رقص للرجال على الطبول بأسلحتهم، فهل هذا جائز؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك، اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام ومنها الطبول، ولا يحل منها إلا ما ورد الشرع به، والذي ورد به الشرع هو الدف، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتاده إلا النساء، يضربن بالدف؛ والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن، ويكون أحد جانبيه مستوراً بالجلد الذي يكون له الصوت، أي: أنه مفتوح من جانب ومختوم بالجلد من جانب، هذا هو الذي وردت به السنة. أما الرقص للرجال فإنه لا يجوز؛ لأن الرقص من عادات النساء وليس من عادات الرجال، وأما اللعب بالسلاح بالبنادق والسيوف وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طبول فهذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم، لكن بدون رقص. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 11 هجر الرجل امرأته للتأديب السؤال رجل عنده امرأة وقد هجرها في الفراش لتأديبها، السؤال: كم مدة الهجر في الفراش، خاصة إذا كانت المرأة لا يفيد فيها هذا الهجر؟ الجواب ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ثلاث مراحل، فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:34] ، وهذا أول ما يبدأ به الإنسان امرأته حين يخاف نشوزها، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] هذه المرحلة الثانية، {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] هذه المرحلة الثالثة، فإذا لم يفد بها الهجر فإنه يضربها، لكن ضرباً غير مبرح، أي: غير مؤلم ولا موجع؛ لأن المقصود هو التأديب، ولكن لا يلجأ إلى الضرب إلا في الحالات القصوى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر أن يجلد الرجل امرأته جلد العبد ثم يضاجعها؛ لأن هذا شيء غير مستساغ بمقتضى الطبيعة، فكيف تألف المرأة رجلاً ضربها قبل ساعات ثم الآن يضاجعها! هذا بعيد في النفوس والفطر، لهذا لا يلجأ إلى الضرب بعد الهجر الذي لم يفد إلا في حالة الضرورة القصوى، فإن صلحت الحال بعد الضرب وإلا فيُحَكَّم حكمان: حكم من أهله وحكم من أهلها، ويصلحا بينهما، ويجب على هذين الرجلين أن يتقيا الله عز وجل، وأن يأخذا بالعدل، وأن يريدا الإصلاح، وقد قال الله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً} [النساء:35] أي: الزوج والزوجة والحكمان: {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] . الجزء: 39 ¦ الصفحة: 12 حكم القسم بما أقسم الله به السؤال في بداية تفسير قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق:1] قلتم: إن الله عز وجل أقسم بالسماء، فنحن عند القراءة نقول: والسماء، فهل هذا يُعتَبر قسماً منا بغير الله؟ الجواب تلاوة القرآن تلاوة لكلام تكلم الله عز وجل به. أما إذا أردتُ أن أقسم فقلتُ: والسماء والطارق إن فلاناً حضر كان هذا حراماً؛ لكن إذا تلوته فأنا أُخبر بما أقسم الله به، لكن لو أردتُ أن أقسم من جديد وأقول: والسماء والطارق إن فلاناً حضر كان هذا حراماً؛ لأن الحلف بغير الله شرك، لكن إذا تلوته فأنا أخبر بما أقسم الله به. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 13 حكم سب الدهر وهل منه حديث: (الدنيا ملعونة) ؟ السؤال فضيلة الشيخ! هل هناك تعارض بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر فأنا الدهر) وبين قوله في حديث آخر: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها. ) إلى آخر الحديث؟ الجواب أولاً: الحديث الثاني الذي ذكرت في صحته نظر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قدر أنه صحيح فإن هذا لا ينافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الدهر) لأن هذا خبر، والسبّ يقصد به اللوم والعيب والعتب على المسبوب، ومعنى كونه خبراً: أن الدنيا ليس فيها خير، لا هي ولا ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم، وفرق بين الخبر والإنشاء، وأما السب ففيه إنشاء، إنشاء اللوم والقدح للمسبوب، وأما الخبر فهو خبرٌ عن حال الشخص أو عن حال الشيء، كقول لوط عليه الصلاة والسلام: ((هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) [هود:77] ، هو لم يُرد أن يسب هذا اليوم ويقدح فيه، لكنه أراد أن يخبر بأنه يوم شديد عليه، فيجب الفرق بين الإنشاء والقدح والذم وبين مجرد الخبر، وهذا حسب نية الإنسان، لكن الغالب في قول القائل: لا بارك الله في هذا اليوم، وقول القائل: لا بارك الله في الساعة التي أتت بك، هذا في الغالب يراد به السب، فلينتبه اللبيب للفروق الدقيقة. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 14 حكم اعتقاد ضرر الطيب على الجروح وهل هو من شرك الأسباب السؤال فضيلة الشيخ! بعض طلبة العلم يقول: إن الطيب لا يؤثر على الجروح؛ لأن هناك دراسة أثبتت أن الطيب ليس له أثر على ألم الجرح أو انتفاخه، ولكن من اعتقد أن الطيب يضر فإنه يُوكَل إلى ما اعتقد، وبذلك يقع في شرك الأسباب، فهل هذا صحيح جزاك الله خيراً؟ الجواب نحن نقول في هذا الأمر قاعدة مفيدة وهي: إن الشيء لا يثبت حكمه إلا عن طريق الوحي، أو عن طريق التجارب، ففي قوله تعالى عن النحل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69] علمنا بأن فيه شفاء عن طريق الوحي، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء: (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت) عرفنا ذلك عن طريق الوحي. والطريق الثاني: التجارب، وهذا يكون معلوماً بالحس، والمعلوم عند الناس بالتجارب أن الجرح قد يتأثر بنوع من الطيب ليس بكل الأطياب، وهذا الشيء عندهم مجرب متعارف، وأنه بمجرد ما يحصل هذا الطيب عند المريض بالجروح تتفطر الجروح وتتورم، كما لو علمنا -مثلاً- أن تناول هذه الأعشاب مسهل للبطن أو موجب للقبض بالتجارب، فكل الأدوية الآن المصنوعة والموجودة عند الناس التي لم ينزل فيها وحي، كلها علمت بالتجارب، فالذي أعرف أن الجروح تتأثر ببعض الأطياب، والدليل على هذا أنهم يحتاطون، فيشرب الإنسان شيئاً من المر أو يضعه في أنفه، حتى لا تدخل الرائحة إلى مسام البدن. فما علمنا أنه سبب حسي فإنه لا بأس أن نعتمده سبباً، وليس هذا من الشرك، أما الذي يكون بمجرد الأوهام فهذا لا أثر له، ولا يجوز أن نعتمده سبباً. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 15 حكم غسل الجمعة وحكم التسول السؤال فضيلة الشيخ: ما التحقيق في حكم غسل الجمعة، وهل حكمه الوجوب أو الاستحباب؟ وإذا كان القول بالوجوب هو المعتمد فهل يأثم من تركه؟ ثم إننا نلاحظ ظاهرة التسول في المساجد، فما موقفنا بالنسبة للمتسولين هل نمنعهم منعاً باتاً، أو نكون على حذر منهم، أو نتبين حالهم؟ ما هو التحقيق في هذا أدام الله النفع بكم؟ الجواب هذان سؤالان: الأول: عن غسل الجمعة، والقول الصحيح في غسل الجمعة أنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ونحن نعلم أن أبلغ الناس في التعبير وأفصحهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يطلق على شيء ليس بواجب أنه واجب، ونعلم أيضاً أن أنصح الناس في بيان مراده وهداية الخلق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول: (واجب) وهو يريد غير واجب؛ لأنه لو أراد أنه غير واجب صار في هذا تلبيس على المخاطب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك مبرأ منه، وهو أشد وأنصح الناس للخلق، ثم إنه قيده بوصف يقتضي الإلزام وهو قوله: (على كل محتلم) ، أي على كل بالغ، والبالغ هو أهل الإلزام؛ لأن غير البالغ لا يلزم بشيء، فالصحيح أنه واجب. وأما ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا قلنا: إنه واجب؛ فإنه يأثم بتركه، ولكن هل تصح الجمعة مع تركه؟ الجواب: نعم. تصح مع تركه؛ لأن هذا الغسل ليس عن جنابة حتى نقول: إن الجمعة لا تصح، ويدل لصحتها قصة عثمان رضي الله عنه حين دخل وأمير المؤمنين عمر يخطب الناس يوم الجمعة، فلامه على ذلك فقال: [والله -يا أمير المؤمنين! - ما زدت على أن توضأت ثم أتيت. فقال له عمر: والوضوء أيضاً؟] أي: كيف تقتصر على الوضوء وتترك الغسل؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فلامه على ترك الاغتسال أمام الناس، وأذن له أن يصلي الجمعة، ولو كانت لا تصح لقال: اذهب واغتسل. أما موضوع التسول، فالواقع أن الناس يفسد بعضهم على بعض، فمن المتسولين من يتسول -والعياذ بالله- وهو في غنى، وهذا يصدق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم) فإذا علمت أنه غني وجب عليك أن تطرده، وأن تبين للناس غناه حتى لا يغتروا به، وإذا غلب على ظنك أنه غني فلا تعطه، وانصحه، وإذا شككت في الأمر فكِلْ أمره إلى الله، ولا يلزمك أن تقابله بشيء. ولكن يبقى النظر أن من المتسولين من يقوم أمام الجماعة، ويتكلم بصوت مرتفع، ويشوش على الناس أذكارهم بعد الصلاة، وقد يستمر في الكلام حتى يشوش بكلامه على من أراد أن يتنفل، فمثل هذا يُمنع ويقال له: اخرج إلى باب المسجد من الخارج. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 16 حكم تأجير البيوت لمن لا يصلون السؤال لدي بيوت تأجير كثيرة، وسبق أن أجرتها عمالاً لمدة سنة، وهؤلاء العمال لا يصلون وعندهم بعض المنكرات، وبعد انتهاء العقد أخرجتهم منها، والآن البيوت مغلقة، وأنا بحاجة إلى تأجيرها، ولا يوجد لدينا سوى هؤلاء العمال؛ لأنها بيوت قديمة، ولا تؤجر للعوائل، فهل يجوز تأجيرها لهم؟ الجواب لا بأس أن تؤجرها هؤلاء، وانصحهم بالبعد عن المعاصي التي تراها منهم وعن ترك الجماعة، وإذا قلنا: لا بأس بالنسبة للتأجير فلا بأس بالأجرة، وربما نقول: إذا كان في عدم تأجيرهم ردع لهم عن المعاصي وحث لهم على الصلاة مع الجماعة، فقد يقال بمنع تأجيرهم من أجل إصلاح حالهم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 17 عدد الرضعات التي تحرم الزواج السؤال ابنة عمي وأنا ولد عمها، رضعت معها من جدتي أم أمي وأم أمها، مرتين فقط، فهل تحل لي أو أخواتها؟ الجواب تحل لك هي وأخواتها مادام الرضاع مرتين، فالرضاع إذا كان مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فإنه لا يؤثر، وإذا صار خمساً، ورضعت أنت من جدتك خمس مرات صرت أخاً لخالاتك، فيكون بنات خالاتك محرمات عليك؛ لأنك خالهن من الرضاع. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 18 ضابط الإنكار بالقلب السؤال هل الرجل الذي يرى المنكر فينكر بقلبه ثم يسكت عنه يدخل فيمن ينجيهم الله يوم القيامة من السوء؟ الجواب الذي يرى المنكر ويكرهه بقلبه، ولا يستطيع أن ينكره بلسانه فإنه معذور ويكفي هذا، ولكن إذا أنكره بقلبه فإنه لا يجوز له أن يبقى مع هؤلاء الفاعلين؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] . وما يفعله بعض الجهال من بقائه مع أهل المنكر الذين يفعلون المنكر بين يديه؛ كشرب الدخان، أو يلعبون أشياء محرمة، ويقول: أنا أكره هذا بقلبي، نقول: هذا لا يكفي، إذا كنت تكرهه بقلبك حقاً فإن قلبك سوف ينفر منه، وإذا نفر القلب فإن الجوارح سوف تنفر منه أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب) فعلى هذا نقول: إذا كرهته بقلبك ولم تستطع أن تنكره بلسانك؛ وجب عليك أن تغادر المحل، وإذا كنت تستطيع الإنكار بلسانك وجب عليك ذلك وإلا كنت آثماً. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 19 الجمع بين بقاء غير المسلمين في الجزيرة وبين أمره صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا منها السؤال قضية بقاء اليهود والنصارى في جزيرة العرب؛ كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) ، وأنه (لا يجتمع فيها دينان) ، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أخرج يهود خيبر وأجلاهم عن الجزيرة قتله مجوسي فقال: [الحمد لله إذ لم يقتلني رجل سجد لله سجدة] ، فكيف نجمع بين هذا وذاك؟ الجواب أما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع فيها دينان) فالمعنى: لا تقام شعائر الكفر في جزيرة العرب، أي: لا تبنى الكنائس، ولا ينادى فيها بالناقوس وما أشبه ذلك، وليس المعنى أنه لا يتدين أحد من الناس في نفسه فقط، بل المراد أنه لا يكون لهم كنائسُ أو معابدُ أو بِيَعٌ كما للمسلمين مساجد. وأما قوله: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) فالمراد منها السُّكنى، وأما الأجراء وما أشبه ذلك فلا يدخلون في هذا؛ لأنهم ليسوا قاطنين بل سيخرجون. وأما إبقاء الرسول صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فيها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبقهم إبقاءً مطلقاً عاماً، بل قال: (نقركم فيها ما شاء الله -أو قال-: ما شئنا) أي: إلى أمد، وهذا الأمد كان لانتهائه سبب، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه، حيث اعتدوا على عبد الله بن عمر وعلى الرجل الذي بات عندهم، ولم يفوا بما عليهم؛ فطردهم عمر رضي الله عنه. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة من صلى مع رجل بنية القصر ثم تبين أن الرجل متم السؤال كنت مسافراً إلى الرياض، وكنت أقصر صلاة الظهر فدخل معي رجل، وكان -والله أعلم- فيما تبين لي بعد ما أنهيت الصلاة أنه متم للصلاة، وليس عليه قصر كما قصرت أنا صلاة الظهر؛ لأنه أتى وأنا في التشهد الأخير، فلما سلمت من صلاة الظهر دخلت معه بنية العصر، وكنت أعتقد أنه يصلي قصراً، ودخلت العصر بنية ركعتين، ثم اتضح أن الرجل متم فأتممت معه العصر، فهنا صار عندي لبس فما الحكم؟ الجواب هذا غلط منك، فإن أعدت صلاتك الآن أربعاً فهو أحسن، ولا تتعود هذا الشيء، ما دام مأموم بك يصلي الظهر دعه يقضي، وإذا قضى صلاته تصلي أنت وهو صلاة العصر، الرجل ربما نعذره بالجهل في هذه المسألة، لكن كونه الآن ما بقي عليه إلا مدة يسيرة ويسأل الناس في نفس الوقت. السائل: تقضى قصراً أم أتم؟ الشيخ: لا. تقضى تمام! لأنك دخلت على أنك متم. الجزء: 39 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [40] ألقى الشيخ رحمه الله في مستهل هذا اللقاء تفسير آيات من سورة البروج ، وذكر ضمن ذلك: التوبة النصوح، وشروطها. ثم أجاب عن أسئلة في أبواب شتى، منها: في الطلاق، والرضاع، والسفر، والعمل الوظيفي، وشيئاً من أحكام الزكاة، والصيام، وصلاة وطهارة المريض، وحكم الموسيقى، والعباءات النسائية، والاستشفاء بالدم وغيرها. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البروج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث في شهر جمادى الثانية من عام (1414هـ) الذي يكون كل خميس، نسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعاً به، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يتوفانا على الإيمان. اخترنا في أول لقاءاتنا أن نتكلم على التفسير من (جزء عم) الذي يبدأ بسورة النبأ؛ لأن هذا الجزء الأخير من الكتاب العزيز تكثر قراءته في الصلوات وغيرها، فأحببنا أن يكون الناس فيه على علم؛ لأن الفائدة العظمى من القرآن هي التدبر والاتعاظ، كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] . الجزء: 40 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين) انتهينا إلى قوله تعالى في سورة البروج: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] (فتنوهم) أي: أحرقوهم على قول بعض أهل العلم؛ لأن هؤلاء المجرمين خدوا أخاديد، أي: شقوا سراديب في الأرض، وأوقدوا فيها النيران، وأحرقوا فيها المؤمنين، فيكون معنى (فتنوا المؤمنين) أي: أحرقوا المؤمنين، وقيل: فتنوهم أي: صدوهم عن دينهم، والصحيح أن الآية شاملة للمعنيين جميعاً؛ لأنه ينبغي أن نعلم أن معاني القرآن أوسع من أفهامنا، وأننا مهما بلغنا من الذكاء والفطنة، فلن نحيط به علماً، إنما نعلم منه ما تيسر، والقاعدة في علم التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يتضادان فإنها تحمل عليهما جميعاً. فنقول: هم فتنوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله، وفتنوهم بالإحراق أيضاً، ولكن مع هذا يقول الله عز وجل: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] فدلت الآية الكريمة على أنهم لو تابوا لغفر الله لهم، حتى وإن فعلوا بأوليائه ما فعلوا، فإن الله يتوب عليهم؛ لأن الله يقول: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25] ، وقوله تعالى: {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البروج:10] أي: عذاب النار يعذبون بها، {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10] يحرقون بها في نار جهنم نسأل الله العافية. وفي الآية إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها، ولكن لا بد أن نعلم أن التوبة لا تكون توبة نصوحاً مقبولة عند الله إلا إذا اشتملت على شروط خمسة: الأول: الإخلاص لله عز وجل بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة خوف الله عز وجل ورجاء ثوابه؛ لأن الإنسان قد يتوب من الذنب من أجل أن يمدحه الناس، أو من أجل دفع مذمة الناس له، أو من أجل مرتبةٍ يصل إليها، أو من أجل مال يحصل عليه، وكل هؤلاء لا تقبل توبتهم؛ لأن التوبة يجب أن تكون خالصة لله عز وجل. أما من أراد بعمله الدنيا، فإن الله تعالى يقول في كتابه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:15-16] . الثاني: الندم على ما حصل من الذنب، بمعنى ألا يكون الإنسان كأنه لم يذنب ولا يتحسر ولا يحزن، لا بد أن يندم إذا ذكر عظمة الله ندم، كيف أعصي ربي وهو الذي خلقني ورزقني وهداني فيندم؟ كما لو عصى الإنسان أباه فإنه يندم. الثالث: أن يقلع عن الذنب، فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب؛ لأن التائب هو الراجع، فإذا كان الإنسان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من أكل الربا، ولكنه لا يزال يرابي، هل تصح توبته؟ لا تصح، لو قال: أستغفر الله من الغيبة -والغيبة ذكرك أخاك بما يكره- ولكنه في كل مجلس يغتاب الناس، هل تصح توبته؟ لا. كيف تصح وهو مصر على المعصية؟ فلابد أن يقلع، إذا تاب من أكل أموال الناس وقد سرق هذا، وأخذ مال هذا بالخداع والغش، فهل تصح توبته؟ لا. حتى يرد ما أخذ من أموال الناس إلى أصحابها، لو فرضنا أن شخصاً أدخل مراسيمه في ملك جاره واقتطع جزءاً من أرضه، وقال: إني تائب، ماذا نقول له؟ نقول: رد المراسيم إلى حدودها الأولى، وإلا فإن توبتك لا تقبل؛ لأنه لا بد من الإقلاع عن الذنب الذي تاب منه. الشرط الرابع: أن يعزم عزماً تاماً على ألا يعود إلى الذنب، فإن تاب وهو ينوي في نفسه أنه لو حصلت له فرصة لعاد إلى الذنب فإن توبته لا تقبل، لا بد أن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود. الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقتٍ تقبل فيه التوبة؛ لأن هناك أوقاتاً لا تقبل فيها التوبة، وذلك في حالتين: الحالة الأولى: إذا حضره الموت فإن توبته لا تقبل، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] أي: إذا أتاه الموت وشاهد العذاب، قال: تبت! هذا لا ينفع، وكمثال واقع لهذه المسألة، أن فرعون لما أدركه الغرق: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] أي: بالله، ولم يقل: آمنت بالله، إذلالاً لنفسه، حيث كان يحارب بني إسرائيل على الإيمان بالله، والآن يقول: آمنت بالذي آمنوا به، فكأنه جعل نفسه تابعاً لبني إسرائيل، إلى هذا الحد بلغ به الذل ومع ذلك قيل له {آلْآنَ} [يونس:91] ؟ يعني: الآن تتوب؟ الآن تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل: {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] . إذاً: إذا حضر الموت فإن التوبة لا تقبل، وأنا أسأل كل إنسان: هل يعلم متى يحضره الموت؟ لا يعلم، إذاً لا بد من المبادرة بالتوبة؛ لأنك لا تدري في أي وقت يحضرك الموت، فمن الناس من نام على فراشه في صحةٍ وعافية ثم حمل من فراشه إلى سرير التغسيل، ومن الناس من جلس على كرسي العمل يعمل ثم حُمل من كرسي العمل إلى سرير التغسيل، كل هذا واقع وأمثال هذه المفاجأة كثير، فإذاً يجب أن نبادر بالتوبة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذلك، بادروا بالتوبة، قبل أن تغلق الأبواب. الحالة الثانية: إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها ورآها الناس آمنوا، لكن الله يقول: {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] . الجزء: 40 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ثم قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11] . لما ذكر عقاب المجرمين ذكر ثواب المؤمنين وهذه هي طريقة القرآن في عرض الترغيب والترهيب، والقرآن الكريم مثاني، تذكر فيه المعاني المتقابلة، يذكر فيه عقاب أهل النار ونعيم أهل الجنة، وصفات المؤمنين وصفات الكافرين، ونحو ذلك، من أجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، فيعرف نعمة الله عليه بالإسلام، ويعرف حكمة الله تعالى في وجود هؤلاء الكافرين المجرمين ويزداد حذراً من ذلك. ونقتصر على هذا القدر ونؤجل الكلام على هذه الآية وما بعدها إن شاء الله إلى الأسبوع القادم من أجل أن نحصل على أجوبة لأسئلة كثيرة. ونسأل الله التوفيق. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 40 ¦ الصفحة: 5 حكم من نوى الطلاق ثم تراجع السؤال ما حكم رجل أمر زوجته -وهي قريبتي- أن تذهب إلينا، وسيرسل إليها بورقة الطلاق، لكنه لم يرسل بالورقة، ونوى إرجاعها؟ فما الحكم في ذلك؟ هل نردها إليه أم لا؟ الجواب الطلاق لا يكون إلا باللفظ، أو بالكتابة أو بالإشارة من الإنسان الذي لا يستطيع أن يتكلم كالأخرس، وأما أنه قال لها: اذهبي إلى أهلكِ وستأتيكِ ورقتكِ، ولم تأتها ورقتها فهذا ليس بطلاق، ردها عليه الآن بدون أي شيء. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 6 حكم من جعل له نائباً يقوم بوظيفته لعذر السؤال رجل يعمل خادماً في أحد المساجد ثم أصيب بمرض يمنعه من القيام بهذا العمل، فوضع مكانه أحد العمال، بجزء من الراتب ويقول: إنه قد أخبر إدارة الأوقاف، فهل هذا العمل جائز أم لا؟ الجواب إذا كانت الإدارة تسمح له بذلك فلا بأس، وإذا كانت إدارة الأوقاف لا تسمح بهذا، أو لم يقم نائبه بعمله كما يجب؛ فإنه لا يجوز وحينئذٍ إما أن يقوم بعمله أو يقدم استقالته. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 7 مقدار الرضاعة التي تبنى عليها أحكامها السؤال أنا رضعت مع خالي من جدتي -وهي أمه- فهل بناتي يحتجبن عنه، علماً بأني رضعت أكثر من خمس مرات؟ الجواب إذا رضعت من جدتك خمس رضعات معروفة فقد صرت ولداً لها، وصار أولادها إخوانك الكبير والصغير، وإذا صاروا إخوانك صاروا أعمام بناتك، وعلى هذا فيجوز أن تكشف بناتك على أخوالك كلهم. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 8 حكم السفر لمن نوى الإقامة لمدة سنة أو أكثر السؤال نحن مجموعة من الشباب منا مَن هو مِن المدينة ومنا مَن هو مِن القصيم، توظفنا في منطقة الدوامي للتدريس، ونوينا الإقامة لمدة سنة، لكن هذه المدة قد تطول لأسباب خارجة عن إرادتنا، أي: من وزارة المعارف مثلاً، فهل نقصر الصلاة في هذه المدة أم لا؟ الجواب نقول: لا يجوز أن تقصروا؛ لأن أمر الرجوع إلى أهليكم ليس بأيديكم، والأصل أن الموظف يبقى على وظيفته في مكانها إلا أن يتجدد شيء يوجب رده إلى أهله، أو إلى مكان آخر، فالذي أرى لكم ألا تقصروا وألا تترخصوا برخص السفر، بخلاف الإنسان الذي يحدد لنفسه الوقت، وأنه سيرجع بعد شهر أو شهرين أو نحو ذلك، فهذا له أن يقصر إلا أنه إذا كان في بلد تقام فيه جماعة، فإنه يجب عليه أن يصلي مع الجماعة. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 9 تشميت العاطس إذا تكرر منه العطاس السؤال هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أننا نقول لمن يعطس في المرة الثالثة: شفاك الله؟ الجواب إذا عطس أحد وقال: الحمد لله، قل له: يرحمك الله، فإذا عطس ثانية فحمد الله، قل له: يرحمك الله، وإذا عطس ثالثة وقال: الحمد لله، قل له: عافاك الله إنك مزكوم، كذلك ادع له بالعافية. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 10 كيفية الترجيح عند التعارض في التضعيف والتصحيح السؤال أحسن الله إليك! أنا طالب مبتدئ، ولكن يشكل عليَّ بعض الأحيان إذا قرأت حديثاً صححه مثلاً بعض المتقدمين، ويضعفه المتأخرون، فماذا أفعل؟ الجواب الجواب على هذا: أنه إذا كانت عندك قدرة على معرفة سبب التضعيف للحديث وقمت بتحقيقه فاتبع ما ترى أنه الحق سواء كان من كلام المتقدمين أو من كلام المتأخرين، أما إذا لم يكن عندك قدرة، وأنت تقول أنك طالب مبتدئ، فاتبع ما يقوله الأقدمون؛ لأنهم أقرب إلى الصواب من المتأخرين. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 11 حصول الذنب بعد طلوع الشمس من مغربها السؤال الذي يتوب ويأتي بذنب وقد طلعت الشمس من مغربها، فإذا تاب وقتها فهل تقبل توبته؟ الجواب إذا أذنب الإنسان ذنباً وتاب منه ثم عاد إليه وتاب، ثم عاد إليه وتاب، فإنه كلما تاب يتوب الله عليه، فإذا وقع منه هذا الذنب بعد طلوع الشمس من مغربها وحصل ذلك فائتني إن شاء الله وسوف أفتيك. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 12 معنى قوله تعالى: (فتنوا المؤمنين) السؤال مر علينا في تفسير الآية: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:10] فذكرتم تفسيرين لفتنتهم المؤمنين، إما أن يحرقوهم، أو يصدوهم عن دينهم، فهل تفسير الآية مقتصر على هذين المعنيين؟ الجواب هكذا ذكر المفسرون أنهم صدوهم عن دينهم أو أحرقوهم، وقلنا: إن الآية شاملة للمعنيين جميعاً؛ لأن منهم من فُتن والعياذ بالله وارتد عن دينه، ومنهم من استمر على دينه فأحرق، هذا هو الذي يظهر لي، والله أعلم. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 13 حكم زكاة الطيور السؤال فضيلة الشيخ: الذين يربون الطيور هل عليهم زكاة؟ الجواب الذين يربون الطيور إذا كانوا يريدون التجارة فعليهم زكاة؛ لأنها عروض التجارة، أي: الإنسان يتكسب منها فيبيع ويشتري فيها. أما إذا كانوا يريدون التنمية فيأكلونها أو يبيعون منها ما زاد عن حاجتهم، فلا زكاة عليهم؛ لأن الزكاة لا تجب في الحيوان إلا في ثلاثة أصناف: الإبل، والبقر، والغنم فقط. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 14 حكم العادة السرية في نهار رمضان لمن جهل حكمها السؤال هناك فتى كان يفعل العادة السرية فأتى عليه رمضان ولم يبلغ بعد، وصام ذلك الشهر، ثم أتت عليه سنة أخرى فبلغ، ومع ذلك كان يفعل العادة السرية في نهار رمضان، وهو لا يعلم بالحكم، كان في السنة السادسة أو أولى متوسط، ولا يعلم عن هذا شيئاً، فما الحكم؟ ولا يعرف الآن عدة الأيام التي فعل فيها العادة السرية، فما هو ردكم على ذلك؟ الجواب أولاً: إنك ذكرت أنه كان يفعل العادة السرية ولم يبلغ، يعني أنه لا ينزل، ولكن العادة جرت أن من عمل العادة السرية فإنه ينزل، وبهذا يبلغ ولو لم يكن له إلا عشر سنوات هذا شيء، لكن إذا استمر في فعل العادة السرية وهو لا يعرف عن حكم هذا الشيء، ويظن أن العادة السرية لا تفطر، فإنه لا قضاء عليه؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 15 طرق معالجة الأولاد الذين يلعبون في المسجد السؤال إذا وجد أطفال في المسجد يعبثون كثيراً ويشغلون المصلين في الصلاة، هل يجوز لي أن أقول لأحد الصغار أن يلتفت في الصلاة، ويخبرنا من هم الذين يلعبون حتى نخبر أولياء أمورهم؟ الجواب هل تقبل شهادته وهو صغير؟ على كل حال يجب النظر هل يمكن أن تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض؛ لأن بعض العلماء يقول: لا تقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض، وبعضهم قال: تقبل ما داموا في المكان، مثال ذلك: إذا جرح أحد هؤلاء الصبيان، فقال المجروح لأبيه: هذا هو الذي جرحني، فأنكر الولد، وقال: ما جرحته، فشهد شاهدان من الصبيان أنه هو الذي جرحه، يقول بعض العلماء: لا تقبل شهادة الصبي. وبعضهم قال: إذا لم يتفرقوا قبلت، أما إذا كانوا قد تفرقوا فلا تقبل؛ لأنهم ربما يلقنون. على كل حال نرى أنك تتكلم -إذا كنت أنت الإمام- كلاماً عاماً، وتقول لأهل المسجد: جزاكم الله خيراً، صبيانكم إذا آذوا المصلين وامتهنوا المسجد فالإثم عليكم أنتم، فكل واحد يحفظ ابنه ويؤدبه، ويمكن أن توكل واحداً من هؤلاء الصبيان ممن تثق به يحرسهم، ولو لم يصل؛ لأنه لا تجب عليه الصلاة، ولا تقل له: التفت؛ لئلا يظن أن الالتفات ليس فيه بأس. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 16 حكم من استبدل سيارة بأخرى مع دفع الفارق السؤال عندي سيارة قديمة، استبدلتها بسيارة جديدة ودفعت الفرق، ما حكم هذا البيع؟ الجواب لا بأس بهذا، يجوز للإنسان أن يبدل سيارة قديمة بسيارة جديدة، ويضيف إلى السيارة القديمة دراهم؛ لأن السيارات ليس فيها الربا، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ البعير ديناً، ويوفي عنه بعيرين إلى أجل من إبل الصدقة، ويأخذ البعيرين ويعطي ثلاثة، ولا يأخذ التمر بالتمر إلا متماثلين؛ لأنه يجري فيه الربا، فالربا لا يجري إلا في المطعومات التي تقتات، مثل: التمر والشعير والبر والرز والذرة وما أشبهها، أو في الذهب والفضة. وأما السيارات والأواني والدور والإبل والبقر والغنم فليس فيها ربا. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 17 توبة العاجز عن المعصية مع تمني فعلها السؤال هل تقبل توبة العاجز ومن لا يستطيع أن يعصي في وقت هو مريض فيه؟ الجواب إذا كان هذا العاصي الذي يعجز عن المعصية لكنه يتمناها، ويقول في نفسه: لو كنت قادراً لفعلت، فإنه يكتب له وزر هذه المعصية، لكن إن كان من عادته أن يعملها، فإنه قد يكتب عليه وزرها كاملة، وإن لم يكن من عادته أن يعملها فإنه قد يكتب عليه وزر النية الجازمة، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يكون عنده المال يصرفه في غير مرضاة الله، والرجل الفقير يقول: لو أن عندي مال فلان لعملت به عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته، فهما في الوزر سواء) . أما إذا كان من عادته أن يفعل المعصية، كما لو كان من عادته أن يشرب الخمر -والعياذ بالله- فمرض وامتنع عن الشرب لمرضه، ولكنه يتمنى لو أنه قادر حتى يعود لشرب الخمر، فهذا قد نقول: إنه يكتب عليه وزر العمل والنية؛ لأنه كان يعتاده كالذي كان يعمل العمل الصالح ثم عجز لمرض فإنه يكتب له كما لو كان صحيحاً. وقد نقول: إن السيئات لا تقاس بالحسنات؛ لأن الحسنات فضل وأجر من الله، وهذا الرجل الذي عجز عن المعصية التي كان يعتادها لا نجزم بأنه يكتب له وزر عملها؛ لأنه لم يفعلها، وعلى كل حال: فالمؤكد أنه يكتب عليه وزر النية، أما وزر العمل، فإنني الآن متوقف فيه. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 18 من أحكام طهارة وصلاة المريض السؤال ما حكم شخص مقعد لا يستطيع الذهاب لقضاء الحاجة -أعزكم الله- وهو يلبس الحفاظة على صفة دائمة ولا يستطيع تبديلها عند كل صلاة، وذلك للمشقة فما حكم صلاته، كيف تكون طهارته؟ الجواب هذا -بارك الله فيك- له أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فيجمع الظهر والعصر جمع تأخير، في آخر وقت العصر ويتوضأ للظهر والعصر، ثم إذا دخل وقت المغرب صلى المغرب والعشاء جمع تقديم، ويكتفي بالوضوء الأول، وضوءاً واحداً في اليوم والليلة للصلوات الأربع، ووضوءاً آخر لصلاة الفجر، فأرجو ألا يكون في ذلك مشقة عليه، لكن لو فُرض أنه وجد عليه مشقة حتى في هذه الكيفية، فإنه يصلي على حسب حاله، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 40 ¦ الصفحة: 19 كيفية زكاة العقارات السؤال إذا كان لدى الرجل أرض أو بيت ليست للعقار أو للبيع مثلاً، لكنه أحياناً يتحرى ارتفاع السعر أو يأتي من يرغب في شراء البيت، وينظر هل ازداد أو ما ازداد سعره، وليست عنده نية للبيع أصلاً فهل عليه زكاة؟ الجواب إذا كان الرجل ممن يبيع ويشتري في العقارات فعليه الزكاة، أما إذا كان يريد أن يعمرها مثلاً ولم يقصد التجارة فهذه لا زكاة فيها، لكن إن باعها زكى قيمتها إن تمت السنة وهي عنده. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 20 حكم الرقص والموسيقى في رياض الأطفال السؤال عندنا في الكويت روضة للأطفال، وهذه الروضة يقام فيها موسيقى ورقص للأطفال، فهل يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده أم لا لا يأثم؟ الجواب يأثم الإنسان إذا أدخل أولاده هذه الروضة؛ لأن الرقص والموسيقى حرام، وإنني أوجه كلمتي إلى المسئولين عن هذه الرياض بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى في أطفال المسلمين، وألا يعودوهم على ما حرم الله ورسوله، فإن المعازف حرام لما رواه البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف) الحِر قال العلماء يعني: الزنا، والحرير معروف أنه حرام على الرجال، والخمر معروف أنه حرام بالكتاب والسنة والإجماع، والمعازف هي: آلات اللهو وهي حرام. فعلى القائمين على هذه الرياض أن يتقوا الله، وأن يمنعوا المعازف والرقص، وأن يعدوا شباب الأمة الإسلامية للجهاد وإعلاء كلمة الله، وكيف يطيب للإنسان قلب، أو تطمئن له نفس وإخوانه في البوسنة والهرسك يذبحون، ويُجعل الأطفال في خلاطات الإسمنت يخلطون خلط الإسمنت، وتنتهك أعراض الفتيات، أين الإسلام في قلوبنا؟ وأين الإسلام في قوم يربون أولادهم على ما حرم الله وهم يعلمون ما يفعل بإخوانهم في أقطار الدنيا؟ ولكن مع الأسف أن بعض الناس قسا قلبه والعياذ بالله حتى صار كالحجارة أو أشد قسوة نسأل الله العافية. فأقول لهؤلاء: ليتقوا الله في أنفسهم وفي شباب المسلمين وليربوهم على التربية الإسلامية. أما بالنسبة للشعب فأنا أنصحهم وأحذرهم من إدخال أولادهم في هذه الرياض، فإنهم آثمون معينون على الإثم والعدوان، ويوشك ألا يبرهم أولادهم إذا كبروا، وألا يدعوا لهم إذا ماتوا؛ لأنهم عصوا الله عز وجل فيهم، فيوشك أن يجعل الله هؤلاء يعصون آباءهم كما عصى آباؤهم الله فيهم، ويُسلطون عليهم. أقول: بارك الله فيك لا يجوز أن تدخل أولادك في هذه الرياض. وأقول: إذا كان ولابد فيجب على الآباء أن يكوِّنوا رياضاً تكون على حسابهم، ويكون فيها آداب إسلامية وأخلاق فاضلة، وتربية توجههم إلى الخير، وهذا ليس بصعب -والحمد لله- على من كان في مثل الكويت، عندهم -والحمد لله- من الثروة والمال ما الله به عليم، ثم يجب على إخواننا الكويتيين -وعلينا نحن أيضاً- أن نتعظ بما جرى قبل سنتين من أن الله سلط علينا جيراننا الذين يجب أن يكونوا معنا فصاروا علينا، لماذا لا نتعظ؟ وهل نأمن الآن أنه في يوم من الأيام تحصل مثل هذه الكارثة أو أكثر؟ لا يجوز أبداً أن ننسى هذه الكارثة حتى لا يحق علينا قول الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:44-45] لا يجوز أن نتصف بصفات من قال الله فيهم: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43] . الجزء: 40 ¦ الصفحة: 21 حكم العباءات النسائية المطرزة السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيك في العباءات النسائية التي تكون مطرزة، وعليها زخارف على الكمين ومن أسفلها؟ الجواب أرى أن الأولى أن تقتصر النساء على العباءة السابقة، لأنها أستر وأبعد عن الفتنة، أما العباءات التي ظهرت حديثاً، فإذا لم يكن فيها تطريز يلفت النظر، أو قيطان تتدلى، أو ضيق يبين حجم الجسم فأرجو ألا يكن بها بأس، مع أنني والله أستثقل أن أقول ذلك؛ لأني أخشى أن يكون باباً لشرٍ أكبر؛ لأن النساء كما تعرفون يتدرجن من الأسهل إلى ما فوقه، ثم إذا اتسع الخرق على الراتق عجزنا عنه، لكن لا أستطيع أن أمنع شيئاً ليس به بأس من الناحية الشرعية، إلا أني أقول: الأولى المحافظة على ما كنا عليه من قبل؛ لأنه أقرب إلى اتباع السلف ونساء الصحابة، وأبعد عن الفتنة، وأكثر سداً لباب الشر والفساد. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 22 الشك في الرضاع السؤال فضيلة الشيخ: هذه امرأة تقول: إني أرضعت طفلاً ثلاث رضعات، ولكن الرضعتين الباقيتين، تقول: إني في شك منهما، ولكن امرأة أخرى تقول: إنها متأكدة أنها أرضعت الخمس، فما قولكم؟ الجواب قولي: إن هذا الرضاع ثابت خمساً؛ لأن لدينا ثلاثاً متفقاً عليها، واثنتين توقفت فيها إحدى المرأتين، وجزمت بهما الثانية، وعلى هذا تكون الطفلة الراضعة أو الطفل الراضع على هذا الوجه ابناً لمن أرضعته، لا تحتجب عنه لا هي ولا بناتها. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 23 حكم بقاء الحائض في المسجد السؤال فضيلة الشيخ: أتينا من الكويت والشيخ سالم الطويل والشيخ حامد العثمان يقرأان عليك السلام، ويخبرانك أنهما يحبانك في الله، ويسأل الشيخ سالم يقول: هل يجوز للحائض الجلوس في المسجد تلقي دروساً؟ الجواب أقول عليك وعليهما السلام، وبلغهما سلامي إن شاء الله إذا رجعت. لا يجوز للحائض أن تجلس في المسجد، لا لإلقاء الدروس ولا لاستماع الدروس؛ لأن الحائض ليس لها المكث في المسجد، نعم لها المرور في المساجد إذا أمنت من تلويث المسجد، فإن كانت تخشى أن ينزل الدم حتى يلوث المسجد فإنه لا يجوز لها المرور. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 24 حكم الاستشفاء بالدم السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس إذا عضه الكلب أو الثعلب المسعور يذهب إلى قبيلة يقال عنها (البرزان) ويأخذ من دمهم ويشربه، أو يشتريه بثمن، وهو يعلم أن الله هو الشافي، لكن يؤكد، ويقول: إنه لا يوجد غير دم هذه القبيلة يصلح لهذا، حتى إن هناك امرأة تبرعت بدمها لمن أصيب بمثل هذا، بعضهم يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استضافهم فأكرموه ودعا لهم بأن يكون دمهم شفاء، هل هذا صحيح؟ الجواب ليس بصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم استضافهم فأكرموه ودعا لهم. أما ما ذكرت من أن دمهم يستشفى به، فهذا مشهور عند الناس، لكن لا يجوز شرعاً؛ لأن الدم حرام بنص القرآن قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:3] وقال تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [الأنعام:145] . وإذا كان حراماً فإنه لا شفاء فيه؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، فلذلك ننهى عن هذا الشيء، ونقول: هذا شيء لا أصل له، وقد فتح الله -له الحمد- الآن أبواباً كثيرة في الطب وتنقية الدم، وبإمكانهم أن يذهبوا إلى المستشفيات وينقوا دمهم من هذا الدم الخبيث، أو من هذا العضة الخبيثة. السائل: فضيلة الشيخ: إنهم يقولون: إنهم مضطرون إلى الذهاب إلى هؤلاء، وقد قال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173] فما تعليق فضيلتكم على ذلك؟ الشيخ: قلت لك هذا الشيء محرم، والمحرم لا يجوز إلا عند الضرورة، ولكن ما هي الضرورة؟ الضرورة أن نعلم أن الإنسان إذا فعل هذا الشيء زالت ضرورته، ونعلم كذلك أنه لا يمكن أن تزول ضرورته إلا بهذا الشيء، يعني ليس هناك ضرورة تبيح المحرم إلا بشرطين: 1/ أن نعلم أنه لا تزول ضرورته إلا بهذا. 2/ أن نعلم أن ضرورته تزول به. ولهذا إذا كان الإنسان يخاف الموت، فله أن يأكل ميتة لتوفر الشرطين السابقين، أما هؤلاء فليت هناك ضرورة تدفعهم لفعل هذا الشيء المحرم. بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 40 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [41] في هذه المادة يقف الشيخ وقفات في ظلال سورة البروج، مفسراً لآياتها، وبيان الأحكام والمسائل الواردة فيها، وبعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البروج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير من شهر جمادى الأولى، عام: (1414هـ) ، الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع. نبدأ هذا اللقاء بما كنا نبدأ به أولاً من تفسير القرآن الكريم، وقد وصلنا إلى قوله تعالى في سورة البروج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11] . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات) قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا} [البروج:11] هم الذين آمنوا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فإن هذا هو الإيمان كما فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان؛ فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) . وأما قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البروج:11] فالمراد: عملوا الأعمال الصالحة؛ والأعمال الصالحة هي التي بنيت على الإخلاص لله، واتباع شريعة الله، فمَن عمل عملاً أشرك به مع الله غيره، فعملُه مردودٌ عليه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه عن ربه أنه تعالى قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه) . وأما المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن مَن عمل عملاً ليس على شريعة الله فإنه باطل مردود، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وبناءً على ذلك تكون عبادة المرائي الذي يعبد الله؛ لكن يرائي الناس، أي: يُظْهِر العبادة ليراه الناس فيمدحوه، إذْ أنه لا يريد التقرب إلى الناس، بل يريد التقرب إلى الله؛ لكن يريد أن يمدحه الناس على تقربه إلى الله وعبادته لله، فهذا المُرائي عمله مردود أيضاً. كذلك مَن تكلم بكلام؛ قرآنٍ، أو ذِكْرٍ، ورفع صوته ليسمعه الناس فيمدحوه على ذكره لله، فهذا أيضاً مُراءٍ، وعمله مردود عليه؛ لأنه أشرك فيه مع الله غيره، أراد أن يمدحه الناس على عبادة الله. أما من تعبد للناس، فهذا مشركٌ شركاً أكبر، فمن قام يصلي أمام شخص تعظيماً له لا لله، وركع للشخص وسجد له فهذا مشرك شركاً أكبر مخرج من الملة. وكذلك مَن ابتدع في دين الله ما ليس منه، كما لو رتَّب أذكاراً معينة في وقت معين، فإن ذلك لا يُقْبَل منه حتى ولو كان ذكرَاً لله، ولو كان تسبيحاً أو تحميداً، أو تكبيراً أو تهليلاً؛ لكنه رتبه على وجه لم ترد به السنة، فإن ذلك ليس مقبولاً عند الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله. فالمهم أن الله اشترط مع الإيمان العمل الصالح، وبهذا نعرف أنه لا ينبغي لنا أن نركز دائماً على العقيدة، ونقول: نحن على عقيدة إسلامية، وعلى كذا، وعلى كذا، ولم نذكر العمل؛ لأن مجرد العقيدة لا يكفي، بل لا بد من العمل. فينبغي عندما نذكر أننا على العقيدة الإسلامية أن نقول: ونعمل العمل الصالح؛ لأن الله يقرن دائماً بين الإيمان المتضمن للعقيدة وبين العمل الصالح؛ حتى لا يخلو الإنسان من عمل صالح، أما مجرد العقيدة فلا ينفع، فلو أن إنساناً يقول: أنا مؤمن بالله؛ لكنه لا يعمل، فأين الإيمان بالله؟! ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرج عن الملة، وقد بينا أدلة ذلك في رسالة لنا صغيرة، وكذلك تمر علينا في برنامج: (نور على الدرب) أسئلة حول هذا الموضوع، ونبين الأدلة بما يغني عن إعادتها هنا. {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البروج:11] . {لَهُمْ} أي: عند الله. {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} : وذلك بعد البعث، فإنهم يدخلون هذه الجنات التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولهذا قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] . وقال الله في الحديث القدسي: (أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) لأن فيها من النعيم ما لا يتصوره الإنسان، والله تعالى يذكر أن في الجنات نخلاً، ورماناً، وفاكهةً، ولحمَ طير، وعسلاً، ولبناً، وماءً، وخمراً؛ لكن لا تظنوا أن حقائق هذه الأشياء كحقائق ما في الدنيا، أبداً؛ لأنها لو كانت حقائقها كحقائق ما في الدنيا لكنا نعلم ما أخفي لنا من هذا؛ ولكنها أعظم وأعظم بكثير مما نتصوره. فالرمان وإن كنا نعرف معنى الرمان أنه على شكل معين، وطعم معين، وذو حبات معينة لكن ليس الرمان الذي في الآخرة كهذا؛ بل هو أعظم بكثير، لا يساويه من جهة الحجم ولا من جهة اللون، ولا من جهة المذاق؛ لكن كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء فقط، أما الحقائق فهي غير معلومة] . وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البروج:11] : قال العلماء: (من تحتها الأنهار) أي: من تحت أشجارها وقصورها، وإلا فهي على السطح فوق، ثم إن هذه الأنهار جاء في الأحاديث أنها لا تحتاج إلى حفر، ولا تحتاج إلى بناء أخدود، وفي هذا يقول ابن القيم في النونية: أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ الأنهار المعروفة عندنا أنها تحتاج إلى حفر أو إلى أخاديد تمنع من تسرب الماء يميناً وشمالاً؛ لكن في الجنة لا تحتاج إلى أخدود، بل تجري حيث يشاء الإنسان، ويوجهها كما شاء، بدون حفر وبدون إقامة أخدود. والأنهار هنا وفي آيات كثيرة مجملة؛ لكنها فُصِّلت في سورة القتال (سورة محمد) قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] . {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11] . {ذَلِكَ} : المشار إليه هو: الجنات وما فيها من النعيم. {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} أي: الذي به النجاة من كل مرهوب، وحصول كل مطلوب؛ لأن الفوز هو عبارة عن حصول المطلوب، وزوال المكروه. والجنة كذلك فيها كل مطلوب، وقد زال عنها كل مرهوب، فلا يذوقون فيها الموت، ولا المرض، ولا السقم، ولا الهم، ولا النصب. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن بطش ربك لشديد) ثم قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج:12-13] . {بَطْشَ} [أي: أَخْذَهُ بالعقاب شديد، كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98] فبَطْشُ الله -أي: انتقامُه وأخذُه- شديدٌ عظيم؛ ولكنه لمن يستحق ذلك، أما من لا يستحق ذلك فإن رحمة الله تعالى أوسع، ما أكثر ما يعفو الله من الذنوب! ما أكثر ما يستر الله من العيوب! ما أكثر ما يدفع الله من النقم! وما أكثر ما يجري من النعم! لكن إذا أخذ الظالم لم يُفْلِته؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه) وتلا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] . وعلى هذا فنقول: ((بَطْشَ رَبِّكَ)) [البروج:12] أي: فيمن يستحق البطش، أما من لا يستحقه؛ فإن الله تعالى يعامله بالرحمة، وبالكرم، وبالجود، ورحمة الله تعالى سبقت غضبه. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إنه هو يبدئ ويعيد) قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [البروج:13] أي: إن الأمر إليه ابتداءً وإعادة، وهذا كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:27] فهو الذي بدأ الأشياء، وإليه تنتهي الأشياء، الأشياء منه وإليه في كل شيء، الخلق من الله وإليه، الشرائع من الله وإليه، كل الأمور من الله وإليه، ولهذا قال: {يُبْدِئُ} [البروج:27] ولم يذكر ما الذي يبدؤه، فمعناه: أنه يبدئ كل شيء، ويعيد كل شيء، فكل الأمر بيده عزَّ وجلَّ. فأنت اعرف أصلك من أين أنت! وأنك ابتدأت من عدم، واعرف منتهاك وغايتك، وأن غايتك إلى الله عزَّ وجلَّ. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وهو الغفور الودود) قال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:14-15] . {وَهُوَ الْغَفُورُ} أي: ذو المغفرة؛ والمغفرةُ سَتْرُ الذنب والعفوُ عنه، فليست المغفرةُ سترَ الذنب فقط؛ بل سترُه وعدمُ المؤاخذة عليه، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه، حتى يقر بها ويعترف، فيقول الله عزَّ وجلَّ: قد سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) . ذنوبنا كثيرة: ذنوب قلبية. وذنوب قولية. وذنوب فعلية ما أكثرها! لكن الله تعالى -ولله الحمد- يسترها. يُذكر أن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب الواحد منهم ذنباً وَجَدَهُ مكتوباً على باب بيته، فضيحةً وعاراً - والعياذ بالله -؛ لكننا نحن -ولله الحمد- قد ستر الله علينا، فنتوب إلى الله، ونستغفر من الذنوب، فتمحى آثارها نهائياً، ولهذا قال: {وَهُوَ الْغَفُورُ} [البروج:14] : أي الساتر لذنوب عباده، المتجاوز عنها، {الْوَدُودُ} [البروج:14] : مأخوذة من الود، والود: هو خالص المحبة، فهو جلَّ وعَلا ودود. وما معنى ودود؟ هل معناه أنه محبوبٌ، أو أنه حابٌّ؟ الجواب يشمل الوجهين جميعاً، قال الله تبارك وتعالى: {يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] فهو جلَّ وعَلا وادٌّ؛ يحب الأعمال، ويحب الأشخاص، ويحب الأمكنة. وهو كذلك أيضاً محبوبٌ يحبه أولياؤه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] . فكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى الله، فهو جلَّ وعَلا وادٌّ وهو أيضاً مودود، أي: أنه يُحِبُّ ويُحَبُّ، يُحِبُّ سبحانه وتعالى الأعمال، ويحب العاملين، ويحب الأشخاص، بمعنى: أن محبة الله قد تتعلق بشخص معين، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللهَ ورسولَه، ويحبه اللهُ ورسولُه) فبات الناس، ثم غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: (أين علي بن أبي طالب؟ قالوا: يشتكي عينيه، فدعا به، فأتى، فبَصَق في عينيه، فبرأ كأن لم يكن به وجع -في الحال-، ثم أعطاه الراية، وقال: انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام) . الشاهد قوله: (يحب اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه) فهنا أثبت أن الله يحب هذا الرجل بعينه، وهو علي بن أبي طالب. ولما بعث رجلاً على سرية صار يقرأ لهم في الصلاة، ويختم بقراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه بذلك؛ لأن عمله هذا غير معروف، أن الإنسان كلما قرأ في الصلاة يجعل آخر قراءته: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فقال: سلوه: لأي شيء كان يصنع ذلك! فسألوه، فقال: إنها صفة الله، وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخبروه أن الله يحبه) فهنا تجدون محبة الله قد علِّقت بشخص معين. وقد تكون محبة الله معلقة بمعينين بأوصافهم، مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4] . وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] . وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] هذا ليس فيه شخص معين؛ لكن فيه شخص موصوف بصفة. كذلك يحب الله سبحانه وتعالى الأماكن؛ فأحب البقاع إلى الله مساجدها. وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أن مكة أحب البقاع إلى الله) فهذه المحبة متعلقة بالأماكن. فالله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ولهذا قال: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14] . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ذو العرش المجيد) ثم بيَّن عَظَمَته وتمامَ سلطانه بقوله: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:15-16] . {ذُو الْعَرْشِ} أي: صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى الله عز وجل عليه وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها. وقد جاء في الأثر: (أن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الكرسي على هذه الحلقة) إذاًَ: الكرسي لا أَحَدَ يُقَدِّر سعته، وإذا كنا نشاهد من المخلوقات المشهودة الآن التبايُن العظيم في أحجامها، فكيف بالكرسي؟! أطلعني رجل على صورة الشمس وهي مصورة، وصورة الأرض، فوجدتُ أن الأرض بالنسبة لهذه الشمس كنقطة غير كبيرة في وعاء واسع كبير، وأنها لا تنسب إلى الشمس إطلاقاً، فهي ليست شيئاً، فإذا كانت هذه الأشياء المشهودة التي تدرَك بالتليسكوب وغيره، فما بالك بالأشياء الغائبة عنا؟! لأن ما غاب عنا أعظم مما نشاهد، قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] . فالحاصل أن العرشَ الذي هو سقف المخلوقات كلها عرشٌ عظيم، استوى عليه الرحمن جلَّ وعَلا، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] . وقوله: {الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15] هذه فيها قراءتان: {الْمَجِيدُ} [البروج:15] بضم الدال. و {الْمَجِيدِ} [البروج:15] بكسر الدال. فعلى القراءة الأولى تكون وصفاً للرب عز وجل. وعلى القراءة الثانية تكون وصفاً للعرش. وكلاهما صحيح، فالعرشُ مجيدٌ، وكذلك الربُّ عز وجل مجيدٌ، ونحن نقول في التشهد: إنك حميدٌ مجيد. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فعال لما يريد) قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] كل ما يريده فإنه يفعله عز وجل؛ لأنه تام السلطان لا أحد يمانعه، ولا معقِّب لحكمه ولا رادَّ لقضائه: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11] . فكل ما يريده فإنه يفعله؛ لكن ملوك الدنيا وإن عَظُمَت ملكيتهم لا يفعلون كل ما يريدون، ما أكثر ما يريدون ثم يوجد مانع يمنع مرادهم! أما الرب فهو ذو السلطان الأعظم، الذي لا يَرُدُّ ما أراده شيءٌ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] وفي هذا دليل على أن جميع ما وقع في الكون هو بإرادة الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي خلقه، فيكون واقعاً بإرادته، ولكن اعلموا أن الله لا يريد شيئاً إلا لحكمة، فكل ما يقع من أفعال الله، فإنه لحكمة عظيمة، قد نعلمها وقد لا نعلمها. ونتوقف عند هذه الآية الكريمة. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن يرزقنا فَهمه، ويعيننا على العمل به، إنه جواد كريم. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 41 ¦ الصفحة: 9 حكم الرشوة والمحاباة في العمل السؤال فضيلة الشيخ! عندي سؤال أنقله نيابة عن أحد الزملاء في الرياض: هذا الرجل يعمل في أحد القطاعات العسكرية، وقد شَغَرَ عدة أرقام في نفس هذا القطاع؛ ولكن بمعنى أصح أنه في هذه المنطقة في الرياض المسافات بعيدة من حي إلى حي، وهناك أرقام عليها عدة طلبات، يريدها أصحاب هذه الطلبات، والعمل هو العمل؛ ولكن المسافة في هذه الأرقام تكون قريبة إلى هذا الشخص إذا انتقل هذا المحل، فيصير قريباً من عمله، وأريح له من العمل التابع له حالياً، وهو نفس العمل؛ لكن القريب فيه راحة، وهذا الرقم لا يستطيع أن يذهب إليه إلا إذا طلبه من صاحب الصلاحية الذي يوجد عنده الرقم، ودفع مبلغاً من المال قدره خمسين ألف ريال، فهل يجوز أن يدفع له هذا المبلغ، ليأخذ هذا الرقم، مع العلم أن هناك أناساً عندهم طلبات لنفس هذا الرقم؛ ولكنه يرفض، ويتمسك بهذا الرقم وغيره حتى يأخذ مقابلها هذا المال؟ الجواب أقول: هذا العمل لا بأس به بشرط أن يحفظ الدراهم التي يعطيها إياه، ثم يبلغ الجهات المسئولة من أجل أن تنكِّل بهذا الرجل الذي نعتبره آكلاً للرشوة، خائناً لولي أمره؛ لأن الواجب على مَن وُكِل إليه مثل هذه الأمور أن ينظر ما هو أصلح للعمل، بقطع النظر عن فلان وفلان، وأن لا يحابي أحداً لقُرْبه، ولا أحداً لرشوته، ولا أحداً لفقره؛ بل ينظر إلى مصلحة العمل، فإن كان هذا الرجل يقدر على أن يكتب أشياء خفية فيما يعطيه من الرشوة أو الشيك مثلاً يحوِّله فلا بأس؛ لكن بشرط أن يوصل الأمر إلى المسئول الذي فوق هذا الذي وُكِلت إليه الصلاحية، من أجل أن ينكَّل به، ويذوق عقابه. أما إذا كان لا يستطيع هذا فلا يحل له أن يعطيه الرشوة. السائل: هناك أناسٌ تقدموا لهذا العمل، ولم يقدموا طلباتهم! الشيخ: أنا فاهم! حتى وإن لم يقدم أحد، فإن الرشوة لا تجوز. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 10 حكم الوسواس في ذات الله تعالى السؤال بعض العامة الذين يجهلون أمر التوحيد يوسوس لهم الشيطان في سؤال ألا وهو: من الذي خلق الله؟ فنريد من فضيلتكم التفضل بالإجابة. الجواب الإجابة على هذا السؤال قد أجاب النبي عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (إن الناس يتساءلون: مَن خلق كذا؟! مَن خلق كذا؟! مَن خلق كذا؟! حتى يقولوا: مَن خلق الله؟! فإذا بلغت الحال إلى هذه فليقل: الله أحد، صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، وليكف عن هذا) الجزء: 41 ¦ الصفحة: 11 حكم تعدد الجماعة في المسجد الواحد السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم تعدد الجماعة في مسجد له إمام راتب، ومؤذن راتب؟ الجواب تعدد الجماعة على قسمين: القسم الأول: أن يكون ذلك راتباً بحيث تتعمد الجماعة الثانية التأخر، حتى تقيم جماعة أخرى، فهذه بدعة؛ لأن المسجد لا يقام فيه إلا جماعة واحدة. والقسم الثاني: ألا يكون ذلك راتباً معتاداً؛ لكن بعد أن تنتهي الجماعة الأولى يأتي أناس يدخلون المسجد فيصلون جماعة فهذا مشروع وسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه ذات يوم، فدخل رجل قد فاتته الصلاة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد الصحابة فصلى معه. ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . وأما تَوَهُّمُ مَن تَوَهَّم من الناس أن إقامة الجماعة الثانية بدعة، فهذا صحيح فيما إذا كان على وجه الراتب المعتاد، أما ما كان طارئاً فإن إقامة الجماعة الثانية سنة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. السائل: ولو أقامها في البيت بعد انقضاء الجماعة الأولى؟ الشيخ: لا. في المسجد أحسن؛ لأن إقامتها في المسجد ربما تكثر الجماعة، يدخل معه أناس يأتون فيما بعد، فيكون أفضل، ثم إن الغالب أن الإنسان يخرج من بيته إلى المسجد من أجل أن يصلي مع الجماعة، فتفوته، فيأتي وهم قد صلوا، فإذا أقامها في المسجد كان هذا أنفع له ولغيره؛ لأنه ربما لو رجع هو وصاحبه إلى البيت، وصليا جماعة، يأتي إنسان آخر مثلاً فدخل بعد انتهاء الجماعة الأولى ولا يجد جماعة، فتفوته الجماعة، فالأفضل أن تكون في المسجد. نعم. لو فُرِض أنه عَلِم في بيته أن الجماعة قد انتهت، فهنا نقول: لا فرق، صلِّ في بيتك؛ لأنه لو خرج إلى المسجد قد يخجل أن يقابله الناس وهم قد خرجوا من الصلاة، فيصلي في بيته. أما إذا كان قد جاء ودخل المسجد ووجدهم قد صلوا فلا ينصرف، بل يصلي مع الجماعة في المسجد. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 12 معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: (تركته وشركه) السؤال يا فضيلة الشيخ! في قوله تعالى: (من أشرك معي غيري تركته وشركَه) هل الترك له وقت محدد، أم عند توبة المشرك الذي أشرك، أم عندما يتوفاه الله؟ الجواب قوله تعالى في الحديث القدسي: (تركتُه وشركَه) أي: نفس العمل الذي حصل فيه الشرك لا يقبله الله؛ لكن لو تاب منه، فإن الله يتوب عليه؛ لأن الله قال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69] . فالمراد بقوله: (تركتُه وشركَه) ليس المقصود منه تركتُه دائماً، بل تركتُه وشركَه في العمل الذي أشرك به فقط، ثم إذا تاب منه وآمن وعمل عملاً صالحاً بدل الله سيئاته حسنات. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 13 حكم إكرام النصراني السؤال فضيلة الشيخ! شخص يسأل ويقول: إنه تعرف على أحد النصارى عن طريق أحد أصدقائه، وهو لَمْ يعلم أنه نصراني، فكان يتعامل معه معاملة المسلم لأخيه المسلم، وبعد فترة تبيَّن أنه نصراني، حتى أنه في بعض الجلسات معه أثناء الأكل واستضافته في البيت عَلِم أنه نصراني فانقبض هذا الرجل، عندما علم أنه نصراني وهو لا يعلم، والآن هو محتار، وهذا الشخص يزوره بين الحين والآخر، ولا يستطيع التخلص، فكيف السبيل إلى التخلص من مثل هذه المواقف، خاصة وأن بعض المسلمين لا يجد طريقة إلى توصيل الفهم الصحيح للإسلام للنصارى؟ فأفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً! الجواب الواجب عليه أن يعرض عليه الإسلام ويدعوه إليه، فإن كان يُحْسِن عرض الإسلام والدعوة إليه باشر ذلك بنفسه، وإن كان لا يُحْسِن طَلَبَ أَحَدَ الطلبة أن يحضُر إلى مَجلِسِه مع هذا النصراني، ثم يعرض عليه الإسلام، فإن رأوا منه إقبالاً فذلك هو المطلوب، ولعل الله أن يهديه، وإن لم يروا منه إقبالاً فالواجب عليه أن يقاطعه؛ لأن إكرام النصارى حرامٌ على المسلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فإكرامه باستقباله وضيافته وما أشبه ذلك محرمٌ إلا إذا كان يُرْجَى إسلامُه. السائل: لكنَّ هذا النصراني عربي، وفي بعض المواقف الطريفة عَطَسَ وقال: الحمد لله، ثم إنه يبدأ السلام عند دخوله إلى البيت، وهذه من المُخْرَجات التي حَصَلَت منه! الشيخ: حتى لو قال: الحمد لله، فما دام لم يؤمن برسول الله، فلا ينفعه تحميدُه. السائل: ونهاه صاحب السؤال يوماً عن شرب التدخين -أعني: أنه كان يدخن- فنهاهُ عن شرب الدخان، فانتهى! الشيخ: هذا ربما أنه قريب إن شاء الله. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 14 حكم معالجة منابت اللحية السؤال تعرفون أن الفتن زادت، والأدوية كَثُرت في الأعوام الأخيرة، فيقال مثلاً: إن اللحية إذا كان فيها نقاط في الوجه وليست كاملة ولا كثيرة، يقال: إن هناك علاجاً تُعالَج به، فتكتمل، وتصير مثلك هكذا، فهل هذا يجوز أم لا؟ إذا كان يُرْجَى نباتُه بنفسِه فلا يحاول؛ لأن هذا ليس بعيب، إذْ أن كثيراً من الشباب الذين في ابتداء نبات لِحاهُم لا تنبت اللِّحَى مستوية جميعاً، فينتظر. أما إذا كان عيباً بحيث نعلم ونيئس أنه لن ينبت بنفسِه فلا حرج أن يعالج ذلك حتى يخرج الباقي، لا سيما إن كانت مشوهة. أما إذا كانت غير مشوهة فالأفضل ألا يعالجها بشيء؛ لأني أخشى أن يكون هذا من جنس الوصل الذي لعن فيه الرسول عليه الصلاة والسلام الواصلة والمستوصلة. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 15 حكم من أسلم وانتحل الابتداع في الدين السؤال هناك كثير من النصارى عندما يسلم يتبع مذهباً غير مذهب أهل السنة والجماعة، مثل: التصوُّف، والتشيُّع، فهل نُكَفِّره؛ لأنه دَخَلَ مذهباً غير مذهب أهل السنة والسلف الصالح، أم ننظر إليه بحسب الفرقة التي دخل فيها؟ الجواب إذا أسلم وانتمى إلى الإسلام، ثم اتخذ نِحْلَة مبتدَعة، فإننا نعطيه حكم أهل هذه النِّحْلَة، إن كانت البدعة مكفِّرة فهو كافر، ولن ينفعه انتقالُه من النصرانية إلى هذه البدعة المكفِّرة، وإن كانت لا تكفِّر فإنه لا يكفر؛ لكن ينبغي لـ أهل السنة أن يتلقوا هؤلاء الذين يسلمون؛ لأنه ربما يسلم راغباً في الإسلام، ثم يأتيه رجل مبتدع فيغره ويقول: هذا هو الإسلام، فيرتكب البدعة؛ لأنه لا يدري. فالواجب على أهل السنة أن يتلقوا هؤلاء الذين أسلموا حديثاً حتى لا يتلقفهم أحدٌ له بدعة. السائل: إذاً: يكفَّر، وهذا أمر عاديٌّ! الشيخ: كما قلتُ لك: إذا انتَحَلَ بدعة مكفِّرة فله حكم أصحابها، وإذا انتَحَلَ بدعة غير مكفِّرة فله حكم أصحابها. لكن قد يقال: هذا النصرانيُّ الذي لا يعرف عن الإسلام شيئاً بدعتُه التي ارتكبها وهي مكفِّرة ارتكبها عن جهل، فهذا نعَلِّمه أولاً بأن ما انتحله غير صحيح، ثم إذا أصَرَّ حُكِمَ عليه بحكم أهل هذه البدعة. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 16 حكم الحلف بالذمة أو الحرج السؤال فضيلة الشيخ! حفظكم الله! ما قول فضيلتكم في بعض العامة إذا كان يصدر منه اليمين، فيكون في الذمة، كأن يقول: في ذمتي، أو يكون في الحرج، كأن يقول: أنت مني في حرج، فهل هذا يدخل في الشركيات؟ الجواب إذا قال الإنسان: في ذمتي، أو قال: أنت مني في حرج، فهذا لا يدخل في الشرك؛ لأن الشرك هو القَسَم بغير الله، أما هذا فهو في حكم القَسَم أو في حكم اليمين؛ ولكنه ليس القَسَم الذي يدخل صاحبه في الشرك، إلا أنَّا نقول: كونه يحلف بالله فهذا هو الذي أمر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . وقال الله لنبيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] . فالأفضل لمن أراد الحلف أن يحلف بالله. أما قوله: (في ذمتي) أو (أنت مني في حرج) أو ما أشبه ذلك، فهذا له حكم اليمين، ولكنه ليس يميناً يقال لقائله: إنه مشرك، فاليمين الذي يقال لصاحبه: إنه مشرك أن يقول: (ومُلْكِ فلان) أو (والرئيسِ الفلاني) أو (والنبي) أو (والكعبة) فهذا هو الذي يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 17 حكم الرقص السؤال فضيلة الشيخ! هذا سؤال من بعض الأخوات تسأل عن حكم الرقص إجمالاً وتفصيلاً، خاصة فيما يتعلق بالرقص في الوسط النسائي والمُبْتَذَل منه وغير المُبْتَذَل! وهل يليق بالمسلمة فعل هذا الأمر؟ الجواب الرقص مكروه في الأصل؛ ولكن إذا كان على الرقصات الغربية وتقليد الكافرات صار حراماً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن تشبه بقوم فهو منهم) مع أنه أحياناً تحصل به فتنة، فقد تكون الراقصةُ امرأةً رشيقةً جميلةً شابَّةً فتفتن النساء، وإن كانت في وسط النساء، فتحصل من النساء أفعالٌ تدل على أنهن افتَتَنَّ بها، وما كان سبباً للفتنة فإنه يُنْهَى عنه. هذا هو الجواب في حكم الرقص. السائل: وإذا كان -يا شيخ- على سبيل العَرْضَة الموجودة، أو شيءٍ شبيهٍ منها، أعني: أن تصطف مجموعة من النساء، فيتقدمن خطوات ويتأخرن خطوات وينحرفن لليمين ولليسار؟ الشيخ: نحن نريد بالرقص الرقص التي تتمايل تمايلاً تاماً، حتى تصل أحياناً إلى قريب الأرض، ثم ترتفع، ثم تهتز يميناً وشمالاً. أما مجرد الحركة اليسيرة فهذه لا تعتبر كالرقص الذي نريده. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 18 جواز الجمع والقصر في السفر السؤال جماعة كانوا خارجين إلى مدائن صالح للاتعاظ والاعتبار، وقد جمعوا صلاتي الظهر والعصر جمع تأخير، وصلوهما قصراً في مدائن صالح، فما حكم صلاتهم؟ الشيخ: هم مسافرون أم من أهل البلد؟ السائل: هم من خارج البلد، من مكان بعيدٍ قليلاً عن البلد. الجواب يجوز للإنسان المسافر أن يقصُر ويجمع حتى يرجع إلى بلده، سواء خرج لنزهة، أو خرج لعبادة؛ كالمعتمر والحاج، أو خرج لعلم، أو خرج لتجارة، المهم أنه ما دام مسافراً؛ فقد قال الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ولم يخص الله ضرباً دون ضرب؛ بل أطلق وعمَّم. وأنت ذكرتَ في سؤالك أن هؤلاء ذهبوا إلى مدائن صالح للاتعاظ والاعتبار، والاتعاظ والاعتبار نوعان: النوع الأول: الاتعاظ والاعتبار بما كان لهؤلاء القوم من القوة والقدرة، حيث كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً؛ فهذا لا يجوز لأن هذا يؤدي إلى تعظيمهم، ويُقَسِّي القلب. والنوع الثاني: الاتعاظ والاعتبار بأخْذِ الله وعقوبته لهم، وأنهم على هذه العظمة لم يضروا الله شيئاً، ولم يعجزوا الله سبحانه وتعالى فهذا لا بأس به. ومع ذلك فإني أخبرك وأخبر مَن يستمع ويتعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم) . فمن ذهب ودخل وهو يبكي خوفاً من الله عز وجل، فليفعل، وإلا فلا يدخل، بل يبتعد، ولهذا لما مر الرسول عليه الصلاة السلام بديارهم في ذهابه إلى تبوك أو رجوعه منها فقَنَّع رأسه ونَزَّله وأسرع المسير عليه الصلاة والسلام، فكيف بالذي يذهب وينزل بساحتهم؟! حتى ولو كان للاعتبار الديني فإننا لا نشير عليه بذلك، إذا كان يعتبر اعتباراً دينياً فليقرأ القرآن، القرآن إيمانُ المؤمن بما فيه أكبر من إيمانِه بما يشاهده، وإن كانت المشاهدة لا شك تعتبر زيادة في الإيمان؛ لكن على كل حال نقول: من ذهب إلى هؤلاء القوم على الوجه الذي اشترط الرسول: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم) . السائل: ولكنهم قد صلوا قصراً وجمعاً! الشيخ: نعم، صلاتهم صحيحة؛ لأنهم مسافرون. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 19 معنى تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات الفقهية: أن تواطؤ الرؤى كتواطؤ الشهادات؟ الجواب معناه: أن الرؤيا إذا تواطأت واتفقت فهي كتواطؤ الشهادات؛ يعني: أنها تقوِّي. مثال ذلك: إذا رأى ثلاثة أو أربعة ليلة القدر في ليلة خمس وعشرين، فهذا هو تواطؤ هذه الرؤى، فيدل ذلك على أن لها أصلاً. وإذا شهد رجلان على شخص ثم شهد ثالث ورابع، فالشهادة الثالثة والرابعة تقوِّي شهادة الرجلين الأوَّلَين. وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة صحيح، ومستند إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام للجماعة الذين أُرُوا ليلة القدر: (أَرَى رؤياكم قد تواطأت -لأنهم رأوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان- فمَن كان متحريها فليتحرَّها في السبع الأواخر) . الجزء: 41 ¦ الصفحة: 20 حكم تلبية الدعوة لحضور الولائم بعد الإحداد السؤال فضيلة الشيخ! اعتاد بعض الناس في الآونة الأخيرة أنه إذا مات عن المرأة زوجها، وانتهت فترة الأربعة أشهر وعشراً، وهي ما تسمى بالحداد، أقام أقاربها ولائم، الابن مَرَّة، والأخت مَرَّة، وغيرهما مرَّة، وهكذا، فما حكم هذا العمل؟ وما حكم تلبية الدعوة بالنسبة لحضور هذه الولائم؟ الجواب والله الذي يظهر لي -إن شاء الله- أنه ليس فيها شيء؛ لأن هذا شيء معتاد، وليسوا يفعلونه على سبيل التعبد، بخلاف نساء الجاهلية، فنساء الجاهلية إذا تمت السنة وكان النساء في ذلك الوقت من الجاهلية يعتَدِدْن بسنة كاملة، فتبقى في أقبح بيت، ولا تمس الماء، حتى لو حاضت لا تمس الماء ولا تغتسل، فتبقى منتنة رائحتها كريهة، وإذا خَرَجَت بعد سنة كاملة أخذت بَعَرَة ورمت بها، فتقول: كأنَّ كل ما مر عليَّ أهون عليَّ من رَمْي هذه البعرة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (قد كانت إحداكن ترمي بالبَعَرة على رأس الحول) . والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله. الجزء: 41 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [42] تحدث الشيخ عن أواخر سورة البروج وما فيها من معاني قدرة الله في كل شيء، وما فيها من خبر إهلاكه تعالى للأقوام السابقة لما كذبوا وكفروا، وأخبر تعالى بأن الذين كفروا دائماً في تكذيب لآيات الله. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البروج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر جمادى الثانية عام (1414هـ) ، والذي يتم كل أسبوع في يوم الخميس. لقاؤنا هذا نفتتحه بالكلام على آيات من كتاب الله عز وجل في سورة البروج من قوله تبارك وتعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] ؛ لأن ما سبق قد تكلمنا عنه. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فعال لما يريد) قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] هذا وصف لله سبحانه وتعالى أنه فعال لما يريد، فكل ما أراد سبحانه فإنه يفعله، لا يمنعه شيء من ذلك؛ لأن له ملك السماوات والأرض، ومالك السماوات والأرض لا أحد يمنعه من أن يفعل في ملكه ما شاء، وهذا كقوله تبارك وتعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ، فالخلق مهما كانوا لا يستطيعون أن يفعلوا ما شاءوا، بل قد يريدون الشيء إرادة جازمة وبكل قلوبهم، ويتمنون أن يفعلوه؛ ولكن لا يحصل لهم هذا، بل يحول بينهم وبينه قدر الله عز وجل، أما الرب تبارك وتعالى فإنه فعال لما يريد. وفي الآية الكريمة إثبات إرادة الله سبحانه وتعالى، وهو كذلك، فإنه تعالى له إرادة كاملة تامة في خلقه حتى فيما يتعلق بأفعال الخلق؛ لا يكون فعلٌ من الناس إلا بإرادة الله كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] فعلق مشيئتهم بمشيئته سبحانه وتعالى. وقال جلَّ وعَلا: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] . فهو سبحانه وتعالى إرادته شاملةٌ لِمَا يكون من فعله، ولِمَا يكون من فعل العباد، فأنا -مثلاً- لو تكلمت بكلامي هذا أو بغيره أو بما سبقه، فكل كلامي كائن بإرادة الله، ولو شاء الله ما تكلمتُ، وإذا شاء الله أن أتكلم تكلمتُ، فتنبعث من قلبي إرادة للكلام فأتكلم، ولهذا قال: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] . الجزء: 42 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الجنود) ثم قال عز وجل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} [البروج:17] والخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أو لكل من يصح أن يتوجه إليه خطاب، والاستفهام للتنبيه؛ لأن الشيء إذا جاء باستفهام انتبه له الإنسان أكثر، فالله عز وجل يقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} [البروج:17] ، فالجنود: جمع جند، وهو هنا مُبْهَم؛ لكنه فسره بقوله: {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} [البروج:18] أي: هل أتاك خبرهم؟ و الجواب نعم، أتانا خبرهم، قص الله سبحانه وتعالى علينا من نبأ فرعون وثمود ما فيه عبرة لمن كان قلبه حياً {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] . الجزء: 42 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فرعون وثمود) ذكر الله تعالى قصة فرعون في آيات كثيرة في القرآن الكريم وفي سور متعددة، وذلك لأن قصة فرعون مقدمة بين يدي رسالة موسى عليه السلام، وموسى كما هو معروف مبعوث إلى بني إسرائيل؛ وقد قص الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم من نبأ موسى ما لم يقصه من نبأ غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سوف تكون هجرته إلى المدينة، والمدينة فيها ثلاث قبائل من اليهود ساكنة فيها، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعلم من نبئهم الشيء الكثير؛ من أجل أن يكون على استعداد لمناظرتهم ومجادلتهم بالحق، حتى لا يخفى عليه من أمرهم شيء. ففرعون: ملك مصر، وهل هو عَلَم شخص أو عَلَم وصف؟ بمعنى: هل فرعون اسم للجبار العنيد الذي بُعِث إليه موسى؟ أو أنه وصف لكل مَن مَلَك مصر وهو كافر؟ من العلماء من يقول: إنه علم شخص؛ يعني: أنه الذي أُرْسِل إليه موسى وهو جبار عنيد يسمى فرعون. ومنهم مَن قال: إنه علم وصف لكل مَن مَلَك مصر كافراً، كما يقال: كسرى لكل مَن مَلَك بلاد الفرس، وقيصر لكل مَن مَلَك بلاد الروم، والنجاشي لكل مَن مَلَك الحبشة، وما أشبه ذلك. والخلاف في هذا ليس بذاك المهم؛ لكن المهم أن فرعون قصته معروفة؛ كان جباراً عنيداً متكبراً، يَدَّعي أنه الرب، ويستهزئ بموسى، وبما جاء به من الآيات، ويتحداه، ويقول له صراحة وجهاً لوجه: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً} [الإسراء:101] ، ويفتخر ويقول لقومه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:51-53] . وماذا كانت النتيجة؟! كانت النتيجة أن كفر به أخص الناس بكيده وهم السَّحَرة، فإن السَّحَرة لما جمعوا كل ما عندهم من السحر، وجاءوا لمقابلة موسى عليه الصلاة والسلام حيث إن موسى أتى بآية تشبه السحر؛ ولكنها ليست بسحر؛ بل هي آية من آيات الله، وهي أنه يضع العصا التي بيده -عصا من خشب-، فإذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى، فقال الناس: هذا سحر، فجُمِع السَّحَرة كلهم؛ أكبرُ السَّحَرة وأحذقهم بالسحر جُمِعُوا في وقت حدَّده موسى، حيث قال له فرعون: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوَىً} [طه:58] أي: مكاناً مستوياً منبسطاً حتى يشاهد الناس ما يشاهدون من السحر وأعمال السَّحَرة، فقال لهم: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه:59] ، ويوم الزينة يوم عيدهم، ويوم العيد -كما تعلمون- يكثر فيه تجمع الناس، ويهنئ بعضُهم بعضاً بالعيد، فاجتمعوا -كما وعدهم موسى- يوم الزينة، وحُشِر الناس، ومتى حُشروا؟ لم يُحشروا في الليل، أو في آخر النهار، أو أول النهار؟ بل حُشروا ضحى في رابعة النهار. ولَمَّا حشروا ألقى السَّحَرة كل ما يكيدون من كيد وسحر، {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:66-67] ؛ لأنه شاهد شيئاً عظيماً، فأوحى الله إليه أن يلقي العصا، فألقى العصا فإذا هي تلقف ما يأفكون، حينئذ علم السَّحَرة أن موسى صادق وأنه ليس بساحر؛ لأنه لو كان ساحراً ما غلبهم بسحره، فآمنوا بالله وكفروا بفرعون، و {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:121-122] ، وتحدوا فرعون. وفي النهاية كانت نهاية فرعون أن أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به بالأمس، في قوله: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] ، والأنهار: المياه، فأهلكه الله بجنس ما كان يفتخر به. أما ثمود: فإن الله تعالى قد أعطاهم قدرة وقوة، وأترفهم، حتى كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ويتخذون من السهول قصوراً، وكانت لهم قوة وصرامة، فأُهْلِكوا حين كَذَّبوا نبيهم صالح عليه السلام أُهْلِكوا برجفة وصيحة، صِيْحَ بِهِم، وارتجفت بهم الأرض، فهَلَكوا عن آخرهم، {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67]-والعياذ بالله-. فالله عز وجل يقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} [البروج:17-18] ، وماذا كان من نبئهم؟ وفي هذا التنبيه فائدتان: الفائدة الأولى: تسليةُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتقويتُه، وأن الذي نصر الرسل من قبله سوف ينصره، ولا شك أن هذا يقوِّي العزيمة، ويوجب أن يندفع الإنسان فيما كُلِّف به من تبليغ الرسالة. والفائدة الثانية: تهديدُ قريش الذين كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنهم ليسوا أشد قوة من فرعون وثمود، ومع ذلك أهلكهم الله سبحانه وتعالى. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (بل الذين كفروا في تكذيب) قال تعالى: {بَلِ} [البروج:19] للإضراب، وهو للانتقال من موضوع إلى آخر. {الَّذِينَ كَفَرُوا} [البروج:19] أي: بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {فِي تَكْذِيبٍ} [البروج:19] (في) للظرفية، كأن هؤلاء منغمسون في التكذيب، والتكذيب محيط بهم من كل جانب، وهذا أبلغ من قوله: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} [الانشقاق:22] في هذا الموضع، وإلاَّ فإن قوله: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} [الانشقاق:22] في موضعه يكون أبلغ؛ لأن القرآن الكريم قد يأتي بالكلمتين مختلفتين في موضعين، وتكون كل واحدة في موضعها أبلغ من الأخرى، إذ أن القرآن مشتمل على غاية البلاغة. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (والله من ورائهم محيط) قال تعالى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:20] أي: غالِبُهم ومحيطٌ بهم، ومهما فروا فإن الله تعالى مدركهم لا محالة، فهو محيط بهم علماً وقدرةً وسلطاناً، ولَنْ يُفْلِتوا من الله سبحانه وتعالى إذا أراد بهم سوءاً، كما قال تعالى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11] . ثم قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] وسنتكلم على هذا إن شاء الله في اللقاء القادم؛ لأنه مهم، ونذكر المناسبة بين ختمه لهذه السورة بهاتين الآيتين، وبين ابتدائها بالسماء ذات البروج، وما ذكر فيها من العبر والقصص. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 42 ¦ الصفحة: 8 تفسير معنى إرادة الله السؤال فضيلة الشيخ! هل الإرادة تكون بمعنى المحبة في قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] ؟ الجواب قال العلماء: إرادة الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: إرادة بمعنى: المحبة، وإرادة بمعنى: المشيئة. القسم الأول: الإرادة بمعنى: المحبة: وهي لا تكون إلا فيما يحبه الله عز وجل، مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27] فيريد بمعنى: يحب، وليست بمعنى المشيئة؛ لأنها لو كانت بمعنى المشيئة لتاب الله على كل أحد؛ لكنها بمعنى المحبة، فهو يريد أن يتوب علينا، وهذا حثٌّ لنا على التوبة؛ لأن الله يحب التوابين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشَدُّ فرحاً بتوبة عبده من أحدكم بناقته كان عليها طعامه وشرابه، وكان في أرض فلاة -ليس حوله أحد- فأضلَّ الناقة، وضاعت فطلبها، فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا بخطام ناقته متعلقاً في الشجرة، فأخذ بخطامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) ، فقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27] : أي يحب. القسم الثاني: الإرادة بمعنى: المشيئة: وهي الإرادة الكونية بمعنى: المشيئة، فهذه لا تتعلق بما يحبه فقط، بل تكون فيما يحبه وفيما لا يحبه، وذلك بمعنى: المشيئة، ومنها هذه الآية: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] أي: لِمَا يشاء، كما قال تعالى في آية أخرى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] . وبناءً على ذلك لو قال لنا قائل: هل أراد الله المعاصي للناس؟! بمعنى: هل المعاصي التي هي من أعمال الناس من الكفر والفسوق والفجور، هل هي مُرادة لله، وهل أرادها الله؟! إن قلتُ: لا، فقد أخطأتُ. وإن قلتُ: نعم، فقد أخطأتُ. إذاً: لا بد من التفصيل! نقول: أما بالإرادة الكونية فقد أرادها، ولا يَخْرُج في مُلْكه شيء عن إرادته. وإن أردتَ الإرادةَ الشرعية فإن الله لَمْ يُرِدْ ذلك؛ لَمْ يُرِدْ من العباد أن يكفروا ويفسقوا ويفجروا، بل هو يريد منهم أن يَصْلُحوا، ولكن حكمته عز وجل جعلت الناس ينقسمون إلى مؤمن وكافر. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 9 معنى قوله صلى الله عليه وسلم لما توفي ابنه إبراهيم: (إن له في الجنة مرضعاً) السؤال ثبت في صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي إبراهيم: (إن له في الجنة مرضعاً) ، فما توجيه الحديث؟ الجواب إبراهيم هو ابن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من مارية القبطية، أي: أنه مِن ولد السِّرِّيَّة وليس مِن ولد زوجةٍ، توفي وهو في زمن الرضاع قبل أن يُفْطم له نحو ستة عشر شهراً، فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن له مرضعاً في الجنة، يعني: أن هذا الطفل في الجنة، وأن له من يرضعه. أما كيف ذلك؟ فلا ندري؛ لأن هذا من أمور الغيب؛ وأمور الغيب علينا أن نؤمن بمعناها، وأن نتوقف عن كيفيتها، ولا نسأل: كيف؟! نؤمن بأن إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم له مرضع في الجنة، أما كيف ذلك؟! فليس لنا أن نسأل؛ لأننا نعلم أن الصحابة الذين قال فيهم الرسول هذه المقالة أحرص منا على العلم، ومع ذلك ما قالوا: كيف يا رسول الله؟! كيف يكون له مرضع في الجنة وقد مات؟! فنحن نقول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن إبراهيم له مرضع في الجنة؛ ولكن لا ندري كيف ذلك. ؟! السائل: بلا تأويل! الشيخ: أبداً، هكذا نقول. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 10 حكم المريض الذي لا يستطيع الصلاة قائماً أو قراءة القرآن من المصحف السؤال هناك إنسان مريض إذا ذهب إلى المسجد لا يستطيع الصلاة واقفاً خوفاً من الناس، فيجلس، وإذا قرأ القرآن تنقلب الحروف سوداء، لا يستطيع قراءتها، وإذا خرج وذهب إلى البيت صلَّى بصورة عادية، وقرأ القرآن بصورة عادية، فهل يحق له الصلاة في البيت؟ الشيخ: قولك: إذا كان في المسجد وقرأ القرآن كانت الحروف سوداء، تعني: أنه يقرأ في المصحف؟ السائل: نعم. الشيخ: وهو يصلي. السائل: داخل المسجد قبل الصلاة. الشيخ: مسألة القراءة قبل الصلاة هذه سنة، أعني: إن تيسرت وإلا يذكر الله بقلبه ولسانه، أو يقرأ ما يحفظه من القرآن بدون مصحف، فهذه ليست مهمة بتلك الأهمية. لكن إذا كان الإنسان في بيته يستطيع أن يصلي الفريضة قائماً وإذا ذهب إلى المسجد لا يستطيع القيام، إما لتعبه من المشي، أو لخوفه من الناس، أو لأي سبب من الأسباب فقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة: فمنهم من يقول: يصلي في بيته قائماً، ولا يجوز أن يذهب إلى المسجد ويصلي قاعداً، وعللوا هذا بأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به، وصلاة الجماعة واجبة، تصح الصلاة بدونها. ومن العلماء من يقول: بل يجب عليه الذهاب إلى المسجد؛ لأنه دعي إلى الصلاة، وصلاة الجماعة واجبة عليه، فليذهب إلى الصلاة، ثم إن استطاع أن يصلي قائماً فعل، وإن لم يستطع فإنه يصلي قاعداً، وهذا القول أصح؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وهذا الرجل دعي إلى الصلاة، وسمع النداء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) فليجب، ثم إذا وصل إلى المسجد إن قدر على القيام قام، وإلا صلى جالساً. وهذا القول هو الصحيح، والقيام ليس بركن في حقه الآن؛ لأنه ليس بقادر عليه. السائل: هو يختلف عقلياً داخل الصلاة! الشيخ: إذا كان يختلف عقلياً بحيث لا يدري ما يقول فهذا معذر في ترك الجماعة، فليصلِّ في بيته. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 11 حكم النشيد الوطني السؤال في بعض المدارس وفي نهاية الطابور الصباحي في المدارس يقوم الطلاب بترديد ما يسمى بالنشيد الوطني، فما رأيكم في هذا؟ الشيخ: ما هو النشيد الوطني؟ السائل: والله لا أحفظه؛ لستُ أدري إذا كان أحد الإخوان يحفظه! لكنَّه هو قولُهم: سارعي للمجدِ والعلياءِ مَجِدِّي لخالق السماءِ الشيخ: سارعي! يخاطب مَن؟! امرأة؟! أم أنه يخاطب نفسه؟! السائل: وطنَه. مداخلة: العَلَم. الشيخ: إذا كان العَلَم فيقال: سارعْ، أليس العَلَم مذكَّراً؟! مداخلة: إذاً: الراية. الشيخ: الراية! السائل: سارعي للمجدِ والعلياءِ مَجِدِّي لخالق السماءِ وارفعي الخفَّاقَ أخضرْ يحمل النور المسطَّرْ ردِّدي: الله أكبر يا موطني عاش الملك للعَلَم والوطن الشيخ: على كل حال أرى أن الذي يجب أن يُسأل عنها هم الذين بيدهم إلغاؤه أو إبقاؤه، وهذه قاعدة أحب أن يتنبَّه لها من يُستفتَى، يأتي مثلاً بعض الناس ممن هم تحت إدارة معينة، ويكون في هذه الإدارة بعض التجاوزات، وبعض المنكرات، فيأتي أحد الإخوة يسأل عنها، ربما يجيب المجيب بحسن نية، فيتخذ السائل من هذا الجواب سُلَّماً للمنازعة مع المسئولين والتشويش عليهم، ولا يحصل المقصود؛ لأن المسئولين إذا جاءهم الأمر من أسفل قد لا يخضعون ولا يستجيبون، ويزيدون في ما هم عليه؛ لكن يجب أن تُعالَج هذه الأمور من فوق، فيُنْظَر: أولاً: هل العَلَم وهو جماد يُخاطَب بمثل هذا الخطاب أم لا؟! هذه واحدة. ثانياً: عندما يقال: عاش الملك للعَلَم والوطن ما معنى هذه الكلمة؟! عاش المليك، لا بأس، ندعو له بالعيش الحميد، والحياة الطيبة، وأن يسدد الله خُطاه، وأن يدله على الخير، هذا لا بأس، ندعو له بذلك. لكن العبارة الثانية:.. للعَلَم والوطن ما معنى للعَلَم والوطن؟! هل المعنى: عاش للعَلَم، وعاش للوطن؟! أم أن المعنى: أنني أقول ذلك تعظيماً للعَلَم وللوطن؟! ما ندري! والحقيقة أن الذي ينبغي هو أن نوجه شبابنا إلى التحمُّس للدين، لا للوطن؛ لأن التحمُّس للوطن، أو للقومية، أو ما أشبه ذلك لا ينبغي مع وجود التحمُّس لدين الله عز وجل، ولهذا ترك الصحابة أوطانهم بعد الفتوحات الإسلامية، وذهبوا يسكنون الكوفة، والبصرة، والشام، ومصر؛ لأن وطن المسلم هو ما يستقيم به دينُه. فكوننا نربي الأجيال على الدفاع عن الوطن وما أشبه ذلك دون أن نشعرهم بأننا نحمي وطننا وندافع عن وطننا من أجل ديننا؛ لأن وطننا -والحمد لله- وأعني بذلك المملكة العربية السعودية هو من خير أوطان المسلمين إقامة لدين الله، فإذا كان الإنسان يريد بالوطنية أي: أن وطننا هو أحسن الأوطان في الوقت الحاضر بالنسبة لإقامة الدين، فأنا أدافع عن وطني؛ لأنه الوطن الإسلامي الذي يطبق من أحكام الشريعة ما لا يطبقه غيره، وإن كان عندنا خلل كثير، فهذا لا بأس، أما مجرد الوطنية فهذه دعوة فاشلة. وكما تعلمون أن الدعوة إلى القومية العربية إبَّان رؤساء سبقوا وهلكوا وهلكت دعوتُهم صارت لها ضجة كبيرة، ودعوة عظيمة؛ ولكن فشلت إلى أبعد الحدود، حتى العرب أنفسهم الآن ليسوا على قلب واحد؛ هم متفككون، ولا أَدَلَّ على ذلك من أن اليهود الذين هم عدوٌّ للجميع صار كل واحد منهم يصالحهم على انفراد، ولا يعبأ بالآخرين، وتفككت القومية العربية. ثم إن الدعوة إلى القومية العربية أخرجت ملايين المسلمين من الانطواء تحت لواء الإسلام أو الأمة الإسلامية على الأصح، وأدخلت في القومية العربية مَن هم أعداءٌ للإسلام من نصارى وغيرهم. لهذا أنا أحث الموجِّهين الذين يوجهون الشباب إلى أن يحمِّسوهم للدعوة إلى الإسلام، وتشجيعه، والأخذ بتعاليمه، حتى تعود الأمة الإسلامية إلى ما كانت عليه من قبل، فتعتز بإسلاميتها، وتعتز بما عندها من شريعة الله عز وجل، ولا يمكن أن يُعِزَّ اللهُ قوماً بشيء ثم يتركوا هذا الشيء ليعتزوا بغيره أبداً، كما يُرْوَى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [إننا قوم أعزنا الله بالإسلام] يعني: أننا إذا تركنا الإسلام ذهبت العزة، وهذه حقيقة، فالعرب العرباء الذين هم عربٌ أقحاح هم الذين كانوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفيما قبله من زمن الجاهلية، ومع ذلك ما انتصروا على غيرهم من الفرس والروم إلا بالإسلام. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 12 مسألة التورُّق السؤال ما هو التورُّق؟ وما حكمه؟ الجواب التورُّق: هو أن يحتاج الإنسان إلى دراهم ليشتري سلعة، ولم يجد مَن يقرضه، فيذهب إلى شخص ويشتري منه سلعةً بثمن مؤجل أكثر من ثمنها حاضراً، ثم يأخذ السلعة ويبيعها، ويشتري بثمنها السلعة التي يريد. وكذلك كأن يحتاج الإنسان إلى أرض ليبني عليها سكناً له، وليس معه دراهم، ولا يجد من يقرضه، ويأبى صاحب الأرض أن يبيعها بثمن مؤجل، فيذهب إلى إنسان آخر ويقول: بِعْ عليَّ سيارات بثمن مؤجل أكثر من الثمن الحاضر، ثم يأخذ السيارات، ويبيعها، ويشتري بثمنها هذه الأرض. هذا هو التورُّق، بمعنى: أن يحتاج إلى دراهم، فيشتري ما يساوي ألفاً بألف ومائة إلى أجل، ليبيعه، ويأخذ دراهمه ليشتري بها حاجته. هذا هو التورُّق. والعلماء رحمهم الله مختلفون فيه: منهم من أجازه، ومنهم من قال: هو مكروه، ومنهم من قال بتحريمه، وشدد فيه شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 13 حكم صلاة الجمعة على من يبعد عن المسجد ولا يسمع النداء السؤال جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجمعة على مَن سمع النداء، ويقول الإمام أحمد: إن الجمعة تجب على مَن يبعد عن المسجد بفرسخ فما دون، فما هو الفرسخ؟ وهل مَن يبعُد عن المسجد بأكثر من فرسخ أو لا يسمع النداء لا تجب عليه الجمعة؟ الجواب يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ، والجمعة لا تقام إلا في مكان واحد من البلد، مضى على ذلك عَهْدُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولم تُعَدَّد الجُمَع في بلد واحد إلا في القرن الثالث أي: مضى على الأمة الإسلامية مائتا سنة وهم يصلون في مكان واحد. وإذا كان الإنسان في البلد الذي تقام فيه الجمعة وجبت عليه الجمعة، ولو كانت بينه وبينها فراسخ، ما دام في البلد، وسواء كان يسمع النداء أو لا يسمعه؛ لأن المسجد هذا لكل أهل البلد. أما إذا كان خارج البلد -أي: في ضواحي البلد- فهذا هو الذي قاله الإمام أحمد: ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ. والفرسخ: ثلاثة أميال. وإنما قلتُ لك: إنه مضى على هذه الأمة الإسلامية مائتا سنة ولم تُعَدَّد الجُمَع في المساجد وذلك من أجل أن تنتبه لما يفعله الناس اليوم حيث يعَدِّدون الجُمَع، حتى أصبحت في بعض البلاد كأنها صلاة عادية؛ كأنها صلاة ظهر تقام في كل مسجد، وهذا ليس في بلادنا والحمد لله؛ لكن في البلاد الأخرى، وهذا خطأ، فإن من حكمة الشرع أن يجعل لمعتنقي الشرع يوماً في الأسبوع يجتمعون فيه، ويصدرون عن إمام واحد، وعن رأي واحد، فإذا تعدَّدت الجُمَع زالت هذه الحكمة. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 14 الجمع بين قوله تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) السؤال فسر بعضُهم قولَ الله تعالى في سورة الذاريات: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:16] قالوا: المحسنون: هم الذين أحسنوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأحسنوا إلى الناس، فكيف نوفِّق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر: (المسلم مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويده) وبين الآية؟ وهل يكون هذا التعريف الذي في الحديث هو للإسلام الخاص؟ الشيخ: لم أفهم وجه الإشكال! السائل: يا شيخ! الذي يحسن إلى العباد ويحسن إلى رب العباد هل يكون مطبقاً لهذا الحديث السابق، ويكون إسلامه إسلاماً خاصاً فقط؟ الشيخ: قوله تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:16] الإحسان في هذه الآية: إما في عبادة الله، وإما في معاملة عباد الله. فالإحسان في عبادة الله: بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) . والإحسان في معاملة الخلق: فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . وقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يزَحْزَح عن النار ويُدْخَل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتَى إليه) ، فهذا هو الإحسان في معاملة الخلق. والإحسان في الآية الكريمة: ذَكَرَ الله تعالى صنفاً منه ونوعاً منه في قوله: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17-18] إلى آخر الآيات، فالمهم أن الإحسان يكون في عبادة الله، ويكون في معاملة عباد الله. أما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المسلم مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويده) فهذا هو الإحسان في معاملة الناس. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 15 حكم الإعداد للجهاد السؤال هل الإعداد للجهاد فرض عين أم فرض كفاية؟ الجواب الإعداد للجهاد ومباشرة الجهاد فرض كفاية، فلو وجدنا مثلاً أمة تستعد للجهاد في سبيل الله، وعندها ما يكفي صار في حق الآخرين سنة وليس بواجب، وإذا لم يوجد أحدٌ أَثِمَ الجميع في عدم الإعداد وعدم الجهاد. لكن الأمر -كما ترى- في الوقت الحاضر ليس هناك صِدْقٌ مع الله، لا بالنسبة للناس، ولا بالنسبة لحكام الناس. فأما الناس فتجدُ عامتهم وأكثرَهم غافلين عن هذا إطلاقاً، وليس عندهم استعداد، فهم في غفلة؛ بل لم يحصل منهم حتى جهاد أنفسهم عن محارم الله. وأما الحكام فكما ترى، هم أيضاً غافلون عن هذا نهائياً، ولذلك أصبحت الأمة الإسلامية الآن أمةً ممزقة متفرقة، وأصبح الكفار هم الذين لهم السيطرة على العالم، ولا يمكن أن يكون لنا سيطرة على العالم وعلى الكفار إلا بالرجوع إلى الدين الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وتطبيقِه عقيدةً وقولاً وعملاً؛ في عبادة الله، وفي معاملة عباد الله، ولهذا لَمَّا قال أبو سفيان لـ هرقل ما يعلمه من صفات الرسول عليه الصلاة والسلام ومعاملته، قال له هرقل: [إن كان ما تقولُه حقاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين] . فنحن الآن في حال يُرْثَى لها في الواقع، نسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها. السائل: هل للإنسان إذا توفرت له الفرصة للإعداد، وأعد نفسه للجهاد بالسلاح، هل يصير الجهاد في حقه فرض عين؟ الشيخ: هو فرض كفاية؛ لا يكون الجهاد فرض عين إلا في أحوالٍ معينة عيَّنها العلماء: الأولى: إذا حضر الصف: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] ، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من الموبقات. الثانية: إذا حاصر بلدَه العدو: فلا بد أن يدافع لفك الحصار عن بلده، وفي هذه الحال قال العلماء: إنه يكون فرض عين؛ لأن هذا كتقابل الصفَّين. الثالثة: إذا استنفره الإمام: فلو قال: يا فلان اخرج، صار فرض عين، ولا يجوز أن يقول: مُرْ غيري، بل يجب أن يطيع. الرابعة: إذا دَعَت الحاجة إليه بعينه: مثل أن يكون عارفاً بنوع من السلاح، ولا يستخدمه إلا مثلُه، فهنا يتعين عليه أن يباشِر القتال بهذا السلاح الذي لا يعرفه إلا هو. هذه الأحوال الأربع هي التي ذكر العلماء أن الجهاد يكون فيها فرض عين، وما عدا ذلك فإنه فرض كفاية. ثم إن كونه فرض كفاية أو فرض عين لا بد لها من شروط، أهمها: القدرة، فإن لم يكن عند الإنسان قدرة فإنه لا يُلْقِي بنفسه إلى التهلكة، قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] . الجزء: 42 ¦ الصفحة: 16 كيفية الإفتاء في القضايا الخاصة السؤال لو أن إنساناً طلق زوجته فقال لها: أنت طالقٌ طالقٌ طالقٌ طالق، أربع مرات، ثم خرج من المجلس الذي كان فيه هو وزوجته، فلحقه أخو الزوجة فقال: أنت طلقتها؟ قال: نعم، هي طالقٌ طالق، مرتين، ثم رجع بعد مدة وقال: أريد زوجتي، وقال: إني كنتُ غضباناً، فأريد إعادة زوجتي، فما الحكم يا شيخ؟ الجواب هذه قضية معينة ولا نفتي فيها بفتوى عامة؛ لكن نقول: مُرْ هذا الرجل الذي حصل منه هذا الكلام أن يتصل بنا أو بغيرنا من أهل العلم، ويسأل هو بنفسه، وإن كانت المسألة وقَعَتْ منك أنت فبعدما ينتهي المجلس أخبرك بالجواب -إن شاء الله-. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 17 الحكمة من تشابه الآيات في القرآن الكريم السؤال يا شيخ! ما الحكمة من تشابه الآيات في القرآن الكريم؟ الشيخ: من أي ناحية؟ من ناحية المعنى أم من ناحية اللفظ؟ السائل: من ناحية اللفظ! الجواب الحكمة من تشابه الآيات في القرآن الكريم من ناحية اللفظ هو: تكرار ما تفيد هذه الآيات من المعاني على النفوس، من أجل أن يهتم بها الإنسان، ولهذا تجد بعض السور تتكرر فيها الآية الواحدة عدة مرات، مثلاً: في سورة الرحمن كُرِّر قولُه تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] عدة مرات، أكثر من ثلاثين مرة، وفي سورة المرسلات كُرِّر قولُه تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:15] ، وذلك من أجل الاهتمام والعناية بهذا الأمر. نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق لما يحبُّ ويرضى، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، والسلام عليكم. الجزء: 42 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [43] ضمن درس اللقاء فسر الشيخ رحمه الله آخر جزء في سورة البروج، وذكر أن الكفر يصدق على كل من كفر بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم تحدث عن اللوح المحفوظ وأنواع الكتابة، وأشار إلى أن التمسك بالكتاب والسنة مصدر عزنا ومجدنا، وأجاب ضمن أسئلته عن سؤال يتعلق باقتناء الدشوش، وآخر عن إطلاق كلمة (مسيحيين) على النصارى. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البروج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني في هذا الشهر. شهر جمادى الثانية عام (1414هـ) والذي يتم في كل خميس من كل أسبوع. وقد حصل بهذا اللقاء -ولله الحمد- خير كثير؛ حيث انتفع الناس به، مِن الحاضرين، ومِن الذين يستمعونه عبر الشريط وغيره، ولا شك أن هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده في هذا الزمن الذي ضعفت فيه الهمم، وقلَّ فيه الطالبون للعلم؛ لكن جاء الله تعالى بهذه الوسائل العظيمة الكثيرة السهلة، فيستطيع الإنسان أن ينتفع بالعلم وهو يمشي في سيارته، أو وهو يأكل؛ يتغدى ويتعشى، أو وهو يشرب القهوة، أو في أي حال. ولقاؤنا هذا اليوم يشتمل على تفسير بقية سورة البروج {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج:1] ، وعلى ما يرد من أسئلة نجيب عنها بتوفيق الله سبحانه وتعالى. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (بل الذين كفروا في تكذيب) انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة البروج: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:19-20] . قوله: (الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بالله ورسوله، سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من غيرهم، وذلك لأن اليهود والنصارى الآن وبعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليسوا على دين، ولا تنفعهم أديانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، فمن لم يؤمن به فليس على شيء من دينه؛ بل إنه سبق لنا أن مَن لم يؤمن برسول واحد من الرسل فهو كافر بجميع الرسل، فمثلاً: مَن لم يؤمن بنوح أنه رسول، ولو آمن بغيره من الأنبياء فإنه مكذب لجميع الأنبياء، والدليل على هذا قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] فبين الله أن هؤلاء كذبوا جميع الرسل مع أنهم لم يكذبوا إلا رسولاً واحداً؛ إذْ أنه ليس قبل نوح رسول. كذلك الذي كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو مكذِّب لغيره من الرسل. فإذا ادَّعت اليهود أنهم على دين، وأنهم يتبعون التوراة التي جاء بها موسى، نقول لهم: أنتم كافرون بِموسى، كافرون بالتوراة. وإذا ادَّعت النصارى -الذين يُسَمُّون أنفسهم اليوم بالمسيحيين- أنهم مؤمنون بعيسى، قلنا لهم: كذبتم، أنتم كافرون بعيسى؛ لأنكم كافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام. والعجب أن هؤلاء اليهود والنصارى يكفرون بمحمد عليه الصلاة والسلام مع أنهم {يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] و {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146] أبناءهم؛ لكن العناد والكبرياء والحسد مَنَعَهم أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] . فالحاصل أن قوله تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يشمل كل من كفر بمحمد حتى من اليهود والنصارى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة -أي: أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار) . كل الكفار {فِي تَكْذِيبٍ} [البروج:19] ، وقال: (فِي تَكْذِيبٍ) فجعل التكذيب كالظرف لهم، أي: أنه محيط بهم من كل جانب -والعياذ بالله-. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والله من ورائهم محيط) قال تعالى: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} [البروج:20] أي: أن الله تعالى محيط بهم من كل جانب، لا يشذُّون عنه، لا عن علمه، ولا سلطانه، ولا عقابه؛ ولكنه عز وجل قد يُمْلِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (بل هو قرآن مجيد) قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] . (بَلْ هُوَ) أي: ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام. (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) أي: ذو عَظَمة ومجد، ووَصْفُ القرآن بأنه مجيد لا يعني أن المجد وصفٌ للقرآن نفسِه فقط، بل هو وصف للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآن فحمله، وقام بواجبه مِن تلاوته حق تلاوته، فإنه سيكون له المجد والعزة والرفعة. وقوله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:22] يعني بذلك: اللوح المحفوظ عند الله عز وجل الذي هو أم الكتاب، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] ، هذا اللوح لو سألنا سائل: من أي مادة هو؟ نقول: الله أعلم! فلو قال: هل هو من خشب؟ أو من حديد؟ أو من زجاج؟ أو من ذهب؟ أو من فضة؟ لقلنا: لا ندري. هو لوح كتب الله فيه مقادير كل شيء، ومن جملة ما كَتَبَ فيه: أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو في لوح محفوظ. قال العلماء: محفوظ: لا يناله أحد، محفوظٌ عن التبديل والتغيير، والتبديل والتغيير إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأن الكتابة من الله عز وجل أنواع، وأرجو أن تنتبهوا لهذا: النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ: وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه، لأنه هو النهائي. النوع الثاني: الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم:- لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر بعث الله إليه ملكاً موكَّلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح -بإذن الله-؛ لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم، إذا نفخت فيه الروح صار إنساناً، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقِه، وأجَلِه، وعملِه، وشقيٍّ أو سعيد. النوع الثالث: الكتابة الحولية كل سنة:- وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة، قال الله تبارك وتعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] ، فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة. النوع الرابع: كتابة الصحف التي في أيدي الملائكة:- وهذه الكتابة تكون بعد العمل. والكتابات الثلاث السابقة كلها تكون قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه، فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون، قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:9-12] . فهذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابةُ ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عمل، فإذا كان يوم القيامة فإنه يُعطَى هذا الكتاب، كما قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] يعني: تُعطَى الكتاب، ويقال: أنت اقرأ، وحاسب نفسك، قال بعض السلف: لقد أنصفَك مَن جعلك حسيباً على نفسك. وهذا صحيح، أيُّ إنصاف أبلغ من أن يقال لشخص: تفضَّل، هذا ما عملت، حاسِب نفسك! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبر إنصاف هو هذا. فيوم القيامة تعطى هذا الكتاب منشوراً مفتوحاً أمامك ليس مغلقاً، تقرأ ويتبين لك أنك عملت في يوم كذا، في مكان كذا: كذا وكذا، فهو شيء محفوظ لا يتغير، وإذا أنكرتَ فهناك مَن يشهد عليك، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النور:24] يقول اللسان: نطقتُ بكذا، {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24] تقول اليد: بطشتُ، وتقول الرجل: مشيتُ، بل يقول الجلد أيضاً، فالجلود تشهد بما لَمِسَت، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:21] . المهم الآن أن اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء، وهو محفوظ من التغيير، محفوظ من أن يناله أحد، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كَتَب فيه، وقلنا: إنه محفوظ لأنه لا يتغير، وما بأيدي الملائكة يتغير، وقلنا: إن الكتابات أربعة: الأولى: كتابة اللوح المحفوظ. والثانية: كتابة الأجنة. والثالثة: الكتابة الحولية، تكون في ليلة القدر. والرابعة: كتابة الأعمال بعد وقوعها، وتكون هذه بأيدي الملائكة، عن اليمين واحد من الملائكة، وعن الشمال واحد، يسجلان على الإنسان كلَّ ما يقول، نحن الآن نسجل في شريط في المسجل، فلا يفوت شيء من كلامنا، حتى النَّفَس يُدْرَك بهذا الشريط. فالملائكة أيضاً يكتبون كل شيء: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وقوله: {مِنْ قَوْلٍ} [ق:18] يقول علماء البلاغة عنها: إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، أيْ: أنَّ أيَّ قول تقوله فعندك رقيب عتيد حاضر لا يغيب عنك. ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان مريضاً، وكان يئن في مرضه من شدة المرض، فدخل عليه أحد أصحابه، وقال: يا أبا عبد الله إن طاوساً -وهو رجل من التابعين معروف- يقول: إن الملائكة تكتُب على الإنسان حتى أنينه في مرضه، فأمسك -رحمه الله- عن الأنين. فالأمر ليس بالأمر الهين. نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم بعفوه ومغفرته. وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة التي ابتدأها الله تعالى بالقسم بالسماء ذات البروج، وأنهاها بقوله: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] ، فمن تمسك بهذا القرآن العظيم فله المجد والعزة والكرامة والرفعة. ولهذا ننصح أمتنا الإسلامية بادئين بأفراد شعوبها أن يتمسكوا بالقرآن العظيم، ونوجِّه الدعوة على وجهٍ أوكد إلى ولاة أمورها أن يتمسكوا بالقرآن العظيم، وألا يغرهم البهرج المزخرف الذي يَرِدُ من الأمم الكافرة التي تضع القوانين المخالفة للشريعة، المخالفة للعدل، المخالفة لإصلاح الخلق، أن يضعوا هذه القوانين موضع التنفيذ، ثم ينبذوا كتاب الله وسنة رسوله وراء ظهورهم، فإن هذا والله سبب التأخر، ولا أظن أحداً يتصور الآن أن أمة بهذا العدد الهائل تكون متأخرة هذا التأخر؛ وكأنها إمارة في قرية بالنسبة للدولة الكافرة؛ لكن سبب ذلك -لا شك- معلوم، وهو: أننا تركنا ما به عزتنا وكرامتنا وهو التمسك بهذا القرآن العظيم، وذهبنا نلهث وراء أنظمة بائدة، فاسدة، مخالفة للعدل، مبنية على الظلم والجور. فنحن نناشد ولاة أمورنا، وأقصد بولاة أمورنا: ولاة أمور المسلمين جميعاً؛ لأننا أمة واحدة، وإن تفرقت بنا البلدان، واختلفت مِنَّا الألسن نناشدهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يرجعوا رجوعاً حقيقياً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يستتب لهم الأمن والاستقرار، وتحصل لهم العزة والمجد والرفعة، وتطيعهم شعوبهم، ولا يكون في قلوب شعوبهم عليهم شيء. وذلك لأن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله ما بينه وبين الناس، فإذا كان ولاة الأمور يريدون أن تُذْعِن لهم الشعوب وأن يطيعوا الله فيهم، فليطيعوا الله أولاً حتى تطيعهم أممهم، وإلا فليس من المعقول أن يعصوا الملك الأكبر، وهو الله عز وجل، ثم يريدون أن تطيعهم شعوبهم، هذا بعيد، بل كلما بعُد القلب عن الله بَعُد الناس عن صاحبهم، نسأل الله العافية، وكلما قَرُب من الله قَرُب الناس منه. فنسأل الله أن يعيد لهذه الأمة الإسلامية مجدها وكرامتها، وأن يذل أعداء المسلمين في كل مكان، ونسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، وأن يعينهم على ما أصابهم من هؤلاء النصارى الذين لا يريدون أن تقوم للمسلمين قائمة في أي مكان، ونسأل الله أن يذل النصارى واليهود، وأن يكبتهم، وأن يردهم على أعقابهم خائبين، وكذلك كل عدو للمسلمين، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 43 ¦ الصفحة: 6 مفاسد الاستراحات السؤال يا شيخ! هناك شباب يجلسون في حوش، وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو أو كيلو إلا ربع، ويصلون بنفس الحوش، ويقولون: هل تجب علينا صلاة الجماعة؟! مع العلم أن بعضهم يخرج ويصلي مع الجماعة، فيصيروا متفرقين، بعضهم يصلي في الحوش، وبعضهم يصلي خارج الحوش! ثم بماذا تنصحهم على ذَهاب أوقات كثيرة عليهم من بعد العصر حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلاً وهم جالسون جلوساً لا ثمرة فيه ولا فائدة؟ الجواب هذه الظاهرة التي ذكرها السائل قد كان منها أن فتح الناس ما يسمى بالاستراحات، فعمروا أحواشاً وفيها شيءٌ من الأشجار أو النباتات، وصاروا يخرجون إليها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل، أو قريباً من منتصف الليل، والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت، وأُنْسُ بعضِهم ببعض، وما أشبه ذلك، وقد تشتمل هذه الجلسات على شيء محرم، فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات دشوشاً، تلك التي لا يشك أحدٌ اليوم في أنها تدمر الأخلاق، وتدمر الأديان؛ لأنها تلتقط ما يُشاهَد على شاشة التلفاز بواسطتها مِمَّا يُبَث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها. فيكون عندهم هذا الدش، ثم يبقون يشاهدون ما يشاهدون فيه من المفاسد والمنكرات، فيزدادون بُعداً من الله -والعياذ بالله-وتسهل عليهم الأمور المنكَرة؛ لأنهم يمارسونها ويشاهدونها، ومن المعلوم أن من اعتاد على شيء هان عليه، ويقال في المثل السائر: (مع كثرة الإمساس يقل الإحساس) . فهذه الاستراحات يحصل فيها مثل هذه المفاسد، وتحصل فيها مفسدة أخرى أيضاً وهي: ترك الصلاة مع الجماعة، فتجد هذا المكان قريباً من المسجد، ومع ذلك لا يصلون في المسجد، وإنما يصلون في مكانهم، مع أنهم يمكن أن يذهبوا إلى المسجد بكل راحة، ويرجعوا إلى المكان بكل راحة، فهم ليسوا كالذين هم في دائرة عمل، لو خرجوا إلى المسجد لتفرقوا ولتوزعوا ولتعطل العمل، أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى المسجد لانتثروا في المسجد، ولأساءوا إلى أهل المسجد، أو لتفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا، بمعنى: أننا لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس إذا صلوا في مكاتبهم ومدارسهم فإننا لن نعذر هؤلاء؛ لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً، فلا عذر لهم -فيما نرى- في ترك الصلاة في المساجد، حتى لو صلوا جماعة؛ فإن ذلك لا يكفي عن حضور المسجد، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار) . قال: (إلى قوم) ، مع أن هؤلاء القوم ربما يقيمون الجماعة في مكانهم؛ لكن أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحضروا إلى المسجد. وقال لرجل حين استأذنه في ترك الحضور: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب!) . فلو تبلغهم -جزاك الله خيراً- عني بأنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم. وكذلك أوجه النصيحة إلى من وضع الدش في هذه الاستراحات، وأقول له: اتقِ الله في نفسك، لا تكن سبباً لدمار الأخلاق، وفساد الأديان بما يُشاهَد في هذه الدشوش. كما أنِّي -بالمناسبة- أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش؛ لأنه سوف يُخَلِّفه بعد موته. وإنِّي أسأل واضعَ الدش في بيته وهو يرى هذه المنكرات التي تُبَثُّ منه: هل هو بهذا ناصحٌ لبيته وأهله أم أنه غاشٌّ لهم؟! سيكون الجواب ولا بد: أنه غاش، إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس، فهذا شيء آخر؛ لكن سيقول: إنه غاش، فأقول له: اذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد استرعاه الله على رعية، فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) . فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يَشُكُّ أحدٌ أنه غِشٌّ في البيت فإن البيت فيه نساء وفيه سفهاء من الصغار، لا يتحاشون الشيء المحرم، بمعنى أنه لو فُرِضَ أن إنساناً عاقلاً عنده هذا الدش، وليس في البيت أحد، ويقول: أنا أريد أن أطالع ما فيه مصلحة لي، أو أطالع أخبار الناس؛ ولكن إذا جاءت الأمور المنكَرة أقفلتُه، لو قال أحدٌ هكذا، لقلنا: ربما يكون لا بأس به، مع أنه على خطر أنَّ نفسَه تستدرجه فيقع في الهلاك، وعلى خطر من أنه إذا بقي بعد موته فسيرثه من لا يستخدمه إلا استخداماً سيئاً، ثم هو لا يدري متى يموت! لذلك نصيحتي لإخواني أن يبتعدوا عن هذا الدش، وأن يفروا منه فرارهم من الأسد، وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يأتي بشيء يدمر أخلاقه وأخلاق أهله؟! نسأل الله العافية، اللهم عافنا. السائل: فكيف يستفيد من وقته؟ الشيخ: أما قضاء الوقت، فتعرفون أن الوقت طويل من صلاة العصر إلى قريبٍ من منتصف الليل، لا سيما في أيام الصيف، فإن وقت العصر يطول، فهم لو كان عندهم مثلاً مسبح يقضون الوقت في السباحة، أو عندهم مثلاً أهداف يترامون عليها ولو بالبندقية الصغيرة التي تسمى (أم الحبة) ، وكذلك لو قضوا وقتهم في سباق على الأقدام، فكل هذا عمل طيب مريح للنفس، ثم يقرءون ما تيسر من كتب العلم النافعة، أو كتب القصص النافعة، وأهم من ذلك كله أيضاً أن يقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسِيَر خلفائه الراشدين. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 7 زيادة (أقصى) في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد السؤال يا شيخنا! هناك بعض النُّسَخ من كتاب بلوغ المرام في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن أعرابياً جاء إلى المسجد فبال في طائفة من المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما (أقصى) . ) ، هذه الكلمة الأخيرة لا توجد في الصحيحين! الجواب إذا كانت لا توجد في الصحيحين وليس لها معنى فمعنى ذلك أن اللقطة فيها غلط مطبعي، فالصواب: (فلما قضى بوله. ) أي: انتهى منه. فإن كانت النسخة عندك فأرجعها إلى صاحبها. السائل: نتركها مرة أخرى. الشيخ: لا، ليس في المرة الأخرى. السائل: أنا أظن أنها في رواية أخرى. الشيخ: ليست في رواية أخرى، وليس لها معنى. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 8 حكم تأجير المحلات أو غيرها للبنك أو لمن يقيم بها المحرم السؤال كنتُ قد أفتيت عن البنك الذي يستأجر المحل الذي لا يوجد من يستأجره غيره، وقلتَ: إن ذلك حلال، وأنا عندي شك، ولا أدري هل الفتوى صحيحة أو غير صحيحة؟! الجواب والله يا أخي أنا أنصحك أنه كلَّما مرَّ عليك شيء يُنسب إليَّ أو إلى غيري من العلماء وأنت تستنكره فكذِّبه، وقل لمن قال لك: أطالبك بصحة نقلك؛ لأنه يُنقل عنا كثيراً خطأ وكذب، ويُنقل عن غيرنا أيضاً. أما بالنسبة للسؤال فأنا ما قلتُ هذا أبداً. وأقول: إنه لا يجوز لإنسان أن يؤجر دكانه أو بيته على البنك حتى لو تعطل مائة سنة، لأن الله قال في كتابه العظيم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، وتأجير المحلات للبنوك تعاونٌ على الإثم والعدوان، وإذا كان قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (لعن آكلَ الربا، ومُوْكِلَه، وشاهدَيه، وكاتبَه) مع أن الشاهدَين والكاتب ليس لهم مصلحة إلا تثبيت الربا، فقد لعن الجميع وقال: (هم سواء) . فخذ مني الآن: أنه لا يجوز أن تؤجَّر الأماكن على البنك؛ لأنه إنما وُضِع للربا، وهذا أصل وضعه، صحيحٌ أنه قد يكون له معاملات أخرى مباحة؛ لكن هو أصلاً مؤسَّسٌ للربا. فبلِّغ الذي نقل عني هذا وقل: إني سألتُ فلاناً، فقال: هذا ليس بصحيح، ولا يجوز أن تؤجر البيوت أو الدكاكين لهذه البنوك حتى وإن تعطَّل مائة سنة. السائل: حسناً -يا شيخ-! إذا أجَّرنا للبنك ففلوس البنك تكون حراماً، ولكن أي بنك من البنوك يا شيخ؟! الشيخ: البنوك الربوية معروفة. السائل: وإذا أجَّرنا لحلاقين ودكاكين شرب الدخان؟! الشيخ: كل شيء تؤجره لمحرم فأنت شريك صاحبه في الإثم، وهو حرام عليك، حتى تأجير المكان للحلاق الذي يحلق اللحية حرام؛ لكن لو أجرته لحلاق على أنه يحلق الرءوس، ثم رأيته يحلق اللحى، فهذا الإثم عليه هو؛ لأن هناك فرقاً بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه وبين من استأجره فعصى الله فيه. أفهمتم؟! هناك فرق بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه وبين من استأجره فعصى الله فيه. فمثلاً: لو استأجر هذا الإنسان دكاناً للربا، فهذا حرام، وكذلك لو استأجره ليبيع فيه دخاناً، وكان يعرف المؤجر أنه استأجره ليبيع الدخان فيه، فهذا حرام أيضاًَ. لكن لو استأجره لغرض مباح، ثم باع الدخان فيه، أو رابَى فيه، فليس عليه منه شيء. السائل: وإذا اشترط في العقد؟ الشيخ: اشترط ماذا؟ السائل: أن لا يبيع فيه دخاناً أو ما شابهه؟ الشيخ: هذا طَيِّبٌ. السائل: وهل له فسخ العقد؟ الشيخ: نعم. له فسخه، فإذا اشترط عليه إذا أجَّره الدكان للحلاقة أن لا يحلق في لحيةً، ثم حلق، فله الفسخ. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 9 ضوابط إطلاق الكفر والشرك السؤال هل مَن وقع في الشرك الأكبر؛ مثل: مَن استغاث بغير الله، أو نَذَر نَذْراً لغير الله، هل يقال: إنه كافر، أم يقال: لا بد من قيام الحجة عليه؟ الجواب كلُّ إنسان يقع في شرك ومثله يجهله فإنه لا يُحكم بشركه حتى تقوم عليه الحجة، كما أنَّ مَن وقع في معصية دون الشرك فإنه لا يُعاقب عليها إذا كان مثله يجهلها؛ فلو أن رجلاً زَنا وهو قريب عهد بالإسلام ولا يعلم أن الزنا حرام فإننا لا نقيم عليه الحد؛ لأنه جاهل، وكذلك الذي يستغيث بغير الله أو يدعو غير الله وهو جاهل ونعلم أن مثله يجهله فإنه لا يُحكم بكفره؛ لأن الآياتِ الصريحةَ كثيرة في أنه لا يُحكم بالكفر إلا بعد العلم، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59] ولا ظُلْم إلا بالعناد والمُشاقَّة. ويقول تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، فبيَّن أنه لا حجة للخلق على الله إلا إذا أرسل الرسول، وأعلمهم بأن هذا حرام وهذا شرك. وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] . وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] . وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة:115] . والآيات في هذا المعنى كثيرة. والإنسان لا يعرف ما حرَّم الله سبحانه وتعالى إلا بعلم مِن قِبَل الرسل. فإذا كان هذا الإنسان مسلماً يصلي، ويصوم، ويزكي، ويحج، ويستغيث بغير الله وهو لا يدري أنه حرام، فهو مسلم؛ لكن بشرط أن يكون مثله يجهله، بحيث يكون حديث عهد بالإسلام، أو في بلادٍ انتشر فيها هذا الشيء، وصار عندهم كالمباح، وليس عندهم علماء يبينون لهم. أما لو كان في بلدٍ التوحيدُ فيها ثابتٌ مطمئنٌ فإن ادعاءهَ الجهلَ قد يكون كاذباً فيه. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 10 مشيئة الله في التوبة على بعض العصاة دون البعض الآخر السؤال فضيلة الشيخ! يوجد سؤال يتردد دائماً في ذهني وهو: أنَّا نرى اثنين مِن الناس يكونان في معصية واحدة يفعلانها جميعاً، ثم فجأة يموت أحدُهما، والآخر يبقى، فيتوب الآخر، رغم أن هذا الإنسان الذي ماتَ قد ماتَ على المعصية، ونحن لا نشك في عدل الله عز وجل؛ ولكن من أجل التوضيح والمعرفة والعلم، ودحر شبهات الشيطان، فكيف يجوز في عدل الله عز وجل رغم أن الأعمار بيد الله عز وجل، كيف يجوز في عدله أن يمهل هذا حتى يتوب، وذاك لم يُمهل، بل توفاه الله عز وجل، فكانت هناك فرصة للثاني أن يتوب، والأول لم تكن له فرصة لكي يتوب، فكيف هذا؟! الجواب أسألك: هل أماته الله لينتقم منه؟! السائل: لا. إنما هو أجله الذي قدَّره الله. الشيخ: هو أجلٌ مقدَّر، وكون الله يمد للثاني العمر فهو فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء، وأيضاً هذا الذي مات على معصية دون الشرك، هو تحت مشيئة الله عز وجل أيضاً، إن شاء غَفَر له بدون شيء، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] . ولا يخفاك الحديث الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ضرب مثلاً لأمته مع اليهود والنصارى برجل استأجر أُجَراءَ؛ جماعةً من الصبح إلى الظهر وأعطاهم أجرهم، وجماعةً من الظهر إلى العصر وأعطاهم أجرهم، وجماعةً من العصر إلى الغروب وأعطاهم مِثْلَي ما أعطى الأوَّلِين، أي: ضاعف لهم الأجر، فاحتج الأولون عليه: كيف تعطي هؤلاء مثلَينا أو مثلنا مرتين ونحن لا تعطينا مثلهم، قال: (هل أنا ظلمتكم شيئاً؟ قالوا: لا! قال: فهذا فضلي أوتيه من أشاء) ، بمعنى: أني استأجرتكم على عشرة عشرة، وأعطيتُ هؤلاء عشرين، ولا حق لكم عندي. فالمهم أن المسألة ليس فيها إشكال أبداً، هذا مات بأجَلِه، والله عز وجل لم يُمِتْه لينتقم منه، وهو أيضاً تحت مشيئة الله إذا كان ذنبه دون الشرك. أما هذا الذي مُدَّ له في الأجل أيضاً، فقد يتوب وقد لا يتوب، وربما يزداد إثماً على إثمه. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 11 حكم جمع المال لغرض معين فينفق في غيره السؤال هناك ما يعرف (ببطانية الشتاء) وتقوم بعض الجمعيات الخيرية بجمعها وتوزيعها على بعض المسلمين الذين يسكنون في المناطق الباردة، فتَجمع هذه الجمعيات ما يُعرف ببطانية الشتاء لتدفئة المسلم، فهل يمكن توسعة هذا النطاق؟! لأنه ما دام أن المقصود هو تدفئة المسلم، فإن بعض الأماكن يكون فيها الفقراء يحتاجون إلى ملابس شتوية مثلاً، أو يحتاجون إلى (بوتاجازات) أو ما شابهها للتدفئة، فيُشترى ذلك مِن الأموال التي جُمعت لشراء البطانيات؛ لأن المقصود واحد، وهو تدفئة المسلم؟ الجواب الأَولى أن يكون التعبير لهذه الجمعية بعبارة: (معونة الشتاء) ، فإذا قيل: معونة الشتاء صار صالحاً للبطانيات، والثياب، والبوتاجازات، وغيرها، فالأحسن أن يُعَدَّل شعار الجمع لهؤلاء، فيقال: (معونة الشتاء) ، أو (وقاية الشتاء) مثلاً. أما ما جُمِع لغرض معين فإنه لا يُصْرَف إلا في هذا الغرض المعين ما لم يتعطل، فمتى جمعنا بطانيةَ الشتاء لقرية من القرى، واستغنت بنصف المبلغ، وتحتاج إلى ثياب أو تدفئة، فهذه لا بأس بها، وأما إذا كان عاماًَ والناس محتاجون إلى بطانيات، فإنه لا يجوز صرفها في جهة أخرى. السائل: ولكن بعض الناس يحتاجون إلى الملابس للتدفئة، ولا يحتاجون إلى البطانيات! الشيخ: نعم؛ لكن الشعار أو العنوان الذي جُمع به هو: البطانية، والناس محتاجون لها. السائل: ولكن المعنى واحد إذا بدِّلت البطانيات بغيرها! الشيخ: لا يصلح أبداً. إلا إذا كان مشهوراً بين الناس أن معنى بطانية الشتاء هو: معونة الشتاء، ولهذا يُعَدَّل الشعار من الآن، ويقال: معونة الشتاء، أو ما أشبه ذلك. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 12 العلة في تحريم الغناء والموسيقى السؤال سألني أجنبي سؤالاً في بداية إسلامه، حيث كان يسمع الأغاني ويحبها، فقال لي: لماذا حرم الإسلام الأغاني، رغم أن الموسيقى تريحني؟ فحاولتُ أن أشرح له فما استطعت! الشيخ: كلِّمه بلُغَتِه عن سؤالك هذا، واسأله: هل يوافق عليه أم لا؟ السائل: نعم، هو يقول: اكتفيتُ بجوابك في ذلك اليوم؛ لكنه يريد أن يقتنع. الشيخ: دعه يسأل هو بلسانه من أجل أن يُسَجَّل. السائل: هو يقول: لماذا الإسلام حرَّم الموسيقى؟ الجواب حرم الإسلام الموسيقى؛ لأنها تشذ بالقلب، وتأخذ به، وتلهيه عن ذكر الله، والإنسان إنما خُلِق ليعبد الله عز وجل، فإذا تعلق قلبُه بهذه المعازف وهي الموسيقى صَدَّه عن ذكر الله عز وجل، ولذلك تجد المشغوفين بهذه الموسيقى تجده وهو يمشي يقول هكذا بيده، كأنه يضرب على الموسيقى؛ لأنها شغلت فكرَه وقلبَه، والإسلام يريد من أهله أن يكون اتجاههم دائماً إلى الله عز وجل. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 13 حكم تسمية النصارى بـ (المسيحيين) السؤال فضيلة الشيخ! أحسن الله إليكم! يَرِدُ على ألسنة بعض المسلمين كلمة (مسيحية) حتى أنهم لا يميزون بين كلمتَي نصراني ومسيحي، حتى في الإعلام الآن يقولون عن النصارى: مسيحيين، فبدل أن يقولوا: هذا نصراني، يقولون: هذا مسيحي، فنرجو التوضيح لكلمة المسيحية هذه، وهل صحيحٌ أنها تطلق على ما ينتهجه النصارى اليوم؟ الجواب الذي نرى أن نسمي النصارى بالنصارى كما سماهم الله عز وجل وكما هو معروف في كتب العلماء السابقين، كانوا يسمونهم: اليهود والنصارى؛ لكن لما قويت الأمة النصرانية بتخاذل المسلمين سَمَّوا أنفسهم بالمسيحيين ليُضْفوا على ديانتهم الصبغة الشرعية ولو باللفظ، وإلا فأنا على يقين أن المسيح عيسى بن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء منهم، وسيقول يوم القيامة إذا سأله الله: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116] سيقول: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ. } [المائدة:116-117] إلى آخر الآية. سيقول هذا في جانب التوحيد. وإذا سئل عن الرسالة فسيقول: يا رب! إني قلت لهم: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] ، فهو مقرر للرسالات قَبْلَه، وللرسالة بَعْدَه عليه الصلاة والسلام. فأمر أمته بمضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ ولكن أمته كفََرَت ببشارته، وكفَرَت بما أتى به من التوحيد، فقالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] . وقالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] . وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] نسأل الله العافية. الحاصل: أني أقول: إن المسيح عيسى بن مريم بريءٌ منهم، ومما هم عليه من الدين اليوم، وعيسى بن مريم يُلْزِمهم بمقتضى رسالته من الله أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكونوا عباداً لله، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] . الجزء: 43 ¦ الصفحة: 14 حكم الترحم على من مات وعنده خطأ عقدي السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة؛ كالأسماء، والصفات، وغيرها، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة، فما حكم الترحُّم عليهم؟ الشيخ: مثل مَن؟ السائل: مثل: الزمخشري، والزركشي، وغيرهما. السائل: الزمخشري، والزركشي. الشيخ: الزركشي في ماذا؟ السائل: في باب الأسماء والصفات! الجواب على كل حال هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة؛ كـ المعتزلة مثلاً، ومنهم الزمخشري، فـ الزمخشري مُعتزلي، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم: حَشَوِية، مُجَسِّمة ويُضَلِّلهم فهو معتزلي، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه الكشاف في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات؛ لكنه من حيث البلاغة والدلالات البلاغية اللغوية جيد، يُنْتَفع بكتابه كثيراً، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً. لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع؛ لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع؛ مثل ابن حجر العسقلاني والنووي رحمهما الله فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تاماً مطلقاً من كل وجه، حتى قيل لي: إن بعض الناس يقول: يجب أن يُحْرَقَ فتح الباري؛ لأن ابن حجر أشعري، وهذا غير صحيح. فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته -ولا أَتَأَلَّى على الله- قد قبلها، ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس؛ لدى طلبة العلم، بل حتى عند العامة، فالآن كتاب رياض الصالحين يُقرأ في كل مجلس, ويقرأ في كل مسجد، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب، كلٌّ ينتفع به في بيته وفي مسجده. فكيف يقال عن هذين: إنهما مبتِدعان ضالان، لا يجوز الترحُّم عليهما، ولا يجوز القراءة في كتبهما! ويجب إحراق فتح الباري، وشرح صحيح مسلم؟! سبحان الله! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال وبلسان المقال: أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان، إلا أن يشاء الله. فأنا أقول: غفر الله للنووي، ولـ ابن حجر العسقلاني، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين. وأمِّنوا على ذلك. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة كسوف القمر في النهار السؤال في يوم الإثنين القادم، الساعة السادسة والثلث صباحاً سيكسف القمر، هل يُصلَّى أم لا يُصلَّى؟ الجواب ومن الذي سيشاهده الساعة السادسة؟! السائل: في جميع مناطق المملكة سيُشاهَد. الشيخ: ما شاء الله! السائل: سيُشاهَد مكتملاً، أي: يكون مكتملاً في منتصف الساعة السادسة صباحاً. الشيخ: لا، لا، هو ربما سيبدأ الساعة السادسة. السائل: هو يبدأ الساعة السادسة. الشيخ: لكنه لا يُشْرَع حتى يضيق، ثم إن العلماء قالوا: إذا كسف في النهار فإنه لا يُصلَّى؛ لأن سلطانه قد زال، والناس لا يتخوفون منه إذا كان في النهار؛ لأنه سواءً كَسَفَ أو لم يَكْسف لن يظهر لهم. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 16 ضابط العدل بين الأبناء ذكوراً وإناثاً السؤال نحن قادمون من الرياض، ووُدَّنا أن نلقي هذا السؤال: بالنسبة للعدل في العطايا بين الذكور والإناث، وكذلك الابن الذكر الذي يعمل مع والده في المحل أو المتجر، كيف تكون معاملته؟ الجواب العدل -بارك الله فيك- بين الذكور والإناث يكون بما عدل الله به عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] ، فإذا أعطيتَ الذكر ريالين، فأعطِ الأنثى ريالاً. لكن النفقة العدلُ فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج، فقد تحتاج الأنثى إلى خروص في أذُنَيها قيمتها مثلاً: (200) ريال، والذكر يحتاج إلى طاقية قيمتها مثلاً: (10) ريالات، إن كانت من الطاقيات الجيدة، وإلاَّ فهي -كما أظن- بريالين. فعلى كل حال أعطِ هذا ما يحتاج وهذه ما تحتاج. كما أنه لو احتاج أحدهما إلى الزواج زوِّجه، ولا تعطِ الآخرين مثله، إلا مَن بلغ حدَّ الزواج فزوِّجه. هذه هي مسألة النفقة. فالنفقة: العدل فيها أن تعطي كل واحد ما يحتاج. وأما التبرع المحض فهو: أن تعطي الذكر مِثْلَي ما تعطي الأنثى. أما من كان يشتغل مع أبيه في تجارته أو فلاحته فإن تبرع بذلك وأراد ثوابه من عند الله، فثواب الآخرة خير. وإن قال: أنا أريد من الدنيا ما أريد، كما أن إخواني كل واحد منهم يشتغل لنفسه ويشتغل بماله، فهذا يجعل له والده إما أجرة شهرية، وإما نسبة من الأرباح؛ ولكن يَعُدُّه كأنه رجل أجنبي، وليس كأنه ولده، بل كأنه رجل أجنبي استأجره، فمثلاً: إذا كان مِثْلُه يُعطَي الأجنبي مرتبَ (2000) ريال، فليُعطِه (2000) ريال في الشهر، أو إذا كان مثلاً معه في فلاحته فليقُل له مثلاً: لك نصف الحاصل من المنتَج، أو ربعَه، أو ما أشبه ذلك، أو حسب ما يتفقان عليه، بشرط أن لا يحابيه. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 17 حكم الألعاب والموسيقى في الكمبيوتر السؤال نحن مَجموعة من الشباب جئنا لزيارتكم من الرياض حباً في الله، نسأل الله أن يتقبل منا، ومنكم. فأثناء زياراتنا -الحقيقة- في الرياض نجد بعض الشباب مجتمعين على بعض الألعاب، هذه الألعاب فيها أجهزة، مثل الحاسب الآلي الذي يسمى: الكمبيوتر، فيكون في هذا الحاسب بعض المعلومات التي تفيدهم، وبعضها تكون ألعاباً فقط، فنجدهم في زياراتنا يجلسون على هذه الأشياء، وأثناء الألعاب تظهر بعض الموسيقى من حين لآخر، وكانوا يستفسرون عن هذا الشيء! فنريد الإجابة منكم؟ الجواب أما إذا كان هذا الحاسب الآلي أو الكمبيوتر يفيد فهذا طيب، وهذا ربما قد يكون من جملة ما ينبغي أن يُقْتَرح على الذين يقومون على الاستراحات التي سأل عنها الأخ أولاً. وأما الشيء الذي لا يفيد فهو لغوٌ من القول، وهو محسوب على الإنسان من عمره. وأما المحرم فيجب الامتناع عنه، فالموسيقى هذه إذا جاءت يجب أن يخفض الصوت حتى لا تُسْمَع. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. جعلني الله وإياكم ممن ينتفعون بالعلم، ويعملون به، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 43 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [44] في هذه المادة تحدث الشيخ عن يسر الشريعة وسماحتها، ثم بيان صفة المسح على الخفين والجبيرة، وبعد ذلك أجاب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 1 بيان سماحة الشريعة الإسلامية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأسبوعي الثالث لشهر جمادى الثانية عام: (1414هـ) والذي يتم في كل يوم خميس، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به. وقد أتممنا الكلام عن تفسير سورة البروج في اللقاءات الماضية. أما اليوم فأرى أن نتكلم عما يتعلق بالوقت، وهو: مسح الجوارب والخفين؛ لأن زمن الشتاء عند العامة بدأ منذ يومين. فنقول: إن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين يسراً، فقال الله عز وجل في كتابه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] . وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر) . وقال صلى الله عليه وسلم وهو يبعث البعوث للدعوة إلى الله: (إنما بعثتم مُيَسِّرين ولم تبعثوا مُعَسِّرين، فيسِّروا ولا تعسِّروا) . وهذه القاعدة العامة في الدين الإسلامي كل شرائع الإسلام تشهد لها، فأصل الشرائع يسيرة سهلة، ثم إذا طرأ ما يوجب التيسير تيسرت، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عمران بن حصين: (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] . وفي أثناء الآيات قال: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] . وفي الحج قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:196] يعني: فلا يحلقه، وعليه {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] . والقاعدة العامة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . كلها تعتبر طريقاً يجب على المسلم أن يسير عليه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 44 ¦ الصفحة: 2 وجوب الوضوء على كل محدث أراد الصلاة ومن يسر الله عز وجل أنه فرض الوضوء عند إرادة الصلاة على كل مَن أحدث، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] . ولهذا ينبغي لنا ونحن نتوضأ أن نستشعر أننا نمتثل أمر الله، كأن الله تعالى يخاطبنا الآن، فيقول: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] حتى نكون بذلك مخلصين لله عز وجل، وأن نستشعر أننا نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام حتى تتحقق لنا المتابعة، أعني: كأن الرسول أمامنا الآن يتوضأ، فنحن نتبعه بذلك ليتحقق لنا بهذه العبادة الإخلاص والمتابعة، وهكذا بقية العبادات. فيجب الوضوء، والواجب منه ما ذكره الله في القرآن: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] وجاءت السنة مبينة لبعض الإبهام في هذه الآية وهي: المضْمَضَة والاستنشاق، فإنهما واجبان في السنة، وهما داخلان في قوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ؛ لأن الأنف والفم جزء من الوجه، وكذلك الأذنان، جاءت السنة ببيان مسحهما مع الرأس، وذلك لأنهما من الرأس، فعلى هذا لا بد من المضمضة والاستنشاق، ولا بد من مسح الأذنين. هذه هي الوجبات في الوضوء؛ لكن الوضوءَ الأكملَ، هو ما توفر فيه الآتي: - النية: وهذه لا بد أن تقترن بكل عمل. - البسملة. - غسل الكفين ثلاثاً قبل غسل الوجه. - البدء بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه. - تخليل اللحية الكثيفة التي لا تصف البشرة، وغسل اللحية إلى أصول الشعر إذا كانت تصف البشرة؛ لأنها لا تغطي البشرة، فتغسل من جهة البشرة التي لا تغطيها هذه اللحية. - التثليث في الأعضاء ما عداء الرأس أحياناً وفي الأكثر الأغلب، وأحياناً يقتصر الإنسان على مرة، وأحياناً على مرتين، وأحياناً يفرِّق، فيغسل الوجه ثلاثاً، واليدين مرتين، والرجلين مرة، كما جاءت بذلك السنة. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 3 شروط المسح على الخفين ومن نعمة الله وتيسيره في هذا الوضوء أنه إذا كان على الرجلين ما يسترهما من جوارب أو خفين وهما (الكنادر) فإن الإنسان يمسح عليهما؛ لكن في مدة محددة كما سيُبَيَّن وبشروط: الجزء: 44 ¦ الصفحة: 4 أن يلبسهما على طهارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة لما أهوى لينزع خفيه، قال: (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما. فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح، ولو نسي فمسح فإنه يلزمه إعادة الوضوء، وغسل الرجلين، وإعادة الصلاة؛ لأنه صلى على غير طهارة. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 5 أن يكون المسح في الحَدَث الأصغر لا في الأكبر ودليله حديث صفوان بن عسال، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً -يعني: مسافرين- ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط، وبول، ونوم) فإذا حصل على الإنسان جنابة وعليه جوارب وَجَبَ عليه أن يخلعهما، وأن يغسل قدميه؛ وذلك لأن الطهارة الكبرى وهي الغسل من الجنابة ليس فيها مسح إلا إذا كانت هناك جبيرة، ولهذا لا يُمسح الرأس فيها، بل يجب أن يُغسل غسلاً تاماً. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 6 أن تكون الجوارب أو الخفاف طاهرة فلا يصح المسح على النجس؛ لأن النجس لا يزيد بالمسح عليه إلا خبثاً وتلويثاً لليد التي باشرت النجاسة؛ ولأن الإنسان في الغالب يمسح ليُصَلي، ولا صلاة في الشيء النجس، والدليل على أنه لا صلاة في الشيء النجس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم يصلي بأصحابه، فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً) أي: أنه خلعها من أجل ذلك، وهذا يدل على أنه لا بد أن يكون الملبوس طاهراً. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 7 أن يكون في الوقت المحدد شرعا ً الوقت المحدد شرعاً هو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مَسَحَ بعد الحدث، فإذا لَبِسها من صلاة الفجر مثلاً، وتوضأ لصلاة الظهر ومسحها، فابتداء المدة من الظهر، أي: من الوقت الذي مسح فيه، حتى يأتي مثله من اليوم التالي إذا كان مقيماً، أو في اليوم الثالث إذا كان مسافراً، فهي ثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. والحكمة في هذا واضحة؛ لأن المسافر أحوج إلى ستر قدمه من المقيم. هذه هي شروط المسح على الجوربين، أو على الخفين، وما عدا ذلك من الشروط التي ذكرها بعض الفقهاء فإنه ليس عليها دليل، وإنما هي تعاليم استنبطها الفقهاء تُسَلَّم لهم أو لا تُسَلَّم؛ لكن هذه هي الشروط التي يطمئن إليها الإنسان، وأنه لا بد من أن تتوفر في جواز المسح على الخفين أو الجوربين. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 8 المسح على الجبيرة أما ما يتعلق بالجبيرة على جرح أو على كسر؛ فإذا كانت على جرح فالعلماء يقولون: يُتَّبَع ما يلي: أولاً: يغسل الجرح بالماء. ثانياً: فإن كان يضرُّه مسحه، أي: بلَّ يدَه ومسح عليه. ثالثاً: فإن كان يضره المسح، أو كان قد لُفَّ عليه شيء، فإنه يمسح هذه اللفافة في الحدثين الأصغر والأكبر، وكذلك اللَّصْقة على وَجَعٍ في الظهر أو في الرقبة أو ما أشبه ذلك، فإنه يمسح عليها في الحدثين الأصغر والأكبر. رابعاً: فإن لم يكن هذا؛ بمعنى أن الجرح طريٌّ لا يمكن أن يُلَفَّ عليه، ولا يمكن أن يُمْسَحَ بالماء، فإنه يتيمم عنه. فهذه مراتبٌ: غسلُه. ثم مسحه. ثم مسح اللفافة. ثم التيمم. وهذا يجوز في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر؛ لأنها ضرورة فتتقدَّر بقَدْرها، حتى لو بقيت أياماً أو شهوراً، فإن الحكم لا يزال باقياً؛ لأن الحكم يتقدر بقدره. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 44 ¦ الصفحة: 10 حكم الطهارة إذا خلع الجورب بعد مسحه السؤال إذا مسح الشخص على الجورب، ثم نزعه، هل تنتقض طهارته؟ الجواب إذا مسح الجورب، ثم نزعه، فإنه طهارته لا تنتقض؛ بل هي باقية حتى يُحْدِث، فإذا طُلِب منا الدليل، قلنا: الدليل على من قال: إنها تنتقض؛ لأن هذه طهارة ثبتت بالشرع، فلا تنتقض إلا بدليل من الشرع، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن خَلْع الجورب بعد مسحه ينقض الطهارة، فيبقى على طهارته حتى يُحْدِث، ثم يتوضأ. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 11 جواز تغيير الشيب بالحناء الأحمر مع الكتن الأسود السؤال هل يجوز خلط الحناء الأحمر مع الكَتَن الأسود، ووضعُه على شيب اللحية، وبعد الوضع يكون لون اللحية من بعيد أسود، ومن قريب يتضح ويميل لونه إلى البُنِّي الغامق؟ الجواب السنة تغيير الشيب بالحناء، أو بالحناء والكَتَن، فإذا غيَّره بالحناء فإن الحناء يكون لونه أصفر، وإذا غيَّره بالحناء والكَتَن صار بين الحمرة والسواد، فلا بأس به، ولا حرج إن شاء الله. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 12 العلاج الصحيح لمن أصابه مس الجان السؤال فضيلة الشيخ! أحد إخواننا بعث إلينا بسؤال يقول فيه: نحن في حاجة إلى الدعاة، ومع ذلك فإن أحدنا انشغل بعلاج الممسوسين بالجن، فهل يجوز تعطيل الدعوة من أجل هذا العمل؟ وكيف يكون العمل الصحيح لعلاج الممسوس؟ وهل يجوز اشتراط أخذ المال، بحيث لا يعالِج بغيره؟ الجواب الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فإن تعينت على الشخص بحيث لا يقوم غيره مقامه، فإنها مقدمة على القراءة على مَن به مس من الجن؛ وذلك لأن مصلحة الدعوة مصلحة مُتَيَقَّنة، ومصلحة القراءة على من به مس من الجن مصلحة غير مُتَيَقَّنة، وكم من إنسان قرئ عليه ولم يستفد شيئاً! فيُنْظَر! إذا كانت الدعوة مُتَعَيَّنة على هذا الرجل، لا يقوم غيره مقامه فيها، فإنه يجب عليه أن يدعو، ولو ترك القراءة على من به مس من الجن؟ أما إذا كانت فرض كفاية فيَنْظُر إلى الأصلح، وإذا أمكن أن يجمع بينهما، وهو الظاهر أنه يمكن الجمع بينهما، بأن يخصِّص لهذا يوماً ولهذا أياماً حسب الأهمية، فيحصل منه الإحسان إلى إخوانه الذين أصيبوا بهذه المصيبة، ومع ذلك يستمر في الدعوة إلى الله عز وجل، فإن حصل الجمع بينهما ما أمكن فهو الأولى. أما العلاج الصحيح للممسوس بالجن فإنه يختلف؛ لكن أحسن ما يكون أن يُقْرَأ عليه القرآن؛ مثل قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:33-36] لأن هذا تَحَدٍّ لهم أنهم لا يستطيعون الفرار من الله عز وجل، وكذلك يُقْرَأ عليهم المعوذتين وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وآية الكرسي، وكذلك يتكلم معهم بالموعظة، كما يُذكر عن شيخ الإسلام أنه كان يعظهم، ويقول لهم: هذا حرام عليكم، ولا يحل لكم أن تؤذوا المسلمين، أو تظلموهم، أو ما أشبه ذلك. أما أخْذ المال فإنه إذا لم يأخذ المال فهو أفضل وأقرب إلى الإخلاص والنفع، وإن أخذه بدون شرط فلا بأس، وإن كان هؤلاء الذين قرأ عليهم قد تركوا ما يجب عليهم للقارئ، وأبى أن يقرأ إلا بعوض فلا بأس، كما فعل أهل السرية الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام، فنزلوا على قوم فلم يضيِّفوهم، فأرسل الله تعالى على سيدهم عقرباً فلدغته، فطلبوا من يقرأ، فقالوا: لعل هؤلاء القوم الذين نزلوا بكم يقرءون، فأتوا إليهم، فقالوا: لا نقرأ عليه إلا بكذا وكذا -بقطيع من الغنم-، فأجاز هذا النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 13 أيهما أولى: متابعة الإمام في الزيادة في الصلاة أم مخالفته؟ السؤال حدث معنا مَرَّةً في الصلاة -يا شيخ- التالي: صلى بنا الإمام -جزاه الله خيراً- وفي بدء الركعة الثانية تدارك أنه ليس على طهارة، فانسحب وأحضر المؤذنَ، وقال له: أعد الصلاة، فكبر، وأعاد الصلاة من أولها، فجميع المصلين المأمومين صلوا خمساً؛ لأنهم احتاروا ماذا يفعلون! إلا ثلاثة فقط صلوا الرباعية وخالفوا الإمام الثاني، فأكملوا أربع ركعات، ولم يزيدوا الخامسة معه، أي: أنهم جلسوا بعد تمام أربع ركعات ولم يواصلوا مع الإمام الثاني، وبعد ذلك تقدم أحد الإخوة من الذين عندهم بعض العلم، فقال للإخوان الذين صلوا خمس ركعات: عليكم جميعاً أن تعيدوا صلاتكم، فقال له أحد الإخوة: إنهم احتاروا، وما كان عليهم إلا أن يتابعوا الإمام الثاني سلامةً، فهل يعتبر أنهم تعمدوا الخامسة، ولذلك عليهم الإعادة؟ أم أن متابعتهم للإمام الثاني كانت من باب الحيطة، ولذلك ليس عليهم إلا سجود السهو؟ فما هو الأفضل؟ الجواب الأفضل في هذه الصورة إذا تذكر الإمام أنه ليس على طهارة أن يُخَلِّف مَن يصلي بهم بقية الصلاة بدون استئناف، فيقول مثلاً للمؤذن أو لمن وراءه ممن يمكن أن يصلي بالجماعة: يا فلان! تقدم فأكمل الصلاة بهم، ثم يكمل الصلاة بهم، ويبني على ما فعله الإمام الأول، إلا أنه في قراءة الفاتحة ينبغي أن يقرأها من أولها؛ ليكون الركن من إمام واحد، والباقي يكمله على ما هو عليه. هذا هو الأفضل. وإذا لم يفعل هذا بأن انصرف ولم يوكل أحداً ليقوم مقامه، فللمأمومين أن يقدموا واحداً منهم يكمل بهم، فإن لم يفعلوا أتموا فرادى. وأما استئناف الصلاة فقد قال به بعض أهل العلم؛ لكن لا وجه له؛ لأن المأمومين معذورون، لا يدرون عن حَدَث الإمام، ولو علموا بحدث الإمام ما صلوا وراءه، ولَنَبَّهوه قبل أن يصلي بهم. أما بالنسبة لهؤلاء الذين صلوا خمساً بناءً على أن هذا هو الواجب عليهم فليس عليهم شيء، ولا تلزمهم الإعادة؛ لأنهم معذورون بالجهل، ومجتهدون متأولون، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] والمتاول لا سيما الباني على أصل ليس عليه شيء، ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام المرأة المستحاضة أن تقضي ما فاتها من الصلاة التي كانت تتركها بناءً على أن الاستحاضة حيض، وكذلك ليس عليهم سجدةُ سهو؛ لأنهم لم يسَهَوا. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 14 حكم تجهيز المحلات وتأجيرها السؤال هناك معاملة انتشرت عند الكثير تسمى: بتجهيز المحلات؛ وصورتها: أن يأتي رجل إلى صاحب دكان كقطع غيار مثلاً أو ما شابه ذلك، فيقول له: سآخذ منك المحل ثلاث سنوات، وأعطيك كل شهر (10. 000) ريال، وبعد ثلاث سنوات أردُّ إليك المحل بالبضاعة التي استلمتُها منك كاملة، فما حكم هذه المعاملة؟ أحسن الله إليكم! الشيخ: إذا أخذ المحل يحصل البيع؟ السائل: لا. لا يحصل عقد بيع، بل صورتها أن يأتي إليه ويقول له: آخذ منك المحل لمدة ثلاث سنوات، وأعطيك كل شهر (10. 000) ريال، أو (8000) ريال بحسب ما يتفقان عليه، وبالطبع لا يزيد على المبلغ المتفق عليه من دخل هذا المحل، وبعد الثلاث سنوات أردُّ إليك المحل كما كان بما فيه من بضاعة، وكأن صورتها في الظاهر صورة تجارة! الشيخ: الأغراض التي في المحل لِمَن؟ السائل: هي للمالك الأول، بدليل أنه سوف يردها إليه بعد ثلاث سنوات كاملة! الجواب هذا عقدٌ لا يصح -في الواقع-، إلا إذا قال: ثَمِّن الأغراض الموجودة الآن، وتكون في ملك الثاني، ويعطيه كل شهر (10. 000) على أنها أجرة للمحل، وتكون الأعيان الموجودة فيه للمستأجر الأخير، لا للأول، مُلكاً له، له غنمها، وعليه غرمها، فهذا لا بأس به. أما ما ذكرتَ فلا يجوز؛ لأنه غرر واضح؛ لا ينطبق على المشاركات، ولا على الإجارة، ولا على البيع. فنرى أنها لا تجوز، وأن الواجب على عامة الناس إذا حدثت مثل هذه المعاملات الجديدة أن يعرضوها على أهل العلم قبل أن يدخلوا فيها، والمعاملات من الدين، وليست خاضعة للعرف ولِمَا يتعامل به الناس، فلو كانت كذلك لقلنا: إن البنوك حلال، وإن الميسر حلال، وإن كل المعاملات التي اعتادها الناس في الخارج أو في الداخل حلال، مع أن المعاملات لا شك أنها من الدين، فالإنسان إذا أكل الحرام فإنه يبعُد أن يُستجاب دعاؤه والعياذ بالله. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 15 حكم المصارفة بدون قبض السؤال بالنسبة للحوالة، إذا أعطى رجلٌ رجلاً مبلغاً لكي يستلمه الرجلٌ الآخر في بلدة أخرى بعملة تلك البلدة، ويُشكل عليه -يا شيخ- اختلاف هذه العملة بالريالات، فهل هذا يدخل في ربا الفضل، أم أنه لا بأس به؟ الجواب هذا يدخل في ربا النسيئة؛ لأنه مع اختلاف العملة لا يوجد ربا فضل؛ لكن يدخل فيه ربا النسيئة، ولهذا فإن الحوالة الصحيحة على أحد وجهين: إما أن يحولها بالدراهم إلى المكان الآخر، ثم هناك تجري المصارفة بالسعر الحاضر. أو يشتري العملة التي في البلد الثاني يشتريها في البلد الأول، ويحوِّلها إلى البلد الثاني بعملة البلد الثاني. أما ما ذكرتَ فهذه مصارفة بدون قبض، والمصارفة بدون قبض لا تجوز. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 16 حكم جمع العصر إلى الجمعة السؤال هل يصح الجمع بين الجمعة والعصر سواء في الحضر أو في السفر؟ الجواب أولاً: في الحضر: قد يقع هذا، فقد يكون الإنسان مريضاً، فيحضر الجمعة، ويشق عليه أن يصلي العصر في وقتها، فيجمع. وأما في السفر فهذا أيضاً يمكن، إذا كان المسافر مر بالبلد التي تقام فيه الجمعة وصلى معهم الجمعة. وأما السفر الذي الإنسان فيه سائر فهذا ليس فيه جمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر ولم يكن يقيم الجمعة في أسفاره، حتى في يوم عرفة صادف يوم الجمعة، ومع ذلك لم يُقِمِ الجمعة صلى الله عليه وسلم. ولكن لا يصح جمع العصر إلى الجمعة؛ لأن السنة إنما وردت بجمع العصر إلى الظهر، والجمعة ليست ظهراً كما لا يخفى؛ بل تُفارِقُ الظهرَ في أكثر من (20) وجهاً، وإذا كانت كذلك فإنها تعتبر صلاة منفردة مستقلة بنفسها، كصلاة الفجر، لا يُجْمَع إليها غيرها، فلا يحل للإنسان أن يجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، ولو كان ممن يباح له الجمع، أما من لا يباح له الجمع، فلا يجوز له أن يجمع إلى الجمعة ولا إلى الظهر. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 17 حكم العمل في مجال التصوير الفوتوغرافي السؤال أنا أعمل في مجالٍ يكثر فيه التصوير الفوتوغرافي، لتوفير هذا العمل ونشره في الصحف أو في كتيبات، فما مدى صحة هذه؟ حفظك الله؟ الجواب إذا كان فيه مصلحة دينية فلا بأس، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة فالورع أحسن، وذلك أن تتركه وتطلب عملاً آخر، أو تمتنع عن التصوير. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 18 مسألة انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح السؤال هل ينتقض الوضوء بانتهاء مدة المسح؟ الجواب الصحيح أنه لا ينتقض بانتهاء مدة المسح، فمثلاً لو كانت تنتهي مدة المسح الساعة الثانية عشرة ظهراً، وبقيتَ على طهارتك إلى الليل فأنت على طهارتك، وذلك لأنه ليس هناك دليل على انتقاض الوضوء بانتهاء مدة المسح، فانتهاء مدة المسح ينتهي به المسح فقط، ولا تنتهي بانتهائه الطهارة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقَّت المسح ولم يوقت الطهارة، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها، وهي: أن ما ثبت بدليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 19 أجر الجماعة الأولى وأجر الجماعة الثانية السؤال هناك شخص مؤذن في أحد المساجد، وعنده أولاد بالغين مكلفين، فيأتون إلى الصلاة متأخرين بعد أن تنتهي ويسلم الإمام، وذلك في أغلب الأوقات، فناقَشَ الإمامُ المؤذن في هذه الموضوع، فقال المؤذن: إن لهم أجر الجماعة حتى وإن لم يدركوا الجماعة الأولى وصلوا مع الجماعة الثانية، أهم شيء أن يأتوا ليصلوا في المسجد، يعني: لا تفوتهم السبع والعشرين درجة، وهذا المؤذن كفيف، فحاول الإمام أن يقنع هذا المؤذن أنه لا بد أن يأمرهم بالصلاة جماعة؛ لأنه بصفته مؤذناً فهو قدوة، حيث أن الإمام شاهد أن أغلب المصلين يتأخرون عن الصلاة بحجة أنهم شاهدوا أولاد المؤذن يتأخرون وهم كبار، فهذا الإمام لم يرَ بعد النصيحة نتيجة، فهل ينبغي أن يُبدي شيئاً من الجفاء سواءً للأب أو للأولاد؟ أو أنه يأخذهم بطريقةٍ ترونها أنتم جزاكم الله خيراً. الجواب على هذا السؤال من شقين: الشق الأول: أنه لا يجوز أن نقتدي بمن فرط في الواجب؛ فتترك الواجب لأن فلاناً لا يقوم به، فأنت مسئول عن نفسك: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فلا يجوز للإنسان أن يقول: لستُ بِمُصَلٍّ مع الجماعة؛ لأن أولاد المؤذن لا يصلون! وليس ذلك حُجَّةً عند الله عز وجل، كما لا يجوز للإنسان أن يفعل المحرم ويقول: فلان يفعله، حتى لو كان طالبُ علمٍ يفعلُ هذا المحرم، فلا يجوز للإنسان أن يفعله لأن هذا يفعله، بل أنت مسئول عن نفسك، ومسئول عما أجبت به المرسلين: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] . والشق الثاني: بالنسبة للمؤذن، الواجب عليه أن يأمر أولاده بالصلاة، وأن يضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، حتى يؤدوا الصلاة مع الجماعة، ولا حرج عليه في هذه الحال أنه إذا أذَّن خرج وأيقظهم وأحضرهم إلى المسجد؛ لأن الخروج هنا لعذر، وأنه سيرجع ويصلي في المسجد. وأما بالنسبة للإمام فأولاً: لا ينبغي أن يناقش المؤذن أمام الناس؛ لكن يناقشه سراً فيما بينه وبينه، فإذا ادَّعى المؤذن أنه لا يستطيع إحضارهم إلى المسجد فهناك جهات مسئولة يمكن أن تحضرهم، كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحضرهم إلزاماً؛ لأن هؤلاء ممن تلزمهم صلاة الجماعة. وأما قول المؤذن: إنهم إذا صلوا في المسجد ولو بعد الجماعة الأولى فإن لهم أجر سبعٍِ وعشرين درجة فهذا ليس بصحيح، فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط، أما الثانية فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل دخل وقد فاتته الصلاة: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فقام أحد القوم فصلى معه. ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى فهذا ليس بصحيح، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا، ويصلون جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة، فهذا لا أعلم أحداً قال به، أي: أن الصلاة الثانية كصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة. فلا أعلم أحداً قال بهذا. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 20 مسألة التورق من التحايل على الحرام السؤال عفا الله عنكم يا شيخ! توجد الآن بعض الشركات تقول لأي شخص: من أراد بيتاً أو سيارةً في أي مكان يأتي ويخبرنا بهذا البيت أو بهذه السيارة فنشتري له هذا البيت أو هذه السيارة، ثم نقسط عليه ثمن هذا البيت أو هذه السيارة أقساطاً، وفي نفس الوقت لا تُلْزِم هذه الشركةُُ إذا أخَذَت لهذا الشخص هذا البيت أو هذه السيارة، لا تلزمه بأخذ هذا البيت أو السيارة، فهو بالخيار، إن أراد أن يشتري أو أراد أن يرجع في كلامه. فما حكم هذا البيع جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذه المعاملة فَشَت في الناس كثيراً، وهي -في الحقيقة- من الناحية الشرعية غير جائزة، ومن الناحية الاقتصادية ضارة. فأما كونها غير جائزة من الناحية الشرعية: فمن المعلوم أنك لو أتيتَ إليَّ وقلتَ: أريد أن أشتري السيارة الفلانية بخمسين ألف ريال فأعطني (50. 000) ريال، وأعطيك بعد سنة (60. 000) ريال، فهل هذه المسألة جائزة، أو غير جائزة؟! غير جائزة، ولا إشكال في ذلك. فشراء التاجر أو الشركة لهذه السيارة ليس إلا من أجل الوصول إلى هذه العشرة آلاف الزيادة التي كانت في الأول غير جائزة، والآن صارت بهذه الحيلة جائزة، فلا يمكن هذا، فإن المحرم محرم، ولا يزيد بالتحايُّل عليه إلا قُبْحاً، فهذه بمنزلة أن أقول: خذ (50. 000) واشترِ السيارة التي تريد، وبعد سنة أعطني (60. 000) ريال، لا فرق أبداً، إلا أن هذه الصورة التي ذكرتَ؛ أن يشتريها التاجر من المعرض ثم يبيعها عليك ما هي إلا مجرد حيلة فقط؛ فلولاك ما اشتراها لك، ولا فكَّر في شرائها، ولهذا تجده يحتاط لنفسه، فيذهب ليستطلع البيت وينظر هل يساوي هذا البيتُ الثمنَ أم لا يساويه، والسيارة كذلك، فهو يحتاط احتياطاً تاماً. ثم إذا قُدِّر أنه اشتراه وتراجَعْتَ أنت عنه كَتَبَك في القائمة السوداء، فلا يعاملك بعد هذا أبداً، ثم إن كلمة: (إذا شاء رَدَّه قَبِِلْنا) ، هي كذَرِّ الرماد في العيون -كما يقولون-؛ فلا تظن أن هذا الرجل الذي أراد هذا البيت أو هذه السيارة أو هذه الأرض، واستعد للزيادة، لا تظن أنه يتراجع، فالرجل له غرض في هذا، ولا بد أن يشتري، ولو أنك أحصيت مَن تراجع، ما وجدتَ واحداً في الألف. لذلك نرى أن هذه المعاملة حرام، وأنها حيلة على الربا بشراءٍ صوريٍّ ليس مقصوداً بذاته. وإذا كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يحرم التورُّق، وكذلك الإمام أحمد، وغيرهما من العلماء، والتورُّق: هو طلب العين الموجودة عند البائع، فهذا أخبث وأشد. وبنو إسرائيل لما حُرِّمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكل الشحم؛ لكن نذيب الشحم، ونبيعه ونأكل ثمنه. فأيهما أقرب للمحرم: هذه الحيلة، أو الحيلة التي ذكرتَ؟! الحيلة التي ذكرتَ أقرب؛ لأنها تصل إلى المحرم في أول درجة، أما حيلة بني إسرائيل فلا تصل إلى المحرم إلا بعد ثلاث درجات، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (قاتل الله اليهود! لَمَّا حُرِّمت عليهم الشحوم جَمَلوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه) . فهذه والله حيلة على المحرم، وليس عندي إشكال في تحريمها، والإنسان الناصح لنفسه يبتعد عنها، وإن أفتاه الناس وأفتوه، والعبرة بالمقاصد لا بالصور، والتاجر ما قصد من الربح إلا الربا، ولا قصد بشراء السيارة إلا الربا. ولكن نقول: نعم، لو كانت السيارة عنده موجودة، وباعها عليك بأكثر من ثمنها حاضراً، وأنت تريد السيارة نفسها، أو تريد أن تتكسب بها، فتشتريها من هذه البلاد وتبيعها في البلاد الأخرى للتتكسب بها، فهذا ليس فيه إشكال، وجائز. أما إن اشتريتَها مِن عندِه وهي عندَه، وتريد أن تبيعَها وتأخذَ ثمنها فهذه هي مسألة التورُّق، وفيها خلاف بين العلماء، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أنها حرام، وهي رواية عن الإمام أحمد. ولو قال قائل: إن الربا الصريح أهون من المعاملة التي ذُكِرَت، فإن قوله لن يكون بعيداً من الصواب؛ لأن هذه المعاملة جمعت بين الحيلة والتحايل على الله عز وجل وبين الربا، فمفسدة الربا موجودة، وهي الزيادة التي أخذها هذا التاجر، فنسأل الله الهداية. والحقيقة: أن الإنسان إذا رأى هذه المعاملات، ورأى معاملة البنوك، ورأى معاملة الميسر التي بدأت الآن تكثر؛ كالتأمين وما أشبه ذلك، يخشى والله من العقوبة؛ فإذا كان بنو إسرائيل يعذَّبون بأقل من هذا، فإننا والله لنَخْشى. فلَمَّا حُرِّم عليهم صيد الحيتان يوم السبت ابتلاهم الله عز وجل، فصارت الحيتان تأتي يوم السبت شُرَّعاً على الماء، وغير يوم السبت لا يرون الحيتان، فتحايلوا فنصبوا شَبَكاً يوم الجمعة، وأخذوا الحيتان يوم الأحد، وقالوا: نحن لم نصد يوم السبت، الصورةُ أنهم لم يصيدوا صحيح؛ لكن في الحقيقة أنهم صادوا. فالعبرة -يا إخواني- بحقائق الأمور لا بصورها. فنحن نخشى من عقوبة تحل بنا بواسطة هذه الأمور، فلو كنا نبيع ونشتري على حسب الشرع، مبتعدين عن الحِيَل، وخداع رب العالمين لكان هذا أنفع وأبرك لنا. فتبيَّن لنا من الناحية الشرعية أنها لا تجوز. وأما كون هذه المعاملة ضارة من الناحية الاقتصادية، فإنها قد فتحت للفقراء باب التكالب على الديون لهذا السبب، فصار يهُون عليهم أن يشتري أحدهم السيارة بسبعين ألفاً؛ لأنه سيذهب إلى التاجر ويأخذها بكل سهولة؛ لكن لو لم تكن هذه الطريقة لذهب ليشتري له سيارة بستة عشر ألفاًَ على قدر حاجته، وعلى قدر ما عنده، فهذه المعاملة أثقلت كواهل كثير من الناس، وجرَّأتهم على التَدَيُّن، لا أقصد التَّدَيُّن مِن الدِّيْن، وإنما مِن الدَّيْن، فجرَّأتهم على التَّدَيُّن من الناس، حتى إذا مات وُجِد أن عليه مئات الألوف، وكل ذلك بسبب هذه المعاملة. لهذا فنحن نحذِّر منها شرعياً واقتصادياً، ونقول: (ومَن يستغنِ يُغْنِهِ الله) . (ومَن تَرَكَ شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه) . السائل: ولكن الناس لا يدرون شيئاً عن هذا. الشيخ: والله يا أخي نحن لنا فتوى في هذا، كتبنا فيه فتوى. السائل: المشكلة أن بعض هذه الشركات تدَّعي أن عندها لجنة شرعية، وأن هذه اللجنة الشرعية أفتت بجواز هذا -يا شيخ-! الشيخ: على كل حال: الذي يلزمنا نحن البيان، وقد بيَّنا الآن، فمن سمع هذا الكلام فإن اقتنع به ورأى أن الحيلة لا تجعل الحرام حلالاً فليحمد الله على الهداية، ومن لم يقتنع فلكلٍّ درجاتٌ مما عملوا. السائل: بعض الناس الآن صاروا يشتركون ثلاثةً أو أربعةً في شراء سيارة من أجل التقسيط. الجواب: لا بأس، بشرط ألا يكون من مسألة التورُّق، فمثلاً الآن -انتبه! -: إذا اشتريتَ سيارة بالتقسيط فلها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تشتريها بالتقسيط لتَكُدَّها، سواء كان الكَدُّ للأجرة أو لحاجاتك، فهذه جائزة، ولا خلاف فيها. الوجه الثاني: أن تشتريها لتتكسب بها لا لدفع حاجتك، فأنت لستَ محتاجاً؛ لكنك اشتريتَها من هذا البلد لتبيعها في بلد آخر بزيادة، فهذه أيضاً ليس فيها شيء. الوجه الثالث: أن تشتريها لحاجتك إلى الدراهم؛ لكن ما وجدتَ أحداً يقرضك، فلجأتَ إلى هذه الطريقة، فهذه يسميها العلماء: مسألة التورُّق، وفيها الخلاف الذي ذكرتُ لكم. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 21 السنة في تخفيف سنة الفجر السؤال فضيلة الشيخ! هناك أدلة وردت في أفضلية تخفيف ركعتي سنة الفجر، فهل المراد بالتخفيف السرعة فيهما وأداء أدنى الكمال من ناحية التسبيح؟ ولو أُذِّن لصلاة الفجر وأنا في قنوت الوتر فهل أُعْتَبَر قد أدركتُ الوتر؟ الجواب سنة الفجر السنة فيها التخفيف، فيقرأ الإنسان في الركعة الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] أو يقرأ في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136] الآية في سورة البقرة، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64] . وفي الركوع يخفف أيضاً، فيقتصر على أدنى الكمال، ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم. وفي السجود كذلك. وفي التشهد أيضاً لا يطيله. هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولهذا نقول: لو أن الإنسان خرج من بيته إلى المسجد ولم يصلِّ الراتبة في البيت، فإن الأفضل إذا وصل المسجد أن يصلي سنة الفجر مع التخفيف، وتجزئ عن تحية المسجد، فهذا أفضل من أن يصلي تحية المسجد أولاً ثم السنة ثانياً؛ لأن تخفيف الرسول عليه الصلاة والسلام فيما ثبت استحبابه في هذا الوقت يدل على أنه لا ينبغي أن يُزاد في هذا الوقت على قدر المستحب، وهنا إذا صلى سنة الفجر عند دخول المسجد أجزأت عن تحية المسجد، فالأفضل أن يقتصر على الركعتين بنية الراتبة، وتجزئه عن تحية المسجد. هذا بالنسبة للسؤال الأول. أما بالنسبة للسؤال الثاني: إذا أذَّن وأنت في الوتر فأكمِل الوتر، وتكونُ مدركاً له. أولاً: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . وثانياً: أن غالب المؤذنين في الفجر يؤذنون قبل الوقت؛ لأنه ثبت عندنا من طريق الحساب -وهو مطبوع من بعض الإخوة الذين لهم شأن في الفلك- أن التقويم الموجود فيه تقديمٌ بخمس دقائق على الوقت، ومعنى هذا أن الإنسان في حِلٍّ إلى ما بعد (5) دقائق حسب التقويم الموجود، هذا في الفجر فقط، أما في بقية الأوقات فلم يُظْهِروا لنا اختلافاً، على أن بعض الإخوة يبالغ في مسألة الفجر، فيقول: إن الفجر لا يخرج إلا بعد التوقيت الموجود بثلث ساعة أو بربع ساعة؛ لكن هذا فيه شيء من المبالغة؛ لكن الخمس دقائق فقد قال لنا الإخوة الذين عندهم علم بالفلك أنها مُحَقَّقة في التقديم، ولهذا ينبغي لك إذا أذن المؤذن وأنت في البيت ألا تتعجل في ركعتي الفجر إذا عرفتَ أنه يؤذن على التقويم. السائل: القاعدة الفقهية التي تقول: (تجزئ عن تحية المسجد) ، ما معنى تجزئ عن تحية المسجد. الشيخ: تعني: أنه لا يُطالَب بها، فإذا قيل: تجزئ عن تحية المسجد فإن معنى هذا أنه لا يُطالَب بها؛ لأن المقصود أن يصلي ركعتين عند دخول المسجد، وقد حصل. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 22 الجمع بين حديثي إتيان العراف وتصديقه السؤال كيف نجمع بين الحديثين التاليين: حديث: (مَن أتى عرافاً فسأله عن شيء فَصَدَّقه، لم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً) . وحديث: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدَّقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) ؟ فالسؤال هنا: هل التصديق يستمر مع الشخص، أم أنه ينقطع، حيث أنه صدقه في تلك اللحظة فقط، ولم يستمر في التصديق، كأن سأله شخص آخر، فدله، وهكذا؟ الجواب أما لفظ الحديث الأول فليس فيه (فَصَدَّقه) والصحيح: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً) وليس فيه لفظ التصديق. أما الثاني: ففيه التصديق، ووجهُ كُفْرِه بما أنزل على محمد: أنه إذا استقر في نفسه أن هذا صادق وهو أمر غيبي مُسْتَقْبَل؛ فإن ذلك يتضمن الكفر بقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] . والتصديق يكفي فيه أن يصدقه في أول الأمر، وليس معناه أن ينتظر حتى يصدقه الواقع، أو لا يصدقه؛ لأنه إذا انتظر وقال: ننظر، هل يقع ما قال أو لا يقع، فهذا لم يصدقه في الواقع؛ لكن لا تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يوماً. فالتصديق أن يطمئن إلى قوله، ويرى أنه حق وأنه واقع. أما أن يقول: سأجرب، فهذا ما صدَّقه. كذلك لو أتى كاهناً أو عرافاً فسأله ليُظْهِر كذبه، فإن هذا لا بأس به، فقد سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابن صياد الذي يدعي أنه يأتيه مَن يأتيه، سأله عن شيءٍ أضْمَرَه له وهو سورة (الدُّخان) ، فقال: الذي في نفسك هو (الدُّخ) ولم يتمكن من الوصول إلى التلفظ به كاملاً، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (اخسأ! فلن تَعْدُوَ قَدْرَك) . الجزء: 44 ¦ الصفحة: 23 نصيحة المتخلفين عن صلاة الجماعة بالأسلوب الحسن السؤال نريد من سماحتكم توجيه الأئمة إلى نصيحة المتخلفين عن الصلاة في جماعة بالأسلوب الأمثل! الجواب والله يا أخي! نصيحة المتخلفين عن الصلاة أن الإمام يأتي بالآيات والأحاديث التي فيها الترغيب في صلاة الجماعة، وفيها الترهيب من تركها على سبيل العموم، أي: مواعظ بين حين وآخر، ثم يباشر الذي يرى كثرة المتخلفين بالنصيحة بينهم وبينه. السائل: ولا يكون لجماعة الناسِ في المسجد دخلٌ في النصيحة! الشيخ: ليس هناك مانع، لا بأس إذا كان هؤلاء الجماعة أناسٌ يَنصحون نصحيةً حقيقية لا مجرد فضيحة؛ لأن بعض الناس يقول: فعلنا وفعلنا، ورُحنا إلى فلان، وقلنا له: كذا، فهذا لا ينبغي، إلا لو قالوا ذلك لإنسان يمكنه أن يؤدب هذا المتخلف، كما لو قالوا ذلك عند ولي الأمر الذي يستطيع أن يؤدبه، أما إفشاء العيب بين الناس فهذا لا يجوز؛ لأن الإنسان لا يستفيد سواءً المُتَكَلَّم فيه ولا المُتَكَلِّم، فإذا تكوَّنت الجماعة من خمسة من الإخوان النشِطين الناصحين الذين يمكن أن يقتنع الإنسان بقولهم ونصيحتهم فهذا حسن، بشرط أن يكونوا كما قلتُ ناصحين لا فاضحين. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 44 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [45] بدأ الشيخ ب تفسير آيات من سورة الطارق ، وذكر ما فيها من أحكام فقهية ومواعظ، وبعد ذلك أجاب عن الأسئلة من الحاضرين، وكان من أهمهما: سؤال عن الجماعات الإسلامية وحكم الانتماء إليها والعمل معها، وسؤال عن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطارق الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير من شهر جمادى الثانية عام: (1414هـ) ، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وقد لَمَسنا -ولله الحمد- فيه خيراً كثيراً من الإخوة الذين يحضرون، أو الذين يستمعون إلى الأشرطة المسجلة أو غيرهم، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على الجميع، ولا شك في هذا. في درس الأسبوع الماضي تكلمنا عن حكم المسح على الخفين وما يتعلق به. أما هذا الأسبوع فإننا سوف نستمر فيما كنا نقوم به من تفسير آخر جزء من القرآن؛ لأنه هو الذي يكثر وروده وسماعه على الناس. وقد شرعنا في تفسير سورة الطارق بعد أن أكملنا ما سبقها. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق) يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:1-3] . وهنا -كما ترون- فيه قسم أقسم الله تعالى به، وهو السماء، وكذلك الطارق. وقد يُشْكِل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، مع أن القسم بالمخلوقات شرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأي شيء من المخلوقات. والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إن الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدل على عظمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأن عِظَمَ المخلوق يدل على عِظَم الخالق. وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن من رأيته تكلم عن هذا الموضوع ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: التبيان في أقسام القرآن، وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيراً. فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كل ما علاك؛ كل ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يسمى سماءً، كما قال الله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:17] ، وإذا كان يُطْلَق على كل ما علاك؛ فإنه يشمل ما بين السماء والأرض، ويشمل السماوات كلها؛ لأنها كلها قد عَلَت وهي فوقك. وأما قوله: {وَالطَّارِقُ} فهو قَسَمٌ ثان، أي أن الله أقسم بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً، بل فسره الله عزَّ وجلَّ بقوله: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] ، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم، فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب أي: النجم اللامع، أي: قوي اللمعان؛ لأنه يثقب الظلام بنوره، وأيَّاً كان فإن هذه النجوم من آيات الله عزَّ وجلَّ الدالة على كمال قدرته؛ في سَيْرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضاً. قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] . وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] فهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ) ثم بيَّن المقْسَم عليه بقوله: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4] (إنْ) هنا نافية، يعني: ما كل نفس، و (لَمَّا) بمعنى (إلاَّ) يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله. وبيَّن الله سبحانه وتعالى مهمة هذا الحافظ في قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12] هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، وما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتاباً منشوراً، يقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] . هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل؛ سواء كان ظاهراً؛ كأقوال اللسان وأعمال الجوارح، أو باطناً حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان، فإنه يكتب عليه، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:16-18] هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] . الجزء: 45 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق) قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5] (اللام) هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا: نظر الاعتبار، وهو النظر بالبصيرة، يعني: فليفكر الإنسان مم خلق؟ هل خُلِق من حديد؟! هل خلق من فولاذ؟! هل خلق من شيء قاسٍ قوي؟! والجواب على هذه التساؤلات: أنه {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] ، وهو ماء الرجل، ووصفه الله تعالى في آية أخرى بأنه ماء مهين، ضعيف السيلان، ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفَه الله تعالى في آية أخرى أنه (نطفة) أي: قليلٌ من الماء، وهذا هو الذي خلق منه الإنسان؛ والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين، ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة -والعياذ بالله- إلا من أَلانَ الله قلبه لدين الله. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب) ثم بيَّن أن هذا الماء {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] : من بين صلب الرجل، وترائبه أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد، والصواب أن هذا الوصف لماء الرجل. وقال بعض العلماء: (يخرج من بين الصلب) : أي صلب الرجل، (والترائب) أي: ترائب المرأة؛ ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ. والصواب أن الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل؛ لأن الله تعالى وصفه بذلك. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إنه على رجعه لقادر) ثم قال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:8-10] . (إنه) : أي الله عزَّ وجلَّ. (على رجعه) : أي على رجع الإنسان. (لقادر) : وذلك يوم القيامة؛ لقوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] ، فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين قادرٌ على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياس عقلي، فإن الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادراً على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه، إذاً فهو قادر على أن يعيده مرة ثانية، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] ، ولهذا يستدل الله عزَّ وجلَّ بالمبدأ على المعاد؛ لأنه قياس جلي واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر) قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] : أي تختبر السرائر، وهي القلوب، فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامَلَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين؛ حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقول: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلاناً منافق، وفلاناً منافق؛ لكن العمل في الدنيا على الظاهر، ويوم القيامة على الباطن، {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] : أي تُخْتَبَر، وهذا كقوله: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] . ولهذا يجب علينا -يا إخوان- العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، فعمل الجوارح علامة ظاهرة؛ لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج، وهو يخاطب الصحابة، فيقول: (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم) أي: إنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة؛ لكن قلوبهم خالية -والعياذ بالله- لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. فعلينا -أيها الإخوة- أن نعتني بالقلوب، وإصلاحها، وأعمالها، وعقائدها، واتجاهاتها، قال الحسن البصري رحمه الله: والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان، والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل؛ لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه. فعلينا -أيها الإخوة- أن نعتني بقلوبنا، وإصلاحها، وتخليصها من شوائب الشرك، والبدع، والحقد، والبغضاء، وكراهة ما أنزل الله على رسوله، وكراهة الصحابة رضي الله عنهم، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فما له من قوة ولا ناصر) ثم قال تعالى: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:10] أي: يوم القيامة ليس للإنسان قوة ذاتية، وهي: القوة الداخلية، (ولا ناصر) وهي: القوة الخارجية، فهو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه، قال الله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضاً، ويحتمي بعضهم ببعض؛ لكن يوم القيامة لا أنساب، لا تنفع القرابة، ولا يتساءلون. فنسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وقلوبكم، وأعمالنا وأعمالكم، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 45 ¦ الصفحة: 10 ضابط كلمة التوحيد المنجي من الخلود في النار السؤال كيف نجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: عن أبي الأسود الدؤلي أن أبا ذر حدثه فقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه، فقال: (ما من عبد قال: (لا إله إلا الله) ، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق! ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر) . وبين ما نراه وما نقرأه عن أصحاب الفرق الضالة؛ كـ الرافضة والخوارج، وما يكون من المنافقين؛ حيث إنهم يشهدون شهادة التوحيد، ويموتون عليها؟ أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. حديث أبي ذر -كما سمعتم- يدل دلالة ظاهرة على أن هذا القائل -أي: قائل: (لا إله إلا الله) - مؤمن حقاً؛ لكن سولت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعض الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك. وطريق أهل السنة والجماعة أن الإنسان المؤمن، وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، فصار جميع فاعلي المعاصي -وإن عَظُمَت- إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، فمآل فاعلها إلى الجنة؛ لكن قد يُعذَّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] . أما المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا: (لا إله إلا الله) بقلوبهم؛ لأن هذا الانحراف الذي أدى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ: (لا إله إلا الله) لابد فيه من الإخلاص. أما أن يقول: (لا إله إلا الله) وهو يعتقد أن لا رب ولا إله -والعياذ بالله- أو يعتقد أن مع الله إلهاً يدبر الكون، أو يعتقد -مثلاً- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر وعمر ارتدا بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا في قول: (لا إله إلا الله) ، فكانت بدعُهم هذه تنافي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله -أو من قال: (لا إله إلا الله) - دخل الجنة) . السائل: أي: أن الرسول لم يقل: من قال: (لا إله إلا الله) باللفظ فقط، بمعنى: أن قوله صلى الله عليه وسلم لا يشمل كل من قال: (لا إله إلا الله) ! الشيخ: لا. لا. بل لابد من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] ، وفي نفس السورة يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء:145] ، ويقول عنهم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون:1] هذه شهادة بالرسالة، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] أي: كاذبون في قولهم. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 11 حكم أكل الحرام بقصد التدريب السؤال في بعض الجيوش الإسلامية تُخْتار فِرَقٌ تُدَرَّبُ على أكل الحيات، والضفادع، وشرب بولهم، بحجة أن ذلك يقويهم، فهل هذا يجوز؟ الشيخ: بول الإنسان نفسه، أم بول هذه الأشياء؟ السائل: بول الإنسان نفسه. الجواب هذا لا يجوز، ولا يحل، ولا يمكن أن يكون استحلال المعصية سبباً للنصر أبداً، بل المعصية سبب للخذلان، أرأيت قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران:152] يشير سبحانه وتعالى إلى غزوة أحد، وليس فيها إلا معصية واحدة، ومع ذلك خُذِل أشرف جيش على وجه الأرض من وقت خَلْق آدم إلى أن تقوم الساعة، وذلك بسبب هذه المعصية؛ وسببها أن الرسول عليه الصلاة والسلام رتب الجند، وقال لخمسين رجلاً من الرماة: كونوا هنا في مكان مُهِمٍّ ليحموا ظهور المسلمين، ولما انكشف المشركون وانهزموا، وجعل المسلمون يجمعون الغنائم نزل أكثر هؤلاء الرماة؛ لأنهم ظنوا أن المسألة انتهت، فذكَّرهم أميرهم بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تبرحوا) أي: عن مكانكم، سواءً كانت لنا أو علينا؛ ولكنهم رضي الله عنهم، وتجاوز عنهم، وعفا عنهم لم يمتثلوا، بل نزلوا، فحصلت الهزيمة بعد أن كان النصر في أول النهار للمسلمين، وذلك من معصية واحدة، فكيف بالذي يقول: اشرب بولك، وكُل الحيات، وما أشبه ذلك؟! هذا لا يقوله مسلم؛ بل الذي يظهر لي أن هذا مُتَلَقَّىً من الكفار الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله. السائل: هذا موجود في فِرَق الصاعقة الموجودة في بعض الدول الإسلامية! الشيخ: حتى ولو وُجد في أي مكان، فهذا لا يحل لهم أبداً، فالمحرمات لا تجوز إلا عند الضرورة، فإذا جاءت الضرورة عَرَف الإنسان كيف يأكل ويشرب، أما أن نجعله في حال الاختيار يشرب البول، ويأكل الحرام، خوفاً من أن يحتاج إلى ذلك فلا! بل نقول: إذا حلت الضرورة في تلك الساعة فقد أباح الله للإنسان أن يأكل ما حرم الله عليه، كما قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] . الجزء: 45 ¦ الصفحة: 12 صحة أحاديث: من شهد بالتوحيد دخل الجنة السؤال ورد عن بعض السلف في أحاديث التوحيد أن مَن شهد بالتوحيد دخل الجنة، وورد عن بعض السلف أن تلك الأحاديث منسوخة بأحاديث الفرائض، فهل هذا القول صحيح؟ الجواب الصحيح أنه لا نسخ في هذا؛ ولكن ليكن معلوماً أن من شهد بالتوحيد مخلصاً فلا يمكن أبداً أن يَدَع الفرائض؛ لأن إخلاصه يحمله على فعلها، كيف يشهد أن لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، ويقول: أنا أريد بذلك وجه الله، ثم لا يعمل العمل الذي يوصله إلى الله؟! فهذا لا يمكن، ولهذا مَن حافظ على ترك الصلاة ولم يصلِّ صار كافراً، حتى ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر؛ فما دام أنه لا يصلي نقول: أنت كافر، لا فرق بينك وبين الذي يسجد للصنم؛ ولهذا جاء لفظٌ في رواية مسلم من حديث جابر: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) . السائل: بعضهم يفسر كلمة (منسوخة) أي: أنها مخصصة، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: أبداً. لم تخصص؛ لأننا نقول: إنه بالالتزام، متى شهد أن لا إله إلا الله حقاً فسوف تحمله هذه الشهادة على القيام بفرائض الله. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 13 المسح على الجوارب لمن لم ينو حال لبسها المسح عليها السؤال إذا لبستُ الجوارب على طهارة، ولَمْ أنوِ المسح، فهل لي أن أمسح إذا حان وقت الصلاة؟ الجواب نعم. إذا لبس الإنسان الجوارب -وهي: الشُّرَّاب- على طهارة، وإن لم ينوِ المسح إذا توضأ، فإنه يمسح حتى ولو فُرِضَ أنه لبسها في الصباح بعد الفجر ومن نيته أنه يخلعها قبل الظهر، فلو نوى أنه يخلعها قبل الظهر ثم جاء وقت الظهر ولم يخلعها فله أن يمسح عليها. السائل: هل توقيتها يوماً وليلةً بالساعة؟ الشيخ: نعم. توقيتها يوماً وليلة بالساعة. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 14 حكم الانتساب إلى الجماعات الإسلامية السؤال ما حكم الانتساب إلى الجماعات الإسلامية الموجودة الآن في الساحة؟ ونريد خطوطاً واضحة في التعامل معها؟ الجواب أولاً: يا أخي! أنا لا أقر ولا أوافق على التكتل الديني، بمعنى: أن كل حزب يرى نفسَه أنه منفرد عن الآخرين؛ لأن هذا يدخل في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159] . ولهذا تجد هؤلاء المتفرقين عندهم من كراهة بعضهم لبعض أشد من كرههم للفاسقين الذين يعلنون بفسقهم -كما نسمع- حتى إن بعضهم يضلل الآخر ويكفِّره بدون سبب للتكفير. فأنا لا أرى التكتُّل والتحزب الديني، وأرى أنه يجب محو هذه الأحزاب، وأن نكون كما كان الصحابة رضي الله عنهم عليه؛ أمة واحدة، ومن أخطأ منا في طريق عَقَدي أو قولي أو فعلي فعلينا أن ننصحه وندله إلى الحق، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإن كان الصواب معه وجَبَ علينا الرجوع إلى ما كان عليه هو، وإذا كان الصواب معنا وأصَرَّ على ما هو عليه بلا تأويل سائغ، فحينئذ نحذر من رأيه ومما ذهب إليه دون أن نعتقد أننا في حزب وهو في حزب، فنشطِّر الأمة الإسلامية إلى شطرين أو أكثر. فأرى أنه ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون ضد هذه الأحزاب، أي: ضد التحزب. والحمد لله! الأمة كما اتفق أولها على جادَّة واحدة وطريق واحد فيمكن أن يتفق آخرها. السائل: فهل تحذِّر من هذه الأحزاب؟! الشيخ: لا. أنا أحذِّر من التحزب. السائل: ولكن واقع الأحزاب بنفس هذا المعنى! الشيخ: لا؛ لأني لو قلت: أحد الأحزاب فقد يكون هذا الحزب على حق، فلا أحذِّر منه، بل أحذِّر من التحزب، وأرى أنه يجب على مَن يقال عنهم: إن هؤلاء من التبليغ، وهؤلاء من الإخوان، وهؤلاء من السَّلَفية، وهؤلاء من الإصلاح، وما أشبه ذلك، أرى أنه يجب أن يجتمع بعضُهم إلى بعض، وأن يتدارسوا الأمر، وأن يخرجوا بفكر واحد ورأي واحد. أما أن يتعادَوا الآن كما هو في الساحة؛ فتجد هؤلاء يسبون هؤلاء، ويقعون في أعراضهم، فهذا يُوْهِنُ الجميع. فالعامة إذا رأوا أنهم في عمىً؛ هذا يقول: الحق عندي، والباطل مع ذاك، وذاك يقول: الحق عندي، والباطل مع الآخر، فإنها تبقى متحيِّرة. السائل: بِمَ تنصح طالب العلم اليوم؟ فهذا موضوع مهم ويحتاج إلى فتوى صريحة؛ لأن الشباب تفرقوا! الشيخ: أنا الآن أعطيتك فتوى صريحة: فأنا أرى أنه لا يجوز التحزب أبداً. السائل: وبالنسبة للانتساب يا شيخ؟! الشيخ: ولا الانتساب، فالانتساب معناه: أنك تشعر بأنك منفرد عن الآخرين، وكيف تنفرد عن الآخرين وهم إخوانك من المؤمنين إذا ما أخطئوا في شيء عَمَلي أو عَقَدي، إذْ الذي ينبغي عليك أن تجتمع بهم وتناقشهم وتبين لهم الخطأ. لكن ثق بأنهم إذا سمعوا -مثلاً- أن الآخرين يقدحون فيهم أو يحذِّرون منهم، فسيزداد تمسكهم بما هم عليه، حتى وإن كان باطلاً، فهذه طبيعة النفس البشرية. ولكن لو أننا قلنا: يا جماعة! كلنا إخوان مسلمون، كلنا نريد الوصول إلى شريعة الله، فلنكن عليها سواءً، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران:64] فكيف بإخواننا المسلمين؟! فمثلاًَ: التبليغيون: عندهم قاعدة: أن يخرج الإنسان ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، فنبحث هذه الطريقة، وننظر ما هي؟ وعندهم كذلك: عدم الخوض في المسائل العلمية، والتعمق فيها، فنبحث معهم، ونقول: لماذا تقررون ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو ما أشبه ذلك؟ لماذا؟ وننظر إذا كان لهم غرضٌ صحيح ومقصودٌ نافع، فلا نذهب لنُبَدِّعَهم، ونشهِّرَ بهم من أجل ذلك. وإذا كانوا يكرهون المناقشة في العلم والتعمق فيه، نسألهم: لماذا؟ فإن قالوا: لئلا تحصل عداوة بين المتناقشين، قلنا: هذا غلط، فالإنسان الذي يريد الحق لو ناقشه غيرُه للوصول إلى الحق لا يكرهه، بل يقول: هذا من نعمة الله عليَّ أن أحداً يناقشني؛ حتى إذا كنتُ على خطأ تبيَّن لي خطئي. السائل: عندنا في الكويت الشيخ سالم الطويل، والشيخ حَمَد العثمان يحاربان صراحة عدم الحزبية، ويضادون من بعض الجماعات إلا من رحم الله، فما نصيحتك لهما؟ الشيخ: أنا هذه نصيحتي -وقد سمعتَ الآن- لهما ولغيرهما. وأنا أخبرك أيضاً أنه في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسم شخص؛ لكن لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا، وإلا فإنا لا نرضى أن أحداً يذكر شخصاً معيناً، مهما كان. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 15 حكم الشجر النابت على القبور السؤال في القرية التي أنا موجود فيها الآن والقريبة من دُخْنَة يوجد قبر خارج هذه القرية، وقد نبتت على هذا القبر شجرة، فجاءت الإبل تأكل من هذه الشجرة، وتدوس على هذا القبر، وحفاظاً على هذا القبر وُضِعَ حول هذا القبر سُوْر، فهل هذا العمل جائز أم لا؟ الجواب أولاً -بارك الله فيك-: هذه المسألة ليست مشكلة، هذه الشجرة تُقْلَع مع أصلها. السائل: أنا أسأل عن السُّور الذي حول القبر يا شيخ! الشيخ: كُنْ معي، إذا قلعنا الشجرة من أصلها ما جاءت الإبل، وسلمنا من شر الإبل، وبقي القبر على ما هو عليه. وأما البناية عليه. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يَضِلوا بهذا، فيعتقدو أنه قبر ولي أو صالح، ثم تعود مسألة القبور إلى هذه المملكة بعد أن طهرها الله منها على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. فالآن لابد أن تبلغ القاضي عن الموضوع، خصوصاً إذا كان البناء قديماً كأنه حجرة، فهذا لابد أن يزال، والقبر إما أن يُنقل إلى مكان آخر إن كان بقي فيه رُفاتَ، وإن كان قد ذَهَبَ فقد ذَهَبَ. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 16 عدم حِلْ أكل الحرام بقصد التدريب السؤال بالنسبة للسؤال الثاني من هذا اللقاء وهو سؤال أكل الضفادع: نجد أن بعض التدريبات التي تحصل في الجيوش إنما لتكون في أوقات الشدة، أعني: في الحروب، حتى إذا اضطر الإنسان إليها فإنه يكون قد ألِفَها، ولا تكون مقصودةً بذاتها! الجواب لكن يا أخي! الإنسان إذا جاء ليأكل سواءً تدرَّب أو لم يتدرب، فإنه لا يحتاج إلى أن يتدرب، وهل يتدرب الشخص على الأكل؟ فالإنسان إذا جاع فإنه يأكل؛ ولكن يتدرب على ملاقاة الأعداء، وعلى الكر والفر، لا بأس بذلك؛ أما أن يتدرب على الأكل وعلى شرب البول فهذا ليس بصحيح. السائل: ولكن في مناطق الشدة -يا شيخ- لا يجدون ما يأكلون؛ لأنها خالية من الطعام! الشيخ: حسنٌ! إذا وقعتَ في مناطق الشدة ولم تجد فيها إلا حيات أكلتَ وإن لم تتدرب. إن الصبي يهديه الله إلى ثدي أمه، ويعرف مكان الثدي، والإنسان الكبير لا يعرف أنه إذا جاع يأكل الدابة أو الحية؟ فلا يحتاج هذا إلى تدرُّب أبداً. وقد تقول: إنهم يدربونهم على السم! فنقول: السم ليس في نفس الجسم، بل يحصل السم من انفعال هذا الحيوان، ثم يبرز منه هذا السائل، كما أن الإنسان فيه الماء المهين الذي يُخلق منه الولد، فإنه لا يخرج إلا بعد أن توجد أسبابُه. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 17 حكم بيع الطيور غالية الثمن السؤال بعض الناس يشتغل في بيع الطيور بأسعار غالية، وقد يصل سعر حيوان واحد إلى (60. 000) ريال، أو إلى (5000) ريال، أو (10. 000) ريال، فما رأي فضيلتكم؟ الشيخ: أي طير هذا؟ هل هو الصقر؟ السائل: مثل الحمام. الجواب ذكروا أن هناك أنواعاً معينة تكون غالية، فيكون كل السوق على هذا السعر، فإذا كان هذا هو رغبة الناس فلا بأس. لكن بالنسبة للحمام، فأنا أخشى أن قيمتها لم تَزِدْ هذه الزيادة إلا من أجل اللعب بها، واللعب بالحمام مضيعة للوقت، وتضييع الوقت منهي عنه، وإلا ما الفرق بين حمامة بخمسة ريالات وحمامة بخمسة آلاف؟! السائل: هناك نوع من الحمام يوصل الرسائل إلى الدمام، وإلى الكويت! الشيخ: كان هذا في الأول يوم أن كان الناس على الإبل والحمير، والآن الرسالة بالفاكس موجودة، وموجودة بالتليفون شفوياً، فليست هناك حاجة إليها الآن. السائل: ومَن اشتغل في هذا يا شيخ؟! الشيخ: والله أرى أن هذا مما يُخشى أن يكون من إضاعة المال من جهة، ومن الإعانة على اللهو من جهة أخرى. أما كونه من إضاعة المال فكيف أبذل خمسة آلاف في هذه الحمامة؟ فربما يأتي قط ويأكلها، أو تموت من العطش، أو ما أشبه ذلك؟! الجزء: 45 ¦ الصفحة: 18 حكم إتيان العرافين السؤال ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (من أتى عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) هل هذا كفرٌ مُخْرِجٌ من الملة، أم في هذا تفصيل؟ الجواب الحديث: (من أتى عرافاً فصدقه. ) ، فإذا قال لك العراف: سيكون في الشهر الفلاني كذا وكذا، ثم صدقته، فهذا يتضمن تكذيب قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] ؛ لأنك الآن آمنت بأن الكلام من هذا الكاهن أو العراف حق، فيكون بذلك كفراً أكبر؛ لأن كل شيء يتضمن تكذيب ما قاله الله ورسوله فهو كفر، ولهذا جاء الحديث الذي رواه مسلم: (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاةٌ أربعين يوماً) ، ولم يذكر الكفر؛ لأن هذا سأل مجرد سؤال ولم يصدقه، بخلاف ما لو سأله فصدقه، فإن تصديقه يتضمن تكذيب قوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] ، ويكون كفراً مُخْرِجاً من الملة. وقد شاهدنا -بحمد الله- كذبهم في أول السنة الميلادية في العام الماضي، فمع الأسف نشرت الصحف عن واحدة من الكاهنات أنها قالت أشياء كثيرة ستحدث، ولكننا لم نشاهد منها أي شيء، ولا واحداً منها؛ ولكنهم يُدَجِّلون على الناس، والناس مع ضعف الإيمان يتشبثون بكل شيء. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 19 حكم استنابة الغير في الإمامة إذا كان لدي أعمال السؤال ما الحكم في شخص يعمل في فِراشَة مسجد، ويأخذ المكافأة، ويجعل عاملاً هندياً يعمل في المسجد بدلاً عنه، ويعطيه (300) ريال من الراتب، والباقي يأخذه، وهو لا يعمل شيئاً؟ الجواب أنا بلغني عن المسئولين في الأوقاف أن الفِراشَة لا يُقْصَد بها الشخص بعينه بل يُقْصَد العمل، فمتى أمَّنَ لهم الإنسان فِراشَةَ هذا المسجد وتنظيفه فليكن بأي طريق كان، وقالوا لي: لا بأس إذا كان الإنسان أخذ الفِراشَة وعنده عامل، أو استأجر عاملاً يقوم بهذا؛ يقولون: نحن لا نرى في هذا بأساً؛ لأنه ليس لنا إلا العمل فقط. أما الإمام فلا يجوز له، فلو أن إماماً أراد أن يترك الإمامة ويجعل فيها رجلاً آخر، فإنه لا يجوز؛ لأن الإمام قد يُقْصَد بعينه لكونه قارئاً، أو لكونه عالماً، أو ما أشبه ذلك. مع أني أرى أن الورع ترك هذا، وأن الإنسان إما أن يباشر الشيء بنفسه وإلا فليتركه لغيره من أناسٍ آخرين محتاجين، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاختيارات: مِنْ أَكْلِ المالِ بالباطل قومٌ يأخذون الوظائف، ويستنيبون غيرهم بيسير مما أخذوا. وهذه تنطبق تماماً على المسألة التي قلتُ. فأرى أن الورع أن لا يفعل الإنسان هذا؛ لكن لو فعل بِرِضى إدارة الأوقاف فلا حرج عليه. الجزء: 45 ¦ الصفحة: 20 من أصول أهل السنة والجماعة السؤال ما هي أصول المسائل التي مَن خالفها فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة؟ الجواب هذه الأصول ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية، والعقيدة الواسطية كتابٌ مختصر معروف عند أكثر طلبة العلم؛ لكنه كتاب مبارك، فيه خير كثير. ذكر رحمه الله لما أنهى الكلام على قصد السنة فقال: إن أهل السنة والجماعة وسَطٌ في فِرَق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم. فأمتنا -ولله الحمد- وسط بين الأمم؛ بين اليهود والنصارى، في العقيدة، وفي الأعمال. أولاً: في العقيدة:- نجد أن اليهود تنقَّصوا الله عزَّ وجلَّ حتى وصفوه بصفات المخلوقين الذميمة. ماذا قالوا؟! {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181] ، وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] ، وقالوا: إن الله تعبَ، فاستراح يوم السبت بعد خَلْق السماوات والأرض، فأَلْحَقوا الخالق بالمخلوق. والنصارى على العكس، أَلْحَقوا المخلوق بالخالق، وجعلوا عيسى بن مريم إلهاً مع الله، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116] . ثانياً: في الأعمال:- ففي الرسالات: اليهود كذبوا الأنبياء، وقتلوا الأنبياء بغير حق، والنصارى غالَوا في الأنبياء، وجعلوا عيسى إلهاً. أما هذه الأمة -ولله الحمد- فقد خالَفَتْهم في هذين الأصلين وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا مِثْل له، ولم يصل أحد من المخلوقين إلى ما يختص بالله من الصفات. وفي الرسل: قالت هذه الأمة: عباد الله ورسله، ليس لهم حق من الربوبية ولا من الألوهية، وهم صادقون مصدوقون. وفي الحلال والحرام: نجد أن الله تعالى ضيَّق على اليهود المأكولات، {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:146] . والنصارى يستحلون كل خبيث، ويأكلون ما هبَّ ودبَّ، وهذه الأمة أحل الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث. وفي مسألة الحائض: نجد أيضاً أن اليهود لا يقربون الحائض، ولا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في بيت، والنصارى بالعكس لا يهتمون بالنجاسات. وهذه الأمة -ولله الحمد- وسط، يأكلون مع الحائض، ويجالسونها، ويباشر الرجل زوجته الحائض بما عدا الجماع. فالحاصل: أن هذه الأمة وسط بين الأمم. كذلك أهل السنة والجماعة وسط بين فِرَق الأمة في الأصول الخمسة التي ذكرها رحمه الله. الأصل الأول: في باب الأسماء والصفات:- هم وسط بين الممثلة والمعطلة، فـ الممثلة: طائفة تقول: صفات الله تعالى كصفاتنا؛ فوجه الله كوجوهنا، وعينه كأعيننا، ويده كأيدينا، وما أشبه ذلك. والمعطلة بالعكس، فهم ينكرون ما وصف الله به نفسه، ويقولون: ليس لله وجه، ولا يد، ولا عين، وما أشبه ذلك، و {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:46] في هذه الأمور. الأصل الثاني: في القَدَر:- كذلك أهل السنة والجماعة وسط في القَدَر، فهناك طائفتان ضالتان في مسألة القَدَر: الطائفة الأولى: الجبرية، تقول: إن الإنسان مُجْبَر على عمله، ولا اختيار له ولا إرادة، والطائفة الأخرى: القدرية، تقول: الإنسان مستقل بنفسه، وليس لله فيه تعلُّق، يفعل بدون مشيئةٍ من الله، وبدون خَلْق. وأهل السنة والجماعة قالوا: إن الإنسان يفعل باختياره، وهو مختارٌ مُخَيَّر؛ ولكن أيَّ فعل يفعله فهو بمشيئة الله تعالى وخلقِه. الأصل الثالث: في أسماء الإيمان والدِّين:- ففي أسماء الإيمان والدين نجد من الفرق المخالِفة: المعتزلة، والخوارج، من جهة، والمرجئة من جهة أخرى. قالت المعتزلة والخوارج: إن الإنسان إذا زَنَى خرج من الإيمان، فلا يكون مؤمناً، ولا يَصْدُق عليه أنه مؤمن أبداً. وقالت المرجئة وهم ضدهم: إن الإنسان وإن زَنَى وسرق فهو مؤمن كامل الإيمان، إيمانه مثل إيمان أطوع الناس لله. وقال أهل السنة والجماعة: إذا زَنَى الإنسان أو سرق فإنه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمنٌ بإيمانه، فاسقٌ بكبيرته. الأصل الرابع: في الأحكام:- ففي أحكام الإنسان على فعله، ماذا يكون إذا فعل الكبيرة، قالت المعتزلة والخوارج: إنه يخلد في النار مع المنافقين؛ مع أبي جهل، وأبي لهب، وغيرهم، وقالت المرجئة: لا. بل فاعل الكبيرة لا يدخل النار أبداً، ولا يمكن. وأهل السنة والجماعة قالوا: إنه يستحق العقاب، وقد يغفر الله له. الأصل الخامس: في أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام:- وهو الأصل الخامس الذي ذكره شيخ الإسلام، فأصحاب الرسول انقسمت فيهم أهل البدع إلى قسمين: قسمٌ كفَّروهم وضلَّلوهم كـ الرافضة، إلا آل البيت فإنهم غالَوا فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم، فصاروا ضالين في الصحابة من وجهين: مِن جهة تكفير وتضليل، عدا آل البيت، ومن جهة الغُلُو في آل البيت. وهناك قسم ضدهم يُسَمَّى: الخوارج وهم النواصب، فقد كفروا علي بن أبي طالب، وخرجوا عليه، وقاتلوه، واستحلوا دمه. أما أهل السنة والجماعة فقالوا: الصحابة رضي الله عنهم خير القرون وأفضل الأمة، ولهم حقهم الذي يجب علينا، ولآل النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به حقُّ القرابة مع الإيمان والصحبة إذا كانوا من الصحابة؛ ولكننا لا نغلو فيهم كما فعل الرافضة، ولا نقدح فيهم كما فعلت الخوارج، بل نعطي حقهم من غير غُلُو ولا تقصير. كذلك من الأصول التي يختلف فيها أهل السنة وأهل البدع: الخروج على الأئمة: فـ الحرورية هؤلاء الخوارج خرجوا على إمام المسلمين، وكفَّروه، وقاتلوه، واستباحوا دماء المسلمين من أجل ذلك. وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: علينا أن نسمع ونطيع لولي الأمر فعل ما فعل من الكبائر والفسق ما لم يصل إلى حد الكفر البواح، فحينئذ نقاتله إذا لم يترتب على قتاله شر وفتن، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الخروج على الأئمة إلا بشروط وقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ، أربعة شروط: الأول: أن تروا، أي: بأعينكم، أو تعلموا ذلك. الثاني: كفراً، لا فسقاً، أي: حتى لو رأى أنه يزني، أو يسرق، أو يقتل النفس المحرمة بغير حق، دون استباحة لذلك، فإنه ليس كافراً بل هو فاسق من جملة الفاسقين، ولا يحل لنا أن نخرج عليه، فالرسول قال: كفراً. الثالث: بواحاً أي: صريحاً لا يمكن فيه التأويل، فإن أمكن فيه التأويل فإننا لا نكفره، ولا نخرج عليه. الرابع: عندكم فيه من الله برهان، يعني: ليس الكفر الذي رأيناه بواحاً كفراً بقياس أو ما أشبه ذلك؛ بل يكون عندنا فيه برهان، ودليل واضح من الكتاب والسنة. هذه أربعة شروط، وهناك شرط خامس يؤخذ من الأدلة الأخرى، وهو: أن يكون عندنا قدرة على إزاحة هذا الحاكم الكافر الذي كَفَرَ كفراً صريحاً عندنا فيه من الله برهان، فيكون لنا قدرة على ذلك، فإن لم يكن لنا قدرة صار الشر الذي نريد إزالته أكثر مما لو تركناه على حاله، ثم حاولنا بطريق أو بأخرى الإصلاح ما استطعنا. ولهذا يخطئ بعض الإخوة الذين عندهم -ولله الحمد- غيرة إسلامية ودين، يخطئون حينما يخرجون على مَن ولَّاه الله تعالى إياهم، والله حكيم، فهو الذي يولِّي بعض الظالمين بعضاً، ولا تظنوا أن الولاة إذا ظلموا أو اعتدوا أن هذا تسليط من الله تعالى لمجرد مشيئة من الله، بل هو لحكمة؛ لأن الله قال: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] . والولاة لا يتسلطون على الرعية إلا بسبب الرعية، (كما تكونون يُوَلَّى عليكم) ، فبعض الناس الذين يحاولون الخروج على من ولاه الله عليهم ولو بالقوة هم يخطئون في الواقع من أوجه: الأول: أنه لابد من العلم بما حصل من هذا الذي ولاه الله عليهم، فلابد أن نعلم، فمجرد الكلام الذي يُنْقَل لا ينبغي أن يُصدَّق، وكم نُقِل إلينا من أقوال كاذبة، سواء في الولاة، أو فيمن هم دون الولاة، فإذا تحققنا وجدنا أنه لا أصل لها، ولهذا جاء الحديث: (إلا أن تروا كفراً) . الثاني: إذا رأينا هذا الشيء بأعيننا، أو تواتر إلينا من ثقات، فلابد أن نعرضه على الكتاب والسنة، وننظر هل هو كفر أو فسق؟! الثالث: لابد أن يكون بواحاً، إذا ظننا أنه كفر فلا بد أن ننظر هل فيه برهان من الله؟ هل هو كفر صريح لا يحتمل التأويل؟ لأنه قد يكون كفراً؛ لكن يُعْذَر فيه الإنسان من جهة التأويل. فلابد أن يكون بواحاً، صريحاً، واضحاً لا يحتمل التأويل. الرابع: لابد أن يكون عندنا فيه من الله برهان، وهو الدليل القاطع الواضح. وإنما ضيق النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، أي: الخروج على الأئمة بهذه القيود التي قد يظنها بعض الناس صعبة؛ لأن ما يترتب على الخروج أشد ضرراً مما هم عليه. وأنتم تشاهدون الآن ما حصل من الثورات، هل كانت الشعوب أسعد بعد الثورة منها قبل الثورة؟ أبداً. بل بالعكس، وليس هناك حاجة إلى أن نعين بلاداً معينة في هذا المكان؛ لأن الأمر واضح. فالمهم أن ننصح إخواننا المسلمين بعدم التسرع الجزء: 45 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [46] كان الحديث في هذا اللقاء عن تفسير الآيات الأخيرة من سورة الطارق، وتحدثت الآيات عن قسم الله بالسماء ذات الرجع، والأرض ذات الصدع، كما تحدث عن المناسبة بين القسم الذي في أول السورة والقسم الثاني، واستمر الشيخ في تفسير الآيات حتى آخر السورة، ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطارق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا اللقاء الأول لشهر رجب عام (1414هـ) ، وهو اللقاء الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما علمنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين، صالحين مصلحين. عادتنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله، وقد ابتدأنا من سورة النبأ، وها نحن الآن في آخر سورة الطارق. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والسماء ذات الرجع) قال الله تعالى بعد أن ذكر الإقسام بالسماء والطارق إلى قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10] قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:11-12] هذا هو القسم الثاني بالسماء، والقسم الأول ما كان في أول السورة قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق:11] . فهناك قال: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:1-3] وهنا قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:11-12] {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق:13] . والمناسبة بين القسمين والله أعلم: أن الأول فيه إشارة إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم هو كما نعلم ترمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل. أما هنا فأقسم بالسماء ذات الرجع أن هذا القرآن قول فصل، فالقسم الأول مناسبته أن فيه الإشارة إلى ما يحفظ به القرآن حال إنزاله، وفي القسم الثاني الإشارة إلى أن القرآن حياة؛ لأنه قال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق:11] والرجع: هو المطر، يسمى رجعاً؛ لأنه يرجع ويتكرر، ومعلوم أن المطر به حياة الأرض. {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:12] الصدع: هو الانشقاق، يعني: التشقق لخروج النبات منها، فأقسم بالمطر الذي هو سبب خروج النبات، وبالتشقق الذي يخرج منه النبات، وكله إشارة إلى حياة الأرض بعد موتها. والقرآن به حياة القلوب بعد موتها كما قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] فسمى الله القرآن روحاً؛ لأنه تحيا به القلوب. يقول عز وجل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق:11] أي: ذات المطر {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق:12] أي: ذات الانشقاق لخروج النبات منها. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إنه لقول فصل) قوله: {إِنَّهُ} [الطارق:13] أي: القرآن {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق:13] فوصفه الله بأنه قول. قول من؟ قول الله عز وجل، فهو الذي تكلم به وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أضاف الله القرآن قولاً إلى جبريل وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام فقال تعالى عن الأول: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:19-21] وقال عن الثاني -وهو الرسول صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:40-41] . ففي الأول أضاف القول إلى جبريل؛ لأنه بلغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد؛ لأنه بلغه إلى الناس، وإلا فإن الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى. {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق:13] فصل: يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنه فصل، أي: قاطع لكل من ناوأه أو عاداه، ولهذا نجد المسلمين لما كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار وقطعوا دابرهم، وقضى بينهم، فلما أعرضوا عن القرآن هُزموا وذُلوا بقدر بعدهم عن القرآن، فكلما ابتعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدت عنه العزة، وابتعد عنه النصر، حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وما هو بالهزل) قال تعالى: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:14] أي: وما هو باللعب والعبث واللغو، بل هو حق، كلماته كلها حق، أخباره صدق، وأحكامه عدل، وتلاوته أجر، لو تلاه الإنسان كل أوانه لم يمل منه، وإذا تلاه بتدبر وتفكر فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيء مشاهد اقرأ القرآن وتدبره، كلما قرأته وتدبرته حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل؛ كل هذا لأنه فصل وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلما كررته كرهته ومللته، أما كتاب الله فلا يمل منه قارئه. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إنهم يكيدون كيداً) ثم قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} [الطارق:15] (إِنَّهُمْ) أي: الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم (يَكِيدُونَ كَيْداً) أي: يكيدون كيداً عظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن اتبعه. وانظر ماذا كانوا يفعلون بالمؤمنين أيام كانوا بـ مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد. هاجر المسلمون مرتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة، كل ذلك فراراً بدينهم من هؤلاء المكذبين المجرمين، الذين آذوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم حين الهجرة، حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد صلى الله عليه وسلم. فكلما ذكروا رأياً نقضوه، وقالوا: هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم -فيما ذكر أهل التاريخ- الشيطان الذي جاء في صورة رجل، وقال لهم: إني أرى أن تختاروا عشرة شبان من قبائل متفرقة، وتعطوا كل واحد منهم سيفاً ماضياً حتى يقتلوا محمداً قتلة رجل واحد، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتص من القبائل كلها، فيضطرون إلى أخذ الدية، وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي، واستحسنوا هذا الأمر. وفعلاً جلس الشبان العشرة ينتظرون خروج النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الباب وهم جلوس ولم يشاهدوه. وذكر أهل التاريخ أنه جعل يذر التراب على رءوسهم إذلالاً لهم ويقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] . ولا تتعجبوا كيف خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تتعجبوا من هذا، فهاهي قريش حين اختبأ النبي صلى الله عليه وسلم في الغار -لما خرج من مكة يريد المدينة - اختبأ في الغار ثلاثة أيام ليَخفَّ عنه الطلب؛ لأن قريشاً صارت تطلبه، وجعلت لمن جاء بخبره مائة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مائتي بعير، وهذه جائزة كبيرة. فوقفوا على الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر -وكلنا يعلم أن الغار المفتوح إذا كان فيه أحد فسوف يُرى- ولكنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر رضي الله عنه الذي قال: (يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، فقال: لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما) فاطمأن أبو بكر. هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصور في السمع، ولا قصور في البصر، ولا قصور في الذكاء؛ ولكن أعمى الله أبصارهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صاحبه، فلا تعجب إن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء الشبان العشرة -كما قال أهل التاريخ- وجعل يذر التراب على رءوسهم ويقول: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] . هنا يقول عز وجل في سورة الطارق: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق:15-16] واقرأ قول الله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال:30] يعني: يحبسوك {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] . الجزء: 46 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فمهل الكافرين أمهلهم رويداً) ثم قال عز وجل: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] مهِّل وأمهل معناهما واحد، أي: انتظر بمهلة، ولا تنتظر بمهلة طويلة: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:17] أي: قليلاً، و (رويداً) : تصغير رود أو إرواد، والمراد به: الشيء القليل. وفي هذه الآية تهديد لقريش وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعد له بالنصر، وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل، خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً منهم، وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية للهجرة قتل من صناديد قريش وكبرائهم وزعمائهم نحو أربعة وعشرين رجلاً؛ منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات، بل أقل من ثماني سنوات دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً منصوراً ظافراً، حتى إنه قال -كما جاء في التاريخ- قال وهو ممسك العضادتي باب الكعبة، وقريش تحته: (ما ترون أني فاعل بكم؟ -لأن أمرهم أصبح بيده عليه الصلاة والسلام- قالوا: أخ كريم! وابن أخ كريم! قال: إني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92] اذهبوا فأنتم الطلقاء) وإنما منَّ عليهم هذه المنة صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال:38] . هذا هو آخر ما تيسر من الكلام على سورة الطارق، وإني أحثكم على تدبر القرآن وتفهم معانيه، خذوا معانيه من أفواه العلماء الموثوقين، أو من كتب التفسير الموثوقة كـ تفسير ابن كثير، أو تفسير عبد الرحمن بن سعدي، وما أشبهها من التفاسير التي تعرفون أصحابها أنهم موثوقون في عقيدتهم وفي آرائهم. نسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعاً لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 46 ¦ الصفحة: 8 من أحكام صلاتي الاستسقاء والعيد السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لصلاة الاستسقاء والعيدين إذا فاتت الإنسان هل يقضيها أم لا؟ وإذا فاتته ركعة فهل يقضي التكبيرات أم لا؟ وبالنسبة للأئمة الذين لا يطلبون من المأمومين تسوية الصفوف فما نصيحتكم لهم؟ الجواب هذا السؤال يأتي في مناسبة طيبة؛ لأنه صادف اليوم الذي أقمنا فيه صلاة الاستسقاء، والاستسقاء كما نعلم هو طلب السقيا، وطلب السقيا يكون على أوجه كثيرة، قد تستسقي وأنت في السجود، وقد تستسقي وأنت في مجلس بين أصحابك، وقد يستسقي الخطيب في يوم الجمعة، وقد يخرج الناس إلى مصلى العيد ليصلوا صلاة الاستسقاء. وصفة صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، أما الخطبة فإنها خطبة واحدة، وليست كخطبة العيد، فالعيد فيه خطبتان، وهذا هو المشهور عند أهل العلم، وقيل: للعيد خطبة واحدة، وهو الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة السالمة من التضعيف، أن خطبة العيد واحدة لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطب الرجال أولاً ثم ينزل إلى النساء فيعظهن. أما الاستسقاء فهو خطبة واحدة، حتى على قول من يرى أن صلاة العيد لها خطبتان فهي خطبة واحدة؛ إما قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فالأمر كله جائز، لو أن الإمام حين حضر إلى المصلى فاستقبل القبلة ودعا وأمن الناس على ذلك لكان كافياً، وإن أخر الخطبة إلى ما بعد الصلاة فهو أيضاً كافٍ وجائز، فالأمر في هذا واسع. وإنما قلت ذلك لئلا يستنكر أحدٌ مما قد يفعله بعض الأئمة من الخطبة والدعاء في صلاة الاستسقاء قبل الصلاة، فإن فعل ذلك لا ينكر عليه؛ لأنه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما إذا فاتت الإنسان صلاة الاستسقاء فأنا لا أعلم في هذا سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى ودعا فلا بأس. وأما صلاة العيد فإنها لا تقضى إذا فاتت؛ لأنها صلاة شرعت على وجه معين، وهو حضور الناس واجتماعهم على إمام واحد، فإذا فاتت فإنها لا تقضى. وكذلك صلاة الجمعة فإنها إذا فاتت لا تقضى -أيضاً- لكن يصلي بدلها ظهراً؛ لأن هذا وقت الظهر، فإن لم يتمكن من الجمعة صلى الظهر. أما العيد فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها بدل، فإذا فاتتك مع الإمام فقد فاتتك، ولا يشرع لك قضاؤها، وأما بالنسبة للتكبيرات التي بعد تكبيرة الإحرام فإنك إذا دخلت مع الإمام بعد انتهاء التكبيرات فإنك لا تعيد التكبيرات؛ لأنها سنة فات محلها، فإذا فات محلها سقطت. أما الركعة الثانية فسوف تكبر مع الإمام، وأما إذا فاتتك الركعة الأولى ولم تدخل مع الإمام إلا في الركعة الثانية فمن المعلوم أنك سوف تكبر التكبيرات التي يكبرها الإمام أو ما بقي منها، وإذا قمت إلى قضاء ما فاتك فإنك تكبر في الركعة التي تقضيها. أما طلب الأئمة تسوية الصفوف في صلاة العيد وفي صلاة الاستسقاء فإنه مشروع كغيرها من الصلوات؛ وذلك لأن الناس إذا لم ينبهوا على هذا ربما يغفلون عنه، فكل صلاة يشرع فيها الجماعة؛ فإنه يشرع للإمام إذا كان الناس صفوفاً أن ينبههم وأن يقول: استووا، اعتدلوا. وأما قول بعض الأئمة: استقيموا. فإن هذا لا أصل له، ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بحثت عنها وسألت بعض الإخوان أن يبحثوا عنها، فلم يجدوا لها أصلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بدل (أقيموا صفوفكم) (استقيموا) . ولا وجه لقوله (استقيموا) ؛ لأن المراد بقوله (استقيموا) أي: على دين الله، وليس هذا محله؛ لأن هذا محل أمر الناس بإقامة الصفوف في الصلاة، فالمشروع أن يقول: أقيموا صفوفكم سووا صفوفكم وما أشبه ذلك. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 9 حكم استفتاء أكثر من عالم في المسألة الواحدة السؤال هل يجوز استفتاء أكثر من عالم؟ وفي حالة اختلاف الفتيا هل يأخذ المستفتي بالأيسر أم بالأحوط؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب لا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقاً بقوله أن يستفتي غيره؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص؛ بحيث يسأل فلاناً فإن لم يناسبه سأل الثاني، وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا. وقد قال العلماء في تتبع الرخص: فسق. لكن أحياناً يكون الإنسان ليس عنده من العلماء إلا فلان مثلاً، فيسأله من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله، فهذا لا بأس به أن يسأل الأول للضرورة، ثم إذا وجد من هو أفضل سأله. وإذا اختلف العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم -مثلاً- فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه، فإن تساوى عنده الرجلان في العلم والدين فقال بعض العلماء: يتبع الأحوط وهو الأشد. وقيل: يتبع الأيسر، وهذا هو الصحيح؛ أنه إذا تعادلت الفتيا عندك فإنك تتبع الأيسر؛ لأن دين الله عز وجل مبني على اليسر والسهولة، لا على الشدة. وقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) . الجزء: 46 ¦ الصفحة: 10 كيفية التخلص من الوساوس السؤال امرأة ابتلاها الله بوسواس في الطهارة، والشعور بعد الوضوء بمدافعة الخبث، وفي ذات مرة شعرت بمن يأمرها بسب القرآن وسب الله فما كان منها إلا أن بكت، فكيف علاجها والخلاص من هذا الوسواس؟ الجواب هذا الوسواس مبتلى به كثير من الناس إذا لم يكن السؤال الذي يرد علينا بالتليفون مكرراً من سائلٍ واحد فما أكثر هذا في الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودواء الوسواس كثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولاسيما قراءة المعوذتين، فإنه ما استعاذ مستعيذ بمثلهما {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:1-2] وأول ما يدخل في ذلك شر الشيطان؛ لأنه من مخلوقات الله، وفي سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:1-4] . فدواء ذلك بكثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واللجوء إلى الله تبارك وتعالى، والعزيمة الصادقة، بحيث لا يلتفت الإنسان لما يرد على قلبه من الوساوس. مثلاً توضأ مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً فلا تلتفت إلى وسوسة الشيطان، حتى لو شعر الإنسان في نفسه أنه لم يتوضأ مثلاً، أو أنه أهمل شيئاً من أعضائه، أو أنه لم ينو فلا يلتفت لهذا الشيء. وكذلك لو أنه في صلاته شعر أو وقع في نفسه أنه لم يكبر للإحرام لا يلتفت لذلك، يمضي في صلاته يكملها، وكذلك -أيضاً- لو خطر في قلبه ما ذكر من سب الله عز وجل أو سب المصحف أو غير ذلك من الكفر فلا يلتفت لهذا ولا يضره، حتى لو فرض أنه جرى على لسانه هذا الشيء وهو بغير اختيار فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق في إغلاق) فإذا كان طلاق الموسوس لا يقع؛ فهذا أولى بالعفو، لكن يعرض عن هذا، ولا يهتم به. فوصيتي لهذه ولغيرها -ممن ابتلي بذلك-: الإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومن قراءة السورتين العظيمتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ومن العزيمة الصادقة وعدم الالتفات إلى تلك الوساوس الشيطانية. ولو أوقع الشيطان في قلبه التشكيك في الله، أو ما أشبه ذلك؛ لا يهمه؛ لأنه ما تألم من هذا الشك إلا لإيمان في قلبه، فغير المؤمن لا يهمه شك أو لم يشك؛ لكن الذي يتألم من هذه الشكوك والوساوس مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ذلك صريح الإيمان) يعني: أن ما يلقي الشيطان في قلوبكم من مثل هذه الأمور صريح الإيمان -أي: خالصه- جعله من خالص الإيمان مع أن الشك يرد على القلب؛ لأن هذا الذي ورد على قلبه الشك لا يطمئن لهذا الشك ولا يلتفت إليه ويتألم منه ولا يريده، والشيطان لا يأتي إلا القلوب العامرة حتى يدمرها، فالقلوب الدامرة لا يأتيها؛ لأنها دامرة، قيل لـ ابن عباس أو ابن مسعود: إن اليهود يقولون نحن لا نوسوس في صلاتنا. قال: [نعم. وما يفعل الشيطان بقلب خراب؟!] . فوصيتي لها -وأرجو أن تبلغها أو تشتري لها الشريط لتسمعه- أن تعرض عن هذا كله، وهي سوف تتألم أول ما تعمل هذا العمل، سوف ترى أنها صلت بغير طهارة، أو صلت بغير تكبيرة الإحرام، أو ما أشبه ذلك؛ ولكنها سوف تستريح بعد ذلك، ويزول عنها الشك والوسواس بإذن الله. والحمد لله هناك أناس شكوا هذه الشكوى، وبلغوا بما ينبغي أن يقاوموها به؛ فعافاهم الله منها، نسأل الله لها العافية. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 11 الجمع بين ترك طلب الدعاء من الغير، وطلب عمر من أويس أن يدعو له السؤال فضيلة الشيخ! هل في طلب الإنسان من غيره ممن يرى على ظاهره الصلاح أن يدعو له بظهر الغيب، هل في ذلك ضعف في توكل ذلك الشخص الطالب للدعاء؟ وإن كان كذلك فما توجيهكم في طلب عمر من أويس القرني الدعاء له مع أن عمر أفضل من أويس؟ الجواب طلب الإنسان من غيره أن يدعو له لو لم يكن فيه إلا أنه سأل الناس، وقد كان من مبايعات الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا يسألوا الناس شيئاً. و (شيئاً) نكرة في سياق النفي تعم كل شيء، هذه هي القاعدة الأصولية، حتى كان عصا أحدهم يسقط منه وهو على راحلته فينزل ويأخذه لا يقول لأحد: ناولني العصا؛ لأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا الناس شيئاً، لو لم يكن فيه إلا هذا لكفى، لكن ربما يكون في قلب الإنسان احتقارٌ لنفسه وسوء ظنٍ فيسأل غيره، فيقال: يا أخي! أحسن الظن بالله عز وجل. وأنت إذا كنت لست أهلاً لقبول الدعاء، فإن دعاء غيرك لا ينفعك، فعليك أن تحسن الظن بالله، ولا تجعل واسطة بينك وبين الله يدعو لك؛ ادع ربك أنت، فالله عز وجل يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:55] فنفس دعائك لله عبادة، فكيف تفوت على نفسك هذه العبادة العظيمة؟ وكذلك فإن بعض الناس إذا طلب من شخص يظهر فيه الصلاح أن يدعو له فإنه ربما يعتمد على دعائه هذا ولا يدعو لنفسه أبداً، ثم إن فيه -أيضاً- مسألة ثالثة: وهي أنه ربما يحصل للذي طلب منه الدعاء غرور بنفسه، وأنه أهل لأن يطلب منه الدعاء. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا طلبت من أخيك الدعاء -تريد بذلك نفعه بإحسانه إليك، أو نفعه إذا دعا لك بظهر الغيب- إن الملك يقول: آمين، ولك بمثله. فهذا لا بأس به، أما إذا أردت مجرد انتفاعك أنت فقط؛ فهذا من المسألة المذمومة. أما ما ذكرت من طلب عمر رضي الله عنه من أويس أن يدعو له رضي الله عنه فهذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو خاص بالرجل، ولهذا لم يطلب من عمر أو غيره أن يقول لـ أبي بكر رضي الله عنه: ادع الله لنا، وأبو بكر أفضل من عمر، وأفضل من أويس، وأفضل من بقية الصحابة، لكن هذا خاص بهذا الرجل الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم ممن أدركه أن يقول له: ادع الله لي، والمسائل الخاصة لا تتعدى محلها. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 12 كيفية صلاة الاستسقاء لمن فاتته، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدعاء السؤال بالنسبة للذي لم يدرك صلاة الاستسقاء، لو قلنا أن يصلي ما فاته، فهل يدعو قبل السلام أو بعد السلام؟ وهل يصليها كبقية النوافل في البيت مثلاً؟ الجواب إذا قلنا بقضائها، وأنا قلت لا أعلم في هذا أثراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن إذا قضاها فهي صلاة نافلة، لكن يقضيها على صفة ما فعلها الإمام. أما الدعاء فيدعو في أثناء الصلاة؛ لأن الإمام يدعو بعد الصلاة أن يوجهوا الناس في الخطبة فلذلك يدعو بعد الصلاة، لكن هذا الرجل ليس عنده من يخطب فيه، فالمختار أن يدعو أثناء الصلاة. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 13 نسخ القرآن بالسنة السؤال فضيلة الشيخ: في شأن النسخ، هل نسخ شيء من القرآن بالسنة؟ الجواب لا أعلم شيئاً من القرآن نسخ بالسنة إلا مسألة اللوطي -نسأل الله العافية- فإن الله تعالى قال في القرآن: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:16] فهذه الآية تدل على أن الفاعلين يؤذيان حتى يتوبا ويصلحان، فجاءت السنة: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) فهذا يستدل به على أن السنة تنسخ القرآن. وعمل قوم لوط أكبر من الزنا -والعياذ بالله- وأفحش، والدليل على هذا أن الله قال في القرآن: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] أي: فاحشة من الفواحش، وأما اللواط فقد قال لوط لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف:80] أي: الفاحشة العظمى الكبرى، ولهذا دخلت عليها (أل) فكان اللواط أعظم من الزنا، ويدل على هذا أن الله سبحانه وتعالى بعث رسولاً برسالة تامة لينذر من هذه الفعلة الشنيعة، وأن الله أهلك فاعلي هذه الفعلة الشنيعة بصفة عامة، فدل ذلك على أن اللواط أعظم من الزنا، ولهذا يجب على ولي الأمر إذا ثبت اللواط بين اثنين وكلاهما بالغ عاقل، ولم يكره أحد منهما يجب عليه أن يقتلهما امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ودرءاً لهذه المفسدة القبيحة والفاحشة الشنيعة نسأل الله العافية. هذا الذي يحضرني بعد التتبع من نسخ القرآن بالسنة. وأما من قال: إن قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180] منسوخ بقوله صلى الله عله وسلم: (لا وصية لوارث) فهذا قول لا يصح: أولاً: لأن الحديث ليس فيه نسخ بل فيه التخصيص؛ لأن الآية فيها الأمر بالوصية للأقربين، وهذا يعم الوارث وغير الوارث، ثم رفع الحكم عن الوارث فقط، وهذا تخصيص لا نسخ؛ لأن النسخ رفع الحكم كله، لا رفع الحكم عن بعض أفراد العموم. ثانياً: أن الحديث مبين للناسخ وليس ناسخاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله تعالى قسم الميراث وأعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية بعد هذا التقسيم لوارث. لكن ليكن معلوماً لديك أنه حتى وإن لم يوجد مثال يسلم من المعارضة؛ فإن السنة إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي بمنزلة القرآن، يجب العمل بما فيها، وتصديق خبرها. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 14 كيفية قضاء من فاتته ركعة في صلاة الاستسقاء السؤال بالنسبة لصلاة الاستسقاء: لو فاتته الركعة الأولى، هل يكملها على أنها الثانية أو على أنها الأولى؟ الجواب هذه المسألة مبنية على خلاف مشهور، هل ما يقضيه المأموم المسبوق أول صلاته أو آخر صلاته؟ والصحيح أن ما يقضيه هو آخر صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا) ويظهر الخلاف فيما لو أدرك الإنسان في صلاة الظهر الركعتين الأخريين وقام يقضي فهل يقرأ مع الفاتحة شيئاً؟ إن قلنا: إن ما يقضيه أول صلاته، قرأ بعد الفاتحة ما تيسر من القرآن، وإذا قلنا: إنه آخر صلاته لم يقرأ، والصحيح أنه آخر صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما فاتكم فأتموا) ولأن الإنسان إذا أدرك ركعة من صلاة المغرب فإنه يتشهد التشهد الأول بعد الركعة الأولى التي يقضيها، ولو كان أول صلاته لم يتشهد، لقلنا له: صل الركعتين اللتين تقضيهما بدون تشهد إلا الأخيرة، وبناءً على ذلك إذا أدرك الركعة الثانية في صلاة الاستسقاء أو العيد، ثم قام يقضي؛ فإنه لا يكبر في الثانية التي يقضيها إلا خمس مرات فقط. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 15 الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم السؤال فضيلة الشيخ! ما هو الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟ الجواب الموالاة معناها: المناصرة والمساعدة على أمورهم الكفرية، ومن ذلك أن يقاتل المسلمون مع الكفار؛ يعني: مثلاً يقوم الكفار بغزو بلد من البلدان الإسلامية، فيتولاهم هذا المسلم، وينصرهم، ويساعدهم على هذه البلدة في القتال، سواءً بالسلاح، أو بإمدادهم بأي شيء يساعدهم على قتال المسلمين، هذا من موالاتهم، وهو -أيضاً- من توليهم، فإن الموالاة والتولي يراد بها هنا المناصرة وأن يكون يداً معهم على المسلمين. وأما الاستعانة بهم فهذا يرجع إلى المصلحة، وإن كان في ذلك مصلحة؛ فلا بأس، بشرط أن نخاف من شرهم وغائلتهم، وألا يخدعونا، وإن لم يكن في ذلك مصلحة؛ فلا يجوز الاستعانة بهم؛ لأنهم لا خير فيهم. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 16 حكم استعمال بعض الطبول فيما يستعمل فيه الدف السؤال فضيلة الشيخ! هناك نوع من الطبول يكون مغطى من جهة، والجهة الثانية يكون مغطى معظمه إلا فتحة صغيرة، فهل يلحق هذا بالدف؟ الجواب هذا -سلمك الله- يلحق بالطبل، وربما يكون أشد؛ لأن الفتحة اليسيرة تجعل الصوت يخرج من هذه الفتحة اليسيرة ويحصل له صفير وصوت أبلغ مما لو كان مختوماً كله أو مفتوحاً كله، فلا يجوز أن يستعمل هذا فيما يستعمل فيه الدف؛ لأن الدف أهون بلا شك من هذا، هذا يعطي صوتاً رناناً وسبباً للنشوة والطرب أكثر. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 17 معنى: (اقرأ وارق ورتل) السؤال الله سبحانه وتعالى يقول لصاحب القرآن: (اقرأ وارق ورتل) الحديث، هل المقصود بالقراءة: النظر أم الحفظ؟ الجواب النصوص الواردة في فضل تلاوة القرآن تشمل تلاوته نظراً وتلاوته حفظاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد الحفظ فقط لقال: من قرأ عن ظهر قلب، فلما لم يقيده فإن الواجب إطلاقه، وأن نقول: من قرأ من المصحف أو عن ظهر قلب فإنه ينال الأجر الثابت لتالي القرآن. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 18 حكم العباءات ذات الأكمام الضيقة أو الشفافة السؤال ظهر في الآونة الأخيرة عند النساء أكمام للعباءات ضيقة، ويكون حول هذا الكم تطريز أو نحوه، كذلك بعض العباءات يكون الطرف الأخير من الكم شفافاً، ما توجيهكم حول هذه الأشياء؟ الجواب نحن نقول: لدينا قاعدة مهمة، وهي أن الأصل في اللباس والطعام والشراب والمعاملات الأصل فيها الحل، وأنها حلال، ولا يحل لأحد أن يحرم منها إلا ما دل النص على تحريمه، فإذا علمنا هذه القاعدة وهي قاعدة دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] . فكل شيء لم يحرمه الله من هذه الأمور فهو حلال، هذا هو الأصل إلا إذا جاء الشرع بتحريمه كتحريم الذهب على الرجال، وتحريم الحرير على الرجال، إلا ما استثنى منه، وتحريم إسبال الإزار والسروال والقميص والعباءة للرجال، وما أشبه ذلك، فإذا طبقنا هذه المسألة التي حدثت أخيراً وهي العباءات الجديدة على هذه القاعدة قلنا: الأصل أنها حلال، إلا إذا كان في ذلك لفت نظر أو فتنة، لكونها مطرزة على وجه يلفت النظر، فحينئذ نمنعها لا لذاتها، ولكن لما يترتب عليها من الفتنة، وكذلك لو فرض أن النساء صنعن عباءات على شكل عباءات الرجال فإنهن يُمنعن من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، فهذه العباءات نقول: الأصل فيها الحل ما لم نعلم سبباً للفتنة أو لفت النظر، فتمنع حينئذ. السائل: فضيلة الشيخ! هل للمدرسة أن تمنع البنات من لبس مثل هذه العباءات؟ الشيخ: لابد أن نعرف هل هذا حرام أم حلال؟ فإذا كان حراماً؛ فالواجب أنه يبلغ مدير التعليم أو على الأقل مديرة المدرسة حتى تكون المسألة عامة؛ لأنه ربما هذه المدرسة تمنع، والمدرسة الأخرى لا تمنع، ثم يحصل النزاع. ولذلك فإني أنصح الإخوان جميعاً بأن الأمور المشتركة لا ينبغي أن ينفرد بالحكم فيها شخص واحد من هؤلاء المشتركين، بل الأولى أن يؤتى من الأصل، ويكون الأمر من أعلى، ولهذا دائماً يسألنا بعض الأحيان بعض الإخوان من العسكر أو غيرهم عن أشياء هي محرمة وليس عندنا فيها إشكال، لكن نخشى أن نعطيهم فتوى مكتوبة محررة تكون سبباً للنزاع فيما بينهم؛ لأنه قد يأتي إنسان ويقول: هذا ليس بحرام، أو يسأل أحداً ليس عنده علم أو متساهل فيفتيه بأنه ليس فيه بأس، ثم يحصل في هذا نزاع، فمثل هذه الأمور يجب التنبه لها، وأن يكون الأمر ممن له السلطة على هذه المجموعة، فإذا كان من هؤلاء الطالبات من تتساهل في اللباس أو تأتي باللباس المحرم فإنه ينبغي أن يُتصل بمديرة المدرسة، فإن كانت المديرة لها القول في هذا قالت، وإن لم يكن عرض الأمر على إدارة التعليم. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 19 حكم استخدام حبوب منع الحمل السؤال فضيلة الشيخ! تقول بعض النساء: إني أريد أن آخذ حبوب منع الحمل حتى يتم ولدي الرضاع، فهل عليَّ محظور في ذلك؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك! حبوب منع الحمل بلغني من عدة جهات من الأطباء أنها ضارة، وهذا وإن لم نعلمه من جهة الأطباء فنحن نعلمه من جهة أنفسنا؛ لأن منع الشيء الطبيعي الذي خلقه الله عز وجل وكتبه على بنات آدم لا شك أنه ضرر، فالله عز وجل حكيم، ما جعل هذا الدم الذي تفرزه العروق في وقت معين بصفة معينة إلا لحكمة، فكوننا نمنعه بهذه العقاقير ضرر بلا شك، لكني بلغني أن الأمر أكثر مما نتصور، وأنه قد يكون سبباً لفساد الرحم، وسبباً لتشويه خلقة الجنين، وسبباً لأمراض الأعصاب، وكل هذا يوجب الحذر منه. وهنا طرق لمنع الحمل أسهل من هذا، لكن يبقى على النظر في المرتبة الثانية أو الدرجة الثانية، هل من المستحسن أن نقلل الحمل؟ الجواب: لا. كلما كثر النسل فهو أفضل؛ لاسيما أننا الآن في وقت يجب أن نكثر من نسل الأمة السلفية حتى تكون قادرة على مواجهة أعدائها، فالمسألة لا ينظر إليها من زاوية الدنيا فقط، والله إن الإنسان يخشى من الرفاهية التي تخالف الشرع أن يقال فيه يوم القيامة: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] . لا تظنوا أن كل شيء هو الراحة في الدنيا، الدنيا متاع، والمرأة لابد أن تتعب {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] . {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} [لقمان:14] فلا أرى أن نقلل من النسل أبداً، بل نصبر ونحتسب، والله عز وجل يعين الإنسان على قدر مئونته، لكن أحياناً تكون المرأة مريضة لا تتحمل الحمل كل سنة؛ فحينئذ لا بأس بمنع الحمل كل سنة؛ إما عن طريق العزل الذي كان عليه الصحابة، وإما عن طريق آخر بمراجعة الأطباء، ثم ليس للمرأة أن تستعمل ما يمنع الحمل مطلقاً إلا بموافقة الزوج؛ لأن الزوج له حق في الأولاد. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 46 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [47] في هذا اللقاء تفسير الثلاث الآيات الأولى من سورة الأعلى، والتي احتوت على كثير من المعاني العظيمة والفوائد القيمة التي ذكرها الشيخ خلال تفسيره لهذه الآيات، فذكر أن الخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام مع ذكر مثال لكل قسم من هذه الأقسام، وقد استمر في تفسيره للثلاث الآيات حتى آخرها، ثم أجاب عن أسئلة الحضور. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الأعلى الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نستفتح لقاءنا الأسبوعي هذا وهو اللقاء الثاني من شهر رجب عام (1414هـ) ، والذي يتم في كل يوم خميس، نستفتحه بتفسير سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] لأنه انتهى بنا المطاف في تفسير جزء النبأ إلى هذه السورة، واخترنا أن نفسر السور القصيرة وهي المفصل؛ لأنها تقرأ كثيراً في الصلوات على العامة، والقرآن نزل لأمور ثلاثة: الأول: التعبد لله سبحانه وتعالى بتلاوته، مما يترتب عليه الأجر، فإن من قرأ حرفاً من القرآن كان له به عشر حسنات. والثاني: التدبر لمعانيه. والثالث: الاتعاظ به، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ولا يمكن أن يتذكر أحد بالقرآن إلا إذا عرف المعنى؛ لأن الذي لا يعرف المعنى بمنزلة الذي لا يقرأ، كما قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة، لهذا ينبغي للمسلم أن يحرص على معرفة معنى القرآن؛ حتى ينتفع به، وحتى يكون متبعاً لآثار السلف فإنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى) فنبدأ بأول سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] البسملة سبق الكلام عليها، وأنها آية من كتاب الله مستقلة؛ ليست من الفاتحة ولا من البقرة، ولا من آل عمران ولا من أي سورة في القرآن، لكنها آية مستقلة تتنزل في ابتداء كل سورة، ولهذا كان الصحيح أن أول آية في الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] والثانية: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] والثالثة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] والرابعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] والخامسة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] والسادسة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] والسابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] هذا هو القول الصحيح الذي دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] والخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وسلم، والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به. والقسم الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام، فيعم. والقسم الثالث: ألا يدل الدليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصاً به لفظاً، عاماً له وللأمة حكماً. مثال الأول: قوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح:1-2] وأيضاً قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النساء:79] فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومثال الثاني: الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه قرينة تدل على العموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] فوجه الخطاب أولاً للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) ولم يقل يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم، ثم قال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ} ولم يقل: يا أيها النبي إذا طلقت، فدل هذا على أن الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمة. وأما أمثلة الثالث فهي كثيرة جداً، يوجه الله الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد: الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً، هنا يقول الله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (سَبِّحِ) يعني: نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني: التنزيه، إذا قلت: سبحان الله يعني: تنزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى: السلام، القدوس؛ لأنه متنزه عن كل عيب، ونحن نضرب لكم الأمثلة: من صفات الله تعالى: الحياة، هل في حياته نقص؟ لا. حياة المخلوق فيها نقص: أولاً: لأنها مسبوقة بالعدم، فالإنسان ليس أزلياً. وثانياً: أنها ملحوقة بالفناء {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] . ومن صفاته تعالى: السمع، وسمع الله ليس فيه نقص، يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والتي ذكر الله تعالى قصتها في سورة المجادلة، كانت تحدث النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله تعالى يقول في كتابه: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] . ولهذا قالت عائشة: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إن المرأة لتشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنه ليخفى علي بعض حديثها] . إذاً: معنى سبحان الله: أي أنزه الله عن كل عيب ونقص. وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال بعض المفسرين: إن قوله: (اسم ربك) يعني: مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناه سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني: لا تسبحه بالقلب فقط، بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] يعني: سبح تسبيحاً مقروناً بالاسم؛ وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون مقروناً بالقلب -بالعقيدة- وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعاً، والكمال أن يسبح بهما جميعاً: بقلبه لافظاً بلسانه. وقوله: (رَبِّكَ) الرب: معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله تعالى هو الخالق وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، وهل المشركون يقرون بذلك؟ الجواب نعم. يقرون بذلك، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] وأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم إذا سئلوا: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره من الجهل، كيف تقر بأن الله هو وحده الخالق المالك المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره؟! إذاً: معنى الرب على هذا هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه ألا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الآيات الكثيرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:21] قال: (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) يعني: لا تعبدوا غيره. وقوله تعالى: {الْأَعْلَى} من العلو، وعلو الله عز وجل نوعان: علو صفة، وعلو ذات. أما علو الصفة: فإنه أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:60] . وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستوٍ على عرشه، والإنسان إذا قال: يا الله! فأين يتجه؟ إلى السماء -إلى فوق- فالله جل وعلا فوق كل شيء مستوٍ على عرشه. إذاً {الْأَعْلَى} إذا قرأتها فاستشعر في نفسك أن الله عال بصفاته وعالٍ بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى يتذكر بسفوله هو علو الله عليه، فالإنسان ينزل في حال السجود أشرف ما فيه وأعلى ما فيه وهو وجهه، ويجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن يقول: سبحان ربي الأعلى، يعني: أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء؛ لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذي خلق فسوى) ثم قال: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:2] (خَلَقَ) أي: أوجد من العدم -كل المخلوقات أوجدها الله عز وجل- قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] استمع لهذا المثل: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج:73] والله مثل عظيم! كل الذين تدعون من دون الله لا يخلقون ذباباً ولو اجتمعوا له؛ ولو يجتمع جميع الآلهة التي تعبد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذباباً واحداً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدم العلم هذا التقدم الهائل؛ لو اجتمع كل هؤلاء الخلق على أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون صنعوا آدمياً آلياً، ما يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، هذا الآدمي الآلي ما هو إلا آلة تتحرك فقط، لكن لا تجوع ولا تعطش ولا تفرح ولا تحزن، ولا تتحرك إلا بتوجيه الإنسان لها عن طريق ما ركب فيه من آلات كهربائية. الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله ولو اجتمعوا، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة، قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض وتأكلها السباع وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة، اخرجي فتخرج {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات، وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة. إذاً: فالله عز وجل وحده هو الخالق، ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يضعفه ولا يعجزه بل سهل عليه. وقوله: {خَلَقَ فَسَوَّى} يعني: سوى ما خلق على أحسن صورة وعلى الصورة المناسبة؛ كالإنسان مثلاً كان خلقه على أحسن صورة كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:7-8] وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] . لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا كان أول ما يدخل في قوله: ((فَسَوَّى)) هو تسوية الإنسان. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والذي قدر فهدى) قوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] قدره في حاله وفي مآله، وفي ذاته وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، الأجل محدود، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] وقوله: {فَهَدَى} يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية. الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49-50] تجد أن كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، انظر للطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع، هل هناك أحد يقول له: ارفع رأسك والقم ثدي أمك؟ لا. لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه. انظر إلى أدنا الحشرات النمل مثلاً، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض، لماذا؟ لأنها تخشى من السيول أن تدخل بيوتها فتفسدها، وأيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به، فإذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة؛ لئلا تنبت فتفسد عليها، هذا شيء مشاهد فمن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، وهذه هداية كونية أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه. أما الهداية الشرعية -وهي الأهم بالنسبة لبني آدم- فهي: الدلالة على شرع الله، وقد بينها الله عز وجل على وجه تقوم به الحجة، حتى الكفار قد هداهم الله -يعني: بين لهم- قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17] يعني: استحبوا الكفر على الإيمان والعياذ بالله، والهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمت أنه هو الخالق بعد العدم، وأصابك مرض إلى من تلجأ؟ إلى الله، الجأ إلى الله؛ لأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وهو قادر على أن يصحح بدنك، ولا حرج أن تتناول ما أباح الله لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك؟ الله عز وجل هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، لو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق؛ فنحن نلجأ في أمورنا كلها إليه عز وجل. إذا علمنا أنه هو الهادي؛ فإننا نستهدي بهدايته -بشريعته- حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يحلنا وإياكم دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة، وأحثكم مرة أخرى على تعلم معاني آيات القرآن إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقة، لكن من العلماء الموثوقين أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأن الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم من هدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم من حصل له انحراف لسبب من الأسباب؛ إما لقصور علمه، أو فهمه أو سوء نيته؛ لأن الإنسان قد يحرم الصواب بسبب سوء النية والعياذ بالله. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 47 ¦ الصفحة: 6 قصيدة في مدح الشيخ ابن عثيمين السؤال الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فضيلة الشيخ: أستأذنكم في قصيدة أتلوها: يا أمتي! إن هذا الليل يعقبه فجر وأنواره في الأرض تنتشر والخير مرتقبٌ، والفتح منتظر والحق رغم جهود الشر منتصر وبصحبة بارك الباري مسيرتها نقية ما بها شوبٌ ولا كدر ما دام فينا ابن صالح شيخ صحوتنا بمثله يرتجى التأييد والظفر الجواب أنا لا أوافق على هذا المدح؛ لأني لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص، كل شخص يأتي ويذهب، فإذا ربطنا الحق بالأشخاص معناه أن الإنسان إذا مات قد ييئس الناس من بعده، فأقول: إذا كان يمكنك الآن تبديل البيت الأخير بقول: ما دام منهاجنا نهج الأولى سلفوا بمثلها يرتجى التأييد والظفر فهذا طيب، أنا أنصحكم ألا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال: أولاً: لأنهم قد يضلون، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [من كان مستناً فليستن بمن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] الرجال إذا جعلتم الحق مربوطاً بهم يمكن الإنسان أن يغتر بنفسه والعياذ بالله من ذلك، ويسلك طرقاً غير صحيحة، فالرجل أولاً لا يأمن من الزلل والفتنة، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم. ثانياً: أنه سيموت، ليس فينا أحد يبقى أبداً {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] ثالثاً: أنه ربما يغتر إذا رأى الناس يبجلونه ويكرمونه ويلتفون حوله، وربما ظن أنه معصوم، ويدعي لنفسه العصمة، وأن كل شيء يفعله فهو حق، وكل طريق يسلكه فهو مشروع، ولا شك أنه يحصل بذلك هلاكه، ولهذا امتدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (ويحك قطعت عنق صاحبك) وأنا أشكر الأخ على ما يبديه من الشعور نحوي، وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه أو أكثر، ولكن لا أحب المديح. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 7 حكم إطالة الإمام في الركوع حتى يدرك المتأخر الركعة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم إطالة الإمام في الركوع حتى يدرك المتأخر الركعة؟ أفتونا مأجورين. الجواب ذكر العلماء أنه يستحب للإمام إذا كان راكعاً وأحس بداخل أن ينتظر قليلاً، ولاسيما إذا كان هذا الركوع في آخر الركعات، لكن اشترطوا ألا يشق على المأمومين مثل أن يحس بداخل من باب المسجد وبين الصفوف مسافة طويلة، وهذا الرجل يمشي رويداً رويداً ويشق على المأمومين أن ينتظره، فهنا لا ينتظره؛ لأن الذين معه من أول الصلاة أولى بالمداراة من الثاني، ولعل أصل هذا في السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى في الصلاة من أجل أن يحضر الناس، هذا بالنسبة للتطويل. وأصل آخر بالنسبة للتخفيف: فقد كان إذا سمع بكاء الصبي أسرع في صلاته؛ مخافة أن تفتتن أمه، فلهذا أصل في الشريعة لكن بشرط ألا يشق على المأمومين. وهناك -أيضاً- شرط آخر وهو: ألا يخشى الإمام أن يكبر الداخل تكبيرة الإحرام وهو راكع؛ لأنه إذا كبر تكبيرة الإحرام وهو راكع صارت صلاته نفلاً لا فريضة؛ لأن بعض الناس مع السرعة يكبر وهو يهوي بالركوع، فهذا لا يصح في الفريضة. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 8 التحذير من الميل لزوجة دون الأخرى السؤال فضيلة الشيخ! حدث أن والدي من قبل سبع سنوات تغير تغيراً كلياً في معاملته مع والدتي، ومعي، ومع إخواني، تغير في سلوكه ومعاملته، علماً أن هذا التحول من مدة طويلة تزيد عن ست سنوات، ولم يحدث هذا إلا بعد زواجه من امرأة أخرى، وثبت يقيناً أنه مسحور، لما يُرى على حاله من دلائل السحر ومن علاماته، فما رأي سماحتكم في حل هذه المشكلة المحيرة التي حولت البيت إلى جحيم لا يطاق؟ وهل من طريقة أو توجيه لهذا الرجل؟ جزاكم الله خيراً. الجواب الحمد لله رب العالمين، هذا السؤال يستحق العناية، وهو أن بعض الناس يتزوج امرأة جديدة على امرأة أولى، فيحبها، ثم يكون معها وينسى الأولى، وهذا لا شك أنه من كبائر الذنوب: أن يميل الإنسان مع إحدى زوجتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا وعيد شديد؛ لأن الخلائق جميعها تشهد على عقوبته، هذا أمر عظيم جداً، فالميل مع إحدى النساء -أي: مع إحدى الزوجات- من كبائر الذنوب، إلا شيئاً لا تملكه من المحبة وما يكون ناشئاً عنها، فهذا لا يستطيع الإنسان أن يسيطر عليه، ولهذا قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129] . وأما ما ذكره أنه يمكن أن يكون سحراً فهذا مع الأسف انتشر في كثير من الناس اليوم: مسألة السحر، مسألة النفس، مسألة الجن، وهذا خطأ؛ لأن الإنسان إذا شعر هذا الشعور هلعت نفسه وضعفت، واستولى عليه الشيطان، وصارت الأفكار كلها تدور حول هذا الشيء، حتى يصبح الخيال حقيقة، لكن لو أن الإنسان اعتمد على الله عز وجل وتوكل على الله حق التوكل وصار قوياً بالله فإنه لا يهمه، ويعرض عن هذا كله، ويعتقد أن هذه الأمور تعرض للإنسان بدون هذه الأسباب. يعرض للإنسان ضيق في الصدر، يعرض للإنسان خوف زائد، ويعرض للإنسان أشياء كثيرة حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أو أكثر من سبعين مرة) . فنصيحتي لإخواني: ألا ينساقوا وراء هذه الأوهام والتخيلات، نحن لا ننكر أن الجن تمس الإنسان كما قال تعالى: {لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] وهذه في المرابين، وكما جاءت السنة بذلك، لكن ليس معناه أن كل ما أصابنا يكون من مس الجن، حتى لو أصابنا زكام قلنا: هذا جني تلبس بنا، هذا خطأ، الواجب أن الإنسان يكون عنده قوة وتوكل على الله، ثم يستعمل الأوراد الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقراءة آية الكرسي في الليل، وكذلك قراءة سورة البقرة في البيت وما أشبه ذلك، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كلما أحس هذه الأمور حتى تزول عنه. كذلك -أيضاً- النفس نحن لا ننكر أن النفس لها تأثير، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين حق ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) لكن ليس كل ما يصاب به الإنسان يكون عيناً، إلا أنه إذا توهم الشيء فإنه مع كثرة التوهم والتخيل يكون حقيقة؛ ولهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يكون عندهم اعتماد تام، وتوكل على الله عز وجل حتى تزول عنهم هذه الأوهام، وبالتالي أنصح هذا الرجل الذي تحدث عنه السائل بأن يتقي الله عز وجل، وأن يحاول ما استطاع العدل بين زوجتيه، والرجوع إلى أولاده بالحنو، والشفقة، والتأديب، والتوجيه، وألا يبتعد عنهم؛ لأنهم قطعة منه. وأما العلاج والتداوي أخشى أني أوصي بالعلاج والتداوي معناه أني أقررته على ما توهم، قد لا يكون هذا سحراً، أما إذا كان مسحوراً كما جزم به السائل؛ فعليه أن يعالج نفسه بالقراءة والأذكار، أو يذهب إلى المعالجين لهذه الأمور ممن يوثق بدينهم وعقيدتهم. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 9 من يعطي صكه لغيره لإدخاله في صوامع القمح أو الشعير السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يعطي صكه لغيره لإدخاله في صوامع القمح أو الشعير باسم آخر وليس لصاحب الصك؟ يعني: الإنسان قد يكون عنده صك باستحقاقه لإدخال زرعه من شعير أو بر في الصوامع، ويأخذ عليه قيمة أكثر مما في السوق، ويكون إنسان آخر ليس عنده صك فيبيع الأول صكه على الآخر، أو يعطيه إياه مجاناً وتبرعاً ليدخل به الثاني زرعه على الصوامع وهو لا يستحق؟ الجواب إن هذا حرام، حرام على الآخذ وعلى المعطي؛ لأن هذا يتضمن الكذب، فإن الزرع ليس لصاحب الصك، ويتضمن التحايل على أنظمة الحكومة، ويتضمن الخيانة، والواجب على الإنسان الذي عنده صك ولم يزرع تلك السنة أن يدعه للسنة الأخرى التي يزرع فيها، فإن ترك الزراعة نهائياً رد الصك على الصوامع، أما أن يعطيه من لا يستحقه ويكذب فيه على الدولة فهذا حرام، ولربما نقول: إن تأخر الأمطار في هذه السنين، وإن تأخر قبول الصوامع لكثير من الزرع كله بسبب الذنوب والكذب والتحايل. فنصيحتي: أن يكون الإنسان صادقاً، مبيناً، واضحاً، صريحاً، والرزق لن يضيع منه شيء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) . الجزء: 47 ¦ الصفحة: 10 السنة في لبس الخاتم السؤال فضيلة الشيخ! هل من السنة لبس الخاتم من الفضة في الخنصر أو البنصر؟ أفتونا مأجورين. الجواب الخنصر أو البنصر سواء، ولا بأس أن يلبس في هذا أو ذاك، ولكن هل من السنة لبس الخاتم؟ في هذا خلاف بين العلماء؛ من العلماء من قال: إنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم، ولبسه الصحابة أيضاً، ولكن بشرط ألا يكون من الذهب إذا كان للرجال، ومنهم من قال: إنه سنة لذي السلطان: كالحاكم، والقاضي، والأمير، والمفتي، وما أشبه ذلك، وأما سائر الناس فليس لهم بسنة، ولكنه لا نهي فيه. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 11 حكم الصلاة على الإسفلت السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في الصلاة على الإسفلت المرشوش بالماء مثلاً؟ جزاكم الله خيراً. الجواب يجوز للإنسان أن يسجد على كل شيء من الأرض، وعلى غير الأرض -أيضاً- كفراش القطن والصوف، المهم فقط أن يمكن جبهته من الأرض، سواء سجد على فراش، أو على حصير، أو على الأرض، أو على رمل، أو على غير رمل. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 12 حكم طاعة الابن لأبيه في شراء السجائر السؤال فضيلة الشيخ! والدي يدخن ويأمرني أن أشتري له الدخان، هل أطيعه أم لا؟ علماً بأنه عاجز ومريض أفتونا جزاكم الله خيراً. الجواب الدخان حرام، ونصوص الكتاب والسنة العامة تدل على أنه حرام، وإذا كان حراماً وأمرك أبوك أن تأتي له به فقد أمرك بمعصية، فهل تطيع أباك في معصية؟ لا. لا تطيعه في معصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتقول لأبيك: أنا أنصحك عن هذا، لكن إذا وعدك بأنه سيحاول أن يتوب إلا أنه لا يستطيع أن يتوب مرة واحدة، وقال: ائت لي في اليوم بأربع سيجارات: واحدة في الصباح عند الفطور، وواحدة مع الغداء، وواحدة مع العشاء، وواحدة عند النوم، ولك علي أن أنقص كل يوم واحدة حتى أتركه فهنا لا بأس به؛ لأنه وعدك أن يتوب، ومعروف أن صاحب الدخان المبتلى -والعياذ بالله- لا يمكن في الغالب أن ينقطع منه مرة واحدة، أما إذا كان يستمر كل يوم يشرب عشر حبات ويستمر على ذلك فهذا لا تطعه، حتى لو غضب عليك، أو قاطعك، أو دعا عليك، فلا يضرك إن شاء الله. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 13 نصيحة لمن يرغبون في قراءة كتب النصارى السؤال فضيلة الشيخ! أخي يقول عن نفسه: أريد أن أقرأ في كتاب النصارى لكي أعرف الأمور التي حرفوها، فما هي نصيحتكم له ولأمثاله من شباب المسلمين الذين قدموا قراءة هذا الكتاب على حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى؟ أفيدونا حفظكم الله ونفع المسلمين بعلمكم. الجواب أرى أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود، أو النصارى، أو المشركين، أو أهل البدع؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل. فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل، لا يفعل ذلك بعد مجيئه، فنقول: أولاً حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة، واغرسوها في قلوبكم حتى إذا تمكنتم فلا بأس أن تقرءوا لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 14 منزلة أبناء النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! هل كان أبناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الصحابة أو من الأنبياء؟ جزاكم الله خيراً. الجواب أبناء النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة؛ لأن الله تعالى يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] ولو كان أبناؤه من الأنبياء لكانوا من بعده. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 15 كيفية نصح الأب الذي يغضب من نصيحة ابنه السؤال إذا كان الأب يغضب من نصيحة ابنه، ويظن في نظره أن الابن ما زال صغيراً، فكيف ينصحه؟ الجواب هل تجد غضب أبيك حين يغضب إذا نصحته أشد من غضب آزر حين قال لإبراهيم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:46] فدعه يغضب، لكن الإنسان الحكيم يداري ويتكلم في مواضع الكلام، قد يكون -مثلاً- أبو الإنسان، أو غير أبي الإنسان في حال ليس أهلاً لتقبل النصيحة، يعني: متضايق من شيء، مشتغل بأكل، فتترك الأمر حتى يكون على استعداد لقبول النصيحة. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 16 أنواع الهداية السؤال ذكرنا هداية الدلالة والهداية الكونية والهداية الشرعية، فهل هي بمنزلة هداية الدلالة والتوفيق؟ الجواب هداية الدلالة والتوفيق في الشرعيات، لكن الهداية الكونية فيها دلالة ليس فيها شك. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 17 حكم التيمم مع وجود الماء في مكان بعيد عن مكان الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس إذا خرج بسيارته ونزل في مكان وحان وقت الصلاة ولم يكن معه ماء فإنه يتيمم مع أن الماء قد يكون قريباً منه جداً، فما حكم تيمم هذا الرجل؟ وأيضاً يا شيخ! إذا نزل الرجل من مكان، أو في مسجد على الطريق، ولم يجد ماءً في هذا المكان، أو في هذا المسجد، فهل يجب عليه أن يبحث عن الماء؟ الجواب قال الله سبحانه وتعالى في آية الوضوء والغسل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] قال العلماء قوله: (فَلَمْ تَجِدُوا) دليل على أنه طلبه؛ لأنه لا يقول: لم أجد إلا من طلب، وأما رجل يريد أن يكون الماء عنده في حمامات حول المسجد هذا قد لا يحصل، فالواجب على الإنسان إذا كان الماء قريباً منه أن يتطهر به، أما إذا كان بعيداً فلا بأس إذا حضرت الصلاة أن يتيمم ويصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) يعني: يصلي بالماء إن كان حاضراً، وإلا بالتيمم. ولكن يجب أن يبحث فربما يجد ماءً قريباً أو يجد أحداً يبيعه مثلاً، والحمد لله الآن ما تجد بقالة إلا وفيها ماء يباع، وكذلك ماء الصحة يمكن أن يتوضأ به الإنسان. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 18 الواجب على من سرق شاة وأكلها ثم تاب السؤال رجل في أيام غفلته سرق شاة ومعه جماعة، فذبحوها وأكلوها، وهذا الرجل تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فهل يدفع بعض الذي يظن أنه جزء من الذبيحة، أو كل قيمة الشاة يتكفلها، مع العلم أن الآخرين ما تابوا؟ الجواب الواجب عليه أن يدفع جميع قيمة الشاة؛ لأن الناس المتعاونين هم يدٌ واحدة، لكن في هذه الحالة هل يعرف صاحبها؟ فإذا كان لا يعرف صاحبها فيتصدق بالقيمة بالنية عن صاحبها؛ لأن المتفقين على شيء يكون جرم الجماعة كجرم الواحد، ولهذا لو اتفق جماعة على قتل إنسان فقتلوه يقتلون كلهم، ولو كانوا عشرة بواحد. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 19 حكم من توضأ بعد عصر يوم الجمعة ليصلي لأجل الدعاء السؤال فضيلة الشيخ! رجل عادةً يصلي سنة الوضوء، ولكنه توضأ بعد عصر الجمعة ليصلي لأجل الدعاء فما رأيكم؟ الجواب هذا لا يجوز، إذا كان ليس من عادة الإنسان أنه يصلي إذا توضأ، لكن توضأ لأجل أن يصلي فهذا إن توضأ حرام عليه أن يصلي؛ لأن الصلاة التي ليس لها سبب في هذا الوقت حرام. والوضوء للحرام حرام، فلا يجوز أن يتوضأ لأجل أن يصلي، لو كان يجوز أن يتوضأ ليصلي لم يكن للنهي فائدة، لكن إذا كان ليس من عادته أن يتقدم إلى المسجد، وفي يوم الجمعة توضأ وتقدم إلى المسجد فهذا لا بأس به، فيصلي تحية المسجد ويدعو بما شاء. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 20 حكم اقتناء بعض مجسمات الآلات الموسيقية للزينة السؤال فضيلة الشيخ! سبق مع بعض الإخوان نقاش في موضوع اقتناء بعض مجسمات الآلات الموسيقية للزينة، فهناك من ذكر قال: إن اقتناء هذه المجسمات معصية، وهناك من ذكر قال: إن تأثيم المسلم يحتاج إلى دليل، فكان هناك تعارض في النقاش؟ الجواب على كل حال إذا كان لا يستعمل فالأصل أنه حلال، لكن لا نحب أن نوضع مجسماً كهذا بين الأهل والصبيان؛ لأنهم يألفون مثل هذه الصورة، ولا يستنكرونها في نفوسهم، والإنسان إذا لم يستنكر الصورة وأنس بها سهلت عليه، من هذه الناحية فقط، فقد تكون ذريعة يخشى أن يكون في المستقبل لا يهمه هذا الشيء، فالأولى منعها. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 21 صلاة ركعتين عند دخول مصلى العيد السؤال فضيلة الشيخ! هل نصلي ركعتين عند الدخول في مصلى العيد يوم العيد؟ الجواب إذا دخلت مصلى العيد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين؛ لأنه مسجد، والدليل على أنه مسجد: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الحيض إذا خرجن إلى صلاة العيد أن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على أنه مسجد، وهناك من العلماء من يقول: صل ركعتين، وهناك من يقول: لا تصل، لكن نرى أنه يصلي، سواء قبل طلوع الشمس أو بعدها لا يجلس حتى يصلي ركعتين. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 47 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [48] الجزء: 48 ¦ الصفحة: 1 حكم اقتناء الدشوش السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تعلمون حفظكم الله بأنه قد انتشر في هذا العصر بلاء عم وطم كثيراً من بيوت المسلمين وخاصةً في أشرف البقاع إلى الله مكة والمدينة؛ هذه البلية التي ابتلي بها كثير من الناس هي جهاز "الدش" ولا يخفى على أئمتنا العلماء ما يترتب على وجوده من الفساد والانحراف الظاهر والباطن في الدين والأخلاق. فهل يحكم على مقتنيه بالدياثة، وخاصة من في بيته محارم؟ أم يحكم عليه بالسذاجة والجهل؟ وما نصيحتكم وتوجيهكم لهؤلاء الإخوة هدانا الله وإياهم إلى الصواب وبارك الله في أعمالكم؟ الجواب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تكلمنا على الدش في مثل هذا المجلس بكلام لا حاجة إلى إعادته في الواقع؛ لأننا لا نود أن تذهب مجالسنا في التكرار، وكذلك تكلمنا عليه في إحدى خطب الجمعة القريبة، والأشرطة موجودة في ذلك. أما ما جاء ضمن السؤال: هل وجود الدش يعتبر من الدياثة؟ نقول: هذا ليس من الدياثة؛ لأن الديوث هو الذي يقر الفاحشة في أهله، وهذا الذي عنده الدش لو رأى رجلاً يحوم حول بيته فضلاً عن أن يفعل الفاحشة في أهله لقاتله، فلا يمكن أن نقول: إن هذه دياثة، لكن نقول: إنه سببٌ للشر والفساد، وهذا شيء معلوم، ولذلك أرى أن من الواجب على طلبة العلم في كل مكان أن يحذروا منه، وأن يبينوا أضراره، وإذا كان يلتقط أشياء فاسدة والكل يعرف فسادها وضررها فليأتِ بمثال ولا حرج، لكن الواجب التحري في النقل والصدق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- يضيفون أشياء لم تكن؛ من أجل المبالغة في التنفير عنه، وكأنهم على رأي من يرى من العلماء أنه لا بأس بالحديث الضعيف في مساوئ الأخلاق للتنفير منها، وهذا ليس بصحيح. أقول: التهاون في النقل ليس بصحيح؛ لأن لدينا في مجتمعنا من يحب أن يجد ثلمة في الدعاة ينتقدها عليهم، ثم يكون في هذا نزع الثقة مما يقوله الدعاة، فإذا تحرى الإنسان ونقل أدنى شر أو أعلى شر لكان الحق معه ولم يعترض عليه أحد، أما المبالغة التي توجب انتقاد الناس للدعاة والحط عليهم فلا تنبغي؛ لأن المقصود بيان الحق وهداية الخلق، وهذا لا يكون إلا بالصدق والتجرد في النقل والبلاغ. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 2 حكم الصلاة خلف الحليق وشارب الدخان السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيك في إمام يشرب الدخان أو كان حليق اللحية؟ الجواب مسألة الصلاة خلف الحليق: الصحيح في ذلك أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة؛ لأنه لا يوجد دليل على عدم الصحة في إمامة الفاسق، لكن لا شك أنه لا يجوز لولي الأمر أن يرتب في المساجد من هو عاص ومجاهر بالمعصية؛ وصحيح -أيضاً- أنه إذا كان يوجد مسجد إمامه عنده من التقوى ما ليس عند هذا فليذهب إليه. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 3 حكم صلاة من يحسن الفاتحة خلف من يلحن فيها السؤال يقول الفقهاء: إذا صلى من يحسن الفاتحة خلف إمام يلحن فيها لحناً يغير المعنى لم تجزئ الصلاة، فهل هذا يعني وجوب الإعادة أم لا؟ الجواب نعم. إذا صلى من يحسن الفاتحة خلف من لا يحسنها وهو يعلم أن إمامته لا تصح، فمعلوم أن صلاته باطلة يجب عليه إعادتها، أما إذا كان يجهل وقد أتى المأموم بالفاتحة على وجه صحيح فصلاته صحيحة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 4 حكم ترويج البضائع بالجوائز السؤال هناك ظاهرة انتشرت عندنا في الكويت وهي: أن كثيراً من الشركات تعلن عن بيع بضائعها، وتجعل جوائز لمن يشتري مثلاً بعشرة دنانير فما فوقها، وهذه الجوائز عبارة عن سيارات وأجهزة كهربائية وغيرها، وقد سمعنا أن فضيلتكم أجاز ذلك، فما قولكم -بارك الله في علمكم ونفع بكم-؟ الجواب بارك الله فيك. الآن التجارات وكذلك الصناعات بدأت تكثر السلع والصناعات، وأتخموا الناس منها، وصارت البيوت -كما تشاهدون الآن- كل واحد عنده في بيته عدة أنواع من الأواني، أو عدة أنواع من الألبسة، والشركات مادية بحتة، تجعل جوائز لمن يشتري منها فنقول: هذا لا بأس به بشرطين: الشرط الأول: أن يكون الثمن -ثمن البضاعة- هو ثمنها الحقيقي، أي: لم يرفع السعر من أجل الجائزة، فإن رفع السعر من أجل الجائزة قمار ولا يحل. الشرط الثاني: ألا يشتري الإنسان السلعة من أجل ترقب الجائزة، فإن كان اشترى من أجل ترقب الجائزة فقط وليس له غرض في السلعة كان هذا من إضاعة المال، وقد سمعنا أن بعض الناس يشتري علبة الحليب أو اللبن وهو لا يريدها لكن لعله يحصل على الجائزة، فتجده يشتريه ويريقه في السوق أو في طرف البيت، وهذا لا يجوز؛ لأن فيه إضاعة المال، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال) . الجزء: 48 ¦ الصفحة: 5 كيفية التعامل مع الجار المقصر في دينه السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان لي جار لا يصلي أو كان على بعض المنكرات، وقدمت له النصيحة، أو أعطيته بعض الأشرطة التي تدله على الصواب، هل أكون بذلك أديت له النصيحة وأبرأت ذمتي منه؟ الجواب الواجب على الإنسان إذا رأى من أخيه منكراً أن ينهاه عنه، وأن يدعوه إلى الخير بأي وسيلة، سواء عن طريق الأشرطة أو في كتيبات صغيرة، أو هو بنفسه يدعوه، فلا بأس أن تدعوه لبيتك وتصنع له مثلاً الطعام، ثم تكلمه في الموضوع، وقد يكون تأثير هذا الأخير أكثر من تأثير الأشرطة والكتيبات؛ لأن الأشرطة والكتيبات قد يسمعها ويقرأها وقد لا يسمعها ولا يقرأها، ولكن إذا اتصلت به أنت بنفسك وزرته في بيته أو دعوته إلى بيتك قد يكون هذا أنفع. والمهم هو الإصلاح، وسبل الإصلاح تختلف باختلاف الناس واختلاف أحوالهم وتقبلهم، والعاقل الحكيم: هو الذي ينزل الأشياء في منازلها، فإذا فعلت ذلك كله مع الحرص على هدايته فقد أديت النصيحة، والله عز وجل يقول: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22] . الجزء: 48 ¦ الصفحة: 6 حكم قول الشاعر: (كل الوجود يفنى إلا هواك يا وطني) السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في بيت الشعر الذي يقول فيه الشاعر: كل الوجود يفنى إلا هواك يا وطني وهل من يردد هذا البيت دون قصد لمعناه يعتبر مشركاً أو كافراً؟ أفيدونا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه. الجواب الوجود يدخل فيه الرب عز وجل؛ لأنه واجب الوجود، فمدلول هذه الكلمة خطير جداً وكفر، لكن قد يقولها القائل وهو لا يدري معناها، ثم إن الواجب يا إخواني ألا نكون وطنيين وقوميين، أي: ألا نتعصب لقومنا ولوطننا؛ لأن التعصب الوطني قد ينضم تحت لوائه المؤمن والمسلم والفاسق والفاجر والكافر والملحد والعلماني والمبتدع والسني، وطن يشمل كل هؤلاء، فإذا ركزنا على الوطنية فقط فهذا لا شك أنه خطير؛ لأننا إذا ركزنا على الوطنية جاء إنسان مبتدع إلى إنسان سني وقال له: أنا وإياك مشتركان في الوطنية، ليس لك فضل عليَّ ولا لي فضل عليك، وهذا مبدأ خطير في الواقع؛ والصحيح هو التركيز على أن نكون مؤمنين. أما البيت الذي ذكر في السؤال: فإن اعتقد قائله معناه فقد كفر، وإن كان لا يعتقد مدلوله ولكن يقول ولا يدري فهذا لا نكفره؛ لأنه لا يدري معناه، لكن ننهاه عن هذا البيت ونبين -أيضاً- أن التعصب للوطن وكون الجامع بيننا هو الوطنية ليس بصحيح أبداً، ولا يستقيم الأمر إلا أن يكون الجامع بيننا الإيمان: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] والآية نزلت في المدينة، وكان في المدينة يهود قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها؛ ومع ذلك فلم يدخلوا في الآية مع أنهم مواطنون، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي. فهذه مسألة خطيرة فالمبدأ الصحيح أن الذي يجمع بيننا هو الإسلام والإيمان، وبهذا نكسب المسلمين في كل مكان، أما احتجاج بعض دعاة الوطنية بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ مكة: (إنكِ أحب البقاع إلى الله) فلا حجة لهم في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنك أحب البلاد إلي، بل قال: (أحب البقاع إلى الله) ولذلك قال: (ولولا أن قومكِ أخرجوني منك ما خرجت) فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من أجل الوطنية وإنما من أجل أن مكة أحب البقاع إلى الله تعالى، وهو صلى الله عليه وسلم يحب ما يحبه الله. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 7 حكم من يشتغل في المسجد بالكلام ونحوه السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في الذين إذا حضروا إلى المسجد لأداء الصلاة اشتغلوا بالسواليف والكلام فيما بينهم حتى تقام الصلاة؟ الجواب إذا دخل هؤلاء المسجد وصلوا تحية المسجد، وصلوا الراتبة إن كانت الصلاة مما لها راتبة قبلها، فإذا فعلوا ذلك فالأفضل أن يشتغلوا بالقرآن أو يشتغلوا بالتسبيح أو بأي شيء ينفعهم؛ لأنهم لا يزالون في صلاة ما انتظروا الصلاة، فإن تشاغلوا بكلام آخر نظرنا: إن كان مما يحرم فإنَّ تحدثهم به وهم في المسجد وفي انتظار الصلاة يكون أشد إثماً، وإن كان من الأمور المباحة فلا بأس بذلك ما لم يشوشوا على غيرهم، فإن شوشوا على غيرهم فإنه لا يحل لهم التشويش على المسلمين. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 8 حكم اللحن في القرآن من كبار السن السؤال عندنا امرأة يزيد عمرها على خمسين سنة، وفي قراءتها لسورة الفاتحة تقول: (اهدنا الصراط المستقين) بالنون بدل الميم، وإذا أرادت أن تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] تقول: (إياك نعبد وإياك نستعيم) بالميم، فما هو رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب أرى أن تجلس معها أنت، أو تجلس معها بعض الأخوات لتعليمها القراءة الصحيحة، وخصوصاً لتعديل هذه الحروف التي تخطئ فيها من سورة الفاتحة، وليس كبر السن مانعاً لها من التعلم، فاجلس معها ولو أكثر من جلسة، ومع التكرار تتعلم إن شاء الله تعالى. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 9 حكم الزوجين إذا أسلم أحدهما دون الآخر السؤال فضيلة الشيخ: أسلم رجل هندوسي متزوج وزوجته لا زالت هندوسية في بلادها، وقد أخذ إجازة واتفق مع المسئول عنه أن يستقدمها إلى هنا من أجل دعوتها إلى الإسلام، فهل يجوز له أن يقضي وطره منها أثناء إجازته دون إخبارها بإسلامه؟ أفتونا أثابكم الله. الجواب لا يحل لهذا الرجل المسلم أن يستمتع بها إلا أن تسلم، والواجب عليه أن يعرض عليها الإسلام أولاً، فإن أسلمت فهي زوجته، وإن لم تسلم فليست زوجة له، ولا يحل له أن يستمتع بشيء منها؛ لأنها محرمة عليه، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] فالواجب عليه ألا يقربها بمعنى: لا يباشرها ويستمتع بها، بل يتحدث معها عن الإسلام، وعن محاسن الإسلام، ويرغبها شيئاً فشيئاً. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 10 حكم نسيان الإمام أو المأموم للفاتحة السؤال فضيلة الشيخ: إذا كانت قراءة الفاتحة ركناً من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، فما الحكم في إمام أو مأموم نسي قراءة الفاتحة؟ الجواب هذا سؤال وجيه؛ فالفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها في كل ركعة، فإذا نسيها الإمام في الركعة الأولى ولم يتذكر إلا حين قام إلى الركعة الثانية صارت الثانية هي الأولى في حقه، وعلى هذا إذا سلم فلا بد أن يأتي بركعة أخرى عوضاً عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة، أما المأموم فإنه لا يتابعه في هذه الركعة لكن يجلس للتشهد وينتظر حتى يسلم مع إمامه. أما بالنسبة للمأموم إذا تركها فمن قال: إن المأموم ليست عليه قراءة الفاتحة فالأمر واضح أنه ليس عليه شيء. ومن قال: إنها ركن في حقه، فهو كالإمام، فإذا تركها يأتي بعد سلام إمامه بركعة، إلا إذا جاء والإمام راكع أو جاء والإمام قائم، ولكنه ركع قبل أن يتمها، ففي هذه الحال تسقط عنه -أي: عن المأموم- في الركعة الأولى. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 11 حكم إعادة الأذان في المكبر السؤال فضيلة الشيخ: إذا أذن المؤذن بدون مكبر الصوت لانقطاع التيار الكهربائي، ثم بعد أذانه مباشرة جاء التيار، فهل يعيد الأذان في مكبر الصوت أم يكتفي بأذانه الأول؟ الجواب يكفي أذانه الأول ولا حاجة للإعادة؛ لأن هناك مساجد أخرى حوله قد سمع الناس التأذين منها، أما لو كان مسجداً منفرداً ليس هناك غيره فهنا يعيد؛ حتى يعلم الناس بدخول وقت الصلاة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 12 حكم الأكل المحتوي على ما يسمى بالجلاتين البقري السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الأكلات التي تحتوي على ما يسمى بالهلام أو الجلاتين البقري؟ الجواب إذا علمنا أن البقرة ماتت بغير فعل آدمي أو أن ذابحها ما ذكاها ذكاة شرعية، أو كان ممن لا تحل ذكاته فهي ميتة لا يحل أكلها، فلو ذبح مجوسي بقرة فهي حرام ولو سمى الله ولو أنهر الدم، وإذا ذبح المسلم بقرة ولكن على غير الوجه الشرعي فهي -أيضاً- حرام وميتة، فإذا أخذ منها شيئاً وخلطه بغيره وظهر له أثر من طعم أو لون أو رائحة فهو حرام، وإن اضمحل فيها ولم يظهر له أثر فلا بأس به؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يأكلون من جبن المجوس، والمجوس ذبائحهم حرام؛ لكن لا يؤخذ من الأنفحة في الجبن إلا القليل الذي لا يظهر أثره في الطعام، فدل ذلك على أن الشيء الذي لا يظهر أثره لا أثر له. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 13 حكم استقدام خادمة من بلدها بدون محرم السؤال استقدمت خادمة من بلدها بدون محرم لصعوبة إحضار المحرم، وقد استقدمتها للحاجة الماسة إليها، فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب أولاً ينبغي أن نستغني عن الخدم ما أمكن ولا نأتي بهم إلا للضرورة القصوى، وذلك لأن بقاء المرأة في البيت عاطلة لا تتحرك ولا تعمل مضر لها في بدنها، ويضرها في تفكيرها -أيضاً- لأنها ستبقى غير متحركة مما يؤدي إلى حدوث بعض الأمراض لها كالرهال والسكر، كما يحدث -أيضاً- تبلد في تفكيرها، فتستولي عليها الوساوس والهواجس الضارة، لكن إذا دعت الضرورة فلا بأس؛ إلا أننا نرى أنه لا بد من أمرين: الأمر الأول: أن تكون الخادمة مسلمة. الأمر الثاني: أن يكون معها محرم. أما الأمر الأول: فلأن الكافرة لا ينبغي أن تبقى بين جنبيك في بيتك مع أهلك وأولادك، لو لم يكن في ضررها إلا أن أهل البيت يقومون للصلاة وهذه المرأة لا تصلي فيقول الصغار: لماذا لا تصلي هذه المرأة؟ وهم يحبونها فيعتقدون حينئذ بعدم ضرورة الصلاة، هذا إن لم تكن تعلمهم دينها كما ذكر لنا من بعض الناس أنه يسمع الخادمة وهي تلقن الصبيان الصغار أن عيسى هو الله عز وجل نسأل الله العافية! وهذا ليس ببعيد؛ لأنه دين عندها، دين ينفع ويقرب إلى الله، فترى تعليمها الأطفال إحسان إليهم. أما الثاني: وهو وجود المحرم؛ فلأننا سمعنا أشياء فظيعة إذا لم يكن معها محرم؛ ولاسيما إذا كان في البيت شباب مراهقين، فإنه يحصل في ذلك فتنة وشر وبلاء، وبه يتبين حكم الشريعة ألا تسافر المرأة إلا مع محرم، لهذا لا أرى رخصة في أن يأتي الإنسان بخادمة إلا ومعها محرمها، وسيستفيد من المحرم؛ يقضي حوائج البيت من السوق، وربما يكون سائقاً ينتفع به صاحب البيت، فالمهم أنه: أولاً: لا يؤتى بخادمة إلا للضرورة. ثانياً: أن تكون مسلمة. ثالثاً: أن يكون معها محرم. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 14 حكم أكل اللحوم المستوردة من بلاد الكفار السؤال ما حكم أكل اللحوم المستوردة من الدجاج أو اللحم التركي أو غيره؟ الجواب الذي نراه أن اللحوم المستوردة حلال؛ لأن مجلس هيئة كبار العلماء أتى بوكلاء الوزارة -وزارة التجارة- وناقشهم في الموضوع، وقالوا: إن الذي يرد إلى المملكة مراقب ولا إشكال فيه، وهذا هو الظن أنه لن يرد إلى هذه البلاد إلا ما كان حلالاً، فنرى أنه ليس فيه شيء، لكن إذا قال إنسان: إن عنده شبهة في هذا اللحم فليدع ما فيه شبهة عنده ليستريح. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 15 حكم من يقول الشهادتين ويذبح لغير الله السؤال ما رأي فضيلتكم بمن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم يذبح لغير الله، فهل يكون مسلماً؟ مع العلم أنه نشأ في بلاد الإسلام؟ الشيخ: الذي يتقرب إلى غير الله بالذبح مشرك شركاً أكبر، ولا ينفعه قول: لا إله إلا الله ولا صلاة ولا صوم ولا غيره، اللهم إلا إذا كان ناشئاً في بلاد بعيدة، لا يدري عن هذا الحكم، كمن يعيش في بلاد بعيدة يذبحون لغير الله، ويذبحون للقبور، ويذبحون للأولياء، وليس عندهم في هذا بأس، ولا يعلمون أن هذا شرك أو حرام، ولم تقم عليهم الحجة في ذلك فإن هذا يُعذر بجهله. أما إنسان يقال له: هذا كفر. فيقول: لا، ولا أترك الذبح للولي، فهذا قد قامت عليه الحجة فيكون كافراً، فإذا نُصح وقيل له: إن هذا شرك، وبينت له الأدلة في ذلك، وأقيمت عليه الحجة الشرعية فلم يعبأ ولم يهتم، صار مشركاً كافراً مرتداً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. السائل: وهل هناك فرق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية؟ الشيخ: الخفية بينة، مثل هذه المسألة لو فرضنا أنه يقول: أنا أعيش في قوم يذبحون للأولياء ولا أعلم أن هذا حرام فهذه تكون خفية؛ لأن الخفاء والظهور أمر نسبي قد يكون ظاهراً عندي ما هو خفيٌ عليك وظاهرٌ عندك ما هو خفي عليَّ. السائل: وكيف أقيم الحجة عليه؟ وما هي الحجة التي أقيمها عليه؟ - الشيخ: الحجة عليه ما جاء في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163] وقال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:1-2] فهذا دليل على أن النحر للتقرب والتعظيم عبادة، ومن صرف عبادة لغير الله فهو مشرك. فتجب إقامة الحجة قبل التكفير، وذلك في كل المسائل التي يمكن أن يجهلها الناس، فلا نقسم المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبي، قد تكون المسألة ظاهرة عندي وخفية عند غيري، فلابد إذاً من إقامة الحجة وعدم التسرع في التكفير؛ لأن إخراج رجل من ملة الإسلام ليس بالأمر الهين، وهناك موانع تمنع من تكفير الشخص وإن قال أو فعل ما هو كفر، منها: الخطأ، فالرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) قال كلاماً كفرياً، ومع ذلك لم يكفر؛ لأنه أخطأ من شدة الفرح. وكذلك إذا أكره رجل على الكفر فتكلم به لم يكفر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان، لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل:106] والعلماء الذين يقولون: كلمة كفر دون صاحبها، هذا إذا لم تقم عليه الحجة ولم نعلم عن حاله، أما إذا علمنا عن حاله فما الذي يبقى؟ نقول: لا يكفر؟ معناه: لا أحد كافر؟ أي: لا يبقى أحد يكفر، حتى المصلي الذي لا يصلي نقول: لا يكفر؟ حتى ابن تيمية يقول: إذا بلغته الحجة قامت عليه الحجة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 16 حكم صلاة الوتر جماعة في غير رمضان السؤال هل يجوز أن يصلي الوتر جماعة في غير شهر رمضان، كأن يكون قوم في سفر فيأتي وقت الوتر فيوترون جماعة ولو لمرة واحدة من غير صيغة استمرار ولا مواعدة كل عام؟ الجواب لا بأس أن يصلي الإنسان النافلة في جماعة في بعض الأحيان؛ لأنه ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى معه ابن عباس رضي الله عنهما وصلى معه عبد الله بن مسعود، وصلى معه حذيفة بن اليمان، كل هذا وردت به السنة، فإذا فعلوا هذا ولم يتخذوها سنة راتبة فلا بأس. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 17 إمكان الجمع بين طلب العلم والزواج السؤال فضيلة الشيخ: هناك طالب علم شرعي يريد أن يتزوج ولكنه يخشى إن تزوج أن يتعطل وينشغل عن طلب العلم، فما نصيحتكم له؟ وماذا تشيرون عليه إذا أراد ترك الدراسة للجهاد؟ الجواب الزواج لا يعوق عن طلب العلم، بل ربما يعين على طلب العلم؛ قد يوفق الإنسان لامرأة تقرأ وتكتب وتساعده، فإن لم تكن فأقل ما يكون أن يذهب عنه الوساوس والتفكير في الزواج، فالزواج يعين على طلب العلم؛ وإذا كان أبوه يريد أن يزوجه فلا يرفض، فخير البر عاجله، ولعل الله يهديه. أما ترك الدراسة للجهاد فالذي أشير عليه به أن يبقى في الدراسة إذا كان عنده استعداد للعلم؛ لأن الناس يختلفون؛ لو جاءنا رجل قوي شجاع لكنه في طلب العلم ليس ذلك الرجل فهنا نقول: الأفضل له الجهاد، ولو جاءنا إنسان دون ذلك في القوة وفي الشجاعة لكنه وعاء علم نقول: الأفضل طلب العلم، فإن تساوى الأمران فطلب العلم أفضل. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 18 حكم من ذبح لغير الله وقد بلغته الحجة السؤال رجل مرض وذهب للكهنة وطلبوا منه أن يذبح للجن ويعلق شعر الذئب، وبُلِّغ بالحجة أن هذا شرك فذهب وفعل هذا، هل يطلق عليه بأنه مشرك بعد إبلاغه الأدلة الشرعية؟ الجواب من ذبح للجن تعظيماً لهم أو خوفاً منهم فهذا شرك، وإذا بُلغ الإنسان بهذا ولكنه أصر على أن يفعل كان شركاً، لكنه إذا تاب ولو بعد أن فعل فإن الله يتوب عليه؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] ، ولقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ونسأل الله أن يغفر لنا ولكم، وأن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة. الجزء: 48 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [49] تحدث الشيخ رحمه الله عن أهمية استغلال أيام الإجازة الصيفية، وذكر أن الناس في الإجازة على قسمين: منهم من استغل وقته بما يكون سبباً لرضا الرب جل جلاله، ومنهم من أمضى وقته في المعاصي، فخسر الدنيا والآخرة، ثم أجاب الشيخ بعد ذلك عن الأسئلة التي طرحت عليه. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 1 نصيحة لاستغلال الإجازة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير من شهر رجب عام (1414هـ) ، وهو اللقاء الأسبوعي الذي يكون كل خميس، وسيكون هذا آخر لقاء قبل الإجازة، وتستأنف اللقاءات -إن شاء الله- بعد استئناف الدراسة في آخر شعبان، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح. كنا بصدد أن ننتهي من تفسير سورة الأعلى، ولكن لعل المناسب في هذه الجلسة أن يكون هناك توجيه للناس لما سيفعلونه في هذه الإجازة. فنقول ومن الله تعالى التوفيق: لا شك أن ساعات العمر أغلى من الدنانير والدراهم؛ لأن ساعات العمر تفوت ولا يمكن استرجاعها أبداً، وكل يومٍ يمضي فإنه يبعدنا من الدنيا ويقربنا إلى الآخرة، فتسير الأيام وتنقضي الساعات وتمضي السنوات وإذا بالإنسان ينتهي إلى الأجل المحتوم الذي قال الله تعالى عنه: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49] وإذا كانت هذه منزلة العمر وساعاته؛ فإن الواجب على العاقل فضلاً عن المؤمن أن يستغل هذه الساعات فيما خُلق له، والذي خلقنا له جميعاً هو عبادة الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] . والعبادة: اسم لكل ما يقرب إلى الله تعالى من قول أو عمل؛ سواء كان عمل الجوارح الظاهرة أو عمل القلب، وسواء كان قول اللسان الذي ينطق به أو قول القلب الذي هو الاعتقاد، فكل ما يقرب إلى الله فهو عبادة، والله تعالى لا يريد منا أن نبقى دائماً في صلاة، أو نبقى دائماً محبوسين في المساجد للذكر والقراءة؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقد بلغه أن قوماً من أصحابه قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ألا إني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه) . وعلى هذا فنقول: إنه لا حرج على الإنسان أن يمتع نفسه بما أحل الله تعالى له من النعم؛ حتى يذهب عنه السآمة والملالة والتعب، لكن بشرط أن يكون فيما أحل الله له، وهذه الإجازة التي قررت للدارسين والمدرِّسين في أثناء العام ما هي إلا لهذا الغرض؛ لدفع الملل والسآمة والتعب، ولإعطاء النفس حظها مما أباح الله لها. ينقسم الناس في هذه الإجازة إلى أقسام: - منهم من يستغلها بالسفر إلى بيت الله الحرام وإلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل التحية والسلام. - ومنهم من يستغلها بالسفر لزيارة الأقارب والأرحام. - ومنهم من يستغلها للتجول في الدعوة إلى الله عز وجل وإرشاد الناس وتوجيههم. - ومنهم من يستغلها للتفرغ في استعادة ما مضى من طلب العلم، واستذكار ما نسي من القرآن. - ومنهم من يستغلها في مساعدة أبيه في بيع أو شراء أو حرث أو غير ذلك. - ومنهم من يستغلها في الخروج إلى البر والتنزه على وجهٍ يكون مباحاً. - ومنهم من يستغلها في الخروج إلى البر والتنزه لكن على وجهٍ محرم، يمضون أوقاتهم إما في مشاهدة ما يعرض في التلفاز من البرامج التي ترد إلينا من الخارج، إما عن طريق أشرطة الفيديو، أو عن طريق الدش الذي يلتقط كل شيء مما يفسد الأديان، ويهدم الأخلاق. فهؤلاء خسروا الدنيا والآخرة خسروا الدنيا لأنهم لم يعملوا في هذه المدة فيما يرضي الله عز وجل، اللهم إلا في أداء الفرائض التي لابد منها كالصلاة والطهارة. وخسروا الآخرة؛ لأن هذه المعاصي تكون سبباً لتعذيبهم وعقوبتهم في الآخرة، وربما تتراكم المعاصي على القلب حتى يختم عليه والعياذ بالله، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين:13] أي: إذا تلي عليه القرآن وما فيه من عبر وعظات قال: هذا كلام مجالس وقصص لا حقيقة لها، {كَلَّا} [المطففين:14] أي: ليس القرآن أساطير الأولين {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] حتى لم يذوقوا طعم القرآن -نسأل الله العافية- فالمعاصي بريد الكفر كما قال العلماء رحمهم الله. - ومن الناس من يستغل الإجازة في أخبث من هذا؛ في السفر إلى الخارج إلى بلاد الفساد والمجون، فيفعل هناك ما شاء من أنواع المعاصي، وغالباً أنه يدع الصلاة؛ فيخسر خسارة فادحة -والعياذ بالله- فيرجع وقد خسر الدنيا والآخرة، مظلم الوجه مسود القلب. فالمهم أن الناس لهم نزعات وطرق في قضاء هذه الإجازة. فالواجب على الإنسان العاقل أن يستغل وقته بما يكون سبباً لرضا ربه عز وجل، حتى إذا أتاه الموت أتاه وهو على أحسن ما يكون؛ لأن من ابتلي بالمعاصي في حال صحته وعنفوان شبابه ربما يستمر على هذه المعاصي، فإذا جاء وقت الحاجة إلى الطاعة إذا هو مفلس صفر اليدين، لا يتمكن من نطق الشهادة حال الموت نسأل الله العافية! فالإنسان العاقل ينظر في أيامه ولياليه بماذا أمضاها هل في طاعة الله تعالى أم في معصيته؟ فإن كان في طاعة الله فليحمد الله على ذلك، وليستمر عليه، وليسأله الثبات على ذلك إلى الموت، وإن كان على خلاف ذلك فليسارع بالتوبة والإنابة في وقت الإمكان؛ لأنه حين الموت لا ينفع الندم، ولا تفيد التوبة. فأدعوكم ونفسي لاستغلال هذه الإجازة فيما يرضي الله عز وجل، وقد عرفتم ما يسر الله لنا ذكره من الأقسام التي يتوزع الناس عليها في هذه الإجازة، فأحث نفسي وإياكم على استغلالها فيما يرضي الله، بعبادة الله، وبنفع الخلق، وإعطاء النفس شيئاً من المتعة على وجهٍ مباح وهكذا. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن عمروا أوقاتهم بطاعة ربهم، وأن يثبتنا على ذلك حتى الممات، وأن يتولانا في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 2 الأسئلة الجزء: 49 ¦ الصفحة: 3 وسطية أهل السنة تجاه مرتكب الكبيرة السؤال فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً: في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسمٍ فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ماذا يقصد بهذه الأبدية؟ هل هي خاصة بقاتل نفسه؟ وهل يجوز الترحم على من فعل ذلك بنفسه؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا سؤال مهم جداً، وذلك أنه يأتي في الكتاب والسنة أحياناً نصوص فيها فتح باب الرجاء والأمل الواسع، مثل أن تكون أعمال صالحة يترتب عليها تكفير السيئات، أو دخول الجنة أو ما أشبه ذلك، فيفرح الإنسان ويستبشر بذلك ويقول: إذاً لا تضرني معصية ما دام هذا العمل اليسير يكفر عني السيئات، أو يكون سبباً في دخولي الجنة، فأعمل ما شئت من المعاصي، وتأتي أحياناً نصوص فيها وعيد شديد على بعض المعاصي أو بعض الكبائر، بل هي كبائر في الواقع ولكنها لا تخرج من الإسلام، فتجد الرجل يستحسر ويتوقف ويقول: ما هذا؟ ولذلك انقسم أهل القبلة -أي: المسلمون الذين ينتسبون إلى الإسلام- تجاه هذه النصوص إلى ثلاثة أقسام: - قسم غلَّب جانب نصوص الرجاء وقال: لا تضر مع الإسلام معصية، وهؤلاء هم المرجئة، يغلبون جانب الرجاء على جانب الخوف، ويقولون: أنت مؤمن، اعمل ما شئت فلا يضرك مع الإيمان معصية. - وقسم غلب نصوص التخويف والزجر وقال: إن فاعل الكبائر مخلد في نار جهنم أبداً، ولو كان مؤمناً، ولو كان يصلي ويزكي ويصوم ويحج، وهؤلاء هم الوعيدية من المعتزلة والخوارج، قالوا: إن الإنسان لو فعل كبيرة كقتل نفسه مثلاً، أو قتل نفس غيره، أو زنا، أو سرق، فهو خالدٌ مخلد في نار جهنم وكل هؤلاء جانبوا الصواب، لا الأولون ولا هؤلاء. وأهل السنة والجماعة وسط في ذلك، قالوا: نأخذ بالنصوص كلها؛ لأن الشريعة واحدة وصادرة عن مصدر واحد وهو الله عز وجل، إما في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الأمر كذلك فإنه يكمل بعضها بعضاً، ويقيد بعضها بعضاً، ويخصص بعضها بعضاً، فيأتي نص عام ونص خاص؛ فيجب أن نحمل العام على الخاص ونخصصه به، ويأتي نص مطلق ونص مقيد؛ فيجب أن نحمل المطلق على المقيد؛ لأن الشريعة واحدة، والمشرع واحد، فإذا كان كذلك فلا يمكن أن نأخذ بجانب دون آخر. وبناءً على هذا يسلم الإنسان من إشكالات كثيرة، فيقال: إنه ورد في القرآن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] هذه خمس عقوبات:1- جزاؤه جهنم. 2- خالداً فيها. 3- غضب الله عليه. 4- لعنه. 5- أعد له عذاباً عظيماً. عندما تقرأ هذه الآية تقول: إن قاتل المؤمن عمداً مخلد في النار، ولا يمكن أن يخرج منها؛ لأن الله قال: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93] ومن لعنه الله فقد طرده وأبعده من رحمته، وهذا يقتضي أنه لا يمكن أن يخرج من النار إلى الجنة أبداً، وكذلك ما أشار إليه السائل فيمن قتل نفسه، أنه خالد مخلداً أبداً، صرح في الحديث بالتأبيد، وهذا يقتضي ألا يخرج منها؛ لأن هذا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وخبر الرسول صدق لا يمكن أن يعتريه الكذب، ولا يمكن أن يتخلف مدلوله. ولهذا نقول: هذه الأشياء تكون سبباً لذلك، قتل النفس سبب للخلود المؤبد في نار جهنم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك موانع من الخلود دلت عليها النصوص الشرعية؛ منها: أن يكون الإنسان معه شيء من الإيمان ولو أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فإنه لا يخلد في النار، فنحمل هذه النصوص على هذه النصوص، ونقول: نصوص الوعيد جاءت عامة من أجل التنفير من هذا العمل والهروب منه، ولكن ليس هناك خلود مؤبد إلا للكافرين هذا وجه. الوجه الثاني: قال بعض العلماء: هذه النصوص على ظاهرها، وذلك أنه قد يصاب الذي يقتل نفسه بالانسلاخ من الإيمان، فيكون حين قتل نفسه غير مؤمن، وإذا كان غير مؤمن فهو كافر خالد في النار؛ لأنه إذا نحر نفسه فإن كان مجنوناً فلا شيء عليه، وإن كان عاقلاً فلابد أنه فعل ذلك لسبب، وهذا السبب في الغالب لكي يستريح من النكبة أو الضائقة التي ألمت به، ومن زعم أنه إذا قتل نفسه نجا من الضائقة التي ألمت به فقد أنكر البعث، وأنكر عقوبة الآخرة، وإذا أنكر البعث وعقوبة الآخرة كان بذلك كافراً، فيكون مستحقاً للخلود المؤبد في النار؛ لأنه ليس من المعقول أن شخصاً يعدم نفسه ليستريح مما هو فيه إلا لظنه أن ينتقل إلى ما فيه الراحة له، ولا يمكن أن يكون أريح له وقد قتل نفسه، فيكون شاكاً أو متردداً أو جاحداً لعذاب الآخرة، وبذلك يكون كافراً. وعلى كل حال يجب أن نعلم أن الكتاب والسنة صدرت من عند الله وحده، منها ما هو من كلامه جل وعلا وهو القرآن، ومنها ما هو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نصوص الكتاب والسنة بعضها يقيد بعضاً، ويخصص بعضها بعضاً، ولا تناقض بين نصوص الكتاب والسنة أبداً. وأما مسألة الترحم عليه فيجوز الترحم عليه؛ لأنه ليس بكافر. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 4 معنى حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) السؤال فضيلة الشيخ: نسأل الله العلي العظيم أن يمد في عمرك على طاعته نرجو منك إعراب هذا الحديث مع بيان معناه بارك الله فيك: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) . الجواب إعرابه كالتالي: (لا) : نافية. (يقبل) : فعل مضارع مرفوع وعلامة الرفع ضمة ظاهرة في آخره. الاسم الكريم (الله) : فاعل يقبل. (صلاة) : مفعول يقبل. و (صلاة) مضاف، و (أحدكم) : مضاف إليه، و (أحد) مضاف، والكاف: مضاف إليه، والميم علامة الجمع. (إذا) : ظرف للزمان. (أحدث) : فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو. (حتى) : حرف غاية. (يتوضأ) : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد (حتى) ، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو. هذا إعراب الحديث. أما معناه: فهو أن الله تعالى لا يقبل الصلاة من الإنسان إذا أحدث حدثاً أصغر؛ لقوله: (حتى يتوضأ) دل على أن المراد بالحدث هو الأصغر، ولو أراد الحدث الأكبر لقال: حتى يغتسل. (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وظاهر الحديث أنه لا فرق بين الناسي والذاكر والجاهل والعالم، فلو أن الإنسان أحدث ثم صلى ناسياً أنه أحدث، وجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، ولو صلى الإنسان وهو محدث لكنه جاهل بالحدث؛ مثل أن يأكل لحم إبل ولا يدري أنه لحم إبل، ثم يقوم ويصلي، ثم أخبر بأنه أكل لحم إبل فيجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 5 حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة السؤال فضيلة الشيخ: كثير من الإخوة يشكون من أن الأم قد لا تحب زوجة الابن، ويكون الابن قد تعلق بزوجته وأحبها، فتأمره الأم بطلاقها، وكذلك قد يأمره الأب، فهل إذا رفض طلاق زوجته يعتبر عاقاً لوالديه؟ الجواب لا يلزم الابن أن يطيع أبويه إذا أمراه بطلاق زوجته؛ لأن هذه تتعلق برغبة خاصة بالإنسان، ولا يلزمه أن يقبل ما أمره والداه به من مفارقة الزوجة، كما لو قالا له: لا تأكل من هذا الطعام، لا تأكل لحماً، لا تأكل أرزاً، لا تأكل الشيء المعين، وهو مما يشتهيه، فلا يلزمه طاعتهما في ذلك؛ لأنه لا مصلحة لهما في ذلك، وفيه ضررٌ عليه لفوات محبوبه. فكذلك إذا قالا: طلق زوجتك. لا يلزمه طلاقها إلا بسببٍ شرعي معلوم يقر به الزوج، فهنا يلزمه -لا من أجل أمرهما- حتى لو كانا لم يأمراه بذلك، وربما يورد مورد علينا قصة عبد الله بن عمر مع أبيه رضي الله عنهما، حيث أمر عمر ابنه عبد الله أن يطلق زوجته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أن يطلقها. والجواب عن هذا: أن هذا الإيراد أورد على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الإمام المشهور حيث سأله سائل فقال: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي. فقال له: لا تطلقها. فأورد عليه حديث عمر، فقال له الإمام أحمد جواباً سديداً، قال: وهل أبوك عمر؟ أي: هل أبوك مثل عمر لا يأمر إلا بشيء لابد منه؟ فالجواب: لا، وإذا كان الجواب بالنفي فلا يصح القياس. وعلى الوالدين أن يتقيا الله عز وجل، وألا يفرقا بين الرجل وزوجه؛ لئلا يكونا مثل السحرة الذين يتعلمون من الشياطين ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وإذا رأى الابن أن الحال لن تستقيم بوجود الزوجة مع الأم في بيت واحد، ففي هذه الحال يخرج من البيت هو وزوجته وينفردان عن الأم، قد يقول: لا ترضى الأم أن أنفرد بزوجتي في بيتٍ آخر، نقول: وإن لم ترض فيقال لها: إما أن تحسني العشرة وإما أن أخرج. ولكن مع ذلك لا يظن الظان أننا نرجح في هذه الحال جانب الزوجة، فلو فرض أن الزوجة تسيء إلى الأم، فإن الواجب على الزوج أن ينهاها ويؤدبها. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 6 حكم الأشياء التي يشمها الكلب أو يلمسها السؤال فضيلة الشيخ: جميع الإخوة والأخوات في المنطقة الشرقية يسلمون عليك، وسؤالي هو: أنه يوجد نقاط تفتيش في بعض المؤسسات الكبرى يستخدم فيها الكلاب المدربة، فتدخل في مقدمة السيارة ثم تبدأ بالشم واللحس. فهل تتنجس بذلك المقاعد والأماكن التي قام الكلب بشمها أو لحسها؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب أما الشم فإنه لا يضر؛ لأنه لا يخرج من الكلب ريق، وأما اللحس فيخرج فيه من الكلب ريق، وإذا أصاب ريق الكلب ثياباً أو شبهها فإنها تغسل سبع مرات، ولا نقول: إحداها بالتراب؛ لأنه ربما يضر، لكن نقول: يستعمل عن التراب صابوناً أو شبهه من المزيل ويكفي مع الغسلات السبع. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 7 حكم من جعل جوائز لمن يشتري من عنده سلعة معينة السؤال فضيلة الشيخ: عندنا في دولة الكويت أنواع من البيوع منتشرة الآن، يقوم التاجر بعرض بضاعته ويوزع كوبونات على المشترين بحسب قيمة شراء كل واحد، وهذه الكوبونات تدخل في سحب الجوائز، ثم تعمل بعد ذلك قرعة ويفوز بعض الناس بجوائز يوزعها عليهم هذا التاجر، فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا نوع من البيع نخاطب به البائع والمشتري، فنقول للبائع: هل أنت ترفع سعر السلعة من أجل هذه الجائزة أم لا؟ فإن كنت ترفع السعر فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا رفع السعر واشترى الناس منه صاروا إما غارمين وإما غانمين، إما رابحين وإما خاسرين، فإذا كانت هذه السلعة في السوق -مثلاً- قيمتها عشرة فجعلها باثني عشر من أجل الجائزة فهذا لا يجوز؛ لأن المشتري باثني عشر إما أن يخسر الزائد على العشرة وإما أن يربح أضعافاً مضاعفة بالجائزة، فيكون هذا من باب الميسر والقمار المحرم، فإذا قال البائع: أنا أبيع بسعر الناس، لا أزيد ولا أنقص؛ فله أن يضع تلك الجوائز تشجيعاً للناس على الشراء منه. ثم نتجه إلى المشتري فنقول له: هل اشتريت هذه السلعة لحاجتك إليها، وأنك كنت ستشتريها سواء كانت هناك جائزة أم لا، أم أنك اشتريتها من أجل الجائزة فقط؟ فإن قال: الأول. قلنا: لا بأس أن تشتري من هذا أو من هذا؛ لأن السعر ما دام أنه كسعر السوق وأنت ستشتري هذه السلعة لحاجتك فحينئذ تكون إما غانماً أو سالماً، ففي هذه الحالة لا بأس أن تشتري من صاحب الجوائز. وأما إذا قال: أنا أشتري ولا أريد السلعة، وإنما أشتري لأجل أن أحصل على الجائزة. قلنا: هذا من إضاعة المال؛ لأنك لا تدري أتصيب الجائزة أم لا تصيبها. وقد بلغني أن بعض الناس يشتري علب اللبن وهو لا يريدها، يشتريها ويريقها لعله يحصل على الجائزة، فهذا يكون من إضاعة المال، وقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال) . بقي شيء ثالث: إذا قال قائل: هذه المعاملة ربما تضر بالبائعين الآخرين؛ لأن هذا البائع إذا جعل جوائز للمشترين وكان سعره كسعر السوق اتجه جميع الناس إليه، وكسدت السلع عند التجار الآخرين، فيكون في هذا ضرر على الآخرين، فنقول: هذا يرجع إلى الدولة، فيجب عليها أن تتدخل، فإذا رأت أن هذا الأمر يوجب اضطراب السوق؛ فإنها تمنعه إذا رأت أن المصلحة في منعه، أو إذا رأت أنه من التلاعب في الأسواق، والتلاعب في الأسواق يجب على ولي الأمر أن يمنعه منها. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 8 العمل فيما إذا تعارضت آراء العلماء السؤال فضيلة الشيخ: إذا تعارض رأي عالم مع رأي عالم آخر من أهل السنة والجماعة في مسألة ما فمن أتبع؟ علماً بأني لا أستطيع أن أرجح بين الأدلة، فما رأيكم؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب أسألك: ماذا يفعل المريض إذا اختلف طبيبان كل منهما يصف دواء غير الآخر؟ في هذه الحال يرجح المريض من يطمئن إليه قلبه أنه هو الأعلم والأوثق، وكذلك الأمر هنا، إذا ذهبت إلى شخصين من أهل العلم وتساويا عندك في العلم والثقة؛ لأنه ليس كل عالم يكون ثقة، فالعلماء ثلاثة: علماء ملة، وعلماء دولة، وعلماء أمة. أما علماء الملة -جعلنا الله وإياكم منهم- فهؤلاء يأخذون بملة الإسلام، وبحكم الله ورسوله، ولا يبالون بأحد كائناً من كان. وأما علماء الدولة فينظرون ماذا يريد الحاكم، يصدرون الأحكام على هواه، ويحاولون أن يلووا أعناق النصوص من الكتاب والسنة حتى تتفق مع هوى هذا الحاكم، وهؤلاء علماء دولة خاسرون. وأما علماء الأمة فهم الذين ينظرون إلى اتجاه الناس هل يتجه الناس إلى تحليل هذا الشيء فيحلونه، أو إلى تحريمه فيحرمونه، ويحاولون -أيضاً- أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يوافق هوى الناس. فأنت -على كل حال- إذا اختلف عندك رأي عالمين فانظر أيهما أوثق في نظرك من حيث العلم، ومن حيث الدين، وخذ بما اطمأن قلبك إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) فإن لم يوجد عندك اطمئنان ولا ترجيح فبعض العلماء قال: تخير بين أن تأخذ بقول هذا أو بقول هذا، وبعض العلماء قال: تأخذ بالأشد لأنه الأحوط، وبعض العلماء قال: تأخذ بالأيسر لأنه الأوفق لروح الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين يسر) وهذا لفظ البخاري، فما دمنا لم نعلم أن الدين منع هذا الشيء أو أوجب هذا الشيء فنحن في حل. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 9 حكم مراعاة الطالب أثناء وضع الدرجات لأدبه وسلوكه السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز للمدرس أثناء تصحيح أوراق الطلبة أو أثناء الاختبار الشفوي أن يراعي سلوك الطلبة في الفصل، فإن كان جيداً زاد له الدرجات ونحو ذلك؟ وأيضاً هل يجوز في أعمال السنة أن يزيد المدرس الطلاب درجة أو درجتين خوفاً من الظلم أو نحو ذلك، لأنكم تعلمون أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن دعوة المظلوم مستجابة، وأن كثيراً من المدرسين يظلمون الطلاب ظلماً كبيراً دون أن يشعروا، فيخاف المدرس من هذا؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب هذا السؤال مهم بالنسبة للمدرسين، وأنا أعلم أنهم يجعلون درجات لسلوك الطالب وأخلاقه داخل المدرسة، فيجب على المدرس الذي يحدد هذه الدرجات أن يحكم بالعدل، وأن يتقي الله عز وجل، فإن كان أحد الطلبة أحسن سلوكاً وأخلاقاً فإنه يعطيه درجته التي يستحقها، وينقص من الطالب السيئ الأخلاق من درجات السلوك ما يستحقه، ولا يحابي في ذلك أحداً. أما درجة العلوم والرياضيات والمستوى العلمي فلا يزيد فيها ولا ينقص منها نظراً لسلوك الطالب، وإنما يعطي كل طالب ما يستحقه من الدرجات أرأيت لو تحاكم رجلان إلى قاض أحدهما كافر والآخر مسلم فهل يهضم حق الكافر لأنه كافر؟ لا. فمسألة الإجابة هي على حسب ما قدم لك من معلومات، سواءً كان سيئ الأخلاق أو حسن الأخلاق. المسألة الثانية: إذا كان المدرس قد ظلم الطالب فهذا لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أنه كان يظن حين معاملة الطالب أنه على صواب، وأنه مجتهد، وهذا الذي أداه إليه اجتهاده، مثل أن يوقفه في الفصل أو يضربه أو يطرده أو ما أشبه ذلك، لكنه في ذلك الوقت يرى أنه على صواب، ثم بعد التفكير يرى أنه أخطأ؛ فهذا ليس فيه ظلم، ولا يعاقب عليه الإنسان؛ لأنه في ذلك الوقت كان مجتهداً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر) . ولو أننا قلنا لكل متصرف في شأن غيره: إنه إذا أخطأ بعد اجتهاده تحمل هذا الخطأ ووقع عليه العقاب؛ ما قبل أحد أن يتصرف في شأن غيره، ولتعطلت مصالح العباد، لكن من رحمة الله أن المتصرف لغيره كولي اليتيم والوكيل وناظر الوقف وغيرهم، إذا تصرفوا وهم حين التصرف يرون أن هذا هو الصواب بدون تفريط منهم، ثم بعد هذا تبين خطؤهم؛ فإنه لا شيء عليهم، لا ضمان في الدنيا ولا إثم في الآخرة. الحال الثانية: أن يعلم أنه قد ظلم الطالب ظلماً حقيقياً، وهو في ذلك الوقت يعرف أنه إنما عاقبه انتقاماً لنفسه فقط؛ فحينئذ يسترضي الطالب دون أن يزيد في درجاته وإنما يعطيه حقه فقط؛ لأنه إذا زاد في درجاته أوقع الظلم على الطلبة الآخرين، وحصل من ذلك تشويش، وربما أدى ذلك إلى فقدان الطلبة ثقتهم في معلميهم، وهذا من أخطر الأمور؛ لأن الطالب إذا فقد ثقته في معلمه لم يهتم بأوامره، ولم يستفد منه حتى وإن أظهر أنه يستمع إليه وينصت إلى شرحه. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 10 حكم إتمام صيام كفارة القتل بعد رمضان السؤال أثابك الله يا شيخنا: لي قريب صدم شاباً فمات هذا الشاب، ولكن هذا القريب تهاون في صيام الشهرين حتى مات، وقد تطوعت أخته فصامت عنه الشهرين، لكن بقي منهما يومان وقد دخل شهر رمضان، فكيف تصوم هذين اليومين؟ الجواب أقول: لا حرج عليها -إن شاء الله- إذا دخل رمضان وبقي عليها يومان أن تصومهما بعد رمضان، في اليوم الثاني والثالث من شهر شوال. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 11 الجمع بين قوله تعالى: (ما يبدل القول لدي) وبين مراجعة الرسول لربه في تخفيف الصلاة ليلة الإسراء السؤال فضيلة الشيخ: كيف نوفق بين قول الله عز وجل: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] وبين مراجعة الرسول لربه في حديث الإسراء في تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمس صلوات؟ وجزاك الله خيراً. الجواب لا تعارض بين قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [قّ:29] وبين ما ذكرت، فهل قال الله تعالى: ما نبدل القول؟ لا. إنما قال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] فإنه: {لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس:64] لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله. وإذا قلنا: الآية مبنية لما لم يسمَّ فاعله، وأنه هو نفسه لا يبدل ما قال عز وجل؛ فنقول: إن ما حدث من مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في الصلاة كان لإتمام القول الذي ارتضاه أولاً أنها خمس، لكنه عز وجل شرع لنبيه خمسين لحكمة، وهي ظهور مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يفرضه الله عليه هذا من وجه. والوجه الثاني: أن يكتب لهذه الأمة أجر خمسين صلاة؛ لأننا الآن نصلي خمساً لكننا كالذي يصلي خمسين، ليس من باب أن الحسنة بعشر أمثالها، فكل عمل صالح الحسنة فيه بعشر أمثالها، لكن من باب أن الصلاة الواحدة تكتب لنا عشر صلوات، وهذه نعمة كبيرة، وهي من حكمة الله عز وجل ورحمته. فيكون الأصل هو القول الأول الذي ارتضاه الله عز وجل وقضى بأنها ستكون خمس صلوات، لكنه فرضها خمسين لهذه الحكمة؛ أولاً: ليظهر مدى تقبل الرسول صلى الله عليه وسلم لفرائض الله تعالى، وإن كانت في صورة شاقة، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس قبولاً لما ألزمه به ربه تبارك وتعالى. وثانياً: من أجل أن يكتب للأمة أجر خمسين صلاة مع أن الأمة تؤديها خمساً بالفعل، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 12 حكم توكيل شخص لاستخراج منحة مالية على نسبة تعطى له السؤال يا شيخ! أحسن الله إليك وأمد في عمرك هناك بعض الناس يتوسطون لبعض الأشخاص في المناخ السنوي أو ما يسمى بالعادة السنوية، وهذا الذي يتوسط يشترط على ذلك الشخص إذا خرج اسمه أول السنة أن يكون له نصف المبلغ المقرر، وبعضهم لا يشترط ولكن يعده صاحب الطلب أنه إذا خرج اسمه أن يعطيه نصف ما يتقرر له أو ربعه، فهل هذا جائز؟ الجواب أولاً: طلب المناخ أو العادة إذا كان الإنسان في حاجة فلا بأس، وأما إذا لم يكن في حاجة فلا يجوز أن يطلب ذلك؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك) ، ولأن الإنسان الغني لا يجوز له أن يسأل الناس ليستكثر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر) . ثانياً: إذا كان فقيراً أو محتاجاً فلا بأس أن يؤجر شخصاً يطالب له، ويقول: لك نصف المبلغ، أو ربع المبلغ، حسب ما يتفقان عليه. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 13 الإنكار في المسائل الخلافية السؤال فضيلة الشيخ: هل ينكر على المرأة التي تكشف الوجه، أم أن المسألة خلافية والمسائل الخلافية لا إنكار فيها؟ الجواب لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق لذهب الدين كله؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين العلماء، نضرب مثلاً: رجل مس امرأةً بشهوة، وأكل لحم إبل، ثم قام ليصلي، وقال: أنا أتبع الإمام أحمد في أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، وأتبع الشافعي في أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وسأصلي على هذه الحالة فهل صلاته الآن صحيحة على المذهبين؟ هي غير صحيحة؛ لأنها إن لم تبطل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل بطلت على مذهب الشافعي، وإن لم تبطل على مذهب الإمام الشافعي بطلت على مذهب الإمام أحمد؛ فيضيع دين الإنسان. والمسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى: أن الخلاف ثابت حقاً وله حكم النظر، فهذه لا إنكار فيها على المجتهد، أما عامة الناس فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم؛ لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: العوام على مذهب علمائهم. فمثلاً: عندنا هنا في المملكة العربية السعودية أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فنحن نلزم نساءنا بذلك، حتى لو قالت لنا امرأة: أنا سأتبع المذهب الفلاني وكشف الوجه فيه جائز، قلنا: ليس لكِ ذلك؛ لأنكِ عامية ما وصلتِ إلى درجة الاجتهاد، وإنما تريدين اتباع هذا المذهب لأنه رخصة، وتتبع الرخص حرام. أما لو ذهب عالم من العلماء الذي أداه اجتهاده إلى أن المرأة لا حرج عليها في كشف الوجه، ويقول: إن امرأتي سوف أجعلها تكشف وجهها. قلنا: لا بأس، لكن لا يجعلها تكشف الوجه في بلاد يسترون الوجوه، يمنع من هذا؛ لأنه يفسد غيره، ولأن المسألة فيها اتفاق على أن ستر الوجه أولى، فإذا كان ستر الوجه أولى فنحن إذا ألزمناه بذلك لم نكن ألزمناه بما هو حرام على مذهبه، إنما ألزمناه بالأولى على مذهبه، ولأمر آخر وهو ألا يقلده غيره من أهل هذه البلاد المحافظة، فيحصل من ذلك تفرق وتفتيت للكلمة. أما إذا ذهب إلى بلاده فلا نلزمه برأينا، ما دامت المسألة اجتهادية وتخضع لشيء من النظر في الأدلة والترجيح بينها. القسم الثاني من قسمي الاختلاف: لا مساغ له ولا محل للاجتهاد فيه، فينكر على المخالف فيه؛ لأنه لا عذر له. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 14 من اعتمر ونسي أن يتجرد من السراويل السؤال فضيلة الشيخ: مواطن من أهل مدينة جدة ذهب إلى العمرة، فلما أتمها أخذ شيئاً من شعره، وعاد إلى بيته في جدة، فعندما خلع الإحرام وجد أنه لم يتجرد من السراويل، فما حكمه؟ الجواب هذا ليس عليه شيء، وأنا سأعطيكم قاعدة تهتدون بها إن شاء الله تعالى: جميع المحرمات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة ولا أي شيء؛ لأن الله تعالى قال: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: (قد فعلت) ثبت ذلك في صحيح مسلم، وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ، وقال في الكفر وهو أعظم المحرمات: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] . فإذا كان الإنسان محرماً، ونسي السراويل عليه حتى انتهى من الإحرام فلا شيء عليه، وكذلك لو أكل أو شرب وهو صائم ناسياً فلا شيء عليه، وكذلك لو ارتكب محظوراً جاهلاً؛ كإنسان حلق رأسه وهو محرم قبل أن يحل، أو غطى رأسه وهو محرم؛ فلا شيء عليه ما دام جاهلاً. فأي شيء محرم في العبادة إذا فعله الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 15 الحجامة للصائم السؤال فضيلة الشيخ: نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن حزم أنه قال: صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أنس: (رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً انتهى. وذكر الحافظ -أيضاً- حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمها إبقاءً على أصحابه) وهذا أيضاً ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى وقال: إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، فكيف نوفق بين هذه الأدلة وبين ما ذهبتم إليه -حفظكم الله- من إفطار الصائم بالحجامة؟ الجواب نرد على هذا بما رد به الإمام أحمد: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) وحديث أنس بن مالك الذي أشرت إليه فيه ضعف هذا أمر. الأمر الثاني: إن قولنا بالإفطار هو من مصلحة الصائم في الواقع؛ لأن من المعروف أن الإنسان إذا سحب منه الدم فسوف يلحقه هبوط ومشقة وتعب، فإذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة، معناه أنك لا تحتجم إلا للضرورة، فإذا كنت صائماً صيام فرض واحتجمت للضرورة فكل واشرب واقض ذلك اليوم، والآخرون يقولون: إذا احتجمت للضرورة فلابد أن تبقى على صومك ولو كنت في غاية ما يكون من الضعف. فصار القول بأنه يفطر هو الأيسر الذي تقتضيه مصلحة الصائم وتدل عليه الأدلة الشرعية؛ لأننا نقول: إن كنت لا تحتاج إلى الحجامة فلا تحتجم إلا في الليل، وإن كنت تحتاج إليها ولابد -كما لو هاج عليك الدم- فنقول: احتجم، ونرخص له أن يأكل ويشرب حتى يستعيد قوته؛ فتبين بهذا أن القول بأنها تفطر هو القول الموافق للحكمة، وقد حقق شيخ الإسلام رحمه الله ذلك في رسالة له صغيرة تسمى: حقيقة الصيام، ومن أحب أن يتسع له الجواب فليرجع إليها فإنها مفيدة. والتبرع بالدم مثل الحجامة؛ لأنه كثير، فيحصل به من الضعف ما يحصل بالحجامة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتبرع بالدم وهو صائم صيام الفرض إلا للضرورة، فإذا كانت ضرورة تبرع بدمه وأفطر ذلك اليوم. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 16 حكم الاختلاط بين الرجال والنساء، وحكم قيادة النساء للسيارات السؤال فضيلة الشيخ: في بلادنا الكويت كثر الاختلاط في الجامعات؛ فالمدرس أحياناً يخلو بالبنت، وكذلك بالنسبة لتعليم النساء قيادة السيارات، نجد أن المدرب يخلو بالبنت وهو يدربها ساعة أو ساعتين، فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب أقول بالنسبة للطالبات: الواجب عليهن أن يغطين وجوههن، وأما النظر إلى المدرس فهذا لا بأس به إذا لم يكن لشهوة أو لتمتع بالنظر إليه، وإنما كان من أجل التلقي منه، هذا لا بأس به؛ لأن نظر المرأة إلى الرجل ليس حراماً، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس: (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) وكان صلى الله عليه وسلم يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد. فالقول الراجح من أقوال العلماء: أن المرأة لا بأس أن تنظر إلى الرجل بشرط ألا يكون نظرها لشهوة أو تمتع. وأما بالنسبة لتدريب الفتاة على قيادة السيارة وانفرادها برجلٍ يدربها فهذا لا يجوز، وهو أكبر فتنة مما لو انفرد بها في حجرة؛ لأن من المعلوم أن النفس تحب من أحسن إليها، وهذا المدرب إذا عامل الفتاة باللطف واللين يكون هناك فتنة كبيرة لا يتصورها الإنسان، وكيف عندما تجد الطالبة نفسها بجانبه يريها كيف يعمل عجلة القيادة، وكيف يعمل بالفرامل، وكيف يعمل كذا، فهذا خطير جداً جداً. ثم إن من رأيي أنا أن المرأة لا تقود السيارة هل قلَّ الرجال وما بقي إلا أن نضطر إلى النساء؟!! أبداً ما قل الرجال، فهم كثيرون، وقيادة السيارة للمرأة فيها أخطار كثيرة، إذا كنا الآن نخشى من شبابنا إذا ذهبوا في السيارات إلى البر وغيره نخشى عليهم من الفتنة، فكيف بالمرأة؟ من يضبط المرأة إذا أخذت السيارة وخرجت إلى البر أو إلى أي إنسان تريده؟! الحقيقة أني أتعجب من بعض الناس كيف ينظرون إلى الأمور بظواهرها! يقولون: إن المرأة لا بأس أن تقود السيارة كما كانت النساء تركب الجمال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. نقول: نحن لا ننكر أصل قيادة المرأة للسيارة، فليس هو في ذاته منكراً، لكن لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة العظيمة نمنعه، والشريعة الإسلامية جاءت لسد الذرائع الموصلة إلى المحرمات ثم ليس هناك ضرورة؛ فالشباب كثيرون والحمد لله، والمرأة إذا تعود أخوها أو ابنها قيادة السيارة كفاها. فالواجب منع المرأة من قيادة السيارة؛ لا لأن ذلك حرام عليها، وإنما هو من باب سد الذرائع الموصلة إلى الحرام، ولما يترتب على ذلك من مفاسد محققة. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 49 ¦ الصفحة: 17 لقاء الباب المفتوح [50] شرح الشيخ رحمه الله في هذا اللقاء آياتٍ في الصيام، وتحدث عن الحكمة من فرضية الصيام، والتيسير فيه خاصة وفي الدين عامة، ووقوع النسخ في الإطعام للقادر على الصيام، وذكر بعض الإيضاحات عن بعض أحكام الصيام. ثم أجاب عن الأسئلة حول الصيام، وطاعة ولي الأمر، وغير ذلك. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات الصيام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: الجزء: 50 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام (1414هـ) ، وهو المجلس الأول في الإجازة الربيعية بمناسبة قرب شهر رمضان يحسن أن نتحدث قليلاً عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فهذه الآية الكريمة صدَّرها الله عز وجل بهذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:183] بوصف الإيمان؛ لأن وصف الإيمان يحمل الإنسان على القيام بالأمر واجتناب النهي، وهو وصف -لا شك- محمود محبوب إلى الخلق، فكل إنسان عاقل يحب أن يوصف بالإيمان، وكل إنسان يود أن يتمم إيمانه، فإذا نادى الله تعالى عباده بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فارعها سمعك؛ فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه] وما في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] أي: فرض، والفارض له هو الله عز وجل فرضه على عباده. وقد جاء في السنة بأنه أحد أركان الإسلام الخمسة. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (كما كتب على الذين من قبلكم) وفي قوله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] فائدتان: الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمة، حتى لا يقول قائل: لماذا أُلزمنا نحن بترك شهواتنا من مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم، فيكون في هذا نوع تسلية للأمة، وأنها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها. والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأمة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وقد ضرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِرَ، فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلا موضع لبنة فيه، وكان النبي صلى الله عليه هو الذي حل أو سد موضع هذه اللبنة وبه تم البناء، فتمت الشرائع -والحمد لله- بهذه الشريعة الإسلامية. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لعلكم تتقون) بين الله عز وجل الحكمة من فرضية الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشق عليكم مجانبة الأهل، بل قال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فهذه هي الحكمة من فرض الصوم، ولهذا جاء في الحديث: (رب صائمٍ حظه من صيامه الجوع والظمأ) فما هي التقوى؟ التقوى عبارة عن اتخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. ولهذا نقول: التقوى: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه، وهذا أجمع تعريفٍ للتقوى. وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً من ذلك بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فالذي لا يدع هذه الأشياء فإن الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطعام والشراب؛ لأن هذا قد يكون فيه تعذيب للنفس والله تعالى يقول: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147] فالله عز وجل يريد منا أن ندع قول الزور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو كان صيامه فقط هو الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح؟! الجزء: 50 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أياماً معدودات) ثم بين الله عز وجل أن هذا الصيام ليس أشهراً ولكنه {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] فهو قليل العدد، ثم هو قليل المشقة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] إذاً: ليس فيه كثرة، وليس فيه مشقة؛ لأن المسافر إذا كان يفطر، والمريض الذي يشق عليه الصوم يفطر فقد انتفت المشقة، فالصوم يسير، ولله الحمد. {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} . {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي: يقدرون عليه {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} أي: من لا يريد الصوم فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا تيسير؛ تصوم إن شئت، وإن شئت تطعم عن كل يوم مسكيناً، ولو كنت تطيقه. {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} وأطعم مسكيناً {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فيخير الإنسان بين أن يصوم وبين أو يطعم ولو كان قادراً، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره. لكن هل بقي هذا الحكم؟ لا لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] فأوجب الله الصوم ونسخ الإطعام، لكن لما كان أول فرض الصيام قد يشق على الناس أن يصوموا رُغبُوا في الصوم، وخُيِّروا بينه وبين الإطعام، ثم لما استقر الفرض في نفوسهم، وقرت به أعينهم، أوجب الله عليهم الصيام، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يطعم مع قدرته على الصوم، ثم إذا كان عاجزاً عن الصوم فإما أن يكون عجزه مستمراً؛ فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، وإما أن يكون عجزه طارئاً يرجو زواله كالمريض مرضاً معتاداً فهذا ينتظر حتى يشفى ثم يصوم؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185] . الجزء: 50 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185] هذا كالتعليل لقوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} [البقرة:185] أي: أنه رخص لكم الفطر في حال السفر وفي حال المرض؛ لأنه عز وجل يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بكل يسر ولله الحمد، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (إن الدين يسر) وهذه جملة حصرية بمعنى أن الدين كله يسر ليس فيه مشقة، فلو تأملت أوامر الشريعة لوجدتها كلها سهلة يسيرة. ثم إذا كان على الإنسان مشقة في شيء منها فإنها تنقسم إلى قسمين: إما أن تسقط بسبب المشقة، وإما أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذر استعمال الماء فإنه يتيمم، فإن لم يجد ما يتيمم به سقط عنه الوضوء والتيمم، فهذا المثال للشيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد فالدين كله يسر. ولذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزاوية أكثر مما ينظر إلى زاوية التعسير على الخلق؛ لأن ربهم الذي خلقهم هو الذي قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وكثيرٌ من الناس الآن نجده يعامل الناس بما هو أعسر وأشق، وهذا إن جاءت به الشريعة فلا بأس وليس بشاق إلا في تصور بعض الناس، وأما إذا لم تأتِ به الشريعة فإنه لا حجة له عند الله يوم القيامة إذا قال له لماذا عسرت على عبادي؟ وأنا ميسر لهم؟ ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألا نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، وألا نحرم عليهم ما لم يحرمه الله عليهم، حتى وإن فرض أننا عندهم قدوة، وأنهم يطيعوننا فإننا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عز وجل. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة:185] أي: عدة رمضان، الفائدة من هذه الجملة ألا نتسرع في الإفطار، فمثلاً لو شهد شاهد واحد على دخول شهر شوال ليلة ثلاثين من رمضان فإننا لا نقبل شهادته حتى يأتي شاهد آخر يشهد بأنه رأى هلال شهر شوال، فإننا حينئذ نأخذ بقولهما، ونكون قد أكملنا العدة. ثم قال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185] وهذا بعد إكمال العدة إذا غابت الشمس ليلة عيد الفطر فإنه يشرع للناس أن يكبروا الله عز وجل على ما هداهم؛ لأن هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيماناً واحتساباً، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 50 ¦ الصفحة: 10 المسحة المعتبرة في مدة المسح على الخفين السؤال فضيلة الشيخ: لو أن إنساناً توضأ لصلاة الفجر ثم لبس الخف، فلما أتت صلاة الظهر كان على طهارته، وأراد أن يجدد الطهارة، فمسح على الخف فهل تحسب المدة من هذا المسح أم لا؟ الجواب يقول العلماء: لا تبتدئ مدة المسح إلا بعد المسح من الحدث، وعلى هذا فالمسح للتجديد لا تحسب منه المدة، كما في المثال الذي ذكرت، إذا جدد وضوءه لصلاة الظهر بدون حدث ومسح فإن المدة لا تبتدئ من هذا الوضوء، فإذا أحدث وتوضأ لصلاة العصر فإنها تبتدئ من هذا الوقت. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 11 مفطرات الصيام السؤال فضيلة الشيخ: أرجو أن تتكلم عن المفطرات في نهار رمضان ولو على وجه العموم؟ الجواب مفطرات الصائم في رمضان وفي غير رمضان، ذكر الله في القرآن ثلاثة منها في قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة:187] هذه ثلاثة: الجماع، والأكل، والشرب. وظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين أن يكون الأكل والشرب نافعاً أو غير نافع أو ضار؛ لأن المأكول والمشروب إما نافع أو ضار أو ليس نافعاً ولا ضاراً، وكلها مفطرة، فلو بلع الإنسان خرزة سبحة فإنه يفطر بهذا ولو كانت لا تنفعه، ولو شرب دخاناً فإنه يفطر ولو كان ضاراً، ولو أكل تمرة فإنه يفطر ولو كانت نافعة. وكذلك يقال في الشرب. وجاءت السنة بالقيء، فإذا تقيأ الإنسان فإنه يفطر، فإن غلبه القيء فإنه لا يفطر. وجاءت السنة بالحجامة، فإذا احتجم الإنسان وهو صائم وخرج منه دم فإنه يفطر هذه خمسة من المفطرات. وألحق العلماء بهذا ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل الإبر المغذية، وليست المغذية هي التي ينشط بها الجسم أو يبرأ بها، وإنما الإبر المغذية: هي التي تغني عن الأكل والشرب، وعلى هذا فجميع الإبر التي لا تغني عن الأكل والشرب لا تفطر، سواء كانت من الوريد أو من الفخذ أو من أي مكان. كذلك أيضاً إنزال المني بشهوة يفطر بها الصائم، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والمني من الشهوة -لا شك- لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: أو يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر) والذي يوضع هو المني، يضعه الرجل في رحم المرأة؛ ولهذا عدل صلى الله عليه وسلم إلى قوله: (أرأيتم لو وضعها) لما قالوا: (أو يأتي أحدنا شهوته) وعلى هذا فنزول المني بشهوة مفطرٌ للصائم، وأما تقبيل المرأة ولو بشهوة، أو المذي ولو عمداً؛ فإنه لا يفطر الصائم، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأصل أن الصوم صحيح حتى يثبت بطريقٍ شرعي أنه فاسد، ولهذا لو قال لنا قائل: هذا الشيء يفطر به الصائم. نقول له: هات الدليل؟ وإلا لكان كل واحد لا يروق له الشيء يقول: هذا مفطر، وهذا غير مفطر. هذه المفطرات التي ذكرناها عامة للرجل والمرأة. أما خروج دم الحيض والنفاس فهذا خاص بالمرأة، إذا خرج منها الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة فإنها تفطر، وكذلك دم النفاس، وأما إذا خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بلحظة فإنها لا تفطر. وهذه المفطرات لا تفطر إلا بشروط ثلاثة: الشرط الأول: العلم. والشرط الثاني: الذكر. والشرط الثالث: الاختيار. الأول: العلم: وضد العلم الجهل، فلو أكل الإنسان وهو يظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين أنه طالع فصيامه صحيح؛ لأنه لم يعلم أن الفجر قد طلع، ولو كانت السماء غيماً وغلب على ظنه أن الشمس غربت وأكل وشرب، ثم تبين أنها لم تغرب فصيامه صحيح؛ لأنه ليس بعالم أنها لم تغرب. الثاني: الذكر كذلك إذا كان ناسياً فإنه لا يفطر، والنسيان ضد الذكر، فلو أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) . الثالث: أن يكون مريداً -يعني: لما فعل- فإن كان مكرهاً، كما لو أكره الرجل زوجته على الجماع، وجامعها وهي صائمة؛ فإن صومها صحيح. السائل: ما حكم البخور؟ الشيخ: ما يفطر البخور، لكن لا تستنشقه. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 12 حكم الاحتياط في الأذان للفجر بتقديمه أو تأخيره السؤال فضيلة الشيخ: بعض الأهل عندنا كانوا يأكلون بعد أذان الفجر. ولما ذكرت لهم أن ذلك لا يجوز قالوا: ليس في ذلك شيء، فما حكم هذه الأيام الماضية؟ الجواب كلمة (ليس في ذلك شيء) ليست بحجة، لكن لو قالوا: ما طلع الفجر، لكان له وجه، مثل أن يكونوا في البر وليس حولهم أنوار، وقالوا: لم نشاهد طلوع الفجر؛ لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، ويقولون: خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة. لكن الظاهر أن هذه مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن -الذي هو تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين جزاهم الله خيراً يحتاطون، ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وهذه المسألة مسألة خطيرة، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر زعماً منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم! وهو صلاة الفجر، فربما يصلي أحد الناس قبل الوقت، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام ما صحت صلاته. ثم هم -أعني هؤلاء المؤذنين قبل الفجر- يقولون: نحن نحتاط. نقول: تحتاطون أكثر مما احتاط الله لعباده؟! إن الله يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة:187] فلابد أن تتبين الفجر. حتى التعبير القرآني لم يقل: حتى يطلع الفجر، بل قال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة:187] فأنتم الآن عندما أذنتم منعتم عباد الله ألا يأكلوا ولا يشربوا في هذه اللحظة، معناه أنكم حرَّمتم على الناس ما أباح الله لهم، فيكون عليكم إثم من هذه الناحية أيضاً، حتى لو فُرض أن الناس تمهلوا ولم يصلوا فعليكم إثم من جهة أنكم منعتم عباد الله مما أحل الله لهم. فالجهل داء قاتل، وبعض الناس يكون جاهلاً وينظر بعين الأعور، لا يرى إلا من جانب واحد، والجانب الثاني مهمل، وهذا غلط عظيم، ولذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة وخصوصاً المؤذنين، ويقولون: اتقوا الله في عباد الله! كيف تؤذنون قبل الفجر وتمنعون عباد الله مما أحل الله لهم؟! ربما كان الإنسان لتوه قام من النوم، عطشاناً ويريد أن يشرب، ولكن بورعه وتقواه لما سمع المؤذن أمسك، والمؤذن يؤذن قبل الفجر زعماً منه أن هذا هو الأحوط، فيحرم هذا الرجل المسكين من شربة الماء، فليس الأحوط أن تتبع الأشد؛ بل الاحتياط الحقيقي أن تتبع ما جاءت به الشريعة. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 13 حكم قضاء الدين عن المعسر بدون علمه السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم دفع الزكاة على المَديِنْ المعسر بدون علمه؟ الجواب حكم الزكاة على المدين المعسر الذي لا يجد الوفاء إلى غريمه بدون علم المدين الفقير جائز ومجزئ؛ لأن الآية الكريمة تدل على هذا قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] فالتعبير مختلف بين الأربعة الأُول وبين الأربعة الأُخر. الأربعة الأول كان التعبير باللام الدالة على التمليك {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:60] فلابد أن تملكهم، تعطيهم الزكاة وتتركهم يفعلون ما شاءوا من حاجاتهم، لكن في الغارمين قال: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] الغارمين: معطوف على الرقاب، فيكون التقدير (في) وعلى هذا فيجوز أن تذهب إلى الغريم الذي يطالب الفقير وتوفي عنه. ولكن هل الأولى أن تذهب إلى الغريم وتوفيه دون علم الفقير أو أن تعطي الفقير؟ هذا فيه تفصيل: إذا علمت أن الفقير الذي تريد القضاء عنه رجل ديِّن يحب إبراء ذمته وأنك إذا أعطيته سوف يذهب إلى صاحبه ويوفيه فأعطه هو؛ لأن ذلك أجبر لخاطره، وأبعد من الخجل، وأسلم من الرياء الذي قد يصيب الإنسان، فكونك تعطي المدين في هذه الحال أولى. أما إذا خشيت أن يكون المدين عابثاً، ولو أعطيته ما يوفي به دينه لذهب يلعب بها أو يشتري كماليات أو غيرها فلا تعطه إياها، اذهب إلى صاحبه الذي يطلبه ووفه حقه. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 14 ضوابط الجمع في المطر السؤال فضيلة الشيخ: بالأمس كان المطر يتساقط عندنا من صلاة العصر حتى صلاة العشاء في بلدة شمال بريدة، وكنت إماماً، وطلب المؤذن أن تجمع الصلاة وتحيرت في الأمر، لكن كان من إلحاح المؤذن أن نجمع فجمعنا الصلاة، وقد وردت فتوى لسماحتكم أنه لابد أن نتحقق من المطر وشدته وخروج الناس حال المطر، هل يؤثر عليهم، فأريد توضيح الضابط في هذا الجمع من جميع الجوانب جزاك الله خيراً؟ الجواب يجب أن تعلم أن الأصل وجوب أداء الصلاة في وقتها، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] وقد أجمع العلماء على أن تقديم الصلاة قبل وقتها بدون عذر شرعي حرام يقتضي عدم صحتها؛ لأن هذا خلاف ما أمر الله به، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا هو الأصل، وهذا شيء محكم ليس فيه اشتباه. فإذا وجد سبب للجمع -تقديم أو تأخير- فإن العلماء مختلفون في هذا؛ منهم من يرى أنه لا جمع إلا بـ عرفة ومزدلفة فقط، ومنهم من يرى الجمع بكل حال، وهذا رأي الرافضة، حيث يرون أنه يجوز الجمع بدون سبب، إن شئت اجمع وإن شئت لا، لكن الصحيح أن الجمع جائز للمشقة، والدليل على ذلك حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: (ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) . ومعنى (يحرج) أي: ألا يلحقها الحرج، فالحرج مرفوع في شريعتنا، فإذا كان في ترك الجمع حرج ومشقة على الناس إما لكون الأسواق وحلاً، أو لكون المطر ينزل يبلل الثياب ويؤذي الماشين، فهذا عذر، أما إذا كان ينزل قطرات يسيرة والجو دافئ والأسواق ليس فيها وحل، فلا تجمع حتى لو أصر المؤذن أو المأمومون، أرأيت لو صمت رمضان في شعبان هل يجوز؟!! فإذا قدمت العشاء مع المغرب بدون عذر فإنه لا يجوز، والعجيب الآن أنني أذكر أن الناس كانوا في السابق ليس هناك كهرباء والأسواق مظلمة ووحل وطين وليس هناك إسفلت، ومع ذلك كانوا لا يجمعون إلا لمشقةٍ شديدة، بحيث أن الإنسان لا يأتي إلى المسجد إلا ومعه عصا يتوكأ عليها، أو مطر وابل صيب، وهم أشد مشقة من الآن بكثير، الآن ولله الحمد غالب الأسواق مسفلتة ومضاءة، وليس هناك مشقة ولا حرج، فالتهاون في هذا غلط عظيم؛ فأنت لديك نص محكم، وهو وجوب الصلاة في وقتها وعندك سبب مبيح للجمع، فإذا كنت لم تتيقن أن السبب صحيح شرعي فلا تجمع، والإمام هو الذي له الحكم في هذه المسألة، المؤذن له الحكم في الأذان أما مسألة الصلاة والجمع فهذه إلى الإمام. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 15 ضابط الاستحلال الموجب للكفر السؤال فضيلة الشيخ! ما هو ضابط الاستحلال الذي يكفر به العبد؟ الجواب الاستحلال: هو أن يعتقد حِلَّ ما حرمه الله. وأما الاستحلال الفعلي فينظر: إن كان هذا الاستحلال مما يكفِّر فهو كافر مرتد، فمثلاً لو أن الإنسان تعامل بالربا، ولا يعتقد أنه حلال لكنه يصر عليه، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا يستحله، ولكن لو قال: إن الربا حلال، ويعني بذلك الربا الذي حرمه الله فإنه يكفر؛ لأنه مكذب لله ورسوله. الاستحلال إذاً: استحلال فعلي واستحلال عقدي بقلبه. فالاستحلال الفعلي: ينظر فيه للفعل نفسه، هل يكفر أم لا؟ ومعلوم أن أكل الربا لا يكفر به الإنسان، لكنه من كبائر الذنوب، أما لو سجد لصنم فهذا يكفر لماذا؟ لأن الفعل يكفر؛ هذا هو الضابط ولكن لابد من شرط آخر وهو: ألا يكون هذا المستحل معذوراً بجهله، فإن كان معذوراً بجهله فإنه لا يكفر، مثل أن يكون إنسان حديث عهد بالإسلام لا يدري أن الخمر حرام، فإن هذا وإن استحله فإنه لا يكفر، حتى يعلم أنه حرام؛ فإذا أصر بعد تعليمه صار كافراً. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 16 حكم صيام المرضع والنفساء بعد الطهر السؤال امرأة نفست في شهر شعبان، وطهرت في عشرة رمضان، فهل لها أن تشرع في الصيام مع قدرتها على ذلك، ومع أن بعض الأطباء ذكر أن الطفل يصبر ست ساعات على الرضَّاعة؛ وهي قادرة على الصيام؟ الجواب إذا كانت ترضع ولا ينقص لبنها فيجب عليها أن تصوم، متى طهرت المرأة من الحيض أو النفاس وجب عليها الصوم، إلا أنها إذا طهرت أثناء النهار لا يلزمها الإمساك. - السائل: هي طهرت في عشرة رمضان؟ - الشيخ: يجب عليها أن تصوم العشرين الباقية وجوباً ما دام ليس على الولد ضرر، لكن إذا طهرت في أثناء اليوم لم يلزمها الإمساك بقية اليوم، تظل مفطرة، حتى الحائض لو طهرت مثلاً في نصف النهار تبقى مفطرة تأكل وتشرب، وهذا اليوم سيُقضى على كل حال. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 17 حكم الفطر للمسافر في رمضان السؤال فضيلة الشيخ: إذا كنت مسافراً ومكثت ثلاثة أيام هل يحق لي أن أفطر في السفر؟ الجواب إذا كنت مسافراً يحق لك أن تفطر في أثناء الطريق وفي البلد التي مكثت فيها، مثلاً: لو ذهبت إلى مكة للعمرة خمسة أيام أو ستة أيام، أفطر في مكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، في ثمانية عشر أو عشرين من شهر رمضان، وبقي مفطراً بقية الشهر، ولم يصم، بل كان يأكل ويشرب ويقصر الصلاة، فلك أن تفطر في مكة أثناء السفر حتى ولو لم يكن في الصوم مشقة، لكن الأفضل أن تصوم إذا لم يشق عليك. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 18 حكم خروج المذي أثناء الصوم السؤال ذكرتم حديث (يدع شهوته وطعامه) دليلاً على إفطار من أنزل منياً بشهوة، فلماذا لم يأخذ المذي نفس الحكم؟ الجواب لأن المذي ليس شهوة توضع في الرحم، ولهذا يخرج من غير إحساس به، ولولا أثره من الرطوبة ما عُلم به، فهو يحصل بدون شهوة عند خروجه. نعم قد ينتج المذي عن شهوة كأن يقبل الرجل زوجته فيمذي، لكن هو نفسه ليس فيه شهوة، لا يجد لذةً عند خروجه، اللذة منفصلة عنه، ولهذا يخرج بدون دفق وبدون إحساس، ولا يشعر الإنسان إلا برطوبته. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 19 حكم طاعة ولي الأمر إذا منع شخصاً من الدعوة السؤال فضيلة الشيخ! إذا ندب الله عز وجل إلى أمر من الشريعة ندباً عاماً كالدعوة إلى الله مثلاً، ومنع من إيقاعه ولي الأمر، فهل يستجاب لولي الأمر في هذا مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) مع الضابط إذا تيسر جزاك الله خيراً؟ الجواب إذا قال ولي الأمر لشخص مثلاً: لا تدعُ إلى الله، فإن كان لا يقوم أحد سواه بهذه المهمة فإنه لا يطاع ولي الأمر في ذلك؛ لأنها تكون فرض عين على هذا الشخص، ولا طاعة لولي الأمر في ترك فرض عين. أما إذا كان يقوم غيره مقامه، نظرنا: إذا كان ولي الأمر نهاه لأنه يكره دعوة الناس، فهنا يجب أن يناصح ولي الأمر في هذا، ويقال: اتق الله، لا تمنع من إرشاد عباد الله. أما إذا كان نهيه هذا الشخص لسبب آخر يحدث من جراء كلام هذا الرجل، ورأى ولي الأمر أن المصلحة في إيقافه، وغيره قائم بالواجب؛ فإنه لا يحل لهذا أن ينابذ ولي الأمر، وقد كان عمار بن ياسر رضي الله عنه مع عمر بن الخطاب في سفره فأجنب عمار -أي: أصابته جنابة- فجعل يتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة -يعني: تقلب على الأرض ليشمل التراب جميع بدنه- ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمار: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) وأراه التيمم. ثم جاءت خلافة عمر [وصار عمار يحدث بذلك، فاستدعاه عمر رضي الله عنه يوماً من الأيام، وقال: كيف تحدث بهذا الحديث؟ لأن عمر يرى أن الجنب لا يتيمم، وأن التيمم في الحدث الأصغر فقط، ومن عليه جنابة ينتظر حتى يجد الماء ثم يغتسل ويصلي هذا رأيه. فقال له عمار: يا أمير المؤمنين! أما تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا؟ فكأن عمر نسي هذا، فقال له: يا أمير المؤمنين! إن شئت بما جعل الله لك عليَّ من الطاعة ألا أحدث به فعلت. فقال له عمر: لا. نوليك ما توليت] يعني: فحدث به، والشاهد أنه ما أنكر عليه قوله: [إن شئت بما جعل الله لك علي من الطاعة ألا أحدث به فعلت] . أما لو قال ولي الأمر مثلاً: لا تصل النافلة. فنقول: صلها، لكن بدون منابذة، صلها في بيتك؛ لأن منابذة ولي الأمر يترتب عليها مفاسد كثيرة، لا بالنسبة لك أنت أيها المنابذ؛ لأنك -أنت أيها المنابذ- ربما تؤخذ وتؤذى، وأنت تعتقد أنك أوذيت في الله، لكن غيرك أيضاً يصاب بهذه المنابذة، وربما يقتدي بك غيرك ممن لا يعرف ما عرفت فينابذ بدون علم، وربما تُتحسس أخبار من حولك، ويؤتى بكل إنسان حولك ويؤذى بدون جريمة. ثم إن الحط من قدر ولاة الأمور من العلماء أو الأمراء في أعين الناس له ضرر كبير؛ لأن قدر ولاة الأمور إذا سقط من أعين الناس تمرد الناس على ولي الأمر ولم يروا لأمره قيمة، وصاروا يرونه كسائر الناس، وإذا انحط قدر العلماء في أعين الناس لم يكن لما يقولونه للناس من شريعة الله قيمة، ولم يثق الناس بأقوالهم، ونبذت الشريعة من هذا الجسر؛ لأن قدرهم هُوِّن في أعين الناس، فصار الناس لا يبالون بهم، ولا يأخذون بأقوالهم، ويذهبون يأخذون من فلان وفلان ممن هو دونهم في فقه شريعة الله عز وجل. فهذه الأمور لا ينبغي لنا أن ننظر إلى ظاهرها وسطحها؛ لأن لها غوراً بعيداً عميقاً، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ولاة الأمور الذين يطالبون بحقهم ويضيعون حق الله في رعيتهم فقال صلى الله عليه وسلم: (أعطوهم ما لهم واسألوا الله حقكم) حتى لو منعونا حقنا فنحن نعطيهم ما لهم علينا، ونسأل الله سبحانه وتعالى حقنا، وذلك بأن يهديهم حتى يقوموا به. فينبغي لنا أيها الإخوة! ألا ننظر إلى الأمور من سطحيتها فقط؛ بل ننظر لما يترتب عليها من المفاسد العظيمة؛ والأمن حتماً له قيمة، فالدنيا كلها تبذل في سبيل الأمن، ويضحي الإنسان من نفسه بأشياء كثيرة من أجل الأمن، ولا يعرف قدر الأمن إلا من ابتلي بالخوف، واسألوا آباءكم الأولين عما كانت عليه هذه البلاد من الخوف فيما سبق؟! كان الناس لا يذهبون من بريدة إلى عنيزة أو من عنيزة إلى بريدة إلا مسلحين، وعلى خوف شديد؛ بل قال بعض الكبار: كنا -والله نخرج- في رمضان من بيوتنا بعد العشاء بل بعد المغرب ونحن نحمل السلاح. يخافون على أنفسهم من عدو يدخل البلد أو غير ذلك، فنعمة الأمن والرخاء لا يساويها نعمة، وإذا انفلت الأمن من يرده؟ فيجب علينا أن نتجنب كل ما يثير الناس، ونحن لا نبرئ ولاة الأمور من الخطأ، ولاة الأمور من العلماء والأمراء عندهم خطأ كثير، لكن جاء في الأثر: (كما تكونوا يولِّ عليكم) . انظروا إلى أحوال الناس، فمن حكمة الله أن الولي والمولى عليه يكونون متساويين كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] كذلك يولي الله على الصالحين الصلحاء، وإذا نظرنا إلى أحوال الرعية وجدنا أنفسنا نحن الرعية عندنا تفريط في الواجبات وإخلال وتهاون، وتهافت على المحرمات، نجد الغش في المعاملات، والكذب والتزوير وشهادة الزور وأشياء كثيرة، فلو أن الإنسان تعمق وسلط الأضواء على حال المجتمع الإسلامي اليوم لعرف القصور والتقصير، فالمجتمع الإسلامي مجتمع صدق ووفاء وأمانة، وكل هذه مفقودة الآن إلا ممن شاء الله. فإذا أضعنا نحن الأمانة فيما نحن أمناء فيه -وليس عندنا ولاية كبيرة- فكيف من له ولاية أمرنا؟ قد يكون أشد منا إضاعة للأمانة، لكن استقيموا يول الله عليكم من يستقيم. ثم إن الأولى أيضاً، بل إن لم أقل الواجب أن ندعو لولاة الأمور سراً وعلناً، أن ندعو لهم بالتوفيق والصلاح والإصلاح؛ لأنهم ولاة أمورنا، أعطيناهم البيعة، فلابد أن نسأل الله لهم الصلاح حتى يصلح الله بهم، ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله قال: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان) لأنه إذا صلح السلطان صلحت الأمة، وهذا صحيح. فالواجب علينا -يا إخواني- ألا نيأس، وأن ندعو لولاة أمورنا أن يصلح الله لهم الأمور، وأن يعينهم على ما حملهم، وأن يبعد عنهم كل بطانة سوء؛ لأن ولي الأمر ليس وحده فله أعوان، وله وزراء، وله جلساء، تدعو الله أن يوفقه بجليس صالح وعون صالح، ووزير صالح، فهو من توفيق الله له وللرعية، وإن كان الأمر بخلاف ذلك فهو من شؤمه وشؤم الرعية. ولهذا يجب أن ندعو الله لولاتنا أن يوفقهم للصلاح والإصلاح، وأن ييسر لهم البطانة الصالحة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق. السائل: أحسن الله إليك: هل الكفاية قامت بدعوة الناس إلى الله عز وجل في أقطار الإسلام؟ الشيخ: لا. لم تقم، لكن بلادنا -والحمد لله- فيها من يقوم بهذا؛ أكثر المتولين للمنابر اليوم -ولاسيما في المدن- كلهم طلبة علم، وكلهم -والحمد لله- يوجهون الناس توجيهاً هادفاً تحصل به الكفاية، صحيح أن في القرى من لا تحصل به الكفاية، ولكن اتقوا الله ما استطعتم، ولو أن كل قرية فيها طالب علم يعتمد عليه يرجع الناس إليه في الفتاوى والوعظ وغيره من أمور دينهم ودنياهم لكان جيداً، لكن ليس الأمر باليسير. أما عن البلاد الإسلامية الأخرى فحدث ولا حرج، الخلل فيها كثير! خلاصة الفتوى: أنه يجب على من قيل له: لا تتكلم، ألا يتكلم، إلا إذا تعين الأمر عليه، إذا تعين فإنه يجب عليه أن يعصي ولي الأمر؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. السائل: أحسن الله إليكم يا شيخنا: أنتم تذكرون الآن أن الكفاية لم تقم في ديار الإسلام. وليست الدعوة حكراً على بلد معين أو حدود معينة! الشيخ: على كل حال نحن لا نرى أن يمنع إنسان من أن يسافر إلى بلد آخر، إذا كان يريد أن يدعو إلى الله، لكن إذا كانت طريقة دعوته إلى الله هناك طريقة دعوته إلى الله في بلادنا بحيث يكون غير مؤهل في علمه وتصرفه، فلولي الأمر أن يمنعه؛ لأن العلة كلها هي عبارة عن أشياء ربما توجب للناس وللرعية كراهة أولياء الأمور أو ما أشبه ذلك. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 20 حكم صيام من كان مريضاً مرضاً مزمناً السؤال فضيلة الشيخ: هناك رجل مريض بمرض القلب، ولا يعمل عنده إلا جزء بسيط، يحتاج إلى الدواء باستمرار، يعني تقريباً كل ثمان ساعات أو ست ساعات، فهل يسقط عنه الصوم؟ الجواب من كان عنده هذا المرض يسقط عنه الصوم، ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ إن شاء أعطى كل مسكين ربع صاع من الأرز، وإن جعل معه لحماً فهو أحسن، وإن شاء عشاهم في آخر ليلة من رمضان أو غداهم في يوم آخر في الفطر، كل ذلك جائز. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 21 ترجمة القرآن بالمعنى السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم ترجمة القرآن وتفسيره تفسيراً حرفياً لغير العربية؟ الجواب أسألك: هل يمكن أن يترجم القرآن ترجمةً حرفية؟ لا يمكن أبداً، فالمسألة مفروضة فرضاً لا واقعاً؛ لأن اللغات غير العربية تختلف عن العربية، وليست كالعربية في الترتيب ولا في الأسلوب، لهذا لا يمكن أن يترجم ترجمة حرفية، أما ترجمة القرآن ترجمة معنوية، بمعنى أن يأخذ الإنسان آية ويترجم معناها فهذا لا بأس به، بل قد يكون واجباً لمن احتيج إلى تفهيمه بذلك. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 22 حكم السفر قبل صلاة الجمعة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم السفر قبل صلاة الجمعة بساعتين؟ الجواب السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت؛ لأن الله قال: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] وإذا كان السفر قبل ذلك فإن كان سيصلي الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه فهذا لا بأس به، وإن كان لا يأتي بها في طريقه، فمن العلماء من كرهه، ومن العلماء من حرمه، ومن العلماء من أباحه، وقال: إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان. والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته أو مثل أن يكون موعد الطائرة في وقتٍ لا يسمح له بالحضور أو ما أشبه ذلك وإلا فالأفضل أن يبقى. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 23 الأسماء اللازمة والمتعدية في أسماء الله تعالى السؤال فضيلة الشيخ: ما الفرق بين الأسماء المتعدية والأسماء غير المتعدية في أسماء الله تعالى؟ الجواب أسماء الله المتعدية معناها: أنها تتعدى للغير، واللازمة هي غير المتعدية، فمثلاً (الحي) من أسماء الله تعالى، وهو اسم غير متعد، فيجب أن نؤمن بالاسم وما دل عليه من الصفة وهي الحياة. أما إذا كان متعدياً يعني يتعدى للغير مثل (الخالق) فهذا لابد أن تؤمن به، وإثبات الاسم الذي هو الخالق وإثبات الصفة وهي الخلق، وإثبات الحكم وهو أنه يخلق، لا تقول: إنه خالق فقط، لابد أن تؤمن أنه خالق ويخلق عز وجل. (السميع) من المتعدي، ولهذا قال الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] فلا يكفي أن تقول: نؤمن بأن الله سميع وأن الله له سمع، ولا نؤمن أنه يسمع؛ فهذا لا يجوز، فلابد أن تؤمن أن الله سميع له سمع ويسمع. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 24 حكم دخول الكافر المسجد للحاجة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لدخول الكفار للمسجد لإصلاح بعض الأمور كالبرادات مثلاً داخل المسجد؟ الجواب نعم. لا بأس أن يدخل الكافر المسجد لإصلاح محتوياته، لكن يجب التحرز منه، بمعنى: أننا لا ينبغي أن نثق به في أنه يحكم العمل، ربما لا يحكم العمل، فلهذا لابد من التحرز بأن يكون عليه مشرف من المسلمين الناصحين، فهو ليس نجساً نجاسة حسية بل هو نجس نجاسة معنوية، ولهذا لو مس يدك وهو رطب لا تنجس يدك، إذاً: لا حرج من دخوله -كما قلت لك- لمصلحة المسجد، أما أن يدخل ليمكث في المسجد فلا. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 25 حكم صلاة الجماعة السؤال فضيلة الشيخ! إمام وخطيب جمعة لا يصلي الفجر مع الجماعة إلا نادراً، ذهبنا إليه وكلمناه ونصحناه فقال: لا أقبل قولكم فهي ليست بواجبة -يقصد صلاة الجماعة- ثم قال: لا أقتنع إلا بقول ابن عثيمين؟! الجواب قل له: يسلم عليك ابن عثيمين، ويقول لك: صلاة الجماعة واجبة، أوجبها الله سبحانه وتعالى حتى في حال الخوف، قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) واستأذنه رجل أعمى أن يصلي في بيته فأذن له، فلما ولى دعاه، وقال: (أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: أجب) وقال صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) . وقال صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) . وقل له أيضاً: يوصيك ابن عثيمين بتقوى الله عز وجل، وأن تكون أسوة صالحة، وأن تحافظ على الصلوات مع الجماعة وجوباً، وأن تحافظ على السنن الراتبة وعلى جميع التطوع؛ لأن ذلك مما يرفعك عند الله وعند العباد. الجزء: 50 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [51] إن الله سبحانه وتعالى شرع لنا مواسم للخيرات نتقرب بها إليه ونطلب منه الفضل والرضا وخصها بالمدح والثناء، وندب إلى فعل الخيرات فيها، ولكن لا يعني انتهاء هذه المواسم انتهاء لفعل الخيرات، بل هي دائمة مستمرة، مطلوبة من الإنسان حتى يأتيه اليقين من ربه، وفي هذه المادة يتكلم الشيخ عما يشرع للإنسان من العبادات وأبواب الخير، ثم يجيب عن الأسئلة. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 1 الأعمال لا تنتهي بانتهاء مواسمها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأول من شهر شوال عام (1414هـ) وبه نفتتح لقاءاتنا من بعد شهر الصيام المبارك، نسأل الله تعالى أن يكتبها لنا ولا يكتبها علينا. بعد هذا الشهر المبارك نذكر أنفسنا وإياكم بأنه إذا انتهى شهر الصيام فلا يعني هذا أنه انتهى الصيام، وإذا انتهى شهر القيام فلا يعني هذا أنه انتهى القيام، وإذا انتهى شهر الصدقة فلا يعني هذا أن الصدقة انتهت؛ لأن الأعمال لا تنتهي بانتهاء مواسمها، وإنما تنتهي الأعمال بانتهاء الأجل، لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] فأمرنا بالبقاء على الإسلام إلى الموت، وقال تبارك وتعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] . قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) وقال الحسن البصري رحمه الله: [إن الله لم يجعل لعمل عبده المؤمن أمداً دون الموت، ثم تلا قوله تعالى: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) [الحجر:99]] فالصيام لا زال مشروعاً والحمد لله. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 2 صيام النوافل فيشرع للإنسان: - أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أوله أو أوسطه أو آخره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لا يبالي أصامها من أول الشهر أم من وسطه أم من آخره) ولكن الأفضل أن تكون هذه الأيام الثلاثة أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. - هناك أيضاً صوم أسبوعي يتكرر بتكرر الأسابيع، وهو صوم يوم الإثنين والخميس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومهما ويقول: (تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) . - هناك صوم حولي على مدار السنة وهو صوم يوم عرفة، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (إنه يحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) . وصوم يوم عاشوراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) . فالصيام -والحمد لله- لم يزل مشروعاً، وهذه الأيام التي تصام يكمل بها الخلل الحاصل في رمضان، بل يكمل فيها خلل صوم رمضان، لأن صوم رمضان لا بد أن يكون فيه خلل، إما كلمات محرمة يقولها الصائم، وإما فعلاً محرماً يفعله الصائم، وإما إخلالاً بواجب يخل به الصائم فيحتاج إلى ترقيع؛ لأن هذه خروق في الصيام تحتاج إلى ترقيع، فترقع بالنوافل، ولهذا جاء في الحديث أن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، ويرقع بها خلل الفرض. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 3 صلاة النوافل القيام لا يزال مشروعاً في كل ليلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر، وذلك كل ليله) . إذاً: فالقيام مشروع في كل ليلة، والصلاة أيضاً مشروعة في كل وقت ما عدا أوقات النهي؛ فإنه لا يصلى فيها إلا الفرائض أو النوافل ذوات السبب، والصلاة شأنها عظيم؛ ولهذا قضى رجل للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة؛ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (اسأل -يعني: ماذا تريد أن نكافئك به؟ - قال: أسألك مرافقتك في الجنة -انظر الهمة العالية! ما سأل شيئاً من الدنيا، سأل أن يكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة- فقال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك يا رسول الله، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) قال العلماء: بكثرة السجود، يعني: بكثرة الصلاة؛ لأن الصلاة يطلق عليها اسم السجود، حيث إنه ركن فيها، كما يقال: اعتق رقبة ويريد عبداً كاملاً، لكن لما كانت الرقبة لا يمكن وجود الحياة إلا بها أطلقت على جميع العبد. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 4 الصدقة وفضلها الصدقة لم تنته برمضان، فكل وقت يشرع فيه الصدقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) أينا لم يخطئ؟ (كل بني آدم خطاء) ما أكثر أخطاءنا! وما أكثر إسرافنا على أنفسنا! والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصدقة صدقة وإن كانت شق تمرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإذا تصدق الإنسان من طيب فإن الله تعالى يأخذ صدقته بيمينه ولو كانت عدل تمرة، فيربيها كما يربي الإنسان فلوه؛ حتى تكون مثل الجبل العظيم. فتصدق -يا أخي- ثم اعلم أن الصدقة ليست هي التي يتصدق بها الإنسان على شخص أجنبي ليس من أهل بيته فقط، بل الصدقة على أهل بيتك أفضل من الصدقة على الأجانب، والإنفاق على أهل البيت صدقة، بل إن الدينار الذي تنفقه على نفسك صدقة أيضاً، والصدقة على القريب أفضل من الصدقة على البعيد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها صدقة وصلة، المهم أن تنفق الصدقة تبتغي بها وجه الله تعالى. زار النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص فقال له: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك) (نفقة) أَيْ: أَيَّ نفقة، لأنها جاءت نكرة في سياق النفي، تشمل كل نفقة صغيرة أو كبيرة، قليلة أو كثيرة، فإنك تؤجر عليها بشرط: أن يكون ذلك لله، وأن تكون من طيب، وتبتغي بها وجه الله، مع أن إنفاقك على امرأتك واجب، لو لم تنفق لقالت: إما أن تنفق وإما أن تطلق، فأنت تنفق عليها تأليفاً لها وقياماً بواجبها، وخوفاً من أن تطالب بالطلاق، ومع ذلك تؤجر على النفقة عليها، فالأبواب -ولله الحمد- كثيرة واسعة. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 5 الذكر والتسبيح إذا كان صوم رمضان إيماناً واحتساباً سبباً لمغفرة الذنوب وكذلك قيامه؛ فإن هناك أسباباً أخرى لكفارات الذنوب: (إذا قال الإنسان: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) الله أكبر! نعمة عظيمة (سبحان الله وبحمده) فقط إذا قلتها مائة مرة غفر الله لك خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر! ومعلوم أنه لا يمكن أن يحصي أحد زبد البحر. وقولك: سبحان الله وبحمده لا يستغرق من وقتك كثيراً، أعتقد أن الإنسان إذا قاله بتوسط فإنه يكمله في عشر دقائق أو أقل، وتكمله أيضاً وأنت تمشي في السوق، وأنت جالس في بيتك، وأنت جالس تنتظر الصلاة، سبحان الله وبحمده مائة مرة، تغفر لك بها خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر، ولهذا قال العلماء: ينبغي أن يقول هذا في آخر النهار، ليكفر ما عمله في نهاره، فالخير كثير! ولله الحمد، لكن نحتاج إلى احتساب. عندما يتوضأ الإنسان في بيته ويسبغ الوضوء ويخرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، أتدرون ما ثوابه؟ لا يخطو خطوة واحدة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة، اللهم لك الحمد، الخطوة الواحدة لك فيها فائدتان: الأولى: أن الله سبحانه وتعالى يرفع لك بها درجة. والثانية: أن يحط عنك بها خطيئة. لكن أين المحتسبون؟ أين الذين يقدرون على هذا؟ أين الذين يشعرون حينما يخرجون من بيوتهم إلى المساجد بهذا الشعور؟ أكثر الناس إما جاهل بهذا فلا يدري، وإما عالم لكنه غافل لا يحتسب، ولهذا ينبغي لك أن تحتسب ما تعمله من خير على الله، بمعنى: أن ترجو بذلك ثواب الله. فنسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعل بقاءنا في هذه الدنيا رفعة في درجاتنا، وقربى وزلفى لديه يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 51 ¦ الصفحة: 7 حكم الكدرة بعد الطهارة السؤال امرأة تقول: جاءها الحيض وتوقف عنها الدم في اليوم السادس من المغرب حتى الساعة الثانية عشر ليلاً، واغتسلت هذا اليوم وصامت اليوم الذي بعده، ثم جاءتها كدرة بنية وصامت هذا اليوم، هل يعتبر هذا من الحيض مع أن عادتها تجلس سبعة أيام؟ الجواب هذه الكدرة ليست من الحيض، الكدرة التي تصيب المرأة من بعد طهارتها ليست بشيء، قالت أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً) وفي رواية أخرى: (كنا لا نعدها شيئاً) ولم تذكر بعد الطهر. والحيض دم وليس بكدرة ولا صفرة، وعلى هذا فيكون صيام هذه المرأة صحيحاً سواء في اليوم الذي لم تر فيه الكدرة أو اليوم الذي رأت فيه الكدرة؛ لأن هذه الكدرة ليست بحيض. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 8 إخراج الزكاة لأهل العراق السؤال هل يحق لنا أن نعطي الزكاة أو شيئاً منها إلى أهالي العراق؟ الجواب الذي يظهر أن أهل العراق في حاجة شديدة اليوم، فالإنسان قد يتوقف في شخص يشك أنه غني، وأما إذا كنت يغلب على ظنك أنه أهل للزكاة فأعطه منها؛ وعلى هذا فلا بأس أن ترسل لهم من الزكاة إذا كنت تعلم أنهم اليوم فقراء، أو يغلب على ظنك ذلك، وأما إن كنت تعلم أنهم كانوا أغنياء في السابق وربما طرأ عليهم الفقر فمثل هؤلاء لا ترسل لهم من الزكاة وإنما أرسل إليهم من باب الصلة أو الصدقة، فأنت تعلم أن صلة الرحم فيها خير كثير وأجر كبير، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى للرحم أن يصل من وصلها، وأن يقطع من قطعها. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 9 جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاة من غير سفر ولا مطر السؤال ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، من غير سفر ولا مطر، فلما سألوا ابن عباس عن سبب ذلك، قال: لكي لا يشدد عليهم) أو كما في الحديث، أفيدونا عن ذلك وفقكم الله؟ الجواب نعم، هذا الحديث كما ذكرت جاء في صحيح مسلم، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك فقال: (أراد ألا يحرج أمته) يعني: ألا يرهقها بحرج ومشقة. ولهذا يجوز للإنسان متى لحقه حرج ومشقة في تفريق الصلوات أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، سواء في سفر أو في حضر، ولهذا نجمع في أيام الأمطار، ونجمع في أيام الرياح الباردة، ونجمع في المرض، فباب الجمع أوسع من باب القصر، القصر ليس له إلا سبب واحد فقط وهو السفر، فغير المسافر لا يقصر، حتى المريض مرضاً شديداً لا يمكن أن يقصر إلا إذا كان في غير بلده، كإنسان ذهب للمعالجة فهذا يقصر، وإن بقيت المعالجة سنين، لكن الجمع أوسع، الجمع سببه الحاجة، والقصر سببه السفر، ولهذا جاز للمستحاضة -التي يأتيها الدم باستمرار- أن تجمع؛ لأنه يشق عليها مع خروج الدم أن تتوضأ لكل صلاة. قال العلماء: حتى المرضع التي يشق عليها أن تطهر ثيابها لكل صلاة من نجاسة طفلها، يجوز لها أن تجمع، لكن هذا الذي قاله أهل العلم في وقت يكون الناس في ضيق، وليس عند المرأة إلا ثوب واحد يشق عليها أن تغسله كلما بال عليها الصبي، أما الآن -الحمد لله- يمكن أن يكون للمرأة ثوب خاص للصلاة، وآخر حين وجودها مع أطفالها. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 10 حكم الاستغاثة بالأشراف والأولياء السؤال ما رأيك في مسلمين يستغيثون بالسادة والأولياء وغيرهم؟ الجواب إذا كان في بلاد الإسلام التي يظهر فيها التوحيد، وليس فيها شيء من شعائر الكفر، وهو يعيش بينهم فإنه لا يعذر فيه؛ لأنه ليس هناك سبب يؤدي إلى الشرك، لكن في بلاد الإسلام التي يكون فيها شعائر الشرك كغالب البلاد الإسلامية في الوقت الحاضر، حيث توجد فيها القبور التي تعبد من دون الله ويستغاث بها، فذلك قد يعذر بالجهل؛ لأنه قد يكون عامياً لا يدري عن شيء أبداً، يعيش في هذه القرية وهم يهبون إلى السيد فلان والولي فلان ويستغيثون به، فكان معهم ولم ينبهه أحد على ذلك، فهذا يعذر بجهله ويحكم له بظاهر الحال. ثم إن كان هناك شيء خفي عنا فأمره إلى الله يوم القيامة، أما في الدنيا فيحكم له بظاهر الحال وهو الإسلام؛ لأنه لو اعتقد أن هذا شرك ما فعله؛ لأنه يدين بالإسلام، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويحج البيت، ويصوم، ولكنه في قوم نشئوا على هذا وشابوا عليه، ولا يعرفون أن هذا شرك، فهذا لا شك أنه يعذر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115] وقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم:4] فلا بد من البيان، ولا بد من المعرفة، والله عز وجل أكرم من أن يعاقب من لا يعرف أن هذا ذنب. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 11 حكم المال الذي يؤخذ على العمال المتقدمين السؤال ما حكم أخذ صاحب المؤسسة من العمال الذين يستقدمهم عن طريق مكاتب الاستقدام في الداخل والخارج، فيقومون باستقدام العمال من الخارج لصاحب المؤسسة، ويعطونه مقابل كل فرد ألف ريال. ما حكم هذا المال؟ الجواب أنا أكره استقدام العمال على الوجه الذي عليه الناس اليوم؛ لأن استقدام العمال أصبح تجارة يتجر بها الناس، تجد الإنسان يأخذ فيزاً وهو لا يحتاجها، لكن يأخذها فيبيعها على فلان وفلان، أو يأخذها ويأتي بالعمال فيستغلهم بأن يأخذ منهم مالاً، سواء من المكاتب هنا أو من المكاتب الخارجية، فأنا أكره هذا إطلاقاً، وأقول: إن الإنسان لا يستقدم إلا من يحتاج إليه فعلاً، وحينئذٍ لا يمكن أن يبيع الفيزة، ولا أن يأخذ من العامل. ثم كيف نقول أنه يأخذ من العامل ومن الشروط المعروفة بينهم: أن العامل يأتي لمدة ثلاثة شهور للتجربة، ثم إذا انتهت الشهور لا يعجبه هذا العامل فيقوم برده إلى أهله، فيكون بهذا أخذ منه مالاً بغير حق، أما لو يأخذ منه المال ويقول: إذا لم يقبله رد عليه ما أخذه، فهذا أهون. فالآن معنا نقطتان: أننا لا نرى جواز استقدام العمال إلا لمن احتاج إليهم حقيقة، أما من استقدمهم ليتجر بهم فهذا لا يجوز، أما إذا احتاج إليهم ثم أعطوه مالاً ليقدمهم على غيرهم فإنه إذا قدر أنه لم يوفق في هذا العامل فليرد إليه ما أخذه؛ لئلا يكون ما أخذه بغير حق. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 12 كفارة الطلاق السؤال رجل يدخن فقال لزوجته: أنت طالق لو شربتُ الدخان. تركه مؤقتاً ثم عاد إليه، ثم توقف وتاب، وهو الآن على توبته؟ الجواب هذا ليس عليه إلا أن يكفر كفارة يمين، فيطعم عشرة مساكين، وذلك أن قوله لزوجته: أنت طالق إنما قاله تأكيداً للامتناع عن التدخين، وليس قصده فراق الزوجة، فعلى هذا نقول: ما دمت أردت تأكيد الامتناع منه ثم عدت إليه فليس عليك إلا كفارة يمين. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 13 رفع اليدين في الدعاء السؤال ما هو ضابط رفع اليدين في الدعاء؟ الجواب رفع اليدين في الدعاء على ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما وردت به السنة، فهذا ظاهر أنه يسن فيه الرفع، مثل: دعاء الاستسقاء، إذا استسقى الإنسان في خطبة الجمعة أو في خطبة الاستسقاء فإنه يرفع يديه، وكرفع اليدين على الصفا وعلى المروة، وكرفع اليدين في عرفة بالدعاء، وكرفع اليدين عند الجمرة الأولى في أيام التشريق والجمرة الوسطى، ولهذا فإن في الحج ست وقفات: الوقفة الأولى: على الصفا. والثانية: على المروة. والثالثة: في عرفة. والرابعة: في مزدلفة بعد صلاة الفجر. والخامسة: عند الجمرة الأولى في أيام التشريق. والسادسة: بعد الجمرة الوسطى في أيام التشريق. هذا القسم لا شك أن الإنسان يرفع يديه فيه لورود السنة به. والقسم الثاني: ما ورد فيه عدم الرفع مثل: الدعاء في الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح في الصلاة ويدعو ويقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) ويدعو بين السجدتين: (رب اغفر لي) ويدعو في التشهد الأخير، ولا يرفع يديه في ذلك كله، وكذلك في خطبة الجمعة يدعو ولا يرفع يديه إلا في الاستسقاء أو في الاستصحاء، ومن رفع يديه في هذه الأحوال وأشباهها قلنا: إنه بدعة، ونهيناه عن ذلك. القسم الثالث: ما لم يرد فيه الرفع ولا عدم الرفع، فهذا الأصل فيه أن من آداب الدعاء أن يرفع الإنسان يديه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطمعه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين إلى الله من أسباب إجابة الدعاء. فهذه أقسام رفع اليدين، ولكن في القسم الذي ترفع فيه الأيدي هل إذا فرغ من الدعاء يمسح وجهه بيديه؟ الصحيح: أنه لا يمسح وجهه بيديه؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف لا تقوم به حجة، فإذا رأينا شخصاً يمسح وجهه بيديه إذا انتهى من الدعاء بينا له أن السنة ألا تمسح وجهك بيديك؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 14 حكم جمع النية في أكثر من عبادة السؤال هل يمكن الجمع في النية بين صيام الثلاثة أيام من الشهر وصيام يوم عرفة، وهل يأخذ الأجرين؟ الجواب تداخل العبادات قسمان: قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً؛ لأن سنة الفجر مستقلة وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى. وكذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها فإنها لا تتداخل، فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزئ عنها. والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عنه الركعتين، لماذا؟ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى أجزأت عن تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فأكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات. ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كنت نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزئ عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 15 حكم قصر الحاج من أهل مكة الصلاة السؤال هل يَقْصُر الحاج من أهل مكة في المشاعر؟ الجواب المشهور عند أصحاب الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك والإمام أحمد أن المكي لا يَقْصُر ولا يجمع؛ لأنه غير مسافر، إذ أن السفر ما بلغ ثلاثة وثمانين كيلو أو أكثر، والمعروف أن عرفة هي أبعد المشاعر عن مكة لا تبلغ هذا المبلغ، فعلى هذا لا يجمع أهل مكة ولا يقصرون، بل يتمون ويصلون كل صلاة في وقتها، سواء في عرفة أو في مزدلفة أو في منى. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنهم يجمعون ويقصرون، وقال: إن هذا الجمع والقصر سببه النسك وليس سببه السفر، فيقصرون ولو كانوا في منى وهو أقرب المشاعر إلى مكة. ولكن الصحيح أن القصر في منى وفي عرفة وفي مزدلفة ليس سببه النسك بل سببه السفر، والسفر لا يتقيد بالمسافة، بل يتقيد بالحال وهو أن الإنسان إذا خرج تأهب واستعد لهذا الخروج وحمل معه الزاد والشراب فهو مسافر، وإذا كان خروجاً يسيراً فيخرج في أول النهار ويرجع في آخره، فهذا ليس بمسافر. وبناءً على ذلك نقول: إن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يتزودون للحج، أهل مكة وغير أهل مكة، ولهذا كان أهل مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يجمعون ويقصرون تبعاً للرسول، ولم يقل: يا أهل مكة! أتموا وهذا القول هو القول الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ولكن يبقى علينا في وقتنا الحاضر إذا نظرنا إلى منى وجدنا أنها أصبحت حياً من أحياء مكة، والذي يخرج إلى منى مثل الذي يخرج إلى العزيزية؛ بل ربما يكون بعض أفراد العزيزية الشرقية فوق منى، لذلك أرى أن من الأحوط لأهل مكة ألا يقصروا في منى. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 16 جواز تأخير الصلاة للمسافر السؤال المسافر إذا حان وقت الظهر وهو مسافر وليس عنده ماء فإذا أخر الصلاة إلى العصر وجد الماء، فهل له أن يصلي في وقت الظهر بالتيمم؟ الجواب الأفضل لمن يرجو وجود الماء أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، إن كانت لا تجمع بما بعدها كالفجر والعشاء والعصر، وإذا كانت تجمع لما بعدها فتأخيرها إلى وقت الثانية هو الأفضل، وإن تيمم وصلى فلا بأس؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] إلى أن قال: {فَإن لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبا} [المائدة:6] . الجزء: 51 ¦ الصفحة: 17 حكم التحايل على المحرمات (العينة والتورق) السؤال مؤسسة تجارية يقصدها الناس بقصد التداين لشراء بعض السلع، فيقصدها المشتري فيخبرهم مثلاً بأنه يريد أن يشتري سيارة، فيجمعون له ثمن السيارة ويقسطون عليه الباقي بالزيادة المعروفة، فيقوم هذا المشتري الأول ببيعها لمشترٍ آخر، ويلجأ الثاني إلى نفس المؤسسة ليتدين منها بقصد تسديد ثمن هذه السيارة، فيزيدون عليه الأقساط، فيكون المشتريان لسلعة واحدة وتكون العملية على ثلاثة أو أربعة أشخاص، بينما المتدين منه جهة واحدة وهي المؤسسة، فما حكم ذلك يا شيخ؟ الجواب هذه الطريقة من العقود ظلمات بعضها فوق بعض، وحيلة على محارم الله، فإن من المعلوم أنني لو أعطيتك أربعين ألفاً على أن تكون خمسين ألفاً إلى سنة فمن المعلوم أنها ربا لا يختلف فيه، فإذا جئت إلى شخص وأنت تريد الدراهم لكن لا تريد أن تقول: أعطني أربعين ألفاً بخمسين ألفاً إلى سنة؛ لأنه ربا صريح، ولكن قلت: أنا أشتري لك سيارة ثم أبيعها لك بثمن زائد على قيمتها من أجل التقسيط، ثم تذهب وتبيعها فإن بعتها على الذي اشتريتها منه فهي مسألة العينة، وإن بعتها على غيره فهي مسألة التورق. لا شك أن مسألة العينة حيلة واضحة جداً على الربا، فبدل من أن يعطيك أربعين ألفاً بخمسين إلى سنة اشتريت هذا الشراء الصوري الذي يعلم الله وتعلم أنت ويعلم الدائن ويعلم الخلق كلهم أنه ليس المقصود بهذا الشراء الحقيقي، وإنما المقصود به أخذ أربعين ألفاً بخمسين، فهذه حيلة واضحة، ومن فعل هذا ففيه شبهٌ من اليهود نسأل الله العافية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) . وإذا كان اليهود دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (قاتل الله اليهود! إنه لما حرمت عليهم الشحوم جملوها -يعني: أذابوها- ثم باعوها وأكلوا ثمنها) فاليهود لما حرم الله عليهم الشحوم قالوا: إذاً: لا نأكل الشحم لكن نذيبه ونبيعه ونأكل ثمنه، هذه الحيلة التي صنعها اليهود، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أن يقاتلهم الله؛ لأنهم حرب على الله إذا فعلوا هذا الفعل. وحيلة اليهود أبعد من حيلة هؤلاء؛ لأن اليهود ما أكلوا الشحم ولا باعوا الشحم أيضاً، ذوبوه ثم باعوه وأكلوا الثمن، أما هذا فبدلاً من أن يعطيك أربعين ألفاً وتكون عليك بخمسين ألفاً إلى سنة قال: تشتري هذه السيارة بخمسين ألفاً إلى سنة ثم يشتريها هو بأربعين ألفاً، فهذه المعاملة حرام على الدائن وعلى المستدين، وعلى من فعلها أن يتوب إلى الله قبل أن يأتيه الموت وهو متلبس بهذه الحيلة -والعياذ بالله- ومن تاب تاب الله عليه؛ لأن الله قال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] . الجزء: 51 ¦ الصفحة: 18 حكم تنظيم البرامج الدعوية السؤال ما حكم تنظيم البرامج الدعوية في المراكز الصيفية والرحلات البرية؟ الجواب لا بأس أن تنظم الجماعات في الدعوة إلى الله عز وجل في أي وقت وفي أي مكان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظم أصحابه في الجهاد والصلاة والحج وفي كل شيء، يصفهم ويرتبهم، ويقول: أنت لك الراية، وهذا له العلم، وهذا في المجنبة اليمنى، وهذا في المجنبة اليسرى، وهذا في القلب، يعني: في وسط الجيش. هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك العلماء قالوا: ينبغي في الجهاد أن يرتب الجيش، وينزل كل إنسان منزلته، ويجعل على كل طائفة عرفاء يبلغون القائد العام حاجات الناس، فالتنظيم أمر جاء به الشرع ولكنه مطلق، ومعنى: كلمة مطلق، أنه يخضع لما تقتضيه المصلحة في كل زمان ومكان، قد يكون تنظيمنا هنا في البلد مناسباً وصالحاً، ولكنه في بلد آخر لا يكون مناسباً ولا صالحاً، ولهم أنظمة خاصة بهم، فكل يراعي ما تحصل به المصلحة، وليس ذلك شيئاً محدثاً أو محرماً في الشرع، فإنه من الأمور التي جاءت السنة بمثله. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 19 شروط إقامة الحجة في التكفير السؤال هناك قضية تثار الآن حول ما يناط للتشريع العام فيما يحكم به الحكام، ويستدل أصحاب هذا الرأي بفتواكم حفظكم الله في المجموع الثمين بأن هذا الكفر وأنه واضح؛ لأنه تبديل لشرع الله، كذلك ينسب هذا إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله. فالسؤال هنا: هل ترد موانع التكفير أو ما اشترطه أهل السنة والجماعة في إقامة الحجة على من حكم بغير ما أنزل الله تشريعاً عاماً؟ الجواب كل إنسان فعل مكفراً فلا بد ألا يوجد فيه مانع التكفير، ولهذا جاء في الحديث الصحيح لما سألوه هل ننابذ الحكام؟ قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فلا بد من الكفر الصريح المعروف الذي لا يحتمل التأويل، فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يكفر صاحبه وإن قلنا إنه كفر. فيفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، قد تكون الفعلة فسقاً ولا يفسق الفاعل لوجود مانع يمنع من تفسيقه، وقد تكون كفراً ولا يكفر الفاعل لوجود ما يمنع من تكفيره، وما ضر الأمة الإسلامية في خروج الخوارج إلا هذا التأويل، فـ الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب على جيش أهل الشام، فلما حصلت المصالحة بين علي بن أبي طالب وأهل الشام خرجت الخوارج الذين كانوا معه عليه حتى قاتلهم وقتلهم والحمد لله، لكن الشاهد أنهم قالوا: حكمت بغير ما أنزل الله؛ لأنك حكمت البشر، فخرجوا عليه. فالتأويل الفاسد هو بلاء الأمة؛ فقد يكون الشيء غير كفرٍ فيعتقدها هذا الإنسان أنه كفر بواح فيخرج، وقد يكون الشيء كفراً لكن الفاعل ليس بكافر لوجود مانع يمنع من تكفيره، فيعتقد هذا الخارج أنه لا عذر له فيخرج. ولهذا يجب على الإنسان التحرز من التسرع في تكفير الناس أو تفسيق الناس، ربما يفعل الإنسان فعلاً فسقاً لا إشكال فيه، لكنه لا يدري، فإذا قلت: يا أخي! هذا حرام. قال: جزاك الله خيراً. وانتهى عنه. إذاً: كيف أحكم على إنسان بأنه فاسق دون أن تقوم عليه الحجة؟ فهؤلاء الذي تشير إليهم من حكام العرب والمسلمين قد يكونون معذورين لم تتبين لهم الحجة، أو بينت لهم وجاءهم من يلبس عليهم ويشبه عليهم. فلا بد من التأني في الأمر، ثم على فرض أننا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، وكلمة (رأينا) شرط، و (كفراً) شرط، و (بواحاً) شرط، و (عندنا فيه من الله برهان) شرط أربعة شروط. فنقول: (أن تروا) أي: تعلموا يقيناً احترازاً من الشائعات التي لا حقيقة لها. وكلمة (كفراً) احترازاً من الفسق، يعني: لو كان الحاكم فاسقاً فاجراً لكن لم يصل إلى حد الكفر فإنه لا يجوز الخروج عليه. الثالث: (بواحاً) أي: صريحاً لا يتحمل التأويل، وقيل البواح: المعلن. والرابع: (عندكم فيه من الله برهان) يعني: ليس صريحاً في أنفسنا فقط، بل نحن مستندون على دليل واضح قاطع. هذه الشروط الأربعة شرط لجواز الخروج، لكن يبقى عندنا شرط خامس لوجوب الخروج وهو: هل يجب علينا إذا جاز لنا أن نخرج على الحاكم؟ هل يجب علينا أن نخرج؟ ينظر للمصلحة، إن كنا قادرين على إزالته فحينئذٍ نخرج، وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج، لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة. ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه، لأننا خرجنا ثم ظهرت العزة له، صرنا أذلة أكثر، وتمادى في طغيانه وكفره أكثر، فهذه المسائل تحتاج إلى تعقل، وأن يقترن الشرع بالعقل، وأن تبعد العاطفة في هذه الأمور، فنحن محتاجون للعاطفة لأجل تحمسنا، ومحتاجون للعقل والشرع حتى لا ننساق وراء العاطفة التي تؤدي إلى الهلاك. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 20 حكم العرضات الشعبية السؤال يقام في منطقة الجنوب عند البدو في حفلة العرس والأعياد ما يسمى بالعرضة، وهي لعبة جماعية للرجال ينشدون فيها بعض القصائد الحماسية بدون طبل ولا زار، فما حكم الشرع في نظركم؟ الجواب أتوقف في تحريم هذا الشيء؛ لأن العارضات في المناسبات جاءت الشريعة بمثلها في لعب الحبشة برماحهم في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأراد عمر أن يحصبهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (دعهم حتى يعلموا أن في ديننا فسحة) . فأنا أتوقف في التحريم، هذا إذا لم تشتمل على شيء محرم كحضور النساء واختلاطهن بالرجال، فهنا تكون محرمة من أجل ذلك. الجزء: 51 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [52] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الأعلى ، حيث بين أن الله سبحانه وتعالى عالم بما يجهر به العباد وبما يسرونه ويكنونه من الأقوال والأفعال، كما رد من خلال الآيات على من يحتج بالقدر على المعاصي. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الأعلى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والخمسون من اللقاءات الأسبوعية التي تعقد في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو لقاء الأسبوع الثالث من شهر شوال عام (1414هـ) ، نتكلم فيه أولاً على ما بقي من سورة سبح اسم ربك الأعلى من قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:6-8] . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 2 وعد الله لنبيه بإقرائه القرآن فهذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعجل إذا جاء جبريل يلقي عليه الوحي، فقال الله له: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16-19] ، فصار النبي صلى الله عليه وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه. وهنا يقول: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى:6-7] يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإن الأمر بيده كما قال عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] وقال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة:106-107] وربما ينسى النبي صلى الله عليه وسلم آية من كتاب الله تعالى، ولكنه سرعان ما يذكرها صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى:7] أي: أن الله تعالى يعلم ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعاً {وَمَا يَخْفَى} [الأعلى:7] أي: ما يكون خفياً لا يظهر، فإن الله يعلمه كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [قّ:16] فهو عز وجل يعلم الجهر، ويعلم أيضاً ما يخفى. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 3 وعد الله لنبيه بتيسيره لليسرى قال تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى:8] هذا أيضاً وعد من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن ييسره لليسرى، فما هي اليسرى؟ اليسرى: أن تكون الأمور ميسرة لا سيما في طاعة الله عز وجل، ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار -كل بني آدم مكتوبة مقاعدهم من الجنة إن كانوا من أهل الجنة، ومقاعدهم من النار إن كانوا من أهل النار- قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل على ما كتب؟ قال: لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ميسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7] ) . وهذا الحديث يقطع حجة من يحتج بالقدر على معاصي الله؛ فيعصي الله ويقول: هذا مكتوب عليَّ. فنقول له: هذا غلط؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) هل يحجزك أحد عن العمل الصالح لو أردته؟ أبداً. هل يجبرك أحد على المعصية لو لم تردها؟ أبداً. ولهذا لو أن أحداً أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثم، ولا يترتب على فعلك لها ما يترتب على فعل المختار لها، حتى الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] . إذاً نقول: اعمل أيها الإنسان! اعمل الخير وتجنب الشر؛ حتى ييسرك الله لليسرى ويجنبك العسرى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وعده الله تعالى بأن ييسره لليسرى، فيسهل عليه الأمور؛ ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة وضيق إلا ووجد المخرج صلى الله عليه وسلم. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 4 معنى قوله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى) أمره تعالى أن يذكِّر فقال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] يعني: ذكِّر الناس ذكرهم بأيام الله، ذكرهم بآيات الله، عظهم {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] يعني: في محل تنفع فيه الذكرى؛ وعلى هذا فتكون (إن) شرطية، والمعنى: إن نفعت الذكرى فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، أي: لا فائدة من تذكير قوم تعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية. وقال بعض العلماء: ذكِّر على كل حال، فإن كل هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنه لا يذكر إلا إذا نفعت، بل المعنى: ذكر إن كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير. فالمعنى على هذا القول: ذكر بكل حال، والذكرى سوف تنفع تنفع من؟ تنفع المؤمنين، وتنفع المذكر أيضاً، فالمذكِّر منتفع على كل حال، والمذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفع بها فإن ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئاً. إذاً: نحن نذكِّر سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع. وقال بعض العلماء: إن ظن أن الذكرى تنفع وجبت، وإن ظن أنها لا تنفع فهو مخير إن شاء ذكر وإن شاء لم يذكر، ولكن على كل حال نقول: لا بد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرتهم به إما واجب وإما حرام، وإن سكت والناس يفعلون المحرم أو يتركون الواجب قالوا: لو كان هذا محرماً لذكر به العلماء، أو لو كان هذا واجباً لذكر به العلماء، فلا بد من التذكير، ولا بد من نشر الشريعة سواء نفعت الموعظة أم لم تنفع. ثم ذكَرَ الله عز وجل من سيذكَّر ومن لا يذكَّر، وسنتكلم على ذلك إن شاء الله في اللقاء القادم حتى يكون عندنا وقت أكثر للأسئلة. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 52 ¦ الصفحة: 6 حكم من لا يعمل بما ينصح به السؤال ما الحكم في الناصح عموماً والمدرس خصوصاً الذي يحث طلابه على شيء من الطاعات لا يفعله، كالسنن الرواتب، وينهى طلابه عن شيء يفعله من المعاصي، وهل يدخل هذا ضمن الحديث الذي ورد في ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الواجب على العبد أن يصلح نفسه أولاً، ثم يسعى في إصلاح غيره، فهنا واجبان: واجب للنفس وواجب للغير. فالعاقل يبدأ أولاً بنفسه ثم يحاول إصلاح غيره، وقد أنكر الله عز وجل على من يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم فقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] ولكن مع ذلك فالواجب على هذا الإنسان أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يفعله، وكذلك يجب عليه أن ينهى عن المنكر وإن كان يفعله، لأنه لو ترك الأمر بالمعروف وهو لا يفعله أضاع واجبين، ولو ترك النهي عن المنكر وهو يفعله أضاع واجبين أيضاً، فإذا أضاع أحد الواجبين وجب عليه الثاني، ولو أن الإنسان لا يأمر إلا بما يفعل ولا ينهى إلا عما ترك لسقط كثير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأضرب لهذا مثلاً برجل ينهى عن الغيبة، والغيبة هي: ذكرك أخاك بما يكره، لكن هو يغتاب الناس، هل نقول: لا تنه عن الغيبة لأنك تغتاب الناس؟ لو قلنا بهذا لكان أكثر الناس لا ينهون عن الغيبة، من الذي يسلم من الغيبة إلا من شاء الله؟ لهذا نقول: مُر بالمعروف وإن كنت لا تفعله، لكن ذلك سوف يكون حجة عليك يوم القيامة، وانهَ عن المنكر وإن كنت تفعله، ولكن هذا سيكون حجة عليك يوم القيامة. أما عن الحديث الصحيح الذي أشار إليه السائل فهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتاب بطنه -يعني: أمعاؤه والعياذ بالله- فيدور عليها كما يدور الحمار على الرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان! ما لك؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 7 حكم الرضيع من الزوج الأول بالنسبة لبنات الزوج الثاني السؤال امرأة تزوجت رجلاً وأنجبت منه بنات، ثم أرضعت مع هؤلاء البنات ولداً وأصبح أخاً لهن من الرضاعة، ثم طلقت هذه المرأة وتزوجت من شخص آخر وأنجبت منه بنات، فهل يكون هذا الولد أخاً لهؤلاء البنات اللاتي أنجبتهن من الزوج الآخر؟ الجواب يقول: امرأة لها بنات، وأرضعت طفلاً، ثم تزوجت بعد زوجها زوجاً آخر وأنجبت منه بنات، فهل بنات الزوج الثاني يكن أخوات للطفل الذي رضع منها وهي في حبال الزوج الأول؟ هذا هو السؤال، والجواب: نعم. بناتها من الزوج الثاني أخوات للطفل الذي رضع منها وهي في حبال الزوج الأول، لكنهن أخوات له من الأم؛ لأن الأم واحدة، وهنا نقول: الرضاع كالنسب، فكما أن الإنسان يكون له أخوات من الأم في النسب فإنه يكون له أخوات من الأم في الرضاع، وكذلك يكون للإنسان أخوات من الأب في النسب ويكون له أخوات من الأب في الرضاع، ويكون له أخوات شقيقات في النسب، ويكون له أخوات شقيقات في الرضاع. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 8 ضابط الطاهر والنجس في الجلود السؤال ما هو الضابط في استخدام الجلود سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم، وسواء كانت مدبوغة أو غير مدبوغة؟ الجواب أما جلود ما يحل بالذكاة فإنها طاهرة؛ لأنها صارت طيبة بالذكاة، كجلود الإبل والبقر والغنم والظباء والأرانب وغيرها، سواء دبغت أم لم تدبغ، وأما جلود غير المأكول كجلود الكلاب والذئاب والأسود والفيلة وما أشبهها فإنها نجسة، سواء ذبحت أو ماتت أو قتلت؛ لأنه وإن ذبحت لا تحل ولا تكون طيبة، فهي نجسة، وسواء دبغت أم لم تدبغ على القول الراجح؛ لأن القول الراجح: أن الجلود النجسة لا تطهر بالدباغ إذا كانت من حيوان لا يحل بالذكاة، أما جلود ما يموت قبل أن يذكى مما يؤكل لحمه فإنها إذا دبغت صارت طاهرة، وقبل الدبغ هي نجسة، فصارت الجلود الآن على ثلاثة أقسام: القسم الأول: طاهر، دبغ أم لم يدبغ، وهو جلود الحيوان المذكى إذا كان يؤكل. القسم الثاني: جلود لا تطهر لا بعد الدبغ ولا قبل الدبغ، فهي نجسة، وهي جلود ما لا يؤكل لحمه. القسم الثالث: جلود تطهر بعد الدبغ ولا تطهر قبله، وهي جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت بغير ذكاة. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 9 المسافر إذا صلى خلف إمام مقيم السؤال صلاة المسافر خلف الإمام المقيم، هل له القصر أم يجب عليه الإتمام؟ وما هو حكم من قصر خلف إمام مقيم خمس صلوات؟ الجواب الواجب على المسافر إذا صلى خلف الإمام المقيم أن يتم، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون خلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في الحج في منى، فكان يصلي بهم أربعاً فيصلون معه أربعاً؛ ولأن ابن عباس رضي الله عنهما سئل: عن رجل مسافر يصلي وحده ركعتين ومع الإمام أربعاً، قال: [تلك هي السنة] . وهذا واضح إذا ما دخل المسافر مع الإمام من أول الصلاة، لكن لو أدرك معه الركعتين الأخيرتين فهل يسلم؛ لأنه صلى ركعتين وفرضه ركعتان أو يأتي بما بقي؟ نقول: يأتي بما بقي، فيتم أربعاً لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ؛ ولأن المأموم في هذه الحال ارتبطت صلاته بالإمام فلزم أن يتابعه حتى فيما فاته. وأما من فعل ذلك فيما سبق، فكان يصلي ركعتين خلف إمام مقيم، فإنه يجب عليه إعادة ما صلاه فوراً متتابعة، وليس كما يفهمه بعض العوام أن الإنسان إذا كان عليه صلوات متعددة صلى كل صلاة في وقت مثلها، يعني: إذا فاته خمس صلوات -مثلاً- فإنه يصلي الظهر مع الظهر، والعصر مع العصر، والمغرب مع المغرب، والعشاء مع العشاء، والفجر مع الفجر، وليس الأمر كذلك؛ بل صلها تباعاً في آن واحد. فيجب على الإنسان الذي قصر مع إمام مقيم أن يعيد تلك الصلوات ولو كان لا يعلم؛ لأنه لو كان يعلم لأثم، أما الآن فيسقط عنه الإثم لأنه لا يعلم، لكن ذمته تكون مشغولة بما فاته من الصلوات، فعليه أن يتحرى عدد الصلوات التي صلاها ويجتهد في ذلك ويعيدها. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 10 السنة في دخول الرجل على أهله ليلة العرس السؤال ما هو ضابط السنة في الدخول على الأهل ليلة الفرح؛ لأنه أشكل على كثير من الناس أنه يقرأ سورة البقرة ويصلي، وهذه عادة منتشرة الآن عند كثير من الناس؟ الجواب إذا دخل الرجل على زوجته أول ما يدخل فإنه يأخذ بناصيتها -يعني: مقدم رأسها- ويقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ولكن إذا كان يخشى أن المرأة تنزعج إذا أخذ بناصيتها وقال هذا الدعاء؛ فإن بإمكانه أن يأخذ بناصيتها كأنما يريد أن يقبلها، ويقول هذا الذكر بينه وبين نفسه من غير أن تسمع، يقول بلسانه وينطق به لكن من غير أن تسمع لئلا تنزعج، وإذا كانت المرأة طالبة علم تعرف أن هذا مشروع فلا حرج عليه أن يفعل ويسمعها إياه. وأما صلاة ركعتين عند دخوله الغرفة التي فيها الزوجة فقد ورد عن بعض السلف أنه كان يفعل ذلك، فإن فعله الإنسان فحسن وإن لم يفعله فلا حرج عليه، وأما قراءة البقرة أو غيرها من السور فلا أعلم له أصلاً. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 11 حكم العرضات الشعبية السؤال ما حكم العرضة الشعبية التي يتخللها الزير والشعر النبطي الذي لا يخلو من الهجاء والغزل والمدح والذم، جزاكم الله خيراً؟ الجواب العرضة الشعبية إذا لم يكن لها سبب فإنها من العبث واللهو، وإذا كان لها سبب كأيام العيد فإنه لا بأس به، لا بأس أن يلعب الناس بالسيوف والبنادق وما أشبهها، وأن يضربوا بالدف، أما الطبل والزير والأغاني التي تتضمن الهجاء والسب فهي محرمة ولا يجوز للإنسان أن يحضر مثل هذه العرضات، ويجب النهي عنها ونصيحة الناس بعدم حضورها؛ لأن مجالس المنكر إذا حضرها الإنسان شاركهم في الإثم وإن لم يفعل، لقول الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140] . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 12 من أحكام سجود السهو السؤال إذا كان الإمام يصلي الظهر وأتى بركعة خامسة فهل يسجد للسهو قبل السلام أو بعد السلام؟ وهل على المأمومين الذين فاتتهم بعض الركعات أن يسجدوا مع الإمام أم يقضوا ما فاتهم، جزاك الله خيراً؟ الجواب نعم. إذا زاد الإمام في صلاته ركعة مثل أن يصلي الظهر خمساً فإن عليه أن يسجد للسهو، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما سلم قالوا له: يا رسول الله! أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه، واتجه إلى القبلة وسجد سجدتين) . وعلى هذا فنقول: إذا زدت في صلاتك ركعة كخامسة في رباعية، ورابعة في ثلاثية، وثالثة في ثنائية؛ فإنك تسجد للسهو بعد السلام، كما يدل عليه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أما المسبوق فإنه لا يسجد مع الإمام إذا كان سجوده بعد السلام؛ لأنه لا يمكنه متابعة الإمام، إذ أن الإمام سوف يسلم، وهذا المسبوق لن يسلم فيقوم المسبوق، ثم إن كان السهو الذي سجد من أجله الإمام قبل أن يدخل معه هذا المسبوق فلا سجود عليه، وإن كان السهو الذي سجد من أجله الإمام بعد أن دخل هذا المسبوق معه فإنه إذا سلم من صلاته -أعني: المسبوق- سجد سجدتين. واعلم أن السجود بعد التسليم لا بد فيه من السلام بعد السجدة الثانية. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 13 حكم الاقتصار على توحيد الربوبية في الدعوة السؤال ما حكم من يقتصر في دعوته للناس على توحيد الربوبية ولا يتكلم عن أنواع التوحيد الأخرى، ويتكلم في فضائل الأعمال، وعندما يناقش في ذلك يقول: الناس لا يستفيدون من كلامكم في التوحيد، ونحن نريد أن ندل الناس على الحسنات، ونريد أن ندل الناس على أبواب الخير، فما قولكم في هذا؟ الجواب الذي يقتصر على تقرير توحيد الربوبية دون توحيد الألوهية والأسماء والصفات لا شك أنه قاصر أو مقصر، فتوحيد الربوبية لا يغني عن توحيد الألوهية، ولو كان يغني عن توحيد الألوهية لم يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في عهده؛ لأن المشركين في عهده كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] وقال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38] فهم يقرون بالربوبية ويعلمون أن الله عز وجل رب واحد لا شريك له، لكن لا يقرون بتوحيد الألوهية، فكانوا يقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] . فلا بد من تقرير توحيد الربوبية، وتقرير توحيد الألوهية، وتقرير توحيد الأسماء والصفات عند الحاجة إليه. لا بد من هذا. وفضائل الأعمال لا شك أن ذكرها يثير النفس ويرغبها في الأعمال الصالحة، لكن إذا كان الإنسان لديه أعمال صالحة، وكان مخلاً بالتوحيد فعلى أي شيء يبني أعماله الصالحة؟! التوحيد هو الأساس، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: (وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ، فلا بد من تقرير وتحقيق توحيد الربوبية وتقرير وتحقيق توحيد الألوهية، أرأيت لو أن شخصاً يؤمن بربوبية الله عز وجل إيماناً كاملاً لكنه يسجد للصنم أو للولي، هل نقول: هذا موحد؟ لا. نقول: هذا مشرك، قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 14 الرد على من يدعي أن توحيد الألوهية أمر محدث السؤال إذا كان الرجل يكره توحيد الألوهية ويقول: إن هذا مما أحدثه محمد بن عبد الوهاب النجدي، فبماذا نرد عليه؟ الجواب نرد عليه بأن نقول: هل محمد بن عبد الوهاب النجدي قبل القرآن، أم بعد القرآن؟ سيقول: بعد القرآن قطعاً؛ فنقول له: القرآن كله مملوء بتحقيق توحيد الألوهية، ونسرد له بعض الآيات في ذلك: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] . والآيات في هذا كثيرة، والقرآن مملوء بها، إذاً: القرآن هو الذي دعا إلى توحيد الألوهية وأوجبه وألزم الناس به. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 15 حكم من يذهب إلى الجهاد ويترك طلب العلم السؤال كثيراً ما نرى شباباً يذهبون إلى الجهاد، ثم إذا عادوا يندمون على أنهم لم يطلبوا العلم الشرعي، فما توجيهكم للذين يريدون الذهاب للجهاد حديثاً؟ الجواب الإنسان طبيب نفسه، وقد نقول للشخص: الأفضل أن تتفرغ لطلب العلم، ونقول لآخر: الأفضل أن تذهب إلى الجهاد. إذا كان للإنسان رغبة في طلب العلم، وكان وعاءً للعلم: عنده حافظة، وفهم، وذكاء، وهو في الجهاد ليس بذاك، إنسان جبان، إنسان ضعيف البدن، فهنا نأمره بطلب العلم الشرعي، وعلى العكس من ذلك، لو كان رجلاً قوي البدن، شجاعاً، مقداماً، عارفاً بآلات الحرب، لكن في العلم ضعيف الذاكرة، قليل الفهم، فهنا نقول له: اذهب إلى الجهاد، وإذا كان هناك رجل ذكي حافظ قوي البدن لكنه يلحقه ملل وكسل في طلب العلم وعنده رغبة في الجهاد نقول له: جاهد. فالإنسان طبيب نفسه، وكل إنسان يمكن أن نخاطبه بشيء غير الذي نخاطب به الرجل الآخر حسب ما يليق بحال كل واحد. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 16 حكم مصارعة الثيران السؤال في بعض البلاد تقام في المناسبات وباجتماع كثير من الناس مصارعة بين الثيران، ويأخذ صاحب الثور الفائز مبلغاً من المال، فهل في هذا العمل محذور شرعي؟ والمال الذي يأخذه صاحب الثور هل يحل له أخذه؟ الجواب إذا كان في المصارعة بين الثيران ضرر على الثور فإنها حرام؛ لأنه لا يجوز أن نؤذي الحيوان أو أن نشق عليه، وإذا لم يكن بها ألم فإنها عبث ولهو لا خير فيها ولا فائدة منها، وهي مضيعة للوقت، وشراء الثيران من أجل هذه المصارعة إضاعة للمال، وأما إن كانت المصارعة على عوض فإنها حرام بكل حال. فصار الآن الحكم في مصارعة الثيران: إن كانت تضر الثيران فهي حرام، أو بعوض فهي حرام، وإذا لم تكن كذلك فهي مضيعة للوقت مضيعة للمال، فلا يليق بعاقل أن يفعلها، وكذلك ننصح إخواننا الذين تروق لهم هذه المصارعة ويضيعون عليها أوقاتاً طويلة في مشاهدتها في التلفزيون نقول لهم: إن الوقت أغلى من أن يفنى في هذا العبث الذي لا خير فيه. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 17 معنى حديث: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري) السؤال ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله عن الله عز وجل: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري) هل هذا من أحاديث الصفات؟ الجواب نعم. هذا الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث صحيح نأخذه بظاهره، ولكننا لا نتعرض لكيفيته كسائر الصفات؛ لأن كل ما ورد من صفات الله عز وجل فالواجب على المسلم قبوله واعتقاده، لكن دون تكييف أو تمثيل، فهل نعتقد أن هذا الإزار وهذا الرداء كأرديتنا وأزرنا؟ لا؛ أبداً. يقيناً أنه ليس كذلك، لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . الجزء: 52 ¦ الصفحة: 18 حكم صيام من داعب امرأته فأمذى السؤال صام إنسان صيام تطوع، فداعب امرأته حتى خرج المذي، فماذا عليه؟ الجواب إذا داعب الصائم امرأته في فريضة أو نافلة فنزل منه المذي فإن صومه لا يفسد، لا الفرض ولا النفل، فالصوم صحيح ولا حرج عليه، أما إذا نزل منه المني فإنه يفسد صومه سواء كان ذلك في فريضة أم نافلة، ولا يحل لإنسان أن يداعب زوجته إذا عرف من نفسه أنه ينزل بهذه المداعبة؛ لأن بعض الناس يكون سريع الإنزال، فبمجرد ما يداعب المرأة أو يقبلها مثلاً أو ما أشبه ذلك ينزل، فنقول لهذا الرجل: لا يحل لك أن تداعب امرأتك ما دمت تخشى أن تنزل. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 19 حكم كشف المرأة شيئاً من جسدها أمام النساء السؤال هل يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من صدرها، أو ما يسمى بالضلع أو ذراعيها أو من ساقيها عند النساء؟ الجواب أما الذراعان فلا بأس أن تخرجهما عند النساء، وأما الرقبة فلا بأس أيضاً أن تظهرها عند النساء وكذلك الرأس، ولكننا ننصح نساءنا بنصيحة نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها فنقول: كلما كانت الألبسة أضفى وأستر فهو أنفع لهن، وننهاهن أن يتتبعن ما يكون في هذه المجلات فيصنعن ما يعرض فيها؛ لأن هذا يجر المرأة إلى أن تتشبه بالنساء الكافرات سواء رضيت أم لم ترضَ، وكلما كانت النساء أستر فهو أفضل. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نساء الصحابة كن يلبسن دروعاً -يعني: القمص- تكون ساترة من الكف إلى الكعب، من كف اليد إلى كعب الرجل، وهذا هو الأفضل. والساق لا بأس أن يخرج، لكن لا نقول تلبس ثوباً يصل إلى الركبة؛ لأن هذا يخشى منه؛ لأن النساء يتدرجن حتى ترفع ثيابهن عن ذلك، لكن لو أن امرأة -مثلاً- رفعت ثوبها لتعمل عملاً من الأعمال وأختها تشاهدها فإن ذلك لا بأس به، أما أن يكون الثوب مفصلاً إلى الركبة فلا نرى ذلك بل نرى أنه يكون إلى الكعب. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 20 حكم التكبير أيام العيد بمكبر الصوت السؤال ما رأيكم فيمن يكبر في المسجد بالميكرفون في أيام العيد ويتابعه العامة؟ الجواب نرى أن هذا لا ينبغي؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يكبرون كما يكبرون في الأذان، ما كانوا يقصدون الأماكن المرتفعة ليكبروا عليها، بل كانوا يكبرون في أسواقهم، ومساجدهم، وبيوتهم، ومخيماتهم وفي منى دون أن يتقصدوا شيئاً عالياً يكبرون عليه، فأخشى أن يكون ذلك من باب التنطع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) والتنطع فيه الهلاك -والعياذ بالله- ليسعنا ما وسع السابقين الأولين. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 21 حكم ضم فصلين مختلفي المرحلة في فصل واحد السؤال في بعض المناطق التعليمية يحدث في القرى أن تضم الفصول بعضها إلى بعض، يعني: يضم الصف الأول مع الصف الثاني، فيحمل المدرس مسئولية أكبر مما يحمَّل مدرس آخر، فما الضابط في هذا الأمر؟ الجواب هذا لا يمكن بارك الله فيك؛ لأن مقرر هؤلاء غير مقرر أولئك، فلا بد أن يحصل خلل ونقص، ثم إني أجزم بأن الوزارة لا ترضى بهذا؛ لأن معنى هذا أن الرجل سوف يسقط عن نفسه نصف الحصص، إذا كانت الفصول متساوية، فالواجب أن يدرس كل فصل على حدة، حتى لو لم يكن في الفصل إلا طالب أو طالبة. وإذا كانت الوزارة هي التي تقرر ذلك لقلة عدد الطلاب أو لشيء تراه فهذا لها، لكن كلامي فيما إذا كان الأمر على خلاف نظام وزارة المعارف فإنه لا يجوز، وعلى كل حال فهذه المشكلة حلها عند وزارة المعارف وليس عندي. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 22 الأضحية عن الميت السؤال ما حكم الأضحية عن الميت؟ الجواب الأضحية عن الميت إذا كان قد أوصى بها فإنه يضحى بها عنه، وإذا كان لم يوص بها فالدعاء له أفضل من أن يضحى له، فالمشروع أن الأضحية عن الأحياء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، وأنت إذا ضحيت بالشاة عنك وعن أهل بيتك ونويت بها كل أهل بيتك وأقاربك الذين ماتوا فلا بأس؛ لأنهم يدخلون في العموم، وأما تخصيص الميت بأضحية تبرعاً من عندك فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يضح النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجته خديجة رضي الله عنها مع أنها من أحب النساء إليه، ولم يضح عن عمه حمزة رضي الله عنه مع أنه من أحب الناس إليه، ولم يضح عمن مات من أقاربه وبناته، فدل ذلك على أن هذا ليس بمشروع، ولكن لو أن إنساناً فعل فإننا لا نعيبه، بل نرشده إلى ما هو أفضل وهو الدعاء للميت. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 23 صلاة العيد وقضائها السؤال هل صلاة العيد فرض عين أم فرض كفاية؟ وإذا فات الإنسان صلاة العيد هل يقضيها أم لا؟ الجواب الذي يظهر أن صلاة العيد فرض عين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وإذا فاتته فإنه لا يقضيها؛ لأنه لم يرد قضاؤها بخلاف الجمعة، فإنها إذا فاتته يقضيها، لكن لا نقول يقضي نفس الصلاة، وإنما يصلي ظهراً؛ وذلك لأن هذا الوقت وقت صلاة إما جمعة وإما ظهر، فإذا فاتته الجمعة فإنه يصلي الظهر، أما العيد فإنه إنما يشرع على وجه الاجتماع، إن أدركت هذا الاجتماع فصل وإن لم تدركه فلا تصل. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 24 حكم من جامع أو احتلم ولم ينزل السؤال رجل أجرى عملية -أكرمكم الله- في ذكره، فصار إذا جامع زوجته لا ينزل في نفس الوقت، ويقول: أحتلم أحياناً في الليل ولا أنزل، فهل يجب عليه الغسل أم لا؟ الجواب أما إذا جامع زوجته فإن عليه الغسل وعليها أيضاً، سواء أنزل أم لم ينزل؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) ومعنى جهدها أي: جامعها، وفي لفظ لـ مسلم (وإن لم ينزل) . وأما إذا كان باحتلام، يعني: احتلم أنه جامع ولكن لم ير شيئاً فإنه لا غسل عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم سليم رضي الله عنها حين سألته: (هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء) فاشترط صلى الله عليه وسلم لوجوب الغسل أن ترى الماء. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 25 اقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور السؤال ما حكم اقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور؟ الجواب اقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور لا بأس به؛ لأن الرجل إنما اقتناها لما فيها من الفائدة وليس من أجل الصور، أما المجلات التي أصدرت من أجل الصور وتقتنى من أجل الصور، فإن هذه حرام لا يحل اقتناؤها؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 26 حكم البيع بالتقسيط مع عدم ملكية البائع للسلعة عند البيع السؤال ما حكم شراء الأراضي عن طريق شركة الراجحي، وإذا كانت لا تجوز فما هو وجه الشبهة في ذلك؟ الجواب إذا كانت الأراضي عند البائع وجاء إنسان يشتري منه أرضاً نقداً فيقول البائع: بعتها عليك بعشرة آلاف، ثم جاء إنسان آخر يشتري أرضاً مثلها لكن ليس معه دراهم فقال صاحب الأرض: أنا أبيع عليك هذه الأرض باثني عشر ألفاً مؤجلة مقسطة، فهذا لا بأس به؛ لأن الأرض عنده، أما إذا قال: أنا أريد شراء أرض وليس عندي دراهم، فأذهب إلى التاجر وأقول: اشتر الأرض لي، ثم بعها عليَّ مقسطة بأكثر مما اشتريتها به فهذا حرام؛ لأن هذا حيلة على الربا، لأن هذا التاجر لو أنك ما أتيت إليه ما اشترى الأرض، فيكون كأنه أقرضك قيمتها بزيادة والقرض بزيادة ربا. (كل قرض جر منفعة فهو ربا) ، وهذا القرض جر للمقرض منفعة وهو زيادة الثمن، فهذا حرام وهو من التحايل على محارم الله عز وجل. وأما قول التاجر: لو أنَّ هذا الذي اشترى الأرض رجع في شرائه لقبلت أنا الأرض، فهذه كلمة -كما يقولون- من باب ذر الرماد في العيون؛ لأنه من المعلوم أنه قد احتاج الأرض وجاء يتوسل إليك أن تشتريها له ثم تبيعها عليه من المعلوم أنه لن يرجع فهو محتاج لها، فإذا قدر أنه رجع واحد من عشرة آلاف فليس هذا بعبرة، على أني سمعت أن الذي يرجع بعدما يشتري التاجر يكتب في القائمة السوداء بحيث أن التاجر لا يعامله بعد ذلك، وهذا كالتهديد له إن رجع، فسوف يقبل على كل حال. فصارت المسألة فيها تفصيل: إن كانت السلعة عند البائع في الأصل قبل أن تأتيه فلا بأس أن يبيعها عليك بأكثر مما تساوي اليوم بثمن مقسط، وإن لم تكن عنده بل اشتراها من أجلك ثم باعها عليك بزيادة فلا يجوز. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 27 حكم الائتمام بالمسبوق السؤال ما حكم الائتمام بالمسبوق؟ الجواب يعني: الائتمام بالمسبوق في حالة قضاء ما فاته، قال العلماء: إنه لا بأس بذلك، فينتقل هذا المأموم من ائتمام إلى إمامة، لكن مع هذا لا ننصح بذلك: أولاً: لأنه لم يرد عن الصحابة أن الإنسان إذا قضى ما فاته مع الإمام صلاها جماعة. ثانياً: أن بعض العلماء قال: إن هذا لا يصح. فيجتنب هذا من باب الاحتياط الداخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقوله: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) فلا ينبغي فعله حتى وإن قيل بجوازه. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 28 من صور التحايل على أنظمة الدولة السؤال ما رأي الشرع فيما يفعله كثير من الناس من بيع العقار الذي يستلمه من الحكومة لبناء الأرض على شخص آخر مقابل مبلغ من المال، أي: يضع اسم آخر بدلاً عن اسمه يعطيه اسمه مقابل مبلغ من المال؟ الجواب أولاً: إني لا أرى أن تقول لشخص: ما رأي الشرع في هذا؟ لأن الإنسان لا يمكن أن يكون كل ما يقوله شرعاً، قد يخطئ إنسان، فأنت إما أن تقول: ما رأي الشرع في نظركم، وإما أن تقول: ما رأيكم، أو ما تقولون في كذا. نقول في الجواب على هذا السؤال: إذا اشترى إنسان أرضاً شراءً صورياً وذهب إلى كاتب العدل وكتبها باسمه، ثم عرضها على صندوق التنمية، والله تعالى يعلم أن هذه الأرض لشخص آخر غير من قدمها، وكذلك صاحبها يعلم ذلك، وكذلك المزور يعلم ذلك، فهل هذا كذب، أو صدق؟ هو كذب، والكذب حرام، والتحيل على أنظمة الدولة التي لا تخالف الشرع بطرق ملتوية خيانة. إذاً؛ اجتمع في هذا: الكذب، وخيانة الدولة، والتحيل على أنظمتها، وأنظمة الدولة إذا لم تخالف الشرع تجب مراعاتها؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] . فالتحيل على إسقاط أنظمة الدولة كالتحيل على إسقاط شرع الله عز وجل؛ لأن طاعة الدولة فيما ليس بمحرم أمر واجب بإيجاب الله عز وجل، وفهم بعض الناس أو تفاهمهم بأن الدولة لا تجب طاعتها، إلا إذا كان الله قد أمر بهذا الشيء بعينه وهذا الفهم خطأ؛ لأنه إذا كان هذا الشيء قد أمر الله به بعينه صار لزاماً علينا إن كان واجباً أن نقوم به سواء أمرتنا به الدولة أو لم تأمرنا، ونقول: إن الله تعالى لم يأمرك به تفصيلاً لكن أمرك به إجمالاً، فالواجب علينا نحن الرعية الذين في أعناقنا بيعة لولاة أمورنا أن نطيعهم إلا في المعصية. لو قالوا مثلاً: نزلوا ثيابكم إلى أسفل الكعبين، قلنا: لا. لو قالوا: احلقوا لحاكم. قلنا: لا. لو قالوا لنا: اقطعوا أرحامكم. قلنا: لا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 52 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [53] تكلم الشيخ رحمه الله في هذا اللقاء عن تفسير آيتين من سورة الأعلى وهما قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) فتحدث الشيخ عن الفلاح، وقال: هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المهروب، كما تحدث عن التزكية، وأن قوله تعالى: (وذكر. ) أي: ذكر اسم الله تعالى بالتعبد له فصلى، وذكر أمثلة على ذلك. ثم أجاب فضيلته عن أسئلة الحضور. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الأعلى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والخمسون من اللقاء المسمى بلقاء الباب المفتوح، وهو اللقاء الرابع لشهر شوال عام (1414هـ) ، ونتكلم يسيراً على ما تبقى من سورة الأعلى. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى) قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15] . (أفلح) مأخوذ من الفلاح. والفلاح: كلمة جامعة، وهو: الفوز بالمطلوب والنجاة من المهروب، فهي كلمة جامعة لكل خير، دافعة لكل شر، وقوله: {مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] مأخوذ من التزكية وهو التطهير، ومنه سميت الزكاة زكاة؛ لأنها تطهر الإنسان من الأخلاق الرذيلة؛ أخلاق البخل والشح، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103] . إذاً: {تَزَكَّى} [الأعلى:14] أي: تطهر، ومن أي شيء يتزكى؟ أولاً: من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد الله مخلصاً له الدين، لا يرائي، ولا يسمِّع، ولا يطلب جاهاً ولا رئاسة فيما يتعبد به الله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجه الله والدار الآخرة، تزكى في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا يبتدع في شريعته، لا في الاعتقادات ولا الأقوال ولا الأفعال، وهذا التزكي بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو اتباعه من غير ابتداع، لا ينطبق تماماً إلا على الطريقة السلفية طريقة أهل السنة والجماعة، الذين يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على الطريقة السلفية، الذين لا يبتدعون في العبادات القولية ولا العبادات الفعلية شيئاً في دين الله. تجدهم يتبعون ما جاء به الشرع ويقفون عند حدود ذلك، خلافاً لما يصنعه بعض المبتدعة في عباداتهم كالأذكار المبتدعة، إما في نوعها وإما في كيفيتها وصفتها، وإما في أدائها، كما يفعله بعض أصحاب الطرق من الصوفية وغيرهم. كذلك يتزكى الإنسان في معاملة الخلق، بحيث يطهر قلبه من الغل والحقد على إخوانه المسلمين، فتجده دائماً طاهر القلب يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، لا يرضى لأحدٍ أن يمسه سوءاً، بل يود أن جميع الناس سالمون من كل شر، موفقون لكل خير، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة، ومن ذلك: إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) . فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين، وهذا شيء مشاهد، فلو أن رجلاً مرَّ بك ولم يسلم عليك لصار في نفسك شيء منه، وإذا لم تسلم عليه صار في نفسه شيء منك، لكن لو سلمت عليه أنت أو سلم عليك هو لكان ذلك الرباط بينكما، وذلك مما يوجب المودة والمحبة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حثه على إفشاء السلام: (وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وأكثر الناس اليوم إذا سلم يسلم على من يعرف، وأما من لا يعرفه فلا يسلم عليه، وهذا خطأ؛ لأنك إذا سلمت على من تعرف دون غيره لم يكن السلام خالصاً لله، ولكن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبة المسلمين لك، وذلك من تمام الإيمان الموصل إلى الجنة، جعلنا الله وإياكم من أهلها. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وذكر اسم ربه فصلى) قال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] أي: ذكر اسم الله تعالى بالتعبد له فصلى، ويدخل في ذكر اسم الله: الوضوء مثلاً، فالوضوء من ذكر اسم الله: أولاً: لأن الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالاً لأمر الله. ثانياً: أنه إذا ابتدأ وضوءه قال: باسم الله، وإذا انتهى قال: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) . ومن ذكر الله عز وجل: خطبة الجمعة؛ فإن خطبة الجمعة من ذكر الله؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] وعلى هذا فقوله: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّه} [الأعلى:15] تشمل الخطيب يوم الجمعة، وقوله {فَصَلَّى} [الأعلى:15] أي: صلاة الجمعة وغيرها، فهذه الآية تشمل كل الصلوات التي يسبقها ذكر، وما من صلاة إلا ويسبقها ذكر في الغالب؛ حيث يتوضأ الإنسان قبيل كل صلاة فيذكر اسم ربه، ثم يصلي بعد ذلك. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 53 ¦ الصفحة: 5 التفصيل في حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم السؤال ذكرتم في بعض دروسكم أن الذي يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه فإنه يكفر وله توبة ولكن مع القتل أخذاً بثأر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذاً بثأر أصحابه رضي الله عنهم، فإذا كان هذا الشاتم في زمن غفلة ومعصية ولكن لا يزال مسلماً فهل يطبق عليه حكم القتل بعد أن تاب وأناب وندم على ما فعل كما كان الحال مع الصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه، وقصة شتمه للنبي صلى الله عليه وسلم معروفة، نرجو التوضيح والله يحفظكم؟ الجواب يقول السائل: ذكرتم في بعض دروسكم أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحداً من أصحابه فإنه يكفر ويقتل، والأمر ليس كذلك، إنما الصواب: أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي يكفر، أما من سب أحداً من الصحابة فلا يكفر، لكن لو سب الصحابة عموماً أو سبهم إلا نفراً قليلاً فإنه يكفر، لكن الكلام الآن وموضوع الإجابة سيكون عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم. فنقول: إذا سب الرسول فإنه يكفر، سواء كان جاداً أو مازحاً أو مستهزئاً، فإنه يكفر لقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] ولكن إذا تاب تقبل توبته؛ لقوله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] . ولكن هل يسقط عنه القتل؟ الجواب على هذا: فيه تفصيل: إن كان الذي سب الرسول صلى الله عليه وسلم سبه وهو كافر لم يسلم بعد فإنه لا يقتل؛ لعموم قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] . أما إذا كان الذي سب الرسول مسلماً وارتد بسبب سبه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يقتل مع قبول توبته؛ أخذاً بالثأر للرسول صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل: إنه قد وجد أناس سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل توبتهم ولم يقتلهم. قلنا: نعم. هذا صحيح، لكن الحق في القتل لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا عفا عنهم في حياته فالحق له، إن شاء قتلهم وإن شاء لم يقتلهم، لكن بعد موته لا نستطيع معرفة إن كان الرسول سيعفو عنهم أم لا، فإذا كانوا مستحقين للقتل بسبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق آدمي، ولم نعلم أنه عفا عنهم، فإن الواجب قتلهم. ثم إن في قتلهم مصلحة وهو كف ألسنة غيرهم عن سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أما هم فقد قبل الله توبتهم إذا كانت توبتهم نصوحاً، وأمرهم إلى الله، وإذا لم يقتلوا اليوم ماتوا غداً، وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة. ويرى بعض العلماء أنه إذا تاب فلا تقبل توبته ويقتل كافراً، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد، قال في زاد المستقنع: ولا تقبل توبة من سب الله أو رسوله، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الصواب: أن التوبة مقبولة متى صدرت على الوجه الصحيح، لكن إن كان سب الله فإنه لا يقتل، وإن كان قد سب الرسول فإنه يقتل، ولعلكم تتعجبون فتقولون: أيهما أعظم: سب الله، أم سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟!! الجواب: سب الله أعظم بلا إشكال، إذاً فلماذا إذا تاب من سب الله قبلنا توبته ولم نقتله، وإذا تاب من سب الرسول قبلنا توبته وقتلناه؟ لأن من سب الله وتاب تاب الله عليه، وقد أخبر الله تعالى عن نفسه أنه يسقط حقه فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] فنحن نعلم أن الله تعالى قد عفا عنه بتوبته من سب الله، أما من سب الرسول فلا نعلم أن الرسول عفا عنه، وحينئذٍ يتعين قتله. هذا وجه الفرق بينهما. وذهب بعض العلماء: إلى أن من سب الله أو رسوله ثم تاب قبلت توبته ولم يقتل، فصارت الأقوال في المسألة ثلاثة، أرجحها أن توبته تقبل ويقتل. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 6 حكم الطواف بالقبور وعبادتها من دون الله السؤال في كثير من البلاد الإسلامية هناك أضرحة يطاف حولها وتعبد من دون الله، وفي بعض القرى هناك أضرحة رئيسية يطاف حولها يومياً، وفي بعض القرى هناك نحو تسعة وتسعين ضريحاً، وهذه يحج إليها ويطاف بها، وذكر أحد إخواني أنه طاف بها منذ صلاة الفجر إلى صلاة الظهر حتى أكمل الطواف، وفي هذه القرى مساجد تقام فيها الصلوات، ومع ذلك بلغتهم دعوة التوحيد، فما حكم هذه الصلوات؟ وما حكم هذه العبادات؟ الجواب من طاف بالأضرحة -يعني: القبور- يدعو صاحب القبر، ويستغيث به، ويستنجد به، فهو مشرك شركاً أكبر، وقد قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] وإذا صلى هؤلاء في المساجد وهم مصرون على هذا الشرك -أعني: دعاء أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم- فإن صلاتهم لا تقبل منهم ولا تنفعهم عند الله، لقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] . لكن الواجب على أهل العلم في تلك البلاد أن يكثفوا الدعوة، والذهاب إلى هؤلاء لبيان الحق لهم، وألا ييئسوا من روح الله، وإذا كان لا يمكن أن ندعوهم جهاراً على سبيل العموم؛ لأن من الناس من يقول: لو ذهبت إلى هؤلاء العامة وأدعوهم وأقول لهم: إن عملكم هذا شرك ربما يقتلونني، فإنه من الممكن أن يختار من زعمائهم من يختار، ويدعوه إلى بيته أو يزوره هو في بيته، ويتكلم معه بهدوء، ويبين له محاسن الإخلاص، ويبين له -أيضاً- أن هؤلاء الموتى لا يستجيبون له، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:5-6] فليكثف الدعوة معهم؛ لأن هؤلاء الذين يترددون إلى الأضرحة ويدعونهم يعتبرون في حكم أهل الجاهلية، فلا بد من دعوتهم وتكثيف الدعوة معهم، ولعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يهديهم على أيدي إخواننا المصلحين. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 7 حكم سؤال الله أن يخرج المهدي السؤال جاءت الأحاديث في السنة وتواترت تواتراً معنوياً تذكر المهدي، ولكن سؤالي من شقين: الشق الأول: المهدي الحقيقي هل يجوز لنا سؤال الله سبحانه وتعالى أن يخرج فينا المهدي؟ الشق الثاني: كلمة "المتنظر" جاءت في كتابات إسلامية للمتأخرين تذكر المهدي المنتظر، فهل لهذا أصل؟ وجزاك الله خيراً. الجواب المهدي وردت فيه أحاديث انقسمت إلى أربعة أقسام: أحاديث موضوعة مكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحاديث حسنة، وأحاديث صحيحة بغيرها. والصحيح أنه سيخرج إذا اقتضت حكمة الله عز وجل خروجه، حين تملأ الأرض جوراً وظلماً، وانتبهوا لكلمة (تملأ الأرض) أي: لا يبقى عدل ولا إحسان، فإذا ملئت الأرض جوراً وظلماً ولم يبق عدل ولا إحسان حينئذٍ يبعث الله سبحانه وتعالى المهدي، يبين للناس الحق ويدعوهم إليه، ويهديهم الله عز وجل على يديه، هذا هو الصحيح المعتقد عندنا، وللشيخ عبد المحسن العباد محاضرة في مجلة الجامعة الإسلامية أيام كان الشيخ عبد العزيز بن باز رئيساً للجامعة، وهي محاضرة قيمة أحيل الأخ السائل عليها، حتى يتبين له حكم خروج المهدي. أما كلمة "المهدي المنتظر" فهذا هو مهدي الرافضة الذي يدعون أنه في سرداب في العراق، وأنه حي، وأنه ينتظر الفرج، وأنه سوف يخرج، وجهالهم -كما نقل عنهم السفاريني رحمه الله- يخرجون في صباح كل يوم عند هذا السرداب ومعهم فرس ورمح وماء وعسل وخبز، كل يوم يقولون: ننتظر خروجه في هذا الصباح، من أجل أن يفطر بالخبز والماء والعسل، ثم يركب الفرس برمحه ويخرج إلى الناس يقاتل الظلمة؛ لأن عندهم أو كثير منهم أن كل الناس ظالمون، حتى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ظلمة في رأيهم، يقولون: إنهم ظلموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخذوا منه الخلافة واغتصبوها منه، فهم ظلمة وليسوا خلفاء، الخليفة المستحق للخلافة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومن العجب أن رأيت للشهرستاني في كتاب الملل والنحل قولاً عجباً قال: إن أبا بكر وعمر ظلمة، وإن علياً ظالم أيضاً؛ لأنه لم يأخذ بالثأر لنفسه. نسأل الله العافية! صار هؤلاء عند الشرذمة ظلمة! لكن عامة الرافضة لا يقولون بهذا، يقولون: إن أبا بكر وعمر كانا ظالمين مغتصبين للخلافة، وأن علي بن أبي طالب هو الخليفة. ولا شك أن قولهم هذا مرفوض بقول علي بن أبي طالب نفسه، فإنه صح عنه بالنقل المتواتر أنه قال على منبر الكوفة: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] . يعلنها رضي الله عنه وهذا هو تمام الإنصاف وتمام الحق والعدل منه رضي الله عنه، لكن من يدعون أنهم أتباعه خالفوا طريقه في هذا، وهو قد بايع أبا بكر وبايع عمر وآزرهما، وكان معهما، بل بايع عثمان رضي الله عنهما، وهذا معروف في السير والتاريخ، فإرداف كلمة (المنتظر) بكلمة (المهدي) هذه مأخوذة عن الرافضة. ونحن نقول: إن هذا المهدي -أعني: مهدي أهل السنة لا مهدي الرافضة - سوف يخرج إذا اقتضت حكمة الله تعالى ذلك، بحيث تملأ الأرض ظلماً وجوراً، والذي يقول: اللهم أخرجه، فيه رائحة من الرفض؛ لأنه يعتقد الآن أن الأرض مملوءة ظلماً وجوراً، والأرض الآن -والحمد لله- ليست مملوءة ظلماً وجوراً، الأرض الآن فيها أناس يحكمون بالعدل، ويقضون بالحق، ويقيمون الشريعة بحسب المستطاع، سواء كانوا من أفراد الشعوب أو من حكام الشعوب، وهذا أمر يعرفه كل واحد، بل إن الناس اليوم ولا سيما الشعوب خير منهم بالأمس. ظهر ولله الحمد فئات متعددة في البلاد الإسلامية كلها تنادي بالإسلام وتناضل من أجله، وتطبق من الإسلام ما استطاعت، فالإسلام الآن ولله الحمد في مستقبل، حتى في الأمم الكافرة كـ أمريكا وفرنسا وانجلترا وغيرها، فيها فئات كثيرة مسلمة تدعوا إلى الإسلام، والآن الإسلام له وزنه حتى في أمريكا في الوقت الحاضر والحمد لله، حتى إن رئيس أمريكا هنأ مسلمي أمريكا بعيد الفطر لهذا العام ومسلمي جميع العالم كما نقل عنه، وهذا يدل على أن الإسلام الآن أصبح له وزنه، وما ذكر من هؤلاء الطغاة -أعني: من طغاة الكفرة- أن الإسلام يهدد البشرية، فهذا من وحي الشيطان، الإسلام يهدي البشرية ولا يهدد البشرية، أي نظام أحسن من دين الله؟! {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] . السائل: بعض المتقدمين من العلماء يطلق (المنتظر) على المهدي؟ الشيخ: لا يصح هذا، نقول: المهدي كما جاء في الحديث فقط، ولا نقول: المنتظر. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 8 حكم المعاملة التي يكون فيها أحد الطرفين غانماً أو غارماً السؤال يوجد عند بعض المكتبات التجارية إعلان يشتمل على أن من يدفع في الشهر مبلغاً معيناً من النقود فإنه يحصل على أمرين: الأمر الأول: يزود بالكتب الجديدة في مواد التخصص كالفقه ونحوه. والأمر الثاني: يعطى بطاقة تخفيض (10%) إذا أتى يشتري. فما حكم ذلك؟ الجواب هذا نوع من الميسر الذي قال الله تعالى فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] والميسر: كل معاملة مبناها على المغالبة؛ إما غانم وإما غارم، هذه القاعدة الشرعية في الميسر، فهذا الرجل الذي يدفع كل شهر خمسمائة ريال -مثلاً- قد يشتري كتباً تكون نسبة التنزيل فيها أكثر من ألف ريال، وقد لا يشتري شيئاً، فإذا فرضنا أنه يشتري كتباً نسبة التخفيض فيها أكثر من خمسمائة ريال صار غانماً وصاحب الدكان غارماً؛ لأنه يخسر، وإن لم يشتر صار صاحب الدكان غانماً وهذا غارماً؛ لأنه دفع خمسمائة ريال ولم يأخذ مقابلاً لها، فهذه المعاملة من الميسر ولا تحل. والحقيقة أن مثل هذه المعاملات فشت الآن كثيراً، فلو فرض -مثلاً- أننا تخلصنا من الربا التي تقوم عليه كثير من البنوك اليوم، في كثير من معاملاتها تورطنا في الميسر، الآن كثرت هذه المعاملات والمغالبات، فإذا قدمنا أن الربا خفف كما هو الآن، اتجه بعض البنوك إلى فتح بعض الفروع إسلامية تتعامل حسب مقتضى الشريعة، تأتينا هذه البلايا في المعاملات وهي بلايا الميسر، فالواجب علينا أن ننتهي عن هذا عن كل معاملة تكون فيها مغالبة، إما غانم وإما غارم. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 9 حكم جمع نيتين في صيام يوم واحد السؤال هل يصح جمع نيتين في صيام يوم واحد، مثل أن يصوم أحد الأيام الست مع يوم واحد من الأيام البيض؟ الجواب العبادات أحياناً تتساقط -أي: يسقط بعضها بعضاً- وهذا فيما إذا علمنا أن المقصود حصول هذه العبادة في هذا الوقت دون النظر إلى ذات العبادة، فمثلاً: إذا دخل الإنسان المسجد فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل المسجد وهو يريد أن يصلي الراتبة فصلى الراتبة سقطت بذلك تحية المسجد؛ لأن المقصود ألا تجلس حتى تصلي وقد صليت، وكذلك لو دخلت والإمام يصلي فإن من المعلوم أنك سوف تدخل مع الإمام وتسقط عنك تحية المسجد. وكذلك لو صام الإنسان أيام الست اكتفى بها عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ولا يبالي في أول الشهر صامها أو وسطه أو آخره) ، وإذا كنت تريد أن تصوم أيام البيض بذاتها فإنك تصوم أيام الست في أول الشهر، ثم إذا جاءت أيام البيض قمت بصيامها؛ لأنك أردت أن يكون صيامك في هذا الوقت المعين، أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإن صيام الأيام الست يجزئ عنها. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 10 حكم السترة ومقدارها السؤال ما حكم السترة وما مقدارها؟ الجواب السترة في الصلاة سنة مؤكدة إلا للمأموم، فلا يسن له اتخاذها اكتفاء بسترة الإمام. وأما مقدارها فقد جاء في الحديث: (إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم) وجاء في الحديث الآخر الذي رواه أبو داود بإسناد حسن: (فإن لم يكن فليخط خطاً) . قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن، فالحديث ليس فيه علة توجب رده. فنقول: أقلها خط وأعلاها مثل مؤخرة الرحل، وهي سنة في حق الإمام والمنفرد لا في حق المأموم. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 11 مدى صحة قول القائل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أشرف خلق الله السؤال هناك أحد الأساتذة في الجامعة يقول: إن قولنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أشرف خلق الله) لا يصح، وإن هذا من عبارات التصوف، واستدل بقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] يقول: إننا لا نحصي خلق الله تعالى حتى ندعي أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو من أشرفها؟ الجواب المشهور عند كثير من العلماء إطلاق هذه العبارات أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق كما قال الناظم: وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق لكن الأحوط والأسلم أن نقول: محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأفضل البشر، وأفضل الأنبياء، أو ما أشبه ذلك اتباعاً لما جاء به النص، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أنه جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق مطلقاً في كل شيء. وأما الاستدلال بالآية: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] ففي غير محلة؛ لأن هذه الآية في المركوبات قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] أي: مما تركبون، وهو -أيضاً- يخلق ما لا نعلم من غير ما نركب، لكن الاستدلال بهذه الآية على أن الله يخلق خلقاً خيراً من محمد صلى الله عليه وسلم فيه نظر، إنما الأسلم أن الإنسان في هذه الأمور يتحرى ما جاء به النص. مثلاً لو قال قائل: هل فضل الله بني آدم عموماً على جميع المخلوقات؟ قلنا: لا؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] لم يقل: على كل من خلقنا، فمثل هذه الإطلاقات ينبغي على الإنسان أن يتقيد فيها بما جاء به النص فقط ولا يتعدى. والحمد لله، نحن نعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأشرف الرسل وأفضلهم وأكرمهم عند الله عز وجل، وأدلة ذلك من القرآن والسنة الصحيحة معروفة مشهورة، وأما ما لم يرد به دليل صحيح فإن الاحتياط أن نتورع عنه، أما كون هذه من عبارات الصوفية أو غير الصوفية فلا أدري، لكنه مشهور عند كثير من العلماء، تجدهم يقولون: إن محمداً أشرف الخلق. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 12 حكم قبول الموظف للهدية السؤال شخص يعمل في إحدى المؤسسات ويقوم بعمل جيد يواجه فيه الجمهور، وأحد العملاء المتعاملين معه أهدى له إهداء نتيجة هذا العمل، فهل يقبل هذا الإهداء من باب التشجيع له، أم يرده؟ الجواب إذا كان هذا الرجل الذي أهدى إليه ممن يتعامل معه فلا يقبل الهدية؛ لأنه يخشى أن تكون رشوة، ومعلوم أن الهدية تجلب المودة والمحبة، وأنها تعصف بالإنسان عن اتباع الصراط المستقيم، فيخشى إذا جاءت معاملة من هذا الذي أهداه أن يقدمها على غيرها ولو في المستقبل البعيد، فنرى أن الإنسان الذي يباشر أعمالاً للجمهور أولى به ألا يقبل هدية ممن يتعامل معهم؛ لأنه سوف يحابيه ولو على الزمن البعيد. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 13 قبول توبة من أصيب بمرض لا يرجى شفاؤه السؤال هل تصح التوبة ممن أصيب بمرض لا يرجى شفاؤه؟ الجواب نعم. تصح التوبة من إنسان أيس من حياته إما بمرض لا يرجى شفاؤه كمرض السرطان مثلاً، وإما بتقديمه للقتل كرجل قدم ليقتص منه حتى ولو كان السياف على رأسه، وإما من إنسان محصن زنى واستحق الرجم حتى ولو كانت الحجارة قد جمعت لرجمه، فإنه تصح توبته؛ لأن الله تعالى يقبل توبة الإنسان ما لم يغرغر بروحه، قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17] ومعنى قوله: {يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17] أي: يتوبون قبل الموت، لقول الله تعالى بعد هذه الآية: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ولكن التوبة لا بد لها من شروط خمسة: الإخلاص، والندم على ما فعل، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على ألا يعود في المستقبل، وأن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه، أي: بأن تكون قبل الموت أو قبل طلوع الشمس من مغربها. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 14 حكم التعامل مع البنوك الربوية لتسديد الضرائب من فوائدها السؤال أنا من دولة إرتيريا والحكومة هناك تضطهد المسلمين وتفرض عليهم ضرائب أكثر من دخلهم، فالذي يكسب ألف ريال مثلاً تفرض عليه الحكومة عشرين ألف ريال ضرائب، وعندنا بنوك تتعامل بالربا، فهل يجوز لنا التعامل معها لتسديد تلك الضرائب من فوائدها؟ وهل يجوز لنا أن ندفع الزكاة في سداد هذه الضرائب أم لا؟ أفيدونا مأجورين وجزاكم الله خيراً. الجواب هذان سؤالان، ونجيب أولاً عن السؤال الثاني فنقول: أما دفع الزكاة في هذه الضرائب فلا يجوز، ولا إشكال في ذلك؛ لأن الزكاة لها أهلها المختصون بها، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] . وأما أخذ الربا لدفعه في هذه الضرائب الظالمة فأنا أرى أنه لا يجوز أيضاً؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة:278-279] (رءوس أموالكم) أي: بدون زيادة {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] نعم لو فرض أن عائدات هذه البنوك تعود إلى هذه الحكومة الظالمة فهذا ربما يكون مسوغاً، لأن تأخذ هذا الربا لتدفع الظلم عن نفسك، لأنك سوف تأخذه من الدولة الظالمة لتدفع به ظلمها. أما إذا كانت هذه البنوك لغير هذه الدولة الظالمة فلا أرى جواز الأخذ وإن كان بعض الناس يفتي بأن يأخذه الإنسان لا بنية التملك ولكن بنية توقي صرفه إلى مؤسسات نصرانية؛ لأن بعض الناس يدعي أنك إن لم تأخذ هذا الربا صرفته هذه البنوك في الدعوة إلى النصرانية التي يسمونها التبشير، ولا ندري هل هذا صحيح، أم لا؟ وعلى كل حال فخلاصة جوابي في هذه المسألة: أنه لا يجوز أخذ الربا من البنوك، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:178-279] فنص على رءوس الأموال. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عرفة في حجة الوداع أكبر مجمع للأمة الإسلامية قال: (إن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) فانظر: الآن عقد ربا في حال الشرك وأبطله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز أخذه، ولأن الإنسان لو أخذه فربما تغلبه نفسه ولا يخرجه من ملكه لا سيما إذا كان كثيراً، افرض أن الربا بلغ مليون ريال ربما يأخذه الإنسان وهو يريد أن يتخلص منه لكن تغلبه نفسه فيبقيه، ولأن الإنسان المسلم إذا أخذه اقتدى به غيره؛ لأنهم لا يدرون أن هذا الرجل أخذه ليتصدق به مثلاً، فيأخذه الناس الآخرون ولا يتصدقون به، ولأننا إذا منعنا الناس عن أخذ الربا من البنوك ألجأهم هذا إلى أن ينشئوا بنوكاً إسلامية تكون مبنية على الشريعة الإسلامية. فالذي نرى: أن أخذ الربا لا يجوز بأي حال من الأحوال، إلا أننا نتوقف في هذه المسألة الأخيرة، وهي إذا كانت هذه البنوك الظالمة التي تفرض الضرائب على الناس وأخذ الإنسان من الربا بقدر مظلمته ليدفعه لهذه الدولة الظالمة، فهذا محل توقف عندي، والله أعلم بالصواب. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 15 حكم النذر والوفاء به السؤال نذرت امرأة نذراً إبان أزمة الخليج وقالت: إن نصر الله بلادنا لتذبحن أربع ذبائح وتطبخها وتوزعها، فما الحكم؟ الجواب نقول: أولاً: ننهى هذه المرأة وغيرها عن النذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: (لا يأتي بخير ولا يرد قضاء) والرب عز وجل أكرم من كونه لا يتكرم إلا بجزاء، هو يتكرم عليك سواء نذرت له أو لم تنذر، فكونك إذا أيست من الشفاء من المرض تنذر، أو إذا أيست من قدوم الغائب تنذر، أو إذا أيست من الانتصار تنذر، هذا خطأ وسوء ظن بالله عز وجل، الرب عز وجل أكرم من أن تنذر له ليتفضل عليك، ولكن إذا أنعم عليك فاشكره. ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يأتي بخير) والذي لا يأتي بخير هل يفعله العاقل؟ لا يفعله، ولهذا حرم بعض العلماء النذر وقال: أحرمه؛ لأن الرسول نهى عنه، أحرمه؛ لأن الرسول قال: (لا يأتي بخير) فالإنسان لا ينذر لا لشفاء من مرض، ولا لقدوم غائب، ولا لانتصار طائفة أبداً. لكن إذا ابتلي ونذر فلا بد من الوفاء بالنذر إذا نذر طاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فهذه المرأة عليها أن تذبح أربعاً من الغنم وتطبخها كما نذرت وتوزعها على الفقراء خاصة، وإذا رأت أن من المصلحة أن توزع على الفقراء وهي غير مطبوخة وأن هذا أنفع للفقراء فلتوزعها غير مطبوخة. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 16 نصيحة للإمام الذي يرى من نفسه التقصير وأنه لا يصلح للإمامة السؤال هذا شاب إمام لأحد المساجد وهو كما يقول: محبوب عند جماعة من رواد المسجد، ويعلم في قرارة نفسه أنه مقصر وعنده بعض المعاصي ولا يستحق الإمامة، ولا يستحق هذه المحبة والتقدير من الناس، ويخشى على نفسه إذا هو بقي في المسجد إماماً يخشى على نفسه من النفاق والرياء، فهل يبقى في المسجد -أي: يستمر في إمامة الناس-، أو يترك الإمامة خشية الرياء والنفاق؟ الجواب أقول: إن هذا الشاب الذي وصفته بأنه محبوب عند قومه ولكن عليه إسراف فيما بينه وبين ربه أقول: إن هذا الذي حباه الله به من الإمامة ومحبة قومه له توجب أن ينزع عن الإسراف على نفسه، وأن يحسن العبادة، وأن يشكر الله عز وجل؛ لأن كون الإنسان يكون محبوباً عند قومه وهو إمام لهم نعمة من الله كبيرة، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] إلى أن قال: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] فليحمد الله على هذه النعمة، ولينزع من الإسراف على نفسه، وليجعل هذا من الأسباب التي تعينه على طاعة الله، وليبق في مكانه. وكونه يقول: أخشى من الرياء، فهذه وسوسة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان كلما أراد أن يعمل طاعة، يدخل عليه الشيطان ويقول: أنت مراء، فيجب عليه أن يطرح هذا ويعرض عنه ويستعين بالله عز وجل، فهو دائماً يردد في الصلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] . الجزء: 53 ¦ الصفحة: 17 الجمع بين حديث الذين يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة وأحاديث كفر تارك الصلاة السؤال كيف نوفق بين قوله صلى الله عليه وسلم في أقوام يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة، والأحاديث التي جاءت بكفر تارك الصلاة؟ الجواب يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: إنهم يدخلون الجنة ولم يسجدوا لله سجدة، على أناس يجهلون وجوب الصلاة، كما لو كانوا في بلاد بعيدة عن الإسلام أو في بادية لا تسمع عن الصلاة شيئاً، ويحمل -أيضاً- على من ماتوا فور إسلامهم دون أن يسجدوا لله سجدة، وإنما قلنا بذلك؛ لأن الحديث -الذي ذكرت- من الأحاديث المتشابهة، وأحاديث كفر تارك الصلاة من الأحاديث المحكمة البينة، واتباع المتشابه واطراح المحكم طريقة من في قلوبهم زيغ والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] . ولعله بلغك قصة الأصيرم من بني عبد الأشهل الذي خرج إلى أحد وقتل فوجده قومه في آخر رمق وقالوا: يا فلان! ما الذي جاء بك؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه من أهل الجنة) مع أن هذا الرجل ما سجد لله سجدة، لكن منَّ الله عليه بحسن الخاتمة، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 18 حكم الصلاة لمن سافر بعد دخول الوقت من حيث القصر والإتمام السؤال إذا سافر المسافر بعد دخول وقت الصلاة، أي: أن الوقت دخل عليه وهو في البلد ثم سافر، فهل يقصر، أم يتم؟ الجواب إذا سافر الإنسان بعد دخول الوقت وصلى في مسيره فإنه يقصر صلاته كما أنه لو دخل عليه الوقت وهو في السفر ثم وصل بلده فإنه يتم الصلاة؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بوقتها، فمتى فعل الصلاة في السفر قصرها، ومتى فعلها في الحضر أتمها. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 19 حكم استعمال الجن المسلمين السؤال امرأة تستعمل الجن بحجة أن من تستعملهم هم من الجن المسلمين، وإذا كان هذا لا يجوز فهل يجوز التستر عليها، خاصة إذا علم أنها تابت ولا نعلم صحة توبتها؟ الجواب أحيل السائل في هذا السؤال -أي: في استعمال الجن المسلمين- على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى، وكذلك في كتاب النبوات، وكذلك في إيضاح الدلالة على عموم الرسالة فإنه صرح أنه يجوز للإنسان أن يستعمل الجن الصالحين، كما يستعمل الإنس الصالحين، ويعلم صلاحهم بطريقته، فإذا كانوا لا يستجيبون للإنسان إلا بكفره بأن يذبح لهم مثلاً، أو كانوا لا يستجيبون له إلا بتمكينهم من فعل الفاحشة به، أو كانوا لا يستجيبون له إلا بظلم الناس بإتلاف أموالهم كما لو قالوا له: نحن نأتي لك بإبل فلان مثلاً، فهؤلاء ليسوا صالحين فلا يجوز استعمالهم. لكن إذا كانوا لا يفعلون إلا الخير فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن هذا من الدعوة إلى الخير، والجن مدعوون إلى الخير منهيون عن الشر، كما أن الإنس كذلك، وذكر رحمه الله قصصاً عن الصحابة في هذه المسألة، فارجع إلى كلامه رحمه الله في هذا الموضوع، وأظن أننا في كتابنا العقد الثمين أشرنا إلى مواضع كلامه رحمه الله بالصفحات فارجع إليها بارك الله فيك. نسأل الله أن يجعل لقاءنا هذا لقاءً مباركاً نافعاً إنه على كل شيء قدير. الجزء: 53 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [54] هذا اللقاء هو عبارة عن تفسير آيات من سورة الأعلى تحدث الشيخ عن سبب إعراض الأشقى للذكرى وعدم الانتفاع بها، وبين ما سيلقاه يوم القيامة من عذاب بسبب إعراضه عن الذكرى. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الأعلى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والخمسون من اللقاء المسمى بلقاء الباب المفتوح، ونتكلم على ما تبقى من سورة الأعلى. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ويتجنبها الأشقى) قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} [الأعلى:11] أي: يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هنا اسم تفضيل من الشقاء، وهو ضد: السعادة، كما في سورة هود: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود:107-108] فالأشقى -والعياذ بالله- المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو: البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذي يصلى النار الكبرى) قال تعالى: {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:12-13] الذي يصلى النار الموصوفة بأنها الكبرى وهي: نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم) أي: إن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسع وستين ضعفاً. والمراد: نار الدنيا كلها ليست ناراً مخصوصة بل هي أشد ما يكون من نار الدنيا، فإن نار الآخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، ولهذا وصفها الله بقوله: {النَّارَ الْكُبْرَى} [الأعلى:12] ثم إذا صلاها لا يموت فيها ولا يحيا، المعنى: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع، لكنهم أحياء معذبون {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] كما قال الله عز وجل: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف:77] وهو خازن النار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] أي: يهلكنا ويريحنا من هذا العذاب {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] فيها العذاب المقيم، ويقال لهم: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:78] . هذا معنى قوله: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:13] لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت؟ فيقال: لا يموت فيها ميتة يستريح بها، ولا يحيا حياة يسعد بها، فهو -والعياذ بالله- في عذاب وجحيم وشدة، يتمنى الموت ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى: {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [الأعلى:13] . الجزء: 54 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 54 ¦ الصفحة: 5 امرأة حصلت على الطلاق بأمر المحكمة وزوجها غير راض ٍ السؤال رجل تزوج امرأة ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك. فرفعت أمرها للقضاء -قضاء المحاكم الدستورية في الكويت - وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟ الجواب هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع، والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوض، سواء كان العوض منها أو من أبيها أو من رجل أجنبي. ونحن نقول: أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، أما إذا كان هناك سبب شرعي بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين، فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها ثم يفسخ نكاحها. ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة. فقالت: نعم. يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ أنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها. أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) . وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعياً. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 6 حكم من لا يرى البيعة لولي الأمر السؤال ما حكم من لا يرى البيعة لولي الأمر إن كان يترتب على ذلك خروج؟ الجواب الذي لا يرى البيعة لولي الأمر يموت ميتة جاهلية؛ لأنه ليس له إمام، ومن المعلوم أن البيعة تثبت للإمام إذا بايعه أهل الحل والعقد، ولا يمكن أن نقول: إن البيعة حق لكل فرد من أفراد الأمة، والدليل على هذا: أن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا الخليفة الأول أبا بكر رضي الله عنه ولم يكن ذلك من كل فرد من أفراد الأمة، بل من أهل الحل والعقد، فإذا بايع أهل الحل والعقد لرجل وجعلوه إماماً عليهم صار إماماً، وصار من خرج عن هذه البيعة يجب عليه أن يعود إلى البيعة حتى لا يموت ميتة جاهلية، أو يرفع أمره إلى ولي الأمر لينظر فيه ما يرى؛ لأن مثل هذا المبدأ مبدأ خطير فاسد يؤدي إلى الفتن والشرور. فنقول لهذا الرجل ناصحين له: اتق الله في نفسك، واتق الله في أمتك، ويجب عليك أن تبايع لولي الأمر أو تعتقد أنه إمام ثابت، سواء بايعت أنت أم لم تبايع، إذ أن الأمر في البيعة ليس لكل فرد من أفراد الناس ولكنه لأهل الحل والعقد. السائل: وإذا كان عذره تعدد الولايات الإسلامية، والبيعة تكون للإمام الواحد؟ الجواب: هذا عذر باطل مخالف لإجماع المسلمين، فتعدد الخلافات الإسلامية ثابت من عهد الصحابة رضي الله عنهم، وهي متعددة إلى يومنا هذا، والأئمة من أهل السنة كلهم متفقون على أن البيعة تكون للإمام أو للأمير الذي هم في حوزته، ولا أحد ينكر ذلك، وهذا الذي قاله تلبيس من الشيطان، وإلا فإنه من المعلوم أن طريق المسلمين كلهم إلى يومنا هذا أن يبايعوا لمن كانت له الولاية على منطقتهم، ويرون أنه واجب الطاعة. فنسأل هذا الرجل: إذا كنت لا ترى أن البيعة إلا لإمام واحد على عموم المسلمين، فمعنى ذلك: أن الناس الآن أصبحوا كلهم بلا إمام، وهذا شيء مستحيل متعذر! لو أننا أخذنا بهذا الرأي لأصبحت الأمور فوضى، كل إنسان يقول: ليس لأحد عليَّ طاعة، ولا يخفى ما في هذا القول من المنكر العظيم. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 7 حكم الصلاة في المساجد التي فيها الصور السؤال هناك بعض الرخام المظلل بالأسود والأبيض تزين به جدران المساجد من الداخل، وهو مع الأسف يجلب من دول الشرك والكفر، ولهذا فهو يحتوي على كثير من الصور الظاهرة والمخفية التي تستبين بتدقيق النظر، وهي صور لأشخاص وحيوانات، فما حكم الصلاة في هذه المساجد؟ وحكم وضع هذا الرخام بالمسجد؟ الجواب حكم وضع هذا الرخام الذي تظهر فيه الصور محرم، يعني: أنه محرم أن نضع في مساجد المسلمين رخاماً فيه الصور، ويجب على أهل الحي الذين سترت جدران مساجدهم بهذا أن يطالبوا بإزالتها، فإن لم يمكن فلا يصلوا في هذا المسجد، بل يطلبوا مسجداً آخر، ولهذا امتنع عمر رضي الله عنه من دخول الكنائس؛ لأن فيها صوراً. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 8 من مات بسبب السرعة وحكم مخالفة إشارات المرور السؤال الذي يسير بالسيارة بسرعة تزيد عن مائة وعشرين كيلو متراً في الساعة، أو يقطع الإشارة فيحصل عليه حادث فيموت، أو يموت شخص آخر معه أو في سيارة أخرى، هل يكون هذا القتل عمداً أو شبه عمد؟ وهل يجوز قطع الإشارة إذا كان لا يوجد في جهات أخرى سيارات، أخذاً بالقاعدة الأصولية (الحكم مع علته) ؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب أما مسألة السرعة، فالسرعة لا يمكن أن نحددها بحد معين؛ لأن ذلك يختلف، فهناك فرق بين خط عام سريع وخط خاص، وهناك فرق أيضاً بين شخص يمشي في البر وآخر يمشي في البلد، فالمهم أن السرعة تتقيد بحسب الحاجة إلى التهدئة، ولا يمكن ضبطها. ثم إن السيارات نفسها تختلف، فبعض السيارات إذا زادت فيها على مائة وعشرين تكون مخاطراً، وبعض السيارات تكون سرعتها أوسع من هذا بكثير، فكل مقام له مقال. أما بالنسبة لقطع الإشارة أرى أنه لا يجوز قطع الإشارة؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وولاة الأمر إذا وضعوا علامات تقول للإنسان: قف، وعلامات تقول للإنسان: سر، فهذه الإشارات بمنزلة القول؛ يعني: كأن ولي الأمر يقول لك: قف، أو يقول: سر، وولي الأمر واجب الطاعة، ولا فرق بين أن تكون الخطوط الأخرى خالية أو فيها من يحتاج إلى أن يفتح له الخط. وقد سألت المدير العام للمرور هنا بـ المملكة العربية السعودية وقال: إن هذه الإشارات ليست للتنظيم ولكنها للإيقاف والحجز، وإذا كان كذلك فهذا لا ينطبق عليه ما أشار إليه السائل في قوله: الحكم يدور مع علته وجوده أو عدمه؛ لأن هذا أمر بالإيقاف وليس المعنى: قف! إن كانت الخطوط الأخرى مشغولة، بل المعنى قف نهائياً، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يتجاوز. ثم إنه قد يرى الإنسان الخط غير مشغول، فإذا بإنسان يأتي مسرعاً ليتدارك الإشارة التي ترخص له بالسير فيحصل الحادث كما يقع هذا كثيراً، لذلك نرى أن الواجب الوقوف، والمسألة والحمد لله لا تعدو ثلاث دقائق ثم ينفتح له الخط. أما قولك في أنه قتل عمد أو شبه عمد فليس عمداً ولا شبه عمد. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 9 مجاهدة اليهود في فلسطين السؤال بالنسبة لـ منظمة حماس الموجودة الآن في الأرض المحتلة وما تقوم به من عمليات استشهادية وغيرها ضد اليهود، هل هذا العمل شرعي؟ علماً بأنها قد تكون سبباً في انتقام اليهود بأشد مما قام به أعضاء هذه المنظمة، وكذلك قيامهم ضد دولتهم الجديدة هل هو شرعي؟ الجواب نسمع أنهم يقومون بعمليات ضد اليهود، ونحن نرى أن اليهود أهل غدر وخيانة، ولا يمكن أن يفوا لأحد، وإن تظاهروا بما يتظاهرون به، فوراء هذا التظاهر ما وراءه من الشر، وإذا كانوا لم يفوا بالعهد لأشرف البشر محمد صلى الله عليه وسلم فكيف بمن دونه؟! نفهم أن اليهود أهل غدر وخيانة، وأما عملية حماس أو غيرها فنقول للسائل: إذا كنت مندوباً عنهم فأثبت لنا ذلك ونحن نفتيك إن شاء الله. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 10 ضوابط إمارة الأمير في السفر وحكم مخالفته السؤال إذا تأمر شخص على مجموعة أثناء السفر فما هي ضوابط إمارته عليهم؟ كذلك إذا خالفه أحد أفراد المجموعة أثناء السفر هل يكون آثماً، أم لا؟ الجواب من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسافرين أن يؤمروا عليهم واحداً لئلا تكون أمورهم فوضى، ولابد أن يكون مطاعاً فيما يتعلق بمصالح السفر، أما الأمور الأخرى فلا تلزم طاعته، فمثلاً: لو قال لإنسان من الذين معه: لا تصم وهو يحب أن يصوم يوم الإثنين مثلاً، فلا تلزمه طاعته في ذلك، لكن لو قال: ننزل في هذا المكان الآن لزمه طاعته. وعلى الأمير أن يتقي الله عز وجل وأن يراعي الأمانة، وألا يتصرف إلا في مصلحة القوم، وكما أشرت إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالتأمير إلا ليطاع، حيث لا فائدة من أمير لا يطاع، ويطاع فيما يتعلق بمصلحة السفر خاصة، ومعلوم أننا إذا قلنا يجب طاعته فإنه يأثم من خالفه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 11 كيفية النهي عن المنكر إذا كان علنا ً السؤال إذا كان المنكر علانية فهل ينكر علانية؟ وإذا كان الشخص يجاهر بالفسق ويدعو إلى الفسوق والمعاصي فهل يحذر منه الناس حتى يحذروا من شره؟ الجواب المنكر إذا أعلن فيجب إنكاره علناً، لكن هل يجب تعيين الشخص القائم به؟ هذا ينظر فيه إلى المصلحة، إن اقتضت المصلحة أن نعين الشخص من أجل أن يرتدع عما هو عليه من المنكر فليذكر بعينه، وإذا كانت المصلحة تقتضي أن يعمم القول وأن يقال: يوجد من الناس من يفعل كذا، أو ما بال أقوام يفعلون كذا، أو ما شابه ذلك فهو أحسن، فالمهم أن المنكر إذا أعلن يجب إنكاره علناً، لكن تعيين الفاعل ينظر فيه إلى المصلحة، أما التحذير من هذا الفاعل سراً خوفاً من أن يفتتن به الناس فهذا واجب. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 12 الأشياء التي يبتدئ بها طالب العلم في تعلمه السؤال هناك بعض طلبة العلم يبدءون طلب العلم بكتب الحديث ليس بالمتون الفقهية، ويعللون ذلك: بأن المتون الفقهية خالية من أدلة الكتاب والسنة، فهل هذا صحيح؟ الجواب الذي أرى أن يبدأ الطالب قبل كل شيء بفهم القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ، ولأن القرآن لا يحتاج إلى أي عناء في ثبوته؛ لأنه ثابت بالتواتر، لكن السنة فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف وفيها الموضوع، فهي تحتاج إلى عناء، ثم هي أيضاً تحتاج إلى جمع أطرافها، فقد يبلغُ الإنسانَ حديثٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم يكون له مخصص لعمومه، أو مقيد لإطلاقه، أو يكون هذا الحديث منسوخاً وهو لا يعلم، ولهذا تجد أن الذي يعتمد على فهمه من الأحاديث يخطئ كثيراً، ولا شك أن الأحاديث أو السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أصل من الأصول، فهي كالقرآن لوجوب العمل بها إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما دعواه بأن المتون خالية مما قال الله ورسوله فنعم، أكثر المتون الفقهية ليس فيها الدليل، ولكن توجد الأدلة في شروحها، فليست خالية من الأدلة باعتبار شروحها التي تحلل ألفاظها وتبين معانيها. والذي أرى أن يكون الإنسان بادئاً أولاً بكتاب الله عز وجل، وثانياً: بكتب الفقه المبنية على الكتاب والسنة؛ لأن هذه تضبط تصرفه وتصحح فهمه. لكن لو سألنا: هل الأفضل أن أحفظ متناً من متون الفقه، أو متناً مختصراً من الحديث؟ رأينا له أن يحفظ متناً مختصراً من الحديث كعمدة الأحكام، وبلوغ المرام، ولكن لا يدع الاستئناس بكلام أهل العلم وأهل الفقه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 13 التورع عن وصف الناس بألقاب السوء كالفسق أو العلمانية أو الحداثة السؤال ما رأيك في رجل تورع أن يرمي إنساناً بالكفر بينما لا يتورع أن يرميه بالعلماني أو الحداثي جزاكم الله خيراً؟ الجواب معلوم أننا يجب أن نتورع عن وصف الإنسان بالكفر أو الفسق أو بـ العلمانية أو الحداثة أو غير ذلك من ألقاب السوء، حتى نتبين ثم نحكم عليه بما يستحق، والعلمانية والحداثة إذا كانت كفراً فلا فرق بين أن نرميه بأنه علماني حداثي أو نقول هو كافر، لكن كلمة الكفر صريحة واضحة، كل إنسان يعرف أنك إذا قلت: فلان كافر. أنه خارج من الإسلام، لكن إذا قلت علماني أو حداثي ربما يفهم أن فيه شيئاً من العلمانية أو الحداثة الذي لا يوصل به إلى الكفر. وعلى كل حال: الواجب ألا نتنابز بالألقاب، وألا نصف أحداً بسوء إلا إذا كان متصفاً به حقيقة، وكان في ذلك مصلحة تربو على مفسدة ذكره؛ لأن التسرع في هذه الأمور يؤدي إلى المفاسد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله ولم يكن كذلك رجع على القائل) . الجزء: 54 ¦ الصفحة: 14 حكم صلاة المأموم بجانب الإمام إذا لم يجد مكاناً في الصف السؤال ما حكم صلاة المأموم الذي لم يجد مكاناً في الصف ووقف عن يمين الإمام، وإذا حصل عارض للإمام هل يجوز له أن يؤم المصلين؟ الجواب السنة أن الإمام يتقدم على المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر، ولا ينبغي أن يقف أحد بجانب الإمام إلا للضرورة القصوى، كما لو امتلأ المسجد ولم يجد مكاناً إلا إلى جنب الإمام فلا بأس، وإذا كانوا اثنين واحتاجا إلى أن يكونا جانب الإمام فليكن أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، ولا يكونا جميعاً عن يمينه كما كان هذا هو المشروع أولاً، أنه إذا كان هناك ثلاثة أن يكون الإمام بين الاثنين، ثم نسخ ذلك حتى كان المشروع أن يكون الاثنين خلفه. وأما ما يظنه بعض العامة الآن من أن الرجلين إذا احتاجا أن يكونا مع الإمام كانا عن يمينه فقط، هذا ليس له أصل، نعم إذا كان واحداً فلا يقف إلا عن يمينه. أما إذا حدث للإمام حدث وانصرف من الصلاة فله أن يقول لبعض المأمومين: يا فلان! تقدم أتم بهم الصلاة. فإن لم يفعل فللمأمومين أن يقدموا أحدهم، أو أن يكملوا الصلاة فرادى. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 15 حكم بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل وصولها المحل السؤال ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟ الجواب هذان سؤالان في سؤال واحد: السؤال الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إليَّ، وهذه المعاملة حرام؛ وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولابد، إذ أن كلاً من البائع والمشتري لا يدري ماذا يتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع الغرر) وهذا لا شك أنه من الغرر. ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليقل من له السلعة: خذ هذه وبعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته، فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك. أما بيع السلع قبل أن تصل: فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فلا بد أولاً من حيازتها ثم بعد ذلك يبيعها، أما أن يبيعها وهي في بلد آخر ولا يدرى هل تصل سليمة أو غير سليمة فإن هذا لا يجوز. فإن قال قائل: المشتري رضي بما تكون عليه السلع سواء نقصت أو لم تنقص. قلنا: ولو رضي بذلك؛ لأنه قد يرضى بهذا عند العقد طمعاً في الربح، ثم إذا حصل ندم وتأسف ربما يحصل بينه وبين البائع نزاع، والشرع -ولله الحمد- قد سدَّ كل باب يؤدي إلى الندم وإلى النزاع والخصومة. وكذلك أيضاً: لو تلفت قد يحصل نزاع بين الطرفين. فالمهم أن هذا لا يجوز -بيع السلع- حتى تصل إلى مقرها عند البائع، ثم يتصرف فيها. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 16 الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وحكم التفريق بينهما السؤال هل مسألة الفرقة الناجية والطائفة المنصورة من أصول الدين التي يوالى ويعادى عليها؟ وهل الذي يفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة يكون مبتدعاً؟ الجواب المعروف عند أهل السنة أن الفرقة الناجية هي المنصورة إلى قيام الساعة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة، فـ الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة وصفان لموصوف واحد ولا فرق بينهما. وهذه المسألة ليست من المسائل الكبيرة التي يعادى من أجلها ويوالى من أجلها، إذا اختلف فيها فهم رجلين، فالواجب على كل إنسان يخالف غيره أن يبحث معه بحثاً هادئاً يقصد به الوصول إلى الحق، ثم إذا بقي كل منهم على ما يرى فأمره إلى الله، سوف يحاسبه الله عز وجل على نيته، ولكن نحن لا نلزم غيرنا بما نرى؛ لأننا إذا ألزمنا غيرنا بما نرى فقد وضعنا أنفسنا في غير موضعها؛ وضعناها في مرتبة العصمة لنا والخطأ لغيرنا، وهذا مذهب خطير؛ لأنه لا أحد يقبل قوله في كل حال إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف يليق بالإنسان العاقل أن يحاول إلزام غيره برأيه ثم لا يقبل أن يلزمه غيره برأيه؟! أما مسألة التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فأرى أن الخلاف في هذه المسألة لا يصل إلى البدعة، بل يجب أن يناقش فيها المخالف مناقشة هادئة، وسوف يتضح الحق إذا استعمل الطرفان أدب الخلاف وكان الحق مطلوباً للطرفين كليهما. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 17 حكم من توضأ وصلى الفجر وعليه حدث أكبر خشية فوات الجماعة السؤال في اللقاء الشهري الماضي سئلت عن إنسان صلى الفجر وهو عليه حدث أكبر، فخشي أن تفوته صلاة الجماعة فتوضأ ثم صلى، فلما سئلت في ذلك قلت: الأولى والأحرى أن يعيد الصلاة، فهل معنى قولك (الأولى والأحرى) أنه لا يلزمه إعادة الصلاة على سبيل الوجوب؟ الجواب الصحيح أنه إذا فعل ذلك عن جهل فإنه يعذر بذلك، كما عذر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته ولم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات، وكما عذر المرأة التي استحيضت وكانت تترك الصلاة، وكما عذر عمار بن ياسر حينما تمرغ في الصعيد يظن أن هذا هو الواجب عليه في التيمم، والشواهد على هذا كثيرة. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 18 حكم انتساب الرجل إلى غير أبيه من أجل الحصول على الجنسية أو غيرها السؤال هناك قضية تحدث الآن كثيراً وخصوصاً بين دول الخليج خاصة، وهي أنه يكون أحد أفراد هذه البلاد ثم يذهب فيتحصل على جنسية أخرى من إحدى دول الخليج ولكن ليست باسمه ولا باسم أبيه، وإنما بإضافته إلى عمه كأحد أولاده أو إلى خاله أو إلى أحد أقاربه، فيحصل بذلك على تلك الجنسية وكل ما يترتب عليها من رواتب وغير ذلك من مصالح، مع أنه هنا لديه جنسية ولديه أوراقه، وليس عنده أي مشكلة إلا أنه يفعل ذلك للحصول على بعض المصالح المادية، ولا يخفى على فضيلتكم خطورة الادعاء لغير الوالد وما ورد في ذلك من النهي الخطير، فما حكم هذا العمل؟ الجواب هذا العمل محرم، ولا يحل للإنسان أن ينتسب إلى غير أبيه؛ لأنه يترتب عليه الكذب، ويترتب عليه الميراث، ويترتب عليه المحرمية، ويترتب عليه كل ما يترتب على النسب، ولهذا جاءت النصوص بالوعيد على من انتسب لغير أبيه، وهذا العمل أيضاً من كبائر الذنوب بل يجمع بين كبيرتين: وهما الكذب لأكل المال بالباطل، والانتساب إلى غير أبيه. والواجب على الإنسان أن يعود إلى الحق في هذه المسألة، وأن يمزق التابعية التي ليست حقيقية، هذا الواجب عليه، وإني لأعجب أن يقدم الإنسان على هذا العمل المحرم من أجل طمع الدنيا، وقد قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} [الإسراء:18] فأرجو منك أن تبلغ هذا الأخ أنه يجب عليه أن يمزق هذه التابعية التي ليست حقيقية، وعفا الله عما سلف، وما أخذه بهذه التابعية من الدراهم فإن الله تعالى يقول: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] يقول هذا في آكل الربا، وما دونه من باب أولى، لكن يجب عليه أن يتلف التابعية التي ليست حقاً. السائل: يا شيخ! وإذا لم يترتب عليها آثار في المحرمية والميراث؟ الشيخ: شرعاً يترتب عليها، فمثلاً: إذا انتسبت إلى عمي على أنه أبي صار أولاده إخوة لي، هذا لازم ولابد من ذلك. السائل: لكن يقول: الناس الآن قد يعلمون الحقيقة؟ الشيخ: لو علموا الحقيقة الآن لا يعلمونها في المستقبل، ثم هو كذب ومن كبائر الذنوب، كيف يستمر الإنسان على شيء من الكذب وكبائر الذنوب. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 19 حكم صلاة الإمام إذا صلى بالناس على غير وضوء وحكم صلاة المأمومين السؤال إذا كان إنسان صلى بمسجده إماماً وهو ليس على طهارة، فما حكم صلاة المأمومين؟ وهل تلزمهم الإعادة؟ وهل هو آثم بسبب صلاتهم؟ الجواب إذا صلى الإنسان إماماً وهو على غير طهارة فإن كان متعمداً فهو آثم، ويجب عليه أن يعيد صلاته، وأن يتوب إلى الله ويستغفره، وإذا كان جاهلاً مثل أن يكون أكل لحماً ولا يدري أنه لحم إبل ثم تبين له بعد الصلاة أنه لحم إبل فليس عليه إثم، لكن عليه إعادة الصلاة؛ لأنه صلى بغير وضوء. وكذلك إن كان ناسياً كما لو كان قد أحدث ونسي أن يتوضأ ثم صلى ثم ذكر؛ فإنه لا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة. أما بالنسبة للمأمومين فليس عليهم إعادة صلاة أبداً، ولا إثم عليهم؛ لأنه ليس لهم إلا الظاهر، وهذا الرجل صلى بهم إماماً على أنه متطهر، وأنه ليس فيه مانع من صلاته، فهم معذورون؛ لأنهم قاموا بما يجب عليهم وليس عليهم شيء، حتى لو فرض أنه ذكر في أثناء الصلاة أنه محدث فإنه ينصرف ويقول لبعض المأمومين: أكمل بهم الصلاة. ويكملون الصلاة التي ابتدءوها مع إمام محدث، ولا شيء عليهم. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 20 حكم غيبة الفاسق السؤال ما حكم غيبة الفاسق؟ الجواب غيبة الفاسق محرمة؛ لأن الفاسق من المؤمنين، ولا يحل للإنسان أن ينتهك عرض أخيه المسلم، والدليل على أن الفاسق من المؤمنين قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] المراد بأخيه المقتول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] فجعل المقتول أخاً للقاتل، ومعلوم أن القاتل قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب العظيمة التي قال الله عنها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] وقال تعالى في الطائفتين المقتتلتين: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] إلى قوله: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] . ومعلوم أن اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض كفر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ، وإذا تبين أن الفاسق لم يخرج من الإيمان -وإن كان ناقص الإيمان- فإنه لا يجوز اغتيابه إلا إذا كان في ذلك مصلحة، فلا بأس من أن يقال مثلاً: فلان يفعل كذا وكذا تحذيراً مما صنع، وإن لم يكن في ذلك مصلحة فالأصل أن عرضه محتاط؛ لأنه من المؤمنين وقد قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] . الجزء: 54 ¦ الصفحة: 21 كيفية جمع المصلي بين الصلاة خلف سترة والصلاة في الصف الأول السؤال رجل دخل المسجد قبل إقامة الصلاة، وأراد أن يصلي تحية المسجد خلف سترة، مع العلم أنه لو صلى خلف السترة يفوت عليه الصف الأول، فهل يصلي خلف السترة، أو يصلي في الصف الأول؟ الجواب إذا كان يفوت عليه الصف الأول فليتقدم إلى الصف الأول لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يقدروا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) ، فليتقدم إلى الصف الأول والسترة خفيفة: (إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم) يمكن أن يضع الإنسان سواكه ويكون سترة. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 22 حكم شرب الدخان والحث على نصح المدخنين باللطف والرفق السؤال لا يخفى مدى انتشار الدخان المحرم في كل مكان في العمل وفي البيت وفي الأماكن العامة، السؤال: هل يجوز الجلوس معهم؟ وإذا كان المدخن في منزلك أو في مجلس عام فهل تتركه وتخرج؟ الجواب كما ذكر الأخ أن الدخان حرام للأدلة العامة على تحريمه، وهو ليس فيه نص عن الرسول بعينه؛ لأنه لم يحدث إلا أخيراً، لكن قواعد الشريعة عامة، والإشارة في بعض النصوص إلى تحريمه قاضية بتحريمه، فإذا صار إلى جنبك مدخن وأراد أن يدخن فانصحه بلطف ورفق. قل له: يا أخي! هذا حرام ولا يحل لك. وفي ظني أنك إذا نصحته بلطف ورفق أنه سوف ينزجر، كما جرب ذلك غيرنا وجربناه نحن أيضاً، فإن لم ينته عن شرب الدخان فالواجب عليك أن تفارقه لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] ولكن هذا في الأماكن العامة، أما إذا كان في مكان الوظيفة ونصحته فلم ينته فحينئذٍ لا حرج عليك أن تبقى؛ لأنه ضرورة، ولا تستطيع أن تتخلص منه. فهل يمكن أن نقول: إن الإنسان إذا كان السوق فيه نساء متبرجات ورجال يشربون الدخان فلا تذهب للسوق لقضاء حاجتك؟ لا نقول هذا، إذاً: فالشيء الذي يضطر الناس إليه وهو من الأماكن العامة التي لا يمكن التخلص منها -وإن كان فيه معصية- لا إثم عليهم في ذلك، لكن عليه أولاً أن ينصح صاحب المعصية لعل الله أن يهديه على يديه. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 23 حل إشكال حديث ابن عباس في جمع الرسول للصلاة من غير خوف ولا سفر السؤال كيف توجه حديث ابن عباس في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا سفر) ؟ الجواب نعم، (جمع في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوف ولا مطر) ، وهذه رواية أصح من رواية: (ولا سفر) ؛ لأن قوله: (ولا سفر) يغني عنه قوله: (في المدينة) ، وعلى كل حال فإن هذا الإشكال الذي أوردته أورده الناس على ابن عباس رضي الله عنهما فقالوا: (ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: لا يلحقها حرج بترك الجمع. فمتى كان في ترك الجمع حرج فإنه يجوز الجمع، أما إذا لم يكن هناك حرج فإن الجمع حرام ولا يجوز؛ لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت هذه المواقيت وحدد الظهر من كذا إلى كذا والعصر كذلك، والمغرب والعشاء والفجر، فمن قدم شيئاً على وقته أو أخر شيئاً على وقته بغير عذر شرعي فإنه آثم ولا تقبل منه الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا حجة في هذا الحديث لمن أجاز جمعاً بدون حاجة؛ لأن ابن عباس وضح هذا فقال: (أراد ألا يحرج أمته) ، لو قال: أراد أن يوسع لأمته، لكان فيه احتمال أن يكون مراده أن الجمع جائز وتركه أفضل، لكن لما قال: (أراد ألا يحرج أمته) ، علمنا أن المراد بذلك ما إذا كان في ترك الجمع حرج ومشقة. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 24 مدى استفادة الذين لا يستطيعون الحضور إلى الدروس من استماعهم للأشرطة المسجلة السؤال هناك بعض الشباب الذين عرفوا طريق الهداية إلى الله عز وجل وهم راغبون في طلب العلم، ويريدون صراحة الحضور عند المشايخ حتى يقرءوا عليهم كتباً في العقيدة وكذلك في الحديث، لكنهم لا يستطيعون لظروف أعمالهم وهم في منطقة نائية لكنهم يكتفون بالأشرطة، فهل تكفيهم عن الحضور عند العلماء؟ وهل يكون طالب علم كغيره، أم لا؟ حفظكم الله. الجواب أما كونهم تكفيهم فلا شك أنها تكفيهم عن الحضور إلى أهل العلم إذا كان لا يمكنهم الحضور، وإلا فإن الحضور إلى العلماء أفضل وأحسن وأقرب للفهم والمناقشة، لكن إذا لم يمكنهم فهذا يكفيهم للضرورة. ثم هل يمكن أن يكونوا طلبة علم وهم يقتصرون على هذا؟ نقول: نعم. يمكن إذا اجتهد الإنسان اجتهاداً كثيراً كما يمكن أن يكون عالماً إذا أخذ العلم من الكتب، لكن الفرق بين أخذ العلم من الكتب والأشرطة وبين التلقي من العلماء مباشرة: أن التلقي من العلماء مباشرة أقرب إلى حصول العلم؛ لأنه طريق سهل تمكن فيه المناقشة، بخلاف المستمع أو القارئ فإنه يحتاج إلى عناء كبير في جمع أطراف العلم والحصول عليه. السائل: وهل يؤثر الاكتفاء بالأشرطة في معتقدهم؟ الشيخ: يؤثر في معتقدهم إذا كانوا يستمعون إلى أشرطة بدعية ويتبعونها، أما إذا كانوا يستمعون إلى أشرطة من علماء موثوق بهم فلا يؤثر على معتقداتهم بل يزيدهم إيماناً واحتساباً واتباعاً للمعتقد الصحيح. الجزء: 54 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [55] افتتح الشيخ رحمه الله اللقاء بذكر شروط الحج ، وأنه لا يجب إلا على: المسلم، البالغ، العاقل، المستطيع، وتحدث عن كل شرط بما يوضحه، وفي الشرط الخامس قسم الاستطاعة إلى قسمين: بدنية، ومالية، وذكر ضمن شرحه لهذا الشرط نصيحة وتحذيراً في شأن الدين من أجل الحج. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 1 شروط الحج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني من لقاءاتنا الأسبوعية، والذي يتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا اليوم هو اليوم العاشر من شهر ذي القعدة عام (1414هـ) . نستهل هذا اللقاء بمقدمة نتحدث فيها عن شروط وجوب الحج، فنقول: يجب الحج على كل مسلم، حر، بالغ، عاقل، مستطيع. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 2 الإسلام فأما المسلم فضده الكافر، فلا يجب عليه الحج، وليس معنى قولنا: لا يجب الحج على الكافر أنه لا يعاقب على تركه، وإنما معناه: ألا نأمره به؛ لأننا نأمره أولاً أن يسلم، ثم بعد ذلك نأمره ببقية شرائع الإسلام، أما في الآخرة فإنه يعذب ويعاقب عليه، ولهذا يتساءل أصحاب اليمين عن المجرمين: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر:42-46] فذكروا الصلاة مع أن الصلاة لا تلزمهم إلا إذا أسلموا. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 3 الحرية أما الحر فضده الرقيق المملوك، فلا يجب عليه الحج لأمرين: الأول: لأنه ليس عنده مال، إذ أن ما بيده من المال لمالكه. الثاني: أنه مرهون لسيده في الواقع ولا يملك نفسه، فلا يستطيع أن يحج؛ لأنه مملوك لسيده. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 4 البلوغ البالغ ضد الصغير، فلا يجب عليه الحج، كما أنه لا يجب عليه سائر العبادات؛ لأنه مرفوع عنه القلم، لكن لو حج الصبي فإنه يصح منه ولا يجزئه، فإذا بلغ أدى فريضة الإسلام. وهنا ربما نتساءل: هل الأفضل في أوقاتنا هذه أن نحجج أولادنا الصغار، أم لا؟ نقول: الأفضل ألا نحججهم في هذه الأوقات؛ لأنه يحصل بذلك مشقة عظيمة على الطفل، وإشغال أبيه عن إتمام مناسكه، والمشقة مدفوعة ومرفوعة، فإن هذا ليس واجباً حتى نقول: نتحمل ونصبر، وإشغال الأب ينافي كمال حجه، والأب جاء ليحج حجاً كاملاً ويعتمر عمرة كاملة، وإذا كان مشغولاً بهؤلاء الأطفال ألهاه ذلك عن كمال حجه وعمرته. أما في أيام السعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأة حين رفعت إليه صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) لكن في أيامنا هذه حيث الزحام الشديد الذي يكاد الرجل القوي أن يتعب منه، بل ربما يهلك بعض الناس، فإننا لا نرى أن يحجج الإنسان أطفاله، بل يريحهم ويستريح من عنائهم وتعبهم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 5 العقل والاستطاعة العاقل ضده المجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه؛ لأنه فاقد الوعي ولا نية له. وأما المستطيع، فالاستطاعة نوعان: استطاعة بالبدن، واستطاعة بالمال، فمن لم يكن مستطيعاً بماله فإنه لا يلزمه الحج كالفقير، والمدين، وما أشبههما، ولهذا نُطمئن المدينين بأنه لا حج عليهم، ولم يفرضه الله عليهم، وهم حتى الآن لم يكونوا أهلاً لفريضة الحج عليهم، ونقول: لا تقلقوا، أليس الرجل الفقير لا تلزمه الزكاة؟ الجواب بلى. لا تلزمه الزكاة، ومع ذلك لا يقلق، ولا يقول: ليتني كنت غنياً حتى أؤدي الزكاة، وكذلك أيضاً الإنسان الذي لا يستطيع الحج لوجود دين عليه، نقول له: لا تقلق يا أخي، حتى الآن لم تكن أهلاً للفريضة، ولو مت للقيت الله عز وجل غير آثم؛ لأنها لم تجب عليك، ولكن مع الأسف أن بعض الناس اليوم يرتكبون خطأ، فتجده مغرقاً بالدين، وربما يكون دينه حالاً فيذهب ويحج، مع أن الحج في هذه الحالة غير واجب عليه، فيأتي شيئاً غير واجب، ويدع شيئاً واجباً، والريال أو الدرهم الذي تنفقه في الحج أنفقه في قضاء الدين فهو خير لك. والدين ليس بالأمر الهين حتى يتهاون به الإنسان، فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه ميت وعليه دين ولم يخلف قضاءً امتنع من الصلاة عليه ولم يصل عليه، وسئل عن الشهادة -يعني: عن الرجل يقتل في الجهاد شهيداً- هل يكفر عنه بالشهادة؟ فقال: (نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك) . فالشهادة على فضلها لا تكفر الدين، لهذا يجب على الإنسان ألا يتهاون به، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الفقير الذي قال: (ليس عندي مهر فلم يقل له: استلف للمهر، وإنما قال له: التمس ولو خاتماً من حديد، قال: لا أجد. قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن) فلم يأذن له ولم يرشده إلى أن يستدين من أجل أن يتزوج مع أن الزواج واجب على الإنسان إذا كان ذا شهوة، ويخاف على نفسه. فالذي أرجوه من إخواني أن يحرصوا غاية الحرص على إبراء ذممهم وعدم إشغالها بالدين، فإن ذلك من السفه في التصرف، ومن الخطأ في الناحية الدينية، ولا ينبغي للإنسان أن يستدين سلفاً أو غير سلف إلا إذا كانت هناك ضرورة أو شيء لا بد منه، أو إنسان يعلم أنه سيوفي عن قرب، كرجل يحتاج في أثناء الشهر شيئاً ويعلم أنه في آخر الشهر سيحصل على الراتب مثلاً ويوفي دينه، فهذا أمر سهل. أما الاستطاعة بالبدن في الحج: فأن يكون الإنسان قادراً على أداء الحج بلا مشقة شديدة، فإن كان عاجزاً نظرنا؛ إن كان عجزه يرجى زواله، كإنسان جاء في وقت الحج وهو مريض مرضاً عادياً، فلينتظر حتى يبرأ ويحج، وإن كان عجزاً لا يرجى زواله كمرض السرطان مثلاً -نسأل الله لنا ولكم السلامة- فهنا نقول له: استنب من يحج عنك ما دام عندك المال، فيوكل شخصاً يحج عنه وتبرأ ذمته بذلك إذا حج عنه. هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول هذا الموضوع، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من دعاة الحق وأنصاره، ونسأله تعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان على أعدائهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تنبيه: بالنسبة للسلام هل هو مشروع أن يسلم الإنسان وهو حاضر؟ وهل كان الصحابة إذا أراد أحد منهم أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن شيء قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم يسأل؟ الجواب: لا. ولهذا لا حاجة للسلام لأن المسلم معنا، وإنما يسأل، فلا حاجة إلى أن يستفتح سؤاله بالسلام. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 55 ¦ الصفحة: 7 حكم المعانقة والتقبيل عند الملاقاة السؤال انتشرت بين المسلمين في هذه الأزمنة بعض العادات مثل المعانقة والتقبيل عند الملاقاة، فما حكم ذلك؟ الجواب لا أصل للمعانقة أو التقبيل عند الملاقاة، إلا إذا كان لها سبب كقدوم من سفر ونحوه، وكلنا نعلم أن أشد الناس محبة هم الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن أحق الناس بالاحترام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا لاقوه لا يقبلونه، لا يقبلون رأسه ولا يديه ولا شيئاً من جسده -كالأكتاف مثلاً- إنما كانوا يصافحونه، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم: (سئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا. قالوا: أيعانقه ويلتزمه؟ قال: لا. قالوا: أيصافحه؟ قال: نعم) هذا هو المشروع. وما ذكره السائل من أنه في عصرنا هذا أصبح الناس يتخذون التقبيل بدلاً عن المصافحة فهو حق، وما أكثر الناس الذين يقابلوننا فيأخذون برءوسنا لتقبيلها، ثم قد يصافحون وقد لا يصافحون، والسنة أن تصافح، وأما تقبيل الرأس فإن كان لسبب كما أشرنا آنفاً فهذا مما جاء في السنة كقدوم الغائب، وإن كان بغير سبب فإنه من الأمور المباحة، إذا كان الذي تقبل رأسه أهلاً لذلك؛ لكونه نافعاً للمسلمين بماله أو بعلمه فلا بأس أن تقبل رأسه، وكذلك الأب والأخ الكبير ونحو ذلك. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 8 جواز كتابة القرآن بمداد ثم وضعه في ماء ليشرب السؤال بعض الناس يكتبون آيات من القرآن ويمحونها بالماء ويشربونها، وإذا اعترض عليهم قالوا: إنه كلام الله نستشفي به. هل يجوز هذا العمل؟ أفيدونا أثابكم الله. الجواب هذا العمل جائز، يجوز للإنسان أن يكتب القرآن بمداد يجوز شربه، ثم يوضع هذا المكتوب في ماء ويرج ثم يشرب، وقد كان بعض السلف يفعلون هذا، ويفعلونه في الأواني كالصحون وما أشبهها، إذا فعل الإنسان ذلك فله سلف فيه، وقد يستدل لهذا بعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] ، فإذا استشفي بالقرآن على هذا الوجه، وجُرِّبَ وصار نافعاً فإنه يدخل في عموم هذه الآية الكريمة. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 9 حكم الطلاق لمجرد التغيير السؤال هل الطلاق جائز مطلقاً بدون أسباب تذكر، لكن رغبة في التغيير فقط، حتى وإن ترتب على هذا مفسدة عظيمة بالنسبة للمرأة؟ الجواب الأصل في الطلاق أنه مكروه، ولو قيل: الأصل أنه محرم لم يبعد، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى في الذين يؤلون من نسائهم قال: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226-227] وختم الآية بهذين الاسمين: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] وقوله: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة:227] يشعر بأن الله جل وعلا لا يحب هذا؛ لأن الفيئة -وهي الرجوع للمرأة بعد أن حلف ألا يجامعها- قال فيها: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:226] وهذا واضح في أن الله تعالى يحب أن يرجع هذا الذي آلى، وأما إن عزم الطلاق فإنه يشعر بأن الله تعالى يكره ذلك لقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:227] . ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) وهذا الحديث ليس بصحيح لكنَّ معناه صحيح، أن الله تعالى يكره الطلاق ولكنه لم يحرمه على عباده للتوسعة لهم، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة إن كان إبقاء المرأة يؤدي إلى محظور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بطلاقها فإنه يطلقها، كما لو كانت المرأة ناقصة الدين أو ناقصة العفة وعجز عن إصلاحها، فهنا نقول: الأفضل أن تطلق، أما بدون سبب شرعي أو سبب عادي فإن الأفضل ألا يطلق، بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 10 الصلاة خلف إمام مبتدع السؤال هل تصح الصلاة خلف إمام مسجد يقول: إن القرآن مخلوق، وإن صاحب الكبيرة مخلد في النار؟ الجواب نقول: كلما كانت الصلاة خلف إمام أتقى لله فهي أفضل، فإذا كانت خلف مبتدع نظرنا؛ إن كانت بدعته مكفرة فإن الصلاة خلفه لا تصح؛ لأنه كافر، والكافر لا صلاة له ولا إمامة، وإن كانت بدعته مفسقة فإن الأولى ألا يصلى خلفه، لما في ذلك من غروره بنفسه إذا رأى الناس يصلون خلفه، وكذلك اغترار الآخرين بصلاة هذا الرجل خلفه، ولا سيما إن كان هذا الرجل ممن يشار إليه فإنه لا يصلى خلفه -ولو كانت بدعته مفسقة- لئلا يغتر الناس بصلاة المسلمين خلفه؛ فيكون ذلك سبباً في وقوعهم في شيء من بدعته. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 11 الصلاة التي يشرع فيها التورك السؤال هل التورك يكون في الصلاة الرباعية فقط؟ الجواب التورك في التشهد الثاني من كل صلاة فيها تشهدان: كالمغرب والظهر والعصر والعشاء، وأما الصلاة التي فيها تشهد واحد فإنه لا يتورك فيها. ثم التورك في التشهد الأخير الذي يعقبه السلام، فلو فرضنا أن الإنسان دخل مع الإمام في الركعة الثانية وجلس معه للتشهد الأول والتشهد الأخير، فإنه لا يتورك في تشهد الإمام الأخير؛ لأنه ليس الأخير بالنسبة له، بل يتورك في الأخير الذي يعقبه السلام. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 12 حكم حمل العصا السؤال هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يدل على الاتكاء على العصا؟ الجواب ورد حديث في فضل العصا، ولكنه حديث ضعيف، والصواب: أن حمل العصا ليس بسنة، لكن إذا كان في مكان يحتاج إلى حملها فهو سنة لدرأ الخطر، كما لو كان في أرض كثيرة الكلابِ العادِية التي تعدو على الإنسان، أو خاف على نفسه من إنسان آخر فحمل العصا، فهنا نقول: إنه مستحب للدفاع عن نفسه، أما بدون سبب فليس مستحباً. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 13 حكم الدعاء بما نعلم أن الله فاعله السؤال بالنسبة للدعاء فيما يعلم أن الله سبحانه وتعالى فاعله: كمن يدعو بالنصرة للإسلام، وقد ثبت في بعض الأحاديث أن المستقبل للإسلام فهل يجوز الدعاء في مثل هذه الأمور؟ الجواب الدعاء بما نعلم بأن الله سيفعله لا بأس به، ولهذا نحن نقول: اللهم صل على محمد، فندعو له بالصلاة عليه، مع أن الله أخبرنا أنه يصلي عليه، فهو أمر معلوم؛ لأن الله وملائكته يصلون على النبي. ونقول أيضاً: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة؛ آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً. والوسيلة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو) ورجاؤه هذا إن شاء الله سيتحقق، وكذلك الدعاء بنصر الإسلام والمسلمين ليس معناه: أن الإنسان لا يؤمن بأن الله سينصر الإسلام. لكن دعوته هذه تتضمن أن يتصف المسلمون بالإسلام الذي يستحق النصر من تمسك به؛ لأن المسلمين اليوم مع الأسف الشديد ليسوا على الطريق الذي ينبغي أن يكونوا عليه، بل ولا على السنة التي يجب أن يكونوا عليها، وكثير من المسلمين اليوم عندهم صدود عن سبيل الله، أي: أنهم صادون بأنفسهم، وصادون لغيرهم. ما أكثر الباخلين بالزكاة، ما أكثر الشاكّين في أمر الإيمان بالله، وما أكثر الذين يغتابون عباد الله، وما أكثر الذين يأكلون لحوم الذين يأمرون بالقسط من الناس، فالمهم أن المسلمين اليوم مع الأسف الشديد على حال يرثى لها، ولو أنهم نصروا الله بنصرهم دينه لنصرهم الله كما نصر سلفهم الصالح. كلنا يعلم أن العرب أمة ضعيفة مهينة ذليلة فقيرة قبل الرسالة، لكنهم بعد الرسالة وحين تمسكوا بالإسلام صاروا أمة عزيزة غالبة، حتى إن تاج كسرى -ملك أعظم دولة في ذلك الوقت- جيء به من المدائن إلى المدينة حتى وضع بين يدي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهل فوق هذا العز من عز؟! لكن مع الأسف كما ترون اليوم أن المسلمين متخاذلون، ليس عندهم من القوة والعزيمة ما يدافعون به عن أنفسهم. ولا أدل على ذلك مما نحن فيه اليوم، ففي بلاد الإسلام اليوم من تنتهك أعراضهم، وتهدم مساجدهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذريتهم من قبل النصارى، ونحن أمة لا نتكلم بما علينا أن نتكلم به، وما يفعل بالمسلمين اليوم في البوسنة أمر يفطر الأكباد في الواقع، فلو أن الإنسان منا تصور -لا قدر الله علينا إلا الخير- أن عدوه على أشراف المدينة ودخل المدينة، وأن صبيانه وفتيانه الصغار ينادون: جاءنا الصرب جاءنا الصرب. ويبكون من هول ذلك المشهد، وهو قد تقطع كبده دماً لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فهل نحن نشعر بهذا الشعور الآن؟ أبداً، كل واحد منا على فراشه مع أهله، ولا كأن شيئاً يجري على إخوانه، فالنصارى ليسوا أعداء للبوسنة فقط، وليس نصارى البوسنة هم الأعداء فقط، النصارى أعداء لكل مسلم في كل بلاد الله، سواء كانوا من صرب البوسنة أم من غيرهم، لكن مع الأسف كثير من المسلمين يجهلون ذلك. والله إن الإنسان أحياناً لا ينام سريعاً كما ينام في العادة إذا تذكر هؤلاء الإخوان المحصورين على يد هؤلاء الصرب المعتدين الظالمين. ثم لننظر في موقف الأمم المتحدة ماذا صنعت؟ صارت أذل شيء في هذه الحرب، فالصرب يدخلون على الدبابات والأسلحة التي في حيازة الأمم المتحدة يدخلون وفيها الحرس، ثم يأخذونها يقاتلون بها المسلمين، ولا سمعنا أحداً رفع صوته مدوياً من رؤساء المسلمين ينكر هذا الفعل، فأين التناصر بين المسلمين؟! أين الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر؟! وكيف يمكن أن ننصر ونحن متخاذلون هذا التخاذل؟! فأنت إذا دعوت إلى الله بنصر المسلمين ودعوته بنصر الإسلام فإنك تدعو الله تعالى أن يهيئ المسلمين إلى حال يكونون فيها أهلاً للنصرة، فنسأل الله تعالى أن يعيد لنا عزنا ومجدنا، وأن يصلح ولاة أمور المسلمين حتى يكونوا كما أوجب الله عليهم، فالمسلمون اليوم ألف مليون أو أكثر، ومع ذلك -كما ترون- فإنها أمة ضعيفة مهينة لا تملك شيئاً من أمر نفسها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 14 الإثبات المفصل والنفي المجمل في الأسماء والصفات السؤال من قواعد أهل السنة والجماعة: إثبات أسماء الله عز وجل وصفاته، والنفي يكون مجملاً، فهل يمكن أن يأتي الإثبات مجملاً وأن يأتي مفصلاً؟ وإذا أمكن هذا فهل يؤدي هذا إلى الخروج عن القاعدة السابقة؟ الجواب أولاً: أسماء الله وصفاته إذا جاءت في الإثبات فالأكثر فيها التفصيل، وشاهد هذا واضح في القرآن والسنة، تجد مثلاً قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:22] إلى آخر السورة فيها أربعة عشر اسماً من أسماء الله، كل اسم يتضمن صفة أو صفتين؛ وذلك لأن صفات الإثبات كلها صفات كمال، فكلما تعددت وكثر الإخبار عنها ظهر من كمال الموصوف ما لم يكن معلوماً من قبل. أما صفات النفي فإنها صفات نقص، نفاها الله تعالى عن نفسه، وإذا وقعت على سبيل الإجمال كانت أعظم في التعظيم، ولو جاءت على سبيل التفصيل لكان فيها شيء من الاستهزاء والسخرية. وأضرب لكم مثلاً بما يكون في بني آدم: لو أن رجلاً قال لملك من الملوك: أنت رجل ذو سلطان قائم، أنت رجل حازم، أنت رجل قوي، أنت رجل تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أنت رجل شديد على الكفار رحيم بالمؤمنين، أنت رجل ذو سلطة قوية، أنت رجل يخافك الأعداء. لكانت هذه الصفات كلها مدحاً يفخر بها الملك. لكن لو قال له: أنت ملك لست بزبال، ولا كناس، ولا منظف حشوش، ولا حلاق، ولا حجام. وجعل يذكر صفات النقص وينفيها عن الملك؛ لكان هذا قدحاً يغضب منه الملك، فلهذا جاءت الصفات المنفية عن الله جل وعلا مجملة، مثل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:111] وما أشبه ذلك، إلا أنها تذكر أحياناً بالتفصيل؛ وذلك لدفع توهم يقع من بني آدم، أو لرد فرية قالها المفترون. فمثلاً قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون:91] هذه صفة نفي خاصة؛ لكن قالها عز وجل ونفاها عن نفسه رداً على المفترين الذين قالوا: إن الله تعالى اتخذ ولداً، فالنصارى قالوا: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله. أو جاءت لدفع توهم وبيان كمال، مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] اللغوب: الإعياء والتعب، وهو صفة خاصة، لكن نفاها الله عن نفسه لئلا يتوهم متوهم بأن الله تعب لما خلق هذه المخلوقات العظيمة في هذه المدة الوجيزة، فنفاها عن نفسه، فصار الغالب في صفات الإثبات التفصيل، وفي صفات النفي الإجمال. وقد يأتي التفصيل في باب النفي، كما يأتي الإجمال في باب الإثبات، كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:60] المثل الأعلى، أي: الوصف الأكمل، وهذه عامة ليس فيها تفصيل. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 15 واجب المسلم تجاه إخوانه المستضعفين السؤال ماذا نعمل الآن من أجل دعم إخواننا في البوسنة، خاصة وأن باب الجهاد لم يفتح حتى اليوم؟ وهل نوصف بالتقصير إذا متنا دون أن نجاهد أعداء الإسلام؟ الجواب العمل -بارك الله فيك- أن يكون الإنسان مستعداً، وينوي نية جازمة أنه لو حصل دعوة للجهاد بالمال أو بالنفس فإنه يلبي ويجيب داعي الله، ويكون بهذا قد حدث نفسه بالغزو، حتى لا يموت على شعبة من النفاق. وأيضاً: أنا أوصيكم أن تكثروا من الدعاء: أن يسلط الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الصرب المعتدين جنداً من جنده، وأن ينزل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأن يشتت شملهم، ويفرق جمعهم، ويهزم جندهم، وأن يجعل بأسهم بينهم، إلى غير ذلك من الأدعية، وأن تستعينوا الله عليهم، اللهم إننا نستعينك على هؤلاء، وتدعون الله تعالى أن يثبت إخواننا في البوسنة على مقابلة هؤلاء الأعداء، ولولا أن الله سبحانه وتعالى قد ثبتهم لكانوا راحوا بالأمس، لأن سلاح أعدائهم وشراستهم أكثر بكثير مما عندهم. إخواننا في البوسنة مجردون من السلاح كما هو معلوم، وهؤلاء عندهم من الأسلحة ما يعد الثالث أو الرابع في الدنيا كلها، اللهم ثبت إخواننا، ولا شك أن هذا إن شاء الله تعالى من كرامة الله لهم، وأن الله تعالى سيأخذ بأيديهم؛ لأن الله تعالى قال لرسوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] ولكن أوصيكم بالدعاء في كل مناسبة؛ في السجود، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، في كل وقت، واجعلوا قلوبكم معهم، واشعروا بشعورهم أو أكثر، هم إخوانكم، ثم إنهم يواجهون اليوم قوماً كفرة من أهل الشرك والتثليث. أما القنوت فإنه راجع لولاة الأمر، لكننا نحن نقنت فيما بيننا وبين أنفسنا فلا أحد يمنعنا من ذلك. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 16 شرح لفظة: (لا يسترقون) من حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب السؤال نريد إيضاح حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (لا يسترقون. ) الحديث، فهل عموم العلاج يدخل في الحديث؟ وإذا كان لا يدخل فما الفرق بينه وبين الرقية لأن كلاً منهما سبب؟ وكيف نفهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وغيرها أن يسترقوا من العين؟ وإذا علمنا رجلاً أصابته عين فهل نأمره بالرقية أم نرشده إلى الصبر والاحتساب؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً. الجواب قوله في حديث السبعين ألفاً: (ولا يسترقون) أي: لا يطلبون الرقية من غيرهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام أمر بالتداوي وأرشد إليه وقال: (ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله) والفرق بينهما من وجهين: الوجه الأول: أن تعلق الإنسان بالراقي أكثر من تعلقه بالتداوي؛ لأن الراقي إذا قدر الله تعالى أن ينتفع به المريض برقيته صارت العلاقة بينه وبين هذا المريض علاقة روحية، فربما يفتتن به ويقول: هذا من أولياء الله. وما أشبه ذلك، وقد يحصل معه شيء من الشرك، ولهذا جاء بعدها: (وعلى ربهم يتوكلون) . الثاني: أنه قد يطلب الرقية من شخص ليس أهلاً لذلك؛ لأنه لا يداوي بشيء حسي يعرف، فيرقي هذا الذي سئل بالرقية ثم يحصل الشفاء، لا بالرقية -لأنها غير شرعية- ولكن عند الرقية، فيفتتن الناس أيضاً بهذا الرجل، ويظنونه ممن تجاب دعوته، وممن يتبرك بقراءته وليس كذلك. فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يسترقون) ولم يقل: ولا يتداوون، وعلى هذا فالدواء مطلوب، وأما الاسترقاء فإن الأفضل تركه، لكن لو أنّ أحداً من الناس هو الذي تقدم وقرأ عليك ولم تمنعه فإن هذا لا يمنع من دخول الإنسان في الحديث؛ لأنك لم تطلب الرقية، وكذلك لو أنك رقيت على أخيك فإنك محسن إليه ولا تخرج بهذه الرقية من صفات هؤلاء السبعين ألفاً، ولهذا نقول: إن ما ورد في صحيح مسلم من زيادة وهي قوله: (ولا يرقون) زيادة شاذة ليست بصحيحة، والصواب: (ولا يسترقون) فقط، أما الرقية من العالم فلأن العالم معروف، فتطلب منه الرقية؛ لأنه إذا رقى على الإنسان فإنه ينتفع بذلك بإذن الله عز وجل، كالطبيب الذي يداوي. أما هل نأمر الذي أصيب بالعين بالرقية، أو نأمره بالصبر؟ فنقول له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى طريقة الشفاء من العين، حيث أمر الذي عاين أحد الصحابة أن يغتسل ويتوضأ، فيؤخذ من مائه فيصب على المصاب حتى يشفى. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 17 حكم من يعطي مالاً ليُحَجَّ عنه حج نافلة السؤال ما هو الضابط لمن يُحَجُّ عنه، خاصة أننا نجد كثيراً من المحسنين يخصص جزءاً من ماله لبعض الناس لكي يحج به، وبعضهم يصادف أن يكون عليه دين فهل لآخذ المال أن يسدد الدين من هذا المال، أم يجب عليه أن يحج به كله؟ الجواب أما الإنسان الذي يُحَجُّ عنه، فإن السنة إنما جاءت في حج الفريضة فيمن لا يستطيع أن يحج بنفسه، ولم تأت في حج النافلة أبداً، غاية ما هنالك ما جاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. فقال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) . قد يتمسك بعض الناس بهذا الحديث فيقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسأله: هل حجه عن شبرمة فريضة أم نافلة؟ فيقال: الحج محتمل، لكن قوله: (حج عن نفسك ثم عن شبرمة) يدل على أن هذا الحج فريضة، فالاستنابة بالفريضة عند العجز جاءت بها السنة، والاستنابة في النافلة لم ترد بها السنة إطلاقاً، لكن بعض العلماء قاسها على الفريضة. ثم إن بعض العلماء توسع في هذا وقال: يجوز للقادر أن يوكل من يحج عنه نفلاً، أما الفرض فإنه لا يجوز، أما أنا فلا أحب أن يتوسع الناس في هذا، نقول: من عنده فضل مال يريد أن يعطيه لمن يحج عنه، فليعطه لمن يحج فريضة، وتكون أنت قد ساعدت شخصاً في أداء فريضة فيكتب لك مثل أجره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازياً فقد غزا) . وكذلك من جهز حاجاً فإنه يرجى أن يكون كالذي جهز غازياً، أي: يكتب له أجر الحج، هذا أفضل من أن نقول: خذ هذه الدراهم حج عني وأنت قادر على أن تحج بنفسك، أرأيت لو قلت لإنسان: أنا اليوم متعب فقد أديت الفريضة في صلاة الظهر ولا أستطيع أداء النافلة، فخذ هذه الدراهم وصل عني الراتبة؟! فلا شك أن هذا لا يجزئ، فلذلك ينبغي ألا نتوسع في هذه المسألة، وإنما نقول لمن كان عنده فضل مال: الأفضل أن تعين من يحج أو يعتمر ثم يكون لك أجر إن شاء الله تعالى. وأما من أخذ للحج وعليه دين وقضى به شيئاً من دينه فلا بأس إذا أدى الحج على الوجه الذي ينبغي. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 18 ضعف حديث: (أقامها الله وأدامها) عند إقامة الصلاة السؤال نسمع من بعض الناس بعد إقامة الصلاة قولهم: أقامها الله وأدامها. فما الحكمة في ذلك؟ الجواب ورد في هذا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة قال: (أقامها الله وأدامها) لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 19 معنى: (المقام المحمود) السؤال هل صحيح أن المقام المحمود الذي وعده الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم هو مكان العرش كما ورد في بعض الآثار؟ الجواب الصحيح أن المقام المحمود عام؛ كل مقام يحمده الناس فيه، ومن ذلك الشفاعة العظمى، حين يتدافع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الشفاعة، حتى تصل إليه صلى الله عليه وسلم فيشفع فيشفعه الله عز وجل، هذا هو الصحيح أنه عام. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 20 حكم تبييت النية في صيام النفل السؤال هل صيام الست من شوال ويوم عرفة يكون لها حكم صيام الفرض، فيشترط فيها تبييت النية من الليل؟ أم يكون لها حكم صيام النفل بحيث يجوز للإنسان أن ينوي صيامها ولو منتصف النهار؟ وهل يكون أجر الصيام منتصف النهار كأجر من تسحر وصام النهار إلى آخره؟ الجواب نعم. صيام النفل يجوز بنية من أثناء النهار، بشرط: ألا يكون فعل مفطراً قبل ذلك، فمثلاً: لو أن الإنسان أكل بعد طلوع الفجر، وفي أثناء اليوم نوى الصوم نقول هنا: صومك غير صحيح؛ لأنه أكل، لكن لو لم يأكل منذ طلع الفجر ولم يفعل ما يفطر، ثم نوى في أثناء النهار الصوم وهو نافلة فنقول: هذا جائز؛ لأنه وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وذلك حين دخل على أهله فطلب منهم طعاماً فقالوا: ليس عندنا شيء. فقال: (إني إذاً صائم) . ولكن الأجر لا يكون إلا من وقت النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) فما قبل النية فلا يكتب له أجره، وما بعده يكتب له أجره، وإذا كان الأجر مرتباً على صوم اليوم فإن هذا لم يصم اليوم كاملاً، بل بعض اليوم بالنية، وبناءً على ذلك: لو أن أحداً قام من بعد طلوع الفجر ولم يأكل شيئاً وفي منتصف النهار نوى الصوم على أنه من أيام الست ثم صام بعد هذا اليوم خمسة أيام فيكون قد صام خمسة أيام ونصف، وإن كان نوى بعد مضي ربع النهار، فيكون قد صام خمسة أيام وثلاثة أرباع؛ لأن الأعمال بالنيات، والحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) . وحينئذٍ نقول لهذا الأخ: لم تحصل على ثواب أجر صيام الأيام الستة؛ لأنك لم تصم ستة أيام، وهذا يقال: في يوم عرفة، أما لو كان الصوم نفلاً مطلقاً فإنه يصح ويثاب من وقت نيته فقط. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 21 حكم دفع الزكاة لأيتام أغنياء السؤال هناك أيتام أنا وليهم، توفي والدهم منذ سنوات، دخلهم الشهري من التقاعد نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال، واجتمع لديَّ خلال هذه السنوات مبالغ كبيرة، منها نحو مائة وخمسون ألفاً زكوات، فهل أمتنع عن أخذ الزكاة لهم؟ وماذا أفعل بما معي من الزكاة؟ وإذا كان لهم منزل متصدع أخذوه من الصندوق العقاري بمبلغ (مائتان وأربعون ألفاً) فهل أدفع المبلغ تبرئة لذمة الميت من هذا المبلغ؟ وإذا كان لهم أراضٍ من البلدية فهل نسورها من هذه المبالغ، أم لا؟ الجواب أولاً: لا يحل لك أن تأخذ الزكاة لهم وعندهم ما يغنيهم؛ لأن الزكاة للفقراء والمساكين وليست للأيتام، وما أخذته مع وجود غناهم يجب عليك أن ترده إلى أصحابه إن كنت تعرفهم، وإن كنت لا تعرفهم فتصدق به عنهم بنية الزكاة عنهم؛ لأنك أخذته بنية الزكاة منهم. وأما ما جمعت من الأموال من التقاعد فافعل ما ترى أنه أصلح؛ لقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] . وأما دين صندوق التنمية العقارية فأنت تعرف أنه مؤجل مقسط، فتدفعه على حساب أقساطه، والميت بريء منه، إلا ما كان من الأقساط التي حلَّت قبل موته ولم يسددها، فأما التي لم تحل إلا بعد وفاة الميت فالميت منها بريء؛ لأنها متعلقة بنفس العقار، والعقار انتقل منه إلى ملك الورثة، فهم المطالبون بذلك، ولا تسدد من الزكاة؛ لأن عندهم ما يمكن أن تسدد منه. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 22 حكم الأخ إذا رضع من زوجة أخيه السؤال شخص رضع من زوجة أخيه، هل هذا الشخص الأصغر يكون محرماً لزوجات أخيه الأخريات؟ وهل يكون هذا الزوج الأكبر محرماً لزوجة أخيه الأصغر؟ الجواب إذا رضع من زوجة أخيه صار ابن أخيه، وصارت زوجة أخيه التي أرضعته أماً له، وأما زوجات أخيه الأخريات فهذا فيه خلاف بين العلماء، يعني: زوجة الأب من الرضاع التي لم ترضع الطفل، هل تكون محرماً للراضع، أم لا؟ هذا فيه خلاف بين العلماء، يقول بعض العلماء وهم الجمهور: إنه يكون محرماً لزوجات أبيه من الرضاع. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لا يكون محرماً لزوجات أبيه من الرضاع؛ لأن الله تعالى قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] وقال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . فالذي نرى أن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله أقرب إلى الصواب، وأن زوجات الآباء من الرضاع لسن محارم لأبنائهن من الرضاع، وكذلك بالعكس ابنك من الرضاع لا تكون أنت محرماً لزوجته؛ لأن الله تعالى قال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] ، هذا ما نراه في المسألة، وقد علمت رأي الجمهور أن الرضاع يؤثر في المصاهرة كما يؤثر في النسب. الجزء: 55 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [56] في هذه المادة تكلم الشيخ عن محظورات الإحرام التي يجب على المحرم أن يجتنبها حتى تكون أنساكه مقبولة بإذن الله تعالى، ثم بعد ذلك أجاب عن الأسئلة الواردة إليه في هذا اللقاء. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 1 محظورات الإحرام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والخمسون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل أسبوع في يوم الخميس، وهذا الخميس هو اليوم السابع عشر من شهر ذي القعدة (1414هـ) وحيث أن موسم الحج قد اقترب فإن من الجدير أن يكون كلامنا فيما يتعلق بالحج والعمرة. وقد مضى في الدرس السابق بيان من يجب عليه الحج والعمرة، أما الآن فإننا سنتكلم عما يترتب على الإحرام بالحج والعمرة، وهو الذي يسمى عند العلماء بمحظورات الإحرام؛ وذلك لأن من حكمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً للصحة وموانع للصحة، فشروط الصحة: الشروط والأركان والواجبات، وموانع الصحة: هي المفسدات. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 2 الجماع فمثلاً: الصلاة فيها موانع للصحة كالكلام في الصلاة فإنه يبطلها، والصيام له مبطلات وهي المفطرات، والحج له محظورات وهي الممنوعات حال الإحرام، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إليها في القرآن الكريم، وجاءت السنة ببيانها كلها، ففي القرآن يقول الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] الرفث: قال العلماء هو: الجماع ومقدماته من المباشرة والتقبيل وما أشبه ذلك، والسنة جاءت بتكميل هذا المحظور، وهو أن المحرم لا يحل له أن يتزوج ويُزوج ولا يخطب امرأة وهو محرم، وعلى هذا فالجماع والمباشرة لشهوة والنظر لشهوة وعقد النكاح والخِطبة كلها محرمة في الإحرام. أولاً: الجماع؛ قال العلماء: إذا جامع الرجل في الحج قبل التحلل الأول ترتب عليه عدة أمور: الأول: الإثم لوقوعه فيما حرم الله. الثاني: فساد نسكه هذا، فلا يجزئ عن الحج ولو كان نافلة؛ لأنه فسد. والثالث: وجوب المضي فيه، وهذا من خصائص الحج أنه يمضي في فاسده، أما غير الحج إذا فعل الإنسان مفسداته فسد ووجب عليه أن يخرج منه، أما الحج فلو فعل الإنسان محظوراته فإنه لا يخرج منه، فنقول لهذا الرجل الذي فسد نسكه: استمر في النسك. الرابع: قضاؤه؛ يعني قضاء هذا الحج الذي أفسده سواء كان فريضة أم نافلة. الخامس: وجوب بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء؛ بدنة بالغة السن مثل التي تجزئ في الأضحية، وسالمة من العيوب التي تمنع من الإجزاء. أما ما دون الجماع كالمباشرة ولو أنزل فيها فإنه لا يفسد بها النسك لكنها حرام، وتجب فيها الفدية، وسيأتي إن شاء الله ذكر الفدية فيما بعد. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 3 ما ينهى عن لبسه في الإحرام ومن المحرمات في الإحرام ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم، قال: (لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف) خمسة أشياء لا يلبسها المحرم هي: القميص: وهو الثوب الذي يسمى الدرع، وهو كثيابنا التي نلبسها اليوم. والعمامة: وهي التي تلف على الرأس ومثلها الغترة، والطاقية، بل قد ثبت في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بـ عرفة فمات رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإنه يأتي يوم القيامة ملبياً) . ومعنى (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، وانتبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (وكفنوه في ثوبيه) فلو مات المحرم فلا نذهب إلى السوق ونأتي بخرقة نكفنه فيها، بل نكفنه في لباس الإحرام الذي مات وهي عليه، فغير المحرم معروف أنه يلف إذا مات بثلاث لفائف، لكن المحرم يكفن في إزاره وردائه ولا يغطى رأسه؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، يعني: يقوم من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك. ونظيره في الجهاد: الرجل الذي يستشهد فيموت، يدفن في ثيابه، ويبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً -أي: يسيل- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللون لون الدم، والريح ريح المسك) . والسراويلات: معروفة. والبرانس: ثياب واسعة يكون لها شيء يغطي الرأس متصلاً بها، وأظن بعضكم قد رأى هذا النوع من اللباس، وأكثر من يلبسه أهل المغرب. ولا الخفاف: يعني: (الكنادر) وكذلك الجوارب مثلها لا يلبسها المحرم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) فرخص النبي صلى الله عليه وسلم لمن لا يجد إزاراً أن يلبس السراويل، ولمن لا يجد نعلين أن يلبس الخفاف. ولو أن إنساناً لبس فنيلة ليس فيها خياطة بأن تكون كلها منسوجة نسجاً فهذا حرام أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع السراويل، وهي تستر أسفل البدن، كذلك الفنيلة تحرم؛ لأنها تستر أعلى البدن، ولو لبس إزاراً مرقعاً مخيطاً فإنه لا يحرم، وكذلك لو لبس نعالاً مخروزة فلا تحرم أيضاً. إذاً: أريد أن أخرج من أذهانكم فكرة بعض الناس حيث يظن أن كل شيء فيه خياطة فهو حرام، وهذا ليس بصحيح، فالحرام ما حرمه الله ورسوله، وعلمتم الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم في اللباس خمسة أشياء، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على المخيط أبداً. ولهذا نقول: لو أننا عبرنا بما عبر به الرسول صلى الله عليه وسلم لكان أحسن؛ لأننا إذا قلنا: يحرم على المحرم لبس المخيط ساء فهم بعض الناس معناها، ولهذا كثيراً ما يسأل الناس إذا لبس أحدهم إزاراً مخيطاً: هل هو محرم؟ نقول: ليس بحرام فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد خمسة أشياء فلا يحرم غير هذه الخمسة، إلا ما كان في معناها، فلو أن الإنسان لبس ساعة يد لم يكن ذلك حراماً عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلبس) وعد الأشياء التي لا تلبس، وما سوى ذلك فإنه يلبس، ولو أن رجلاً تلفلف بالقميص، أي: جعله لفافة على صدره فهذا جائز وليس بحرام؛ لأنه لم ينه عن لبسه. إذاً: يحرم على المحرم أن يلبس هذه الأصناف من اللباس، وما كان بمعناها فهو مثلها، فعليه لو أن إنساناً لبس مثلها على أكتافه لقلنا: هذا حرام؛ لأنه يشبه البرانس مثلاً أو قريب من البرانس جداً فيكون حراماً، لكن لو جعله لفافة تلفلف به، فجعل أعلاه أسفله، وجعله مثل الرداء لكان جائزاً، وتحريم هذه الأشياء الخمسة خاص بالرجال. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 4 الطيب يحرم على المحرم الطيب: فلا يجوز للمحرم أن يتطيب لا في ثوبه ولا بدنه ولا بطعامه ولا بشرابه رجلاً كان أم امرأة، متى عقد الإحرام حرم عليه الطيب؛ والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته، قال: (لا تحنطوه) والتحنيط: تطييب الميت؛ لأن الميت إذا مات يجعل له حنوط، يعني: أخلاطاً من الطيب، تجعل في قطن ثم توضع على عينه أو على أنفه أو مغابنه، حتى ينقل إلى قبره وهو على أحسن ما يكون من طهارة ونظافة وتطييب، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للاتي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، واجعلن في الآخرة كافوراً) . فهذا يدل على أننا ننظف الميت تنظيفاً تاماً، ثم نضع فيه الحنوط، ثم نلف عليه أكفانه، لكن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحنطوه) أي: لا تطيبوه، يدل على أن المحرم لا يطيب وهو كذلك، ودليل آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) فإن تطيب المحرم قبل أن يحرم وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام فلا يضره، بل يسن للمحرم إذا اغتسل قبل أن يلبس ثوب الإحرام وقبل أن يعقد النية أن يطيب رأسه ويكثر فيه الطيب وكذلك لحيته، لقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) . فالرسول صلى الله عليه وسلم كان له شعر يصل إلى كتفيه وإلى شحمة أذنيه أحياناً، وكان يفرقه فرقاً على الناصية، وفرقاً على الجانبين، ويضع فيه الطيب، وكان يكثر من الطيب، فيرى في مفارقه وبيص المسك، أي: بريقه ولمعانه وهو محرم، فإذا قال إنسان: إذا تطيبت في رأسي وتوضأت فماذا أفعل؟ لأني لو توضأت سوف أمس رأسي، وإذا مسحت رأسي سوف أمس الطيب، فهل هذا يضر؟ نقول: هذا لا يضر؛ لأنك لم تضع طيباً جديداً على بدنك بعد الإحرام، نعم لو فرضنا أن الإنسان يقصد أخذ شيء من الطيب الموجود على رأسه فيطيب به بقية بدنه فهذا حرام، أما شيء بغير قصد وإنما تتوضأ فتمس يدك الطيب، فإن هذا لا يضر. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 5 الزواج أو الخطبة ومن المحرمات -أيضاً- في الإحرام: أن يتزوج المحرم النساء أو يخطب، فلو تزوج امرأة وهو محرم كان النكاح فاسداً؛ لأنه منهي عنه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا الذي يتزوج وهو محرم عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون مردوداً عليه. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 6 قتل الصيد ومن المحرمات: قتل الصيد بعد الإحرام، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] والصيد: هو الحيوان الحلال البري المتوحش. أولاً: الحيوان الحلال. ثانياً: البري. ثالثاً: المتوحش. فالحيوان الحرام ليس من الصيد، فلو قتل المحرم ذئباً أو سبعاً أو حية أو ما أشبه ذلك فليس عليه شيء، والحيوان البحري لا يحرم على المحرم، فلو أحرم الإنسان بالسفينة في البحر كالذين يأتون من مصر أو يأتون من اليمن كلهم يأتون من طريق البحر، ويحرمون قبل أن يصلوا إلى جدة، فلو أنهم اصطادوا بالبحر سمكاً وهم محرمون كان هذا حلالاً. والمتوحش هو الذي لا يألف الناس في بيوتهم، مثل: الظبا والحمام والنعام والإوز وأشياء كثيرة من أنواع الطيور والزواحف، وغير المتوحش وهو: الأهلي كالدجاج، فلا بأس أن يذبحه المحرم. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 7 أحوال الناس في محظورات الإحرام إذا فعل الإنسان محظوراً في الإحرام وهو لا يدري أنه محظور يحسب أنه لا بأس به، مثل: أن يغطي رأسه؛ فيظن أنه إذا خاف من الحر جاز له أن يغطي رأسه فلا شيء عليه؛ فليس عليه إثم ولا فدية. وكذلك لو نسي فغطى رأسه أو تطيب ناسياً فليس عليه إثم ولا فدية، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: (قد فعلت) . وإن فعل هذا متعمداً لكنه معذور؛ كرجل مريض يحتاج إلى لبس القميص فلبسه فليس عليه إثم، لكن عليه الفدية، كما قال أهل العلم، والدليل على هذا قول الله تعالى في الرأس: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] وبهذا نعرف أن فاعل المحظورات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يفعلها لحاجته إليها، فهذا ليس عليه إثم ولكن عليه الفدية، أو الكفارة. القسم الثاني: أن يفعلها ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً، فهذا ليس عليه شيء، لا إثم ولا فدية، ولكن متى زال عذره وجب عليه التخلي، فإذا كان ناسياً فإنه متى ذكر يجب عليه أن يتخلى عن المحظور، وإذا كان جاهلاً فمتى علم وجب عليه أن يتخلى عن المحظور. القسم الثالث: أن يفعلها لا لحاجة ولا لعذر من جهل أو نسيان أو إكراه، فهذا آثم وعليه الفدية فيما تجب فيه الفدية. ونقتصر على هذا في محظورات الإحرام. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 56 ¦ الصفحة: 9 نصيحة للشباب الذين يتهاونون بالطاعات السؤال فضيلة شيخنا! ما نصيحتكم لكثير من الشباب الذين قصروا في طاعة الله، وكثيراً ما نرى في أوقات الصلوات بعض الشباب -هداهم الله- يلعبون الكرة ويفحطون بالسيارات، فيعرضون أنفسهم وغيرهم للهلاك، نرجو توجيه كلمة نافعة لمثل هؤلاء الشباب، نفع الله بكم وأمتع بكم؟ الجواب نصيحتي لإخواني المسلمين عموماً وللشباب الذين وصفت حالهم خصوصاً أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن هذا الدنيا دار عمل وليست دار مستقر، ومع هذا لا يدري الإنسان متى ينقل عن هذه الدنيا، فقد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، فالواجب أن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل وليبشر التائب أنه إذا تاب محا الله عنه ما سبق من الإثم مهما عظم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] وهذه أمهات المعاصي والعظائم: الشرك، وقتل النفس المحرمة بغير الحق، والزنا. {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] . فنصيحتي لنفسي أولاً ولإخواني المسلمين ثانياً المبادرة بالتوبة قبل أن يحل الأجل؛ لأنه إذا حل الأجل لم تنفع التوبة، قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] هذا ليس له توبة. وهذا كلام الله عز وجل والشاهد من الواقع قصة فرعون، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فقيل له: {آلْآنَ} [يونس:91] يعني: أتتوب الآن: {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] فالحاصل أني أنصح نفسي أولاً وأتوب إلى الله مما صنعت، ثم أنصح إخواني ثانياً أن يبادروا بالتوبة قبل أن يحل الأجل ثم لا تنفع التوبة، وما أعظم الندم في تلك اللحظة! ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان مسيئاً ندم ألا يكون استغفر، وإن كان محسناً ندم ألا يكون ازداد، كل ميت يندم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99-100] . فالشباب الذين أنعم الله عليهم بقوة شبابية أنصحهم أن يستغلوا هذه القوة وهذا الشباب فيما يرضي الله عز وجل وهم إذا عودوا أنفسهم على الطاعة سهلت عليهم، بل شق عليهم تركها، والكرة يمكن أن يلعبوها في وقت آخر، نحن لا نحرم عليهم الكرة إذا كانوا يلعبون من غير ترك الواجب، ومن غير الكلام المحرم، ومن غير كشف العورة، لما فيها من الراحة بعض الشيء وتقوية للبدن، والإنسان لا يمكن أن يكون دائماً في جد، فالنفس تمل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً) . الجزء: 56 ¦ الصفحة: 10 حكم الانصراف من مزدلفة بعد منتصف الليل السؤال هل لي أن أنصرف من المزدلفة بعد منتصف الليل إذا كانت الحملة ستنصرف ومعها عدد من العجزة؟ الجواب نعم. لا بأس أن تنصرف، لكن الأولى أن تنتظر قليلاً حتى يغيب القمر؛ لأن السنة لم تقيد الانصراف بنصف الليل، لكنْ كثير من العلماء -رحمهم الله- قيدوه بنصف الليل؛ لأنه إذا مضى نصف الليل ثم دفع فقد بقي أكثر الليل في مزدلفة، لكن الوارد عن السلف كـ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنه إذا غاب القمر دفعوا من مزدلفة، ومغيب القمر في ليلة العاشر تكون عند مضي ثلثي الليل تقريباً، فلو انتظرتم إلى آخر الليل لكان أحسن من الدفع في منتصف الليل. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 11 حكم الخداع والتحايل في شهادات التسنين السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندنا ما يسمى بشهادة التسنين، وهي شهادة لتقدير عمر الشخص في حال عدم وجود شهادة الميلاد له، وتطلب شهادة الميلاد أو التسنين من الشخص في حالات كثيرة، منها: قبوله للدراسة، أو استخراج جواز سفر له أو لعلاجه أو شغله لوظيفة أو سنوات خدمته لتحديد سن الإعفاء من الخدمة، لكن بعض الناس صاروا يحتالون على ذلك، فمع أنهم يملكون شهادات ميلاد أصلية، نجدهم يستخرجون شهادات للتسنين؛ وذلك بقصد الحصول على بعض المصالح الدنيوية، كأن يزاد له في عمره قليلاً من أجل إدخاله في سن مبكرة للمدرسة، أو لأن سنه تخطى المقبول، أو لوظيفة مطلوب لها عمر محدد، وأما أغلب الناس فينقص من عمره سنوات في هذه الشهادة من أجل مصالح كثيرة، كالمنافسة مع الطلبة لدخول كلية الشرطة أو الجيش، أو الحصول على تذاكر سفر مخفضة للشباب وغير ذلك، فما رأيكم في هذه المفاسد وقد ابتلي بها خلق كثير؟ الجواب أولاً: السلام والإنسان جالس مع إخوانه ليس بمشروع، وقد اعتاد كثير من الناس الآن إذا قدَّم السؤال وهو في نفس المكان أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يقرأ السؤال، وكان الصحابة يجلسون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأل السائل بدون أن يقول السلام عليكم ورحمة الله. والسلام إذا لم يكن له سبب شرعي لم يكن مشروعاً، فهنا نقول: قدموا السؤال بلا سلام إلا إذا دخل رجل وسلم ثم سأل. أما موضوع التسنين -يعني: تقدير سنوات عمر الإنسان- فهذا يحتاج إليه من لم يكن معه شهادة ميلاد أو كان عنده شهادة ميلاد وضاعت ونسي السنة التي ولد فيها، فلا بأس أن يحدد ذلك بالتقدير؛ لأنه من القواعد الشرعية أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، وأما من كان عنده شهادة ميلاد فكتمها فإنه آثم، لما في ذلك من الخداع والكذب والتحايل على أنظمة الدولة، وبالتالي أكل المال بالباطل إذا ترتب على ذلك أكل مال. ونأسف أن يقع هذا من المسلمين اليوم؛ لأن هذا من صفات المنافقين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) وهذا خائن وكاذب؛ لأنه سيقول: ليس عندي شهادة ميلاد وهي عنده، وسيأخذ مثلاً على تلك الشهادة المقدرة بالسن مالاً يستحقه لو علم سنه، فيكون في ذلك خيانة فيما هو مؤتمن عليه، والواجب على المسلم أن يترفع عن هذا كله، وأن يعلم أن رزق الله لا ينال بمعصيته، والدليل على أن رزق الله لا ينال بمعصيته وإنما ينال بتقواه، قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] . الجزء: 56 ¦ الصفحة: 12 السنة في قضاء صلاة الليل السؤال فضيلة الشيخ: رجل فاتته صلاة الليل ولم يستيقظ إلا من النهار، فهل يصلي صلاة جهرية أم سرية؟ الجواب إذا فاتت الإنسان صلاة الليل وقضاها في النهار فإنه يقضيها جهراً، وإذا فاتته صلاة النهار وقضاها وقت الليل فإنه يقضيها سراً، والدليل على ذلك السنة القولية والفعلية. أما السنة القولية: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) والهاء تعود إلى الصلاة المنسية أو التي نام عنها، ونحن إذا صليناها نصليها كما كانت، فإذا نام الإنسان عن صلاة الفجر مثلاً ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس نقول: إذا كنت في جماعة فاقرأ جهراً. وأما السنة الفعلية: ففي حديث نوم الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وكانوا في سفر ولم توقظهم إلا الشمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوموا من مكانهم ذلك، وقال: (هذا موضع حضرنا فيه الشيطان، ثم نزلوا فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يصلي كل يوم) وهذا يدل على أنه جهر بالقراءة، فصارت القاعدة الآن: أنه إذا قضى صلاة ليل في نهار فإنه يجهر، وإذا قضى صلاة نهار في ليل فإنه يسر؛ لأن (القضاء يحكي الأداء) . الجزء: 56 ¦ الصفحة: 13 حكم الغبن في البيع والشراء السؤال فضيلة الشيخ: إذا اشترى أحد المسلمين بضاعة من إخوانه بمقدار (2500) ريال، وهي تساوي في السوق (1500) ريال، هل يجوز أن يرفع أمره إلى المحكمة؟ الجواب إذا اشترى سلعة بـ (2500) ريال، وهي لا تساوي إلا (1500) ريال، فإن كان البائع يعلم أن السعر (1500) ريال، ولكنه وجد هذا الرجل الغريب الذي لا يعرف الأسعار وباعها عليه بـ (2500) ، فإنه آثم ولا يحل له ذلك، وإذا علم المشتري بهذا فله الخيار، وهذا يسمى خيار الغبن؛ لأن (1000) من (2500) كثير، وأما لو كان الغبن يسيراً كـ (10%) ، فهذا لا يضر، ولا يزال الناس يتغابون بمثله. أما إذا كان البائع لا يعلم، مثل: أن تكون هذه السلعة بـ (2500) ، ونزل السعر والبائع لا يدري بنزوله، فالبائع غير آثم، لكن حق المشتري باقٍ، وله الخيار؛ لأنه مغبون. وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني الذين يتعاطون البيع والشراء ألا يخدعوا الغريب من الناس، فبعض الناس مثلاً يأتيه صبي أو تأتيه امرأة أو يأتيه جاهل بالسعر، فيقول له: هذا بـ (100) ريال ويرفع السعر، والسعر (80) ريالاً؛ لأنه اعتاد أن أكثر الناس يماكسه وينازله حتى يصل إلى (80) ، فيأتي هذا الرجل الغريب فيقول له بمائة فيشتريها منه ويذهب مع أنه لو راجعه في السعر لنزله إلى (80) . نقول: هذا الفعل حرام، يعني كونه يقول له بـ (100) ويأخذه هذا الرجل الغريب، نقول: هذا حرام عليه، فإذا تعلل بمنازلة الناس له ورغبتهم في التنزيل، قلنا: إذاً: لا بأس، لكن إذا رأيت الرجل سيأخذه بـ (100) وقيمته الحقيقية (80) وجب عليك حين رأيته أخذ السلعة بـ (100) دون كلام أن تخبره بالقيمة الحقيقية للسلعة، وهو سيشكر لك ذلك، فاستغلال جهالة الناس بالأسعار حرام وخيانة. وهنا قاعدة ينبغي لنا جميعاً أن نسير عليها وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فهل تحب أن أحداً يخادعك؟ لا يحب أحد ذلك، إذاً: فلا تخدع الناس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) سر على هذه القاعدة حتى يحصل لك الإيمان الكامل، وحتى تزحزح عن النار وتدخل الجنة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 14 جبر النقص والخلل في الحج السؤال سماحة الشيخ: رجل حج في العام الماضي وأخل ببعض الواجبات وما دونها جاهلاً، وأراد أن يحج هذه السنة حجة متابعاً فيها لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل ينوي بها الفريضة أم أنها تكون نافلة، وتجبر النقص في حجه الماضي؟ الجواب قبل الإجابة على هذا السؤال فلا بد أن نعرف الأشياء التي أخل بها في حجه، فإذا كان ترك شيئاً يبطل الحج كطواف الإفاضة وجب عليه أن يأتي به قبل أن يحج ثانية، وأما إذا كان ترك شيئاً من الواجبات التي لا يبطل الحج بتركها كالمبيت في منى مثلاً، فإن ذلك لا يبطل الحج، ولكن عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على الفقراء؛ نظراً لأن هذا الواجب له بدل، فليذبح البدل، هذا إذا كان قادراً، أما إذا لم يكن قادراً على ذبح الشاة فلا شيء عليه، وينوي أن تكون هذه الحجة الجديدة نافلة؛ لأنه قد حج الفريضة، أرأيت لو أن إنساناً ترك قول: "سبحان ربي العظيم" في فريضة كصلاة الفجر مثلاً، ثم انتهى من الصلاة فتذكر أنه ترك هذا الواجب، فليس عليه أن يعيد الصلاة لأجل ذلك، وإنما يكفيه أن يسجد للسهو. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 15 حكم التداوي بالمحرم السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم التداوي بالمحرم؟ وهل يعتبر البنج وبعض المواد الكحولية التي توجد في بعض الأدوية من المحرم؟ وهل يستوي ذلك في ضرورة أو غير ضرورة؟ الجواب التداوي بالمحرم لا يجوز؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرمه عليها؛ ولأن الله لا يحرم علينا الشيء إلا لضرره، والضار لا ينقلب نافعاً أبداً، حتى لو قيل: إنه اضطر إلى ذلك فإنه لا ضرورة للدواء إطلاقاً؛ لأنه قد يتداوى ولا يشفى، وقد يشفى بلا تداوٍ. إذاً: لا ضرورة إلى الدواء، لكن لو جاع الإنسان وخاف أن يموت لو لم يأكل جاز له أن يأكل الميتة، وأن يأكل الخنزير؛ لأنه إذا أكل اندفعت ضرورته وزال عنه خطر الموت، لكن الدواء لا تمكن الضرورة إليه كما سبق، اللهم إلا في شيء واحد وهو قطع بعض الأعضاء عند الضرورة، فلو حصل في بعض الأعضاء سرطان مثلاً، وقال الأطباء: إنه لا يمكن وقف انتشار هذا المرض إلا بقطع عضو، ومعلوم أن قطع الأعضاء حرام، لا يجوز للإنسان أن يقطع ولا أنملة من أنامله، فإذا قالوا: لا بد من قطع العضو كانت هذه الضرورة إذا تأكدوا أنه إذا قطع انقطع هذا الداء الذي هو السرطان. أما البنج فلا بأس به، لأنه ليس سكراً، والسكر زوال العقل على وجه اللذة والطرب، والذي يبنج لا يتلذذ ولا يطرب، ولهذا قال العلماء: إن البنج حلال ولا بأس به. وأما ما يكون من مواد الكحول في بعض الأدوية فإن ظهر أثر ذلك الكحول بهذا الدواء بحيث يسكر الإنسان منه فهو حرام، وأما إذا لم يظهر الأثر، وإنما جعلت فيه مادة الكحول من أجل حفظه فإن ذلك لا بأس به؛ لأن مادة الكحول ليس لها أثر فيه. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 16 حكم رد السلام والتأمين والصلاة على النبي والإمام يخطب السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم رد السلام والتأمين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حال خطبة الإمام في يوم الجمعة؟ الجواب السلام حال خطبة الجمعة حرام، يعني: لا يجوز للإنسان إذا دخل والإمام يخطب الجمعة أن يسلم، والرد عليه حرام أيضاً، ووجه كون ردِّه حراماً أنه كلام، وهذا خطاب شخص لا يستحق أن يرد عليه؛ لأن القاعدة أن كل من سلم في حال ليس له أن يسلم فيها فإنه لا يستحق الرد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت. يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) مع أنك ناهٍ عن منكر، ومع ذلك يلغو -أي: يحرم- أجر الجمعة. وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الخطبة فلا بأس بذلك، لكن بشرط ألا يجهر به؛ لئلا يشوش على غيره أو يمنعه من الإنصات، وكذلك التأمين على دعاء الخطيب لا بأس به بدون رفع الصوت؛ لأن التأمين دعاء. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 17 زيارة الأقارب وصلة الأرحام السؤال فضيلة الشيخ! شخص اعتاد زيارة أقاربه، وهؤلاء الأقارب عندهم بعض المنكرات في بيوتهم مثل ما يسمى بالدش، علماً بأنهم يعرفون أن حكم هذا حرام، فهل يقطع زيارتهم أو يزورهم؟ الجواب إذا كان له أقارب فإن صلة الأقارب واجبة حتى وإن كانوا على حال لا تُرضي؛ لأن الله تعالى قال: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:14-15] ولم يقل: اقتلهما، بل قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] وكذلك صلة الرحم واجبة حتى مع كون القريب على حال لا ترضى، فيجب عليك أن تصلهم وإن كان عندهم الدش الذي مفسدته أكبر بكثير من مصلحته، وقد استغله أكثر الناس في المحرم، وأضاعوا به أوقاتهم وأموالهم، وفسدت به أخلاق كثير من الناس وأفكارهم. فإن كانوا يشغلونه -الدش- على محرم وأنت حاضر فإنك لا تذهب إليهم حتى لا تشاركهم في المعصية، ومع هذا نشير على الإنسان أن يؤدي حق القريب بالمناصحة، يعني: يذهب ويناصحهم ويبين لهم أن هذا حرام -أي: مشاهدة الأشياء المحرمة حرام- حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من نصيحتهم والإحسان إليهم. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 18 الاعتبار بأداء الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: رجل خرج من بيته مسافراً وأدركته صلاة العصر قبل أن يخرج من البنيان أو المنطقة التي هو فيها، هل يقصر أم يتم الصلاة؟ الجواب إذا أدركت المسافر الصلاة وهو في بلده فإن صلاها في بلده فإنه لا يقصر؛ لأنه لم يخرج، وإن خرج وفي أثناء الطريق صلاها فإنه يصليها ركعتين وإن كان قد أذن وهو في البلد، يعني: العبرة بفعل الصلاة، كما أنه لو دخل عليك الوقت وأنت في السفر ووصلت إلى بلدك قبل أن تصلي فإنك تصليها أربعاً. إذاً القاعدة أن الاعتبار بأداء الصلاة؛ إن أديتها في سفر فاقصر، وإن أديتها في حضر فأتم. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 19 حكم الجمعيات الشهرية بين الموظفين السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز لمن اشترك في الجمعية الشهرية أن يحج بالمال الذي أخذه منها علماً بأنه أول من استلمها؟ الجواب الجمعية أن يتفق الموظفون على أن يخصم كل شخص منهم من راتبه ألف ريال مثلاً، وتعطى للأول، وفي الشهر الثاني للثاني، وفي الشهر الثالث للثالث. وهلم جراً، فهذا جائز ولا بأس به، فإذا صار الإنسان أول من أخذ فمعناه أنه ألزمه دين بما أخذ، ولكن لا بأس بأن يحج بهذا المال؛ لأنه يمكن قضاء هذا الدين ويعرف أنه متى حل أجل هذا الدين أوفاه. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 20 أهمية مراعاة الحكمة في الدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! بعض الدعاة يرون أن نبدأ الدعوة إلى الله بأمور أخرى غير العقيدة لما يرون من انتشار الفتن والمغريات، فما رأيكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب إذا كنت تدعو كفاراً فالواجب البدء بالتوحيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن وقال: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله) وأما إذا كنت تدعو مسلمين لكن عندهم بعض العقائد الفاسدة فلا تجادلهم بإنكار هذه العقائد؛ لأنهم يعتقدون أنها من الدين، ولكن حُثهم على الصلاة، على الصدقة، على الصيام، على الحج، حتى يألفوك ويطمئنوا إليك، ثم بعد ذلك بين لهم ما هم عليه من الخطأ. فيفرق بين حال المدعو؛ لأن الكافر لو بدأته بالتوحيد وأنكر ورفض فهو كافر من الأصل، لكن هذا مسلم وأخطأ في بدعته التي ابتدعها وظنها حقاً. إذاً: لا تبادره؛ لأنه ربما ينفر ولا يقبل منك شيئاً، لكن ادع إلى المسائل التي ليس فيها اختلاف، كمسائل الصلاة والصدقة، والصوم والحج، ثم بعد ذلك إذا اطمأنوا إليك واستأنسوا بك سهل بعد ذلك جداً أن تتعرض لما هم عليه من البدع، وتبين لهم أن البدع حرام وتطلب منهم التخلي عنها والعودة إلى السنة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 21 حكم دم الفساد السؤال فضيلة الشيخ: امرأة حامل في الشهر الثامن، ووافق ذلك أن يكون شهر رمضان، وقد نزل منها الدم قبل أن تضع جنينها ثم وضعت الجنين بعد أربعة عشر يوماً من شهر رمضان، وذلك عن طريق عملية قيصرية، فهل تقضي الأيام التي نزل معها الدم أم لا، مع أنها كانت صائمة؟ الجواب ليس عليها قضاء في الأيام التي صامتها قبل أن تضع الجنين؛ لأن هذا الدم ليس دم نفاس، وليس دم حيض، ويسمى هذا الدم وأمثاله عند العلماء دم فساد؛ لأن ما لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً يكون دم فساد أو استحاضة. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 22 الإحرام من الميقات السؤال فضيلة الشيخ: هناك أناس يأتون من بلادهم قاصدين المدينة فيمرون بالميقات، فهل يلزمهم الإحرام من الميقات ويذهبون إلى المدينة محرمين، أو يذهبوا إلى المدينة دون إحرام ثم إذا رجعوا من المدينة إلى مكة أحرموا من ميقات أهل المدينة؟ الجواب يذهبون بلا إحرام إلى المدينة؛ لأن هؤلاء لم يقصدوا مكة وإنما قصدوا المدينة، فيذهبون إلى المدينة، وإذا رجعوا من المدينة حينئذ يكونون قد توجهوا إلى مكة، فيحرمون من ميقات أهل المدينة وهي " ذو الحليفة " التي تسمى الآن " أبيار علي ". والحمد لله رب العالمين. الجزء: 56 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [57] تحدث الشيخ رحمه الله تعالى عن كيفية أداء فريضة الحج، حيث عدد أنواع المناسك الثلاثة: التمتع والقران والإفراد، وأفضلها: التمتع ثم القران ثم الإفراد، وأسهبها بشيء من التوضيح والتفصيل وبيان الأحكام المتعلقة بكل واحدة منها. ثم أجاب بعد ذلك عن الأسئلة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 1 أنواع مناسك الحج الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والخمسون من اللقاءات التي تتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ذي القعدة (1414هـ) ، وحيث إنه آخر لقاءات هذا الشهر، وآخر اللقاءات قبل موسم حج هذا العام، فإننا سنتكلم الآن على صفة المناسك. المناسك ثلاثة أنواع: النوع الأول: التمتع. النوع الثاني: القران. النوع الثالث: الإفراد. وأفضلها التمتع، ثم القران، ثم الإفراد. فالتمتع: أن يحرم الإنسان عند الميقات بالعمرة، فإذا وصل مكة طاف وسعى وقصر، ثم حل حلاً كاملاً، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يحرم بالحج. أما القران: فهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً عند الميقات، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، وسعى للعمرة والحج، وبقي على إحرامه لا يحل منه إلا يوم العيد. أما الإفراد: فهو أن يحرم عند الميقات بالحج مفرداً، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج، وبقي على إحرامه إلى يوم العيد. وبهذا عرفنا الفرق بين الأنساك الثلاثة، فالتمتع بين العمرة والحج يحل فيه الحاج حلاً كاملاً، وينفرد كل نسك منهما بأفعاله انفراداً تاماً عن الآخر، ففي العمرة طواف وسعي وتقصير، وفي الحج طواف وسعي وحلق أو تقصير. أما القران: فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم العيد وليس بين العمرة والحج حل، وليس على القارن إلا سعي واحد وطواف واحد، وهو طواف الإفاضة. وأما طواف الوداع فهو واجب على الجميع، ولا فرق في الأفعال بين القران والإفراد؛ لأن كل واحد منهما يحرم من الميقات، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه إلى يوم العيد، فليس بين القارن والمفرد فرق من حيث الأفعال، أما من جهة الأجر فالقارن أفضل من المفرد؛ لأنه يحصل على نسكين: حج وعمرة، ويحصل على أجر الهدي، إذ أن الهدي واجب على القارن كالمتمتع. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 2 كيفية حج التمتع نسوق الآن الحج بصفة التمتع فنقول: إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه يغتسل كما يغتسل من الجنابة، ويلبس ثياب الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداءن أبيضان، إما جديدان وهو الأفضل أو نظيفان، ويتطيب في رأسه ولحيته، ولا يطيب ثوبي الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) ثم ينوي الدخول في النسك وهو العمرة، ويلبي فيقول: لبيك اللهم بعمرة، ويستمر على تلبيته، ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. فإذا وصل مكة طاف طواف العمرة، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الباقي، ويسن -أيضاً- أن يضطبع بردائه، والاضطباع: هو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوفاً والكتف الأيسر مستوراً، وهذا الاضطباع يكون في الطواف فقط، وإذا فرغ من الطواف أزاله. عند ابتداء الطواف يستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن لم يتيسر استلمه وقبل يده والاستلام هو مسحه، وإن لم يتيسر استلامه أشار إليه وعندئذ يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره ويستمر في الطواف، وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، إلا ما يقال عند الحجر الأسود وبين الركن اليماني والحجر الأسود، يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] . فإذا وصل في الشوط الأول إلى الركن اليماني مسحه بدون تقبيل، فإن لم يتيسر له المسح لم يشر إليه؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذى الحجر الأسود في المرة الثانية، فإنه يكبر فقط ولا يقول: باسم الله والله أكبر. إلخ؛ لأن ذلك إنما يكون في ابتداء الطواف فقط. فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] ، وصلى ركعتين يخففهما، ويقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بعد الفاتحة، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، فإذا فرغ منهما لم يجلس للدعاء ولا لغيره، بل يقوم ليخلي المكان لغيره ممن يريد أن يصلي خلف المقام. ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] يقرأها قبل أن يصعد إلى الجبل، ولا يقرأها إلا في هذا المكان فقط، إذا أقبل على الصفا أو المروة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأها بعد ذلك. فإذا صعد الصفا استقبل القبلة ورفع يديه ليدعو، فيكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) . ثم يدعو بما أحب، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو المرة الثانية، ثم يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) . ثم ينزل متجهاً إلى المروة -يمشي كعادته- حتى يصل إلى العمود الأخضر وحينئذ يسعى -أي: يركض ركضاً شديداً- حسب ما تيسر له، إذا كان السعي متيسراً وكان المسعى غير مزدحم، فإذا كان مزدحماً بالساعين فليحرص على عدم إيذاء غيره، فيستمر في الركض إلى أن يصل إلى العمود الأخضر الآخر، ثم يمشي مشياً عادياً، فإذا وصل إلى المروة صعدها، واستقبل القبلة، وقال مثلما قال على الصفا هذا هو الشوط الأول. والشوط الثاني: هو الرجوع من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يتم سبعة أشواط، فيكون مبتدئاً بـ الصفا منتهياً بـ المروة، فلو فرض أن إنساناً زعم أنه أكمل سعيه وأنهاه بـ الصفا، فهو إما أنه زاد شوطاً أو نقص شوطاً، فإذا فرغ من السعي قصر، بأن يقص شعر رأسه، ويكون القص من جميع الجوانب وليس من جانبين أو ثلاثة أو أربعة فقط، بل يعم جميع الرأس، وبهذا يحل من إحرامه تحللاً كاملاً ويحل له جميع محظورات الإحرام. ويبقى متحللاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة اغتسل وتطيب برأسه ولحيته، ولبس ثياب الإحرام وأحرم بالحج، وقال: لبيك اللهم حجاً، فإن كان في منى فهو في منى، وإن لم يكن في منى ذهب إليها وبقي فيها بقية يومه الثامن إلى أن يصلي الفجر يوم التاسع، فيصلي في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، ويكون قاصراً صلاته غير جامع، بل يصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاث ركعات، والعشاء في وقتها ركعتين والفجر ركعتين. فإذا طلعت الشمس ارتحل متجهاً إلى عرفة، وإن تيسر له أن ينزل في نمرة -وهي موضع قرب عرفة وليس من عرفة - فلينزل به، وإن لم يتيسر استمر حتى يصل إلى عرفة وينزل فيها، فإذا زالت الشمس أذّن وصلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين جمع تقديم؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتفرغ لاستماع خطبة إمام مسجد نمرة أو مسجد عُرنة، والاستماع الآن متيسر بواسطة الإذاعة ولله الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فلما فرغ أمر بلالاً فأذّن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر. وبعد ذلك يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، وليحرص على الإلحاح في دعاء الله عز وجل في آخر النهار؛ لأنه موطن إجابة، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، وفي هذا اليوم إن شاء يركب السيارة ويدعو الله سبحانه وتعالى وهو راكب على سيارته فهو أحسن إن تيسر، وإن كان بقاؤه في الأرض أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، فما كان أخشع له وأحضر لقلبه فهو أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته راكباً. فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصل أذّن فصلى المغرب، ثم صلى العشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم يبقى في مزدلفة حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعوه، فإن تيسر أن يكون عند المشعر الحرام -أي: عند المسجد الموجود في مزدلفة الآن- فهو أفضل، وإلا فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف) أي: مزدلفة. فإذا أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس سار إلى منى، حتى يصل إلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فإذا أتم سبع حصيات ذهب إلى المنحر فنحر هديه، ثم حلق رأسه، وبهذا يحل التحلل الأول، فيلبس الثياب ويتطيب، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسمى طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة، وليس في هذا الطوف رمل؛ لأن الرمل إنما يكون في طواف القدوم، وليس فيه اضطباع؛ لأن الإنسان قد لبس ثيابه والاضطباع يكون بالرداء. ثم يرجع بعد ذلك إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ذهب إلى الجمرات ليرميها، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى، وحتى لا يؤذيه زحام الناس، فيقف متجهاً إلى القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً كما جاءت بذلك السنّة، وكذلك في الوسطى يفعل كما فعل في الأولى، أما جمرة العقبة فإذا رماها انصرف إلى خيمته. فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر في رمي الجمرات، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى يوم الثالث عشر، والتأخر أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن فيه زيادة خير، فيه زيادة المبيت ليوم الثالث عشر وزيادة الرمي، وكل هذا عمل صالح، لكن الله يسر، لعباده فمن شاء تعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات، ومن شاء تأخر وهو الأفضل. فإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يخرج حتى يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ثم ينصرف إلى بلده. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 3 كيفية حج القران والإفراد أما القران والإفراد: فكما ذكرنا أولاً أنه يطوف أول ما يقدم مكة ويسعى، ثم يبقى على إحرامه، فإذا كان اليوم الثامن خرج مع الناس وأكمل حجه، إلا أنه لا يسعى؛ لأنه قد سعى من قبل، فإن لم يكن سعى من قبل كما يفعل بعض الناس اليوم، يحرم بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة قارناً، ثم يذهب إلى منى ولا يأتي البيت إلا يوم العيد، فمن فعل كذلك فعليه سعي بعد الطواف، أما من سعى بعد طواف القدوم وهو قارن أو مفرد فإنه يكفيه عن السعي في يوم العيد وما بعده. هذه خلاصة أفعال الحج والعمرة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. وليُعلم أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين أساسيين: هما: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تكون المتابعة إلا إذا عرفت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي المناسك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) وقد أخذ الصحابة عنه المناسك -ولله الحمد- ونقلوها إلى الأمة تامّة، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وأن يجزي صحابته رضي الله عنهم خير ما جزى صحابياً من أصحابه، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 57 ¦ الصفحة: 5 أنواع الوقفات في الحج السؤال كم في الحج من وقفات؟ الجواب فيه ست وقفات: وقفة على الصفا، ووقفة على المروة، ووقفة في عرفة، ووقفة في مزدلفة، ووقفة بعد رمي الجمرة الأولى، ووقفة بعد رمي الجمرة الثانية في أيام التشريق. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 6 حكم الانطلاق من مزدلفة في آخر الليل السؤال هل يجوز للإنسان أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؟ الجواب يجوز هذا لمشقة الزحام في النهار، وأما من كان قوياً لا يتأثر بالزحام فإن الأفضل أن يبقى إلى أن يصلي الفجر ويسفر جداً، ثم يدفع إلا أن يكون معه نساء، فيدفع من أجلهن فلا بأس. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 7 حكم رمي الجمرات الثلاث قبل زوال الشمس السؤال هل يجوز أن يرمي الجمرات الثلاث في يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر قبل زوال الشمس؟ الجواب لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمِ إلا بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم) . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 8 حكم رمي الجمرات ليلا ً السؤال هل يجوز الرمي في الليل؟ الجواب أما رمي جمرة العقبة يوم العيد فقد عُلم أنه يجوز أن يدفع في آخر الليل من مزدلفة، وإذا وصل إلى منى قبل أن يطلع الفجر فليرم ولا حرج عليه. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 9 حكم جمع رمي الجمرات الثلاث في يوم واحد السؤال هل يجوز أن يجمع الجمرات الثلاث في يوم واحد بمعنى أنه يؤخر رمي يوم الحادي عشر إلى يوم الثاني عشر؟ الجواب لا يجوز ذلك، بل يجب أن يرمي كل يوم في يومه إلا لعذر، كما لو كان مكانه بعيداً في أقصى منى، ويشق عليه أن يتردد يومياً إلى الجمرات فلا بأس أن يجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً من أجل حاجتهم. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 10 حكم ترتيب أعمال الحج يوم العيد السؤال في يوم العيد يجب على الإنسان خمسة أشياء: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، ثم السعي، فهل يلزم ترتيبها على هذا النحو؟ الجواب الأفضل ترتيبها هكذا، وإن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس يسألونه في يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 11 حكم الإقامة في بلد الكفار لغرض الدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) والآن نجد مئات الآلاف من المسلمين يقيمون بين ظهراني المشركين، وقد ذهب محسنون فبنوا معاهد إسلامية هناك من أجل تعليم أبناء المسلمين أولاً والدعوة إلى الله ثانياً، فهل إذا طلب من معلم أن يذهب ويقيم هناك ليعلم أو ليدعو إلى الله هل يجوز له أن يقبل؟ الجواب الإقامة بين ظهراني المشركين لا شك أنها ضرر، وأن الإنسان يعرض نفسه للفتنة والشر، ولكن إذا كان في الإقامة خير أكبر مثل أن يذهب هناك ليدعو الناس إلى دين الله أو ليعلم أبناء المسلمين العقيدة الصحيحة فإن هذا لا بأس به؛ لأن المصلحة هنا أكبر من المفسدة المتوقعة، على أنه يمكن أن يُحمل الحديث (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) على أن المراد بذلك من لم يتمكن من إظهار دينه، وأما من تمكن من إظهار دينه فإنه لا يدخل في الحديث، لكن الأولى أخذه على العموم، فإذا كانت إقامته أنفع للإسلام والمسلمين فلا حرج. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 12 من آداب استماع القرآن السؤال سماحة الشيخ: في بعض السيارات تكون سماعات المسجل محاذية للأقدام، وقد توضع الأقدام والحذاء على السماعة. والسؤال هو: عندما يشغل القرآن فهل يكون في هذا امتهان لكتاب الله تعالى؟ وهل يقاس هذا الفعل على فتواكم على من يمد أقدامه أمام كتاب الله تعالى، نرجو التوجيه والله يحفظكم؟ الجواب إذا كانت السماعات كما ذكر تحت الأقدام أو عند حذاء الأقدام، فإنه لا يفتحه على القرآن الكريم؛ لأن كون القرآن الكريم يسمع من تحت قدم الإنسان لا شك أن فيه إهانة للقرآن، وإذا كان الإنسان لا بد أن يستمع إلى القرآن فليرفع السماعة عن محاذاة الأقدام. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 13 سبب عدول الخلفاء الراشدين عن حج التمتع إلى الإفراد السؤال لماذا عدل الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم عن التمتع إلى الإفراد، وهم من أحرص الناس على الخير؟ الجواب عدل الخلفاء الراشدون إلى الأمر بالإفراد تأولاً منهم رضي الله عنهم، حيث رأوا أن الناس إذا تمتعوا وأخذوا الحج والعمرة في سفرٍ واحد بقي البيت ليس له من يعمره بالطواف والسعي؛ لأن الأسفار في ذلك الوقت كانت شاقة، فيصعب على الإنسان أن يتردد إلى البيت، فإذا حصل لهم عمرة وحج في سفر واحد واقتصروا على ذلك بقي البيت في بقية السنة مهجوراً، فرأوا أن الإفراد أفضل من أجل أن يبقى معموراً طوال السنة، وتأولوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أجل أن تزول العقيدة الفاسدة التي كانت في الجاهلية، وهي أن أهل الجاهلية يقولون: لا يمكن العمرة في أشهر الحج، ويقولون: إذا انسلخ صفر، وبرئ الدبر، وعفا الأثر، حلت العمرة لمن اعتمر. أي: لا تعتمر إلا بعد أن تمضي مدة بعد الحج، والقصد في ذلك أن يبقى البيت دائماً معموراً، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في منسكه: إذا أفرد العمرة في سفر؛ فإن الإفراد أفضل بلا خلاف. هكذا قال رحمه الله. ولعله أخذه من عمل الخلفاء الراشدين، لكن في النفس من هذا شيء، فيقال: التمتع أفضل مطلقاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به وحتم فيه، ولم يقل: إلا من أتى بعمرةٍ من قبل، فلما لم يستثنِ عُلم أن التمتع أفضل، وأن ما ذهب إليه الخلفاء الراشدون إنما هو على سبيل التأويل، ولكن الأخذ بعموم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أولى. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 14 معنى (السلفية) وحكم الانتساب إليها السؤال فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً: نريد أن نعرف ما هي السلفية كمنهج، وهل لنا أن ننتسب إليها؟ وهل لنا أن ننكر على من لا ينتسب إليها، أو ينكر على كلمة سلفي أو غير ذلك؟ الجواب السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية. وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية، فـ السلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً. لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون! انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم أيضاً في مسائل الفقه يختلفون كثيراً، في النكاح، والفرائض، والبيوع، وغيرها، ومع ذلك لا يضلل بعضهم بعضاً. فـ السلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ويضلل أفراده من سواهم فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء. وأما السلفية اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) فهذه هي السلفية الحقة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 15 حكم نقل الوقف من المسجد السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز نقل الوقف على المسجد، مثل الدولاب إذا ضيّق على المسجد وإذا لم يكن للمسجد حاجة إليه؟ الجواب نعم. يجوز نقل الوقف إذا كان ذلك أصلح، فإذا استغني عن شيء بالمسجد كفراش أو دولاب أو غيره نقلناه إلى مسجد آخر بعينه إذا أمكن، وإن لم يمكن قمنا ببيع هذه الأشياء وأنفقنا ثمنها على المسجد، أما إذا كان من الأوقاف فإن الأوقاف هي التي تتصرف في ذلك وتفعل ما هو الأصلح. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 16 حكم من صلى نافلة مع من فاتته صلاة الجماعة السؤال رجل صلى الفجر في جماعة، ثم أتى رجل آخر تأخر عن صلاة الجماعة وطلب من الأول أن يصلي معه كنافلة ويكسب الآخر أجر الجماعة، فما حكم ذلك؟ الجواب لا بأس إذا دخل رجل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر وقد فاتته الصلاة أن يقوم معه آخر فيصلي معه ويتصدق عليه، فالقاعدة: أن كل صلاة نافلة لها سبب فليس فيها وقت نهي، كتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال وقت النهي، والصدقة على إنسان دخل بعد صلاة الفجر وما أشبه ذلك. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 17 من مات في رمضان وكان مريضاً من قبل دخول رمضان السؤال فضيلة الشيخ! لي أم مرضت قبل رمضان بتسعة أيام، وأخذت من رمضان خمسة أيام ثم توفيت، هل عليها صوم أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب إذا كان مرضها لا يُرجى شفاؤه أطعم عنها عن كل يوم مسكيناً؛ لأن كل إنسان يأتيه رمضان وهو في مرض لا يرجى منه الشفاء فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 18 حكم الترتيب بين السعي والطواف في الحج السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز السعي يوم العيد وتأخير الطواف إلى يوم الثالث عشر أو الرابع عشر أو الخامس عشر أو السادس عشر؟ الجواب معنى السؤال أن الشخص إذا سعى للحج يوم العيد وأخر طواف الإفاضة إلى الخروج حتى يكفيه عن طواف الوداع فهل يجوز؟ نقول: لا بأس بهذا؛ لأن الترتيب بين السعي والطواف في الحج ليس بواجب، والدليل على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف يوم العيد وجعل الناس يسألونه عن التقديم والتأخير فما سُئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) . كذلك أيضاً: لو أنه أخر الطواف والسعي إلى حين خروجه فإنه لا بأس؛ لأن السعي بعد الطواف لا يمنع أن يكون آخر عهده بالبيت، لكن يجب عليه إن أخر طواف الإفاضة إلى الخروج أن ينوي به إما طواف الإفاضة فقط وإما طواف الإفاضة والوداع، أما أن ينوي به طواف الوداع فقط فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأن الذي يؤخر طواف الإفاضة الذي هو طواف الحج إلى الخروج إما أن ينويهما جميعاً فهذا له ما نوى، أو ينوي طواف الإفاضة فقط فهذا يكون طواف إفاضة ويسقط به طواف الوداع، وإما أن ينوي طواف الوداع فهذا يحصل له طواف الوداع ولكن لا يجزئه عن طواف الإفاضة وحينئذٍ يرجع وهو لم يستكمل حجه، فلينتبه لهذا. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 19 من وكِّل في حج فعليه فعل الأفضل السؤال فضيلة الشيخ! الذي ينوب عن العاجز لمرض أو وفاة في أداء المناسك، ما هي صفة ما يقوم به هذا النائب؟ وهل له أن يختار حج التمتع أو الإفراد؟ الجواب النائب يقول: لبيك عن فلان. ويجب على النائب أن يتمتع؛ لأن التمتع هو أفضل الأنساك، وكل إنسان وكل في شيء فالواجب عليه اتباع الأفضل، إلا إذا اختار موكله خلاف ذلك؛ لأن الوكيل مؤتمن ويجب عليه فعل الأصلح. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 20 حكم من وكَّل جمعية بذبح هديه السؤال فضيلة الشيخ: رجل حج ولم يستطع أن يذبح الهدي بنفسه، ولكنه وكل جمعية بذلك، فهل عليه شيء؟ الجواب نقول: إن الأفضل أن يذبح الهدي بنفسه، أو يوكل مسلماً ويحضر ذبحه لأجل أن يأخذ منه شيئاً يأكله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين أهدى مائة بعير أمر من كل بعير بقطعة فجعلت بقدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وهذه مسألة للأسف يغفل عنها الكثيرون، وأما ما يتعلق بالإجابة على سؤال السائل: فإن الذبح يجزئ، ما دام وكل إنساناً أو جمعية معتمدة وموثوقاً بها. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 21 لا علاقة للنحر بالتحلل الأول السؤال فضيلة الشيخ: وضعت مدرسة مجلة وذكرت أن التحلل الأول لا يكون إلا بفعل ثلاثة أشياء: الرمي، والنحر، والحلق. والتحلل الثاني: بالطواف والسعي، فما رأيكم في ذلك؟ الجواب هذا ليس بصحيح؛ لأن النحر ليس له علاقة بالتحلل، فلو لم تنحر إلا في اليوم الثالث حللت، ولهذا لو رمى وحلق وطاف وسعى حل التحلل الأول كله وإن لم يكن ذبح الهدي؛ لأن النحر لا يجب على كل حاج، إنما يجب على المتمتع والقارن، ولهذا لم يتعلق به التحلل. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 22 حكم الكفارة على من قتل إنساناً خطأً ثم مات السؤال هناك شخصان حصل لهما حادث، ونعرف أن السائق لو عاش يعتبر عليه كفارة قتل خطأ، وتُوفي السائق فهل عليه شيء يلحق على القتل الخطأ؟ الجواب هذا الذي قتل إنساناً خطأً ومات ليس عليه شيء؛ لأنه لم يتمكن من الفعل، وقد قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 23 حكم ركعتي الطواف خلف المقام والمطاف مزدحم السؤال فضيلة الشيخ: هل تجب صلاة ركعتي الطواف خلف المقام وإن كان المطاف مزدحماً؟ الجواب الأفضل في ركعتي الطواف أن تكون خلف المقام، لكن إذا كان المطاف مزدحماً ووصل الطائفون إلى المقام فلا يجوز أن تصلي في المكان الذي يحتاج إليه الطائفون؛ لأن في ذلك إيذاءً لهم وتضييقاً عليهم، ويحصل لك انشغال وتشويش، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان وهو مشغول البال، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ومدافعة الناس الطائفين وأنت تصلي أشد من مدافعة الأخبثين، وفي هذه الحالة نقول: صلِّ في أي مكان في المسجد، لكن الأفضل أن تجعل المقام بينك وبين الكعبة ولو كنت بعيداً. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 24 حكم من أخذ من عماله أجرة مكان العمل السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: شخص لديه محل خياطة واتفق هو وعماله الذين يعملون تحت كفالته بأن يأخذ منهم في نهاية الشهر مبلغاً من المال قدره خمسمائة ريال، وذلك مقابل أجرة المكان الذي يعملون فيه وهم راضون ومسرورون بذلك، فهل يجوز له ذلك؟ الجواب هذا الفعل لا يجوز؛ لأن كون الإنسان يأتي بعمال ويجعلهم في هذا الدكان يعملون ويأخذ منهم كل شهر خمسمائة ريال أو أقل أو أكثر محرم؛ لأنه ظلم لهؤلاء العمال، فالعامل قد يحصل على خمسمائة في الشهر وقد لا يحصل، ثم فيما أظن أنه مخالف لنظام ولاة الأمر، وولاة الأمر تجب طاعتهم فيما نظّموه ما لم يكن هناك معصية. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 25 حكم التصوير بجهاز الفيديو السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو، مثل تصوير سباق الخيل وما أشبه ذلك؟ الجواب إذا لم يكن فيه مضرة فلا بأس به، وأما تصوير سباق الخيل فقد يكون فيه مصلحة وهي الاهتمام بالخيل وركوبها، وهو أمر مشروع. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 26 حكم من أوصى للفقراء بثلث دخله السنوي السؤال رجل تُوفي وله زوجة وأخت من أبيه واثنان من أبناء أخيه، وأوصى هذا الرجل بثلث دخله السنوي أن تذبح باسمه أضحية كل سنة، وأن يوزع بقية الثلث على الفقراء والمساكين، فكيف تكون القسمة بين الورثة؟ الجواب يخرج الثلث للوصية ويصرف فيما قاله الموصي، ثم يقسم الباقي على ورثته هكذا؛ للزوجة الربع، وللأخت من الأب النصف، والباقي لأبناء أخيه. السائل: وإذا كان أوصى أن ينفق باقي الثلث على الفقراء والأقارب وليس له أقارب، فأين ينفق الباقي؟ الشيخ: على فقراء المسلمين. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 27 وجوب إعفاء اللحية السؤال فضيلة الشيخ: نسمع أن إعفاء اللحية سنّة فكيف يكون تاركها آثماً، علماً بأن السنة هي: ما أثيب فاعلها ولم يعاقب تركها؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك السنة تطلق على الواجب والمستحب، وكونها تطلق على المستحب فقط اصطلاح من الفقهاء، ولهذا قال أنس بن مالك: [من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً، ثم دار]-أي: قسم بين الزوجتين- والسنة هنا بمعنى الواجب. وسئل ابن عباس عن الرجل يصلي وهو مسافر ركعتين، فإذا صلى خلف الإمام صلى أربعاً، قال: [سنة نبيكم أو قال: تلك هي السنة] مع أن إتمام المسافر خلف من يصلي أربعاً واجب. فإذا كان أحد العلماء عبر أنها سنة وهو من العلماء السابقين فيعني أنها واجبة، أي: أن إعفاء اللحية واجب، أما من عبَّر بأنها سنة من المتأخرين بعد الاصطلاح الذي اصطلحه الفقهاء فهو يعني أنها سنة لا يأثم تاركها، أي: أن إعفاء اللحية سنة لا يأثم به، لكن هذا القول مرجوح وضعيف، والصواب أنها سنةٌ واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فيكون حلقها من هدي المشركين، وهدي المشركين واجب الاجتناب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) . الجزء: 57 ¦ الصفحة: 28 الشك في رمي الجمرات السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الذي يرمي زيادة عن سبع جمرات خوفاً من أن بعضها لم يسقط في الحوض؟ الجواب لا بأس إذا شك الإنسان هل رمى بسبع أو بأقل فيرمي احتياطاً حتى يطمئن أنه رمى بسبع حصيات وقعت في الحوض، المقصود أن تقع الحصيات في الحوض، فليحرص الإنسان أن يكون قريباً من الحوض بقدر المستطاع. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 29 معرفة التحلل الأول السؤال ما هو التحلل الأول؟ الجواب إذا رميت جمرة العقبة يوم العيد وحلقت فقد تحللت التحلل الأول. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 30 مشروعية الحج كل عام السؤال فضيلة الشيخ: رجل يستطيع الحج كل سنة وقال له بعض الناس: إن في هذا إيذاء للحجاج، فهل هذا صحيح؟ الجواب الصحيح أن الحج مشروع كل سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب فيه وقال: (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) لكن إذا كنت تخشى الفتنة من تكرار الحج؛ وذلك بما يحدث من مشاهدة النساء والمزاحمة الشديدة بين الرجال والنساء وقد أديت الفريضة فهنا قد يقال: ترك الحج أفضل، واصرف الدراهم التي كنت تريد الحج بها في أعمال البر والصدقات، وذلك لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. أما الرجل الذي يحج ويؤدي الحج بتؤدة وبأدب شرعي ويمكن أن يستفيد الناس من علمه أو عمله وخلقه فهذا يشرع له أن يحج كل عام. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 31 حكم حج نساء مكة بدون محرم السؤال فضيلة الشيخ: بعض النساء من داخل مكة يذهبن إلى الحج بدون محرم مع جماعات من النساء عن طريق النقل الجماعي، فهل هذا جائز؟ الجواب الصحيح أنه لا يجوز للمرأة أن تحج إلا بمحرم، حتى وإن كانت من أهل مكة؛ لأن ما بين مكة وعرفات سفر على القول الراجح؛ ولهذا كان أهل مكة يقصرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المشاعر. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 32 حكم السترة في الصلاة السؤال هل يأثم من يترك السترة في الصلاة؟ الجواب إذا قلنا: إنها واجبة أثم، ولكن الصحيح أنها ليست بواجبة، بل هي سنة مؤكدة إلا للمأموم، فإنه لا يتخذ السترة؛ لأن سترة الإمام سترة له، وعلى هذا فلا يأثم المصلي إذا صلى دون سترة. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 33 حكم مخالفة منهج السلف في معاملة الحكام السؤال فضيلة الشيخ: ذكرتم في كلامكم عن السلفية، فالسؤال هو أن هناك رجلاً يظهر عليه اتباع السلف وعقيدته سليمة، وعنده من الحسنات الكثير، لكنه خالف السلف في منهج معاملة الحاكم، فهل يخرج من السلفية ويبدع؟ الجواب لا شك أن منهج السلف هو الصبر على أذى الحكام، والدعاء لهم، وإقامة الجُمع والأعياد معهم، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية: من طريقة أهل السنة والجماعة إقامة الجُمع والأعياد والحج والجهاد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً. وكما كان الإمام أحمد وغيره من الأئمة يعاملون الأمراء بما يقتضيه الحال من الدعاء لهم وسؤال الهداية لهم، وعدم إفشاء معايبهم أمام الناس، فالسكوت على الخطأ غلط، ونشر الخطأ غلط، والصواب بين هذا وهذا، كما هو في جميع الأشياء، هو الوسط، والوسط خير: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] . أما مسألة كونه يخرج عن السلفية أو لا يخرج فهذا شيء آخر، إنما الكلام على أن مذهب السلف هو الصبر على الأمراء والدعاء لهم، وعدم إثارة الناس عليهم، وتسكين الأمور، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) ففي هذه المسألة التي وقع السؤال عنها خرج هذا الرجل عن مذهب السلف في معاملة الحكام، لكن قد يكون على مذهب السلف من وجه آخر. وهذه المسألة من أخطر ما يكون على العامة وعلى ولاة الأمور وعلى الجميع؛ لأن الناس إذا شحنت قلوبهم ببغض ولاة الأمر فسدوا وصاروا يتمردون على أمره ويخالفونه، ويرون الحسنة منه سيئة، وينشرون السيئات ويخفون الحسنات، وإذا زيد على ذلك التقليل من شأن العلماء فسد الدين أيضاً، فتمرد الناس على الأمراء اختلال للأمن، وتمرد الناس على العلماء فساد للشريعة؛ لأن الناس إذا لم يثقوا بعلمائهم بشريعة الله فبمن إذاً يثقون بالجهال؟! أو كل واحد من الناس يركب رأسه ويفتي نفسه بنفسه وهذا لا يستقيم. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 34 حكم من اعتمر في أشهر الحج ثم عاد إلى بلده وهو يريد الحج السؤال رجل اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده بعد العمرة، وبلده تبعد مسافة قصر، وهو يريد أن يحج في نفس العام فهل يعد متمتعاً؟ الجواب إن أتى بعمرة ثانية وحل منها ثم أحرم بالحج صار متمتعاً بالعمرة الثانية، أما إذا لم يأت بعمرة ثانية فإنه لا يكون متمتعاً بالعمرة الأولى؛ لأنه رجع إلى بلده، والمتمتع إذا رجع إلى بلده ثم عاد محرماً بالحج صار مفرداً؛ لأنه فصل بينهما بفاصل الإقامة في بلده، فأنشأ للحج سفراً جديداً وهذا هو المشهور أو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أصح. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 35 الرد على من قال بوجوب التمتع في الحج السؤال فضيلة الشيخ حفظكم الله: كيف يكون الرد على من قال بوجوب التمتع؟ الجواب الرد يكون من وجهين: الوجه الأول: ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سئل عن فسخ الحج مفرداً أو قارناً إلى العمرة ليصير متمتعاً، قيل له: ألكم خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل لنا خاصة. الوجه الثاني: أن القائل بالوجوب ليس أعلم من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا أفقه في دين الله منهما. فإذا قال قائل: أما الأول فإنه معارض عن قول أبي ذر بأن سراقة بن مالك بن جعشم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحلوا واجعلوها عمرة قال: ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل لأبد الأبد) وهذا يدل على أنه ليس خاصاً بالصحابة، قلنا: نخرج من هذا بأن مراد أبي ذر رضي الله عنه: الوجوب للصحابة خاصة، وأما بقية الناس فهو للاستحباب. وبهذا نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره بالتمتع وبين قول الخلفاء الراشدين بأن الوجوب في حق الصحابة؛ لأنهم الذي وُجِهوا بالخطاب، ومعصيتهم للرسول تؤدي إلى أن من بعدهم يعصيه من باب أولى؛ لأنهم أسوة، ثم إن الإشكال الذي يوجد عند الناس في ذلك الوقت، أنه لا يجمع بين العمرة والحج في سفرٍ واحد قد زال بتحلل الصحابة رضي الله عنهم فزال سبب الوجوب هكذا الجواب. والصحيح أن التمتع أفضل وليس بواجب. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 36 حكم إمامة المسافر بالمقيم السؤال قوم كانوا على سفر، فأدوا صلاة المغرب والعشاء جمع تأخير، فهل للمقيم أن يأتم بهم في صلاة المغرب وهو ينوي صلاة العشاء، ثم يأتي بالركعة الرابعة بعد تسليم الإمام المسافر؟ الجواب يجوز للإنسان المقيم أن يصلي العشاء خلف من يصلي المغرب، وإذا سلم من صلاة المغرب أتى بالركعة الباقية. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 37 حكم البضائع التي عليها صور اللاعبين السؤال فضيلة الشيخ طرحت في الآونة الأخيرة بعض البضائع عليها صور اللاعبين، فما حكم ذلك؟ وإذا كانت هذه الصور عبارة عن ملصق وقام المشتري بإزالته وجد تحتها جائزة فما الحكم؟ الجواب أرى أن هذه البضاعة التي عليها صور اللاعبين تهجر وتقاطع؛ لأننا نسأل: ما فائدة الإسلام والمسلمين من بروز هذا اللاعب وظهوره على غيره؟ أعتقد أن كل إنسان سيكون جوابه بالنفي: لا فائدة من ذلك، فكيف نعلن عن أسماء هؤلاء وننشر صورهم وما أشبه ذلك؟! وكان الذي ينبغي أن يعدل عن هذا إلى مناصحة اللاعبين بالتزام الآداب الإسلامية: من ستر العورة، والمحافظة على الصلاة في الجماعة، وعدم التنافر فيما بينهم، وعدم التشاتم، وألا يستولي عليهم تعظيم الكافر إذا نجح في هذه اللعبة على غيره، هذا الذي ينفع. فأرى أن تهجر هذه البضاعة وتقاطع، ثم إن الغالب أن هذه الشركة لم تضع الجوائز إلا لأنها تعرف أنها ستربح أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما وضعت. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل البصيرة في دين الله عز وجل، وأن يحمي بلادنا وشبابنا وديننا من كل مكروه وسوء إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 57 ¦ الصفحة: 38 لقاء الباب المفتوح [58] في هذا اللقاء تفسير الآيات الأخيرة من سورة الأعلى، وما فيها من العبر والعظات، ثم تأتي الإجابة عن الأسئلة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الأعلى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والخمسون من اللقاء المفتوح، والذي ابتدأناه بعد انتهاء موسم الحج في يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1414هـ) ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم عامنا هذا بالخير والعفو والمغفرة. وقد بقي علينا من تفسير سورة الأعلى قول الله تبارك وتعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:9-19] . الجزء: 58 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من تزكى) قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] هذه الجملة جملة فعلية مؤكدة بـ (قد) : {قَدْ أَفْلَحَ} [الأعلى:14] والفلاح كلمة عامة يراد بها النجاة من المكروه والفوز بالمحبوب. وقوله: {مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] أي: من تطهر ظاهره وباطنه، فتطهر باطنه من الشرك بالله عز وجل ومن الشك، ومن النفاق، ومن العداوة للمسلمين، ومن البغضاء لهم، وغير ذلك مما يجب أن يتطهر القلب منه، وتطهر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عباد الله عز وجل؛ فلا يغتاب أحداً، ولا ينم عند أحد، ولا يسب أحداً، ولا يعتدي على أحد بضرب، أو جحد مالٍ، أو غير ذلك، فالتزكي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهراً أو باطناً. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وذكر اسم ربه فصلى) قال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] ذكر اسم ربه، أي: ذكر الله، ولكنه تعالى ذكر الاسم من أجل أن يكون الذكر باللسان؛ لأن الذكر باللسان ينطق اللسان فيه باسم الله، فيقول مثلاً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيذكر اسم الله. وقد ذكر بعض العلماء أن المراد بذكر اسم الله هنا خطبة الجمعة؛ لقوله بعد ذلك: {فَصَلَّى} [الأعلى:15] ولكن الصحيح أنها أعم من هذا، وأن المراد به كل ذكر اسم لله عز وجل، أي: كلما ذكر الإنسان اسم الله اتعظ وأقبل على الله وصلى، والصلاة معروفة: هي عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا) ثم قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] (بل) هنا للإضراب الانتقالي؛ لأن (بل) تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي، أي: أنه سبحانه وتعالى انتقل عن الكلام ولم يبطله؛ انتقل ليبين حال الإنسان أنه مؤثر للحياة الدنيا؛ لأنها عاجلة، والإنسان خلق من عجل، ويحب ما فيه العجلة، فتجده يؤثر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصفها دنيا؛ دنيا زمناً ودنيا وصفاً. أما كونها دنيا زمناً فلأنها سابقة على الآخرة فهي متقدمة عليها، والدنو بمعنى القرب، وأما كونها دنيا وصفاً أي: ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان فإن منتهاها الفناء، ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمر بك يومٌ في سرور إلا وأعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر: فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ تأمل حالك في الدنيا، تجد أنه لا يمر بك وقت ويكون الصفو فيه دائماً، بل لابد من كدر، ولا يكون السرور دائماً، بل لابد من حزن، ولا تكون الراحة دائماً، بل لابد من التعب. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والآخرة خير وأبقى) قال تعالى: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17] الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] كذلك أيضاً هي أبقى من الدنيا؛ لأن بقاء الدنيا -كما أسلفنا- زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إن هذا لفي الصحف الأولى) وقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:18-19] (إِنَّ هَذَا) أي: ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، وينسى الآخرة مع كونها خيراً من الدنيا، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ {لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} [الأعلى:18] أي: السابقة على هذه الأمة، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:19] وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيهما من المواعظ ما تلين به القلوب، وتصلح به الأحوال، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقاه الله عذاب النار. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 58 ¦ الصفحة: 8 حكم المخيمات القبلية في الأعياد والعطل السؤال ظهرت في الفترة الأخيرة مخيمات لاجتماع بعض القبائل في الأعياد، وأحياناً يكون ذلك في العطل، فهذا مخيم القبيلة الفلانية، وذاك مخيم القبيلة الفلانية، وأحياناً يكون الاجتماع في قصور الأفراح، أو في المزارع، فهل يدخل ذلك تحت العصبيات القبلية التي حرمها الإسلام، مع العلم أنها قد تتطور في المستقبل إلى نزاعات وعصبيات وتفاخر بين القبائل؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: كثيرٌ من القبائل بدءوا يجتمعون في الأعياد، أو في العطل من جميع أنحاء المملكة، وهذه بالنظر إلى أصلها فيها صلة رحم؛ لأن الأقارب يجتمع بعضهم إلى بعض، ويتدارسون أحوالهم، وربما حصل بذلك إعانة المحتاج وإغاثة الملهوف، ولكن الأمر قد يكون خطيراً فيما لو تطور هذا إلى تعصب للقبائل، ونسيان للآخرين من المؤمنين، وما دمنا لم نر هذا المحذور فإننا لا ننهى عنه، ونرى أن فيه خيراً وبركة، ولكن إذا كان في المستقبل يتطور إلى كلمات وقصائد يكون فيها المدح لهذه القبيلة، والتعرض لغيرها بالنقص والعيب؛ فحينئذ سيكون النهي. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 9 حكم التعامل مع رجل عنده أخطاء في العقيدة وغيرها السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: إذا كان هناك رجل عليه بعض الملاحظات، سواء كانت في العقيدة أو في غيرها، وفيه خير كثير، ما هو ضابط التعامل معه والاستفادة منه إذا كان صاحب قلم سيال، أو منصب مرموق، أو لديه من الطاقات ما ليس عند غيره؟ الجواب إذا كان هذا الرجل مجاهراً بما عنده من البدعة؛ فإنه لا ينبغي للإنسان أن يتعامل معه وأن يتردد عليه؛ لأنه وإن كان لا يتأثر به فقد يغتر به غيره، بمعنى: أن الناس ينخدعون ويظنون أن هذا المبتدع على حق، فالذي ينبغي ألا يتردد الإنسان على أهل البدع، مهما استفاد منهم مالياً أو علمياً؛ لما في ذلك من التغرير بالآخرين. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 10 موقف الرجل تجاه ما يحصل بين أمه وزوجته السؤال فضيلة الشيخ: امرأة تعيش مع زوجها وأم زوجها في بيت واحد، ولكن أم الزوج تؤذي هذه الزوجة بالكلام، والسب، والشتم، والاحتقار مرات كثيرة، فهل من حق هذه الزوجة أن تطلب بيتاً لها ولأطفالها، مع العلم أن أم الزوج يعيش معها زوجها وابنتها الصغرى، ويستطيعون أن يخدموا أنفسهم بدون تعب؟ وما هو الموقف الصحيح للزوج من تصرفات أمه تجاه زوجته؟ ثم هل يقال: إن بقاءه مع أمه في بيت واحد مع هذه المشاكل يعد من البر؟ أفيدونا مأجورين. الجواب إذا كان هذا الشخص يستطيع تعديل هذا الوضع فليعدله، وإذا لم يكن هذا فلا أرى أن تبقى الزوجة مع أم زوجها على هذه الحال؛ لأنه ستكون الحياة نكداً على الزوجة، وعلى أم الزوج، وعلى الزوج نفسه، والقلوب كالزجاج، إذا انكسر فإنه لا ينجبر. إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يجبر فعليك أن تفعل عدة أمور: أولاً: انظر من المخطئ. ثانياً: عدّل الخطأ إن استطعت. ثالثاً: إذا لم تستطع فليس من المصلحة أن تبقى الزوجة عند أم زوجها مع هذه المشاكل. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 11 موقفنا مما حصل بين الصحابة من القتال السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: أنا مدرس لمادة التاريخ، ونتناول في مادة التاريخ في منهج الصف الأول المتوسط معركتي صفين والجمل، ونواجه بعض الأسئلة من الطلاب: كيف يتقاتل الصحابة فيما بينهم؟ وكذلك يوردون علينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) فما هو موقفنا في هذه الحالة؟ الجواب موقفنا في هذه الحال أن نقف كما يقف أهل السنة والجماعة نحو ما شجر بين الصحابة، وهو أن نقول: هذه دماء طهر الله سيوفنا منها، فلنطهر ألسنتنا منها، وفي ذلك يقول الناظم: ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجردا فهم مجتهدون، وليس كل مجتهد يكون مصيباً، فالإنسان قد يجتهد ويخطئ، فهذا الاجتهاد الذي وقع منهم لا شك أنه وقع عن خطأ، والخطأ إذا صدر عن اجتهاد فإنه مغفور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، فإن أخطأ فله أجر) . فالواجب: إذا جاءنا سؤال من الطالب: كيف يكون هذا من الصحابة؟ أن نقول: الله أعلم. الواجب أن نكف ألسنتنا عن ذلك ولا نسأل، ونقول: كل منهم مجتهد، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 12 حكم طواف الوداع قبل انتهاء الرمي، وحكم التوكيل في الرمي السؤال مجموعة من الناس رجال ونساء يحجون، فإذا جاء اليوم الثاني عشر ينزلون بنسائهم صباحاً إلى الكعبة ليطفن طواف الوداع، ثم يرجعونهن إلى خيامهم في منى، ويرمون عنهن وعن أنفسهم، ثم ينزل الرجال للمرة الثانية إلى الكعبة ليطوفوا طواف الوداع، ثم يرجعون إلى أهليهم، فهل هذا العمل صحيح بحق نسائهم؟ مع العلم بأنهم يفعلون ذلك أثناء الزحام فقط، وهل عليهم دم أم لا؟ مع العلم بأن النساء لسن مريضات. الجواب طواف الوداع لا يجوز إلا بعد انتهاء النسك تماماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وإذا طاف الوداع ثم عاد فرمى فقد جعل آخر عهده بالرمي، فمن طاف قبل انتهاء النسك فطوافه في غير محله، وإذا لم يعده بعد انتهاء النسك فعليه دم، يذبحونه في مكة ويوزعونه على الفقراء، فصار الآن على كل واحد من هؤلاء -رجالاً ونساءً- دم لطواف الوداع؛ لأنه وقع في غير محله. وأما بالنسبة للرمي، فإذا كانوا متعجلين وكان الزحام شديداً فأرى أن النساء يوكلن حتى ولو كن نشيطات؛ لأنه زحام شديد، والمرأة -مهما كان- ضعيفة، وأما إذا كان عادياً غير شديد فإنهن لا يوكلن، فينظر في الأمر، فإذا كن وكلن مع قدرتهن في نفس الوقت على الرمي بأنفسهن؛ فهذا التوكيل غير صحيح، وعلى كل واحدة منهن دم، وأما إذا كان هناك حالة زحامٍ شديد؛ فإنه لا بأس أن يوكلن. وهنا أنبه على هذه المسألة وهي مسألة الرمي، فإن كثيراً من الحجاج يتهاون بها ويوكل مع قدرته، وهذا لا يصح منه؛ لأن رمي الجمرات من جملة النسك، وقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} [البقرة:196] فكما أنك لا تقول للإنسان: اذهب وطف عني طواف الوداع، أو اذهب فطف عني طواف الإفاضة، أو اذهب فبت عني في مزدلفة، أو اذهب فقف عني في عرفة، فهكذا أيضاً لا يجوز أن توكل شخصاً فتقول له: ارم عني، اللهم إلا إذا كان غير قادر نهائياً، كمريض، وكبير، وامرأة حامل، وصبي لا يستطيع المزاحمة، وما أشبه ذلك. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 13 حكم من عُين إماماً لمسجد فشُغل ووكَّل غيره السؤال شاب عُين إمام مسجد، ونظراً لكثرة مشاغله وكَّل رجلاً أقدر منه وأحفظ لكتاب الله إماماً بدلاً منه، وإذا استلم الراتب أعطى هذا الرجل نصفه وجعل نصفه في خدمة الدعوة، فما الحكم في ذلك؟ الجواب عمل هذا الرجل خطأ في كونه يلتزم لولي الأمر أن يقوم بإمامة هذا المسجد ثم يوكل غيره، والواجب عليه أن يتخلى عن المسجد أو يقوم بالواجب فيصلي فيه جميع الصلوات. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 14 حكم من صلى إلى الحجر واستدبر الكعبة السؤال فضيلة الشيخ! قلتم في مواضع: إنه لا يجوز الطواف بين الحِجر والكعبة، فهل تجوز الصلاة إذا استقبل الإنسان الحجر واستدبر الكعبة؟ الجواب لا تصح الصلاة إذا استدبر الكعبة واستقبل الحِجرْ؛ لأن طرف الحِجرْ من الناحية الشمالية خارج الكعبة، فهو جدار في غير مكانه، فيكون الذي يواجهه من الكعبة فضاءً، ليس شيئاً شاخصاً قائماً يصلي إليه، ثم إني أظن أن مثل هذا الفعل لا يأتي إلا عن تلاعب أو سخرية، كيف يصلي والكعبة وراءه وهو مستقبل جدار الحِجرْ الشمالي؟! هذا لا يفعله إلا إنسان ساخر أو مستهزئ أو أحمق، إذ أنه ليس الحِجرْ كله من الكعبة، بل مقدار ستة أذرع ونصف فقط من الكعبة، والباقي ليس من الكعبة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 15 حكم اختلاط الرجال والنساء في الأعراس وغيرها وما يحصل فيها من منكرات السؤال فضيلة الشيخ! لا يخفى عليك ما يحدث من اجتماع النساء والرجال في الأعراس والمناسبات، والأعياد، وما يحدث من رقص النساء أمام الرجال، ودق الطبول، ورمي المال فوق رءوس النساء، ومن الاختلاط الشديد الرهيب؛ فنريد النصح لهؤلاء الرجال والنساء، عسى الله أن ينفع بكم، وجزاكم الله خيراً. الجواب هذه الأمور مما يكثر السؤال عنها؛ وهو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، ورقص النساء بينهم، وإلقاء النقود فوق رءوسهن، وهو منكرٌ عظيم، وفتنة شديدة، لاسيما في هذه المناسبة -مناسبة العرس- لأن كل إنسان في تلك اللحظة قد تتحرك شهوته لأدنى سبب، وإذا كانت النساء ترقص عندهم وهن كاشفات الوجوه أيضاً فهذا خطر جداً، والرقص لا ينبغي للنساء مع بعضهن فكيف في حضرة الرجال، لذلك أنصح هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل، وألا يبدلوا نعمة الله كفراً، فيقابلوا نعمة الزواج بالمعاصي والمنكرات؛ لأنه يوشك أن تنزع هذه النعمة. أما إذا كانت النساء وحدهن في مكان منعزل؛ فلا بأس أن يضربن بالدفوف ويغنين بالغناء المناسب لا المثير للشهوة؛ لأن ذلك كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 16 مضاعفة السيئات في مكة السؤال فضيلة الشيخ! هل تتضاعف السيئات في مكة؟ وما كيفية مضاعفتها؟ الجواب المضاعفة في مكة بالنسبة للسيئات ليست من ناحية الكمية ولكنها تتضاعف من ناحية الكيفية، بمعنى أن العقوبة تكون أشد وأوجع، والدليل على أنها لا تضاعف الكمية قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] وهذه الآية مكية؛ لأنها في سورة الأنعام، لكن كما قال الله تعالى: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] أي: إن إيلام العقوبة في مكة أشد من إيلام العقوبة إذا فُعلت هذه المعصية خارج مكة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 17 حكم اقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم اقتناء المجلات الإسلامية التي تحتوي على الصور؟ الجواب المجلات عموماً إذا اقتناها الإنسان من أجل ما فيها من الصور فهذا حرام، ولا إشكال فيه، وإن اقتناها من أجل ما فيها من الفوائد ولا يبالي بما فيها من صور فأرجو ألا يكون به بأس؛ لأن مشقة التحرز من الصور في كل جريدة وفي كل مجلة ظاهرة، والمشقة تجلب التيسير، لكن الاستغناء عنها أحسن، وفي الكتب الشرعية ما هو خير وأوفى. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 18 لفظة: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) هل هي مدرجة أم لا؟ السؤال فضيلة الشيخ حفظكم الله: ذكرتم حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) وقلتم: إن هذه الجملة الأخيرة مدرجة من قول أبي هريرة، وهي قوله: [فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل] وقد ذكر ابن حجر رحمه الله حديثاً آخر عن أبي هريرة، ثم قال في آخره: (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل) فقال الحافظ: هذا رد على من يقول إن هذه مدرجة فما قولكم في ذلك؟ الجواب هذا الحديث الذي أشار إليه هو في صحيح مسلم، ليس فيه أن أبا هريرة خرج عن حد الوجه، لكنه غسل ذراعيه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، وهذا لا يُنكر؛ لأنه لا يمكن أن تغسل المرفق إلا إذا شرعت في العضد، ولا يمكن أن تغسل الكعب إلا إذا شرعت في الساق، وهذا صحيح. ولكن الزيادة المذكورة في الحديث ليست بصحيحة، وهي من اجتهاد أبي هريرة؛ لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتجاوز الكعبين بشكل كبير، فمعنى قوله في الحديث الآخر: (هكذا رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل) أي: أنه رآه حين غسل ذراعيه أشرع في العضد، وحين غسل رجليه أشرع في الساق. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 19 درء التعارض بين النهي عن التشاؤم وحديث: (الشؤم في ثلاثة) السؤال فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين حديث (نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار) ؟ الجواب التشاؤم هو التطير بمرئي أو مسموع أو زمان، فيتشاءم مثلاً من النكاح في شوال، كما يفعل أهل الجاهلية، أو يسمع صوتاً يكون فيه مخالفة لما يريد فيتشاءم، أو يرى طيراً يطير جهة اليسار فيتشاءم، والتشاؤم منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى سوء الظن بالله، وإلى عدم الإقدام على ما فيه مصلحة العبد، وإلى التذبذب في أموره، وربما يؤدي إلى الوساوس التي يحصل بها المرض النفسي، فلهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث: (الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار) فهذا الحديث ورد على وجهين: الوجه الأول: (إنما الشؤم في ثلاثة) . ووجه آخر: (إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة) . ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم: أن نفس هذه الأشياء قد يكون فيها شؤم، فمثلاً: قد يسكن الإنسان الدار ويضيق صدره ويقلق ويتألم من حين يدخلها، أو يشتري المركوب ويكون فيه حوادث كثيرة من حين اشترى -مثلاً- هذه السيارة؛ فيتشاءم منها ويبيعها، والمرأة كذلك، قد يتزوج المرأة وتكون سليطة اللسان بذيئة، تحزنه كثيراً وتقلقه كثيراً، فهذا هو الشؤم الذي يذكر في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا الشؤم المنهي عنه الذي ليس له أصل، والذي يوجب للإنسان ما ذكرناه من المفاسد. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 20 حكم أداء الصلاة بعد وقتها السؤال فضيلة الشيخ: ما هو الواجب تجاه من يصلي الصلوات بعد فوات أوقاتها، كمن يصلي الفجر بعد طلوع الشمس؟ الجواب أما الواجب تجاه هذا الرجل فهو النصيحة، أن تنصحوه وتخوفوه بالله، وتبينوا له ما في المحافظة على الصلاة من الأجر والثواب، فإن اهتدى فلنفسه، وإن لم يهتد فلا يضر إلا نفسه. أما بالنسبة لفعله فإن كان يستيقظ ولكنه يتكاسل ويضع رأسه على الوسادة؛ فإن صلاته بعد طلوع الشمس لا تقبل منه ولا تنفعه عند الله، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومن المعلوم أن من لم يصلِّ صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشمس عامداً ذاكراً قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله؛ فيكون عمله هذا مردوداً، ولا تقبل منه صلاته، فبلغوه عني ذلك: أنه إذا كان يُوقظ ولكنه يتكاسل ويبقى نائماً؛ فإن صلاته بعد طلوع الشمس لا تقبل منه، وسوف يحاسب عليها يوم القيامة. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 21 حكم التصوير في الحوادث المرورية السؤال نعمل في قسم الحوادث المرورية، ونحتاج في بعض الأحيان إلى تصوير بعض الحوادث المرورية للحفاظ على حق إخواننا المواطنين، ويدخل بعض الناس الموجودين أثناء الحادث داخل الصورة، فما حكم هذا؟ الجواب هذا العمل ليس فيه بأس؛ لأنه تصوير لمصلحة بل لحاجة أو ضرورة، ولا يضر إذا كان تصوير هذا المكان يدخل فيه من ليس طرفاً في الحادث، ومن المعلوم أن التصوير بالكاميرا ليس هو الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لعن المصورين الذين يضاهئون بخلق الله، ممن هو مصوِّر، أي: فاعل للصورة، أما التقاط الصور بالآلة (الفوتوغرافية) فليس من الفاعل، فهو لم يخطط للعين ولا الأنف ولا الشفة ولا الجبهة ولا الرأس، غاية ما هنالك أنه حبس هذه الصورة التي هي من فعل الله عز وجل في هذه البطاقة، ويدلك لهذا أنك لو كتبت إلى شخص كتاباً بيدك، ثم أُدخل هذا الكتاب في آلة التصوير ثم خرج، هل يقال: إن هذه الكتابة من صنع الآلة؟ لا. إنما هي كتابة الأول، ولكنها حفظت بواسطة المواد التي طورها الناس الآن في البطاقة؛ فلا تدخل في التصوير أصلاً. لكن إذا كان الإنسان يصور بالآلة (الفوتوغرافية) الفورية التي يحبسها عنده ويقتنيها فهذا ممنوع، لا لذاته، ولكن للغرض المقصود منه؛ وهو اقتناء الصورة لغير ضرورة، والمقصود الذي تريدونه أنتم بتصوير الحوادث مقصود صحيح، وأمر لا بد منه. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 22 حكم قصر الصلاة للمسافر السؤال أنا شخص أسكن في القصيم، ثم أذهب أحياناً إلى الرياض لزيارة الأهل، ولي غرفة هناك، وأجلس عندهم يومين أو ثلاثة أيام، فهل يحق لي أن أقصر الصلاة إذا صليت منفرداً؟ وهل حكمي حكم المسافر؟ الجواب نعم. حكمك حكم المسافر؛ لأن وطنك هو القصيم، وزيارتك لأهلك زيارة المسافر، ولهذا قصر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان في السابق ساكناً فيها، وله فيها دور، لكنه لما هاجر صارت المدينة وطنه، فأنت إذا ذهبت إلى أهلك فأنت مسافر، ولكن يجب عليك أن تصلي مع الجماعة ما دمت سمعت الأذان وعلمت مكان المسجد، إنما لو فاتتك الصلاة فلك أن تقصر، وكذلك لو كان عليك جواربك فلك أن تمسح ثلاثة أيام، وكذلك لو كنت في رمضان فلك أن تفطر. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 23 هدية الزوج لإحدى زوجتيه دون الأخرى السؤال فضيلة الشيخ: رجل عنده زوجتان، ومن المتعارف عليه عندنا أن التي تنجب يعطيها زوجها هدية بعد انقضاء النفاس، فهل يلزمه أن يعطي الزوجتين إذا ولدت إحداهما، أو يعطي للوالدة فقط؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب الأصل أنه لا يلزمه أن يعطي الأخرى التي لم تلد، كما أن الأخرى التي لم تلد إذا ولدت فإنه يعطيها ولا يعطي الثانية، والعدل أن يسوي بينهما في العطاء، بمعنى: أنه إذا أعطى التي ولدت أولاً مائة، يعطي الأخرى مائة إذا ولدت، ولا يلزمه أن يعطيها قبل أن تلد، لكن إذا كان يخشى من المشاكل، ورأى أن يعطي الاثنتين جميعاً كلما ولدت واحدة دفعاً للمشاكل؛ فهذا طيب ومن باب التأليف. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 24 حكم التصوير في الرحلات بالفيديو السؤال بالنسبة للتصوير بكاميرا الفيديو في الرحلات البرية والاحتفالات، ما هو الحكم؟ الجواب أرى أنه لا يصور مع أنه حلال؛ لأن هذا التصوير يؤدي إلى ضياع مال بغير فائدة، وربما يكون الإنسان كلما أراد أن يتلّهى ذهب يراجع هذا المصوَّر، فأرى ألا يصور، وإن صور فلا بأس؛ ما دام الشيء المصور حلالاً. الجزء: 58 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [59] أخبر الله تعالى في أوائل سورة الغاشية عن أهوال يوم القيامة، وعن ذلة وجوه الكفار وشدة عذابهم في نار جهنم، وخبث طعامهم وشرابهم، وهذا فيه عبرة لمن يتدبر الآيات هذا ما تحدث عنه الشيخ رحمه الله، ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الغاشية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون من اللقاءات المعتادة في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو آخر خميس من شهر ذي الحجة عام (1414هـ) ، وهو اليوم التاسع والعشرون منه، نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم عامنا بالمغفرة والعفو والرضوان. نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة الغاشية يقول الله عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] والبسملة آية من كتاب الله مستقلة، ليست من السورة التي بعدها، بل آية مستقلة، ولهذا كان القول الراجح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول الفاتحة هو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] . الجزء: 59 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية) يقول الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] الخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم وإما لكل من يصح خطابه، وهذا يأتي في القرآن كثيراً؛ يوجه الله الخطاب ويكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح خطابه، إلا أنه أحياناً يتعين أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] فهذا لا يمكن إلا أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم، وكقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] هذا لا يمكن إلا للرسول صلى الله عليه وسلم. وأحياناً يترجح العموم، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] فهذا أول الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وآخره: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] فهو عام. فقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} يجوز أن يكون الخطاب موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم وحده وأمته تبعٌ له، ويجوز أن يكون عاماً لكل من يتأتى خطابهم، والاستفهام هنا للتشويق، فهو كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] ويجوز أن يكون للتعظيم؛ لعظم هذا الحديث عن الغاشية. {حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [أي: نبؤها، والغاشية: هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، والمراد هنا يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن الكريم كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2] . الجزء: 59 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ خاشعة) ثم قسّم الله سبحانه وتعالى هذا اليوم إلى قسمين فقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2-3] و (خاشعة) أي: ذليلة، كما قال الله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] . {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} عاملة عملاً يحصل به النصب وهو التعب. قال العلماء: وذلك أنهم يُكلَّفون يوم القيامة بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم -والعياذ بالله- كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة من العمل الذي تكلف به يوم القيامة؛ لأنه عمل عذاب وعقاب -نسأل الله العافية- وليس كما قال بعض الناس: إن المراد بها الكفار: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:104] وذلك لأن الله قيد هذا بقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [الغاشية:2] يوم إذا أتت الغاشية، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة. إذاً: فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم أعاذنا الله وإياكم منها. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (تصلى ناراً حامية) قال تعالى: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:4] أي: تدخل في نار شديدة الحرارة التي بلغت من شدة حموها أنها فضِّلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، أي: أن نار الدنيا كلها بما فيها من أشد ما يكون من الحرارة أهون من نار جهنم بتسعة وستين جزءاً. ويدلك على شدة حرارتها أن هذه الشمس حرارتها تصل إلينا مع بعد ما بيننا وبينها، ومع أنها تنفذ من خلال أجواء باردة غاية البرودة تصل إلينا هذه الحرارة التي تدركونها ولاسيما في أيام الصيف، فالنار -أعاذنا الله وإياكم منها- نار حامية شديدة الحرارة. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (تسقى من عين آنية) قال تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:5-6] لما بين لنا مكانهم -والعياذ بالله- وأنهم في نار جهنم الحامية؛ بين طعامهم وشرابهم فقال: {تُسْقَى} أي: الوجوه {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي: شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشربهم، ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة أو كلما عطشوا سُقوا لا. إنما يؤتون بهذا الشراب كلما اشتد عطشهم -والعياذ بالله- واستغاثوا، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف:29] هذا الماء إذا قرب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم يقول عز وجل: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] إذاً: لا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً؛ لا ظاهراً بالبرودة فيبرد الوجوه، ولا باطناً بالرِّي، ولكنهم -والعياذ بالله- يغاثون بهذا الماء، ولهذا قال: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} . فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفئ النار؟ ف الجواب إن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، فلو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليست الشمس تدنو يوم القيامة من رءوس الناس على قدر ميل؟ والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع، أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شياً، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا. وأيضاً: يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد؛ منهم من هو في ظلمةٍ شديدة، ومنهم من هو في نور {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:12] يحشرون في مكان واحد ويعرقون، فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه، ومنهم من يصل العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد. إذاً: أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا، فلو قال قائل: كيف يكون الماء في النار؟ قلنا: أولاً: أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا. ثانياً: إن الله على كل شيءٍ قدير. ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار، كما قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:80] الشجر الأخضر إذا ضرب بعضه ببعض أو ضرب بالزند انقدح وخرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير. فهم يسقون من عين آنية في النار، ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع) أما طعامهم فقال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:6-7] (الضريع) قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم، إذا يبس لا ترعاه البهائم، وإن كان أخضر رعته الإبل، وهو يسمى عندنا (الشبرق) ، فأهل النار -والعياذ بالله- في نار جهنم ليس لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظنوا أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي في الدنيا، بل يختلف عنه اختلافاً عظيماً، ولهذا قال: {لا يُسْمِنُ} [الغاشية:7] ولا ينفع الأبدان في ظاهرها {وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:7] فلا ينفعها في باطنها، فهو لا خير فيه؛ ليس فيه إلا الشوك والتجرع العظيم، والمرارة والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها شيئاً. ثم ذكر الله عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} [الغاشية:8] ، ونستكمل شرح بقية الآيات -إن شاء الله- في اللقاء القادم، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار، وأن يرزقنا وإياكم دار القرار، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 59 ¦ الصفحة: 8 أدلة عدم كفر تارك أركان الإسلام عدا الشهادتين والصلاة السؤال فضيلة الشيخ: ما هي الأدلة على أن تارك أركان الإسلام عدا الشهادتين والصلاة تهواناً أو كسلاً لا يكفر، مثل ترك الزكاة والصوم والحج؟ نرجو ذكر الأدلة مع الرد على أدلة المعارضين وجزاكم الله خيراً. الجواب أركان الإسلام خمسة كما هو معروف: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فمن ترك الركن الأول فهو كافر بالإجماع، أي أن من أنكر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك. وأما ترك ما سوى الشهادتين فإن أنكر فرضيته وهو قد عاش بين المسلمين فهو أيضاً كافر، ومن أقر بالفرضية ولكن تركه تهاوناً فهذا موضع خلاف بين العلماء. فمنهم من قال: كل الأركان الأربعة إذا تركها الإنسان تهاوناً كفر. وهذا رواية عن الأمام أحمد رحمه الله. ومنهم من قال: لا يكفر بأي واحدة منها، أي: من الأربع. ومنهم من قال: إن ترك الصلاة تهاوناً كفر، وأما غيرها فلا يكفر، وهذا القول هو الوسط، وهو الذي تؤيده الأدلة. ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى قرن الزكاة بالصلاة في مواضع كثيرة من القرآن، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، وقد دل الدليل على أن تاركها لا يكفر، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفِّحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ، وهذا يدل على أن تارك الزكاة الباخل بها لا يكفر، ووجه الدلالة أنه يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولو كان يكفر لم يكن له سبيل إلى الجنة، فإذا كان لا يكفر بترك الزكاة فما دونها من باب أولى. وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] ، والكفر يطلق أحياناً على غير الكفر الأكبر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) . الجزء: 59 ¦ الصفحة: 9 حكم بذل العوض في الألعاب السؤال فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم في إقامة الدورات الرياضية في كرة القدم، بحيث إن كل فريق يدفع مبلغاً وقدره -على سبيل المثال- سبعمائة ريال، والمبلغ عبارة عن خمسمائة ريال اشتراك ومائتين تأمين، ترد إلى كل فريق بعد انتهاء الدورة، علماً بأن الخمسمائة ريال المتبقية تصرف على شراء الجوائز التي يتم توزيعها على الفائزين في المراكز الثلاثة الأولى، وكذلك على الحكام، وما يترتب عليه من تسوية الملعب وخلافه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب الذي نرى أن بذل العوض في الألعاب في جوازه نظر، وذلك أن هذه الألعاب تباح إن لم يكن فيها شيء محرم، ككشف العورة والتلهي عن الصلاة والسب والشتم فيما بين اللاعبين، فإن تضمنت هذا فهي حرام، فإن لم يكن فيها محرم فهي من الأمور المباحة ولا شيء فيها، ولكن كونها بعوض يدفع من الجميع ثم يكون للغالب، هذا لا يحل: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) (لا سبق) أي: لا عوض (إلا في نصل أو خف أو حافر) . ويعني بالنصل: السهام، والخف: الإبل، والحافر: الخيل. واستثنيت هذه الأمور لما فيها من المعونة على الجهاد في سبيل الله. وأما أخذ العوض في ما سوى ذلك فإنه حرام، إلا أن بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية قال: إنه لا بأس بأخذ الرهان في مسائل العلوم الشرعية؛ لأن العلوم الشرعية نوع من الجهاد في سبيل الله، إذ إن الجهاد في سبيل الله يشمل الجهاد بالسلاح والجهاد بالعلم. فما ذُكر في السؤال نرى أنه لا يجوز، أما إذا جاء إنسان من خارج، وأراد أن يتبرع بشيء للسابق منهم فأرجو ألا يكون فيه بأس، على أن في نفسي على بذل العوض على هذه الألعاب نظراً. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 10 طلب الدعاء ممن ترجى إجابته السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم طلب المسلم الدعاء ممن يتوسم فيه الخير، ويكون ذاهباً إلى الحج أو سفر أو غيره، فيطلب منه الدعاء له بظهر الغيب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على أويس، وحث الصحابة رضوان الله عليهم على طلب الدعاء منه؟ وهل كره شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك وخص الحديث بـ أويس؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب طلب الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته؛ إما لصلاحه أو لكونه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك هو في الأصل لا بأس به، لكن إذا كان يخشى منه محذور؛ كما لو يخشى اتكال الطالب على دعاء المطلوب، وأن يكون دائماً متكلاً على غيره في ما يدعو به ربه، أو يخشى من أن يُعجب المطلوب بنفسه، ويظن أنه وصل إلى حد يُطلب منه الدعاء فيلحقه الغرور، فهذا يمنع لاشتماله على محذور. وأما إذا لم يشتمل على محذور فالأصل فيه الجواز، لكن مع ذلك نقول: إنه لا ينبغي؛ لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يوصي بعضهم بعضاً بالدعاء، وأما ما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عمر: (لا تنسنا يا أخي! من صالح دعائك) فإنه ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما سؤال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء، فمن المعلوم أنه لا أحد يصل إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد طلب منه عكاشة بن محصن أن يدعو له فيجعله من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال: (أنت منهم) ودخل رجل يسأله أن يسأل الله الغيث لهم فسأل. وأما إيصاء النبي للصحابة أن يطلبوا من أويس القرني أن يدعو لهم فهذا لا شك أنه خاص به، وإلا فمن المعلوم أن أويساً ليس مثل أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة، ومع ذلك لم يوصِ أحداً من الصحابة أن يَطلب من أحدهم أن يدعو لهم. وخلاصة الجواب أن نقول: إنه لا بأس بطلب الدعاء ممن ترجى إجابته، بشرط ألا يتضمن ذلك محذوراً، ومع هذا فإن تركه أفضل وأولى. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 11 عدد تكبيرات صلاة الجنازة السؤال ورد في صحيح مسلم أن التكبيرات على الجنازة تكون أربع تكبيرات، وورد غير هذا العدد، فكيف الجمع بين الوارد في ذلك؟ الجواب أكثر ما كبره النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربع تكبيرات فقط، لكن ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم كبر خمساً؛ كما في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وكذلك روي عنه الست إلى السبع، ولهذا قال العلماء: لا بأس بالزيادة على الأربع إلى سبع. والأفضل للإنسان أن يأخذ بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تارة وتارة: تارةً أربعاً، وتارة خمساً، وتارة ستاً، وتارةً سبعاً، كما جاءت به السنة، لكن الأكثر الأربع، واعلم أن كل شيء وردت به السنة على وجوه متنوعة فالأفضل أن تأخذ بهذا تارة وبهذا أخرى. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 12 إطلاق صفة التردد لله عز وجل السؤال فضيلة الشيخ ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: (ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) ، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: (يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه) ، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 13 الاستنابة في الطواف والسعي السؤال فضيلة الشيخ: رجل حج مع زوجته مفرداً، ولم تستطع زوجته أن تطوف طواف الحج، فطاف عنها وذهب إلى بلده، فما الحكم؟ الجواب أقول: من المعلوم أنه لا تصح الاستنابة في الطواف والسعي، وغاية ما ورد هو الاستنابة في رمي الجمرات، والذي يجب على هذه المرأة أن تعود الآن إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة، وتسعى إن لم تكن قد سعت، وإن أتت بعمرة كاملة ثم أتت بما بقي من حجها فهو أحسن، حتى لا تدخل إلى مكة إلا وهي محرمة، وإن شق عليها ذلك فلا حرج أن تدخل مكة وتطوف طواف الإفاضة وترجع. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 14 أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا السؤال فضيلة الشيخ ذكرت في الآية أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، ومثلت مثل الضريع، فهو شجر ولكنه ليس كشجر الدنيا، وجاء في غير موضع من الأحاديث أن الرمضاء أو الحر الشديد من فيح جهنم، فكيف نوجه هذا الأمر؟ الجواب توجيهها سهل؛ لأن قوله: (من فيح جهنم) لا يعني أنها هي جهنم، فقوله: من فيحها، أي: من حرارتها، والإنسان إذا كان حول النار أصابه من حرها، لكن الحر الذي يصيبه من النار عند قربه منها ليس كالحر الذي يصيبه لو دخل فيها. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 15 حكم العمل في المؤسسات التي تتعامل مع البنوك الربوية السؤال هناك شخص يعمل وكيلاً لمؤسسات ومديرها شخص آخر وكان يعمل مع هذه المؤسسات لمدة طويلة، وخلال هذه المدة تبين أن المؤسسات أصبح رأس مالها بالملايين، ولكن تبين له فيما بعد أن المؤسسة كانت توقع صفقات مع البنوك، وحقيقة العلم أن المؤسسة عندها أموال وأرصدة بالملايين عند الدولة أكثر من الأموال التي أخذتها من البنك ولكن لم تصرف، وبمجرد أنها أخذت من البنك حتى ما سلمت تتأخر، وإذا تأخر مشروع يفرض عليها باليوم غرامات معينة كما هو متعارف عليه بالتعاقد مع الدولة، وبعدها تبين أن إحدى المؤسسات متعاملة مع البنك، وأن رواتبها ومشاريعها تمشي على هذا؛ لأن المؤسسة الآن واقفة ليس لديها سيولة مالية للشركات الأخرى، كالذي يعمل في مجال المقاولات الأخرى والكهرباء والسباكة. إلخ، فتبين أنها تستلف من البنك أو توقع عقوداً مع البنك، فما حكم العمل في هذه المؤسسة؟ علماً أن الموظف هذا يعمل لدى المدير والمدير يرأسه في جميع المؤسسات الثلاث، وجميع المؤسسات المالك لها غير المدير، وإحدى المؤسسات يملكها نفس المدير هذا. الجواب هل هذا الموظف يكتب العقود التي بين الشركة وبين البنوك؟ السائل: لا يكتب، بل هو أنا يا شيخ! الشيخ: إذاً: أنت الآن لا تكتب الربا ولا تشهد عليه، ولا تأخذه ولا تعطيه، فلا أرى في هذا شيئاً، ما دام عملك سليماً فيما بينك وبين الشركة، فوزر الشركة على نفسها. إذا لم تكن تذهب إلى البنوك ولا توقع على معاملة البنوك فلا شيء عليك، فالمؤسسة هذه -أولاً- لم تبنَ للربا، وليست مثل البنك الذي نقول: لا تتوظف فيه، فهي لم تؤسس للربا. ثانياً: إنك لم تباشر الربا لا كتابةً ولا شهادةً ولا خدمةً، عملك منفصل عن الربا. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 16 حكم صلاة الفجر قبل دخول الوقت وثوقاً بالمؤذن السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة جماعة من المسلمين يصلون الفجر قبل دخول الوقت، ليس تعمداً، ولكن تصديقاً لمن لا يعرف تبيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهم يثقون في هذا الرجل؟ الجواب ما داموا واثقين منه ويعرفون أن هذا الرجل عنده علم بدخول الوقت فلا شيء عليهم؛ لأنهم لم يتبين لهم أنهم صلوا قبل الوقت، فإذا لم يتبينوا أخذوا بقول هذا الرجل الذي يثقون فيه ولا حرج. لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ما دام شاكاً؛ فلا يصلي حتى يغلب على ظنه أو يتيقن، وعليه أن ينبه الجماعة على ذلك، يشير عليهم ويقول: انتظروا خمس دقائق أو عشر دقائق أو ربع ساعة خيراً من كونه يتقدم بدقيقة واحدة. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 17 حكم صلاة المسافر خلف المقيم السؤال فضيلة الشيخ! دخلت مسجداً وكنت في سفر، وهذا المسجد في المدينة وليس على طريق السفر، ودخلت وهم في الركعة الرابعة والأخيرة فصليت معهم ركعة، ثم قمت للركعة الثانية وكانت صلاة العصر فقصرت الصلاة، رغم أنهم أتموا قبلي، فما الحكم؟ الجواب الأصل في المدينة أن الذين يصلون فيها يصلون أربعاً، أي: يتمون الصلاة، فهو مفرط، فيجب عليه الآن أن يعيد الصلاة أربعاً، وتكون صلاته الأولى نفلاً. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 18 واجبنا نحو استقدام الكفار إلى جزيرة العرب السؤال فضيلة الشيخ: في الآونة الأخيرة كثر استقدام الكفار إلى جزيرة العرب، فما واجبنا تجاههم وتجاه من يستقدمهم؟ الجواب هذه الظاهرة التي ذكرت وهي: كثرة استقدام الكفار إلى بلاد المسلمين في الجزيرة العربية لا شك أنها ظاهرة تنذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث وحذر مما سيحصل في المستقبل قيل: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث) وكثرة الخبث تشمل معنيين: المعنى الأول: أن يكثر الخبث من أهل الجزيرة، فيعملون بالمعاصي. والثاني: أن يكثر الخبث ممن يرد إلى الجزيرة ويفد إليها، ولا أبين وأظهر من هؤلاء الجحافل العظيمة التي تأتي إلى الجزيرة العربية من الكفار. والذي يزيد الإنسان حزناً أنهم كفار معروفون بالعداوة للمسلمين، وإيذاء المسلمين في بلادهم، بل ومحاربتهم وقتلهم، فيأخذون هؤلاء في أجورهم من الدراهم ما يستعينون بها على قتال إخواننا المسلمين في بلادهم، وهذا أمرٌ يجب أولاً على الحكومة التنبه له، والعمالة المسلمة في البلاد الإسلامية كثيرة، فـ باكستان مملوءة بالمسلمين، وإندونيسيا مملوءة بالمسلمين، وكذلك بعض دول أفريقيا، لكن مع الأسف إننا في غفلة عن هذا. ثم إننا سمعنا من بعض السفهاء أنه يقول: اختر غير المسلم لئلا ينقطع الشغل بذهابه إلى الصلاة، أو بصيامه رمضان، أو بطلب العمرة، أو بطلب الحج، أو ما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا الذي ينهج هذا المنهج لا شك أنه على خطر عظيم، وأن نهجه هذا يستلزم كراهته للإسلام، وإلا فإن المسلم الحق المؤمن يفرح بكثرة المسلمين، وكثرة من يقوم بشعائر الإسلام. والمهم أنني معك في أن هذه الظاهرة ظاهرة خطيرة جداً جداً، ويجب علينا أن نناصح إخواننا ونقول: عندكم مسلمون، اذهبوا إليهم، فعندهم -والحمد لله- من القدرة الشيء الكثير، ثم إن هؤلاء الكفار الذين يأتون، يأتي بعضهم لعمل كل إنسان يستطيعه؛ تجده يأتي خادماً أو يأتي منظف أسواق في البلديات أو ما أشبه ذلك، وهذا كل أحد يطيقه، ليس هذا اختصاصاً لا يعرفه إلا الكفار حتى تقول: نحن معذورون إذا أتينا بهم، فلهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحرصوا على ألا يأتوا إلا بالمسلمين سواء كان خادماً كخادم البيت، أو خارج البيت، والمتصل بالبيت أشد وأشد؛ إذا أتي بإنسان ليس بمسلم، والواجب علينا التناصح فيما بيننا وأن نقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فأتِ بإخوانك المؤمنين، ودع عنك هؤلاء. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 19 حكم قتل الحشرات بالجهاز الكهربائي السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الجهاز الكهربائي الذي يعلق بالمطاعم ويقتل الذباب والبعوض والحشرات؟ الجواب نرى أنه لا بأس به، وأن هذا ليس من باب التعذيب بالنار؛ لأنه حسب ما نعرف عنه أن الحشرة تموت بالصعق الكهربائي، ويدل لهذا أنك لو أتيت بورقة وألصقتها بهذا الجهاز لم تحترق، مما يدل على أن ذلك ليس من باب الاحتراق لكن من باب الصعق، كما أن البشر لو مس سلك الكهرباء مكشوفاً لهلك بدون احتراق. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 20 حكم الشك في مسائل العبادة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم من حج مع رفقائه وهو جاهل بمناسك الحج والعمرة، وبعد ما قضى حجه ومضى على ذلك مدة عرف مناسك الحج والعمرة، وشك في السعي، فما الحكم؟ الجواب الذي نرى أنه إذا شك الإنسان في أنه طاف أو سعى أو رمى مع طول المدة، فإنه لا يلتفت لهذا الشك؛ وذلك لأن النسيان يرد كثيراً على الإنسان، فليطرح الشك وليبعده عن قلبه؛ لأن الإنسان إذا طرأت عليه الشكوك وكثرت عليه تذبذب في حياته وتعب، ولحقه الوسواس في طهارته وصلاته، بل وفي أهله، فالذي أرى أن يعرض عن هذا الشك ويتلهى عنه. إلا إذا تيقن فحينئذ يُفتى بما يقتضيه الحال، وأما إذا كان مجرد شك: هل سعى أم لم يسع، فالأصل أنه سعى، وأن هؤلاء الرفقة سيسعون وسيسعى معهم، فأرى أن يتلهى عن ذلك ولا يخطر على باله، والأصل السلامة. ولهذا قال العلماء قاعدة ينبغي أن نفهمها وهي: أن الشك بعد فراغ العبادة لا يؤثر ما لم يتيقن. فمثلاً: لو سلمت من الصلاة ثم بعد السلام شككت: هل صليت ثلاثاً أو أربعاً؟ فلا تلتفت إلى هذا الشك، إلا إذا تيقنت أنك صليت ثلاثاً فحينئذ تأتي بما يلزمك في هذه المسألة. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 21 ضوابط المبيت بمنى وحكم السكن خارجه السؤال فضيلة الشيخ: شخص حج وسكن خارج منى، ما هي الضوابط للمبيت في منى؟ الجواب إذا لم يجد الإنسان مكاناً في منى فلينزل حيث انتهت الخيام، أما إذا كان يجد مكاناً فإن الواجب أن يبيت فيها، والضابط في المبيت: أن يكون في منى معظم الليل -أي: أكثر الليل- لكن من نزل من منى -مثلاً- لطواف الإفاضة في أول الليل، ثم لم يتيسر له من الزحام أن يرجع إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا شيء عليه. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 22 جواز الجمع والقصر للمسافر السؤال أعمل في قرية تبعد (200) كيلو عن مكان سكني، وأرجع الخميس والجمعة إلى مدينتي، ويوم الأربعاء بعد الحصة الخامسة أصلي الظهر وأجمع العصر معه؛ لأنه يؤذن العصر وأنا في الطريق، وأقصر أيضاً، فهل هذا العمل صحيحاً؟ الجواب أنتم الآن مسافرون لا شك، ما دامت القرية تبعد عن مدينتكم (200) كيلو وأنكم تبقون من السبت إلى الأربعاء فأنتم مسافرون من حين أن تخرجوا من بلادكم إلى أن ترجعوا إليها، لكم القصر ولكم الإتمام، ولكم الجمع ولكم الإفراد، لكن إذا كنتم في البلد يجب عليكم أن تصلوا مع الجماعة، فإذا فاتت عليكم الجماعة فلكم أن تقصروا. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 23 قول الصحابي وحجيته السؤال فضيلة الشيخ: بعض الناس قد يستدل للحكم على مسألة معينة بقول صحابي أو فعله أو فتواه، ويكون في السنّة دليل أشمل وأقوى وأوضح من فعل الصحابي، ويحتج على ذلك بأن ذلك من اتباع سنّة الخلفاء الراشدين وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعها. فهل يعتبر فعل الصحابي سنة من سنة الخلفاء الراشدين أم لا؟ الجواب أولاً -بارك الله فيك- العلماء مختلفون هل قول الصحابي حجة أم لا؟ فمن العلماء من قال: لا حجة إلا في ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] فلم يذكر طرفاً ثالثاً، فقول الصحابي كقول غيره ليس بحجة، لكن لا شك أن الصحابة أقرب إلى الصواب ممن بعدهم. ومنهم من قال: إن قول الصحابي حجة إذا كان من أهل العلم والفقه؛ لأنك كما تعرف إذا جاء أعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى إبله فهو صحابي، لكن قد يكون جاهلاً في كثير من مسائل العلم، أما إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف قول الله ورسوله؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله. قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر!!] ، وقال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63] أي: عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك؛ لعله إذا رد بعض قول الرسول أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، نسأل الله العافية. الشرط الثاني: ألا يخالف قول صحابي آخر؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر، ولكن ننظر في الراجح، فإذا كان أحد المختلفين أدنى من الآخر في الفقه في دين الله قدم الأعلم، وهو مقتضى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فقدم أولاً سنته؛ لأن سنته صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء. مثال ذلك: ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه إذا كان في حج أو عمرة قبض على لحيته وقص ما زاد عن القبضة، فهذا في ظاهره مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) ، ففعل ابن عمر هنا لا يحتج به على عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول الرسول مقدم على فعل ابن عمر، ثم إن ابن عمر كان يفعله إذا حج أو اعتمر لا مطلقاً، فبعض الناس يقول: إذا جاء نص عن الرسول عام وفعل صحابي فإنه يخصص هذا النص العام بفعل الصحابي. ولكن هذا ليس بصحيح، بل إن بعض العلماء قال: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يخصص عموم قوله، وممن ذهب إلى هذا الأخير: الشوكاني رحمه الله، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا) ، هذا الحديث عام في الصحراء والبنيان، وحديث ابن عمر: (رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) ، وهو يقتضي أنه لا بأس باستدبار الكعبة إذا كان الإنسان في البنيان، فمن العلماء من قال: العبرة بعموم اللفظ: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) وفعل الرسول هذا لا يخصص العام؛ لاحتمال أن يكون هذا خاصاً به، وأن له عذراً، أو أنه نسي أو ما أشبه ذلك. المهم أن هذه القاعدة -أيضاً- وهي أن بعض العلماء يقول: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخصص قوله، فيقدم عموم قوله على خصوص فعله للاحتمالات التي ذكرناها، ولكن الصحيح أن فعله صلى الله عليه وسلم يخصص قوله؛ لأن الكل سنة، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله وفعله وإقراره، أما فعل غيره فلا يخصص قوله. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 24 التفصيل في مسألة القيام السؤال فضيلة الشيخ أحسن الله إليك نريد التفصيل في مسألة القيام عند الدخول أو عند السلام؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جيداً حول هذا الموضوع، وخلاصته أنه يقال: قام للرجل، وقام إلى الرجل، وقام على الرجل. فأما القيام إلى الرجل فهو من السنّة، إذا كان الرجل الذي قمت إليه أهلاً لذلك، مثل لو دخل إنسان له فضل في علمه أو دينه أو ماله، ثم قمت لتتلقاه فهذا من السنّة، ولهذا لما جاء سعد بن معاذ رضي الله عنه وقد حكّمه النبي صلى الله عليه وسلم في اليهود وأقبل قال: (قوموا إلى سيدكم) ، ولأن هذا من الإكرام لذوي الفضل، وإكرام ذوي الفضل من محاسن الأعمال والآداب. والثاني: القيام على الرجل، وهذا منهي عنه، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم على ملوكها) حتى في الصلاة، إذا صلى الإمام جالساً فإن من وراءه يصلون جلوساً؛ لئلا يشبهوا الأعاجم في قيامها على ملوكها، فمثلاً لو كان الإمام لا يستطيع أن يصلي قائماً فصلى قاعداً، فعلى المأمومين الذين خلفه أن يصلوا قعوداً وإن كانوا قادرين على القيام، حتى لا يكونوا متشبهين بالأعاجم في القيام على ملوكهم. ويستثنى من ذلك ما إذا كان في القيام على الرجل مصلحة، كإغاظة الكفار فلا بأس، بل قد يكون من الأمور المطلوبة، مثل قيام المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفاوض رسول قريش في صلح الحديبية، فإن المغيرة بن شعبة كان قائماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف؛ لأن في هذا إغاظة للمشركين، ولهذا كان الصحابة في ذلك الوقت يفعلون معه شيئاً لا يفعلونه في غيره؛ كان الرسول إذا تنخم النخامة استقبلوها بأيديهم ودلكوا بها وجوههم وصدورهم، كل هذا إغاظةً لقريش، ولهذا أثرت على رسول قريش لما رجع إلى قومه قال: يا قوم! دخلت على الملوك؛ كسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحداً يعظمه أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً فالمهم أن القيام على الرجل منهيٌ عنه إلا إذا كان في ذلك مصلحة دينية. القسم الثالث: القيام للرجل، وصورته أن يدخل رجل علينا فنقوم له تكريماً، فهذا لا بأس به، لكن الأولى تركه؛ لأن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره أن يقوم أصحابه له، ولهذا كان الرسول يدخل ولا يقومون له وهو أشرف البشر عليه الصلاة والسلام، وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ولو عند الباب، لكنه إذا جلس في مكان كان ذلك المكان صدر المجلس. فالخلاصة: أن القيام على ثلاثة أقسام: الأول: القيام للرجل. الثاني: القيام على الرجل. الثالث: القيام إلى الرجل. وفيها الأحكام المذكورة آنفاً. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 25 حكم الرهان في المسائل الشرعية السؤال فضيلة الشيخ: بعض الطلاب في مذاكرة العلم يقولون: من يخطئ في مسألةٍ يكون مطالباً بشراء كتاب -مثلاً- لمن أصاب فيها، فهل هذا حلال؟ الجواب هذه مسابقة، ويرى شيخ الإسلام أنه لا بأس بالمسابقة الشرعية، وقد علل ذلك -رحمه الله- موضحاً أن الجهاد يكون إما بالعلم، وأما بالسلاح، واستدل كذلك بما ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:1-4] فالفرس هم الذين غلبوا الروم، والروم نصارى من أهل الكتاب، والفرس مجوس ليس لهم كتاب، قال الله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:4-5] لأن المؤمنين يحبون انتصار النصارى على الفرس؛ لأن النصارى أهل كتاب فهم أقرب إلى الصواب من المجوس، وقريش تحب أن ينتصر المجوس على الروم؛ لأن المجوس مشركون، فقالت قريش: لا يمكن للروم أن تغلب الفرس؛ لأن الفرس أقوى منهم، وهم لا يؤمنون بالقرآن، فراهنهم أبو بكر على شيء من الإبل إلى مدة سبع سنين، فمضت السنون السبع ولم يحدث شيء، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زد في الأجل سنتين وزد في الرهان) لأن كلمة (في بضع سنين) من ثلاث إلى تسع، فأمره أن يحتاط فيزيد في الأجل ويزيد في العوض، ففعل أبو بكر، فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على الفرس. ومن هذه المسألة استدل شيخ الإسلام على جواز الرهان في مسائل العلم الشرعي. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 26 حكم صلاة المنفرد خلف الصف السؤال ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف، هل تصح أم تبطل؟ الجواب قال الأئمة الأربعة: الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية عنه: إن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة، سواء تم الصف أم لم يتم، وقالوا: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) كقوله: (لا صلاة بحضرة طعام) وأن المعنى: لا صلاة كاملة، لكن هناك رواية عن أحمد أن الصلاة لا تصح لمنفرد خلف الصف بكل حال، عكس الرواية التي وافق فيها الأئمة الثلاثة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد؛ أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح بأي حال من الأحوال حتى ولو تم الصف. وتوسط شيخ الإسلام رحمه الله فقال: إن كان الصف تاماً فإنها تصح صلاة المنفرد خلفه؛ لأنه الآن عاجز عن المصافة {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] وإن كان الصف لم يتم فلا يصح أن يصلي خلف الصف منفرداً لعدم العذر، وهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام هو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو الذي نراه صواباً: أنه إذا كان الصف تاماً فصلِ وحدك، ولا تجذب أحداً، ولا تتقدم للصلاة مع الإمام. هذا هو القول الصحيح الذي نراه أقرب إلى السنة من القول بالبطلان مطلقاً أو بالصحة مطلقاً. الجزء: 59 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [60] شرح الشيخ رحمه الله آيات من سورة الغاشية، وبين فيها صفة المؤمنين يوم القيامة، وعن وجوههم الناعمة بما أعطيت، وعن صفة الجنة بأنها عالية وصفة فرشها وثمرها، وأن المؤمنين رضوا بما أعطوا فيها، ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الغاشية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا لقاء الباب المفتوح الموفي ستين لقاءً من ابتدائه، وهو اللقاء الثاني من شهر محرم عام (1415هـ) ، وهو اليوم السابع من الشهر. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة) في هذا اللقاء نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} [الغاشية:8-11] إلى آخر الآيات. قسم الله سبحانه وتعالى الناس يوم القيامة إلى قسمين: القسم الأول: وجوه خاشعة عاملة ناصبة، وسبق الكلام على ذلك. القسم الثاني: وجوه ناعمة، أي: ناعمة بما أعطاها الله عز وجل من السرور والثواب الجزيل؛ لأنها علمت ذلك وهي في قبورها، فإن الإنسان في قبره يُنَعّم؛ يفتح له بابٌ إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، فهي ناعمة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لسعيها راضية) قال تعالى: {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:9] أي: لعملها الذي عملته في الدنيا؛ لأنها وصلت به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضية لسعيها بخلاف الوجوه الأولى فإنها غاضبة والعياذ بالله وغير راضية على ما قدمت. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (في جنة عالية) قال تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الغاشية:10] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه يوم القيامة؛ فيها ما لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال الله تبارك وتعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] . وقال الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:1-11] وقال الله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] فهم في جنة عالية، والعلو ضد السفول، فهي فوق السماوات السبع. ومن المعلوم أنه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون، ولا يبقى إلا الجنة والنار، فهي عالية، وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الرب جل وعلا. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لا تسمع فيها لاغية) قال تعالى: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} [الغاشية:11] أي: لا تسمع في هذه الجنة قولة لاغية، أو نفساً لاغية، بل كل ما فيها جد، وسلام، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وتكبير؛ يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس -أي: إنه لا يشق عليهم ولا يتأثرون به- فهم دائماً في ذكر لله عز وجل وتسبيح وأنسٍ وسرور، ويأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً، فهم في حبور لا نظير له، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها! الجزء: 60 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فيها عين جارية) قال تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية:12] وهذه العين بين الله عز وجل أنها أنهار {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] (جارية) أي: تجري حيث أراد أهلها؛ لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى إقامة أخدود كما قال ابن القيم رحمه الله: أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان الجزء: 60 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فيها سرر مرفوعة) قال تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:13-16] انظر للتقابل: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية:13] عالية، يجلسون عليها، يتفكهون {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس:56] . الجزء: 60 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وأكواب موضوعة) قال تعالى: {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} [الغاشية:14] الأكواب جمع كوب وهو الكأس ونحوه {مَوْضُوعَةٌ} أي: ليست مرفوعة عنهم؛ بل هي موضوعة لهم متى شاءوا شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (ونمارق مصفوفة) قال تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} [الغاشية:15] النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة أو ما يُتكأ عليه، مصفوفة على أحسن وجه، تتلذذ العين بها قبل أن يلتذذ البدن بالاتكاء عليها. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (وزرابي مبثوثة) قال تعالى: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:16] الزرابي: أعلى أنواع الفرش ((مَبْثُوثَةٌ)) منشورة في كل مكان، ولا تظنوا أن هذه النمارق، والأكواب، والسرر، والزرابي أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الآخرة، ونعلم حقيقته، لكنها لا تشبه ما في الدنيا لقول الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ، فالأسماء واحدة والحقائق مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط] فنحن لا نعلم حقيقة هذه النعم المذكورة في الجنة، وإن كنا نشاهد ما يوافقها في الاسم في الدنيا، ولكن هناك فرق بين هذا وهذا. ثم قال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] ويكون إن شاء الله الكلام عليه في لقاء مقبل، والآن إلى الأسئلة . الجزء: 60 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 60 ¦ الصفحة: 12 الاستشهاد بالقرآن في سياق الكلام. حكمه وشروطه السؤال فضيلة الشيخ! كثيراً ما يتناقل بعض الناس أثناء الحديث على ألسنتهم آيات من القرآن الكريم أو من السنة على سبيل المزاح، مثاله: كأن يقول بعضهم: فلان {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] أو قول بعضهم للبعض: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] واليوم رأينا نون وما يعلمون. وهكذا، ومن السنة: كأن يقول أحدهم إذا ذُكّر ونُصح بترك المعصية: يا أخي (التقوى هاهنا) أو قوله: (إن الدين يسر) وهكذا، فما قولكم في أمثال هؤلاء وما نصيحتكم لهم؟ الجواب الحمد لله رب العالمين. أما من قال هذا على سبيل الاستهزاء والسخرية فإنه على خطر عظيم، وقد يقال إنه خرج من الإسلام؛ لأن القرآن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتخذ هزواً، وكذلك الأحكام الشرعية كما قال الله تبارك وتعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:64-66] . ولهذا قال العلماء رحمهم الله: من قال كلمة الكفر ولو مازحاً فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله عز وجل ورسوله أعظم من أن تتخذ هزواً أو مزحاً. أما من استشهد بآية على واقعة جرت وحدثت فهذا لا بأس به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد بالآيات على الوقائع، فاستشهد بقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] حينما جاء الحسن والحسين يتعثران في أثوابهما، فنزل من المنبر صلى الله عليه وسلم وقال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة} [التغابن:15] فالاستشهاد بالآيات على الوقائع لا بأس به، وأما أن تنزّل الآيات على ما لم يرد الله بها ولاسيما إن قارن ذلك سخرية واستهزاء فالأمر خطير جداً. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 13 الجمع بين حديثي: (إن البحر هو جهنم) و (يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون زمام) السؤال فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن البحر هو جهنم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بجهنم ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) كيف نجمع بينهما؟ الجواب أما الأول وهو قوله أنه قال: (إن البحر هو جهنم) فلا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كثيراً من العلماء قالوا في قول الله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] إنها هي جهنم، ومعنى سجرت: أوقدت فتكون ناراً. ولا منافاة بين هذا وهذا؛ لأن أحوال يوم القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا؛ أحوال الدنيا يوم القيامة لا يعرفها أحد -أي: لا يعرف حقيقتها وكنهها- إلا الله عز وجل، أو من شاهدها يوم القيامة، أما الآن فأحوال الآخرة غير معلومة من حيث الحقيقة، ولا يمكن أن نقيسها بأحوال الدنيا، فيمكن أن تكون هذه البحار يؤتى بها يوم القيامة وهي نار تجر بسبعين ألف زمام، ولا غرابة في ذلك. وأقول لكم: إنه لا يمكن أن تقاس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لئلا يشتبه عليكم شيء آخر أعظم من هذا، وهو أنه في يوم القيامة تدنو الشمس من الرءوس حتى تكون على قدر ميل، والميل: إما هو ميل المكحلة وهو قصير جداً، وإما ميل المسافة الذي هو كيلو ونصف تقريباً، وأياً كان فإننا لو قسنا أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لكانت الشمس إذا قربت من الناس إلى هذا الحد انمحوا من الوجود لشدة حرارتها. وأيضاً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يعرقون يوم القيامة على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ العرق إلى حقويه، ومنهم من يلجمهم العرق، وهم في مكان واحد. ولو قسنا هذا بأحوال الدنيا لكان ذلك متعذراً، لكن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وهذا أمر يجب على الإنسان أن يتفطن له وألا يقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا، كما أنه لا يجوز أن يقيس صفات الله عز وجل بصفات المخلوقين، فمثلاً: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته، وجاءت الآية الكريمة: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة:255] وقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] فيقول: كيف يكون هذا؟ كيف يكون نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا بالنسبة إليه ليست بشيء؟ فيقال: يجب عليك السمع والتصديق في الأخبار، والسمع والطاعة في الأحكام، سواءً أدرك ذلك عقلك أم لم يدركه؛ لأن ما يتعلق بالرب جل وعلا لا يشبه ما يتعلق بالمخلوقين، فنحن نؤمن بأن الله ينزل نزولاً حقيقياً إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، ولكن كيف ذلك؟ الله أعلم، وقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن قول الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فقيل له: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه الرحضاء -وهو العرق- خجلاً وحياءً، وتحملاً لهذا السؤال العظيم، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 14 حكم إدراك التشهد الأخير يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! ماذا يفعل المأموم يوم الجمعة إذا جاء إلى الصلاة والإمام في التشهد الأخير، هل يقضي أربعاً أم يصلي اثنتين؟ الجواب إذا جاء الإنسان والإمام في التشهد الأخير يوم الجمعة فقد فاتته الجمعة، فيدخل مع الإمام ويصلي ظهراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فإن مفهوم هذا أن من أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركاً للصلاة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى) أي: فقد أدرك صلاة الجمعة إذا قام وأتى بالركعة الثانية. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 15 جواز سؤال الخطيب أثناء خطبة الجمعة لمن دخل ثم جلس: (أصليت؟) السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله! إذا كان الخطيب يخطب الناس في صلاة الجمعة فدخل رجل فجلس دون أن يصلي ركعتين فأنكر عليه، هل يشرع في حقه تكرار الإنكار على الأشخاص الآخرين الذين يدخلون بعده ولم يعلموا؟ أرجو توضيح هذه المسألة وجزاكم الله خيراً. الجواب إذا دخل الإنسان والإمام يخطب يوم الجمعة ثم جلس فالخطيب لا ينكر عليه مباشرة، بل يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له: (أصليت؟) فإن قال: لا. فيقول له: (قم فصل ركعتين وخففهما) وإن قال: صليت. انتهى الأمر، وكذلك لو دخل ثانٍ وثالث فإنه يقول لهم هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال قولاً أو فعل فعلاً في حادثة فهو لجميع الحوادث المماثلة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 16 حكم سماع الأشرطة التي فيها ردود بين طلاب العلم السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في الأشرطة التي يكون فيها ردود بين طلاب العلم؟ الجواب أرى أن الأشرطة التي يكون فيها أخذ ورد وإذا تأملته وجدته ليس إلا جدلاً أرى ألا تخرج؛ لأن هذه توجب تذبذب المستمعين، وانقسامهم إلى أقسام، أما إذا كان رداً لا بد منه بحيث يكون شخص أعلن في شريط شيئاً باطلاً لابد من بيانه فهذا لابد من نشره، أي: لابد من هذا الرد. والإنسان يعلم ذلك بالقرائن، أي يعلم أن ما نشر مجرد جدال بين الناس أو أنه بيانٌ للحق، فما كان بياناً للحق فلا بد أن ينشر، وما كان مجرد جدال فلا أرى أن ينشر؛ لأن الناس في حاجة ماسة إلى ما يؤلف بينهم، لا إلى ما يفرق بينهم، وكما تعلمون -بارك الله فيكم- أن كثيراً من الناس لا يدركون الأمور على ما ينبغي، فربما يغتر أحدهم بهذا وربما يغتر أحدهم بهذا فتحل بذلك الفتنة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 17 حكم الطيب الذي يحتوي على الكحول السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم استعمال الطيب (الكولونيا) الذي يحتوي على الكحول؟ الجواب الأطياب التي يقال إن فيها كولونيا أو إن فيها كحولاً لا بد أن نفصل فيها فنقول: إذا كانت النسبة من الكحول قليلة فإنها لا تضر، وليستعملها الإنسان بدون أن يكون في نفسه قلق، مثل أن تكون النسبة (5%) أو (2%) أو (1%) ، فهذا لا يؤثر. وأما إذا كانت النسبة كبيرة بحيث تؤثر فإن الأولى ألا يستعملها الإنسان إلا لحاجة، مثل تعقيم الجروح وما أشبه ذلك، أما لغير حاجة فالأولى ألا يستعملها، ولا نقول: إنه حرام، وذلك لأن هذه النسبة الكبيرة أعلى ما نقول فيها إنها مسكر، والمسكر لا شك أن شربه حرام بالنص والإجماع، لكن هل الاستعمال في غير الشرب حلال؟ هذا محل نظر، والاحتياط ألا يستعمل، وإنما قلت: إنه محل نظر؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] ، فإذا نظرنا إلى عموم قوله: (فَاجْتَنِبُوهُ) أخذنا بالعموم وقلنا: إن الخمر يجتنب على كل حال، سواءً كان شراباً أو دهاناً أو غير ذلك، وإذا نظرنا إلى العلة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] تبين أن المحظور إنما هو شربه؛ لأن مجرد الادهان به لا يؤدي إلى هذا. فالخلاصة الآن أن نقول: إذا كانت نسبة الكحول أو الكالونيا في هذا الطيب قليلة فإنه لا بأس به ولا إشكال فيه ولا قلق فيه، وإن كانت كبيرة فالأولى تجنبه إلا من حاجة، والحاجة مثل أن يحتاج الإنسان إلى تعقيم جرح أو ما أشبه ذلك. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 18 الجنة منازل بحسب الأعمال السؤال فضيلة الشيخ! هل الجنة على منزلة واحدة أم أنها متفاوتة في الكرامة والمنازل؟ الجواب الجنة ليست سواءً وإنما هي بحسب الأعمال، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام:132] ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله) فالناس متفاوتون في الأعمال، فمن كمال عدل الله عز وجل أن يتفاوتوا في الثواب، لكن نعيم الجنة على سيبل العموم كامل من جميع الوجوه (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) واقرأ ذكر منازل الجنات في آخر سورة الرحمن حيث قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ثم قال بعد ذلك: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] . وهاتان الجنتان الأوليان والأخريان هنّ أيضاً متفاوتات بحسب أعمال الناس، كما أن النار -أعاذنا الله وإياكم منها- دركات بعضها أسفل من بعض وأشد عذاباً من بعض، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهون الناس عذاباً في النار من هو في ضحضاح من نارٍ وله نعلان يغلي منهما دماغه) . الجزء: 60 ¦ الصفحة: 19 حكم توزيع شريط وكتاب كل شهر على كل أسرة برسوم اشتراك تعاونية السؤال فضيلة الشيخ! لدي مشروع في قرية من القرى، وهو عبارة عن توزيع شريط وكتاب كل شهر على كل أسرة، بشرط الاشتراك بقيمة خمسين ريالاً، ونستغل هذه الفلوس في المسابقة من خلال هذا التوزيع على البيوت، فهل يجوز ذلك؟ وإذا كان هناك فائض من الأشرطة والكتب فأين تصرف؟ الجواب إذا كان المقصود من هذه العملية المعاوضة، يعني أن نأخذ من كل إنسان تأتيه هذه الكتيبات خمسين ريالاً كل شهر على سبيل المعاوضة فإنها لا تجوز؛ لأن العوض مجهول؛ إذ لا يعلم الذي سلم الدراهم ماذا يأتيه من هذه الكتيبات ومن هذه الأشرطة. وإن كان على سبيل التعاون وأنهم جعلوا صندوقاً يجمعون فيه كل شهر خمسين ريالاً، ثم يشترى من هذا المجموع كتيبات وأشرطة نافعة توزع على الناس، فهذا لا بأس به، وبناءً على هذا نقول: بالنسبة للفاضل الذي سألت عنه؛ فإذا فضل شيء بعد التصفية فإنه يستشار المساهمون في هذا أين تصرف؟ فإن وكلوا الأمر إلى القائم على هذا الصندوق فيما يرى أن فيه مصلحة، فليصرف الفاضل إليه. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 20 حكم الزواج بنية الطلاق السؤال فضيلة الشيخ! سمعنا فتوى تنسب للشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، وقيل: إن فضيلتكم قد أفتيتم بذلك أيضاً، وهي أنه يجوز للإنسان أن يتزوج بنية الطلاق، فما صحة هذه الفتوى؟ الجواب نعم. ذكر الشيخ عبد العزيز وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء أنه يجوز للغريب أن يتزوج بنية الطلاق دفعاً لما يخشى منه من الوقوع في الفاحشة، وفرقوا بينه وبين نكاح المتعة بأن نكاح المتعة مؤجل لأجل مسمى؛ إذا انتهى الأجل انفسخ النكاح، وهو محرم -أعني: نكاح المتعة- وهذه المسألة -أعني تزوج الغريب بنية الطلاق- فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه لا بأس أن يتزوج الغريب بنية الطلاق، أي: أنه زوجٌ لهذه المرأة ما دام في هذا البلد وبنيته أنه متى سافر طلقها. وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، والمعروف في كتب أصحابه المتأخرين أنه لا يجوز للغريب أن يتزوج بنية الطلاق، قالوا: لأن هذه نية متعة؛ لأنك لو سألت هذا الغريب لِمَ تزوجت؟ أتريد أن تكون زوجتك سكناً لك؟ أتريد أن يولد لك منها أولاد؟ لقال: لا أريد هذا ولا هذا، أريد أن أستمتع بها ما دمت في هذا البلد، وأن أحمي نفسي مما أخشاه من الوقوع في الفاحشة، فنقول: إذاً لم تقصد بهذا النكاح المقصود الشرعي من النكاح؛ لأن المقصود الشرعي في النكاح أن تكون المرأة سكناً للزوج، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . ثم إن هذا القول يستغله ضعفاء الإيمان لأغراضٍ سيئة، كما سمعنا أن بعض الناس صاروا يذهبون في العطلة -أي: في الإجازة من الدروس- إلى بلاد أخرى ليتزوجوا فقط بنية الطلاق، وحُكي لي أن بعضهم يتزوج عدة زواجات في هذه الإجازة فقط، فكأنهم ذهبوا ليقضوا وطرهم الذي يشبه أن يكون زنا والعياذ بالله. ومن أجل هذا نرى أنه حتى لو قيل بالجواز فإنه لا ينبغي أن يفتح الباب؛ لأنه صار ذريعة لما ذكرت. أما رأيي في ذلك فإني أقول: عقد النكاح من حيث هو عقد صحيح؛ لأن كل إنسان يتزوج وفي نيته إن رغب بقي مع المرأة وإن لم يرغب تركها، لكن فيه غش وخداع، فهو يحرم من هذه الناحية، والغش والخداع هو أن الزوجة ووليها لو علما بنية هذا الزوج وأن من نيته أن يستمتع بها مدةً ثم يطلقها ما زوجوه، فيكون في هذا غش وخداع لهم، فإن بين لهم أنه يريد أن تبقى معه مدة بقائه في هذا البلد واتفقوا على ذلك صار نكاح متعة، لذلك أرى أنه حرام، لكن لو أن أحداً تجرأ ففعل فإن النكاح صحيح. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 21 جماعة التبليغ. طريقة دعوتهم وحكم الخروج معهم السؤال فضيلة الشيخ! أحب أن أطلع على حقيقة جماعة التبليغ، وهل ينصح فضيلتك بالخروج معهم في البلدان الأخرى أم لا؟ الجواب الدعوة إلى الله عز وجل مأمور بها، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] والسير في الدعوة إلى الله في الأرض أمر مطلوب أيضاً، لكنني لا أنصح إخواننا في بلادنا أن يذهبوا خارج البلاد إلى باكستان أو بنجلاديش أو ما أشبه ذلك؛ لأنه بلغني أن هناك رؤساء مشتبه في عقيدتهم، والإنسان يجب عليه أن يبتعد عما فيه الاشتباه، أما في داخل المملكة فلا أرى عليهم إلا خيراً. صحيح أن عندهم جهلاً، وأنهم يحتاجون إلى طلبة علم يخرجون معهم يوجهونهم ويبينون لهم أن الإسلام أوسع مما حصروه في الستة الأوصاف التي عندهم، ويرشدونهم إلى السنة في كثير من الأمور، لكنني لست أشدد في التحذير منهم، بل ولا أحذر منهم؛ لأن لهم تأثيراً بالغاً في هداية الخلق، فكم من إنسان فاسق صار مستقيماً على أيديهم، وكم من إنسان كافر صار مسلماً على أيديهم، وهم في الدعوة إلى الله ألين من غيرهم؛ عندهم لين، وعندهم إيثار، وعندهم خلق، ولكن عندهم شيء من البدع يمكن أن يُقضى عليها. أما بالنسبة لنصيحة كل شخص على حدة فالإنسان الذي عنده قدرة على التعلم والتفرغ لطلب العلم ننصحه أن يبقى في طلب العلم وألا يخرج معهم؛ لأن طلب العلم أفضل من الذهاب للدعوة إلى الله عز وجل، وأما إذا كان الإنسان ليس بطالب علم ولا مستعداً لطلب العلم وأراد أن يخرج معهم من أجل أن يلين قلبه ويقبل على الله عز وجل فلا حرج. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 22 تحريم تغيير اللحية بالسواد السؤال فضيلة الشيخ! سمعت من بعض طلبة العلم بأن تغيير اللحية بالسواد لا بأس به، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب أرى أن تغيير اللحية بالسواد محرم، وإن كان بعض العلماء قال: إنه مكروه كراهة تنزيه، وربما قال بعضهم: إنه خلاف الأولى، ولكن الصحيح عندي أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) ولأنه ورد في الحديث الصحيح: (إنه يأتي في آخر الزمان أقوامٌ يخضبون لحاهم بالسواد كخافية الطير أو قال: كخافية الغراب لا يدخلون الجنة) وهذا وعيد شديد يقتضي أن يكون صبغها بالسواد من كبائر الذنوب، ثم إن هناك غنىً عن هذا وهو أن يصبغها بصبغ ليس أسود خالصاً ولا أحمر خالصاً، بل يكون بُنّياً بين السواد وبين الحمرة، وبذلك يسلم من الوقوع في الإثم، ويحصل له تغيير الشيب الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 23 حكم الأذان والإقامة في أذن المولود السؤال فضيلة الشيخ! هل الأذان للمولود في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى يكون في اليوم السابع أم في اليوم الأول، أم متى يكون ذلك -بارك الله فيكم-؟ الجواب أولاً: لابد أن نسأل: هل هذا من الأمور المشروعة أم لا؟ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ليست بتلك القوة، لاسيما الإقامة، ومن صحح الأحاديث الواردة في ذلك قال: إنه يكون عند ولادة المولود كما جاء في هذه الأحاديث. والحكمة من هذا أن يكون أول ما يطرق سمعه هو الأذان المتضمن لتعظيم الله وتوحيده والدعوة إلى الصلاة والفلاح، هذا هو وجه كونه حين الولادة. أما تسمية المولود: فإن كان قد عُين اسمه قبل الولادة فإنه يسمى حين الولادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال: (ولد لي الليلة مولودٌ وسميته إبراهيم) أما إذا كان لم يعين اسمه قبل ولادته، فالأولى أن تكون التسمية في اليوم السابع؛ لأنه اليوم الذي تذبح فيه عقيقته ويحلق فيه رأسه ويختن إذا كان ذكراً. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 24 حكم ترغيب الناس على الصيام الجماعي للنافلة السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في تشجيع عامة الناس على صيام النافلة وإقامة الفطور الجماعي؟ الجواب أرى أنه لا بأس به، لكن الأولى تركه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يسلكون هذه الأساليب، فإذا رُغب الناس في صيام النفل بالقول فهو كافٍ عن ترغيبهم بالفعل. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 25 قول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في مسألة ظهور يأجوج ومأجوج السؤال فضيلة الشيخ: استفاض عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله عليه أنه قال بظهور يأجوج ومأجوج وأنهم أهل الصين. وبعد الرجوع إلى تفسيره تبين أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان وأنهم سيفسدون في الأرض، وأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فهل رجع الشيخ عن قوله الأول أم أن له قولين في هذه المسألة؟ وأنتم ماذا ترجحون في هذا جزاكم الله خيراً؟ الجواب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله هو شيخنا، وقد أثيرت ضجة حول ما نسب إليه من أن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين وما وراء جبال القوقاز، والحقيقة أنه رحمه الله لم يقل شيئاً إلا بدليل مبني على الكتاب والسنة، وبقول قاله من قبله، لكن أهل الأهواء يتشبثون بخيط العنكبوت في تشويه سمعة من آتاه الله من فضله، فأرادوا أن يحسدوه. فشيخنا رحمه الله لم يقل: إن يأجوج ومأجوج الذين يخرجون في آخر الزمان هم الموجودون الآن، ولا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عن عالم يعتبر علامة زمانه رحمه الله، وإنما قال: إن يأجوج ومأجوج موجودون، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} يعني: سار {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف:90-94] إذاً هم موجودون، وقوله تعالى: {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} يعني: مالاً {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} فاستجاب لذلك قال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:96] فآتوه بزبر الحديد وركم بعضها على بعض: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يعني: بين الجبلين: {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} يعني: آتوني قطراً، أي آتوني حديداً مذاباً أفرغه عليه فأتوه بذلك، فصار هذا السد مثل الجبل، وهو سد من حديد {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] يعني: يعلو عليه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} أي: ما استطاعوا أن ينقبوه؛ لأنه من حديد {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف:98] يعني في آخر الزمان: {جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:98-99] . فالحاصل أن شيخنا رحمه الله لم ير رأيين في هذه المسألة، بل هو رأيٌ واحد دل عليه كتاب الله عز وجل وكذلك أقوال أهل العلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (يقول الله تعالى: يا آدم -يعني: يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف) يعني: تسعمائة وتسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار وواحد في الجنة، (فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا: يا رسول الله! أين ذلك الواحد؟ قال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا صريح أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، وأنهم يدخلون النار. فعلى كل حال نحن نرى ما يدل عليه الكتاب والسنة من أن يأجوج ومأجوج موجودون، لكن هؤلاء الموجودين ليسوا هم الذين يخرجون في آخر الزمان، بل سيأتي أقوام آخرون من نسلهم، فيخرجون في آخر الزمان، ويفسدون في الأرض كما أفسد آباؤهم. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 26 كيفية زواج من لا ولي لها السؤال فضيلة الشيخ! عندنا في جدة كثير من الجنسيات الوافدة، وهناك تأتي المرأة لتتزوج ولا يكون عندها ولي؛ لأنها جاءت إلى البلاد بمفردها، فتتزوج بلا ولي، فما الواجب تجاه ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب الواقع أن هذه ليست مشكلة، يعني إذا أتى نساء وافدات إلى البلاد ليس معهن أولياء، فليس هناك مشكلة، إذ أن الأمر يعرض على المحكمة الشرعية، ومن لا ولي لها فالسلطان ولي من لا ولي لها، ونائب السلطان يقوم مقام السلطان، والحاكم الشرعي له أن يزوج من ليس لها ولي، وله أن يزوج من لها ولي ولكنه امتنع من أن يزوجها من خطبها وهو كفء، وهذه المسألة يجب أن نهتم بها نحن طلبة العلم: يوجد بعض الأولياء والعياذ بالله يرى أن بناته وأخواته عنده بمنزلة البهائم؛ يبيع ويشتري فيها وينافس، ويمنع الشخص الذي يكون كفئاً في دينه وخلقه؛ لأنه لا يحبه وهذا حرام. وإذا تكرر منه هذا المنع صار فاسقاً خارجاً عن العدالة، فلا تقبل له شهادة، ولا تقبل له إمامة في قوم، فلا يؤم الناس في الصلاة على قول بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً، فإذا تكرر منع هذا الولي من تزويج موليته من هو كفء قلنا له: ليس لك ولاية عليها. وبحثنا عن ولي أقرب، فإذا امتنع الأولياء كما هو الغالب فإنهم يقولون: إذا كان أبوها ما زوجها فلسنا ملزمين بتزويجها، فإذا امتنع الأولياء الآخرون عن الولاية انتقلت إلى ولاية القاضي، وفي هذه الحال يجب على القاضي أن يزوجها من هو كفء، وألا يمتنع من ذلك. فالحاصل أن هؤلاء الوافدات يجب عليهن إذا أردن أن يتزوجن أن يذهبن إلى المحكمة ويبين الحال للحاكم الشرعي، وهو بدوره يقوم بتزويجهن، أما إذا حصل النكاح من دون ولي فالنكاح فاسد لا يصح، ولا يجوز للزوج أن يجامعها أو يعاشرها أو يخلو بها بناءً على هذا العقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) يعني: لا نكاح يصح إلا بولي، والواجب عليك إذا كنت تعلم هذا يقيناً أن تبلغ الجهات المسئولة هناك، إما المحكمة أو الإمارة، أو الهيئة؛ حتى يجدد العقد على يد الحاكم الشرعي. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 27 قول الصحابي وفعله. حكمه وحجيته السؤال إذا ورد في مسألة فعل صحابي فقط، فهل يؤخذ بفعل الصحابي على أنه دليل يستدل به؟ مثال ذلك: قضية قضاء عمار بن ياسر رضي الله عنه بعض الصلوات التي فاتته بسبب الإغماء؟ الجواب هذا ينبني على الخلاف، هل فعل الصحابي وقوله حجة أم لا؟ والصحيح أن قول فقهاء الصحابة حجة، لكن بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف النص. الشرط الثاني: ألا يخالف صحابياً آخر. فإن خالف النص فمردود غير مقبول، وإن خالف قول صحابي آخر وجب طلب المرجح، فأيهما كان أرجح كان قوله أولى، مثل أن يختلف صحابي ليس معروفاً بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معروفاً بفقهه على صحابي آخر معروف بكثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم وبالفقه، فالثاني أولى أن يؤخذ بقوله من الأول. أما المسألة التي أشار إليها السائل وهي قضاء عمار صلاته التي فاتته بالإغماء فهي أيضاً مبنية على الخلاف في حجية فعل الصحابي، ثم إن فعل عمار لا يدل على الوجوب؛ لأن الفعل المجرد من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حجة لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟ فهو رضي الله عنه لما أغمي عليه استحسن أن يقضي ما فاته. فالقول الراجح: أنه لا يلزمه القضاء، أي لا يلزم المغمى عليه قضاء الصلاة، فلو أن إنساناً أصيب بحادث وظل مغمىً عليه لمدة يومين أو ثلاثة، ثم أفاق فإنه لا قضاء عليه لكن لو كان سبب الإغماء اختيارياً كأن يبنج لعملية ثم يبقى نصف يوم أو يومين لم يَصْحُ من البنج فإنه في هذه الحال يجب عليه القضاء؛ لأن إغماءه كان اختيارياً. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 28 ضابط الولاء والبراء والهجر السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لمسألة تغيير شعر اللحية بالسواد، إذا وجد داعية على قدم راسخ في العلم يغير شعره بالسواد، فهل يكون الخلاف معه خلافاً ينبني عليه الولاء والبراء؟ بمعنى أن يشنع عليه ويهجر علمه بسبب ذلك، أم أن هذا من جنس المسائل الخلافية التي يلتمس له العذر فيها؟ الجواب الواجب على الإنسان أن يجعل ولاءه وبراءه مبنياً على دليل من الشرع لا على هواه، فإذا قُدّر أن أحداً من الناس خالفه بمقتضى الدليل عنده فإنه لا يجوز له أن يتبرأ منه أو أن يعاديه، أرأيت لو أن إنساناً صلى بعد أن أكل لحم إبل ولم يتوضأ، هذه عند من يرى الوضوء من لحم الإبل كبيرة من كبائر الذنوب أن يصلي بلا وضوء، فهل إذا رأينا شخصاً يقول: لم يتبين لي وجوب الوضوء من لحم الإبل، فأنا أصلي ولا أتوضأ منه، هل نقول: يجب أن نعاديه؟ الجواب: لا. بل لا يجوز أن نعاديه، ولا أن نحمل عليه حقداً، كذلك -أيضاً- لو رأينا شخصاً يرى أن صبغ اللحية بالسواد لا بأس به فإننا لا نعاديه، لكننا نناقشه حتى يصل كل منا إلى الحق، فإن لم يتبين له الحق وعلمنا أن الرجل صادق في طلب الحق لكنه لم يتبين له فإننا لا نعاديه أيضاً، أما لو علمنا أن الرجل مصر على رأيه وقال: نعم. هذا الحديث يدل على تحريم السواد لكن أنا اعتدت هذا، ولا أريد أن أتحول عنه، فهذا يكون قد عصى الله على بصيرة، ولا مانع أن نهجره إذا كان في هجره مصلحة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 29 حكم المبيت خارج منى السؤال بعض الناس في الحج يسكن خارج منى بدون أن يكلف نفسه ويبحث عن مكان في منى، وإذا أتى في الساعة الواحدة في الليل أو الثانية أتى إلى منى وقضى الليل في السيارة، يقطع الوقت إلى الفجر، فهل يعتبر هذا قد بات في منى أم لم يتحقق المبيت؟ الجواب المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر من ذي الحجة واجب على القول الراجح، ويدل لوجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد العباس أن ينزل إلى مكة لسقاية الحاج رخّص له. قال العلماء: وكلمة (رخّص) تدل على أن الأصل الوجوب؛ لأن الرخصة لا تقال إلا في مقابل أمرٍ واجب، فالواجب على الإنسان أن يبحث عن مكان في منى قبل أن ينزل بـ مزدلفة، فإذا لم يجد مكاناً فلينزل في مزدلفة ويبقى فيها، ولا يلزمه أن يذهب إلى منى يبحث فيها بسيارته معظم الليل، أو يجلس على الأرصفة بين السيارات، وقد يكون ذلك خطراً عليه فنقول: إذا لم تلق مكاناً في منى فاجلس في مزدلفة عند منتهى الخيام، ولا يلزمك شيء ما دمت بحثت عن مكان ولم تجد. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 30 حكم الوثوق بالكفار على سبيل الإطلاق السؤال فضيلة الشيخ! نسمع وللأسف الشديد من المسلمين من أبناء جلدتنا من يقول: أنا والله أثق في العمالة من الكفار أكثر من المسلمين، فما رأيكم في مثل هذا القول وما توجيهكم لهؤلاء؟ الجواب رأينا في هذا أنه خطأ أن نفضل العمالة الكافرة على العمالة المسلمة على سبيل الإطلاق، لكن لو رأينا رجلاً مسلماً مقصراً في عمله ورجلاً كافراً يأتي بعمله على التمام فلنا أن نقول: إن هذا في عمله أفضل من هذا في عمله، أما على سبيل العموم والإطلاق فهذا غلط عظيم، ويخشى على إيمان المرء إذا فضّل غير المسلمين على المسلمين على الإطلاق؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] وقال: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] . ثم إن الإنسان يجب أن ينظر من ناحية الجهات التي تذهب إليها هذه الأجور؛ إذا كانت العمالة كافرة فإن كسبها يذهب إلى صناديق الكفار، ثم قد يكون هؤلاء القوم كفاراً يقاتلون المسلمين في بلادهم، فتكون هذه الأجور التي تدفعها إلى هؤلاء العمال سكاكين وخناجر في صدور المسلمين في بلاد هؤلاء الكفار، فالإنسان يجب أن ينظر الأمور من كل جانب. أما لو كان هؤلاء الكفار من جنسٍ مسالم للمسلمين؛ لم يأتِ للمسلمين منهم ضرر فالأمر أهون. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 31 الجهل والنسيان في الواجبات والمنهيات السؤال فضيلة الشيخ: الجهل والنسيان هل يسقطان الإثم أم يسقطان الإثم والفدية، كمن نسي مبيت ليالي منى في منى؟ الجواب أما الواجبات فالجهل فيها أو النسيان يسقطان الإثم، ولا يسقطان ما يجب في ترك هذا الواجب، ولهذا لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الطمأنينة في الصلاة عن الرجل الجاهل بها، وأما المنهيات فالجهل فيها أو النسيان فيها يسقط الإثم، ويسقط الحكم المترتب على فعل هذا المحظور، وذلك لأن المترتب على هذا المحظور لا يرفع الحظر بعد وقوعه، مثلاً: رجل صلى بغير وضوء ناسياً، فصلاته غير صحيحة، ويجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، ورجل آخر تكلم في الصلاة ناسياً فصلاته صحيحة، وليس عليه إعادة الصلاة. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 32 حكم سؤال الآخرين: من أي الجماعات أنت؟ السؤال فضيلة الشيخ: صليت في أحد المساجد ورآني أحد الشباب وسلم عليَّ وقال: يا أخي! من أي الجماعات أنت؟ قلت: يا أخي! كلنا إخوان في الله. ولكنه أصر فقال: إما أن تكون من جماعة الحديث أو من جماعة التبليغ أو من الإخوان المسلمين أو من كذا أو كذا، فأخذنا مدة في النقاش ولم نصل إلى شيء، فما توجيه فضيلتكم لمثل هذا الشخص جزاكم الله خيراً؟ الجواب أرى أن مثل هذه الطريقة أن تنبذ، فالناس كلهم -والحمد لله سواء- كلنا مسلمون، فجوابك كان جواباً صحيحاً في محله، وأما أن نفرض على الناس أن يتحزبوا؛ هذا من جماعة التبليغ، وهذا من السلفيين، وهذا من الإخوان المسلمين، وهذا من جمعية الإصلاح، وهذا من جماعة أهل السنة وما أشبه ذلك فبلادنا -والحمد لله- لا تحتاج إلى هذا. يمكن للبلاد الأخرى أن تحتاج؛ لأن الأحزاب فيها فرضت نفسها، لكن عندنا والحمد لله لا داعي لذلك، فهؤلاء الذين يدعون إلى الحزبية لا شك أنهم يجنون على أنفسهم وعلى إخوانهم، وأنهم سيجرون البلاد إلى نزاعٍ طويل ومشكلات متعددة، فنصيحتي للأخ الذي قال لك هذا أن يستغفر الله ويتوب إليه، وأن يعلم أننا إخوة وعلى ملةٍ واحدة، وتحت ظل شريعة واحدة -والحمد لله- فكلنا من أهل الحديث، وكلنا من أهل القرآن، وكلنا من أهل الدعوة، نسأل الله الهداية للجميع. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 60 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [61] يتبين لنا من خلال تفسير الشيخ لهذه الآيات أن التأمل إلى المخلوقات من الواجبات التي تعين العبد إلى التعرف إلى الله تعالى، ومخلوقات الله كثيرة، والناس في الإيمان بالله على قسمين: فمنهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، ولهذا بين الله لرسوله أنه ليس مخاطباً بإيمانهم وإنما عليه البلاغ وعلى الله هدايتهم وحسابهم أيضاً، ثم أجاب الشيخ بعدها عن الأسئلة. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الغاشية الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الحادي والستون من المجالس المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو اليوم الرابع عشر من شهر المحرم عام (1415 هـ) نبدأه كالعادة بما تيسر من تفسير كلام الله عز وجل. وقد انتهينا في الدرس الماضي إلى قول الله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) لما قرر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية وهي: يوم القيامة، وبين أن الناس ينقسمون إلى قسمين: 1- وجوه خاشعة {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3-4] . 2- ووجوه ناعمة {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:9] . وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] . وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي: أن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، فأنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع، فقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية:17] وهي الأباعر {كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] أي: كيف خلقها الله عز وجل بهذا الجسم الكبير المتحمل؛ تجد البعير تمشي مسافات طويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حمل وهو بارك، لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، فيسر الله تعالى له الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس:73] منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يلازمونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها؛ لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإلى السماء كيف رفعت) قال تعالى: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] أي: وينظرون إلى السماء كيف رفعت بما فيها من النجوم والشمس والقمر وغيرها من الآيات العظيمة التي لم يتبين كثير منها إلى الآن. ولا نقول: إن هذه الآيات السماوية هي كل الآيات، بل لعل هناك آيات كبيرة عظيمة لا ندركها حتى الآن. وقوله: {كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية:18] أي: رفعت هذا الارتفاع العظيم، ومع هذا فليس لها عمد، مع أن العادة أن السقوف لا تكون إلا على عمد، لكن هذا السقف العظيم المحفوظ قام على غير عمد {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وإلى الجبال كيف نصبت) قال تعالى: {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية:19] أي: هذه الجبال العظيمة التي تحمل الصخور والقطع المتجاورات المتباينات، فالجبال مكونة من أحجار كثيرة وأنواع كثيرة، فيها المعادن المتنوعة وهي متجاورة، ومع ذلك تجد -مثلاً- هذا الخط في وسط الصخر يشتمل على معادن لا توجد فيما قرب منه من هذا الصخر، ويعرف هذا أهل الجيولوجيا كيف نصب الله هذه الجبال العظيمة بهذا الارتفاع لتكون رواسي في الأرض، لئلا تميد بالناس، ولولا أن الله عز وجل خلق هذه الجبال لمادت الأرض بأهلها، لأن الأرض في وسط الماء، والماء محيط بها من كل جانب، وما ظنك بكرة تجعلها في وسط الماء؟ سوف تتحرك وتضطرب وتتدحرج أحياناً وتنقلب أحياناً، لكن الله جعل هذه الجبال رواسي تمسك الأرض كما تمسك الأطناب الخيمة، وهي راسية ثابتة على ما يحصل في الأرض من الأعاصير العظيمة التي تهدم البنايات التي بناها الآدميون، لكن هذه الجبال راسية لا تتزحزح ولو جاءت الأعاصير العظيمة، بل إن من فوائدها أنها تحجب الأعاصير العظيمة البالغة التي تنطلق من البحار أو من غير البحار لئلا تعصف بالناس، وهذا شيء مشاهد؛ تجد الذين في سفوح الجبال وتحتها في الأرض في مأمن من أعاصير الرياح العظيمة التي تأتي من خلف الجبل، فيها فوائد عظيمة وهي رواسي لو أن الخلق اجتمعوا على أن يضعوا سلسلة مثل هذه السلسلة من الجبال ما استطاعوا إلى هذا سبيلاً، مهما بلغت صناعتهم وقوتهم وقدرتهم وطال أمدهم، فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه الجبال. وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، فمثلاً: الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يمكن الله لهذا الجبل في الأرض، حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح، ولهذا يقول عز وجل: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:15-16] . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وإلى الأرض كيف سطحت) يقول عز وجل: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] أي: وانظروا كيف سطح الله هذه الأرض الواسعة وجعلها سطحاً واسعاً ليتمكن الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير ذلك، فما ظنكم لو كانت الأرض صبباً غير مسطحة مثل الجبال يرقى عليها ويصعد لكانت شاقة ولما استقر الناس عليها، لكن الله عز وجل جعلها سطحاً ممهداً للخلق. وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية بل سطح ممتد، لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية، والواقع شاهد بذلك، فيقول عز وجل: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر:5] والتكوير هو: التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا مكورين لزم أن تكون الأرض مكورة، قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:1-4] فقال: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق:3] وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم أي: مد الجلد، حتى لا يكون فيها جبال ولا أودية ولا أشجار ولا بناء؛ يذرها الرب عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] متى تنشق السماء؟ كلنا يعرف أنها لا تنشق إلا يوم القيامة وأنها الآن غير منشقة. إذاً: قوله: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:3-4] أي: يوم القيامة فهي إذاً الآن غير ممدودة. إذاً: فهي مكورة. والواقع المحسوس المتيقن الآن أنها كروية لا شك، والدليل على هذا أنك لو سرت في خط مستقيم من هنا من المملكة متجهاً غرباً لأتيت من ناحية الشرق وتدور على الأرض ثم تأتي إلى النقطة التي انطلقت منها، وكذلك بالعكس لو سرت متجهاً نحو المشرق وجدتك راجعاً إلى النقطة التي قمت منها من نحو المغرب. إذاً لا شك أنها كروية، فإذا قال الإنسان: إذا كانت كما زعمت كروية كيف تثبت مياه البحار عليها وهي كروية؟ نقول في الجواب عن هذا: إن الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه يمسك البحار أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كل شيء قدير. قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: حبست ومنعت من أن تفيض على الناس، كالشيء الذي يسجر أي: يربط. وعلى كل حال القدرة الإلهية لا يمكن لنا أن نعارض فيها، بل نقول: قدرة الله عز وجل أمسكت هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم وإن كانت الأرض كروية. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر) قال عز وجل لما بين هذه الآيات الأربع: الإبل، والسماء، والجبال، والأرض قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَذَكِّرْ} [الغاشية:21] أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي: لم يقل: ذكر فلاناً وفلاناً، فالتذكير عام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث للناس كافة؛ ذكر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام وذكر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة. ذكروا، ولكن هذه الذكرى هل ينتفع بها كل الناس؟ الجواب لا. {إِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول: إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه بعدم الإيمان؛ لأن الله يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذريات:55] فإذا ذكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان؛ لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى التي لا بد أن تنفع المؤمن. وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأما الهداية فبيد الله {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق في حياته، حتى إنه في آخر حياته يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث، وقيل له: {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:2] إلى أن توفاه الله؛ لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف وفي كل مكان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ منكم التاريخ -السيرة النبوية- يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه ويسمونه بالأمين يلقبونه بذلك ويثقون به حتى حكموه في وضع الحجر الأسود في الكعبة حينما هدموا الكعبة ووصلوا إلى حد الحجر، قالوا: من ينصب الحجر؟ فتنازعوا بينهم، كل قبيلة تقول: نحن الذين نتولى وضع الحجر في مكانه، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وحكموه فيما بينهم، وأمر أن يوضع رداء، وأن يمسك كل واحد من هذه القبائل بطرف من هذا الرداء حتى يرفعوه، فإذا حاذوا محله أخذه بيده الكريمة ونصبه في مكانه، فكانوا يسمونه الأمين، لكن لما أكرمه الله تعالى بالنبوة انقلبت المعايير، فصاروا يقولون: ساحر، وكاهن، وشاعر، ومجنون، وكذاب، ورموه بكل سب، فالرسول عليه الصلاة والسلام يذكر وليس عليه إلا التذكير. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (لست عليهم بمسيطر) ومن هنا نأخذ أنه لا يجب علينا أن نهدي الخلق، ولا يمكننا أن نهدي الخلق أبداً، لا يمكن أن نهدي أقرب الناس إلينا {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] فلا نجزع إذا ذكرنا إنساناً ووجدناه يعاند أو يخاصم أو يقول: ما عليك مني. أو يقول: دعني أفعل ما أشاء. أو ما أشبه ذلك، قال الله تعالى لنبيه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] لا تهلك نفسك إذا لم يؤمنوا، فإيمانهم لهم وكفرهم ليس عليك، ولهذا قال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:22] أي: ليس لك سلطة ولا سيطرة عليهم، لمن السلطة والسيطرة؟ لله رب العالمين، أنت عليك البلاغ. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إلا من تولى وكفر) قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:23-24] قال العلماء: (إلا) هنا بمعنى: لكن، أي: أن الاستثناء في الآية منقطع وليس بمتصل، والفرق بين المتصل والمنقطع أن المتصل يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، والمنقطع يكون أجنبياً منه -فمثلاً- لو قلنا: إنه متصل لكان معنى الآية: لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فأنت عليهم مسيطر، وليس الأمر كذلك، بل المعنى: لكن من تولى وكفر بعد أن ذكرته فيعذبه الله العذاب الأكبر، فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سيعذب {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:23] . التولي أي: الإعراض، فلا يتجه للحق ولا يقبل الحق ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بإذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:20-21] أي: لا ينقادون. فهنا يقول عز وجل: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:23] تولى: أعرض، كفر: أي: استكبر، ولم يقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ} [الغاشية:24] يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة:21] والعذاب الأكبر يوم القيامة، وهنا قال: الأكبر ولم يذكر المفضل عليه، أي: لم يقل: الأكبر من كذا، فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة -والعياذ بالله- كل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إن إلينا إيابهم) هل هناك عذاب أصغر؟ نقول: نعم. هناك عذاب أصغر في الدنيا، فقد يبتلى المتولي المعرض بأمراض في بدنه وعقله، وأهله، وماله، ومجتمعه، وكل هذا بالنسبة لعذاب النار عذاب أصغر، لكن العذاب الأكبر إنما يكون يوم القيامة، ولهذا قال بعدها: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25-26] (إلينا إيابهم) أي: مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فر الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل ولو طالت به الحياة فإنه راجع إلى الله، ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فاستعد يا أخي لهذه الملاقاة؛ لأنك سوف تلاقي ربك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه -عن اليسار- فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) كلنا سيخلو به ربه عز وجل يوم القيامة يقرره بذنوبه يقول: فعلت كذا في يوم كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) وكم من ذنوب سترها الله عز وجل، وكم من ذنوب اقترفناها لم يعلم بها أحد، ولكن الله تعالى علم بها، فموقفنا من هذه الذنوب أن نستغفر الله عز وجل، وأن نكثر من الأعمال الصالحة المكفرة للسيئات، حتى نلقى الله عز وجل ونحن على ما يرضيه سبحانه وتعالى. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (ثم إن علينا حسابهم) قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25-26] نحاسبهم، قال العلماء: وكيفية الحساب ليست مناقشة يناقش الإنسان؛ لأنه لو نوقش هلك؛ لو يناقشك الله عز وجل عن الحساب هلكت، أو ناقشك في نعمة من النعم كالبصر، لا يمكن أن تجد أي شيء تعمله يقابل نعمة البصر، أو نعمة النفس؛ النفس الذي يخرج ويدخل بدون أي مشقة وبدون أي عناء، فالإنسان يتكلم وينام ويأكل ويشرب، ومع ذلك لا يحس بالنفس ولا يعرف قدر النفس إلا إذا أصيب بما يمنع التنفس، وحينئذ يذكر نعمة الله؛ لكن ما دام في عافية فهو عنده شيء طبيعي، لكن لو أنه أصيب بكتم النفس لعرف قدر النعمة، فلو نوقش لهلك، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عائشة: (من نوقش الحساب عذب) ، لكن كيفية الحساب؟ أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه، فعلت كذا فعلت كذا فعلت كذا؛ حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) . وأما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب؛ لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم، لكنها تحصى عليهم أعمالهم ويُقررون بها أمام العالم ويخزون بها، وينادى بهم على رءوس الأشهاد {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] نعوذ بالله من الخذلان. وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة، وهي إحدى السورتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في المجامع الكبيرة، فقد كان يقرأ في صلاة العيدين: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وكذلك في صلاة الجمعة، ويقرأ أحياناً في العيدين {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] وفي صلاة الجمعة يقرأ سورة الجمعة والمنافقين، ينوع مرة في هذه ومرة في هذه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تكون وجوههم لسعيها راضية، وأن يتولانا بعنايته في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير، والله تعالى أعلم. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 61 ¦ الصفحة: 12 حكم الغش في اختبار مادة اللغة الإنجليزية السؤال فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم: تعلمون أن الاختبارات على الأبواب، وبعض الطلاب يستحلون الغش في اختبار مادة الإنجليزي ويقولون: هذه لغة الكفار ولا يجوز تعلمها، فما حكم ذلك؟ وهل للمدرس أن يغض النظر عن الغش في هذه المادة؟ ثم من سبق له الغش في هذه المادة معتقداً حل ذلك ماذا عليه الآن؟ وهل المال الذي يدخل عليه من شهادته فيه شيء من الحرام؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب الامتحان ويقال له: الاختبار، معناه أن الطالب يختبر لينظر مدى تحصيله في هذا العام الدراسي، وينبني على ذلك أن يعطى شهادة يجتاز بها هذه المرحلة إلى المرحلة التي تليها، سواء كان من الابتدائي إلى المتوسط أو من المتوسط إلى الثانوي، أو من الثانوي للجامعة، أو من الجامعة للدراسات العليا، أو كان من سنة إلى سنة في كل مرحلة هذه الشهادة، وإذا كان كذلك فإنه لا يحل للطالب أن يغش فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا فليس منا) وهذا عام في كل غش؛ ولأن ولاة الأمر رتبوا على هذه الشهادات أشياء معينة كالرواتب والمراتب وما أشبه ذلك، فكيف يمكن أن تنال هذه الرواتب وهذه المكافآت والمراتب وهي السلم الوظيفي؟ كيف يحل لك أن تأخذ هذه المراتب أو هذه الرواتب وأنت لم تبلغ ما تستحقه بهذه المراتب إلا بالغش؟ فنقول: الغش حرام، حتى في اللغة الإنجليزية الغش حرام؛ لأن ولاة الأمور قرروها، وجعلوا من شروط اجتياز هذه المرحلة أن تجيد هذه اللغة. وأما قوله: إنها لغة الكفار. فهذا غير صحيح، فكم من أناس مسلمين لغتهم الإنجليزية، كل المسلمين الذين يتكلمون باللغة الإنجليزية في جميع أقطار الدنيا كلهم مسلمون، واللغة لا صنع للإنسان فيها، وإن كنا نرى كما هو واقع أن اللغة العربية أفضل اللغات وأشرفها؛ لأنها لغة القرآن الكريم ولغة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، لكن هذه لغة عالمية مشهورة يتكلم بها المسلم والكافر، ثم هي مقررة عليك حتى وإن كانت لغة الكفار، فإنك ربما تحتاجها في يوم من الأيام، أنا أتمنى أني أعرف هذه اللغة؛ لأني وجدت فيها مصلحة كبيرة، يأتي رجل ليسلم بين يديك فلا تستطيع أن تتفاهم معه، وترى مسلماً يخل في أشياء من واجبات الدين في الصلاة، أو في الصوم، أو في الزكاة، أو في الحج، أو في غير ذلك فلا تستطيع أن تتكلم معه؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود؛ اللغة العبرية؛ حتى إذا جاءت الكتب من اليهود يقرأها زيد ويكتب ردها. فلا يمكن أن ينكر الآن مدى احتياج الناس إلى تعلم اللغة الإنجليزية، وأنها قد تكون وسيلة بالغة للدعوة إلى الله عز وجل. افرض أنك في مجتمع لا يعرف إلا اللغة الإنجليزية سواء كان إنجليزياً أو غير إنجليزي، كيف تدعو إلى الله؟ هل يمكن أن تدعو بالإشارة؟ مهما بلغت من الإشارة لا تستطيع أن تدله أو تدعوه كما تدعوه بالعبارة. فهذا التصور تصور غير صحيح. وصحيح أنه لا يمكن أن نقول للناس الذين منَّ الله عليهم باللغة العربية: انتقلوا إلى اللغة الإنجليزية، أو إلى اللغة الفارسية أو الأردية أو غيرها، لا نرى أن الإنسان يتخطى اللغة العربية إلى لغة أخرى، فيجعلها هي لغة التخاطب والتفاهم، لكن كونه يتعلم لغة الغير لأجل الدعوة إلى الله عز وجل أو للمصالح الدنيوية التي ليست حراماً فلا أحد ينكره أبداً. المهم أن الغش في اللغة الإنجليزية في الاختبار حرام، ولا يجوز للمصحح أن يتهاون في ذلك أيضاً، بل الواجب عليه أن يعامل الإجابة في اللغة الإنجليزية كما يعامل الإجابة في غيرها من مواد الدراسة. ولا فرق. وأما كون الإنسان ينجح بالغش ثم يتوصل بذلك النجاح المغشوش الهزيل الرديء إلى مرتبة من المراتب فإننا نرى أن ذلك خطر على أكله وشربه الذي استفاده من الراتب المقرر على النجاح في هذه المرحلة، ونرى أن الإنسان يجب عليه إذا تمكن أن يعيد الاختبار مرة ثانية على وجهٍ صحيح فليفعل، هذا إذا كان الغش في الشهادة التي ترتب عليها هذا الراتب. أما إذا كان في أثناء الدراسة فهذا إذا تاب إلى الله وكان آخر مرحلة نال الشهادة بها على وجه صحيح، فنرجو أن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه، وأنه لا حرج عليه فيما يأخذ من الراتب بناءً على هذه الشهادة، فإذا قال: إنه غش في آخر شهادة نال بها هذا الراتب، ولا يمكنه أن يعيد الاختبار؛ لأنه جبان لا يستطيع أن يصرح، فإني أرجو إذا كانت الوظيفة التي يشغلها لا علاقة لها فيما غش فيه أرجو أن يكون ذلك توبة صحيحة. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 13 الحكمة من وقوع الكوارث السؤال فضيلة الشيخ! ذكرت أن يوم القيامة تشقق الأرض، وتسطح الأرض، فهل تشقق الجبال في البراكين تعتبر من التسطح أم لا؟ الجواب لا. انشقاق الأرض بالبراكين هذه تعتبر من عذاب الله عز وجل، فهي تشبه الزلازل، والزلازل من عقوبات الله لا شك في هذا، فهي إنذار وتحذير للذين وقع بهم هذا البركان، وكذلك لغيرهم؛ لأن الذي شق الأرض حتى خرج منها هذا البركان قادر على أن يشقها في أي مكان، ولذلك يجب علينا ألا نقول: هذه أمور طبيعية، بل نقول: هذه أمور كونية قدرية، قدرها الله عز وجل وأراد أن يري العباد آياته حتى يتذكروا ويرجعوا إلى الله، لكن مع الأسف لقلة معرفتنا بالله عز وجل وخوفنا منه تمر بنا هذه الأشياء مر الرياح، وكأنها لا شيء، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحاباً أو غيماً صار يدخل ويخرج ويتغير، وجهه ويقول: (ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح) . فالحاصل أن هذه البراكين تعتبر عقوبة من الله عز وجل وإنذار وتخويف، فعلى المؤمن أن يتعظ بها ويخاف، كما أن الفتن التي تقع -أيضاً- بين الناس من حروب وغيرها هي -أيضاً- عقوبات، كما قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:65] وفي هذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهك) أي: أن ينالنا شيء من فوق أو من تحت؛ هذا لا يمكن التخلص منه، قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام:65] يجعلكم متفرقين {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65] فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه أهون) مع أنها عظيمة؛ كون الإنسان يقابل الرجل الذي هو مثله ويقتله، ويستبيح بذلك ماله وعرضه وأهله، هذه عظيمة، لهذا نقول: يجب علينا أن نتعظ بما يحصل من آيات الله الكونية التي لا صنع لنا فيها ولا قدرة، وأن نتعظ بما يحدث بين الناس من الفتن، فإن الذي قدر الفتن في أرض مطمئنة ساكنة من قبل قادر على أن يقدرها في أرض أخرى، وينقل هذه الفتنة إلى أرض أخرى، فالواجب أن نتعظ بهذه الآيات وألا تمر علينا مر الرياح. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 14 توبة الزاني والزانية السؤال فضيلة الشيخ! شاب يسأل فيقول: إنه كان عنده معاصٍ وتاب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن معصيةً ما زالت تؤنب ضميره وهو أنه فعل الزنا في بكر، فماذا يصنع يا شيخ؟! هل يراجع أهلها مع العلم أنه لا يستطيع أن يتزوجها، وهو الآن ما زال يتخبط بنفسه ويعيش حياة نفسية مضطربة في هذه القضية، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب الذي نرى أن الإنسان إذا تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه؛ لأن الله ذكر أصول الذنوب العظيمة الكبيرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] وهذا الشرك {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] عدوان على الله وعلى النفوس وعلى الأعراض، قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68-70] فالواجب على الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً اكتملت فيها الشروط الخمسة المعروفة وهي: الندم، والإقلاع، والعزم على ألا يعود في المستقبل، والإخلاص وهو الأصل، وأن تكون التوبة قبل فوات الأوان، فإذا استكملت هذه الشروط الخمسة في حقه فهي توبة نصوح، يمحو الله بها كل ما سلف من ذنوبه حتى الزنا. أما بالنسبة للمزني بها فإن كان باختيارها فهي لا تسأل عن ذلك بنفسها، وإن كان إكراهاً فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الإكراه، وإذا تمكن أن يستحلها فليفعل، وإذا لم يتمكن فليكثر من الاستغفار لها، والله سبحانه وتعالى غفور رحيم. أما ما حصل من إذهاب بكارتها بهذا الزنا وأنها ستكون في حرج عظيم؛ لأنها إذا خطبت على أنها بكر مشكلة، إن قالت: قد زالت بكرتها سوف يكون عليها علامات استفهام كثيرة، وإن سكتت كان في هذا شيء من الغش بالنسبة للزوج الذي يتزوجها، لكني أرجو من الله عز وجل إذا كانت توبته صادقة وكانت المرأة -أيضاً- مطاوعة وتوبتها صادقة أن يجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً. وأما قولك في السؤال: إنه لا يمكن أن يتزوج بها فلا أدري لماذا قلت: لا يمكن؟ هل هو فقير؟ السائل: الأسباب التي لا يمكن أن يتزوج منها: السبب الأول: اختلاف القبيلة. السبب الثاني: رفض الأب من الزواج من هذه العائلة. فالأب مُصِر على الرفض، وكذلك علاقة العائلة بالقبيلة تختلف عن قبيلتهم بالنسبة للنسب. الشيخ: على كل حال إذا تيسر أن يتزوج بها فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فسيجعل الله لها فرجاً ومخرجاً ما دامت توبتها صادقة؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] وهذا عام. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 15 تحديد صوم يوم عاشوراء السؤال فضيلة الشيخ! هل صيام يوم بعد يوم عاشوراء أفضل أم قبله؟ الجواب قال العلماء: صيام يوم عاشوراء إما أن يكون مفرداً أو يصوم معه التاسع، أو يصوم معه الحادي عشر، ويمكن هناك صورة رابعة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فيصوم ثلاثة أيام من الشهر. والأفضل إذا كان لا يريد أن يصوم إلا يومين فالأفضل أن يصوم التاسع والعاشر دون الحادي عشر، لكن في هذا العام، أعني عام (1415هـ) ، اختلف الناس؛ لأنه لم يصل الخبر -أعني ثبوت الشهر- إلا متأخراً، فبنى بعض الناس على الأصل وهو أن يكمل شهر ذي الحجة ثلاثين يوماً، وقال: إن اليوم العاشر هو يوم الإثنين، فصام الأحد والإثنين، والذين بلغهم الخبر من قبل عرفوا الخبر -أي: أن الشهر ثبت دخوله ليلة الثلاثين من ذي الحجة- فصاموا يوم السبت ويوم الأحد، وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه قد ورد في حديث أخرجه أبو داود أن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) فهذا الحديث قال أبو داود: إن مالكاً رحمه الله -وهو مالك بن أنس الإمام المشهور- قال: إن هذا الحديث كذب أي: مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصح، والحقيقة أن من تأمل هذا الحديث وجد أن فيه اضطراباً في سنده وفيه شذوذ أو نكارة في متنه. أما الاضطراب في سنده فقد تكلم عليه أهل العلم ومن شاء أن يراجعه فليراجعه، وأما الشذوذ في متنه والنكارة فهو أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث فقالت: إنها صائمة. فقال: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) ومعلوم أن الغد من يوم الجمعة يكون يوم السبت، فهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري، أنه أذن في صوم يوم السبت، وكذلك ما رواه أهل السنن عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت: ما هي أكثر الأيام التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصومها؟ قالت: [يوم السبت ويوم الأحد] . فثبت من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام القولية والفعلية أن صوم يوم السبت ليس حراماً، والعلماء مختلفون في هذا الحديث في العمل به، فمنهم من قال: إنه لا يعمل به إطلاقاً، وأن صوم يوم السبت لا بأس به، سواء أفرد أم لم يفرد؛ لأن الحديث لا يصح، والحديث الذي لا يصح لا ينبني عليه حكم من الأحكام. ومنهم من صحح أو حسن الحديث وقال: إن الجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى أن المنهي عنه إفراده فقط، أن يفرده دون الجمعة أو يوم الأحد، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، فقال: إذا صام مع يوم السبت يوماً آخر فلا بأس، كأن يصوم معه الجمعة أو يصوم معه الأحد. وكذلك نقول: إذا صادف يوم السبت يوماً يشرع صومه كيوم عرفة أو يوم العاشر من شهر محرم فإنه لا يكره صومه؛ لأن المراد أن تصومه؛ لأنه يوم السبت، أي: تصومه بعينه لا بما صادفه من الأيام التي يشرع صومها وقد نبهت على ذلك؛ لأن بعض الإخوة سمع أن أناساً صاموا يوم السبت ليصوموا التاسع والعاشر فأمرهم أن يفطروا، وهذا في الحقيقة مجتهد، لكن ليس كل مجتهد مصيباً الجزء: 61 ¦ الصفحة: 16 كروية الأرض السؤال فضيلة الشيخ ذكرتم في مقدمة الآيات قضية الكرة الأرضية أن الإنسان إذا اتجه جهة الغرب يأتي من جهة المشرق وبالعكس -أيضاً- فكيف ذلك؟ الجواب استأجر طائرة من الطائرات وسر على هذا الاتجاه فستجد هذا، وهذا شيء مؤكد وقد تكلم العلماء رحمهم الله قديماً كـ ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم على ذلك، وأكدوا أن الأرض كروية أما العرش فهو فوق السماوات كالقبة، لكنه غير كروي؛ لأن له قوائم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا صعق الناس يوم القيامة يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول من يفيق، ويرى موسى آخذاً بقوائم العرش، فهذا العرش ليس كروياً ولكن ما تحت العرش كروي، فأنت إذا أقلعت بالطائرة من مطار جدة واتجهت غرباً، فإذا بك تحط في مطار جدة مرة أخرى. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 17 مسألة الاستثناء في أبدية الجنة السؤال فضيلة الشيخ! يقول الله عز وجل في سورة هود لأهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] وقال في الآية التي بعدها: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] ما المقصود وما المراد بالمشيئة هنا في أهل الجنة؟ الجواب المراد أنهم خالدون فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فيما زاد على ذلك؛ لأنه لو لم يأت هذا الاستثناء وقال: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود:107] لتوهم واهم بأن مدة بقاء الناس في النار أو بقاء السعداء في الجنة على قدر دوام السماوات والأرض، فلما قال: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] صار المعنى: يزيدون على ذلك ما شاء الله تعالى أن يزيدوا عليه، وقد بين الله تعالى في آية أخرى أن ذلك إلى الأبد، لا بالنسبة لأصحاب الجنة ولا بالنسبة لأصحاب النار، فقال تعالى في أصحاب النار في ثلاث آيات من كلامه أنهم خالدون فيها أبداً، كما قال في سورة النساء: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:168-169] وقال تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:64-65] وقال تعالى في سورة الجن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] . أما التأبيد بالنسبة لأهل الجنة فكثير في القرآن، فعلى هذا يكون أهل النار خلودهم مؤبد وأهل الجنة خلودهم مؤبد، أما الاستثناء فعرفت وجهه {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] . الجزء: 61 ¦ الصفحة: 18 حكم صرف الذهب والفضة بآلات الصرف الآلي السؤال فضيلة الشيخ! انتشرت هذه الأيام آلات الصرف الآلي التي توفرها البنوك لعملائها لتسهيل عمليات السحب النقدي، كما أن هذه الخدمة بدأت تنتشر في المحلات التجارية ومحلات الذهب، فهل يجوز الشراء بهذه الطريقة؟ الشيخ: كيف يعني؟ السائل: يعني: محلات الذهب الظاهر أنها مقايضة وليس فيها استلام نقداً بنقد؟ الشيخ: أما الذهب فلا بد من الاستلام، لكن أريد أن أعرف هذا الصرف؟ السائل: يعطى العميل بطاقة ويدخلها في الآلة ويطلب نقداً؛ علماً بأن المشتري لا يدفع نقداً، وإنما يدخل بطاقته في الجهاز ويحول المبلغ الذي اشترى به على حساب صاحب المحل دون أن يكون هناك تقابض؟ الجواب هذا لا يجوز في حال شراء الذهب والفضة؛ لأنه يشترط في الذهب والفضة التقابض من الجانبين، أما إذا أخذ المشتري الذهب والفضة وقام بتحويل الثمن عن طريق الكمبيوتر فليس هناك تقابض في هذه الحال، ولذلك لا نرى جواز ذلك. أما في غير الذهب والفضة فهذا لا بأس به، وهو من التسهيل على المشتري، فمثلاً: يدخل الرجل ويشتري سلعاً بثلاثة آلاف ريال -مثلاً- ولا يدفع نقداً، بل يقوم بتحويل هذا المبلغ إلى رصيد صاحب المحل عن طريق هذا الجهاز، فهذا شيء طيب ولا شيء فيه. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 19 إصابة الإنسان بالعين وعلاج ذلك السؤال فضيلة الشيخ! هل يصاب الإنسان في دينه فينحرف بسبب العين وهل يأثم على ذلك؟ وما هو العلاج؟ الجواب ربما يصاب الإنسان بالعين في كل شيء وفي كل نعمة؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5] وفي الأمثال العامة المنتشرة: "كل ذي نعمة محسود" فقد يصاب الإنسان المتدين بالعين، ويضيق صدره بالعبادة، أو يصاب بالعين فينسى ما حفظ، أو يصاب بالعين فيعجز أن يحفظ، فالعين -نسأل الله العافية- قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو سبق القدر شيء لسبقته العين) ودواء ذلك أن يبحث عن العائن ليعمل ما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام حتى تزول العين، فإن لم يمكن فبكثرة القراءة والاستغفار، وكثرة قول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فإن الله تعالى قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] وهذه الكلمة كل من قالها بصدق حال الغم فإن الله تعالى يذهب عنه البلاء؛ لأن الله قال وهو أصدق القائلين وأقدر الفاعلين: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] فعليه أن يتوب ويستغفر ويكثر من الاستغفار والتوبة والذكر والقراءة، وقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقول: اللهم إني أجعلك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم وأمثال ذلك من التعوذات. السائل: هل ينحرف عن دينه بسبب العين؟ الشيخ: مسألة الانحراف لا أدري؛ لكن كونه يضيق صدره بالعبادة التي حسد عليها يمكن هذا. السائل: هل يأثم على ذلك؟ الشيخ: قال الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن فعل المحرمات يأثم عليها. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 20 دوران الأرض ودوران الشمس السؤال فضيلة الشيخ! عندنا في مادة العلوم في الصف السادس الابتدائي درس عن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فهل ورد في كتاب أو سنة ما يثبت هذا؟ وما هو موقف المدرس من هذا الدرس؟ الجواب أما كون الأرض تدور أو لا تدور فهذا لا أعلم شيئاً في القرآن أو السنة يؤيده أو يفنده، وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] هذه دليل من يقول: إن الأرض لا تتحرك، ومن يقول: إن الأرض تتحرك، كيف هذا؟ {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] قال الذين قالوا إن الأرض تتحرك: هذا دليل لنا، وقال الآخرون: هذا دليل لنا، حسناً الذين قالوا: إنها دليل لنا قالوا: إن الله قال: {َأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] إذاً لا تتحرك، وقال الآخرون: {أَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] أي: أن تضطرب، وأن الاضطراب يدل على أصل الحركة. وعلى كل حال أنا أتوقف في هذا ولا أستطيع أن أقول: إنها تتحرك أو تدور ولا أقول: إنها لا تدور؛ لأنه لم يثبت عندي في القرآن أو في السنة أن ذلك كائن أو غير كائن. أما بالنسبة للشمس فالذي أعتقده إلى الآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار يكون بالشمس بجريانها حول الأرض، هذا الذي أعتقده؛ لأن هذا هو ظاهر كلام الله، والله عز وجل هو الذي خلق الشمس وهو الذي خلق الأرض وهو أعلم بها من غيره، قال الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَر عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف:17] فيها ضميران الآن، طلعت يعني: الشمس، تزاور أي: الشمس، ولو كان طلوع الشمس بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا طلعت عليها -أي: هي تطلع وتأتينا- إذا طلعت تزاور {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] (إذا غربت) ضمير يعود على الشمس (تقرضهم) ضمير يعود على الشمس أيضاً، وقال تعالى عن سليمان: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] توارت الشمس بالحجاب، ولو كان ذلك بدوران الأرض لقال: حتى تورى عنها، أي: الشمس بالحجاب، وقال تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:86] أي: في البحر، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر حين غربت الشمس: (يا أبا ذر! أتدري أين تذهب؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، فتستأذن الله عز وجل أتطلع أم لا، فإن أذن لها وإلا قيل: ارجعي من حيث جئتي، فترجع فتخرج من المغرب) كل هذه الضمائر تعود على الشمس، والذي قال ذلك هو الله عز وجل وهو أعلم بما خلق، ونحن تعجز عقولنا عن إدراك هذا، فمادمنا لم نر أمراً محسوساً نشهده كما نشهد الشمس على أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن الواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة، هذا الواجب، وهو لا يجوز أن نأخذ بقول فلان وفلان إلا إذا رأينا هذا بأعيننا، أي: لو فرض أننا أيقنا مثل الشمس أن الليل والنهار يكون تعاقبهما بدوران الأرض لقلنا: إن الله تعالى خاطب الناس بما يفهمون في ذلك الوقت ويكون طلوع الشمس وغروبها وتزاورها بحسب رؤية الرائي لا باعتبار الواقع، هذا متى نقوله؟ إذا علمنا ذلك حساً بأعيننا؛ لأن القرآن لا يعارض الواقع. أما مجرد أن قالوا: كذا، نقول: كذا، هم قالوا: إن المادة غير مستحدثة، وغير حادثة -سبحان الله- المادة عندهم لا تفنى ولا تستحدث، فمن الذي خلقها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] كل الكون حادث مخلوق خلقه الله عز وجل من لا شيء، وأما فنائها فقد قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] ونحن نشاهد الحطب خشباً، فإذا أحرق بالنار صار رماداً تذروه الرياح، هل الرماد هذا هو الذي كان خشباً تغير، ولهذا ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى طهارة النجاسة بالإستحالة، وقال: إن النجاسة إذا تحولت إلى رماد فهي رماد وليست نجاسة. فعلى كل حال هذه مسائل لا ينبغي لنا أن نتابع آراء من تكلم بها بمجرد أن يقول هكذا، وعندنا وحي منزل من الله عز وجل، إلا إذا تبين لنا رأي العين على وجه ممكن أن نتأول الآيات إلى معنىً آخر فهذا شيء لا بأس به. الجزء: 61 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [62] في هذه المادة تفسير أول آيات من سورة الفجر مع بيان الأيمان الواردة فيها والحكمة من القسم بها، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في اللقاء. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الثاني والستون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا يوم الخميس هو الحادي والعشرون من شهر المحرم عام (1415هـ) ، وكان من عادتنا أن نتكلم بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير القرآن الكريم الذي ابتدأناه بسورة النبأ، وقد انتهينا إلى سورة الفجر. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والفجر) فنقول وبالله نقول: قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:1-4] كل هذه أيمان: بالفجر، وليال عشر، والشفع، والوتر، والليل إذا يسر. خمسة أشياء أقسم الله تعالى بها. الأول: الفجر؛ والفجر: هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول، فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس، وأحياناً تقصر حسب الفصول، والفجر فجران: فجر صادق وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا: الفجر الصادق، والفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء، ليس عرضاً ولكنه طولاً، وأما الفجر الصادق فيكون عرضاً، يمتد من الشمال إلى الجنوب. الوجه الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده بل يزداد الضياء حتى تطلع الشمس، وأما الفجر الكاذب فإنه يكون بعده ظلمة؛ يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول. الوجه الثالث: أن الفجر الصادق متصل بالأفق، أما الفجر الكاذب فبينه وبين الأفق ظلمة. هذه ثلاثة فروق أفقية حسية يعرفها الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك؛ لأن الأنوار تحجب هذه العلامات. - وأقسم الله بالفجر؛ لأنه ابتداء النهار، وهو في الحقيقة انتقال من ظلمة دامسة إلى فجر ساطع. - وأقسم الله به؛ لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الفجر إلا الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص:71] . - وأقسم الله بالفجر؛ لأنه يترتب عليه أحكام شرعية، مثل إمساك الصائم؛ فإنه إذا طلع الفجر وجب على الصائم أن يمسك إذا كان صومه فرضاً، أو نفلاً إذا أراد أن يتم صومه، ويترتب عليه أيضاً دخول وقت صلاة الفجر، وهما حكمان شرعيان عظيمان، أهمهما: دخول وقت الصلاة، أي: أنه يجب أن نراعي الفجر من أجل دخول وقت الصلاة أكثر مما نراعيه من أجل الإمساك في حال الصوم، لماذا؟ لأننا في الإمساك عن المفطرات في الصيام لو فرضنا أننا أخطأنا فإننا بنينا على أصل وهو بقاء الليل، لكن في الصلاة لو أخطأنا وصلينا قبل الفجر لم نكن بنينا على أصل؛ لأن الأصل بقاء الليل وعدم دخول وقت الصلاة، ولهذا لو أن الإنسان صلى الفجر قبل دخول وقت الصلاة بدقيقة واحدة فصلاته نفل، ولا تبرأ بها ذمته، ومن ثم ندعوكم أيها الإخوة! إلى ملاحظة هذه المسألة، أعني: العناية بدخول وقت صلاة الفجر؛ لأن كثيراً من المؤذنين يؤذنون قبل الفجر، وهذا غلط؛ لأن الأذان قبل الوقت ليس بمشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ومتى يكون حضور الصلاة؟ إذا دخل وقتها، فلو أذن الإنسان قبل دخول وقت الصلاة فأذانه غير صحيح، ويجب عليه الإعادة، والعناية بدخول الفجر مهمة جداً من أجل مراعاة وقت الصلاة. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وليال عشر) قوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] قيل: المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام ليالي؛ لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام ويراد بها الليالي، وقيل: المراد بالليالي العشر، ليالي العشر الأخيرة من رمضان. أما على القول الأول الذين يقولون: المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة؛ فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة، قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) . وأما الذين قالوا: إن المراد بالليالي العشر هي ليالي عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام. وقالوا: إن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها إنها {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] وقال إنها: {مُبَارَكَةٍ} [الدخان:3] وقال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4] وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني، وهو أن الليالي هي العشر الأواخر من رمضان، وأقسم الله بها لشرفها؛ ولأن فيها ليلة القدر؛ ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض وأركان الإسلام، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والشفع والوتر) وأما قوله: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3] فقيل: إن المراد به كل الخلق إما شفع وإما وتر، والله عز وجل يقول: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] والعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً من شفع ووتر، كل ما كان مشروعاً من شفع ووتر. وقيل: المراد بالشفع: الخلق كلهم؛ والمراد بالوتر: الله عز وجل. واعلم أن قوله: (والوتر) فيه قراءتان صحيحتان وهما: (والوِتر والوَتر) يعني: لو قلت: (والشفع والوِتر) صح، ولو قلت: (والشفع والوَتر) صح أيضاً، فقالوا: إن الشبه والخلق؛ لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] (والوَتر أو الوِتر) هو الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) وإذا كانت الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها الآية، هذه القاعدة في علم التفسير، أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يسر) قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:4] أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسر، والسري هو: السير في الليل، والليل يسير، يبدأ من المغرب وينتهي بطلوع الفجر، فهو يمشي زمناً ولا يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات، كصلاة المغرب والعشاء، وقيام الليل، والوتر، وغير ذلك؛ ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ فيقول: (من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل: إنه وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد، ويدعو الله سبحانه وتعالى بما شاء من خير الدنيا والآخرة، لعله يوافق ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 62 ¦ الصفحة: 7 وقت سنة الفجر السؤال فضيلة الشيخ: هل ركعتي الفجر مثل صلاة الفجر في اشتراط دخول الوقت أم لا؟ الجواب سنة الفجر لا تكون إلا بعد طلوع الفجر، وسنة الظهر الأولى أيضاً لا تكون إلا بعد أذان الظهر. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 8 تسوية الصفوف في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ هل المراد بقول الإمام: (استووا واعتدلوا) يعني: استقامة الصف واعتداله، أم أنه متضمن لسد الفرجات وإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب؟ وما صحة الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) هذه المسألة أصبحت بين تفريط وإفراط، فنرجو التوضيح والله يحفظكم؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن على الإمام مسئولية وهي تسوية الصفوف، بأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يسوي الصفوف كأنما يسوي بها القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور، ويأمرهم بالاستواء، ولا أدري هل الناس يعملونها اليوم أم لا؟ بل إن رأى الناس إماماً يفعل هذا ربما صرخوا به، ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، والمهم أن على الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف، فيلتفت يميناً ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يساراً ويقول: استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، كل هذه الكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها، فرأى رجلاً بادياً صدره - متقدماً بعض الشيء- فقال: (عباد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وهو حديث صحيح، وفيه وعيد. ومخالفة الله بين الوجوه قيل فيها معنيان: المعنى الأول: إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه -والعياذ بالله. المعنى الثاني: أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف، لقوله: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) وأياً كان الأمر سواءً لي الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن، أو أن المراد اختلاف القلوب، كلها وعيد شديد، وهذا يدل على أنه يجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيماً بالتراص والتساوي في المكان هل يقول: استووا أم لا يقول؟ الظاهر لي أنه لا يقولها، يعني: مثلاً لو كان وراءه رجلان فقط والتفت وإذا بهما متساويان متراصان وعلى الوجه المطلوب فلا حاجة إلى أن يقول: استووا؛ لأن هذه الكلمة لها معناها، وليست كلمة عابرة، فالإمام إذا قال: استووا ورآهم لم يستووا يجب أن يعيد القول وألا يكبر إلا وقد استوت الصفوف. ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكذلك عثمان لما كثر الناس جعل وكيلاً يمر بالصفوف يسويها، حتى إذا جاء وقال: إنها استوت كبر. كل هذا يدل على عناية الشرع بتسوية الصف، فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين: الأمر الأول: التسوية. الأمر الثاني: سد الفرج والخلل؛ لأنك إذا فتحت بينك وبين الذي بجوارك فرجة جاءت الشياطين ودخلت من هذه الفرج ولبست على الناس صلاتهم. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 9 التفصيل في الإنكار على الولاة علنا ً السؤال فضيلة الشيخ! هناك من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، ويستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في إنكاره على مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة على الصلاة، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم) وبحديث (سيد الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهل هذا كلام صحيح؟ وكيف الجمع بين هذه الآثار الصحيحة وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية) نرجو التفصيل في هذه المسألة، حيث أن كثير من شباب الصحوة يجهل الحكم الصحيح في هذه المسألة، وبخاصة أن هناك من الدعاة من يقول: إن الإنكار على الولاة علناً من منهج السلف، مما يجعل الشباب يثور ويظن أن عدم الإنكار علناً دليل المداهنة في الدين وغير ذلك، ولما لهذه المسألة من خطورة، نرجو التفصيل وجزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا السؤال مهم، وجوابه أهم منه في الواقع، ولا شك أن إنكار المنكر واجب على كل قادر عليه، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:104-105] واللام في قوله: (ولتكن) لام الأمر، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم) أي: كما لعن بني إسرائيل الذين قال الله عنهم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78-79] . ولكن يجب أن نعلم أن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها مجال، ولا بد من استعمال الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علناً يزول به المنكر ويحصل به الخير فلننكر علناً، وإذا رأينا أن الإنكار علناً لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير بل يزداد ضغط الولاة على المنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سراً، وبهذا تجتمع الأدلة، فتكون الأدلة الدالة على أن الإنكار يكون علناً فيما إذا كنا نتوقع فيه المصلحة، وهي حصول الخير وزوال الشر، والنصوص الدالة على أن الإنكار يكون سراً فيما إذا كان إعلان الإنكار يزداد به الشر ولا يحصل به الخير. وأقول لكم: إنه لم يضل من ضل من هذه الأمة إلا بسبب أنهم يأخذون بجانب من النصوص ويدعون جانباً، سواء كان في العقيدة أو في معاملة الحكام أو في معاملة الناس، أو في غير ذلك، ونحن نضرب لكم أمثالاً حتى يتضح الأمر للحاضرين وللسامعين: مثلاً: الخوارج والمعتزلة رأوا النصوص التي فيها الوعيد على بعض الذنوب الكبيرة فأخذوا بهذه النصوص، ونسوا نصوص الوعد التي تفتح باب الرجاء، -فمثلاً- قالوا: إذا قتل الإنسان مؤمناً عمداً فإنه يكون كافراً -على رأي الخوارج -مباح الدم مخلداً في النار، وعلى رأي المعتزلة يقولون: إذا قتله خرج من الإسلام لكن لا يدخل في الكفر؛ لأننا لا نستطيع أن نجزم بأنه كافر، فنقول: خرج من الإسلام وكان في منزله بين الإسلام وبين الكفر، ولكنه مخلد في النار، ثم أهملوا آيات الوعد وأحاديث الوعد الدالة على أن الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من الإيمان. ثم قابلهم آخرون وقالوا: الإنسان مهما عمل من المعاصي التي دون الكفر فإنه مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار أبداً، وقالوا: إن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ. } [النساء:93] هذه في الكافر إذا قتل مؤمناً، الآن لماذا ضل هؤلاء وهؤلاء؟ لأنهم أخذوا بجانب واحد من النصوص. كذلك -مثلاً- في صفات الله عز وجل تجد أن بعض الناس قال: إن الله عز وجل لا يمكن أن يجيء بنفسه، ولا يمكن أن ينزل إلى السماء الدنيا، وليس له وجه، وليس له يدان، لماذا؟ قالوا: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] قالوا: وأنت إذا أثبت هذه الأمور مثَّلت الله. وقابلهم أناس آخرون فقالوا: إن الله تعالى أثبت لنفسه وجهاً، وأثبت له يدين، وأثبت أنه ينزل، وأنه يجيء، فوجهه كوجوهنا، ويده كأيدينا، ونزوله كنزولنا، ومجيئه كمجيئنا؛ لأننا لا نعقل من المجيء واليد والوجه إلا ما نشاهد، والله خاطبنا بما يمكن إدراكه، فيكون مجيء الله ووجه الله ويد الله ونزول الله مثل ما يثبت لنا. إذاً: هؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، وكلهم ضالون؛ لأن كل واحد أخذ بجانب، فنحن نقول: إن الله تعالى له وجه وله يدان ويجيء وينزل لكن ليس كأيدينا وكوجوهنا وحاشاه من ذلك عز وجل؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] . كذلك أيضاً في مسألة مناصحة الولاة، من الناس من يريد أن يأخذ بجانب من النصوص وهو إعلان النكير على ولاة الأمور، مهما تمخض عنه من المفاسد، ومنهم من يقول: لا يمكن أن نعلن مطلقاً، والواجب أن نناصح ولاة الأمور سراً كما جاء في النص الذي ذكره السائل، ونحن نقول: النصوص لا يكذب بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، فيكون الإنكار معلناً عند المصلحة، والمصلحة هي أن يزول الشر ويحل الخير، ويكون سراً إذا كان إعلان الإنكار لا يخدم المصلحة، لا يزول به الشر ولا يحل به الخير. وأنتم تعلمون -بارك الله فيكم- أن ولاة الأمور لا يمكن أن يرضوا جميع الناس أبداً، حتى إمام المسجد، هل يرضي جميع المصلين؟ لا. بعضهم يقول: تبكر! وبعضهم يقول: تطول! وبعضهم يقول: تقصر! وفي الشتاء يتنازعون والذي يصلي في الشمس والذي يصلي في الظلال لا يحصل الاتفاق، فإذا أعلن النكير على ولاة الأمور استغله من يكره (وجعل من الحبة قبة) وثارت الفتنة، وما ضر الناس إلا مثل هذا الأمر! الخوارج كانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش الشام، وعندما تصالح علي مع جيش الشام حقناً لدماء المسلمين صاروا ضده، وقالوا: أنت كافر. كفروا علي بن أبي طالب -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن رعاع الناس وغوغاء الناس لا يمكن ضبطهم أبداً، وإعلان النكير على ولاة الأمور يستغله هؤلاء الغوغاء ليصلوا إلى مآربهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكنه رضي بالتحريش بينهم) بين من؟ بين سكان الجزيرة، يحرش بينهم حتى تؤدي المسائل إلى القتل ويلاقي الإنسان أخاه في الإسلام وربما أخاه في النسب أو ابن عمه أو صهره فيقتله على أي شيء؟ ولا على شيء. فالحاصل أننا نقول: يجب على شباب الصحوة أن ينظروا إلى النصوص من جميع الجوانب، وألا يقدموا على شيء حتى ينظروا ما عاقبته، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فاجعل هذا ميزاناً لك في كل أقوالك، وكذلك في كل أفعالك، والله الموفق. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 10 ألفاظ محظورة في حق الله والرسول السؤال فضيلة الشيخ اشتهر في الفترة الأخيرة بين الشباب لغز أو ما يسمونه باللغز وهو: ما هو الشيء الذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو الشيء الذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به؟ ويقصدون بالذي لم يره الرسول صلى الله عليه وسلم رسولٌ مثله، والذي لم يره الله سبحانه وتعالى ولم يسمع به: الشبيه والمثيل والنظير، وتعلمون أن هذا سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى، فما حكم ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الشيء أو لم يسمع به فهذا حاصل لكل بشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يدخل بيته والبرمة على النار فلا يدري ما الذي فيها وهو بيته، والبرمة: مثل القدر، فإنه دخل ذات يوم على أهله فدعا بطعام، وكان قد رأى البرمة على النار وفيها لحم تصدق به على بريرة، وهي عتيقة لـ عائشة رضي الله عنها عندها، وقد علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، فقالوا: (لحم تصدق به على بريرة، فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية) أنا أضرب هذا مثلاً للدلالة لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب. وكان معه أبو هريرة ذات يوم فانخنس منه وذهب يغتسل، ثم رجع فقال له: (أين كنت؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أكون معك على غير طهارة. قال: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) فانظر: تغيب عنه أبو هريرة وهو لا يعلم، فالرسول قد لا يسمع بالشيء، وقد لا يرى الشيء، لكن قولنا: في جانب الله عز وجل لم يسمع به الله ولم يره فهذا سوء أدب عظيم مع الله، ويخشى على من ألقى هذا السؤال فضل به من يضل من الناس أن يبوء بالإثم والعياذ بالله. وجانب الرب عز وجل يجب أن يعظم ويهاب، يجب ألا تتكلم في جانب الله عز وجل بما يوهم نقصاً لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن الله تعالى قال: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل:60] كل وصف كمال فأعلاه لله عز وجل، كيف تقول: إن الله لم يسمع به ولم يره؟ فالحذر الحذر من مثل هذه التعبيرات، والحذر الحذر من الكلام في جانب الرب عز وجل إلا بما جاء في الكتاب والسنة. يجب أن نتأدب كما تأدب الصحابة رضي الله عنهم، كانت الآيات تنزل في صفات الله وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم في صفات الله، لا يوردون أسئلة ولا إشكالات، يأخذونها بالرضا والتسليم والقبول، ويعلمون أن الله تعالى فوق ما يتصوره الإنسان: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . الجزء: 62 ¦ الصفحة: 11 رفع الصوت بالذكر دبر الصلاة السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: جاءت السنة بمشروعية رفع الذكر بعد الصلاة، فهل المقصود هو الذكر المباشر لانقضاء الصلاة، مثل: (اللهم أنت السلام) ونحوه أو أنه يعم جميع الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير؟ الجواب يعم الجميع، يعم كل ذكر مشروع بعد الصلاة: الاستغفار، وقول: (اللهم أنت السلام) والتسبيح، والتهليل، وقد ألف -أظنه الشيخ/ سليمان بن سحمان رحمه الله- رسالة وقال: من فرق بين التهليل والتسبيح فقد ابتدع، وأنه لا فرق بين هذا وهذا، وهذا هو الصحيح، لكن إذا كان هناك شخص يصلي إلى جانبك وقد فاته شيء من الصلاة وخفت إذا رفعت صوتك أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على الصحابة وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ويشوش بعضهم على بعض فنهاهم أن يرفع الرجل صوته فيشوش على أخيه. وأما إذا لم يكن هناك تشويش فالمشروع هو رفع الصوت. السائل: ألا يحصل تشويش إذا رفعوا أصواتهم؟ الشيخ: إذا كانوا كلهم ما فاتهم شيء من الصلاة وكانوا يذكرون الله جميعاً لا يحصل تشويش أبداً، كما أنهم يقرءون القرآن قبل الصلاة، كلهم يرفع صوته فلا يحصل تشويش. السائل: والإمام عندما يرفع صوته؟ الشيخ: نقول: إذا رفع صوته وهم يسمعون ليرفعوا أصواتهم مثله، وسبب التشويش أن بعض الناس يكره هذا بقلبه تعرف أن القلب إذا اشتغل يتشوش، لكن لو كانوا مطمئنين بهذا وقد قبلته نفوسهم قبولاً تاماً لم يحصل تشويش إطلاقاً. السائل: لكن السنة أن يجهر به! الشيخ: السنة أن يجهر، ولكن إذا كان إماماً فينبغي أن يبلغ المأمومين قبل ذلك، ويقول: يا إخوان! السنة هي الجهر. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 12 إنكار المنكرات الشائعة السؤال فضيلة الشيخ! من الذي يقرر أن ينكر علني لمنكرات معروفة في المجتمع هم العلماء أم هم الدعاة؟ الجواب مسألة التقرير وهو أن يتكلم عن الإنكار على الولاة وليس على المنكرات الشائعة، أي: -مثلاً- عندنا الآن منكرات شائعة مثل الربا والميسر، والتأمينات الآن الموجودة عندنا أكثرها من الميسر، والغريب أن الناس أخذوها بالقبول، ولا تكاد تجد أحداً ينكرها مع أن الله قرنها بالخمر والأنصاب والأزلام، ولكن الناس -سبحان الله- لا تجد أحداً ينكرها، تؤمن على سيارتك أو على بيتك، تسلم دراهم ولا تدري هل تخسر أكثر أم أقل، وهذا هو الميسر. فأقول: أما المنكرات الشائعة فأنكرها، لكن كلامنا على الإنكار على الحاكم مثل أن يقوم الإنسان -مثلاً- في المسجد ويقول: الدولة ظلمت الدولة فعلت، فيتكلم في نفس الحكام، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم عليه بين يديك وبين أن يكون غائباً؛ لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم. وهناك فرق بين كون الأمير حاضراً أو غائباً. الفرق أنه إذا كان حاضراً أمكنه أن يدافع عن نفسه، ويبين وجهة نظره، وقد يكون مصيباً ونحن مخطئون، لكن إذا كان غائباً وبدأنا نحن نفصل الثوب عليه على ما نريد هذا هو الذي فيه الخطورة، والذي ورد عن السلف كله في مقابلة الأمير أو الحاكم، ومعلوم أن الإنسان لو وقف يتكلم في شخص من الناس وليس من ولاة الأمور وذكره في غيبته، فسوف يقال: هذه غيبة، إذا كان فيك خير فصارحه وقابله. السائل: بعض الناس يستغل المنكرات الشائعة فينكرها بطريقة يربط بينها وبين كأن لولاة الأمر دخلاً في هذا، بحيث يفيد السامع أن ولاة الأمر هم السبب في هذا، فهذا أيضاً ولو أنه منكر شائع ويحذر من استغلاله ضد هذا الأمر؟ الشيخ: لا. ليس هكذا، أنا أريد مثلاً أن أقول للناس: اجتنبوا الربا، ويأتي ويقول: هذه بيوت الربا معلنة ورافعة البناء، فلا يقول هكذا، يعني: هذا إنكار ظني على الولاة، لكن يقول: تجنبوا الربا والربا محرم وإن كثر بين الناس، الميسر حرام وإن أقر وما أشبه ذلك. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 13 الحيلة على المحرم تجعله أشد تحريما ً السؤال رجل قال له أحد معارفه: أريد أن أبيعك هذه المزرعة ثم تبيعها على ابني الأكبر حتى يستقدم عمالاً، فلما فعل هذا الوسيط تبين له أن هذا القريب أراد أن يهب هذه المزرعة دون أبنائه الآخرين، أي: احتال عليه، فماذا على هذا الرجل الوسيط علماً بأن لديه مصلحة عند هذا الرجل؟ الجواب لا يجوز للإنسان إذا علم أن شخصاً ما يتوصل بمعاملته إلى محرم أن يعامله؛ لأنه إذا عامله صار من باب التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه، لكن لماذا لا يكون عند هذا الرجل الشجاعة فيبيعها على ابنه مباشرة دون واسطة، وهو إذا باع على ابنه بالثمن الموافق للسوق؛ فإن ذلك لا بأس به وإن كان دون أبنائه، مثلاً: لو أن إنساناً عنده سيارة وله أبناء متعددون وأراد أن يبيع السيارة بثمنها الذي هو ثمنها في السوق على أحد الأبناء فلا بأس به. وأما البيع الصوري فلا يجوز؛ لأن الحيلة على المحرم تجعل المحرم أخبث. أما الوسيط فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن ينصح الرجل الذي طلب منه أن يكون وسيطاً ويخوفه من الله عز وجل. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 14 الإعذار من الكفر إذا كان متأولا ً السؤال فضيلة الشيخ! هناك من يقول بأن قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] على أن هناك شركاً يغفره الله، ومثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث الرجل الذي قال لأبنائه: (إذا أنا مت فحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في البر، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني) . فقالوا: إن هذا كافر مشرك وغفر الله له باجتهاده، فما تعليقكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب نقول بارك الله فيك: إن الإنسان إذا فعل الشيء بتأويل وهو مؤمن بمضمون ما فعل فإنه لا يكفر، فهذا الرجل لو نظرنا إلى ظاهر عمله لقلنا: هذا الرجل شاك في قدرة الله، فليس هناك إشراك إنما فيه تنقص لله، ظن أنهم إذا فعلوا به هكذا لم يقدر الله عليه، فهو شك في القدرة ولم ينكرها صراحة، لكن ظن أن الله لا يقدر عليه. لماذا فعل هذا؟ خوفاً من الله، إذاً هو مؤمن بالله، لكن تأول فأخطأ، والله عز وجل يغفر الخطأ لمن تأول، كل إنسان يفعل الشيء بتأويل، فإن الله تعالى يغفر له ولا يؤاخذه به؛ لأنه لو آخذه بشيء فعله متأولاً لكان هذا من تحميل النفوس ما لا تستطيع، والله تعالى قد نفى ذلك، فقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ألم تر أن الصحابة لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) بعد غزوة الأحزاب، وخرجوا فأدركتهم الصلاة، فبعضهم صلى في الطريق، وبعضهم لم يصل إلا بعد المغرب في بني قريظة، هؤلاء أخروا الصلاة عن وقتها، لكنهم متأولون، ولذلك لم يعنفهم الرسول عليه الصلاة والسلام. وعمار بن ياسر أصابته جنابة وهو في السفر، وجعل يتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، يظن أن هذا هو الواجب فيمن كانت عليه جنابة وليس عنده ماء، وعلمه الرسول، فالمهم أن هذا الرجل كان متأولاً. وهذا أحد الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام رحمه الله على أن الإنسان يعذر بالكفر إذا كان جاهلاً أو متأولاً. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 15 حكم الامتناع عن الإنجاب خوفاً من إصابة الأولاد بالمرض السؤال فضيلة الشيخ! غفر الله لك رجل تزوج وأنجب عدة أطفال، ثم تبين له أن أحد أقارب زوجته فيه برص، هل يجوز له أن يتوقف عن الإنجاب خشية من هذا المرض، علماً بأن أطفاله كلهم سالمون؟ الجواب هذا من جهله، لو أراد أن يتوقف عن الإنجاب؛ لأن بعض أقارب الزوجة فيهم برص كان هذا لا شك من سفهه ومن سوء ظنه بالله عز وجل؛ لأننا نشاهد أناساً فيهم هذا المرض ولهم أولاد في سلامة منه، ونشاهد أناساً لا نعلم أن فيهم برص ولهم أولاد أصيبوا بهذا، فلا ينبغي للإنسان أن يتشاءم، بل يعتمد ويتوكل على الله ولينجب، وبهذه المناسبة أود أن أبين لكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أن تكثر الأمة؛ ولذلك قال: (تزوجوا الودود الولود) وقال: (إن الله ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وإنما الذي أوتيته وحيٌ أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) انظر كيف يتمنى الرسول صلى الله عليه وسلم لكثرة الأمة، ونحن مع الأسف نقول: وقف النسل، نظم النسل! فأنا أقول: أكثر النسل والله تعالى يتولى رزقهم، كما قال تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151] فقل لهذا الأخ: استمر في الإنجاب ولا تتوقف، ولن يرى بأساً إن شاء الله. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 16 السلام على المسلم الذي لا يرد السلام السؤال فضيلة الشيخ! أثابكم الله ما قولكم في رجل تسلم عليه ولا يرد عليك السلام، وبعد مناصحته لم ينته، فهل تسلم عليه؟ الجواب أقول: سلم عليه وإن لم يرد عليك؛ لأن الإنسان مأمور بأن يسلم على أخيه المسلم، وإذا سلمت حصلت الأجر وباء هو بالإثم، ويدل لهذا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) أي: استمر كأنما تسفهم المل، والمل هو: الرماد الحار، أو هو التراب الحار، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوم بصلة الرحم وإن كانوا هم يقطعونها، فكذلك أنت سلم وإن كان هو لا يرد، وربما مع التكرار يخجل ويراجع نفسه ويقول: لماذا لا أرد عليه السلام؟! السائل: وإذا كان يظن أن هذا من الدين؟ الجواب: إذا كان يهجرك ويظن أن هذا دين فأنت قلت: إنك تنصحه ولكنه لم ينته. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 17 التكرار في سجود التلاوة السؤال فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك سجود التلاوة، هل كلما قرأ القرآن وكلما مر بسجدة من سجود التلاوة هل يجب عليه أن يسجد أم يكون أسوة للعلماء إذا فسر الآية فيها سورة السجدة مثلاً لا يسجد؟ الجواب أولاً: سؤالك في قولك هل عليه أن يسجد، نقول: ليس عليه أن يسجد، سواء تكررت الآيات أو لم تتكرر، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ في إحدى الجمع آية فيها سجدة وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، وإذا تكررت الآيات؛ فإن كان الإنسان يكرر ويتحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ -مثلاً- في سورة الحج فسجد في السجدة الأولى وأتت السجدة الثانية فليسجد، وإن كان الفصل ليس طويلاً، هذا هو التفصيل في مسألة التكرار في السجود. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 18 حكم القراءة الجماعية للقرآن السؤال فضيلة الشيخ! بارك الله فيكم! ما حكم قراءة القرآن جماعة من بعض الناس، فإذا أنكرنا عليهم قالوا: هذا ييسر لنا من جانب أننا نحفظ القرآن. فما قولكم في هذا بارك الله فيكم؟ الجواب أما من جهة قراءة القرآن بصوت واحد من أجل التحفظ أو التعلم فلا بأس به. وأما إذا كان من أجل التعبد فلا، والفرق بينهما: أن الأول قد يحتاج الناس إليه للتعلم فصار جائزاً، أما الثاني فلا؛ لأن الإنسان يستطيع أن يتعبد بتلاوة القرآن وإن لم يكن معه أحد، ومثل ذلك أيضاً من أراد أن يتحفظ على الشريط كما يفعله بعض الحفظة، يستمع إلى الشريط ويتابعه، فلا بأس به ولا حرج فيه. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 19 حكم زكاة الحلي السؤال فضيلة الشيخ! هل في الذهب المعد للزينة زكاة، وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة؟ الجواب الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو (85) جراماً، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، قد يقول بعض الناس: لو عملنا بهذا لانتهى حليها ولم يبق عندها شيء. فنقول: هذا غير صحيح، لماذا؟ لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة، وحينئذ لا بد أن يكون عندها شيء تتحلى به، فالقول الراجح في هذه المسألة أن الزكاة واجبة في كل حلي من ذهب أو فضة، سواء كان يلبس أو يعار أو يؤجر. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 20 أسماء الله الحسنى السؤال فضيلة الشيخ! قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله وتر يحب الوتر) فهل هذا اسم من أسماء الله أم صفة من صفاته؟ الجواب يحتمل أن يكون اسماً من أسماء الله، ويحتمل ألا يكون؛ لأن بعض العلماء ذكر قاعدة، قال: ما جاء معرفاً بأل فهو من أسماء الله، وما لم يأت معرفاً فهو صفة من صفات الله، وبعض العلماء يقول: كل صفة من صفات الله وصف الرسول بها ربه فإنها اسم وعلى هذا يتنزل الجواب؛ إن قلنا بأن أسماء الله هي المقرونة بأل، فالوتر لا أعلمه جاء مقروناً بأل، وإن قلنا: كل ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له الرسول سواء بأل أو بغير أل فهو اسم، قلنا: إن الوتر من أسماء الله والله أعلم. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 21 تعظيم كتاب الله السؤال فضيلة الشيخ! أكثر المصلين في المساجد إذا أراد أن يتلو القرآن تناول المصحف بيده اليسرى، وقد رأيت أحد المشايخ يفعل ذلك مراراً، فهل في ذلك حرج أم لا؟ الجواب الذي أرى أن من تمام تعظيم المصحف أن تتناوله بيدك اليمنى، وأن تضعه في مكانه بيدك اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعجبه التيامن في جميع شئونه؛ ولأنه أمر أن نأخذ بأيماننا وأن نعطي بأيماننا، والعلماء رحمهم الله قالوا: اليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه، فالذي يريد أن يتناول شيئاً خبيثاً أو نجساً فباليسرى. وأما المصحف فلا شك أن من تعظيمه أن تتناوله باليمنى أخذاً ورداً وإعطاءً، ولو أنك إذا رأيت أحداً يفعل هذا تقول له: يا أخي! لو أنك تريد أن تعطي رجلاً حاجة، أو تتناول منه حاجة، فأي اليدين تقدم؟ سيقول لك: أقدم اليمنى. إذاً: كلام الله أحق أن يعظم. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 22 حكم الذكر الجماعي أدبار الصلوات السؤال فضيلة الشيخ! قلتم: إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، ولكن إن أدى هذا إلى أن يكون الذكر جماعياً بين المصلين فهل يجوز؟ الجواب أنا في الواقع لم أقل: يجوز! بل قلت: إنه من السنة، يعني: الأفضل، فإنه من السنة ولا شك. وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون ذلك، كلُّ يذكر على نفسه لكنهم يجهرون. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 23 الأذان في السفر السؤال فضيلة الشيخ! إذا كنا في سفر وفات وقت الأذان، فهل لنا أن نؤذن للصلاة؟ فبعض الشباب يقول: إذا خرج وقت الأذان فلا تؤذن، فما رأيك يا شيخ؟ الجواب إذا كنتم تسمعون الأذان فلا حاجة أن تؤذنوا، وإن كنتم لا تسمعون وجب عليكم أن تؤذنوا، ولكم أن تؤذنوا متى أردتم الصلاة ولو كان في أثناء الوقت. الجزء: 62 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [63] في هذه المادة يتكلم الشيخ عن تفسير بعض آيات سورة الفجر وما فيها من العظات والعبر، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والستون من اللقاءات التي تتم في كل يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر محرم عام (1415هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من تفسير شيء من آيات الله الكريمة، حيث انتهى بنا المطاف إلى قول الله تبارك وتعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر:5] . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:6-7] الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا التكذيب وهم البشر كلهم، بل والجن أيضاً: (ألم تر) أيها المخاطب: {كيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أي: ما الذي فعل بهم. و (عاد) قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام، فبلغهم الرسالة، ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا: من أشد منا قوة؟ قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] فهم افتخروا بقوتهم ولكن الله بيّن أنهم ضعفاء أمام قوة الله، ولهذا قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ} ولم يقل: أن الله أشد منهم قوة، بل قال: {الَّذِي خَلَقَهُمْ} ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم؛ لأن الخالق أقوى من المخلوق: {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:15-16] . هنا يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} الذي فعله بهم أنه أرسل عليهم الريح العقيم: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] وهذا الاستفهام الذي لفت الله فيه النظر إلى ما فعل بهؤلاء يراد به الاعتبار، يعني: اعتبر أيها المكذب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهؤلاء، كيف أذيقوا هذا العذاب، وقد قال الله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إرم ذات العماد) قال تعالى: {إِرَمَ} [الفجر:7] هذه وصف للقبيلة، وقيل: اسم للقرية، وقيل غير ذلك، فسواء كانت اسماً للقبيلة أو اسماً للقرية فإن الله تعالى نكل بهم نكالاً عظيماً مع أنهم أقوياء. وقوله: {ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:7-8] أصحاب العماد أي: الأبنية القوية: {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا} أي: لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية محكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ وفي قوله تعالى: {لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} مع أن الذي صنعها هو الآدمي، وهذا دليل على أن الآدمي قد يوصف بالخلق فيقال خلق كذا، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) لكن الخلق الذي ينسب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الله، الخلق المنسوب إلى الله إيجاد بعد إعدام وتحويل وتغيير، أما الخلق المنسوب لغير الله فهو مجرد تحويل وتغيير. وأضرب لكم مثلاً: هذا الباب من خشب، من الذي خلق الخشب؟ الله، لا يمكن للبشر أن يخلقوه، لكن البشر يستطيع أن يحول جذوع الخشب وآصال الخشب إلى أبواب وإلى دواليب وما أشبه ذلك، فالخلق المنسوب للمخلوق ليس هو الخلق المنسوب إلى الخالق، فما الفرق؟ الخلق المنسوب للخالق إيجاد من عدم وهذا لا يستصغره أحد، والمنسوب للمخلوق تغيير وتحويل يحول الشيء من صفة إلى صفة، أما أن يغير الذوات، بمعنى: أن يجعل الذهب فضةً أو الفضة حديداً أو ما أشبه ذلك فهذا مستحيل لا يمكن ولا يقدر على ذلك إلا لله وحده لا شريك له. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) ثم قال تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:9] ثمود: هم قوم صالح، ومساكنهم معروفة الآن كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر:80] ذكر الله أن ثمود كانوا في بلاد الحجر، وهي معروفة، مر عليها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع وقَنَّع رأسه صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثلما أصابهم) هؤلاء القوم أعطاهم الله القوة حتى صاروا يخرقون الجبال، والحصى والصخور العظيمة يخرقونها ويصنعون منها بيوتاً، ولهذا قال: {جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: وادي ثمود وهو معروف، هؤلاء -أيضاً- فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65] ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصحية والرجفة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين. فعلينا أن نعتبر بحال هؤلاء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهلاك والدمار، وليعلم أن هذه الأمة لن تهلك بما أهلك به الأمم السابقة، بهذا العذاب العام، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله تعالى ألا يهلكهم بسنة عامة، ولكن قد تهلك هذه الأمة بأن يجعل الله بأسهم بينهم، فتجري بينهم الحروب والمقاتلة، ويكون هلاك بعضهم على يد بعض، لا بشيء ينزل من السماء كما صنع الله بالأمم السابقة. ولهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن نبتعد عن كل ما يثير الناس بعضهم على بعض، وأن نلزم دائماً الهدوء، وأن نبتعد عن القيل والقال وكثرة السؤال، فإن ذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكم من كلمة واحدة صنعت ما تصنعه السيوف الباترة، فالواجب الحذر من الفتن، وأن نكون أمة متآلفة متحابة، يتطلب كل واحد منا العذر لأخيه إذا رأى منه ما يكره. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح، وأن يجمع قلوبنا على طاعته. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 63 ¦ الصفحة: 6 حادثة مؤلمة وعواقب أطباق الاستقبال (الدشوش) السؤال فضيلة الشيخ! رجل متزوج بامرأة من أسرة خبيثة كما يخبر الزوج عن حال أهلها بنفسه، وذات يوم ذهب الزوج من بيته وعند عودته وجد الأمر المحزن المبكي، وهو أنه دخل شخص على زوجته بعد أن فتحت له الباب ظانة أنه ابن من أبناء الجيران وفعل بها الفاحشة، ووجد الزوج أن بها آثار الضرب والخنق، وقد أخبرته بالحقيقة إلا أنه أصر على إمساكها ولم يطلقها، فما تنصحون هذا الشخص -علماً بأنه من أهل الخير والصلاح ومن الدعاة إلى الله- أن يفعل مع تلك المرأة لا سيما وأن الخبر قد انتشر بين الناس حفظكم الله وأثابكم؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذه الحادثة لا شك أنها مؤلمة محزنة، ولها أسباب، ومن أسبابها: ما ينشر في وسائل الإعلام من الشر والبلاء سواء وسائل الإعلام المنظورة أو المقروءة أو المسموعة. وقد توسع الناس في الاستماع إلى الإعلام الخارجي بواسطة الصحون الهوائية التي تسمى الدشوش، نسأل الله أن يقي المسلمين شرها وأن يسلط الدولة على أهلها حتى تقضي عليها، وقد حصل من الدولة -والحمد لله- إنذار بأنها سوف تقضي على هذه الصحون، نسأل الله أن يعينها على ذلك، وأن يعجل بهذا الأمر قبل أن ينتشر الشر والفساد. ولا شك أن أعداء المسلمين لا يألون جهداً في صد المسلمين عن دينهم، إن أمكنهم بالسلاح الذي يقتل الأنفس فعلوا كما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، وإن لم يحصل ذلك لهم فبالأخلاق المدمرة، والإنسان إذا دمرت أخلاقه صار كالبهيمة ليس له هم إلا التمتع في الدنيا -والعياذ بالله- وقد قال الله عن الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] عاقبة سيئة، فهذه الوسائل الإعلامية إذا رآها الشاب أو الشابة تشربت في قلوبهم، وسهل عليهم أن يمارسوها. كذلك أيضاً من وسائل الإعلام المدمرة: أنهم يغزون الناس بالأفكار الرديئة الخبيثة المنحرفة، فيضل بها كثير من الناس، لهذا نحن نشير على إخواننا المسلمين عموماً أن يخرجوا من بيوتهم مثل هذه الفتنة، وأن يلاحظوا أهلهم من بنين وبنات، وإذا وجدوا مجلة غير مناسبة أو مدمرة للأخلاق فالواجب عليهم أن يحرقوها أمام أهل البيت، وأن يحذروهم من إعادة مثلها. وكذلك أيضاً في الوسائل الأخرى إذا رأوا أن أهل البيت أنهم مصرون عليها فإن عليهم أن يمنعوهم، وأما إطلاق الحبل على الغارب فإن فيه مفسدة كبيرة، منها مثل هذه القضية التي ذكرها السائل. أما فيما يتعلق بزوجته فهو يقول: إنه وجد عليها أثر الضرب، وهذا يعني أن المرأة لم يكن ذلك باختيارها، وأن هذا الرجل -والله أعلم- دق عليها الباب وأراها أنه أحد من محارمها أو أقاربها حتى دخل وحصل منه ما حصل. وأما قولها: إنها تظن أنه ابن الجيران فهذا غلط منها، حتى ابن الجيران لا يجوز أن يفتح له الباب، ابن الجيران مثل قريب الزوج، يعني: أنه الموت، ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو، -يعني: أقارب الزوج مثل أخيه وعمه وخاله- قال: الحمو الموت) يعني: فروا منه كما تفرون من الموت، وهو البلاء؛ لأن الحمو إذا دخل على بيت قريبه تجد الناس لا تنكره، وهو أيضاً يرى أن الأمر هين أن يدخل على بيت قريبه؛ فيحصل الشر، فنقول لهذه المرأة: لا تفتح لأحد أبداً إلا لزوجها أو أحد من محارمها، ثم تحذر أيضاً؛ لأن بعض الناس خبيث قد يقلد الصوت فلتحذر من هذا، فالذي أرى أن هذه المرأة إذا ادعت أنها مكرهة كما هو ظاهر حالها مما يتبين من السؤال أنها معذورة وليس عليها إثم، وأن زوجها إذا أبقاها عنده فليس بديوث بل هو عاذر لها، ولا ينبغي أن يفارقها من أجل هذا الفعل الذي حصل عليها وهي -والله أعلم- مكرهة، وأما كلام الناس فلن يسلم منه أحد، الناس سبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وسبوا الله عز وجل. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 7 الإسلام يهدم ما قبله السؤال فضيلة الشيخ! هناك أخ لنا في المدينة أتى من أمريكا وأسلم حديثاً، وفي أيام جاهليته اكتسب مالاً كثيراً عن طريق تجارة المخدرات، فحمل معه هذه الأموال الكثيرة وكون لنفسه مكتبة عظيمة وتزوج بها ثلاثاً من النسوة، وفي هذه الأيام الأخيرة أخبر بأنه لا يجوز له أن يتصدق بهذه الأموال؛ لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا الطيب، فيسألك ماذا عليه أن يصنع بهذه الأموال وما صحة هذا الكلام؟ الجواب نقول لهذا الأخ الذي منَّ الله عليه بالإسلام بعد أن اكتسب مالاً حراماً: أبشر؛ فإن هذا المال حلال له وليس عليه فيه إثم، لا في إبقائه عنده ولا فيما أنفق منه، ولا فيما تزوج به منه؛ لأن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] أي: كل ما سلف، و"ما" هذه من صيغ العموم؛ لأنها اسم موصول، يعني: كل ما تقدم فهو مغفور له، حتى لو كان قد قتل نفساً محرمة أو أخذ مالاً فإنه مغفور له، لكن المال الذي غصبه من صاحبه يرده عليه، أما المال الذي اكتسبه عن طريق الرضا بين الناس وإن كان حراماً كالذي اكتسبه بالربا أو المخدرات أو غيرها فإنه حلال له، لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عمرو بن العاص حين أسلم: (إن الإسلام يهدم ما قبله) هدماً لا يبقي له أثراً. وكثير من الكفار أسلموا وقد قتلوا من المسلمين من قتلوا، ومع ذلك لم يؤاخذوا بما عملوا، فقل لهذا الأخ أن ماله حلال وليس فيه بأس، وليتصدق منه، وليتزوج به امرأة ثانية إن كان عنده امرأة واحدة وثالثة ورابعة، ويفعل به ما يشاء، وأما ما قيل له فليس مبنياً على أصل. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 8 أقصى مدة الحمل السؤال فضيلة الشيخ! أعمل بعيداً عن أهلي، وذهبت إليهم في إجازة، وبعد عودتي إلى عملي بفترة جاءني خبر أن زوجتي حاملة، فتأخر الحمل في بطنها عن موعده المحدد، حيث إني حسبت له من آخر فترة كنت عندها ولم ينزل الجنين إلا بعد أحد عشر شهراً، فارتابت نفسي من هذا الوضع وطلقت زوجتي، فما هو مصير هذا الابن علماً أنني أتحرج كثيراً من إضافته إلى اسمي ولو ألحق بي شرعاً لكي أدفع عن نفسي كلام الناس، فماذا أفعل؟ الجواب يحسن هنا أن نتمثل بقول الشاعر: ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه هذا الرجل لا شك أنه جاهل، لماذا يطلق زوجته لما بقي الحمل في بطنها أحد عشر شهراً؟ الحمل يبقى في بطن أمه عشرين شهراً، ويبقى ثلاثين شهراً، ويبقى إلى أربع سنين، ويبقى إلى سبع سنين في بطن أمه، حتى ذكر أن بعض الأجنة خرج وقد نبتت أسنانه! فهذا الرجل كونه يطلق المرأة من أجل زيادة مدة الحمل المعتاد إلى شهرين، هذا جهل وغلط كبير، وليس هو الحق أن يعتقد أن هذا مبني على حكم شرعي؛ فالشرع لا يحكم بهذا إطلاقاً. وأما الولد فالولد ولده ولا إشكال، ولا يحل له أن يتبرأ منه بمجرد أن الحمل زاد على الغالب، ولم يزد على الغالب مدة طويلة، لم يزد إلا ستين يوماً، يعني: هي مدة النفاس عند كثير من العلماء، فالولد ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه لمجرد أنه بقي في بطن أمه أحد عشر شهراً، وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود -أي: أنا وأمه أبيضان، فأنجب الشك عنده فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق - الأورق: الأشهب- قال: نعم. يا رسول الله! قال: من أين جاء؟ -أي: كيف يخالف لونه ألوان الإبل الأخرى؟ قال: لعله نزعة عرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنك هذا لعله نزعة عرق) يعني: يمكن أن يكون أحد من آبائه من الجمال أو أمهاته من النوق أورق. قال: (ابنك هذا لعله نزعة عرق) فخرج الرجل مطمئناً، مع أن النفس يكون فيها قلق، أما ما ذكره السائل فليس فيه من القلق أدنى شيء، فقل له: إنه أخطأ في هذا التصرف إذا كان يعتقد أن هذا مقتضى الشريعة، أما إذا كان لا يريد زوجته فهو حر، ومع ذلك حتى لو كره زوجته فنرى أن يمسكها، لقول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] أما الولد فهو ولده ولا يحل له أن يتبرأ منه. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 9 نصيحة وتوجيه لاستغلال الإجازة السؤال فضيلة الشيخ! كما تعلم أننا مقبلون على إجازة صيفية، فما هي نصيحتك لنا أن نعمل في هذه الإجازة وجزاك الله خيراً؟ الجواب نصيحتي للإخوة بالنسبة للعمل في هذه الإجازة: أما بالنسبة للشباب: فنصيحتي لهم أن ينضموا إلى المراكز الصيفية إن وجدت، وكان القائمون عليها من أهل الخير والفضل، ثم إذا لم يمكن فلينضموا إلى أحد من أهل العلم في بلادهم ويحفظون عليه القرآن أو يقرءون عليه من الحديث، أو من الكتب العلمية الشرعية. أما بالنسبة للكبار والمشايخ: فنصيحتي لهم أن يكثروا الاتصال بالشباب في اللقاءات والمحاضرات والندوات؛ لأن هذه الإجازة في الحقيقة إذا لم تستعمل في الخير فإنها سوف تستعمل في الشر؛ لأن فراغ الشباب هلاك، كما قال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسده الجدة: الغنى. وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 10 حكم القتال الدائر بين طوائف المسلمين السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في القتال الدائر بين طوائف المسلمين في بعض البلاد كـ (أفغانستان) مثلاً؟ وما هو الواجب على المسلمين تجاه ذلك؟ الجواب أما بالنسبة لما ذكرت من القتال بين المسلمين؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) أي: من أعمال الكفر؛ لأنه لا يمكن أن يحمل السلاح مسلم على أخيه المسلم، بل يحمله على الكافر، ولهذا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه كفر، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمل علينا السلاح فليس منا) والواجب على المسلمين إذا حصل مثل هذه الفتن أن يكفوا ألسنتهم، وأن يكفوا أسلحتهم عن التدخل إلا من له الحق؛ لأن الله قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 11 مقام الإحسان السؤال فضيلة الشيخ! يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين في شرح مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه يقول: ولا ريب أن تصديق الخبر واليقين به يقوي القلب حتى يصير الغيب بمنزلة المشاهد بالعين، فصاحب هذا المقام كأنه يرى ربه سبحانه فوق سماواته على عرشه مطلعاً على عباده، ناظراً إليهم يسمع كلامهم وكأنه يسمعه وهو يتكلم بالوحي ثم يذهب وكأنه يشاهده وهو يرضى في كل الصفات، ثم يقول وبالجملة -هنا الشاهد- فيشاهد بقلبه رباً عرفت به الرسل كما عرفت به الكتب، وديناً دعت إليه الرسل، وحقائق أخبرت بها الرسل فقام شاهد ذلك بقلبه كما قام شاهد ما أخبر به أهل التواتر وإن لم يره من البلاد والوقائع فهذا إيمانه يجري مجرى العيان وإيمان غيره فمحض تقليد العميان فالرجاء الشرح ولو قليلاً. الجواب لا شك أن اليقين يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فأحياناً يصل بالإنسان إلى أن يكون اليقين المخبر به كالمشاهد بعينه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله كأنك تراه) وهذه المنزلة العليا، فإن لم تكن تراه فتعبد له تعبد الخائف، ولهذا قال: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذا هو الذي جعل ابن عباس رضي الله عنهما يقول: [إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بفؤاده] أي: بقلبه لا رؤية عين، والرؤية بالقلب أقوى من رؤية العين من وجه، والرؤية بالعين أقوى من رؤية القلب من وجه آخر، فباعتبار اليقين وحلاوة الإيمان وذوق الإيمان رؤية القلب أعلى، وباعتبار الإدراك رؤية العين أقوى؛ لأنه يشاهد الشيء محسوساً أمامه، وهذه المرتبة -أعني: مرتبة الرؤية بالقلب- مرتبة لا ينالها إلا القليل من الناس، أكثر الناس إيمانهم مبني على مجرد الخبر الصادق، وكفى به دليلاً، ولكن اليقين الذي يحصل بعد هذه المرتبة يكون أقوى، وأما قوله في آخر كلامه: وإيمان غيره محض تقليد العميان، يريد بذلك الإيمان الضعيف المهلهل الذي يكاد يكون صاحبه يقول سمعتهم يقولون شيئاً فقلته، وأما الإيمان الحقيقي فإنه ليس تقليد عميان؛ لأن الإنسان يؤمن به على أنه حق يشاهده. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 12 حكم دخول مدائن صالح السؤال شيخنا الفاضل! تعرضت في تفسير سورة الفجر إلى مدائن صالح فهل الأفضل الدخول لها مع البكاء وأخذ العبرة أم الامتناع من الدخول؟ الجواب الأفضل ألا يدخل مدائن صالح فإن دخل فلا يدخل إلا باكياً، وإنما قلنا: الأفضل ألا يدخل؛ لأن الإنسان قد يدخل على أنه واثق من نفسه أنه سوف يبكي ولكن لا يبكي، فلهذا نصيحتنا ألا يدخل الإنسان إليها، ولكن مع الأسف أن بعض الناس الآن اعتبرها آثاراً مجردة وقال: إن هذه آثار السابقين فيشاهدونها على أنها عجائب من عجائب الصنعة، وهذا دليل على الجهل بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 13 كيفية معاملة غير المسلم في الدوائر الحكومية السؤال أعمل في دائرة حكومية، ويعمل معنا كثير من الكفار المسيحيين ونحن في جهاز واحد، وربما يكون المسئول عن التدريب ورفع التقارير إلى المسئولين منهم، فبم تنصحوني في شأن التعامل معهم؟ الجواب ننصحك وغيرك ممن يشاركه أحد من غير المسلمين أن يعمل على حسب ما تقتضيه وظيفته، وأن يعامل غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة. أما الأول: وهو أن يعمل بما تقتضيه الوظيفة؛ فلأن العمل في الوظيفة وتنفيذ ما جاء فيها حسب النظام مما أمر الله به، إذا لم يكن مخالفاً للشرع؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وأما معاملة غير المسلمين بما تقتضيه الشريعة فلا بد من هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) فلا يجوز أن نبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا علينا رددنا عليهم بمثل ما سلموا به علينا. ثم إذا كان لهم حق السلطة والتدبير في هذه الوظيفة فإننا ننصح أولاً ألا يوظف غير المسلمين فيما يمكن أن يقوم به المسلم؛ لأن غير المسلم لا يؤمن، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر} [آل عمران:118] لكن إذا كان لا يمكن أن يقوم بهذا العمل أحد من المسلمين فيجوز أن يقوم به آخر من غير المسلمين عند الضرورة، ولهذا استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً مشركاً أن يدله على الطريق في الهجرة حين هاجر من مكة إلى المدينة، مع أن الحال حال خطرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر ومن معهما كانا مطلوبين من قبل قريش، ومع هذا استأجر الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً مشركاً يدله على المدينة، فدل هذا على جواز استعمال المشرك إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فأرى أنكم تقومون بوظيفتكم وتعاملون هؤلاء بما تقتضيه الشريعة. السائل: إذا دخلت على مجموعة وفيهم بعض الكفار المسيحيين أسلم أو لا أسلم؟ الشيخ: سلم وانو السلام على من معهم من المسلمين، وإذا سلم عليك فرد عليه، ألم تر أن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] والرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على اليهود. السائل: وإذا حياك بلغة إنجليزية؟ الشيخ: إذا كنت تعرف اللغة الإنجليزية فرد عليه باللغة الإنجليزية؛ لأنه لا يعرف اللغة العربية. السائل: وإذا علمته اللغة العربية؟ الشيخ: إذا علمته أنت وعلمته أيضاً الشرع هذا شيء حسن. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 14 الذين يدخلون الجنة بغير حساب السؤال فضيلة الشيخ! قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل من أمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب ولا عقاب) وهذا العدد يا فضيلة الشيخ! قليل بالنسبة لأعداد الأمة في قرونها المتعاقبة، فهل هؤلاء فقط هم الذين سيدخلون الجنة بغير حساب؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً. الجواب أولاً بارك الله فيك: في هذا الحديث الذي ذكرت أن الأمة رفعت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأن معهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وذكر أوصافهم، وقد ورد أنه مع كل واحد سبعون ألفاً، وحتى هذا العدد -أيضاً- بالنسبة للأمة قليل، لكن هذه العدد نادر في الأمة: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) من تحققت فيه هذه الأوصاف من هذه الأمة؟ وليس معنى الحديث أنه لا يدخل الجنة إلا هؤلاء، لا. معنى الحديث أن هؤلاء لا يحاسبون ولا يعذبون، ويوجد أمم كثيرة لا يحصيهم إلا الله يحاسبون وقد يعفو الله عنهم، وقد يعذبهم بقدر ذنوبهم في النار ثم يخرجهم من النار بشفاعة أو بغير شفاعة. فأنت اعمل وحاول أن تتحقق فيك هذه الأوصاف التي قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن تكون منهم ولو كنت من آخر الأمة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 15 حكم إمامة من يعلق التمائم والحروز السؤال فضيلة الشيخ! يوجد معنا في العمل زميل يقدم في بعض الأحيان لإمامة المصلين في العمل، وقد علق تميمة، فما حكم إمامة هذا الرجل؟ فإذا كان الجواب بعدم الجواز فما الذي ينبغي علينا؟ الشيخ: هل هذا الرجل هو الذي يصلي بكم وتقول: إنه معلق تميمة، هل هو يصلي بكم؛ لأنه نصبه المسئول عن هذه الجهة أو بانتخابكم أنتم؟ السائل: لا يا شيخ! يوجد إمام يصلي بنا ومواظب على إمامة المصلين في العمل لا يوجد شخص مختار من قبل الإدارة لكن تقدم إماماً وواظب على الإمامة، وفي بعض المرات يتخلف هذا الإمام لوجود عمل أو ظرف خارج العمل فيُقدم هذا الشخص من قبل المصلين؟ الجواب إذا كان منتخباً من قبل المصلين وهو نائب عن الإمام الرسمي وفي يده هذه التميمة فالواجب عليكم أولاً أن تنصحوه وأن تبينوا له أن هذه التميمة لا خير فيها وأنها نوع من الشرك لا سيما إن كان فيها رموز أو دعوات محرمة أو ما أشبه ذلك، فإن انتهى عن عمله فقد هداه الله على أيديكم، ولكم في هذا أجر، وإن لم ينته فالواجب أن يرفع الأمر إلى الإمام الذي أنابه ويقال: نحن لا نرضى أن ينوب هذا عنك، وتختاروا إنساناً بدله يكون مستقيماً. السائل: إذا دخل شخص ووجد هذا يؤم المصلين؟ الشيخ: يصلي معهم ولا حرج عليه. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 16 حكم شرب ما يسمى بـ (البيرة) السؤال ما حكم شرب ما يسمى بالبيرة مع العلم أن فيه نوعين: نوع فيه نسبة من الكحول، ونوع لا يوجد فيه نسبة من الكحول وهل هي من المسكرات؟ الجواب البيرة الموجودة في أسواقنا كلها حلال؛ لأنها مفحوصة من قبل المسئولين، والأصل في كل مطعوم ومشروب وملبوس الأصل فيه الحل، حتى يقوم الدليل على أنه حرام، لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] فأي إنسان يقول: هذا الشراب حرام، أو هذا الطعام حرام، قل له: هات الدليل، إن جاء بدليل فالعمل على ما يقتضيه الدليل، وإن لم يأت بدليل فقوله مردود عليه؛ لأن الله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} كل ما في الأرض، وأكد هذا العموم بقوله: {جَمِيعاً} فأي إنسان يقول لنا: هذا حلال وهذا حرام فإننا نطالبه بالدليل، إن أتى بالدليل عملنا بمقتضى هذا الدليل، وإن لم يأتِ بدليل فإن قوله مردود عليه، فالبيرة الموجودة في أسواقنا هنا في السعودية كلها حلال ولا إشكال فيها إن شاء الله. ثم النسبة فلا تظن أن أي نسبة من الخمر تكون في شيء تجعله حراماً، النسبة إذا كانت تؤثر بحيث إذا شرب الإنسان من هذا المختلط بالخمر سكر صار حراماً، أما إذا كانت نسبة ضئيلة تضاءلت واضمحل أثرها ولم تؤثر فإنه يكون حلالاً. فمثلاً: نسبة (1%) أو (2%) أو (3%) لا تجعل الشيء حراماً، وقد ظن بعض الناس أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) أن معناه: ما خلط بيسير فهو حرام ولو كان كثيراً، وهذا فهم خاطئ، الحديث: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يعني: الشيء الذي إذا أكثرت منه حصل السكر، وإذا خففت منه لم يحصل السكر، يكون القليل والكثير حرام، لماذا؟ لأنك ربما تشرب القليل ثم تدعوك نفسك إلى أن تكثر فتسكر، وأما ما اختلط بمسكر والنسبة فيه قليلة لا تؤثر فهذا حلال ولا يدخل في الحديث. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 17 حكم مدافعة الريح في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! هل مدافعة الريح تأخذ حكم مدافعة الأخبثين في الصلاة؟ الجواب إي نعم. مدافعة الريح إذا كانت تضيق عليك كمدافعة البول والغائط؛ لأن العلة هي إشغال القلب عن الصلاة، والدليل على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا صلاة بحضرة طعام) وحضرة الطعام ليس مدافعة أخبثين، لكنه يشغل القلب، وكل ما يشغل القلب لا تُصلِّ مع وجوده، حتى لو فرض أن حولك أناساً وضجيج كلام يشغلك عن الصلاة فلا تصل وأخر الصلاة حتى يزول هذا الضجيج، أو اذهب إلى مكان آخر ليس فيه ضجيج، وذلك أن المقصود من الصلاة وأن لب الصلاة وروح الصلاة هو الطمأنينة والخشوع وحضور القلب، وليست الصلاة مجرد حركات يقوم بها الإنسان قياماً وركوعاً وسجوداً وقعوداً، أهم شيء أن يكون القلب مصلياً قبل أن يكون البدن مصلياً، ولهذا نهي عن الصلاة بحضرة الطعام، وعن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، وكذلك كل ما يشغل الإنسان لا يُصلِّ في حال اشتغاله. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 18 مراعاة أدب الخلاف السؤال فضيلة الشيخ! الخلاف في مسألة فقهية أو مسألة ينبني عليها اعتقاد بناءً على اختلاف في تصحيح حديث أو تضعيفه، فهل يصح لمن يرى تضعيف الحديث أن يسمي من يرى تصحيح الحديث وعمل به بأنه مبتدع أو أن فعله بدعة، هل يحق لأحد أن يرمي أحداً بالبدعة أو الفسق نظراً لأنه خالفه؟ الجواب من الذي يحاسب الناس على أديانهم؟ الله سبحانه وتعالى، فإذا أتى حديث واختلف الناس في تصحيحه ورأى بعضهم أنه حديث صحيح فعليه أن يأخذ بما دل عليه هذا الحديث من عمل أو عقيدة؛ لأنه سوف يحاسب: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] سيحاسب على ما عنده من العلم، وكذلك على ما عنده من الفهم، قد يكون الحديث صحيحاً ويختلف الناس في فهمه أيضاً فمنهم من يفهمه على وجه ومنهم من يفهمه على وجه آخر، فإذا فهمه إنسان على وجه وآخر على وجه آخر فإن الواجب على كل واحد منهما أن يأخذ بما فهمه من الحديث، لكن لا مانع من أن يناقش أحدهما الآخر حتى يتوصلا إلى رأي موحد. وأما وصف الإنسان الذي يخالف رأيه في تصحيح حديث أو في دلالته وصفه بالضلال والبدعة فهذا لا يجوز، هذا من عمل أهل الأهواء، ولهذا نجد المسلمين من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يعذر بعضهم بعضاً فيما فهم من النص -فمثلاً- قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة حين رجع من الأحزاب، وأمره جبريل أن يخرج إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، قال لأصحابه: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة) فخرجوا فأدركتهم الصلاة، فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس، وأخروا الصلاة، ومنهم من قال: نصلي في الوقت، والذين قالوا: إننا لا نصلي إلا في بني قريظة، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فنقول: سمعنا وأطعنا. والذين قالوا: نصلي في الوقت، قالوا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقصد أن نؤخر الصلاة بل قصد أن نعجل الخروج، فنحن لما حل وقت الصلاة نصلي في الطريق، ونستمر في السير. ففعل هؤلاء كذا وفعل هؤلاء كذا، وعلم بهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم، مع أن الخلاف في أمر عظيم، في صلاة تؤخر عن وقتها أو تصلى في وقتها. وكذلك أيضاً اختلفوا في مسائل كثيرة، منها: امرأة حامل توفي عنها زوجها، فوضعت قبل أربعة أشهر، السنة جاءت بأنها إذا وضعت بعد موت زوجها ولو بدقائق انتهت عدتها، وانتهى إحدادها كما في حديث سبيعة الأسلمية أنها توفي عنها زوجها فوضعت بعده بليال، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج. ومنهم من يقول: لا. إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتظر حتى تتم لها أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن تمت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع فإنها تنتظر حتى تضع، فيقال: نعم. إذا مضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع فإنها تنتظر حتى تضع لا شك في هذا، لكن إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، والذي خالف في هذا: علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، وكلاهما فقيه عالم، ومع ذلك نرجع إلى السنة، وندع قول علي وقول ابن عباس، السنة أنها إذا وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام فإنها تنتهي عدتها، وتحل للأزواج، حتى لو فرض أنها وضعت وزوجها يغسل ولم يصل عليه، فإن عدتها تنتهي، يعني: تنتهي عدتها قبل أن يُخرج بجنازة زوجها إلى المقبرة. فأقول: يا إخواني! لا يجوز لنا أن نحمل الناس على ما نفهم نحن من الأدلة، ولا يجوز أن نجبر الناس على أن يصححوا ما لم يصح عندهم، والناس يحاسبهم الله عز وجل ويسألهم يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] . الجزء: 63 ¦ الصفحة: 19 حكم التكلف والسجع في الدعاء السؤال فضيلة الشيخ! ما صحة الدعاء قول امرأة تقول: " لا إله إلا الله عدد ما كان وما يكون، وعدد حركاته وعدد خلقه من خلق آدم حتى يبعثون ". الجواب أشبه ما يكون هذا الدعاء بالتنطع ولو قالت: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، أو لا إله إلا الله عدد خلقه، لكفاها عن ذلك كله، وكان من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، سبحان الله وبحمده رضا نفسه، سبحان الله وبحمده زنة عرشه، سبحان الله وبحمده مداد كلماته) هذا من أجمع ما يكون من التسبيح، وأما هذه الأشياء التي يأتي بها بعض الناس يعجبه السجع الذي فيها والمعنى المبتكر! فإن العدول عنها إلى ما جاءت به السنة هو الخير. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 20 الولد للفراش وللعاهر الحجر السؤال فضيلة الشيخ! يسأل عن مشكلة الزنا التي ما سلم منها إلا قليل من إخواننا وأخواتنا قبل إسلامهم نتج من هذه الاتصالات أولاد كثيرون ولا أكون مبالغاً لو وصفتهم أنهم أمة من الناس، الأولاد الذين أتوا من هذا الزنا هل نفقتهم واجبة على آبائهم الذين أسلموا وما كان عندهم عقد على أمهاتهم؟ الجواب هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع حصل عن عقد يرونه عقداً صحيحاً وإن كان باطلاً شرعاً، فالعكس صحيح والأولاد للرجل، مثال ذلك: إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت، وكانوا يرون هذا عقداً، ثم أسلم الرجل والمرأة نقول: أنتم على نكاحكما، ولا يحتاج أن تجدد العقد، وما حصل بينكما من أولاد فهم لكما، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا تحل للزوج، مثل لو كان مجوسياً وتزوج أخته، والمجوس يجوزون نكاح المحارم، فإذا تزوج أخته في حال الكفر ثم أسلم وأسلمت وجب التفريق بينهما؛ لأن المرأة لا تحل للرجل، فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول: إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء النساء نكاح وعقد، فليس هذا زنا، والأولاد لكم، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا فإن استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر - يعني: أن الزاني قال: هؤلاء أولادي- فهم أيضاً أولاده ما دام ليس له منازع، وإن لم يستلحقوهم فإنهم لا يكونون أولاداً لهم. وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم، وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم. السائل: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ؟ الشيخ: حديث (الولد للفراش وللعاهر الحجر) يدل أن هناك رجلين، زان وصاحب فراش كل واحد منهما يدعي أن الولد له، صاحب الفراش يقول: هذا ولدي ولد على فراشي، والزاني يقول: هذا ولدي خلق من مائي، فهنا نغلب جانب الشرع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أما إذا كان الزاني لا ينازعه أحد في ذلك، يعني: زنا بامرأة بكر -مثلاً- أو امرأة ليس لها زوج ولم يدّعِ أحدٌ هذا الولد وقال الزاني: إنه ولدي فهو له؛ لأن هؤلاء كفار لا يلتزمون بأحكام الإسلام، فهو له ولا إشكال فيه وعليه نفقته، وأما إذا كان يعتقد أنه ولد زنا وأنه ليس له ولا يريده، فنفقته على من علم بحاله من المسلمين، نفقته فرض كفاية يقوم بها المسلمون عموماً. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 21 من أفضل كتب السيرة السؤال ما هي كتب السيرة التي ينصح فضيلتكم باقتنائها والإطلاع عليها؟ الجواب السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياء ضعيفة مما نقل، وفيها أشياء صحيحة، ومن أحسن ما رأيت زاد المعاد لـ ابن القيم، على أنه رحمه الله أحياناً يأتي بآثار غير صحيحة، لكنه من خير ما رأيت، وكذلك من بعده البداية والنهاية لـ ابن كثير فإنها جيدة، ولكن لو شاء الإنسان أن يأخذ كل قضية وحدها فيدرسها ويراجع عليها كلام أهل العلم ثم يلخصها في كتاب له خاص أو ينشره ويكون عاماً فهذا حسن. وإنني أتمنى أن يوجد طالب علم يحرص على هذه المسألة وينقح السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابها من الآثار الضعيفة أو المكذوبة. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 22 بطلان حديث لحم البقر داء السؤال ما صحة الحديث الذي يحكي أن ألبان البقر دواء وسمنها شفاء ولحمها داء؟ الجواب هذا الحديث الذي فيه أن لحم البقر داء هذا حديث باطل مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أن يصح إطلاقاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول فيما أحل لنا: {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام:144] فأباح الله عز وجل لحم البقر، وهل الله تعالى يبيح لعباده ما هو داء؟ لا. لا يمكن أن يبيح ما هو داء، إذاً: فهذا الحديث نعلم أنه مكذوب، وقد خرجه بعض الأخوة من طلبتنا وبين أنه كذب لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 23 الأدلة على تحديد ركعات الفروض السؤال فضيلة الشيخ! هل هناك دليل من السنة على تحديد ركعات الصلوات المفروضة أن الفجر ركعتان والظهر أربع؟ الجواب هذا سؤال غريب. أولاً: أن السنة دلت على ذلك دلالة صريحة، قالت عائشة رضي الله عنها: [أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزيد في صلاة الحضر وبقيت صلاة السفر على الفريضة الأولى] . ثانياً: أن هذا أمر مجمع عليه، يعني: لو قال لنا إنسان: إنه يمكن أن تكون صلاة الفجر ثلاثاً لكان كافراً؛ لأن هذا إنكار لما علم بالضرورة من دين الإسلام، وعدد ركعات الصلوات أمر لا يشك فيه أحد. أمر مجمع عليه. وهذا حديث عائشة ذكرته لك، وإجماع المسلمين عليه من عهد رسول الله إلى يومنا هذا، هل الأمة الإسلامية مجمعة على خطأ منذ بزغ نجم الإسلام إلى اليوم، هذا الذي يشككه في هذا -أيها الشباب! - رجل مفسد لأنه في قرارة نفسه يعلم أن هذا لا يحتاج إلى طلب الدليل، عمل المسلمين عليه من ذاك الوقت إلى يومنا هذا، هذا أكبر دليل، لكن احذروا مثل هؤلاء الذين يردون عليهم مثل هذه الأسئلة، احذروهم وفروا منهم كما تفرون من الموت أو أكثر. نسأل الله أن يقي المسلمين شر أمثال هؤلاء، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 63 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [64] هذا اللقاء هو عبارة عن تفسير بعض الآيات من سورة الفجر والتي احتوت على ذكر قصة فرعون وكيف أنه طغى في البلاد التي كان فيها وهي مصر، وأكثر فيها الفساد؛ وذلك بكثرة المعاصي، كما أن في هذه الآيات بيان سنة الله فيمن يعصونه ويخالفون أمره ويكذبون رسله. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فنكمل ما ابتدأناه من تفسير سورة الفجر، وقد انتهينا من الكلام على قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر:6-9] . الجزء: 64 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد) قال تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر:10] فرعون هو: الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة والسلام، وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وقد اختلف العلماء في السبب الذي أدى به إلى هذه الفعلة القبيحة، لماذا يُقتل الأبناء ويبقي النساء؟ قال بعض العلماء: إن كهنته قالوا له: إنه سيولد في بني إسرائيل مولود يكون هلاكك على يده، فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء. ومن العلماء من قال: إنه فعل ذلك من أجل أن يُضْعِفَ بني إسرائيل؛ لأن الأمة إذا قتلت رجالها واستبقيت نساؤها ذلت بلا شك، فالأول تعليل أهل الأثر والثاني تعليل أهل النظر -أهل العقل- ولا يبعد أن يكون الأمران جميعاً قد صارا علةً لهذا الفعل، ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى في نفس بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، الذي استكبر في الأرض وعلا فيها وقال لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وقال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وقال لهم: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف:52] أي: موسى {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] فأنكر الألوهية وأنكر الرسالة، قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54] وتعلمون أنه قال لقومه مقرراً لهم عظمته وسلطانه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] افتخر بالأنهار التي تجري من تحته وهي مياه، فأهلكه الله تعالى بجنسها حيث أغرقه وقومه في البحر الأحمر. فقوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} أي: ذي القوة؛ لأن جنوده كانوا له بمثابة الوتد، والوتد كما نعلم تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فافتخر فرعون بجنوده وملكه. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذين طغوا في البلاد) قال تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} [الفجر:11] الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: لما زاد الماء حملناكم في الجارية يعني: بتلك السفينة التي صنعها نوح عليه الصلاة والسلام، فمعنى (طغوا في البلاد) أي: زادوا عن حدهم، واعتدوا على عباد الله. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فأكثروا فيها الفساد) قال تعالى: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:12] أي: بالمعاصي وقتل الضعفاء، والفساد هنا هو: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] ولهذا قال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:56] قالوا: لا تفسدوها بالمعاصي، وعلى هذا فيكون قوله: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:12] أي: الفساد المعنوي لكن الفساد المعنوي يتبعه الفساد الحسي. وكان فيما سبق من الأمم أن الله تعالى يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم، لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبة، وجعل عقوبتها أن يكون بأسهم بينهم حيث يدمر بعضهم بعضاً، وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، يسلط الله بعضهم على بعض، ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فصب عليهم ربك سوط عذاب) قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] صب عليهم: الصب معروف أنه يكون من فوق، والعذاب الذي أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل و (سوط عذاب) السوط: هو العصا الذي يضرب به، ومعلوم أن الضرب بالعصا نوع من العذاب، فهذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد وثمود وفرعون ليس كالعصا المعروفة لدينا، وإنما هو عصا عذاب أهلكهم الله تعالى به وأبادهم. نسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم فيما سبق من الأمم عبرة نتعظ بها، وننتفع بها، ونكون طائعين لله عز وجل غير طاغين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 64 ¦ الصفحة: 7 حكم قول (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بالنسبة للإمام والمأموم والمنفرد السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للذي يصلي منفرداً هل يقول: سمع الله لمن حمده، أو يقول: ربنا ولك الحمد؟ الجواب الإمام والمنفرد يقولان: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 8 نصيحة لمن يخوضون في أعراض العلماء وولاة الأمور السؤال فضيلة الشيخ! في بعض المجالس يخوض بعض الناس في كثير من طلبة العلم والعلماء، يجرحون ويعدلون! فنريد نصيحة لهؤلاء لكي يشتغلوا بما ينفعهم؟ الجواب من المعلوم أن الغيبة من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، هكذا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حذر الله عنها في كتابه بأبلغ تحذير فقال جل وعلا: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] من الذي يقدم له لحم أخيه ميتاً فيأكله؟ لا أحد يأكله، كلٌ يكرهه، وهذا تمثيلٌ يستفاد منه غاية التحذير من الغيبة، وإذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من العلماء أو الأمراء كانت أشد وأشد؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انتقاصهم، وإذا انتقص الناس علماءهم لم ينتفعوا من علمهم بشيء فتضيع الشريعة، وإذا لم ينتفع الناس بعلم العلماء فبماذا ينتفعون؟ أبجهل الجهال؟ أم بضلالة الضلال؟ ولهذا نعتبر الذي يغتاب العلماء قد جنى على الشريعة أولاً، ثم على هؤلاء العلماء ثانياً، ووجه الجناية على الشريعة ما ذكرته أنه يستلزم عدم قبول ما تكلم به هؤلاء العلماء من شريعة الله؛ لأنهم قد نقص قدرهم وسقطوا من أعين الناس فلا يمكن أن ينتفعوا بعلمه، وأما كونه غيبةً للشخص فهذا واضح. أما الأمراء فغيبتهم أيضاً أشد من غيبة غيرهم؛ لأنها تتضمن الغيبة الشخصية التي هي من كبائر الذنوب، وتتضمن التمرد على الأمراء وولاة الأمور؛ لأن الناس إذا كرهوا شخصاً لم يستجيبوا لتوجيهاته ولا لأوامره، بل يضادونه ويناوئونه، فيحصل بهذا شر عظيم؛ لأن قلوب الرعية إذا امتلأت حقداً وبغضاً لولاة الأمور انفلت الزمام، وحل الخوف بدل الأمان، وهذا شيء مشاهد ومجرب. ولهذا نرى أن الواجب على عامة الناس وعلى طلبة العلم بالأخص إذا سمعوا عن عالمٍ ما لا يرونه حقاً أن يتثبتوا أولاً من صحة نسبته لهذا العالم، كم من أناس نسبوا إلى العلماء ما لم يقولوه! ثم إذا ثبت عنده أنه قاله يجب عليه من باب النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين أن يتصل بهذا العالم يقول: بلغني عنك كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟ فإما أن ينكر وحينئذٍ نطالب من نقل عنه هذا القول بالبينة، وإما أن يقر فإذا أقر أبين له وجهة نظري، أقول: هذا القول الذي قلته غير صحيح، فإما أن يقنعني وإما أن أقنعه، وإما أن يكون لكلٍ منا وجهٌ فيما قال، فيكون هو معذوراً باجتهاده وأنا معذورٌ باجتهادي وليس أن أتكلم في عرضه؛ لأنني لو استبحت لنفسي أن أتكلم في عرضه لكنت أبحت له أن يتكلم هو أيضاً في عرضي وحينئذٍ يحصل التنافر والعداوة والبغضاء. أما الأمراء فهم الأمر الثاني أيضاً، فالكلام في الأمراء كثير وتعرفون ذلك، أضرب لكم مثلاً سهلاً: إذا أمر ولي الأمر بشخص أن يؤدب تأديباً شرعياً يستحقه شرعاً فهل هذا المؤدب مع ضعف الإيمان في عصرنا هل سيقبل هذا الأدب ويرى أنه حق؟ أم يرى أنه ظلم وأن هذا الأمير معتدٍ عليه؟ الثاني: هذا الواقع، يعني: لسنا في عصر كعصر الصحابة يأتي الرجل يقول: يا رسول الله! زنيت طهرني. فإذا أمر ولي الأمر أن يؤدب هذا الرجل صار يشيع -كما قال بعض العلماء عن شخصٍ أشاع عنه قضية معينة فيما سلف، قال: إنك شخصٌ تذيع الشكية وتكتم القضية- ويشكي الناس أنه مظلوم وأن هذا -أي: ولي الأمر- ظالم وما أشبه ذلك. إذاً: غيبة ولاة الأمور تتضمن محذورين: المحذور الأول: أنها غيبة رجل مسلم. والمحذور الثاني: أنها تستلزم إيغار الصدور على الأمراء وولاة أمورهم وكراهتهم وبغضهم وعدم الانصياع لأمرهم؛ وحينئذ ينفلت زمام الأمان، ولهذا ما نرى من المنشورات التي تنشر في سب ولاة الأمور أو الحكومة نرى أن هذا محرم وأنه لا يجوز للإنسان أن ينشرها؛ لأنه إذا نشرها معناه أنها غيبةٌ لإنسان لا نستفيد من نشرها بالنسبة إليه شيئاً، لا نستفيد إلا أن القلوب تبغضهم وتكرههم، لكن هل هذا سيحسن من الوضع إذا كان الوضع سيئاً؟ أبداً. فلا يزيد الأمر إلا شدة، فنرى أن نشر مثل هذه المنشورات أن الإنسان آثمٌ بها؛ لأنه غيبة بلا شك، وأنه يوجب أن تكره الرعية رعاتها وتبغضهم ويحصل بهذا مفسدة عظيمة. وحتى لو فرضنا صحة ما جاء في هذه المنشورات، مع أننا لا ندري هل هو صحيح أو أنه كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) . لكن على تسليم أنه صحيح وأنه صدق هل يحل لنا نشره وهو غيبة؛ لأن الغيبة: (ذكرك أخاك بما يكره) ؟ ثم إننا لو نعلم أن هذا المنشور حق وأنه سيحل المشكلة لكنت أول من ينشر هذا وأول من يوزعه، لكن نعلم أنه يحتاج إلى إثبات من وجه، ويحتاج -أيضاً- إلى أن ننظر: هل نشره من المصلحة أم من المفسدة؟ ربما يترتب على نشره من المفسدة أعظم بكثير من نفس هذا الخطأ؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله أولاً قبل كل شيء، وألا ينشر معايب الناس بدون تحقق، وألا ينشر معايب الناس إلا إذا رأى أن المصلحة في نشرها، أما إذا كان الأمر بالعكس فقد أضاف إلى مفسدة نشر معايب الناس مفسدة أخرى، والله حسيبه، وسوف يلقى جزاءه عند ربه، ونحن نتكلم بهذا عن أدلة فنقول: هل المنشورات في مساوئ الناس سواءً الأمراء أو العلماء هل هي من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) أم لا؟ الجواب: نعم، من باب: (ذكرك أخاك بما يكره) وإذا كان من هذا الباب فهذه غيبة أم غير غيبة؟ غيبة، من قال أنها غيبة؟ قالها الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق وأنصح الخلق وأصدق الخلق. فإذا كانت الغيبة حراماً فهل يترتب على هذه الغيبة إصلاح ما فسد؟ أبداً، لا يترتب عليها إصلاح ما فسد. فتبين بهذا أن نشر المنشورات حرام وتوزيعها حرام، وأن الذي يفعل ذلك آثم وأنه سوف يحاسب على حسب نصوص الكتاب والسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر) وهذا ينافي الصبر لا شك. قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] فنقول: نعم. لكن معنى الآية الكريمة: أنه لا يجوز أن تجهر بالسوء إلا إذا ظلمت فتجهر في مظلمتك في الشكاية حتى تزال مظلمتك، فهذا معنى الآية، يعني: إذا ظلمني شخص فهو عاصٍ أذهب إلى أي شخص وأقول: فلان ظلمني واعتدى عليَّ فلا بأس بذلك؛ {إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] ولم يقل: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا للظالم حتى نقول إنه عام، إلا من ظلم فله أن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه؛ لأنه من طبيعة الإنسان أنه يتكلم مع صديقه فيما جرى له من ظلم إنسانٍ عليه؛ لأن في هذا تفريجاً عنه وإزالة غم ولا حرج في هذا. أما أن ننشر معايب الناس على وجهٍ نعلم أن مفسدته أكثر بكثير من مصلحته إن كان فيه مصلحة، ولا ندري هل يثبت أم لا؛ فإن هذا لا يشك إنسانٌ عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أن ذلك حرام، فنسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمورنا من العلماء والأمراء، وأن يصلح عامتنا إنه على كل شيءٍ قدير. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 9 المفهوم الخاطئ للمنافسة السؤال فضيلة الشيخ! إذا أقيمت الصلاة وبدأ المصلون يعتدلون للصلاة فمثلاً يكون في الصف الأول من كان عن يمين الإمام تحركوا إلى اليسار للمكان الذي يوجد فيه بعض الفُرج، والذين كانوا يقفون عن يسار الإمام تحركوا إلى ميامنهم فيدخل بعض الذين في الصف الثاني لسد الفُرج، والتي كان يسعى لسدها أصحاب الصف الأول أنفسهم، وربما حجز هذا الداخل إلى الصف الأمامي بيده الناس في الصف الأمامي ليدخل بينهم فهل يتركه هذا الشخص المحجوز ليأخذ المكان الفاضل منه ويبقى هو في المكان المفضول والله يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] ؟ الجواب هذا لا يجوز، وهذا عدوان على حق الغير، نعم لو فرضنا أنه وقف ولم يدنُ أو نظر إليك يريد أن تسد الفرجة فهذا لا بأس أسقط حقه، وأما أنه متهيئ لأن يدنو فتأتي أنت وتمنعه وتدخل في هذا المكان فهذا لا يجوز فإنه عدوانٌ على حق أخيك، ولأنه يورث العداوة والبغضاء. وأما الآية الكريمة {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] فالمنافسة ليست هي العدوان على الغير، بل المنافسة أن تنافس غيرك في حقٍ لا تضره في ذلك. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 10 كلمة توجيهية للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع أو السفر إلى البلاد الأوروبية السؤال فضيلة الشيخ! نريد منكم توجيه كلمة للذين يقضون أيام الإجازة في التسكع في الشوارع والجلوس على الأرصفة ولا يذهبون إلى المراكز الصيفية أو حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وكذلك إلى الذين يذهبون إلى البلاد الأوروبية لقضاء الإجازة هناك جزاك الله خيراً. الجواب هذا طلب طيب من هذا السائل جزاه الله خيراً، وهو يتضمن شيئين: أما الشيء الأول: فهو السفر إلى بلاد خارجية لقضاء هذه الإجازة فيها فنقول: إن السفر إلى بلاد كافرة أو بلاد منهمكة في المعاصي لا يجوز لأمور عدة: الأمر الأول: أن فيه إضاعةً للمال في قيمة التذاكر، وأجور الفنادق أو الشقق أو غير ذلك، ففيه إضاعة مال كثير، وهذا المال الذي تضيعه في هذه التنزهات اجعله نافعاً لك يوم القيامة في بناء مسجد، اجعله في إعانة إخوانك المجاهدين في البوسنة والهرسك، أو في الصومال، أو في كشمير، أو المجاهدين في الجمهوريات الإسلامية التي تحررت من الشيوعية، أو في غير ذلك من أوجه الخير والبر. ثانياً: أن فيه إضاعة الوقت؛ لأن غالب الذين يذهبون لهذه النزهات لا يذهبون إلى الدعوة إلى الخير، أو إلى تعليم الناس الجاهلين، بل ربما يذهبون لأشياء محرمة لا إشكال في تحريمها، فيكون في ذلك إضاعةً للوقت والمال. ثالثاً: أنه يخشى على عقيدة المرء، وعلى أخلاقه، وعلى عباداته، وعلى أهله إن كانوا معه. يخشى عليه في عقيدته أن يقول: كيف أنعم الله على هؤلاء بهذا الترف وهذا النعيم وهم كفار وهو مؤمن؟ وقد قدر عليه رزقه، فيشك هل الإيمان خير أم الكفر خير؟ ولم يعلم المسكين أن هؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا وهذا الترف بالنسبة لهم جنة؛ لأنهم ينتقلون بعده إلى عذاب وجحيم -والعياذ بالله- والفقر بالنسبة إليه إذا كان من المؤمنين يعتبر ابتلاء من الله عز وجل يؤجر عليه ويثاب عليه إذا صبر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] . وأما كونه خطراً على عبادته: فإنه قد يصحب أناساً هناك لا يهتمون بالصلاة، ولا بالأذكار، ولا بالتقرب إلى الله، فيكتسب منهم صفاتهم ويصدونه عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما أنه خطر على أخلاقه فظاهر: لأنه هناك يجد المرأة المتبرجة غاية التبرج، وعلى جمال فاضح، وغالباً تكون متطيبة متبرجة فتفتن من لا يفتتن، وهناك لا حياء ولا دين فيسهل عليه الانزلاق وراء الشهوة. وأما كونه خطر على أهله فذلك ظاهر أيضاً: فإن الصغار إذا ارتسم في أفكارهم شيء من الصغر لا يتحول عنهم إذا كبروا، فيحصل أن هؤلاء الصغار يتذكرون دائماً في هذه الحال الفظيعة التي كان عليها أهل هذه البلدة التي سافروا إليها. أما بالنسبة لشبابنا في هذه البلاد فإنني أحثهم على أن يلتحقوا بواحدة من جهات ثلاث: أولاً: حِلَقْ تحفيظ القرآن، فهي -والحمد لله- متوفرة في المدن الكبيرة والقرى. ثانياً: الالتحاق بالمساجد في حلق العلماء الذين يدرسون العلم كما يوجد -والحمد لله- منذ سنتين أو نحوها دورات في المدن يسمونها دورات مكثفة، يتكلم فيها علماء موثوقون ينتفع بهم الشباب. ثالثاً: الالتحاق بالمراكز الصيفية التي يقوم عليها رجال موثوقون في علومهم وأفكارهم وأخلاقهم، والمراكز الصيفية متنوعة فيها علوم شرعية، وعلوم عربية، وفيها -أيضاً- فنون مباحة، كتعلم نجارة أو كتابة وما أشبه ذلك، وهي تكف الإنسان عن ضياع وقته. فنحث أبناءنا على الالتحاق بإحدى هذه الجهات الثلاث حتى لا تضيع أوقاتهم وتتبلد أفكارهم فيقعوا في مهاوي الشهوات، وفي المثل السائر الذي قيل نظماً: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسده الجزء: 64 ¦ الصفحة: 11 حكم من يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع السؤال فضيلة الشيخ! نجد في تعليق بعض المعلقين الذين يعلقون على المباريات عندما ينهزم أحد الفريقين يقول: هذا الفريق هزم نتيجة سوء الطالع، فهذه الكلمة أشكلت عليَّ كثيراً، فما رأيكم في هذا التعليق؟ الجواب نعم. هذه الكلمة يقولها من لا يعرف الشريعة، يقول للشخص إذا نجح: هذا من حسن الطالع، وإذا رسب: هذا من سوء الطالع، وهذا من التنجيم الذي هو نوع من الشرك؛ وذلك لأن الطالع والغارب ليس له تأثير في الحوادث الأرضية بل الأمر بيد الله، سواء ولد الإنسان في هذا الطالع أو في هذا الغارب أو في أي وقت، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة الصبح، ونحن في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على أثر مطر- فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) وهذا الذي يدعي أن فوز الرجل أو فشله لحسن الطالع أو سوء الطالع من هذا النوع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كافر بالله؟ فالواجب على من قاله أن يتوب إلى الله من ذلك، وعلى من سمعه أن ينكر عليه وأن يبين ذلك في المجالس العامة والمجالس الخاصة بالشباب؛ لأن بعض الناس لا يعرف معنى هذه الكلمة ولا يعرف على أي شيء بنيت. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 12 حكم من ترك ركناً من أركان الصلاة السؤال رجل صلى خلف الإمام فترك الرفع من السجود؛ لأنه لم يسمع صوت الإمام، ولم يأتِ بهذا الركن، فهل يأتي بركعة أم يجلس ويسلم مع الإمام؟ الجواب نقول: يأتي بركعة؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة، ومن ترك ركناً من أركان الصلاة حتى سلم فإنه يجب عليه أن يأتي بركعة تامة ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 13 من نسي التشهد الأول ونهض ولم يستتم قائماً ثم تذكر وجلس السؤال إذا ترك رجل التشهد الأول فرفع، ولكن تراجع قبل أن يتم القيام، فهل يشرع له سجود السهو أم لا؟ الجواب إذا نسي التشهد الأول ونهض ولكن لم يستتم قائماً فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولكن هل يجب عيه سجود السهو أم لا؟ من العلماء من قال: إنه لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولحديث ورد في ذلك وفيه شيء من الضعف، ومنهم من قال: ينظر إن كان إلى القيام أقرب وجب عليه سجود السهو، وإن كان إلى الجلوس أقرب لم يجب عيه سجود السهو، فإن سجد فإننا لا ننكر عليه، وإن لم يسجد فإننا لا نأمره بذلك. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 14 أقسام الحركات في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! هناك إمام لا أدري هل به مرض أم ماذا، فهو دائماً إذا كبر للصلاة وانتهى من التكبيرة يتقدم يمشي خطوتين أو ثلاث خطوات، وأصبحت عادة عنده أن جماعة المسجد الذي يصلي فيه لا ينكرون عليه ذلك، لكن لما يأتي إنسان غريب أو إنسان يصلي معه يلاحظ أنه يمشي ويتقدم ويرجع مع أنه الإمام، فما حكم ذلك؟ الجواب لو أن هذا شيء بغير اختياره فهو معذور؛ لأن بعض الناس قد يكون معه شيء من الدوخة فيحاول أن يتماسك فيتقدم عندئذ أو يتأخر. وإن كان باختياره فإنه ينهى عنه؛ لأن هذه حركة في الصلاة بدون حاجة، وكل حركة في الصلاة بدون حاجة فإنها مكروهة، وهنا يحسن بنا أن نبين أقسام الحركات في الصلاة. أقسام الحركات في الصلاة خمسة: حركة واجبة، وحركة محرمة، وحركة جائزة، وحركة مكروهة، وحركة مستحبة. فالحركة الواجبة: هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا ضابط الحركة الواجبة ونذكر لذلك مثالين: المثال الأول: إنسان تذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي، فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ويستمر في صلاته، والغترة نوع مما يلبس على الرأس. المثال الثاني: رجل يصلي إلى غير قبلة، فجاءه عالم بالقبلة فقال له: القبلة على يمينك. فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى القبلة، ولكل واحدة من هاتين المسألتين دليل. أما المسألة الأولى: فدليلها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه وفيهما قذر لم يعلم به، فجاءه جبريل فأخبره بذلك، فخلع نعليه واستمر في صلاته. وأما الثانية: فإن أهل قباء كانوا يصلون صلاة الفجر إلى جهة بيت المقدس، وكانت مكة وراءهم وأتاهم آت فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم يصلون. والحركة المستحبة: هي التي يتوقف عليها فعل مستحب هذا ضابطها. مثال ذلك: انفتحت فرجة أمامك في الصف، وسد الفرجة سنة، فتقدمت لهذه الفرجة، فهذه حركة مستحبة، وكذلك تقارب الصف، فإذا صار بينك وبين جارك فرجة فقربت منه فهذه أيضاً حركة مستحبة. والحركة المحرمة: هي الحركة التي تنافي الصلاة، يعني: أنها كثيرة بحيث يقول من رآك تتحرك: إنك لست في صلاة، فهذه محرمة، وضابطها أن تكون كثيرة متوالية. الحركة المكروهة: هي الحركة القليلة بلا حاجة، مثل ما يحصل من بعض الناس حيث يعبث في صلاته بقلمه أو ساعته أو عقاله أو مشلحه بدون حاجة، فهذه حركة مكروهة. الحركة الجائزة: هي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، أو الحركة الكثيرة إذا كانت لضرورة. مثال الحركة اليسيرة للحاجة: إنسان يشق عليه أن يصلي على الأرض مباشرة؛ لأنها حارة، أو لأن فيها شوكاً، أو فيها حصىً يؤلم جبهته، فصار يتحرك، يضع المنديل ليسجد عليه، فهذه حركة جائزة؛ لأنها لحاجة، لكنها يسيرة، والمنديل ينبغي أن يكون واسعاً بحيث يتسع لكفيه وجبهته، هذا هو الأحسن؛ لأنه لو كان لا يسع إلا الجبهة فقط لكان فيه نوع مشابه للرافضة الذين يسجدون على حصىً معين، أو على حجر معين، فالعلماء قالوا: يكره أن يخص جبهته بشيء يسجد عليه، لأن هذا فعل الرافضة، لكن إذا لم يكن معه إلا منديل صغير لا يتسع إلا للجبهة وهو محتاج إلى أن يسجد عليه فلا بأس فهذه حركة يسيرة لحاجة. وهناك الحركة الكثيرة للضرورة: إن كنت تصلي فهاجمك سبع ففي هذه الحال تحتاج إلى حركات كثيرة وسريعة، فلا بأس بأن تدفع عن نفسك هذا الخطر ولو كنت في صلاتك لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] يعني: إن خفتم على أنفسكم فصلوا رجالاً يعني: على أرجلكم، ولو كنت تهرب، أو ركباناً: على الرواحل. هذه أقسام الحركات في الصلاة، فاحرص على أن يخشع قلبك وجوارحك حتى تكون صلاتك تامة، فقد امتدح الله الذين هم في صلاتهم بأنهم خاشعون. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 15 صلاة الموظفين في مكاتبهم إذا كان المسجد بعيدا ً السؤال فضيلة الشيخ! يبعد المسجد من مقر العمل قرابة أربعمائة متر، فبعض الإخوان في العمل قالوا: نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛ لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه، فهل هذا العمل صحيح؟ الجواب الذي نرى أنه لا بأس به أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل، أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون، وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم، فالمهم إذا كان هناك مصلحة أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 16 حكم وضوء مَن خرج من دورة المياه وهو ساهٍ فذهب وتوضأ السؤال فضيلة الشيخ! رجل خرج من دورة المياه وهو ساه فذهب وتوضأ، فهل وضوءه هذا صحيح علماً بأنه قد لا يكون له نية فيه؟ الجواب الوضوء صحيح ولو كان ساهياً؛ لأنه ما الذي جعله يذهب إلى الميضأة ويغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه إلى نهاية الوضوء، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؟ فهذا لم يذهب إلى مكان الوضوء إلا وهو ناوٍ له، ولو كان يفكر في شيء آخر فإن ذلك لا يضره ولا يبطل وضوءه. يقول بعض العلماء رحمهم الله: لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق، وجاء رجل إلى ابن عقيل -عالم من علماء الحنابلة المتقدمين- قال له: يا سيدي. إنني أذهب أغتسل من الجنابة في نهر دجلة، ثم أخرج ولا زلت أعتقد أني على الجنابة!! قال له ابن عقيل رحمه الله: لا تصل! فقال الرجل: تأمرني بترك الصلاة؟! فقال ابن عقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق. ) ورجل يذهب إلى دجلة يغتسل ثم يقول: أعتقد أنني لا زلت على الجنابة فهذا جنون!! الجزء: 64 ¦ الصفحة: 17 تعريف العالم السؤال فضيلة الشيخ! حصل لبس وخلط عند بعض الشباب في تحديد من هو العالم، فنتج عن ذلك أن وضع من ليس بعالم مثل زاهد أو عابد أو واعظ في مصافِّ العلماء، فجعلوه مصدراً للتلقي والتوجيه والتعليم وما إلى ذلك، فنريد من فضيلتكم تحديد من هو العالم وصفته وجزاكم الله خيراً؟ الجواب العالم عرفه ابن القيم رحمه الله في تعريف جامع فقال: العلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليد يستويان فالعالم هو الذي يعرف العلم الحق بالدليل، والعلم قد يكون علماً واسعاً يعرف الإنسان غالب المسائل، وما لا يعرفه منها فعنده قدرة على معرفتها، وقد يكون الإنسان عالماً في مسألة واحدة، يأخذ الكتب ويبحث فيها وينظر أدلة العلماء، فيصير عالماً بها فقط، ومن هذا ما جاء به الحديث (بلغوا عني ولو آية) لكن غالب الوعاظ يأتون بأدلة لا زمام لها، أدلة ضعيفة يريدون بذلك تقوية الناس في الأمور المطلوبة، وتحذيرهم من الأمور المرهوبة، ويتساهلون في باب الترغيب والترهيب، وهؤلاء فيهم نفع لا شك، لكن ليسوا أهلاً لأن يتلقى عنهم العلم الشرعي، بحيث يعتمد على ما يقولون، إلا إذا قالوا: نحن نقول كذا لقوله تعالى كذا وكذا، ونقول كذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتون بحديث صحيح فمعلوم أن من أتى بعلم وحجة فهو مقبول، لكن ابن مسعود رضي الله عنه حذر من القرَّاء بلا فقه. والمراد بالفقه أن يكون عند الإنسان حكمة فيضع الأشياء مواضعها، وأن يكون عند الإنسان دليل يكون حجة له عند الله عز وجل وأظن أنه لا يخفى على عامة الناس العالم من طالب العلم. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 18 حكم شرب المشروبات اليهودية السؤال فضيلة الشيخ! يوجد مشروب يسمى (الكولا) تنتجه شركة يهودية، فما حكم شراب هذا المشروب؟ وما حكم بيعه؟ وهل هو من التعاون على الإثم والعدوان أم لا؟ الجواب ألم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي؟ ألم يبلغك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود؟ ولو أننا قلنا: لا نستعمل ما صنعه اليهود أو لا نأكل ما صنعه اليهود مما لا يشترط فيه الذكاة لفات علينا شيء كثير من استعمال سيارات ما يصنعها إلا اليهود، وأشياء نافعة أخرى لا يصنعها إلا اليهود. صحيح أن هذا المشروب قد يكون فيه بلاء يضعه اليهود؛ لأن اليهود غير مؤتمنين؛ ولهذا وضعوا للرسول صلى الله عليه وسلم السم في الشاة التي أهدوها إليه ومات صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بـ خيبر، وهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم) يعني: موتي، ولهذا قال الزهري رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم مات بقتل اليهود له، لعنة الله عليهم، ولعنة الله على النصارى، فهم لا يؤتمنون لا اليهود ولا النصارى، لكن في ظني أن هذا الذي يرد إلينا لا بد أن يكون قد اختبر ومُحِّص، وعرف هل فيه خطر أو ضرر أم لا. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 19 حكم من سب الدين في حالة الغضب السؤال شيخنا: ما حكم من سب الدين والرب وذلك إذا نشأ بين قوم قد اعتادوا هذا الأمر في ساعة غضب، وكذلك كيف تكون معاملته إذا كان يعتقد نفسه مسلماً؟ الجواب قال أهل العلم: من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو كافر جاداً أو لاعباً، واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] وجاء رجل منهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب، لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] . أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول، ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضب شديد لا يملك نفسه عنده فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لم يرد طلاقها، وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة العبد، وأنه أشد فرحاً بذلك من رجل كان في السفر ومع بعيره عليها طعامه وشرابه، فضلت عنه، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت، ما بقي عليه إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقاً بالشجرة، فأخذه وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: أنت ربي وأنا عبدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخطأ من شدة الفرح) ولم يقل: هذا كافر فالمهم أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلاً فهو كافر. أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون، ولكن ينبغي عليه إذا أفاق وذهب عنه الغضب أن يراجع نفسه ويستغفر الله تعالى ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح. ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك فإنه لن ينطق بالسباب ولو عند الغضب. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 20 حكم من سب الله تعالى وحكم توبته السؤال كيف يعامل من كان يعتقد نفسه مسلماً وهو ساب لله؟ الجواب هذا ليس بمسلم ما دام قصد القول، فإن ساب الله تعالى كافر ولو كان ذلك على وجه اللعب والمزاح، بل إن فقهاء الحنابلة رحمهم الله يقولون: من سب الله لا تقبل توبته، يعني: لو جاء وقال: أشهد أني مخطئ وأنا تائب، وأن الرب عز وجل له كمال الصفات يقولون: ما نقبل توبتك وحكمك القتل وتوبتك بينك وبين ربك. لكن الصحيح أنه تقبل إذا علمنا أنه صادق التوبة، وذلك من سيرته واستقامته فيما بعد. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 21 حكم سب الأطفال للدين السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم سب الأطفال للدين؟ الجواب تعلمون أن الأطفال مرفوع عنهم القلم، ولكنهم ينهون عن سب الدين ويؤدبون. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 22 حكم من يأخذ من بعض الناس مالاً ليحج عنه ولا يحج وكيفية التوبة من ذلك السؤال فضيلة الشيخ! حفظك الله، قرية كاملة في جنوب المملكة كانوا ينتظرون موسم الحج بفارغ الصبر؛ لأنهم كانوا يعتبرون أن قوتهم طوال العام لا يكون إلا في هذا الموسم، فكان كل فرد من أفراد هذه القبيلة يبحث عن رجل يحج عنه نظير مبلغ من المال، ويزعمون أن لديهم طلبة علم يعرفون المناسك، فإذا أخذوا تلك المبالغ لا يؤدون الفريضة عن هذا الذي أخذوا منه المال، وكثير منهم تاب من هذا العمل ويسأل ماذا عليه أن يفعل الآن؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب هذا في الواقع عمل محرم مشين، أما كونه محرماً فلأنهم أخذوا المال ولم يؤدوا الأعمال التي أخذوا المال من أجلها، فهذا أكل للمال بالباطل. وأما كونه مشيناً فإن أخاهم المسلم ائتمنهم ووثق بهم على أداء فريضة من فرائض الإسلام فخانوه بذلك، فالواجب على هؤلاء بعد التوبة أن يحصوا جميع الحجج التي أخذوها، وأن يؤدوها في السنوات التالية، وإذا لم يستطيعوا بأنفسهم فلينيبوا غيرهم ممن يرون أنه أهل للإنابة؛ لأنهم أخذوا أموال الناس بشرط أن يحجوا عنهم، فلا تبرأ ذمتهم إلا بالوفاء بهذا الشرط، فليحجوا بأنفسهم أو لينيبوا غيرهم. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 23 حكم من يصلي الفجر منفرداً في المسجد لعدم وجود المصلين مع وجود مسجد بعيد تقام فيه الجماعة السؤال فضيلة الشيخ! جماعة استهموا في بناء مسجد صغير في الحي؛ لأن المسجد الكبير بعيد منهم، وهم يصلون فيه جميع الصلوات إلا صلاة الفجر فلا يصلي في هذا المسجد صلاة الفجر إلا رجل واحد، علماً بأنه هو الذي يؤذن ويصلي، فهل يستمر على هذا الوضع فيصلي صلاة الفجر وحده أم يذهب إلى المسجد البعيد بسيارته؟ الجواب عليه أولاً أن ينصح جماعة الحي بأن يأتوا لصلاة الفجر، ويرغبهم في ذلك، فقد ييسر الله له من يشاركه في صلاة الجماعة، أما إذا لم يأت أحد وتأكد من ذلك فالأفضل أن يذهب للمسجد الثاني. الجزء: 64 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [65] في هذا اللقاء تفسير بعض الآيات من سورة الفجر، وفيها أن الله تعالى بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر، وأنه سوف يعاقبه ويؤاخذه، وأن الله عز وجل يبتلي الإنسان بالخير والشر كما هو واضح في الآيات التي تحدث عنها الشيخ في هذه السورة. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر صفر عام (1415هـ) . لقاؤنا هذا اليوم سيكون في تفسير آيات من سورة الفجر، حيث وقفنا على قول الله تبارك وتعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] . الجزء: 65 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد) قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14] الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتوجه إليه الخطاب، يبين الله عز وجل أنه بالمرصاد لكل من طغى واعتدى وتكبر، وأنه سوف يعاقبه ويؤاخذه، وهذا المعنى له نظائر في القرآن الكريم، منها قوله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] وكقول شعيب لقومه: {أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود:89] فسنة الله سبحانه تعالى واحدة في المكذبين لرسله المستكبرين عن عبادته، هو لهم بالمرصاد، وهذه الآية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة الله أو كذب خبره. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه) ثم قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15-16] الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] فيبتلي الإنسان بالخير ليبلوه أيشكر أم يكفر؟ ويبتليه بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر؟ وأحوال الإنسان كما تعلمون جميعاً دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره، وبين شر لا يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله. الإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول: ربي أكرمن؛ يعني: أني أهل للإكرام، ولا يعترف بفضل الله عز وجل عليه، وهذا كقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] لما ذُكر بنعمة الله عليه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] ولم يعترف بفضل الله، وما أكثر الناس الذين هذه حالهم، إذا أكرمهم الله عز وجل ونعمهم قالوا: هذا إكرام من الله لنا؛ لأننا أهل لذلك، ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله، وتحدثاً بنعمته، لم يكن عليه في ذلك بأس، لكن إذا قال: أكرمني، يعني: أني أهل للإكرام، كما يقول -مثلاً- كبير القوم إذا نزل ضيفاً على أحدهم قال: أكرمني فلان؛ لأنني أهل لذلك. {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر:16] يعني: ضيق عليه الرزق {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16] يقول: إن الله تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني كما رزق فلاناً، ولم يكرمني كما أكرم فلاناً، فصار عند الرخاء لا يشكر، يعجب بنفسه ويقول: هذا حق لي، وعند الشدة لا يصبر، بل يعترض على ربه ويقول: ربي أهانن، وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً، أما المؤمن فليس كذلك، أما المؤمن إذا أكرمه الله ونَعَّمَه شَكَرَ ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق، وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب وقال: هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء. وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول -مثلاً-: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر، لماذا ابتلاني الله بالفقر أو بالمرض وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر، فليكن محاسباً لنفسه حتى لا تكون حاله مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (كلا بل لا تكرمون اليتيم) ولهذا قال تعالى: {كَلَّا} [الفجر:17] يعني: لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق، ولكنه تفضل منه، ولم يهنك حين قدر عليك رزقك، بل هذا مقتضى رحمته وعدله. ثم قال تعالى: {بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17] يعني: أنتم إذا أكرمكم الله تعالى بالنعم لا تعطفون على المستحقين للإكرام وهم اليتامى، فاليتيم هنا اسم جنس، وليس المراد يتيماً واحداً بل جنس اليتامى؛ واليتيم كما قال العلماء: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى، وأما من ماتت أمه فليس بيتيم، وقوله: {بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر:17] واليتيم يشمل الفقير من اليتامى والغني، يعني: حتى الغني من اليتامى ينبغي الإحسان إليه وإكرامه؛ لأنه انكسر قلبه بفقد أبيه ومن يقوم بمصالحه، فأوصى الله تعالى به حتى يزول هذا الكسر الذي أصابه. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولا تحاضون على طعام المسكين) ثم قال تعالى: {وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر:18] يعني: لا يحض بعضكم بعضاً على أن يطعم المسكين، وإذا كان لا يحض غيره فهو أيضاً لا يفعله بنفسه، فهو لا يطعم المسكين، ولا يحض على طعام المسكين، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نكرم الأيتام، وأن نحض بعضنا بعضاً على إطعام المساكين؛ لأنهم في حاجة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وتأكلون التراث أكلاً لماً وتحبون المال حباً جماً) قال تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:19-20] (التراث) ما يورثه الله العبد من المال، سواء ورثه عن ميت أو باع واشترى وكسب، أو خرج إلى البر وأتى بما يأتي به من عشب وحطب وغير ذلك، المهم أن التراث ما يورثه الله الإنسان من المال، فإن بني آدم يأكلونه أكلاً لماً. وأما المال فقال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] أي: عظيماً، وهذه هي طبيعة الإنسان، لكن الإيمان له مؤثراته، قد يكون الإنسان بإيمانه لا يهتم بالمال؛ إن جاءه شكر الله عليه وأدى ما يجب فيه، وإن ذهب لا يهتم به، لكن طبيعة الإنسان من حيث هو كما وصفه الله عز وجل في هاتين الآيتين. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يقينا شر أنفسنا إنه على كل شيء قدير. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 65 ¦ الصفحة: 8 صفة الهوي إلى السجود والقيام منه السؤال فضيلة الشيخ! لقد ظهر من بعض المصلين حركة جديدة في الصلاة ما كانت تفعل من قبل، فإن بعض كبار السن إذا هوى إلى السجود اعتمد على يديه أولاً ولكن بوضع ظاهر أصابعه كأنه يعجن -أي: على ظهر ثلاثة أصابع منها- وكذا إذا قام من السجدة الثانية، وأما البعض الآخر من هؤلاء المصلين فإنه إذا قام من جلوس الوسط أو من جلسة الاستراحة وضع كذلك ظاهر أصابع يديه يعتمد عليها ثم يرفع يديه ويضعهما على ركبتيه ويعتمد على ركبتيه في القيام، فما حكم هذه الحركات الزائدة في الصلاة؟ الجواب المشروع للإنسان أن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد ذكر مالك بن حويرث رضي الله عنه: [أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يستوي قاعداً] يعني: يجلس في الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، ويجلس في الركعة الثالثة، ثم يقوم للرابعة، وهذه الجلسة سماها العلماء جلسة الاستراحة، ومالك بن حويرث -أيضاً- ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم [كان إذا أراد أن يقوم اعتمد على يديه] ولكن هل هو على صفة العاجن أم لا؟ فهذا ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، وقد أنكر النووي رحمه الله في المجموع صحة هذا الحديث، أي: أنه يقوم كالعاجن، وبعض المتأخرين صححه. وعلى كلٍ فالذي يظهر من حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يجلس؛ لأنه كبر وأخذه اللحم، فكان لا يستطيع النهوض تماماً من السجود إلى القيام، فكان يجلس ثم إذا أراد أن ينهض ويقوم اعتمد على يديه ليكون ذلك أسهل له، هذا هو الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا كان القول الراجح في هذه الجلسة -أعني: جلسة الاستراحة- أنه إن احتاج إليها لكبر أو ثقل أو مرض أو ألم في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فليجلس، ثم إذا احتاج إلى أن يعتمد عند القيام على يديه فليعتمد على أي صفة كانت، سواء اعتمد على ظهور الأصابع، يعني: جمع أصابعه هكذا واعتمد عليها أو على راحته، أو غير ذلك، المهم إذا احتاج إلى الاعتماد فليعتمد، وإن لم يحتج فلا يعتمد. أما الهوي للسجود فالصحيح أن الإنسان يبدأ بركبتيه قبل يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يضع الإنسان يديه قبل ركبتيه حيث قال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) ونحن نشاهد البعير إذا برك يقدم يديه، وهذا شيء واضح، وقد فهم بعض العلماء أن المراد من ذلك أنه لا يقدم ركبتيه وقال: إن ركبتي البعير في يديه، فإذا قدم ركبتيه عند السجود فقد برك كما يبرك البعير، وهذا الفهم فيه نظر، وجه النظر أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لو قال: على ما يبرك، قلنا لا تبرك على الركبتين، بل قال: (فلا يبرك كما يبرك البعير) فالنهي عن الكيفية والهيئة، وعليه فيكون الرجل إذا قدم يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير. فإن قال قائل: يؤيد الفهم الأول أن في هذا الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) . فالجواب عن هذا أن هذه الجملة لا تصح؛ لأنها لا تتلاءم مع أول الحديث، بل هي منقلبة على الراوي كما حقق ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وعلى هذا فالسجود يكون على الركبتين، فإن احتاج الإنسان إلى أن يضع يديه قبل ركبتيه كما لو كان يشق عليه فلا بأس يضع اليدين قبل الركبتين. وكونه إذا أراد أن ينهض من التشهد الأول يضع يديه على الأرض يعتمد عليها ثم إذا وضع يديه رفع ثم اعتمد على ركبتيه هذه ليس لها أصل ولا أعلم لها وروداً في الحديث. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 9 حكم قول القائل: الله البادي السؤال ما رأيكم في الشاعر الذي يقول في الأغنية التي تذاع: الله البادي ثم أجد بلادي الجواب لا أرى في هذا البيت شيئاً، إذا قال: الله البادي، يعني: الله قبل كل شيء، وهذا يشمل الدين؛ لأن الدين من حق الله، فإذا قال: الله البادي، يعني: الله وشريعته وما يجب الإيمان به وما يجب العمل به قبل كل شيء، ثم بعد ذلك البلاد، هذا ليس فيه شيء، لكني أقول إن الواجب أن الإنسان لا يتعصب لبلده لأنها بلده، فالمهاجرون هاجروا من بلادهم من مكة أفضل بقاع الأرض وتركوا أهلهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ولم يتعصبوا للبلد، لكن من تعصب لبلده لأنها بلد إسلامي، لا لأنه ولد فيها وعاش فيها فهذا لا بأس به، وأما من تعصب للبلد؛ لأنها بلده فهذا فيه شيء من حمية الجاهلية. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 10 حكم منع الإمام من إقامة جماعة ثانية بعد الجماعة الأولى السؤال فضيلة الشيخ! هل للإمام منع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى؟ الجواب ليس للإمام أن يمنع الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى، فإن فعل ذلك فإن هذا أخشى أن يكون معارضة لهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إقامة الجماعة الثانية بعد الأولى إذا كان لعذر، يعني: لم يتقصد المتخلفون أن يقيموا جماعة ثانية، لكن دخلوا ووجدوا الجماعة قد صلوا، فيصلون جماعة، هذا هو السنة، فإن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه فقال: (ألا رجل يقوم فيتصدق على هذا) فقام رجل فصلى معه، وهذه إقامة جماعة بعد جماعة، ثم إنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فالذي قال فيه الرسول أزكى ننهى عنه أو نمنع منه، فعلى هذا الرجل أن يتقي الله عز وجل، وألا يمنع المسلمين مما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام وندب إليه وحث عليه، أما لو اتخذ هذا عادة بأن كان هذا المسجد يصلي فيه هذا الإمام ثم إذا فرغ الإمام جاء إمام ثاني وصلى؛ فهذا بدعة لا شك فيه، ولا ينهى عنه الإمام الأول، وإنما يتولى النهي عنه المسئولون في إدارة الأوقاف أو في شئون المساجد. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 11 حكم الرسوم التي تؤخذ لتجديد الاستمارة أو الرخصة السؤال فضيلة الشيخ! الرسوم التي تؤخذ لتجديد الاستمارة أو الرخصة هل تعتبر من الضرائب؟ الجواب إي نعم. كل شيء يؤخذ بلا حق فهو من الضرائب، وهو محرم، ولا يحل للإنسان أن يأخذ مال أخيه بغير حق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأكل مال أخيك بغير حق؟) ولكن على المسلم السمع والطاعة، وأن يسمع لولاة الأمور ويطيع ولاة الأمور، وإذا طلبوا مالاً على هذه الأشياء سلمه لهم، ثم إن كان له حق فسيجده أمامه وإن كان ليس له حق فقد أخذ منه حق، أقول إذا كان له حق فسيجده أمامه، وإن لم يكن له حق بأن كان الذي أخذ منه على وجه العدل فليس له حق، والمهم أن الواجب علينا السمع والطاعة من ولاة الأمور، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) ولا يجوز أن نتخذ من مثل هذه الأمور وسيلة إلى القدح في ولاة الأمور وسبهم في المجالس وما أشبه ذلك، ولنصبر، وما لا ندركه من الدنيا ندركه في الآخرة. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 12 حكم الدم الذي يخرج من المرأة قبل تخلُّق أربعة أشهر وقبل تخلُّق الجنين السؤال فضيلة الشيخ! امرأة أسقطت من الشهر الأول من بداية حملها فهل تصلي، حيث أن الدم الذي يخرج منها قد يستمر خمسة عشر يوماً أو عشرين يوماً وأنا قرأت فتوى لكم في أحد الكتب تقول: إن هذا الدم الذي يخرج قبل إتمام أربعة شهور وقبل إتمام الجنين يعتبر دم فساد، وأن المرأة تصلي في هذا وأن لها حق الجمع في هذا فما رأي فضيلتكم؟ الجواب رأيي هو ما قرأت، يعني: إذا أسقطت المرأة الحامل لمدة شهر أو شهرين فإن هذا الدم دم فساد، لا يمنعها من صلاة ولا صيام ولا معاشرة زوج، ولها أن تجمع بين الصلاتين إذا شق عليها أن تتوضأ لكل صلاة، والقاعدة في ذلك عند أكثر العلماء: أن المرأة إذا أسقطت جنيناً فإن كان قد تبين فيه خلق إنسان فالدم دم نفاس، يعني: إن كان قد تبين رأسه ويداه ورجلاه فالدم دم نفاس، وإلا فليس دم نفاس بل هو دم فساد، وأقل ما يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان ثمانون يوماً، ودليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح) الحديث. هذه المضغة بين الله تعالى في القرآن أنها تكون مخلقة وغير مخلقة، إذا كانت قبل ثمانين يوماً لا يمكن أن يكون الدم دم نفاس، لماذا؟ لأنه لم يكن مضغة حتى الآن، هو علقة، بعد ثمانين يوماً صار مضغة، وهذه المضغة قد تخلق وقد لا تخلق، لكن إذا بلغ تسعين يوماً فالغالب أنها تكون مخلقة. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 13 احتمال رؤية العبد لربه في المنام دون اليقظة السؤال فضيلة الشيخ! هل رؤية الله عز وجل في المنام جائزة أم لا؟ الجواب رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة غير ممكنة، والدليل على ذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام وهو من أفضل الرسل، وهو أحد أولي العزم الخمسة {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} قال الله له: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} اندك الجبل أمام موسى وهو يشاهد {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] غشي عليه؛ لأنه شاهد شيئاً لا تتحمله نفسه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] فتاب إلى الله من هذا السؤال؛ لأنه سؤال ما لا يمكن، وسؤال الله ما لا يمكن اعتداء في الدعاء، والله عز وجل يقول: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] فتاب إلى الله، فرؤية الله في الدنيا لا تمكن في اليقظة، حتى النبي عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج لم ير ربه، وقد سئل هل رأيت ربك؟ قال: (رأيت نوراً) وفي لفظ (نور أنّى أراه؟!) يعني: بيني وبينه حجب عظيمة من النور، وقد جاء في الحديث في الصحيح أن الله عز وجل محتجب بالنور، فقال: (حاجبه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه) يعني: بهاؤه وعظمته، لو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق كلهم؛ لأن بصره ينتهي إلى كل شيء، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم. وعلى هذا نقول: لا يمكن. أما في المنام فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام، لكن هل لغيره أن يراه؟ يُذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه، وذكر بعض العلماء أن ذلك ممكن، فالله أعلم. لا أدري. وأخشى إن فتح الباب تدخل علينا شيوخ الصوفية وغيرهم ويقول: البارحة رأيت ربي، وجلست أنا وإياه، وتنادمنا وتناقشنا، ثم يجيء من أهل الخزعبلات التي لا أصل لها، فأرى أن سد هذا الباب هو الأولى. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 14 حكم وصف من قتل في المعركة بالشهيد السؤال فضيلة الشيخ! إذا قتل المسلم في أي معركة بين المسلمين والكفار هل نصفه بأنه شهيد؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك، المقتول في الجهاد لا نقول: إنه شهيد، حتى ولو كان بين المسلمين والكفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) فقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يعني: أنه لا علم لنا؛ لكن نرجو أن يكون شهيداً، ولهذا بوب البخاري رحمه الله على هذه المسألة بقوله: (لا يقال: فلان شهيد) وذكر هذا الحديث الذي ذكرته لكم. وذكر صاحب الفتح ابن حجر أثراً عن عمر رضي الله عنه قال: [إنكم تقولون: فلان شهيد، وفلان شهيد، ولعله أن يكون قد غل، ولكن قولوا: فلان قتل أو مات في الجهاد أو كلمة نحوها] لكن مع هذا نرجو للإنسان أن يكون شهيداً إذا علمنا صلاح حاله، وأنه رجل صالح، ولم يقاتل إلا لتكون كلمة الله هي العليا، فنرجو أن يكون شهيداً. ثم إن قولنا شهيد بالنسبة لهذا المقتول لا يستفيد منه؛ لأنه إن كان شهيداً عند الله فهو شهيد، سواء قلنا أو لم نقل، وإن لم يكن شهيداً فإنه لا ينفعه قولنا إنه شهيد، ولكن من قتل من المسلمين في المعركة فإنه يعامل ظاهراً معاملة الشهداء كما هو معروف ظاهراً؛ لأننا في الدنيا نعامل الإنسان على ظاهره، لكن في الآخرة يعامل الإنسان بما في قلبه، ويعطى حكم الشهيد في الأحكام، ولكننا لا نشهد له، الآن ألسنا نصلي على الجنازة الآن نصلي عليه على أنه مسلم، ونعامله معاملة المسلم، والمسلم مآله الجنة، فهل نشهد لهذا الميت بأنه من أهل الجنة؟ لا. فالمعاملة غير مسألة الشهادة. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 15 حكم من ترك إمامة المسجد وإقامة الدروس والمواعظ من أجل السفر لطلب الرزق السؤال فضيلة الشيخ! رجل يقوم بإمامة المسجد وإقامة الدروس والمواعظ وأهل الحي في حاجة إليه، ولكنه ارتحل عنهم لظروف المعيشة، فهل عليه شيء؟ الجواب كأنك تقول: إن هذا الرجل في حيه لا يقوم أحد مقامه، والناس محتاجون إليه، فعلى هذا يكون تعليمه لهذه الطائفة فرض عين، فإذا ارتحل نظرنا إذا كان هناك ضرورة فإن كان في البلد فبإمكانه أن يأتي إلى المسجد الذي هو فيه وإن كان في طرف البلد، وإن انتقل إلى بلد آخر فإذا كان للضرورة فلا شيء عليه، -مثلاً- لو كان سافر لطلب الرزق وهو ليس عنده ما يقيته أهله فلا حرج. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 16 حكم أخذ أهل المقتول ثأرهم بأنفسهم السؤال فضيلة الشيخ! رجلٌ قتل رجلاً آخر ورفع الأمر للدولة، لكن الدولة أفرجت عن هذا القاتل، فهل لأهل المقتول أن يأخذوا بالثأر من ذلك القاتل؟ الجواب الأصل أن الرجل إذا قتل شخصاً عمداً وعدواناً لا شبهة فيه، فالأصل أن الذي يقتله أولياء المقتول؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] لكن العلماء يقولون: لا يتولى هذا إلا السلطان، يعني: رئيس الدولة أو من ينيبه، ومع هذا قالوا: إذا شاء أولياء المقتول أن يباشروا القتل بأنفسهم وقالوا للدولة: نحن نريد أن نقتله، نحن نشفي عليلنا ونروي غليلنا من هذا الرجل فلهم الحق في هذا، أما إذا برأته الدولة فليس لهم الحق أن يقتلوه؛ لأنه يحصل بذلك فوضى، والدولة لا تبرئه إلا بطريق شرعي. السائل: والدولة لم تبرئه بحق؟ الشيخ: أنا أخشى أننا لو قلنا أن لهم أن يقتلوه وهو في الحقيقة غير معصوم الدم الآن، دمه هدر، أخشى إذا قلنا بذلك أن تحصل فتنة، فالواجب أن ينظروا للمصلحة إذا كان يخشى الفتنة أن يكون من قبيلة ثم تثور القبيلة على هذه القبيلة ويحصل دماء، المهم أن ينظروا إلى ما هو أصلح. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 17 الرد على من يقول: إن الأصل في إقامة الجماعة الثانية المنع السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يقول في موضوع إقامة الجماعة الثانية في حديث: (ألا رجل يتصدق على هذا) : إن هذا الحديث فيه متصدق ومتصدق عليه، واللذان تأخرا عن الصلاة فأقاما جماعة ثانية ليس فيهما متصدق، وأيضاً لا تقام الجماعة الثانية؛ لأن الأصل في العبادة المنع؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب من قال إن الأصل في إقامة الجماعة المنع؟ أي حديث يدل على أن هذا ممنوع؟ أنا ما خالفت! هل جاء عن رسول الله حرف واحد يقول: لا تعيدوا الجماعة؟ ما جاء، ثم إذا كان الرسول أمر شخصاً قد صلى وأدى الواجب عليه أن يصلي مع هذا، كيف نؤدي الواجب؟ لأننا الآن نقول: إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة نقول: أنت الآن مطالب بالجماعة، وأنت الثاني مطالب بالجماعة، فإذا كان الرسول أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا، فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة: لا تصل جماعة؟ هذا قياس منقلب. وأما تسميتها صدقة فنعم؛ لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب عليه، فصلاته الثانية تكون صدقة، فهي صدقة بالنسبة لأنه أدى ما وجب عليه، لكن لو كان إقامة الجماعة ممنوعاً ما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة؛ لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم هل هي صدقة أو حرام؟ لا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم لو كان محرماً. فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل، بل أقول: إنه تعليل ميت ما له روح إطلاقاً، لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة، فانصرف وصلى في بيته، هل فعل ابن مسعود حجة مع وجود السنة؟ لا. هذه واحدة. الثانية: هل ابن مسعود رضي الله عنه رجع إلى بيته وصلى؛ لأن الصلاة الثانية لا تقام إلا في المسجد أو لسبب آخر؟ لا ندري، ربما يكون ابن مسعود رضي الله عنه خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من أصحاب الرسول أن يقتدي به الناس، وأن يتهاونوا ويقولون: هذا ابن مسعود رضي الله عنه تفوته الجماعة، إذاً: نحن من باب أولى. ربما كان ابن مسعود رضي الله عنه انصرف إلى بيته يخشى أن يكون في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام: ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛ لأنه يكرهني -مثلاً- فيقع في قلبه شيء. فالحاصل أنه لم يعرف السبب الذي من أجله ترك ابن مسعود رضي الله عنه إقامة الجماعة الثانية، وإذا كنا لا ندري ما السبب دخل المسألة الاحتمال، والعلماء يقولون: إن الدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال، ولكن كما قلت أولاً: عندنا حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر بإقامة الجماعة الثانية فيمن فاتت وقال: (إن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده) وهذا عام، ما قال إن من دخل مع صاحبه بعد أن انتهت الصلاة، ولهذا أنا أود من طلبة العلم ألا يأخذوا العلم من رجل واحد، أو يعتقدوا أنه معصوم من الخطأ، لا أحد معصوم، لو كان أحداً معصوماً لكان أول من يُعصم الصحابة رضي الله عنهم وهم يقع منهم الخطأ. وعلى كل حال الذي نرى أن إقامة الجماعة الثانية أنها من السنة، وأما جعل ذلك أمراً راتباً فهذا هو الذي يكون من البدعة، كانوا فيما سبق في المسجد الحرام يصلي أربعة أئمة؛ إمام للحنابلة، وإمام للشافعية، وإمام للمالكية، وإمام للحنفية، لكن لما استولى الملك عبد العزيز رحمه الله على مكة وعلى الحجاز ألغى هذا وقال: ما يمكن مسجد واحد يكون فيه أربعة أئمة. لا يمكن. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 18 التصحيح في مسألة نقض الوضوء بمس الذكر أو عدم نقضه السؤال هل مس الذكر ينقض الوضوء؟ وهل يكون المس بظاهر الكف أم بالباطن؟ الجواب مس الذكر الصحيح أنه لا ينقض الوضوء، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، لحديث طلق بن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (سأل أو سأله طلق عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ قال: لا) والمس لابد أن يكون من دون حائل؛ لأنه إذا كان بحائل لم يكن مساً، لكن مع ذلك نقول: الأفضل أن يتوضأ، والدليل على هذا حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) وهذا هو الجمع بين حديثها وحديث طلق بن علي. السائل: إذا مس ذكره من غير قصد؟ الشيخ: لا بأس، -مثلاً- رجل توضأ ثم اغتسل وفي أثناء اغتساله مس ذكره، نقول: لا حرج عليه، ولا يجب عليه إعادة الوضوء، كذلك لو كان الرجل توضأ ثم لما أراد أن يربط سرواله مس ذكره أيضاً لا يضر ولا ينتقض الوضوء بذلك. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 19 الجمع بين قول السلف في المعية وقول ابن تيمية السؤال فضيلة الشيخ! المعهود عن السلف أنهم يفسرون المعية بالعلم، فيقولون في مثل قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] قالوا: أي بعلمه، وتفسيرهم المعية بالعلم إنما لقرينة السياق والسباق، كما سئل علي بن المديني عن قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ} [المجادلة:7] فقال: اقرأ ما قبله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [المجادلة:7] السؤال: كيف نوفق بين ما قاله السلف وبين ما قاله شيخ الإسلام في أن المعية حقيقية؟ الجواب الواقع أنه لا منافاة بين القولين؛ لأن السلف فسروها بلازمها، فإن من لازم المعية أن يكون عالماً بالخلق، سامعاً لهم، مبصراً لهم، له السلطان عليهم، كل ما تتضمنه الربوبية داخل في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] وتفسير الكلام باللازم لا بأس به، لا سيما وأنه فيما سبق كان قد فشا مذهب الجهمية الحلولية، الذين يقولون: إن الله معنا بذاته فيما كان في الأرض، ولهذا قال عبد الله بن المبارك: (ولا نقول: إنه هاهنا في الأرض) . أي: كما تقول الجهمية، ومن المعلوم أن عامة الناس لا يتصورون معنى المعية حقيقة مع علو الله عز وجل، فكان أقرب ما يكون لأفهامهم أن يقال أنها هي العلم، وكذلك السمع والبصر وما أشبه ذلك، والتفسير باللازم لا بأس به. فالعامة لا يعرفون، وكما قلت لك أنه شاع مذهب الجهمية هناك، لو قلت -مثلاً- للعامة الذين شاع عندهم مذهب الجهمية: أن الله بذاته في الأرض، وقلت: معنا حقاً ماذا سيفهم؟ يفهم أنه في الأرض، لكن لو قلت معنا يعني: يعلمنا؛ والذي يعلمك كأنه معك، يسمعنا؛ والذي يسمعك كأنه معك، ويبصرنا؛ والذي يبصرك كأنه معك، فلهذا فسروها باللازم، وإلا فقد احتج الأشاعرة وغيرهم من المعطلة على أهل السنة قالوا: كيف تقولوا وهو معكم تقولوا وهو يعلمكم؟ بل هو معنا وهو في السماء ولا مانع؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء بالسماوات السبع والأرضين السبع، كلها في كف الرحمن كأنها خردلة في كف أحدنا، ولا مانع أن يكون الشيء معك وهو في السماء، وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله مثلاً لذلك في العقيدة الواسطية، وفي الفتوى الحموية بأن العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، أو ما زلنا نسير والنجم الفلاني معنا، ومعلوم أن القمر في السماء وكذلك النجم، فهذه عبارة عربية معروفة. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 20 الضابط في البدعة السؤال ما هو تعريف البدعة؟ وهل ما خالف الكتاب والسنة يسمى بدعة حسنة؛ لأن شيخ الإسلام يقول: ما خالف الكتاب فهو بدعة، وما لم يعلم أنه خالف فقد لا يسمى بدعة؛ لأننا نجد بعض الجماعات يغلون مثلاً في الأذكار، يعني: في أذكار معينة -مثلاً- في الصباح أو في السماء فيزيدون في هذه الأذكار، فهل هذه تسمى بدعة؟ الجواب ضابط البدعة -بارك الله فيك-: أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه الله، هذا الضابط، لا أن يفعل ما لم يشرعه الله، أن يتعبد، فالبدعة تتعلق بالعبادة، وإنما غير العبادة فما لها تعلق بها، فإذا تعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل قلنا: هذه بدعة، أما إذا كان من الأمور غير التعبدية فابتدع ما شئت، ولا أحد يقول: هذه بدعة، ولهذا الآن عندنا ابتداعات كثيرة في الأمور العادية أليس كذلك؟ نكتب بالكمبيوتر الآن وبالآلات الكاتبة، ونسجل في المسجل، وهذا ليس معروفاً في عهد الصحابة، لكن هذا ليس تعبداً، ولكن من الأمور العادية والوسائل. أما التعبد لله مثل الذين يتعبدون لله تعالى بتنزيهه عن صفاته التي وصف الله بها نفسه هؤلاء مبتدعة، يتعبدون لله تعالى بإثبات المثيل له فيقولون: نحن نؤمن بالصفات على أنها مماثلة لصفاتنا هؤلاء مبتدعة أيضاً. فالضابط في البدعة إذاً ما هو؟ (التعبد لله بما لم يشرعه الله من عقيدة أو قول أو عمل، سواء كان في أصل العبادة أو في كيفيتها) فلو صلى أناس جماعة ثم قالوا: سنذكر الله عز وجل بأذكار الصلوات جميعاً، نقول جميعاً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، قلنا: هذه بدعة، بدعة بماذا بأصل العبادة أو بكيفيتها؟ بكيفيتها. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 21 حكم من وجد مالاً وغلب على ظنه أنه مغصوب السؤال حكم من وجد مالاً وغلب على ظنه أنه مغصوب، ولم يعرف صاحبه حتى يعيده إليه؟ الجواب بأي شيء غلب على ظنه أنه مغصوب؟ السائل: قرائن علمها أن هذا المال مغصوب. الشيخ: ألا يمكن أن يكون صاحبه باعه؛ لأنه ربما يكون من القرائن عنده أنه عارف أن هذا المال لفلان، فيمكن يكون باعه. على كل حال، نجيب على هذا: إذا وجد الإنسان مالاً لقطة وغلب على ظنه أنه مغصوب نقول: ابحث عن صاحبه، ولا تجعل ظنك يغلب على أنه مغصوب، اجعل ظنك يغلب على أنه ضائع من صاحبه، لكن اللقطة لماذا تحملها أنها مغصوبة؟ احملها على أنها ضائعة من صاحبها وابحث عن صاحبها، المهم بارك الله فيك إذا وجدت لقطة فانشدها سنة كاملة، إن جاء صاحبها وإلا فهي لك. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 22 حكم من دخل المسجد فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب السؤال تأخر أناس عن صلاة المغرب وأدركوا أن الإمام في صلاة العشاء فهل يصلون المغرب جماعة أم يدخلون مع الإمام؟ وكيف يكون وضع حالهم في الصلاة جزاك الله خيراً؟ الجواب الصحيح أن الإنسان إذا جاء والإمام في صلاة العشاء سواء كان معه جماعة أم لم يكن أنه يدخل مع الإمام بنية المغرب، ولا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فإن دخلوا معه في الركعة الثانية سلموا معه؛ لأنهم يكونون قد صلوا ثلاثاً، ولا يضر أن يكونوا جلسوا في الركعة الأولى، وإن دخلوا معه في أول ركعة، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا للتشهد وسلموا، ثم دخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، هذا القول أحسن الأقوال. القول الثاني في المسألة: أن يدخلوا معه بنية العشاء، ثم يصلون المغرب. القول الثالث: أن يصلوا وحدهم صلاة المغرب، ثم يدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء، القولان الأخيران فيهما محذور: أما الأول فمحذوره فوات الترتيب، حيث قدم صلاة العشاء على صلاة المغرب. وأما الثاني فمحذوره إقامة جماعتين في مسجد واحد في آن واحد، وهذا تفريق للأمة. القول الأول الذي ذكرنا أنه الصحيح فيه محذور وهو تسليم قبل أن تسليمهم إمامهم، هذا في الحقيقة ليس فيه محذور؛ لأنه ورد انفراد المأموم عن الإمام في مواضع من السنة، منها صلاة الخوف، فإن الإمام يصلي بهم ركعة ثم يتمون لأنفسهم وينصرفون، ومنها قصة الرجل الذي دخل مع معاذ بن جبل رضي الله عنه فلما بدأ بسورة البقرة أو سورة نحوها انفصل عنه ولم يكمل معه، ومنها أن العلماء قالوا: لو أن الإنسان في أثناء الصلاة وهو مأموم ثارت عليه الريح -الغازات- أو احتاج إلى نقض الوضوء ببول أو غائط فإنه لا بأس أن ينوي الانفراد ويكمل صلاته وينصرف، فصارت الأقوال ثلاثة أحسنها أن يدخل الناس مع الإمام في صلاة العشاء وينوون هم صلاة المغرب، ثم إن دخلوا في الركعة الثانية سلموا معه وإن دخلوا في الركعة الأولى، فإذا قام إلى الرابعة جلسوا وتشهدوا وسلموا ثم دخلوا مع الإمام في بقية العشاء. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 23 حكم من ترك الإحرام من الميقات جهلاً بالحكم السؤال أحد الإخوة المقيمين في جدة بطبيعة العمل العسكري انتقل إلى الرياض ومكث ثلاث سنين، ويأتي إلى جدة ويعتمر، فله تقريباً عشرين عمرة وحجتين، فهو أحياناً ينوي أنه سيعتمر من الرياض ويأتي إلى جدة ثم لا يحرم من الميقات، وأحياناً لا يكون بالقصد أنه سيعتمر فيأتي إلى جدة ثم بعد ذلك ينوي العمرة، ثم بعد ذلك انتقل إلى الأحساء وأيضاً مكث فيها سنة وهو لا يدري أنه يحرم من الميقات ظناً منه أنه لا شيء فيه، فما حكم عمراته وحجتيه؟ وهل عليه شيء في ذلك؟ الجواب أما العمرات والحجتان فهي صحيحة، غاية ما هنالك أن العمرات التي أحرم فيها من غير الميقات وقد تجاوز الميقات وهو ينوي العمرة فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء مع القدرة، وأما مع العجز فلا شيء عليه. وكذلك يقال في الحج إن كان لم يحرم إلا من جدة، أما لو كان تجاوز الميقات وهو لا ينوي العمرة أو متردد هل يعتمر أم لا؟ ثم لما وصل إلى جدة أنشأ النية، فهذا يحرم من جدة ولا شيء عليه. السائل: إذا كان لا يدري كم مرة ترك الإحرام؟ الشيخ: هذا يبني على اليقين وهو الأقل، فإذا قدر أنه ترك الإحرام من الميقات عشر مرات أو ثمان مرات جعله ثمان مرات. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 24 اختلاف العلماء في اعتبار زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب السؤال رجل رضع من زوجة أخيه رضاعاً كاملاً، هل يجوز للأخ من النسب -الأب من الرضاعة- أن يسلم على زوجة أخيه وابنه من الرضاعة؟ الجواب يعني: هل زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب؟ معلوم أن زوجة الابن من النسب محرم لأبيه، أما زوجة الابن من الرضاع ولو كان أبوه من الرضاع أخاً له هذه فيها خلاف بين العلماء، فأكثر العلماء على أن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب، يعني: أنها محرم لأبيه من الرضاعة، وتكشف له؛ لأنه محرم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها ليست بمحرم، وكل منهم استدل بالحديث نفسه، الذين قالوا: إن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وشيخ الإسلام رحمه الله الذي قال: إن زوجة الابن من الرضاع ليست كزوجة الابن من النسب، وأنها ليست محرم لأبيه من الرضاع، وأنه يجب عليها أن تحتجب عنه، ولا يجوز أن يخلو بها، استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) واستدل بقوله الله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] أيهما في نظركم أقرب؟ السائل: النسب. الشيخ: كيف يكون أقرب وزوجة ابنه من النسب حرام؟ إذاً: زوجة الابن من الرضاع حرام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . نسأل: زوجة الابن هي حرام على أبيه من النسب أو حرام من الصهر؟ من الصهر، ليس بينه وبين أبيه نسب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) وزوجة ابنك ليست حرام عليك من جهة النسب، لكن حرام عليك بالصهر؛ لأنه لا نسب بينك وبينها، ولهذا كان رأي شيخ الإسلام رحمه الله عندي هو الراجح، وأن زوجة الابن من الرضاع ليست محرماً، وزوجة الابن من النسب ليست محرماً من جهة النسب، أما الآية التي استدل بها شيخ الإسلام {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] فجمهور العلماء الذين يقولون: إن زوجة الابن من الرضاع كزوجة الابن من النسب يقولون: هذه الآية قيدت احترازاً من ابن التبني، فنقول: إن ابن التبني ليس ابناً حتى يحترز منه، فهو غير داخل بالبنوة إطلاقاً، حتى يأتي بقيد يخرجه، فالصحيح عندي ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. الجزء: 65 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [66] يوصي الشيخ إخوانه المسلمين بوصايا منها: تقوى الله تعالى، وقد تضمنت الإخلاص في كل العبادات، وأن الإخلاص لا يكون إلا بالمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتضمنت أيضاً الإشارة إلى الحرص على هداية الناس وإرشادهم إلى طلب العلم وترك ما لا ينفع، وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وأوصى كذلك بترك الغيبة لما لها من فساد كبير على الفرد والمجتمع، وأن أشد الغيبة هي غيبة العلماء وأولياء الأمور لما يلحقها من ضرر كبير وشر مستطير، وبعد الوصية توجه الشيخ للإجابة عن الأسئلة. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 1 التقوى بين التصور والتطبيق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس، العشرون من شهر صفر لعام (1415هـ) . كان من المعتاد في لقائنا لهذا اليوم أن نسير في تفسير القرآن الكريم، وكان منتهى وقوفنا في أثناء سورة الفجر؛ ولكن نظراً إلى كثرة الإخوان هذا اليوم فإننا نحب أن نضع وصايا هامة تهم المسلمين عموماً. فنقول: أول ما نوصي أنفسنا وإياكم به هو: تقوى الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ، فهذه وصية الله للأولين والآخرين، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي أن يتخذ الإنسان لنفسه وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يقيك من عذاب الله؛ لا يقيك من عذاب الله أبٌ، ولا ابنٌ، ولا قريبٌ، ولا مالٌ، ولا جاهٌ، ولا يقيك من عذاب الله إلا تقوى الله عزَّ وجلَّ، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] . فتقوى الله سبحانه وتعالى: القيام بأوامره، واجتناب نواهيه. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 2 من تقوى الله: الإخلاص لله ومن أهم أوامره، بل هو أهم أوامره: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، فكل ما تعمله متقرباً به إلى ربك لا بد أن يكون خالصاً لله، فإذا أشركت مع الله غيره ردَّه الله عليك؛ لأن الله يقول في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه) ، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7] . فتخلص لله عزَّ وجلَّ في طهارتك، وصلاتك، وزكاتك، وصومك، وحجك، وبرك لوالديك، وصِلَتك لأرحامك، وإحسانك إلى جيرانك. تخلص لله تعالى في طلب العلم؛ بألا تبتغي به جاهاً، ولا رئاسة، ولا تريد أن تجاري به العلماء، أو تماري به السفهاء، بل تريد بذلك إحياء شريعة الله عزَّ وجلَّ، ورفع الجهل عن عباد الله وعن نفسك، والدفاع عن شريعة الله؛ لأن شريعة الله تعالى مستهدفة؛ من حين خرجت في مكة إلى يومنا هذا وهي مستهدفة، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] ، فكل نبيٍّ له عدو، وكل أتباعِ نبيٍّ لهم أعداء، ولا بد. فهذه سنة الله عزَّ وجلَّ، وليس الدرب مفروشاً بالورود والزهور، بل الدرب صعب وشاق، ولا بد أن يجعل الله عزَّ وجلَّ بحكمته للحق مضاداً من أجل أن يُعْرَف الحق ويظهر ناصعاً غالباً على الباطل، ومن أجل أن يعلم الله المجاهدين منا والصابرين. إذاً لا بد من الإخلاص في طلب العلم، فتخلص لله عزَّ وجلَّ في امتثال أمر الله باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أنك تخلص اتباعاً للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ بأن لا تزيد في شريعته ما ليس منها، ولا تُنْقِص من شريعته ما كان منها، فالناقص من الشريعة مُقَصِّر، وقد يكون فاسقاً، والزائد مبتدع؛ فالدين كامل لا يحتاج إلى ابتداع. فلا بد من إخلاص المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك نحقق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 3 من تقوى الله: الحرص على هداية عباد الله ومن تقوى الله سبحانه وتعالى أن تحرص غاية الحرص على هداية عباد الله: وذلك بنشر العلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأن تبين لهم طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وأن ترشد الناس إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قوله: (مِن حُسْن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه) ، أي: ما لا يهمه. فإذا رأيت الإنسان كادحاً إلى الله عزَّ وجلَّ، مشتغلاً بما يهمه عما لا يهمه، وليس له هم إلا ما يقرب إلى الله، فاعلم أن ذلك من حسن الإسلام. وإذا رأيت إنساناً يهتم بأمور لا حاجة إليها، وليس معنياً بها، وأن أكثر أوقاته في القيل والقال، وكثرة السؤال، فاعلم أن ذلك من نقص إسلامه، ومِن ثَمَّ (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قيل وقال، وكثرة السؤال) ؛ لأن ذلك يضيع الوقت. وإذا مُرِضَ الإنسان بهذا المرض ضاع عليه وقته، فصار يجلس إلى هذا ويقول: ما الذي حدث؟! ماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! ثم إلى الثاني ويقول له كذلك، ثم إلى الثالث، والرابع، وهكذا يضيِّع أوقاتَه، وأوقاتَ غيره. ولكن ينبغي للإنسان أن يسير على ما يهمه ويعنيه، ولا بأس أن يسأل إذا دعت الحاجة إلى السؤال عما حدث، وعما يكون في المجتمع، من أجل مداواته، وإزالة المرض، لا من أجل أن يشمت بالغير، أو أن يجعل ذلك مثاراً للشقاق والنزاع، كما يوجد من بعض الناس الآن؛ حيث أن بعض الناس له نية طيبة، لا يُتَّهَم؛ لكنه مسكينٌ ابتُلي بهذا المرض وهو أن لا يكون له هَمٌّ إلا القيل، والقال، وماذا قال فلان؟! وماذا قال فلان؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! وماذا قالت الطائفة الفلانية؟! لا لأجل أن يداوي المرض ويزيل الشقاق؛ ولكن ليشمت، أو ليقول كما يقول الصبيان: أنت مع هؤلاء أم مع هؤلاء؟! فلم نعهد هذا التجمُّع والتحزُّب إلا عند الصبيان. لذلك أوصيكم بالتخلي نهائياً عن هذه الأمور؛ لأنه لا يخدم المصلحة، بل يضيع الأوقات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وعن إضاعة الوقت في القيل والقال، وكثرة السؤال. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 4 الغيبة وآثارها السيئة على الأمة الجزء: 66 ¦ الصفحة: 5 تعريف الغيبة لو سألتكم: ما هي الغيبة؟ لكان الجواب (ذكرُك أخاك بما يكره) هكذا عرَّفها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أعرف الخلق بمعاني كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى قال في كتابه: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] ، (قيل: ما الغيبة يا رسول الله؟ قال: ذكرُك أخاك بما يكره -سواء كان ذلك في خُلُقه، أو معاملته، أو بدنه وخِلْقَته، أو أي شيء يكرهه أخوك؛ إذا ذكرتَه به في غَيْبَته فهذه هي الغيبة- قيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) أي: بَهَتَّه مع الغيبة، والرسول عليه الصلاة والسلام -وانتبهوا لهذه القاعدة- يذكر أخص الوصف مع اشتمال الموصوف عليه وعلى غيره، فهنا عندما قال: (فقد بَهَتَّه) هل يعني: لَمْ تَغْتَبْه؟! لا. بل يعني: فقد بَهَتَّه مع الغيبة. ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: (وددتُ أنَّا رأينا إخوانَنا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي. وإخواني قومٌ يأتون مِن بعد يؤمنون بي ولم يروني) ، جعلني الله وإياكم من إخوانه. فهنا قال: (أنتم أصحابي) ، وقال عن الذين يأتون من بعده: إنهم إخوانه، فهل المعنى: أنتم أصحابي ولستم إخواني؟! لا. بل هم أصحابه وإخوانه؛ لكن الصحبة أخص من الأخوة. كذلك لما قال عن الغيبة: (ذكرُك أخاك بما يكره، فقيل: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) فإن معنى بَهَتَّه أي: بَهَتَّه مع الغيبة. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 6 خطورة انتشار الغيبة في أوساط الناس ونحن نرى بعض الناس الآن يشيعوا أقوالاً عن أشخاص معينين، بل يشيعوا أقوالاً أو أفعالاً عن علماء ما قالوها ولا فعلوها، بل يشيعوا أقوالاً وأفعالاً عن ذوي السلطة وذوي الأمر ما قالوها ولا فعلوها. وغيبة ولاة الأمور من العلماء والأمراء الحُكَّام من الملِك والوزير وغيرهما أشد من غيبة عامة الناس؛ لأن غيبة ولاة الأمور تحدث الكراهة لولي الأمر، وإذا كره الإنسان ولي أمره صار لا يخضع لقوله، وصار ولي الأمر لا يفعل شيئاً حسناًَ إلا كان غائباً عن بصر هذا الإنسان، ولا يفعل سيئة واحدة إلا كانت في بصره وقلبه، لماذا؟! لأنه يبغضه ويكرهه بما نُشر من الأشياء، وقد قال الشاعر الحكيم: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تُبْدِي المَساوِيا فالإنسان الساخط لا تظن أنه سينشر حسنة لمن هو ساخط عليه؛ لكن هذا الساخط المبغض ينشر كل السيئات، ويسكت عن الحسنات، وكأنها ما حصلت. فغيبة ولاة الأمور تُحْدِث كراهةَ ولي الأمر وبُغضَه وعدمَ الانصياع لأمره، وتجعل حسناته سيئات، وهذا خطير على المجتمع كله؛ لأن الأمور إذا أصبحت فوضى لا زمام لها فَسَدَ النظام، وتفرقت الأمة، وهل إذا نشرنا مثلاً مساوئ ولاة الأمور، هل هذا يُصْلِح من الحال شيئاً؟ لو كان يُصْلِح لكان طيباً؛ لكنه لا يُصْلِح، بل يزيد الأمر شدة، ويزيد ولي الأمر انتباهاً فيقع فيما لا يحق له أن يقع فيه من اتهام بعض البرآء بأمر هم منه بريئون، ويحصل بذلك شر على الناشر للمساوئ وعلى غيره. وهل الغيبة ذنب سهل، أو أنها من كبائر الذنوب؟! بل من كبائر الذنوب. يقول ابن عبد القوي في منظومته الدالية الفقهية: وقد قيل صُغْرى غيبةٌ ونميمةٌ وكلتاهما كُبْرى على نص أحمد أي: أحمد بن حنبل رحمه الله. فالغيبة من كبائر الذنوب، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] ، من يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، هل أحدٌ يحب هذا؟! لا أحد يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وشبَّه الله الغيبة بأكل لحم الميت، لأن المغتاب ليس بحاضر ليدافع عن نفسه، كالميت إذا أكلتَه فهو ميت لا يدافع عن نفسه، وهذا تشبيهٌ بأقبحِ ما يكون، مما يدل على أن الغيبة مكروهة عند الله عزَّ وجلَّ، ويجب أن تكون مكروهة عند العاقل؛ لأنه تعالى قال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] . الجزء: 66 ¦ الصفحة: 7 خطورة غيبة العلماء كذلك غيبة العلماء، والعلماء ليسوا معصومين بلا شك، ولا أحد يُعْصَم إلا واحدٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما منا إلا ويؤخذ من قوله ويُتْرك إلا صاحب هذا القبر يشير إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وصَدَقَ رحمه الله؛ كُلٌّ يُخْطِئ، حتى الإنسان نفسه يعرف خطأه أحياناً إذا قال قولاً ثم بَحَثَ أو نوقِش فيه، وتبيَّن أنه مخطئ. لكن هل من جزاء العلماء الذين أتْعَبوا أنفسهم في تحصيل العلم ولم يدَّخروا وُسْعاً في نشره بين الأمة أنهم إذا أخطئوا خطئاً واحداً أن يُنْشَر خطأهم ويُسْكَت عن محاسنهم؟! الجواب لا والله. ليس من جزائهم، وليس هذا من العدل، ولا من القسط، بل العدل أن توازن بين الحسنات والسيئات، فإذا رَجَحَت الحسنات على السيئات فالإنسان من المحسنين، هذا إذا تقاربت السيئات مع الحسنات، فكيف إذا كانت السيئة واحدة في مقابل آلاف الحسنات؟! لكن بعض الناس والعياذ بالله يتخذ من الخطأ الواحد ذريعة للسب، والقيل والقال، ويضيف إلى هذه السيئة سيئات أخرى. وهذا لا يجوز أبداً بأي حال من الأحوال. واعلموا أن الناس إذا قلَّت ثقتهم بالعلماء فليس معنى هذا أنه إساءة إلى العالِم شخصياً فحسب، بل هو إساءة إلى العالِم وإلى ما يحمله من الشريعة؛ فإذا نزل العالِم من أعين الناس ما قبلوا قوله، وردوه ولو كان أوضح من الشمس؛ لأن الثقة نُزِعت منهم، ولولا ثقة الناس بعضِهم ببعض ما انتفع أحدٌ من أحد أبداً، حتى الإنسان الذي تريد أن تعامله معاملة فتبيع له وتشتري منه إذا لم تثق به هل تعامله؟! لا. لذلك أوصيكم بأن تحرصوا غاية الحرص على تجنُّب القيل والقال، وعلى أن يشتغل الإنسان بما يهمه عما لا يعنيه؛ لأن ذلك من حسن إسلام المرء، كما نطق به الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم ممن كفى الناسَ شرَّه، وكفاه شرَّ الناس، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يتقبل منا ومنكم. وأبشركم بأن حضوركم إلى هذا المجلس داخلٌ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . نسأل الله لنا ولكم الإخلاص. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 66 ¦ الصفحة: 9 حكم الاحتفال بمولد النبي أو بغيره من الموالد السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا فضيلة الشيخ! ما حكم الإسلام في إقامة الموالد سواء كانت لموالد لمشايخ أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لكن أنبهكم أنه لا سلام من جالس ليسأل، إنما السلام للقادم، وأما إذا كان جالساً ويسلم فما السبب؟! كان الصحابة يسأل الواحد منهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يسلِّم، ولا يقول له الرسول: لماذا لم تسلِّم؟ فالسلام للقادم يا أخي. أما قولك: ما حكم الإسلام فأنا أريد أن تصحح هذه العبارة أيضاً، فلا توجه سؤالاً لشخص يخطئ ويصيب فتقول: ما حكم الإسلام لأنه إذا أخطأ صار الخطأ من الإسلام؛ ولكن قل: ما ترى في كذا؟ أو ما حكم الإسلام في نظرك في كذا؟ فأنا أقول: أرى أن إقامة الموالد تعظيماً للمولود من البدع التي لم تَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت تتعلق بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو بغيره من العلماء أو من العُبَّاد. وهناك دليلٌ سهل جداً يدل على أن إقامة الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو: أن نسأل: هل أنتم أيها المقيمون للاحتفال أشد حباً لرسول الله من صحابة رسول الله؟! إن قالوا: نعم. قلنا: كذبتم! وإن قالوا: لا. الصحابة أشد حباً. سألنا أولاًَ: هل أقمتم هذا حباً للرسول أم لا؟! إن قالوا: حباً للرسول، قلنا: لماذا لم يُقِمْه مَن هو أشد حباً منكم للرسول؟! أهم في غفلة من هذا، أم في تساهل، أم في جهل؟! الجواب: كل هذا لم يكن. فإن قالوا: نقيم ذلك لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلنا: سبحان الله! هل أنتم تستدركون على الإسلام؟! إن قالوا: نعم. فالمسألة خطيرة وكبيرة، ومعنى ذلك: أن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] ليس بصحيح؛ لأنهم بهذا استدركوا على الإسلام. وإن قالوا: لم نستدرك على الإسلام، قلنا: إذاًَ في ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما شرعه الإسلام كفاية. رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكر في كل عبادة بلسان الحال أو بلسان المقال، فأنت تذكر الرسول بلسان الحال أم بلسان المقال. الأول: بلسان الحال: كل عابد لله يعبد الله عزَّ وجلَّ إخلاصاً له واتباعاً لرسوله، إذاًَ: أنا أشعر حينما أفعل العبادة أنني متبع للرسول، هذه ذكرى أم غير ذكرى؟! الجواب: ذكرى. الثاني: أو بلسان المقال: ننظر إلى الوضوء: إذا فرغ الإنسان من وضوئه ماذا يقول؟! الجواب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وفي الصلاة: فرض علينا أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أين هذا الفرض؟! الجواب: في التشهُّد. وفي النداء للصلاة: مفروضٌ علينا أن نقول: أشهد أن محمداً رسول الله. إذاً: ما شرعه الله ورسوله مما يكون فيه ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما ابتدعه هؤلاء، وبهذا نعرف أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل بدعة ضلالة، لا سيما وأن هذا الاحتفال لا يخلو من طوام؛ إذْ يقال لنا: إنه يكون فيه اجتماع واختلاط بين الرجال والنساء. هذه واحدة، وهي فتنة. ويقال أيضاً: إنهم يأتون بالقصائد التي فيها الغلو والمبالَغة، وأحسن ما عندهم من القصائد أشدها مبالغة، فمثلاً قصيدة البردة للبوصيري هي أحسن ما يتغنون به، وفيها من الكفر الصريح ما هو ظاهر، يقول البوصيري في هذه القصيدة: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العَمِمِ أي: إذا حصل حادثٌ عام كزلزال وصواعق وما أشبه ذلك فما لي مَن ألوذ به إلا أنت، ماذا تقولون في هذا البيت؟! الجواب: شرك. من الذي يُلاذ به عند حلول الحوادث العامة؟! الرب عزَّ وجلَّ، فالحادث الخاص ربما ألوذ بشخص وأقول له: تعال يا فلان، أنقذني من الغرق، أو أخرج هذا الذي انقلبت به السيارة من تحت السيارة؛ لكن الحوادث العامة لا يُرجى فيها إلا الله. ثم قال أيضاً من جملة ما قال في هذه القصيدة: فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها.. .. . ما ضرة الدنيا؟ الآخرة. (مِن) للتبعيض، أي: أن هناك جوداً آخر غير الدنيا والآخرة. فإن مِن جودك الدنيا وضَرَّتَها ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلمِ أيضاً من علومه: علم اللوح والقلم، وهناك علوم أخرى أيضاً فوق التي في اللوح والقلم يعلمها الرسول. ماذا تقولون في هذا؟! الجواب: إنكار لملك الله، -أي: إذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول فماذا بقي لله؟! لم يبق شيء. فهذا مما يحدث في الموالد. فلذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا أهل بلادهم عن هذه الاحتفالات، وأنه ليس فيها إلا التعب البدني والمالي، والضلال، فكل بدعة ضلالة. أما الاحتفال بمولد الإنسان العادي فهذا ليس احتفالاً دينياً، وإنما هو احتفال عادي، ومع ذلك نرى أن لا يُفْعَل؛ لأنه قد يُتَّخَذ ذريعة إلى الاحتفال التعبدي وهو الاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: إذا كنتُ أحتفل بمولد ابني وهو مَن هو بالنسبة للرسول، فاحتفالي بمولد الرسول من باب أولى. لهذا نرى الكف عن الاحتفال بالموالد مطلقاًَ، سواءً كان ذلك للتعبُّد أو لغير التعبُّد. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 10 حكم دخول الرجل للصلاة خلف من يصلي بنية الانفراد أو مَن فاته من إمامه بعض الصلاة السؤال إذا صلى الإنسان منفرداً بنية أن يكون منفرداً، فجاءه شخص آخر فصلى معه، أو أن الإنسان صلى مع الإمام؛ لكنه لم يدرك إلا التسليم، فأدرك الصلاة بالتسليم، فأكمل الصلاة، فجاءه شخص آخر فأتم به، فهل يجوز هذا؟ الجواب إذا شرع الإنسان في الصلاة منفرداً، ثم جاء آخر وصلى معه فلا بأس سواء في الفريضة أو في النافلة. أما في النافلة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، وذلك حين بات عنده عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل وحده، فقام ابن عباس وصلى معه فأقَرَّه، وما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة إلا بدليل. وأما المسألة الثانية: وهي ما إذا دخل إنسان مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة، ثم قام ليأتي بما بقي فدخل معه آخر فهو أيضاً لا بأس به؛ لكن في هذه الثانية الأفضل تركه؛ لأن ذلك ليس من هدي الصحابة أن الواحد إذا قام يقضي صلى معه آخَرُ جَمَاعةً. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 11 التفصيل في القيام للجنازة ورفع اليدين عند التكبير السؤال ما هو القول الراجح في القيام للجنازة ورَفْع اليدين عند التكبير؟ الجواب الراجح في هاتين المسألتين أن الإنسان إذا مرت به الجنازة قام لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك وفعله أيضاًَ؛ لكنه بعد هذا لم يقم، بل قام ثم قعد. والجمع بين فعله وتركه: أن قعوده ليبين أن القيام ليس بواجب. وأما رفع اليدين في تكبيرة صلاة الجنازة فالصحيح أنه يكون في كل التكبيرات؛ لأنه صح عن ابن عمر موقوفاً، ورُوي عنه مرفوعاً، وقد صحح رفعه جماعةٌ من أهل العلم. فالصواب أن اليدين ترفعان في كل تكبيرة. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 12 تحريم الدخول بالمصحف إلى الحمام السؤال فضيلة الشيخ! حفظكم الله وجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين! ما حكم دخول المصحف إلى الحمام؟ وهل يقاس عليه الأشرطة الإسلامية المسجل عليها القرآن الكريم؟ الجواب دخول المصحف إلى المرحاض والأماكن القذرة صَرَّح العلماء بأنه حرام؛ لأن ذلك ينافي احترام كلام الله سبحانه وتعالى، إلا إذا خاف أن يُسْرق لو وضعه خارج المرحاض، أو خاف أن ينساه فلا حرج. وأما الأشرطة فليست كالمصحف؛ لأن الأشرطة ليس فيها كتابة؛ لكن غاية ما هنالك أن نبرات في الشريط إذا مرت بالجهاز المعين ظهر الصوت، فهذه يدخل بها ولا إشكال في جوازه. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 13 نصاب الزكاة في العملة الورقية السؤال رجل عنده خمسمائة ريال سعودي، ومضى عليها الحول، فهل فيها زكاة؟ وما هو مقدار النصاب في هذه العملة؟ الشيخ: خمسمائة ريال مِن وَرَق، أو مِن فضة؟ السائل: مِن وَرَق. الجواب يُنْظَر هل تساوي خمسة وستين ريالاً فضةً أم لا. أي: إذا كانت تساوي هذا ففيها الزكاة. وإن كانت لا تساوي فهي دون النصاب، فليس فيها زكاة. فمثلاً لو قلنا: هناك خمسة وستون ريالاً فضة، والريال بعشر ورقات، فكم سيكون النصاب؟ سيكون خمسين أو ستين. إذاًَ: الخمسين ليس فيها زكاة. فأنت اسأل أهل المصارف وقل لهم: كم يساوي الريال الفضة؟ وعلى هذا الأساس ينبني هل بلغ النصاب أم لا. عرفتَ الآن؟ إذاً عليك أن تسأل الصيارفة عن خمسمائة ريال وَرَقاً: كم يساوي من الفضة؟ إذا قالوا: يساوي خمسة وستين ففيها الزكاة. وإذا قالوا: لا يساوي إلا خمسين فليس فيها زكاة. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 14 كلمة توجيهية لترشيد مسيرة الصحوة الإسلامية السؤال يُلاحَظ ولله الحمد في الآونة الأخيرة ازدياد أهل الصحوة وانتشارها في هذا البلد ولله الحمد؛ ولكن نلاحظ أن كثيراً من الشباب الذي يلتزم يصل إلى حد معين من الالتزام ثم يثبت عليه، ويكون مقداراً ضعيفاً وهشاً من الالتزام، وبانتشار هذه الظاهرة أصبحت هناك غثائية في الالتزام، فكثرت الأعداد بدون نتائج، فما رأيكم في الأسباب التي أدت إلى ذلك، والعلاج؟ الجواب الواقع أن الصحوة ولله الحمد انتشرت في هذه البلاد وفي غيرها؛ لكن الصحوة يصحبها اندفاع قوي توجبه العاطفة الدينية، ثم يندفع الإنسان إلى أن يصل إلى القمة ثم يرجع، والأمور تحتاج إلى تَمَهُّل؛ لأن الاندفاع الشديد كجر الحبل بقوة، يوشك أن ينقطع؛ لكن بالتأني والتروِّي يستقيم الإنسان. فالصحوة هذه -في الحقيقة- تحتاج إلى قيادة رشيدة عندها علم بشريعة الله، وعندها حكمة في معالجة الأوضاع والتوجيه السليم. وبالإمكان أن يرجع الشباب في كل بلد إلى من تتوفر فيه هذه الشروط: الأول: العلم بالشرع. الثاني: الرشد في التصرف. الثالث: الحكمة. فإذا حصل هذا كان طيباً. ثم أيضاًَ ينبغي على رؤساء الشباب في كل بلد فيه الصحوة أن يكون لهم اجتماعٌ، وتَدارُسٌ في الأمور، إما في مكة، عن طريق أخذ العمرة، وإما في المدينة، وإما في أي بلد شاءوا؛ لكن أسهل شيء وأحسن شيء في مكة والمدينة؛ لأجل أن يتدارسوا أحوال الشباب، ويوجهوهم التوجيه السليم، حتى لا يتفرقوا هنا وهناك. ثم إن هذا الفتور الذي يعتري الإنسان بعض الأحيان أمرٌ معهود حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظهم ويتكلم معهم حتى يكونوا كأنهم يرون الآخرة رأي العين، فإذا ذهبوا إلى أهليهم وعافسوا النساء والأولاد حصلت منهم الغفلة، فشكوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (ساعة وساعة) . فالإيمان في القلوب كأمواج البحر، أحياناً يهدأ وأحياناً يموج، والشيطان أيضاً عدوٌ مترصِّد، كما قال الله عنه أنه قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:16-17] ، وعجز أن يقول: ومِن فوقهم؛ لأن مِن فوقهم الله عزَّ وجلَّ، فهو يهاجم كلما وَجَدَ فرصةً للهجوم. والعجيب أنه يهجم على وَجْهٍ قد لا يشعر به الإنسان، فإذا رأى في الإنسان تمسكاً بالدين هَجَم عليه من جهة الغُلُو، أو من جهة الوسواس، حتى يحصل به هذا المرض ولا يفعل العبادات، فبعض الناس من شدة ما يرى من الوسواس يصير لا يصلي نسأل الله العافية ويعجز، ويكاد أن يغمى عليه ويموت إذا أراد الصلاة، وإذا رأى الشيطانُ في الإنسان تهاوناً خَذَّله زيادةً حتى ينسلخ من الدين وهو لا يشعر. وخلاصة القول: أني أرى في هذه الصحوة أن تكون مبنية على أساس من العلم بالشرع، ومن العلم بالتصرُّف، وكيف يتصرف الإنسان؛ لأن لكل مقامٍ مقال. انظر هذا المثال: لو أن ابنك فعل معصية، وشيخُك فعل معصية، هل تنكر على شيخك كما تنكر على ابنك؟! الجواب: لا. فابنُك تصيح به، وتوبِّخه، وتضربه، ولا تبالي. لكن هل شيخك مثلاً تصيح به أو توبخه؟! أبداً. بل تأتيه بلطف، وتقول: فعلتَ كذا وكذا، وكنتُ أحسب أنه حرام. هكذا تقول، فلن تقول: فعلتَ كذا وكذا، وعصيتَ الله، اتقِ الله، وإن كان هذا حقاً. ولا مانع من أن يقول الإنسان لأتقى الناس: اتقِ الله، فها هو الرب عزَّ وجلَّ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] في أول سورة الأحزاب، وفي أثنائها يقول: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:37] ؛ لكن لكل مقام مقال. فإذا رأيت مثلاً من شيخك معصية فَعَلَها ابنُك الذي وبَّختَه وضربتَه فلا يمكن لك أن تعامل شيخَك بمثل هذه المعاملة، بل تعامله باللطف واللين الذي يحصل به المقصود. كذلك مما أشرتُ إليه: أنه ينبغي أن يتخذ الشباب في كل بلد شخصاً يقتدون به، ويَسْتَقون منهاجهم منه، ويكون هذا الشخص على جانب كبير من العلم ومن الرشد في التصرف. ثم إن هؤلاء الذين اختيروا لقيادة الشباب يكون لديهم اجتماعات للبحث والنظر في أمر الشباب حتى يُصلحوا ما اعوجَّ منهم؛ لأن بعض الشباب تكون عنده عاطفة قوية قوية جداًَ حتى لو كان أمامه باب لَكَسَره، وحتى أنه ربما يأتي إلى شخص يسأله عن مسألة، وإذا أفتاه بغير ما يشتهي قال: أنت مبتدع، أنت لا تعرف، ثم يهجره. فهذا ليس بصحيح، بل الواجب على الشاب أن يكون عنده أدب، وإذا أُفتي بغير ما يراه يُناقش. والواجب على العلماء الذين يفتون الشباب أن يقدروا ظرف الشاب، وأن يخاطبوه بما يجذب محبته إليهم، وأن يبينوا له بالهدوء، والشاب الذي عنده صحوة دينية يكفيه أن تقول له: قال الله، وقال رسوله، والشاب الذي دون ذلك يحتاج مع قول الله ورسوله إلى دليل آخر من العقل، وهو الدليل العقلي، حتى إن بعض الناس الآن من الشباب لا يستفيد بالقرآن والسنة، بل يستفيد بالعقل، وإن كان هذا خطأ لا شك فيه؛ لكني أقول: لا بد أن تُطَعَّم الأدلة الشرعية مع ناقص الإيمان بدليل من العقل ليقتنع، ولهذا تجدون القرآن مملوءاً بالأدلة العقلية؛ لأنه يخاطب قوماً ليس عندهم من الدين ما يحملهم على قبول الحق من الكتاب والسنة؛ ولكن إذا كان عند الإنسان دين كفاه ما في الكتاب والسنة، قالت امرأة لـ عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟] الحائض لا تصوم ولا تصلي؛ ولكن يجب عليها أن تقضي الصوم ولا يجب أن تقضي الصلاة، فتقول: ما بالها؟! لماذا؟! ما الفرق؟! كلها فريضة، كلها من أركان الإسلام، ماذا قالت عائشة؟! قالت: [كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] فاستدلت لها بالشرع؛ نؤمر بهذا ولا نؤمر بهذا، وما دمنا لم نؤمر فالذمة بريئة. لكن هل هذا يكفي لمن كان ناقص الإيمان؟ الجواب: لا. فهذه تريد الدليل العقلي. قال العلماء في تعليل ذلك عقلياً: لأن الصوم لا يتكرر، فهو يأتي في السَّنَة مرة، أما الصلاة فتتكرر، فمن حين أن تطهُر المرأة تجدها شارعة في الصلاة، فهذا يعوِّض هذا، فلا تُقْضَى الصلاة، والصوم يُقضى، وهذا تعليل واضح. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 15 ضابط هجر الرجل لزوجته السؤال ما هو الضابط الشرعي في نظركم في هجر الرجل لزوجته أكثر من ستة أشهر، علماً بأنها مقيمة معه في البيت؟ الشيخ: الهجر في الكلام أو في الفراش؟ السائل: في الكلام والفراش. الجواب أما في الكلام فلا يجوز لأحد أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاثة أيام مهما كان، سواءً كان زوجةً أو قريباً، أو صاحباً، أو رجل شارع، لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، حتى وإن كان صاحب معصية، لا يجوز أن يُهْجَر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيُعْرِض هذا ويُعْرِض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام) ؛ لكن إذا نصحت صاحب المعصية ولم ينتصح، وكان في هجره فائدة بحيث يتوب فإن هجره حينئذ واجباً. فالهجر إذاً دواء؛ متى كان مفيداً فليُتَقَدَّم إليه، وما لم يكن مفيداً فلا. فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرَ كعب بن مالك وصاحبَيه: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع؟ فالجواب: بلى. هَجَرَهم؛ لكن هل أفاد هَجْرُهُم؟ نعم. أفاد فائدة عظيمة، قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:118] ، كل هذا يدل على أن الرجال تأثروا، {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:118] . فالحاصل أن الهجر في الكلام لا يجوز. أما هجر المرأة في فراشها فقد بيَّنه الله عزَّ وجلَّ في القرآن أكبر بيان، فقال: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] ولم يقل اللهُ: واهجروهنَّ في الكلام {وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} [النساء:34] وقمنَ بما يجب، {فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] ، وإذا كنتم أعلى منهن درجة فاذكروا عُلُوَّ الله، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} [النساء:34] ، هذا هو الطريق. فلا يحل له أن يهجرها في الفراش ستة أشهر، ولا أربعة أشهر، ولا أقل من ذلك، إلا إذا بدر منها نشوزٌ لم تتُب إلا بذلك. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 16 ضابط العاطفة وكيفية توجيه الإنسان العاطفي السؤال فضيلة الشيخ! هل العاطفة عائقٌ من عوائق الاستقامة؟ ثم كيف نوجه الشخص العاطفي للاستفادة من عاطفته القوية فيما ينفعه؟ الجواب لا بد لكل شيء من عاطفة، فلو ماتت العاطفة ما صار الإنسان إنساناً، فالعاطفة تحمل الإنسان على التقدم، فلا بد منها؛ لكن تحتاج إلى ضبط وميزان، فمثلاً: إذا كان الإنسان -مثلاً- لم يرض عن المجتمع ولا على الحُكَّام، وعنده انفعالات كبيرة، نقول له: اصبر. أنت عندك هذه الغيرة، وعندك هذه العاطفة، فهل كان ذلك حباً للانتقام، أو حباً لإقامة الشريعة؟! الجواب: إن كان حباً للانتقام فهو هالك، وإن كان حباً لإقامة الشريعة قلنا: تعال. ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ، انظر إلى هذه القرون الثلاثة المفضلة كيف كانت تعامل الحكام، مع أنه كان في حكامها في ذلك الوقت من بعد الخلفاء الراشدين ما يُنكر، ومع ذلك كانوا يعاملون الولاة بما يقتضي السمع والطاعة كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الولاة أو الخلفاء والأمراء إذا أخروا الصلاة عن وقتها فإنَّا نقوم نحن بما أوجب الله علينا، ونصلي الصلاة في وقتها، ونتركهم؛ لكن إذا أدركتنا الصلاة معهم صلينا، فنحن نصلي في الوقت، وهم إذا أخروا وأدركنا الصلاة معهم صلينا، وكانت لنا نافلة. وبيِّن له معاملة الإمام أحمد رحمه الله للمأمون، وغير المأمون ممن ابتلوه وآذوه. ونقول له: انظر إلى شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أوذي مِن قِبَل الحكام، وانظر إلى كتاباته إليهم، وتلطفه معهم. وبيِّن له أن هذا هو هدي السلف. وهنا في ظني إذا كانت عاطفته لله عزَّ وجلَّ فسوف تهدأ هذه العاطفة، أما إذا كان لحب الانتقام، فهذا هالك بلا شك. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 17 حكم رفع السبابة بين السجدتين في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! غفر الله لك! ما رأيك في رفع السبابة حال الدعاء الذي يقال في الجلسة التي بين السجدتين في الصلاة؟ الجواب الذي أرى أنه سنة، ولي في ذلك سلف وهم الأدلة: منها: حديث وائل بن حُجْر في مسند الإمام أحمد، الذي قال عنه الساعاتي في الفتح الرباني: إن سنده جيد، وقال عنه الأرنؤوط في زاد المعاد: إنه صحيح، وفيه: التصريح بأن وضع اليد اليمنى بين السجدتين كوضعها في التشهد، سواءً بسواء. ولي سلف آخر -ومعلومٌ أن السلف الأول هم القدوة، وهو: الرسول عليه الصلاة والسلام- هذا السلف هو: ابن القيم في زاد المعاد، فقد صرَّح بذلك أيضاً؛ أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين. والمستَنَد أيضاً: أن يقال: ائتوا بحديث، أو بحرف من حديث يدل على أن اليد اليمنى تُبسَط على الفخذ كما تُبسَط اليُسرى. لن تجدوا إلى ذلك سبيلاً، بمعنى: أنه لا يوجد حرفٌ واحد في الحديث يقول: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبسط اليمنى على فخذه. أما اليُسرى فالسنة في هذا صريحة أنها تُبسط على الفخذ، أو تُلْقَم الركبة، كل ذلك جائز، وهما صفتان. لكن يبقى النظر: متى نشير بإصبع اليد اليمنى؟ هل نجعلها دائماً هكذا أم ماذا؟! الذي فهمتُ من السنة: أنه يُشار بها عند الدعاء، يحركها الإنسان إلى فوق كلما دعا، والمناسبة في ذلك أن الدعاء مُوَجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ، والإشارة إلى العلو إشارة إلى الله عزَّ وجلَّ. هذا ما تبين لي في هذه المسألة. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 18 معنى حديث: (خلق الله آدم على صورته) السؤال فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً! ما معنى حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟ وما معنى حديثٍ: (وما ترددتُ في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن) ؟ الجواب أما الأول بارك الله فيك (إن الله خلق آدم على صورته) فقد قيل فيه أقوال لا تُقْبَل، مثل: إن الله خلق آدم على صورة آدم، وجعل الضمير عائداًَ إلى آدم نفسه؛ فيبقى هذا الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم فما هي الفائدة؟ فنقول: وخلق غير آدم على صورته أيضاً. أليس كذلك؟ لكن الصحيح المتعين: أن الضمير في (صورته) يعود إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولكن هل يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له؟! الجواب: لا. أولاً: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، فنحن نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، ونؤمن بأن الله خلق آدم على صورته. لأن الأول قول الله، والثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يجب علينا الإيمان بهما والتصديق. فإذا قال قائل: كيف يُتَصَوَّر أن يكون الشيء على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟! وهذا هو الذي يَرِد على النفس! نقول: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن (أول زمرة تدخل الجنة تكون على صورة القمر ليلة البدر) ، وهل يلزم من كون هذه الزمرة على صورة القمر أن تكون مثل القمر؟! الجواب: لا. إذاً لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له عزَّ وجلَّ. هذا قول، وهو قولٌ ظاهر، وليس فيه تأويل، ولا خروج عن ظاهر اللفظ. والقول الثاني: أن الضمير في (صورته) يعود على الله؛ لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله على وجه التكريم والتشريف مثل: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] في قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] ، فهل لله ناقة يركبها مثلاً؟! حاشا وكلا! لكن أضاف الرسولُ الناقةَ إلى الله من باب التشريف. كذلك قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البقرة:114] المساجد هي للناس يصلون فيها! فهل الله عزَّ وجلَّ يكون في هذه المساجد؟! لا. بل الله تعالى في السماء على عرشه؛ لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم. نعود إلى روح آدم فنقول: الله سبحانه وتعالى قال للملائكة: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] ، فهل روح آدم هي روح الله؟! لا. أبداً. بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف. فقوله: (على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، وأضافها الله على سبيل التشريف. فإذا قال قائل: وصورة الرجل الآدمي، أليس الله هو الذي صوَّرها؟! قلنا: بلى. الله هو الذي صوَّرها؛ لكن لا تستحق أن تضاف إلى الله، فأشرف ما خلق الله هم بنو آدم، قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] ، لا يوجد أحدٌ أحسن خَلْقاً من الخَلْق الإنساني. إذاً: تكون صورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً. فصار الحديث له معنيان: المعنى الأول: إجراؤه على ظاهره، وأن نقول: لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً لله. المعنى الثاني: أن يقال: (على صورته) بمعنى: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها وأضافها إليه على سبيل التشريف، ولهذا قال: لا يُقبَّح الوجه ولا يُضرب فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ. أما السؤال الثاني فهو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعلة ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد له منه) . إن الله عزَّ وجلَّ لا يحب أن يفعل شيئاًَ يكرهه عبده المؤمن، بل قال الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب) ، أيْ: أنَّ أيَّ إنسان يعادي ولياً من أولياء الله -وأولياء الله هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63]- فإنه يكون معلناً الحرب على الله عزَّ وجلَّ. فلا يحب الله عزَّ وجلَّ أن يفعل ما يكرهه عبدُه المؤمن، فيتردد لا للشك في كون هذا مصلحة أو غير مصلحة؛ أي: ليس عن جهل؛ لكن يتردد من جهة ما يتعلق بالعبد، هل يفعله والعبد يكره ذلك، أم لا يفعله. وبهذا نعرف أن التردد نوعان: تردد للشك في النتيجة، وهذا مُنَزَّه عنه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، وهو يقع مني أنا ومن فلان وفلان، نتردد في فعل الشيء لأننا نجهل النتيجة، ولهذا نستخير الله. تردد بما يتعلق بالغيب مع العلم بالنتيجة، وهذا يوصف الله به، وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 19 حكم جماع المرأة بعد انقطاع الدم بفترة بسيطة السؤال فضيلة الشيخ! إذا جامع الرجل زوجته بعد انقطاع مدة الحيض بفترة بسيطة، مثل: أن ينقطع الحيض في الصباح، وجامعها في الظهر، وبعد انتهاء الجماع خرج مع الذكر نوعٌ من الدم، فما الحكم في ذلك؟ الشيخ: هل اغتسلت أم لا؟ السائل: اغتسلت. الجواب ليس عليه شيء، وهذا الذي خرج ليس بحيض. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 20 مسألة من يشق عليه العدل بين زوجاته لعمل ونحوه السؤال فضيلة الشيخ! رجل له زوجتان، وكل واحدة منهما في مكان يبعد عن الأخرى، فلا يتسنى له العدل في المبيت، مع العلم أن مقر عمله وتجارته عند إحدى الزوجتين، مما يُحَتِّم عليه أن يقضي وقتاً أطول عندها دون الأخرى، فهل هذا الزوج آثمٌ في هذه الحالة أم لا؟ الجواب يُنْظَر هل الزوجتان راضيتان على هذا الوضع أم لا؟ إن كانتا راضيتين فالأمر واضح؛ لأن الحق لهما، فإذا رضيتا بما يفعل الزوج فلا إشكال. فإن طالبت كل واحدة بحقها فيجب عليه تصحيح الوضع، فإذا بات عند إحداهما ستة أيام فيجب أن يبيت عند الأخرى أيضاً ستة أيام إذا كان يشق عليه التردد كل يوم، أو بما يتفقان عليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 66 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [67] ذكر الشيخ في لقائه هذا تفسيراً لآيات من سورة الفجر، وذكر فيها تغير الأرض يوم القيامة ومجيء الله للفصل بين العباد، ورد على المخالفين في ذلك، وبين ما ينبغي للإنسان تجاه صفات الله من أن يلزم ما لزمه السلف الصالح، ثم أجاب فضيلته على الأسئلة والتي كان من أهمها: نزول الله في الثلث الأخير من الليل، والتفويض في كيفية الصفات، وكذلك حكم موالاة الكافرين. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأخير في شهر صفر عام (1415هـ) من اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع. وهذا اليوم هو اليوم (السابع والعشرون) من شهر صفر. وكان من عادتنا أن نتكلم عن تفسير شيء من آيات الله، وقد انتهينا إلى قوله تبارك وتعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر:21] * {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] * {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] . الجزء: 67 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كلاّ إذا دُكت الأرض دكاً دكاً) يُذَكِّر اللهُ سبحانه وتعالى الناس َبيوم القيامة: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر:21] أي: دكاً بعد دك حتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، فتُدَكُّ الجبال، فلا بناء، ولا أشجار، وتُمَدُّ الأرض كَمَدِّ الأديم، فيسعى الناس عليها في مكان واحد، يُسْمِعُهُم الداعي، ويَنْفُذُهُم البصر، في هذا اليوم {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23-24] ولكن قد فات الأوان، إلاَّ أننا اليوم لازلنا في مجال العمل، وفي زمن المهلة، يمكن للإنسان خلال ذلك أن يكتسب لمستقره كما قال مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] متاعٌ يتمتع به الإنسان كما يتمتع المسافر بمتاع السفر حتى ينتهي سفره، فهكذا الدنيا. واعتبر -يا أخي- لما يُسْتَقْبَل بما مضى، كل ما مضى كأنه ساعة من نهار، كأننا خلقنا الآن، فكذلك ما يُسْتَقْبَل سوف يمر علينا سريعاً، وينتهي السفر إلى مكان آخر ليس مُسْتَقَرَّاً؛ إلى الأجداث إلى القبور، ومع هذا فإنها ليست محل استقرار؛ لقول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] . سمع أعرابي رجلاً يقرأ هذه الآية فقال: (والله ما الزائر بمقيم، ولا بد من مفارقةٍ لهذا المكان، وهذا استنباط قوي وفهم جيد، تؤيده الآيات الكثيرة الصريحة في ذلك، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:15-16] . الجزء: 67 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) ذكَّر الله سبحانه وتعالى ما يكون في هذا اليوم فقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] أي: صفاً بعد صف. فالأمر الأول: مجيء الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] وهذا المجيء هو مجيئُه عزَّ وجلَّ؛ لأن الفعل أُسنِد إلى الله، وكل فعل أسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره، هذه هي القاعدة في اللغة العربية، والقاعدة في أسماء الله وصفاته: كل ما أسنده الله لنفسه فهو له لا لغيره. وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عزَّ وجلَّ، وليس كما حرفه أهل التعطيل، حيث قالوا: إنه جاء أمر الله، وهذا إخراجٌ للكلام عن ظاهره بلا دليل. فنحن من عقيدتنا أن نجري كلام الله ورسوله على ظاهره، وأن لا نحرف فيه، ونقول: إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو بنفسه؛ ولكن كيفية هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا به، فلا ندري كيف يجيء. والسؤال عن مثل هذا بدعة، كما قال الإمام مالك رحمه الله حين سأله سائل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟! فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرُّحَضاء -أي: العرق- لشدة هذا السؤال على قلبه؛ لأنه سؤالٌ عظيم، سؤالُ متنطِّع، سؤالُ متعنِّتٍ أو مبتدعٍ يريد السوء، ثم رفع رأسه، وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. والشاهد هو قوله: والسؤال عنه بدعة واعتَبِرْ هذا في جميع صفات الله. فلو سألَنا سائل فقال: إن الله يقول: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] أي: آدم، كيف خلقه بيده؟! نقول: هذا السؤال بدعة. فلو قال: أنا أريد العلم، ولا أحب أن يخفى علي شيء من صفات ربي، فأريد أن أعلم كيف خَلَقَه! نقول: نحن نسألك أسئلة سهلة. السؤال الأول: هل أنت أحرص على العلم من الصحابة رضي الله عنهم؟! فهو إما أن يقول: نعم. وإما أن يقول: لا. والمتوقع أن يقول: لا. السؤال الثاني: هل الذي سألته أعلم بكيفية صفات الله عزَّ وجلَّ أم الرسول عليه الصلاة والسلام؟! سيقول: الرسول صلى الله عليه وسلم. إذاً: الصحابة أحرص منك على العلم، والمسئول الذي وجَّهوا إليه السؤال أعلم من الذي تسأله أنت، ومع ذلك ما سألوه؛ لأنهم يلتزمون الأدب مع الله عزَّ وجلَّ، ويقولون بقلوبهم وربما بألسنتهم: إن الله أجل وأعظم من أن تحيط أفهامُنا وعقولُنا بكيفيات صفاته، وقال الله عزَّ وجلَّ في كتابه في الأمور المعقولة: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] وفي الأمور المحسوسة: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] . فنقول: يا أخي! الزم الأدب، لا تسأل كيف خلق الله آدم بيده، فإن هذا بدعة. وكذلك الحال في بقية الصفات، فلو سأل: كيف عين الله عزَّ وجلَّ؟! قلنا له: هذا بدعة. ولو سأل: كيف يد الله عزَّ وجلَّ؟ قلنا له: هذا بدعة. وعليك أن تلزم الأدب، وأن لا تسأل عن كيفية صفات الله عزَّ وجلَّ وكل إنسان يسأل عن كيفية صفات الله فهو مبتدع، متنطِّع، سائلٌ عما لا يمكن الوصول إليه. فموقفنا من مثل هذه الآية {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] أن نؤمن بأن الله يجيء؛ لكن على أي كيفية؟ الله أعلم. ولو قال قائل: هل يحتمل أن يكون مجيئُه كمجيء الإنسان العادي، أو كمجيء الملِك إلى مكان الاحتفال؟! الجواب نحن نعلم أنه لا يكون، والدليل: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فنحن نعلم النفي، ولا نعلم الإثبات، أي: نعلم أنه لا يمكن أن يأتي على كيفية إتيان البشر؛ ولكننا لا نثبت الكيفية، وهذا هو الواجب علينا. الأمر الثاني: صفوف الملائكة: قال تعالى: {وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً} (أل) هنا: للعموم، أي: جميع الملائكة يأتون فينزلون ويحيطون بالخلق، تنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية، وهلم جراً، يحيطون بالخلق إظهاراً للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يميناً ولا شمالاً؛ لكن إظهاراً لعظمة الله وتهويلاً لهذا اليوم العظيم تنزل الملائكة فيحيطون بالخلق. وهذا اليوم يوم مشهود، يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] فهو يوم عظيم لا ندركه الآن ولا نتصوره؛ لأنه أعظم مِمَّا يُتَصَوَّر. فبعد أن عرفنا الأمر الأول، وهو: مجيء الله تعالى. ثم الأمر الثاني، وهو: صفوف الملائكة. نعرف الأمر الثالث هذا اليوم، وهو: المجيء بجهنم: الجزء: 67 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وجيء يومئذٍ بجهنم) قال تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] فقال: (جيء يومئذ) ولم يذكر (الجائي) ؛ لكن قد دلت السنة أنه يؤتى بالنار، تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام منها يقوده سبعون ألف مَلَك، وما أدراك ما قوة الملائكة! قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن، بل هي أعظم وأعظم بكثير، ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل:39] أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:39-40] بعد ذلك رآه مستقراً عنده، قال العلماء: لأن هذا الرجل دعا الله فحَمَلَتْه الملائكة، فجاءت به إلى سليمان في الشام من اليمن. فقوة الملائكة عظيمة، وهذه النار يجرها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك. إذاً: هي عظيمة نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يجيرنا وإياكم منها. فهذه النار {إِذَا رَأَتْهُم} [الفرقان:12] أي: إذا رأت أهلها {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] وزفيرها ليس كزفير الطائرات، أو المعدات، بل هو زفير تنخلع منه القلوب والعياذ بالله. وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] . وقال الله عزَّ وجلَّ: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8] تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها والعياذ بالله، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها. فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار: 1- مجيء الرب جلَّ جلالُه. 2- صفوف الملائكة. 3- الإتيان بجهنم. قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] يتذكر ويتعظ؛ لكن أنَّى له الاتعاظ، فقد فات الأوان، وانقطع الاتعاظ بحضور الأجل في الدنيا قبل أن يصل الإنسان إلى الآخرة، {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء:18] . فنسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتعظين بآياته، ونسأله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 67 ¦ الصفحة: 6 حكم تقديم القربات للأموات السؤال بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم! ما حكمُ أخذِ السُّبُع؛ الطواف حول الكعبة عن الميت؟ وهل للسُّبُع ركعتين مثل الطواف؟ ثم الذين يذهبون ويأخذون عمرة وعمرتين مجتمعين، ما حكم فعلهم ذلك؟ أفيدونا وفقكم الله! الجواب أنت جمعتَ ثلاثة أسئلة يا أخي! الأول: طواف الإنسان عن الميت، الصحيح: أنه جائز، وأن الميت ينتفع به، ويصل إليه ثوابه؛ لكن هناك شيء خير منه، وهو الدعاء للميت، فالدعاء للميت أفضل من الاعتمار له، ومن الحج، والطواف، ومن القراءة، ومن الصلاة، ومن الصيام، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فَعَدَل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل إلى الدعاء، مع أن الحديث في العمل، ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له. فنقول: إن فعل الإنسان وطاف حول الكعبة بنية أنه لفلان فلا بأس؛ لكن لو طاف لنفسه ودعا للميت كان أحسن. وصلاة الركعتين خلف المقام تتبع الطواف، فكلما طاف الإنسان فإنه يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 7 تقويم الأشخاص في ميزان الإسلام السؤال فضيلة شيخنا! نتوجه إليكم بهذا السؤال وهو: أن من أهل العلم المشهود لهم بالخير والجهاد في الدعوة في هذا العصر فضيلة شيخنا عبد الرحمن بن عبد الخالق حفظه الله تعالى فنرجو من فضيلتكم إبداء ما تعلمونه عن هذا الشيخ؟ وهذا من الأمانة التي في أعناقنا لهذا الشيخ، وجزاك الله خيراً؟ الجواب ليس من شأننا في هذا اللقاء أن نتحدث عن شخص بعينه؛ لكننا نقول: أولاً: كل إنسان له قدم صدق في الأمة الإسلامية من أول الأمة إلى آخرها لا شك أنه يُحْمَد على ما قام به من الخير. وثانياً: كل إنسان مهما بلغ من العلم والتقوى فإنه لا يخلو من زلل، سواءً كان سببه الجهل أو الغفلة، أو غير ذلك؛ لكن المنصف كما قال ابن رجب رحمه الله في خطبة كتابه: القواعد: (المنصف من اغتفر قليلَ خطأِ المرء في كثير صوابه) ولا أحد يأخذ الزلات ويغفل عن الحسنات إلا كان شبيهاً بالنساء. فإن المرأة إذا أحسنت إليها الدهر كله ثم رأت منك سيئة قالت: لَمْ أرَ خيراً قط، ولا أحد من الرجال يحب أن يكون بهذه المثابة -أي: بمثابة الأنثى- يأخذ الزلة الواحدة ويغفل عن الحسنات الكثيرة. وهذه القاعدة، أي: أننا لا نتكلم عن الأشخاص بأعيانهم، لا في مجالسنا في مقام التدريس، ولا في اللقاءات، ولا فيما يورَد إلينا من الأسئلة، أقول: هذه القاعدة نحن ماشون عليها، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا عليها؛ لأن الكلام عن الشخص بعينه قد يثير تحزبات وتعصبات، والواجب أن نعلق الأمور بالأوصاف لا بالأشخاص، فنقول: من عمل كذا فيستحق كذا، ومن عمل كذا فيستحق كذا، سواءً كان خيراً أو شراً، ولكن عندما نريد أن نقوِّم الشخص يجب أن نذكر المحاسن والمساوئ؛ لأن هذا هو الميزان العدل، وعندما نحذر من خطأ شخص نذكر الخطأ فقط؛ لأن المقام مقام تحذير، ومقام التحذير ليس من الحكمة أن نذكر المحاسن؛ لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال. فمن أراد أن يتكلم عن شخص على وجه التقويم فالواجب عليه أن يذكر محاسنه ومساوئه، هذا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإلا فالكف عن مساوئ المسلمين هو الخير. وأما من أراد أن يُحذِّر من خطأ فهذا يذكر الخطأ، وإذا أمكن أن لا يذكر قائله فهو خير أيضاً؛ لأن المقصود هو هداية الخلق. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 8 إكرام الكبير وابتداؤه بالشراب في المجلس السؤال فضيلة الشيخ حفظكم الله! إذا دخل الإنسان إلى المجلس وأراد صبَّ القهوة، فبمن يبدأ؟ هل يبدأ باليمين وإن كانوا صغاراً؟ أم بماذا؟ الجواب يبدأ بأكبر القوم، ثم يبدأ بمن على يمينه هو، لا بمن على يمين هذا الأكبر، مثلاً: إذا دخل إلى المجلس ووجد في صدر المجلس كبراء، يعمد إلى صدر المجلس فيعطي الأكبر، ثم يبدأ عن يمينه هو، والذي عن يمينه سيكون عن يسار هذا الأكبر؛ لأن التيامن هو الأفضل، فنحن أعطيناه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كَبِّر كَبِّر) ثم نعطي الأيمن. أما لو كان الإناء واحداً وأعطيناه للأكبر ففرغ منه، فإنه يعطيه مَن على يمينه ولو كان صغيراً، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 9 الاستعاذة وموضعها في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! هل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة تكون في الركعة الأولى؟ أم في كل ركعة؟ الجواب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يستعيذ في كل ركعة أم في الركعة الأولى فقط؟ في ذلك قولان: والذي يظهر لي: أن قراءتها في الصلاة مرة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إن حدث ما يوجب الاستعاذة كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 10 وقوف الأطفال في الصف أثناء الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للأطفال الذين لا يحسنون الصلاة، ويتلفتون، أو يركعون ولا يسجدون مع الإمام، هل يجوز إخراجهم من الصف أو يُتركوا؟ الجواب الأطفال الصغار إن حصل منهم أذية فإنهم يُخْرَجون؛ لكن يكون إخراجهم ليس بالزجر والصياح عليهم. إنما بأن يتصلوا بأولياء أمورهم، ويقال: يا فلان، إن ابنك أو أخاك يشوِّش علينا، حتى يكون كفُّه عن المسجد من قِبَل ولي أمره، وأنت تعلم بأنك لو صحت بهذا الصبي انزعج وكره المسجد، وكره الحضور إليه، وربما يكون في قلب وليه شيء عليك؛ لكن إذا أتيت الأمر من بابه صار أحسن، أما إذا كان الصبي لا يحصل منه أذية، لا بقوله ولا بفعله، فإنه لا يجوز إخراجه من المسجد، ولا تحويله من مكانه، ولو كان في مُقَدَّم الصف إلى مكان آخر، بل يبقى في مكانه، ولو كان خلف الإمام؛ لأن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو أحق به، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مكانه ويجلس فيه) . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز تحويل الصغار من الصف الأول إلى الصف الثاني، فإن جاء رجال بالغون، حولوهم من الثاني إلى الثالث، وهكذا حتى يكونوا في آخر المسجد، بناءً على قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) أولو الأحلام أي: البالغين. والنُّهى أي: العقلاء، ولكن في الاستدلال بهذا الحديث على هذه المسألة نظر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما قال: (لِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهى) يريد بذلك حث هؤلاء على التقدم حتى يَلُوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو كان المراد طرد الصغار من الصف الأول وما أشبه ذلك لقال: لا يَلِنِي منكم إلا أولو الأحلام والنهى، فلو كانت عبارة الحديث: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلام، لقلنا: هذا نهي عن أن يَلِيه الصغار أو المجانين فيُحوَّلون إلى مكان آخر. ثم إن تحويل الصغار من الصفوف المقدَّمة حتى يكونوا في آخر صف إن هذا مما يزيد كراهيتهم للمسجد وأهل المسجد، ومما يزيد تشويشهم أيضاً؛ وإذا كانوا صفاً واحداً كَثُر منهم التشويش واللغط، بخلاف ما إذا كانوا بين الناس. نعم لو فرضنا أنه كان إلى جانبك صبيان، وخشيتَ أن يعبثا فلا بأس أن تفرق بينهما، درءاً لِمَا يُخشى من المفسدة. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 11 حكم قتل المؤذي من الحيوان السؤال عفا الله عنك يا شيخ! ما حكم قَتْلِ ما آذى من الحيوان كالهر وغيره؟ الجواب الحيوانات تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: طبيعته الإيذاء:- فهذا يُسَنُّ قتله، سواءً أكان مِمَّا نص عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كالعقرب، والفأرة، والكلب العقور، أو كان مِمَّا سواه ممن يشاركه في علة الحكم وهو الأذية، ولهذا قال العلماء: يُسَنُّ قتل كل مُؤذٍ، فهذا يُقْتَل إذا كان من عادته الأذى، حتى وإن لم يؤذِ؛ لأنه إن لم يؤذِ هذه المرة آذى في المرة الأخرى. القسم الثاني: ما لا أذية فيه ولا مضرة: فهذا لا يُقَتَل؛ ولكن قتلَه ليس حراماً؛ إلا أن الأولى عدم قتله، فإن آذاك فلك أن تقتله دفعاً لأذاه. وإنما قلنا: إن الأولى عدم قتله إذا لم يؤذِك؛ لأن الحيوانات والحشرات من حيث ورود الشرع في حقها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم أُمِرَ بقتله. 2- وقسم نُهِيَ عن قتله. 3- وقسم سُكِتَ عن قتله. - فالذي أُمِرَ بقتله، مثل: العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والحيَّة، والوزغ، وما أشبه ذلك. والذي نُهِىَ عن قتله، مثل: النملة، والنحلة، والهدهد. والذي سُكِتَ عن قتله مثل: بقية الحيوانات والحشرات، فهذه مسكوت عنها، والأولى عدم قتلها؛ لأن قتلها أقل ما فيه أنه إزهاق روح بغير سبب. ثم إن بعض العلماء قال: إنها ما دامت في حياة فهي تسبح الله عزَّ وجلَّ، وإذا ماتت انقطع التسبيح، فقتلك إياها يعني: إتلافها بحيث لا تسبح. وعلى كل حال، فالحكم أن الأولى عدم قتلها ما لم تؤذِِك، فإن آذتْك فلا بأس أن تقتلها. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجانبية لطالب العلم السؤال أحسن الله إليك يا شيخ! بعض طلبة العلم يكثر من الأسئلة بقصد الفائدة؛ ولكن بعضَها يكون فيها بدعة، وبعضَها يكون فيها تَنَطُّع، وكذلك لا فائدة فيها، فهل هناك قاعدة ينطلق منها طالب العلم في الأسئلة حتى يفيد نفسه ويفيد غيره؟ الجواب طالب العلم ينبغي أن يركز أسئلته على المقرر؛ لأنه الآن مكلف بفهمه، فلا تخرج الأسئلة عنه، وعليه أن يقتصر عليه. وإذا كانت هناك مسألة في غير المقرر فليسأل عنها في وقت آخر؛ لأن خروج الأسئلة عن موضوع الدرس -مثلاً- توجِب تشتت الطلبة، وتعيقهم عَمَّا ينبغي أن يكونوا عليه. هذا هو الضابط. ولكن هناك أسئلة يطرحها بعض الطلبة وإن كانت في المقرر إلا أنها لا هدف لها، والسكوت عنها أولى؛ ولكن المجيب سيكون عنده حكمة ويبين أن هذا لا فائدة منه، وأنه لا ينبغي أن يُسأل عنه، ويحصل المقصود إن شاء الله. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 13 الضابط في تسمية الأولاد السؤال فضيلة الشيخ! حفظك الله! في هذا الزمن حصل انفتاح عظيم على الأسماء، فأخذ الناس يسمون ذراريهم بأسماء كثيرة، بعضُها يؤخذ من القرآن الكريم، مثل أسماء السُّوَر، (كأنفال) وغيرها، وبعضُها أسماء قد يكون فيها تشبُّهٌ إلى آخره، فهل هناك ضابط للاسم الذي يكون فيه محظور؟ وما هو الأفضل؟ الجواب والله يبدو أن الناس قد انفتحوا على الأسماء، فعدلوا عن الأسماء القديمة، وعن الأسماء الحديثة القريبة إلى أسماء جديدة غريبة، كما قلتَ: بعضُهم صار يسمي بما يختص بالقرآن مثل: (بيان) أو (فرقان) وبعضُهم يسمي: (مَلَك) أو (ملاك) وبعضُهم يسمي (أبرار) إلى غير ذلك. فما شابه ما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام أو غَيَّره، فإنه يُنْهى عنه ويُغَيَّر، ومع ذلك فالأصل فيه الحِل؛ لأن القاعدة الشرعية التي ينبغي لطالب العلم أن يفهمها أن (الأصل فيما عدا العبادات الحل) سواء في العادات، أو في المنافع، أو في غيرها، الأصل فيها الحل، إلا ما جاء فيها الدليل على تحريمه، وأما (العبادات فالأصل فيها المنع إلا ما قام الدليل على مشروعيتها) . لكن مثل: (بيان) نقول: لا تُسَمِّ به؛ لأن بيان من أسماء القرآن، وهذه المرأة ليست بياناً، قد لا تكون مبيِّنة فضلاً عن كونها بياناً. وكذلك (أبرار) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسم (برة) إلى (زينب) أو إلى (جويرية) فـ (أبرار) أولى بالتغيير؛ لأن (برة) مؤنث ومفرد، و (أبرار) مذكر وجمع. وكذلك (إيمان) لا يُسمَّى به. وكذلك أسماء الملائكة، فلو أراد الإنسان أن يسمي بأسماء الملائكة، قلنا: لا تُسَمِّ بها، مثل أن يسمي الإنسانُ: (جبريل) و (ميكائيل) و (إسرافيل) . والأحسن أن ترجع إلى كتاب (تحفة الودود في أحكام المولود) لـ ابن القيم، فقد ذكر فيه شيئاً قيِّماً، وأظن أن الشيخ بكر أبو زيد قد ألف رسالة في هذا الموضوع. السائل: فهل يلزم التغيير؟ الشيخ: الاسم الذي فيه محظور شرعي يلزم فيه التغيير؛ مثل (أبرار) ، كما غيَّر الرسول غيِّر. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 14 الإنكار على من أنكر المنكر السؤال يا شيخ حفظك الله! ما رأيك في الذي يحتج على رجال الهيئة وهم يذكِّرون الناس بالصلاة فيقول مثلاً: ما لكم وما للناس، الرجلُ مؤتَمَنٌ على دينه؟ الجواب صحيحٌ أن المرء مؤتمن على دينه؛ لكن إذا كان يريد أن يخل بدينه فهل نوافقه على ذلك؟! فإذا رأينا أناساً قد فتحوا أبواب دكاكينهم والناس يصلون، فلا بد أن ننهاهم عن هذا، وإذا رأينا من يفعل منكراً لا بد أن ننهاه. لكن لو أن إنساناً قال لنا: إنه قد صام رمضان، فنحن لا نقول: لا بد أن تصوم أمامنا! لأن الإنسان مؤتَمن على دينه، أو قال: إني أديتُ الزكاة، فإنه مؤتَمن على دينه، فلا نقول: لا بد أن تؤديها ونحن نشاهد! أما أن نشاهد رجلاً يفعل المنكر ويترك الواجب، فإنه لا بد أن نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 15 التعصب للآراء والأشخاص السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! ما رأيك في الفتنة الموجودة بين بعض طلبة العلم والمشايخ بالنسبة للشباب، فبعضُهم يتعصب لقول، ويُنكر على الآخر، فما تقول في هذا؟ الجواب الذي أرى أن هذا مما يلقيه الشيطان بين الناس بالتحريش بينهم؛ لأن الشيطان لما رأى الفتح في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وقوة الإسلام، يَئِس من أن يُعْبَد في هذه الجزيرة؛ ولكن بالتحريش بينهم، وهذا هو الواقع. والذي نرى هو أن الواجب على الشباب وغير الشباب أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويصلحوا ذات بينهم، كما أمر الله بذلك: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1] وأن لا يكون همهم القيل والقال وكثرة السؤال، بل على كل إنسان أن يرى مصلحته الدينية والدنيوية ويقوم بها، وأما التعرُّض لأناس بأشخاصهم بالقَدْح فيهم وهم ليسوا محلاً للقدح، فهذا خطأ عظيم. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الغيبة؟ فقال: (ذِكْرُك أخاك بما يَكْرَه، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه) . وغيبة العلماء والأمراء أشد من غيبة غيرهم؛ لأن غيبة العلماء يحصل بها انحطاط قدر العالِم بين الناس، وإذا انحط قدر العالِم بين الناس فلن يقبلوا ما يأتي به من شريعة الله، فتكون غيبة العالِم قدحاً فيه، ومنعاً لما ينتفع به الناس مِمَّا يُلْقِيه من شريعة الله عزَّ وجلَّ. وغيبة الأمراء -أيضاً- هي الأخرى مصيبتها عظيمة؛ لأن الناس إذا انحط قدر أمرائهم عندهم فإنهم لن ينصاعوا لأوامرهم، وسوف يحتقرونهم، فتحصل الفوضى، ويختل الأمن، ولهذا قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وهذا يشمل العلماء والأمراء، فإذا كان هؤلاء قد أمرنا بطاعتهم في غير معصية الله فالواجب احترامهم واحترام أعراضهم، وإذا عَلِمنا عن أحد منهم خطئاً أو زللاً فالواجب النصيحة له حتى يزول الإشكال. المهم أنِّي أنصح الشباب من هذا التفرُّق، وأقول: إياكم والتعصُّب لأحد، بل تعصبوا للحق أينما كان، ولا تكرهوا هذا لأنه ليس على رأي هذا، بل الواجب محبة أهل الخير، وتجنُّب نشر المساوئ. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 16 كفِّ الكُمِّ في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكمُ كفِّ الكُمِّ في الصلاة؟ الجواب كفُّ الكُمِّ في الصلاة: إن كفَّهُ لأجل الصلاة فإنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا أكف شعراً ولا ثوباً) وإن كان قد كَفَّه من قبل لعملٍ قبل أن يدخل في الصلاة، أو كَفَّه لكثرة العرق وما أشبه ذلك فليس بمكروه. السائل: وإذا كان طويلاً؟ الشيخ: إذا كان طويلاً فلا بأس؛ لكن أشير عليه أن يقطعه إذا كان طويلاً حتى لا يؤذيه، أو يبقى طويلاً فيدخل في الخيلاء. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 17 صفات شياطين الإنس السؤال حفظك الله يا شيخ! بيَّنت لنا شياطين الجن؛ ولكن شياطين الإنس كيف يتعرف الإنسان عليه، وكيف يميزه من بين الأشخاص؟؟ وكيف يحذر منه؟ وكيف يتعامل معه؟ الجواب كل من يأمرك بالسوء والفحشاء وينهاك عن الصلاح والاستقامة فهو شيطان، لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] . وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة:91] . فكل إنسان يأمرك بالفحشاء والمنكر وينهاك عن ذكر الله وعن الصلاة فهذا هو الشيطان. السائل: وإن كان أحدَ الوالِدَين؟ الشيخ: ولو كان أحدَ والِدَيك! لكن احرص على أن تبادره بالنصيحة، (فَلَأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُر النَّعَم) وعامة الناس قد يأمرون بما يظنونه خيراً وهم لا يعلمون. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 18 اشتراط البكارة في النكاح السؤال يا شيخ! عفا الله عنك! إذا زالت بكارة المرأة بوطء مشروع أو غير مشروع، فما الحكم الشرعي إذا عَقَدَ رجلٌ عليها في حالتين: الحالة الأولى: إذا اشترط البكارة. والحالة الثانية: إذا لم يشترط البكارة. فهل له حق الفسخ أم لا؟ الجواب المعروف عند الفقهاء أن الإنسان إذا تزوج امرأة على أنها بكر، ولم يشترط أن تكون بكراً، فإنه لا خيار له، وذلك لأن البكارة قد تزول بعبثٍ المرأة بنفسها أو بقفزة قوية تُمَزِّق البكارة، أو بإكراه على زنا، فما دام هذا الاحتمال وارداً فإنه لا فسخ للرجل إذا وجدها غير بكر. أما إذا اشترط أن تكون بكراً فإن وجدها غير بكر فله الخيار. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 19 مسألة النزول مع اختلاف ثلث الليل الآخر السؤال فضيلة الشيخ! حفظكم الله! حديث نزول ربنا إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخِر، وذلك في كل ليلة؛ ولكن ثلث الليل يختلف من مدينة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، حتى قد يكون كل اليوم فيه فترة الثلث هذه، فهل ذلك يقتضي أن يكون دائماً في النزول؟ الجواب أظننا يا أخي لم نقم من مكاننا الذي نهيناكم فيه عن التحدث بمثل هذه الأمور. فإذا كنتَ في بلد وأنت في ثلث الليل الآخر فآمن بأن الله نزل إلى السماء الدنيا، وإذا كنت في بلد في غير هذا الوقت فلا نزول. مثلاً: بالنسبة لنا هنا فنحن في قبيل الظهر، وليس فيه نزول؛ لكن إذا جئنا إلى جهات أخرى وهم في ثلث الليل الآخر نقول: ثبت النزول، والله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] في جميع صفاته. فالسؤال هذا سؤال متنطِّع، يجب على صاحبه أن يؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، وفي كل مكان، أما أن تقول: يبقى دائماً نازلاً فهذا ليس بصحيح. فأرى أن تبقي هذه الإجابة في جيبك وألا تخرجها، فمتى كنتَ في ثلث الليل الآخِر فالرب نازل، ومتى كنتَ في غير هذا الوقت فالرب غير نازل وانتهى الموضوع؛ لأن صفات الله ليست كصفات المخلوق، فالآن نحن نؤمن بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا، ونؤمن بأنه فوق كل شيء، فهل يُتَصَوَّر هذا في المخلوق أن ينزل إلى مكانٍ نازلٍ، وهو فوق كل شيء؟! ومع ذلك نحن نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وأنه نازلٌ، وأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولا نقول أيضاً: كيف يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد، وهو فوق عرشه؟! فنقول: هذا إنما يورد إذا ما تصورنا أن صفات الخالق كصفات المخلوقين. فنصيحتي لكم -يا إخواننا- أن لا تتعرضوا لمثل هذه الأشياء؛ لأن الله أعظم وأجل من أن تدركه العقول أو الأبصار، (قل: آمنتُ بالله) وقل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وانتهى الموضوع. فإذا عُرَضَت عليك مثل هذه المسائل؛ لأن هذا يَعْرِض على بعض الناس، فيظن بعقله أن نزول الخالق كنزول المخلوق، فنقول: آمِن بما جاء به النص ولا تتعداه، ولا تورد أسئلة حوله. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 20 وقت صلاة الضحى السؤال بالنسبة لصلاة الضحى متى ينتهي وقتها، فبعضُهم قد حدَّدها بنصف ساعة قبل أذان الظهر وبعضهم يزيد، فما هو الضابط؟ الجواب وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح، أي: نحو ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وقبيل الزوال نحو ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، وذلك لأن أقصر أوقات النهي هذا الوقت، هذا على القول الراجح، وإن كان بعض العلماء يقول: إن معنى قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) أي: إذا شرعت في الغروب، إذا بدأ قرصها يغيب إلى أن ينتهي، ولكن الصحيح أن قوله: (حين تَغِيْبُ الشمس للغروب) معناه: إذا بقي على غروبها مقدار رمح، كما في الشروق. السائل: أذكر يا شيخ أنك ذكرتَ بالنسبة للشروق أنه بعد ارتفاع الشمس قدر رمح يُحدَّد ما بين سبع دقائق إلى عشر دقائق في السابق. الشيخ: لعلَّك نسيتَ. السائل: لعلِّي نسيتُ. الشيخ: عشر دقائق ممكنة؛ لكن الأحسن أن نزيد. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 21 كيفية وضوء المصاب بسلس البول السؤال فضيلة الشيخ! كيف يتوضأ المصاب بسلس البول؟ الجواب المصاب بسلس البول نسأل: هل ينقطع عنه أو هو مستمر؟ لأن بعض الناس يكون فيه السلس إذا بال قريباً، وبعد عشر دقائق أو ربع ساعة يتوقف، فهذا له حكم. وإنسان آخر لا يتوقف بوله، فمتى حصل في المثانة نزل. أما الأول: فنقول: انتظر حتى يقف ثم صلِّ، حتى ولو فاتتك صلاة الجماعة. وأما الثاني: فنقول: توضأ إذا دخل الوقت وتحفظ، ثم صلِّ، ولا يضرك ما خرج. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 22 خطورة موالاة الكفار السؤال فضيلة الشيخ! كيف يُعرَف أمرٌ صَدَرَ من شخص أنه موالاة للكفار؟ وإذا عُرِف ذلك فهل يُجزم عليه بحكم ما، أم يُوقَف ويُستفصل عن الدافع له على ذلك التصرف؟ جزاك الله خيراًَ! الجواب الموالاة في الواقع هي: المناصرة والمعاضدة، بحيث تناصر الكافرين وتعاضدهم على المسلمين، فإن عاضدتهم وناصرتهم على كفار أشد منهم فهذا خير؛ لأن هؤلاء الأعداء الذين يريدون المسلمين أشر من هؤلاء، فهذا يعني: أنك دفعتَ أعلى المفسدتين بأدناهما، إذا لم تخف خيانة من الذين ناصرتَهم على العدو. وأما إذا ناصرتهم على مسلمين فهذا خطر عظيم، وهذا هو الذي يُخشى أن يدخل في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] . وأما معاملتهم في البيع والشراء، وأن يدخلوا في عهدنا فهذا جائز، فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبيع ويشتري من اليهود، فقد اشترى طعاماً لأهله، ومات ودرعه مرهونة عندهم، وكان يقبل هديتهم، وكانت خزاعة دخلت في عهده حين عاهد قريشاً في صلح الحديبية وهم كفار؛ لكنهم كانوا أهل نصح للمسلمين. وهذه المسألة من أدق المسائل وأخطرها، ولا سيما عند الشباب؛ لأن بعض الشباب يظن أن أي شيء يكون فيه اتصال مع الكفار فهو موالاة، والأمرُ ليس كذلك، فالموالاة لها معانٍ كثيرة؛ ولكن الشيء الذي يكون خطراً وربما يُخْرِج من الإسلام هو مناصرتهم ومعاضدتهم على المسلمين. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 23 توجيه ما نسب إلى الإمام أحمد في تأويل الصفات السؤال رُوِي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر:22] وجاء أمر ربك، فبعضهم أورد هذا في أحد كتبه، وقال: مذهب الإمام أحمد هو: التفويض، وقد لجأ الإمام أحمد -وهو إمام أهل السنة-إلى التأويل في هذه الآية، فهل صحت الرواية عن الإمام أحمد؟ الجواب أولاً: لا بد أن يثبت هذا عن الإمام أحمد. ثانياً: إذا قُدِّر أنه رحمه الله أخطأ في هذه المسألة التي لا يقرها هو بعموم كلامه، فلا يعني ذلك أنه معصوم، ويُقْبَل رأيُه. ثالثاً: ذكرتَ أنه يُفَوِّض، وهذا على إطلاقه فيه نظر؛ لأن التفويض نوعان: تفويض المعنى. وتفويض الكيفية. فـ أهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، ولا يفوضون المعنى، بل يقرُّون به، ويثبتونه، ويشرحونه، ويقسمونه، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض (ويعني به تفويض المعنى) فقد كذب عليهم. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) أن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. هذا هو الذي يقوله بعض الناس، أنه مذهب أهل السنة والجماعة، وهو التفويض، ولذلك يقولون: أهل السنة قسمان: مُفَوِّضة. ومُؤوِّلة. وهذا خطأ عظيم، فـ أهل السنة مُؤوِّلة، وأهل السنة مُفَوِّضة؛ لكنهم يؤولون إذا دل الدليل على التأويل، ويفوضون الكيفية، وأما المعنى فلا يفوضونه. وخلاصة الجواب على سؤالك: أن نقول: إن صح هذا عن الإمام أحمد فالإمام أحمد ليس بمعصوم، ولكنني لا أظنه يصح. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 24 الاضطجاع بعد سنة الفجر السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! بالنسبة للاضطجاع بعد سنة صلاة الفجر، هل هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، أم بالإمام، أم هي عامة للمسلمين؟ الجواب الذي يظهر: أنها سنة في حق من يحتاج إليها، مثل أن يكون الإنسان متعباً، فيحب أن يستريح بالاضطجاع من أجل أن يقوى على صلاة الفجر. وأما من لا حاجة له إليها فلا، وكذلك من يخشى أنه إذا اضطجع نام ولن يقوم إلا بعد طلوع الشمس، فهذا أيضاً لا يضطجع. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 25 حكم أخذ المال لمن يعمل بدون راتب السؤال أنا مأذون أنكحة أعمل بدون راتب، فيأتيني -أحياناً- بعض الناس لأعقد لهم وهم خارج المدينة بـ (20كم) أو (15كم) تقريباً، فأذهب إليهم، ثم يدفعون لي مبلغاً من المال بدون طلب مني! فما حكم ذلك؟ الجواب نقول: لا بأس، إذا كان بدون طلب منك فلا حرج عليك أن تأخذ ما يعطونك، أما إذا كنتَ موظفاً فلا تأخذ شيئاً. السائل: وإذا كان داخل المدينة يا شيخ؟ الشيخ: داخل المدينة أو خارجها كلاهما سواء. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 26 حكم شهادة الزوجين والأقارب السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم شهادة الزوج على إقرار زوجته بالبيع والشراء والتوكيل، وكذلك الوالد على ولده، والعكس؟ حفظكم الله! الجواب يقول العلماء: مَن اتُّهِم بقرابة أو زوجية فإن شهادتَه لا تُقْبَل ممن اتهم فيه، وتُقْبَل شهادتُه على مَن اتُّهِم فيه، وهذا صحيح، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135] . فإن شهد الرجل على زوجته أنها فعلت شيئاً وكانت الشهادة عليها، فإن شهادتَه تُقبَل ولا شك. لكن إن شهد لها فأكثر العلماء يقولون: لا تُقبَل لأنه مُتَّهم بالانحياز. وقال بعض العلماء: إذا كان مُبَرِّزاً بالعدالة، ونعلم أنه لن يشهد بشهادةِ زورٍ ولو لزوجته، فإن شهادتَه تُقبَل، وحينئذ أقول: يُرْجَع إلى رأي القاضي في هذه المسألة. وخلاصة القول: أن الشهادة للوالد أو للولد أو للزوجة، الأصل فيها أنها لا تُقبَل. أما الشهادة عليهم فمقبولة. والله أعلم. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 27 خطورة كراهية الملتزمين السؤال ما حكم من يبغض الشباب الملتزمين ويعاديهم ويقول: هم شر البلد؟ هل يدخل تحت: (من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول ولو عَمِل به. ) ؟ الجواب الذي يبغض الملتزمين ودعاةَ الحق من أجل قيامهم بشريعة الله أو دعائهم إلى الحق فهذا يُخشى أن يكون كالذين قال الله فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] ويكون كارهاً لشريعة الله. وأما الذي يكره الشخص لنفسه، لا لأنه ملتزم، فهذا لا يدخل في الآية. فإن قال قائل: ما الفرق؟! قلنا: الفرق عظيم؛ لأن مَن كَرِهَه لالتزامه فقد كَرِهَه لدينه، ومَن كَرِهَه كراهةً شخصية فليس لدينه. وأنا أضرب لكم مثالاً: بعض الناس إذا رأى الشاب قد رفع ثوبه إلى نصف الساق كَرِهَه؛ لكن لو رأى أحد مشايخنا الكبار قد رفع ثوبه إلى منتصف الساق هل يكره الشيخَ؟! لا. إذاً كراهتُه للشاب لا لأنه ملتزم! فبعض الناس يكره هذا الشخص إذا رآه ملتزماً ولا يكره مثله إذا كان له قيمته في المجتمع. وهذه المسألة دقيقة جداً جداً. فيجب أن نقول لهذا الرجل: هل كرهتَه لكراهتِكَ ما قام به من السنة، أو أنها كراهة شخصية؟ إذا قال الأولى. قلنا: هذه كراهةٌ لما أنزل الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] . وإذا قال: سواء فعل هذا أو لم يفعل هذا فأنا أكره هذا الرجل، أو أظن أنه متزمِّت فأكرهُه لتزمُّتِه. قلنا: هذه الكراهة لا يكفُر صاحبها، ولا يكون كالأول. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 67 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [68] في هذه المادة فسر الشيخ آخر الآيات من سورة الفجر، وذكر ما فيها من المعاني والأحكام، ثم أجاب عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 1 تفسير أواخر سورة الفجر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا اليوم هو: الخميس الرابع من شهر ربيع الأول عام (1415هـ) . وكان من عادتنا أن نتكلم على ما يسر الله عزَّ وجلَّ من تفسير القرآن الكريم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24-26] وهذا هو آخر سورة الفجر. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى) يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أي: إذا جاء الله يوم القيامة وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع حينئذ يتذكر الإنسان يتذكر أنه وُعِد بهذا اليوم، وأنه أُعْلِم به مِن قِبَل الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أنذروا وخوَّفوا؛ ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية والعياذ بالله. حينئذٍ يتذكر؛ لكن يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أنى تكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أُخْبِر عنه يقيناً؟ الإيمان عند المشاهدةٍ لا ينفع؛ لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد؛ لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] ويصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عزَّ وجلَّ وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان، ولكن قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أي: بعيدٌ أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) قال تعالى: {يَقُولُ} أي الإنسان. {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يتمنى أنه قدم لحياته. وما هي حياته؟! أتظنون أنه يريد حياة الدنيا؟! لا والله، فإن الحياة الدنيا انتهت وانقضت، وليست الحياة الدنيا حياةً في الواقع، بل الواقع أنها هموم وأكدار، كل صَفْوٍ يعقبه كَدَر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرُّق، انظروا ما حصل! أين الآباء؟! أين الإخوان؟! أين الأبناء؟! أين الأزواج؟! هل هذه حياة؟! أبداً! ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء: لا طيب للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً لَذَّاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم. ونحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب، عُمِّروا؛ لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرِقُّ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم؛ لكنهم في حالة بؤس. هكذا كل إنسان، إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعَمَّر فيُرَد إلى أرذل العمر، فهل هذه حياة؟! الحياة هي ما بيَّنه الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] يعني: لَهِيَ الحياة التامة. فيقول الإنسان هذا: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] يتمنى؛ لكن مع الأسف أنَّى له الذكرى. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25] * {وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية، أو اختر اليهودية، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات. فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة! إذاً: على الإنسان أن يستعد. {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] * {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25] * {وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:26] . الجزء: 68 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولا يوثق وثاقه أحد) قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية، أو اختر اليهودية، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات. فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة! إذاً: على الإنسان أن يستعد. {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24-26] . الجزء: 68 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب، ويشرح الصدر، فقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] اللهم اجعل نفوسنا مطمئنة. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27-28] . {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:28] يقال هذا القول للإنسان عند النزع في آخر لحظة من الدنيا، يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمةٍ من الله ورضوان، فتستبشر وتفرح، ويسهُل خروجُها من البدن؛ لأنها بُشِّرت بما هو أنعم مِمَّا في الدنيا كلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَمَوضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) سوط الإنسان: العصا القصيرة، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت بل الدنيا من أولها إلى آخرها، بما فيها من النعيم، والمُلْك، والرفاهية، وغيرها، فموضع سوط أحدكم خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمن ينظر في مُلْك مسيرته ألفَي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، نعيمٌ لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصورنا: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] . المطمئنة: أي المؤمنة الآمنة؛ لأنك لا تجد نفساً أكثر اطمئناناً مِن نفْس المؤمن أبداً، فالمؤمن -يا إخواني- نفسُه طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمن فقال: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه خير، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له) فهو مطمئنٌ ماضٍِ مع الله بقضائه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يبطر عند النعم، بل هو شاكر عند النعم، صابر عند البلاء، فتجده مطمئناً. لكن الكافر، أو ضعيف الإيمان كلاهما لا يطمئن، إذا أصابه البلاء جَزع وسخِط، ورأى أنه مظلوم مِن قِبَل الله والعياذ بالله، حتى إن بعضهم ينتحر؛ لأنه لا يصبر ولا يطمئن، بل يكون دائماً في قلق، فينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، وقليل العيال، وليس عنده زوجة، وليس له قوم يحمونه، فيقول: أنا لستُ في نعمة؛ لأن فلاناً عنده مال، وعنده زوجات، وعنده أولاد، وعنده قبيلة تحميه، أما أنا فليس عندي شيء من هذا، فلا يرى لله عليه نعمة؛ لأنه ضعيف الإيمان، وليس بمطمئن، بل هو دائماً في قلق. ولهذا نجد الناس الآن يذهبون إلى كل مكان ليُرَفِّهوا عن أنفسهم، ويزيلوا عنها الألم والتعب؛ لكن لا يزيل ذلك عنهم إلا الإيمان الحقيقي، فهو الذي يؤدي إلى الطمأنينة. فالنفس المطمئنة: هي المؤمنة الآمنة، مؤمنة في الدنيا، وآمنة من عذاب الله يوم القيامة، اللهم اجعل نفوسنا هكذا. يا إخواني! قال بعض السلف كلمة عجيبة، قال: [لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجالَدُونا عليه بالسيوف] هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم؟ لا. لا يوجد أحدٌ أنعم منهم في الظاهر في نعمة الجسد؛ لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، فالمؤمن الذي ليس عليه إلا ثوبٌ مُرَقَّع، وكوخٌ لا يحميه من المطر ولا من الحر؛ هذا المؤمن دنياهُ ونعيمُه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك؛ لأن قلبَه مستنير بنور الله ونور الإيمان. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حُبس وأوذي في الله عزَّ وجلَّ، فلما أُدْخِل الحبس وأُغْلِقَ عليه الباب. قال رحمه الله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] يقول هذا تَحَدُّثاً بنعمة الله لا افتخاراً، ثم قال: ما يصنع أعدائي بي؟! -أيَّ شيءٍ يصنعون؟! - إن جنتي في صدري -ما هي الجنة؟! الإيمان، والعلم، واليقين-، وإن حبسي خلوة، ونفيي -إن نفَوه من البلد- سياحة، وقتلي شهادة. سبحان الله! هذا هو اليقين، وهذه هي الطمأنينة. إن الإنسان عندنا لو أُدخل الحبس تجده يُخَمِّس ويُسَدِّس، ويقول: ما مستقبلي؟! ما مستقبل أولادي؟! وأهلي؟! وقومي؟! لكن ابن تيمية يقول: جنتي في صدري. وصَدَقَ، ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56] يعني: في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وليس في الجنة موتة أولى ولا ثانية؛ لكن لَمَّا كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت الدنيا والآخرة كأنهما جنة واحدة، وليس فيها إلا موتة واحدة. فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم في الجنة، وبإخوانَنا المسلمين الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ إنه على كل شيء قدير. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) يقول تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27-28] . {رَاضِيَةً} بما أعطاك الله من النعيم. {مَرْضِيَّةً} عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك كما قال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119] . الجزء: 68 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فادخلي في عبادي) قال تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] أي: ادخلي في عبادي الصالحين لتكوني مِن جملتهم؛ لأن عبادَ الله الصالحين هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاتهم ثلاث: الطبقة الأولى: مُنْعَمٌ عليهم. الطبقة الثانية: مغضوبٌ عليهم. الطبقة الثالثة: ضالُّون. كل هذه الطبقات مذكورةٌ في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] . وأنا أسألكم: هل يشعر أحدكم عندما يقرأ هذه الآية بأن الذين أنعم الله عليهم هم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فيسأل الله أن يهديه صراط هؤلاء؟! أكثر الناس لا يشعر، بل أكثرهم يقرؤها هكذا؛ لكن لا يشعر أن هذه الآية تاريخ، أي أنها تشير إلى تاريخ الأمم، وأن الطبقة الثانية المغضوب عليهم هم اليهود وأشبهاه اليهود مِن كل مَن عَلِم الحق وخالفة؛ لأن كل مَن عَلِم الحق وخالفَه ففيه شَبَهٌ من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [مَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود] . ومَن هُم الضالون؟ هُم النصارى، الذين جهلوا الحق، أرادوه لكن عُمُوا عنه -والعياذ بالله- وما اهتدوا إليه. قال ابن عيينة: [ومَن فَسَدَ مِن عُبَّادنا ففيه شَبَهٌ مِن النصارى] لأن العُبَّاد يريدون الخير ويريدون العبادة؛ لكن ليس عندهم علم، فهم ضالون. فأقول يا إخواني! الناس طبقات ثلاث: المُنْعَمُ عليهم، والمغضوبُ عليهم، والضالُّون. وهنا يقول: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] فالمراد بالعِباد أيّ الطبقات؟ المراد بهم الطبقة الأولى وهم: المُنْعَم عليهم. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وادخلي جنتي) قال تعالى: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:30] : جنتُه التي أعدها الله عزَّ وجلَّ لأوليائه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جلَّ وعَلا. والله سبحانه وتعالى قد خلقها خلقاً غير خلق الدنيا، خَلَقَ لنا في الدنيا فاكهةً ونخلاً ورماناً، وخلق في الجنة أيضاً فاكهةً ونخلاً ورماناً؛ لكن هل تظنون أن ما في الجنة كالذي في الدنيا؟! لا يمكن أبداً؛ لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم. إذاً: هو مثله في الاسم؛ لكن ليس مثله في الحقيقة، ولا في الكيفية، ولهذا قال: {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:30] حيث أضافها إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها، وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله، التي هي المساجد؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها إلى نفسه أيضاً، والأمر يسير، قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم: (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: لقد سألت عن عظيم -وهو صحيحٌ عظيم، ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) [آل عمران:185] ولكن- وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه -اللهم يسرنا لليسرى- تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة) وذَكَرَ الحديث. المهم أن الدين والحمد لله يسير وسهل؛ لكن النفس الأمارة بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا بالشهوات والشبهات. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] . {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] . والآن إلى الأسئلة ، ونبدأ باليمين، وكما هي عادتنا أن السؤال واحد لكل واحد، وأنه لا تعقيب على الجواب إلا إذا كان الجواب خطأً. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 68 ¦ الصفحة: 11 حكم الصلاة على القاتل السؤال يا شيخ! رجل قتل زوجته ثم قتل نفسه، فهل يُصَلَّى عليه؟ الجواب نعم، يُصَلَّى عليه؛ لأن قتل النفس لا يُخْرِج من الإسلام، والدليل على أنه لا يُخْرِج من الإسلام قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] فجعل القاتل أخاً للمقتول، ولو كان يَخْرُج من الإسلام ما كان أخاً له؛ ولكن الأمر شديد، بمعنى أنه وإن لم يَخْرُج من الإسلام؛ لكن العقوبة شديدة، يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] خمس عقوبات: جهنم. والخلود فيها. وغَضِبَ الله عليه. ولَعَنَه. وأعد له عذاباً عظيماً. فالأمر ليس بالهين؛ لكن لا يَخْرُج من الإسلام، فيُصلى عليه، ويُدْعَى له بالمغفرة، وفضل الله واسع. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 12 حكم التحية العسكرية السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كَثُر الكلام يا فضيلة الشيخ! حول التحية العسكرية وتحية العلم، ما بين مبدِّع ومكفِّر، وقبل شهرين أو عدة أشهر نشرت مجلة الحرس الوطني نشرة تبين التحية العسكرية؛ أنواعها، ونشأتها، وتطورها، ومن ضمن كلامها قالت: منذ العصور الأولى للتاريخ والناس يميزون بين رجل وآخر، وقد تجلى ذلك باستحداث طرائق خاصة للتحية التي ما لبثت أن أخذت طريقها في الذيوع والانتشار، وعلى رغم أن شعوب الدنيا اختلفت في طرائق هذه التحية إلا أنها اتفقت جميعها على وجوب أدائها. إلى أن قالت: وفي أحيان أخرى مؤداها إظهار الأمن والسلام والتعظيم. فما هو رأي فضيلتكم في هذه المسألة من حيث كونها بدعة أو كفراً، وإن كانت بدعة، فما حكم مَن فعلها وهو كاره، وجزاكم الله خيراً. الجواب أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وأخبركم بأن السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون الرسول في المجلس ولا يسلِّمون، إنما السلام عند اللقاء. وأما ما يتعلق بالتحية العسكرية، فأقول لكم يا إخواني! نصيحةً لله: كل شيء يتعلق بجهة مسئولة فالسؤال عنه من الأفراد في غير محله. لماذا؟! لأن ذلك لا يجدي شيئاً. افرض أنني قلت: إنها بدعة، أو كفر، أو فسق أو ما أشبه ذلك، هل يفيد؟! هذا لا يفيد، إلا أن المستفتي يأخذ هذه الفتوى ويذهب ينازع فيها ولاة الأمور ولا يستفيد من هذا شيئاً. فأرى أنه إذا حصل شيء منكرٌ في أي جهة مسئولة لا يجوز السكوت عليه؛ لأن السكوت عن المنكر معناه: تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن تؤتى البيوت من أبوابها. فهذا السؤال يورَد على مَن؟! يورَد على وزير الدفاع، أو على وزير الداخلية، أو على الجهة المسئولة، ويقال: إذا كنتم تعلمون أن هذا حرام فاتقوا الله فينا، لا تجعلونا نتجشَّم الحرام فنأثم نحن وتأثمون أنتم، وإذا كنتم لا ترون هذا حراماً فبيِّنوا لنا، وإذا كان الأمر أشكل عليكم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] . أما أن يَسأل هذا السؤالَ فردٌ من أفراد الجنود أو الجيش، ثم يأخذ الجواب ويجعله سيفاً مصلتاًَ، كلما شاء أشهره، فأنا أرى أن هذا ليس من الحكمة، وأنه لا يجدي شيئاً، ولا يفيد. فهذا السؤال ينبغي للعقلاء منكم أن يوجهوه إلى الوزير في هذه الجهة المسئولة، ويقال له بصراحة: نحن وأنت عبيد لله عزَّ وجلَّ، وأنت ولاك الله علينا؛ فعليك أن ترعانا حقَّ الرعاية وأحسَنها. ثم نسأله: هل أنت ترى أن هذا حرام؟! فاتقِ الله في نفسك، واتقِ الله فينا. هل ترى أنه حلال؟! فبيِّن لنا؛ لأنه أُشْكِل علينا ولأن من الناس -وأنا سمعتُ بنفسي- من يقول: التحية العسكرية كفر والعياذ بالله، فيكفِّر مَن لا يكفِّره الله ورسوله، ألم يعلم هذا أنه سيُسأل يوم القيامة عمَّا قال؟! ألم يعلم أن مَن دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك فهو كافر؟! هكذا جاء الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام. فالمسألة ليست هينة، فكونه يصف الإنسانَ ويقول: هذا كافر، وهذا فاسق؛ فهذا غلط. من الذي له الحكم؟! الله عزَّ وجلَّ، فإذا كفَّر الله أحداً فهو كافر، وإذا لم يكفِّره فلا يجوز أن نكفر بمجرد أذواقنا وأهوائنا. فأقول: قُل مثلاً للوزير المسئول: إذا كنت ترى أن هذا حلال فبيِّن لنا؛ لأن من الناس من شوَّش علينا، وقال: هذا فسق، هذا بدعة، هذا كفر، فبيِّن لنا. وإذا كان أشكل عليك فالحمد لله باب الفتوى مفتوح، وعند الدولة والحمد لله ما يحصل بهم الهدى إن شاء الله تعالى، فاسأل. فإذا قيل لك: هذا جائز، برئت ذمتك، وإذا قيل: هذا حرام، فامتنع. هذا جوابي على هذه المسألة. وأنا أنصح كل إنسان في هذه المسائل ألا يسأل فردٌ من أفراد جهةٍ مسئولة عن حكم شيء عام، وليسأل عن نفسه ويقول مثلاً إذا فعلتُ كذا، أو إذا صليت بلا وضوء إذا. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 13 مسألة المجاز في القرآن السؤال أولاً يا شيخ! إني أحبك في الله، ولا أدري هل هذا من السنة أم لا! ولكن بعد أن قلتَ عن السلام أنه ليس من السنة يَجب أن أحذر. الشيخ: لا. جزاك الله خيراً، لا مانع من هذا، والحذر من الخطأ شيءٌ طيب؛ لكن هذا قد ورد عن الرسول حيث قال لـ معاذ بن جبل: (يا معاذ! إني أحبك، فلا تَدَعَنَّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) . وأنا أجيبك فأقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه. السائل: يا شيخ! المجاز في القرآن فيه خلاف بين أهل العلم، والمسألة كما هو معلوم أن هناك بعض الآيات تحتاج إلى تفسير فعلاً، فإذا كان لا مجاز في القرآن! فأريد توضيح المسألة! الجواب الذين قالوا بالمجاز أو عدم المجاز يتفقون غالباً على المعنى، فمثلاً قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] فكلهم متفقون على أن الذل ليس طائراً له جناح، أليس كذلك؟! السائل: بلى. الشيخ: إذاً: بقي لنا أن نعرف هل الجملة أو هذا التركيب مستعمل في اللغة العربية، وأن جَناح كل شيء بحسبه؟! فحينئذٍ يحصل الخلاف. فالذين يقولون بالمجاز يقولون: ليس هناك جناح إلا للطير، فإذا استعمل الجناح لغير الطير فهو مجاز. والذين يقولون: جناح كل شيء بحسبه يقولون: الترفع مثلاً على الناس والتعالِّي عليهم يعتبر أن صاحب الترفع والتعالي طار وارتفع، وهذا هو جناح العلو والاستكبار. فالله عزَّ وجلَّ يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء:24] يعني: تذلَّل لهما للغاية، حتى لو كنت تريد أن تتثقف، فتقول مثلاً: أنا عندي شهادة بكالوريوس، وأبي هذا لا يعرف الخاء من الطاء فلا تترفع عليه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] . إذاً: اتفقا على المعنى؛ لكن اختلفا حول ما إذا كان هذا الأسلوب مُسْتَعْمَلاً حقيقةً في سياقِه أو لا! فالذين منعوا من المجاز في القرآن وأكدوا فيه كان منعُهم بناءً على أن هذا المجاز استُعمل على وجه غير صحيح، فقالوا مثلاً في الاستواء على العرش: لا يوجد استواءٌ على العرش أبداً، وإنما قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] يعني: استولى عليه، وإذا قلنا لهم: ولكن الله قال: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] قالوا: هذا مجاز عن الاستيلاء، انظر الآن! أنكروا صفةً حميدة لله عزَّ وجلَّ وحوَّلوها إلى صفة لا يتميز بها الله سبحانه عن غيره؛ لأن الله مُسْتَولٍ على كل شيء. ثم إن قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى} [البقرة:29] يدل على أن الاستيلاء قابلٌ لغير الله؛ إذْ معناه: ثم استولى عليه. فقولُ الذين أنكروا المجاز في القرآن وأكَّدوه مبنيٌّ على أن أولئك الذين قالوا بالمجاز توصلوا به إلى إنكار شيء لا يجوز إنكاره. أفهمت؟! وللعلماء في هذه المسألة عدة أقوال: منهم من قال: كل اللغة مجاز، حتى إذا قلتَ: أكلتُ فشبعتُ، قال: هذا مجاز. ومنهم من قال: لا مجاز في اللغة مطلقاً، ومِمَّن قال بهذا القول: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وشرح أدلتهما على ذلك ليس هذا موضعه؛ لأن الناس ربما يحتاجون شيئاً أهم من هذا. ومنهم من قال: لا مجاز في القرآن، وأما اللغة ففيها مجاز. والصواب: أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 14 احتساب الأجر من الله على العمل السؤال هل يلزم حضور النية لحصول أجر العمل عند أدائه؟ الجواب هذا سؤال مهم، فمعلومٌ أن العمل لا يكون إلا بنية، فلا يوجد عملٌ إلا بنية، قال بعض العلماء: لو كَلَّفَنا الله أن نعمل عملاً بلا نية لكان من التكليف ما لا يُطاق. فأنتم حينما جئتم إلى هذا المكان جئتم بنية أم بغير نية؟! جئتم بنية، وأي إنسان عاقل لا يعمل عملاً إلا بنية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) . لكن بقي سؤال الأخ: هل يُشْتَرط للثواب على العمل أن يحتسب الأجر على الله، أو يحصل له الأجر وإن لم يحتسب؟ نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً -ولم يقل: إيماناً فقط، بل قال: إيماناً واحتساباً- غُفِر له ما تقدم من ذنبه) واحتساب الأجر له أثر عظيم على إحسان العمل؛ لأنك إذا علمتَ أنك كما تدين تُدان، وكما تعمل تُجازى، وأن الجزاء على قدر العمل؛ فسوف تحسن العمل، أليس كذلك؟! أما إذا شعرت بأنك إذا أديت العمل برئت ذمتك فقط، وأنك لن تعاقب على تركه، فعملك ناقص. لهذا أحث نفسي وإياكم على استحضار هذا المعنى؛ أنك إذا عملتَ العمل تحتسب أجره على الله، نقول مثالاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسبغ الوضوء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل مِن أيها شاء) وزاد الترمذي: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) أريد من نفسي وإياكم أن نستحضر أننا إذا فعلنا ذلك فتِّحت لنا أبواب الجنة حتى نحرص على إسباغ الوضوء، ونحرص على قول كلمة التوحيد بعد الفراغ من الوضوء. فهذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها، وهي: احتساب الأجر من الله على هذا العمل. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 15 كيفية التعامل مع أصحاب المنكرات من الأهل والأقارب السؤال شيخنا المبارك! نفع الله بعلمكم وسدَّد خطاكم! بعض الشباب منذ نشأته يسير مع الشباب الخيِّر الصالح من أساتذة وإخوان، ثم يرى في بيته بعض المنكرات، فكيف يتعامل مع هذه المنكرات؛ مع كلٍّ مِن والدَيه، وأهل بيته؟ الجواب قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] ومعنى {بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الشعراء:3] أي: مُهْلِكُها إذا لم يؤمنوا. وقال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] . وقال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:21-26] . فأقول لهذا الأخ الصالح: أسأل الله لك الثبات، وأقول لك: انصح أهلك بقدر ما تستطيع، فإن حَصَلَ المطلوب فذلك المطلوب، وإن لم يَحْصُل فهاهو إبراهيم قال لأبيه آزر: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام:74] . وقال: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] . ولما أَيِس منه قال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} [مريم:47] حتى نهاه الله عزَّ وجلَّ، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114] . فأقول لهذا الأخ: اجتهد في نصح أهلك، واجلب إليهم الأشرطة النافعة، والكتيبات، والرسائل، فإن اهتدوا فلك ولهم، وإن لم يهتدوا فلك وعليهم، ثم إن اضطررت إلى البقاء في البيت لكونك ليس لك دخل تستطيع به أن تنفرد عنهم فلا بأس أن تبقى، وتحرص على البُعد عن مشاهدة الأشياء المحرمة، أو سماع الأشياء المحرمة، وتنفرد في غرفتك، وإذا استطعتَ أن تخرج فاخرج. وفي هذه الحال يُشْكِل على بعض الشباب أنه ربما يغضب عليه الوالد أو الوالدة! فنقول: غضب الوالد أو الوالدة يمكن إزالته بالترضِّي والمداراة؛ لكن غضب الرب لا يمكن النجاة منه إلا بأن تترك ما يُغْضِب الرب عزَّ وجلَّ، فاخرج ولا عليك، حتى ولو غضبوا فإنك ترضيهم إن شاء الله، إما بالمال أو بالمساعدة، أو بغير ذلك. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 16 عدم جواز المجاملة والمداراة السؤال ما حكم المجاملة في بعض الكلمات التي تصدر أحياناً من بعض الزملاء في العمل أو غيره؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أن يوجد رجلٌ ذو لحية فيقول آخرُ لأخيه الحليق: اجلس معنا، فهذا ليس من المتشدِّدين، أو مثل هذا القول. الجواب هذه بارك الله فيك تسمى: مداراة، فمداراة أهل الفسق لعل الله يهديهم هذا لا بأس به. أما المداهنة بأن تقول: أنا أُعْفِي لحيتي، وأنت احلق لحيتك، وكلٌّ على سبيله، فهذا لا يجوز، بمعنى: كأنك تقول: لا تقل لي ولا أقول لك، فهذه مداهنة لا تجوز. أما المداراة فتعني: أنك تجامله رجاء أن يهديه الله؛ لأن بعض الناس إذا عاملته بالعنف من أجل معصية؛ أصرَّ عليها، وإذا عاملته باللطف ربما يستجيب. حدثني عدة أناس عن قضية وقعت، قالوا: إن هناك عاملاً -ليس عاملاً على طين، إنما هو عامل على سَوانٍ لِسَوقِ الإبل والحمير والبقر- عند غروب الشمس مر به أحد الإخوان، ومعلومٌ أن العامل يكون متعباً من الرائحة الكريهة، ومن سَوق الإبل أو الحمير، وكان في يد العامل عصا يضرب بها هذه السواني، فهذا العامل كان متعباً آخر النهار، وكان يغني، ومعلومٌ أن الغناء يشد الإنسان، ويشد أيضاً البهائم، حتى الإبل في الحداء ما شاء الله تُحَمْلِج، فعندما مرَّ عليه هذا الرجل الذي يملك غيرة شديدة تكلم على العامل، وقال له: يا الذي فيك ما فيك، وسَبَّه بما لا أحب أن أذكره الآن، وقال: صوت الرحمن مع صوت الشيطان؟! ما هو صوت الرحمن؟ الأذان، مع صوت هذا العامل. فالعامل كاد ينفجر، فقال: إما أن تنصرف عني وإلا فهذه العصا أكسِّر بها رأسك. وأبى الرجل أن ينصرف. فالعامل عاند وقال: اذهب وصلِّ ولا دخل لك بي. فجاء هذا الرجل الذي يعتبر من أهل الخير إلى الشيخ -وسُمِّي لي الشيخ؛ ولكن لا حاجة للاسم- فقال للشيخ: أنا مررتُ بالمكان الفلاني، ووجدت العامل ونصحتُه وقال لي: كذا وكذا. فقال الشيخ: اتركه، وأنا إن شاء الله أنظرُ أمرَه. فذهب إليه الشيخ في اليوم الثاني عند غروب الشمس، ووجده يغني، يروِّح على نفسه قليلاًَ، وينشد السواني، فركز الشيخ عصاه، ووضع المشلح عليها، ومعلومٌ أن الناس كانوا يفعلون هذا في الأول، وجاء الشيخ وسلم عليه سلاماً عادياً ومُطْمَئِناً، وقال: السلام عليكم. فرد العامل: وعليكم السلام. فقال الشيخ: يا ألله قَوّ! لا يقصد الشيخ قَوَّى على الغناء، بل قَوّ على الصلاة. فلما قال الشيخ هذا الكلام انشرح صدر العامل، فذهب الشيخ وتوضأ، وجاء إلى العامل، فقال: أما تذهب معنا لتصلي؟ قد أذَّن المؤذن، وسيقيم الآن. قال: ماذا قلتَ؟! قال: قلتُ هذا الكلام. قال: جزاك الله خيراً، والله لقد مرَّ عليَّ شخص بالأمس وبدأ يشتم، وقال، وفعل، وترك، فقلت له: يا شيخ، طوَّل الله عمرك، والله إذا لم تنصرف من هذا المكان لأكسرنَّ بهذه العصا رأسك. قال: يا بن الحلال! {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] . فذهب الشيخ ليصلي، وإذا العامل ترك العمل وتوضأ ولحق بالشيخ، فالتفت الشيخ بعدما سلم، وإذا به يجد العامل يتم ركعةً ولم يقل له شيئاً. وفي الليلة الثانية لم يذهب الشيخ إليه؛ ولكنه وجد هذا العامل لم يفته شيء من الصلاة. سبحان الله! لماذا؟ لأنه أتاه بالرفق واللين. وهذا مهم جداً في جانب الدعوة، ألا تعنِّف، قال الله للنبي عليه الصلاة والسلام: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159] سبحان الله! يقول الله عزَّ وجلَّ هذا لأفضل الخلق. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] . الجزء: 68 ¦ الصفحة: 17 صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر السؤال في كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم أورد الشيخ ابن القيم في معرِض كلامه عن صلاة القيام أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، فهل هذه من السنة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي صفة صلاة الوتر؟ الجواب كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً، فاختلف العلماء في تخريج هذا، إذْ كيف يقول: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً؟! فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول، وأما فعلُه فهو خاصٌّ به؛ لأننا إذا واجهنا الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وقلنا: إنَّا نصلي ركعتين بعد الوتر؛ لأن نبيك صلاها، سيقول الله عزَّ وجلَّ: ألم يقل لكم نبيي: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ؟! وهل قال: صلُّوا ركعتين بعد الوتر وأنتم جالسون؟! إذاً: فاتْبَعِ القولَ، وعلى هذا التقييم لا إشكال إذا قالوا: هاتان الركعتان صلاهما الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نعلم هل هي تشريع للأمة، أم هي من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وقال بعض العلماء: إن هاتين الركعتين لا تنافيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) لأن هاتين الركعتين بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبةً، ولهذا يصليهما جالساً لا قائماً، فهما للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة. وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) . وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم. السائل: يا شيخ! وهل نعمل بهذه السنة؟ الشيخ: اعمل بها أحياناً. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 18 مسألة: أطراف الحرم ليس له حكم المسجد في أجر الصلاة السؤال بالنسبة للصلاة داخل الحرم المكي، هل للإنسان نفس الأجر الذي يحصل عليه داخل الحرم إذا صلى في أطراف مكة؟ الجواب الصحيح في هذه المسألة أن الإنسان لا يأخذ الأجر، إذا صلى في مساجد مكة غير المسجد الحرام؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه) يراد به مسجد الكعبة، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) ، وهذا نص. وقال الله تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقد أُسْرِي به من الحِجْر، حِجْر الكعبة، الذي هو الجدار القصير الشمالي. فإذاً: المسجد الحرام هو: مسجد الحرام هو: مسجد الكعبة، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تُشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام. ) الحديث، فما رأيك لو شدَدْتَ الرَّحْلَ إلى مسجد في (العزيزية) في مكة؟! هل يجوز أو لا؟! لا يجوز. إذاً: المسجد الحرام الذي الصلاة فيه بمائة ألف صلاة؛ هو المسجد الحرام الذي تُشَدُّ إليه الرحال. لكننا نقول: لا شك أن الصلاة في الحرم وليس في مكة فقط، بل في الحرم الدائر، الذي هو كل حدود الحرم لا شك أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الحِل، لا شك في هذا، فمثلاً: الآن مزدلفة حرم، ومنى حرم، فكذلك ما حول مكة يعتبر كله حرم، فالصلاة في هذا الحرم أفضل من الصلاة في الحِل، والدليل على ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان نازلاً في الحديبية، وكانت الحديبية بعضها من الحل وبعضها من الحرم، فكان نازلاً في الحل؛ لكنه كان يصلي داخل الحرم، أي: ينتقل من الحل إلى الحرم فيصلي فيه، فهو نزل في الحل؛ لأنه أوسع للإنسان، وأما الحرم فلا يستطيع الإنسان أن يقطع فيه شجرة، أو يحش حشيشاً، فالرسول نزل في الحل ليكون أوسع له، فيقطع الشجرة، ويحش الحشيش، ثم إن المعاصي في الحل أهون من المعاصي في الحرم. فالمهم أن الذي نراه هو هذا. وقد يقول قائل: لماذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية يجلس في الحل، ويصلي في الحرم؟! فهذا يدل على أن الحرم أفضل. فنقول: نعم، هو أفضل؛ لكن كلامنا على مائة ألف، لا على أن هذا أفضل، أو أن هذا غير أفضل. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 19 فتنة الإنسان عند الاحتضار السؤال شيخي الفاضل، إني أحبك في الله، نفع الله بعلمك وبارك فيك! ذكرتَ في شرحك لهذه الآيات المباركة أن المُحْتَضَر يُفتن، فهل هذا خاص بالكافر، أم بجميع المُحْتَضَرِين؟ الجواب أحبك الله الذي أحببتني فيه. أما الكافر فكافر، يموت على الكفر؛ لكن المؤمن الذي على خطر هو الذي يُفتن. السائل: قلتَ أنه يُفتن، فيقال له: كن نصرانياً، أو كن يهودياً. الشيخ: هذا يُسمى عرض الأديان، وعرض الأديان هل هو على كل ميت؟! لا. ليس على كل ميت؛ لكن من الناس من يُفتن، يقال إن الإمام أحمد رحمه الله في سياق الموت كان يُغمى عليه فيسمعه مَن حولَه يقول: بَعْدُ! بَعْدُ! فإذا أفاق قالوا: ما بَعْدُ! بَعْدُ! يا أبا عبد الله؟! قال: رأيتُ الشيطان يعض أنامله يقول: فُتَّنِي يا أحمد، فقلتُ: بَعْدُ! بَعْدُ! كيف هذا؟! لأن الإنسان ما دام لم تخرج روحُه فهو عرضة للفتنة. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 20 حكم السلام عند الدخول على مجالس العلم والذكر السؤال إذا دخل الإنسان على حلقة، هل يسلم أو يجلس فيستمع؟! الجواب إذا دخل الإنسان على حلقة ذكر، أو قرآن، أو علم، أو أي شيء فمن العلماء من يقول: لا تسلِّم؛ لأن المشغول لا يُشْغَل، فهؤلاء مشتغلون بعلمهم، أو قراءتهم، أو ذكرهم. ومنهم من يقول: سَلِّم. والصواب: أنه إذا كان المجلسُ مجلسَ علم عام فلا بأس أن تسلم فتقول: السلام عليكم، فمَن سَمِع يَرُدُّ، ومَن لم يسمع ليس عليه شيء. لكن إذا كان المجلسُ مجلسَ تحقيق علم وبحث، فالأولى ألا تسلم؛ لأنك تشغل الناس، وكذلك القرآن، فبعض الناس إذا صار يقرأ عن ظهر قلب، إذا سَلَّم عليه شخص ضيَّعَ عليه موقفه، فيضطر القارئ إلى أن يعيد من أول السورة، أو من أول الآية، فالإنسان ينظر للمصلحة. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 21 حكم فرش المسجد باللبّاد السؤال سمعنا لك فتوى عن اللَّبَّاد أنه لا يجوز فرشُه في المسجد. الشيخ: اللَّبَّاس؟! السائل: اللَّبَّاد: إسفنج يوضع تحت سِجَّاد المسجد. الشيخ: أقول: بارك الله فيك، وفي الإخوان، وفينا إن شاء الله جميعاً: ما أكثر ما يُنسب إلي من الأقوال! وهذه بلوى، أنا لا أدري هل الرجل الذي إذا أحب شيئاً قال: لا يكون مقبولاًَ مني إلا إذا قلتُ: قال به فلان، أو قال به فلان؟ أم ماذا؟! هذا لا يجوز أبداً. وأنا أقول لكم في هذا المكان، ولكل مَن سمع قولي هذا: إذا سمعتم عني ما تستنكرونه فراجعوني، قد أكون مخطئاً فيهديني الله على أيديكم، وربما نُقِل عني خطأً فأبيِّن أنه خطأ، وقد يكون صواباً فأبيِّن أنه صواب. فأقول: الإسفنج لا أقول: إنه حرام؛ لكن أقول: لا ينبغي أن يصل بنا الحد إلى هذا الترف، ثم إذا كان الإسفنج ليناً فإن وضعتَ عليه جبهتك وضعاً فقط دون أن تكبس عليه فهذا لا يجزئك في السجود، وقد ذكر ذلك أهل العلم في كتبهم، قالوا: إذا سجد الإنسان على عِهْنٍ منفوشٍ أو على قطن، واقتصر على مُمَاسَّة الجبهة لهذا فقط دون أن يكبس عليها فإن سجوده لا يصح، وهذا حق، والدليل على ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمَكِّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه) . وفي قوله: (يُمَكِّن جبهته) دليلٌ على أنه لابد من التمكين. هذا هو الجواب؛ أنني لا أحبِّذ أن يصل بنا الترف إلى هذا الحد، وإذا كان الصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يصلون على الحصباء -أي: الحصى-، وكما سمعتَ حديث أنس، إذا لم يستطع تمكين جبهته في الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، فكيف يصل بنا الترف إلى أن نجعل مساجدنا كأنها فُرُش نوم؟! أما إنه حرام فلا أستطيع أن أقول: أنه حرام، وذلك لأنه لا يحل لأحد أن يقول في شيء أنه حرام إلا بنص، واعلموا أن أئمتنا رحمهم الله كالإمام أحمد وغيره لا يقول بالحُرْمة إلا في الشيء الذي ورد فيه نص أنه حرام، حتى لو كانت هناك أدلة دلت على تحريمه، فإنه لا يستطيع، بل كان في إجاباته كثيراً ما يقول: لا أحب ذلك، أو أكره ذلك، أو هذا لا ينبغي، أو اترك هذا، أو تجنب هذا، وأحياناً يراجَع فيقال له: هل هو حرام، فيقول: لا أدري، افعل كذا، فالتحريم شيء صعب جداً. الآن نحن تَرِدُ إلينا أسئلة، فنقول: لا تفعل هذا، ثم يجيئك السائل فيقول: هل هذا حرام؟ فنقول: لا تفعل، وهل لا يتجنب الإنسانُ الشيءَ إلا إذا كان حراماً؟! فالمهم: أني ما قلتُ إن الإسفنج في المسجد حرام، وهذا الذي يُقال عني كذب؛ لكن ستسمعون أشياء عجيبة، إنما الواجب عليكم إذا سمعتم مثل ذلك أن تتصلوا بي وتسألوني، فالحمد لله التليفونات موجودة، والسيارات موجودة، وكل شيء بحمد الله موجود. السائل: وهذه يا شيخ؟! الشيخ: هذه ليست بشيء، ولكن الذي يسمع لا يرى! حدِّد. السائل: إشارة إلى السجاد. الشيخ: السجاد ليس فيه شيء. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 22 مدة بقاء الميت في قبره السؤال يا شيخ! إني أحبك في الله، ولقد قال أحد أئمة المساجد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مدة بقاء الميت المؤمن في قبره يجعلها الله له كصلاة عصرٍ أو ظهر، فهل هذا صحيح؟ الجواب أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً متحابين في الله. اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء. وقد أمات الله رجلاً مائة عام فلما بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ، فماذا قال؟! {لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [البقرة:259] وهي مائة سنة! يوماً أو بعض اليوم؛ لأن الله قال: إن الله أماته في أول النهار وأحياه في آخر النهار. وأهل الكهف لبثوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالموت، بل الموت أسرع في ذهاب الوقت فيه، وهؤلاء الذين ماتوا ولهم ملايين السنين تجدهم كأنهم ما مرَّ عليهم شيء، كأنهم ماتوا الآن؛ فمن كان في نعيم تجده يمضي عليه الوقت سريعاً وأسرع بكثير؛ لكن الذي في جحيم يتباطأ الوقت عنده، ويكون الوقت عليه طويلاً، نسأل الله العافية، وهذا شيء مُشاهَد، حتى إن ابن خلدون وهو يعتبر من حكماء أهل الأخبار يقول: إن أيام الأمن وأيام الرغد تمضي سريعاً، وأيام الجوع وأيام الحروب والفتن تكون طويلة. وهذا صحيح. فأقول يا أخي: كل المدفونين إذا جاء يوم القيامة فكأنهم: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ، ولهذا يقول المجرمون: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] كأنه مرقد. فالحاصل بارك الله فيك! أنا لا أعرف عن هذا الحديث هل هو صحيح أم لا؛ لكن أقول لك: إن المدة تزول سريعاً، أسرع من لمح البصر، والله أعلم. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 23 التأمين في الصلاة السرية السؤال هل يُشرَع التأمين في الركعات السرية؟ الجواب في الصلاة السرية يقال: آمين؛ لكن لا يُجهَر بها. السائل: أعني: هل يقول المصلي: آمين أو لا يقول؟ الشيخ: إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية؛ لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 24 المعاشرة بالمعروف لأقارب الزوج السؤال هل لأم الزوج حق على الزوجة؟ الجواب لا. أم الزوج ليس لها حق على الزوجة؛ لكن يكون مِن المعروف والإحسان، ويكون هذا مِمَّا ايوجب مودة الزوج لزوجته، فتراعيها في مصالحها، أو تخدمها في الأمر اليسير، وإذا أصبحت في الصباح تقول: صبَّحكِ الله بالخير يا فلانة! إما يا أم فلان! أو يا خالتي! لا فرق، وهذا حسن. أما كونه واجباً فلا؛ لأن المعاشرة بالمعروف تكون بين الزوج والزوجة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 68 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [69] في هذا اللقاء ألقى الشيخ الضوء على تفسير أوائل سورة البلد وما تضمنته هذه الآيات من معانٍ عظيمة، وذكر معاناة ومكابدة الإنسان في هذه الدار، وأن السعيد فيها من سعد بطاعة الرحمن ومخالفة الشيطان، والخاسر من طلب الدنيا فخسر الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البلد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الأسبوعية التي لُقِّبت بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس العاشر من شهر ربيع الأول عام: (1451هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بتفسير سورة البلد؛ لأننا قد بدأنا تفسير جزء عم من سورة النبأ. يقول الله عزَّ وجلَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} [الفاتحة:1] : البسملة آية مستقلة، وهي من كلام الله؛ لكنها ليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة تُفْتَتَح بها السور إلا سورة براءة، فإن افتتاح سورة براءة بالبسملة من البدعِ، والخروجِ عن منهج الصحابة رضي الله عنهم، بل ونحن نعلم أن البسملة لم تنزل بين سورة الأنفال وسورة التوبة؛ لأنها لو نزلت لحُفِظت، لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ؛ لكنها لم تنزل؛ إلا أن الصحابة عند جمع القرآن وكتابته الكتابة الأخيرة أشكلت عليهم سورة براءة، هل هي من سورة الأنفال، أم أنها مستقلة، فوضعوا فاصلاً دون البسملة. ولي تعريجةٌ يسيرةٌ على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] فإني قرأتهما هكذا بفتحِ كلٍّ مِن (يُعَذَّبُ) و (يُوْثَقُ) ، وفسَّرتُهما على هذه القراءة؛ لأن في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى: بالكسر، وهي التي في المصحف، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] ، أي: لا يعذِّب عذابَ الله أحدٌ، بل عذابُ الله أشد، ولا يوثِق وثاقَ الله أحدٌ، بل وَثاقُ الله أشد. القراءة الثانية: بالفتح، وهي: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25-26] ، أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجل أحدٌ، ولا يوثَق وثاقَ هذا الرجل أحدٌ، وهذا هو الذي قرأنا الآيتين عليه، وفسرناهما به. فلأجل هذا جَرَى التنبيه. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد) يقول الله عزَّ وجلَّ: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] . (لا) هذه: لاستفتاح الكلام وتوكيده، وليست نافية؛ لأن المراد إثبات القسم، يعني: أنا أقسم بهذا البلد؛ و (لا) هذه أتت هنا للتنبيه والتأكيد. و {أُقْسِمُ} القَسَم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على وجه مخصوص. إذاً: كلُّ شيء مَحْلُوفٍ به فإنه لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظماً في حد ذاته، مثل الذين يحلفون باللات والعزى، فهي مُعَظَّمة عندهم؛ لكنها في الواقع ليست عظيمة ولا مُعَظَّمة. إذاً: فالحلف أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم عند الحالف، على صفة مخصوصة. وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء. والذي في الآية الكريمة هنا: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} هو حرف الباء. {بِهَذَا الْبَلَدِ} البلد هنا: مكة، وأقسَمَ الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة، وأحب بقاع الأرض إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا بُعِث منها رسول الله صلىالله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه. فجدير بهذا البلد الأمين أن يُقْسَم به؛ ولكن نحن لا نقسم به؛ لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بالمخلوق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنه يُقْسم بما يشاء؛ ولهذا أقسم هنا بـ مكة في قوله: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] . الجزء: 69 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأنت حل بهذا البلد) قال تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:2] قيل: المعنى: أقسم بهذا البلد حال كونك حالاًّ فيه؛ لأن حلول النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها. وقيل: المعنى: وأنت تستحل هذا البلد. فيكون إقسام الله تعالى بـ مكة حال كونها حِلاًّ للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عام الفتح؛ لأن مكة عام الفتح أُحِلَّت للرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تُحَلَّ لأحد قبله، ولا تَحِلُّ بعد ذلك لأحد، كما قال عليه الصلاة والسلام، (وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتِها بالأمس) . فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيَّداً بما إذا كانت حِلاًّ للرسول، وذلك عام الفتح؛ لأنها في ذلك اليوم ازدادت شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام، وهُزِم المشركون، وفُتِحَت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلاد كفر؛ صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك؛ صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حالٍ لـ مكة كان عند الفتح. إذاً: في قوله: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:2] معنيان، أرجو أن يكونا على بالكم. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ووالد وما ولد) قال تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد:3] : أي: وأقسم بالوالد وما ولد، فمَن المراد بالوالد؟ ومَن المراد بالولد؟ قيل: المراد بالوالد: آدم. وبالولد: بنو آدم. وعلى هذا تكون (ما) بمعنى (مَن) أي: ووالد ومَن وَلَد؛ لأن (مَن) للعقلاء، و (ما) لغير العقلاء. وقيل: المراد بالوالد وما ولد: كلُّ والد وما ولد؛ الإنسان، والبهائم، وكل شيء؛ لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عزَّ وجلَّ، كيف يخرج -مثلاً- هذا المولود حياً سوياً، سميعاً بصيراً، من نطفة ومن ماء؟! وهذا دليل على كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ، حيث أن هذا الولد السوي يخرج من نطفة، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] ، كذلك الْحشرات، وغيرها؛ تَخرج ضعيفة هزيلة، ثُمَّ تكبر إلى ما شاء الله تعالى مِن حَدٍّ. إذاً: الصحيح أن هذه عامة، تشمل كل والد وكل مولود. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] . (اللام) هنا: واقعة في جواب القسم؛ لتزيد الجملة تأكيداً، وقد تزيد الجملة تأكيداً -أيضاً- فتكون جملةُ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} مؤكَّدةً بثلاثة مؤكدات وهي: القسم، واللام، وقد. {الْإِنْسَانَ} اسم جنس يشمل كل فرد من بني آدم. {فِي كَبَدٍ} فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني: أنه خُلِق على أكمل وجه في الخِلْقة؛ مستقيماً، يمشي على قدميه، ويرفع رأسَه، وبدنُه معتدلٌ. والبهائم بالعكس منه؛ الرأس على حذاء الدبر. أليس كذلك؟! أما بنو آدم فلا، الرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] . المعنى الثاني: قيل: المراد بالكبد: مكابدة الأشياء، ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث، وفي غير ذلك، ويعاني -أيضاً- معاناة أشد مع نفسه، ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد الذي يُعتبر أشد من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتُلي الإنسان ببيئة منحرفة، وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملةً للمعنيين؟ الجواب بلى. وهكذا ينبغي إذا وجدتَ في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين، وليس بينهما مناقضة، فاحملها على المعنيين؛ لأن القرآن أشمل وأوسع. فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح، فمثلاً قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فـ (قُرُوء) : جمع قَرْء، بفتح القاف، فما هو القَرْء؟ قيل: هو الحيض. وقيل: هو الطهر. فهنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً، لماذا؟! للتناقض. لكن اطلب المرجِّح لأحد القولَين، وخُذْ به. فهنا نقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] يصح أن تكون الآية شاملةً للمعنيين: أي: في حسن قامة واستقامة، وفي كبد بمعاناة لمشاق الأمور. ولنقتصر على هذا القدر من آيات الله البينات، لنتفرغ للأسئلة. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 69 ¦ الصفحة: 7 نصيحة للشباب في التحذير من الفرقة السؤال فضيلة الشيخ! معلومٌ أنه قد تم إيقاف بعض الدعاة مِن قبل هيئة كبار العلماء، بموجب خطاب لسماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، وهذا الخطاب موجود بين أيدي الشباب، وقد ذُكِر في آخره أن ذلك الإيقاف للدعاة حمايةً للمجتمع من أخطائهم هداهم الله، فإذا جاء شخص يحذر من هذه الأخطاء وينبِّه عليها كتلميع أسماء بعض أهل البدع، ثار الناسُ على من يحذر من هذه الأخطاء، واتهموه بالطعن في الدعاة، وأصبحوا يتعصبون لأشخاص هؤلاء الدعاة، ويعادون ويوالون فيهم، فسبَّب ذلك فتنة وفرقة بين شباب الصحوة! فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب توجيهنا لإخواننا وأبنائنا: أولاً: ألا يكون همهم القيل والقال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان ينهى عن قيل وقال) . ثانياً: ألا يكون همهم كثرة السؤال؛ ماذا حدث لفلان؟ وماذا صار على فلان؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كثرة السؤال) . ثالثاً: وألا يكون همُّهم إضاعة الأوقات، وإفناء الأعمار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال) وإضاعةُ الأعمار أعظم مصيبة من إضاعة الأموال، ولهذا قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ، لم يقل: لعلي أبني البناء، أو أبني القصور، أو أركب المراكب الفخمة، أو أتزوج النساء الجميلات، أو ما أشبه ذلك، لم يقل هذا، بل قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] ، فدل ذلك على أن العمر أثمن من كل ما في الدنيا، وإضاعة أوقات الشباب في مثل هذه الأمور خسارة. فالذي أرى إذا كان الناس يثقون في هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز فليجعلوا الأمر في ذمتهم وتحت مسئوليتهم. وإذا كانوا لا يثقون؛ فهذا بلاء عظيم! ألا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء؛ لأن ولاة الأمور هم العلماء والأمراء، كما نص على ذلك أهل العلم. فأقول: ينبغي لنا أن نبحث عن دور ينفع الناس، ويبنون به ما كان منهدماً، وألا يرجعوا إلى الوراء في الكلام الذي لا يستفيدون منه ولا يفيدون، وربما يحمل بعضَهم على الكذب والغيبة والطعن في الآخرين، فتحصل الفرقة بعد الاجتماع، والعداوة بعد الائتلاف، ويحصل الشر. علينا أن نبحث الآن عن كيف نعمل؟! وكيف ندعو إلى الله؟! وهل الدعوة إلى الله مقيدة بشروط يحترز الإنسان منها، ويأخذ بالشيء على ما هو عليه، دون أن يُحدِث أمراً يؤدي إلى إيقافه؟! نحن نأمر بأن يُدعَى إلى الله على بصيرة؛ لكن نأمر أيضاً بأن يكون في الدعوة حكمة يُقْصَد بها البناء، ويُقْصَد بها إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم. أما تناقل ما ذكره السائل من كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله الموجه إلى وزير الداخلية، فلا أرى ذلك؛ لا أرى أن يتناقله الناس، ما الفائدة من ذلك؟! هذا مما يثير الناس على إحدى طريقين: طريقِ أناسٍ يتعصبون لـ هيئة كبار العلماء فيقولون: هؤلاء عندهم أخطاء يجب حماية المجتمع منها. طريقِ أناسٍ يتعصبون لهؤلاء فيقولون: أخطأ العلماء وضلوا. فيحصل تحزب إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، والواجب إخماد الفتنة، وإزالة ما بها من فُرْقة، فلا أرى أن يتناقل الناس هذا الكتاب، وأرى أن مَن عنده شيء منه إن كان هناك مصلحة في حفظه فليحتفظ به، وإلا فليمزقه. كما أرى -أيضاً- أن أشد من ذلك وأخطر ما يتناقله الناس مِمَّا يُرْسَل إلى هذه البلاد من الخارج في نشر ما يُدَّعَى أنه تقصير من الحكومة، أو إخلال بواجب عليها، أو انتهاك لِمُحَرَّم، فإن هذا أدنى ما يقال فيه: إنه غيبة؛ لأنه ينطبق عليه تماماً حد الرسول عليه الصلاة والسلام للغيبة، ماذا قال لَمَّا سئل عن الغيبة؟! قال: (ذِكرُك أخاك بما يكره) ، ولا شك أن الدولة تكره أن تُنْشَر هذه الأشياء التي تنسب إليها، تكرهها قطعاً، إذاً: فهو غيبة، والغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا العمرة، ولا الحج، والتي يكون الإنسان فيها على خطر، أن يعاقَب، هذا إذا كان ما يُنْشَر صحيحاً ثابتاً، أما إذا كان غير صحيح بمشاهدة العيان، وسماع الآذان فإنه ينضاف إلى كونه غيبة أن يكون بهتاناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: (أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) . وحسبما نسمع عن بعض هذه المنشورات أن في بعضها كذباً لا حقيقة له، وإنما المقصود التشويه. فنحن نحذر من تناقل هذه المنشورات، ونرى أن في تناقلها إثماً؛ لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يكسب الإنسان إلا إثماً؛ لأن مقام العلماء ومقام الأمراء والسلاطين مقام حساس، غيبة العالم ليست كغيبة رجل الشارع، وغيبة ولي الأمر ليست كغيبة الكناس ونحوه، غيبة العالم قَدْحٌ فيه بعينه، ثم تقليل للثقة فيما ينشره من شريعة الله، وهذه هي النقطة الخطيرة؛ إذا قلّت ثقة الناس بما يقوله العالم؛ فقد ضاع كل علمه أو أكثره، وعلمُه هو مِن الشريعة، وإذا قلَّت هيبة ولاة الأمور من الأمراء والسلاطين قَلَّ انقياد الناس لهم، واتباع أوامرهم التي لا تخرج عن شريعة الله، وإذا قلَّ ذلك حصلت الفوضى، وصار كل إنسان يعبث على ما يريد، فالمسألة يا إخواني خطيرة! الآن لو أن أحداً من الناس كتب منشوراً فالذي عن يمينه أو عن يساره من عامة الناس -وإن شاء الله فيهم خير- يريد أن ينشره في الناس، أفلا يعتبر هذا عدواناً عليهم؟! هذا عدوان لا شك، وغيبة. هذا مع أنهم لو قلَّت ثقة الناس بهم، أو انحط قدرهم عند الناس، لم يؤثر شيئاً لا في الأمن، ولا في الشريعة، فكيف إذا كانت الغيبة تخل الأمن، أو تخل بالشريعة؟! وأنا بسطتُ هذا لأني رأيتُ أناساً يحبون الخير، فيظنون أن في نشر هذه المنشورات فائدة، وإني أشهد الله، ثم أشهدكم أن اعتقادي في نشر هذه المنشورات التي ليس فيها إلا الغيبة والسب من كبائر الذنوب، وأن الإنسان لا يزداد بها إلا إثماً، وأن أي فساد يحصل في المجتمع من جراء هذه المنشورات فإن الإنسان سيبوء بإثمه. كيف نهدم هذا الأمن بأيدينا؟! أمن، ورخاء، وطمأنينة، كيف نهدمها بأيدينا؟! ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلحة ضد الحكومات التي ليست كحكومتنا، والتي تصرِّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتضع القوانين الفرنسية، أو الإنجليزية، أو الأمريكية، أو الروسية؛ لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين؟! فما الذي يحصل؟! وماذا تكون النتيجة؟! تكون النتيجة: الأذى، وازدياد هذه الحكومات عنفاً، وسلطة، ولا استقرار ولا أمن! ثم إننا نرى أن الحكومات إذا ذهبت مَن يخلفها؟! هل يخلفها رجل كـ عمر بن الخطاب؟! أجيبوا! يخلفها شر منها، وهذا شيء مُجَرَّب. فيجب على الإنسان أن ينظر إلى العواقب والنتائج، ثم ينظر إلى ما يلاقي به ربه يوم القيامة {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ، ماذا يقول لله عزَّ وجلَّ؟! لماذا ينشر معائب العلماء، وتنشر معائب الأمراء؟! ما هي الفائدة؟! فنسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للبصيرة في دين الله، والحكمة في معاملة عباد الله. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 8 حكم تبيين الخطأ وكيفية تبيينه السؤال فضيلة الشيخ! نريد ضابطاً في تحديد الغيبة! فإذا أخطأ عالِمٌ من العلماء في مسألة من المسائل مهما كان هذا العالم -مع احترامي وتقديري وكل ما يليق بمقامه- مثل قوله بأن الله عزَّ وجلَّ غير مستوٍ على عرشه، هل تبييني بأن هذه المسألة خطأ، وتحذيري منها، وتبيين ما أخطأ فيه من مسائل الدين، وأنا لستُ في درجته من العلم يُعدُّ غيبة، أم أنه لا يجوز لي أن أبينها لأنني لستُ في درجته من العلم؟! أم أن الغيبة فقط هي القدح في شخص تكون نيته سيئة؟! فما الضابط في هذه المسألة؟ الجواب انظر بارك الله فيك! تبيين الخطأ واجب؛ لكن إذا قلتَ: مَن قال: إن الله استوى على العرش يعني: استولى عليه فقوله خطأ، وقوله منكر، ويلزم عليه لوازم باطلة، وأتيتَ بما عندك من الحجج فإنك ما عيَّنت أحداً. فالتعميم خيرٌ من التعيين لسببين: السبب الأول: ألا يظن الظان أنك متعصب ضد هذا الشخص، ولاسيما إذا كان هذا الشخص مرموقاً بين الناس ومحترَماً، وله حسنات كثيرة. السبب الثاني: أن يكون هذا الحكم عليه وعلى غيره ممن شاركه في هذه البدعة. ولهذا انظر إلى مؤمن آل فرعون ماذا قال! {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] ولم يقل: أتقتلون موسى؛ لماذا؟ لأنه لو عيَّنه لقيل: بينه وبين موسى ارتباط شخصي يريد أن ينتصر له، فقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً} [غافر:28] كأنه رجل نكرة، لا يعرفه، {أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:28] . كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع قريش في معاملتهم النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم فقال: [أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟!] . فالتعميم خير مِن التعيين مِن هذين الوجهين. أما السكوت على الخطأ فهو خطأ، لاسيما إذا صدر الخطأ من شخص مرموق يؤخذ بقوله، ويُقْتَدى به؛ لكن قبل أن أبين خطأه أتصل به، وأناقشه، وأجعل مستواي في مستواه ما دام القصد الوصول إلى الحق، فإن تبين له الحق ورجع إليه؛ فهذا هو المطلوب، وإن لم يتبين وأنا أرى أنه خالف في أمرٍ لا يسوغ فيه الاجتهاد؛ فإنه في الحال هذه يجب علي بيان الحق. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 9 تغيير الألفاظ غير العربية المستعملة بين المسلمين السؤال لا يخفى عليكم كثرة الألفاظ الغير عربية المستعملة بين المسلمين مثل: (البيجر) و (الليموزين) ، والمشكلة عدم إيجاد المرادف لها من اللغة العربية إلا بعد انتشار الاسم الأعجمي، أو أن المرادف يكون طويلاً، أرجو التوجيه، وجزاكم الله خيراً! الجواب جزاك الله خيراً للدفاع عن اللغة العربية التي نزل بها القرآن، والتي هي أشرف لغات العالم، حتى أنه رُوِي عن النبي عليه الصلاة والسلام أن قال: (أنها لغة أهل الجنة الأولين والآخرين) . والحقيقة كما تفضلتَ أنه ينبغي أن يُجعل بدل هذه الكلمات الأعجمية كلمات عربية، مثلاً: (البيجر) يُسمى بالعربية: (النداء الآلي) ، أو (المنادي الآلي) ، و (الليموزين) تسمى بالعربية: (سيارات الأجرة) ، وهي مكتوب عليها الآن (أجرة) ، فهذه إذا اعتادها الناس زال الاسم الأعجمي. على أن هذه المسألة ليست ذات تغيير، وليست مهمة جداً؛ لأن هذه كلمات هي لأشياء معينة، وليست لمعانٍ تدور بين الناس وتنتقل المعاني العربية إلى معانٍ غير عربية، وقد ذُكِر في القرآن الكريم أشياء معربة وهي أعجمية مثل: (سندس) ، و (إستبرق) ، وما أشبههما. فهذه الأعلام وإن جاءت باللغة الأعجمية إلا أنها عندي أمرها سهل؛ لكن لا شك أن الخير أن نوجد لها أسماءًَ عربية، وبشرط ألا تكون طويلة؛ لأن الاسم المطوَّل زاد الأمر بلاءً، فعندما تقول للعامي في السوق: أعطِ لي ساندويتشاً، فإنه يعطيك مباشرة. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 10 حكم تسمية الله بالمسعِّر السؤل: فضيلة الشيخ! في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة غلت الأسعار، فقال الصحابة: (يا رسول الله! سَعرْ لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسَعِّر، القابض، الباسط، الرازق) الحديث، فهل نسمي الله عزَّ وجلَّ بالمسَعِّر؟ الجواب الذي يظهر لي أن هذه صفة من صفات الأفعال، يعني: أن الله هو الذي يُغَلِّي الأشياء ويرخِّصها، فليس من الأسماء، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم؛ لكنا نقول كما قال الرسول. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 11 مساواة الهبة للميراث في العطية بين الأولاد السؤال فضيلة الشيخ! هل يقاس الميراث فيما إذا أراد أحد الأبوين إعطاء أولاده شيئاً من المال؟ الجواب نعم. إذا أراد الأب أن يهب أولادَه مالاً، فهل يسوي بين الذكر والأنثى؟ أو يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؟ نقول: الصحيح أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأننا نعلم أنه لا قسمة أعدل من قسمة الله عزَّ وجلَّ. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 12 حكم السهر بعد العشاء السؤال هل النهي في الحديث عن السمر بعد العشاء للكراهة أم للتحريم؟ وما حكم لعب الكرة بعد العشاء ولو يوماً واحداً في الأسبوع؟ الجواب كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديثَ بعدها؛ لكنه ليس للتحريم، اللهم إلا أن يؤدي ذلك إلى ترك صلاة الفجر، فيكون حينئذ للتحريم، وتحريمُه من باب سد الذرائع. وأما لعب الكرة بعد العشاء يوماً واحداً في الأسبوع أو كل يوم فإننا نسأل أولاً: كيف يلعب هؤلاء الكرة؟ أحياناً يلعبونها على وجه غير مَرْضِيٍّ، فتجد أفخاذهم عارية، أو بعض الفخذ أو أكثر الفخذ، وهم شباب، وظهور فخذ الشاب فتنة لا شك، ثم إنه قد يؤدي بهم الأمر إلى أن يَمْضِي بهم أكثر الليل في اللعب، ثم تفوتهم صلاة الجماعة، أو تفوتهم صلاة الفجر. فلعب الكرة لا أرى فيه بأساً من حيث الأصل، ما لم يشغل عن واجب، أو يوقِع في محرم، فيكون حراماً لِهذا السبب. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 13 حكم رجل طلق زوجته طلقة رجعية ثم طلقها ثانية قبل أن يراجعها السؤال فضيلة الشيخ! إذا طلق الزوج زوجته طلقة رجعية، ثم أردف لها طلقة ثانية أثناء العدة قبل أن يراجعها، فهل تقع هذه الطلقة الثانية؟ الجواب أكثر العلماء على ذلك، أي: على أنها تقع، فالطلقة المرادفة للطلقة تقع. واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنها لا تقع، وأن الطلاق الثاني لا يقع إلا بعد نكاح أو رجعة، وقوله هو الصواب. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 14 سؤال عن التعقيب على تفسير الشيخ السعدي السؤال فضيلة الشيخ! في التفسير للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي وجدنا في أحد الطبعات تعقبات من شخص يدعى محمد زاهر النجار، فما رأي فضيلتكم في هذا التعقيب؟ الجواب والله أنا ما راجعتُ الكتاب؛ لكن هناك أحد طلبة الشيخ عبد الرحمن رحمه الله كتب تعقيباً على هذا التعقيب في كراسة أو كراستين، وهو أخونا محمد السليمان العبد العزيز البسام. السائل: لكن هذه التعقيبات فيها ملاحظات. الشيخ: هو عقَّب على التعقيب. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 15 حكم الاتكاء على اليدين من الخلف السؤال مسألة إلقاء اليدين خلف الظهر والاتكاء عليهما، ما حكم هذا الفعل؟ الجواب الاتكاء على اليدين من الخلف لا بأس به إذا كانت اليدان كلتاهما. أما إذا كانت اليمنى فلا بأس أيضاً. أما الاتكاء على اليسرى على بطنها، فقد ورد أن هذه جلسة المغضوب عليهم. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 16 الحكم على جماعة التبليغ السؤال انتشرت في الرياض عندنا جماعة الدعوة والتبليغ، وقد وجدنا عندهم أخطاء عظيمة، ومنها: في التوحيد، فما رأيكم؟ الشيخ: ما الذي وجدتم؟ السائل: أحدهم تكلم معي فقال: يزعم بعض الناس أن مشركي قريش اعترفوا بتوحيد الربوبية، وهذا خطأ. الشيخ: هذه فقط؟ السائل: هناك بعض الأشياء؛ فمنهم من يقول، بل نفس هذا الشخص يقول بجواز الصلاة في مسجد فيه قبر، واستدل بالمسجد النبوي. الجواب جماعة التبليغ رأيي فيهم أنهم جماعة لهم تأثير عظيم، ونَفَع الله بهم، فكم اهتدى على أيديهم من كافر أو فاسق! وهذه حسنة لا يجوز إنكارها أبداً، ثم هم هادئون لا يتكلمون في أحد، بل إنهم من شدة ورعهم -الذي قد نَحْمَدهم عليه وقد لا نَحْمَدهم- أنهم لا يتكلمون في مسائل العلم والفقه خوفاً من الزلل، وإذا استفتاهم أحد قالوا: اسأل العلماء. لكن فيهم جهل عظيم، وفيهم جهل كثير؛ لأن عامتهم عوام، فلو أن طلبة العلم خرجوا معهم ونظروا إلى ما عندهم من البدع أو ما يُظَنُّ أنه بدعة وأرشدوهم؛ لكان في هذا خير كثير! وكم من أناس فسقةٌ فسقةٌ فسقة اتصل بهم هؤلاء التبليغيون، فصاروا من أفضل عباد الله. لكن الذي أنصح به ألا يذهبوا إلى خارج البلاد السعودية؛ لأن المَجْمَع الذي يجتمع فيه التبليغيون خارج البلاد يقال لي: إن رؤساءه أهل بدع كبيرة. وأما قولُ مَن وافقتَ منهم: إن المشركين لا يقرون بتوحيد الربوبية، فيكفي في هذا نداءً على جهله، وأنه يقرأ القرآن ولا يعرف معناه، فإن قريشاً يقرون بالربوبية، يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:84-85] . {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:86-87] . {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:88-89] ، فهم مُقِرُّون. ويقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] . وهذا واضح صريح. وأما استدلاله بجواز الصلاة في مسجدٍ بُنِي على قبر بالمسجد النبوي؛ لأن فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أيضاً من جهله؛ لأن قبر النبي صلىالله عليه وعلى آله وسلم لم يُحْدَث في مسجد، ولم يُبْنَ عليه مسجد! وإنما دفن في بيت عائشة رضي الله عنها، لكن لَمَّا احتاج الناس إلى توسعته ورأوا أن أنسب مكان يُوَسَّع منه هي الجهة الشرقية وَسَّعُوهُ، وبقي القبر في مقصورته في مكانه في بيت مستقل، فليس هو في المسجد، ولم يُبْنَ المسجد عليه. وهذا واضح. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 17 تعيين صاحب البدعة قبل إقامة الحجة عليه السؤال أحسن الله إليك يا شيخ! رجل وقع في بدع متنوعة في كتبه وأقواله، فهل يشترط لتسمية هذا الرجل أو غيره من الناس مبتدعاً أن تقام عليه الحجة؟ الجواب والله -بارك الله فيك- إن كان هذا الرجل موجوداً والناس يأخذون منه وهو داعية؛ فلا بد من ذكر اسمه، وإلا فلا حاجة إلى ذلك، وإنما اذكر القول الذي ضل فيه وبين أنه ضلال، وكما قلتُ قبل قليل: إن التعميم أحسن من التعيين، أما إذا كان موجوداً -كما أسلفتَ- وترى الناس يرتادونه، ويأخذون من بدعه، فهنا قد نقول: إن تعيينه متعين. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 18 وجوب صلاة الجماعة على المسافر السؤال إنسان يسافر إلى الرياض للدراسة في الجامعة، فيذهب مساء الجمعة ويرجع إلى أهله وإلى بلده عصر الإثنين، فهل يطبق حكم المسافر من ناحية قصر الصلوات وجمعها؟ الجواب هو مسافر لا شك؛ لأنه لم يتخذ بلد الدراسة وطناً، ولم ينوِ فيه الإقامة المطلقة، بل إقامته لغرض؛ لكنه إذا كان في بلد تقام فيه الجماعة فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة عليه ولا جمعة فهذا لا أصل له، بل إن الجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] ، والجمعة واجبة على كل مَن سمع النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ؛ لكن إذا فاتتك الصلاة وأنت هناك، أو كنت في مكان بعيد عن المساجد؛ فإنك تصلي الرباعية ركعتين. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 19 صحة صلاة أكثر من فرد خلف صف لم يُكمل السؤال قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) ، لو جاء أكثر من رجل وأدركوا الإمام وهو راكع، ووقفوا في الصف الثاني مع وجود فجوات من اليمين والشمال، هل نقول إن صلاتهم لا تصح أو عليهم الإعادة؟ الجواب إذا وقف اثنان خلف الصف الذي لم يتم، سواء خافوا فوات الركعة أم لم يخافوا، فصلاتهم صحيحة؛ لكنهم تركوا الأفضل، وهو إكمال الأول فالأول. السائل: هذا على قول من قال بصحة صلاة المنفرد. الشيخ: نعم. على قوله؛ لأنه ليس منفرداً، فالرسول عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف. على أن القول الراجح أنك إذا وجدتَ الصف تاماً فلا حرج عليك أن تقف منفرداًَ. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 20 سبب التنوين في قوله تعالى: (يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً) السؤال فضيلة الشيخ! قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان:41] ما سبب التنوين في قوله: {مَوْلَىً عَنْ مَوْلَىً} [الدخان:41] ؟ الجواب هذا مثل {هُدَىً} [البقرة:2] فالألف هنا ليست ألف تأنيث، فالذي يمتنع من التنوين إذا كانت الألف فيه ألف تأنيث، أما هذه فهي من الاسم من بُنية الكلمة، مثل: (هدىً) ، ورِضَاً، وما أشبههما. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 21 حكم نكاح الشغار السؤال يا شيخ! انتشر في القرى المجاورة نكاح الشغار، وهناك رجل عمره (50) سنة تقريباً خطب فتاة صغيرة في السن، فزوَّجه والدها على أساس أن يزوج هذا الرجلُ الخاطبُ ابنتَه لوالد هذه الفتاة، وكان بينهما صداق، فما هو موقف الداعية القريب منهما في هذا الأمر؟ ونصيحتك يا شيخ لمثل هؤلاء! الجواب إذا كان بينهما صداق فالأمر سهل، بشرط أن يكون صداق المثل، فيكون النكاح صحيحاً؛ لأن الفقهاء رحمهم الله مختلفون في هذه المسألة: إذا سُمِّي صداقٌ صداقَ مثل، وبدون إكراه من الزوجة هل يصح أو لا! والراجح أنه يصح. لكن ليس قولي: إنَّ الراجح أنَّه يصح أنِّي أفتح الباب للناس، لا؛ لكن في مثل هذه المسألة التي وقعت وانتهت ولها خمسٌ وعشرون سنة، وقد أتاهم الأولاد، فإننا لا نفرق بينهم. السائل: حصل قريباً يا شيخ! الشيخ: حتى ولو كان قريباً، ما دام المهر كاملاً. وأنا أرى أن نكاح الشغار صحيح إذا تمت فيه شروط ثلاث: الأول: أن يكون كلٌ من الزوجين كفؤاً للمرأة. الثاني: أن يُسمى مهرُ المثل. الثالث: ألا تُكرَه واحدةٌ منهما على النكاح. أنا أرى أن هذا صحيح؛ ولكن لا يجوز للإنسان أن يمنع ابنته حتى يأتيه رجل يتفق معه على هذه الشروط، هذا حرام ولا يجوز. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 22 الشعر الذي على الخد من اللحية السؤال فضيلة الشيخ! هل الشعر الذي على الخد يعتبر من اللحية؟ الجواب الشعر الذي على الخد من اللحية، كما جاء ذلك في القاموس المحيط للفيروز آبادي. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 23 الرد على من يرتكب الأشياء المحرمة بحجة عدم تحريمها السؤال عندما نناصح بعض أصحاب المحلات بحرمة بيعِ الدخان -كما أفتيتم بذلك- وبعضِ المجلات الساقطة، يحتجون بأنها مسموحة، ولو أنها حرام لَمُنِعَت، فكيف يكون الرد على هؤلاء وعلى كثير من أمثالهم بما يحصل من المسلسلات الساقطة أيضاً، والأغاني الماجنة، يقولون أيضاً: لو كانت حراماً لَمُنِعَت، فكيف يُرَدُّ على هؤلاء؟ عفا الله عنك! الجواب الرد سهل، وأنا أسألكم: ما مصدر التشريع؟ عمل الناس، أو الكتاب والسنة؟ - الكتاب والسنة. فإذا دل كلٌّ من الكتاب والسنة على تحريم شيء فلا عبرة بعمل الناس، وليس ذلك بحجة، ولا يمكن أن يدفع الإنسان حجة الله عليه يوم القيامة بمثل هذا إطلاقاً، لقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ما قال: ماذا وافقتم فيه المجتمع؟ قال الله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:66] ، عَمِيَت عليهم أنباؤهم، فلا يستطيع الواحد منهم أن يجيب ولا يسأل غيرَه أيضاً. فيقال: نحن أقمنا عليك الحجة، فإن اهتديتَ فلنفسك، وإن لم تهتدِ فقد قال الله تعالى لرسوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} [الغاشية:22-23] يعني: لكن من تولى وكفر، {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:24] . الجزء: 69 ¦ الصفحة: 24 دفع الزكاة بقصد نمو المال والبركة فيه لا بنية الامتثال السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يقول: إني لا أزكي مالي أو لا أتصدق إلا بقصد نماء هذا المال والبركة فيه، فما توجيهكم؟ الجواب لا بأس؛ لكن نيتُه -في الواقع- متأخرة جداً، وإلاَّ فإن قصد هذه الأشياء قد نبَّه الله عليه، قال نوح لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] ، هذا الذي ذَكَرَ لهم يقصد به الترغيب لأجل أن يفعلوا هذا لهذا؛ لكن نيتهم قاصرة لا شك. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما نَقَصَتْ صدقةٌ مِن مال) يرغِّب الناس. وقال أبْيَنَ من هذا: (من أحب أن يُنْسَأ له في أَثَرِه، ويُبْسَطَ له في رزقه فليَصِلْ رَحِمَه) . فلم يجعل الله عزَّ وجلَّ هذه الفوائد الدنيوية إلا ترغيباً للناس، وإذا كانوا يُرَغَّبون بها فسوف يقصدونها؛ لكن لو قصد الآخرة حصلت له الدنيا، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى:20] يعني: نعطيه الدنيا والآخرة. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 25 حكم قيام الناس للرجل إذا دخل المجلس السؤال فضيلة الشيخ! إذا دخل الرجل إلى المجلس، فقام الناس للسلام عليه سواءً كان قادماً من سفر، أو جاء من نفس البلدة، فما حكم هذا السلام؟ الجواب لا بأس أن يقوم الإنسان للشخص ليتلقاه بالسلام، أو التهنئة بمولود، أو نحو ذلك، فقد قام طلحة رضي الله عنه حين أقبل كعب بن مالك ودخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه، فقام طلحة يهنئه بتوبة الله عليه، قال: (فكنتُ لا أنساها لـ طلحة) ، فهذا لا بأس به. ولهذا يقول العلماء في هذا الباب: هناك ثلاثة أصناف للقيام: قيام للشخص، وقيام إلى الشخص، وقيام على الشخص. فالقيام للشخص: جائز؛ لكن الأولى تركه، إلا إذا اعتاد الناس أن عدم القيام إهانة للداخل فلْيُقَمْ له. والقيام إلى الشخص: جائز، بل يكون مطلوباً إذا كان الشخص أهلاً لذلك. والقيام على الشخص: هذا منهِيٌّ عنه، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلى بأصحابه جالساً وصلوا هم قياماً؛ لأنهم قادرون، فأشار إليهم أن اجلسوا. وبين أن ذلك منهيٌّ عنه؛ لأنه فعلُ الأعاجم بملوكها؛ إلا إذا كان فيه مصلحة للإسلام فقُمْ، أو كان هناك خوف على الذي قمت على رأسه فقُمْ. مثال المصلحة: تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وعلى آله وسلم لما ذهب إلى مكة معتمراً صده المشركون، وكان بينه وبينهم مراسلات، وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قائماً على رأسه بالسيف، ولم يقل له الرسول: لا تقُمْ! لماذا؟ للمصلحة، وهي إغاظة المشركين. ولهذا في ذلك اليوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم سكتوا، وإذا تنخم نخامة استقبلوها بأيديهم، ثم دلكوا بها وجوههم وصدورهم، مع أنه لم يكن هذا من عادتهم؛ ولكن فعلوا ذلك إغاظة للمشركين. ولهذا لَمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتبختر في مشيته بين صفَّي المسلمين والكفار، قال: (إنها لَمِشْيَةٌ يبغضها الله إلا في هذا الموطن) ، فمِشْيَةُ الخيلاء والتبختر حرام؛ لكن إذا كان فيها إغاظة للمشركين فلا بأس. فانتبهوا لهذه الأقسام الثلاثة، وهي: القيام للشخص، والقيام إلى الشخص، والقيام على الشخص. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 26 حكم القصر لمن يسافر مسافة (90كم) السؤال نحن نبعُد عن مدينة بريدة ما يقرب من (90كم) ونحضر للدراسة يومياً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ونلاقي من المشقة ما الله به عليم، لاسيما في طريق العودة، ونحن نحضر يومياً، فهل نقصر في صلاتنا؟ الجواب أرى ألا تقصروا في صلاتكم؛ لأن هذا الذهاب لا يُعَدُّ سفراً، إذ أنكم تفطرون في بيوتكم وتتغدون في بيوتكم، فالذي أرى ألا تقصروا. ويرى بعض العلماء الذين يقدِّرون السفر بالمسافة أن مسافة القصر نحو [81كم] أو [83كم] فعلى هذا الرأي تكونون من المسافرين، ويجوز لكم الترخُّص؛ لكني لا أرى أن تفعلوا، فأتموا، والمسألة والحمد لله زيادة ركعتين، وهي سهلة لا تضر الإنسان. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 27 حكم المأموم الذي ركع إمامه قبل إكماله للفاتحة السؤال إذا دخل المأموم بعد الإمام ثم ركع الإمام قبل أن يكمل المأموم الفاتحة، فهل يركع المأموم أم يكمل قراءة الفاتحة؟ الجواب إذا دخل المأموم والإمام يريد أن يركع، ولم يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، فإن كان لم يبقَ عليه إلا آية أو نحوها بحيث يمكنه أن يكملها ويلحق الإمام في الركوع فَحَسَنٌ، وإلاَّ ركع مع الإمام ولا شيء عليه. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 28 حكم دم الصيد الذي يصيب بدن المرء السؤال لو رميتُ صيداً وأصابني منه دم، فهل هذا الدم يعتبر بمثابة الدم المسفوح أو أنه يختلف؟ الشيخ: أصابك قبل أن يموت أو بعد أن مات؟ السائل: عندما رميتُه سقط، فأصابني منه وهو يسقط. الشيخ: سقط ميتاً أو حياً؟ السائل: سقط وهو يموت. الجواب نعطيك قاعدة بارك الله فيك وهي: أن كل دم يخرج من حي فهو دم مسفوح، قد يكون طاهراً وقد يكون نجساً، فإن خرج الدم مِمَّا مَيْتَتُه نجسة فهو نجس، وإن خرج مِمَّا مَيْتَتُه طاهرة كالسمك فهو طاهر. أما ما يخرج من الدم بعد موت المُذَكَّاة، أو موت المَصِيْدَة فإنه طاهر، حتى لو ظهرت حُمْرَته في القدر حال الطبخ فهو طاهر. وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى. نسأل الله أن يحيينا وإياكم حياة طيبة تقربنا إليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 69 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [70] لقد خلق الله هذا الإنسان في كامل الرفعة والتمام في الخلقة والعقل، فهو في هذه الدنيا يعيش مع مكابدة المشاق من الأعمال الدنيوية والأخروية، بالإضافة إلى أن هذا الإنسان الضعيف إذا كان في كامل صحته وعنفوان شبابه مع وجود الغنى وبسط الرزق له أهلكه في شهواته، يقول: إنه لا يقدر عليه أحد ونسي أن هناك من يراقبه، فإن الله الذي خلقه هو الذي امتن عليه بنعمة البصر واللسان والشفاه وغيرها من النعم بجانب هدايته إلى طريق النجدين. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البلد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الثامن عشر من شهر ربيع الأول، والذي يتم فيه اللقاء مع الإخوة في كل أسبوع. وهذا هو اللقاء الموفِي للسبعين لقاء، والذي يتم في شهر ربيع الأول من عام (1415هـ) . ومن عادتنا أن نتكلم أولاً عن تفسير آيات كنا معها من سورة النبأ حتى انتهينا إلى أول سورة البلد في قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:4-7] ، بيَّنا أن قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] له معنيان عند أهل العلم: المعنى الأول: التمام والرفعة في الخِلْقَة، والعقل، وغير ذلك. المعنى الثاني: مكابدة المشاق في الأعمال الدنيوية والأخروية. والقاعدة في تفسير كتاب الله عزَّ وجلَّ يا إخواننا: أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا تناقض بينهما، فإنها تُحمل على المعنيين جميعاً؛ لأن ذلك أوسع في التفسير والعلم. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) ثم قال الله عزَّ وجلَّ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد:5] أي: أن الإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد؛ لأنه في عنفوان شبابه، وقوته، وكبريائه، وغطرسته، فيقول: لا أحد يقدر عَلَيَّ، فأنا أعمل ما شئتُ، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] . إذاً فالإنسان في حال صحته، وعنفوان شبابه يظن أنه لا يقدر عليه أحد، وهذا لا شك بالنسبة للكافر، حتى أنه يظن أن الرب عزَّ وجلَّ لا يقدر عليه. أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير، فيخاف الله. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يقول أهلكت مالاً لبداً) قال تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً} [البلد:6] : يقول الإنسان أيضاً في حال غناه وبسط الرزق له: أهلكتُ مالاً لُبداً، أي: مالاً كثيراً، أهلكه في شهواته وملذاته. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أيحسب أن لم يره أحد) يقول الله عزَّ وجلَّ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:7] أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره للمال، وصرفه فيما لا ينفع؟! وكل هذا تهديد للإنسان ألا يتغطرس، وألا يستكبر من أجل قوته البدنية، أو كثرة ماله. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل له عينين) قال الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8-10] هذه ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان. {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] أي: يبصر بهما، ويرى بهما، وهاتان العينان توصلان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، إن نظر نظرة محرمة كان آثماً، وإن نظر نَظَراً يقربه إلى الله كان غانماً، وإن نظر إلى ما يباح له، فإنه لا يُحْمَد ولا يُذَم ما لم يكن هذا النظر مُفْضياً إلى محظور شرعي، فيكون آثماً بهذا النظر، أو العكس. قال تعالى: {وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:9] : لساناً ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة؛ لأنه بهذا اللسان وبالشفتين يستطيع أن يعبر عمَّا في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، لو كان لا يتكلم فكيف يؤدي ما في قلبه؟! كيف يُعلم الناس بما في نفسه؟! اللهم إلا بإشارة فإنها تُتْعِب المشير، وكذلك المُشار الذي أُشِيْرَ له؛ ولكن من نعمة الله أن جعل له لساناً ناطقاً، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذا من نعمة الله، وهو أيضاً من عجائب قدرته، فمن أين يأتي النطق؟! يأتي من هواء يكون في الرئة فيخرج من مخارج معينة، فإن مَرَّ بشيء صار حرفاً، وإن مَرَّ بشيء آخر صار حرفاً آخر، وهو هواء واحد، من مخرج واحد؛ لكنه يمر بشعيرات دقيقة في الحلق والشفتين واللثة، هذه الشعيرات تكوِّن الحروف، فنجد مثلاً: الباء والشين كلاهما يحدث بهواء يندفع من الرئة، ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم من مخارجِ الحروف المعروفة، وهذا من تمام قدرة الله عزَّ وجلَّ. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وهديناه النجدين) قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] : هناك قولان في تفسير هذه الآية: القول الأول: أي بيَّنا له طريق الخير وطريق الشر. القول الثاني: أي: دَلَلْناه على ما فيهما غذاؤه، وهما الثديان، فإنهما نجدان لارتفاعهما فوق الصدر، فهداه الله تعالى إليهما وهو رضيع لا يعرف شيئاً، فمن حين أن يخرج وتضعه أمه يطلب الثدي، من الذي علَّمه؟! إنه الله عزَّ وجلَّ. فبيَّن الله عزَّ وجلَّ منتَه على هذا الإنسان، فمِن حين يخرج يهتدي إلى النجدين. وفي بطن أمه يتغذى عن طريق السرة؛ لأنه لا يستطيع أن يتغذى من غير هذا، فلو تغذى عن طريق الفم فإنه يحتاج إلى بول وغائط، وكيف يمكن ذلك؟! لكنه عن طريق السرة يأتيه الدم من دم أمه، وينتشر في عروقه حتى يحيا إلى أن يأذن الله تعالى بإخراجه. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 70 ¦ الصفحة: 8 مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة السؤال هل صحيح ما يُروى عن الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أنه رأى ربه في المنام؟ وإذا كان صحيحاً فكيف كانت الرؤية؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه مسألة عظيمة: وهي رؤية الله سبحانه وتعالى. فرؤية الله تعالى في الآخرة أمر ثابت بالقرآن، والسنة، وإجْماع السلف ولكن هل إذا رؤي يُدرك؟! الجواب: لا، لأن الله قال: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] سبحانه وتعالى. وكم من شيء نراه ولا ندركه، إما لصغره، وإما لبُعده، وإما لغير ذلك من الأسباب! فالله عزَّ وجلَّ يُرى ولا يُدرك. ولا حاجة إلى سرد الأدلة كلها في ذلك؛ ولكن نشير إشارة يسيرة: يقول الله تبارك وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] . فالأولى بالضاد بمعنى: حَسَنَةٌ. والثانية: بالظاء بمعنى: النَّظَر بالعين. وهذا يكون في المؤمنين؛ لأنه قال في مقابل ذلك: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:24-25] . وقال تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] : مفهومُها: أن غيرَ الكفار غيرُ محجوبين. وفي السنة المتواترة: أن الله تعالى يُرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) فالأولى: صلاة العصر، والثانية: صلاة الفجر. والأحاديث في ذلك كثيرة ومتواترة. وأما السلف فمُجْمِعون على ذلك. هذا في الآخرة. أما في الدنيا فإن الله لا يُرى، ولقد سأل موسى عليه الصلاة والسلام وهو أحد أولي العزم من الرسل، سأل ربه أن ينظر إليه: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] اندكَّ الجبل بمجرد أن تجلى الرب له، فلما رأى موسى هذا المنظر خَرَّ صَعِقاً، وغُشِي عليه من هول ما رأى، وعلم أنه لا يمكن أن يرى ربه؛ لأنه إذا كان الجبل لم يستطيع أن يبقى على ما هو عليه حين تجلى له الرب عزَّ وجلَّ، فإن الإنسان من باب أولى. ففي الدنيا لا يُرى الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) . بقي هل يمكن أن يُرى الله في المنام؟ نقول: أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد رأى ربه في المنام. وأما غيرُه ففي النفس شيء من ذلك، حتى ما يُروَى عن الإمام أحمد في نفسي منه شيء؛ لأن عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) يشمل اليقظة والمنام، وإذا كان يشمل هذان فلا يمكن أن نقول: إنه يمكن أن يُرى في المنام! وإذا رُؤي في المنام فكيف يُرى؟! إذا كان الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلن يتمثل بالله! وأنت إذا رأيت الله سبحانه وتعالى على ما هو عليه في المنام فلستُ أدري، وأنا في شك مما يُروى عن الإمام أحمد أو غيره أنه رأى الله عزَّ وجلَّ. وأما في الآخرة فإن المؤمنين يرون ربهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. السائل: أليس صحيحاً ذلك عن الإمام أحمد؟ الشيخ: والله أنا في شك. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 9 حكم مقولة: (الأول أينما كنت) (نحن معكم أينما كنتم) السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! هناك عبارة وجدتها مكتوبة على إحدى الدعايات على أحد أنواع الشاي، تقول: (الأول أينما كنتَ) ، وهناك أيضاً عبارة على أحد البنوك تقول: (نحن معكم أينما كنتم) ، فلستُ أدري! هل مثل هذه العبارات جائزة على إطلاقها؟ أم أن لها قيوداً؟ أم أنه لا يجوز إطلاقها البتة إلا على ذات الله عزَّ وجلَّ؟! الجواب هذه العبارات في الشاي: (الأول أينما كنتَ) ، يريد صاحبها: أن هذا النوع من الشاي هو الرقم الأول أينما كان الإنسان، وهذه العبارة لا تنبغي، والمقصود منها: هو الدعاية لهذا الشاي. ولا أظن أن الذي كتبها يخطر في باله أنه يريد بكلمة (الأول) ما يُراد إذا ذُكِر الله، لا أظن هذا. وكذلك عبارة (نحن معكم أينما كنتم) ، نقول: لا حيَّاكم الله ولا بيَّاكم أيتها البنوك، ولا نريد أن تكونوا معنا، ولا نكون معكم، ونسأل الله تعالى أن ييسر تحويل هذه البنوك إلى معاملات إسلامية في أقرب وقت ممكن. فهم يريدون أيضاً أن هذا البنك معك أينما كنت، بمعنى: أنك إذا كنتَ في بلدك استطعت أن تستفيد، وإذا كنت في بلدٍ آخر استطعت أن تستفيد كما حدث الآن في الآونة الأخيرة، ولا أظن أيضاً أنهم يريدون معية الله عزَّ وجلَّ لخلقه، لا أظن هذا. لكن مع ذلك أرى أن تستبدل هذه العبارات. فأما عبارة الشاي فيقال: (هذا أحسن شاي) ، إن كان صادقاً، فربما لا يكون أحسن شاي؛ لكن على تقدير أنه صادق. وأما البنوك فيحسُن أن تُبْدَل العبارة بعبارة أخرى، مثل: (نرجو أن تعيننا على أن تتحول هذه البنوك إلى بنوك إسلامية) . الجزء: 70 ¦ الصفحة: 10 جواز استخدام الدف للرجال في المناسبات السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم استعمال الدف في العَرْضات والمناسبات للرجال؟ وما حكم التصفيق لهم؟ الجواب أما الدف فلا بأس به للرجال عند قدوم غائب كبير، أو لمناسبات كالأعياد وشبهِها. وأما في الأعراس فالذي تستعمله النساء فقط. أما الطبل فلا يجوز مطلقاً. والفرق بين الدف والطبل أن الدف مفتوح من أحد الجانبين، وأما الطبل فهو مقفل من الجانبين. وأما التصفيق فلا نرى هذا؛ لأن التصفيق لَهْوٌ لا فائدة منه، فلا نرى أن يصفق الرجال، بل ولا النساء أيضاً في الأعراس، ويكفي ما جاءت به السنة من اللهو. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 11 توضيح ما ذكره ابن القيم في السترة السؤال ذكر ابن القيم في زاد المعاد "أن مِن سنة النبي عليه الصلاة والسلام في السترة أن لا يكون المصلي مُتَعَمِّداً لها، أو أمام وجهه، وأن لا يصمُد إليها" فلو وضَّحتَ هذا يا شيخ! الجواب يقول العلماء رحمهم الله: إذا وضعتَ سترة في الصلاة فلا تقابِلْها مقابلةً تامة، بل اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لأنه ورد حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لكن الحديث الذي ورد في هذا لَيِّن؛ أي: فيه شيء من الضعف. وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله. والأمر في هذا واسع؛ إن صَمَد إليها صَمْداً فلا بأس، والإنسان بعيدٌ عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 12 جواز التصوير بكاميرا الفيديو للحاجة السؤال فضيلة الشيخ ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ الجواب التصوير بكاميرا الفيديو إذا كان لمصلحة فلا بأس، كتصوير محاضرات، أو معلومات تفيد الإنسان. وأما إذا كان عبثاً فأقل ما فيه أنه إضاعة للمال والوقت في التصوير وفي عرضها على جهاز التلفاز، وفي الوقت أيضاً. فالمهم أنه إذا كان لحاجة أو مصلحة فلا بأس، وإلاَّ فتركه أفضل. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 13 جواز الدخول إلى الخلاء بالشريط الإسلامي السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما حكم الدخول بالشريط الإسلامي إلى دورات المياه إذا كان فيه قرآن؟ الجواب أولاً: أخونا سلَّم وهو جالس معنا، وهذا ليس من السنة؛ لأن الصحابة كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه، ولا يبتدئون ذلك بالسلام. لكن حيث أن السائل سلَّم متأوِّلاً أن السلام مشروع فإننا نقول له: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. أما بالنسبة للأشرطة التي فيها القرآن أو الأحاديث أو المواعظ فإن الدخول بها إلى محل قضاء الحاجة لا بأس به، لأنها ليست مكتوبة، ولهذا لو فَلَلْتَ سَيْرَ الشريط ما قرأتَ منه شيئاً، بخلاف المكتوب، فالمصحف يحرُم على الإنسان أن يدخل به الخلاء إلا إذا خاف عليه من سرقة أو نحوها، وأما هذا فلا بأس به؛ لأنه ليس مكتوباً. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 14 حكم إرسال واستقبال الحوالة بواسطة البنوك الربوية السؤال فضيلة الشيخ ما حكم إرسال واستقبال الحوالة بواسطة البنوك الربوية؛ لأنها أسرع؟ الشيخ: صفها لي! السائل: أرسل شخصٌ حوالةً إلى شخص ما في مدينة ما عن طريق بنك ربوي للاستفادة من الوقت؛ لأن فيه سرعة، فما الحكم في ذلك يا شيخ؟! الجواب أقول لكم قاعدة مهمة: معاملة البنوك على وجه مباح لا بأس بها -فمثلاً- لي أن أشتري منهم، أو أصرف منهم، أو أحوِّل عن طريقهم، فلا بأس بهذا؛ لكن المحظور هو الربا، فإذا لم يكن رباً فلا بأس، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من اليهود، وقبل الهدية منهم، وهم يأكلون السحت، ويأخذون الربا، وقد مات عليه الصلاة والسلام ودرعُه مرهونة عند يهودي. أفهمت الجواب الآن؟ فلا بأس أن تحول عن طريق البنوك. السائل: فما المحرم فيها إذاً؟ الشيخ: المحرم هو الفائدة، أو التي يسمونها فائدة وهي في الحقيقة خسارة، فالمحرم هو الربا وهو أن تضع مالاً فتُعطَى عوضاً عن وضعِه، أو أن تأخذ مالاًَ وتُعْطِيهم عوضاً عن أخذه. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 15 حكم تصرف الوكيل بمال الموكل بدون إذنه السؤال يا شيخ! إذا أعطاني إنسانٌ نقوداً أو كتباً لعمل مشروع خيري، ثم أخذتُ هذه وبعتُها بمبلغ فيه ربح، واستخدمتُ هذا المبلغ في نفس المشروع الذي أعطاني النقود من أجله، والزيادة استخدمتُها في مشروع خيري آخر، فهل هذا جائز؟ الجواب معنى ذلك أنك تصرفت فيها وكَسَبَتْ، وتريد أن تضع رأس المال في المشروع المنصوص عليه، والباقي في مشروعٍ آخر! أولاً: مَن أعطي شيئاً لعمل مشروعٍ معين فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيه أبداً، بل لابد أن يصرفه فيما أُذِنَ له فيه؛ وذلك لأن الوكالة مقيِّدة للوكيل فيما وُكِّل له فيه، لا يزيد عليها ولا ينقص. ثانياً: لو فُرِضَ أن الرجل فَعَل ورَبِحَ هذا التصرُّف، فالواجب صرف الربح في المشروع الأول الذي نص عليه صاحب الدراهم؛ لأن الربح تَبَعٌ للأصل، ولا يجوز أن يصرفه في مشروع آخر إلا بإذن صاحبه. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 16 حكم الأذان لمن فاتته صلاة الجماعة السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! ما حكم الأذان لمن فاتته صلاة الجماعة سواء كان فرداً أو جماعة؟ وإذا أُخِّرت الصلاة، هل يؤخَّر الأذان تبعاً لها أم يكون على موعد وقت دخول الصلاة؟ الجواب أما الأذان للواحد فسنة وليس بواجب؛ لأن الأذان للإعلام بدخول الوقت والدعوة إلى الصلاة، والواحد يعلم بنفسه، وأما إذا كانوا جماعة فيجب عليهم الأذان، سواءً في الحضر، أو في السفر؛ لكن في الحضر يُكْتَفَى بأذان الناس، وفي السفر لابد أن يؤذنوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أذن لـ مالك بن الحويرث ومن معه أن ينصرفوا قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) فأمر بأذان الواحد منهم. وعلى هذا فيجب على من كانوا في سفرٍ أو في نزهة ولا يسمعون أذان البلد أن يؤذنوا. وأما هل يكون عند دخول الوقت أو عند فعل الصلاة؟ فنقول: يكون عند فعل الصلاة، إلا إذا كنتَ في البلد فلابد أن تؤذن على الوقت؛ لأن الناس قد لا يريدون التأخير، ودليل هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فقام بلال ليؤذن فقال له: (أبْرِد) وكان ذلك في شدة الحر، ثم أراد أن يؤذن فقال له: (أبْرِد) مرتين أو ثلاثاً، حتى رأوا فَيْء التلول، ثم أذِنَ له بالأذان، فدل ذلك على أنه يتبع الصلاة؛ لكن في البلد يتبع الوقت؛ لأن الناس ليسوا متفقين على أن يؤخروا الصلاة، فيؤذن في أول الوقت، ومن كان له عذر شرعي وأخَّر الصلاة فلا حرج. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 17 حكم ما يسمى بالتمثيل الإسلامي السؤال فضيلة الشيخ ما حكم التمثيل أو ما يسمى بالتمثيل الإسلامي الذي يقام في بعض الجمعيات الخيرية والمراكز الصيفية؟ الجواب التمثيل نرى أنه لا بأس به إذا كان لعلاج مشكلة من مشاكل المجتمع، بشرط أن لا يتضمن محظوراً شرعياً كأن يمثل الرجل دور امرأة أو تمثل المرأة دور الرجل، أو يمثل الرجل دور أحدٍ من أئمة المسلمين، أو السلف الصالح أو ما أشبه ذلك. فإذا كان لا يتضمن محظوراً فلا حرج فيه. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 18 الحكم على الرافضة وكيفية التعامل معهم السؤال بالنسبة للرافضة، هل يعتبروا كفرة؟ وكيف يكون تعامل المسلم معهم؛ حتى إن بعض الرافضة يُظهِر الحقد لـ أهل السنة، فكيف يكون التعامل معهم يا شيخ؟ الجواب الرافضة بارك الله فيك كغيرهم من أهل البدع، إذا أتوا بما يوجب الكفر صاروا كُفَّاراً، وإذا أتوا بما يوجب الفسق صاروا فُسَّاقاً، وإذا كان لشيء من أقوالهم القريبةِ من أقوال أهل السنة فإنه فيه شيءٌ من النظر، وصار محل اجتهاد فهم فيه كغيرهم أيضاً. فلا يمكن أن يُجاب بجواب عام ويقال: كل الرافضة كُفَّار، أو كل الرافضة فُسَّاق، لا، بل لا بد من التفصيل والنظر في بدعتهم. ويجب علينا نحن أن ندعوهم إلى الحق، وأن نبينه لهم، وإذا كنا نعلم من أي فرقة هُمْ فعلينا أن نبين عيب هذه الفرقة، ولا تيأس، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عزَّ وجلَّ، ربما يهديهم الله على أيدينا، فيحصل لنا خير كثير، والإنسان الذي يهتدي بعد أن كان غير مهتدٍ قد تكون فائدته للمجتمع أكثر وأكبر من الذي كان مهتدياً من قبل؛ لأن المهتدي الجديد قد عرف الباطل ورجع عنه، وسيبينه للناس. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 19 حكم جمع وقصر الصلاة لمن مكث مدة طويلة مسافرا ً السؤال نحن طلاب في بعض الجامعات، فإذا سافرنا من مدينتنا إلى الجامعة نجلس أحياناً أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، فما حكم قصر الصلاة، أو الجمع في هذه المدة وترك السنة الراتبة؟ الجواب نقول: الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسمٌ مستوطِن. وقسمٌ مقيمٌ أبداً. وقسمٌ مقيمٌ إقامةً مؤقتة، إما بزمن وإما بعمل. فأما المستوطن: فظاهرٌ أنه ليس له حكم المسافر؛ لأنه مستوطن. وأما المقيم إقامة مطلقة مثل: السفراء وغيرهم، فهؤلاء الأصل أنهم مقيمون إقامة مطلقة، وأن هذا البلد هو بلدهم، فهذا أيضاً كالأول، بمعنى أنه لا يترخص بِرُخَص السفر. وأما المقيم إقامة مقيدة بزمن أو عمل؛ بزمن: كشهر أو شهرين، أو يوم أو يومين، أو عمل: كعلاج، وتَعَلُّم غير مقيَّد بسنوات، فهذا حكمه حكم المسافر، بل هو مسافر حقيقة؛ لأن هذا الشخص متى انتهى وقتُه المقيَّدُ بزمنٍ أو عملُه الذي قيَّد به سفرَه فإنه يرجع إلى بلده. وبناء على ذلك يكون الذين يدرسون في خارج بلدهم مسافرين؛ لأنهم لا ينوون الإقامة المطلقة إطلاقاً، لو أنه أعطي شهادته اليوم لسافر؛ لكنه مربوط بهذا العمل المؤقت المحدد. ولذلك تجد بعض البلاد تكون مدة الدراسة فيها أربع سنوات، وبعضها خمس سنوات، وبعضها ست سنوات، فمن فعل هذا يكون حكمه حكم المسافر، فالمسح على الخفين ثلاثة أيام، والصلاة الرباعية ركعتان، وصيام رمضان لا يلزمه؛ لكننا نقول: لا ينبغي أن يؤخر الصيام إلى رمضان الثاني؛ لأنه إذا أخر صيام رمضان في هذا العام مثلاً وجاء العام الثاني وأخره إلى العام الثالث تراكمت عليه الأيام، وربما يعجز، وربما يترك، فلذلك نرى أن الصيام وإن جاز له أن يفطر لأنه مسافر؛ لكن لا يؤخره إلى السنة الثانية؛ لئلا تتراكم عليه فيعجز. أما بالنسبة للرواتب فأنتم وغيركم سواء، فالمشهور عند أكثر الناس أن المسافر لا يتنفل، وهذا غلط، بل إن المسافر يتنفل كما يتنفل المقيم بكل شيء؛ كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الوتر، إلا ثلاث نوافل وهي: راتبة الظهر. وراتبة المغرب. وراتبة العشاء. فالسنة ألا يصليها، وأما بقية النوافل فهي على ما كانت عليه. فلذلك وُجِدَت عبارة غير صحيحة يقال: مِن السُّنَّة في السفر تَرْكُ السُّنَّة! من أين جاء بهذا الكلام؟! مِن السُّنَّة تَرْكُ السُّنَّة؟! بل الصحيح: مِن السُّنَّة تَرْكُ الرواتب الثلاث التي ذكرناها فقط، وهي: رواتب الظهر، والمغرب، والعشاء، والباقي باقٍِ على ما هو عليه. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 20 جواز اتخاذ النعل سترة السؤال ما حكم اتخاذ النعل سترة؟ الجواب لا بأس بها، إلا إذا كان فيها شيء بيِّن من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى أن يبصق أمام وجهه) أما إذا كان ليس فيها أذىً أو نجاسة تشاهَد، فلا حرج أن تتخذ سترة. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 21 حكم تغيير المكان لأداء السنة الراتبة السؤال فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً! ما حكم تغيير المكان بالنسبة لأداء سنة الراتبة؟ وهل هذا بدعة؟ الجواب ذكر الفقهاء رحمهم الله: أنه يُسَنُّ للإنسان أن يفصل النافلة عن الفريضة، إما بكلام أو بانتقال من موضعه، لحديث معاوية قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نَصِلَ صلاة بصلاة، حتى نخرج أو نتكلم) . وعلى هذا فالأفضل أن تفصل بين الفريضة والسنة. لكن هناك شيء أفضل منه، وهو أن تجعل السنة في البيت؛ لأن السنة في البيت أفضل من السنة في المسجد حتى في المسجد الحرام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في المدينة وفي مسجده الذي الصلاةُ فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) ، وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت. وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد أفضل، وليس كذلك، نَعَمْ لو فُرِضَ أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة، فهنا نقول له: صَلِّ في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته يوجد صبيان كثير، يخشى من التشويش عليه، فتكون الصلاة في المسجد أفضل. وإذا قال الإنسان: لماذا كانت الصلاة في البيت أفضل إلا الفريضة؟! نقول: لأنها أبعدُ عن الرياء؛ إذْ أنك في بيتك لا يطَّلع عليك إلا أهلُك إن اطَّلعوا، أما في المسجد فالكلُّ يَطَّلِع عليك. ولأن فيها تعويد أهل البيت على الصلاة، ولذلك إذا قمت تصلي، وكان عندك صبي له سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، حتى وإن لم تأمره؛ لكن يحب الاقتداء، ففيها هذه المصلحة العظيمة. أيضاً من أجل ألا تدخل في النهي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أي: لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها. فهذه ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: البُعد عن الرياء. الفائدة الثانية: تعويدُ أهل البيت على الصلاة، وتحبيبُها إليهم. الفائدة الثالثة: عدمُ الوقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) . الجزء: 70 ¦ الصفحة: 22 صيغة البسملة عند الأكل السؤال البسملة في الأكل، هل هي: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو (باسم الله) ؟ الجواب الله المستعان! إذا قلتَ: (باسم الله) كفى، وإن قلتَ: (بسم الله الرحمن الرحيم) فلا حرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا غلام! سَمِّ الله) ولم يقل: لا تقل: الرحمن الرحيم، فإن قلتَ: (باسم الله) كفى، وإن قلتَ: (الرحمن الرحيم) معها فلا حرج. لكن بعض العلماء قال: لا تقل: (الرحمن الرحيم) إذا أردتَ ذبح الذبيحة؛ لأن ذبحها ينافي الرحمة. فنقول: نَعَم ذبحُها ينافي الرحمة بالنسبة لها، وهي ستموت اليوم أو غداً؛ لكن بالنسبة لنا رحمة، ولهذا لا نرى أنه يُكرَه أن يُقال عند الذبح: (بسم الله الرحمن الرحيم) . المهم إن قلتَ: (باسم الله) كفى؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (سَمِّ الله) يَصْدُق بها، وإن زدتَ (الرحمن الرحيم) فلا تُنْهَى عن ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ. وتعلمون أن الشريعة فيها نوع من السعة في هذا الأمر، فقد كان الناس مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعضُهم يلبي وبعضهم يكبر، ولم يقل للمكبر: لا تكبر، ولا للملبي: لا تُلَبِّ. فالأمر في هذا واسع. وابن عمر رضي الله عنهما -وهو من أشد الناس حرصاً على اتباع السنة- كان يزيد في التلبية؟ ويقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل) ولم ينهه أحد من الصحابة فيما نعلم. فالأمر في هذا واسع إلا مَن ذَكَرَ ذِكْراً لا يناسب أو ذَكَرَ شيئاً محرماً فيُنْهَى حينئذ. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 23 جواز الرجوع إلى منى لمن خرج منها متعجلاً إن كان له حاجة فيها السؤال خرجتُ من منى ثاني أيام التشريق قبل غروب الشمس، ولما ذهبتُ إلى مكة فقدتُ أحد أصحابي، فرجعتُ أبحث عنه في منى بعد غروب الشمس -بعد صلاة العشاء- فهل عليَّ شيء؟ الجواب لا شيء عليك؛ لأن الإنسان إذا خرج من منى قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر فقد تعجَّل، فإذا عاد إلى منى لطلب حاجة، أو لأنها مَمَرُّه وطريقُه، أو لتفقُّدِ أحدٍ من إخوانه فلا بأس. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 24 حكم الموعظة عند القبور وفي قصور الأفراح السؤال ما حكم الموعظة عند القبر، وفي قصور الأفراح، وفي الولائم؟ الجواب الموعظة عند القبر سُنَّة على حسب ما جاء في السُّنَّة، وليست الموعظة أن يخطب الإنسان قائماً يَعِظُ الناس؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، خصوصاًَ إذا اتخذها راتبة، كلما خرج مع جنازة قام ووعظ الناس. لكن الموعظة عند القبر تكون كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، كان يَعِظُ وهو واقف على قبر إحدى بناته، يقول: (مَا منكم من أحد إلا وقد كُتِب مقعدُه من الجنة والنار) كلامٌ كالعادة، أو كما أتى مرة والناس في البقيع، ولَمَّا لَمْ يتم إلْحاد القبر جَلَسَ وجلس الناس حوله، وجعل ينكُتُ بعود معه على الأرض، ثم ذكر حال الإنسان عند احتضاره، وعند دفنه، وتكلم بكلامٍ هو موعظة. فمثل هذا لا بأس به. أما أن يقوم خطيباً فهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام. وأما في الأعراس فكذلك أيضاً لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوم خطيباً يخطب الناس، ولا عن الصحابة فيما نعلم، بل لَمَّا ذُكِرَ له أن امرأة من الأنصار زُفَّت إلى زوجها، قال: (هلاَّ بعثتم معها مَن يغني، فإن الأنصار قوم يعجبهم اللهو) فدل ذلك على أن لكل مقام مقالاً؛ ولأن الإنسان إذا قام خطيباً في الأعراس فإنه قد يُثْقِل على الناس، فليس كلُّ أحد يَتَقَبَّل، فقد يكون بعض الناس ما رأى أقاربه أو أصحابه إلا في هذه المناسبة فيريد أن يتحدث إليهم، ويسألهم ويأنس بهم، فإذا جاءت هذه الموعظة والناس متأهبون للحديث مع بعضهم ثَقُلَت عليهم. وأنا أحب أن تكون المواعظ غير مُثْقِلَة على الناس؛ لأنها إذا أثقلت على الناس كرهوها، وكرهوا الواعظ. ولذلك أقول: لو أن أحداً في محفل العرس طلب من هذا الرجل أن يتكلم فحينئذٍ له أن يتكلم، ولاسيما إذا كان الرجل ممن يَتَلَقَّى الناسُ قولَه بالقبول. كذلك لو رأى منكراً فله أن يقوم ويتكلم عن هذا المنكر ويحذر منه، ويقول: إما أن تتركوه أو نخرج. فلكل مقام مقال، وأنا أحب أن يتلقى الناسُ دينهم بانشراح وقبول، وإذا قدرنا أن (10 %) ، يريدون الموعظة، وأن (90 %) لا يريدونها فمَن نرجِّح؟! نرجَّح (90%) ؛ لئلا نثقل على الناس. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 25 النهي عن بيعتين في بيعة السؤال ما حكم البيعتين في بيعة، وما صفتها؟ الجواب (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) واختلف العلماء رحمهم الله في معنى هذا الحديث. فذُكِر من معناه: أن تقول للرجل: هذا الكتاب بعشرة نقداً، أو بعشرين إلى سنة، فهذه البيعة بيعتان في بيعة، أي: ثمنان في عقد واحد. وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن البيعة هنا واحدة؛ لكن الثمن مُخَيَّرٌ فيه، فأنت تقول: خذه بعشرة أو بعشرين، والرجل سيأخذه بأحدهما وليس بالاثنين، فهذا التفسير غير صحيح. التفسير الثاني: أن بيعتين في بيعة هي مسألة العينة، والعينة: أن تبيع سلعةً بثمن مؤجل، وتشتريها نقداً بأقل، مثال ذلك: أن تبيع سيارة على إنسان بخمسين ألفاً إلى سنة، ثم تشتريها منه بأربعين ألفاً نقداً تسلمها له، فهذه البيعة بيعتان في بيعة، أي: في مبيعٍ واحد، وهو هنا السيارة، حيث ورد عليها عقدان العقد الأول والعقد الثاني. فهذه المعاملة بيعتان في بيعة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لَهُ أَوْكَسُهُما أو الربا) ما الأوكس في مثالنا؟ الأوكس في مثالنا: الأقل. أيهما؟ الأربعون. فنقول: الآن إما أن تأخذ من هذا الذي اشتريت منه سلعتَك الأربعين، وإلا وقعت في الربا. ولا يمكن أن تصدُق صورة لبيعتين في بيعة إلا على هذا. وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو عند التأمل الحق. عرفت يا أخي؟! بقيت عندنا مسألة: أحياناً يبيع الإنسان سيارة بخمسين ألفاً إلى سنة، ثم تُعْرَض السيارة في المعرض، فهل لبائعها أن يشتريها من المعرض؟ نقول: إن كان صاحبها الذي اشتراها باعها على صاحب المعرض فلك أن تشتريها من صاحب المعرض ولو بأقل، وإن كانت ستباع مباشرة لحساب الذي اشتراها منك فإنه لا يجوز لك أن تشتريها بأقل مِمَّا بعتها به. السائل: وإذا قلتُ لصاحب المعرض: اشترِها وأنا سوف أشتريها منك؟ الشيخ: لا يصح هذا؛ لأن هذا تواطؤ على الربا. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 26 حكم استخدام الأجهزة الحكومية الخاصة في هيئات خيرية السؤال ما حكم استخدام بعض الأجهزة الخاصة بدائرة حكومية كآلةِ تصويرِ الورق في هيئات خيرية؟ الجواب استخدام الأجهزة الحكومية من سيارات أو مكائن تصوير أو غير ذلك لا يجوز أبداً؛ لأنك أمين، والأمين لا يتصرف في ما ائتُمِن عليه إلا في مصلحة ما ائتُمِن عليه، حتى ولو كان في طرق الخير، فلو جاءك إنسان وقال: هذه ورقة فيها موعظة، أريد أن أنشرها، صوِّرها لي. لا يجوز لك أن تصورها. فإن جاء هذا الإنسان بورق، وقال: صوِّر لي هذا، وهذه هي الورق، لا يجوز أيضاً؛ لأنه سوف يستهلك الحبر، وحركة الماكينة أيضاً تؤثر عليها. وهذه المسائل يستهين بها الناس وهي مسألة خطيرة. أما إذن المدير فهل يملك المدير أن يأذن في هذا؟ لا يملك أن يأذن في هذا. وعلى هذا لابد أن تستأذن من الملك فهد شخصياً، وإلا فاتركها! السائل: وإذا عوَّض؟ الشيخ: حتى لو عوَّض. وهناك أيضاً شيءٌ آخر، فبعض الناس يستخدم تليفون المكتب برقم فيه الصفر، وهذا ممنوع، لكن إذا قال هذا المستخدم: إذا جاءت الفاتورة فأيُّ رقم أنا اتصلتُ به سأسدده، فالظاهر أن هذا إذا أَذن له فيه مدير المكتب فلا بأس، على أن في نفسي من هذا شيء؛ لأن استخدامه لمصلحته الخاصة ربما يكون في هذه الأثناء أحدٌ اتصل على هذه المصلحة ووجد الخط مشغولاً، فحينئذٍ يكون قد ضيع عليه الفرصة. فلابد أن نكون ورعين. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 27 كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره السؤال ما هي كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره؟ الشيخ: تعني على القبر إذا مرَّ على المدينة؟ السائل: نعم. الجواب أحسن ما يُسَلَّم به على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما علَّمه أمَّته، وهو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. هذا أحسن ما يُسَلَّم به على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 28 الدعاء عند المقبرة للزائر لا للمار السؤال دعاء المرور على القبور، هل يقال في المقبرة، أم بمجرد المرور عليها في الشارع؟ الجواب الدعاء لزيارة القبور يكون عندما يخرج الإنسان إلى المقبرة ليزور أصحاب القبور زيارةً يتعظ بها، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت) . وهذا لا يحصل بالمرور. لكن بعض العلماء قال: إذا مر بها فليسلِّم، فيحصل على أجر؛ لأنه سيدعو لإخوانه، فيكون محسناً إليهم، وفي هذا خير. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 29 حكم قضاء الرواتب إذا فاتت السؤال هل تقضى الرواتب إذا ذهب وقتُها؟ الجواب الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنومٍ فإنها تُقْضَى، لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) . ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، وقام وقام الصحابة معه فإنهم صَلَّوا الراتبة قبل الفريضة الجزء: 70 ¦ الصفحة: 30 ضوابط الجهر بإنكار المنكر السؤال متى يجوز إنكار المنكر علناً؟ الجواب إنكار المنكر واجب، والمنكر إذا فُعِل ظاهراً فإنه يُنْكَر على صاحبه ظاهراً، فلو رأينا إنساناً يفعل معصية أمامنا فإننا ننكر عليه؛ لكن يجب علينا استعمال الحكمة، فقد لا يكون من المصلحة أن أنكر عليه ظاهراً؛ كأن يسبب ذلك الإنكار نفور هذا الرجل وعدم قبوله، أو قد يكون هذا الرجل من المسئولين، فإذا أنكرت عليه ظاهراً لم يقبل، أو ربما يكون لأمور أُخَر. المهم على كل حال: ما فُعل من المنكر ظاهراً فالواجب الإنكار على صاحبه ظاهراً؛ لكن قد تعْرِض مصلحة أكبر من الإنكار ظاهراً، والواجب اتباع المصلحة. وأما الإنكار على فاعل المنكر وهو غائب فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك غِيبة له -في الواقع- مثل رجل عرفتَ أنه زنا والعياذ بالله، وهو ليس بحاضر حتى تنكر عليه، بل غائب، وإنكارك عليه معناه: غيبتك إياه، والغيبة من كبائر الذنوب. لا يحل للإنسان أن يغتاب أخاه، فضلاً عمَّا إذا كان اغتيابه يترتب عليه شر كبير، كاغتياب العلماء، واغتياب الأمراء، فإن في ذلك مفسدة عظيمة؛ لأن اغتياب العلماء يحط من قدرهم، ومن قدر ما بلَّغوه من شريعة الله، واغتياب الأمراء يحط من قدرهم ومن هيبتهم بين الناس، فيضيع الأمن، وتختل الجماعة. ولهذا من الخطأ ما يتناقله الناس من هذه الأوراق التي تأتي من الخارج فيها القدح في ولاة الأمور، وربما يكون كذباً أيضاً، فإن هذا من الغيبة، ومن التعاون على الإثم والعدوان، والموزِّع لها آثمٌ وفاعل كبيرة؛ مع أن هذا ليس كما لو اغتاب واحداً من الشارع، فهذا يؤدي إلى أن تتحمل القلوب من بغضاء ولاة الأمور والحقد عليهم ما يوجب تفرُّق الأمة في المستقبل، ويوجب شروراً كثيرة. لهذا ننهى إخواننا -نصيحةً لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم- أن يتناقلوا مثل هذه الأوراق، بل عليهم أن يحرقوها ولا ينشروها بين الناس، ومن أراد إدْلاء النصيحة فالواجب عليه أن يصل إلى المنصوح من طريق محدد معين، لكي تحصل به الكفاية. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 31 زوجة الابن من الرضاع ليست محرما ً السؤال ما هو القول الراجح في زوجة الابن من الرضاع في كونها محرماً لأب الابن من الرضاعة؟ الجواب زوجة الابن من الصلب محرم لأب الابن، لقول الله تعالى في جملة المحرمات: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] ، فإذا كان الإنسان له ابن متزوج من امرأة فهذه المرأة لها أن تكشف الحجاب لأب الابن. أما ابن الأب من الرضاع، فأكثر العلماء على أنه كابنه من الصلب. ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أَبَى ذلك، وقال: إن الرضاع لا يؤثر في المصاهرة، وأن زوجة ابنه من الرضاع أجنبية منه، لا تكشف له، ولا يخلو بها، ولا يسافر بها؛ لأنها أجنبية منه، والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (يَحْرُم من الرضاع ما يَحْرُم من النسب) ، وزوجة الابن حرام على أبيه من المصاهرة؛ لأنه ليس بينه وبينها نسب، فزوجة الابن ليس بينها وبين أب زوجها نسب، بل هي حرام عليه بالمصاهرة، والحديث يقول: (يَحْرُم من الرضاع ما يَحْرُم من النسب) . وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام هو الذي أراه صحيحاً. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 32 نصيحة لشاب في بداية طريق الاستقامة السؤال ما نصيحتكم لشاب في بداية طريق الاستقامة؟ الجواب نصيحتنا لهذا الشاب الذي هو في اتجاه سليم إن شاء الله: أولاً: أن يسأل الله الثبات دائماً، والصواب. ثانياً: أن يكثر من قراءة القرآن بتدبُّر؛ لأن هذا القرآن له أثر كبير على القلب، إذا قرأه الإنسان بالتدبُّر. ثالثاً: أن يحرص على ملازمة الطاعات، وألا يمل أو يكسل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استعاذ من العجز والكسل. رابعاً: أن يحرص على مصاحبة الأخيار، ويبتعد عن مصاحبة الأشرار. خامساً: أن ينصح نفسَه حينما تؤثر هذه النفس عليه وتقول له: إن المدى بعيد، والطريقَ طويل، فلينصح نفسه وليثبُت؛ لأن الجنة حُفَّت بالمكاره، والنار حُفَّت بالشهوات. سادساً: أن يبتعد عن قرناء السوء، حتى ولو كانوا أصحاباً له من قبل؛ لأن قرناء السوء يؤثرون عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) . وإلى هنا انتهى الوقت؛ فنقول: الحمد لله على التوفيق، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح. وإلى اللقاء القادم إن شاء الله في الأسبوع القادم. ونبشركم بالخير والأجر، فإنه مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة. الجزء: 70 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [71] في هذه المادة تفسير آيات من سورة البلد بين فيها الشيخ أن يوم القيامة هناك عقبة لا يتجاوزها إلا من فك الرقاب، وأطعم الطعام، وكفل الأيتام، ثم تبع ذلك مبيناً صفات المؤمنين وأنهم يتواصون فيما بينهم بالصبر والثبات على الدين، وبالرحمة للمؤمنين، ثم ختم ذلك مبيناً صفات الكافرين ومن أعظمها التكذيب لآيات الله ورسله، فجزاؤهم النار الموصدة، أي: المغلقة لا تفتح إلا لهم. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البلد الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الحادي والسبعون من المجالس بل من اللقاءات التي تعرف بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا هو يوم الخميس، الخامس والعشرون من شهر ربيع الأول عام (1415هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بتكميل الكلام على سورة البلد حيث وقفنا على قول الله تبارك وتعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:11-13] إلى آخر السورة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة) قال تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ} [البلد:11] أي: الإنسان الذي كان يقول: {أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً} [البلد:6] {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] أي: هلا اقتحم العقبة، والاقتحام: هو التجاوز بمشقة، تجاوز الشيء بمشقة يسمى اقتحاماً، والعقبة: هي الطريق في الجبل الوعر، ولا شك أن اقتحام هذه العقبة صعب، شاق على النفوس، لا يتجاوزه أو لا يقوم به إلا من كان عنده نية صادقة في تجاوز هذه العقبة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما العقبة) قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد:12] هذا الاستفهام للتشويق والتفخيم أيضاً، أي: ما الذي أعلمك شأن هذه العقبة التي قال الله عنها: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] ؟ بينها الله بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد:16-17] الخ. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فك رقبة) قال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد:13] هي خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هي فك رقبة، وفك الرقبة لها معنيان: المعنى الأول: فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم، هذا نوع. المعنى الثاني: فك رقبة من الأسر، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمال إلى الله عز وجل، والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية باهظة كثيرة، لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) قال تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد:14] وهذا من التنويع، وإما إطعام في يوم ذي مسغبة، أي: ذي مجاعة شديدة؛ لأن الناس قد يصابون بالمجاعة الشديدة؛ إما لقلة الحاصل من الثمار والزروع، وإما لأمراض في أجسامهم يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا قد وقع فيما نسمع عنه في البلاد النجدية وربما في غيرها أيضاً، أن الناس يأكلون ولا يشبعون، يأكل الواحد مأكل العشرة ولا يشبع، ويموتون من الجوع فيتساقطون في الأسواق من الجوع، هذه من المساغب. أو قلة المحصول بحيث لا تثمر الأشجار، ولا تنبت الزروع؛ فيقل الحاصل وتحصل المسغبة؛ ويموت الناس جوعاً، وربما يهاجرون عن بلادهم، هذه إطعام في يوم ذي مسغبة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يتيماً ذا مقربة) قال تعالى: {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:15-16] اليتيم: هو من مات أبوه قبل أن يبلغ سواء كان ذكراً أو أنثى، فإن بلغ فإنه لا يكون يتيماً؛ لأنه بلغ وانفصل، وكذلك أيضاً لو ماتت أمه فإنه لا يكون يتيماً خلافاً لما يظنه بعض العامة أن اليتيم من ماتت أمه وهذا ليس بصحيح، اليتيم من مات أبوه، لأنه لو مات أبوه لم يكن له كاسب من الخلق يكسب عليه، وقوله: (ذا مقربة) أي: ذا قرابة من الإنسان؛ لأنه إذا كان يتيماً كان له حظ من الإكرام والصدقات، وإذا كان قريباً ازداد حظه من ذلك؛ لأنه يكون واجب الصلة، فمن جمع هذين الوصفين: اليتم والقرابة فإن الإنفاق عليه من اقتحام العقبة، إذا كان ذلك في يوم مسغبة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (أو مسكيناً ذا متربة) قال تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16] المسكين: هو الذي لا يجد قوته ولا قوت عياله، والمتربة: مكان التراب، والمعنى: أنه مسكين ليس بيديه شيء إلا التراب، ومعلوم أنه إذا قيل عن الرجل: ليس عنده إلا التراب فالمعنى: أنه فقير جداً، ليس عنده طعام، ولا كساء ولا مال، فهو مسكين ذو متربة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] (ثم كان) أي: ثم هو بعد ذلك ليس محسناً على اليتامى وعلى المساكين بل هو ذو إيمان بالله {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17] (الذين آمنوا) بمن؟ آمنوا بكل ما يجب الإيمان به، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم من الذي يجب الإيمان به حين سأله جبريل عن الإيمان: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) . وكذلك من الإيمان بالله الأعمال الصالحات، والأعمال الصالحات هي: كل عمل يقرب إلى الله عز وجل، وهو مبني على الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يكون العمل عملاً صالحاً إلا بنية ومتابعة؛ بنية: أن يكون عملاً خالصاً لله، ومتابعة: بأن يكون العمل على وفق شريعة الله سبحانه وتعالى. فلو أن الإنسان عمل عملاً مخلصاً فيه غاية الإخلاص لكنه على خلاف هدي الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقبل منه؛ وذلك لعدم الاتباع، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وكذلك لو كان العمل على وفق الشريعة ظاهراً لكن فيه رياء فإنه لا يقبل ولا يكون عملاً صالحاً؛ لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . وقوله: (وتواصوا بالصبر) أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر ثلاثة أنواع: 1- صبر على طاعة الله. 2- صبر عن معصية الله. 3- صبر على أقدار الله المؤلمة. فهم صابرون متواصون بالصبر، وأي هذه الأنواع أفضل؟ الأفضل الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، وقد اجتمعت هذه الأنواع الثلاثة في الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم. فهاهو الرسول عليه الصلاة والسلام صابر على طاعة الله، يجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، ويؤذى ويعتدى عليه بالضرب، حتى هم المشركون بقتله، وهو مع ذلك صابر محتسب. وهو أيضاً صابر عن معصية الله، لا يمكن أن يغدر بأحد، ولا يكذب على أحد، ولا يخون أحداً، وهو أيضاً متقٍ لله تعالى بقدر ما يستطيع، كذلك صابر على طاعة الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته! أليس قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجداً تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلى ناقة فيضعه على ظهره وهو ساجد عليه الصلاة والسلام، وهو صابر في ذلك كله؟!! يوسف عليه الصلاة والسلام صبر على أقدار الله، وقد ألقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله في السجن ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به. وقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر، والرحمة رحمة الله عز وجل، أعني: رحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق، فهو يرحم آباءه وأمهاته، وأبناءه وبناته، وإخوانه وأخواته، وأعمامه وعماته وهكذا، ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضاً يرحم الحيوان البهيم: فيرحم ناقته وفرسه، وحماره وبقرته، وشاته وغير ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) . الجزء: 71 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (أولئك أصحاب الميمنة) قال تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [البلد:18] (أولئك) أي: هؤلاء الموصفون بهذه الصفات (أصحاب الميمنة) أي: أصحاب اليمين الذين يؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:7-9] . الجزء: 71 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة) ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [البلد:19] لما ذكر المؤمنين ذكر الكافرين، فقال: (والذين كفروا بآياتنا) أي: جحدوا بها (هم أصحاب المشأمة) الضمير هنا جاء للتوكيد، ولو قيل في غير القرآن: والذين كفروا بآياتنا أصحاب المشأمة لصح، لكن هذا من باب التوكيد، والمشأمة يعني: الشماء أو الشؤم. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (عليهم نار مؤصدة) قال تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد:20] أي: عليهم نار مغلقة -والعياذ بالله- لا يخرجون منها ولا يستطيعون. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجزء: 71 ¦ الصفحة: 13 الآيات والسور التي يستحب قراءتها كل يوم السؤال فضيلة الشيخ: هل توجد سور في القرآن يستحب أن تقرأ كل يوم؟ الجواب نعم. توجد آيات من القرآن يستحب أن يقرأها الإنسان كل يوم، وكذلك سور، فمن الآيات: آية الكرسي فإنه ينبغي للإنسان أن يقرأها لأنه إذا قرأها لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، سورة تبارك إذا قرأها الإنسان في ليلة كان ذلك من أسباب وقايته عذاب القبر، وفي آيات وسور ليست مقيدة بشيء معين إلا الفاتحة فمعلوم أنه يجب أن تقرأ في الصلاة بل قراءتها في الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 14 ضرر مشاهدة الأولاد لأفلام الكرتون والبديل النافع لها السؤال فضيلة الشيخ: لا يخفى عليكم حفظكم الله تأثير أفلام الكرتون وما تسمى بالأفلام المتحركة على أخلاق النشء وخاصة في العقيدة، ولكن إذا وجد -وخاصة في هذا الوقت- ما يسمى جهاز وأشرطة الأتاري فهل تكون هذه الأشرطة عوضاً وبدلاً عن أفلام الكرتون؟ الجواب نحن يذكر لنا هذا كثيراً بأن أفلام الكرتون التي تنشر في التلفاز أنها مضرة، وربما تكون مضرة في العقيدة، ولكن هل رأيت أو سمعت عن شيء محدد بحيث نعرف هل ينافي العقيدة أو لا؟ طيب إذاً لا يجوز أن نمكن أولادنا من بنين وبنات في مشاهدة هذا الكرتون ما دام أنه يغير العقيدة كيف نجعلهم يشاهدونها؟ أما شراء بديل فهذا لا بد منه، وهذا البديل هو كما تفضلت به فيم يروج له الآن وهو جهاز صخر، والأتاري، لا أعرفه، فهذا بديل بلا شك، ولو أنه وضع جهاز فيديو ونقلت منه هذه الصورة لأجل أن ينتفع بها الأولاد من بنين وبنات لكان خيراً. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 15 رجل دخل على امرأة ثم طلقها صارت أمها محرماً له السؤال فضيلة الشيخ: إذا تزوج رجل امرأة وطلقها فهل هذا الزوج يكون محرماً لأم هذه المرأة، وهل أبو هذا الزوج يكون محرماً لهذه المرأة التي طلقها الرجل، وهل من الأحسن زيارتهما، وكذلك زوجة الأب المطلقة هل من الأفضل زيارتها؟ الجواب أما الأول فإن الإنسان إذا تزوج امرأة صارت أمها وجدتها من قبل الأب كلهم محارم للزوج، سواء بقيت الزوجة معه أو طلقت أو فسخت أو ماتت، ما دام أنه عقد على هذه الزوجة عقداً صحيحاً فإن أمهاتها من الأم المباشرة والجدات كلهن محارم. وكذلك أبو الزوج، لو أن رجلاً تزوج امرأة ثم طلقها وجب على هذه المرأة أن تستر وجهها عن الزوج إذا انتهت العدة، أما أبوه فيجوز لها أن تكشف وجهها عنده؛ لأنه ما زال محرماً لها. أما موضوع الزيارة فهذه مسألة تتعلق بالعرف، إذا جرت العادة في أنهم يتزاورون فيما بينهم فلا بأس، وإلا فليست من الأرحام ما لم تكن قريبة من وجه آخر، أما مجرد أنها زوجة الأب فإنها ليست من ذوي الأرحام. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 16 حكم الجلوس في بيت أهل الميت للعزاء ودفع المال لهم السؤال فضيلة الشيخ: عندنا من العادات أن يجلسوا ثلاثة أيام للعزاء، وفي نفس الوقت كل فرد يدفع لأهل المتوفى مبلغاً من المال فهل يجوز للإنسان أن يشارك في دفع المال دون أن يجلس معهم في العزاء؟ الجواب الجلوس للعزاء ليس من السنة، بل صرح العلماء بأنه بدعة، وهو في الواقع أيضاً قد ينبئ عن التسخط على قضاء الله وقدره؛ لأن هؤلاء الذين جلسوا وفتحوا الباب كأنهم يقولون بلسان الحال: يا أيها الناس! إننا أصبنا فأقبلوا علينا بالعزاء، وهذا ليس من عادة السلف إطلاقاً، بل قد كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة، لهذا يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن هذا لا يجوز، وربما يتعلق بهذا الحفل أيضاً، أشياء أخرى كترك الصلاة مع الجماعة وما أشبه ذلك. فإذا قال: كيف أعزيه؟ نقول أولاً: العزاء ليس مشروعاً بمجرد الموت، ومشروع للمصاب إذا أصيب الإنسان بموت قريبه أو صديقه، فإنه حينئذ يشرع تعزيته، لكن بدون أن يذهب الإنسان إلى البيت لكن ممكن أن يلقاه في السوق يلقاه في المسجد وما أشبه ذلك. السائل: دفع المال؟ الشيخ: دفع المال لا يحل؛ لأنه يدفع من التركة، لأن التركة قد يكون فيها أناس صغار لا يمكن أن يأخذوا من المال شيئاً، أما إذا كان من غير الورثة وتبرع به أحد فهذا نقول: إنه تبرع للإعانة على بدعة، ومن أعان على بدعة صار مثل المبتدعين الذين يأثمون ببدعتهم. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 17 قراءة الفاتحة على الميت من البدع المحدثة السؤال فضيلة الشيخ: سبق لنا في لقاء سابق أن تكلمنا عن موضوع تقديم التعازي لأهل الميت، ونجد في بعض البلاد -وذكرتم ذلك- أنهم يقرءون الفاتحة، إذا تقدم أحد الحاضرين للعزاء يقرأ الفاتحة على الميت. الشيخ: على الميت عند القبر؟ السائل: لا ليس عند القبر، عند أهل الميت. الشيخ: يعني: يقرؤها للميت. السائل: فنرجو أن تبين لنا هل هناك ضابط معين في تقديم التعازي؟ الجواب هذا من إضافة بدعة إلى أخرى، فلم يثبت لا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا عن الصحابة، ولا علمته أيضاً نقل أن من أساليب العزاء أن تقرأ الفاتحة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 18 الطريقة المثلى لمواجهة أخطار الفساد السؤال فضيلة الشيخ: تعلمون أن الشباب في هذا العصر يمرون بأخطار وفتن لا تخفى عليكم، وفي مقابل هذا تعددت بعض وسائل التربية والإصلاح، وكذلك تعددت المناهج، فما ترى يا شيخ في نظرك الطريقة المثلى لمواجهة مثل هذه الأخطار وكذلك إصلاح الشباب؟ الجواب أما الأخطار التي تواجه الشباب اليوم من الفتن الكثيرة المقروءة في المجلات والصحف، والمسموعة من بعض الإذاعات، وكذلك ما ينظر ويرى من محطات التلفاز لا شك أنها فتنة عظيمة تحتاج إلى قوة إيمان بالله عز وجل وقوة عزيمة، أما كونها تحتاج إلى الإيمان بالله؛ لأن الإنسان إذا آمن بالله عز وجل يهون عليه كل شيء؛ لأنه يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، وأما العزيمة لأن الإنسان إذا لم يكن عنده عزيمة فإنه يبوء بالفشل في جميع أحواله، يقول الشاعر: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتردد فنصيحتي أن يبتعدوا عن محلات الفتن، وأن يتوجهوا إلى الله عز وجل، وألا يكون همهم القيل والقال، ماذا قال فلان وماذا قال فلان وماذا قالت الحكومة وماذا قالت الوزارة وما أشبه ذلك، إلا إذا كان هذا الإنسان الذي يقول مثل هذا الكلام يقوله عند شخص يستطيع أن يغير وينكر فهذا لا بأس به. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 19 حكم المسافر يصلي بعد مقيم ركعتين ولم يعلم إلا بعد فترة السؤال إذا كان الإنسان مسافراً ووجد أناساً يصلون الظهر وهم مقيمون، ما علم أنهم مقيمون ولم يدرك إلا ركعتين فسلم فبعد الصلاة علم أنهم صلوا أربعاً فما الحكم؟ الجواب الواجب عليه أن يعيد هذه الصلاة التي سلم منها، وذلك لأن المسافر إذا دخل مع الإمام صار حكمه حكم الإمام. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 20 التلفظ بالطلاق لمجرد الإخبار لا يقع السؤال هناك رجل طلق زوجته طلقة واحدة، وبعد مدة راجعها، ثم سئل عن هذه المرأة هل هي في عصمتك أو لا؟ فقال: طلقتها، هل يكون طلاقاً ثانياً أم لا يقع؛ لأنه على نية طلاقه السابق؟ الجواب أولاً قولك: إنه راجعها هل راجعها قبل تمام العدة أو بعدها؟ السائل: أثناء العدة. الشيخ: طيب إذاً عادت زوجة له، ثم سئل بعد ذلك؟ السائل: سئل: هل هي بعصمتك أو كذا؟ فقال: طلقتها، بنية طلاقه السابق. الشيخ: إذاً فليس عليه الطلاق. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 21 محل التورك في الصلاة السؤال متى يجلس المصلي جلسة التورك في الصلاة وفي أي صلاة؟ الجواب التورك يكون في التشهد الأخير في كل صلاة ذات تشهدين، أي: الأخيرة من المغرب، والأخيرة من العشاء، والأخيرة من العصر، والأخيرة من الظهر، أما الصلاة الثنائية كالفجر وكذلك الرواتب فإنه ليس فيها تورك، التورك إذاً في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 22 حكم بيع الأسهم في الصندوق العقاري بأرض أو بدراهم السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في بيع الأسهم في الصندوق العقاري بأرض وبغير الأرض؟ الجواب المرهونة للبنك العقاري لا يجوز بيعها لا بأرض ولا بدراهم؛ لأن الحق للمرتهن، لكن إذا أذنوا بذلك فلا بأس، وهم الآن يأذنون بذلك أي: يأذنون أن يبيع الإنسان هذا البيع المرهون لصندوق التنمية لكن بشروط، فلا بد من أن تراجع هذه الشروط، فإذا كانت قد تمت فإنه يباع ولا حرج، وإلا يبقى رهناً. السائل: يعني قبل العمار؟ الشيخ: لا. قبل العمار لا يجوز، إن كان محتاجاً فليأخذ ويعمر، وإن كان غير محتاج يتركه؛ لأن فيها آلاف الناس يريدون. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 23 دحض شبهة دفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي السؤال فضيلة الشيخ: أحسن الله إليك، الصلاة وراء القبر لا تصح ولا تجوز، وفرع من ذلك هل تصح الصلاة وراء قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟ الجواب بارك الله فيك لم يدفن النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد النبوي، إنما دفن في بيت عائشة، ولم يبن عليه المسجد أيضاً، وإنما كان المسجد قائماً من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن في أواخر المائة احتيج إلى زيادة فيه، ولم يروا أحسن من هذه الجهة، فزادوه من هذه الجهة ودخلت حجرة عائشة في نفس المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد ولم يبن عليه المسجد، فلا حجة فيه للذين يبنون على القبور. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 24 زوجة الابن من الرضاعة ليست محرماً للأب السؤال فضيلة الشيخ: ماذا تكون زوجة الابن من الرضاعة، هل تحرم على الأب من الرضاعة أم لا؟ الجواب زوجة الابن من الرضاعة يقول بعض العلماء: هي كزوجة الابن من النسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولكن الصحيح أن الأمر بخلاف ذلك، وأن زوجة الابن من الرضاع ليست زوجة لأبيه من الرضاع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولم يقل: ومن الصهر، ولو سأل الرجل: هل أم الزوجة وأبو الزوج محرمون بالنسب أم بالمصاهرة؟ لقيل: إنهم محرمون بالمصاهرة، والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فإن أم الزوجة من الرضاع ليست محرماً لزوجها، وأبو الزوج من الرضاع ليس محرماً لزوجة ابنه. ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى في المحرمات: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] وابن الرضاع ليس من صلبك. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 25 ليس على الزوج إثم إذا لم يوقظ زوجته إلا بعد صلاة الفجر السؤال هل على الزوج إثم إذا لم يوقظ زوجته إلا بعد خروجه من المسجد لصلاة الفجر؟ الجواب ليس عليه إثم في ذلك، وذلك لأن وقت الفجر يمتد إلى طلوع الشمس، وبعض الناس لو بقي يوقظ أهله فاتته صلاة الجماعة. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 26 جميع الأحوال التي يتعرض لها العبد مخلوقة السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في الأحول: هل هي مخلوقة أم لا؟ الشيخ: ما هي الأحوال؟ السائل: مثل الجوع والعطش؟ الشيخ: الجوع والعطش، والحر والبرد من أحوال البدن، والبدن مخلوق أو غير مخلوق؟ السائل: مخلوق. الشيخ: إذاً هذه مخلوقة، وأنت إذا لم تقل: إنها غير مخلوقة فمن الذي أوجدها؟! هل أحد يوجد شيئاً غير الله؟ إذاً الأحوال من المرض والصحة، والجوع والعطش، والتعب والنشاط، مخلوق لله عز وجل. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 27 حكم ما يخرج من بول بعد الاستنجاء السؤال ما حكم ما يخرج من الإنسان من بول بعد الاستنجاء بالماء؟ الجواب هذا ناقض للوضوء، ولكن يجب أن نعلم أن بعض الناس يصيبه وسواس، تجده يفكر! خرج شيء، خرج شيء، وهذا لا ينبغي، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يشك: هل خرج منه شيء أو لا؟ قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) . الجزء: 71 ¦ الصفحة: 28 الكلام أثناء الجلوس بين الخطبتين السؤال ما حكم الكلام أثناء جلوس الإمام بين الخطبتين؟ الجواب الكلام بين الخطبتين لا بأس به ما لم يكن كثيراً يلهي من حوله وتشتغل قلوبهم بالنظر إليه، فهذا يمنع منه. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 29 السنن الرواتب قبل وبعد الصلوات السؤال فضيلة الشيخ: ما هي السنن الراتبة؟ أحياناً تقام الصلاة ولم يتسنن أحدنا ركعتين قبل الصلاة وهي من السنن الراتبة؟ الجواب السنن الراتبة اثنتي عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والتي تكون قبل الصلاة إذا أقيمت الصلاة وهو لم يصلها صلاها بعد ذلك، فلو فرضنا أن الصلاة أقيمت قبل أن يدخل في النهي نقول: صل مع الجماعة، فإذا صلى مع الجماعة فالأمر واضح، وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الثانية فأتم على وجه التخفيف ولا بأس. السائل: لكن أصلي ركعتين بعد الصلاة؟ الشيخ: نعم. إذا فاتته الركعتان قبل الصلاة يصليها بعدها. السائل: أربع ركعات بعد الصلاة؟ الشيخ: ليست أربعاً بلا تسليم، يصلي ركعتين ثم ركعتين، الركعتان الأوليان هاتان هما الركعتان اللتان بعد الظهر، والركعتان بعدهما هما الركعتان اللتان قبل الظهر. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 30 من فاتته صلاة الوتر قضاها في النهار شفعا ً السؤال فضيلة الشيخ: إذا أذن مؤذن الفجر وأنا لم أوتر فهل أصلي ركعة واحدة أثناء الأذان، أم أصلي الشفع أو أنتظر حتى تطلع الشمس؟ الجواب إذا أذن وأنت في الوتر أكمل. السائل: قبل أن أكبر للوتر؟ الشيخ: إذا أذن قبل أن تكبر وهو يؤذن على طلوع الفجر يقيناً فقد فات الوقت وتقضيه في النهار كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) . الجزء: 71 ¦ الصفحة: 31 حكم إمامة الصبي بالبالغ والمتيمم بالمتوضئ السؤال المذهب يقول: إن الصبي لا يكون إماماً للبالغ؛ لأن الصبي صلاته نفل، والبالغ صلاته فرض، فيكون البالغ أدنى من مرتبة النفل وهذا لا يصح، واستدللتم في صلاة من به سلس البول أن المذهب يقول أيضاً: إنه لا يؤم الناس. الشيخ: لا تأخذ الاثنين خذ واحدة. السائل: أنا في دليل. الشيخ: خذ واحداً بارك الله فيك. السائل: ليست مسألة نفسها. واستدللتم أيضاً من فيه سلس البول، المذهب يقول: من به سلس البول لا يؤم المصلين، والتعليل: أن هذا لو كان رجلاً متيمماً أو متوضأ فإن المتيمم يؤم المتوضئ، فهل نقول الآن في هذا التعليل أيضاً: إن صلاة الصبي تصح وهو ردٌ على هذا التعليل؟ الشيخ: الصلاة خلف الصبي فيها حديث في صحيح البخاري: أن عمرو بن سلمة أم قومه وهو ابن سبع سنين، وما جاء به النص فلا يحتاج إلى قياس، وأما صلاة المتنفل بالمفترض كرجل بالغ يصلي الراتبة فجاء ولد آخر فصلى وراءه فكذلك أيضاً نقول: تصح. السائل: أنا أريد دليل التعليل الذي عللتموه أن من به سلس البول أن المتوضئ والمتيمم، فهل نأخذ أيضاً التعليل رداً على الذي يقول في الصبي والبالغ نقول أيضاً: المتيمم أدنى من المتوضئ، نقول له: هذا التعليل أيضاً رد على المسألة الثانية؟ الشيخ: نقول: يجوز أن يكون المتيمم إماماً للمتوضئ. السائل: لكن الدليل الذي استدللتموه نجعله على المسألتين نفسها؟ الشيخ: كيف المسألتين نفسها؟ السائل: العلة المستنبطة نجعلها أيضاً في الصبي والبالغ نرد عليهم هذا التعليل؟ الشيخ: كيف؟ السائل: ما دام أن المذهب يقول: إن الصبي لا يؤم البالغ؟ الشيخ: لا. بينهما فرق، لأن المتيمم والمتوضئ كلاهما يصليان فريضة بخلاف الصبي بالبالغ، فإن الصبي يصلي نافلة والبالغ يصلي فريضة، وكذلك المتنفل للمفترض. السائل: الظاهر ما فهمتني. مداخلة: على قياس واحد. الشيخ: ما هي على قياس واحد أبداً. السائل: يعنى: نفس العلة، العلة هذه نجعلها في الصبي والبالغ، نقول: نرد عليهم في هذه العلة. الشيخ: نرد عليهم بالحديث الصحيح: أن الصبي أم قومه وهو ابن سبع سنين. السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 32 كل شيء من حقوق الشخص له أن يتنازل عنه إلا العبادات السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للمشترك بخدمة معينة في الدولة مثلاً، تؤمن خدمات الهاتف، وتؤمن خدمات أخرى، والمواطن مشترك فيها اشتراكاً، فهذه خدمة معطاة إليه أصلاً لا يملكها، فبأي حق يجوز له أن يبيعها؟ الجواب لا. هذا متنازل، له الحق أن يستخدم هذا الهاتف إلى أبد الآبدين فتنازل عنه. السائل: مقابل مال. الشيخ: نعم مقابل مال، كل شيء من حقوقك لك أن تتنازل عنه إلا إذا كان من العبادات فهي لا تعوضها منه. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 33 تحية المسجد مقدمة على طلب العلم السؤال إذا دخل شخص المسجد ورأى حلقة علم فهل له أن يستمع إلى هذه الحلقة من أجل الاستفادة أم يصلي تحية المسجد؟ الجواب لا. يصلي تحية المسجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذي دخل وهو يخطب الناس -والخطبة من أساليب التعليم- أمره أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس. السائل: يوجد بعض الناس يقول: إذا دخل أحدكم المسجد هل يستبدل عن هذا بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ويجلس، وهي تحية المسجد؟ الشيخ: ليس بصحيح. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 34 حكم كشف وجه المرأة والرد على من قال بجوازه السؤال نزل كتاب في السوق اسمه: جلباب المرأة المسلمة فالكتاب كان يسمى: بحجاب المرأة المسلمة فغير بعنوان: جلباب المرأة المسلمة، فالمؤلف يقول: إن كشف المرأة لوجهها كان معروفاً على عهد السلف، وأتى بأدلة زائدة عن الأدلة السابقة، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب رأينا أن المعروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة تنتقب أي: تلبس غطاء على وجهها وتفتح عينيها، والدليل على هذا قوله في الحديث الصحيح في محظورات الإحرام: (لا تنتقب المرأة) وهذا دليل على أن النقاب كان معروفاً عندهم، والنقاب يغطي الوجه ويفتح العينين. الشيخ: هو يقول: كان معروفاً على عهد السلف كشف الوجه؟ الشيخ: من أسلف السلف؟ السائل: الصحابة. الشيخ: الصحابة الذين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان كشف الوجه معتاداً لم يحتج إلى قوله: (ولا تنتقب المرأة) فلما نهى عن الانتقاب في حال الإحرام دل على أن النساء في عهده كن يلبسن النقاب. والصحيح الذي لا شك فيه أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال غير المحارم، ونحن نسأل هؤلاء الذين يقولون بجواز كشف الوجه ووجوب تغطية القدم، نقول: بالله ربكم أيهما أشد فتنة كشف الوجه أم كشف القدم؟! يعني: يقولون: يجوز للمرأة جميلة الوجه أن تكشف وجهها، ولا يجوز لامرأة من أقبح النساء قدماً أن تخرج إبهامها أو خنصرها، يعني: هذا لا تأتي به الشريعة إطلاقاً، الشريعة لا يمكن أن تأتي بهذا أبداً، قد يقولون: إن المرأة محتاجة إلى أن تنظر عند المسير، نقول: لا بأس نعطيها رخصة بأن تفتح لعينيها نقباً وتلبس النقاب، لكن هذا يدلك على ضعف الإنسان، وأن الإنسان مهما بلغ في العلم فهو عرضة للخطأ لا في الأمور الفقهية ولا في الأمور الحديثية، حتى لو كان من أعلم الناس بالحديث فإنك تجد عليه أخطاءً كثيرة في تصحيح الضعيف أو تضعيف الصحيح. فلا تعتبر الرجل إذا بلغ منزلة كبيرة في علم الحديث أو علم الفقه، لا تعتقد أنه معصوم وأنه لا يقول إلا الحق والصواب، وهذه لا شك أنها زلة ممن تشير إليه من صاحب الكتاب، هذه زلة نسأل الله أن يعفو عنه بها، كما أن هناك زلات أخرى للعلماء الآخرين وله أيضاً، والإنسان إذا علم صدق النية من العالم وأنه لا يمكن أن يتعمد مخالفة الصواب فإنه يسأل الله له العفو، والله عز وجل لا يؤاخذ الإنسان إذا تأول وأخطأ؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران) . السائل: هل يصح عن أحد من الصحابة بأنه قال بجواز كشف الوجه؟ الشيخ: ولو قاله، لو قاله ألف صحابي، فالصحابة مائة وعشرون ألفاً. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 35 الفطر لمن يصوم قضاء واجب أو نذر السؤال إذا كان الإنسان صائماً قضاء رمضان فهل يجوز له أن يفطر إذا شاء؟ الجواب لا، إذا شرع الإنسان في صيام واجب، سواء قضاء رمضان أو كفارة يمين أو نذر فإنه لا يجوز له أن يخرج منه إلا لضرورة، أما النفل فلا بأس أن يفطر الإنسان في أثناء النهار بلا عذر. السائل: وإن أفطر بما فيه كفارة في رمضان أو في قضاء رمضان؟ الشيخ: الكفارة لا تجب إلا على من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وهو يجب عليه الصوم أيضاً، فإن جامع وهو مفطر لعذر كالمريض والمسافر فلا حرج عليه ولا إثم، إذا كانت زوجته معذورة مثله. السائل: ماذا يلزم من عمله هذا في القضاء؟ الشيخ: قلت لك: يجب عليه أن يتوب إلى الله ويستغفره؛ لأنه فعل محرماً، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 36 حكم توزيع منشورات فيها سب وشتم الحكومة السؤال وجد في هذه الأيام بعض المنشورات التي لا تخدم المصلحة، وقد بلغنا عنكم فتوى بحرمة تداول مثل هذه الأشياء، وأنا والله لم أقف على هذه الفتوى أرجو الكلام حول هذا الأمر يا شيخ؟ الجواب تكلمنا به من قبل قلنا: هذه المنشورات التي تنشر وفيها سب للحكومة بعضه كذب وبعضه صحيح، تداولها حرام ومن كبائر الذنوب، والذي يتداولها لا شك أنه آثم؛ لأن أدنى ما فيها أنها غيبة، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أن الغيبة من كبائر الذنوب، فإن انضاف إلى ذلك أنها كذب صارت بهتاناً، هذا في غيبة عوام الناس -رجل الشارع- فكيف بغيبة ولي الأمر أو العالم! يكون هذا أشد وأعظم؛ لأن ولاة الأمور إذا اغتيبوا هبط قدرهم في أعين الناس، وحصلت الفوضى، وصارت أوامرهم مكروهة عند الناس ولو كان فيها خير، وحرص الناس على أن يتتبعوا عوراتهم، ويدلك على أنه يقصد بهذه المنشورات الشر والله أعلم بالنيات أنه لا يذكر إلى جانب هذه الأخطاء ما كان من الصواب. الحكومة لها أشياء كثيرة هي صواب وخير ومنفعة للمسلمين، فعلى الأقل إذا كان الإنسان منصفاً، يعني: لو فرضنا أن الإنسان سئل: ما تقول في الحكومة؟ إذا كان منصفاً يجب أن يذكر السيئات والحسنات، هذا إذا سئل وألجئ، أما أن يأتي الإنسان ينشر مساوئ الحكومة وبصفة واسعة فلا شك أن عليه من الإثم ما يستحقه، ولا شك أن الذين يعينونه بنشر هذه المنشورات عليهم من الإثم ما يستحقونه، ولهذا نحن نحذر من تداول هذه المنشورات ومن نشرها، ونرى أن الفاعل أو الذي يفعل ذلك قد تلبس بكبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وكبائر الذنوب لا تكفرها الصلاة ولا الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وقال: (ما لم تغش الكبائر) وهذه كبيرة من كبائر الذنوب. أنت الآن إذا أحد كتب عن مساوئك ونشرها بين الناس ماذا تقول فيها: غيبة أو ليست غيبة؟ غيبة وعدوان عليك، لماذا تكون غيبة وعدواناً على واحد من الناس يمشي في الشارع حتى لو هبط ونقص قدره ما ضر إلا نفسه فقط ولا تكون غيبة ولاة الأمور الذين يجب على الناس طاعتهم في غير المعصية كبيرة؟ هذا أشد، ولهذا مع الأسف الشديد بعض الناس يظنون أن هذا حق، بل بعضهم ربما يظن أنها قربة إلى الله، بيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وقد سأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الغيبة؟ قال: (ذكرك أخاك بما يكره) ثم إن السلف رحمهم الله ليس من عادتهم أن يغتابوا الحكام أبداً، فهذه الطريقة مخالفة لطريقة السلف، من كان منهم يريد أن يتكلم على السلطان يتكلم عليه أمامه، حتى لا تكون غيبة، وحتى يستطيع هذا الإمام أن يدافع عن نفسه إن كان محقاً أو يتراجع إن كان مبطلاً، أما من وراء الجدر ثم تلفق أيضاً أشياء غير صحيحة وهي كذب، ما الذي يجوز هذا؟ القرآن والسنة بين أيدينا والحمد لله، والرجوع إليهما واجب، وعلى كل حال فيه كلمات من قبلهن. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 37 صحة حديث: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) السؤال ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) ما توجيه هذا الحديث؟ الجواب لا أعرف هذا الحديث ولا أعرف معناه أيضاً. الجزء: 71 ¦ الصفحة: 38 لقاء الباب المفتوح [72] الجزء: 72 ¦ الصفحة: 1 الفرق بين العادة والعبادة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو لقاء الباب المفتوح الخاتم لشهر ربيع الأول عام (1415هـ) ، وكان هذا اللقاء يتم في كل أسبوع في يوم الخميس، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، موافقاً لمرضاته، وأن ينفعنا جميعاً بما علمنا إنه على كل شيء قدير. السؤال ما هو الفرق بين العادة والعبادة، وإذا كان الباعث على العبادة الرياء فما الحكم وجزاكم الله خيراً؟ الجواب الفرق بين العادة والعبادة: أن العبادة ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه، وأما العادة فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات وما أشبهها. وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ} [الشورى:21] ، أما العادات فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه، وعلى هذا فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة. الجزء الثاني من السؤال: إذا كان الباعث على العبادة الرياء فإنها لا تقبل؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . الجزء: 72 ¦ الصفحة: 2 نصيحة لمن يتعامل مع البنوك السؤال فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم: أحد الزملاء كان له رصيد في البنك الأهلي، ونصحته بأن ينقل هذا الرصيد إلى بنك الراجحي، لأنه ليس فيه ربا، وإن كان فيه ربا فهو أقل وأخف من البنك الأهلي، فقال: اسأل لي الشيخ: هل أنا آثم بوضع هذا الرصيد في البنك الأهلي؟ فهذا هو السؤال أفيدونا وفقكم الله! الجواب الذي نرى ما رأيت أنه ينقله من البنك الأهلي إلى شركة الراجحي؛ لأن ذلك أقرب إلى السلامة. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 3 الدعوة إلى الله بالأدلة العقلية والنقلية السؤال فضيلة الشيخ! يقول البعض في أمر الدعوة حين يأتون إلى دعوة القوم من أهل الكتاب يقولون: لا نقدر أن ندعو الناس هؤلاء بالقرآن لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالقرآن، علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى أهل اليمن بعثه إلى أهل كتاب، وفي رواية البخاري: (أن يوحدوا الله) وقول شيخ الإسلام: القرآن كله توحيد، فماذا يكون نصيحتكم فضيلة الشيخ لهذه المقولة، التي أخشى أن يكون فيها تعطيل لكتاب الله وجزاكم الله خيراً؟ الجواب نحن نقول: إن الدعوة إلى دين الله تعالى وإلى شريعة الله لا تكون إلا بالطرق التي شرعها الله عز وجل، ولا شك أن الدعوة بالقرآن والسنة هي أقرب وسيلة إلى القبول، لكن لا مانع من أن يكون لدى الإنسان أدلة عقلية يؤيد بها الكتاب والسنة، لأن من الناس من لا يؤمن بالأدلة السمعية أي: بالقرآن والسنة، لكن إذا أتته الأدلة العقلية اقتنع، وهذا موجود في القرآن، فإن الله تعالى يحاج بعض المشركين بالأدلة العقلية وهذا إبراهيم قال لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] فحاجه بالأدلة العقلية، وكذلك حاج قومه بذلك بالأدلة العقلية حين رأى كوكباً فقال: هذا ربي، ورأى القمر فقال: هذا ربي، ورأى الشمس فقال: هذا ربي، وكلها لما غابت تبينت أنها ليست آلهة، وأما كون النصارى واليهود لا يؤمنون بالقرآن فلا يخالهم لا يؤمنون به، لكن لا يؤمنون بعموم الرسالة، ولهذا تجدهم يرون الاحتجاج بالقرآن، وسمعت في المؤتمر الباطل الذي يعقد الآن في القاهرة مؤتمر السكان والبيئة سمعت صدىً عظيماً للآية التي تلتها رئيسة وزراء باكستان وهي قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام:151] والآية الأخرى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء:31] حيث نقلوا مما تكلمت به أنها استدلت بهذه الآية، وهذا يدل على أن للقرآن شأناً حتى عند غير المسلمين. السائل: شيخنا! الأدلة العقلية التي ذكرتها من القرآن هي شاهد على الربوبية إذاً هي من القرآن، أليس كذلك؟ الشيخ: نعم، لكنها أدلة عقلية. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 4 مخالفة الإمام في تقديم الركبتين على اليدين السؤال إذا كان الإمام ممن يقدم ركبتيه على يديه إذا هوى إلى السجود فهل يكون تقديم المأموم يديه على ركبتيه مخالفة للإمام في هذه الحال؟ الجواب الذي يظهر لي أنها ليست مخالفة؛ لأنه لم يتأخر عنه ولم يتقدم عنه بخلاف جلسة الاستراحة، فإن الإمام إذا كان لا يجلس للاستراحة فالمأموم مشروع له ألا يجلس، لأنه بجلوسه يتأخر، أما هذا فلا يتأخر ولا يتقدم، فهو مثل لو كان الإمام يرى مشروعية التورك في كل تشهد أخير ولو في الصلاة الثنائية، أو يرى مشروعية الافتراش حتى في التشهد الثاني في الصلاة التي لها تشهدان، وصار المأموم يخالفه، فإن ذلك لا يعد مخالفة، فالظاهر أن هذا ليس من المخالفة، وأنه لا حرج على المأموم أن يقدم يديه قبل ركبتيه. ولكنني أنصح المأموم ألا يقدم يديه قبل ركبتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك فقال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) والبعير إذا برك يقدم يديه وكل الناس يعرفون ذلك، والحديث ليس فيه (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) لو قال: على ما يبرك عليه البعير قلنا: لا تبرك على ركبتيك؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه، ولكنه قال: فلا يبرك كما يبرك، فالنهي عن الكيفية والصفة، فلننظر الإنسان إذا نزل يديه قبل ركبتيه صار كالبعير تماماً، ولذلك ننصح إخواننا أن يتأملوا الحديث تأملاً تاماً، ليعرفوا دلالاته ثم يأخذوا بما دل عليه لفظه، فنرى أن يقدم ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الترتيب الطبيعي أيضاً، فإن أول ما يلي القدم الذي هو ثابت على الأرض من قبل: الركبة، ثم اليدان، ثم الجبهة والأنف، كما أنه عند القيام يرفع الجبهة والأنف ثم اليدين ثم الركبتين. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 5 غناء النساء ورقصهن في الأفراح السؤال فضيلة الشيخ! تقوم بعض النساء في الأفراح بالرقص مع الغناء فهل هذا العمل جائز أم لا؟ الجواب الذي أرى أن تمنع النساء من الرقص؛ لأن ذلك فيه فتنة، وكنت في الأول أسهل في الأمر، لكن نقلت لي حوادث توجب أن أقول بمنع الرقص في الحفلات، ويكفي الضرب بالدف مع الغناء النزيه الطيب الطاهر لأن ذلك من السنة. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 6 مهر المرأة لا يعلق على بقاء بكارتها السؤال فضيلة الشيخ! هناك عادات عندنا في أفريقيا وفي مكة كذلك إذا تزوج امرأة ودخل بها ولم يجدها بكراً طالب بإرجاع ماله، ما رأيكم في هذا العمل؟ الجواب نرى أنه ليس له حق في المطالبة بالمال؛ وذلك لأنه لم يشترط أنها بكر، ثم إن البكارة لزوالها أسباب غير الجماع، قد تزول البكارة بقفزة تقفزها المرأة، وقد تزول البكارة بعبث المرأة في نفسها عند المراهقة، وقد تزول البكارة بجماع مكرهة عليه، وحينئذٍ لا نرى أن له حق بالمطالبة ما لم يكن شرط ذلك. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 7 الاحتساب على تاركي الجماعة في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! إمام لأحد المساجد في حي يسكنه أكثرهم غير سعوديين فالإمام يسأل ويقول: هل نلزمهم بصلاة الجماعة مع أن مذهبهم الذي يتقلدونه يقول: بأن الصلاة مع الجماعة سنة، فهل نلزمهم وهل يجبرون على ذلك وتخبر الجهات المختصة عن ذلك؟ الجواب أرى أن تخبر الجهات المختصة بذلك؛ لأننا لو تركنا الحبل على الغارب وقلنا: كل واحد يفعل ما يرى أنه مذهبه لتفلتت الأحوال ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تكشف امرأتي وجهها في السوق لأن مذهبي لا يرى وجوب تغطية الوجه، ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تسافر امرأتي بلا محرم لأن مذهبنا أن المحرم ليس بواجب، ولجاءنا من يعلن شرب الدخان ويقول: إن شرب الدخان ليس بحرام عند بعض العلماء، فأرى أن يرفع الأمر إلى المسئولين، وعلى المسئولين أن يتقوا الله عز وجل فيما يعاملون به هؤلاء المتخلفين عن الصلاة. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 8 كيفية قضاء الدين إذا كان بعملة تغيرت قيمتها السؤال فضيلة الشيخ! أحد الإخوة استدان مبلغاً من المال من جار له صاحب متجر في بلده ومضى على هذا الدين عشر سنوات ويريد أن يرد المبلغ الآن لكن عملة البلد هبطت إلى حد صار هذا المبلغ الذي كان يمكن أن يشتري به مثلاً سيارة من الوكالة جديدة حينذاك، لا يشتري به إطاراً من إطاراتها اليوم، فهل يرد له نفس المبلغ فيكون الدائن قد خسر كثيراً، أم يدفع له ما يساوي قيمة المبلغ قبل عشر سنوات، وهل يكون بذلك قد أربى؟ الجواب إذا كانت الفلوس قد ألغيت واستبدلت بعملة أخرى فله أن يطالب بقيمتها في ذلك الوقت أو بقيمتها حين ألغيت، وأما إذا بقيت العملة على ما هي عليه فليس للمقرض إلا هذه العملة سواء زادت أم نقصت، وأقول لك: لو فرض أن العملة زادت أفلا يطالب المقرض المقترض بها؟ نعم يطالبه بها، مع أنها قد تكون زادت أضعافاً مضاعفة، وكذلك لو أقرضه صاعاً من البر قبل سنوات وكان الصاع يساوي خمسة ريالات ثم نزل إلى ريالين مثلاً فهل يقول أعطه الصاع وأعطه ثلاثة ريالات، لا ليس له إلا الصاع، فالأشياء المثلية لا يلزم فيها إلا رد المثل، وكذلك النقود ما لم تلغ المعاملة بها فيكون له القيمة وقت إلغائها. السائل: المستدين يرى أنه يزيد هل في هذا ربا؟ الشيخ: لا إذا تطوع وأعطاه زيادة، فخير الناس أحسنهم قضاءً، وقد استدان النبي صلى الله عليه وسلم بكراً ورد خياراً رباعياً وقال: (خيركم أحسنكم قضاءً) . الجزء: 72 ¦ الصفحة: 9 حكم خروج النساء مع جماعة التبليغ السؤال انتشر عندنا في الكويت جماعة التبليغ يعظون الرجال الآن والنساء فضلاً عن الرجال بالخروج إلى جميع البلدان يحددون مدة قصيرة يدربون المرأة مدة ثلاثة أيام ثم أسبوع ثم في الخليج كذلك يعني أسبوعين بعد ذلك ينقلونها إلى مرحلة أعلى وهي مرحلة الهند والباكستان، حتى تتدرب المرأة بحجتهم على الدعوة إلى الله تعالى أربعين يوماً، والسؤال: نقل عنك أيضاً أن أحد الإخوة يأتي هنا إلى القصيم ويقول: إنك ترى جواز الخروج مع النساء فهل هذا صحيح؟ ونريد كلمة هل هم جماعة حق ويخرج معهم ويجتهد الإنسان معهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويبذل الإنسان ماله ووقته؟ الجواب أما ما نسبه إليَّ من أني أقول: حتى النساء يخرجن فهذا غير صحيح ولا علمت أن النساء يخرجن في جماعة التبليغ إلا منك الآن، وأما الجماعة فلا أحد يشك أن لها تأثير في إصلاح الناس، كم من كافر أسلم! وكم من فاسق اهتدى! وهذا شيء معلوم، لكن يغلب عليها الجهل، ليس عندهم طلبة علم ولا علماء، كما أن الذهاب إلى بلاد أخرى من بلاد العجم الباكستان أو غيرها لا نرى السفر إلى هناك، ولا نرى حجاً إلا إلى بيت الله الحرام، وهذا الاجتماع السنوي الذي يجتمع فيه ما يزيد على المليون، هذا شبه الحج وهذا لا نراه، ونرى أن جماعة التبليغ يكونون في أماكنهم يدعون إلى الله عز وجل في القرى والمدن، ونرى أيضاً أنه يلزم على طلبة العلم أن يخرجوا معهم لتعديل منهجهم، وإصلاح ما هم عليه من الأخطاء التي قد تكون من كل أحد من الناس، فأنا لست من الذين يذمونهم ذماً مطلقاً، ولا من الذين يمدحونهم مدحاً مطلقاً، لكني أرى أن في القوم خيراً، وأن الله نفع بهم نفعاً كبيراً، ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن أحداً من الناس أثر ولا سيما في العامة مثل ما أثر هؤلاء. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 10 جواز الجمع بين الظهر والعصر إذا دعت إليه الحاجة السؤال فضيلة الشيخ! في بعض الشركات يعمل الموظف لمدة اثني عشرة ساعة، مثلاً من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً، فيخرج وهو متعب فينام، فيقول: لا أستطيع الاستيقاظ والصلاة جماعة في المسجد مع الجماعة، فهل يجوز لي تأخير صلاة الظهر مع العصر؟ وإن كان لا، فكيف يجاب على استفسارهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر ولا خوف؟ الجواب أما إذا خرج الإنسان متعباً وكان لا يستطيع أن يبقى مستيقظاً إلى العصر فلا بأس أن يجمع العصر إلى الظهر وينام. وأما قولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر، فهذا ليس بصحيح، ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعذر، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه (جمع -أي: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر) . بين ابن عباس رضي الله عنهما سبب ذلك حين سئل: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، فدل هذا على أن الجمع إنما يجوز عند المشقة فقط، وما ذكرت من حال هذا الرجل مشقة بلا شك فله أن يجمع تقديماً أو تأخيراً. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 11 قفل مكبرات الصوت بعد إقامة الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! بعض الإخوان في بعض المساجد يقوم بقفل الميكروفونات بعد إقامة الصلاة باحتجاج أنهم لا يزعجون أصحاب الحي، فتناقشنا مع الأئمة معهم قالوا: لابد، لأننا قد سمعنا فتوى لفضيلة الشيخ ابن عثيمين بقفل الميكروفونات بعد الإقامة؟ الجواب نعم هذا صحيح، نحن نرى ألا ترفع الصلاة من المآذن في الميكرفون؛ لما في ذلك من الأذية على المساجد، القريبة من المسجد بل وعلى أهل البيوت الذين يزعجهم هذا، لأن أهل البيوت قد يكون الإنسان مريضاً يريد أن ينام، وقد يكون عنده صبيان ينزعجون من هذا الصوت، ثم ما الفائدة من هذا: هل هو يصلي للناس الذين في الخارج أم يصلي لأهل المسجد؟ هو يصلي لأهل المسجد. إذاً: ما الفائدة؟! وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة ورآهم يصلون ويجهرون، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة) . أما الإقامة فلا بأس على أن بعض الإخوة قال: إنها بدعة، لأن الإقامة بمكبر الصوت من المنارة كأنه أقام في المنارة والإقامة للحاضرين، لكني أرى أنه لا بأس بالإقامة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة) يدل على أن الإقامة تسمع من خارج المسجد، وأما أن تكون كل الصلاة فلا شك أنه يؤذي الناس لا سيما في الصلاة الجهرية، وقد سمعنا من أمن على قراءة المسجد الذي بجواره، وسمعنا من ركع لما ركع المسجد الذي بجواره، وكل هذا واضح مفسدته. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 12 تعليق على سؤال الصحابة عن الأهلة السؤال فضيلة الشيخ! حفظك الله وبارك الله للأمة في علمك وحياتك، اطلعت على مقال نشر في مجلة البيان في العدد التاسع والسبعين وآلمني وإن كان نظري قاصراً حول هذه المسألة وأردت أن أنكر هذا في صلاة الجمعة في يوم غد فرأيت أن أستشير فضيلتكم وآخذ نصاً يسيراً من المقال أربعة أسطر في قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] . فقال: فقد جاء أحد تفسيري الآية الكريمة أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأهلة والكواكب! لم يبدو القمر هلالاً صغيراً ثم لا يلبث إلا قليلاً وقد أخذ في الزيادة والتوهج والاكتمال؟ ثم قال: وهو على أي حال سؤال ساذج يدل على سطحية في التفكير، وبدائية في النظر، ومحدودية في التناول التأملي، وبساطة في البحث عن المعرفة الفكرية المهمة، المناسبة للمكان والزمان، وكان يمكن أن يأتي الرد على ظاهر سؤالهم العبثي. ثم أخذ من هذه الكلمات، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك القول بأن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أحجام الأهلة: لماذا تبدوا صغيرة ثم كبيرة؟ هذا لا سند له وإنما ينقله علماء البلاغة، وليس في الآية ما يدل عليه، الصحابة سألوا عن الأهلة: ما الحكمة من وجود الأهلة؟ فبين الله تعالى أنها مواقيت للناس والحج، كما في قوله تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ} [يونس:5] ما خلق الله ذلك إلا بالحق، هذا هو الذي وقع السؤال عنه وهو مطابق تماماً للجواب، لكنَّ البلاغيين يقولون: هذا من باب الأسلوب الحكيم، كأن الله عدل عن إجابة سؤالهم إلى الأهم والأنفع، وبناءً على ذلك نقول: يجب على هذا الذي تكلم بهذا الكلام في حق الصحابة يجب عليه أن يتثبت، أولاً: هل صحيح أنهم سألوا: لماذا يبدو الهلال صغيراً ثم يكبر، أم سألوا عن الحكمة من إيجاد هذه الأهلة؟ أما أن يهاجم الصحابة هذه المهاجمة دون أن ينظر إلى صحة القصة فلا شك أن هذا خطأ من الناحية العلمية والمنهجية وإساءة إلى الصحابة رضي الله عنهم، والآية معناها: أنهم سألوا الرسول عن الحكمة في هذه الأهلة فأجيبوا ببيان الحكمة. السائل: فهذه العبارة التي ذكرها. الشيخ: غلط من الناحية المنهجية وخطأ من ناحية القدح في الصحابة، الصحابة ما سألوا هذا السؤال الذي قصد. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 13 استخدام المحرم لمواد عطرية عند الحلق السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس إذا انتهى من العمرة وأراد الحلق فإنه قبل حلق رأسه يضع عليه الحلاق شيئاً من المعجون أو الصابون وله رائحة زكية، فهل يعتبر هذا من محظورات الإحرام أم أنه في طريق الإزالة فيعفى عنه؟ الشيخ: لكن كيف انتهت العمرة. السائل: لم يحلق بعد. الشيخ: يعني قبل أن يحلق؟ السائل: قبل أن يحلق؟ الجواب إذا كان طيباً يمنعه منه، أما إذا كان مجرد رائحة ذكية فلا بأس بها، لكن هل هو طيب أم رائحة ذكية كرائحة النعناع أو ما أشبه ذلك؟ إن كان الثاني فلا بأس به حتى لو كان في صلب الإحرام. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 14 محدودية القبول في مدارس القرآن السؤال فضيلة الشيخ! كما تعلمون في هذه الأيام قرب افتتاح المدارس، ومدارس تحفيظ القرآن لا يقبل في السنة الأولى إلا ثلاثين طالباً فقط، ويحدث مشاكل عند التسجيل بالنسبة لأولياء أمور الطلاب أو المسئولين عن تلك المدارس، السؤال هو: بماذا توجهون المسئولين عن المدارس وأولياء أمور الطلاب، وكذلك المسئولين الذين حددوا النسبة ثلاثين طالباً وجزاك الله خيراً؟ الجواب نرى أن أهل البلد يجتمعون ويكتبون لوزير المعارف، ويبينون له أن الإقبال على هذه المدارس شديد، وأنه لا ينبغي أن يحال بين الناس وبين ما يريدون في أمر هو خير وصلاح، فلعلهم إذا كتبوا ذلك لعله ينفع، وقد يقول وزير المعارف مثلاً: إن هذه خطة مدروسة من الوزراء وما أشبه ذلك، فيكتب لرئيس مجلس الوزراء ويقولون: الناس يريدون هذا وإقبالهم شديد على هذه المدارس وهي خير، وما أحسن أن يكون الشعب السعودي حافظاً لكتاب الله عز وجل، أما كون الناس يقع بينهم الملاغاة والعداوة والبغضاء والشحناء فهذا لا يجوز. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 15 خطأ تفسيق تارك الرواتب السؤال ما قولك فيمن يرى تفسيق من يترك مثلاً السنن الرواتب، ويحتج مثلاً ببعض الأقوال التي تنسب إلى الإمام أحمد رحمه الله أن تارك الوتر والسنن الرواتب فاسق لا تقبل له شهادة، وهل هذا يصح أو يثبت عن الإمام أحمد؟ ما صحة القول بالتفسيق؟ الجواب نرى أن من فسق من ترك الرواتب ليس على صواب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله الرجل لما ذكر له الصلوات الخمس قال: (هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع) وهذا يدل على أن الإنسان في حلٍّ من ترك الرواتب، لكن الذين قالوا: لا ينبغي أن تقبل له شهادة كما قال الإمام أحمد يرحمه الله قالوا: لأن تركه لهذه الرواتب السهلة مع تمكنه يدل على استهانته بدينه ولم يجعلوا ذلك فسقاً. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 16 صورة لبيع النقد بالنقد السؤال فضيلة الشيخ! ذكرت في شريط: الأسلوب الأمثل في الدعوة: أنك إذا اشتريت مثلاً من صاحب بقالة بقيمة أربعين ريالاً فأعطيته خمسين وبقي لك عشرة ريال فقلت: إنه ربا نسيئة، ما هو الدليل على ذلك لأن كثيراً من الناس وقع في ذلك؟ الجواب هذه الصفقة بارك الله فيك جمعت بين بيع وصرف، الخمسين ريالاً الآن صارت عوضاً لصرف وبضاعة فأما البضاعة فمعروف أنه ليس بينها وبين الدراهم ربا، وأما الصرف الذي هو باقي قيمة الخمسين فهو بيع نقد بنقد، فلا يجوز أن تفارقه حتى تأخذ منه ما بقي من الخمسين، وحل هذه المشكلة سهل بدلاً من أن يقول: هذه الخمسين ويبقى عندك لي عشرة ريالات يذهب إلى جاره ويصرف الخمسين ويعطيه أربعين. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 17 حكم دعاء صفات الله السؤال إذا كان دعاء صفة من صفات الله عز وجل محرم، فكيف نفهم الأدعية الآتية من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ؟ الجواب وقوله: (أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) كل هذا استعاذة بصفة الله والمراد الموصوف، لأن الدعاء المحظور أن تقول: يا قدرة الله اغفري لي، يا رحمة الله ارحميني، هذا الذي قال عنه شيخ الإسلام: إنه كفر بالاتفاق، لأنك إذا قلت: يا قدرة الله اغفري لي، أو: يا رحمة الله ارحميني، كأنك جعلت هذه الصفة شيئاً مستقلاً عن الموصوف فيغفر ويرحم ويغني، أما إذا قلت: أعوذ بعزة الله، فهذا من باب التوسل بعزة الله عز وجل إلى النجاة من هذا المرهوب الذي استعذت بالعزة منه، وكذلك: برضاك من سخطك، وكذلك قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) ليس المعنى أن الإنسان أن يستغيث بالرحمة منفصلة عن الله، لكن هذا من باب التوسل بصفات الله عز وجل المناسبة للمستعاذ منه أو للمدعو، وليس دعاء صفة، دعاء الصفة أن تقول: يا رحمة الله ارحميني، يا قدرة الله أعطيني، وما أشبه ذلك. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 18 حكم التصوير الفوتوغرافي السؤال ما حكم التصوير الفوتوغرافي مع التفصيل لأن ذلك قد التبس عليَّ، جزاكم الله خيراً؟ الجواب التصوير الفوتوغرافي لنا فيه عدة أجوبة في مجموع الرسائل وفي غيرها أيضاً فارجع إليها، وأنا أقول يا إخواني: ليس التصوير الآن هو مشكلة الدنيا، كثير من السلف ليس من الخلف يقولون: إن التصوير بالتلوين والرسم ليس حراماً حتى ولو كان باليد، ولكن نرى أن التصوير بذلك حرام ولو بالرسم، كما يحرم التمثيل أن يجعل صورة مجسمة يصورها الإنسان بيده فإن هذا حرام، أما التصوير الحديث الآن الذي يسلط فيه الإنسان آلة على جسم معين فينطبع هذا الجسم في الورقة فهذا في الحقيقة ليس تصويراً، لأن التصوير مصدر صور أي: جعل الشيء على صورة معينة، وهذا الذي التقطه بهذه الآلة لم يجعله على صورة معينة، الصورة المعينة هو بنفسه يخطط، يخطط العينين والأنف والشفتين، وما أشبه ذلك. ولكن يبقى السؤال الذي ينبغي أن نسأله: هل يجوز أن أصور بالآلة الفوتوغرافية الفورية لاقتناء ذلك للذكرى؟ نقول: لا، لا يجوز اقتناؤه للذكرى لكن للحاجة لا بأس. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 19 نصائح للمجاهدين السؤال فضيلة الشيخ! ما نصيحتكم لإخوانكم المجاهدين عامة، ولإخوانكم المجاهدين من أوروميا في الحبشة خاصة، حيث أن زعيمهم حاضر في هذا المجلس المبارك وجزاكم الله خيراً؟ الجواب نصيحتي للمجاهدين أن يخلصوا النية لله عز وجل، بأن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) . ثانياً: ألا يقاتلوا حتى يستعدوا، ويكون لديهم من العدة ما يقابل عدة العدو أو يقارب، لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ، ولهذا أجاز الله سبحانه وتعالى للمجاهدين أن يفروا إذا كان العدو أكثر من مثليهم أن يفروا حتى بعد المصافاة إذا كان العدو أكثر من مثليهم، وهكذا إذا كان السلاح أكثر من مثل سلاحهم، أما أن نذهب نقاتل عدواً بسلاح لا يقابل ولا يداني سلاحه بدون أن يكون هناك أسباب يمكن أن نتقي بها، فهذا لاشك أنه ليس بمشروع؛ لأن الواجب الإعداد قبل النفور: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] . ثالثاً: نصيحتي لهم ألا يختلفوا ولا يتنازعوا، لأنهم إذا اختلفوا وتنازعوا فشلوا، قال الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران:152] يعني: رأيتم ما تكرهون، فالنزاع والاختلاف سبب للهزيمة والفشل، إذا كنت تقاتل في سبيل الله حقاً فلا تجعل قولك هو المنتصر ولا تنتصر لنفسك ولكن اتبع الحق أينما كان، ولهذا لما كان بعض المجاهدين في نيته دغل صار المجاهدون يتقاتلون فيما بينهم، يقتل بعضهم بعضاً بالسلاح الذي أعد ليقاتل به العدو. الرابع: أن يجعلوا لهم أمراء وعمداء حتى لا يكون أمرهم فوضى، ويجب على المأمور أن يكون مطيعاً لأميره في غير معصية الله، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية أمر عليهم من يوجههم ويأمرهم وينهاهم حتى لا يكون أمرهم فوضى، أما أن يركب كل إنسان رأسه ويفرض رأيه فهذا خطأ عظيم، لا بد من أمير يتفق عليه أو يعنيه من كان أميراً قبله أو ما أشبه ذلك من وسائل نصب الأمير. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 20 حكم تكرار العمرة السؤال ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة، أتى شخص بعد أسبوع مثلاً، اعتمر قبل أسبوع، فهل يعتمر الآن؟ الشيخ: ذكر الإمام أحمد رحمه الله حداً مقارباً قال رحمه الله: إذا حمم رأسه، أي: إذا اسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في رمضان أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدث وأنه بدعي، فليسوا أحرص من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشرة يوماً في غزوة الفتح ولم يحدث نفسه أن يخرج ويعتمر، وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام ولم يعتمر، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يكررون العمرة. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 21 إخلاص العبادة ودفع اللوم بها السؤال فضيلة الشيخ! كتب أحدهم مقالاً ناصحاً فيه في إحدى المجلات يقول محذراً فيه عن مرض خفي يصيب من يدعو إلى الله سبحانه وتعالى وأهل القضاء والعلم، ويقول: إن هذا المرض ربما يصيب الشخص بأن يقوم إلى الله سبحانه وتعالى في الليل أو يتأخر في المسجد للصلاة لأنه قاضٍ في البلد أو داعية إلى الله سبحانه وتعالى، فهل هذا له وجه في الشرع، وكيف يعني يقوم هذا القول؟ الشيخ: لم أفهم؟ السائل: يعني: ممكن أن يصاب بعض الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يعني يرى أنه هذا مرض خفي ليس هو بالرياء لكنه ممكن أن يقوم الليل، يقوم إلى الله سبحانه وتعالى بالليل لا يراه أحد لأنه داعية إلى الله أو لأنه قاض يتطلب منه وضعه أن يقوم بهذا الشيء أو يتأخر في الصلاة في المسجد، يعني: لا رياءً ولكن يكون هذا مرض خفي، فهل هذا له وجه في الشرع تكلم به أحد؟ الشيخ: يعني هو قصده أن يدفع اللوم عن نفسه أن هذا الذي تعبد لله، ليدفع اللوم عن نفسه. السائل: ويراقب الله سبحانه وتعالى بأن يكون هذا العمل يخلص فيه إلى الله سبحانه وتعالى. الشيخ: لا مانع أن الإنسان يخلص لله تعالى في عمله ويريد أيضاً أن يدفع اللوم عن نفسه. السائل: لكن تقييده بالشيء هذا يعني يقوم إلى الله سبحانه وتعالى بالليل ويكون هذا مرض يعني كيف ذلك؟ الشيخ: أبداً ليس بمرض لا نوافق هذا القائل: أنه مرض، نقول: إن الإنسان يريد دفع اللوم عن نفسه أو يريد أن يمرن نفسه على العمل الصالح، مع أن الأولى للإنسان إذا كان يريد الإخلاص التام ألا يهتم بأحد ما دام مخلصاً لله عز وجل فلا يهمه أحد. الجزء: 72 ¦ الصفحة: 22 جواز إزالة النمل المؤذي السؤال فضيلة الشيخ! هذا رجل بنى له بيتاً على أرض وهذه الأرض يوجد فيها نمل، فهل يقضي عليها لأنها أصبحت تؤذيه، لأنه بنى والنملة سبقته في هذا المكان؟ الجواب النمل لا يملك الأرض ولو سبق، إذا كان لا يمكن دفعه إلا بالقضاء عليه، فله ذلك، لكن لو أنك صببت عليه الجاز لهرب، ونحن جربنا الذر تصب عليه الجاز ثم يذهب يرتحل، فإذا أمكن أن تزول بدون قتل فهو أحسن، وإلا فلا بأس بقتلها. السائل: قيل له يا شيخ: إذا أردت أن تقضي عليها، اقرأ سورة النحل في علبة ماء معدني ثم صبه عليه، فهل هذا صحيح يا شيخ؟ الشيخ: والله ما أدري الذي جربته هو الجاز وأيضاً في الذر. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، وأرجو ألا تحرجوني ولا تحرجوا أنفسكم في السؤال بعد هذا، لأن أمامي مسجد والناس ينتظرونني، ولا أستطيع أن أقول: حبسني الناس، لأنهم يقولون: الناس لماذا حبسوك؟ الجزء: 72 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [73] تحدث الشيخ رحمه الله عن آيات الله عز وجل الكونية التي خلقها الله تعالى من أجل حياة الإنسان وعيشه في هذه الحياة الدنيا، فذكر الله في هذه السورة الشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض، وبين ما فيهما من منافع وآيات باهرة، ثم بعد ذلك أقسم بخلقه لهذه النفس البشرية، وكيف أنه بيَّن لها طريق الهداية وطريق الشقاوة، وبعد ذلك بيَّن سعادة من زكَّى نفسه وأطاع الله، وتعاسة وخيبة من أردى نفسه في المهاوي والمهالك. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الشمس الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو العاشر من شهر ربيع الثاني عام (1415هـ) نتكلم فيه على أول سورة الشمس، حيث قال الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. } [الشمس:1-7] إلى آخره. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والشمس وضحاها) أما البسملة فلا نعيد الكلام عليها؛ لأنه معروف ومتكرر، لكن نبدأ بالآيات في قول الله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] أقسم الله تعالى بالشمس وضحاها وهو ضوءها لما في ذلك من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وكمال علمه ورحمته، فإن في هذه الشمس من الآيات ما لا يدركه بعض الناس، وأضرب لكم مثلاً: إذا طلعت الشمس فكم توفر على العالم من طاقة كهربائية؟ توفر آلاف الملايين؛ لأنهم يستغنون بها عن هذه الطاقة، وكم يحصل للأرض من حرارتها من نضج الثمار وطيب الأشجار ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ويحصل فيها فوائد كثيرة لا أستطيع أن أعدها؛ لأن غالبها يتعلق في علم الفلك وعلم الأرض والجيولوجيا، ولا أستطيع أن أعدها لكنها من آيات الله العظيمة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والقمر إذا تلاها) قال تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] قيل: إذا تلاها في السير، وقيل: إذا تلاها في الإضاءة، وما دامت الآية تحتمل هذا وهذا فإن القاعدة في علم التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين وجب الأخذ بهما جميعاً، لأن الأخذ بالمعنيين جميعاً أوسع للمعنى، فنقول: إذا تلاها في السير؛ لأن القمر يتأخر كل يوم عن الشمس، فبينما تجده في أول الشهر قريباً منها في المغرب إذا هو في نصف الشهر أبعد ما يكون عنها في المشرق؛ لأنه يتأخر كل يوم، أو إذا تلاها في الإضاءة؛ لأنها إذا غابت بدا ضوء القمر لا سيما في الربع الثاني إلى نهاية الربع الثالث فإن ضوء القمر يكون بيناً واضحاً يعني: إذا مضى سبعة أيام وبقي سبعة أيام يكون الضوء ضعيفاً، ثم إذا مضى سبعة أيام إلى أن يبقى سبعة أيام يكون الضوء قوياً وأما في السبعة الأولى والأخيرة فيكون الضوء ضعيفاً، وعلى كل حال فإن إضاءة القمر لا تكون إلا بعد ذهاب ضوء الشمس كما هو الظاهر، فيكون الله أقسم بالشمس لأنها آية النهار، وأقسم بالقمر لكونه آية الليل. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا جلاها) قال تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} [الشمس:3-4] : تضاد، النهار إذا جلى الأرض وبينها ووضحها بأنه نهار تبين به الأشياء وتتضح، (والليل إذا يغشاها) : يغطي الأرض حتى يكون كالعباءة المفروشة على شيء من الأشياء، وهذا يتضح جلياً فيما إذا غابت الشمس وأنت في الطائرة تجد أن الأرض سوداء تحتك؛ لأنك الآن تشاهد الشمس لارتفاعك، لكن الأرض التي تحتك حيث غربت عليها الشمس تجدها سوداء كأنها مغطاة بعباءة سوداء وهذا معنى قوله: (والليل إذا يغشاها) . الجزء: 73 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والسماء وما بناها) قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * {وَالأَرْضِ} [الشمس:5-6] (والأرض) السماء والأرض متقابلات. {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:5-7] . {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} : قال المفسرون: إن (ما) هنا مصدرية أي: والسماء وبنائها، لأن السماء عظيمة بارتفاعها وسعتها وقوتها وغير ذلك مما هو من آيات الله فيها، وكذلك بناؤها بناء محكم كما قال الله تبارك وتعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:3-4] . الجزء: 73 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (والأرض وما طحاها) قال تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:6] أي: الأرض وما سواها حتى كانت مستوية، وحتى كانت ليست لينة جداً وليست قوية جداً صلبة، بل هي مناسبة للخلق على حسب ما تقوم به حوائجهم، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده أن سوى لهم الأرض وجعلها ما بين اللين والخشونة إلا في مواضع، ولكن هذا القليل لا يحكم به على الكثير. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ونفس وما سواها) قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:7] : نفس هنا وإن كانت واحدة لكن المراد العموم، أي: كل نفس (وما سواها) سواها خلقة وسواها فطرة: سواها خلقة حيث خلق كل شيء على الوجه الذي يناسبه ويناسب حاله، قال الله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه:50] أي: خلقه المناسب له: {ثُمَّ هَدَى} [طه:50] أي: هداه لمصالحه. وكذلك سواه فطرة، ولا سيما البشر فإن الله تعالى جعل فطرتهم هي الإخلاص والتوحيد كما قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] . الجزء: 73 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها) قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8] من الملهم؟ الله عز وجل، ألهم هذه النفوس: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} بدأ بالفجور قبل التقوى مع أن التقوى لا شك أفضل، قالوا: مراعاة لفواصل الآيات: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ما هو الفجور؟ نقول: هو ما يقابل التقوى، والتقوى طاعة الله، إذاً؛ فالفجور معصية الله، فكل عاص فهو فاجر وإن كان الفاجر خص عرفاً بمن ليس بعفيف، لكن هو شرعاً يعم كل من خرج عن طاعة الله، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7] والمراد الكفار. وألهمها تقواها أي: التقوى، أيهما موافق للفطرة؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن الفجور خارج عن الفطرة، لكن قد يلهمه الله بعض النفوس لانحرافها، لقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] والله تعالى لا يظلم أحداً، لكن من علم منه أنه يبغض الحق أزاغ الله قلبه، نسأل الله العافية. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (قد أفلح من زكاها) قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10] (قد أفلح) أي: فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، (من زكاها) أي: من زكى نفسه، وليس المراد بالتزكية هنا التزكية المنهي عنها في قوله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم:32] المراد بالتزكية هنا أن يزكي نفسه بالإخلاص من الشرك وشوائب المعاصي، حتى تبقى زكية طاهرة نقية. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (وقد خاب من دساها) قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] أي: من أوردها المهالك والمعاصي، وهذا في الواقع يحتاج إلى دعاء الله سبحانه وتعالى أن يثبت الإنسان على طاعته بالقول الثابت، فعليك -يا أخي المسلم- دائماً أن تسأل الله الثبات، والعلم النافع، والعمل الصالح، فإن الله تعالى قال في كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] . نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الراشدين الصالحين المصلحين. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 73 ¦ الصفحة: 12 وجوب قضاء الدين إذا كان حالا ً السؤال فضيلة الشيخ: رجل يستدين كثيراً فجاءه بعض المال فنصح بأن يسدد بعض ما عليه لكنه قال: أتاجر بهذا المال فأربح وأسدد بعض ما علي وإذا لم أربح أستدين من فلان وفلان، فقال أخوه في نفسه: أذهب وأنصح فلاناً وفلاناً بأن لا يدفعوا له شيئاً، فهل لأخيه الحق أن يفعل هذا، أم أن هذا مما لا يعنيه؟ الجواب الحمد لله رب العالمين هذا التصرف الذي ذكره الأخ السائل، رجل مدين فآتاه الله مالاً فقال: أتجر به لعلي أربح فيزداد مالي ويزداد وفائي، أقول: إن هذا من التصرف غير السديد وغير الرشيد، وذلك لأن قضاء الدين بهذا المال الذي جاءه أمر محقق، والربح أمر موهوم قد يربح وقد يخسر، فهو مخاطر، ثم إن الدين يجب قضاؤه على الفور إذا كان حالاً أو مؤجلاً ثم حل، ولا يجوز تأخيره كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم) والظلم لا يجوز التمادي فيه. فنقول لهذا الأخ: اقض دينك، واسأل ربك المعونة على قضاء باقيه. وأما أخوه فالظاهر لي أنه أراد بذلك الإصلاح، وألا يرهق الدين أخاه لما علم من سوء تصرفه، وإذا كانت نيته هذه فلا حرج عليه أن يقول: يا فلان! إن جاءك أخي فلا تعطه، رأفة بأخيه لا قطعاً لما يريد. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 13 التفصيل في عورة الفخذ السؤال سمعنا بعض الناس يقول: بأنكم تقولون: إن الفخذ ليست بعورة؟ الجواب هذا يقول: سمعنا أنك تقول: إن الفخذ ليس بعورة، وأقول: نعم قلت ذلك وأقوله الآن؛ لأنه لو كان عورة ما أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس حياءً، لكن بالنسبة للشباب لا أرى جواز إخراجه؛ لأن الشباب فتنة، قد يفتتن بهم حتى زملاؤهم، فلا يجوز للشاب أن يلعب الكرة مثلاً وليس عليه إلا سروال قصير لا يصل إلى الركبة أو لا يصل إلى السرة، لا بد أن يكون ما بين السرة والركبة مستوراً بالنسبة للشباب، لكن رجل عامل رفع ثوبه ليستعين بذلك على شغله حتى بدا طرف فخذه نقول: هذا لا بأس به، وليس بعورة، إلا أنه في الصلاة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب أن يستر هذا؛ لأن أدنى ما يقال: إنه زينة هو هذا، وقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فيقول شيخ الإسلام: إنه يجب ستر ما بين السرة والركبة وإن لم نقل: إن الفخذ عورة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 14 حكم التعامل في البيع والشراء بطريقة التورق السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، توفي رجل وهو يتعامل بالدين على النحو التالي: يأتي المستدين فيطلب منه مبلغاً معيناً فيذهب إلى صاحب الدكان فيشتري الدائن عدداً من أكياس الأرز أو السكر أو القهوة أو نحوها بالمبلغ المتفق عليه بين الدائن والمستدين، ثم يبيعها الدائن على المستدين بمبلغ مؤجل زائد عن قيمتها الحاضرة، ثم يشتريها صاحب الدكان من المستدين بخسارة معينة، فيسلمه المبلغ، ويتم ذلك والبضاعة في أماكنها دون نقلها، وقد نصحه أولاده أكثر من مرة، فيجيب بأن الناس يتعاملون بهذه الطريق منذ أن عرفنا أنفسنا ولم ينكر عليهم أحد من العلماء، حتى فضيلة الشيخ: عبد الرحمن السعدي يرحمه الله يرى ويسمع بهذه الطريقة ولم ينكرها، وبعد إلحاح شديد من أولاده هذا الرجل تخلى عن هذه المداينة، واتجه إلى المداينة بالسيارات حيث يقوم بشراء مجموعة من السيارات فيتركها في معرض سيارات، فيشتري المستدين السيارة بثمن مؤجل، وفعلاً يستلم السيارة ويخرج بها من المعرض، السؤال: هل الطريقة الأولى جائزة وهل الطريقة الثانية جائزة؟ وإذا كانت إحدى الطريقتين أو كلاهما غير جائزة فما هي الطريقة التي تبرئ ذمة المتوفى؟ وهل ترك الطريقة الأولى تعتبر توبة من المتوفى -والتوبة تجب ما قبلها- أم يلزم الورثة التخلص مما زاد عن رأس المال؟ وهل تعاد الأرباح إلى أصحابها أم ماذا يفعل بها؟ وإذا كانت أموالاً ربوية تداخلت مع الأموال الأخرى حيث إنه يتعامل بتمور ومساهمات في الشركات فما هو الحل لمثل ذلك؟ الجواب أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأقول: ليس من المشروع أن يسلم الإنسان عند إلقاء السؤال وهو حاضر في المجلس إنما السلام من القادم، يقدم على أناس أو يلاقي أناساً يسلم عليهم، أما في المجلس فقد كان الصحابة يقوم الواحد منهم ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون أن يسلم. وأما هذا السؤال الطويل العريض فخلاصته: أن هذا الرجل كان يتعامل بالمداينة وكان له طريقان: الطريق الأول: أن يأتي المحتاج إلى هذا الرجل ويذهب إلى شخص عنده أكياس كثيرة من الأرز أو غيره أو خام أو غيره من الأشياء التي كانوا يعتادونها، فيشتري هذا التاجر من صاحب الدكان هذه البضاعة ولتكن بعشرة آلاف ريال، ثم يعدها: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، ويقول: هذا هو القبص، ثم يبيعها على هذا المحتاج باثني عشر ألفاً أو بثلاثة عشر ألفاً حسب طول مدة التأجيل وحسب حال المحتاج، إن كان فقيراً صارت الضريبة عليه أكثر، وإن كان ليس بفقير صارت بأقل، أقول: إن هذه الطريقة محرمة ولا إشكال فيها؛ لأنها: أولاً: تضمنت الحيلة على الربا. وثانياً: بيعت السلع وهي في مكانها، وليس العد قبضاً إطلاقاً! أين القبض؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. أما الطريقة الثانية: وهي أن عنده سيارات إذا احتاج أحد من الناس جاء يأخذ سيارة منه ثم يشتريها ويبيع على غيره، فهذه مسألة تسمى مسألة التورق والعلماء فيها مختلفون للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فيها روايتان: رواية بالجواز ورواية بالمنع، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رواية المنع، وقال: إن هذا حرام وأنه حيلة؛ لأن المشتري ليس له غرض بالسيارة، غرضه بالفلوس التي يبيعها بها، فهي حيلة والحيل لا تجعل الحرام حلالاً بل تزيده قبحاً إلى قبحه. أما هذا الربا الذي اكتسبه بهذه الطريقة الأولى والثانية فهو حرام لا شك، ولكن حسب ما قال السائل: إن الناس كانوا يفعلون هذا ولا ينكر عليهم، وقال: إن ممن لم ينكر عليهم الشيخ: عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله فيكون هذا الرجل فعله متأولاً ظاناً أنه جائز بناءً على إقرار هؤلاء العلماء، وإذا علم الله من نيته أنه فعل ذلك متأولاً فلا حرج عليه، ولا إثم عليه، ولكن أقول لكم: إن الطريقة التي كانت في وقت الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ليست كالطريقة المذكورة في هذا السؤال. الطريقة أن الإنسان يستدين له طاقة أو طاقتين أو ثلاث من الخام أو غيره ثم يأخذها المدين ويُحرَّج عليها في السوق: من يشتري هذا؟ من يشتري هذا؟ فلا تباع السلع في مكانها، وليس هناك حيل على أموال كثيرة يأخذها أناس بلا حاجة، يأتي فقير محتاج إلى عشر ريالات خمسة عشرة ريالاً ويشتري هذه الطاقة من التاجر، ثم يأخذها ويعطيها الدلال يحرج عليها يقول: من يشتري هذه؟ أنا أسمعهم لما كنت صغيراً يقولون: من يشتري مال المتدين. ومثل هذا هي مسألة التورق التي اختلف فيها العلماء، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي يرى جواز التورق، ولكن ليس كبيع الناس الذي ذُكر في السؤال، وعلى كل حال: الورثة ليس عليهم شيء إن شاء الله، وعليهم أن يكثروا من الاستغفار لميتهم، ويدعوا الله أن يتوب عليه، والمال الذي بأيديهم هو لهم. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 15 وجوب السكوت والتسليم للمسائل الغيبية السؤال فضيلة الشيخ: كيف نرد على من يسأل ويقول: كيف ينزل الله سبحانه وتعالى في الثلث الأخير من الليل والوقت متفاوت بين شرق الأرض ومغربها؟ مثلاً إذا كان الضحى في الشرق أصبح في الغرب ليل؟ الجواب نرد عليهم بقاعدة مفيدة جداً، كل الأمور الغيبية لا تقل: (كيف) ؛ لأن عقلك أدنى من أن يحيط بكيفيتها، الأمور الغيبية لا تقل فيها: (كيف) لا الذي يتعلق بالله، ولا الذي يتعلق بأحوال اليوم الآخر، هذا لا يمكن للإنسان أن يدركه، الآن سمعتم أو بعضكم سمع أن الشمس يوم القيامة تدنو من الخلائق قدر ميل، الميل إما ميل المكحلة أو المسافة، ولنجعلها أبعد الاحتمالين وهي المسافة، لو أن هذه الشمس نزلت علينا الآن شعرة عن المكان التي هي عليه الآن لأحرقت الأرض، وهي تنزل فوق الرءوس بمقدار ميل مع ذلك الناس لا يحترقون. العرق؛ من الناس من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق وهم في مكان واحد، هل نقول: كيف؟ الرب عز وجل فوق عرشه وينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) هل نقول: كيف ينزل؟ هل نقول: إذا نزل يخلو من العرش أو لا يخلو؟ هل نقول: كيف ينزل في الليل وثلث الليل لا يزال على الكرة الأرضية دائرة؟ نقول: أنت في مكانك ما دمت في ثلث الليل فهذا وقت النزول بالنسبة لك، إذا طلع الفجر انتهى وقت النزول بالنسبة لك، وصار وقت النزول بالنسبة لمن كانوا عنك غرباً وهلم جرا. وإني أقول لكم أيها الإخوة: الأمور الغيبية لا تقولوا فيها: (كيف) ؛ لأن عقولنا ما تدرك هذا الشيء، وحواسنا لا تدرك هذا الشيء، فما دام العقل والحاسة لا تدركه كيف نقول: (كيف) ؟! لما جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله قال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ ماذا قال الإمام مالك؟ أطرق برأسه لعظم هذا السؤال حتى علاه العرق بدأ يصب عرقاً ثم قال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. انظر عَدّ الإمام مالك رحمه الله سؤاله (كيف استوى) بدعة، إذا قلت: كيف ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وثلث الليل الآخر متعاقب على الأرض؟ نقول: هذا بدعة، عرفت! خذ هذه قاعدة عندك يا أخي! (كل شيء من أمور الغيب لا تقل فيه: كيف! لأن الأمر أوسع من أن يدركه عقلك أو حواسك) . الجزء: 73 ¦ الصفحة: 16 حكم الجمع بين المغرب والعشاء لمن يستطيع أن يدرك العشاء في بلده السؤال فضيلة الشيخ: رجل سافر من القصيم إلى الرياض وقبيل وصوله إلى الرياض أدركته صلاة المغرب فهل يصح أن يجمع بين صلاة المغرب والعشاء علماً أنه يستطيع أن يدرك صلاة العشاء في الرياض؟ الجواب نعم، أقول: إذا كان هذا الرجل من أهل عنيزة مثلاً أو من القصيم، وسافر إلى الرياض وقرب من الرياض فله أن يصلي المغرب والعشاء جميعاً لأنه مسافر، حتى وإن كان يدرك الناس في صلاة العشاء؛ لأنه ربما يقول: أنا إذا وصلت الرياض أكون متعباً وأريد الراحة وما أشبه هذا نقول: اجمع، لكن السؤال إذا كان قد أقبل على بلده وهو يعلم أنه يدرك وقت الثانية في البلد فهل يجمع؟ نقول: نعم. له أن يجمع، لكن ترك الجمع هنا أفضل؛ لأنه سوف يصل إلى البلد في وقت يدرك فيه الصلاة الثانية في وقتها. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 17 كيفية تعامل الزوج مع زوجته الناشز السؤال فضيلة الشيخ: رجل عنده زوجتان، الأولى مطيعة والثانية معاندة، يقول: هل أترك النوم عند الثانية هجراً لها حتى تتأدب وأذهب لأنام عند الأولى؟ الجواب الثانية التي فيها عناد تعتبر ناشزاً، إذا عاندت فيما يجب عليها، وقد قال الله عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} هذه المرتبة الأولى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} هذه المرتبة الثانية: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] والآية عامة بين من عنده زوجتان أو زوجة واحدة، فله أن يهجر الأخرى المعاندة إلى أن تحسن أحوالها، وإن رأى طريقة أحسن من الهجر فهي أفضل، لكن يقول الشاعر: إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها الجزء: 73 ¦ الصفحة: 18 حكم تجديد الوضوء السؤال شخص أراد أن يتوضأ للصلاة فنوى بالوضوء التجديد وليس رفع الحدث، وهو يعلم أنه قد أحدث فهل فعل الوضوء يرفع عنه الحدث؟ الجواب فهمتم!! رجل محدث ثم توضأ يريد التجديد فهل يرتفع حدثه؟ الجواب: لا يرتفع حدثه؛ لأن التجديد إنما يكون تجديداً إذا كان على طهارة، أما إذا كان على غير طهارة ماذا يجدد؟! فنقول لهذا الرجل: إن كنت صليت بهذا الوضوء فأعد صلاتك وتوضأ بنية رفع الحدث، ثم أعد صلاتك، أما إن كان ناسياً الحدث يعني: جدد على أنه غير محدث ثم بعد أن جدد ذكر أنه محدث فهذا يجزئه. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 19 من مات في سيارة إثر حادث بسبب زيادة السرعة السؤال فضيلة الشيخ شخص توفي بسبب حادث سيارة من السرعة الزائدة، هل يقال: إن هذا باب من أبواب الانتحار؟ الجواب لا. هذا ليس بانتحار لكنه قتل نفسه خطأً، إذا كانت السرعة هذه هي سبب الحادث فقد قتل نفسه خطأً، لأنه لو سئل: هل أنت أسرعت لتموت؟ لقال: لا، فهذا ليس بمنتحر ولكن يقال: إنه قتل نفسه خطأ. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 20 دعاء الاستفتاح في الليل يكون بعد البدء بالركعتين الخفيفتين السؤال فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما كان يقوم الليل يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين، فهل يقال دعاء استفتاح عندما يقوم في جوف الليل ركعتين خفيفتين أو بعدهما؟ الجواب إذا أراد الإنسان قيام الليل فإنه يفتتح القيام بركعتين خفيفتين، ثبت ذلك بالسنة القولية والفعلية، والظاهر أنه يقول دعاء الاستفتاح الذي يكون في التهجد بعد الركعتين؛ لأن الركعتين خفيفتان، ودعاء الاستفتاح الذي في التهجد طويل. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 21 حرمة المرور بين يدي المصلي إلا لضرورة السؤال أحياناً يكون المسجد مزدحماً فهل لي أن أمر بين يدي المصلين في هذه الحالة، ثم هل يجوز لي أن أمر بين يدي المصلي الصغير سواء كان المسجد مزدحماً أو غير مزدحم؟ الجواب المرور بين يدي المصلين إذا كانوا مأمومين ما به بأس، سواء كان المسجد مزحوماً أو غير مزحوم، وإذا كان الناس يصلون بعد الصلاة فلا يجوز أن تمر بين أيديهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) وماذا تفهم أربعين؟ جاء في رواية البزار: (أربعين خريفاً) خريفاً يعني: سنة، نحن نقول للأخ الذي سيمر: لا تقف أربعين سنة، نطلب منك أربعين دقيقة فقط، إلا إذا كان المصلي في ممر الناس، ذهب يصلي عند الباب والناس لا بد أن يخرجوا، فهذا لا حق له، وكذلك إن كان المصلي يصلي في مطاف الناس، فإن المطاف حق للطائفين، فإذا صار الإنسان مثلاً يصلي في المطاف والمطاف معروف أنه مزدحم الناس يطوفون فلا حق له مر بين يديه ولا تبالِ، حتى لو ردك ادفعه. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 22 ضابط قنوت النوازل ومن يحق له القنوت السؤال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في النازلة، وهذه الأيام تكثر النوازل سواءً على مستوى الأمة الإسلامية أو على أفرادها، فما الضابط في الدعاء في هذه النوازل؟ الجواب الذي أرى أن القنوت ينبغي أن يقيد بما ذكره بعض العلماء: أنه لا يقنت إلا الإمام وهو مذهب الحنابلة، فهم يقولون: في النوازل لا يقنت إلا الإمام وغير الإمام لا يقنت، الإمام أو نائبه مثل القضاة، وعللوا ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل ولم تقنت المساجد الأخرى، ما نقل أنها قنتت، لكن الصحيح أن يقنت الإمام ونائب الإمام، وإمام المسجد والمصلي منفرداً، ولكن نظراً أننا في هذا الوقت ما هناك ضوابط فالذي أرى أن يتوقف الأمر على أمر ولاة الأمور، إذا قال: اقنتوا قنتنا، وإذا لم يقل لم نقنت، ولا حرج أن الإنسان يدعو فيما بينه وبين نفسه ما أحد يمنعه، لكنّ قنوتاً يعلن بدون أمر ولاة الأمر الأولى ألا يقنت، لئلا ينفرط الناس، فيأتي شخص تموت له دجاجة، يقول: هذه نازلة عظيمة فيقنت، مثل شخص جاء للإمام وقال: إن أمي ماتت صل عليها صلاة الغائب، أمه واحدة من الناس، قال: أمي ماتت -يا إمامنا- صل عليها صلاة الغائب، مشكلة، ما فيها ضابط. أنتم كأنكم استغربتم الدجاجة أنها تكون نازلة، أبو عمير صبي صغير في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كان معه طائر صغير يسمى النغير يلعب به، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم وإذا بالصبي حزين، نزلت به نازلة، وإذا النغير قد مات، فكان يقول له الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا أبا عمير ما فعل النغير) . الجزء: 73 ¦ الصفحة: 23 حكم صلاة الناس جماعة في المسجد قبل أن تقام الصلاة مع الإمام السؤال فضيلة الشيخ: في بعض المساجد يتأخر الإمام -عادة يكون بعد أذان الصلاة ربع ساعة حتى لأقامة- فيأتي أناس مستعجلون ويصلون جماعة لوحدهم في نفس المسجد، ما حكم صلاتهم؟ الجواب هؤلاء لا يحل لهم أن يصلوا في المسجد قبل إمامهم، فإن فعلوا فهم آثمون، ومن العلماء من يقول: إن صلاتهم لا تصح، والقول بالتحريم واضح وقوي؛ لأننا لو فتحنا الباب لكان كل اثنين يأتون ويصلون، ويبقى الإمام وما معه إلا المؤذن، فهذا حرام ولا يجوز، ولكن أنا أتوقف في كون صلاتهم باطلة، أما إن أعادوا فهو خير. لكن قد يقولون: نحن مسافرون، وإذا جلسنا ننتظر الإمام يعيقنا عن السفر، نقول: الحمد لله! ما دمتم مسافرين وترون أنكم معذورون بترك الجماعة؛ امشوا وصلوا في البر. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 24 الالتزام بصيغة معينة في الصلاة إذا أحدث التنوع تشوشاً على العوام السؤال فضيلة الشيخ: ما صحة من يقول: إن المأموم أو المصلي عموماً إذا التزم بعد الركوع قول: ربنا ولك الحمد فليلتزمها في جميع الصلاة لا يأتي بصيغة أخرى ما صحة ذلك؟ الجواب والله! على كل حال بعض العلماء يرى هذا، المسألة هذه قالها بعض العلماء إنه يلتزم حالةً واحدة ويستمر عليها، وهذا القول قد يكون جيداً فيما إذا كان وراءه عوام؛ لأن العوام لو شكلت عليهم هذا الشيء ارتبكوا وقالوا ما هذا الكلام؟! وأنت -الحمد لله- إذا أردت السنة ففي الأمر سعة، تستطيع أن تأتي بها في صلاتك في بيتك، الراتبة التهجد، الوتر، إنما الذي نرى أنه الأفضل أنه إذا جاءت السنة بصفات متعددة أن تفعل العبادة على ما جاءت به السنة بصفات متعددة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 25 ما يجوز وما لا يجوز يوم الجمعة والإمام يخطب السؤال فضيلة الوالد! ما حكم رد السلام، وتشميت العاطس، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة والإمام على المنبر؟ الجواب كل هذا لا يجوز، لا تشميت العاطس، ولا رد السلام على المسلم، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن الأخيرة تجوز إذا لم يكن هناك تشويش على الناس؛ لأن الأخيرة ليست خطاباً ولا كلام آدمي، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت) (أنصت) نهي عن منكر، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لغواً، أي: أنه يفوت على الإنسان فضيلة الجمعة، فكل خطاب لآدمي فهو حرام، وأما الدعاء والتأمين عليه فهذا جائز إذا لم يحصل فيه تشويش. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 26 جواز الذهاب إلى المسجد لمن أكل ثوماً ثم أذهب رائحته السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للثوم والبصل بعضهم يقول: جاءت الأدلة بالنهي عن أكل هاتين الشجرتين والذهاب إلى المسجد، بعضهم يقول: أنا أستعمل معجون الأسنان، أو آكل الهيل، وتذهب الرائحة فما حكم ذلك؟ الجواب البصل والثوم والكراث كله حلال؛ لأن الصحابة لما قالوا: إنها حرمت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لي تحريم ما أحل الله) لكن من أكلها فإن كان يقصد بذلك ألا يصلي مع الجماعة فهو آثم ولا يسقط عنه إثم الجماعة، ومن أكلها لغرض أو لاشتهائها فلا إثم عليه، ونقول له: لا تذهب إلى المسجد ما دامت الرائحة موجودة، أما إذا ذهبت الرائحة فلا بأس أن يذهب إلى المسجد. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 27 أقسام الحيوانات التي ليست حلالاً وما يجوز قتله منها السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم قتل الحيوان مع التفصيل وما ضابط الإيذاء؟ الجواب الحيوان ينقسم إلى ثلاثة أقسام وأعني بذلك: ما ليس بحلال، الذي هو حلال هذا معروف يذبح ويؤكل، لكن غير الحلال ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما أمر الشارع بقتله. والثاني: ما نهى عن قتله. والثالث: ما سكت عنه. أما ما أمر الشارع بقتله فاقتله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) هذه الخمسة وما كان بمعناها في الأذية أو أشد منها هذه مأمور بقتلها لما فيها من الأذية. والثاني ما نهى الشارع عن قتله مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد. هذا أيضاً معروف، وهذا لا يقتل. الثالث: ما سكت عنه، فهذا اختلف فيه العلماء فبعضهم قال: لا بأس بقتله مع أنه لا ينبغي قتله، اتركه، ومنهم من قال: يحرم قتله؛ لأنك إذا قتلته منعت تسبيح الله منه، قال الله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] ما دام أنه لا يؤذيك ولا أمر بقتله اتركه، ولا شك أن الأولى ألا تقتله، لأنك إما سالم وإما آثم، والإنسان العاقل لا يعرض نفسه للإثم. لكن هذا القسم الثالث الذي لم يؤمر بقتله ولم ينه عنه، إن اعتدى عليك وآذاك فاقتله، فإن كان مما نهي عن قتله فاقتله قتل مدافعة، كيف يكون قتل المدافعة؟ يعني: بالأسهل فالأسهل، مثلاً النمل منهي عن قتله أو لا؟ منهي عن قتله، لا ترش عليه المبيد مباشرة، حاول أن تطرده طرداً، إما بالقراءة، لأن بعض الناس يقرأ على النمل ويرتحل، وإما بشيء يكره رائحته ويرتحل وقد جربنا ذلك (بالجاز) صب (الجاز) عليه وبعدها يرتحل ما يأتي، لكن المبيد الذي يقتله فوراً لا تفعل؛ لأنه منهي عن قتله، وما نهي عن قتله فإن قتله يكون قتل مدافعة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 28 التفصيل فيمن يصلي قبل الأذان دائما ً السؤال فضيلة الشيخ: يوجد عند بعض الناس عادة حيث يصلي قبل الأذان دائماً فما حكم ذلك؟ الجواب هذا لا يستقيم، مثلاً: أذان المغرب لا يجوز أن يصلي قبل الأذان؛ لأنه وقت نهي، ووقت النهي لا تجوز فيه الصلاة إلا لسبب، مثلاً: يريد أن يصلي قبل مجيء الإمام يوم الجمعة قد يكون هذا قبيل الزوال، قبيل الزوال منهي عن الصلاة فيه إلا لسبب، فهذا في بعض الأحيان لا يمكنه أن يصلي لأنه حرام، وأما إذا كان في أذان ليس قبله وقت نهي فاتخاذ ذلك عادة يعني أنه سن سنة، ولا يجوز أن يسن الإنسان سنة إلا بإذن من الشرع. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 29 جواز السبق في جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة السؤال فضيلة الشيخ: هل يقاس على جواز السبق بالنصل جواز السبق في السلاح كالبنادق الهوائية مثلاً؟ الشيخ: جواز السبَق أو السبْق؟ السبْق يجوز إلا في المحرّم، والسبَق هو الممنوع إلا في ثلاثة أشياء؛ لأن السبَق هو العوض، والسبْق هو التقدم، السبْق على الأقدام جائز إذاً السبْق في ثلاثة أشياء: في النصل، والحافر، والخف، وما كان بمعناها فهو مثلها، فالبنادق والصواريخ الآن مثلها، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يوجد إلا السهام لكن الآن تطورت الأسلحة، أي سلاح فإنه يجوز المسابقة عليه بعوض. كذلك أيضاً الدبابات، والطائرات الحربية، وناقلات الجنود كلها يجوز فيها السبْق. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 30 المشروع في كيفية تكبير الإمام في صلاة الجماعة السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز للإمام أن يطول التكبير في الصلاة؟ الجواب على كل حال ما نقول: إنه حرام، يعني: بعض الناس إذا كبر للجلوس تجد التكبيرة تختلف عن القيام مثلاً، هذا ما نقول: إنه حرام، ولكن نقول: إن السنة ألا تخالف بين التكبير، وما علمت أحداً من أهل العلم قال: إنك تخالف بين تكبير السجود والجلوس والقيام، ما رأينا أحداً، وغاية ما هنالك أن بعض العلماء قال: التكبير للسجود من القيام يطول، ومن السجود إلى القيام يطول، لأن المسافة طويلة، ومع ذلك لا دليل لهذا، كون التكبير على نسق واحد هذا هو السنة، وفيه فائدة عظيمة للمأمومين الذين إذا دخلوا في الصلاة ساروا في الأرض، لماذا؟ لأنهم إذا علموا أن التكبير ما فيه اختلاف شدوا أنفسهم، والواحد منهم أحضر نفسه وقلبه لئلا يقوم والإمام جالس، أو يجلس والإمام قائم، أما إذا كان يمشي على تكبير الإمام صار كالآلة إذا طول جلس أو قام، فلهذا وجدنا فيه فائدة كبيرة بالنسبة للمأمومين. صحيح في مسألة واحدة: إذا كان الإنسان مسبوقاً وقلت: الله أكبر للتشهد الأخير وهو باق عليه ركعة ما يعرف، لكن نقول: الحمد لله يقتدي بالذي جنبه، يراه يجلس أو يقوم يفعل مثله، لكن إذا مرت بك آية سجدة، مثل أن تصلي صلاة العشاء ومرت بك آية سجدة وسجدت، ويوجد أناس في مكان آخر في منفصل ما يشاهدون فهنا ربما نقول: إنك إذا كبرت تكبيرة توحي بأنك سجدت فإنه لا بأس به، أحياناً يقرأ الإنسان مثلاً وتوجد نساء في مكان آخر يقرأ آية سجدة فإذا كبر على المعتاد يظنون أنه راكع، فهذه ربما نقول: لا بأس أن تمد التكبير ليعرف أنك ساجد. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 31 بيان بطلان قصة سبب الأمر بالوضوء من لحوم الإبل السؤال فضيلة الشيخ: بعض الناس يذكرون أن سبب كون لحم الإبل من نواقض الوضوء قصة وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: وهي أنه كان مع أصحابه قبيل الصلاة فأحدث أحدهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أيكم أكل لحم إبل فليتوضأ ستراً عليه، فما صحة هذه القصة؟ الجواب هذه القصة باطلة يا أخي! والرسول عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يقول: من أحدث فليتوضأ، والصحابة عندهم من الصراحة ما لا يخشون معه الاختفاء، ثم إن الرسول سئل سؤالاً: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فليس هذا هو السبب، هذا سبب غير صحيح. السبب: الصحيح أننا أمرنا أن نتوضأ منها فنقول: سمعاً وطاعة، رخص لنا في لحم الغنم فنقول: الحمد لله، أما الحكمة فبعض العلماء يقول الحكمة من ذلك: أن الإبل خلقت من الشياطين كما جاء في الحديث، والشيطان يؤثر على البدن، ولهذا إذا غضب الإنسان انفعل والغضب من أين؟ من الشيطان، هذه اللحوم تؤثر على البدن، والماء يبرد البدن ويهون عليه، كما أمر الإنسان عند الغضب أن يتوضأ، فهذه من الحكمة، فإن كانت هذه الحكمة فهي ظاهرة، وإن لم تكن فعقولنا أقصر من أن تدرك حكمة الله تعالى في أحكامه. ثم إني أقول لطلبة العلم: إن عائشة رضي الله عنها سألتها امرأة قالت: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، -لماذا؟ فأجابتها بجواب يقتنع به كل مؤمن- قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذه الحكمة، كل أوامر الله ونواهيه حكمة، مع أن عائشة فيما أظن يمكن أن تقول: قضاء الصوم لأن الصوم لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، والصلاة تتكرر والحيض يأتي غالباً في كل شهر مرة، فلو أمرت الحائض أن تقضي الصلاة لكان فيه تعب عليها، إذا قدرنا أنها ممن يحيض خمسة عشر يوماً، ويطهر خمسة عشر يوماً معناها مشقة عليها. هذه من الحكمة: أن الصلاة تتكرر فقضاؤها شاق، وفي تكررها استغناء عن القضاء، وأما الصيام فلا يتكرر. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 32 حكم من أدرك الإمام في نهاية التشهد الثاني حال سجوده للسهو السؤال أنا دخلت مع الإمام في الصلاة بعد التشهد الثاني وبعد سجدة السهو وأنا لا أعلم أنه نسي أو قام أو جلس فهل أسجد معه أو أثبت مكاني؟ الشيخ: أنت مسبوق أو مع الإمام؟ السائل: لا مسبوق. الشيخ: دخلت معه بعد التشهد الثاني يعني في الركعة الثالثة وسها الإمام. السائل: سها الإمام في الركعة الأولى. الشيخ: وسجد بعد السلام أو قبله؟ السائل: قبله. الجواب إن سجد قبل السلام فاسجد معه ولابد، إذا سجد الإمام قبل السلام اسجد معه على كل حال، فإن سجد بعد السلام فإن كان السهو الذي حصل منه قبل أن تدخل معه فلا سجود عليك، وإن كان بعده فإنك إذا قضيت صلاتك تسجد للسهو. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 33 جواز إعطاء الأولاد لعباً من الطيور والقطط وغيرها إذا لم تؤذَ السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز اللعب بالطيور والحيوان بالنسبة للأطفال استدلالاً بحديث أبي عمير؟ الجواب نعم. يجوز أن يعطى الطفل طيراً أو نحوه يلعب به أو هراً -يعني: قطاً- لكن بشرط ألا يؤذيه، فإن كان يؤذيه فإنه لا يمكِّن منه، نعم. السائل: قد تموت في يده. الشيخ: قد تموت، لكن إذا رأيته يعذب هذا الحيوان امنعه. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 34 حكم من تزوج امرأة في بلاد أجنبية بنية طلاقها عند رجوعه إلى بلده السؤال رجل سافر إلى بلاد أجنبية فخاف على دينه من الزنا، فأراد أن يتزوج بنية أن يطلقها إذا رجع إلى بلاده، ولكن لا يشترط هذا في عقد الزواج، هل هذا الزواج باطل؟ الجواب هذا بارك الله فيك فيه خلاف بين العلماء بعضهم يقول: النكاح غير صحيح؛ لأن المنوي كالمشروط، فكما أنك لو قلت للزوجة: أتزوجك ما دمت في البلد فهو حرام ونكاح متعة، وكذلك ما نويته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وبعض العلماء قال: لا بأس به؛ لأن الإنسان يتزوج المرأة بنية أنه يطلقها إذا رجع إلى وطنه، لكن يرغب فيها ولا يطلقها. وعندي أن ذلك لا يجوز من ناحية أنه غش للزوجة وأهلها؛ لأنهم زوجوه على أساس أنها تبقى معه، ولو علموا أنه يريد أنه يطلقها إذا رجع إلى البلد ما زوجوه، ثم إنه كان فيه مفسدة في الوقت الحاضر، أنا سمعت بعض الناس لما سمع بالقول بالجواز صار يذهب إلى البلاد من أجل أن يتزوج أسبوعاً ويرجع، هذا زناً واضح، والعلماء الذين أفتوا ما يريدون هذا. يقولون: غريب جالس في الوطن للعلم أو للتجارة ما قدم للوطن ليتزوج، قدم لغرض ورأى من نفسه أنه لا بد أن يتزوج، يتزوج ولا حرج أنه ينوي أن يطلقها إذا ذهب، وأنا أميل إلى أن هذا حرام، لكنه ليس نكاح متعة إنما حرام لكونه غشاً للمرأة ولأهلها. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 35 جواز إعطاء زكاة مال الميت أبناء بناته السؤال رجل توفي عن زوجة وأولاد بنين وبنات وتبين أن لهذا المال زكاة، فهل يجوز أن يأخذ أحد أبناء البنات من هذا المال للزواج؟ الشيخ: يعني تبين أن على هذا الميت زكاة مال ما أداها؟ السائل: ما أداها. الشيخ: فهل يجوز أن نعطي أبناء بناته من زكاته؟ السائل: يعني يصير أولاد الميت أخواله وخالاته. الجواب أبناء البنات ما يرثون، فليس لهم ميراث. السائل: يرثون أمهم. الشيخ: أمهم ما ماتت. السائل: والزكاة الشيخ: فيجوز أن نعطيهم من الزكاة، من زكاة الميت. السائل: لأنه لم يخرج هذه الزكاة، أنا أقصد قد تكون الزكاة للأبناء وللزوجة؟ الجواب: لا هم الورثة الآن هم مقتنعون أنهم سيخرجون الزكاة على كل حال، فيكون هل نعطيها أولاد البنات أم لا؟ نقول: ما في ذلك بأس. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 36 حكم إقامة الجمعة لمن خرج من بلده لسفر أو نزهة السؤال أناس خرجوا على بعد عشرين أو ثلاثين كيلو من المدينة، وحضرت عليهم صلاة الجمعة فهل يجوز لهم أن يقيموا جمعة؟ الجواب لا يجوز إقامة الجمعة خارج البلد، سواء خرج الإنسان في سفر أو في نزهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي الجمعة في السفر، حتى في يوم عرفة الذي هو أكبر مجمع للناس لم يقم فيه عليه الصلاة والسلام الجمعة، فإن كان أحد جمع جمعة في مثل هذا فأبلغه بارك الله فيك أنه يجب عليه أن يعيد الصلاة إن كان مسافراً يعيدها ركعتين، وإن كان غير مسافراً يعيدها أربعاً. السائل: ولو كان مثلاً من سنتين أو أكثر؟ الشيخ: ولو سنتين أو أكثر، الدَّين ما يسقط بطول المدة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 37 ضابط صلة الأرحام السؤال هل هناك أوقات بالنسبة لصلة الرحم إن تعديتها أدخل في المحظور سواء أسبوع أو شهر أو ستة أشهر إن تعديت هذه المدة أدخل في الإثم؟ الجواب صلة الرحم -بارك الله فيك- ما فيها حد لا في المدة ولا في الكيفية ولا بالذي يوصل به مال أو كسوة أو غيره، فجاءت النصوص مطلقة، صلة رحم، فما عده الناس صلة فهو صلة، وما عدوه قطيعة فهو قطيعة، وبهذا تختلف الأحوال قد يكون الناس في حال فقر والأقارب يحتاجون كثيراً فهنا لابد أن أصلهم بالمال، ويعني: ألاحظهم، قد يكون بعض الأقارب مريضاً يحتاج إلى عيادة فلا بد أن أعوده، وإذا كان الناس كما هو حالنا الآن -والحمد لله- في رخاء وفي صحة فلا يحتاج إلى مثل هذا، فالمهم أن صلة الأرحام موكولة إلى عرف الناس، وليس لها حد. السائل: وإن كانت الحالة طيبة ليس هناك فقر ولا مرض؟! الشيخ: الحمد لله! حسب ما تجري العادة يعني مثلاً تتصل عليهم بالتلفون كل شهر مرة أو كل شهر مرتين أو كل أسبوع حسب الحال. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 38 ضابط العدل بين الأولاد السؤال هناك رجل لديه مجموعة من الأولاد يتفاوتون في الأعمار فحاجاتهم تختلف، حاجة الكبير تختلف عن حاجة الصغير، فهل هو مطالب بأن يعدل في النفقة كذلك بين أولاده، أو أنه يعطيهم بقدر حاجتهم؟ الجواب لا؛ العدل بينهم أي بين أولاده أن يعطي كل واحد ما يحتاج، قد يكون بعضهم يحتاج إلى كتب مثلاً والآخر لا يحتاج، البنت الآن تحتاج إلى حلي، الخرص مثلاً في الأذنين كم يساوي؟ مائة ريال، والولد يحتاج إلى طاقية كم قيمتها؟ خمسة ريالات، هذه نشتري لها خرصاً بمائة ريال، وهذا نشتري له طاقية بخمسة ريالات. السائل: يا شيخ! مثلاً الكبير قد يحتاج إلى سيارة فيشتري له سيارة؟ الشيخ: أحسنت الكبير يحتاج إلى سيارة ما أشتري له سيارة، أشتري سيارة لي وباسمي وأمنحه إياها ينتفع بها، لأنه محتاج للانتفاع فقط ما هو لعين السيارة، فالسيارة تكون باسمي والانتفاع له، لأني لو ملكته إياها معناه أني أعطيته ما لا يحتاج، عرفت ولهذا ينبغي للناس ألا يعطوا للذي يحتاج السيارة سيارة بل يقال: أنا أشتري السيارة وأعطيك إياها، انتفع بها اذهب بها للمدرسة اذهب بها لغرضك وهي باسمي، إذا مت تكون لي أنا، ما تكون لك أنت. نسأل الله لنا ولكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأبشركم بأن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وأنتم إنا شاء الله سلكتم طريقاً تلتمسون فيه علماً نسأل الله إن ييسر لنا ولكم طريقاً إلى الجنة. الجزء: 73 ¦ الصفحة: 39 لقاء الباب المفتوح [74] في ظلال تفسير آيات من سورة الشمس كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ، حيث تحدث عن قصة ثمود قوم النبي صالح، وكيف أن الله أرسل الناقة، إليهم كمعجزة لكنهم مع ذلك كذبوا صالحاً وعقروا الناقة فأرسل الله عليهم العقاب جزاء إعراضهم وتكذيبهم، وليذوقوا العذاب جزاءً وفاقاً. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الشمس الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء الرابع والسبعون من اللقاءات التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر ربيع الثاني عام (1415هـ) في هذا اللقاء نكمل تفسير سورة الشمس وضحاها، حيث وصلنا إلى قول الله تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:11-12] . الجزء: 74 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود بطغواها) قال تعالى: (كذبت ثمود) ثمود اسم قبيلة ونبيهم صالح عليه الصلاة والسلام وديارهم في الحجر معروفه في طريق الناس، هؤلاء كذبوا نبيهم صالح، ونبيهم صالح عليه السلام كغيره من الأنبياء يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأعطاه الله سبحانه وتعالى آية تدل على نبوته وهي الناقة العظيمة التي تشرب من البئر يوماً وتسقيهم لبناً في اليوم الثاني، وقد قال بعض العلماء: إنها كلما جاء إنسان وأعطاها من الماء بقدر أعطته من اللبن بقدره، ولكن الذي يظهر من القرآن خلاف ذلك لقوله تعالى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] فالناقة تشرب من البئر يوماً ثم تدر اللبن في اليوم الثاني، ولكن هل نفعتهم هذه الآية؟ استمهل قول الله تعالى {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس:11] أي: بطغيانها وعتوها، والباء هنا للسببية أو بسبب كونها طاغية كذبت الرسول. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إذ انبعث أشقاها) قال تعالى: {إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس:12] هذا بيان للطغيان الذي ذكره الله عز وجل وذلك حين انبعث أشقاها، (انبعث) أي: انطلق بسرعة و (أشقاها) أي: أشقى ثمود، أي: أعلاهم في الشقاء والعياذ بالله، يريد أن يقضي على هذه الناقة، فقال لهم صالح: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] قال لهم ناقة: أي ذروا ناقة الله، لقوله تعالى في آية أخرى: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} [الأعراف:73] يعني: اتركوا الناقة لا تقتلوها، لا تتعرضوا لها بسوء ولكن النتيجة بالعكس: {فَكَذَّبُوهُ} [الشمس:14] أي: كذبوا صالحاً، وقالوا: إنك لست برسول، وهكذا كل الرسل الذين أرسلوا إلى أقوامهم يصمهم أقوامهم بالعيب كما قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] كل الرسل قيل لهم هذا: ساحر أو مجنون، كما قيل للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه ساحر كذاب، مجنون، شاعر، كاهن، ولكن هل ألقاب السوء التي يلقبها الأعداء لأولياء الله هل تضرهم؟ الجواب لا تضرهم، بل يزدادون بذلك رفعة عند الله سبحانه وتعالى، وإذا احتسبوا الأجر أثيبوا على ذلك، فيقول عز وجل: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14] أي: عقروا الناقة عقراً حصل به الهلاك. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) قال تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس:14] (دمدم عليهم) أي: أطبق عليهم فأهلكهم، كما تقول: دمدمت البئر أي أطبقت عليها التراب، (دمدم عليهم ربهم بذنبهم) أي: بسبب ذنوبهم، لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فالذنوب سبب للهلاك والدمار والفساد لقول الله تبارك وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] ، وقال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ، وقال الله تعالى يخاطب أشرف الخلق وخير القرون: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] فالإنسان يصاب بالمصائب من عند نفسه، ولهذا قال: (دمدم عليهم ربهم بذنبهم) أي: بسبب ذنبهم، (فسواها) أي: عمها بالهلاك حتى لم يبق منهم أحد وأصبحوا في ديارهم جاثمين. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولا يخاف عقباها) قال تعالى: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس:15] أي: أن الله تعالى لا يخاف من عاقبة هؤلاء الذين عذبهم ولا يخاف من تبعتهم؛ لأن له الملك وبيده كل شيء، بخلاف غيره من الملوك، الملوك لو انتصروا على غيرهم أو عاقبوا غيرهم تجدهم في خوف، يخشون أن تكون الكرة عليهم، أما الله عز وجل فإنه (لا يخاف عقباها) أي: لا يخاف عاقبة من عذبهم؛ لأنه سبحانه وتعالى له الملك كله وله الحمد كله، فسبحانه وتعالى ما أعظمه! وما أجل سلطانه! الجزء: 74 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 74 ¦ الصفحة: 7 حكم صلاة الصبي الذي عمره أقل من خمس عشرة سنة في البيت السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة الصبي أقل من الخامسة عشرة في البيت لأنه قد يؤذي المصلين ويلعب مع أمثاله أو كذا؟ الجواب المشروع أن الصبيان يحضرون المساجد، ويصلون مع الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) وهذا يدل على أنه يوجد الصغار لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الكبار أن يتقدموا وأن يأتوا مبكرين حتى يأخذوا الأمكنة الفاضلة، فصلاة الصبيان في المساجد من السنة، ولا ينبغي أن نفعل ما ينفرهم عن المساجد، كما يفعل بعض الناس إذا رأى صبياً لم يبلغ في الصف طرده وانتهره، وهذا لا شك أنه خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي ينبني على الرفق واللين واليسر والسهولة، نقول: أبقه في مكانه حتى لو كان في الصف الأول حتى لو كان خلف الإمام أبقه، أما إذا حصل منه اللعب ولا يمكن تأديبهم فهنا نخرجهم من المسجد. لكن هناك مرتبة قبل إخراجهم من المسجد وهو أن نتحدث لأوليائهم حتى لا يكون في نفوسهم شيء علينا لو أخرجناهم، نتحدث إلى الأولياء ونقول: هؤلاء الأولاد صغار لا يحترمون المسجد ولا يحترمون الجماعة فلو أنك تركتهم حتى يكون لهم شيء من حسن التصرف لكان أحسن. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 8 أفضلية طلب العلم على غيره من الأعمال قليلة الفائدة السؤال فضيلة الشيخ! هل بقاء المسلم في عمله مع قلة الفائدة من حيث الدعوة إلى الله أفضل، أم التوجه لطلب العلم وملازمة العلماء إذا علم من نفسه الرغبة في ذلك، وهل طلب العلم محصور في الحلق والمساجد أرجو التوجيه لصالح الأمرين جزاكم الله خيراً؟ الجواب لابد أن ننظر ما هو العمل الذي يريد أن يتركه لطلب العلم، إذا كان عملاً يقوم به أي واحد وليس له شيء من الأمر وتوجيه الأمة فلا شك أن طلب العلم أفضل، أما إذا كانت الوظيفة وظيفة حساسة مهمة ينبغي أن يكثر فيها أهل الخير والصلاح، فإن الذي أراه أن يبقى في وظيفته ويمكن أن يطلب العلم وهو في وظيفته، يمكن أن يحصل على أشرطة أو كتيبات أو على أناس عندهم في العمل أعلم منه يتعلم منهم. وهذا يكون في مثل الجيش مثلاً، الجنود يكون عندهم تثبيطات كثيرة ويكون عندهم إخلال بالواجب ويكون عندهم انتهاك لبعض المحرمات فكوننا نقول لصاحب الخير تخلَّ عن هذا، هذا يعني أننا قضينا على الخير في هذه الناحية لكن إذا قلنا لصاحب الخير: ابق في هذا وادع إلى الله ما استطعت، كان هذا هو الأولى، فالمهم أن العمل الذي يريد أن يتركه لطلب العلم لابد أن ينظر فيه، وفي أهميته. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 9 إعراب: (أنتما ضربتما الطالب، أو أنتن ضربتن الطالبة) السؤال فضيلة الشيخ وفقكم الله ورعاكم، ما إعراب: (أنتما ضربتما الطالب، أو أنتن ضربتن الطالبة) ؟ الجواب يقول علماء النحو: أنتما ضربتما الطالب: إن: الإعراب على أن وحدها، فأن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والتاء: حرف خطاب، والميم والألف: علامة التثنية. وضربتما: فعل وفاعل. ضرب: فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بتاء الرفع، والميم والألف: علامة التثنية. والطالب: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. أما (أنتن ضربتن الطالبة) فنقول: أن: ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والتاء: حرف خطاب، والنون: علامة جمع النسوة. ضربتن: فعل وفاعل. ضرب: فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل. والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع. والنون: علامة جمع النسوة. والطالبة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 10 حكم أخذ أجر عامل يحب طلب العلم إذا ترك ليتفرغ لطلب العلم السؤال فضيلة الشيخ يسأل بعض أصحاب المؤسسات عن رجل يعمل لديهم وهذا الرجل طالب للعلم فيقول: لو تركته يتفرغ لطلب العلم هل يكون لي أجر مثل أجر طالب العلم الذي نسمع عنه أنه تستغفر له الحيتان إلى آخر الحديث؟ الجواب إذا ترك هذا العامل لطلب العلم فإنه يؤجر على ذلك بلا شك ويثاب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) فنقول: من فرغ طالب علم لطلب العلم فإنه كطالب العلم، و (من أعان على خير فهو كفاعله، ومن دل على خير فكفاعله) فالنصوص كلها تدل على أن الإنسان يثاب، يثاب ثواب هذا الطالب، ووجهه ظاهر لأنه لولا أنه رخص له أن يطلب العلم لم يحصل له طلب العلم. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 11 حجية قول الصحابي السؤال فضيلة الشيخ! هل يعتبر قول الصحابي حجة يجب التزامه؟ الجواب كثير من العلماء يقول: إن قول الصحابي ليس حجة يجب التزامه، وأن الحجة فيما قال الله ورسوله، لقول الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ومن العلماء من يقول: الخلفاء الراشدون قولهم حجة كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بشرط ألا يخالف نصاً ولا قول صحابي آخر، فإن خالف نصاً وجب الرجوع إليه، وإن خالف قول صحابي آخر طُلب الترجيح بين القولين، وهذا هو الصحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ، ولقوله في خصوص أبي بكر وعمر: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ، وقوله فيهما: (من يطع أبا بكر وعمر يرشد) ، وأما عامة الصحابة الذين ليس لهم فقه في الدين مثل أن يأتي أعرابي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ويسلم وينصرف إلى إبله وغنمه هذا صحابي، فمثل هذا لا يكون قوله حجة يلزم بها لقلة معرفته بحدود الله، فهذا القول المفصل هو الصحيح. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 12 حكم السفر إلى بلاد الكفر والرجوع بعد الوقوع في الحرام السؤال سماحة الوالد الشيخ محمد بن صالح العثيمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولاً: نشهد الله عز وجل أنا نحبك في الله، وسؤالي: ما رأيكم فيمن يسافر إلى بلاد الكفر لأي غرض كان ووقع في الحرام من الزنا أو اللواط، وكان يحمل بعض الأمراض من فعل الفاحشة ولم يعرف ذلك إلا بعد أن أجري له فحوصات طبية فهل يقام عليه الحد، وإذا كان قد ضر غيره كالزوجة فهل لزوجته حق في الشكوى والمطالبة بحق الضرر الذي أصابها منه؟ الجواب أقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته وأحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأخبرك بأنه لا حاجة للسلام عند إلقاء السؤال لأن الصحابة كانوا يلقون الأسئلة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون أن يسلموا عليه. أما ما ذكرت من السفر إلى بلاد الكفر فإني أقول: السفر إلى بلاد الكفر محرم إلا إذا كان هناك حاجة أو ضرورة: فالحاجة مثل التجارة، ذهب يشتري منهم سلعاً يتجر بها، والضرورة كالمرض أو كصناعات لا توجد في بلاد المسلمين أو ما أشبه ذلك، لكن بشرط أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات، وأن يكون عنده دين يمنعه عن المحرمات، أما إذا كان الإنسان يعلم من نفسه أنه ليس عنده علم يدفع به الشبهات وإذا ذهب إلى بلاد الكفر سوف يلبسون عليه دينه ويوقعونه في حيرة، فهذا لا يجوز له أن يذهب مهما كان حتى لو كان في أقصى الضرورة، وكذلك من لم يكن عنده دين يحميه بحيث يعرف من نفسه أنه رجل ضعيف الدين ولو ذهب إلى هناك لاغتر بما هم عليه من زهرة الدنيا فنقول: أيضاً لا يحل لك أن تذهب، لأن حفظ الدين واجب، فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة: العلم والدين والحاجة أو الضرورة فلا بأس. أما ما يحمله من أمراض فالواجب إذا كانت هذه الأمراض تنتشر بالعدوى الواجب على ولي الأمر أن يحبسه في مكان حتى لا تنتشر عدواه، ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: إن الواجب أن يحبس الجذمى -أي: الذين أصابهم الجذام- والجذام مرض معروف معدٍ، فالواجب أن يُجعلوا في مكان واحد ويمنعوا من الاختلاط بالناس، وإذا كان هذا الذي أتى بالمرض المعدي يمنع من الاتصال بالناس فاتصاله بزوجته من باب أولى، بمعنى: أن للزوجة أن تطالب بالفراق ولها الحق في هذا، وأما ما أصابها من المرض، فإن كانت قد علمت بأن زوجها مصاب به فليس لها حق لأنها هي التي خاطرت بنفسها، وإن لم تعلم فهو محل نظر ويرجع فيه إلى المحكمة. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 13 حكم إقامة الصلاة للسنة الراتبة السؤال ما حكم إقامة الصلاة للسنة الراتبة؟ الجواب إقامة الصلاة لغير الفريضة بدعة، لأن إقامة الصلاة إنما تكون في الفرائض أما النوافل فليس لها إقامة، فمن أقام للنوافل قلنا له: إنك مبتدع، وعليك أن تدع ذلك، فإن أصر فهو آثم. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 14 حكم حجز مكان في المسجد السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله ما حكم حجز مكان في المسجد بوضع كتاب أو نحوه في الصف الأول أو خرقة يعلم أو كذا؟ الجواب الحجر أو التحجر في المسجد إذا كان الإنسان في المسجد فلا بأس، أو تحجر وذهب ليقضي حاجة كوضوء أو شبهه فلا بأس أيضاً، أما إذا تحجر وذهب إلى بيته إلى أهله إلى متجره، فإن من العلماء من يقول إن هذا ليس بجائز، لأن الحق للأول وهذا منع الحق، ومنهم من يقول: إنه جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لـ سعد بن معاذ قبة في المسجد وهذا نوع من التحجر، والذي أرى أن من الورع أن يترك الإنسان هذا التحجر إلا في الحالين الذين ذكرتهما وهما: إذا خرج من المسجد لحاجة ويعود عن قرب، أو إذا كان في نفس المسجد. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 15 حكم قص الشعر للنساء السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله ما حكم قص الشعر للنساء؟ الجواب قص الشعر للنساء إن قصته حتى صار كرأس الرجل، أي: قصته قصاً بالغاً حتى صار مثل رءوس الرجال فهذا حرام عليها، بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وكذلك إذا قصته حتى يكون كرأس الكافرات فإنه حرام عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، وأما إذا كان قصاً لا يحصل به هذا ولا هذا فاختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال: القول الأول: على أنه حرام. والقول الثاني: أنه مكروه. والثالث: أنه مباح. والورع ألا تقص المرأة شيئاً من شعر رأسها بل تبقيه على ما هو عليه. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 16 حكم تغيير ملامح قبر موجود بجوار المنزل السائل: فضيلة الشيخ! يوجد بجوار منزلنا قبر فقام الوالد بإبعاد الحجر الذي على القبر وبعد فترة دفن هذا القبر بتراب، وبعد فترة وضع سمنت على القبر ثم وضع خزان ماء، هل الوالد عليه إثم في هذا الأمر، وإذا كان آثماً فما هو العمل؟ الشيخ: الواجب على أبيك لما رأى القبر أن يتصل بالمسئولين على المقابر كالبلديات مثلاً ويخبرهم بذلك، هل ينقل الميت إلى مكان آخر أم ماذا يعمل؟ وهذا الواجب قائم الآن، يجب على أبيك أن يبلغ الجهات المسئولة بما صنع حتى يقرب ما تقتضيه الشريعة وذلك لأن الميت له حرمة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يوطأ على القبر لأن صاحب القبر له حرمة. وخلاصة الأمر أني أقول: بلغ الوالد أنه يجب عليه أن يبلغ المسئولين عن هذه المسألة. السائل: ما هي الشروط اللازمة لنقل قبر؟ الشيخ: هذه تأتي إذا نظر القاضي إذا رأى من الضرورة أن ينقل إلى المقبرة فالأمر سهل تجمع العظام وتدفن في قبر في المقبرة، لأن هذا أبلغ في حمايتهم، ولئلا يظن أحد في المستقبل أن له مقاماً عند الله عز وجل فيتبركون به أو ما أشبه ذلك. السائل: وهل هو آثم فيما فعل؟ الشيخ: لا شك أنه آثم. السائل: هل عليه كفارة أو شيء؟ الشيخ: أنا ما عندي إلا ما قلت لك، يبلغ الجهات المسئولة وينتهي الأمر. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 17 معنى قوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) السؤال فضيلة الشيخ يقول الله سبحانه وتعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] نرجو معنى هذه الآية وما فيها من الفوائد؟ جزاكم الله خيراً. الجواب معنى قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] أن الله يتوعد هؤلاء القوم الذين يصلون ولكنهم غافلون عن صلاتهم، لأن قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: غافلين، يضيعونها أي: يصلي أحدهم بعد الوقت ويصلي بدون طمأنينة، وربما يصلي بغير طهارة، وما أشبه ذلك من الإضاعة، هؤلاء توعدهم الله عز وجل بالويل وهي كلمة وعيد، وقد قال الله تبارك وتعالى في آية أخرى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [مريم:59-60] . وأما الساهون في صلاتهم فهؤلاء لا إثم عليهم كما لو نسي الإنسان فزاد ركعة أو نسي فترك التشهد الأول مثلاً فإن هذا ليس فيه إثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سها: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) ولهذا قال بعض العلماء: الحمد لله الذي لم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون، بل قال: عن صلاتهم ساهون، والعبارتان بينهما فرق ظاهر. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 18 حكم صلاة المتأخر خلف إمام قد زاد في الصلاة ودخل معه من أصلها قبل الزيادة السائل: فضيلة الشيخ! أدرك رجل صلاة العصر وقد فاته منها ركعتان فسها الإمام وجاء بركعتين زيادة عن الصلاة فهل يسلم مع الإمام الذي أدرك الصلاة، أم أنه يأتي ما فاته من الصلاة وما حكم الركعتين الزائدة في الصلاة هل هي باطلة، فإذا كانت باطلة فهل يعني أن الرجل المتأخر عن الصلاة صلى ركعتين باطلة أم صحيحة؟ الشيخ: زيادة الركعتين في الصلاة تبطل الصلاة إذا كانت عمداً، بل لو كانت ركعة واحدة، أو سجوداً واحداً، وإن كان سهواً فإن الصلاة لا تبطل، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه صلى الظهر خمساً فلما سلم قيل له: (أزيد في الصلاة؟ قال وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه ثم سجد سجدتين ثم سلم، ثم قال لهم: إنه لو حدث شيء في الصلاة لأنبأتكم به) . وهذا الذي دخل مع الإمام بعد أن صلى الإمام ركعتين، ثم إن الإمام سها وزاد ركعتين نقول له: سلم مع الإمام لأنك صليت أربعاً ولا يحل لك أن تزيد، الإمام قلنا: إنه ساهٍ وناسٍ ولا شيء عليه، لكن أنت لا يمكن أن تزيد ولا سجدة واحدة عن الصلاة. ولكني أقول لك: بارك الله فيك! هل هذا أمر واقع؟ أي: هل يمكن أن يصلي الإنسان ركعتين زائدتين دون أن يتنبه أو ينبه؟ زيادة الركعة ممكن، لكن يصلي ركعتين والناس وراءه ولا ينتبهون له! بعيد هذا!! السائل: ولكن مأمور في هذه الحالة أن يترك المأموم التشهد الأول؟ الشيخ: يترك التشهد الأول تبعاً لإمامه، ألست أنت الآن لو دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فسوف تأتي بتشهد في غير محله، وسوف تترك تشهداً في محله. هل تصورتم هذا يا جماعة! أنا جئت والإمام قد صلى ركعة في صلاة الظهر فدخلت معه، متى يجلس الإمام؟ يجلس بالنسبة لي في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية لي هو يقوم فتجد أنني تشهدت في غير مواضع التشهد وتركت التشهد في موضعه كل ذلك اتباعاً للإمام. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 19 معنى قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر) السؤال فضيلة الشيخ! يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم:41] هل تكون الآية معناها على ظاهرها، أو يكون البر اللسان والبحر القلب كما في بعض التفاسير؟ الجواب ظهر الفساد في البر والبحر على ظاهرها، البر اليابس من الأرض والبحر هو المغطى بالماء، وأما تفسيره بالقلب واللسان فهذا غلط، ولا يحل أن تفسر الآية بذلك، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] واللسان العربي المبين يقتضي أن يكون البر هو اليابس من الأرض والبحر هو المغطى بالماء، والفساد في البر ظاهر، يكون الفساد في البر بالجدب وعدم النبات، يكون بالرياح العاصفة، وكذلك في البحر يكون بفساد الهواء بموت الأسماك وغير ذلك من المفاسد الواضحة. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 20 حكم كتابة قيمة السلعة في الفاتورة من غير سعرها الحقيقي المشترى به السؤال فضيلة الشيخ! قد يحصل أن يتفق صاحب عمل مع مهني على أن يشتري المهني الخام ويذهب المهني إلى التاجر ويشتري الخام بسعر أقل من سعر السوق، ويفعل التاجر مثل هذا ليضمن بقاء تعامل المهني معه، ولكن التاجر يكتب قيمة السلعة بسعر السوق حتى يتقاضاها المهني من صاحب العمل بسعر السوق، وفي كل الأحوال يحمل المهني الخام إلى مكان العمل فما حكم مثل هذه العقود؟ الجواب الواجب على الإنسان في المعاملات أن يكون صريحاً بيناً يعطي الأمر على وجهه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المتبايعين: (إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) والواجب كذلك على الإنسان أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، فإذا كنت أنت لا ترضى أن أحداً يربح عليك في الصفقة على غير الوجه المعتاد فيجب ألا ترضى لأحد أيضاً، فإذا قدر أن أحداً من الزبائن أتى إليك وقال: أنا أريد السلعة الفلانية وهي ليست عندك تقول: ليست عندي، لكن ربما تأتيني بعد يومين أو ثلاثة فإذا أتت، فإنه يبيعها عليه بعد أن تأتي، ثم ليكن ربحه عليه ربحاً معقولاً، أي: لا يشتري الشيء بعشرة ويقول: بعشرين، بناء على أن المشتري غرير ولا يعرف، فالواجب النصح والبيان والإيضاح، ومن تعامل بذلك بارك الله له في البيع، ومن لم يتعامل بذلك فإنه تنزع منه البركة، نسأل الله السلامة. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 21 حكم ترك صيام شهر رمضان من قبل امرأة تهاوناً وجهلاً السؤال فضيلة الشيخ! امرأة تركت صيام السنة التي بلغت فيها تهاوناً وجهلاً فما الحكم: القضاء فقط أم القضاء والكفارة، أما ماذا تفعل؟ الجواب بارك الله فيك أنت تقول: تهاوناً وجهلاً، إذا كان جهلاً فليس تهاوناً؛ لأن المتهاون هو الذي يترك الشيء عن علم لكن يتهاون في أدائه، فنقول: هذه المرأة التي لم تصم أول سنة بلغت إن كانت في مكان يغلب فيه الجهل كالبادية مثلاً ولم يخطر ببالها أنه يجب عليها الصوم لأنها لم تبلغ خمس عشرة سنة بل حاضت قبل ذلك فهذه لا نرى عليها قضاءً؛ لأنها جاهلة، ولم تفرط، ولم يكن يخطر ببالها أنه قد وجب عليها الصيام، أما إذا كانت مفرطة كأن تكون في المدن التي فيها العلماء وفيها من تسأله فإنه يجب عليها القضاء، ولا شيء مع القضاء أي: ليس عليها طعام. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 22 حكم قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: هذا رجل استدل على أن قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة أفضل من الاستمرار فيها سواءً كان في الركعة الأولى أو في الثانية وأدلته كما يلي: أولاً: حديث الباب: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، ثانياً: حديث: (إنما جعل الإمام ليأتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) . ثالثاً: حديث أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلي فناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] ) ، وفي حديث أبي قال: (لا تعد) . رابعاً: حديث: (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) فيقول السائل: مجموع هذه الأدلة يركب دليلاً واحداً على ما قال، فضيلة الشيخ! ما تقولون في أدلته هذه وهل تصلح للاستدلال أفتونا مأجورين؟ الجواب أقول: للعلماء في هذه المسألة أقوال: - منهم من قال: إنه لا يجوز أن يقطع النافلة حتى يتمها إلا أن يخشى أن يسلم الإمام من الصلاة قبل أن يتمها، وهذا هو المشروع في مذهب الحنابلة رحمهم الله، واستدلوا لذلك بقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33] ، وقالوا: إن قطع الصلاة إبطال لها وقد نهى الله عنه، وقالوا أيضاً: إن الإنسان إذا شرع في العبادة فإنه يكره له أن يقطعها لما في ذلك من الإعراض عن عبادة الله تعالى بعد التلبس بها. - ومن العلماء من قال: إذا أقيمت الصلاة وجب قطع النافلة فوراً سواءً صلى ركعة أو ركعتين، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) . وأجاب الأولون عن هذا فقالوا: إن قوله: (لا صلاة إلا المكتوبة) يعني: لا صلاة تبتدأ، لأن الإقامة هي إعلام للدخول في الصلاة، فالآن أمامك نافلة وفريضة لا تبتدأ النافلة، وليس في الحديث ما يدل على أنه لا صلاة أي: لا صلاة تبتدأ ولا صلاة تكمل فهو محتمل. وأما ما ذكره السائل من الأدلة: (إنما جعل الإمام ليأتم به) فلا دليل فيه، لأن الإمام لم يكن إماماً له وهو لم يدخل معه، فإنه لا يكون إماماً إلا إذا دخل معه في الصلاة وهذا لم يدخل حتى الآن. وأما حديث أبي سعيد المعلى فلا دليل فيه أيضاً، وإنما فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دعا إنساناً وهو يصلي النافلة فعليه إجابته، ولا تعرض فيه لهذه المسألة، وأما الرابع: (ما تقرب إلي عبد مما افترضته عليه) فنعم لا شك أن الفريضة أفضل من النافلة، لكن هذا الرجل لا يفوت الفريضة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهو ليس إذا اشتغل بهذه النافلة ستضيع عليه الفريضة، سوف يؤديها. أما الذي أراه في هذه المسألة فالذي أرى: أنه إن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، وإن كان في الأولى قطعها، ووجه ذلك: أنه لو كان في الثانية في الركعة الثانية فقد أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يحظر عليه البدء بالصلاة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا القول كما ترون قول وسط، بين من يقول: يتمها إلا إذا خاف أن يسلم الإمام قبل إتمامها، ومن قال يقطعها فوراً، فهذا القول وسط بينهما وهو الذي نختاره والله الموفق. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 23 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) السؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك أن أغتال من تحتي) ؟ الجواب قوله صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بك أن أغتال من تحتي) الاغتيال معناه: القتل غيلة على غير علم، بمعنى: أن يغتال إما بخسف به، أو بتسلط الجن عليه، أو ما أشبه ذلك، المهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أنه الله يحميه من كل جانب وقال: (أعوذ بك أن أغتال من تحتي) . الجزء: 74 ¦ الصفحة: 24 حكم قضاء السنن الراتبة إذا فاتت السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز قضاء السنن الراتبة إذا فاتت؟ الجواب قضاء السنة الراتبة سنة إذا فاتت، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نام عن صلاة الفجر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس صلى سنة الفجر أولاً ثم صلى بعدها الفجر. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 25 حكم بيع الكتب الموزعة من قبل الدوائر الحكومية كالإعلام أو الإفتاء السائل: فضيلة الشيخ! ما حكم بيع الكتب التي تقوم بتوزيعها بعض الدوائر الحكومية، كالإعلام أو الإفتاء وذلك لشراء كتب نافعة أنفع منها؟ الشيخ: الظاهر لي أن توزيع الكتب من قبل هذه الجهات يعتبر هدية وإذا كانت هدية صارت ملكاً للمهدى إليه، فيتصرف فيها بما شاء؛ إما بالانتفاع بها أو ببيعها أو بإهدائها أو بإيقافها، هي ملكه، وإذا رأى أن يبيعها ويشتري خيراً منها فهو خير. السائل: نقطة مهمة -يا شيخ- في السؤال هذه الكتب لمدرسة أخذناها كهدية من الوزارة للمدرسة فوجدنا فيها بعض الملاحظات خاصة القصصية منها أو أيضاً الكتب أيضاً تتكلم عن الشيعة فهل يحق لنا إتلافها؟ الشيخ: على كل حال إذا أخذتموها للمدرسة فهي للمدرسة، ولكم أن تبيعوها لشراء شيء أنفع منها إذا كان النظام يخول لكم ذلك، وأما إذا كانت ضارة فيها أفكار منحرفة: بدع، ضلالات؛ فالواجب عليكم أن تحجزوها وأن تبلغوا الجهات التي منحتكم إياها بهذا حتى لا يوزعوها على غيركم أيضاً، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] . الجزء: 74 ¦ الصفحة: 26 حكم دخول مزرعة أحد الأشخاص لاستعمال ما فيها بإذن حارسها السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في شباب ذهبوا إلى المزرعة واستأجروا من الحارس حتى يأكلوا فيها ويستعملوا المرافق من مسبح وكهرباء إلى غير ذلك، وعندما سألوا الحارس عن حكم صاحب المزرعة فقال: إنه لا يمانع في ذلك؟ الجواب الذي يظهر أن الحارس أمين، وأنه إذا قال للناس: ادخلوا استمتعوا بالظل وبالبركة فلا حرج. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 27 حكم تشميت العاطس أثناء خطبة الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم تشميت العاطس أثناء خطبة الجمعة؟ بارك الله فيك. الجواب أولاً: العاطس لا يشمت إلا إذا حمد الله، فإذا حمد الله فشمته، لكن إذا كان ذلك في خطبة الجمعة فإنه لا يجوز أن تشمته لأن تشميته كلام لأنك تخاطبه تقول: يرحمك الله، والكلام حال الخطبة لا يجوز إلا لحاجة ويكون مع الخطيب، ويدلني لما قلت قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا قلت لصحابك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب؛ فقد لغوت) مع أن قولك له: أنصت، إذا كان يتكلم؛ من النهي عن المنكر، ومع ذلك منعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين أن الإنسان يحرم به من فضل الجمعة حيث إن من لغى فلا جمعة له. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 28 حكم أخذ الأجرة بدون عمل من مسئولي العمل الصيفي السؤال بالنسبة للعمل الصيفي إذا كان المسئولون في نفس الشركة أو الدائرة يقولون له: لا تحضروا خلال فترة العمل لكن تقدر تأتي في نهاية الشهر وتستلم الراتب لأن هذا العمل كمساعدة للطلاب، ما وضع هذا العمل إلا مساعدة؟ الجواب الذي أرى أنه يجب على الإنسان أن يحضر وأن يطالب بالعمل، لأن الحكومة لها نظران في توظيف الطلبة في أيام الإجازة: النظر الأول: أن الطلبة يتمرنون على الأعمال وينتفعون بهذه الممارسة. والنظر الثاني: أن الطلبة يكفون عن الانسياب والتسكع في الطرقات، وليس قصد الحكومة أن ينتفع الطلبة بالمال، أهم شيء حمايتهم، وكذلك تمرينهم وتعويدهم على العمل، فالشركة لا يحل لها ذلك وكذلك الطالب لا يحل له ذلك، وإذا قلنا: أن الشركة قالت: لا، ليس عندنا شغل اذهب، فلنبلغ المسئولين حتى ينتقل إلى شركة ثانية أو يعملون ما يرون. السائل: بالنسبة -يا شيخ- للراتب نفسه إذا أخذه وصرفه؟ الشيخ: أنا ما أرى أن يأخذه. السائل: طيب استعمله وصرفه؟ الشيخ: إذا استعمله وصرفه يتصدق بما يقابله تخلصاً منه. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 29 نصيحة لمن يحتقرون العلماء بقصد أو بغير قصد السؤال فضيلة الشيخ نرجو توجيه بعض طلبة العلم أو بعض الشباب لمن يحقر بعض العلماء من غير قصد أو بقصد، بعدما تقول له: يجب الرجوع في الفتن وفي بعض الخلافات إلى العلماء، يقول: هؤلاء علماء حيض ونفاس!! وأنا سمعتها بأذني يا شيخ! نرجو توجيه كلمة لأنه إن شاء الله يكون لها نفع كبير؟ الجواب طبعاً! الواجب على الإنسان أن يتقي الله عز وجل وألا يسخر من غيره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] وأن يحفظ لسانه؛ لأن اللسان من أخطر ما يكون على الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فأمسك بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا، فقال: يا رسول الله وأنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم) والعالم بأحكام الحيض والنفاس عالم بحد من حدود الله وشريعة من شرائع الله، والحيض والنفاس من أصعب الأمور على طلبة العلم؛ لكثرة الاختلاف فيه، والعالم الجيد فيه جهبذ، ولا يقال على سبيل الاحتقار، ثم إن الحيض والنفاس يترتب عليهما أشياء كثيرة من العبادات والعدد في الطلاق وغيره، فليس بالأمر الهين. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 30 حكم لبس الخاتم في الوسطى للنساء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم لبس الخاتم في الوسطى للنساء؟ الجواب الظاهر لي أن النساء يلبسن الخواتم في كل الأصابع ولا بأس، لأن المقصود التجمل، فإذا كان من عادتهن أن يتجملن بلبس الخواتم في جميع الأصابع فلا بأس، إلا أن يؤدي ذلك إلى الفخر والمباهاة والإسراف فيمنع من أجل هذا، أما بالنسبة للرجل فيكون الخاتم بالخنصر والبنصر إما باليد اليمنى أو باليد اليسرى. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 31 حكم الدعاء على شخص بعينه إذا كان كافراً أو ظالماً السائل: فضيلة الشيخ! هل يجوز الدعاء على شخص بعينه إذا كان كافراً أو ظالماً؟ الشيخ: كيف تقول؟ السائل: الدعاء يعني تدعو عليه؟ السائل: نعم، يجوز أن تدعو على الإنسان بمثل ما دعا به عليك، سواء كان معيناً أو غير معين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله! أيسب الرجل والديه؟! قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) وهذا شيء معين، وقال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] ، وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] فمن ظلمك فلك أن تدعو الله عليه بمثل ما ظلمك لكن لا تتجاوز. السائل: فإن كان ظلم هذا الشخص متعدياً إلى مثل مسلمين أو جماعات أو كذا، هل يجوز أن أدعو أنا، وإن لم يحصل عليّ الظلم؟ الشيخ: إذا كان هذا الظلم من السلطان من ولي الأمر فالواجب أن تسأل الله الهداية لولي الأمر؛ لأنك لو دعوت عليه بالانتقام لم يزدد الأمر إلا شدة، لكن إذا دعوت الله سبحانه وتعالى له بالهداية والتوفيق حصل في هذا خير كثير، لأن الغالب أن الراعي إذا صلح صلحت الرعية، ولهذا قال الإمام أحمد: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان) . الجزء: 74 ¦ الصفحة: 32 حكم تحديد مسافة القصر بمدة السفر المحرم للمرأة في اليوم والليلة السؤال فضيلة الشيخ! قلنا: إن مسافة القصر لا حد لها، فما ردنا في حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ولا ليلة ليس معها حرمة) ؟ الجواب هذا لا يدل على تحديد السفر بين يوم وليلة، بل يدل على أن المرأة لا تسافر هذه المسافة بلا محرم، على أن تقييد السفر بلا محرم بيوم وليلة أو ثلاثة أيام ليس مراداً وذلك لاختلاف التحديد، ولأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب ويقول: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) عام، فكل ما يسميه الناس سفراً فإنه لا يحل للمرأة أن تسافره إلا بمحرم. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 33 حكم صلاة من أكل ثوماً أو بصلاً وصلى جماعة في غير المسجد السائل: فضيلة الشيخ! لو أن شخصاً أكل ثوماً أو بصلاً، ثم ذهب يصلي ولكنه لم يصلِ في المسجد، صلى مع إخوة له في البر أو في مزرعة، فهل هذا يعد من النهي؟ الشيخ: الصحيح أنه لا يكره أن يصلي الإنسان جماعة وقد أكل بصلاً أو ثوماً، إلا إذا كان يؤذي المصلين، فإذا كان يؤذي المصلين فلا يدخل معهم، أما المساجد فإنه لا يحل له أن يحضر وقد أكل بصلاً أو ثوماً وبقيت رائحتهما فيه، فإن زالت الرائحة فلا بأس، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، والرائحة إذا زالت لم يتأذ أحد بهذا لا الملائكة الذين في المسجد ولا المصلين. السائل: لو كانوا جميعهم قد أكلوا بصلاً؟ الشيخ: لا بأس يصلون جماعة ولا حرج. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 34 حكم مقاطعة إخواني وأخواتي من الرضاعة السائل: لي أخوات من الرضاع وحصلن على فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله ورعاه- طبعاً! أننا إخوان في الرضاعة، فمنهن من قبلت هذا الأمر، ومنهن من رفضته وردته، ومنهن من قبلت أن تقابل وأسأل عن حالها وتسأل عن حالي، ومنهن من قالت: فقط السؤال، وليس المقابلة، فهل علي إثم لو قاطعتهن، يعني التي رفضت الأمر هذا، أو عليهن إثم في ذلك؟ الشيخ: هن قرابة لك؟ السائل: من الرضاعة. الشيخ: الرضاعة هذه ليست قرابة، ولا يجب على الإنسان أن يصل محارمه من الرضاعة كما يصل محارمه من النسب، لكن لا شك أن هذا نوع من الصلة فمواصلتهم طيبة، وأما امتناع بعض النساء عن مواجهة المحارم من الرضاع، أو كشف الوجه لهم هذا حياء وخجل، ليس القصد منه مضادة الشريعة أبداً. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 35 الفرق بين العام والمطلق في أصول الفقه السؤال ما هو الفرق بين العام والمطلق في أصول الفقه؟ الجواب الفرق بينهما في ذاتيهما: أن العام يشمل جميع أفراده على سبيل العموم والشمول، وأما المطلق فيعم جميع أفراده على البدل لا على الشمول والعموم، البدل معناه -مثلاً- إذا قلت: أعتق رقبة، هذا مطلق، فأي رقبة تعتقها يحصل الامتثال، العموم مثلاً إذا قلت لك: أعتق الرقاب، فهنا لا بد أن تعتق جميع الرقاب ما يكفي واحد، هذا هو الفرق في حد ذاتيهما. ولو قلنا مثلاً: لا تكرم طالباً، يشمل كل الطلاب أي: لا تكرم أي طالب، وإذا قلت: أكرم طالباً كفى واحد، فذاك عمومه شمول وهذا عمومه بدل، هذا هو الفرق. الجزء: 74 ¦ الصفحة: 36 لقاء الباب المفتوح [75] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الليل ، حيث بين الله سبحانه وتعالى من خلالها تباين أفعال العباد في الصلاح والفساد، وقد جاء هذا التبيين متناسباً مع إقسام الله سبحانه وتعالى بمخلوقات متضادة، وهذا الأسلوب يعتبر أحد أساليب القرآن الكريم البلاغية. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الليل الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) . ونفتتح هذا اللقاء بتفسير سورة الليل. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والليل إذا يغشى) قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:1-4] . فأقسم الله تبارك وتعالى بالليل (إذا يغشى) أي: حين يغشى الأرض، ويغطيها بظلامه، لأن الغشاء بمعنى الغطاء. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والنهار إذا تجلى) قال تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:2] أي: إذا ظهر وبان، وذلك بطلوع الفجر الذي هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس، والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وما خلق الذكر والأنثى) قال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل:3] أي: وخلق الذكر والأنثى على أحد التفسيرين، حيث جعلت ما هنا مصدرية، أو والذي خلق الذكر والأنثى وهو الله عز وجل على التفسير الآخر، فعلى المعنى الأول يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بخلق الذكر والأنثى وعلى الثاني يكون الله تعالى أقسم بنفسه، لأنه هو الذي خلق الذكر والأنثى. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إن سعيكم لشتى) {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4] أي: إن عملكم لشتى أي: لمتفرق تفرقاً عظيماً، فأنت ترى الآن أن الله أقسم بأشياء متضادة، الليل ضد النهار، الذكر ضد الأنثى، السعي متضاد صالح وسيئ، فتناسب المقسم به والمقسم عليه، وهذا من بلاغة القرآن، فكأن الله عز وجل يقول: إن اختلاف الليل والنهار والذكر والأنثى أمر ظاهر لا يخفى، فكذلك أعمال العباد متباينة متفاوتة، منها الصالح ومنها الفاسد ومنها ما يخلط صالحاً وفاسداً، كل ذلك بتقدير الله عز وجل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى) ثم فصل هذا السعي المتفرق فقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5-7] . (أما من أعطى) أي: أعطى ما أمر بإعطائه من مال أو جاه أو علم. (واتقى) أي: اتقى ما أمر باتقائه من محرمات. (وصدق بالحسنى) أي: صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز وجل وقول رسوله؛ لأن أصدق الكلام وأحسن الكلام كلام الله عز وجل. (فسنيسره لليسرى) السين هنا للتحقيق أي: أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها، في أمور دينه ودنياه، ولهذا تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل: من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] وكلما كان الإنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وأما من بخل واستغنى) ولهذا قال: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} [الليل:8] فلم يعط ما أمر بإعطائه. {وَاسْتَغْنَى} [الليل:8] أي: عن الله عز وجل ولم يتق ربه بل رأى أنه في غنىً عن رحمة الله نسأل الله العافية والسلامة. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وكذب بالحسنى) قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:9] أي: بالقولة الحسنى وهي قول الله ورسوله. {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:10] أي: ييسر للعسرى في الأمور كلها. ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار أمورهم تتيسر فيقال: نعم قد تتيسر أمورهم لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد فقط، لا تنعيم روح، ثم هو أيضاً وبال عليهم؛ لقول الله تعالى فيهم: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44-45] ، وقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] ) وهؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ومع ذلك فإن هذه الدنيا جنة لهم بالنسبة للآخرة. وقد ذكروا عن ابن حجر العسقلاني شارح البخاري بالشرح الذي سماه فتح الباري وكان قاضي القضاة في مصر: أنه مر ذات يوم وهو على عربة تجره البغال والناس حوله برجل يهودي سمَّان -أي: يبيع السمن والزيت- وأنتم تعلمون أن بيّاع السمن والزيت تكون ثيابه وسخة وحاله سيئة، فأوقف العربة وقال لـ ابن حجر: إن نبيكم يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف أكون أنا بهذا الحال وأنت بهذه الحال؟! قال له ابن حجر على البديهة: أنا في سجن بالنسبة لما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب والنعيم، لأن الدنيا بالنسبة للآخرة ليست بشيء كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، وأما أنت -يقول لليهودي- فأنت في جنة بالنسبة لما أعد لك من العذاب إن مت على الكفر، فاقتنع بذلك اليهودي وصار ذلك سبباً في إسلامه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله!! الجزء: 75 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وما يغني عنه ماله إذا تردى) ثم قال عز وجل: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:11] يعني: أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى هو أي هلك، أي شيء يغني المال؟ لا يغني شيئاً. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 75 ¦ الصفحة: 11 بيان انقسام علامات الساعة إلى صغرى وكبرى السؤال فضيلة الشيخ! هل علامات الساعة يكون فيها صغرى ويكون فيها كبرى؟! الجواب إي نعم! علامات الساعة الكبرى التي تدل على قربها لم تأت بعد، وأما العلامات السابقة فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام من علامات الساعة؛ لأنه خاتم الأنبياء وهذا يدل على أن الأمر قد قرب، لكن هناك أشراط كبيرة تأتي قرب قيام الساعة وتأتي تترى متتابعة. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 12 حكم تحية المسجد عند دخول المصلى السؤال فضيلة الشيخ! يوجد عندنا في داخل المدرسة مسجد ولا يصلى فيه إلا في وقت واحد، وهناك بعض الطلاب عندما يأتون للصلاة يدخلون المسجد فيجلسون مباشرة فبعضهم يحتج ويقول: إن هذا مصلى لا يدخل فيه حكم تحية المسجد، أفتونا مأجورين؟ وجزاكم الله خيراً. الشيخ: سؤال: هذا المسجد الذي ذكرت هل هو مشرَّع عن الشارع؟ السائل: لا. الشيخ: يعني مبني لكن داخل المدرسة ولا يصلي فيه إلا أهل المدرسة. السائل: نعم لا يصلي فيه إلا أهل المدرسة. الجواب الظاهر لي أن هذا مصلى وليس بمسجد، بدليل أنهم لو رحلوا عن هذه المدرسة لكان هذا المسجد لاغياً، لكن مع ذلك أنا أحث إخواننا ألا يجلس أحد حتى يصلي؛ لأن هذا خير، والله! ليأتين على كل واحد منا زمن يتمنى أن في كتاب حسناته ركعة أو ركعتين، فيقال: يا أخي! لماذا تحرم نفسك؟! لأمرين: أولاً: احتمال أن يكون مسجداً فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) . ثانياً: على فرض أنه ليس بمسجد وهو الأظهر عندي صلِّ ركعتين تنفعك عند الله عز وجل. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 13 معنى حديث: (ماء زمزم لما شرب له) السؤال فضيلة الشيخ! قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) بعضهم يقول: إنك تدعو قبلما تشرب، فهل هذا له وجه أو ليس له وجه؟ الجواب الحديث: (ماء زمزم لما شرب له) حديث حسن، ولكن ما معنى قوله: (لما شرب له) هل معناه العموم حتى لو شربه الإنسان ليكون عالماً صار عالماً أو ليكون تاجراً صار تاجراً، أو المراد: (لما شرب له) مما يتغذى به البدن فقط، بمعنى: أنك إذا شربته لإزالة العطش رويت، أو لإزالة الجوع شبعت؟ الحديث ليس صريحاً في أنه لكل ما شرب له حتى لو كان خارج البدن، فالذي يظهر لي والله أعلم: أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى به البدن، بمعنى: أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك وعن الشراب كفاك، وأما الدعاء عند شربه فقد استحب كثير من العلماء أن يدعو الله سبحانه وتعالى عند شربه. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 14 حكم التعميم في الذم السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من يقول: إن المصريين كلهم كذابون أو السعوديين خونة فهل تعتبر من الغيبة؟ الجواب إذا قال قائل: إن المصريين كلهم كذبة والسعوديين كلهم خونة، فهذا يعزر أي: يؤدبه الإمام على قوله؛ لأنه كاذب في كلامه، لا شك أنه كاذب، يعني: لو قدرنا في المصريين كذبة وفي السعوديين كذلك كذبة أو فجرة أو ما أشبه ذلك، ليس كلهم، فإذا بلغ الحاكم قول هذا الرجل فالواجب أن يؤدبه، أما بالنسبة للمصريين والسعوديين والعراقيين والشاميين فهذا لا يضرهم؛ لأنه عام ولا أحد يصدقه بذلك، فصار الآن لنا وجهان: الوجه الأول: بالنسبة لهذا القول الذي نسبه للعموم وهو كاذب فيه يجب أن يعزر عليه ويؤدب. ثانياً: بالنسبة لمن قيل فيهم هذا القول فهو لا يضرهم شيئاً لأن الناس يعرفون أن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على الجميع، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله في باب القذف قالوا: إذا قذف أهل بلد، بأن قال: هؤلاء أهل البلد كلهم زناة فإنه لا يحد حد القذف وإنما يعزر تعزيراً، لأن هذا القول لا يؤثر شيئاً في أهل البلد كلهم. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 15 ضابط التشبه بالكفار السؤال فضيلة الشيخ! جاءت نصوص تنهى وتحذر من التشبه بالكفار وثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم بلغة الكفار في قوله: (هذا سنه سنه يا أم خالد) وأيضاً ثبت أنه حفر الخندق ولم يعرف قبل أنه من طريقة المسلمين، فكيف الجمع بين النصوص؟ الجواب التشبه بالكفار فيما يختص بهم، لا في لغتهم ولا في الأخذ من صنائعهم وتجاربهم، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أمراً أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يستقبل كتبهم ويرد عليهم بلغتهم وليس هذا من باب التشبه، التشبه أن يتشبه بما يختص بهم مثل: أن يلبس لباسهم، أو يسمي بأسمائهم الخاصة بهم أو ما أشبه ذلك، وأما التشبه بهم بما ينفع في الصنائع وغيرها فهذا لا بأس به. السائل: ما معنى خصائص يا شيخ؟! الشيخ: يعني مثلاً الآن هناك زي معين للكفار بلباسهم، بحيث أنك إذا رأيت رجلاً قلت هذا من الكافرين، فهذا يحرم عليه، كذلك مثلاً لو افترضنا شعورهم يجعلونها على صفة معينة، فهذا لا يجوز التشبه بهم، أما ما كان خارجاً فهذا لا أثر له ولا يضر. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 16 بيان معنى معية الله لخلقه السؤال فضيلة الشيخ! صفة المعية هل هي صفة ذاتية أم صفة فعل؟ الجواب صفة المعية العامة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال محيطاً بعباده، وأما المعية الخاصة فهي من صفات الأفعال؛ لأن مقتضاها النصر والتأييد وهذا -أعني بالنصر والتأييد- لا يكون إلا لمن يستحقه، واستحقاقه إنما يكون بعمل حادث من الإنسان، فتكون الصفة المترتبة عليه من صفات الأفعال. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 17 حكم إقامة العالم للحدود دون إذن الإمام السؤال فضيلة الشيخ! هل يشرع للعالم أن يقيم الحدود بنفسه كما ورد عن ابن تيمية رحمه الله تعالى، وأن يخرج -مثلاً- يعزر الصبيان، ويخرج من السجون كما أخرج الحافظ المزي من السجن؟ الجواب لا، لا يجوز لأحد أن يفتات على الإمام، إقامة الحدود من شأن الإمام، وإقامة التعزيرات من شأن الإمام، ولا يحل لأحد أن يفتات عليه، وأقول: من شأن الإمام، والإمام هو الرئيس الأعلى في الدولة، سواء سمي ملكاً أو سمي رئيساً أو إماماً أو أميراً أو شيخاً، أو من ينوب الإمام، كأمراء المناطق ومحافظي المناطق وما أشبه ذلك، لكن للإنسان أن يؤدب ولده وللإنسان أن يؤدب عبده، بل قال العلماء رحمهم الله: للإنسان أن يقيم الحد على عبده إذا كان جلداً لا إذا كان قطع عضو وما أشبه ذلك فإن هذا إلى الإمام. السائل: وما جاء من فعل شيخ الإسلام؟ الشيخ: يقال هذا فعل أفراد ولا يحتج بأقوالهم، غاية ما هنالك أن يُلتمس لهم عذر، أو يكون هناك ملابسات سوغت لهم أن يفعلوا ذلك، لأننا لو قلنا: كل إنسان يقيم الحد كان كل إنسان يضرب الشخص على ما يريد ونقول له: لماذا؟ قال: لأنه أتى ما يوجب الحد، وصارت المسألة فوضى. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 18 حكم قراءة القرآن عند الجماع للضرورة السؤال فضيلة الشيخ! هناك امرأة فيها مس إذا أراد زوجها أن يجامعها فإن الجني يمنعه؟ الشيخ: يمنعه هو أو يمنعها؟ السائل: يمنعه هو، وإذا كانت تقرأ القرآن بصوت عالٍ لا يستطيع الجني أن يمنعه، هل يجوز قراءة القرآن في أثناء الجماع؟ الجواب نعم، لا بأس بذلك، فإذا كان لحاجة لا بأس، لكن عندما يحصل الجماع تكون هي جنباً والزوج أيضاً يكون جنباً فلا تقرأ القرآن، لكن قبل ذلك ما دام لم يولج ذكره فلها أن تقرأ القرآن ولا بأس، لأن هذا حاجب. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 19 حكم قصر الصلاة لمن قارب دخول بلده السؤال فضيلة الشيخ! إذا كنا مثلاً نجمع جمع تأخير -مغرب وعشاء- وكنا -مثلاً- على مشارف الرياض وتعرف مشارف الرياض بعيدة عن الرياض نفسها، فعندما دخلنا مسافة في الرياض وجمعنا جمع تأخير والناس قد خرجوا من العشاء، هل نقصر الصلاة أو نتمها؟ الشيخ: أنتم من أهل الرياض؟ السائل: إي نعم. الشيخ: مشارف الرياض هل معناه: أنكم دخلتم المساكن. السائل: تقريباً لا. الجواب لكم أن تقصروا ما دام الإنسان لم يدخل مساكن البلد، وأنا أعطيك قاعدة: إذا شككت أنه زال سبب القصر أو هو باقٍ فالأصل بقاؤه. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 20 حكم تلاوة القرآن عند بداية الحفلات والندوات والإذاعات السؤال فضيلة الشيخ! عفا الله عنك! يلاحظ في كثير من الاحتفالات والندوات والإذاعات المدرسية وغيرها المداومة على تلاوة القرآن الكريم في البداية، فهل هذا مشروع أو يترك؟ الجواب البداءة في الخطب والحفلات وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم باستمرار ليس من السنة، فلم يعهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن يخطب يفتتح الخطبة بالقرآن، لكن هذا شيء حادث كما حدث ختم القرآن بصدق الله العظيم، تجد بعض الناس كلما قرأ وانتهى من القراءة قال: صدق الله العظيم، هذه أيضاً من المحدثات التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا في عهد أصحابه، فلذلك لا ينبغي أن يجعل ابتداء الحفلات والندوات بالقرآن دائماً، لكن لو كان هناك محاضرة وموضوع المحاضرة في الصيام مثلاً، وأراد أحد أن يقرأ آيات الصيام في مقدمة المحاضرة هذا لا بأس به؛ لأن المقصود هو أن نستمع للآيات التي في الصيام ثم نبني المحاضرة على هذه الآيات. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 21 حكم الالتفات عند الحيعلتين السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الالتفات عند الحيعلتين؟ الجواب الالتفات عند الحيعلتين من السنة، لكن الآن لما كان الناس يؤذنون في مكبر الصوت صار الالتفات قد يكون سبباً لخفاء الصوت؛ لأنه إذا التفت لم يكن مقابلاً للآلة اللاقطة وحينئذ يخفى الصوت، فالذي نرى في هذه الحال أنه يبقى متجهاً إلى الآلة اللاقطة بدون التفات، أما وضع اليدين في الأذنين فنعم باقية؛ لأن وضع الإصبعين في الأذنين يؤدي إلى قوة الصوت. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 22 المفاضلة بين صوم الإثنين والخميس وأيام البيض السؤال فضيلة الشيخ! أيهما أفضل: المداومة على صيام الإثنين والخميس أو صيام أيام البيض؟ الجواب كل له وقت، لكن أيهما أكثر صياماً الإثنين والخميس أم الأيام البيض؟ السائل: صيام الإثنين والخميس. الشيخ: إذاً: يصوم الإثنين والخميس، إذا كان لابد من هذا أو هذا؛ قلنا له صم الإثنين والخميس؛ لأنه أكثر عملاً، ولأنه في الغالب لابد أن تكون الأيام البيض فيها أحد اليومين إما الإثنين وإما الخميس، لكن في نظري أن الذي يصوم الإثنين والخميس لا يعجز عن ثلاثة أيام فليصمها جميعاً. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 23 حكم طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الآن في قبره بأن يقول: (أريد منك شفاعة يا رسول الله! وأنا عبد مذنب كلف تحت يديك) ؟! الجواب لا يجوز، هذا حرام بل قد يكون من الشرك؛ لأن هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وبدلاً من أن يقول: أسألك يا رسول الله! أن تشفع لي، يقول: يا رب! شفع فيَّ رسولك، حتى يكون الدعاء موجه إلى الله عز وجل، أما الرسول الآن لا يستطيع أن يشفع لك، ثم حتى يوم القيامة لا يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، فهذه الكلمة حرام، وقد تكون شركاً بالله عز وجل. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 24 بيان قاعدة: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) السؤال فضيلة الشيخ! من المعلوم أن الشيعة والمرجئة هؤلاء كلهم يختلفون مع أهل السنة والجماعة اختلافاً عظيماً، وهناك قاعدة عند بعض العلماء يسمونها القاعدة الذهبية: (يعين بعضنا بعضاً فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا) فكيف نعذر هؤلاء الشيعة؟ الجواب هذه القاعدة الذهبية ليست قاعدة ذهبية ولا تستحق أن تكون قاعدة، بل ما اتفقنا فيه فهو من نعمة الله عز وجل، والاتفاق خير من الاختلاف، وما اختلفنا فيه فقد يعذر فيه المخالف وقد لا يعذر، فإذا كان الاختلاف في أمر يسوغ فيه الاختلاف فهذا لا بأس به، ولا زال الأئمة يختلفون، فالإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة كلهم يختلفون، وأما إذا كان الخلاف لا يعذر فيه كالخلاف في العقائد، فإنه لا يعذر بعضنا بعضاً، بل الواجب الرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة، فعلى المرجئة وعلى الشيعة وعلى كل مبتدع أن يرجع إلى الكتاب والسنة ولا يعذر، فهذه القاعدة ليست قاعدة ذهبية، ولعلك تسميها قاعدة خشبية. عرفت الآن الذي يسوغ فيه الاجتهاد، هذا لا بأس أن نسمح للمخالف، والذي لا يسوغ فيه الاجتهاد كمسائل العقائد التي يخالف فيها الإنسان السلف لا يمكن أن يعذروا. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 25 حكم الإمارة في السفر السؤال فضيلة الشيخ! يوجد عندنا شباب يدرسون في بريدة وهم من الرياض ويسكنون جميعاً ما رأيكم في وضع إمارة لهم في نفس المنزل الذي يسكنون به؟ الجواب ما داموا مسافرين فليجعلوا لهم كبيراً يرجعون إليه. السائل نفسه: والصلاة يا شيخ؟! الشيخ: الصلاة يجب أن يصلوا مع الناس. السائل: قصراً؟ الشيخ: لا. بل يجب على كل إنسان في بلد أن يصلي مع الناس، حتى وإن لم يجلس إلا يوماً واحداً، لابد أن يصلي مع الناس، لكن إن فاتته الجماعة يصلها قصراً. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 26 كيفية الرد على من لا يرى الأذان الأول يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! قلنا: إن سنة عثمان رضي الله عنه في الأذان الأول يوم الجمعة هي سنة ثابتة وصحيحة، وهذا صحيح، ولكن هناك بعض الإخوان في السودان يوردون علينا شبهة وهي يقولون: أن عثمان رضي الله عنه فعل هذه السنة في السوق، فمن أراد أن يطبق سنة عثمان رضي الله عنه فليفعل في السوق لكن لا يؤذن في المسجد الواحد أذانين، فكيف نرد عليهم؟ جزاك الله خيراً. الجواب نرد عليهم بأن عثمان رضي الله عنه جعلها في السوق؛ لأنه ليس هناك مكبر صوت، لو أذن في المسجد أو قريباً من المسجد لم يسمعه أهل السوق، أما الآن فالحمد لله مكبر الصوت موجود، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان له مؤذنان في مسجد واحد بلال وابن أم مكتوم، يؤذنان في مكان واحد. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 27 معنى حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) السؤال الحديث الذي قال الرسول الله صلى عليه وعلى آله وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) فهل الصورة إذا كانت في غرفة لابد أن تخرج من البيت كله أو من الغرفة؟ الجواب المراد بالصورة هنا الصورة المحرمة، أما الصورة الممتهنة التي في الفراش وشبهه فهذه لا تمنع دخول الملائكة، وإذا كانت الصورة محرمة فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا كانت في حجرة فإن ذلك لا يشمل كل البيت، لا سيما إذا كان أهل البيت قد كرهوا ذلك؛ لأنه يوجد في بعض العوائل يكون واحد منهم قد استهوته الشياطين وصار يقتني الصور ويضعها عنده أو يعلقها على الجدار، وأهل البيت يكرهون ذلك لكن لا يستطيعون منعه، ففي هذه الحال إن أهل البيت الذين يكرهون ذلك لا تمتنع الملائكة من دخول بيتهم، وأما الحجرة التي فيها الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 28 حكم تشغيل جهاز المسجل بالقرآن لمن لا ينصت له بسبب الانشغال بعمل ما السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز تشغيل جهاز المسجل بالقرآن في البيت مثلاً وأهل البيت مشغولون عنه أو بعضهم يستمع ولكن استماع غير منصت أي: أن بعض الآيات تفوته؟ الجواب الذي أرى أنه إن لم يكن هناك استماع للقرآن فلا يشغل المسجل، وإذا أراد الإنسان أن يستمع إلى المسجل فلينصت، أو يغلقه، أما كون كتاب الله يقرأ وهذا يشتغل في شغل البيت في الكنس أو الطبخ أو إصلاح أمور فلا شك أن فيه غفلة عن كتاب الله، وأنه يخشى أن يكون من جنس فعل المشركين الذين قالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] . الجزء: 75 ¦ الصفحة: 29 حكم الأناشيد التي يوجد فيها لحن السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض الأناشيد التي قد يوجد بها لحن قد يوجب الفتنة فما حكمها؟ الجواب يجب أن تعلم قاعدة مفيدة وهي: أن (كل ما كان سبباً في فتنة فإن الواجب منعه) فإذا كانت هذه الأناشيد فيها فتنة لكونها تنطلق من أصوات فاتنة فإن الواجب منعها، وكذلك إذا كانت تغنى كالأغاني الماجنة وتلحن كالأغاني الماجنة فإن الواجب منعها أيضاً، وكذلك إذا كانت مشتملة على آلة لهو كالدف والطبل والموسيقى، فإنه يجب منعها، وكذلك إذا كانت تهيج الشهوة كما لو كان فيها تغزل فإنه يجب منعها، ففي هذه الأحوال الأربعة يجب منعها، وهذه أمثلة، والقاعدة أن (كل ما كان سبباً للفتنة فإن الواجب منعه، وكلما كان وسيلة لمحرم فإن الواجب منعه) . الجزء: 75 ¦ الصفحة: 30 حكم أخذ الأجرة على الأذان لمن لا يؤذن السؤال فضيلة الشيخ! بعض المساجد مسجلة في الأوقاف ولا تؤدى الصلاة فيها، ولكن مؤذن المسجد ساكن في مكان آخر، ويقوم بتنظيف المسجد فقط ولا يؤذن فيه ووظيفته مؤذن، فما حكم الراتب الذي يستلمه مع علم الأوقاف بذلك؟ الجواب الواجب على المؤذن إذا كانت وظيفته الأذان أن يؤذن بنفسه، ولا يحل له أن يوكل غيره ويأخذ الراتب، إلا في بعض الأحيان لو غاب لنزهة يوماً من الشهر أو ما أشبه ذلك مما جرت العادة به فلا بأس، وأما أن يكون منزله بعيداً ويقول: أنا سأقيم من يؤذن وآخذ الراتب فهذا لا يجوز، حتى لو قدر أن مدير الأوقاف المباشر وافق على ذلك فإنه لا يجوز، لأنك لو رجعت إلى ديوان الخدمة أو ديوان الموظفين لرأيتهم يقولون: لا يجوز ولا نسمح بهذا. السائل: لكن لا يوجد جماعة في المسجد نفسه؟ الشيخ: كيف لا توجد جماعة؟ السائل: يعني لا توجد جماعة في المسجد لأنه قديم والبيوت حوله قديمة. الشيخ: لكن إذا كان قديماً لماذا لا يعمر على وجه يكون فيه جماعة، أو يلغى ويلغى التأذين وغيره؟ السائل: لكن هل راتبه جائز؟ الشيخ: لا، لا يجوز أبداً، لا يجوز أن يأخذ الراتب، بل الواجب أن يذهب إلى الجهة المسئولة ويعلن استقالته ويدع المسجد. السائل: لكن هل يكون عليه إثم في الماضي قبل العلم؟ الجواب: من الورع أن يردها إليهم، فإن لم يمكن ذلك صرفها في مصالح المساجد. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 31 عدم مشروعية السنة القبلية للجمعة والرد على من قال بها السؤال فضيلة الشيخ! أحد المشايخ استدل بحديث: (بين كل أذانين صلاة) على مشروعية سنة الجمعة القبلية، فهل هذا الاستدلال صحيح؟ وما توجيهكم في موضوع سنة الجمعة القبلية؟ جزاكم الله خيراً. الجواب لا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بين كل أذانين صلاة) أنه يدل على مشروعية الصلاة بين الأذان والإقامة في كل صلاة، ومعلوم أن الفجر فيه راتبة، والظهر فيه راتبة، والمغرب أيضاً جاء الحديث بالنص عليها: (صلوا قبل المغرب، وكررها ثلاثاً، وقال في الثالثة: لمن شاء) العشاء والعصر لم يرد فيهما شيء بخصوصهما ولكن يدخلان في العموم: (بين كل أذانين صلاة) ، أما الأذان الذي في الجمعة فهذا لا يصح الاستدلال به؛ لأن الأذان المعروف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام هو الأذان الذي يكون عند دخول الإمام، وبعد دخول الإمام ليس هناك صلاة؛ لأن الإمام سيقوم ويخطب ويستمع الناس له، ولم يكن الصحابة يصلون، أما الأذان الأول الذي يكون قبل الأذان الثاني بوقت، فلا حرج أن الإنسان يقوم ويتنفل إلى أن يقرب مجيء الإمام أو إلى أن يجيء الإمام على رأي من يرى أنه لا نهى عن الصلاة يوم الجمعة عند زوال الشمس. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 32 الرد على مقولة ابن الجوزي (كبقاء الرحمن) السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في قول ابن الجوزي في مقدمة كتابه تنبيه النائل الغمر لاستغلال مواسم العمر: وهذا العمر اليسير اشترى به الخلود الدائم في الجنان والبقاء الذي لا ينقطع كبقاء الرحمن؟ الجواب أما كون النعيم لا ينقطع فهذا واضح، فالقرآن مملوء بأن أهل الجنة خالدين فيها أبداً، وأما قوله: كبقاء الرحمن فلا أدري هل هذه الكلمة ثابتة في كلام ابن الجوزي وعلى كل حال ابن الجوزي رحمه الله ليس بذاك الذي يعتمد عليه في مسائل الصفات، لكن هذه الكلمة منكرة: كبقاء الرحمن؛ لأنه ينافي قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل قول الله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الآخر الذي ليس بعده شيء) وإذا قلنا: أن هذه تبقى كبقاء الرحمن، صار معناه مساو للرحمن في البقاء، وهذا لا يصح، فالمهم هذه الكلمة منكرة، وعلق على الكتاب الذي عندك بأن هذه الكلمة منكرة، تنافي قول الله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) . الجزء: 75 ¦ الصفحة: 33 حكم الزير الذي يضرب عليه وحكم اللعب بالبنادق والهجاء بالقصائد السؤال فضيلة الشيخ! في بعض القبائل عندها عادات مثلاً في وقت الأعياد، تأتي مجموعة منهم بقصيدة ثم ينزل مجموعة منهم حول الزير، يأتون بهذا الزير: وهو عبارة عن قدر من النحاس مغطى بجلد من جلد الإبل ويوقد تحت النار حتى يسخن ثم يضربون عليه، فيطلع مجموعة يحملون البنادق ويطوفون حوله ثم يرمون، ثم تأتي مجموعة ثانية وهكذا، فذهبنا للقبائل ونصحناهم فقالوا: نريد دليلاً من أحد العلماء مفصلاً؛ ونحن مستعدون معكم أن نمنع هذا الشيء؟ الجواب جزاهم الله خيراً، أما مسألة الزير فلا يجوز، الزير لا يجوز استعماله؛ لأنه من آلات اللهو التي لم يرد استثناؤها في السنة، وأما اللعب بالبنادق فلا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر الحبشة عندما كانوا يلعبون بحرابهم في المسجد، وقال: (ليعلموا أن في ديننا فسحة) ولكن يرخص في أيام الأعياد ما لا يرخص في غيرها، أيام الأعياد أيام سرور وأيام فرح فلا بأس أن يعمل الناس هكذا، ويظهروا القوة والنشاط ويلعبون بالبنادق والسيوف بشرط ألا يكون هناك خطر، فلا يجوز التعرض للخطر. السائل: القصائد ما حكمها؟ الشيخ: القصائد ليس فيها شيء، ماذا يقولون؟ السائل: يهجو بعضهم بضعاً. الشيخ: أما إذا كان يهجو بعضهم بعضاً فهذا لا يجوز؛ لأن هذا داخل في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق) ، وإن كان الغالب أن بعضهم يهجو بعضاً على سبيل المزح، لكن رب كلمة تكون مزحاً وتكون عند آخرين جداً، يمكن الشخص هذا يذم هذا الشخص مازحاً لكن تؤخذ هذه الكلمة ولو في الأجيال القادمة على أنها جد. السائل: يقفزون بالبنادق؟ الشيخ: ليس فيها مانع، يعني: لو كانوا يقفزون؛ لأن هذا يدل على القوة وعلى النشاط. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 34 معنى قول المصلي في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) السؤال فضيلة الشيخ! في دعاء الاستفتاح قول: (وتعالى جدك) ما معنى: (وتعالى جدك) ؟ الجواب الجد هنا بمعنى الغنى والعظمة، فالمعنى: أنك -يا رب- قد تعالت عظمتك وغناك عن خلقك فلا حاجة بك إلى أحد، وأنت الذي تتفضل بفضلك على كل أحد، وليس المراد بالجد: أبا الأب أو أبا الأم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 35 حكم إغلاق مكبر الصوت عند الإقامة السؤال فضيلة الشيخ! بعض المؤذنين يطفئون جهاز تكبير الصوت عند الإقامة والصلاة في الداخل والخارج؟ الشيخ: ولماذا يطفئه؟ مداخلة: يطفئه لا يشغله إلا في الأذان فقط. الشيخ: هذا لا بأس به هذا وقد يكون خيراً، يعني كون مكبر الصوت لا يستعمل إلا عند الأذان هذا هو الأحسن، لكن إذا استعمل في الإقامة فلا بأس، أما إذا استعمل في الصلاة فلا؛ لأن استعماله في الصلاة يؤدي إلى التشويش على من كان قريباً من المسجد. السائل: ولو كان الداخلي يا شيخ؟! الشيخ: حتى الداخلي ليس له داع، ما دام المسجد ليس كبيراً وليس فيه جماعات كثيرة ويسمعون الإمام سماعاً محققاً ما الفائدة؟ السائل: لكن بعضهم ما يسمع صوته. الشيخ: إذا كان المسجد واسعاً أو الجماعات كثيرة يحتاجون إلى إسماع الصوت فلا بأس. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 36 حكم استخدام بطائق (الفيزا كارد) البنكية عند التعامل السؤال فضيلة الشيخ! نسأل بالنسبة لبعض البنوك التي تصدر بطاقات مثل (الفيزا كارد) ولعل هذه فكرتها واضحة، يعني: ممكن المستهلك بدل ما يتعامل مع المحلات بالقيمة النقدية، فإنه يقدم هذه البطاقة ويسحب البضاعة المطلوبة ثم يستوفي هذا المبلغ عن طريق البنك المتعامل معه العميل؛ لأنه الشرط والعقد من البداية بين العميل وبين البنك على أنه إذا تأخر عن السداد إلى فترة معينة يترتب عليه فوائد؟ الجواب يعني: يأخذ بطاقة من البنك، وإذا اشترى حاجات عرضها على الذي اشترى منهم هذه الحاجات، وحولهم على البنك والبنك يسدد عنه، لكن إن أوفى البنك في مدة معينة فليس عليه إلا ما استقرض فقط، وإن تأخر لزم أن يكون عليه إضافة. أقول: إن هذا حرام؛ لأن مجرد التزام الإنسان بالربا محرم، سواء حصل الربا أو لم يحصل، وهذا الرجل يقول: إني جازم من نفسي أني سأوفي قبل الأجل، فنقول: نعم أنت جازم لكن هل أنت متأكد؟ قد يضيع المال من بين يديك، وقد يسرق، وقد تموت، ما أنت بجازم، والله يقول: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] ، ثم إن مجرد التزامك أنه إذا تمت المدة أن يضاف إليك زيادة فإن هذا الالتزام التزام بالربا، والالتزام بالربا حرام، لذلك نرى أن هذه حرام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعامل بها، ولكن إذا كان له رصيد في البنك وقبل البائع التحول إلى البنك فليفعل والأمر سهل، لأنه ليس فيه إلا أن يحمل دفتر شيكات ويكتب للبائعين عليه. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 37 الذبح للضيوف بنية دفع الملامة عن نفسه السؤال الذبح للضيوف تكريماً لهم، من الناس من إذا ذبح إنما يذبح بنية دفع الملامة أو الذم ونحو ذلك لا بقصد التقرب، وأحياناً قد يكون مجاملة، فهل يبقى هذا الذبح على الأصل، أم أنه يقال بحرمته نتيجة هذه النية؟ الجواب نتيجة هذا الذبح تبقى على الأصل؛ لأن من جملة ما يؤمر به الإنسان أن يدفع اللوم عن نفسه، لا تظن أنك إذا فعلت ما يدفع اللوم عن نفسك، أنك مخطئ بل هذا هو الصواب، ألم تعلموا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام وهو معتكف وجاءته صفية رضي الله عنها وقام يقلبها إلى بيتها ومر رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله!) أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدفع الشر عن أنفسهما لئلا يظنا بالرسول ما لا يليق به، وقد جاء في الحديث الذي لا يحضرني الآن صحته: (رحم الله امرأ كف الغيبة عن نفسه) فلا حرج على الإنسان أن يذبح للضيف لدفع الملامة عن نفسه، لكن ينبغي له أن يضيف إلى هذا التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإكرام الضيف لأن إكرام الضيف من الإيمان بالله، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) . الجزء: 75 ¦ الصفحة: 38 حكم تعليق الأبيات الشعرية التي تنهى عن التشاؤم السؤال فضيلة الشيخ! هناك بيتين من الشعر تقول: ومن تعرض للغربان يزجرها على سلامته لابد مشئوم وكل حصن وإن طالت سلامته على دعائمه لابد مهدوم فما رأي الشرع في البيتين؟ الجواب هذا صحيح، الإنسان الذي يتعرض للغربان يزجرها كما كانوا يفعلون في الجاهلية هو مشئوم، لأنه لا يجوز للإنسان أن يتعلق بمثل هذه الأمور، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) . والإنسان إذا عود نفسه التشاؤم بالطيور أو بالشهور أو بالأيام أو بالأشخاص تعب وصار قلبه متعلقاً بغير الله، يعني: مثلاً بعض العرب يتشاءمون بشهر صفر، يقول: هذا الشهر شهر شؤم، فهذا حرام هذا لا يجوز، فإن الأزمان واحدة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] فجاء أناس آخرون قالوا: نسمي شهر صفر شهر الخير، وهذا أيضاً خطأ؛ لأن صفر شهر من الشهور لا شهر خير ولا شهر شر وهو مثل غيره. كذلك أيضاً بعض العرب يتشاءمون بشوال في النكاح، يقولون: إذا عقد الإنسان نكاحه في شوال فإنه نكاح فاشل، وكانت عائشة رضي الله عنها تبطل هذا وتقول: (إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم تزوجها في شوال وبنى بها في شوال وأيتكن كانت أحضى عنده مني) هل صار النكاح فاشلاً أو لا؟ لا بل العكس. فالحاصل: أن يجعل الإنسان قلبه معلقاً بالله، وألا يتشاءم ولا يتطير، ولا يجعل نفسه مهينة كلما أصابه شيء قال: هذا سحر، هذا عين، كما هو الشأن الآن في كثير من الناس ذبحتهم الأوهام في الوقت الحاضر، كل شيء عين! لو يزكم أو يعطس ثلاث مرات لقال: هذه عين! لو تصيبه رعشة قال: هذا جني! ولو يكره إنسان لسباب جرى بينهما قال: هذا سحر!! هذا خطأ، فالواجب: أن الإنسان يكون عنده عزيمة وتوكل على الله، وأن يبتعد عن هذه الأمور، حتى يستريح ويريح نفسه. السائل: لكن -يا شيخ- هذان البيتان موجودان على لافتة كبيرة. الشيخ: إي نعم؛ لا تغير، هذا تحذير من التشاؤم بالطيور. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 75 ¦ الصفحة: 39 لقاء الباب المفتوح [76] لقد تحدث الله سبحانه وتعالى في آخر سورة الليل على الهداية التي تختص بالله عز وجل وهي هداية الإلهام والتوفيق، والأخرى التي يشاركه فيها البشر ألا وهي هداية الدلالة والإرشاد، ثم فوض الأمر كله إليه والملك جميعاً علويه وسفليه، وبعدها يحذر بني آدم وينذرهم بطشه وعقابه وناره التي أعدها للأشقياء وحرمها على الأتقياء الذين ينفقون في السراء والضراء. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر سورة الليل الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والسبعون من اللقاء المعروف بلقاء الباب المفتوح، والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الخامس عشر من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءاتنا جميعاً لقاءات خير وبركة إنه على كل شيء قدير. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن علينا للهدى) في هذا اللقاء نفتتحه بتفسير بقية سورة الليل، حيث قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:12-13] . فقوله عز وجل: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] فيه التزام من الله عز وجل أن يبين للخلق ما يهتدون به إليه، والمراد بالهدى هنا: هدى البيان والإرشاد، فإن الله تعالى التزم على نفسه بيان ذلك؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] إلى أن قال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] انتبهوا يا إخوان! لا يمكن للعقل البشري أن يستقل بمعرفة الهدى، ولذلك التزم الله عز وجل بأن يبين الهدى للإنسان: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] . وليعلم أن الهدى نوعان: 1- هدى توفيق فهذا لا يقدر عليه إلا الله. 2- هدى إرشاد ودلالة فهذا يكون من الله ويكون من الخلق؛ من الرسل والعلماء كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] . أما هداية التوفيق فهي إلى الله، لا أحد يستطيع أن يوفق شخصاً إلى الخير، كما قال الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] . إذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل:12] وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء، بين ما يلزم الناس في العقيدة، وما يلزمهم في العبادة، وما يلزمهم في الأخلاق، وما يلزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابه في هذا كله، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً) وقال رجل من المشركين لـ سلمان الفارسي: [علمكم نبيكم حتى الخراءة؟ قال: أجل، علمنا حتى الخراءة] . يعني: حتى آداب قضاء الحاجة علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته، ويؤيد هذا قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ} [المائدة:3] . الجزء: 76 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإن لنا للآخرة والأولى) قال تعالى: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] أي: لنا الآخرة والأولى، الأولى متقدمة على الآخرة في الزمن، لكنه في هذه الآية أخرها، فلماذا؟ نقول لفائدتين: الفائدة الأولى: معنوية، والفائدة الثانية لفظية. أما الفائدة المعنوية: فلأن الآخرة أهم من الدنيا، ولأن الآخرة يظهر فيها ملك الله تعالى تماماً، في الدنيا هناك رؤساء وملوك وأمراء يملكون ما أعطاهم الله عز وجل من الملك، لكن في الآخرة لا ملك لأحد: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] فلهذا قدم ذكر الآخرة من أجل هذه الفائدة المعنوية. أما الفائدة اللفظية: فيه مراعاة الفواصل أي: أواخر الآيات كلها ألف: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1-2] فلو قال: إن لنا للأولى والآخرة اختلفت رءوس الآيات، فمن ثم قال: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] . هنا يتبين أن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:12-13] فما الفرق؟ الفرق أن الهدى التزم الله تعالى ببيانه وإيضاحه للخلق، أما الملك فهو لله، ملك الآخرة والأولى، ولهذا قال: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى} [الليل:13] . الجزء: 76 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فأنذرتكم ناراً تلظى) ثم قال عز وجل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] (أنذرتكم) خوفتكم، والنار يعني بها نار الآخرة (تلظى) تشتعل، ولها أوصاف كثيرة في القرآن والسنة أجارني الله وإياكم منها. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لا يصلاها إلا الأشقى) قال تعالى: {لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى} [الليل:15] أي: لا يحترق بها إلا الأشقى، أي: الذي قدرت له الشقاوة والعياذ بالله، والشقاوة ضد السعادة، لقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:106] ، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود:108] فالمراد بالأشقى الذي لم تكتب له السعادة، هذا هو الذي يصلى النار التي تلظى، ثم بين هذا بقوله: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16] التكذيب في مقابل الخبر، والتولي في مقابل الأمر والنهي، فهذا كذب الخبر ولم يصدق، قيل له: إنك سوف تبعث، قال: لا أبعث، قيل: في جنة ونار، قال: ما في جنة ونار، قيل: سيكون كذا وكذا، قال: لا يكون، هذا تكذيب، (تولى) أي: أعرض عن طاعة الله وأعرض عما جاءت به رسله، فهذا هو الأشقى، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشقاوة. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وسيجنبها الأتقى) قال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:17] أي: يجنب هذه النار التي تلظى الأتقى؛ والأتقى: اسم تفضيل من التقوى، أي: الذي اتقى الله تعالى حق تقاته. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (الذي يؤتي ماله يتزكى) قال تعالى: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] أي: يعطي ماله من يستحقه على وجه يتزكى به، أي: يتطهر به، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة:103] فقوله: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] يفيد أنه لا يبذر، ولا يبخل، وإنما يؤتي المال على وجه يكون به التزكية، وضابط ذلك ما ذكره الله في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] ونجد بعض الناس يعطيه الله مالاً ولكن يبخل ويقتر، حتى الواجب عليه لزوجته وأولاده وأقاربه لا يقوم به، ونرى بعض الناس قد قدر الله عليه الرزق، وضيق عليه بعض الشيء، ومع ذلك يذهب يتدين من الناس من أجل أن يكمل بيته حتى يكون مثل بيت فلان وفلان، أو من أجل أن يشتري سيارة فخمة كسيارة فلان وفلان، وكلا المنهجين والطريقين منهج باطل، الأول: قصر، والثاني: أفرط، والواجب على الإنسان أن يكون إنفاقه بحسب حاله {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:18] . فإن قال قائل: هل يجوز أن يتدين الإنسان ليتصدق؟ الجواب لا؛ لأن الصدقة تطوع، والتزام الدين خطر عظيم؛ لأن الدين ليس بالأمر الهين، الإنسان إذا مات فإن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه، وكثير من الورثة لا يهتم بدين الميت، تجده يتأخر يماطل وربما لا يوفيه نسأل الله السلامة، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قدمت إليه جنازة سأل: هل عليه دين له وفاء؟ فإن قالوا: لا قال: صلوا على صاحبكم ولم يصل عليه، وأخبر صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، فالدين أمره عظيم، لا يجوز للإنسان أن يتهاون به. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) ثم قال: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل:19] أي: أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة سابقة من شخص، ليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة، ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله، ولهذا قال: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:20] فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله، أي: طلب الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (ولسوف يرضى) قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:21] أي: سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من الثواب الكثير، وقد بين الله ذلك في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] . نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء البررة الأطهار الكرام إنه على كل شيء قدير. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 76 ¦ الصفحة: 11 الانتقال من مكان إلى آخر في الصلاة لحاجة السؤال فضيلة الشيخ: إذا وقفت في صلاة الجماعة وكان الذي بجواري تنبعث منه رائحة الدخان فهل يمكنني أن أغير مكاني بعد تكبيرة الإحرام وأقف في مكان آخر إذا تضايقت من هذه الرائحة؟ الجواب إذا صف إلى جنب إنسان تنبعث من فيه رائحة كريهة من دخان أو بصل أو ثوم أو عرق أو غير ذلك، وكان يشق عليه أن يؤدي الصلاة على الوجه الأكمل فله أن يخرج من صلاته ويذهب إلى مكان آخر، ولكن بعد بيان هذا الحكم نقول لكل من فيه رائحة كريهة: إنه لا يحل له أن يأتي إلى المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك، نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً أو غيرها مما له رائحة كريهة أن يأتي إلى المسجد، بل قال: (لا يقربن مساجدنا) وأخبر أن ذلك يؤذي الملائكة، وكانوا إذا أتى أحد إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد أكل بصلاً أو ثوماً أخرجوه وطردوه إلى البقيع. وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يأتي الإنسان إلى المسجد وفيه رائحة تؤذي المصلين أو الملائكة، وأن لأهل المسجد الحق في أن يخرجوه من المسجد. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 12 حكم من قتل نصرانياً خطأً السؤال مسلم قتل مسيحي خطأ علماً بأن هذا الحادث في الكويت فما الحكم؟ الجواب أولاً بارك الله فيك التعبير بمسيحي هذا تعبير حادث، تلقب به النصارى ليضفوا على دينهم أنه دين حق، نسبة إلى المسيح بن مريم، والصواب أن يقال: النصارى كما جاء في القرآن الكريم وفي سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكذلك في كلام العلماء، فإنك إذا نظرت في كتب العلماء لم تجد إلا اليهود والنصارى، لا تجد المسيحيين، لكن هؤلاء أرادوا أن يضفوا على منهجهم وعلى ملتهم أنها ملة حق، فقالوا: المسيحيين، لذلك نحن نرى أن التعبير الصحيح أن يقال: النصارى كما سماهم الله عز وجل. أما بالنسبة لجواب السؤال الذي ذكرت: فإن المسلم إذا قتل اليهودي أو النصراني فإنه لا يقاد به، أي: لا يقتل المسلم بكافر حتى ولو كان عمداً، فإذا كان خطأً لزمه الكفارة ولزمه دية؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92] وأنت تعلم أن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 13 من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها السؤال فضيلة الشيخ: قمت متأخراً عن صلاة الصبح ولم يبق على ظهور الشمس إلا دقيقة أو أقل، فهل أصلي الفريضة لأنها فريضة أم أبدأ بالراتبة؟ الجواب تبدأ بالراتبة؛ وذلك أن الإنسان إذا قام من النوم فوقت الصلاة في حقه عند قيامه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فأنت تقوم وتتوضأ أو تغتسل إذا لزم ذلك ثم تصلي الراتبة، ثم الفريضة. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 14 مقدار زكاة النخيل والعنب السؤال فضيلة الشيخ: ما هو مقدار الزكاة في النخيل والعنب وكم يزكي في المائة؟ الجواب زكاة النخيل والعنب إذا كان يسقى بمؤنة، أي: بالمكائن مثلاً ففيه نصف العشر، أي: (5%) ، وإذا كان لا يسقى يشرب بعروقه أو يشرب من المطر فإن الواجب فيه العشر كاملاً، أي: (10%) . الجزء: 76 ¦ الصفحة: 15 إذا صلى الإمام بغير طهارة فليس على المأمومين إعادة السؤال فضيلة الشيخ: إمام صلى في جماعة، فلما فرغ من صلاته أعلمهم بأنه ليس على طهارة فهل على المأمومين إعادة؟ الجواب إذا صلى الإمام بغير طهارة فليس على المأموم إعادة، الإعادة عليه هو، فإن ذكر بعد الصلاة فلا إشكال في الموضوع، وإن ذكر في أثناء الصلاة وجب عليه أن ينصرف ولا يجوز أن يتم الصلاة وهو على غير وضوء، ثم في هذه الحال إما أن يوكل شخصاً من الذين وراءه يقول: يا فلان أكمل بهم الصلاة، وإما أن ينصرف ولا يوكل، ثم الجماعة بعده إن شاءوا أتموا صلاتهم فرادى، وإن شاءوا قدموا واحداً وصلى بهم جماعة. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 16 السنة عدم تسلسل صلاة الجماعة السؤال فضيلة الشيخ: إذا دخل شخصان المسجد، وتبين لهما أن هذه الركعة هي الأخيرة، فاتفقا على أن أحدهم يصلي بالآخر ولكن يدخلان مع الجماعة، فهل هذا الفعل جائز؟ الشيخ: يعني: دخل المسجد رجلان وكان الإمام في الركعة الأخيرة، فاتفقا على أنهما بعد السلام يتمان الصلاة جماعة هكذا السؤال؟ السائل: نعم وأحدهما يكون إماماً؟ الشيخ: نعم أحدهما يكون إماماً والثاني مأموماً. الجواب هذا جائز ولا بأس به، وحينئذ ينتقل المأموم الذي كان مأموماً في الصلاة الأولى إلى إمام، أي: إلى كونه إماماً، وينتقل المأموم الثاني من إمام إلى إمام آخر، لكن هذا ليس من السنة، السنة أن كل شخص يقضي صلاته بمفرده. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 17 حقوق المسلم على المسلم الأصل فيها الوجوب إلا ما دل الدليل على سنيتها السؤال فضيلة الشيخ: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست) ما معنى: (حق المسلم على المسلم ست) وهل هي واجبة أم سنة؟ الجواب الأصل إذا قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حق المسلم على المسلم كذا، الأصل أنه واجب، لأن الحقوق لا بد من القيام بها، وكلمة: (على) قال العلماء: إنها تفيد الوجوب، لكن إذا وجدت قرينة تدل على أنه ليس بواجب عمل بها، فمثلاً: من جملة الحقوق إذا لقيته فسلم عليه، وابتداء السلام سنة ليس بواجب إلا ما جاوز الثلاثة أيام فيجب، وذلك أنه يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فيما دون ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فإنه لا يحل له، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ومع ذلك نقول: إن هجره في هذه الأيام الثلاثة لا ينبغي إلا إذا كان هناك مصلحة، كما لو كان هذا المهجور على معصية، ويكون في هجره وترك السلام عليه ترك لهذه المعصية فحينئذ يكون الهجر طيباً. والخلاصة في الجواب أن نقول: إذا جاءت الصيغة بهذا اللفظ: (حق المسلم على المسلم) كذا فالأصل فيها الوجوب إلا إذا دل الدليل على أنه يستحب. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 18 أسباب سجن وتعذيب الإمام أحمد السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيك فيما يقال عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لم يسجن ولم يعذب من أجل أن يقول: بأن القرآن مخلوق فقط، وإنما للمكانة العظيمة التي كانت له عند العامة؟ الجواب أرى أن هذا خلاف الظاهر، والظاهر أنه إنما سجن لأنه لم يقل: بأن القرآن مخلوق، ولو قاله لم يسجن، لكنه رحمه الله لم يقل ذلك مع أنه هدد بالقتل؛ لأنه لو قال ذلك لانقلبت الأمة كلها تقول: بأن القرآن مخلوق، ولكنه صبر فصار صبره هذا من باب الجهاد في سبيل الله، ومثل هؤلاء الأئمة إذا صبروا على كلمة الحق فإنما يتقربون بذلك إلى الله، ويرجون ثواب الله تعالى فيما نالهم من الأذى. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 19 جواز قضاء السنن الرواتب إذا شغل عنها لعذر السؤال فضيلة الشيخ: تعلمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) من غير الفريضة، فقد يكون بعض طلبة العلم عندهم دروس بعد صلاة الظهر ولكن يؤذن وهم يتأخرون في الجامعة، ولا يدركون المسجد إلا وقت الفريضة، فهل يكتب ما كانوا يصلون قبل اثنتي عشرة ركعة أو نقول: هذه نافلة وطلب العلم فريضة بارك الله فيكم؟ الجواب الظاهر لي: أنهم إذا كانوا لا يتمكنون من صلاة الراتبة قبل الظهر فإن قضاءها بعد ذلك يغني عن أدائها، لأنهم تركوا أداءها لعذر وهو انشغالهم بالدروس، ولا يمكنهم أن يخرجوا أيضاً قبل انتهاء وقتهم، نعم وقت الحصة، فأرى أن هؤلاء معذورون، وأنهم إذا أتوا بالراتبة التي قبل الظهر بعد الظهر كفى، لكن أيهما يقدم الركعتان اللتان بعد الظهر أو الأربع المراد قضاؤها؟ الجواب: يقدم الركعتان اللتان بعد الصلاة ثم يأتي بالأربع. السائل: هل يجوز أن يقضيها بعد العصر؟ الشيخ: بعد العصر لا يجوز قضاؤها، لأنه يمكن أن يقضيها بعد المغرب مثلاً، فنقول: يقضيها بعد الظهر أفضل أولاً: أنه فيه مسارعة للخير وثانياً: أنه أسهل على الإنسان في الغالب، وثالثاً: أنه لو أخر لكان عرضة للنسيان. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 20 إذا اجتمعت منكرات في شخص فالإنكار يكون أولاً بالأشد إثماً السؤال فضيلة الشيخ: إذا رأيت رجلاً متلبساً بعدة منكرات، كأن يكون حليقاً، ويشرب الدخان، ومسبلاً لثيابه، فأي هذه المنكرات أولى وأحق بالإنكار؟ الجواب يمكن أن يجمع بين الجميع؟ السائل: لا يتوافق ذلك. الشيخ: لماذا؟ السائل: صعب لتقبل النفس. الشيخ: أيهما أعظم إثماً؟ الإسبال أعظمها؛ لأن الإسبال من كبائر الذنوب، ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ولا يكلمه وله عذاب أليم، فيكون البدء بنهيه عن إسبال الثوب أولى لأنه أعظم، ثم حلق اللحية، ثم الدخان، لأن هذه المنكرات أهونها الدخان. السائل: يا شيخ يدخن حال الإنكار، وجدته في الطريق يدخن هل أنكر عليه؟ الشيخ: الذي فهمت من كلامك أن رجلاً متصف بهذه الصفات، يعني: أنه حالق لحيته، ومسبل ثوبه، ويشرب الدخان. السائل: متلبس في هذه الحالة يشرب الدخان؟ الشيخ: هو يدخن الآن ولحيته موجودة أو غير موجودة؟ السائل: لا غير موجودة. الشيخ: طيب حليق وثوبه مسبل إذاً ابدأ بالثوب. السائل: وأتركه يدخن يا شيخ؟ الشيخ: لا ما تتركه نهائياً، أنت تقول: إن الجمع بين الثلاث صعب عليه، فنحن نقول: ابدأ بالأشد؛ لأن الدخان بارك الله فيك يريد أن يشرب هذه (السيجارة) وينتهي لكن الثوب لا يزال مستمراً فيه، ثم هو أعظم، جر الثوب خيلاء أعظم من شرب الدخان. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 21 بعض أسباب قسوة القلب السؤال فضيلة الشيخ: ما هي أسباب قسوة القلب؟ هل كثرة الطعام والنوم من أسباب قسوة القلب؟ الجواب قسوة القلب أسبابها كثيرة، منها: الإعراض عن ذكر الله، وكون الإنسان لا يذكر الله إلا قليلاً، تجده حتى في الصلاة المفروضة لا يذكر الله بقلبه، يقرأ، ويركع، ويسجد، ويسبح، ويدعو والقلب غافل، هذه من أسباب القسوة. من أسباب قسوة القلب أيضاً: كثرة المزاح واللعب والتلهي بالأصدقاء والأهل، ولهذا قال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: (إننا إذا كنا عندك فإننا نخشع حتى كأننا نشاهد الجنة والنار، وإذا ذهبنا فعافسنا الأهل والأولاد نسينا، قال: ساعة وساعة) . ومن أسباب قسوة القلب أيضاً: الانكباب على الدنيا وتفضيلها على الآخرة، وألا يكون هم الإنسان إلا جمع المال، ولها أسباب كثيرة. فلهذا ينبغي للإنسان إذا رأى من قلبه قسوة أن يبادر بالعلاج، قبل أن يتحجر ويعجز عن علاجه. السائل: الطعام؟ الشيخ: قد يكون هذا من أسباب قسوة القلب؛ لأن الإنسان لا يكون له هم إلا بطنه وقد لا يكون، أحياناً يشبع الإنسان ولا يجد من نفسه قسوة قلب. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 22 حكم الصور والاحتفاظ بها للذكرى السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الصور والاحتفاظ بها للذكرى؟ الجواب التصوير للذكرى نرى أنه حرام، وكذلك اقتناء الصور للذكرى حرام، وأما التصوير لحاجة فلا بأس به، وكذلك الاحتفاظ به للحاجة لا بأس به. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 23 الضابط المعتبر في حق النساء العجائز لكشف وجوههن السؤال فضيلة الشيخ: ذكر الله تعالى في كتابه العزيز {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور:60] ونرى أن النساء يخرجن، لكن ما هو الضابط للقواعد من النساء؟ الجواب ذكر الله تعالى في كتابه العزيز القواعد من النساء، وبين ذلك في قوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:60] أي: لا ترجو أن أحداً يتقدم إليها ليتزوجها لماذا؟ لأنها كبيرة في السن، متغيرة الملامح، لا يريدها أحد، هذه هي القواعد من النساء، فمثل هذه لا حرج عليها أن تخرج ووجهها وكفيها وقدميها، لأنها لا تتعلق بها النفوس ولا يحصل بها الفتنة. السائل: يعني القواعد بعضهن لديها زوج وهي معه ولكنها تخرج كاشفة وجهها وخارجة كفيها أيضاً؟ الشيخ: الكلام هل إنها ترجو النكاح لو لم يكن معها زوج؟ السائل: هذا لا نعلمه يا شيخ. الشيخ: تذكر هذه القاعدة الذين لا يرجون نكاحاً {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:60] . الجزء: 76 ¦ الصفحة: 24 الاختلاف في العملة يشترط فيه التقابض دون التماثل السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم استبدال تسعة ريالات أو عشرة ريالات بتسعة نقود معدنية، هل يدخل في باب الربا؟ الجواب استبدال عشرة ريالات بتسعة ريالات من الحديد لا بأس به، لكن بشرط التقابض قبل التفرق، لأن هذا داخل في عموم الحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يداً بيد) ولأن تقدير هذه الورقة بعشرة ريالات إنما هو من قبل الحكومة ليس تقديراً ذاتياً، هذه الورقة لو لم تقدر من قبل الحكومة بهذه الدراهم ما ساوت شيئاً، فعلى كل حال الجواب: أن هذا جائز بشرط التقابض قبل التفرق وليس فيه ربا. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 25 الفرق بين الإسلام والإيمان السؤال فضيلة الشيخ: توجد قاعدة عند العلماء: أن كل مؤمن مصلح وليس العكس، هل هذه القاعدة على إطلاقها؟ الجواب بارك الله فيك، الإسلام والإيمان تارة يراد بالإسلام كل الدين فيدخل فيه الإيمان، مثل قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فهذا يشمل الإسلام الذي هو الشرائع الظاهرة والإيمان الذي هو أعمال القلوب وأقوال القلوب، وكذلك إذا أطلق الإيمان مثل قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:223] يشمل حتى المسلمين، أما إذا قيل: مؤمن ومسلم، فالإيمان في القلب، والإسلام في الجوارح، والإيمان أكمل من الإسلام، والدليل على ذلك قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ويدل عليه أيضاً قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] لأن الله أنجى لوطاً وأهله إلا امرأته، وكانت امرأته معه في البيت مسلمة ظاهرها أنها مؤمنة بالله ورسوله لكنها تبطن الكفر، فسمى الله البيت بيت إسلام، سمى الله أهله مسلمين كلهم، ولكنه لم ينج منه إلا المؤمن، لأن امرأة لوط كما ذكر الله في القرآن قد خانته فكفرت كفراً لم يعلم به، فصارت بذلك من المنافقين. وعلى هذا فنقول: كل مؤمن مسلم دون عكس، وليس كل مسلم مؤمن؛ لأن الله قال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] . السائل: قد يكون المسلم ليس عنده إيمان؟ الشيخ: لا لكن إيمانه ضعيف، المؤمن إيمانه كامل، فصار الآن لو سألنا: هل كل مؤمن مسلم؟ نقول: إذا أطلق الإيمان دخل فيه الإسلام، وإذا اطلق الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا أطلقا جميعاً فهذا الفرق. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 26 حكم تحية المسجد لمن خرج منه بنية الرجوع السؤال فضيلة الشيخ: نرى بعض الإخوة يصلون معك المغرب وبعد الصلاة يحصل توزيع الأوراق خارج المسجد فإذا خرجوا يعودون إلى المسجد فهل في هذه الحالة يصلون تحية المسجد أم لا يصلون؟ الجواب لا يصلون تحية المسجد هؤلاء الذين يخرجون من المسجد لأخذ الأوراق التي هي قريبة من المسجد ثم يرجعون ليس عليهم تحية مسجد، كما لو خرج إنسان يتوضأ من حمام المسجد وهو قريب، ثم رجع، فإنه لا يحتاج إلى تحية المسجد. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 27 وجه قياس التصوير الفوتوغرافي على الصورة في المرآة السؤال فضيلة الشيخ: ما قولكم فيمن يقول: التصوير بالكاميرا ليس فيه مضاهاة لخلق الله وإنما هو كالنظر في المرآة؟ الجواب نقول في هذا: إنه قول له وجه، وذلك لأن المصور لا يخطط بيده لا العين ولا الأنف ولا الفم ولا غير ذلك، فهو كالمرآة، لكن الفرق أن المرآة لا تنطبع، وهذا ينطبع، لكن هذا الذي انطبع نعتبره صورة، واقتناء الصور لغير حاجة وضرورة محرم. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 28 كيفية رفع اليدين والجلوس والتورك للمأموم المسبوق السؤال فضيلة الشيخ: قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فما فاتكم فأتموا) كيف يكون وضع المأموم من ناحية رفع اليدين والجلوس، والتورك أقصد المسبوق؟ الجواب المسبوق يتورك في التشهد الأخير، وأما رفع اليدين فسوف يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام في التشهد الأول، أما عند تكبيرة الإحرام فقد مضت وانتهت قد كبر من قبل. السائل: لكن إذا لم يدرك الركعة الأولى؟ الشيخ: هو أدرك الركعة الأولى؟ السائل: لا، مسبوق بالركعة الأولى والركعة الثانية. الشيخ: سبق بالركعة الأولى ثم لما سلم الإمام قام يقرأ، يرفع يديه عند القيام؛ لأنه قام من التشهد، وباقي الصلاة يبني على أن ما أدركه مع الإمام فهو الأول، وما يقضيه فهو الأخير، وهذا القول الذي قلت لك هو الصحيح، يقول بعض العلماء: لا يقضيه فهو أول صلاته، ولكن القول الراجح أنه آخر الصلاة. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 29 أهم الأسباب الطاردة للوسواس أثناء الصلاة السؤال ما هي الأسباب المساعدة على طرد الوسواس أثناء الصلاة؟ الجواب من أكبر الأسباب وأنفعها ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (يتفل عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإذا فعل ذلك أذهب الله عنه ما يجد) لكن إذا كان الإنسان يصلي مع الجماعة فالتفل عن يساره أو يمينه متعذر وأمامه أيضاً متعذر؛ لأنه لا يجوز للمصلي أن يبصق أمام وجهه، ولكن نقول في هذه الحال: يلتفت ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يبصق. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 30 بطلان قاعدة من يرتكب المعاصي ويقول: الدين يسر س السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لكثير من عامة الناس يعملون أخطاء، فإذا قيل لهم: لماذا هذا؟ قالوا: إن الدين يسر، ما معنى يسر؟ أهم شيء ألا تشرك بالله شيئاً والباقي سهل؟ الجواب هذا القول خطأ، أي: كون الإنسان يقول: أنا سأفعل كل شيء ما دمت موحداً، والدين يسر، نقول: إذا لم تقم بالدين أين الدين الذي عندك حتى تقول: الدين يسر، ومعنى الدين يسر: أن ما جعله الله ديناً للعباد ليس فيه مشقة، الصلاة ما فيها مشقة، الوضوء ما فيه مشقة، الغسل ما فيه مشقة، وإذا قدر أن هناك مشقة ينتقل الإنسان إلى مرتبة أخرى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا الذي نقول: الدين يسر، أما أن يترك بعض الواجبات وينتهك بعض المحرمات ويقول: الدين يسر فهذا خطأ؛ لأننا نقول: ما فعلته ليس بدين أصلاً. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 31 حكم تعليق الإيمان أو الوعد بالمشيئة السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في قول القائل: أنا صائم إن شاء الله، أو أنا مؤمن إن شاء الله، وقوله كذلك: سوف آتيك غداً إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؟ الجواب أما من قال: أنا صائم إن شاء الله، أو أنا مؤمن إن شاء الله، فإذا كان قصد بذلك التبرك بذكر المشيئة فلا بأس، ولا ينقص من إيمانه شيء، ولا من صيامه شيء، وكذلك إذا قصد بقوله: إن شاء الله التعليل يعني: أني صائم بمشيئة الله، أو أني مؤمن بمشيئة الله، فلا بأس أيضاً؛ لأن التعليل بالمشيئة ثابت حتى في الأمور المتيقنة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح:27] مع أن هذا خبر مؤكد من الله، ومع هذا علق بالمشيئة، ألا ترى إلى قول من يزور المقابر: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ومعلوم أن الإنسان سوف يلحق بكل تأكيد، لكن هذا من باب التعليل بالمشيئة. فإذا قصد التبرك فهذا جائز، أو التعليل بالمشيئة فهذا أيضاً جائز، أما إذا قال: إن شاء الله متردداً في ذلك فإنه ليس بمؤمن؛ لأن الإيمان لا بد فيه من الجزم، فلو قال: أنا مؤمن إن شاء الله متردداً في ذلك فهو لم يؤمن ويعتبر كافراً؛ لأن الواجب الجزم بالإيمان، وكذلك أيضاً يقال في الصيام: إذا كان متردداً فإن صومه لا يصح، أما إذا ذكر ذلك على سبيل التبرك أو على سبيل التعليل بالمشيئة فهذا لا بأس به. السائل: قوله: سوف آتيك غداً إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؟ الشيخ: هذا أيضاً لا ينبغي، بل لو شئت لقلت: إن هذا داخل في النهي {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] وهو إذا قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً لم يستفد من قوله: إن شاء الله شيئاً، ما دام أنه جزم، وهذا من آداب الله عز وجل التي أدب بها العباد ألا يجزم الإنسان على شيء في المستقبل، لا يقل: سآتي غداً حتماً سيكون؛ لأن الأمر بيد الله، أما من أخبر عما في ضميره أنه عازم على الإتيان غداً فهنا لا يحتاج إلى ذكر المشيئة؛ لأنه يخبر عن أمر واقع، والإخبار عن أمر واقع لا يحتاج إلى القرن بالمشيئة، فإذا قال الإنسان: أتزورني غداً؟ قلت: نعم، تريد أن تخبر عما في نفسك من أنك عازم على الزيارة هذا لا بأس به؛ لأن العزم قد حصل، أما إذا قلت: نعم يعني: تريد أن يتحقق هذا بالفعل فلا {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24] . السائل: وقول شيخ الإسلام؟ الشيخ: شيخ الإسلام قصده تشجيع الجند على الإقدام. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 32 الأشخاص الذين لهم ولاية نكاح المرأة بعد وفاة والدها السؤال فضيلة الشيخ: ولاية نكاح المرأة بعد وفاة والدها إلى من تنتقل؟ الجواب أولى الناس بالتزويج الأب ثم الجد من قبل الأب وإن علا، إن كان لها جد من قبل أبيها فهو أولى، فإن لم يكن لها أب ولا جد من أبيها انتقلت الولاية إلى أبنائها إن كان لها أبناء، وإلا فإلى إخوتها الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم أبناء الإخوة الأشقاء، ثم أبناء الإخوة لأب، ثم للأعمام الأشقاء، ثم الأعمام لأب، ثم أبناء الأعمام الأشقاء، ثم أبناء الأعمام لأب، فإذا لم يوجد لها عصبة أو كان عصبتها في مكان بعيد لا يمكن الاتصال بهم، أو كان عصبتها قد امتنعوا من تزويجها بمن هو كفء، زوجها قاضي المحكمة. السائل: وأي الإخوة الأشقاء يتولى ذلك؟ الشيخ: كلهم له ولاية، لكن من الأدب أن يجعلوا الذي يتولى ذلك الأكبر منهم. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 33 حكم قراءة الفاتحة قبل الإمام في الصلاة الجهرية السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة الفاتحة قبل الإمام في الصلاة الجهرية؟ الجواب لا بأس بهذا، أي: لا بأس أن يقرأ الفاتحة قبل أن يقرأها الإمام، وهذا يحصل كثيراً فيما إذا أطال الإمام الاستفتاح، فإنه يحصل أن بعض المأمومين يقرؤها قبله، ولكن الأفضل أن تقرأها بعد انتهاء الإمام من قراءتها، حتى تستمع إلى قراءة الفاتحة مع إمامك، ثم بعد ذلك تقرأ الفاتحة ولو كان يقرأ. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 34 حكم الصلاة في مصلى البنوك الربوية السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة في البنوك الربوية حيث أن بعضها فيها مصليات؟ الشيخ: طيب البنوك هذه بعضها مستأجر أم لا؟ السائل: نعم. الجواب وبعضه ملك، وأياً كان سواء كان ملكاً أو مستأجراً فليست مغصوبة حتى يقال: لا تصح الصلاة فيها، غاية ما هنالك أنها أماكن يعصى الله فيها بالربا فلا تنقلب هذه الأماكن الخبيثة من أجل ما يفعل فيها من المعصية، فالصلاة فيها صحيحة، لكن التوظيف في البنوك هذا هو المحرم؛ لأنه إذا توظف الإنسان فسوف يباشر كتابة الربا أخذاً وإعطاءً، فإن لم يباشر فإن توظفه في هذه البنوك رضاً بها بلا شك، إذ لو لم يكن راضياً ما توظف عندهم، فلهذا ننصح إخواننا بأن لا يتوظفوا في البنوك، لا على وجه الكتابة ولا على وجه الإحصاء، المهم أن الوظيفة في البنك حرام. قد يقول إنسان: أنا لم أجد إلا هذه الوظيفة، نقول: ثق بوعد الله، فإن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3] ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] . الجزء: 76 ¦ الصفحة: 35 حرمة استقدام العمال الكفار إلى بلاد المسلمين السؤال فضيلة الشيخ: رجل يعطي والده من راتبه، وكان هذا الأب عنده مزرعة وعنده عامل كافر؟ الشيخ: من الذي عنده مزرعة؟ السائل: والد الولد هذا، وعنده عامل كافر هندوسي حاول ينصحه أن يخرجه ويأتي بمسلم فرفض الأب، فهل له أن يقطع هذا الراتب الذي يعطيه أباه، أم ماذا يفعل يا شيخ؟ الشيخ: يأكل منه ما في مانع، إذا عصى أبوه مثلاً. السائل: الولد يعطيه من راتبه بارك الله فيك. الشيخ: ماذا؟ السائل: الولد موظف ويعطي أباه من راتبه، الأب عنده مزرعة فيها عامل هندوسي كافر يقول: يا أبي اخرج هذا العامل وإلا فسوف أقطع المرتب الذي أعطيك، فالأب يقول: لن أخرج هذا وأنت اعمل ما تريد. الشيخ: والأب محتاج لما يعطيه ابنه أم لا؟ السائل: والله هو له مصادر غيرها ولكن يحتاج، لو الولد قطع هذا المرتب يغضب عليه. الجواب أنا أرى أن ينفق على أبيه ما دام أبوه محتاجاً له. السائل: لكن الأب يعطي الهندوسي من نفس هذا الراتب؟ الشيخ: لا مانع ولا بأس في هذا، ولكن ننصح الأب وغيره ممن عندهم عمالاً غير مسلمين بأن يدعو غير المسلمين ويستجلبوا عمالاً مسلمين. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 36 وجوب زكاة العقار إذا عرض للبيع لأجل التكسب السؤال فضيلة الشيخ: رجل عنده استراحة ويستخدمها استخداماً عائلياً، وفي نفس الوقت يعرضها للبيع فهل عليه فيها زكاة؟ الجواب لا ما عليها زكاة ما دام أنه عرضها للبيع ليس على سبيل التكسب ولكن طابت نفسه منها. السائل: لا يا شيخ هو ينتظر المكسب وقت ما يأتيه يبيعها، وفي نفس الوقت يستخدمها له ولأهله. الشيخ: لا إذا كان قصده المكسب فلا بد من زكاتها وإن كان يستخدمها، أما إذا كان يستخدمها وطابت نفسه منها وأراد أن يبيعها فلا حرج عليه وليس عليه زكاة. الجزء: 76 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [77] في هذا اللقاء تفسير سورة الضحى ، تحدث الشيخ من خلالها أن الله أقسم بشيئين متبادلين وهما: الضحى والليل، وأن الله سبحانه وتعالى ما ترك نبيه وما أبغضه بل رعاه وحفظه وحماه، وأرشده إلى أن الآخرة خير له من الدنيا، بالإضافة إلى ما أعطاه ليرضى، فأعطاه المقام المحمود، وفضلاً عما سبق أن الله يذكر نعمه اللاحقة على نبيه أنه وجده يتيماً فآواه، وضالاً -أي: غير عالم- فهداه، وعلمه وعلَّم به، وفقيراً فأغناه وأغنى به، ويستنتج من ذلك أن الله يرشده إلى أن يكرم اليتيم ولا يقهره، ويعلم السائل عن الشريعة ولا ينهره، كذلك المتسول، ثم أرشده الله بعد ذكر نعمه عليه أن يتحدث بنعمة الله عليه. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الضحى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا اليوم هو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) ، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات، وأن يجعلها علماً نافعاً نهتدي به إلى الله سبحانه وتعالى. في لقائنا هذا اليوم نتكلم على ما تيسر من سورة الضحى، فقد قال الله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1-3] وإنما نتكلم على ذلك لأن ما سبق من سورة النبأ إلى سورة الليل قد تكلمنا عليه ولله الحمد. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى) يقول الله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1-2] (الضحى) هو أول النهار، وفيه النور والضياء، (والليل إذا سجى) هو الليل إذا غطى الأرض، وسدل عليها ظلامه، فأقسم الله تعالى بشيئين متباينين: الأول: الضحى وفيه الضياء والنور. والثاني: الليل إذا سجى وفيه الظلمة، (والليل إذا سجى) أي: غطى الأرض بظلامه. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى) قال تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى:3] أي: ما تركك {وَمَا قَلَى} [الضحى:3] أي: ما أبغضك، بل الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] فعين الله تعالى تكلأه وترعاه وتحميه وتحفظه، وقال له الله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218-219] فما تركه الله عز وجل بل أحاطه بعلمه ورحمته وعنايته وغير ذلك مما يقتضي رفعته في الدنيا والآخرة، كما قال في السورة التي تليها: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] . (وما قلى) أي: وما أبغض، بل أحب الخلق إليه فيما نعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا اختاره الله لأعظم الرسالات وأفضل الأمم وجعله خاتم النبيين فلا نبي بعده. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وللآخرة خيرٌ لك من الأولى) قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى} [الضحى:4] هذه الجملة مؤكدة بلام الابتداء، (والآخرة) هي اليوم الذي يبعث فيه الناس ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار، فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وللآخرة خير لك من الأولى) أي: من الدنيا، وذلك لأن الآخرة فيها: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) و (موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا لما خير الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر: (إن عبداً من عباد الله خيَّره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده) فبكى أبو بكر رضي الله عنه، وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا؟!! ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه اختار ما عند الله وهي الآخرة، وأن هذا إيذان بقرب أجله. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] (ولسوف) : اللام هذه أيضاً للتوكيد، وهي موطأة للقسم، و (سوف) تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن، (يعطيك ربك) أي: يعطيك ما يرضيك فترضى، ولقد أعطاه الله تعالى ما يرضيه وفوق ما يرضيه، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمده فيه الأولون والآخرون، حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه، فإذا كان يوم القيامة، وعظم الكرب والغم على الخلق، وضاقت عليهم الأمور، طلب بعضهم من بعض أن يلتمسوا من يشفع لهم عند الله عز وجل، فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فهم خمسة، أولهم: آدم أبو البشر وأربعة من أولي العزم كلهم يعتذرون عن الشفاعة للخلق حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقوم ويشفع، ولا شك أن هذا عطاء عظيم لم ينله أحد من الخلق. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ألم يجدك يتيماً فآوى) ثم بين الله سبحانه وتعالى نعمه السابقة عليه حتى يستدل بها على النعم اللاحقة، فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] والاستفهام هنا للتقرير، أي: قد وجدك الله تعالى يتيماً فآواك يتيماً من الأب ويتيماً من الأم، فإن أباه توفي قبل أن يولد، وأمه توفيت قبل أن تتم إرضاعه، ولكن الله تعالى تكفل به ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه حتى وصل إلى الغاية التي أرادها الله عز وجل. وقوله: (يتيماً فآوى) ولم يقل: (فآواك) لسببين: الأول: سبب لفظي. الثاني: سبب معنوي. أما السبب اللفظي: فلأجل أن تتوافق رءوس الآيات من أول السورة. وأما السبب المعنوي: فإنه لو قال: (فآواك) اختص الإيواء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم،والأمر أوسع من ذلك، فإن الله تعالى آواه وآوى به، آوى به المؤمنين فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ووجدك ضالاً فهدى) قال تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] (وجدك ضالاً) أي: غير عالم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم شيئاً قبل أن ينزل عليه الوحي، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113] وقال: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت:48] فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم شيئاً، بل هو من الأميين {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] لا يقرأ ولا يكتب، لكن وصل إلى هذه الغاية العظيمة بالوحي الذي أنزله الله عليه، فعلم وعلم. وهنا قال: (ضالاً فهدى) ولم يقل: فهداك؛ ليكون هذا أشمل وأوسع، فهو قد هدي عليه الصلاة والسلام وهدى الله به، فهو هادٍ مهدي عليه الصلاة والسلام. إذاً (فهدى) أي: فهداك وهدى بك. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ووجدك عائلاً فأغنى) قال تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: وجدك فقيراً لا تملك شيئاً (فأغنى) أي: أغناك وأغنى بك، قال الله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح:20] وما أكثر ما غنم المسلمون من الكفار تحت ظلال السيوف، غنائم عظيمة كثيرة؛ كلها بسبب هذا الرسول الكريم حين اهتدوا بهديه واتبعوا سنته فنصرهم الله تعالى به وغنموا من مشارق الأرض ومغاربها، ولو أن الأمة الإسلامية عادت إلى ما كان عليه السلف الصالح لعاد النصر إليهم والغنى والعزة والقوة، ولكن مع الأسف فإن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، كل منها ينظر إلى حظوظ نفسه بقطع النظر عما يكون به نصرة الإسلام أو خذلان الإسلام. ولا يخفى على من تأمل الوقائع التي حدثت أخيراً أنها في الحقيقة إذلالٌ للمسلمين، وأنها سبب لشر عظيم كبير يترقب من وراء ما حدث، ولا سيما من اليهود والنصارى الذين بعضهم أولياء بعض، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] وهم -أعني: اليهود والنصارى- متفقون على عداوة المسلمين، كل منهم لا يريد الإسلام ولا يريد أهل الإسلام ولا يريد عزة الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يقينا شر ما حدث في الآونة الأخيرة من الأمور التي يندى لها الجبين، ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال، فالله تعالى ناصرٌ دينه وكتابه، وإن حصل على المسلمين ما حصل، فإن الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فربما يأتي اليوم الذي يجاهد فيه المسلمون اليهود حتى يختبأ اليهودي تحت الشجر فينادي الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، وما ذلك على الله بعزيز، ولكن المسلمين يحتاجون إلى قيادة حكيمة عليمة قبل كل شيء بأحكام الشريعة؛ لأن القيادة بغير الاستنارة بنور الشريعة عاقبتها الوبال مهما علت ولو علت إلى أعلى قمة فإنها سوف تنزل إلى أسفل قعر. الهداية بالإسلام وبنور الإسلام، لا بالقومية ولا بالعصبية ولا بالوطنية، ولا بغير ذلك، بل بالإسلام فقط، والإسلام وحده هو الكفيل بعزة الأمة لكنها تحتاج إلى قيادة حكيمة، تضع الأشياء في مواضعها وتتأنى في الأمور ولا تستعجل، ولا يمكن أن يصلح الناس بين عشية وضحاها، من أراد ذلك فإنه قد أراد أن يغير الله سننه والله سبحانه وتعالى لا يغير السنن، فهذا نبي الله عليه الصلاة والسلام بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله ينزل عليه الوحي يدعو بالتي هي أحسن، ومع ذلك في النهاية خرج من مكة خائفاً مختفياً، لم تتم الدعوة في مكة، فلماذا نريد أن نغير الأمة التي مضى عليها قرون وهي في غفلة ونوم أن نغيرها بين عشية وضحاها؟! هذا سفه في العقل وضلال في الدين. الأمة الآن تحتاج إلى علاج رفيق هادئ يدعو بالتي هي أحسن. الأمة الإسلامية تحتاج بعد الفقه في دين الله والحكمة في الدعوة إلى الله إلى علم بالواقع وفطنة وخبرة، ونظر في الأمور التي تحتاج إلى نظر بعيد، لأن النتائج قد لا تتبين في شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، لكن العاقل يصبر وينظر ويتأمل حتى يعرف الأمور. تحتاج أيضاً إلى عزم وتصميم وصبر، لأنه لا بد منها، ولا بد من عزم يندفع به الإنسان، ولا بد من صبر يثبت به الإنسان، وإلا لفاتت الأمور أو فات كثير منها. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر) قال عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى:9] هذا في مقابلة {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} [الضحى:6] ، فإذا كان الله آواك في يتمك فلا تقهر اليتيم بل أكرمه، والإحسان إلى اليتامى وإكرامهم من أوامر الشريعة، ومن حسنات الشريعة؛ لأن اليتيم -وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ- منكسر الخاطر، بل يحتاج إلى جبر، ويحتاج إلى من يسليه ويدخل عليه السرور، لا سيما إذا كان قد بلغ سناً يعرف به الأمور كالسابعة والعاشرة وما أشبه ذلك. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10] هذا في مقابل قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى:7] إذاً السائل فلا تنهر، وأول ما يدخل في السائل هو: السائل عن الشريعة وعن العلم فلا تنهره؛ لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة، فإنه واجب عليك أن تبينها له، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] لا تنهره، إن نهرته نفرته، ثم إن نهرته وهو يعتقد أنك فوقه يعني أنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه، إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه فأصابه الرعب، واختلفت حواسه، وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب، وقس نفسك أنت، لو كلمت رجلاً أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك، ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك، لهذا لا تنهر السائل، وربما يدخل في ذلك أيضاً سائل المال، أي: إذا جاءك سائل يسألك مالاً فلا تنهره، لكن هذا العموم يدخله التخصيص، إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت وأخذ رأيك ورأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، إذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان، اتق الله ألم تسأل فلاناً؟ كيف تسألني بعدما سألته؟ أتلعب بدين الله، أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكت وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل، هذا لا بأس؛ لأن هذا النهر تأديباً له، وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره، ولك الحق أيضاً أن توبخه على سؤاله وهو غني. إذاً هذا العموم: (السائل فلا تنهر) مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] نعمة الله على الرسول التي ذكرت في هذه الآيات الثلاث {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] وبهذه الثلاث تتم النعم، حدث بنعمة الله قل: كنت يتيماً فآوني الله، وكنت ضالاً فهداني الله، وكنت عائلاً فأغناني الله، لكن تحدث بها إظهاراً للنعمة وشكراً للمنعم، لا افتخاراً بها على الخلق؛ لأنك إذا فعلت ذلك افتخاراً على الخلق كان هذا مذموماً، أما إذا قلت أو إذا ذكرت نعمة الله عليك تحدثاً بالنعم وشكراً للمنعم فهذا مما أمر الله به. هذه كلمات يسيرة على هذه السورة العظيمة، وما نقوله نحن أو غيرنا من أهل العلم فإنه لا يستوعب ما دل عليه القرآن من المعاني العظيمة. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الفهم في دين الله، والعمل بما علمنا، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجزء: 77 ¦ الصفحة: 13 أفضل الأساليب والطرق لطلب العلم السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الأساليب والطرق لطلب العلم، وما رأيكم فيمن يحفظ ولا يفهم، أو يفهم ولا يحفظ؟ الجواب الأساليب لطلب العلم أن يبدأ الإنسان بصغار العلم قبل كباره، ليصعد إلى السطح من أسفل الدرج، فيبدأ مثلاً بالكتب المختصرة ولا بد من شيخ يقرأ عليه ويبين له؛ لأن القراءة على الشيخ يستفيد منها الإنسان فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: أنها أقل زللاً ممن يتلقى العلم من الكتب، لأن العالم عنده سعة علم يعرف العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، الذي لا يعرفه طالب العلم الذي يأخذ الكتاب ويقرأ فقط، فعنده من العلم ما ليس عند طالب العلم الذي يقرأ في الكتب. الفائدة الثانية: أنها أقرب إلى تحصيل العلم، لأنك إذا أخذت العلم من الكتب لا بد أن تراجع مراجعة كثيرة، وربما تبقى على مسألة واحدة عدة أيام إذا كنت تريد أن تحررها، لكن إذا كنت تأخذ العلم عن عالم أعطاك الزبدة، قال لك: قيل كذا وقيل كذا والراجح هذا، يبين وجه الرجحان ويدفع حجة الآخر، فتلقي العلم من العلماء لا شك أنه أولى وأحسن لهذين السببين، والعالم إذا وفق الإنسان له أرشده إلى ما ينبغي أن يبدأ به من وسائل العلم. أما الذي يحفظ ولا يفهم والثاني يفهم ولا يحفظ فمن يحفظ ولا يفهم يسأل الله تعالى أن يرزقه فهماً، ومن يفهم ولا يحفظ يسأل الله أن يرزقه حفظاً، والذي أعطاه هذا يعطيه هذا إن شاء الله. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 14 حكم تارك الصلاة وما يترتب عليه السؤال فضيلة الشيخ! يوجد رجل لا يصلي ويستعمل مخدرات وليس له عمل ومتزوج، وزوجته تقول: يهديه الله كما هدى غيره، ما هو واجب والده نحوه وزوجته؟ الجواب الذي لا يصلي سواء يستعمل المخدرات أو لا. كافر مثل اليهود والنصارى أو أشد؛ لأن اليهود والنصارى يمكن إقرارهم على دينهم بالجزية مثلاً، لكن الذي لا يصلي وكان مسلماً فهذا مرتد لا يجوز إقراره ولا يجوز أن يبقى على الحياة، بل يؤمر بالصلاة، فإن صلى فذاك وإلا وجب قتله مرتداً، هذه أحكام المرتد كما ذكرها العلماء رحمهم الله في كتبهم، ويجب على زوجته أن تفارقه الآن، ولا يحل له أن يجامعها ولا يحل لها أن تمكنه من الجماع بل ولا من التقبيل، بل ولا من الخلوة بها، يجب أن تفارقه الآن ما لم يرجع إلى الإسلام، ولتعلم أنها إذا مكنته من نفسها فهي كما لو مكنت رجلاً أجنبياً نسأل الله العافية، فالواجب عليها الفرار منه كما تفر من الأسد، وقولها: إن الله يهديه كما هدى غيره، هذا ليس بمستحيل، لكن الإنسان ما له إلا الشيء الحاضر الآن والمستقبل يعلمه الله وما نعلمه نحن، ثم إذا كانت تقول: إن الله يهديه فليكن الآن، هو إذا هداه الله ورجع إلى الإسلام فهي زوجته، لكن إن بقي مصراً على ترك الصلاة فليست زوجة له، ينفسخ النكاح ويمهل حتى تنقضي العدة، فإن رجع قبل انقضاء العدة إلى الإسلام فهي زوجته، وإن لم يرجع فإن النكاح يتبين أن انفسخ منذ ارتداد هذا الرجل. ويرى بعض العلماء: أنها إن بقيت بلا زوج وعاد إلى الإسلام ولو بعد انقضاء العدة ورغبت أن يرجع إليها فلا بأس، هذا بالنسبة لزوجته. أما بالنسبة لحاله فإنه لو مات على هذه الحالة حرم أن يغسل أو يكفن أو يصلى عليه أو يدفن مع المسلمين أو يدعى له بالرحمة والمغفرة أو يتصدق عنه أو يحج عنه؛ لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ونعني بهذا من لا يصلي لا في المسجد ولا في بيته، أما من صلى في بيته فهو آثم عاصٍ، وإذا استمر على ذلك فهو من الفاسقين ولكنه لا يكفر، وإنما نريد الذي لا يصلي نهائياً، فهذا حكمه كما ذكرت. ونصيحتي لزوجته: أن تتقي الله عز وجل وأن تفر منه إلى أهلها حتى يهديه الله تعالى إلى الإسلام، والله عز وجل لم يجبره على ترك الصلاة الأمر له بالخيار، كما أنه بالخيار أن يذهب إلى السوق أو إلى المسجد أو إلى أي مكان، فإنه بالخيار أيضاً أن يصلي أو لا يصلي. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 15 من أدرك صلاة العشاء ولم يصل المغرب السؤال فضيلة الشيخ رجل مسافر وصلى المغرب مع جماعة متمة لصلاة العشاء ماذا يفعل وقد فاتته الركعة الأولى؟ الجواب إذا دخل الرجل المسجد ووجد الناس يصلون صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب فليدخل معهم بنية المغرب، فإن كان قد أدركه في الركعة الأولى، فإنه إذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة يجلس ويتشهد ويسلم ويقوم مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان قد دخل معه في الركعة الثانية فيسلم مع الإمام وتكون صلاة المغرب له، ثم يأتي بصلاة العشاء بعد ذلك. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 16 حكم التمثيل السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التمثيل وما ضوابطه؟ الجواب التمثيل الذي يعملونه في المراكز الصيفية وغير ذلك، إذا كان يشتمل على شيء محرم فهو حرام، مثل أن يقوم بدور تمثيل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو الصحابة، أو أئمة المسلمين فهذا حرام؛ لأنه مهما كان التمثيل لا يمكن أن يبلغ مرتبتهم، وربما يكون كذباً عليهم، وإذا كان يمثل في أمرٍ يقصد به علاج مشكلة اجتماعية فهذا لا بأس به ما لم ينسبه إلى شخصٍ معين، فإن نسبه إلى شخص معين وهو كاذب فيه صار حراماً من أجل الكذب، كذلك أيضاً لا يجوز للإنسان أن يقوم بدور تمثيل امرأة، هذا حرام؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد شابه النساء وقد (لعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء) . وكذلك أيضاً لا يجوز أن يمثل دور الحيوان، مثل أن ينبح نباح الكلب أو ينهق نهيق الحمير، أو ما أشبه ذلك، لأن الله تعالى لم يذكر مشابهة الحيوان إلا في مقام الذم، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] . إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) ، وقال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] ، وقال تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50-51] ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً) ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم يديه انبساط الكلب) فتجد أن التشبيه بالحيوان كله في مقام الذم ولا ينبغي للآدمي أن ينزل نفسه منزلة الذم. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 17 حكم من صام عاشوراء أو عرفة وعليه قضاء السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيك فيمن كان عليه صيام قضاء فأدركه يوم عرفة أو يوم عاشوراء وأراد أن يصومه ويؤخر القضاء؟ الجواب نرى أنه لا بأس أن يصوم الإنسان يوم عرفة أو يوم عاشوراء وعليه قضاء؛ لأن وقت القضاء موسع إلى أن يبقى من شعبان بمقدار ما عليه من الصوم، لكننا نختار أن يبدأ بالقضاء ويصوم يوم عرفة بنية القضاء، وربما إذا صامه بنية القضاء يحصل له الأجران: أجر صوم يوم عرفة وأجر القضاء، وأما صيام الست من شوال فلا ينال ثوابها إلا إذا أتم صيام رمضان، وذلك لأن الست تابعة لرمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) . الجزء: 77 ¦ الصفحة: 18 حكم الإجبار على الطلاق وما يترتب عليه السؤال فضيلة الشيخ! رجل طلق زوجته مرتين والمرة الأخيرة إخوة زوجته أجبروه على أن يطلقها بسبب أن أخوها اكتشف أن زوجها كان يذهب إلى كاهن، فقال: لابد أن تطلق زوجتك لأنك كافر؟ الجواب الإجبار على الطلاق إذا كان على وجه يضر بالزوج مثل أن يهدد بالقتل من شخصٍ يستطيع أن يقتله أو بالحبس أو بأخذ مالٍ يضره، فإنه إذا طلق لا يكون طلاقاً ولو طلق مائة مرة لا يكون طلاقاً؛ لأنه مكره عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والمكره مغلق عليه، لولا الإكراه ما طلق، أما إذا كان مجرد أن يلزموا عليه أو يشيروا عليه فهذا ليس بإكراه، وإذا طلق وقع الطلاق. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 19 التفصيل حول مسألة اللحوم المستوردة السؤال فضيلة الشيخ: ورد في مجلة المجتمع حول اللحوم المستوردة، فأرسلت فرقة إلى الدول الموردة أو المصدرة إلى دول الخليج من الدجاج واللحم والبقر فثبت لديها أنها لا تذبح حسب الطريقة أو الشريعة الإسلامية كلها بصعق الكهرباء أو بالطرق غير المشروعة، فثبت لديهم أن هذه اللحوم المستوردة غير مطابقة للشريعة الإسلامية، فما رأيكم يا شيخ؟ الجواب أرى أن هذا قد يكون صحيحاً، ولا أدري هل هذا شيء أعادوه؛ لأنهم قد تكلموا عن هذا منذ زمن، وقد يعاد مرة ثانية إلا إذا ذكروا التاريخ أنهم ذهبوا في التاريخ الفلاني، وعلى كل حال نفرض أنه قبل أسبوع مثلاً، فهل كل دجاجة يمكن أن يشهد الإنسان عنها، أو كل خروف ممكن أن يشهد الإنسان عليها أنها هي المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، ربما تكون المصانع أو المذابح كلها على غير الطريقة الإسلامية، لكن يكون ما يرد من الدول الإسلامية، ولا سيما مع التوكيد (مذبوح على الطريقة الإسلامية) وأنا أخبركم أنه قبل العام حصل نقاش مع هيئة كبار العلماء عن الموضوع وأحضر وكلاء وزارة التجارة وقالوا: كل الذي يأتي المملكة مراقب ومذبوح ذبحاً حقيقياً. ثم إني أقول لك: إن بعض أهل العلم من الأقدمين قالوا: ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً لهم وذبحاً فهو حلال حتى وإن لم يوافق الطريقة الإسلامية، لأن الله قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] فما عدوه طعاماً من هذه الذبائح فهو حلال وإن لم يذبح على الطريقة الإسلامية، ما داموا يعتقدون هذه الطريقة تحله، ولكن هذا القول ضعيف ولا نقول به، ونقول: إذا كان المسلم يذبح وينهر الدم ويسمي الله على الذبيحة فغير المسلم من باب أولى، ولا يمكن أن نأكل ذبيحة صعقت بالكهرباء بدون إنهار الدم، لكن قلت لك: هذا من أجل تخفيف الأمر: يعني ليس الأمر مجمعاً عليه، فننظر المسألة الآن من وجهين: الوجه الأول: أن هذا ليس من الأمور المجمع عليها، أنه لا بد أن يكون ذبح أهل الكتاب موافقاً للمسلمين، فإن بعض العلماء من الأقدمين يقولون: ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً وذبيحة فهو حلال سواء على طريقتنا أو لا، لكن هذا قول ضعيف ولا نقول به. ثانياً: أخبرك عما يرد إلى المملكة العربية السعودية فإن هيئة كبار العلماء اجتمعوا بوكلاء الوزارة، وحققوا معهم وأكدوا لهم أنه لا يرد المملكة إلا شيء مكشوف عليه، فمن طابت نفسه لهذا فليأكل باسم الله، ومن لم تطب نفسه بهذا فالحمد لله، يوجد الآن من الدجاج الكثير يذبح هنا في المملكة ويكتفي به، ويدع الذي يشك فيه إلى الذي لا يشك فيه. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 20 أحقية من ينزل المرأة القبر السؤال فضيلة الشيخ! سمعت أنه لا يجوز لجنازة المرأة أن يدخلها القبر من جامع أهله في تلك الليلة، فهل هذا مخصوص ببنات الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أم بالعامة؟ الجواب العلماء فيما أعلم لم يقل أحد منهم: إن المرأة يحرم أن يدخلها في قبرها من جامع تلك الليلة، لكنهم قالوا: من بعد عهده بالجماع فهو أولى، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال وهو يدفن إحدى بناته: (أيكم لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا فنزل) على أن العلماء مختلفون في قوله: (لم يقارف) هل معناه: لم يقارف إثماً، أي: لم يتفقوا على أن المراد به الجماع، فإذا نزل الإنسان إلى قبر امرأة وهو يعرف كيفية الدفن ولو كان قد جامع في تلك الليلة فلا بأس ولا حرج، لكن الأولى أن يكون الإنسان الذي ينزل في قبرها لم يجامع في تلك الليلة. ثم إنه لا ينبغي أن ندعي التخصيص في حكمٍ من الأحكام لشخص معين إلا بدليل، لا يمكن أن نقول: إن هذا من خصائص بنات الرسول إلا بدليل، بل ولا يمكن أن نقول: هذا من خصائص الرسول إلا بدليل. والدليل على هذا: أن الله تعالى لما أراد أن يخصص الحكم بنبيه عليه الصلاة والسلام، قال: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] ، وقال لما أحل له زينب بنت جحش وهي زوجة ابنه الذي كان قد تبناه وهو زيد بن حارثة قال الله تعالى بعد أن أحلها: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37] فدلت هذه الآية على أن ما ثبت للرسول ثبت لغيره من الأمة إلا بدليل، فلا تستعجل الأمور في قولك: هذا خاص بكذا، ليس هناك شيء فيه خصوصية إلا بدليل. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن بعض الناس يظنون أنه لا ينزل المرأة في قبرها إلا من كان من محارمها، وهذا غير صحيح، ينزلها من كان أعرف بطريقة الدفن سواء كان من محارمها أو من غير محارمها. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 21 من عقائد الشيعة الإمامية السؤال فضيلة الشيخ! من هم الشيعة وهل هم الرافضة؟ وكيف نفرق بينهم؟ الجواب الرافضة هم الشيعة، بل الشيعة أعم من الرافضة؛ لأن الشيعة تطلق على كل من عظَّم آل البيت تعظيماً أكثر مما يجب لهم، وأما الرافضة فهم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه حين جاءوا إليه وسألوه عن أبي بكر وعمر فأثنى عليهما خيراً، وقال: هما وزيرا جدي، فرفضوه؛ لأن الرافضة من جهلهم يظنون أن من أثنى على أبي بكر وعمر فقد قدح في علي، ومن أحب أبا بكر وعمر فقد أبغض علياً، وهذا من جهلهم، وهذا علي بن أبي طالب نفسه رضي الله عنه عرف الحق لأهله، فكان يقول علناً: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] يقوله علناً، لكن بعض الرافضة يقولون: شر هذه الأمة أبو بكر وعمر نسأل الله العافية، وهم يدعون أنهم أولياء لـ علي بن أبي طالب وآل البيت، وعلي بن أبي طالب وآل البيت بريء من طريقتهم، لا سيما وأن بعض هؤلاء الرافضة يدعي أن من أئمتهم الذين يقولون: هم أئمتنا من هو في مرتبة لا ينالها ملك مقرب ولا نبي مرسل، أي: أن أئمتهم أفضل من الأنبياء وأفضل من الملائكة، بل منهم من يقول: إن الأئمة هم الذين يدبرون الكون، ويخرجون الله عز وجل من تدبير الكون نسأل الله العافية، وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، من ادعى أن للكون مدبراً سوى خالقه عز وجل فهو كافر مرتد عن الإسلام، حتى وإن صلى وصام ودعا وحج واعتمر فذلك لا ينفعه، قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] . والرافضة فرق متعددة، لكن من كانت طريقته ما وصفت لكم، أي: أنه يعتقد أن هناك مدبراً للكون من الأئمة سوى رب الكون فهو كافر ولا شك في كفره. السائل: بالنسبة للسلام عليهم؟ الشيخ: هذه مسألة تتعلق متى ما حكمنا بكفر الواحد منهم فإنه لا يجوز السلام عليه. السائل: أو ترد عليه السلام؟ الشيخ: ترد عليه السلام بـ (عليكم) ، هذا إذا حكمنا بكفره، لكن من الرافضة من ليس بكافر، كأن يكون جاهلاً عامياً ولا يدري، فهذا لا نستطيع أن نحكم بكفره إلا إذا بلغه الحق وأصر على بدعته المكفرة فإنه يكون كافراً. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 22 بيان ضابط الطرائف وحكمها السؤال فضيلة الشيخ ما ضابط ما يسمى بالنكت أو الطرائف ومتى تكون كذباً، هل يحدث الإنسان بقصة لم تقع يريد بها أن يضحك من حوله؟ الجواب الإنسان إذا ضرب مثلاً بقصة، مثل أن يقول: أضرب لكم مثلاً برجل قال كذا أو فعل كذا وحصلت ونتيجته كذا وكذا، فهذه لا بأس بها، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ} [الكهف:32] قال: هذه ليست حقيقة واقعة، وفي القرآن: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:29] فإذا ذكر الإنسان قصة لم ينسبها إلى شخص معين، لكن كأن شيئاً وقع وكانت العاقبة كذا وكذا فهذا لا بأس به. أما إذا نسبه إلى شخص وهي كذب فهذا حرام تكون كذبة، وكذلك إذا كان المقصود بها إضحاك القوم، فإنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له) . الجزء: 77 ¦ الصفحة: 23 حكم جلسة الاستراحة للمأموم السؤال فضيلة الشيخ! جلسة الاستراحة في الصلاة ما حكم المأموم خلف الإمام هل يكون مخالفاً للإمام؟ الجواب جلسة الاستراحة في الصلاة أصح الأقوال فيها أنها ليست بسنة مطلقة ولا تركها بسنة مطلقة، من احتاج إليها لكبر أو مرض في رجليه أو غير ذلك فإنه يجلس ليعطي نفسه راحتها، ومن ليس كذلك فلينهض بدون جلوس، ويدل لهذا أن مالك بن الحويرث الذي حديثه هو العمدة في الاستراحة ذكر (أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يقوم بعد هذه الجلسة اعتمد على يديه) وهذا يدل على ثقل القيام عنده، وإلا فلا داعي للاعتماد على اليدين، فأصح الأقوال فيها هذا وهو القول الوسط. وقال بعض العلماء: إنها ليست بسنة مطلقة لا للعاجز ولا للقوي، وقال بعضهم: إنها سنة مطلقة، ولكن الراجح والقول الوسط وهو الذي تجتمع فيه الأدلة. أما بالنسبة للمأموم فليتبع الإمام، إن جلس الإمام فليجلس، وإن لم يجلس فلا يجلس، هذا هو الأفضل وهو المتابعة للإمام، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه إن لم يجلس الإمام فالأفضل ألا تجلس، وإن كنت ترى أن الجلوس سنة. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 24 حكم رمي الكتب الدينية والأطعمة في المزبلة السؤال فضيلة الشيخ! يكثر رمي بعض الكتب الدينية، مثل: كتب التفسير والتوحيد والفقه في المزابل ومع النجاسات وأكثر ما يكون هذا قرب المدارس، وكذلك بعض الأطعمة الصالحة التي يمكن إعطاؤها للفقراء ترمى في المزابل، نود النصيحة يا شيخ، وماذا على الناظر الذي يرى هذه الأشياء؟ الجواب أما الذي رمى بها في المزابل وهي قرآن كالمصحف أو جزء وقصده الإهانة فهذا كافر ولا إشكال في كفره؛ لأن هذا من أعظم الإهانة لكتاب الله عز وجل، وأما الذي يفعله من دون قصد الإهانة، ولكن الرجل لا يهتم بهذه الأمور فهذا لا يكفر ولكن فعله هذا حرام عليه. والواجب على من رأى قرآناً أو كتباً فيها قرآن مرمية في المزابل الواجب عليه أن يأخذها من المزابل ولا يبقيها، وأما الطعام الذي يمكن الانتفاع به فلا يجوز رميه لا في المزابل ولا الأسواق النظيفة؛ لأن هذا من باب الكفر بنعمة الله، والواجب أن يتصدق به على الفقراء؛ لأن البلد لا تخلو من فقير لا سيما كثير من العمال الذين يشق عليهم الطبخ كل يوم، فتجدهم محتاجين إلى الطعام، والحقيقة أنه يجب على طلبة العلم أن يبصروا الناس بهذا، لأن الناس في غفلة وربما يكفيهم أدنى تنبيه. وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى. الجزء: 77 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [78] الجزء: 78 ¦ الصفحة: 1 وجوب الفدية على من قص شعره من جهة واحدة في العمرة الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والسبعون من لقاءات الباب المفتوح، والذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيه خيراً وبركة، واللقاء الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الموافق للرابع عشر من شهر جمادى الآخرة. السؤال شخص ذهب للعمرة وقصر شعره من جهة واحدة فهل عليه دم أم لا؟ الجواب هذا الذي ذهب للعمرة وقصر؛ يجب أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ومن الخطأ أن يقص من جانب واحد أو من جانبين أو من ثلاثة أو من أربعة، لابد أن يكون التقصير شاملاً لكل الرأس، ولهذا نرى أنه لو استعمل الإنسان هذه المكائن التي على كهرباء وما أشبه ذلك لحصل المقصود، فينظر إذا كان التقصير شاملاً لأكثر الرأس كفى، وإلا فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 2 لزوم كفارة اليمين على من حرَّم على نفسه حلالاً السؤال فضيلة الشيخ! أعطاني شخص خمسة آلاف ريال على أن أعطيه أرضاً، وبعد ما طلعت الأرض سلم لي النقود، وبعدما مضى عليها فترة، كل يوم وكل ليلة يقول لي: رد لي النقود التي عندك، وجاءني ليلة وأنا غضبان فقلت له: إن نقودك التي عندي حرام عليَّ، والآن هل النقود تحل لي أو لا، جزاك الله خيراً؟ الشيخ: نسأل الآن هل النقود تحل لك أو لا؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا كان بينكم اتفاق على أنه إذا أخرجت له الأرض فلك خمسة آلاف فهي لك حلال، أما تحريمك إياها فيلزمك عنه كفارة يمين، أي: أن تطعم عشرة مساكين، كل صاع من الأرز لأربعة أشخاص. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 3 حكم ذكر بعض الجرائم من على المنابر السؤال فضيلة الشيخ يعمد بعض الخطباء في خطبهم ذكر بعض الجرائم التي تحصل بين الزوجين، أو تحصل في الأسواق، أو كذا، فهل هذا العمل يعتبر من إشاعة الفاحشة بين المسلمين؟ الجواب الذي أرى للخطباء ألا يثيروا شيئاً في الخطبة التي يخطبون بها أمام الناس، إلا إذا اشتهر الشيء وكثر وشاع، أما إذا كان في قضية واحدة وهي مما ينكر عليها إنكاراً عظيماً، فإن الواجب أن الإنسان يتصل بهذا الذي حصل منه هذا الشيء وينصحه، لأن الشيء إذا ذكر صار حديث الناس، وإذا لاكته الألسن سهل على النفوس، فيحصل في هذا مفسدة أكثر مما يحصل من المنفعة، أما لو اشتهر مثلاً فهذا لا بأس به، وكذلك لو كان هذا الشيء مخالفاً لأمر معلوم، مثل قضية بريرة رضي الله عنها حين جاءت إلى أم المؤمنين عائشة تريد منها الإعانة على قضاء دين مكاتبتها فقالت عائشة: على أن يكون الولاء لي لكن أهل بريرة أبوا إلا أن يكون الولاء لهم فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي لـ عائشة: (خذيها واشترطي لهم الولاء، ثم قام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطيباً في الناس فقال: ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله) فهذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يشرع للناس هذا الحكم، أو أن يبين للناس حكم هؤلاء الذين اشترطوا شرطاً ليس من كتاب الله، وأن شروطهم باطلة. فعلى كل حال أرى المنكرات التي تكون من أفراد ولا تشتهر في الناس الأولى ألا تنشر بين الناس لئلا تلوكها الألسن، فيسهل على النفوس هذه المنكرات، وأما إذا شاعت وانتشرت؛ فلابد من الكلام عنها. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 4 صفة غسل الميت وجواز تقبيله السؤال فضيلة الشيخ ما هي صفات غسل الميت، وعندنا أحياناً عندما يموت الميت يتجمع أهله ثم يقبلونه، فهل هذا جائز؟ الجواب أما تقبيل الميت بعد موته فلا بأس به، لأن أبا بكر رضي الله عنه، دخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته وقد غطي صلوات الله وسلامه عليه فكشف عن وجهه وقبله. وأما كيفية تغسيل الميت، فالميت إذا مات يوضع على سرير التغسيل، ثم يبدأ بغسل فرجه وما كان فيه، ولا ينظر إليه، فيدخل الغاسل يده من تحت الغطاء ويغسل فرجيه القبل والدبر، ولا يمسهما بيده أيضاً بل يجعل على يديه خرقة، فإذا فرغ من ذلك فإنه يأخذ خرقة مبلولة ينظف بها أنف الميت وفمه عوضاً عن المضمضة والاستنشاق، ثم يغسل وجهه ثم يديه إلى المرفقين ثم رأسه ثم رجليه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) . ويكون حينئذ قد أعد ماء فيه السدر، فيضرب السدر بيديه ويخبطه حتى يكون له رغوة ويأخذ هذه الرغوة ويغسل بها رأس الميت، ثم بعد ذلك يغسل بقية البدن بالسدر، وعلى حسب حال نظافة الجسم إذا كان الجسم نظيفاً فالمرة، والمرتين، والثلاث تكفي، وإذا كان غير نظيف ويحتاج إلى زيادة غسل؛ فإنه يغسل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) ثم ينشف بثوب ثم تطوى عليه أكفانه. السائل: هل كل إنسان يغسل الميت عليه وضوء؟ الشيخ: لا ليس بشرط، أي: لا يشترط أن يكون الغاسل على طهارة، لكن العلماء قالوا: إن الجنب لا ينبغي أن يكون حول الميت؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 5 حكم من دخل عليه رمضان وهو في غيبوبة السؤال فضيلة الشيخ! عندي بنت في غيبوبة وإذا لم يعافها الله هل أطعم عنها بعدد أيام رمضان وهي في غيبوبة خلال الشهر؟ الجواب إذا كانت في غيبوبة في شهر رمضان؟ السائل: إي نعم، لها تسعة أشهر. الشيخ: تسعة أشهر، فإذا عافاها الله وقدرت أن تصوم فهذا المطلوب، وإلا فيطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن توفيت قبل ذلك أطعم عن كل يوم مسكيناً. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 6 حكم الاحتجاج بالقدر على المصائب والآلام السؤال فضيلة الشيخ ورد في حديث علي رضي الله عنه حين طرق بابه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولـ فاطمة: (ألا تصليان؟) الحديث الصحيح، استشهد علي رضي الله عنه بالمشيئة كما هو معروف أن أرواحهم بيد الله عز وجل، يقول ابن القيم: إن احتجاج علي رضي الله عنه صحيح، ويقول فضيلتكم أيضاً في التعليق على ذلك في تقريب التدمرية: ولذلك لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما وجه ضرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخذه وهو خارج قارئاً قوله تعالى: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] ؟ الجواب وجه ذلك أن الأولى بـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: (ألا تصليان؟) ألا يقول هكذا ويحتج بالقدر، وإنما يختار عبارة أخرى أفضل من هذه العبارة، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينكر عليه حين احتج بالقدر، وهذا يدل على ما ذكر في تقريب التدمرية أن الاحتجاج بالقدر على شيء مضى أنه لا بأس به، ويكون الإنسان إن كان ذلك معصية نادماً تائباً، وإن كانت غير معصية كترك قيام الليل؛ فإنه يكون تاركاً للأفضل. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 7 مسألة السلام والصلح والتطبيع مع اليهود السؤال فضيلة الشيخ قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] ، وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] يا فضيلة الشيخ! هناك شيء اشتهر واستفاض الآن وهو ما يسمى بالسلام، والصلح، والتطبيع، والاعتراف باليهود، فيريد الإنسان أن يعرف حكم ذلك، لأن التحاليل أحياناً تتعارض، فيريد الإنسان أن يكون على بينة لئلا يعتقد شيئاً يدين به الله سبحانه وتعالى ويتكلم بشيء إلا وهو شيء صحيح سمعه من أولي العلم؟ الجواب أولاً قول الله تبارك وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، لأن الله تعالى قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38] ولكن المعنى الذي تريده: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] فالقرآن مبين لكل شيء، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] فهذا في قوم يذيعون ما يسمعون من خير أو شر، أو خوف أو أمن، كما قال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] وهذا يدل على أن الإنسان لا ينبغي أن يكون مذياعاً لكل ما سمع من خبر، سواءً خبر خوف أو أمن، أو خير أو شر أذاعه، بل قد يكون من الخير أن يكتم هذا الخبر الذي حصل، ولذلك كان من هدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا أراد غزوة ورّى بغيرها حتى لا يعلم ما يريد. وأما ما يتعلق بالصلح مع إسرائيل وما أشبه ذلك فالأمر ليس إلي ولا إليك، وهذا أمر يتعلق بالحكومات ولعله يأتي اليوم الذي يكون فيه إن شاء الله تصفية اليهود والنصارى أيضاً من هذه الجزيرة العربية وما حولها حتى يخلصنا الله من شر هؤلاء. ثم أبشروا أيها المسلمون بأنه سوف تكون بيننا وبين اليهود مقتلة عظيمة يكون فيها الهزيمة والذل والعار على اليهود، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه سيكون بيننا وبينهم مقتلة عظيمة حتى إن اليهودي ليلوذ بالشجرة فتقول: يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنه من أشجارهم فلا يخبر عنهم) ونحن إن شاء الله تعالى نرتقب النصر الذي يكون للمسلمين على أعدائهم من اليهود والنصارى، ولا تنس فعل النصارى في بلاد أخرى كـ البوسنة والهرسك وكذلك أيضاً في أماكن كثيرة، ومن غير النصارى أيضاً من وثنيين ومشركين مثل كشمير وغيرها، فالمهم أن المسلمين الآن تكالبت عليهم الأعداء ولعل هذا إن شاء الله تعالى مفتاح للنصر والفرج فانتظر، أما ما يتعلق بالحكومات فأمرهم إلى الله عز وجل، ونسأل الله تعالى أن يهديهم لما فيه الخير والصلاح. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 8 حكم مرور المرأة من أمام امرأة تصلي السؤال فضيلة الشيخ هل مرور المرأة يقطع صلاة المرأة، وإذا كان الجواب بنعم فكيف يوجه حديث أبي ذر في مسلم: (يقطع صلاة الرجل المسلم) فقيده بالرجل؟ الجواب المرأة تقطع صلاة المرأة كما تقطع صلاة الرجل، وتوجيه الحديث الذي ذكرته: هو أن الأحكام التي تذكر للرجال تثبت للنساء إلا بدليل، والأحكام التي تثبت للنساء تثبت للرجال إلا بدليل، هذه هي القاعدة وهو الأصل، فإذا لم يكن هناك دليل صريح يدل على أن مرور المرأة بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة، أو مرور الكلب بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة، وأريد بالكلب الكلب الأسود، أو مرور الحمار لا يقطع، يعني: قد يقول قائل: مرور المرأة بين يدي المرأة لا يقطع الصلاة؛ لأن نفس المرأة لا تتعلق بأختها، بخلاف مرور المرأة بين يدي الرجل، لكن يرد على هذا الكلب الأسود والحمار، فهذا لا يفترق فيه الرجال والنساء، فالصحيح أنه عام للرجال والنساء، وأن تقييده بالرجل كغيره من النصوص الكثيرة التي تذكر الحكم معلقاً بالرجال، أو معلقاً بالنساء، والأصل تساويهما في الأحكام. السائل: وأل في الرجل؟ الشيخ: (أل) في الرجل للجنس. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 9 مسألة من توفي وأوصى بثلث ماله ولم يحصل منه إلا القليل السؤال فضيلة الشيخ! توفي والدي وأوصى بثلث ماله صدقة عنه، استحصل من المبلغ تقريباً ثلاثة عشر ألفاً، والباقي ديون له وحاجات، وتبلغ ما يقارب خمسة وسبعين ألفاً، وتحصل هذه المبالغ على فترات طويلة فما هو أنسب شيء يمكن أن نعمله في هذه الوصية؟ الشيخ: هو قال صدقة؟ السائل: نعم قال صدقة عنه. الجواب أما ما حصلتم الآن من ماله فأرى أن أفضل ما يكون أن تجعلوه في عمارة مسجد؛ لأن المسجد صدقة جارية، كل المسلمين يجتمعون فيه في كل وقت وحين، وأما ما يؤخذ من الديون فإذا كان الذي يؤخذ شيئاً يسيراً مثل مائة ريال يكون له منها ثلاثة وثلاثين ريالاً، أو تأخذ مثلاً ثلاثين ريالاً يكون الثلث عشرة، فكلما أخذتم مبلغاً تأخذوا ثلثه صدقة على الفقراء والمساكين. السائل: لكن لو نجمع المبلغ على أساس أن يكون صدقة جارية بدل ما يذهب المبلغ مرة واحدة إليهم وينفد، فنحاول أن تنميه؟ الجواب: بارك الله فيك! هل أنت تضمن نفسك أنك ستبقى حتى تنمي هذا المال، وهل أنت واثق أن هذا المال سوف يربح، ربما يخسر ولا يجوز أن يتصرف بالإرث على هذه الصفة، الثلث لازم ينفق على حسب ما أوصى به الموصي والحمد لله، إذا قدر أنه نفذ المال فالدعاء له أفضل من هذا. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 10 حكم قول: (مادة القرآن أو المادة قرآن) السؤال فضيلة الشيخ! حكم قول مادة القرآن أو المادة قرآن؟ الجواب لا أرى فيها شيئاً؛ لأن معنى المادة أي الدرس، ولا يريدون المادة بمعنى المخلوق، والقرآن تعرف أنه ليس بمخلوق، ولكن يريدون بهذا قطعاً الدرس فلا بأس به. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 11 جواز تحويل المال من بلد إلى آخر بعملة أخرى السؤال فضيلة الشيخ: من شرط التقايض في المال يعني مثلاً بعض الدول فرضت على رعاياها المغتربين تحويلاً إلزامياً، وهو أن يحول المغترب مبلغاً من المال لهذه الدولة لكي تستفيد منه؛ ولكن عند التحويل يكتب لك سنداً بصرفه في هذه الدولة وأنت بعيد عنها، وقد أشكل على كثير من الناس هذه المسألة، فهل نلتزم بهذا؟ الشيخ: يعني أنت ستدفع دراهم سعودية؟ السائل: نعم. الشيخ: وتحول في بلدك إلى دراهم محلية؟ السائل: نعم. الشيخ: على وجه لا تتمكن من سوى هذا؟ السائل: نعم. الشيخ: ما يمكن إلا هكذا؟ السائل: لا يمكن إلا هكذا. الشيخ: إذاً هذه ضرورة ولا بأس بها، يعني: لا بأس إذا أجبرت أن تدفع دراهم سعودية هنا وتحول هناك إلى دراهم محلية لا بأس، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 78 ¦ الصفحة: 12 التفصيل في الحكم بغير ما أنزل الله السؤال إذا تكرر من الحاكم الحكم بغير ما أنزل الله -يعني كثيراً- مع أنه يعتقد في قلبه وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله، فما الحكم في هذه المسألة؟ الجواب هذه المسألة يا أخي! مسألة ليست هينة، ولا يمكن أن يحكم فيها بوجه عام، لأنه لو حكم فيها بوجه عام أو أفتي فيها بوجه عام فهمها بعض الناس على غير المقصود، فإذا خالف الحاكم شيئاً يعتقده هذا الرجل أنه هو شرع الله قال: إنه كافر، وهذا مثل ما يوجد الآن في الجماعات التي تكفر ولاة الأمور وتقول: لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، وهم لم يمحصوا المسألة، فلذلك أنا أرى أن سد الباب في هذه المسألة أولى، لئلا يفهمها الناس على غير مراد المفتي ولئلا يتخذها الإنسان وسيلة إلى القيام على الحكام في بلادهم، وهذه مسألة كبيرة كما تعرف، وقد تكلم العلماء رحمهم الله على هذه المسألة عند تفسير الآيات التي في سورة المائدة، فبإمكانك أن ترجع إلى ما قاله العلماء في هذا. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 13 حكم لفظة: (لعمرك) السؤال فضيلة الشيخ ما حكم القسم بهذه الكلمة: لعمرك، التي نسمعها كثيراً في أبيات الشعر مع بيان الدليل، وقال بعضهم بجوازها بحجة أنها كانت تقال بين السلف ولم ينكروها؟ الجواب أما إذا كانت من الله فهي جائزة، وهي في القرآن: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72] ، أما إذا كانت من المخلوق للمخلوق فهي ليست للقسم الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنه: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لأن الحلف له صيغة معينة، فهو يبدأ بالواو، أو بالباء، أو بالتاء، أما لعمرك فليست قسماً صريحاً، ولذلك جاء في الحديث: (لعمري) ، وجاء أيضاً في الآثار عن الصحابة أنهم كانوا يقولون: (لعمري) أما (لعمرك) فلا أذكر الآن أنها وردت عن السلف لا مقالاً ولا إقراراً، لكن (لعمري) وردت، وأظن أنه لا فرق بين (لعمري) و (لعمرك) ، لأنها كلها عمر إنسان مخلوق. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 14 حكم تحنيط الحيوانات والاحتفاظ بها السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الحيوانات المحنطة مثل التي تكون في المدارس، وهل يجوز الاحتفاظ بها في المنزل على هيئة تحف وزينة؟ الجواب الحيوانات المحنطة إن كانت مما يؤكل وذكيت بدون أن يقطع رأسها ثم حنطت فلا بأس بذلك ولا إشكال فيه، لأن إضاعة المال الذي يكون في هذه الحالة شيءٌ يسير، ولا يضر هذا المال الذي يفوت على الإنسان، وربما تكون المصلحة منها تؤدي إلى أن يكون هذا ليس إضاعة مال، أما إذا كانت من الأشياء المحرمة فإنها إذا حنطت ستبقى نجسة، والاحتفاظ بالنجس لا يجوز؛ لأن النجس المطلوب إزالته، والتخلي عنه، ثم إنها إذا احتفظ بها ومسها الإنسان وهو رطب نجسته أو مسها وهي رطبة نجسته، فلا فائدة منها، لكن هي ليست بصورة كما يظن بعض الناس، حيث يظن أن هذه مثل الصورة التي يصورها الآدمي وليس كذلك، فهي خلق الله عز وجل. السائل: ووضعها في المنزل يا شيخ للزينة؟! الشيخ: كما قلت لك ما هي الفائدة منها؟ السائل: للزينة فقط. الشيخ: الزينة فقط من الحيوان الذي يؤكل أو لا يؤكل؟ السائل: من هذا ومن هذا. الشيخ: الذي يؤكل كما قلت لك إذا ذكي ولم يقطع رأسه ثم بعد ذلك حنط؛ فلا بأس؛ لأنه الآن طاهر وليس نجساً، لكن الذي لا يؤكل نجس إلا أن العلماء استثنوا الذي لا يعيش إلا في الماء فإن ميتته طاهرة، واستثنوا أيضاً مما يعيش في البر مما ليس له دم يسيل، قالوا إن ميتته طاهرة لأدلة وردت في ذلك. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 15 كيفية زكاة عروض التجارة السؤال فضيلة الشيخ كيف تزكى عروض التجارة؟ الجواب عروض التجارة هي الأموال التي أعدها الإنسان للتجارة يعني: ليس له غرض إلا أن يتاجر بها، وتزكى إذا حال الحول، فتقدر قيمتها بما يساوي وقت حلول الزكاة، سواء كانت مثل ما اشتراه أو أقل أو أكثر، فمثلاً لو كان عند إنسان أرض واشتراها للتجارة واشتراها مثلاً بعشرة آلاف وعند تمام حول زكاته صارت تساوي عشرين ألفاً؛ فإنه يجب أن يزكي على عشرين ألفاً، وإذا كان بالعكس مثل أن يكون قد اشتراها بعشرين ألفاً ثم نزلت قيمتها عند وجوب الزكاة أي عند تمام حول زكاته فإنه لا يزكي إلا على عشرة آلاف. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 16 حكم وطء الحائض وما يترتب عليه السؤال فضيلة الشيخ! يقول الرسول صلى عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً أو امرأة في دبرها أو حائضاً فقد كفر بما أنزل على محمد) ثم إن أهل العلم فصلوا في ذلك أي: إذا جاء الرجل إلى امرأته في أول الحيض أو في ثوران الدم. يكون الكفارة نصف دينار في أول الحيض أو فورة الدم دينار، ثم بعد ذلك إذا قرأت: إذا كان متعمداً دينار، فأرجو تفصيل ذلك وجزاك الله خيرا؟ الجواب وطء الحائض محرم؛ لقول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222] ولأن وطء الحائض مضر على الرجل والمرأة والأصل فيما كان مضراً أن يكون حراماً، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] ، ولكن إذا جامعها في حال الحيض، أو أوله، أو في فورته، أو في آخره فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل فيه كفارة أو لا، وهذا ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمنهم من صحح الحديث وأخذ به، وقالوا: يلزمه دينار أو نصفه على التخيير، ومنهم من قال: على الترتيب حسب ما قلت: إنه إذا كان فورة الحيض فهو دينار، وفي أوله وآخره نصف دينار، ومنهم من قال: إنه على التخيير مطلقاً، والاحتياط أن يتصدق الإنسان بدينار كامل، أي بما يقارب نصف جنيه سعودي من الذهب، هذا هو الأحوط. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 17 الراجح أن الخضر ولي لا نبي السؤال فضيلة الشيخ! ما هو القول الراجح في الخضر عليه السلام هل هو نبي أو رسول؟ وما صحة ما القول بأنه حي إلى اليوم، ويظهر لبعض الناس أحياناً، فكثير من الناس قد اغتر بهذه القصة على أن الأولياء لهم مقام فوق مقام النبوة حتى قال قائلهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي أفتونا مشكورين؟ الجواب قولك في السؤال عن الخضر هل هو نبي أو رسول هذا ليس هو الخلاف، الخلاف هل هو نبي أو ولي أي: ليس بنبي، والصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى أعطاه علماً لا يعرفه موسى؛ من أجل الامتحان والاختبار؛ لأن موسى عليه الصلاة والسلام قال: لا أعلم أحداً على وجه الأرض أعلم مني، فأراد الله تعالى أن يبين له أن من أهل الأرض من هو أعلم منه، وهو أعلم من موسى بما علمه الله من قصة السفينة، والجدار، والنفس التي قتلها فقط، وليس أعلم منه بشريعة الله. ثم إن القول الراجح أنه ليس بحي، بل هو ميت في وقته كغيره من الناس، ولو كان حياً للزمه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويؤمن به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرسل إلى جميع الناس، ومن المعلوم أنه لم يأت إلى الرسول، ولم يقل أحد من الصحابة أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد) فلو قدر أنه موجود فإنه يكون قد مات. وعلى كل حال إن الصواب الذي لا شك فيه عندي أن الخضر قد مات، وأن موته كان مثلما يموت الناس في ذلك الوقت. وأيضاً الصحيح أنه ليس بنبي إنما هو رجل أعطاه الله علماً في أشياء معينة، ليتبين لموسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن في الأرض من هو أعلم منه في بعض الأمور. أما من زعم أن الولي أفضل من النبي فإنه كافر، لأن النبيين هم أعلى طبقة من طبقات بني آدم، ثم إن النبي جامع بين النبوة والولاية، والرسول جامع بين الرسالة والنبوة والولاية، والقائلون بأن مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي كاذبون في ذلك، فأفضل طبقات بني آدم هم النبيون وعلى رأسهم الرسل، وعلى رأس الرسل أولو العزم الخمسة، ثم بعد ذلك الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 18 حكم السلام مع الكفار السؤال فضيلة الشيخ: في مسألة السلام مع الكفار بعضهم يذكر أن هذا كفر مطلقاً؟ الشيخ: يعني إذا سلمت على كافر. السائل: لا المعاهدة معهم، والصلح. الشيخ: يا أخي! هذه المسائل يجب أن الإنسان يتكلم فيها بالعلم، وتعلمون أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاهد قريشاً عشر سنوات ثم نقضوا العهد ثم غزاهم ففتح مكة، والصلح مع غير المسلمين ذكر أهل العلم أنه يجوز عند العجز عن قتالهم، لكن منهم من قيده بعشر سنوات، ومنهم من قال إنه يجوز غير مقيد، ثم إذا حصل للمسلمين القوة فحينئذ يغزون الكفار إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومثل هذه الأشياء يجب أن الإنسان يتكلم فيها بعلم لا بعاطفة، وإلا فنحن نكره الكفار كلهم ونود أن كلمة الله هي العليا، في كل مكان، لذلك فكون الإنسان يتكلم بعاطفة مبنية على جهل هذا لا يجوز، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] وانظروا إلى كلام العلماء السابقين في كتاب الجهاد في باب الهدنة كيف فصلوا فيها وبينوا، وأما من قال: إن الصلح مع الكفار كفر فهذا خطأ، نعم لو أنكر إنسان فرض الجهاد ثم علمناه بالأدلة الدالة على أن الجهاد فرض ثم أنكر فهذا هو الذي قد يقال بكفره. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 19 حكم كتابة (ص) و (صلعم) بدل صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ نجد بعض الطلاب أو أكثرهم يكتبون (ص) أو صلعم، أو نجد ذلك في بعض الكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الشيخ: بعدما يقول صلى الله عليه وسلم يقول: (صلعم) أو (ص) . السائل: نعم يقول (صلعم) أو (ص) كذلك رضي الله عنه يكتب عين، مثل علي بن أبي طالب. الشيخ: لا. علي بن أبي طالب ليس هو رضي الله عنه. السائل: كرم الله وجهه. الشيخ: يكتبون العين رمزاً إلى عليه السلام. السائل: أو كذلك كرم الله وجهه بالنسبة لـ علي بن أبي طالب. الشيخ: على كل حال لا ينبغي لإنسان عند ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يكتب (ص) أو (صلعم) وكره علماء المصطلح أن يفعل ذلك، وقالوا: إما أن يكتب صلى الله عليه وسلم، وإما أن يدعها، ولا يكتب شيئاً ويجعل الصلاة من القارئ أو من السامع، وأما الإشارة بالعين عن عليه السلام، فهذه أهون من الإشارة بالصاد عن صلى عليه وسلم، ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا قلت: علي رضي الله عنه فهو أحسن من قولك: عليه السلام وأحسن من قولك: كرم الله وجهه، لأن الرضا عن العبد هو أعلى المقامات وأفضل ما يكون للإنسان، ولهذا قال الله عز وجل لأهل الجنة: ماذا تريدون؟ فيذكرون نعم الله عليهم فيقول: (أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا) فرضا الله عن العبد هو الغاية العظيمة، لكن من جهل الرافضة صاروا يقولون لـ علي: عليه السلام، أو كرم الله وجهه. السائل: والطلاب بالنسبة للإملاء؟ الشيخ: الطلاب يقال لهم: اكتبوا صلى الله عليه وسلم، والأحسن أيضاً صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قالوا: (علمنا كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد) . الجزء: 78 ¦ الصفحة: 20 حكم من لم يصم رمضان بسبب المرض السؤال فضيلة الشيخ! كان عندي مرض في رمضان فلم أصم رمضان فأفدني أفادك الله؟ الجواب ما صمت رمضان حتى الآن؟ السائل: كلا. صوم شهر واحد هو الذي مرضت فيه. الشيخ: نعم. أقول ما قضيته حتى الآن؟ السائل: لا. الشيخ: الآن الحمد لله عندك الشتاء نهار قصير وبارد صم الشهر وليس عليك إلا الصيام. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 21 حكم رفع الإزار إلى نصف الساق السؤال فضيلة الشيخ! ما رأي فضيلتكم فيما يقوله بعض العامة عن الملتزمين الذين يضعون الإزار إلى نصف الساق: بأنهم مخالفون أو مبتدعون بهذه السنة، وقد يحذرون أبناءهم من مجالسة أي شخص يضع إزاره إلى نصف الساق؟ الجواب هذا جهل منهم بالسنة، فالذي يقول: إن رفع الإزار أو السروال أو الثوب إلى نصف الساق ليس بسنة جاهل بالسنة، بل هو لا شك أنه سنة، لكنه سنة غير واجبة، يعني: لك من نصف الساق إلى فوق الكعب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكلم عمن أنزل ثوبه دون الكعب وسكت عن الباقي، ومن المعلوم أن الصحابة كانت تنزل ثيابهم إلى أسفل من نصف الساق، هذا أبو بكر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعهده، ولو كان إزاره إلى نصف الساق لكان إذا نزل إلى الأرض لبدت عورته، فدل هذا على أن الصحابة رضي الله عنهم يلبسون هذا وهذا، والناس في هذا ثلاثة أقسام: قسم متشدد يرى أن هذه علامة المؤمن، وأن من لم يكن ثوبه إلى نصف ساقه ففي إيمانه نقص. ومنهم من على ضد هذا، يرى أن نصف الساق أنه شهرة وأنه لا ينبغي، وربما أنكر السنة كما قلت في هذا السؤال. ومنهم يقول: السنة إلى نصف الساق ولكن لو نزل إلى أسفل ولم يتجاوز الكعب فلا بأس به، ولا يقال: إن الإنسان هذا ليس على السنة، والصحابة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر ونعلم من هذا الحديث الثابت في الصحيحين أن إزاره ليس إلى نصف ساقه؛ لأنه لو كان إزاره إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض أو ينزل عن الكعب لزم من ذلك بدو العورة. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 22 حكم أكل الحيوانات البحرية السؤال فضيلة الشيخ! أحل الله لنا ميتتان الجراد والسمك الذي في البحر هل يكون جميع ما في البحر حلال يا شيخ! وما هو الضابط لهذا الشيء؟ الجواب كل ما في البحر حلال واستمع إلى قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة:96] قال ابن عباس: صيد البحر ما أخذ حياً، وطعامه ما أخذ ميتاً. السائل: وقياس الحشرات يا شيخ! على الجراد، أي ما ليس له نفس سائلة؟ الشيخ: تريد أن تأكل الصراصير؟ السائل: يأكلونها في الصين يا شيخ! الشيخ: الصين كلهم يأكلون اليامون، عسى الله أن يهديهم ويهدي المسلمين قبلهم. السائل: ما يقاس؟ الشيخ: لا ما تقاس. السائل: هل ننكر عليهم؟ الشيخ: تنكر عليهم أن يأكلوا الصراصير وهم كفار! أنكر الكفر قبلاً، لكن إذا طبخوا لك صراصير لا تأكلها. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 23 حكم قص شعر الفتيات والنساء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قص الشعر للفتيات والنساء؟ الجواب أما الرجل فله أن يقص رأسه وله أن يحلقه، وأما المرأة فإن قصت رأسها حتى يكون كرأس الرجل أو قصته على صفة ما تفعله الفاجرات أو الكافرات فهذا حرام، أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأما الثاني فلقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) ، أما لو قصته قصاً يسيراً للتجمل للزوج على وجه لا يشبه شعر الرجال ولا شعر الفاجرات والكافرات، فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله، منهم من قال أنه حرام، ومنهم من قال أنه مكروه، ومنهم من قال أنه جائز، والأقرب عندي أنه جائز، لكن عدم القص أولى وأفضل. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 24 جواز مقولة: (أرجوك افعل كذا وكذا) السؤال فضيلة الشيخ كثير من الناس ينطقون عبارة: (أرجوك افعل لي كذا وكذا) فهل في هذه الكلمة شيء من الشرك؟ الجواب لا، هذه الكلمة لا بأس بها، يعني: تقول لإنسان: أرجوك أن تفعل كذا مثل قولك: أؤمل منك أن تفعل كذا وكذا، ولا حرج في ذلك. السائل: كون الرجاء يطلب من الله سبحانه وتعالى. الشيخ: الرجاء يكون من الله ومن غيره، وليس هناك مانع. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 25 حكم من شكت في عدد الأيام التي صامتها من قضاء رمضان السؤال فضيلة الشيخ! امرأة عليها قضاء من رمضان وصامت أياماً وهي في شك هل هي أكملت الأيام التي أفطرت أو لم تكمل، فماذا تفعل في هذه الحالة؟ الشيخ: إذا قضت المرأة ما عليها من الصيام ثم شكت هل أكملت ما عليها أو لا فإن كانت ذات وسواس فإنها لا تلتفت لهذا، وقد انتهى القضاء ولا حاجة للرجوع إليه، وإن كانت ليست ذات وسواس وشكها هذا حقيقي فلابد أن تقضي ما شكت فيه. السائل: تقدر الأيام؟ الشيخ: إي نعم تقدر الأيام، لكن ما لم تكن ذات وسواس؛ لأن صاحب الوسواس نسأل الله العافية لو طاوع نفسه وأتى بما شك فيه جلبت له نفسه شكاً آخر. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 26 حكم وسم البهائم في الوجه السؤال فضيلة الشيخ وسم البهائم في الوجه بالنار هل هو حلال أم حرام؟ الجواب لا يجوز أن توسم البهائم في وجوهها. السائل: لكن يفرق بين القبائل حيث يعرفون حلالهم بهذا الوسم؟ الشيخ: القبائل بارك الله فيك يجعلون الوسم الخاص بهم إما على الرقبة وإما باليد، المهم في مكان آخر غير الوجه. ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 78 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [79] هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الشرح تحدث الشيخ من خلالها عن معنى الشرح بمعنى أن يكون الصدر متسعاً لحكم الله عز وجل، بالإضافة إلى ذلك العفو والتجاوز والمسامحة عن الوزر وهو الخطيئة؛ وسبب ذلك: ليغفر الله ما تقدم من الذنب وما تأخر. فالحاصل هو أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر أنقض ظهره فكيف بأوزارنا التي تقض ظهورنا وتتعبها. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الشرح الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء التاسع والسبعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الواحد والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1415هـ) نتكلم فيه أولاً على ما تيسر من سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] حيث انتهينا إليها فيما سبق بعد أن ابتدأنا من سورة النبأ، واخترنا هذا الجزء من كتاب الله عز وجل؛ لأن السور التي فيه تكثر قراءتها، فيستفيد الناس منها، وتكثر قراءتها في الصلاة؛ لأن أهل العلم يقولون: السنة في الصلاة أن يقرأ في صلاة الفجر بطوال المفصل، وفي صلاة المغرب بقصار المفصل وفي الباقي من أوساطه، وطوال المفصل من سورة (ق) إلى سورة (عم) وقصاره من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن وأوساطه من سورة (النبأ -سورة عم-) إلى سورة (الضحى) هذا في الغالب، ولا بأس أن يقرأ بطوال المفصل في المغرب، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ بذلك أحياناً. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك) يقول الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] وهذا الاستفهام يقول العلماء: أنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدر الفعل بفعل ماضٍ مقروناً بقد. ففي قوله: (ألم نشرح لك) يقدر بأن المعنى: قد شرحنا لك صدرك، لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير؛ فإنه يقدر بفعل ماض مقروناً بقد. أما كونه يقدر بفعل ماض؛ فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد؛ فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: قد يجود البخيل، قد هنا تكون للتقليل، لكن في قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:64] فهذه للتحقيق ولا شك. يقول الله عز وجل: (ألم نشرح لك صدرك) أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسياً، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل: حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان، وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى، فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب ما حرم الله؛ لأنه مخالف للهوى، هوى النفس الأمارة بالسوء، التي لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه. تجد بعض الناس تثقل عليهم الصلاة، كما قال الله تعالى في المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة) . إذاً، فالشرع فيه ثقل على النفوس، أما اجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه: كالزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لترك ذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب (وقالت: هيت لك) وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والجو خالٍ، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ، فقال لها: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] استعاذ بربه، لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خال وآمن، والإنسان بشر ربما تسول له نفسه أن يفعل، ولهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال لها: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) والشاهد من هذا قوله: (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) . فأقول: شرح الصدر للحكم الشرعي معناه: قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل: سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص. انشراح الصدر للحكم القدري نقدم على الكلام فيه سؤالاً: هل جميع أحكام الله الكونية ملائمة لطبيعة الإنسان أو لا؟ لا. الصحة ملائمة، الغنى ملائم، الأمن ملائم، الشبع ملائم، النكاح ملائم، لكن المرض غير ملائم، الخوف غير ملائم، الجوع غير ملائم، وأشياء كثيرة، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه يقول: أنا عبد والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكن لا يصل هذا إلى أن يحمل هماً أو غماً، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) . إذاً: شرح الصدر يعني: توسعته وتهيئته لأحكام الله الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، من المرض؟ شُدِّد عليه، فكان كرجلين منا، وحتى إنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام، حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر معلوم أنه درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء البارد ليس فيه صبر، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاءً ثم الصالحين الأمثل فالأمثل. أعود مرة ثانية: ما معنى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] أي: نوسعه لقبول قضاء الله أو حكم الله الشرعي والقدري، وهذا حاصل على الوجه الأكمل بالنسبة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ووضعنا عنك وزرك) قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2] قد تقول: إن بين الجملتين تنافراً الأولى الجملة فعل مضارع (نشرح) والثانية فعل ماضٍ: (وضعنا) لكن بناءً على التقرير الذي قلت: وهو أن (ألم نشرح) بمعنى قد شرحنا، و (وضعنا) يكون عطفاً على نظيره ومثيله. {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} وضعناه: أي طرحناه، وعفونا، وسامحنا، وتجاوزنا (عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي: الذي أقضه وآلامه، لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر، فإتعاب غيره من باب أولى، يعني أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر الفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك، أو تحمله بين يديك، بينهما فرق. فالمعنى: أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره وخطيئته، حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1-2] وقيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقوم الليل ويطيل حتى تتورم قدماه أو تتفطر فقيل له: (كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!!) فأقر هذا القول، أقر أن الله عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن قال: (أفلا أكون عبداً شكورا) . إذاً مغفرة ذنوب رسول الله المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا الرسول، أما غيره فيحتاج إلى توبة يتوب من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} . الجزء: 79 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (الذي أنقض ظهرك) قال تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:3] فإن قال قائل: هذه الآية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يذنب، فهل النبي يذنب؟ الجواب نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص، لا يمكن أن نردها لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحن لا نقول: الشأن ألا يذنب الإنسان، بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما ألا يقع منه ذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) . لا بد من خطيئة، لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل: الكذب والخيانة فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالته وهذا شيء مستحيل، أما سفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، التي وجدت لتتمم مكارم الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) . فالحاصل: أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي: أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فكيف بأوزار غيره. أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا، وكثرة غفلتنا نسأل الله أن يعاملنا بالعفو. جاء في بعض الآثار: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه، وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا) . يعني: أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه، ويلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك؛ فاعلم أن قلبك مريض؛ لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب، كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها على كل حال أنا أقول: يجب علينا، وأوجه هذا القول لنفسي قبلكم ونرجو الله العون للجميع، أقول: إنه يجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الآخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً؛ لأن تجارتهم أعظم من تجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف قطاع طريق أو سراق صار أشد قلقاً. لكن تجارة الآخرة على العكس من هذا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الصف:10-12] تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات. (جنات عدن) أي: جنات إقامة، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف:12] مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، أتظنون أن بناء الجنة من إسمنت وحصى؟ لا. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما) . والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر ويقول: ليتني لم أولد، أو يكفيني أن أنجو من النار، وهاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: [ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني] لأن الإنسان يخاف، قد يظن أنه آمن الآن؛ لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويبر الوالدين، وما أشبه ذلك لكن قد يكون في قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة -والعياذ بالله- كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: مدة قريبة لموته، ما هو ذراع في العمل لأن عمله كله هباء، هو (يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) كما جاء في الحديث الصحيح. لكن قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، المعنى: حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة (ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها) لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) فالإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، ويخاف من الرياء، ويخاف من العجب، ويخاف من الإمنان على الله بعمله. فنسأل الله تعالى أن يحمينا وإياكم من سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ونستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 79 ¦ الصفحة: 6 حكم الاجتماع للتعزية السؤال فضيلة الشيخ إذا مات لأناس ميت فإنهم يجلسون في البيت ويستقبلون المعزين، وقد سمعنا عنكم أن هذا بدعة، فهل جلوسهم هذا يعتبر محرماً؟ ثم هل يغلقون بابهم أمام الزائرين وكذلك الهاتف؟ وهل الذاهبون إلى هؤلاء للتعزية آثمون؟ ثم ما حكم الوالد أو الوالدة بذلك؟ الجواب على كل حال نقتصر على الفقرة الأولى لأن قاعدتنا ألا نزيد على سؤال. الاجتماع للتعزية لا شك أنه بدعة، فهاهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يموت له أبناء وأعمام وأصحاب ولم يجلس يوماً من الدهر ليتلقى العزاء، مع أنه هو المشرع، ومع أن الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس في مواساة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعزيته، لكن لم يفعلوا، ولم يتوافدوا إليه ليعزوه وما علمنا بهذا أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: [كنا نعد الاجتماع لأهل الميت وصنع الطعام من النياحة] ومعلوم أن النياحة من كبائر الذنوب، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن النائحة والمستنيحة. وإني أقول لكم من هذا المكان: العادات لا تحكم على الشرع، وإنما الشرع يحكم على العادات، أي: يجب أن نرد العادات إلى الشرع، لا أن نرد الشرع إلى العادات، لا نقول: الناس اعتادوا هذا، الجاهلية اعتادوا الشرك هل تركهم الرسول على ما هم عليه؟ والعصاة اعتادوا المعصية هل نتركهم؟ فإذا كان هذا الأمر ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عهد الصحابة فلماذا نفعله؟!! ثم إن هذا الاجتماع يصحبه في بعض البلدان إيقاد الأنوار، تجد البيت كأنه بيت عرس وقد صفوا الكراسي، واجتماع الناس هذا داخل وهذا خارج، وربما يحصل بكاء وعويل، وربما يأتي قارئ يقرأ بالمال يريد بعمل الآخرة الدنيا فنعينه على هذا الأثم. فالحاصل: أنا نرى أن هذا من البدع، وأنه يكف عنه، وقد ذكر ذلك أهل العلم قبلنا انظروا إلى كتبهم، ولكن قد يقول قائل: إذا كان قرابة الرجل يريدون أن يأتوا إلى بيت قريبهم ليعزوه وينصرفوا، بدون أن يفتح الباب ويستقبل الناس هذا داخل وهذا خارج، فأرجو ألا يكون في هذا بأس، ولا حرج. لأنه أحياناً لو مات عمك أو أخوك فليس من صلة الرحم ألا تذهب إلى بيتهم تعزيهم، اذهب وعزهم لكن من دون اجتماع، أتدرون لماذا شرع العزاء؟ شرع لأجل أن نقوي المصاب على الصبر والتحمل، لا لنجتمع إليه من أجل أن نصبح معه. وعليه: فإذا كان هذا الذي مات له قريب لم يهتم بقريبه إطلاقاً، بل ربما يفرح أنه مات؛ لأنه بينه وبينه مشاكل في الدنيا، فهذا لا يستحق التعزية، ربما يقول: هذا يستحق التهنئة؛ لأنه مات خصمه، لكن الناس اعتادوا من مات له قريب ذهبوا وعزوه واجتمعوا إليه، وبعض الناس يذبحون ذبائح، فنقول: لا تكلف نفسك في أمر ليس مستحباً لك في الشريعة، إنما فيه إضاعة الوقت والمال، والمخالفة لهدي السلف. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 7 حكم قطع صلة الرحم بسبب الخصومات السؤال فضيلة الشيخ! يكثر في بعض القرى التقاطع بين الناس والتخاصم والتهاجر حتى بين الأقارب فيصل ذلك إلى شهر وشهرين بل إلى سنين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فبعض أبناء هؤلاء الناس يريد أن يسلم على الآخرين ويأتيهم ويزورهم فيغضب عليه والده أو إخوته، وربما يقاطعونه ويهجرونه بسبب أنه: ذهب إلى خصمهم، فهل يعصيهم ويذهب ويسلم عليهم؟ أم يطيع والديه ويبقى مقاطعاً للآخرين طول حياته؟ الجواب هذا السؤال يتضمن توجيهين: التوجيه الأول: أن نوجه إلى هؤلاء القوم الذين يغضبون على أولادهم أو على أقاربهم إذا وصلوا أرحامهم، ونقول لهؤلاء الذين يغضبون من صلة الرحم: إنهم مضادون لله عز وجل، محادون له، كيف؟ أليس الله أمر بصلة الرحم وإذا أمر بها فقد رضيها، وهؤلاء لا يرضون بما يرضى الله، ولا يأمرون بما أمر الله، بل ينهون عما أمر الله، فيكون فيهم صفة وخصلة من خصال المنافقين، ماذا قال الله في خصال المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] هؤلاء يأمرون بقطيعة الرحم وينهون عن صلتها، وهذه خصلة من خصال المنافقين. فأوجه كلمتي هذه إلى هؤلاء: أن يتوبوا إلى ربهم، وألا يخالفوا الله عز وجل في أمره، وألا يرضوا ما يكرهه الله ويكرهوا ما رضيه الله، قبل أن يموتوا وعلى هذه الحال وقد قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ويدل على أن الله أعمى أبصار هؤلاء أنهم لا يرضون ما رضيه الله ولا يأمرون بما أمره الله، بل يكرهون ما رضيه الله وينهون عما أمر الله، هذا من عمى الأبصار، أما اللعنة فأمرها إلى الله، لكن الله وعدهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} صاروا لا يسمعون الحق ولا ينظرون إليه. ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) فهل يرضى هؤلاء أن يموتوا على هذه الحال، ثم لا يدخلون الجنة؟! هذا التوجيه الأول بالنسبة لهؤلاء الذين لا يرضون أن يصل الرجل رحمه. أما بالنسبة للآخرين وهو التوجيه الثاني: فإني أقول لهؤلاء الذين يقولون: إن أبانا أو أخانا أو أمنا لا يرضى أن أصل رحمي، أقول: صل رحمك وإن رغم أنفه، لأنك إذا وصلت رحمك فقد أطعت ربك وإذا لم تصل رحمك فقد عصيت ربك، وهل يعصى الله بطاعة المخلوق أو يعصى المخلوق بطاعة الله؟ يعصى المخلوق بطاعة الله، فأقول: صل رحمك وإن لم يرغبوا، فإن قاطعوك فصلهم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل أخبر: (أنه يصل رحمه ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه، ويحلم عليهم ويغضبون عليه، فقال: إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل) يعني: كأنك تجعل في أفواههم الرماد الحار. فأقول للأخ: صل الرحم، سواء غضب أبوك أم لم يغضب، ثم لا تدخر وسعاً أن تنصح والدك، وتقول: يا أبتِ هذا حرام عليك، كيف تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، ثم تطلب منه وتنصحه أن يصل الرحم هو، ولو غضب عليك، إبراهيم ماذا قال لأبيه؟ {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42] إلى أن قال له أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} [مريم:46] . الجزء: 79 ¦ الصفحة: 8 حكم رد السلام أثناء الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: هل رد السلام أثناء الصلاة سنة أم ترك السلام على المصلي أفضل؟ الشيخ: أنت الآن سألت سؤالين: هل رد السلام أو ترك السلام. السائل: أيهما أفضل؟ الشيخ: الرد من المسلم عليه، والترك من المسلم فأي الأمرين تريد؟ السائل: أريد المصلي هل الأفضل له أن يرد السلام بالإشارة باليد أو لا؟ الجواب المصلي يرد السلام بالإشارة كما جاء في الحديث، ثم إذا سلم وكان المسلم موجوداً رد عليه باللفظ وإن كان قد انصرف كفت الإشارة. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 9 حكم التناوب في العمل السؤال فضيلة الشيخ هذا سؤال مرسل: رجلان يعملان معاً في أحد الشركات في عمل ليلي فيتفقان على أن ينام أحدهما أول الليل فيوقظه صاحبه بعد انتصاف فترة الدوام ليواصل الآخر الفترة المتبقية ويقولان: إن هذا الفعل لا يؤثر على مجرى العمل، ولكن هذا يتم دون علم الإدارة فما الحكم في هذا سلمكم الله؟ الشيخ: يعني: أن رجلين مكلفان أن يقوما بعمل ليلي من أوله إلى آخره، فاتفقا على أن ينام أحدهما أول الليل ويقوم الآخر بالعمل والثاني بالعكس، أقول: إن هذا العمل لا يجوز إلا بعد إذن المسئول، وشرط آخر: ألا يخل ذلك بالعمل، كأن يكون العمل يتطلب وجود اثنين، فإنه لابد حتى لو أذن لهما من هو فوقهما فإنه لا يجوز لهما أن يتناوبا، والحاصل أن هذا جائز بشرطين: الشرط الأول: إذن المسئول. الشرط الثاني: ألا يختل العمل، فإن اختل العمل فإنه لا يجوز ولو أذن المسئول. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 10 الجاهل في العبادة يعذر بجهله ولا يلزم بإعادتها السؤال فضيلة الشيخ: يقول صلى الله عليه وسلم في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة. ) إلى آخر الحديث، الرسول عليه الصلاة والسلام علمه كيفية التيمم فقال له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ولم يعد التيمم) فهل يفهم من هذا الحديث أنه يعذر الجاهل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسيء صلاته: (صل فإنك لم تصل) ؟ الجواب هذا الحديث حديث عمار بين ياسر يدل على أن من تيمم على غير وجه مشروع ظاناً منه أن هذا هو المشروع فإنه لا إعادة عليه؛ لأنه جاهل مجتهد، وأما حديث المسيء في صلاته فهو مثله أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية، حيث كان يؤديها بلا طمأنينة جاهلاً، أما الصلاة الحاضرة فإنما أمره بإعادتها لأنه مطالب بصلاة صحيحة في هذا الوقت ولم يأت بها، فهذا هو الفرق بينهما، وأما أنهما يعذران بالجهل فهما سواء؛ لأن المسيء في صلاته لم يقل له:أعد ما صليت، وكذلك عمار لم يقل له: أعد ما صليت. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 11 حكم التبليغ عن المهمل في عمله بعد المناصحة السؤال فضيلة الشيخ: هذه المسألة حدث لنا فيها إشكال كبير فنرجو البيان الوافي فيها للحاجة الماسة إليه: نعمل في مكان تكثر فيه المنكرات، ويتم الإنكار على المسئول بالطرق الشرعية الحكيمة بالمكاتبة والمهاتفة وغيرها من طرق البلاغ، والمنكرات لا تزال والمحتسب غير مستعجل النتائج، لكن حصل إشكال في براءة الذمة في حد البلاغ؛ فأناس قالوا: يكفي أن نبلغ المسئول القريب عن هذه المنكرات، وإن أهمل التعميم الصادر بشأنها وإن كنا نعتقد أن المسئول لا يبالي وأن الإمام لا يعلم بهذا ولا يرضاه. وفريق قال: بل لا تبرأ الذمة ولابد من الكتابة للإمام؛ لأن جزمنا بأن المسئول القريب لا يهتم بتنفيذ التعميم والإمام لا يعلم غش في النصح يلحقنا بسببه الإثم، فأين الصواب غفر الله لكم ولوالديكم؟ الجواب هذا سؤال مهم كما قال السائل: وهو أن بعض المسئولين على بعض القطاعات لا يهتمون لا بالأمور الشرعية، ولا بالأمور النظامية، مهمل، غير صالح للعمل في هذا المكان لا نظاماً ولا ديناً، فيناصحه بعض من تحت يده من أهل الخير والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه يصر على ما هو عليه، فهل تبرأ الذمة بمناصحته، أو لا بد من أن يرفع الأمر إلى من فوقه ليعدله أو يبدله؟ أقول في جوابي على هذا: لابد أن يرفع الأمر إلى من فوقه، يجب وجوباً أن يرفع الأمر إلى من فوقه، والسكوت على هذا غش؛ غش لولاة الأمور، وغش للعمل، وظلم حتى لهذا المسئول المتهاون؛ لأنك إذا رفعت الأمر إلى من فوقه وحصل المقصود والاستقامة، فقد رفعت عن هذا المسئول المباشر لك، رفعت عنه إثم التهاون وترك القيام بالواجب، يعني: أنك نصحته قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم كيف ننصر الظالم؟ قال: تمنعوه من الظلم) فالواجب على كل إنسان عليه مسئول مباشر مضيع للأمانة في الدين أو في النظام أن يناصحه بكل ما يستطيع من مناصحة، فإن حصل المطلوب فهو المطلوب، وإن لم يحصل وجب عليه أن يرفعه إلى من فوقه لأجل أن يبدل أو يعدل، أما السكوت على الخطأ فهذا خطأ. قد يقول: أخشى أن هذا يتسلط عليَّ ولا يحصل المقصود، نقول: هذا حاصل، يمكن ألا يحصل المقصود، ويكون الذي فوقه أيضاً غير مبالٍ، لكن إن حصل عليك في هذا ضرر فهذا في ذات الله، فلك فيه الأجر، ولك الذكرى الحسنة في حياتك وبعد موتك، واصبر على ما أصابك، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] على أن الإنسان إذا قام بما أمر الله به على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل فإن العاقبة ستكون له، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] ، وقال تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] لكن علينا أن يكون إيماننا تاماً بهذا، ونعلم أن العاقبة لنا متى اتقينا الله. والعاقبة لا يلزم أن تكون سريعة، فلا يلزم أن تكون عاجلة، قد تتأخر ابتلاءً وامتحاناً، وقد لا تحصل إلا في الآخرة أيضاً ليكون ذلك أكثر أجراً وثواباً. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 12 حكم أخذ الإيجار على محل صالون الحلاقة السؤال فضيلة الشيخ: سائل يسأل بأن له قريباً لديه صالون حلاقة مؤجر على عامل ونصحه بأن هذا العمل محرم، وأن المال سحت، وأنه لا يجوز حلق لحى المسلمين، فقال: أنا لم آخذ من العامل إلا إيجار المحل مائة وخمسين ريالاً، والناس أحرار في حلق لحاهم، وأنا لم أجبرهم بحلقها عنده، فإذا أتيت لي بفتوى من الشيخ عبد العزيز أو الشيخ محمد حفظهم الله بتحريم إيجار المحل فسوف أغلق المحل، فما تقول يا شيخ في ذلك؟! وهل من نصيحة توجهونها إلى من ابتلي من الناس بأكل الأموال بالباطل؟ الجواب أقول جزاه الله خيراً على هذا وعلى ثقته بي، أما الشيخ عبد العزيز فهو محل الثقة وأرجو أن أكون أنا كذلك إن شاء الله، أقول للأخ: إن هذا الصالون إن كتب عليه كتابة ينفذ ما فيها: ممنوع حلق اللحية، إن كتب هذه العبارة وصار من طلب منه أن يحلق اللحية أبى عليه، فلا بأس أن يطلب رزق الله، أما إذا كان سيحلق لمن طلب منه الحلق إما حلق الرأس أو اللحية فإنه لا يجوز، وعليه أن يستبدل هذا الصالون ويبدله بما هو خير منه، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه فالحاصل أن فتح الصوالين للحلاقة فيه تفصيل: إذا كان الإنسان سيمتنع من حلق ما يحرم حلقه؛ فلا بأس؛ هذا من أسباب الرزق، وإن كان سيحلق ما طلبه المحلوق ولو كان حراماً فإنه لا يجوز. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 13 ما يجوز للمتعلمين في الطب على تشخيص الأمراض وما لا يجوز السؤال فضيلة الشيخ هذا سؤال من طلاب كلية الطب يقولون فيه: بدأنا هذه السنة بالتطبيق في المستشفى ونقوم بالكشف على المرضى للتدرب على تشخيص الأمراض، فما الذي يجوز لنا والذي لا يجوز لنا فعله في هذا المجال جزاكم الله خيراً؟ الجواب كل ما تدعو الحاجة إليه لعلمكم فهو جائز لأن أقصى ما في ذلك أن تنظروا إلى العورة مثلاً، والنظر إلى العورة للحاجة لا بأس به، لكن لو فرض أنه وكل إليكم النظر إلى امرأة مريضة وخفتم على أنفسكم من الفتنة فامتنعوا، قولوا: والله نحن لا نستطيع، هل يمكن لأحد أن يُمكَّن من فصد الناس وشق بطونهم إلا بعد أن يختبر؟ لابد من اختبار خصوصاً مادة الطب ليست هينة بل هي صعبة، يأتي إنسان لم يفهم الطب إلا نظرياً يقولون له: تفضل، هذا المريض أمامك يحتاج إلى أن تشق بطنه من النحر إلى السرة، أو من السرة إلى العانة تبقر بطون الناس وتقول طبيب، لا يصلح هذا، لابد من عملية، لابد من تمرن عملي. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 14 حكم متابعة الإمام إذا زاد في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة هل يتابعه المأموم أو يجلس؟ الجواب إذا قام الإمام إلى ركعة زائدة وجب عليه أن يرجع متى علم أن هذه زائدة حتى لو قرأ الفاتحة حتى لو ركع، لا يجوز الاستمرار في الزائد، وقد فهم بعض الناس أنك إذا قمت إلى الركعة الزائدة فإنك لا ترجع، ظنوا أن ذلك مثل ترك التشهد الأول، التشهد الأول إذا قمت عنه ناسياً استمر ولا ترجع إليه، لكن الزيادة إذا قمت إليها ناسياً وجب عليك أن ترجع متى ذكرت، فإذا كان إماماً وجب على المأمومين أن ينبهوه، بما أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال) يقول: سبحان الله، فإن رجع فهذا المطلوب، وإن لم يرجع وجب على المأموم أن يجلس متى تيقن أنها زائدة ثم ينتظر ويسلم مع الإمام. قد يقول قائل: كيف أنتظره وأنا أعتقد أن صلاته باطلة لأنه زاد؟ نقول له: اعتقادك أن صلاته باطلة غير صحيح، لأن الإمام أحياناً ينسى قراءة الفاتحة في بعض الركعات، ثم يأتي بالركعة هذه تكملة لصلاته فما دام هذا الاحتمال وارداً فنقول: اجلس للتشهد واقرأ التشهد مرة أو مرتين أو ثلاثاً حتى يصل الإمام ثم تصلي معه. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 15 حكم اشتراك المسلم مع غير المسلم في العمل السؤال فضيلة الشيخ: نعمل في مكان يعمل فيه كثير من الهندوس والنصارى، وعملهم مرتبط بنا فكيف نعاملهم؟ الجواب اشتراك غير المسلمين مع المسلمين في العمل لا بأس به مع الحاجة، أما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يستقدم أحد من غير المسلمين إلى الجزيرة العربية؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ، وقال: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) ، وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) وخطر غير المسلمين في جزيرة العرب خطر عظيم؛ وذلك لأن هذه الجزيرة منها بدأ الإسلام وإليها يعود، كما ثبت أنه: (يأرز إلى المدينة -أي: يرجع إليها- كما تأرز الحية إلى جحرها) . فوجود غير المسلمين معنا خطر يا إخواني! لكن نشكو إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا للنظر في هذا الأمر الخطير. إنما إذا ابتليت بمشاركة غير المسلمين معك في العمل فعاملهم بما يعاملونك به؛ إلا أنك لا تبدأهم بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) ولا تكرمهم بفسح الطريق لهم، يعني: لو أن جماعة المسلمين تلاقوا مع جماعة من غير المسلمين لا يكرمهم المسلمون بفسح الطريق لهم، يجعلونهم هم الذين يضطرون إلى الضيق، هم يتراصون ويدخلون مع الفوج واحداً واحداً. لكن قد تبتلى ببلية يكون رئيسك هو الكافر، تدخل عليه لتراجعه في حاجة من الحاجات فماذا تقول؟ إن قلت: السلام عليك عصيت الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن سكت خفت على نفسك فماذا تقول؟ تحييه بغير السلام، تقول: صباح الخير، أو كيف حالك، وما أشبه ذلك، أو تقول: السلام ولكن لا تقول: عليكم وتنوي السلام يعني مطلوب عليَّ وعلى عباد الله الصالحين، الحمد لله الأمر واسع ولا يعلم عما في قلبك إلا الله. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 16 العدل مطلوب بين المسلم والكافر السؤال فضيلة الشيخ: إذا أتانا في العمل كافر ومسلم لأن لهم عندنا حاجة في العمل ننجزها فأتى الكافر قبل المسلم هل نقدم المسلم على الكافر أو الذي أتى الأول؟ الجواب لا. ابدأ بالذي أتى الأول، هذا هو العدل، ولهذا قال العلماء: لو تحاكم كافر ومسلم عند القاضي هل يجعل المسلم في مكان أحسن من الكافر؟ لا. لا يجعله في مكان أحسن بل يجعلهم سواء أمامه، ولا يخاطب المسلم بخطاب لين والكافر بخطاب قاسٍ، هذا لا يجوز، فالحكم بين الناس يجب أن يكون بالعدل قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8] وأنت إذا فعلت ذلك وعدلت فربما يكون هذا سبباً لإسلام الكافر؛ لأن في هذا الدين العدل والكافر في قومه لا يرى العدل، وذكر لي أحد طلبة العلم -وأنا لم أرها لكن ذكر لي- أنه في عهد معاوية رضي الله عنه كان أميراً على الشام في زمن عمر، فاحتاج بيت المال إلى زيادة وكان إلى جنب بيت المال بيت ليهودي، فطلبه معاوية ليوسع به بيت المال فأبى اليهودي فأعطاه أكثر من قيمته فأبى، فأخذه معاوية قهراً وقال: ثمن بيتك في بيت المال متى شئت خذه، فركب الرجل إلى أمير المؤمنين عمر في المدينة، وكان معاوية في الشام رضي الله عنه قد اتخذ لنفسه هيبة؛ لأنه في أمة يهابون الناس في الشكل، فلما قدم المدينة سأل عن عمر الخليفة أمير المؤمنين وذاك أمير في الشام فقط، سأل عن الخليفة أين الخليفة؟ ظن أنه في قصور مشيدة عظيمة، قالوا: لعله في المكان الفلاني عند بعض العجائز، أو لعله في المسجد، فذهب ورآه في المسجد وقد توسد كومة من الحصى وعليه ثوب مرقع قالوا: هذا عمر، قال هذا عمر؟!! فعرض عليه القضية، فكتب عمر رضي الله عنه إلى معاوية أن اعدل، فقط ما كتب غيرها. فذهب بها اليهودي إلى معاوية وقال له: تفضل، قرأها معاوية قال: الآن تريد أن نعيد لك بيتك كما كان أعدناه، هكذا أمر عمر، قال هكذا أمر؟ قال نعم، قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبيتي لكم، انظر العدل، العدل يضطر النفس إلى التصديق والقبول، فالآن إذا جاءتك معاملة فابدأ بالأول سواء كان مسلماً أو كافراً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 79 ¦ الصفحة: 17 لقاء الباب المفتوح [80] في هذا اللقاء متممة لشرح أواخر آيات سورة الشرح، وبين الشيخ كيف أن العسر لا يغلب يسرين، وأن الإنسان مطالب دائماً أن يكون في عبادة وأن تكون أعماله كلها لله، فإذا فرغ نصب للعبادة إلى الله تعالى. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر سورة الشرح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل خميس، وهذا هو اللقاء الثمانون الذي يتم يوم الخميس الثامن والعشرين من شهر جمادى الثانية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه اللقاءات، وأن يجعلنا وإياكم ممن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً حتى ييسر الله لنا بذلك طريقاً إلى الجنة. كنا نقدم في هذا اللقاء تفسيراً لكتاب الله العزيز الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] والذي يجب على كل مسلم أن يتعلم من معانيه ما يحتاج إليه في أمور دينه ودنياه؛ لأن الله إنما نزل القرآن للتلاوة والتدبر والاتعاظ، أي: ليس المقصود من إنزال القرآن أن نتعبد الله بتلاوته فحسب، بل أن نتعبد بتلاوته ومعرفة معانيه ونعمل به، والدليل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] ولم يقل ليتلوه تلاوة لفظية، قال: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29] يتدبرونها: يتفهمون معناها، ويتذكرون بها، ويعملون بها. وقد وصلنا في هذا التفسير المبتدئ من سورة النبأ إلى سورة التين، انتهينا في سورة الانشراح وكنت أظن أننا أنهيناها ولكن انتهينا إلى قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:1-3] . الجزء: 80 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] . فرفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك فيه؛ لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان وذلك في الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد فإن التشهد مفروض وفيه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع فيها ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، كيف ذلك؟ لأن كل عبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المتابعة للرسول سوف يستحضر عند العبادة أنه متبع فيها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا من رفع ذكره. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فإن مع العسر يسراً) قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] هذه بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة، ونسأل الأخ: هل جرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر؟ حين كان بـ مكة يضيق عليه بـ مكة والطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5] أي: كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة، كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر. {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] قال ابن عباس عند هذه الآية: [لن يغلب عسر يسرين] فكيف توجيه كلامه رضي الله عنه مع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين؟ قال أهل البلاغة: توجيه كلامه: أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة، (فإن مع العسر يسراً) (إن مع العسر يسرا) العسر الأول أعيد في الثانية بأل، فأل هنا للعهد الذكري، وأما اليسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير أن الثانية غير الأول إلا ما ندر، والعكس إذا كرر الاسم مرتين وهو معرف فالثاني هو الأول إلا ما ذكر، يعني: انتبهوا لهذه القاعدة، القاعدة الآن: إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول، لأن الثاني نكرة فهو غير الأول. إذاً: في الآيتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد؛ لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف. (فإن مع العسر يسرا) هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر -يا أخي- فانتظر التيسير. أما في الأمور الشرعية فظاهر، (صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) هذا تيسير، إذا شق عليك القيام اجلس، وإذا شق عليك الجلوس فصلِّ وأنت على جنب. في الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم وإن لم تقدر فأفطر، إذا كنت مسافراً فأفطر. في الحج إذا استطعت إليه سبيلاً فحج، وإن لم تستطع فلا حج عليك. بل إذا شرعت في الحج وحصل لك ظرف لا تتمكن معه من استكمال الحج فتحلل، افسخ الحج واهدِ، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] . إذاً: كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر، وكذلك في القضاء والقدر يعني: تقدير الله على الإنسان من مصائب وضيق عيش وضيق صدر وغيره لا ييئس {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5] التيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسياً مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فيوسع الله له الغنى، هذا تيسير حسي، إنسان مريض يتعب فيشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل هذا أيضاً تيسير حسي، هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر، هذا تيسير، إذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسر، صار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها وصار بما أعانك الله عليه من الصبر صار أمراً يسيراً، أي: لا تظن أن اليسر معناه أن ينفرج شيء مرة، لا، اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي، وأن يعين الله الإنسان على الصبر، حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه، نقول هذا: لأننا واثقون بوعد الله {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6] . الجزء: 80 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب) قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8] المعنى في هذه الآية: إذا فرغت في أعمالك فانصب في عمل آخر، أي: اتعب لعمل آخر، لا تجعل الدنيا تضيع عليك، ولهذا كانت حياة الإنسان العاقل حياة جد، كلما فرغ من عمل شرع في عمل آخر، لا يوجد ضياع وقت، الزمن لا يرحم كما يقولون، الزمن يمشي ويفوت على الإنسان في حال يقظته ومنامه، وشغله وفراغه، يسير، هل يمكن لأحد أن يمسك الزمن؟ لا. لا يمكن، لو اجتمع الخلق كلهم يوقفون الشمس حتى يطول النهار ما تمكنوا، الزمن لا يمكن لأحد أن يمسكه. إذاً، اجعل حياتك جداً، إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل الآخرة، فرغت من الآخرة اشتغل في أمر الدنيا، فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة يكتنفها عملان دنيويان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] أي: وأنتم مشتغلون في دنياكم {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:9-10] اسعوا بيعوا واشتروا، فرغنا من شغل اشتغلنا في آخر، فرغنا منه اشتغلنا في آخر، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان دائماً في جد. فإذا قال قائل: لو أنني استعملت الجد في كل حياتي لتعبت ومللت؟ قلنا: إن استراحتك لتنشيط نفسك وإعادة النشاط يعتبر شغلاً وعملاً، يعني: ليس اللازم الشغل بالحركات، لا، فراغك من أجل أن تنشط للعمل الآخر يعتبر عملاً، المهم أن تجعل حياتك كلها جداً وعملاً. {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8] أي: إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت في الأخرى فارغب إلى الله عز وجل في الثواب، في حصول الأجر في الإعانة، كن مع الله عز وجل قبل وبعد العمل، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده ترجو منه الثواب، {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:8] . الجزء: 80 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وإلى ربك فارغب) في قوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:8] فائدة بلاغية أسألكم عنها: (إلى ربك) متعلقة بماذا؟ متعلقة من حيث الإعراب، فارغب مقدمة عليه، وتقديم المعمول يفيد الحصر، أي: إلى الله لا إلى غيره فارغب في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحالة، أي: ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم لأنه لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممتثلين لأوامره، مصدقين بأخباره، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 80 ¦ الصفحة: 7 جواز الجمع بين الصلوات للمريض الذي لا يستطيع القيام السؤال فضيلة الشيخ! والدي مريض يستطيع الوضوء لكنه لا يستطيع القيام، هل يجوز له التيمم والجمع بين الصلاتين في البيت؟ الجواب يقرب له الماء ويتوضأ وله أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وأذكر لك طريقة تسهل عليه الأمر: يؤخر الظهر إلى العصر جمعاً ثم يتوضأ في وقت العصر ويصلي قبل أن تصفر الشمس، ويمكن أن يبقى على طهارته إلى أن يؤذن المغرب ثم يصلي المغرب والعشاء جمع تقديم، ويكون له في هذه الحال كم وضوءاً؟ وضوء واحد، الآن له وضوء واحد لأربع صلوات، وصلاة الفجر يقوم ويتوضأ، لأنه لا يوجد هناك تيمم إلا إذا تعذر الأمر في استعمال الماء، لكن ما دام ممكن فلا. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 8 العمليات الاستشهادية في الميزان السؤال فضيلة الشيخ! نسمع في بعض ساحات الجهاد ممن يقوم بأعمال جهادية ويسميها البعض أعمالاً انتحارية بأن يلغم نفسه بالقنابل ويلقي بنفسه بين جنود العدو لتتفجر القنابل في جسده فيموت أولهم، فهل يقاس هذا الفعل على العبد الذي يعجب الله منه وهو يقاتل بلا درع؟ الجواب هذه الأعمال الانتحارية التي يذهب الإنسان إلى عدوه وقد ملئ جسمه من القنابل لتتفجر ويكون هو أول قتيل فيها محرمة، والفاعل لها قاتل لنفسه، وقتله لنفسه واضح، حمل القنابل وتفجرت به فمات، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، لكن إذا كان هذا الإنسان فعل هذا جاهلاً يظن أن هذا من تمام الجهاد فإن الله سبحانه وتعالى لا يعذبه بذنبه لأنه متأول. وأما من علم بذلك فإنه يعتبر قاتلاً لنفسه، وقد يورد علينا بعض الناس في هذا القول: أن البراء بن مالك رضي الله عنه في غزوة بني حنيفة أمر أصحابه أن يحملوه ويقذفوا به داخل الباب؛ باب الحوطة، من أجل أن يفتح الباب لهم، وهذا لا شك أنه إلقاء بنفسه إلى أمر خطير فيقال: إن البراء بن مالك رضي الله عنه قد وثق من نفسه أنه سينجو وفيه احتمال ولو واحد من مائة أنه ينجو، لكن من تقلد بالقنابل التي نعلم علم اليقين أنه أول من يموت بها فهذا ليس عنده احتمال ولا واحد في المائة ولا واحد في الألف أنه ينجو، فلا يصح قياس هذا على هذا، نعم للإنسان الشجاع البطل الذي يعرف نفسه أن يخوض غمار العدو ويخرق صفوفهم لأن النجاة فيها احتمال، وعلى هذا فيكون إيراد مثل هذه القضية غير وارد، لأن هناك فرقاً بين من يعلم أنه سيموت ومن عنده احتمال أنه سينجو. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 9 حكم السجع في الدعاء السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم والسجع في الدعاء) ؟ الجواب هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه، لكن الإنسان ينبغي له أن يدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء نافع جامع، وأحسن ما يدعو به العبد ما جاءت به السنة بل ما جاء به القرآن وما جاءت به السنة، في القرآن أدعية كثيرة: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147] ، {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] والآيات في هذا كثيرة، وكذلك السنة أتت بذلك أي: بأدعية كثيرة، فالمحافظة على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية هو الأفضل، لكن قد يكون للإنسان حاجة ليست مذكورة في الكتاب والسنة فيدعو الله تعالى ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180] وإذا جاء السجع سجية وطبيعة بدون تكلف فإنه مما يحسن اللفظ ويجمله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحياناً يستعمل السجع مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق) فإذا جاء السجع من غير تكلف فهو من محسنات اللفظ، أما مع التكلف كما يوجد في بعض ما يدعو به بعض الناس في دعاء ختم القرآن من الأسجاع الطويلة العريضة، وربما يكون فيها اعتداء في الدعاء بحيث يتوسلون إلى الله تعالى بما لم يكن وسيلة، أو يدعون الله تعالى بما لا يمكن أن يكون لهم، فهذا غلط. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 10 كيفية معاملة أهل البدع السؤال فضيلة الشيخ! عندنا في العمل شيعة هل يجوز أن نرد عليهم السلام، ونراهم في المسجد كذلك يصلون على أوراق فهل يجوز طردهم من المسجد؟ الجواب أقول عاملهم بما يعاملونك به، إذا سلموا فرد عليهم السلام، ولا يحسن أن يطردوا من المسجد، بل ربما يكون بعضهم من العامة الذين لا يعرفون شيئاً وقد ضللهم علماؤهم؛ فيمكنكم أنتم باللباقة والدعوة بالتي هي أحسن أن تؤثروا عليهم، واستعمال العنف بين الناس أمر غير وارد، والله سبحانه وتعالى يحب الرفق في الأمر كله، فأنتم الآن لو تصادمتم معهم وقلتم: لا تسجدوا على ورق لا تسجدوا على حجر وما أشبه ذلك، لو كان الأمر ينتهي إلى هذا ثم ينتهون؛ لكان الأمر طيباً، لكن سوف يزيدون، وسوف تكون العداوة والبغضاء بينكم أشد. فالذي أرى: أن الواجب أولاً نصحهم، لاسيما العوام، والنصح ليس معناه أن تهاجم مذهبهم وملتهم الفاسدة الباطلة، لا. النصح أن تبين لهم الحق وتبين لهم السنة، ثم بعد ذلك إذا تبينت لهم السنة فأنا أجزم جزماً إن كان عندهم إيمان حقيقة أن يرجعوا إليها وأن يدعوا باطلهم، فإن حصل هذا فهو الأكمل والأحسن، وإن لم يحصل فأنتم عاملوهم بما يعاملونكم به، وأما طردهم من المسجد فليس إليكم إنما هو إلى من فوقكم، ويعاملونهم بما يرون. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) السؤال فضيلة الشيخ يقول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] هل أفعال العباد من سيئات وحسنات مخلوقة، بارك الله فيكم؟ الجواب قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] هذه فيها قولان للعلماء: قول أن (ما) مصدرية، والمعنى: خلقكم وخلق عملكم، وعليه يجري سؤالك: هل عمل الإنسان مخلوق أم لا؟ والجواب أنه مخلوق لله لا شك، عملك من صفاتك، أليس كذلك؟ عمل الإنسان من صفاته الحركات السكنات ذهاب مجيء من صفاته، والإنسان نفسه مخلوق وصفات المخلوق مخلوقة لأنها تابعة له، فالله سبحانه وتعالى خلقك، وأفعالك من صفاتك؛ فتكون صفاتك مخلوقة لله كما أن ذاتك مخلوقة لله. الوجه الثاني أو القول الثاني في الآية: أن (ما) هنا اسم منصوب، أي: خلقكم وخلق الذي تعملونه، والذي يعملونه ما هو؟ أصنام ينحتونها، كما في الآية التي قبلها: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:95-96] يعني: والذي تعملونه، وهي هذه الأصنام التي ينحتونها بأنفسهم، فإذا كانت هذه الأصنام مخلوقة فكيف يصح أن تكون معبودة؟! الجزء: 80 ¦ الصفحة: 12 الرد على شبهة مصافحة المرأة الأجنبية السؤال فضيلة الشيخ! أورد بعض الكتاب المعاصرين شبهة حول مصافحة المرأة الأجنبية وقالوا: لا بأس بالمصافحة العفوية؛ والخلوة البريئة بالأجنبية مع سلامة القلب، وأن الإيمان في القلب، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لا أصافح النساء) فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فما تعليقكم على هذه الشبهة وفقكم الله؟ الجواب تعليقنا على هذه الشبهة: أنها خطأ، أن هذا القول خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وهذا عام، وقال: (إياكم والدخول على النساء) وهذا عام، حتى قالوا: (يا رسول الله! أرأيت الحمو -أي: قريب الزوج يدخل على بيت قريبه- قال: الحمو الموت) أي: فاحذروه، والمصافحة أشد من الخلوة؛ لأن المصافحة إن كانت بلا حائل ففيها مباشرة الجسم للجسم ولا يخفى ما يحصل في ذلك من فوران الشهوة، مهما كان قلب الإنسان، والثاني: إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى يغمز اليد بقوة أو بشدة، أو ينفضها، أو ما أشبه ذلك، مما يحرك الشهوة، فالمسألة خطأ كلها. وأما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تمس يده يد امرأة، فليس هذا خاصاً به، بل هو عليه الصلاة والسلام يجوز له من الخلوة بالنساء ما لا يجوز لغيره، وقد ثبت في أحاديث متعددة تدل على جواز خلوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمرأة وجواز كشفها له، في حجة الوداع سألته امرأة: عن حجها عن أبيها وكانت امرأة جميلة فجعل الفضل بن عباس وهو رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقته جعل ينظر إليها فصرف وجهه، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجوز له من النظر إلى النساء ما لا يجوز لغيره؛ لأنه أبعد الناس عن الريبة، فهذه الشبهة ليست شبهة في الواقع إلا على من كان في قلبه مرض، فإن المتنبي يقول: ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال الجزء: 80 ¦ الصفحة: 13 مسألة في استصحاب النية في جميع الأعمال السؤال فضيلة الشيخ! عند قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] يعني: في ذهني شيء: وهو أن المسلم خاصة طالب العلم يحب أن تكون أوقاته كلها مشغولة إما بعبادة أو بعمل دنيوي ينتفع به، لكن -يا شيخ- هل تكفي نية صالحة مستمرة في هذا، أم أنه يستحضر نية عند كل عمل، وهذا في كثير من الأحيان؟ الجواب هو لا شك أن تذكر النية عند العمل ومصاحبتها للعمل أفضل بلا شك بكثير، والإنسان إذا عود نفسه على هذا سهل عليه، ولكن إذا لم تكن هذه الحال العليا فعلى الأقل الحال الدنيا يعني الإنسان كلما أصبح ينوي نية صالحة بأنه لن يعمل عملاً إلا لوجه الله عز وجل، سواءً كان دينياً أو دنيوياً، وأرجو أن يكون ذلك كافياً وتكون النية هنا مستصحبة حكماً لا ذكراً، لكن استصحابها لها ذكر أفضل. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 14 حكم صلاة النساء في المصليات المنفصلة عن المسجد السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم صلاة النساء في المصليات المنفصلة عن المسجد بحيث يكون هناك ممر بينه وبين مصلى الرجال علماً بأنهن لا يرين الإمام ولا من يراه، وكذلك صلاتهن في الطابق العلوي عند الضرورة وكيف نرد على من يعارض ذلك؟ الجواب صلاة النساء في المسجد وإن كن لا يرين الجماعة لا بأس بها، وكذلك صلاتهن في دور علوي لا بأس بها أيضاً ما دام في المسجد، أما خارج المسجد فلا إلا إذا لم يكن في المسجد مكان، مثل أن يكون المسجد ممتلئاً بالرجال ويفرش لهن فراش خارج المسجد ليصلين مع الرجال فهذا لا بأس به، كما أن صلاة الرجال أيضاً خارج المسجد لا تصح إلا إذا كان المسجد مملوءاً واتصلت الصفوف بمن هو خارج المسجد فلا بأس. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 15 هل غيرة الله هي الأنفة السؤال فضيلة الشيخ! ذكر الإمام النووي في رياض الصالحين حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الله يغار وغيرة الله هي أن يأتي المرء ما حرم الله عليه) وذكر وقال يقصد بالغيرة: الأنفة، فهل هذا يعتبر من باب التأويل؟ الجواب هذا ليس من باب التأويل؛ لأن الغيرة هي الأنفة في الواقع، يغار الإنسان، أي: يأنف أن يشاركه أحد في هذا العمل، أو يأنف أن يعمل أحد هذا العمل، أو ما أشبه ذلك، فالذي يظهر لي: أن هذا تفسير بالمعنى الصحيح. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 16 حكم الدعاء بقولك: (وفي السماء سلطانك، وفي الأرض ملكك) السؤال فضيلة الشيخ! سمعت داع يدعو وأثناء تعظيمه لله عز وجل يقول: وفي السماء سلطانك، وفي الأرض ملكك، وفي البحر عظمتك وقدرتك، فهل هذا الدعاء صحيح؟ وإن كان صحيحاً فما معنى: وضع السلطان في السماء فقط والقدرة في البحر فقط بارك الله فيك؟ الجواب هذا السؤال أو هذا التوسل إلى الله بهذه الأوصاف غلط بلا شك، فسلطان الله تعالى ماض في الأرض وفي السماء، وقدرته في الأرض وفي السماء، وأخشى أن يكون هذا الداعي ممن ينكر العلو لله عز وجل فإن الذين ينكرون العلو يقولون: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] أي: من في السماء سلطانه، فيجعلون الذي في السماء هو السلطان، أما الله فهم ينقسمون فيه إلى قسمين: قسم يقول: إن الله في كل مكان، وقسم آخر يقول: ليس لله مكان، فليس في داخل العالم ولا في خارجه، ولا متصل ولا منفصل، وهو معروف في كتب العقائد، والمهم هذا التوسل يجب إنكاره على من توسل به إلى الله تعالى في الدعاء. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 17 الفرق بين الغيبة وبين الكلام على الأموات السؤال فضيلة الشيخ! كيف تجمع بين نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الغيبة، ونهيه عن سب الأموات، وبين قوله: (وجبت) ، وقوله: (أنتم شهداء الله في الأرض) ؟ الجواب الجمع بينهما: أن ما قاله الصحابة رضي الله عنهم حين أثنوا شراً على إحدى الجنازتين وخيراً على الأخرى هو مجرد الخبر الذي وقع تصديقه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقصد منه التحذير، والغيبة وهي ذكر الإنسان بما يكره ليست حراماً في كل حال، في بعض الأحيان تكون حراماً، وفي بعض الأحيان تكون مباحة، وفي بعض الأحيان تكون مطلوبة، أليست فاطمة بنت قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره في أبي جهم وأبي سفيان وأسامة بن زيد كلهم خطبوها فقال لها: (أما أبو سفيان فرجل شحيح، وأما أبو جهم فضرّاب للنساء، أنكحي أسامة) ومعلوم أن وصف أبي سفيان في غيبته بأنه رجل شحيح غيبة، وكذلك وصف أبي جهم بأنه ضراب للنساء أو لا يضع العصا عن عاتقه هو أيضاً غيبة، لكن فيها مصلحة، فالغيبة في بعض الأحيان تكون مطلوبة، وبعض الأحيان تكون مباحة، قد يقصد بها مجرد التعريف مثل الأعرج والأعمش وما أشبه ذلك من كلام العلماء المحدثين الذي تسمعهم في الأسانيد كثيراً، هذه مباحة لأنه يقصد بها التعريف، وإذا قصد بها النصيحة صارت واجبة، فهذا الذي ذكره الصحابة رضي الله عنهم يريدون بذلك الإخبار عما حصل للتحذير منه إن كان شراً، والترغيب فيه إن كان خيراً. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 18 معنى أن الوحي كصلصلة الجرس السؤال فضيلة الشيخ! في حديث الحارث بن هشام: (أن الوحي يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مثل صلصلة الجرس) ما معنى هذا؟ الجواب معناه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسمع صوتاً كصلصلة الجرس فيتلقى الوحي بهذه الطريقة، هذه أشده عليه، على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا يعرف إذا نزل عليه الوحي على هذا الوجه: (حتى إنه ليتفصد عرقاً في اليوم الشديد البرد) اللهم صل وسلم عليه. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 19 حكم لبس اللباس الملون والمعصفر السؤال فضيلة الشيخ! ورد نهي عن لبس الثياب الملونة، وما هو الثوب المعصفر؟ الجواب نعم، ورد النهي عن لبس الثوب الأحمر الخالص، أما ما فيه لون آخر فلا، وعلى هذا فلبس الشماغ لا بأس به، لماذا؟ لأنه ليس أحمراً خالصاً، فيه بياض، وكذلك لو فرضنا أن إنساناً عليه ثوب أحمر لكنه فيه خطوط بيضاء أو سوداء أو مخالفة للون الأحمر فلا بأس في ذلك، وأما المعصفر فهو الذي صبغ بالعصفر أتعرف العصفر؟ العصفر نبات معروف يكون له ثمر وزهر يشبه الزعفران، أتعرف الزعفران؟ هو يشبهه فإذا صبغ به الثوب صار أصفر يميل إلى الحمرة، فهذا منهي عن لبسه. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 20 حكم قيادة المرأة للسيارة السؤال فضيلة الشيخ! أنا أدرس في أحد جامعات المملكة في الدراسات العليا في تخصص أحتسب الشيخ: الصواب أن تقول: إحدى لأنها مؤنث. السائل: في تخصص أحتسب على الله أن أفيد فيه الإسلام والمسلمين، وقد بليت ببعض الأساتذة كما يبتلى غيري، الذين يطرحون الشبه، مثل: قيادة المرأة، ويقولون: أنها أفضل من السائق، وهذا منعاً من وقوع الزنا والأخطار التي يتحدثون عنها، وقد حصل بيني وبين بعضهم بعض النقاش والجدال، وقد نصحني بعض الإخوة الغيورين بعدم مجادلة هؤلاء حتى آخذ رسالة الماجستير وما بعدها بإذن الله تعالى، فما رأيكم في السكوت عنهم، وعدم مجادلتهم، رغم أن مجادلتهم مني دفاعاً وحفاظاً على أفكار إخواني الدارسين، وجهونا أفادكم الله؟ الجواب أوجهك أنه إذا كان هؤلاء الأساتذة يوردون هذه الشبه بدون سؤال من الطلبة فارفعوا بهم إلى الإدارة أو العمادة حتى يؤتى بهم ليطلب منهم الكف عن هذه الأشياء، وأقول من هذا المكان: إنه لا يحل لهم إيراد شبه على طلبة دونهم في العلم فيضلونهم عن الحق، وأحذرهم من أن يكونوا متصفين بقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] وأقول لهم: إن عليهم أن يدرسوا ما أنيط بهم من المادة فقط. أما إذا كان إيراد هذه الشبه من الطلبة؛ فإن الواجب أن ينظر إلى هذا الطالب المورد لهذه الشبهة نظرة جد وينصح، ويقال له: لا تفعل هذا الشيء، فإن انتهى فهذا المطلوب، وإن بقي يورد مثل هذه الشبه؛ فالواجب رفعه إلى العمادة، وأما قيادة المرأة للسيارة فقد كتبنا فيها جواباً شافياً إن شاء الله لا أدري هل نشر في الصحف أم لا، لكن كتبنا فيها وبينا فيها المحاذير والمفاسد التي تترتب على ذلك، ولسنا نقول: إن قيادة المرأة للسيارة حرام، يعنيك حركاتها وتمشية السيارة وإيقافها هذا ليس بحرام لكن ما ينتج عنه من الآثار السيئة هو الحرام، إذا كنا الآن لا نحفظ شبابنا الفتيان إذا أعطيناهم السيارة ليلاً ونهاراً كما يشاءون، كيف بالنساء؟! لا تستطيع أن تملكها، تقول: أنا سوف أذهب إلى زميلتي أجلس معها وهي تذهب إلى أمور أخرى، ثم من يضمن لنا أن تقف هذه السيارة يوماً من الأيام في طريق تتعطل، ينتهي البنزين، ثم يقف عليها رجل من أسفل الناس ولا يعطيها حاجتها إلا إذا قضت حاجته، من يأمن هذا؟ وفيه مفاسد كثيرة ذكرناها، كلها تقتضي منع المرأة من قيادة السيارة، هذه في الأمور العامة، لكن لو فرضنا أن امرأة في حائطها في بستانها تريد أن تقود السيارة من أعلى البستان إلى أسفله لتحمل مثلاً علفاً للبهائم، وما أشبه ذلك لا نمنع ذلك، ولا نقول: إنه حرام، إلا إذا علمنا أن هذا سيتخذ ذريعة إلى أن تأتي بنت التاجر وتقول: إذا أجزتم لبنت الفلاح هذا فأجيزوا لي أن أنقل سلع أبي من المخزن إلى الدكان وما أشبه ذلك، إن كان هذا يثير علينا هذا الاحتجاج فحينئذ ينظر في المسألة. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 21 حكم إنكار وجود فرض الكفاية وفرض العين في العلم الشرعي السائل: هذا الدكتور في جامعة الملك سعود ولا أدري لمن أرفع الأمر، لكنه حدث نقاش بيني وبينه يقول: إن أصل العلم واحد، ولا يوجد تقسيم للعلم بين علم شرعي وعلم غير شرعي. ويقول أيضاً بعد مناقشته قلنا: إن هناك علم فرض كفاية، وعلم فرض عين، قال: هذا ليس موجوداً في كتاب الله وسنة الرسول، ووضحنا له ما ذكر في الموافقات في كتاب الشاطبي لكن الرجل مصر على رأيه، رغم أن هذا الدكتور يعني الآن بقي أربعة أسابيع وينتهي المنهج وما أخذنا شيئاً في المنهج، كل محاضراته مجرد طرح شبه فقط؟ الشيخ: يا أخي! أقول: عندك العمادة سجلوا كلامه وارفعوه، ثم إن قوله: لا فرق بين العلوم، هذا إما أن يكون عن مغالطة ومكابرة، أو عن نقص عقل، قل له: هل علم النجار كعلم الحداد؟ هل علم الذي يشتغل بالكهرباء كعلم الذي يشتغل بالطوب؟ إن قال: نعم، فعلى عقله السلامة، وإن قال: نعم بينهم فرق، العلوم النظرية بينها فرق، هل علم الطب مثل علم النحو؟ هذا واضح لا يمكن أن ينكره إلا إنسان مكابر: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] . وأما قوله: ليس في الكتاب والسنة دليل على أن العلم فرض عين وفرض كفاية، فهذا أيضاً لقلة علمه ولجهله، فهل يجب عليَّ وأنا فقير ما عندي مال هل يجب علي أن أتعلم أحكام الزكاة؟ لا، ليس مكلفاً بالزكاة حتى أتعلم أحكامها، لكن الذي عنده مال يجب أن يتعلم أحكامها حتى يؤديها كما أمر إلى أهلها. من لا يستطيع الحج هل نقول: لازم تدرس كتاب الحج؟ لا، حتى يريد الحج نقول: لا تحج حتى تعرف أحكام الحج، فهذه العلوم فرض كفاية، ولا بد أن تحفظ الشريعة بجميع العلوم الشرعية: عقائد، وأخلاق، وعبادات، لا بد أن تحفظ، إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين، لكن إذا احتاج الإنسان إلى علم ما ولو في باب من أبواب العلم فإنه يجب عليه أن يتعلمه، وهذا واضح. اللهم اهدنا فيمن هديت، وأسأل الله تعالى أن يعين شبابنا الصالح لمكافحة مثل هؤلاء الذين عندهم قصور في العلم الشرعي أو عندهم مكابرة، ونسأل الله تعالى أن يحمي الإسلام وحوزة الإسلام بأهله إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 80 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [81] تحدث الشيخ عن تفسير سورة التين ، وقد اشتملت هذه السورة على معانٍ عظيمة، وفوائد جليلة، حيث أقسم الله على خلق الإنسان في أحسن هيئة، مبيناً أنه سيرد إلى أرذل العمر ما عدا من آمن وعمل صالحاً، فإن لهم أجراً غير مقطوع وليس فيه منة، وبعد هذا البيان الوافي ما الذي يجعل الإنسان يكذب بهذا الدين؟ الجزء: 81 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة التين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والثمانون الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، ولقاؤنا هذا في يوم الخميس الثالث عشر من شهر رجب عام 1415هـ ونفتتحه كالعادة بتفسير كلام الله عز وجل. وقد انتهينا من سورة الانشراح، وسنبدأ الآن بمعونة الله تعالى وتوفيقه بسورة التين. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والتين والزيتون) يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:1-3] إلى آخر السورة. فقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين:1-3] إقسام بهذه الأشياء الأربعة، حيث أقسم الله تعالى بالتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، يعني: مكة لأن السورة مكية، فالمشار إليه قريب وهو مكة، والتين هو الثمر المعروف، وكذلك الزيتون، وأقسم الله بهما لأنهما يكثران في فلسطين، وطور سينين أقسم الله به؛ لأنه الجبل الذي كلم الله عنده موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا البلد الأمين أقسم الله به أعني مكة؛ لأنها أحب البقاع إلى الله وأشرف البقاع عند الله عز وجل. قال بعض أهل العلم: أقسم الله بهذه الثلاثة؛ لأن الأول التين والزيتون أرض فلسطين التي فيها الأنبياء وآخر أنبياء بني إسرائيل هو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وبـ طور سينين؛ لأنه الجبل الذي أوحى الله تعالى إلى موسى حوله، وأما البلد الأمين فهو مكة الذي بعث الله منه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال العلماء: ومعنى قوله: (وطور سينين) أي: طول البركة، لأن الله تعالى وصفه أو وصف ما حوله بالوادي المقدس. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] هذا هو المقسم عليه، أقسم الله تعالى أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وإذا تأملت الجملة التي فيها المقسم عليه تبين لك أنها مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، وقد، فأقسم الله أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، في أحسن تقويم هيئة وخلقة، وفي أحسن تقويم: فطرة وقصداً؛ لأنه لا يوجد أحدٌ من المخلوقات أحسن من بني آدم خلقة، فالمخلوقات الأرضية كلها دون بني آدم في الخلقة؛ لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] . الجزء: 81 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ثم رددناه أسفل سافلين) ثم قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:5] هذه الردة التي ذكرها الله عز وجل تعني: أن الله تعالى يرد الإنسان أسفل سافلين خلقة، كما قال الله تعالى {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:70] فكلما ازدادت السن في الإنسان يتغير إلى أردأ، لا في القوة الجسدية، ولا في الهيئة الجسدية، ولا في نضارة الوجه، ولا في غير ذلك، يرد أسفل سافلين، وإذا قلنا: أن أحسن تقويم تشمل حتى الفطرة التي جبل الله الخلق عليها، والعبادة التي تترتب أو تنبني على هذه الفطرة، فإنها إشارة إلى أن من الناس من تعود به حاله -والعياذ بالله- إلى أن يكون أسفل سافلين بعد أن كان في أعلى القمة من الإيمان والعلم، والآية تشمل المعنيين جميعاً. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) ثم قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:6] هذا استثناء من قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يعني: إلا المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنهم لا يردون إلى أسفل السافلين؛ لأنهم متمسكون بإيمانهم وأعمالهم، فيبقون عليها إلى أن يموتوا، وقوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ} أي ثواب {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مقطوع، ولا ممنون به أيضاً، فكلمة ممنون صالحة لمعنى القطع، وصالحة لمعنى المنة، فهم لهم أجرٌ لا ينقطع ولا يمن عليهم به يعني: أنه إذا استوفوا هذا الأجر لا يمن عليهم فيقال: أعطيناكم وفعلنا وفعلنا، وإن كانت المنة لله عز وجل عليهم بالإيمان والعمل الصالح والثواب كلها منة من الله، لكن لا يمن عليهم به أي: لا يؤذون بالمن كما يجري ذلك في أمور الدنيا، إذا أحسن إليك أحدٌ من الناس فربما يؤذيك بمنه عليك في كل مناسبة، يقول: فعلت بك وأعطيتك وما أشبه ذلك. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فما يكذبك بعد بالدين) ثم قال الله تبارك وتعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:7] انتقل الله تعالى من الكلام على وجه الغيبة إلى الكلام على وجه المقابلة والخطاب، وقال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} [التين:7] أي شيء يكذبك -أيها الإنسان- بعد هذا البيان بالدين أي: بما أمر الله به من الدين؟ ولهذا كلما نظر الإنسان لنفسه وأصله وخلقته، وأن الله اجتباه وأحسن خلقته وأحسن فطرته، فإنه يزداد إيماناً بالله عز وجل وتصديقاً بكتابه وبما أخبرت به رسله. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (أليس الله بأحكم الحاكمين) ثم قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا الاستفهام للتقرير، يقرر الله عز وجل أنه أحكم الحاكمين، وأحكم هنا اسم تفضيل، وهو مأخوذ من الحكمة ومن الحكم، فالحكم الأكبر الأعظم الذي لا يعارضه شيء هو حكم الله عز وجل، والحكمة العليا البالغة هي حكمة الله عز وجل، فهو جل وعلا أحكم الحاكمين قدراً وشرعاً وله الحكم وإليه يرجع الأمر كله. فنحن حرصنا على أن يكون التفسير في آخر أجزاء القرآن؛ لأنه تكثر القراءة بها في الصلوات، والذي ينبغي لكل مؤمن أن يحرص على معرفة معاني كتاب الله عز وجل؛ لأنه لا يستقيم العمل بالقرآن إلا بمعرفة معناه، بل إن الله تعالى وصف الذين لا يعلمون المعنى بأنهم أميون فقال: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] يعني: إلا قراءة، وكثير من الناس اليوم إن لم أقل أكثرهم لا يعرفون من القرآن إلا اللفظ فقط، وحري بطلبة العلم أن يحرصوا في كل مناسبة إذا اجتمعوا بالعامة أن يأتوا بآية من كتاب الله ثم يفسرونها لا سيما ما يكثر تعداده على العامة مثل الفاتحة، الفاتحة لو تأتي بكثير من الناس تريد أن تسأله عن معناها لا يعرف شيئاً منها. نسأل الله أن يرزقنا العلم بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 81 ¦ الصفحة: 9 حكم طواف الوداع في العمرة السؤال فضيلة الشيخ! شخص فعل عمرة ونسي طواف الوداع؟ الجواب الصحيح من أقوال العلماء: أن العمرة لها وداع كالحج، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده في البيت) ، ولأن العمرة حجٌ أصغر، كما في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة الحج الأصغر) ، ولأن الإنسان يقدم إلى البيت بتحية وهي الطواف، فلا ينبغي أن يخرج منه إلا بتحية وهي الطواف. فالصحيح: أن طواف الوداع في العمرة واجب، إلا من طاف وسعى وقصر ثم انصرف إلى أهله فهذا يكفيه الطواف الأول، فإذا كان هذا الذي ذكرت انصرف من حين أنهى العمرة فلا شيء عليه، أما إذا كان بقي في مكة فإنه من الاحتياط أن يذبح فدية في مكة ثم توزع على الفقراء إن كان قادراً ومتيسراً، وإن لم يكن قادراً ولا متيسراً فلا شيء عليه. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 10 الحقوق على المسلمين فيما بينهم السؤال فضيلة الشيخ! في الحديث: (حق المسلم على المسلم ست. ) بعضها واضح أنها من السنة كالسلام لكن بعضه يختلف ويشتبه هل هو واجب أو سنة فالحديث: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا دعاك فأجبه) وفيما معنى الحديث: اتباع الجنازة، وعيادة المريض، وإذا عطس فحمد الله فشمته؟ الجواب هذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، منها ما هو واجب، ومنها ما هو سنة، والأصل في الحق أنه واجب، لأن كلمة حق بمعنى: ثابت، والثبوت من أوصاف الواجب، لكن إذا دلت الأدلة الأخرى على أن هذا الشيء ليس بواجب عملنا بها، وإلا فالأصل الوجوب، فمثلاً: (إذا لقيته فسلم عليه) ابتداء السلام لا نقول أنه واجب، ولا نقول غير واجب، في حدود ثلاثة أيام لا بأس أن يهجر الإنسان أخاه وما زاد على الثلاثة فإنه حرام، وعلى هذا فالسلام الذي يزول به الهجر واجب، ولا يجوز تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ، وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الهجر بين المسلمين محرم، هذا هو الأصل، لكن رخص الشارع في الهجر ثلاثة أيام؛ لأن الإنسان قد يكون بينه وبين أخيه شيء من المخاصمة والنزاع والاختلاف في الرأي فيغضب عليه، فجعل له الشرع ثلاثة أيام ليزول ما في نفسه، وإلا فالأصل أن الهجر حرام. فإن قال قائل: هجر أهل المعاصي هل هو واجب؟ الجواب: نقول: إن كان هجرهم يفيد توبتهم من المعاصي فاهجرهم، وإن كان لا يفيد فلا تهجرهم؛ لأن الهجر لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد هذا العاصي إلا تمادياً في معصيته كما هو مشاهد، فالهجر دواء، إن نفع فاستعمله وإلا فلا. وأما تشميت العاطس إذا حمد الله فهو واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق على كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله) يعني: إذا عطس فحمد الله. وأما عيادة المريض فالصحيح أنها فرض كفاية، وأنه لا يجوز للمسلمين أن يكون أخوهم مريضاً ولا يعوده منهم أحد، بل لا بد أن يعاد، ولكنه فرض كفاية: إذا قام به من يكفيه سقط عن البقية. وأما اتباع جنازته فهو فرض كفاية أيضاً، فلا بد من اتباع جنازته وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلفوا عن ذلك. فهذه الحقوق التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، والأصل أنها واجبة. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 11 حكم قول المأموم (بلى) إذا قرأ الإمام: (أليس الله بأحكم الحاكمين) السؤال سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا؟ الجواب هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] فقل: بلى، وكذلك مثل هذا الترتيب يعني: إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول: بلى. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36] تقول: بلى. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر:37] تقول: بلى. {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] تقول: بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله. فإذا قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} يقول: بلى. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 12 حال حديث: (من زار أخاه فإن سبعين ألف ملكاً يستغفرون للزائر والمزار) السؤال في فضل الزيارة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معنى الحديث: (إذا زار الأخ أخاه فإن سبعين ألف ملك يستغفرون للزائر والمزار) هل هذا صحيح؟ الجواب هذا لم أسمعه، لم أسمع أن (من زار أخاه فإنه يستغفر له سبعون ألف ملك) لكن لا شك أن الزيارة في الله والتي لا يقدم عليها إلا محبة الائتلاف بين المسلمين، والمحبة لا شك أنها من الفضل بمكان، أما هذا الفضل المخصوص فلا أعرفه. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 13 حكم الاحتجاج بالقدر على المعصية السؤال يا شيخ! بارك الله فيك! ذكر ابن القيم في شفاء العليل في محاجة آدم وموسى عليهما السلام فوجدت فيه إشكالاً أورده عليك يا شيخ: ذكر الأقوال في توجيه هذا الحديث، ثم ذكر من هذه الأقوال: أن آدم عليه السلام حاج موسى لأنه تاب من الذنب وأقلع عنه، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له. ثم إن ابن القيم خطّأ هذا القول وقال: هذا قول غير صحيح. ورد عليهم من ثلاثة أوجه، ثم ذكر كلام شيخ الإسلام في المسألة، ثم قال ابن القيم: ويتوجه هذا في جوابين: أما الاحتجاج بالقدر فإنه ينفع في وقت ويضر في وقت، ينفع إذا تاب الإنسان منه، أي: بعد التوبة، ولو احتج الإنسان بالقدر يجوز، أما وهو واقع في الذنب لا يجوز. فالآن -يا شيخ- توجيه ابن القيم هنا كأنه وقع فيما وقعت فيه الطائفة التي رد عليها؟ الجواب الحديث -بارك الله فيك- تنازع الناس فيه حسب مذاهبهم وآرائهم: فمنهم: من رد هذا الحديث وقال: لا يصح؛ لأنه خبر آحاد ومناقض لما يظنونه أصلاً من أصول الشريعة: وهو عدم الاحتجاج بالقدر. ومنهم: من خرجه على وجوه متعددة، وأحسن الأوجه وجهان: الوجه الأول: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: إن موسى لم يحتج على آدم بالمعصية وإنما احتج عليه بالإخراج، وقال: لم أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ولم يقل: لم عصيت الله، فاحتج آدم عليه الصلاة والسلام بأنه قد كتب علينا هذا، يعني: كتب أن يفعل وتكون النتيجة أن يخرج من الجنة، وكأنه يقول: لو علمت أن هذه النتيجة ما فعلت، وهذا يقع كثيراً: أن الإنسان قد يسافر إلى بلد ما ثم يحصل عليه حادث، فإذا قيل له: لم سافرت؟ لو لم تسافر ما حدث هذا. سيقول في نفسه ويقول لمن كلمه: لو علمت بأن هذا سيحدث ما سافرت، لكن هذا أمر كتب عليَّ أن أسافر ويحصل هذا الحادث، وأنا لم أسافر من أجل الحادث. فهكذا قضية آدم، آدم لم يأكل من الشجرة ليخرج من الجنة، لكنه لم يعلم بما ينتج عن أكله من هذه الشجرة، فأكل من الشجرة ثم كانت النتيجة أن أخرجه الله تعالى من الجنة، وهي نتيجة في ظاهرها أنها تسوء الإنسان، لكن عند التأمل تجد أن الحكمة في ذلك، فلولا هذا ما عشنا في الأرض ولبقينا هناك، ولاختل نظام العالم الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون. أما الوجه الثاني: فهو الذي اختاره ابن القيم رحمه الله: أن آدم لم يحتج على الذنب ليستمر عليه كما فعل المشركون الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148] وإنما احتج بالقدر في أمر قد فات وتاب منه وانمحى أثر هذه المعصية في توبة الله عليه فكأنه لم يكن. والظاهر لي: أن توجيه شيخ الإسلام رحمه الله أقرب إلى الصواب؛ لأنه يبعد أن موسى عليه الصلاة والسلام يلوم أباه على أمر تاب منه، واجتباه الله تعالى بعده وهداه، لكن كلام ابن القيم له وجه، والاحتجاج بالقدر لا يلزمه مطلقاً، قال الله تبارك تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:107] فالاحتجاج بالقدر إذا كان من أجل الاستمرار في المعصية أو فعل المحرم أو ترك الواجب؛ احتجاج باطل، والاحتجاج بالقدر على أمر قد وقع ولا يمكن للإنسان أن يتخلص منه، ولكنه فيما بينه وبين ربه وفيما يجب عليه من التوبة قد تاب؛ هذا لا بأس به. السائل نفسه: يا شيخ! ألا يوجد الآن تعارض؛ لأن ابن القيم يختار هذا القول مع أنه رد على الطائفة بنحوه؟! الشيخ: لا أستطيع الآن، لأنني بعيد العهد في هذا، فيحتاج إلى تأمل، وأخشى أنه لو قرأنا هذا وناقشنا فيه يفوت على الإخوان الوقت. ولكن تعطينا الصفحة وأراجعها في وقت آخر. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 14 حكم القراءة مع الإمام في الصلاة السؤال هل يجوز القراءة مع الإمام؟ الجواب القراءة مع الإمام منهي عنها إلا في الفاتحة، فإن الفاتحة لابد منها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر فلما انتهى من الصلاة قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وما سوى الفاتحة فإنه لا يُقرأ والإمام يقرأ. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 15 حكم الاجتماع لإنشاد الشعر السؤال نحن نعاني من عادات: حيث يقوم صفان من الناس، ثم يقوم اثنان من الشعراء يتبادلون الشعر ويدخل فيه السب والشتم، فما موقفنا -يا شيخ- من هذا الفعل؟ وكذلك يوجد التصفيق والتصفير؟ الجواب الاجتماع على إنشاد الشعر لا بأس به، هذا هو الأصل، لكن إن صحبه شيء من المفسدة كما قلت: بأن يكون بعضهم يسب بعضاً وربما يتعدى السب إلى آبائهم وأجدادهم، فهذا لا يجوز من أجل ما يقترن به من السب، وأما مجرد أن يجتمع أناس ويتبادلون الشعر فيما بينهم فلا بأس به. على أني لا أحبذ أن يكون هذا دائماً كما يفعله بعض الناس، حيث يخرجون في كل ليلة ويقيمون مثل هذا الفعل. السائل: يدخل فيه تصفيق وتصفير ورقص. الشيخ: لا، هذا إذا لم يصاحبه شيء محرم فلا بأس به، وإن صاحبه شيءٌ محرم من السب والتصفيق والرقص فهذا لا يجوز، فهذا كله لا يجوز. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 16 حكم سفر المرأة مع محرمها إلى الخارج بدون حاجة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم سفر المرأة إلى الخارج بدون عذر، يعني: لغرض السياحة فقط مع محرم؟ الجواب سفر المرأة إلى الخارج مع زوجها أحسن من بقائها في بلدها لها وله أيضاً، فلا أرى مانعاً، لكن أصل سفر الزوج من أجل السياحة -كما قلت- لا أرى جوازه لأن فيه محاذير: المحظور الأول: أن الإنسان يقدم إلى بلاد كافرة، ربما يتأثر بدينهم أو أخلاقهم أو عاداتهم. ثانياً: أنه يصرف أموالاً كثيرة في السفر إلى تلك البلاد. ثالثاً: أنه يثري أموال هؤلاء ويدخل عليهم فوائد كثيرة. رابعاً: أنه ربما يقتدى به فيتهافت الناس على هذه المسألة. خامساً: أنه بلغنا عن أناس كانوا مستقيمين فذهبوا في إجازة الصيف إلى بلاد الكفر، ثم رجعوا منحرفين والعياذ بالله، وهذا ليس ببعيد. لذلك نرى أنه لا يجوز السفر إلى بلد الكفر إلا لمصلحة دينية أو دنيوية بشروط: - أولاً: أن يكون الإنسان عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأنه هناك سوف يعرضون عليه أشياء ويشككوه في دينه. - الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات؛ لأن هناك خمور ودعارة وكل ما تتصور من الشر فإنك تجده هناك والعياذ بالله. - الثالث: المصلحة أو الحاجة. فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس، وأما إذا اختل شرط واحد منها فلا أرى جواز السفر إلى تلك البلاد. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 17 حكم الجمع لمن أراد السفر وهو ما زال في بلده السؤال فضيلة الشيخ! إذا كنت أريد أن أسافر إلى المدينة النبوية وقبل أن أسافر وجبت صلاة الظهر فهل يجوز لي أن أصلي العصر مع الظهر؟ الجواب إذا كنت في بلدك فلا يجوز، لا يجوز أن تجمع إلا إذا بدأت بالسفر، وإذا كنت تخشى ألا تتيسر لك صلاة العصر مثل: أن تذهب مع إنسان تخشى ألا يقف إذا جاء وقت العصر، أو في طائرة لا تدري هل تدرك العصر في البلد الذي تقدم إليه أم لا، فلا بأس، أما إذا كان سفرك في سيارتك التي تحت تصرفك، ومتى شئت وقفت وصليت فلا تجمع؛ لأن الجمع كالقصر، كما أنك لا تقصر في بلدك لا تجمع أيضاً، لكن الجمع إذا خاف الإنسان ألا يأتي بالصلاة الثانية، فله أن يجمع. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 18 هل الملحق الذي ضمن سور المسجد يجري عليه أحكام المسجد؟ السؤال فضيلة الشيخ! بعض المساجد والجوامع يلحق بها غرف يقام فيها مكتبة، وبعضها فارغة وبعضها مستودعات، هذه الغرف ضمن سور المسجد، فهل يصح الاعتكاف فيها، وهل تعتبر بمثابة القبة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربها عندما أراد الاعتكاف؟ وما هو القول الراجح في أول بدء الاعتكاف وآخره؟ الجواب الحجرة التي تكون داخل سور المسجد من المسجد، سواءً كانت مكتبة أو مستودعاً أو غير ذلك، فحكمها حكم المسجد، فإذا دخلها الإنسان صلى ركعتين قبل أن يجلس، وإذا اعتكف فيها صح اعتكافه، ولا يجوز فيها البيع ولا الشراء، المهم أن لها أحكام المسجد. وأما الاعتكاف فالصحيح أنه يدخل معتكفه قبل غروب الشمس يوم العشرين، يعني: يستقبل ليلة واحد وعشرين، قبل أن تغرب الشمس يوم العشرين فيستقبل ليلة الحادي والعشرين، وينته الاعتكاف بغروب الشمس في آخر يوم من رمضان. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 19 حكم من يمتنع عن سؤال العلماء بحجة معرفته الحكم السؤال ما حكم من يمتنع عن سؤال العلماء بحجة أنه يعلم ويستدل بقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ويقول: لا يجوز لي أن أسأل لأني أعلم بهذا الحكم؟ فما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب هذا صحيح، إذا كان صادقاً في قوله أنه عالم لا حاجة أن يسأل العلماء، أما إذا كان ليس لديه علم فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبه على تصرفه، يعني: لو أن إنساناً يعلم أن من أكل لحم إبل انتقض وضوءه، هل نقول: اذهب اسأل العلماء؟ لا نقول ذلك، لكن إذا قال: لا، لحم الإبل لا ينقض الوضوء، وأنا أعلم بذلك، ولست بسائل العلماء، فهذا هو المحذور أن يدعي لنفسه ما لا يملكه، وأما إذا كان حقاً يعلم فلا حاجة للسؤال. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 20 حكم فك السحر بالسحر السؤال هل يجوز فك السحر بالسحر؟ الجواب يرى بعض العلماء: أنه حرام ولا يجوز، وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم من السلف والخلف. ويرى بعض العلماء: أنه إذا دعت الضرورة في ذلك فلا بأس. وأنا لا أفتي فيه بشيء، لكن أنقل لك ما علمت من آراء العلماء. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 21 حكم الدم الخارج من الجسم السؤال فضيلة الشيخ هل الدم الخارج من الجسم نجس؟ وهل يجب خلع الثياب عند أداء الصلاة؟ الجواب الدم الخارج من الجسم إن خرج من السبيلين، أي: من القبل أو الدبر فهو نجس، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر النساء في الحيض أن يغسلن دم الحيض. وإن خرج من بقية البدن كالرعاف والجرح وما أشبه ذلك، فأكثر أهل العلم يرون أنه نجس لكن يعفى عن يسيره، يعني: عن الشيء القليل منه، حتى ولو أصاب البدن منه أو الثوب، وبعض العلماء: يرى أنه ليس بنجس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن المؤمن لا ينجس) ، وكان الصحابة رضي الله عنهم في الجهاد تصيبهم الجراحة وتتلوث أبدانهم وتتلوث ثيابهم بذلك الدم، ولم ينقل أنهم أمروا بغسله، ولأن ما فصل من الآدمي فهو طاهر فلو قطعت إصبعه مثلاً فالإصبع طاهرة، فإذا كانت الأجزاء إذا انفصلت فهي طاهرة فطهارة الدم من باب أولى، على أن الأجزاء التي تنفصل لابد أن يكون بها دم، لكن الاحتياط: أن يغسله، إلا أن يكون شيئاً يسيراً جرت به العادة فلا بأس ألا يغسله. لكن لماذا لم تسأل هل ينقض الوضوء أو لا؟ فنقول: إنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، أما ما خرج من بقية البدن فإنه لا ينقض الوضوء سواءً كان قليلاً أو كثيراً. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 22 حكم من توضأ وبقي جزء من أعضاء الوضوء لم يغسله السؤال فضيلة الشيخ! إذا توضأ شخص فلما انتهى وجد جزءاً من أعضائه لم يكمل وضوءه، فهل يمسح هذا الجزء، أم يعيد الوضوء؟ الجواب أولاً: قولك: هل يمسح، لا يستقيم؛ لأنه لا يوجد مسح إلا في الرأس، ولو كان جزءاً بسيطاً لا بد من غسله، لكن يغسله ويغسل ما بعده، فمثلاً: إذا كان في اليدين نقول: اغسل هذا الذي لم يصبه الماء وامسح رأسك وأذنيك واغسل رجليك، فإذا كان في الرجلين نقول: اغسله فقط؛ لأنه ليس بعد الرجلين شيء. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 23 حكم زيارة المريض السؤال قول البراء بن عازب رضي الله عنه: (أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع ونهانا عن سبع، إلى أن قال: أمرنا بعيادة المريض وتشميت العاطس -وإلى غير ذلك- ونهانا عن الخواتم وعن التختم بالذهب) إلى غير ذلك، إلى أن استطرد الأشياء السبع. فهل الآن قول البراء (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم -يا شيخ- قبل قليل: إن عيادة المريض فرض كفاية، فكيف يحمل معنى النبي صلى الله عليه وسلم (أمرنا) يا شيخ؟ الجواب الأمر يقتضي الوجوب هذا هو الأصل، لكنه ليس فرض عين؛ لأننا نعلم أن المرضى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لا يعودهم كل واحد من الصحابة، وتزول وحشة المسلم من إخوانه إذا عاده واحد من الناس أو جماعة حسب الحاجة، أما أن يكون فرض عين فهذا صعب. السائل: لكن -يا شيخ- لفظة: أتانا حديث، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرنا أو أُمِرت) أو قال في أحاديث أخرى قال: (أمرته) وغير ذلك يشمل الأمر؛ فإذا وجدنا لها صارفاً فيحمل على الاستحباب وغير ذلك، ما نقول أنه واجب الشيخ: هذا الأصل الأصل أن الأمر يقتضي الوجوب ما لم يوجد له صارف، هذا هو الراجح من كلام الأصوليين، وبعض الأصوليين يقول: الأصل في الأمر الاستحباب ما لم يوجد له دليل على الوجوب. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 24 حكم التسمي بالأسماء المعبدة لغير الله السؤال فضيلة الشيخ! يوجد في بلادنا بعض الناس يسمون أبناءهم: عبد الرسول، وعبد النبي، وعبد الرضي، وعبد المحمود وغير ذلك، وبعضهم يسمي مثلاً: رحمة الله، وجاد الله، وجار الله، وجيب الله، ودفع الله، والله جابه ونحو ذلك، فما الحكم، وما تعليقكم أثابكم الله؟ الجواب قال ابن حزم رحمه الله: اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله إلا عبد المطلب. فالعلماء مجمعون على أنه لا يعبد الاسم لغير الله، فلا يقال: عبد الرسول، ولا عبد النبي، ولا عبد الكعبة، ولا عبد الرضي، وما أشبه ذلك، لا يعبّد إلا بما كان من أسماء الله عز وجل. وأما دفع الله، وعطاء الله، وهبة الله وما أشبه ذلك؛ فلا بأس، جاد الله يعني: أن هذا من جود الله، لكن جار الله لا أدري ما معناها فلا أصدر فيها حكماً. السائل: بعضهم يقول معنى: جيب الله بمعنى: أن هذا الشخص كثير العطاء والسخاء فكأنها مأخوذة من هذا المعنى، وبعضهم يقول -يا شيخ- جيب الله بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى أتى به، أو يقول هو البكر الوحيد أو أن هذا الرجل ليس له غير هذا؟ الشيخ: على كل حال يرجع -بارك الله فيك- للمعنى، فإن كان صحيحاً فلا بأس، فإذا قالوا: هذا جيب الله بمعنى: أنه كثير العطاء فكأنهم يريدون أن يلحقوا عطاء هذا الرجل بعطاء الله عز وجل، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا أحد يماثل الله في الكرم، فيغير هذا إلى اسم آخر. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 25 حكم طلب قضاء دين للدولة من الحاكم أو السلطان السؤال فضيلة الشيخ! السعي في قضاء الدين للوالد عند الحكام، وهذا الدين للدولة، هل في ذلك شيء على دين الشخص من ناحية الدخول على الحكام لطلب قضاء الدين منهم؟ الشيخ: يعني: معناه أن والده يطلب الحكومة. السائل: والده متوفى، والحكومة لها دين عنده. الشيخ: يعني: للحكومة دين عليه؟ السائل: فما حكم الدخول على الحكام لقضاء الدين أو طلب الاستسماح منهم في ذلك؟ الشيخ: يعني: لطلب إسقاط الدين؟ السائل: نعم. الشيخ: هذا لا بأس به إذا كان الوالد لم يخلف تركة، أن يطلب من صاحب الحق سواء حكومة أو غير حكومة أن يسقط الدين، أما إذا خلف تركة فإن هذا سائل لنفسه في الواقع، لأن الدين يجب أن يقضى من التركة، فإذا ذهب صاحب الدين وقال: أسقطوا عن أبي، لا سيما إن ظهر بمظهر أنه لم يوجد له تركة فهذا إنما سأل لنفسه فلا يجوز، أما الدخول على ولاة الأمر فلا بأس به، لأن الدخول على ولاة الأمور إذا لم يكن ذلك سبباً لنقص دين العبد فلا بأس به. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 26 جواز المسح على الجوارب الثقيلة والخفيفة مع بيان مدة المسح السؤال يا شيخ! بالنسبة للمسح على هل يشترط فيهما أن يكونا ثقيلين، وابتداء مدة المسح هل هو من أول اللبس، أو أول حدث بعد اللبس، أو من أول مسحة؟ الجواب لبس الجوارب لا بأس به، ويجوز المسح عليها ولو كانت خفيفة؛ لأن الحكمة من جواز المسح على القدم مشقة النزع واللبس، وليس الحكمة أن الرجل مستورة، ومعلوم أن الجوارب الخفيفة يشق نزعها ثم لبسها كما يشق نزع ولبس الثقيلة، فالصحيح: أن المسح على الجوارب -خفيفة كانت أو ثقيلة- جائز. وأما ابتداء مدة المسح فإنه من أول مرة مسح بعد الحدث، وليس من اللبس ولا من الحدث، فمثلاً: لو قدرنا أن رجلاً لبس الجوارب لصلاة الفجر اليوم الخميس ونقض الوضوء في الساعة العاشرة وتوضأ لصلاة الظهر الساعة الثانية عشرة فابتداء المدة من الساعة الثانية عشرة، فله أن يمسح إلى الثانية عشرة من يوم الجمعة، لكن على كل حال في يوم الجمعة سيعترضه الغسل وإذا أراد الاغتسال فلا بد من خلع الجوارب. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 27 معنى حديث: (خلق الله آدم على صورته) السؤال ما هو التوجيه الصحيح لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟ الجواب هذا له توجيهات: التوجيه الأول: أن الحديث على ظاهره: (إن الله خلق آدم على صورته) لكن بدون مماثلة، إذ لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، والله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال تعالى: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] والدليل على أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (بأن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ومعلوم أنهم لا يماثلون القمر ليلة البدر، لكن من حيث الحسن والجمال يكونون على صورة القمر، فنقول: كون الشيء على صورة الشيء لا يلزم منه المماثلة، ونحن نؤمن بالكتاب والسنة فنقول: إن الله ليس كمثله شيء ولو كان الشيء على صورته، ونقول: (إن الله خلق آدم على صورته) . التوجيه الثاني في الحديث: أن الله خلقه على صورة اختارها واجتباها لآدم، فيكون المعنى -أي: الإضافة- التشريف والتكريم، كما في قوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] ومعلوم أن الكعبة ليست بيت الله التي يسكنه بل هو بيته الذي يعظم، وكقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] ومعلوم أن هذه الناقة ليست ناقة الله التي يركبها سبحانه وتعالى، حاشاه من ذلك بل أضافها صالح إلى ربه للتشريف أي: تشريف هذه الناقة وتعظيمها. وكلا الوجهين صحيح، لكن الوجه الأول أسلم؛ لأن الوجه الأول: أن الله خلق آدم على صورته من غير مماثلة، أبعد عن التأويل وهو متماش على ظاهر النص. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 28 معنى رؤية الله بصورته التي يعرفه بها المؤمنون والمنافقون السؤال في الحديث: (أن المؤمنين والمنافقين يرون الله سبحانه وتعالى على صورته التي يعرفونها) ما المقصود: بصورته التي يعرفونها؟ الجواب التي يعرفونها مما وصف به نفسه عز وجل، فإن الله تعالى قد وصف نفسه لعباده بأنه عظيم وأنه قدير وأنه ذو سلطان، وأنه له وجه وله عين وما أشبه ذلك، فهم يعرفونها لا لنظر سابق، ولكن لما وصف الله به نفسه. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 29 حكم مقولة: (عدالة السماء ونور السماء) وما أشبه ذلك السؤال ما حكم ألفاظ تصدر عن الكتاب العصريين في كتاباتهم مثل قولهم: عدالة السماء، أو هدي السماء، أو النور العلوي، وكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبقرية، وأنه أفضل قائد في العالم، هل يصح إطلاق هذه الألفاظ على إطلاقها؟ الجواب هم يريدون بنور السماء وهداية السماء نور الله عز وجل؛ لأنه في السماء، ولكن الأفضل أن يعدلوا عن هذه الكلمات وأن يقولوا: نور الله وهداية الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها) قال: (كان الذي في السماء) فإطلاق مثل هذه العبارات يجب على الإنسان التوقف فيها وأن يقال: الأفضل أن تضيفوا الشيء إلى من هو له حقيقة؛ لأن مجرد السماء ليس فيها هداية وليس فيها نور وإنما هو نور الله عز وجل وهداية الله. وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عبقري فإن كان الرجل يريد أنه عليه الصلاة والسلام عنده علم بما يتعلق بشئون الحياة من الشجاعة والكرم وما أشبه ذلك فلا بأس، وإن كان يريد أنه عبقري ولكنه لم ينل هذا المقام إلا بعبقريته لا بكونه رسول الله، فهذا لا يجوز، فالرسول محمد عليه الصلاة والسلام رسول الله، ولا شك، وهو صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأكرم الناس وأجود الناس وأحسن الناس خلقاً. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 30 حكم قص شعر الحواجب للضرورة السؤال فضيلة الشيخ! شخص يتأذى من طول شعر حواجبه؛ وذلك لأنها تتساقط أحياناً على عينيه، ويتحرج من تخفيفها أو إزالتها للحديث الوارد: بلعن النامصة والمتنمصة. فما توجيهكم لذلك؟ الجواب توجيهنا لهذا أنه لا بأس أن يقص من حاجبيه ما يظلل على نظره وبصره، وقد ذكر أصحاب الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يأخذ من حاجبيه. فإذا قص ما يؤذيه فلا بأس به ولا إشكال في هذا، والنمص الذي جاء في الحديث: هو نتف الشعور وترقيقها، وأما مجرد أن يأخذ الإنسان ما زاد من الشعر؛ من أجل ألا يحجبه عن النظر، أو أن يدفع ضرره بتساقطه على العين فهذا لا إشكال في جوازه. السائل نفسه: بالنسبة للعن هل هو خاص بالمرأة أو هو عام؟ الجواب: هو عام، لكنه ذكر في النساء؛ لأن هذا هو الغالب، الغالب أن الذي يستعمل النمص النساء، وإلا فهو للرجال وللنساء، بل قد يقال في الرجال أشد؛ لأن النامص يكون متشبهاً بالنساء إذا نمص. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 31 حكم النظر إلى الصور التي تعرض في التلفاز السؤال فضيلة الشيخ! قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:30-31] هل هذه الآية خاصة بالنظر إلى النساء الأجنبيات، أو تشمل كل الأمور الأخرى مثلاً: النظر إلى التلفاز، أو الصور، أو إلى بعض الجرائد التي فيها صور لمعرفة أخبار المسلمين في العالم؟ الجواب الآية لا شك أنها في الأصل في النظر إلى النساء، نظر الرجال إلى النساء ونظر النساء إلى الرجال، هذا هو الأصل. وأما ما يعرض في التلفاز فإن كان الإنسان ينظر إليه نظر تمتع وشهوة فلا شك في التحريم، وأما إذا كان ينظر إليه نظراً عادياً ففي النفس منه شيء، والأولى أن يتجنب ذلك، فإذا ظهرت المذيعة -مثلاً- في التلفاز فليغلق التلفاز؛ لأنه يخشى إذا نظر إليها أن يفتتن بها. الجزء: 81 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [82] يتحدث الشيخ في هذه المادة عن تفسير سورة العلق مبتدئاً الكلام بالحديث عن حكم وفوائد تنزل القرآن، والبحث في البسملة: هل هي آية أم لا؟ وبعد ذلك يغوص في آيات سورة العلق ليفصلها، وينهي الحديث بالإجابة عن الأسئلة الواردة في هذا اللقاء. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة العلق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة المعبر عنه بلقاء الباب المفتوح، والذي يكون كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر رجب عام (1415هـ) . وكان من عادتنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آية من كتاب الله عز وجل؛ لأن كتاب الله سبحانه وتعالى نزل لعدة حكم: منها: التعبد لله تعالى بتلاوته، فإن تلاوة كتاب الله مما يقرب إلى الله، والحرف الواحد منه ثوابه عشر حسنات. ومنها: أنه نزل من أجل التدبر لمعانيه، حيث قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وهذه الحكمة غفل عنها كثيرٌ من الناس، لا أقول: من عامة الناس بل حتى من طلبة العلم، تجد بعض الطلاب يعتنون بشرح الأحاديث أو كلام الفقهاء أو غيرهم من علماء الشريعة لكنهم لا يعتنون بتفسير كتاب الله عز وجل، مع أن كتاب الله هو أم الكتب كلها، وإليه مرجع الكتب، وكتاب الله عز وجل هو الذي كلفنا بأن نتدبر آياته وأن نتعظ بها، لهذا نرى أنه لا يليق بطالب العلم أن يعرض عن تفسير كتاب الله وهو يعتني بتفسير كلام غير الله عز وجل. وابتدأنا هذا التفسير بسورة النبأ؛ لأن هذا الجزء كثيراً ما يقرأ في الصلوات كصلاة المغرب والعشاء، فيسمعه العامة، فيحسن أن يعرفوا معاني هذا الجزء من كتاب الله عز وجل، وآيات الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز متشابهة، ربما تجد بعض الآيات بنصها ولفظها في موضع آخر، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73] هذه الآية وردت بلفظها في مكان آخر في كتاب الله وردت في التوبة ووردت في سورة التحريم، فكتاب الله يشبه بعضه بعضاً. وفي هذا اللقاء سوف نشرح سورة (اقرأ) إذ أننا ولله الحمد أكملنا ما سبق. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وفي البسملة بحث سبقت الإشارة إليه لكن لا مانع من إعادته وهو: هل البسملة آية من السورة التي تليها، أم هي آية مستقلة؟ الصحيح: أنها آية مستقلة، وليست من السورة التي تليها، فلا هي من الفاتحة ولا من البقرة ولا من آل عمران بل هي آية مستقلة، ولهذا لو أن الإنسان في الصلاة قرأ الفاتحة بغير البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست منها، لكن سورة براءة لم تكتب فيها البسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال، لكن اشتبه على الصحابة حين جمعوا القرآن فجعلوا فاصلاً بين سورة الأنفال وسورة براءة ولم يكتبوا البسملة. يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] هذه الآيات هي أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن، نزلت عليه وهو يتعبد في غار حراء، وكان صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ بالوحي أنه يرى الرؤيا في المنام فتأتي مثل فلق الصبح، يعني: يحدث ما يُصدِّق هذه الرؤيا، وأول ما كان يرى هذه الرؤيا في ربيع الأول، فبقي ستة أشهر يرى مثل هذه الرؤيا ويراها تجيء مثل فلق الصبح، وفي رمضان نزل الوحي الذي يكون في اليقظة، والمدة بين ربيع الأول ورمضان ستة أشهر، وزمن الوحي ثلاثٌ وعشرون سنة، ولهذا جاء في الحديث: (الرؤية الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) . لما كان يرى هذه الرؤيا التي تجيء مثل فلق الصبح حبب إليه الخلاء، يعني: أن يخلو بنفسه، ويبتعد عن هذا المجتمع الجاهلي، فرأى عليه الصلاة والسلام أن أحسن ما يخلو به هذا الغار الذي في جبل حراء؛ وهو غار في قمة الجبل، لا يكاد يصعد إليه الإنسان القوي إلا بمشقة، فكان يصعده عليه الصلاة والسلام ويتحنف ويتعبد لله عز وجل فيما فتح الله عليه في هذا الغار الليالي ذوات العدد -أي: عدت ليال- ومعه زاد أخذه يتزود به من طعام وشراب، ثم ينزل ويتزود بمثله من أهله ويرجع ويتحنف الله عز وجل، إلى أن نزل عليه الوحي وهو في هذا الغار. أتاه جبريل وأمره أن يقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ومعنى: ما أنا بقارئ، أي: لست من ذوي القراءة، وليس المراد المعصية لأمر جبريل، لكنه لا يستطيع، ليس من ذوي القراءة، إذ أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً، كما قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف:158] وقال الله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2] فكان لا يقرأ ولا يكتب، وهذه من حكمة الله أنه لا يقرأ ولا يكتب، حتى تتبين حاجته وضرورته إلى هذه الرسالة، وحتى لا يبقى لشاكٍ شكٌ في صدقه، وقد أشار الله إلى هذا في قوله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] . قال له: ما أنا بقارئ، فغطه مرتين أو ثلاثاً، ثم قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] خمس آيات نزلت، فرجع بها النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده من الخوف والفزع، حتى أتى إلى خديجة. وحديث الوحي وابتلائه موجود في أول صحيح البخاري فمن أحب أن يرجع إليه فليرجع. يقول الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] قوله: (باسم ربك) قيل معناه: متلبساً بذلك، وقيل: مستعيناً بذلك، أي: اقرأ مستعيناً باسم الله؛ لأن أسماء الله تعالى كلها خير، كلها إعانة يستعين بها الإنسان، ولذلك يستعين بها الإنسان على وضوئه، ويستعين بها على أكله، ويستعين بها على جِماعه، فهي كلها عون، (باسم ربك الذي خلق) إلى آخر وقال: {بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] دون أن يقول: باسم الله؛ لأن المقام مقام ربوبية وتصرف وتدبير للأمور وابتداء رسالة، فلهذا قال: (باسم ربك) إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام قد رباه الله تعالى تربية خاصة. قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] خلق كل شيء، كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] وقال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] فما من شيء في السماء ولا في الأرض من خفي وظاهر، وصغير وكبير إلا وهو مخلوق لله عز وجل، ولهذا قال: (خلق) وحذف المفعول إشارة للعموم؛ لأن حذف المفعول يفيد العموم، إذ لو ذكر المفعول لتقيد الفعل به، أي: لو قال: خلق كذا تقيد الخلق بما ذكر فقط، لكن إذا قال: (خلق) وأطلق صار عاماً، فهو خالق كل شيء جل وعلا. ثم قال: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] فنص وخص، خلق الإنسان تكريماً للإنسان وتشريفاً له؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] فلهذا نص على خلق الإنسان. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من علق) قال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ} [العلق:2] أي: ابتدأ خلقه، {مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] اسم جمع علقة، كشجر اسم جمع شجرة، والعلق عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة، وهذا المنشأ الذي به الحياة؛ لأن الإنسان دم ولو تفرغ من الدم لهلك، وقد بين الله عز وجل أنه خلق الإنسان من علق ولكنه يتطور، وبين في آيات أخرى أنه خلق الإنسان من تراب، وفي آية أخرى أن خلقه من طين، وفي آية أخرى من صلصال كالفخار، وفي آية أخرى من ماء داثر، وفي آية أخرى من ماء مهين، وفي هذه الآية من علق، فهل في هذا تناقض؟ الجواب لا يمكن أن يكون في كلام الله أو ما صح عن رسوله شيء من التناقض أبداً، فإن الله يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] لكنه سبحانه وتعالى يذكر أحياناً مبدأ الخلق من وجه ومبدأ الخلق من وجه آخر، فخلقه من تراب، أي: أول ما خلق الإنسان من التراب، ثم صب عليه الماء فكان طيناً، ثم استمر مدة فكان حمأً مسنوناً، ثم طالت مدته فصار صلصالاً، أي: إذا ضربته بيدك تسمع له صلصلة كالفخار، ثم خلقه عز وجل لحماً وعظماً وعصباً. إلخ. وهذا ابتداء الخلق المتعلق بآدم. والخلق الآخر من بنيه منشئهم من نطفة وهي الماء المهين، وهي الماء الدافق، هذه النطفة تبقى في الرحم أربعين يوماً، ثم تتحول شيئاً فشيئاً، وفي تمام الأربعين تتقلب بالتطور والتدريج حتى تكون دماً ثم علقة، ثم تبدأ بالنمو والثخونة وتتطور شيئاً فشيئاً، فإذا تمت ثمانين يوماً انتقلت إلى مضغة؛ وهي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، وتبقى كذلك أربعين يوماً، فهذه مائة وعشرون يوماً وهي بالأشهر أربعة أشهر، وبعد أربعة أشهر يبعث الله إليه الملك الموكل بالأرحام فينفخ فيه الروح، فتدخل الروح في الجسد بإذن الله عز وجل، والروح لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها ومادتها، ولا ندري من أي مادة هي؟ الجسد عرفنا أن أصله من التراب ثم في أرحام النساء من النطفة لكن الروح لا نعلمها ولا نعرف من أي جوهرٍ هي، ولا من أي مادة: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] فينفخ الملك الروح في هذا الجنين فيبدأ يتحرك؛ لأن نموه الأول كنمو الأشجار بدون إحساس، وبعد أن تنفخ فيه الروح يكون آدمياً يتحرك، ولهذا إذا سقط الحمل من البطن قبل أربعة أشهر دفن في أي مكان من الأرض بدون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه ولا يبعث؛ لأنه ليس آدمياً، وبعد أربعة أشهر إذا سقط يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في المقابر؛ لأنه صار إنساناً، ويسمى أيضاً؛ لأنه يوم القيامة سيدعى باسمه، ويعق عنه، لكن العقيقة عنه ليست في التأكيد كالعقيقة عمن بلغ سبعة أيام بعد خروجه. وعلى كل حال: هذا الجنين في بطن أمه يتطور حتى يكون بشراً، ثم يأذن الله عز وجل له بعد المدة التي أكثر ما تكون عادة تسعة أشهر فيخرج إلى الدنيا. وبهذه المناسبة: أود أن أبين أن للإنسان أربعة دور: الأولى: في بطن أمه. الثانية: في الدنيا. الثالثة: في البرزخ. الرابعة: في الجنة أو النار، وهي المنتهى. {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] العلق اسم جمع علقة، وهي دودة من الدم معروفة، وهذا أول نشأة الإنسان الذي يتكون منه مادة الحياة وهو الدم. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم) قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:3-5] (اقرأ) تكرار للأولى، لكن هل هي توكيد أم تأسيس؟ الصحيح: أنها تأسيس، وأن الأولى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] قرنت بما يتعلق بالربوبية: (وربك الأكرم الذي علم بالقلم) فيما يتعلق بالشرع، فالأولى فيما يتعلق بالقدر والثاني بما يتعلق بالشرع؛ لأن التعليم بالقلم أكثر ما يعتمد الشرع عليه، إذ أن الشرع يكتب ويحفظ، القرآن يكتب ويحفظ، السنة تكتب وتحفظ، كلام العلماء يكتب ويحفظ، فلهذا أعادها الله مرة ثانية. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 82 ¦ الصفحة: 6 حكم الادخار في الشركات بنسبة محدودة السؤال فضيلة الشيخ: نقل عنك فتوى في جواز نظام الادخار في شركة أرامكو، علماً أن هذا النظام يحدد نسبة الربح من بداية العام فما هو قولك؟ يعني: إذا مضى عام يضمنون لك (5%) وإذا أكملت عشر سنوات يضمنون لك (100%) ، فما قولك بهذا الكلام يا شيخ؟ الجواب أقول: أحسنت أن سألت عما ينسب إلينا؛ لأنه ينسب إلينا وإلى غيرنا من العلماء أشياء كثيرة ليست صحيحة، لكن بعض الناس إذا راق له الشيء وأحب أن يقبله الناس جعله لعالم من هؤلاء العلماء لأجل أن يقبل، وإلا فقد كتبنا جواباً على هذا بالخط بأن ذلك لا يجوز؛ لأنه رباً واضحاً. وقالوا: إن هذا من باب التشجيع. قلنا لهم: التشجيع يكون بغير هذا، التشجيع يقال مثلاً لمن برز في شيء من الأشياء: لك نسبة يزداد بها راتبك، أو يعطى مكافئة مقطوعة على تفوقه، أما أن نسلك هذا الطريق فلا يجوز، وقد ذكرنا هذا لكن لا أدري -سبحان الله! - من أين جاءت هذه الفتوى التي تنسب إلينا. وأنا أقول للذي أثارها أني سألته ويقول: لا صحة لذلك، ونرى أنها لا تجوز، وهذه الشركات التي تعمل هذا العمل هي تربح؛ لأنها تأخذ الدراهم من الناس وتجعلها في البنوك الربوية، وتربح ربحاً عظيماً، وإلا فهي ما قصدها رحمة الناس ولا الإحسان بهم، لكنها تعرف من أين تأكل الكتف. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 7 حكم قصد مدائن صالح بالزيارة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم قصد مدائن صالح بالزيارة؟ وما حكم زيارتها إذا كان الشخص يقصد الشمال وعلى رجوعه مر عليها مروراً فقط؟ الجواب أما المرور عليها فقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم لكنه أسرع عليه الصلاة والسلام وقنع رأسه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم ما أصابهم، فإن لم تكونوا باكيين فلا تدخلوا عليها) فلا يجوز للإنسان أن يذهب إلى هذه المدائن للتفرج والنزهة بل للاعتبار الذي يصحبه البكاء، وإلا فالسلامة في تركها، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يصيبكم ما أصابهم) ليس مراده العذاب العام؛ لأن هذه الأمة -والحمد لله- لا تعذب بصفة عامة، لكن أن يصيبكم ما أصابهم من قسوة القلب والإعراض والتولي عن الدين وحكمة ذلك: أن الناس الذين يذهبون إلى هذه البلاد على غير الوجه الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يقع في نفوسهم تعظيم هؤلاء؛ لما يرون من إحكام البناء وشدته وقوته، وإذا وقع تعظيم الكافر في قلب المؤمن فإنه على خطر عظيم: (أن يصيبكم ما أصابهم) وبعض الناس يقول: كيف هذا؟ وهذه الأمة لم تعذب بعذاب عام، نقول: قسوة القلب والإعراض عن الشريعة. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 8 حكم الصلاة خلف الصف السؤال فضيلة الشيخ: دخلت المسجد ولقيت الصفوف كلها ملأى، وبعد أن انتهيت من الصلاة قال لي الإمام: أعد الصلاة؛ لأنك صليت خلف الصفوف وحدك، فما صحة قوله؟ الجواب إذا جاء الإنسان ووجد الصفوف تامة فليصلِّ خلف الصف وحده مع الإمام ولا إعادة عليه، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. والمسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة ولو كان له مكان في الصفوف التي أمامها، وأن دخوله في الصف على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب. وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية؛ لأنه مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد يعني: معناه نصف مذهب الإمام أحمد، مع الذين يجيزون الصلاة خلف الصف ولو كان له مكان. القول الثاني: أن من صلى منفرداً خلف الصف ولو لم يجد مكاناً فصلاته غير صحيحة. إذا قابلت بين القولين تجد أن هذا في غاية ما يكون من الشدة، وهذا في غاية ما يكون من السهولة. القول الثالث: وهذا هو الوسط: أنك إذا وجدت الصف تاماً فصف وحدك؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وهنا لا استطاعة، فإذا قال إنسان: لك استطاعة اجذب شخصاً قلنا: هذا لا يجوز؛ لأن جذب الواحد فيه اعتداء عليه، وفيه تشويش على بقية المصلين، وفيه قطع للصف. أما كونه اعتداء على هذا الذي جذبت، فلأنك تنقله من مكان فاضل إلى مكان مفضول. وتشوش عليه الصلاة أيضاً؛ لأنه لا يدري ما الذي جذبه. وأما كونه تشويش على المصلين، فلأن هذا الصف سوف يتقارب، وكل من فيه سيتحركون حركة لا داعي لها، من أجل تسوية الصف وسد الفرج في هذا الصف. وأما كونه انقطع عن الصف فواضح. فإن قال قائل: يستطيع هذا أن يتقدم ويقف مع الإمام، قلنا: هذا أيضاً غلط؛ لأنه إذا تقدم فسوف يؤذي المصلين الذين أمامه، حيث يتخللهم، وإذا كان المسجد فيه عشرون صفاً كم يتخلل؟ عشرين صفاً؛ فيؤذيهم، ثم إذا تقدم ووقف مع الإمام وجاء آخر بعده بدقيقة أو دقيقتين، وقلنا له: اذهب مع الإمام، صار عند الإمام اثنان، وبعد دقيقة أو دقيقتين جاء الثالث نقول: اذهب مع الإمام، وإذا مع الإمام صف كامل، لكن لو وقف بالصف وجاءه شخص صاروا صفاً، وإن لم يأته أحد فكونه مع الجماعة في الأفعال وإن لم يكن معهم في الصف خير من كونه ليس معهم لا في الصف ولا في الأفعال. هذا هو القول الوسط الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره شيخنا عبد الرحمن السعدي رحمه الله: على أنه متى وجد الإنسان الصفوف تامة أمامه فليدخل مع الإمام ولو صلى وحده وصلاته صحيحة. ونقول للسائل: إن كنت أعدت الصلاة بناءً على كلام الإمام فعلى خير، تكون الصلاة الثانية نافلة إن كانت الأولى صحيحة، أو تكون صحيحة والأولى نافلة إن كانت الأولى غير صحيحة -يعني: فرضاً- ولكن القول الراجح عرفته الآن، أنك إذا جئت والصفوف تامة فصل مع الإمام ولو كنت منفرداً. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 9 حكم محاكاة النصارى في أعيادهم السؤال فضيلة الشيخ: يوجد عندنا سنوياً في مثل هذه الأيام في كينيا من يقيم اجتماعاً في كل سنة، فمثلاً: النصارى يحتفلون بعيد ميلاد عيسى في كل سنة، والمسلمون -الآن- جعلوا هناك عادة، يجتمعون لمدة ثلاثة أيام يذبحون ويلقون المحاضرات فيما بينهم، وقالوا: بدلاً من أولادنا وجماعتنا يذهبون وراء النصارى نجمعهم في مكان ونأكلهم، فما حكم هذه الذبيحة؟ هل تعتبر مشابهة للكفار وهناك يتبادلون فيما بينهم مثل الهدايا بين النصارى، هل فيها شيء؟ الجواب فيها شيئان وليس شيء واحد: الشيء الأول: مداهنة هؤلاء النصارى في إقامة عيد في الإسلام كعيدهم، وهذا يعني: أنهم قد رضوا بهذا العيد من النصارى، والرضا بعيد النصارى يقول عنه ابن القيم رحمه الله في كتاب أحكام أهل الذمة: إن لم يكن كفراً فهو محرمٌ قطعاً. والرضا بشعائر الكفر ليس بالأمر الهين فهو حرام ولا يجوز. أما الشيء الثاني: فلأننا إذا أقمنا مثل هذه الأعياد فإن النشء الصغار سيعتقدون أن عيدنا كعيد هؤلاء، ولا يعرفون أن مراد أهليهم أن ينشغلوا بهذا عن أعياد الكفار، وستذهب الغيرة من قلوبهم بناءً على هذا الظن الذي ظنوه، ولهذا نرى أنه لا يجوز أبداً إحداث عيدٍ مضاهاة لهؤلاء النصارى، ولكن من الممكن أن يدرسوا أولادهم أن هذا ليس عيداً لنا هذا عيدٌ للكفار، وليس لنا فيه دخل. وأما تبادل الهدايا فهذا موضع نظر وخلاف بين العلماء: منهم من قال: لا بأس أن نقبل هديتهم في هذا اليوم. ومنهم من يقول: لا؛ لأن قبول هديتهم يشعرهم بأننا راضون بفعلهم وأعيادهم. ولا شك أن السلامة أسلم، أي: ألا يقبل هديتهم في هذه المناسبة؛ فإنه أسلم لدينه وعرضه. والذبيحة لم يذبحوها لغير الله هم وإنما ذبحوها لله، لكنها ذبيحة بدعية. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 10 تغيير النية في الصيام السؤال فضيلة الشيخ: إذا صام الإنسان يوماً وفي منتصف اليوم أراد أن يفطر فقال: إذاً أريد أن أفطر، فذهب يأتي بطعام فلم يوفق في طلب الطعام أو في وجود الطعام، فقال: إني صائم. مع تغيير نيته الشيخ: هل الصوم فرضاً أم نفلاً؟ السائل: نفل. الشيخ: صيام النفل لا يجب إكماله، إن شاء الإنسان أفطر، لكنه لا ينبغي أن يفطر إلا لسبب؛ لأن الإنسان إذا شرع في طاعة لله عز وجل فإنه لا ينبغي العدول عنها إلا إذا كان هناك سبب شرعي يقتضي أن يفطر، مثل: أن يقدم إليه ضيوف، ولا يرون إكرامهم إلا بأكله معهم، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، فهنا الفطر أحسن، أو يدعوه إنسان إلى وليمة ويرى هذا الداعي أنه لا تطيب نفسه حتى يأكل هذا الصائم فالأكل أفضل، وأما بدون سبب فلا ينبغي أن يفطر، وإن أفطر فلا حرج عليه. أما إذا نوى الإفطار -كما في السؤال- فذهب ليتناول الطعام فإنه يكون مفطراً سواء وجد الطعام فأكله أم لم يجده، لكن إن لم يجده ونوى استئناف الصوم -ونحن نتكلم على أن الصوم نفل- فإن له ذلك، لكنه لا يثاب على هذا اليوم إلا من النية الثانية، فإذا نوى في نصف النهار فليس له إلا أجر نصف يوم فقط، هذا إذا كان نوى الفطر، لكن ذهب ليأكل، أما إذا قال: سأذهب إلى المطعم إن وجدت شيئاً أفطرت وإلا فأنا على صيامي، فهذا لا ينقطع صومه حتى يجد ما يأكله فيفطر. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 11 معنى كلمة (الأمي) السؤال ما معنى كلمة (الأمي) الذي لا يقرأ ولا يكتب، هل تأتي على غير هذا المعنى في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً} [الجمعة:2] ؟ الجواب الأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، لكن (الأمي) عند الفقهاء: من لا يحسن الفاتحة، حتى لو كان يقرأ ويكتب وهو لا يحسن الفاتحة فهو أمي، لكنه في الأصل في اللغة العربية: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، نسبة إلى الأم يعني: كأنه مولود اليوم خارج من بطن أمه. وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً} [الجمعة:2] فهو رسول بعد أن بعث. السائل: (الأميين) هنا هل هم الذين لا يقرءون ولا يكتبون؟ الشيخ: يعني بذلك: العرب عموماً، العرب لا يعرفون القراءة ولا الكتابة. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 12 حكم قتل الطيور لدفع أذاها السؤال السؤال يدور حول من بذر بذراً وسقاه وأتى الطير ليأكله، هل يضرب الطير ويترك البذر؟ الجواب يجوز أن يقتل الطيور لدفع أذاها، وكل شيء مؤذ ولا يندفع إلا بقتله فلك قتله، سواءً طيور أو غير طيور، حتى الآدمي لو صار على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله. فإن قال قائل: ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟ الدليل: أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد) لكن بشرط: ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، أي: لو كنت أنت نشيط وقوي -أقوى منه- وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 13 حكم كشف الوجه عن الميت ورفع اليدين عند الدعاء له السؤال بالنسبة للميت شاهدنا أناساً يكشفون وجهه، وأناساً يغطون وجهه، وأناساً يرفعون أيديهم على القبور يدعون له، يعني فيه اختلاف؟ الجواب أما من جهة كشف وجه الميت إذا وضع في اللحد فقد ورد عن بعض السلف، فمن فعله فلا بأس، لكنه يكشف الوجه الذي يلي الأرض ليس كل الوجه، يعني: يجعل خده على الأرض. ومن السلف من لا يكشف، فالأمر في هذا واسع. وأما الدعاء له بعد الدفن فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود: أنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فمن رفع يديه عند الاستغفار له فلا حرج عليه، ومن لم يرفع وقال: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، وينصرف. لأنه قال: استغفروا لأخيكم ثم اسألوا له التثبيت فقط، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا الله ثلاثاً فيستغفر ثلاثاً للميت، ويسأل له التثبيت ثلاثاً ثم ينصرف. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 14 حكم الدم الذي يخرج من المرأة قبل الولادة بيوم أو يومين السؤال فضيلة الشيخ: ينتشر عند كثير من النساء قبل ولادتها بيوم أو يومين عندما يخرج الدم تترك الصلاة فهل هذا صحيح؟ وإذا لم يكن صحيحاً هل تعيد الصلاة؟ الجواب يقول العلماء رحمهم الله: النفاس هو الدم الذي يخرج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق، فإذا أحست بالطلق وبدأ يخرج دم معها فهو نفاس لا تصلي ولو كان قبل خروج الولد بيومين أو ثلاثة. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 15 رضا الورثة شرط لتنازل بعضهم لبعض السؤال فضيلة الشيخ: توفي عمي منذ سنوات وترك تركة، ومما ترك قطعة أرض منحت له، وبنى فيها بيتاً، وأموال هذا البيت استقرضها من البنك، ويسكن في هذا البيت -الآن- زوجته وابن له وبنت، وله أبناء وبنات كثير، هل يلزم أن قطعة الأرض هذه والبيت أن يتنازل بقية الورثة للزوجة والابن والبنت، وأيضاً إذا سدد أحد الورثة البنك هل يصير البيت ملكاً له؟ الجواب لا يلزم الورثة أن يتنازل بعضهم لبعض إلا باختيار منهم، أما من سدد دين البنك فإنه يثبت له على بقية الورثة ما يناله من التسديد حسب الملك، وليس له. السائل: هذا البيت له سنوات، ولم يتكلم أحد الورثة ويقول: هذا بيتنا الشيخ: على كل حال الأمر يرجع لهم، إن تنازل بعضهم عن بعض فهو خير، ولا بد من جمع الورثة كلهم. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 16 جواز وضع المسجلات عند الرأس لسماع القرآن السؤال فضيلة الشيخ: بعض الشباب عندما ينامون يضعون المسجلات عند رءوسهم ويشغلون القرآن، فما صحة هذا؟ الشيخ: لماذا يضعونه عندهم؟ السائل: مثلاً لا يستطيع أن ينام إلا عندما يسمع القرآن؟ الشيخ: ليس في هذا بأس. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 17 السفر المترتب عليه قصر الصلاة السؤال رجل رحل لطلب العلم وأخذ أولاده وأهله، ومكث في مدينة لا يدري كم يمكث، سنة، سنتين، ثلاثاً؟ فهل يقصر هو وأهله أم لا؟ الشيخ: هل هو عازم على الرجوع، وإلا الأصل الإقامة؟ السائل: لا عازم على الرجوع، لكن لا يدري بعد سنتين عشر سنوات وأهله معه. الشيخ: حكمه حكم المسافر كما نراه نحن؛ لأنه ما دام عازماً على الرجوع، لكنه لم يقيده بوقت فحكمه حكم المسافر. إذا كان حكمه حكم المسافر فالرجل ينبغي أن يصلي مع الجماعة، لكن إذا فاتته الصلاة فله أن يقصر، والنساء لهن أن يقصرن، أما الجمع فالأفضل ألا تجمع النساء؛ لأن الجمع ليس بسنة إلا عند الحاجة إليه. السائل: عند الرجوع من الزيارة. ؟ الشيخ: عند رجوعهم إلى وطنهم؟ السائل: نعم. الشيخ: لا يقصرون. السائل: عزموا على الرجوع. الشيخ: ولو كان؛ لأنهم لا زالوا مستوطنين هناك، يصلون صلاة كاملة. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 18 حكم الدعاء بعد الصلاة السؤال بعض الناس في صلاة الفرض يرفعون أيديهم بعد الدعاء فما رأيكم؟ الجواب الدعاء بعد الصلاة ليس بسنة، لأن الله تعالى قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] إلا في حالة واحدة وهي صلاة الاستخارة؛ لأن صلاة الاستخارة قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين ثم ليدعو) فجعل الدعاء بعد صلاة الركعتين، أما ما سواها من الصلوات فليس من السنة أن يدعو سواءً رفع يديه أم لم يرفع، وسواءً في الفريضة أو في النافلة؛ لأن الله أمر بذكره بعد انتهاء الصلاة، فقال سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ، وقال في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10] . وإنما يقال للإنسان: إذا كنت تريد أن تسأل الله شيئاً فادعو الله قبل أن تسلم؛ لوجهين: الوجه الأول: أن هذا هو الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال في التشهد: (إذا فرغ فليتخير من الدعاء ما شاء) . ثانياً: أنك إذا كنت في الصلاة فإنك تناجي ربك، وإذا سلمت انتهت المناجاة، فهل الأفضل: أن تسأل الله في حال مناجاتك إياه، أو بعد انصرافك من المناجاة؟ الجواب: الأول، تدعو وأنت تناجي ربك. وأما قول المصلي بعد فراغه من الصلاة: أستغفر الله ثلاثاً، فهذا دعاء لكنه متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان ثلاث مرات بعد انتهائه من الصلاة ترقيع للخلل الواقع في الصلاة، فهو من تكرير الصلاة في الحقيقة. السائل: يا شيخ فهم يحتجون بحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد انتهاء الصلاة التفت إلى المؤمنين ورفع يديه. ما صحة الحديث؟ الجواب: ما ورد، وإن ورد فهو ضعيف. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 19 دخول أوقات الصلوات السؤال هل دخول أوقات الصلوات معلوم بالأذان الشيخ: ليس بالأذان. السائل: المؤذنون على الوقت. الشيخ: قد يؤذن على الوقت وقد يتأخر كأن ينام فيتأخر ربع ساعة، وقد يقدم ربع ساعة، وقد يتوهمون بسرعة، والأذان مثلاً على اثنى عشر، فيظنها اثني عشر وهي إحدى عشر، وقد سمعنا من أذن وفي أثناء الأذان سمعنا الناس يقولون له في الميكرفون: باقي ساعة وهو يؤذن. السائل: في العموم يا شيخ، النساء يؤخرن الصلاة متى يحرم على النساء تأخيرها؟ الشيخ: أوقات الصلاة والحمد لله واسعة، الظهر وقتها من دخول وقت الظهر إلى دخول وقت العصر، والعصر من دخول الوقت إلى اصفرار الشمس والضرورة إلى الغروب، والمغرب من غروب الشمس إلى دخول وقت العشاء، والعشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، والفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 20 حكم وضع الطوب عن يمين الجنازة ويسارها السؤال فضيلة الشيخ: في بعض المناطق حضرت دفن جنازة فوجدتهم يضعون الطوب عن يمين الجنازة ويسارها ومن فوقها، فما حكم هذا العمل؟ الجواب لعل الأرض رخوة ويخافون أن تنهد على الميت، فإذا كان كذلك فهذه حاجة، أو تكون مثلاً فيها مياه حول البحر مثلاً، المهم لحاجة لا بأس به، ولغير حاجة فيه إضاعة مال؛ لأن اللبنة التي توضع على يمين القبر ويساره ربما تكفي قبراً آخر أو قبرين ففيه إضاعة مال. السائل: لا يجوز وضعها؟ الشيخ: لا. لا نقول: لا يجوز، لكن نقول: تركه أحسن. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 21 رفع اليدين في الوتر السؤال فضيلة الشيخ: هل ورد رفع اليدين في الوتر؟ الجواب رفع اليدين في القنوت صحيح ثابت عن عمر رضي الله عنه في الوتر، وكذلك أيضاً في رواية قنوت الرسول عليه الصلاة والسلام في الفرائض أنه رفع يديه، فرفع اليدين سنة ومن ترك ذلك جهلاً يُعلَّم، ومن ترك ذلك اجتهاداً لا ينكر عليه. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 22 حكم من سافر إلى بلد ونوى الإقامة فيه السؤال فضيلة الشيخ: إذا سافر شخص من عند أهله وعنده نية عدم الرجوع إلى بلده، وأقام في بلد بعيد عن بلدهم في نية الاستقرار، ثم رجع إلى أهله زيارة هل يعتبر نفسه مسافراً أم لا؟ الجواب إذا خرج الإنسان عن وطنه الأول بنية الاستقرار في البلد الثاني فإنه إذا رجع إلى وطنه الأول يكون مسافراً، ما دام على نيته الأولى، والدليل على ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان وطنه الأول مكة ولما فتح مكة قصر وفي حجة الوداع قصر. السائل: يا شيخ وإن كان في نفس هذا البلد -بلده الأول- زوجته وأولاده؟ الشيخ: إي: نعم. حتى وإن كان زوجته وأولاده فيه. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 23 حكم قطع الصلاة لأدائها جماعة السؤال فضيلة الشيخ: رجل أدرك الصلاة في التشهد الأخير قبل التسليم، وقبل أن يكمل صلاته التي فاتته أحس بدخول أشخاص إلى المسجد، فقطع صلاته وأنشأ جماعة جديدة، فهل عمله هذا مشروع، وما وجه ذلك أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا جائز، لا يؤمر به ولا ينهى عنه، والأصل أنه ممنوع؛ لأنه دخل في الفرض، لكن نظراً لأنه يريد قطع هذه العبادة لينتقل إلى ما هو أحسن فقد أجاز العلماء أن يقطع صلاته هذه ليصليها جماعة. السائل: وله ثواب الجماعة؟ الشيخ: وله ثواب الجماعة، واستأنسوا لذلك بقصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال له: (يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال: صلها هنا، فأعاد عليه، قال:) فقالوا: هذا لما أذن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن ينتقل إلى الأفضل، وقطع الرجل صلاته هذه انتقالاً إلى الأفضل. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 24 حكم غش الناس بإنقاص الوزن السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رجل اشترى بضاعة في صناديق كبيرة -يعني: بضاعة خضرة بصناديق كبيرة- ثم وضعها في صناديق أصغر منها، وباعها فهل هذا من التطفيف؟ الجواب أولاً: الأخ صدَّر سؤاله بالسلام، ونحن قلنا فيما سبق: إن هذا ليس بسنة إنما السلام للقادم، أما الذي معك فلا يحتاج أن يسلم، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون الرسول في مكان السؤال ولا يسلمون، لكن نظراً إلى أنه مجتهد أقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته. السائل: نحن قادمون يا شيخ من بعيد الشيخ: لكن أنت عندي من زمان في الحلقة. أما ما يتعلق بسؤاله فنقول: إن كان هذا الرجل يوهم الناس أنه قد اشترى هذه الصناديق الصندوق بعشرة مثلاً وهو قد اشترى الصندوق الكبير بعشرة ووزعه قسمين فيكون الصندوق الصغير بخمسة لكنه يوهم الناس وربما يقول لهم: إن ثمن الصندوق عشرة، فلا شك أن هذا حرام عليه، وأن للمشتري إذا علم بالحال أن يرد السلعة. وأما إذا كان لا يوهم الناس، وليس مشهوراً عند الناس أن الصندوق الكبير بعشرة فلا حرج عليه؛ لأنه يقول للمشتري: هذا الصندوق بعشرة، تريد أن تأخذه خذه وإلا فدعه. أعاننا الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجزاكم الله خيراً، ونفعنا وإياكم بما علمنا. الجزء: 82 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [83] فسر الشيخ في هذا اللقاء آيات من سورة العلق من قوله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى) إلى قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) ، وبين سبب نزول بعض هذه الآيات، وفيمن نزلت، كما وضح أن كثرة المال سبب للطغيان والإفساد في الأرض. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة العلق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثمانون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السابع والعشرون من شهر رجب عام (1415هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما يسر الله سبحانه وتعالى من تفسير سورة اقرأ، سورة العلق، انتهينا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5] . الجزء: 83 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى) قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] (كلا) في القرآن الكريم ترد على عدة معاني، منها: أن تكون بمعنى حقاً كما في هذه الآية، فكلا بمعنى حقاً، يعني: أن الله تعالى يثبت هذا إثباتاً لا مرية فيه. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أن رآه استغنى) قال تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:7] الإنسان ليس شخصاً معيناً بل المراد الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى فإنه يطغى من الطغيان: وهو مجاوزة الحد، إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله طغى ولا يبالي، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات وحصول المطلوبات صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي، وإذا رأى أنه استغنى بالصحة نسي المرض، وإذا رأى أنه استغنى في الشبع نسي الجوع، وإذا رأى أنه استغنى في الكسوة نسي العري. وهكذا. فالإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد متى رأى نفسه في غنى، ولكن هذا يخرج منه المؤمن؛ لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين، فهو دائماً مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى يسأل ربه كل حاجة، ويلجأ إليه عند كل مكروه، ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه وكله إلى ضعف وعجز وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، هذا هو المؤمن، لكن الإنسان من حيث هو الإنسان من طبيعته الطغيان، وهذا كقوله تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] . الجزء: 83 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن إلى ربك الرجعى) ثم قال الله تعالى مهدداً هذا الطاغية: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] أي: المرجع، مهما طغيت وعلوت واستكبرت واستغنيت فإن مرجعك إلى الله عز وجل، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:23-26] . وإذا كان المرجع إلى الله في كل الأمور فإنه لا يمكن لأحد أن يفر من قضاء الله أبداً، ولا من ثواب الله وعدله. وقوله: (إن إلى ربك الرجعى) ربما نقول: إنه أعم من الوعيد والتهديد، أي: أنه يشمل الوعيد والتهديد لكنه ربما يشمل ما هو أعم، فيكون المعنى: إن إلى الله المرجع في كل شيء، في الأمور الشرعية التحاكم إلى أي شيء؟ إلى الكتاب والسنة: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] والأمور الكونية المرجع فيها إلى من؟ إلى الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:9] فلا رجوع للعبد إلا إلى الله، كل أمور ترجع إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء، حتى ما يحصل بين الناس من الحروب والفتن والشرور فإن الله هو الذي قدرها لكنه قدرها لحكمة، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] . إذاً: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] يكون فيها تهديد لهذا الإنسان الذي طغى حين رأى نفسه مستغنياً عن ربه، وفيها أيضاً ما هو أشمل وأعم: وهو أن المرجع إلى الله تعالى في كل الأمور. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذين ينهى) ثم قال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:9-10] أي: أخبرني عن حال هذا الرجل، وتعجب من حال هذا الرجل (الذي ينهى) (عبداً إذا صلى) فعندنا الآن ناهٍ وعندنا منهي، فمن هو الناهي؟ هو طاغية قريش أبو جهل، وكان يسمى في قريش أبا الحكم؛ لأنهم يتحاكمون إليه ويرجعون إليه، فاغتر بنفسه -والعياذ بالله- وشمت بالإسلام ومات على الكفر كما هو معروف، هذا الرجل سماه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، ضد تسميتهم إياه أبا الحكم، وأما المنهي فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو العبد: {عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:10] أبو جهل قيل له: إن محمداً يصلي عند الكعبة أمام الناس فيفتنهم، ويصدهم عن أصنامهم وآلهتهم، فمر به ذات يوم وهو ساجد فنهى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: لقد نهيتك فلماذا تفعل؟ فانتهره النبي عليه الصلاة والسلام، فرجع، ثم قيل لـ أبي جهل: إنه -أي: محمداً صلى الله عليه وسلم- ما زال يصلي، فقال: والله لئن رأيته لأطأن عنقه بقدمي، ولأرغمن وجهه بالتراب، فلما رآه ذات يوم ساجداً تحت الكعبة وأقبل عليه يريد أن يبر بيمينه وقسمه، لما أقبل عليه وجد بينه وبينه خندق من نار، وأهوال عظيمة، فنكص على عقبيه، وعجز أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا العبد الذي (ينهى عبداً إذا صلى) تتعجب من حاله كيف يفعل هذا؟! ولهذا جاء في آخر الآيات: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] وأنه سيجازيه. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (أرأيت إن كان على الهدى) ثم قال تعالى: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:11-14] (أرأيت) أي: أخبرني -أيها المخاطب- إن كان على الهدى، من يعني به؟ الناهي أبو جهل، أو الساجد محمد صلى الله عليه وسلم؟ يعني به الثاني، يقول: أرأيت إن كان هذا الساجد على الهدى فكيف تنهاه عنه؟ {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} [العلق:12] قال بعض المفسرين: (أو) هنا بمعنى (الواو) يعني: وأمر بالتقوى، ولكن الصحيح: أنها على بابها للتنويع، أي: أرأيت إن كان على الهدى بما فعل من السجود والصلاة، أو أمر غيره بالتقوى؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمر بالتقوى بلا شك، فهو صالح بنفسه مصلح لغيره: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يرى المنهي وهو الساجد محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الآمر بالتقوى، ويرى هذا العبد الطاغية (الذي ينهى) {عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:10] . الجزء: 83 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يرى سبحانه وتعالى علماً ورؤية، فهو سبحانه وتعالى يرى كل شيء مهما خفي ودق، ويعلم كل شيء مهما بعد ومهما كثر أو قل، فيعلم الآمر والناهي، ويعلم المصلي والساجد، ويعلم من طغى ومن خضع لله عز وجل، وسيجازي كل إنسان بعمله، والمقصود من هذا: تهديد هذا الذي ينهى عبداً إذا صلى، وبيان أن الله تعالى يعلم بحاله وحال من ينهاه، وسيجازي كلاً منهما بما يستحقه. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الساجدين لله الآمرين بتقوى الله، على هدى من الله ونور إنه على كل شيء قدير. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 83 ¦ الصفحة: 9 مراعاة الأمانة في تسريب أسئلة الامتحانات السؤال فضيلة الشيخ يوجد في المدارس طريقة لشرح المنهج قبل الاختبار النهائي، وتكون قبله بشهر تقريباً، ويؤخذ على الطالب ليدرس بها مبلغاً معيناً من المال، والمقصود بها التقوية المدرسية، ولكن في السنوات المتأخرة أصبح معنى التقوية: ادفع تنجح، فأغلب طلاب التقوية ينجحون؛ لأن الأستاذ يعطيهم جزءاً من أسئلة الاختبار بدون تصريح، فإن كان أعطى عموم الطلاب ثلاثين سؤالاً مثلاً حذف نصفها لطلاب التقوية، وإن كان أعطى عمومهم أربع قطع إنشائية أعطى طلاب التقوية قطعة واحدة فقط، ثم في نهاية المطاف يهدد طلاب التقوية بخصم درجتين مثلاً إن هم أخبروا من لم يسجل في التقوية بهذه المعلومات، فما توجيهك لهؤلاء الأساتذة؟ وهل يجوز لمن لم يسجل ومن لم يدفع أن يأخذ الدفتر من أحد الطلاب بعد نهاية التقوية وجزاكم الله خيراً؟ الجواب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المعروف أن وزارة المعارف والتعليم تمنع من هذه الدروس -دروس التقوية- منعاً باتاً، وبناءً على هذا: يجب على من علم بهذا المدرس الذي يدرس الطلاب دروس تقوية يجب أن يخبر عنه، ولا يحل له أن يسكت؛ لأن هذه خيانة، وتمرد على أوامر ولاة الأمور. فأقول لهؤلاء الذين يفعلون مثلما قلت: إنهم في الواقع مخالفون لأمر ولاتهم؛ وبذلك يكونون عصاة لله عز وجل، وخونة؛ لأنهم يعلمون هؤلاء ثم يخبرونهم بالأسئلة التي ستوضع، وربما يغتفرون خطأهم في الإجابة كما ذكرت في السؤال أن العنوان الصحيح لمثل هذه الحال: ادفع تنجح، فأنا أحذر هؤلاء من أن ما فعلوه هو خيانة ومعصية لله عز وجل، وما اكتسبوا من المال على ذلك فإنه سحت محرم عليهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية، هذا بالنسبة لهؤلاء المخالفين. أما بالنسبة لمن علم بحالهم فالواجب عليه أن يبلغ عنهم ولا يسكت. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 10 كيفية إرجاع المرأة المطلقة طلاقاً غير بائنٍ بعد انتهاء عدتها السؤال فضيلة الشيخ أنا طلقت زوجتي وثنيت فيها، هل تحل لي لأنها أكملت العدة؟ الشيخ: ما قلت؟ السائل: قلت: تراكِ طالق ثم طالق. الشيخ: ولم تطلقها قبل هذا؟ السائل: أبداً ما طلقتها. الشيخ: لا بأس، تأخذها بعقد جديد. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 11 مفهوم العمل السياسي السؤال مما ينتشر عند كثير من الشباب ما يسمى بمفهوم العمل السياسي، فلا أدري ما هو الحد الذي ورد به الشرع ويجوز فيه الخوض في هذه الأمور السياسية، وما هو الضابط الشرعي لهذا الأمر؟ الجواب السياسة بارك الله فيك، كل الدين سياسة؛ لأن السياسة مأخوذة من عمل السائس، والسائس هو مدير الحيوان والقائم عليه، كسائس الأسد والفيلة وما أشبه ذلك، ومعلوم أن الشريعة كلها سياسة، سياسة للخلق فيما يتعلق بعبادة الخالق، وسياسة للخلق فيما يتعلق بمعاملة الناس، وسياسة للخلق فيما يتعلق بتدبير الأمور وتصنيفها. ومن المعلوم أن السياسة التي تدير الأمور وتدير تصريفها لا يمكن أن تكون بيد كل أحد، ولا تحت طوع كل إنسان، ولو كانت كذلك للزم أن كل واحد من الأمة يكون أميراً على نفسه وعلى غيره أيضاً، ومن المعلوم أنه منذ زمن الخلفاء الراشدين والسياسة وتدبير الأمة لها أناس خاصون، الخليفة ومن يختارهم ليكونوا مستشارين له، وليست السياسة تلقى في الأسواق ومجاميع العامة، ويقال: ما تقولون في كذا؟ ما تقولون في كذا؟ ولاشك أن الذين يتخبطون في هذه الأمور أنهم على خلاف مذهب السلف، وأنهم لا يثيرون إلا البلبلة، وصد الناس عما هو أهم من ذلك بكثير. أرأيت مثلاً: العقول السرية، وأحوال الحرب، وشئون العلاقات الخارجية مع الناس، هل يليق أي عقل من عقول بني آدم أن تطرح في الأسواق بين أيدي العامة؟! الإنسان في بيته لا يمكن أن يطلع الناس على ما في بيته، كيف مثلاً: حكومة تطلع الناس على كل ما تفعل، أو تخبرهم بكل ما تريد، من قال هذا، بأي كتاب أم بأي سنة، أم بأي عمل من أعمال الخلفاء الراشدين؟!! هل كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد شيئاً ذهب إلى الأسواق يقول: إني أريد أن أفعل كذا وكذا، بل كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها وهي غزوة يستعد الناس لها، إلا في تبوك. فأمور السياسة العامة لا تكون بأيدي العامة ولا بألسنتهم، ومن رام ذلك فقد رام أمراً لا يمكن لأي عاقل أن يقوله إطلاقاً، هل يمكن أن نطلع العامي الذي يبيع الخضرة واللحم والخبز وما أشبه ذلك على أسرار الدولة وملفاتها؟! من قال هذا؟! فنصيحتي لهؤلاء الذين ابتلاهم الله تعالى بمثل هذه الأمور: أن يراجعوا أنفسهم، ويعلموا أنه ليس من الحكمة أن كل شيء تفعله الدولة يكون بين أيدي الناس، هناك أشياء تدبرها الدولة قد يكون ظاهرها للبسطاء من الناس قد يكون ظاهرها غير صحيح، لكن عند العارفين بالأسباب والنتائج يكون صحيحاً أليس النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية راجعه من راجعه من الصحابة وهم أكبر العقول ولم يعلموا النتيجة؟!! وأنا لست أريد أن ألحق حكام الأمة الإسلامية اليوم بالرسول عليه الصلاة والسلام من حيث النصر للأمة والإرشاد والرشاد؟ لا، لكني أقول: إن مسائل الدولة مسائل خاصة بأناس معينين ليس لكل أحد. فأنا أنصحك أنت وأطلب منك أن تؤدي هذه النصيحة إلى كل من تكلموا في هذه الأمور أن يشتغلوا بما هو أهم، ويسألوا الله التوفيق للدولة. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 12 إذا تركت الزوجة منزلها فهل يبيت الزوج عند الأخرى مدة هجرها للمنزل السؤال فضيلة الشيخ رجل متزوج زوجتين أحدهما غضبت وذهبت إلى بيت أبيها، في هذه الحالة هل يبيت في بيتها وما في أحد، أو يذهب إلى بيت الثانية. الشيخ: كيف ما فهمت؟ السائل: رجل تزوج زوجتين. الشيخ: تزوج زوجة على أخرى وإلا في عقد واحد؟ السائل: لا، هو متزوج زوجتين. الشيخ: يعني تزوج السابقة فتزوج أخرى، فغضبت الثانية أو الأولى؟ السائل: الأولى التي غضبت وذهبت إلى بيتها، وقعدت شهراً، الآن في هذه الحالة هو كان ينام في المسجد، عندما تأتي ليلتها ينام في المسجد. الشيخ: لا ينام في المسجد. السائل: يذهب عند الجديدة؟ الشيخ: إي نعم، لأن الزوجة الأولى هي التي أسقطت حقها، ليس لها الحق أن تخرج من بيت زوجها بمجرد أنه تزوج؛ لأنه لم يفعل منكراً بل فعل خيراً؛ لأن الإنسان إذا كان بماله وقادراً ببدنه وقادراً بحكمه فالأفضل أن يتزوج إلى أربع إذا كان يقدر، قادر ببدنه أنه نشيط يستطيع أن يقوم بحق المرأتين الحق الخاص، وقادر بماله يستطيع الإنفاق عليهما، قادر بحكمه بينهما بالعدل، فليتزوج، كلما كثرت النساء فهو أفضل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [خير هذه الأمة أكثرها نساءً] . فالمرأة التي تغضب وتذهب إلى أهلها إذا تزوج عليها زوجها هي التي أسقطت حقها من القسمة، فيبقى كل الليالي عند الثانية، ومتى شاءت تلك أتت. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 13 مسألة ظهور هلال رمضان في بلد وغيابه في بلد مجاورة السؤال فضيلة الشيخ عند رؤية هلال رمضان في معظم بلاد إفريقيا يختلف؛ لا نستطيع أن نرى الهلال في اليوم الأول، وتجد بعض الناس يستمعون مثلاً من الدول الإسلامية أنهم رأوا الهلال وصاموا معهم، وبعضهم يقولون: نحن تختلف مطالعنا مع تلك الدول، وتجد الناس يختلفون اختلافاً كثيراً، وبعضهم يقولون: أنتم تتبعون الدولة الوهابية، وبعضهم يقولون غير هذا الكلام، ما هو الرأي الصحيح في هذا؟ الجواب الرأي الصحيح: أن ينظروا إلى ما يقرره علماؤهم وقضاتهم هناك؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، وكونهم يقتدون بالدولة الفلانية أو الدولة الفلانية مع أن حكامهم الذين لهم الحكم في هذا لا يرون أن يتبعوهم فهو خطأ منهم فيما نرى، نرى أن يتبعوا قضاتهم، إذا حكموا بدخول الشهر لزمهم ما يلزمهم من الإفطار في العيد أو الصوم في دخول شهر رمضان، فالناس تبعٌ لإمامهم إذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 14 طريقة نافعة في تحصيل العلم السؤال فضيلة الشيخ ما هي الطريقة النافعة التي إذا سار عليها طالب العلم حصل له بها ما يريد من نيل الغاية في ذلك؟ الجواب أهم شيء: إخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم، بألا يقصد في ذلك الرياء، وأن يرى مكانه، وأن يشار إليه، وأن يتبوأ صدور المجالس، وما أشبه ذلك، يكون قصده لله عز وجل، ليكون عالماً نافعاً للأمة، موجهاً لها إلى الخير. ثم يختار من العلماء من يرى أنه أقرب إلى إفهام الطالب وأغزر علماً وأقوى إيماناً بحسب الاستطاعة، والعالم الذي يدرس عنده سوف يوجهه إلى ما يرى أنه أكمل وأفضل بحسب الحال. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 15 الجمع بين حديث مكافأة صانع المعروف، وحديث عدم قبول الهدية مقابل الشفاعة السؤال فضيلة الشيخ هذان حديثان صحيحان يوهم ظاهرهما التعارض: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح، والحديث الثاني: (من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها؛ فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) رواه أبو داود وهو حديث حسن، وهذا الإنسان الذي شفع لأخيه لا شك أنه صنع معه معروفاً، فإذا أراد أن يكافئه فكيف يعتبر من الربا، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ وهل يحمل هذا على اشتراط الأجرة أو أخذ أجرة في هذا؟ الجواب أولاً: لا يوجد تعارض في القرآن بين آياته وأيضاً لا يوجد تعارض بين السنة الصحيحة، هذه قاعدة معروفة عند أهل العلم، وإذا قرأت آيتين ظننت أنهما متعارضتان فأعد النظر مرة بعد أخرى، فإن لم تصل إلى نتيجة فاسأل أهل العلم، وكذلك يقال في الحديثين الصحيحين كذلك أنه لا يمكن التعارض بينهما، فإن أشكل عليك شيء فأعد النظر مرة بعد أخرى، فإن لم يظهر لك الجمع فانظر أي الحديثين أقوى؛ لأن الأحاديث الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ليست كالقرآن، فهي منقولة بخبر الآحاد وبخبر التواتر، وخبر الآحاد من المعلوم أن بعض المخبرين أقوى من البعض، فانظر أيهما أقوى، فإذا كانا سواءً في القوة فاحمل أحدهما على محمل لا يتعارض مع الآخر. فهذا الحديث وهو: هدية من شفع له أن يهدى إلى الشافع يراد بذلك الشفاعة التي يريد بها الإنسان وجه الله عز وجل فإنه لا يقبل؛ لأن ما أريد به الآخرة لا يكون سبباً لنيل الدنيا، ولأن الشافع الذي يشفع يريد بذلك وجه الله إذا أعطي هدية فإن نفسه قد تغلبه في المستقبل فينظر في شفاعته إلى ما في أيدي الناس، فلهذا حذر من قبول الهدية. وأما: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) فالمراد به ما سوى الشفاعة التي منحت، فيكون هذا عاماً وهذا مخصصاً. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 16 الدعاء على من تخاف منه الشر والأذى السؤال هناك أناس نلتقي بهم كثيراً ويظهر عليهم الشر والأذى، فعند رؤيتهم يقترن الفكر بالشر، هل يجوز أن ندعي عليهم، أو نسأل الله أن يكفينا من شرهم، وهل هذا من التطير؟ الجواب إذا وجد قرائن تدل على أن هذا يريد بك الشر، فلا بأس أن تقول بل لا بأس أن تدعو فتقول: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. وأن تأخذ حذرك منهم. أما مجرد الوهم، فإن الأولى إحسان الظن بالمسلم، هذا هو الأصل ما لم توجد قرائن قوية تنقل عن هذا الأصل إلى إساءة الظن، لكن قد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) وهذا شيء يجده الإنسان في نفسه، تلقى شخصاً في السوق لم تعرفه ولم تره قبل ذلك أبداً فتجد نفسك تميل إليه وهو كذلك؛ لأن الأرواح تتآلف وتتعارف، وهذا أمر سري لا ندري عنه. وتلاقي بعض الناس لم ترهم من قبل ولم تجتمع بهم فتجد نفسك نافرة منهم، كما أنه كذلك، وهذا شيء مجرب وواقع، لكن الأصل في المسلم السلامة، فإن وجدت قرائن تدل على أنه يريد الشر إما من نظراته، أو من حركاته، أو ما أشبه ذلك فخذ حذرك منه، وادعوا الله تعالى بما سمعت: اللهم إني أجعلك في نحره، وأعوذ بك من شره. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 17 أقسام الحركات في الصلاة السؤال إذا كان الإنسان في صلاة نافلة وهو يقرأ طوال السور ونسي بعض الآيات وأمامه مصحف، فهل له أن يأخذ المصحف لكي يراجع ما فاته من القراءة، أم يقف عند آخر قراءة ويركع؟ الجواب لا بأس بهذا وهذا، ما دام يصلي وحده نافلة فإنه إذا أشكل عليه آية والمصحف قريبٌ منه فلا بأس أن يأخذه وينظر؛ لأن هذا لحاجة ومصلحة تتعلق بالصلاة، ولا بأس أن يقطع القراءة ويركع؛ لأنه أحياناً إذا ركع تذكر الآيات التي نسيها، فلا بأس أن يركع ثم يتذكرها فذلك مطلوب، فإن لم يتذكرها قرأ بما تيسر له. ولعلنا في هذا المقام نذكر أحوال الحركات في الصلاة: الحركات في الصلاة الأصل فيها أنها مكروهة؛ لأن الإنسان واقف بين يدي الله عز وجل، والله تعالى ينظر إليه ويعلم ما في قلبه ويسمع ما يقول، فلا تتحرك، لو وقفت عند ملك من الملوك لرأيت من الأدب ألا تكثر العبث أمامه، فكيف وأنت بين يدي الله عز وجل؟!! فالحركة الأصل فيها أنها مكروهة، لكنها تنقسم أيضاً إلى غير المكروه وتكون مباحة، أو واجبة، أو مسنونة، وقد تكون محرمة، فهذه خمسة أحكام. تكون واجبة إذا توقف عليها صحة الصلاة، مثال ذلك: أتاك شخص وأنت تصلي إلى جهة ما، وهو أعلم منك بالجهة، فقال: إن القبلة على يمينك، فالانحراف واجب، يعني: لا تصح الصلاة إلا باستقبال القبلة، وقد علم المصلي الآن أنه إلى غير قبلة فيجب أن ينحرف، ولهذا لما جاء رجل أهل قباء وأخبرهم وهم يصلون الفجر أن القبلة صرفت إلى الكعبة استداروا، فاستدبروا ما كانوا مستقبلين له في الأول. ذكرت أن على غترتك نجاسة وأنت تصلي فالحركة هنا واجبة، يجب أن يخلعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبريل أن في نعليه قذراً خلعهما وهو يصلي. أشغلتك الحكة هل تحكها لتبرد وتقبل على صلاتك، أو تبقى في نزاعٍ معها نزاعاً قلبياً ليس نزاعاً بدنياً؟ أيهما أحسن؟ الأول؛ أحكها وتبرد، هذه الحركة إما مباحة وإما مستحبة؛ لأنها لكمال الصلاة. انفرج أمامك فرجة في الصف هل تتقدم إليها، أم لا؟ أتقدم إليها، هذه حركة لكنها مستحبة لما فيها من سد الفرج وإتمام الصفوف. تكون حركة مكروهة إذا لم يكن لها سبب، مثل: بعض الناس يصلي فتجده يتحرك ويصلح الغترة أو القلم أو الساعة، بعضهم ينظر إلى الساعة وهو يصلي، وبعضهم يكتب وهو يصلي، لعله يتذكر حاجة ذكرها في صلاته ويخشى أن ينساها مرة ثانية فيكتبها لئلا ينسى، هذا عبث لا داعي له، فتكون الحركة في هذا مكروهة. طيب! سقطت غترته وهو يصلي، لو مضى في صلاته لن يتأثر، لكن أحب أن يأخذها ويلبسها، فله ذلك؛ لأن هذا عمل مباح، وإن كانت الصلاة تتم بدونها لكنه يحب أن يكون على أكمل ما يكون من اللباس. إذاً: الحركة تنقسم إلى خمسة أقسام، وكلما كان الإنسان ساكن القلب ساكن الجوارح فهو أكمل لصلاته. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 18 البسملة هل آية من الفاتحة أم لا؟ السؤال فضيلة الشيخ! هل البسملة آية من الفاتحة؟ الجواب البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غير الفاتحة بل هي آية مستقلة، وهي مرقمة في المصحف على أنها من الفاتحة لكنه قول مرجوح، والصواب: أن أول الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] كما صح ذلك من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) وذكر الفاتحة ولم يذكر البسملة. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 19 إزالة جبال مكة خوفاً من قيام الساعة السؤال أحد الشركات أرادت أن تقيم مشروعاً في مكة وهذه الأرض التي أرادت أن تبني عليها مشروعاً سكنياً يقع فيها جبل فأرادوا تكسير هذا الجبل، فجاءهم أحد الأشخاص وقال: إن هناك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم (من علامة الساعة: إزالة جبال مكة) . فتوقفوا، فما صحة هذا الحديث؟ الجواب الساعة قريب سواءً أزيلت الجبال أم لم تزل، هم توقفوا لئلا تقرب الساعة، ولكن الساعة قريبة، وهذا لا صحة له وغير صحيح. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 20 حكم الأذان على غير طهارة السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز الأذان على غير طهارة؟ الجواب الأذان على غير طهارة جائز؛ لأن الأذان ذكر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه) لكن إن كان الأذان في المسجد وهو جنب فلا يؤذن في المسجد حتى يتوضأ؛ لأن الجنب لا يمكث في المسجد إلا بوضوء. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 21 حكم أداء صلاة الاستخارة عن الغير السؤال فضيلة الشيخ صلاة الاستخارة هل تجوز للغير، أي: أن يستخير المرء لغيره قياساً دعا الأخ لأخيه؟ الجواب الاستخارة لا تجوز إلا ممن أراد وهمَّ، ولا يصلح أن يستخير لغيره حتى لو وكله وقال: استخر الله لي؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا هم أحدكم فليركع ركعتين ثم يقول:) وذكر الحديث، كما أنه لو دخل اثنان المسجد وقال أحدهم للآخر: صل عني ركعتين تحية المسجد وأنا سأجلس، لا يصح هذا، فصلاة الاستخارة متعلقة بنفس المستخير الذي يريد أن يفعل. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 22 حكم طاعة الوالدين في ترك المستحبات السؤال فضيلة الشيخ هل يجوز للشاب أن يفعل سنة من السنن كالصيام أو رفع الثوب إلى نصف الساق أو طلب العلم غير الواجب مع أن والديه يكرهان له ذلك. فما توجيهكم يا شيخ؟ الجواب أولاً: ننصح بعض الوالدين الذين يثقل عليهم إذا استقام الولد سواءً كان ذكراً أم أنثى، كما سمعنا أن بعض الناس -نسأل الله العافية- إذا استقام ابنه أو ابنته تألم من ذلك وحاول أن يصده عن ذكر الله، وعن طاعة الله فأنصح هؤلاء الوالدين من هذه الحالة القبيحة، والعجب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) وهؤلاء يحاولون أن يحولوا بين الولد وصلاحه حتى لا يوفق الولد بالدعاء لهما بعد موتهما، بخلاف الولد الصالح فإنه يوفق بالدعاء لوالديه بعد موتهم. أما بالنسبة للولد فلا يطع والديه في ترك طاعة الله، كما أنه لا يطيعهما في معصية الله، لكن طاعتهما في معصية الله حرام عليه، وطاعتهما في ترك طاعة الله غير الواجبة أمرها إليه؛ لأن المستحب أمرها إلى الإنسان إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، لكنه إذا أراد أن يفعل ينبغي أن يداريهما فيخفي ما أمكن إخفاؤه من عمله الصالح، وأما ما يتعلق باللباس إلى نصف الساق فهذا أمره سهل، وأخبر الأخ: أن اللباس إلى نصف الساق سنة، وإلى ما تحت نصف الساق سنة، الممنوع أن يكون أسفل من الكعبين، فإن الصحابة رضوان الله عليهم وهم أجل قدراً ممن بعدهم وأحب للخير لمن بعدهم كانت ألبستهم تصل إلى الكعب، أو إلى ما فوقه يسيراً، كما قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعهده) وهذا يدل على أن إزاره ينزل عن نصف ساقه؛ لأنه لو كان إلى نصف ساقه واسترخى عليه حتى يصل إلى الأرض لزم من ذلك انكشاف عورته من فوق، وهذا هو المعروف بين الصحابة. فإذا رأيت مثلاً: أن الناس يكرهون اللبس إلى نصف الساق أو أعلى، وأنك لو لبست كما يلبس الناس في غير إسراف ولا مخيلة أدعى لقبول كلامك، الحمد لله اترك هذا الذي تريد أن تفعله تأليفاً للقلوب وقبولاً للكلام، ولهذا أجد الناس الآن تلين قلوبهم للناصح إذا كان لباسه على العادة لكنه ليس محرماً أكثر مما تميل إلى الذين يرفعون لباسهم إلى نصف الساق أو أكثر، والإنسان قد يدع المستحب لحصول ما هو أفضل منه، هذا وأرى أنه إذا قال له والداه: أنزل ثوبك إلى أسفل من نصف الساق، أرى أنه يطيعهما في هذا الحال؛ لأنه كله سنة والحمد لله، كلٌّ عمل به الصحابة رضي الله عنهم. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 23 كيفية تسمية الله عند الوضوء في الحمام السؤال إن المراحيض الآن وهي محل قضاء الحاجة صارت في مكان الوضوء والغسل فهل يسمي في هذه الحال أم لا؟ الجواب إن سمى بلسانه فلا بأس، وإن سمى بقلبه فهو أحسن، ينوي التسمية بالقلب دون أن ينطق بها باللسان، وأنت تعرف تسمية القلب. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 83 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [84] في هذه المادة يواصل الشيخ الكلام عن تفسير سورة العلق وذكر الفوائد الواردة فيها، ثم يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر سورة العلق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والثمانون من لقاء الباب المفتوح والذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الرابع من شهر شعبان عام (1415هـ) نفتتحه بالكلام على ما تبقى من تفسير سورة العلق. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى) قال الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:9-14] كل هذا للتهديد؛ تهديد هذا الرجل الذي كان ينهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة، حتى إنه توعد وقال: لأطأن عنقه إذا سجد، ولكن أبى الله تعالى ذلك، فقد هم به ولكنه نكص على عقبيه ورأى أهوالاً عظيمة حالت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14] يحتمل أن تكون من الرؤية بالعين، ويحتمل أن تكون من رؤية العلم، وكلاهما صحيح، فالرب عز وجل يرى بعلمه ويرى ببصره جل وعلا: {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] والمراد بهذه الجملة التهديد، أي: ليعلم هذا الرجل أن الله تعالى يراه ويعلمه، وهو سبحانه وتعالى محيط بعمله فيجازيه عليه إما في الدنيا وإما في الدنيا والآخرة. ثم قال: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] (كلا) بمعنى: حقاً، ويحتمل أن تكون للردع، أي: لردعه عن فعله السيئ الذي كان يقوم به تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بمعنى: حقاً لنسفع بالناصية، وجملة (لنسفعاً) جواب لقسم مقدر، والتقدير: والله لئن لم ينتهِ لنسفعاً بالناصية، وحذف جواب الشرط وبقي جواب القسم؛ لأن هذا من القاعدة في اللغة العربية: أنه إذا اجتمع قسم وشرط فإنه يحذف جواب المؤخر. قال ابن مالك في ألفيته: واحذف لدى اجتماع شرط وقسم جواب ما أخرت فهو ملتزم وهنا المتأخر هو الشرط (لئن) والقسم مقدرٌ قبله في التقدير: والله لئن لم ينته لنسفعاً، ومعنى (لنسفعاً) أي: لنأخذن بشدة، والناصية مقدم الرأس، و (أل) فيها -أي: في الناصية- للعهد الذهني، والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهل الذي توعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صلاته ونهاه عنها، أي: لنسفعاً بناصيته، وهل المراد: الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يجر بناصيته إلى النار؟ يحتمل هذا وهذا، يحتمل أنه يؤخذ بالناصية، وقد أخذ بناصيته في يوم بدر حين قتل مع من قتل من المشركين، ويحتمل أن يؤخذ بناصيته يوم القيامة فيقذف بالنار كما قال الله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] وإذا كانت الآية صالحة لمعنيين لا يناقض أحدهما الآخر فإن الواجب حملها على المعنيين جميعاً كما هو المعروف، والذي قررناه سابقاً ونقرره الآن: أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فالواجب الأخذ بالمعنيين جميعاً. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة) قال تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] (ناصية) بدل من الناصية الأولى، وهي بدل نكرة من معرفة وهي جائزة في اللغة العربية، وإنما قال: (ناصية) من أجل أن يكون ذلك توطئة للوصف الآتي بعدها، وهو قوله: {كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] (كاذبة) أي: أنها موصوفة بالكذب، ولا شك أن من أكبر ما يكون كذباً ما يحصل من الكفار الذين يدعون أن مع الله آلهة أخرى، فإن هذا أكذب القول وأقبح الفعل: (خاطئة) أي: مرتكبة للخطأ عمداً، وليعلم أن هناك فرقاً بين خاطئ ومخطئ (الخاطئ) من ارتكب الخطأ عمداً، و (المخطئ) من ارتكبه جهلاً، والثاني معذور والأول غير معذور، قال الله تبارك وتعالى: {لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:37] أي: المذنبون ذنباً عن عمد، وقال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. ومثل ذلك: القاسط والمقسط، القاسط: هو الجائر، والمقسط: هو العادل. قال الله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] وقال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن:15] . إذاً (خاطئة) أي: مرتكبة للإثم عمداً. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فليدع ناديه) قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:17-18] اللام هنا للتحدي، أي: إن كان صادقاً وعنده قوة وقدرة فليدع ناديه، و (النادي) هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم استئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظماً في قريش وله نادٍ يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شئونهم، فهنا يقول الله عز وجل: إن كان صادقاً (فليدع ناديه) وهذا لا شك أنه تحد كما تقول لعدوك: إن كان لك قومٌ فتقدم، وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي، قال تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] أي: عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية؛ ملائكة النار -نسأل الله العافية- وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم: {غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] غلاظ في الطباع شداد في القوة: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] لا يعجزون عن ذلك، فوصفهم بوصفين: أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] وأنهم في تمام القدرة: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] . وعدم امتثال أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً: الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون لعجز، وقد يكون للعناد، فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً، ولهذا قال: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] فإن قال قائل: أين الواو في قوله ندعُ؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة وهمزة الوصل ساكنة وإذا التقى ساكنان فإن كان الحرف صحيحاً كسر وإن كان غير صحيح حذف. قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق إذا التقى ساكنان وكان الحرف الأول صحيحاً ليس من حروف العلة كسر، مثل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:1] وأصلها (لم يكنْ) لأن (لم) إذا دخلت على الفعل جزمته، كما في قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لكن هنا التقى ساكنان وكان الأول حرفاً صحيحاً فكسر، أما إذا كان الأول حرف لين -أي: حرف من حروف العلة- فإنه يحذف كما في هذه الآية {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] . الجزء: 84 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (كلا لا تطعه واسجد واقترب) قال تعالى: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] يقال في (كلا) ما قيل في الأولى التي قبلها، والخطاب في قوله: (لا تطعه) أي: لا تطع هذا الذي ينهاك عن الصلاة، بل اسجد ولا تبال به، فإذا كان الله نهى نبيه أن يطيع هذا الرجل، فهذا يعني أنه جل وعلا سيدافع عنه، أي: افعل ما تؤمر ولا يهمنك هذا الرجل، واسجد لله عز وجل، والمراد بالسجود هنا: الصلاة؛ لكن عبر بالسجود عن الصلاة؛ لأن السجود ركن في الصلاة لا تصح الصلاة إلا به، فلهذا عبر به عنها، وقوله: {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء:97] أي: اقترب من الله عز وجل؛ لأن الساجد أقرب ما يكون من ربه، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري أن يستجاب لكم. هذه السورة العظيمة كما سمعناها سورة عظيمة ابتدأها الله تعالى بما منَّ به على رسوله عليه الصلاة والسلام من الوحي، ثم اختتمها بالسجود والاقتراب من الله عز وجل. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم القيام بطاعته والقرب منه، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، إنه جوادٌ كريم. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 84 ¦ الصفحة: 8 ما يتم به الفصل بين الصلاة والصلاة السؤال فضيلة الشيخ: ورد في الحديث المتفق عليه النهي عن وصل صلاة بصلاة حتى يتحدث أو يخرج، فهل الذكر الوارد بعد الصلاة يقوم مقام الحديث؟ وهل لو خرج من مصلاه إلى ساحة المسجد أو الملحق الخارجي يجزؤه عن ذلك نرجو التكرم بالجواب؟ الجواب الذي ورد هو حديث معاوية رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا نصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم) أما الخروج فظاهر أن يخرج، أي: يقوم من مكانه في الصلاة ويذهب إلى أهله، وأما الكلام فقيل: المراد بالكلام هنا كلام الآدميين؛ لأنه هو الذي يحصل به التمييز بين الصلاتين، وأما التسبيح والتهليل فلا يحصل به الفصل. وقال بعضهم: بل يحصل به الفصل؛ لأن هذا التسبيح والتهليل وإن كان لا يبطل الصلاة وليس من كلام الآدميين لكنه علامة على انقطاع وانفصال الصلاة في الأولى عن الثانية، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: الأولى أن يفصل بين الفرض وسنته بكلام أو انتقال من مكانه، وبناءً على كلام الفقهاء: لو انتقل من مكانه الذي هو فيه في صلاة الفرض إلى مكان آخر في المسجد سواءً كان داخل المسقف أو في الرحبة، فإنه يحصل به المقصود. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 9 حكم تارك الصلاة السؤال من المعلوم أن تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات، مثلاً: أخبرت إماماً أراد أن يصلي على تارك الصلاة هل هذه من الغيبة؟ الجواب تارك الصلاة لا يصلى عليه إذا مات؛ لأنه كافر مرتد عند دين الإسلام -والعياذ بالله- بدلالة القرآن والسنة وكلام الصحابة رضي الله عنهم، بل حكي إجماع الصحابة على أنه كافر مرتد خارج عن دين الإسلام. وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز أن يصلى عليه؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:84] فإذا قدم إلى الإمام من تعلم العلم اليقين أنه لم يصل إلى أن مات فالواجب عليك أن تخبر الإمام وجوباً، وليس هذا من الغيبة، بل هذا من النصيحة؛ لأنك بإخبارك إياه تنهاه عن منكر، إذ أن الصلاة عليه حرام، وفي هذه الحال إذا أخبرته يجب على الإمام أن يتوقف وأن يقول: لا أصل على من لا يصلي. لكن يبقى النزاع فيما بين أهله وبين الإمام مثلاً؛ لأن أهله ربما ينكرون أنه لا يصلي، ربما يقولون: إنه يصلي، فيقول: إذا كنتم تعتقدون أنه يصلي فاذهبوا أنتم وصلوا عليه وحسابكم على الله، أما أنا فقد بلغني عمن أثق به أو أنا أعلم عن حاله أنه لا يصلي فلا أصلي عليه، وقد قدمت لي جنازة كانوا يقولون: إنه لا يصلي، فلما قدم وسألت قالوا: هذا فلان، قلت: لا أصلي عليه، فقال أهله: إنه كان يصلي ويخلي لا يترك الصلاة مطلقاً فمن ثم تقدمت وصليت عليه. ولا حرج على الإمام إذا رأى من الجنازة ما يقتضي ألا يصلي عليه، لا حرج عليه أن يتأخر، فقد فعله من هو خير منا، فعله النبي عليه الصلاة والسلام حين قدم إليه رجل فسأل: (أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، ولم يكن له وفاء، فقال: صلوا على صاحبكم -وتأخر- حتى عرف ذلك في وجوه القوم، فتقدم أبو قتادة رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! الديناران علي) فلما استثبت النبي صلى الله عليه وسلم من أبي قتادة وأنه ملتزم بهما تقدم وصلى عليه، فهو قد انصرف وأبى أن يصلي عليه؛ لأنه وجد فيه ما يقتضي ألا يصلي عليه، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه لا يصلي على من عليه دينٌ لا وفاء له، وذلك لأن صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام شفاعة والدين لا تنفع فيه الشفاعة؛ لأنه لا بد أن يقضى لصاحب الحق حقه. إذاً: إخبار الإمام بذلك من النصيحة وليس من الفضيحة، بل يجب على من علم بحاله أن يبين، لكن قد تأتي أحاديث يتوهم بعض الناس منها أنها تدل على عدم كفر تارك الصلاة، ونحن نجمل القول فيها -أي: في إبطال الاستدلال بها على عدم كفر تارك الصلاة- فنقول: الآيات والأحاديث وأقوال الصحابة في كفر تارك الصلاة نصوص وأدلة محكمة ليس فيها إشكال، والنصوص الأخرى التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة لا تخرج عن أقسام: الأول: ألا يكون فيها معارضة أصلاً، مثل قول بعضهم: إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ويدخل في قوله: (ما دون ذلك) ترك الصلاة، فنقول: إن ترك الصلاة ليست دون الشرك بل هي من الشرك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . واستدل بعضهم بحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فيقال: هذا لا دليل فيه أيضاً، لأن قوله: (يبتغي بذلك وجه الله) تمنع أن يترك الصلاة، فكل من أراد وجه الله لا يمكن أن يترك الصلاة أبداً، يعني: رجل يحافظ على ترك الصلاة وهو يبتغي وجه الله، بأي طريقٍ يصل إلى الله إذا كان يترك الصلاة؟!! إذاً: لا دليل فيه. واستدل بعضهم بحديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من لم يعمل خيراً قط) فيقال: هذا عام لم يقل الرسول: من لم يصل. ونصوص كفر ترك الصلاة خاصة، والقاعدة الأصولية تقول: (الخاص يقضي على العام) أما لو جاء في الحديث أنه خرج وهو لم يصل لله صلاة لكان هذا واضحاً، ويجب أن تحمل النصوص الأخرى على أنها لا تكفر كفراً مخرجاً عن الملة، لكن يقول: لم يعمل خيراً، (وخيراً) نكرة في سياق النفي، فهي عامة، والعام يخصص بالخاص. واستدل بعضهم بحديث صاحب البطاقة الذي أخرجه الترمذي: (أنه يؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فترجح بالسيئات) قالوا: وليس فيها ذكر الصلاة، فيقال: وليس فيها أنه ذكر الصلاة لا إثباتاً ولا نفياً، فيبقى هذا الحديث عاماً ويخصص بالصلاة. وهناك أحاديث ضعيفة استدلوا بها، والأحاديث الضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة فليست معارضة؛ لأنها غير قائمة فلا تكون مقاومة. والخلاصة: أن القول الراجح الذي ندين الله به والذي نعتمد فيه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن من ترك الصلاة فإنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وأنه أسوأ حالاً من اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يقرون على دينهم حسب ما تقتضيه الشريعة بالجزية، وأما هذا فلا يقر على دينه، هذا يقال: إما أن تصلي وإلا قتلناك، لا يمكن أن تبقى على الأرض وأنت لا تصلي. هذا الواجب، فنسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى الصراط المستقيم. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 10 تحويل لفظ الجمع إلى المفرد في الدعاء والعكس السؤال بالنسبة للكتيبات التي فيها الدعاء مكتوب بالجمع، هل نحولها إلى المفرد؟ الشيخ: أي جمع؟ السائل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت. الشيخ: هو حديث القنوت التي تذكر؟ السائل: نعم القنوت. الشيخ: اللهم اهدني فيمن هديت، للإفراد، لكن إذا كان إماماً فهو يدعو لنفسه ولغيره، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا دعا الإمام بدعاء عام يؤمن عليه المأموم وخص نفسه به فهو خائن. خائن للذين وراءه، مثلاً: افرض أنك إمام تقول: اللهم اهدني فيمن هديت، وهم يقولون: آمين، هل دعوا لأنفسهم؟ السائل: لا. الشيخ: صار يدعي لنفسه وهذه فيها خيانة، قل: اللهم اهدنا فيمن هديت، وتنوي أنه لك ولمن وراءك، لكن إذا كنت وحدك فقل: اللهم اهدني فيمن هديت، كما تقول بين السجدتين: رب اغفر لي وارحمني. وقد تورد عليَّ أن الله تعالى قال في القرآن في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وهذا يقوله المنفرد والإمام والمأموم، أليس كذلك؟ فيقال: القرآن الكريم نزل للجميع، والله عز وجل علم أنه سيكون من هذه الأمة من يكون إماماً للناس بهذه السورة، لو نزلت في السورة اهدني الصراط المستقيم والناس سيصلون جماعة كيف يقول الإمام؟ إما أن يدعو لنفسه خاصة، وإمام أن يحرف القرآن ويقول: اهدنا الصراط المستقيم. فالفاتحة بصيغة الجمع؛ لأن الله علم بأنه سيقوم بهذه السورة من يكون إماماً ووراءه جماعة فلهذا نزلت بهذا اللفظ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:5-6] . وإذا كان منفرداً فيمكن الإنسان أن ينوي في نفسه اهدنا معشر الأمة الإسلامية الصراط المستقيم. ولا مانع إذا دعوت بالقنوت وأنت وحدك فتقول: اللهم اهدني فيمن هديت. السائل: إذا مرت عليّ آية من الآيات كيف أحولها؟ الشيخ: لا تحولها بل تقرأها كما نزلت. السائل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] الشيخ: تقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] لا تغير القرآن، فالقرآن لا يغير. كذلك أيضاً في حديث عبد الله بن مسعود دعاء الغم والكرب: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك) المرأة لا تقول: عبدك، تقول: اللهم إني أمتك بنت عبدك. لأنها امرأة، فتقول: اللهم إني أمتك. هذا ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله. وقال غيره: تقول المرأة: اللهم إني عبدك. لأنها شخص، فتصف نفسها أنها عبد باعتبار أنها شخص. وبمناسبة دعاء القنوت: في هذه الأيام يقنت المسلمون لإخوانهم في الشيشان والبوسنة والهرسك، وقد بلغني أن بعض الأئمة يقنت بقنوت الوتر (اللهم اهدنا فيمن هديت) وهذا غير صحيح وهو جهل؛ لأن قنوت النوازل خاص بالنوازل، وعلى هذا فتدعو لله عز وجل بالنصر للشيشان والبوسنة والهرسك وبهزيمة أعدائهم الذين اعتدوا عليهم ولا تدعو بقنوت الوتر. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 11 حكم الحصول على الشهادة بالغش السؤال فضيلة الشيخ أثابك الله: بالنسبة لبعض الطلاب الذين تخرجوا بشهادات كانوا غشوا بها في الفصول الدراسية سواءً كان ذلك في السنوات الأولى أو في المتوسط وبعضها في الجامعة في الشهادة النهائية، فما حكم هذه الشهادة؟ هل يجوز له أن يتوظف بها وماذا يعمل؟ وبعضهم يقول: أنا أغش في المتوسط لكن إذا أتيت آخر سنة لا أغش حتى تكون شهادتي حلالاً، فما ردكم على هذا وما توجيهكم؟ الجواب توجيهنا في هذا الأمر أن يتقي الإنسان ربه وأن لا يخرج من دائرة الأمة الإسلامية بهذا العمل الشنيع؛ لأن هذا ليس من عمل المسلمين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من غشنا -وفي لفظ: من غش- فليس منا) فتبرأ النبي عليه الصلاة والسلام منه، وهذه البراءة ليست براءة مطلقة بمعنى: أن من غش فهو كافر، لكنها براءة مقيدة، أي: ليس منا بهذا العمل، فهذا العمل يتبرأ منه كل مسلم. ومن غش في الشهادات التي قبل النهائية فهو آثم، ويكفي أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وأن يحذر من يقتدي به في هذا العمل. وأما إذا كانت في الشهادة التي يترتب عليها الوظيفة فهذه مشكلة ولا بد من حلها حلاً جذرياً، فإذا كان العمل المنوط به يتعلق بالمادة التي غش فيها فإنه يجب عليه أن يستقيل من الوظيفة؛ لأنه غير متقن لهذا العمل، وإن كان لا يتعلق بالمادة التي غش فيها فأرجو أن التوبة تكفي إن شاء الله، على أني لا أدري عن المسئولين هل يسمحون له بالبقاء في وظيفته مع الغش أم لا. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 12 حكم ترك الحج السؤال فضيلة الشيخ! يقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وقد نقل عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون عمله تركه كفراً إلا الصلاة. فكيف نوجه هذه الآية؟ الشيخ: يجاب عن هذه الآية بأحد وجهين: إما أن يقال: بأن من لم يحج فهو كافر كما قال ذلك بعض السلف، وأن ترك الحج مع القدرة عليه كفر كترك الصلاة. وهذا مروي عن الإمام أحمد رحمه الله، فإن عنه رواية: أن من ترك الحج فهو كافر، وعلى هذا فلا إشكال. وأما على رأي الجمهور وهو الوجه الثاني: فيوجهون الكفر هنا بأنه كفر عملي يعني: أنه لا يخرج من الإسلام، وأنه كقوله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطعن في النسب لو سبيت الإنسان بنسبه، أو ناح نائح على ميت أن هذا ليس كفراً مخرجاً عن الملة، فيحملون هذا على أنه كفر عملي أي: ليس كفراً مخرجاً عن الملة، ويؤيد هذا قول عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المعروفين: [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] . الجزء: 84 ¦ الصفحة: 13 حكم طلب الشكر من الناس في فعل الخير السؤال فضيلة الشيخ! لقد فهمت من ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن من عمل خيراً لطلب الشكر أو الدعاء فإن العمل غير خالص لوجه الله. فما توجيهكم؟ الجواب نعم هذا صحيح، الإنسان الذي يعمل عبادة لا تكون إلا لله، فإذا أشرك فيها مع الله أحداً فهذا مبطل للعبادة، فلو صلى من أجل أن يشكره الناس على الصلاة ويثنون عليه بذلك، فلا شك أنه أراد بعمله غير الله، ثم إما أن يكون شركاً أكبر أو أصغر حسب ما يكون بالقلب. وأما إذا صلى لله ثم أثني عليه بتلك الصلاة فهذا لا بأس به، وربما يكون هذا من عاجل بشرى المؤمن، لكن يجب على الإنسان أن يخص ما لله لله لا يشرك به أحداً، والناس لا يغنونك من الله شيئاً، والله يغنيك من كل الناس، فلم لا تتقرب إلى الله بما يُتقرب إلى الله به، تتقرب إلى الناس بالصلاة وهي لله؟!! السائل: ولكن الإشكال يا شيخ قوله: (أو الدعاء) مثلاً: يتصدق إنسان من أجل أن يدعو له هذا الإنسان؟ الشيخ: حتى هذا أيضاً نقص في الإخلاص، قال الأبرار: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:9] والدعاء من الجزاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) ولا شك أن هناك فرقاً بين الإنسان يعطي لله عز وجل يريد التقرب إلى الله عز وجل، وبين إنسان يقول: أعطيه من أجل أن يدعو لي. فرق بعيد. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 14 متابعة الإمام السؤال إذا وجد المأموم الإمام ساجداً هل ينحط ساجداً، أم يقعد ثم يكبر ويسجد مع الإمام؟ الجواب إذا وجد الإمام على حال قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو قاعداً فليصنع كما يصنع الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا) وقال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بسند فيه ضعف: [إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حالٍ فليصنع كما يصنع الإمام] . السائل: لكن السؤال يا شيخ: هل يسجد بتكبيرة الإحرام، أم يكبر للسجود؟ الشيخ: لا. تكبيرة الإحرام يكبرها وهو قائم، ثم إذا سجد يسجد دون تكبير. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 15 الفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة السؤال كيف نفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة؟ الجواب المعجزة تكون للأنبياء، والكرامة للأولياء؛ أولياء الرحمن، والكهانة لأولياء الشيطان، والآن المعجزة لا يمكن أن تقع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ولا يمكن أن تقع. والكرامة موجودة من قبل الرسول ومن بعد الرسول إلى يوم القيامة، تكون على يد ولي صالح، إذا عرفنا أن هذا الرجل الذي جاءت هذه الكرامة على يده هو رجل مستقيم قائم بحق الله وحق العباد عرفنا أنها كرامة. وينظر في الرجل فإذا جاءت هذه الكرامة من كاهن -يعني: من رجل غير مستقيم- عرفنا أنها من الشياطين، والشياطين تعين بني آدم لأغراضها أحياناً، فربما يكون مثلاً من السحرة من تحمله الشياطين إلى مسافات بعيدة وترده: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل:39] لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل:39] يعني: بعرش ملكة اليمن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39] يجيبه من اليمن من أقصى الجنوب إلى الشام، {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} وكان معروف أنه يقوم من مقامه في ساعة معينة. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 16 التعبير بلفظ الآية بدل المعجزة السؤال ما الفرق بين المرائي والمخلص وأيهما أصح: التعبير بلفظ آية أم معجزة في معجزات الأنبياء؟ الجواب هناك فرق بين المرائي والمخلص مهما كان، مهما تظاهر المرائي بزي التقوى فالله تعالى يفضحه، لكنك الآن ذكرت لفظ معجزة والصحيح أنه لا يقال: معجزة ويقال: آية، لأنه لا يوجد حرف واحد لا في القرآن ولا في السنة سميت به آيات الأنبياء معجزات أبداً، فهي آية، وآية أدل على المعنى المقصود من معجزة، فالمعجزة تكون حتى من السحرة، حتى الساحر يأتي بالمعجزات لكن آية على صدقة هي التي جاءت ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)) [الحديد:25] أي: بالآيات البينات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبياً إلا أتاه ما يؤمن على مثله البشر) فلذلك إن شاء الله تمحو كلمة المعجزة من قاموسك، ولا يغرنك أنها موجودة بكثرة في الكتب، وقد نبه على هذا شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب النبوات وبين أن الصواب أن يقال: آية بدل معجزة. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 17 حكم من شك في أثناء الصلاة أنه أحدث السؤال فضيلة الشيخ حفظكم الله: إذا كان الرجل مسافراً ثم دخل عليه وقت صلاة المغرب وأراد أن يجمع معها العشاء وكان قبل ذلك محدثاً ثم توضأ وهو في الطريق دخل عليه الوقت وشك في وسط الصلاة أنه أحدث بعد ذلك، ثم لم يلتفت إلى ذلك فأكمل، وبعد أن وصل إلى مدينته كان في نفسه شيء من هذه الصلاة ثم أعاد وقصر؟ الجواب أولاً: يجب أن تعلم أن الإنسان إذا شك هل أحدث أم لا، فلا يلتفت إلى هذا الشيء وليتله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شكي إليه هذا الشيء أن الإنسان يحس بشيء في بطنه فيظن أنه خرج منه شيء فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) واحمد الله على العافية، تله عنه وصل وصلاتك صحيحة ولا تشك فيها، نعم لو تيقنت بعد هذا أنك أحدثت وأنك صليت على غير وضوء فتوضأ وأعد الصلاة، وفي هذه الحال إذا أعدتها فإنما تعيدها تامة احتياطاً. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 18 حكم من مات في بلاد الكفر ولم يعلم هل غُسِّل أم لا؟ السؤال فضيلة الشيخ! يوجد بعض الناس يذهبون إلى بلاد الكفار لبعض العمليات الجراحية ثم يقدر الله عز وجل أن أحدهم يموت فلا ندري هل غسل أم لا، ثم يوضع في صندوق مقفل ويرجعونه إلى أهله، فكيف الحل: هل يدفن في هذا الصندوق، أم يفتح الصندوق ثم يغسل ويصلى عليه؟ الجواب إذا علمنا أن الذي تولى غسله مسلم، فالغسل الأول يكفي، ثم إن علمنا أن هذا المسلم صلى عليه فقد سقطت الفريضة لكن لا مانع أن تعاد الصلاة مرة ثانية، وأما دفنه في التابوت فلا، والواجب إخراجه من التابوت ودفنه كما يدفن الناس. فإن علم أن الذين غسلوه كفار فهذا التغسيل لا يكفي؛ لأن تغسيل الميت عبادة وليس غسل تنظيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماءٍ وسدر) والعبادة لا تصح من الكافر. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 19 إعادة الصلاة لمن صلى الفريضة ودخل المسجد وهم يصلون السؤال بالنسبة لإعادة الجماعة إذا دخل الإنسان المسجد وقد صلى المغرب ودخل المسجد الآخر هل يصلي معهم؟ كذلك بالنسبة لدخول المسجد لأجل صلاة الجنازة، إذا رأى الجماعة يصلون وقد أتى المسجد لأجل صلاة الجنازة فقط، هل يدخل في الصلاة ثم يقطعها مع الإمام يعني: يقطع صلاته مع الإمام. أرجو توضيح ذلك؟ الجواب إذا دخل المسجد وقد صلى المغرب ووجد أناساً يصلون فليصل معهم ثلاثاً كما صلى الإمام؛ لأن هذه صلاة معادة وليست فريضة، وحينئذٍ لا يكون قد أوتر مرتين. فالإعادة غير الابتداء. وإذا أتى المسجد من أجل الجنازة ووجدهم يصلون دخل معهم أيضاً، إلا إذا كانت هذه آخر ركعة ويخشى إن قام يقضي الركعة الباقية أن يصلى على الجنازة فلا بأس أن ينتظر حتى يسلم الإمام ثم يصلي على الجنازة. وأما إذا كانت الركعة الثالثة فليدخل معهم ولا حرج أن يسلم مع الإمام إذا كان يخشى أن ترفع الجنازة، لأنه صلى ركعتين. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 20 حكم عمل الشيء لأمور مترتبة عليه السؤال السؤال حفظك الله مرتبط بسؤال الأخ فيما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: إن الإنسان إذا عمل عملاً من الأعمال الصالحة وأراد شكر الناس أو شيئاً من غرض الدنيا فإنه ينقص من الأجر. فيوجد بعض الأحاديث التي حث النبي عليه الصلاة والسلام فيها على العمل وذكر ترغيباً في ذلك ما يكون فيه الأجر في الدنيا أو ما يترتب على ذلك من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) فكم في هذا الحديث من ترغيب فمثلاً يطلب هذا أو يكون له اهتمام بهذا الجانب ما هو الجواب؟ الجواب هذه المسألة بارك الله فيك غير مسألة الذي ذكر السائل السابق، الذي ذكر يريد التقرب إلى الناس في الثناء عليه، أما هذا فهو يريد أن ينتفع هو بنفسه؛ لأن بسط الرزق قد يكون سبباً للخير والصدقات ونفع المسلمين، وطول العمر أيضاً يكون سبباً لزيادة العمل الصالح وربما يكون عالماً ينفع الناس بعلمه، فهو خير، وإلا لا شك أن ما يذكره الرسول عليه الصلاة والسلام من الثواب العاجل يريد به الحث، لكن لا يريد أن يكون قصد الإنسان بهذا العمل الثواب العاجل، الفرق بين أن يكون هناك شيء يحث الإنسان على فعل الخير الذي لا يكون إلا لله وبين من يريد هذا الذي صار وسيلة لغيره. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 21 حكم الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية السؤال فضيلة الشيخ! الدراسة في الكليات التي يدرس فيها القوانين الوضعية ما حكمها بارك الله فيك؟ الشيخ: هذه الجامعات التي يدرس فيها القوانين الوضعية هل يدرس فيها علوم أخرى؟ السائل: لا أدري. الشيخ: أنا أظن أنه يدرس فيها علوم أخرى، ولا يوجد جامعة إلا ويدرس القوانين الوضعية. السائل: لكن قد يكون المقصود هذه القوانين الوضعية. الشيخ: التخصص، قد يكون بعض الكليات تخصصها علم الاقتصاد مثلاً المبني على القوانين. نقول: إذا درس الإنسان علم القانون من أجل أن يطبق ما وافق الشريعة وينكر ما خالف الشريعة ويبين زيفه وبطلانه فهذا حسن، ولا يمكن للإنسان أن يعرف كيف يرد على الباطل إلا إذا عرف الباطل، أما إذا درس هذه القوانين ليعمل بها سواءً وافقت الشرع أم لم توافق فهذا لا يجوز. فهذا هو الحد الفاصل يقال: أنت قرأت هذه القوانين لتطبقها وإن خالفت الشرع فهذا حرام، وأما إذا كنت تريد أن تقرأ هذه القوانين من أجل بيان بطلانها وتصحيح ما أقره الشرع فلا بأس في هذا ولا تضر، إلا إذا كان الإنسان يخشى أن يدرسها من لا يفهم فيقرر هذه المواد المخالفة للشرع فهذا على خطر. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 22 وقت قنوت النوازل السؤال قنوت النوازل هل يكون في الصلوات الخمس أم هو مخصوص في الصلوات الجهرية؟ الجواب قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قنت في كل الصلوات الخمس، وورد أنه قنت في المغرب والفجر خاصة، والأمر في هذا واسع، لكن في ظني أن الاقتصار على المغرب والفجر فيه خير وبركة؛ لئلا يمل الناس، لأنك تعرف الناس ليس عندهم الرغبة أو الشعور بالأسى والألم لما يجري لإخواننا المسلمين، فربما يستثقلون هذا الدعاء، ويستثقلون الصلاة مع الإمام، وإذا اقتصر على المغرب والعشاء فأرجو أن يكون حصل خيراً كما جاءت به السنة. وكذلك ثبت (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في المغرب والفجر) . الجزء: 84 ¦ الصفحة: 23 حكم طاعة الوالدين في ترك طلب العلم السؤال رجل موظف يريد أن يطلب العلم ولا يستطيع أن يتفرغ لطلب العلم إلا إذا ترك هذه الوظيفة ووالديه يغضبهم هذا الأمر، فإذا ترك الوظيفة يغضبون عليه ولا يدري هذا الرجل هل يكون عاقاً بتركه أمر والديه، أم لا؟ الجواب طلب العلم أولى، أي: كونه يطلب العلم ولو غضب والداه بذلك أولى من كونه يلازم الوظيفة التي تصده عن طلب العلم؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] وطلب العلم في الوقت الحاضر من أهم المهمات لكثرة الفتن من شبهات وشهوات، فإذا لم يكن عند الأمة الإسلامية علماء يحفظونها ويحسنونها ويدافعون عنها فربما تهلك كما هلكت الأمم، فأرى أن طلب العلم أفضل من أن يرضي والديه، على أنه يمكن أن يجمع بين رضا الوالدين وبين طلب العلم، بأن يقول مثلاً: أنا تركت الوظيفة هذه لأجل أن أطلب العلم الذي أحصل فيه مستقبل ما هو خير، يقول هكذا وإن كان نيته خالصة لكن من أجل أن يرضي هؤلاء العوام. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 24 حكم الصلاة على الميت عند من لا يرى كفره السؤال بالنسبة إذا كان الإمام يرى جواز الصلاة على الميت سواءً كان يصلي أم لا -يعني: يرى عدم كفر تارك الصلاة- وهل يقاس هذا يا شيخ على الصلاة مع الذي يأكل من لحم الإبل إذا كان يرى عدم نقضه للوضوء؟ فهل يتابعه المأموم؟ الشيخ: أنت الآن تريد أن تسأل: هل الإمام يصلي عليه إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر؟ السائل: إي نعم. الشيخ: نقول: نعم. إذا كان يرى أن تارك الصلاة لا يكفر فإنه يصلي عليه. السائل: هذا المأموم يا شيخ؟ الشيخ: المأموم هل يتابع الإمام وهو يرى -أي: المأموم- أن تارك الصلاة كافر؟ نقول: لا؛ لأن الصلاة ليست صلاة للإنسان الصلاة للميت، والمصلي سيدعو للميت، فكيف يدعو لكافر والله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] بخلاف من صلى خلف من أكل لحم إبلٍ ولم يتوضأ لاعتقاده أنه لا ينقض الوضوء، لأنني أعتقد الآن أن صلاة هذا الرجل صحيحة وصلاتي أنا وراءه صحيحة، وأنا ما فعلت شيئاً أنا متوضئ، لكن عندما أصلي خلف من يصلي على كافر لا يمكن أن أدعو للكافر. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 25 الإنكار على المخالف في مسائل العقيدة السؤال هل يصح الاعتراض على الشخص بأنه لا يفرق بين المخالف في العقيدة والمخالف في الفروع، أو لا يصح الاعتراض عليه بهذا؟ الشيخ: بأي شيء لا بد. ما هي وجه التسمية؟ السائل: هو يقول: إن المخالف في العقيدة لا ينكر عليه مثل شخص خالف في مسائل الفروع. الشيخ: أمور العقيدة فيها شيء خفيف وفيها شيء ثقيل. السائل: مثل أمور الغيبيات والأمور الواردة بالتواتر؟ الشيخ: هذا ينكر عليه، لكن في أشياء في العقيدة خفيفة مثلاً: إذا قال: إن الصراط الذي يوضع على النار ليس أدق من الشعرة، ولا أحد من السيف، وإنما هو صراط عادي، أي: طريق يسلكه الناس، أو قال مثلاً: الذي يوزن ليس الأعمال ولكنه صاحب العمل أو صحائف الأعمال. أي: مسائل في العقيدة اختلف فيها السلف، لكن أمهات العقيدة لم يختلفوا فيها، فمن أنكر ما يكون في يوم القيامة هذا ينكر عليه، فالمهم أن في بعض مسائل العقيدة أشياء خفيفة فيها اختلاف لا ينكر على من خالف فيها، وهناك أصول لا يمكن إنكارها فمن أنكرها أنكرنا عليه. السائل: هل يوجد في ضابط؟ الشيخ: الضابط تتبع الإنسان لهذه الأمور ويرى مواقع الخلاف. السائل: يستدلون بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن من فرَّق بين أن مسائل العقيدة مسائل أصول لا يجوز الخلاف فيها، وأن هذه مسائل فقه يجوز الخلاف فيها هم المعتزلة. الشيخ: شيخ الإسلام رحمه الله أنكر أن يقسم الدين إلى أصول وفروع، وقال: إن هذا التقسيم حدث بعد القرون الثلاثة؛ لأن هذا التقسيم يرد عليه أشياء، مثلاً: الصلاة هل هي من الأصول أم الفروع؟ يقول: إنها من الفروع، مع أنها من أصل الأصول، ركن من أركان الإسلام العظمى، وما قاله شيخ الإسلام هو الصحيح. لكن ما كلفنا به فهو نوعان: عقدي وعملي، لا نقول: أصل وفرع، نقول: شيء عقدي يجب علينا اعتقاده وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعملي وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. هذه الخمسة هذه عملية، والستة التي هي الإيمان بالله وملائكته. إلخ هذه عقدية، أما أن نقول: أصول وفروع فلا يوجد دليل على ذلك. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 26 تكرار السور في الصلاة لمن لا يحفظ غيرها س السؤال فضيلة الشيخ: رجل يحب قيام الليل ولا يحفظ من القرآن إلا الشيء البسيط؛ فيصلي ست ركعات في الليل، في الركعة الأولى يقرأ (قل هو الله أحد) عشر مرات في الركعة، وفي الركعة الثانية يقرأ (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات في كل ركعة، وبعدها في آخر الركعتين يقرأ: (قل أعوذ برب الناس) ونصحناه، وحاولنا معه ورفض وقال: لا بد أن نعطي السؤال للشيخ فهل يكون عمله فيه شيء من الإنكار عليه؟ الجواب لا ينكر على هذا الرجل الذي لا يعرف إلا السور الثلاث هذه مع الفاتحة ويكررها، لا حرج عليه في هذا. السائل: غير واضح؟ الشيخ: لا بأس ولا يوجد مانع، لكنه إذا كرر (قل هو الله أحد) عشر مرات فلا يكرر (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات، لأن الركعة الثانية تكون أطول من الأولى. السائل: لا هو في الركعتين الأولى كلها (قل هو الله أحد) والركعتين الثانية (قل أعوذ برب الفلق) . الشيخ: أنا فاهم، لكنه في الركعة الأولى كم قرأ الإخلاص؟ السائل: عشر مرات. الشيخ: والثاني قرأ الفلق؟ السائل: لا الإخلاص عشر مرات. الشيخ: ركعتين بـ (قل هو الله أحد) في الأولى عشر مرات والثانية عشر مرات؟ السائل: نعم. الشيخ: والثالثة؟ السائل: (قل أعوذ برب الفلق) عشر مرات. الشيخ: لا يوجد مانع، لأن الله قال: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20] لكن هل يستطيع أن يقرأ من المصحف؟ السائل: لا هو أمي عامي. الشيخ: لا يوجد مانع في ذلك. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 27 الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال يمر بالإنسان كثير من الناس يظهر عليهم بعض المنكرات، مثل: حلق اللحية، وإسبال الإزار، هل يجب عليه الإنكار على كل إنسان مثلاً صلى بجانبه، أو في الشارع، مع كثرة أصحاب هذه المنكرات؟ الجواب الناس ينقسمون إلى قسمين: قسم تعرف أنه يعلم الحكم، مثل الذين عاشوا عندنا يسمعون الخطباء، ويسمعون الوعاظ يقولون: هذا حرام ولا يجوز، فلا يخفى على أحد. وقسم آخر: جاهل مثل بعض الذين يأتون من الخارج يظنون أن هذا لا بأس به؛ لأنهم قد يرون علماءهم يفعلون هذا الشيء. فأما الثاني فلا بد من تنبيهه وتعليمه، وأما الأول وهو الذي تعرف إنما فعل ذلك عن علم فهذا لا يلزمك أن توقف كل واحد من الناس وتقول: تعال حلق اللحية حرام، لكن إن تيسر لك جلسة معه أو مناسبة فذكره بالله عز وجل، قل: يا أخي! اتقِ الله أنت تعرف أن حلق اللحى حرام، وأنه لا يجوز، وهل ترضى لنفسك أن تتبع هدي المشركين والمجوس وتترك هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وانصحه وعظه. الثاني نقول: علمه؛ لأنه يكون جاهل. الأول نقول: عظه وذكره بالله عز وجل. لكن على كل حال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] نسأل الله لنا ولكم التوفيق. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 28 حكم قص شعر البنت مثل شعر الولد السؤال هل يجوز قص شعر الطفلة بشكل ولادي -بشكل ولد-، وأن شعرها ضعيف جداً يجب قصه؟ الجواب لا يجوز أن يقص شعر المرأة كشعر الرجل، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المتشبهات من النساء بالرجال) . وأما كون الشعر ضعيفاً فالقص يزيده ضعفاً، والحلق يقال: إنه يزيده نمواً وشدة وتمسكاً، ولكن ربما يحصل هنا وتكتفي بالحلق إذا أمكن. وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى، بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً. الجزء: 84 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [85] تكلم الشيخ عن تفسير سورة القدر ، وما احتوت عليه هذه السورة من فضل هذا اليوم المبارك، والسبب هو نزول أو ابتداء نزول القرآن فيه، بالإضافة إلى ذلك: نزول الملائكة في هذه الليلة عنواناً على الرحمة والخير والبركة، فقد جعل الله هذه الليلة خيراً من ألف شهر، وبالرغم من ذلك فهي سلام حتى مطلع الفجر، وذكر فيها الليالي التي يتحرى فيها ليلة القدر، بالإضافة إلى ذلك سبب إبهام الله لهذه الليلة، ثم شرع الشيخ بالإجابة على الأسئلة، وركز على جانب مهم في الدعوة إلى الله. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة القدر الحمد لله والشكر لله على نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والثمانون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، وهذا هو الخميس الحادي عشر من شهر شعبان عام (1415هـ) نبتدئه -كالمعتاد- بتفسير ما انتهينا إليه من الجزء الثلاثين من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى سورة القدر حيث يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1-3] . الجزء: 85 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر:1] الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، والهاء في قوله: (أنزلناه) يعود إلى القرآن، وذكر الله تعالى نفسه بالعظمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} دون أن يقول: إني أنزلته؛ لأنه سبحانه وتعالى العظيم الذي لا شيء أعظم منه، والله تعالى يذكر نفسه أحياناً بصيغة العظمة، مثل هذه الآية الكريمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] . وأحياناً يذكر نفسه بصيغة الواحد مثل: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] وذلك لأنه واحد عظيم، وباعتبار الصفة يأتي ضمير العظمة، وباعتبار الوحدانية يأتي ضمير الواحد، والضمير في قوله: {أَنْزَلْنَاهُ} أعني ضمير المفعول به، وهي الهاء يعود إلى القرآن، وإن لم يسبق له ذكر لأن هذا أمر معلوم، ولا يمكن لأحد أن يشك في أن المراد بذلك إنزال القرآن الكريم. أنزله الله تعالى في ليلة القدر، فما معنى: إنزاله في ليلة القدر؟ الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا، ودليل ذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] فإذا جمعت هذه الآية أعني: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى هذه الآية التي نحن بصدد الكلام عليها، تبين لك أن ليلة القدر في رمضان، وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب وجمادى وربيع وصفر ومحرم وغيرهن من الشهور، لا تختص بشيء. حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهي أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بالصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء رحمهم الله يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل، فضائل الأعمال أو الشهور أو الأماكن، وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيحاً وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة السلام، وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر ويوم النصف لا يختص بصيام. نعم شهر شعبان ثبت في السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً، وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلا ما لسائر الشهور، كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهي أيام البيض. وقوله تعالى: {فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ما معنى: (القدر) هل هو الشرف كما يقال: فلان ذو قدر عظيم أو ذو قدر كبير أي: ذو شرف كبير، أو المراد بالقدر التقدير؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:3-4] أي يفصل ويبين؟ من العلماء من قال هذا، ومن العلماء من قال بهذا، والصحيح: أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر) ثم قال جل وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر:2] وهذه جملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم وهي مطردة في القرآن الكريم قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] ، وقال تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1-2] ، وقال تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3] فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم، فهنا قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها، ثم بين هذا بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] وهذه الجملة كالجواب، للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} . الجزء: 85 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] أي: من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا: ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيه من الخير والبركة على هذه الأمة، ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) وقال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:4] (تنزَّل) أي: تَنْزِلُ شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السماوات -والسماوات سبع- تنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تنزل الأرض، ونزول الملائكة في الأرض، عنوانٌ على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلاً على أن هذا المكان التي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلوا من الخير والبركة، كالمكان الذي فيه الصور (فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) يعني: صورة محرمة؛ لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو وسادة فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان؛ لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة ونزولهم خيرٌ وبركة. وقوله: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بأمره، والمراد به الإذن الكوني، لأن إذن الله أي أمره ينقسم إلى قسمين: إذنٌ كوني، وإذنٌ شرعي، فقوله تعالى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] أي: ما لم يأذن به شرعاً؛ لأنه قد أذن به قدراً فقد شرع من دون الله لكنه ليس بإذن الله الشرعي، وإذن قدري كما في هذه الآية: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي: بأمره القدري، وقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} قيل: إن (من) بمعنى الباء أي: بكل أمر مما يأمرهم الله به وهو مبهم لا نعلم ما هو لكننا نقول: إن تنزل الملائكة إلى الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر) قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ} [القدر:5] الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر والخبر فيها مقدم والتقدير: هي سلام أي: هذه الليلة سلام، ووصفها الله تعالى بالسلام لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه) ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها. (حتى مطلع الفجر) أي: تتنزل الملائكة في هذه الليلة (حتى مطلع الفجر) أي: إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 7 تحري ليلة القدر سبق أن قلنا: أن ليلة القدر في رمضان لا شك، لكن في أي جزءٍ من رمضان أفي أوله أو وسطه أو آخره؟ نقول للجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر، فاعتكف العشر الأواخر. إذاً: فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي أي ليلة منها؟ الله أعلم؛ قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة ثلاثين، أو فيما بينهما، لم يأتِ تحديدٌ لها في ليلة معينة كل عام، ولهذا أوري النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين، ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في الماء والطين، فأمطرت السماء تلك الليلة أي: ليلة إحدى وعشرين فصلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسجده، وكان مسجده من عريش، لا يمنع تسرب الماء من السقف فسجد النبي صلى الله عليه وسلم صباحها أي: في صلاة الفجر في الماء والطين، ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين، ففي تلك الليلة كانت في إحدى وعشرين، ومع ذلك قال: (التمسوها في العشر الأواخر) ، وفي رواية: (في الوتر من العشر الأواخر) . ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر، فقال صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) يعني: في تلك السنة، أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة لكن أرجى ما تكون ليلة سبعٍ وعشرين، وقد تكون مثلاً في هذا العام ليلة سبعٍ وعشرين، وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين، وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا الجزء: 85 ¦ الصفحة: 8 سبب إبهام الله لهذه الليلة وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل؛ لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليالٍ من أجل أن يدركها، والمتكاسل قد يكسل ويقول: ما دام لا أدري أي ليلة هي يكسل أن يقوم عشر ليالي من أجل ليلة واحدة. الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال، لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب. وبهذه المناسبة: أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة، فإن في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا، وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصصها بعمرة في فعله، ولم يخصصها أي: ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله، فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه كان في عام الفتح ليلة سبع وعشرين من رمضان كان في مكة ولم يعتمر، ولم يقل للأمة: تحروا ليلة سبع وعشرين في العمرة أو بالعمرة، وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبعٍ وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة، وبه يتبين خطأ كثير من الناس. وبه أيضاً: أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر على غير أساس من الشرع، فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة، بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم. وبهذا انتهى الكلام على سورة القدر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يبلغنا وإياكم إياها في هذا العام وفيما بعده على خير وسلام، وأن يتقبل منا ومنكم إنه على كل شيء قدير. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 85 ¦ الصفحة: 10 الاستخارة تكون في الأمر الذي لا يدري ما عاقبته السؤال فضيلة الشيخ! هل ركعتا الاستخارة مشروعة فقط في الأمر الذي لم تتبين فيه المصلحة، أم أنها تفعل في كل أمر يقدم عليه ولو كان ظاهره الخير كإمامة مسجد أو خطبة امرأة صالحة وما شابه ذلك. أرجو التوضيح؟ الجواب صلاة الاستخارة أن الإنسان إذا هم بأمر وتردد في عاقبته، فإنه يستخير الله أي: يسأل الله خير الأمرين: الإقدام أو الترك، فيصلي ركعتين من غير الفريضة فإذا سلم قال: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسميه- خير لي في ديني ودنياي، أو قال: عاقبة أمري وعاجله فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) فإذا فعل ذلك واستقر رأيه بعد هذا على الإقدام أو الترك فإن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد قبل منه يجعل الخير فيما حصل. ولكنه لا يستخير في كل شيء، يعني: ليس للإنسان إذا أراد أن يتغدى أن يقول: أستخير الله إذا أراد أن يذهب يصلي مع الجماعة أن يقول: أستخير الله، إنما يستخير الله في أمر لا يدري ما عاقبته، ومن ذلك: إمامة المسجد، لو عرض عليه إمامة المسجد ولم يترجح عنده الإقدام أو الترك فليستخر الله، فالإمامة من حيث هي خير في ذاتها، لكن العاقبة؛ لأن الإنسان لا يدري في المستقبل هل يقوم بواجب الإمامة أو لا يقوم؟ وهل يستقر في هذا المسجد أو لا يستقر؟ وهل يكون ملائماً للجماعة أو غير ملائم؟ هو لا يستخير على أن الإمامة من حيث هي خير أو ليس خير الإمامة من حيث هي خير لكن العاقبة، كم من إنسان كان إماماً في مسجد ثم لحقه من التعب وعدم القيام بالواجب، والمشاكل مع الجماعة ما يتمنى أنه لم يكن إماماً، كذلك المرأة الصالحة المرأة الصالحة لا شك أنها خير (واظفر بذات الدين تربت يمينك) كما قال عليه الصلاة والسلام، لكن لا أدري ما العاقبة؟ قد تكون هي امرأة صالحة ولكن لا تتلاءم مع أمه؛ لأن بعض الأمهات نسأل الله العافية يكون عندها غيرة، إذا رأت صلاح الحال بين ابنها وزوجته غارت وحاولت أن تفسد بينهما، وكذلك أهلها ربما إذا رأوا البنت قد حضي عندها زوجها وأنها تحبه وتقدمه على ما تريد أمها أو ما يريد أبوها، فإنهم ربما يحاولون الإفساد بينها وبينه، فالإنسان قد يستخير الله لا من أجل أنه يقدم على امرأة صالحة لكن يستخير الله لأنه لا يعلم ما العاقبة في تزوج هذه المرأة. والمهم أن كل شيء تتردد فيه فعليك بالله، الجأ إليه، اسأله خير الأمرين. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 11 صرف الزكاة لمن عنده مال قليل لا يسد حاجته السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للزكاة، رجل راتبه قليل ويصرف على ثلاث عوائل هل يستحق زكاة؟ الجواب الزكاة للفقير المحتاج إليها، فمثلاً: هذا الذي ينفق على ثلاث عوائل كما قلت في السؤال قد يكون عنده راتب كثير ثمانمائة ريال، في الوقت الحاضر ثمانمائة ريال لا يساوي شيئاً بالنسبة للثلاث العوائل، حتى لو فرض أن البيت الذي يسكنه ملكاً له، فإن ثمان مائة ريال في وقتنا الحاضر لا تكفي المئونة للأكل والشرب واللباس وغير ذلك من الحوائج، فليأخذ من الزكاة ما يسد حاجته فقط ولا يزيد، فإذا قدر أنه يستغني بعشرة آلاف مثلاً على مدار السنة فلا يأخذ أكثر، وما دام محتاجاً فليأخذ ولا حرج على هذا. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 12 أمور مهمة في الدعوة إلى الله السؤال فضيلة الشيخ! إذا أتينا للخروج في سبيل الله للدعوة نعطي هدايات، مثلاً: يجب علينا إذا خرجنا في سبيل الله أن نجتنب أربع مسائل: الأولى: عدم التدخل بالمسائل الفقهية، وعدم التدخل بالأمور السياسية، وعدم التدخل بالأمراض الاجتماعية كإنكار المنكر أو ما شابه ذلك. إذا قلنا له: أين دليل ذلك؟ قال: كيف أجاب الإمام محمد عبد الوهاب: اعلم رحمك الله تعالى أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم أربع مسائل فما الأمر في هذا؟ الجواب أولاً: قولك إذا خرجنا في سبيل الله، الخروج في سبيل الله يعني: الخروج لقتال الكفار، هذا هو المراد بسبيل الله، وأما فعل الخيرات عموماً فهو وإن دخل في كونه طريقاً إلى الله عز وجل، لكنه ليس هو الجهاد في سبيل الله الذي وردت النصوص بفضله غاية ما في ذلك أن يقال: الخروج للدعوة إلى الله هذا الصواب. والخروج للدعوة إلى الله لا بد فيها من أمرين أساسيين: الأمر الأول: أن يكون عند الإنسان علم بالشريعة التي يدعو إليها، ولا أقول أن يكون عالماً بكل الشريعة؛ لأن هذا شيءٌ لا يطاق، وحتى أكبر عالم لا يستطيع أن يدرك جميع الأحكام الشرعية، لكن أن يكون عالماً بالشرع فيما يدعو إليه، يعني: لا يتكلم إلا بعلم، فلابد من أن يكون على بصيرة. الشيء الثاني: لابد أن يكون عاملاً بما يدعو إليه حتى يكون قدوة. أما عدم التدخل في المسائل الفقهية، فلعل الذين اشترطوا ذلك علموا أنفسهم أن بضاعتهم في الفقه قليلة، وأن التدخل فيها بدون علم ليس إلا مجرد مراء لا فائدة منه، فيخشون أن يقع النزاع لهذا السبب فيقولون: لا تبحثوا في الأمور الفقهية. نعم لو كان بينهم عالم فقيه مرجع لهم، فإنه لابد من أن يتفقهوا في دين الله بقدر المستطاع، لكن نظراً لأنهم لا يسهل عليهم أن يكون معهم هذا النوع من العلماء قالوا: لا تبحثوا في المسائل الفقهية لأن البحث بدون علم مجرد مراء لا يستفيد منه الناس، إلا شحن القلوب بعضها على بعض. وأما قولهم: لا تتكلموا في الأمور السياسية، فنحن نوافقه على هذا؛ لأن البحث في الأمور السياسية لا يمكن أن يكون بين أيدي العوام الكل يقول ما يريد، الأمور السياسية لها أناس معينون يتولون الأمور، ولهذا لا تجد مثلاً سياسة عمر بن الخطاب مبثوثة في سوق الباعة والمشترين، كل يلوكها وكل يتكلم. أبداً، وإذا أراد أن يعمل شيئاً استشار من هم أهل للشورى حين يشكل عليه الأمر، وليست المسائل السياسية ألعوبة تطرح بين أيدي العوام كل يلوك فيها بما شاء، لأن هناك أموراً سرية لا يمكن أن يطلع عليها العوام، يتصرف الحكام فيها حسب ما يرون من المصلحة، والواجب على الحاكم أن يقدم ما فيه مصلحة المسلمين الذين ولاهم الله عليه، ولهذا قال الله تعالى مشيراً إلى هذه المسألة: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:83] يعني نشروه {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} [النساء:83] فجعل الله تعالى للرأي أناساً يعرفون ويستنبطون الأشياء وينظرون في العواقب. فأنا أوافق على أنه لا ينبغي لنا أن نجعل مجالسنا في الأمور السياسية؛ لأنه لا فائدة من هذا إطلاقاً، إلا أنه ربما يأت الإنسان بصورة صديق ويتكلم فيما يوغر الصدور على ولاة الأمور، حتى تحصل الفرجة بين الشعب وولاته ويحصل بذلك شرٌ كثير، وهو قد يتظاهر بمثل الصديق وليس بصديق ولكن في قلبه شيء على الولاة فيريد أن ينفذه ويفرج عن صدره، وقد يكون صديقاً يريد الخير ويريد الإصلاح لكن لم يعرف كيف الطريق إلى ذلك؛ لأن طريق الإصلاح ليس بإشاعة العيوب ونشرها بين الناس، سواءً كانت عيوب علماء أو عيوب أمراء، إنما لمحاولة الإصلاح وسلوك ما تحصل به الفائدة. فأرى أن اشتراط عدم التدخل في السياسة أرى أنه جيد، وأنه مما يوجب أن ينصرف الناس إلى عبادة الله وحده، وإلى تحقيق التوحيد، وإلى الكف عما لا يعنيهم لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) . الثالث والرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني: مشاكل المجتمع، وهذا خطأ، كونهم لا يبحثون فيها خطأ؛ لأن الله تعالى قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] فذكر أربعة أوصاف: الإيمان والعمل الصالح وهذا خاص في الإنسان نفسه {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وهذا لغيره، فلا بد من أن نبحث عن المشاكل الاجتماعية، من أجل أن نقوم بحل هذه المشاكل، وإصلاح ما فسد، ولمِّ ما تفرق وما أشبه ذلك، لكن بطريقٍ موافق لما جاءت به الشريعة، لا بطريق العنف وكون الإنسان يحمل عداوة وبغضاء للمنصوح؛ لأن هذه مسألة أيضاً يجب التنبه لها، أنت إذا رأيت رجلاً يعمل عملاً سيئاً وهو مؤمن لكنه عاصٍ لا شك أنك تكره معصيته، ويجب أن تكره معصيته لكن أن تكرهه هو؟ هذا يحتاج إلى تفصيل، ولا يجوز أن تكرهه حتى تعرف ما عنده، قد يكون هذا العاصي الذي عمل المعصية جاهلاً بها لا يعلم أنها معصية. وأنا أضرب لكم مثلاً: رجل شاب تزوج وكان يجامع أهله في رمضان وهو صائم، ويقول: أنا كنت أظن الذي يحرم هو الجماع بالإنزال، ويقسم أنه ما علم أن الجماع بدون إنزال حرام، ولا شك أن الجماع في نهار رمضان أنه من أعظم الذنوب؛ لأنه هتك لحرمة ركن من أركان الإسلام وهو الصيام، لكن هذا الآن جاهل، نحن نكره فعله هذا؛ لأنه معصية لكن لا نكرهه حتى نعلم، فإذا قال أنه جاهل فإن سعة الإسلام ويسر الإسلام لا يوجب أن نَكرهه حتى نقيم عليه الحجة. كثير من الإخوة إذا رأى إنساناً على معصية فإنه -أي الرائي- يكره المعصية وهذا حق لكن يكره العاصي ثم يعامله معاملة المعنف الكاره له الذي يريد أن ينتقم منه، وهذا غلط كبير. والواجب أن تعالج العاصي معالجة الطبيب الرفيق الذي يداوي الجرح ليبرأ لا يداويه ليزداد، فتعامل هذا الرجل بلطف وإرادة خيرٍ له ورحمة به. ولهذا أقول لكم كلاماً قاله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية معروف رحمه الله بالشدة على أهل البدع ومحاربتهم، قال: (إنك إذا نظرت إلى أهل الكلام -وأهل الكلام: هم الذين يرجعون في إثبات العقائد إلى عقولهم لا إلى الكتاب والسنة- قال: إذا نظرت إليهم بعين القدر رحمتهم ورققت لهم؛ لأنهم ابتلوا بهذا فضلوا، ترحمهم وترق لهم، وإذا نظرت إليهم بعين الشرع، وأنه لا يجوز إقرارهم، رأيت أنهم مستحقون لما قال الشافعي رحمه الله) وما الذي قال الشافعي؟ قال الشافعي في الحكم في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، وأن يطاف بهم في العشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على علم الكلام. هكذا العلماء المربون ينظرون إلى الخلق نظرة إصلاح لا نظرة انتقام وكراهية، أنا أكره المعصية التي يقوم بها هذا الرجل، لكن هذا الرجل مؤمن أخي ولو زنا وسرق هو أخي {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] . هل هناك أعظم من قتل النفس بغير حق؟ لا، ومع ذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:9-10] انظر الترقيق: (أصلحوا بين أخويكم) كل منهم يقاتل أخاه (وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن مع ذلك هذا ترقيق في الكلام (أصلحوا بين أخويكم) أخوة وإن كانوا يقتتلون بعضهم يقتل بعضاً. فهذه مسألة يجب على الدعاة والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر أن ينتبهوا لها، وأنا واثق بأن الإنسان إذا اتقى الله عز وجل، وسلك ما أرشده الله إليه ورسوله فالنجاح محقق، وكم من إنسان رأيته على معصية ثم خاطبته باللين والتعقل فيرجع عن المعصية، فإذا خاطبته بالعنف والغيرة والحمية التي في قلبك وانتهرته وزجرته فسوف ينفر من ذلك. لذلك أحث إخواني الدعاة إلى الله عز وجل والآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر: أن يلاحظوا هذه النقطة؛ وهي أنهم إذا دعوا فإنهم يريدون إصلاح المدعو، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يريدون كذلك إصلاح الفاعل للمنكر والتارك للمعروف دون التعنيف عليه، وإذا سلكوا هذا يسر الله أمرهم. السائل: يا شيخ! الاهتمام بالعقيدة في الدعوة كما في حديث معاذ عندما النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وقال: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب) فأول ما بدأ، بدأ بالتوحيد، وكثير من الدعاة يذهب ويخرج ويدعو الناس يعني يدعوهم للصلاة وفضائل الأعمال، ولا يهتم بالعقيدة، فلو تنبهونهم جزاكم الله خيرا؟ الشيخ: الدعاة الآن الذين في المملكة العربية السعودية لا يركزون كثيراً على جانب التوحيد؛ لأن الناس -ولله الحمد- على عقيدة حسنة، ليس هناك اختلاف، وربما لو فتحوا شيئاً من الاختلافات في العقيدة وعلم الكلام ربما يفتحون أبواباً مغلقة لذلك يهتمون بالأمور العملية دون الأمور العقدية؛ لأنك لو تأتي عجوزاً من عجائز الناس في المملكة العربية السعودية وتسألها أسئلة في ذات الله عز وجل أو صفات الله، لوجدت عندها من التوحيد ما هو محقق، فهذا هو السبب من أنهم يدعون إلى الفروع التي فيها التقصير. وأما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً الجزء: 85 ¦ الصفحة: 13 حكم التصدق بالمال دون إذن صاحبه السؤال فضيلة الشيخ في الأثر: (أن رجلاً كان عنده مال، وكانت له زوجة تنفق دون أن يعلم، فلما كان يوم القيامة جاءت هذه الصدقة وضللت عليه) فما أدري هل هذا النص له صحة، وإذا كان كذلك فما هو نص الحديث؟ الجواب والله! لا أعلم أن هذا حديث؛ لكن يقال: أن هناك رجلاً -وهذا حديث مجالس ليس حديثاً نبوياً- كان شحيحاً وكان ينهى امرأته أن تتصدق بشيء، وأنه رأى في المنام أن القيامة قد قامت، وأن الناس في هم وغم وكرب، وأن عليه ظلاً. يظلله وفيه ثلاثة خروق يقول: فجاءت ثلاث تمرات فسدت الخروق، فتم الظل، فجاء إلى أهله وقص عليهم القصة، قال: ما هذا؟ أنا أستغرب! فأخبروه أنهم كانوا يتصدقون وهو لا يعلم، وأنهم آخر ما تصدقوا بثلاث تمرات، وهي التي سدت الخروق. فلا أدري. على كل حال: (كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة) هذا حديث صحيح، ولكن حسب القواعد الشرعية التي نحن نعلم -والعلم عند الله عز وجل- أن من تصدق عنه بلا إذنه فلا أجر له، لا سيما إذا كان ينهى، كيف يؤجر على شيء ما نواه ولا أذن فيه؟!! لا يمكن. لكني أقول: ربما يكون هذا سؤال يجرنا لشيء آخر: وهو لا يجوز لأهل البيت أن يتصدقوا إذا كان أبوهم يمنعهم من الصدقة، لا يجب أن يتصدقوا، حتى وإن كان في ذلك مصلحة للأب في المستقبل، لكن ما دام أنه نهاهم فالمال ماله، وإذا علموا أن الرجل لا يرضى بقوله أو بحاله فلا يتصدقوا حتى يأتي ويأذن. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 14 شقيق زوج المرأة لا يكون محرماً لها السؤال هل يكون الرجل محرماً لزوجة أخيه؟ وهل زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب؟ الجواب لا، ليست زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب، فزوجة الأخ ليس أخو زوجها محرماً لها، فيجب عليها أن تستتر كما تستتر من الأجنبي، بل لو قيل: إنه يجب أن تستر عن أخي زوجها أكثر مما تستتر عن رجل الشارع! لو قيل بذلك لكان له وجه؛ لأنها إذا كشفت وجهها لأخي زوجها، وهو معه في البيت صارت الفتنة أعظم، فأي ساعة يدخل البيت وقد أغراه الشيطان يمكن يحاول خداعها، لكن في الشارع لو أن الرجل نظر إليها وأعجبته لا يستطيع الوصول إليها كأخي زوجها، فالمهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذه النقطة، حيث قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) يعني: فاحذروه. إذاً: أخو زوج المرأة ليس محرماً لها، أما أبو زوج المرأة فهو محرم، وكذا ابن زوج المرأة محرم. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 15 الإيمان بالقدر خيره وشره السؤال فضيلة الشيخ! بمناسبة الكلام على سورة القدر نرجو أن تعطونا لمحة موجزة عن الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، وتوضيح كلمة شره على ما قد يوهم منها الكلام؟ الجواب الكلام في القدر ليس بهين، بل من أعظم المشاكل، لكن على كل حال نجيب عن النقطة الأخيرة وهي الشر من قوله: (الإيمان بالقدر خيره وشره) . القدر كله من الله قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فهل في قدر الله شر؟ الجواب: أن نقول: القدر إن كان المراد تقدير الله للشيء فليس بشر؛ لأن الله لا يقدر شيئاً إلا وهو خير، حتى المرض والموت والخوف والقتال والزلازل، هي بالنسبة لتقدير الله لها خير لقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} النتيجة؟ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] لكن بالنسبة للمقدور: هو الذي فيه خير وشر، المقدور: المفعول المخلوق هذا هو الذي فيه الخير والشر، كقوله في القدر (خيره وشره) المراد به: شر المقدور، لا شر القدر أما القدر الذي هو تقدير الله فكله خير. المقدور كما تشاهدون الذئب من مقدورات الله شر أو خير؟ شر، الشاة من مقدورات الله خير أو شر؟ خير، فالشر والخير في المقدورات أما في التقدير فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخير بيديك والشر ليس إليك) . نسأل الله تعالى أن يقدر لنا ولكم ولجميع المسلمين، ما فيه الخير والصلاح. ونسأل الله تعالى في هذا المقام، في حلول هذا الوقت المبارك من فريضة من فرائض الله أن ينصر إخواننا في الشيشان والبوسنة والهرسك، وأن يدمر دولة الروس ويمزقها كل ممزق ويفرقها كل مفرق، ونسأل الله تعالى أن يجعلها عبرة للعالمين في الذل والتفرق والشتات، ونسأل الله الذي شتت الاتحاد السوفيتي أن يشتت دول الروس حتى تتمزق قطعاً! عاجلاً غير آجل! والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 85 ¦ الصفحة: 16 لقاء الباب المفتوح [86] في هذا اللقاء المبارك كان للشيخ وقفة مع الطاعات والأعمال الصالحة التي لا تنقضي بانقضاء شهر رمضان، بل تستمر وتزداد وتتنوع أيضاً من صيام وصلاة ليل وصدقة إلى غيرها من الأعمال الأخرى والعبادات، وفي نفس اللقاء اعتياداً لما كان عليه الشيخ في بداية لقائه كان هناك تفسير للآيات الأولى من سورة البينة. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 1 توالي الطاعات بعد رمضان الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والثمانون من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، يتم هذا في يوم الخميس الخامس عشر من شهر شوال من هذا العام، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا اللقاء وما سبقه وما يلحقه إن شاء الله لقاء مباركاً نافعاً، وأبشركم ولله الحمد أن الله نفع به إذ يسر من يفرغ الأشرطة ويطبعها وينشرها في عباد الله، فنسأل الله أن يجزي الجميع خيراً، ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. بعد شهر رمضان وبعد أن أدى المسلمون ما أدوا فيه من عبادة الله قد يلحق بعض الناس الفتور عن الأعمال الصالحة؛ لأن الشيطان يتربص بعباد الله الدوائر ويقعد لهم بكل صراط، وقد أقسم أن يأتي بني آدم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وقال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] ولكن العاقل إذا تبصر واعتبر علم أنه لا انقطاع للعمل الصالح إلا بالموت، لقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) فلا ينقطع العمل إلا بالموت، ولهذا ينبغي لنا أن نغتنم فرص العمر ما دام الله تعالى قد أعطانا صحة وفراغاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) . الجزء: 86 ¦ الصفحة: 2 الصوم بعد رمضان إذا انقضى شهر الصيام فلا يعني ذلك أن التعبد لله تعالى بالصيام قد انقضى، بل الصيام لا يزال مشروعاً في كل وقت، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) وهذا يلزم أن يكون الإنسان صائماً نصف الدهر بل أكثر لأنه سيمر به رمضان يصومه شهراً كاملاً، إذاً فالصيام والحمد لله لا يزال عبادة مشروعة، وهناك أيام معينة يسن صيامها منها: يوم الإثنين ويوم الخميس، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن صيام يوم الإثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، أو أنزل علي فيه) وكان يصوم يوم الإثنين والخميس فقيل له في ذلك، فقال: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى؛ فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) . ومما يسن صومه أيضاً: أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أوله، أو وسطه، أو آخره، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يبالي أصامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، لكن الأفضل أن تكون في أيام البيض الثلاثة: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. وكذلك يسن صيام تسع ذي الحجة لأنه: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ، وصيام الأيام الصالحة، ويتأكد ذلك في يوم عرفة لغير الحجاج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية) . ومما يسن صومه أيضاً: يوم عاشوراء، ويصوم قبله يوماً أو بعده يوماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء ورغب فيه وقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) ولما قدم إلى المدينة ووجد اليهود يصومونه فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه يومٌ نجىّ الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فنحن نصومه شكراً لله، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن أولى بموسى منكم) فصامه وأمر الناس بصيامه. والمهم أن التعبد لله تعالى بالصوم لا يزال مشروعاً والحمد لله، فلنحرص على الصيام حتى ننال أجره، فإنه جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به) . الجزء: 86 ¦ الصفحة: 3 القيام بعد رمضان أما القيام فما زال أيضاً مشروعاً، فإنه يسن القيام كل ليلة، والأفضل أن يكون بعد منتصف الليل إلى الثلث، ثم ينام السدس لأن هذا هو قيام داود، وهو أفضل القيام: أن تنام نصف الليل الأول، ثم تقوم الثلث، ثم تنام السدس إلى أن يطلع الفجر. وذلك لأن هذا قيامٌ يشمل الراحة، راحة البدن في أول الليل، وراحة البدن في آخر الليل، مع إدراك النزول الإلهي الذي يكون في الثلث الآخر من الليل، فإن ربنا جل وعلا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) ولهذا يجد الإنسان لذة عظيمة في الصلاة في هذا الوقت، ومناجاة الله تعالى، حتى إنه يبقى طعمها في قلبه لا يزول أبداً، إلا أن يشاء الله. فالقيام إذاً مشروع في كل وقت، لا تقل: انقضى رمضان فلا قيام، بل إن القيام في كل وقت وفي كل ليلة إلا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، أو يومها بصيام، فقال: (لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام) ولهذا يكره أن يصوم الإنسان يوم الجمعة مفرداً له إلا لسبب، مثل أن يوافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو يكون عليه قضاء من رمضان لا يتمكن من قضائه إلا في يوم الجمعة، فيصومه من أجل القضاء لا من أجل أنه يوم الجمعة؛ فهذا لا بأس به. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 4 الصدقة بعد رمضان الصدقة مشروعة في كل وقت، وكل وقت تتقرب فيه إلى الله تعالى بالصدقة فإنك مأجور، غير مبتدع، ولا نشرع في دين الله ما ليس منه، بل إن إنفاقك اليومي على أهلك وعلى نفسك صدقة، كما ثبت ذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم، إذاً فالمسلمون ولله الحمد يفعلون جميع ما يفعلون في شهر رمضان فلا ينبغي لهم أن يستحسنوا وأن يقولوا انتهى وقت العمل؛ فإن هذا من وساوس الشيطان وتثبيطه عن الخير. نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 5 تفسير آيات من سورة البينة بعد هذه الكلمة القصيرة التي أرجو من الله تعالى أن أكون أول من ينتفع بها وأن ينفعني وإياكم بما علمنا، بعدها نتكلم يسيراً على سورة البينة لأننا انتهينا إليها فيقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم، والكلام على البسملة قد تقدم كثيراً لنا في هذا المجلس وغيره، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله، تكلم الله بها كما تكلم بالقرآن جل وعلا، ولكنها آية مستقلة، لا تعد من آية السورة التي بعدها، ولا من آية السور التي قبلها، بل هي مستقلة تبتدئ بها السور من الفاتحة إلى (قل أعوذ برب الناس) ما عدا سورة براءة، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح سورة براءة بالبسملة، ولهذا أغفلها الصحابة رضي الله عنهم، لكن احتياطاً وخوفاً من أن تكون سورة مستقلة جعلوا بينها وبين سورة الأنفال فاصلة. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) يقول الله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] أي: ما كان الكفار من أهل الكتاب والمشركين (منفكين) أي: تاركين لما هم عليه من الكفر (حتى تأتيهم البينة) والذين كفروا من أهل الكتاب هم اليهود والنصارى سموا بذلك لأن صحفاً بقيت عندهم إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع ما فيها من التبديل والتحريف والتغيير، وإذا سمعتم في القرآن أهل الكتاب فالمراد بهم اليهود والنصارى، اليهود لهم التوراة، والنصارى لهم الإنجيل، أما المشركون فهم عبدة الأوثان من كل جنس، من بني إسرائيل ومن غيرهم، يقول: (لم يكن) هؤلاء (منفكين) أي: تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ومنفكين عنه (حتى تأتيهم البينة) . فما هي البينة؟ الجزء: 86 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة) قال تعالى: {رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً} [البينة:2] (البينة) : كل شيء يبين به الحق فإنه يسمى بينة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البينة على المدعي واليمين على المنكر) فكل ما بان به الحق فهو بينة، ويكون في كل شيء بحسبه، فما هي البينة التي ذكرها الله هنا؟ البينة قال: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:2-3] وهذا الرسول هو النبي محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه، وجاء بصيغة نكرة (رسول) تعظيماً له؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جديرٌ بأن يعظم التعظيم اللائق به دون نقص ولا غلو. {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} [البينة:2] أي: أن الله أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [النساء:79] ، وقال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] فهو محمد عليه الصلاة والسلام، مرسل من عند الله بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام؛ لأن جبريل هو رسول رب العالمين إلى رسله موكل بالوحي ينزل به على من يشاء الله من عباده إذاً: من المراد بالرسول؟ محمد. من أرسله؟ الله؛ لقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} من هو الواسطة بين الرسول وبين الله؟ جبريل؛ لأن جبريل موكل بالوحي ينزل به على من يشاء من عباد الله. {يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} يعني: يقرأ لنفسه وللناس (صحفاً) جمع صحيفة وهي الورقة، أو اللوح، أو ما أشبه ذلك مما يكتب به، (مطهرة) أي: منقاة من الشرك، ومن رذائل الأخلاق، ومن كل ما يسوء؛ لأنها نزيهة مقدسة. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فيها كتب قيمة) قال تعالى: {فِيهَا} [البينة:3] أي: في هذه الصحف {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:3] (كتب) أي: مكتوبات قيمة، فكتب: جمع كتاب، بمعنى: مكتوب، والمعنى: أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا تصفح القرآن وجده كذلك، أي: وجد أنه يتضمن كتباً أي مكتوبات قيمة. انظر إلى ما جاء به القرآن من توحيد الله عز وجل، والثناء عليه وحمده وتسبيحه تجده مملوءاً بذلك، انظر لما في القرآن من وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووصف أصحابه المهاجرين والأنصار، ووصف التابعين لهم بإحسان، انظر إلى ما جاء به القرآن من الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة، تجد أن كل ما جاء به القرآن فهو قيم أي: قيم بنفسه، وكذلك هو مقيم لغيره. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4] إذاً: أخبر الله بهذه الآية أنه لا يمكن أن ينفك هؤلاء الكفار من أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة، فلما جاءتهم بينة هل انفكوا عن دينهم؟ يعني: عن كفرهم وشركهم؟ استمع للجواب: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني: لما جاءتهم البينة هل آمنوا؟ لا، ولكنهم اختلفوا، منهم من آمن ومنهم من كفر، فمن النصارى من آمن مثل النجاشي ملك الحبشة، ومن اليهود من آمن أيضاً مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، فمن علم الله منه أنه يريد الخير ويريد الدين لله آمن ووفق للإيمان، ومن لم يكن كذلك وفق للكفر، كذلك أيضاً من المشركين من آمن، وما أكثر المشركين من قريش الذين آمنوا، فصار الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يزالوا على ما هم عليه من الكفر حتى جاءتهم البينة، ثم لما جاءتهم البينة ما الذي حصل؟ تفرقوا واختلفوا، هنا قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] . وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه السورة، لأنه جاء وقت الأسئلة الآن. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 86 ¦ الصفحة: 11 حكم أداء كفارة القتل بسبب حادثٍ مروري لمن لم يستطع السؤال رجل تعرض لحادث مروري توفي فيه ثلاثة أشخاص: امرأة، وبنت، ورجل، وهذا الرجل المتسبب في الحادث حسب تقرير الجهات المختصة، يقول: إن حالته المادية متدنية، فصار عليه حادث آخر وهو الآن في المستشفى ولا يستطيع القيام بالصيام، وقد سمع أنه في بعض البلاد الإسلامية لا يزال الرق موجوداً ويقول: هل يستدين مبلغاً ويعتق به، وإذا كان المبلغ موجوداً فأين الذين يعتقهم، وكيف السبيل إلى ذلك، ماذا يفعل أثابكم الله؟ الجواب أولاً: لابد أن نعرف الحادث ويوصف لنا، لأنه أحياناً يظن بعض الناس أن لكل حادث حدث فهو على من كان سبباً فيه وليس كذلك، ونحن الآن نفتي بناءً على أن الحادث موجب للضمان فنقول: أولاً: عليه ثلاث ديات تكون على عاقلته لأولياء المقتولين، وإذا عفوا فلا حرج تسقط الدية. ثانياً: عليه ثلاث كفارات، والكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وعلى هذا فيكون عليه ثلاث رقاب يعتقها إن كان قادراً وعنده مال فائض عن حاجاته، وإن لم يكن عنده مال؛ فعليه أن يصوم عن كل نفس شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فلا شيء عليه؛ لأن الله تعالى ذكر كفارة القتل ولم يذكر إلا خصلتين فقط وهما: العتق ثم الصيام ولم يذكر الطعام. وقوله: يتدين أو يستلف نقول: لا تتدين ولا تستلف، إذا لم يكن المال متوفر لديك سقط عنك العتق إلا الصيام، وإذا كنت لا تستطيع سقطت عنك الكفارة لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] . الجزء: 86 ¦ الصفحة: 12 حكم المرور أمام المصلين خاصة في الحرم السؤال ما حكم من يمرون أمام المصلين خاصة في الحرم من النساء والرجال ويقطعون الصلاة؟ الشيخ: أما الرجال فإنهم لا يقطعون الصلاة، لكن الإنسان مأمور بأن يردهم، وأما النساء فالمرأة البالغة تقطع الصلاة إذا مرت بينك وبين سترتك، أو بينك وبين موضع سجودك إذا لم يكن لك سترة سواءً في الحرم أو في غير الحرم، إلا إذا كان الإنسان لم يتيسر له مكان إلا في مكان مرور الناس مثل عند الأبواب فهذا للضرورة لا تنقطع صلاته؛ لأنه لو أخذ يرد الناس لكثرت الحركة في صلاته فأبطلتها. السائل: لكن ما الحكم إذا ساروا من بعيد قليلاً؟ الشيخ: إذا ساروا من بعيد من وراء موضع سجوده فهذا لا يضر، ولا يضر أقل من مترين، يعني: مثلاً الآن في الحرم فيه إمداد يصلى وراءه، إذا مر من وراء المدة ما يضر حتى لو كانت امرأة، كذلك أيضاً في صحن المطاف بلاط إذا مر من وراء البلاط لا يضر. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 13 من أحكام الصلاة بالنسبة للمريض السؤال هذه امرأة توفيت ولكنها لم تصلِ بعض الفروض مع أنها كانت بفكرها لكنها لا تستطيع القيام ولا الجلوس، ويقرب منها التراب لتتطهر لكن لا تستطيع، ومع أنها في آخر وقت كانت تصلي وتكثر من التكبيرات مع أنها بفكرها، فماذا عليها وفقكم الله؟ الجواب ليس عليها شيء الآن يعني: أنه لا تقضى عنها الصلاة، لكن ينبغي لأولادها وذويها أن يكثروا من الاستغفار لها والدعاء لها. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يلجأ إليها بعض المرضى، نقول أولاً: المريض يجب عليه أن يتطهر بالماء، فإن لم يستطع فبالتراب، فإن لم يستطع صلى بلا تراب ولا ماء، ولا يدع الصلاة. ثانياً: يجب عليه أن يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع فبالإيماء، فإن لم يستطع فإنه ينوي بقلبه ولا يترك الصلاة. ثالثاً: بعض الناس إذا كان في ثيابه نجاسة وهو لا يستطيع أن يغسلها، ولا يستطيع أن يغير الثوب يقول: لا أصلي حتى يعافيني الله وأطهر ثوبي، وهذا غلط أيضاً، بل يصلي ولو كان ثوبه نجساً، ولو كان بدنه نجساً وهو عاجز عن إزالة النجاسة، يصلي على حسب حاله؛ لأن الصلاة لها وقت محدود لابد أن تقع فيه على حسب استطاعة الإنسان لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] أرجو أن يكون هذا معلوماً عندكم، وأن تنبهوا عليه في المجالس؛ لأن أكثر الناس يجهلون هذا الشيء، وكذلك أن تسألوا المرضى إذا عدتموهم كيف تصلون؟ كيف تتطهرون؟ وتوجهوهم إلى ما يجب، لأن الإنسان مسئول عن علمه الذي أعطاه الله كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] ولا تقولوا: أين الميثاق؟ نحن نجد العلماء ولا يقولون: إن الله أخذ عليهم ميثاقاً، يعني: لا يشعرون بهذا، لكن يقولون: مجرد إعطاء الله للإنسان العلم هو ميثاق، إذا آتاك الله علماً فهذا يعني الميثاق أن تبينه للناس، وهذه من نعمة الله على العبد أن يجعله محلاً للعلم وارثاً للرسالة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه} [الأنعام:124] وهو كذلك أعلم حيث يجعل وراثة هذه الرسالة، فمن علم الله فيه خيراً فقهه في دينه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) فوصيتي لنفسي وإياكم الحرص على نشر العلم بين الناس، ولا تحقروا شيئاً، إذا علمت إنساناً مسألة واحدة وعمل بها ثم علمها آخر وآخر وآخر فكل ما يحصل من أجر بالعمل الذي أنت دللت الناس عليه فلك مثله. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 14 حكم إبقاء الأهل عند أهلهم إذا كانوا أهل معاصٍ والذهاب في رحلة طلب علم أو دعوة السؤال فضيلة الشيخ! أنا متزوج من عائلة عندهم بعض المعاصي والأحوال، فأحياناً نطلع في رحلات لطلب العلم أو للدعوة إلى الله تعالى فأضطر أني أترك أهلي عندهم، فهل تركهم أولى، أو البقاء معهم أولى؟ الجواب أنت إذا خرجت في الرحلات وكانت رحلة نزهة فلا تخرج إذا خفت على أهلك أن يتغيروا إذا ذهبوا إلى أهلهم، وإن كان الخروج في طلب العلم أو في الدعوة إلى الله عز وجل، فانظر هل هناك أحد من الناس يقوم مقامك وإلا فالبقاء عند أهلك أولى، هل لا يوجد أحد يقوم مقامك وأن الأمر فرض عليك، فاذهب ولكن لا تذهب بعيداً، ارجع إلى أهلك قبل الليل وكن معهم. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 15 نصيحة بخصوص حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات السؤال فضيلة الشيخ! تعلمون ما انفتح على الناس في هذا الزمان من حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات، وما يخطط له أعداء الإسلام، نريد كلمة لمن يسمع هذا الكلام أو يقرأه، أو نصيحة في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وعودة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى. الجواب أظن أنه لا شيء أشد تأثيراً من المواعظ في القرآن الكريم، والله تعالى أجمل ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:7-6] . هاتان الآيتان من أعظم ما يكون موعظة لمن تبصر، وعد الله حق سواءٌ كان للذي وعد به أجراً وثواباً للصالحين، أو عقوبة ونكالاً للعاصين، هو حق، صدق، ثابت، لابد أن يقع، ثم قال: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فتصدكم عما أمر الله به أو توقعكم فيما نهى الله عنه، والحياة الدنيا في الحقيقة تغر الإنسان الأبله السفيه، أما الإنسان العاقل الكيس فإنها لا تغره، وكيف تغر الدنيا إنساناً وهي في الحقيقة مشحونة ومملوءة بالهم والغم والتنغيص والكدر، وكما قال الشاعر الأول: لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته في ادكار الموت والهرم أنت ترى الإنسان في يومك على ظهر الأرض، وفي غدك في باطن الأرض، والذي مر عليه أفلا يجوز أن يمر عليك؟ الجواب: بلى، يمكن أن تكون اليوم في عالم الدنيا وغداً في عالم الآخرة، فكيف تغتر بدار لا يدري الإنسان متى يرتحل عنها، بدار الارتحال عنها ليس بيدك، بدار لا يدري ربما يبقى ما هو فيه من الرفاهية وربما يزول. فالحاصل: أن الإنسان يجب ألا تغره الدنيا، وأن يتبصر في أمره، وأن يعلم أنه في الدنيا عابر إلى مقر آخر، حتى مقر القبور ليس مقراً بل هو زيارة، كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] والمقر هو إما الجنة وإما النار، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن تغره الدنيا، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] الشيطان وأولياء الشيطان، فالغرور اسم جنس ليس خاصاً بالشيطان بل هو عام للشيطان وأوليائه، فما أكثر شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان، ويسفهونه، ويوقعونه فيما يندم عليه، وهم جلساء السوء الذين حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن مثل الجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) . ثم بين الله عز وجل أن الإنسان لا يغتر بالدنيا إلا من عدوٍ له وهو الشيطان، فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} وصدق الله، والآية هنا فيها خبر وطلب، الخبر قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} والطلب: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} أمرنا الله أن نتخذه عدواً، فإذا قال قائل: كيف أعلم أن هذا من الشيطان أو من الرحمن؟ قلنا: إذا كان الذي وقع في قلبك حباً للمعاصي وكراهة للطاعات فهو من الشيطان، ومعلوم أنه إذا كان حباً للطاعات وكرهاً للمعاصي فهو من الرحمن عز وجل، هذه العلامة، قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] لكنهم جهال لا يدعون السفهاء، يظنون أن هذا هو الخير، أو يملي لهم الشيطان ويقول: افعل ثم تب، ثم يفعل ولا يتوب. نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وشر أعدائنا. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 16 خصوصية المعاصي في مكة السؤال نحن مجموعة من الشباب أتينا من مكة المكرمة لزيارتكم والسلام عليكم، على أهل القصيم بصفة عامة، وعلى فضيلتكم بصفة خاصة ونبلغكم أيضاً السلام من مكة المكرمة وأهلها، وحقيقة هنا طلب يا شيخ: وهو بعض الوصايا التي توجهها لشباب مكة خاصة وأنهم أهل مكة المكرمة وبيت الله الحرام، وحيث أننا نعيش في أحد الأحياء التي تعج بالمنكرات وما يخالف أمر الله عز وجل وفقكم الله لما يحبه ويرضى؟ الجواب وعليك وعليهم السلام، ونحن نشتاق إلى مكة كثيراً وإلى المدينة كثيراً، والواجب على جميع عباد الله عز وجل أن يكونوا عباداً لله حقيقة يمتثلون أمره ويجتنبون نهيه ولاسيما في مكة التي قال الله تعالى فيها: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] فالمعاصي في مكة أعظم جرماً وأكبر إثماً، وإن كانت لا تتضاعف في الكمية لكنها تتضاعف في الكيفية، وإني أحذر هؤلاء الذين أشرت إليهم إن كانوا موجودين من مغبة سوء أعمالهم، ويجب عليكم أن تناصحوهم أولاً، فإن قاموا بالواجب فهذا مطلوب، وإن لم يقوموا بالواجب فهناك جهات مختصة ارفعوا الأمر إليهم لأن الله يقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] فسكوت الناس عن المنكر مع القدرة على تغييره موجب لعقوبة الله عز وجل، وموجب للفتنة، وأن الإنسان يفتن في دينه أكثر مما فتن فالواجب عليكم الآن بارك الله فيكم المناصحة فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فالواجب أن يرفعوا إلى ولاة الأمور، وسيكون إن شاء الله من ولاة الأمور ما تقر به عيون المؤمنين. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 17 ثواب من صلى اثنتي عشرة ركعة السؤال فضيلة الشيخ! يقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) والحديث صحيح، هل هذا بصفة دائمة، أو تصلي يوماً وتترك يوماً؟ وهل إذا فاتتك منها تقضيها بارك الله فيك؟ الجواب الحديث ظاهره أنه إذا صلى ولو مرة واحدة بنى الله له بيتاً في الجنة، واليوم الثاني بيتاً آخر وهكذا وفضل الله واسع، لكن يجب على الإنسان ألا يغلب جانب الرجاء في هذه الأمور أي: فيما رتب عليه الثواب، بل ينظر إلى الثواب في هذه الأعمال، وإلى العقاب في أعمال أخرى، ربما تحيط به سيئاته وإن كان عمل هذه الحسنة، فالموازنة يوم القيامة لابد منها: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] لا يقول الإنسان: إذاً سيبنى لي بيوتاً كثيرة في الجنة، نقول: نعم، وفضل الله واسع، والجنة عرضها السماوات والأرض، لكن احرص على أن تتجنب ما نهى الله عنه، حتى لا يكون هناك موازنة يوم القيامة فترجح السيئات بالحسنات، لأن الموازنة يوم القيامة إذا رجحت الحسنات فهو من أهل الجنة، وإذا رجحت السيئات فهو من أهل النار، يعذب فيها ما شاء الله ثم ينجو إلا أن يعفو الله عنه، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف الذين يوقفون على مكان مرتفع يشرف على النار وعلى الجنة، ولكن في النهاية يدخلون الجنة. ولو فاتته يقضيها، الرواتب تقضى كما تقضى الفرائض. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 18 كيفية الرد على غلاة الصوفية في شبهة الاحتفال بالمولد السؤال لو ادعى غلاة الصوفية وأشباههم بأن فضل يوم الإثنين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيامه وبيان فضله، وأن الاحتفال بذكراه سنوياً من باب أولى، فماذا نرد عليهم؟ الشيخ: أقول إذا كانوا يريدون أن يحتفلوا بيوم الإثنين فالواجب أسبوعياً. لماذا يخصص؟ السائل: لفضل يوم الإثنين لأنه ولد فيه. الشيخ: لعلك تريد المولد؟ السائل: نعم. الشيخ: صرح به. السائل: لا هم الشيخ: هم يقولون: إن الرسول يقول: (ذاك يوم ولدت فيه) يدل على تعظيم اليوم الذي ولد فيه لا على يوم الإثنين؛ لأن مولد الرسول ليس يوم الإثنين سيكون (12) ربيع على ما يعتقدون، لكن نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قدرنا أنه عظم اليوم الذي ولد فيه، فبماذا عظمه؟ بالصيام، هل عظمه بهذا الاحتفال المنكر؟ فهذا حجة عليهم وليس حجة لهم، نقول: إذا كنتم صادقين باتباع الرسول فعظموه بما عظمه به وهو الصيام. ثم الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد أن يعظم اليوم الذي ولد فيه، لكن أراد أن يبين أن الله تعالى جعل في هذا اليوم أشياء مهمة لبني آدم وهي: أنه ولد فيه، وبعث فيه، وأنزل عليه فيه. وأقول لهم: إذاً أقيموا الحزن والمأتم لأن الرسول مات يوم الإثنين. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 19 حكم جمعيات الأموال والزكاة فيها بعد مضي الحول على إنشائها السؤال فضيلة الشيخ: داخل مع جماعة في جمعية أموال ونحن تقريباً ثلاثين شخصاً ندفع كل شهر ألف ريال من كل واحد، ثم يجرون قرعة أي: أن كل واحد يستلم متى ما جاء دوره في الشهر الأول أو الثاني أو الثالث، وهكذا فدوري أنا في هذه الجمعية في رمضان القادم، نحن لنا الآن خمسة أشهر، ونصيبي واحد وعشرون ألف ريال وعليَّ فيها دين مقداره عشرين ألفاً فالسؤال: ما رأيك في هذه الجمعية؟ وهل فيها زكاة للذي يستلم الدور الثالث عشر بعد السنة؟ وهل علي زكاة في هذا المبلغ؟ الجواب أما الجمعية فهي جائزة ولا بأس بها؛ لأنها من باب التعاون والرفق بالإخوان، وهي قرض محض، وليس فيه جر منفعة كما توهمه بعض الناس، ولذلك أنا أدفع ألف ريال ولا يأتيني إلا ألف ريال ولا أستفيد، والمصلحة التي عادت إليَّ قد فعلت مثلها، لأني أقرضت وأقرضت. وأما الزكاة فيجب على الإنسان أن يزكي ماله من الدين وإن كان هو مديون، فإذا جاء مثلاً وقت زكاته سواءً في رمضان أو غير رمضان فأنت أحصِ ما لك من الديون عند الناس وزكها، لكن إن شئت أخرجها مع مالك، وإن شئت قيدها فإذا قبضت الدين أخرجها. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 20 السبيل إلى التخلص من المعاصي المستحكمة في النفوس والإقبال على طلب العلم السؤال هناك يا فضيلة الشيخ! بعض المعاصي المستحكمة في النفوس فكيف يستطيع الإنسان إخراج حب هذه الذنوب والمعاصي من نفسه، وكيف يكون صادقاً مع الله تعالى، وكيف يكون صادقاً في طلب العلم والتوجه إلى الله عز وجل، وادع الله عز وجل لنا أن يوفقنا للطاعة وللعلم؟ الجواب لا شك أن هذا سؤال يرد على النفوس، لكنه يرد من نفوس عندها شيء من القنوط، والإنسان يجب ألا يقنط من رحمة الله وأن لا ييئس، وأن يكرر الدعاء لله عز وجل والافتقار إليه وسيجد الثمرة قريباً، لكن كون الإنسان يستعظم ما عنده من الذنوب والإعراض والغفلة ثم يقول: متى أكون صالحاً؟ هذا هو الداء الوحيد، فالواجب على الإنسان ألا ييأس من رحمة الله، وأن يقبل على الله عز وجل بقدر المستطاع، ويحاول ربما أنه يريد أن يقبل على الله لكن الشيطان يصرفه، فليحاول مرة بعد أخرى حتى يستقيم، وأحسن شيء هو محاولة إحضار القلب في الصلاة، هذا هو المهم، يعني: إذا قدرت أن تحضر قلبك في الصلاة كلما صليت فاعلم أن هذا فتح باب خير، لأن الله قال في القرآن الكريم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] يعني: افعلها مستقيمة {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فإذا أقمت الصلاة تماماً فأبشر بالخير، وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] ليس على ملمات الدنيا فقط بل على كل شيء. فأوصي هذا الأخ الذي يتعاظم الذنوب في نفسه وربما ييأس من رحمة الله عز جل، أوصيه بأن يبعد هذا الوهم من نفسه، وأن يحاول بقدر ما يستطيع إقامة الصلاة على الوجه المطلوب، فإن هذا هو الدواء، وهذا هو المفتاح، ونسأل الله لنا ولكم السلامة. كذلك أيضاً طلب العلم، يقبل إقبالاً حقيقياً ولا ييأس، لأن بعض الناس إذا بدأ بالعلم ورأى أنه صعب تمثل بقول الشاعر: إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع نقول: هذا غلط، بل اصبر وصابر ورابط، واتق الله، أربع وصايا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] وكم من أناس طلبوا العلم وهم كبار لكن جدوا واجتهدوا وافتقروا إلى الله، ولجئوا إليه عز وجل، وحصلوا خيراً كثيراً، وقد ذكر لي بعض الإخوة رواية -وأنا ما رأيتها- أن ابن حزم رحمه الله وهو من العلماء المشهورين الكبار دخل يوماً المسجد فجلس، فقال له بعض الحاضرين في المسجد: قم صل ركعتين، فقام وصلى ركعتين، ثم دخل مرة بعد العصر فقام يصلي، فقال بعض أصحابه: لا تصل هذا وقت نهي، فقال: سبحان الله! ما هذا الجهل إن قمت أصلي قالوا: لا تصل. وإن جلست قالوا صل، معنى ذلك أنه ليس عنده علم، ثم بعد ذلك بدأ يطلب العلم حتى حصل. مع أن القول الراجح: إن الإنسان إذا دخل المسجد في أي وقت فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لأنها ذات سبب، والنوافل التي لها سبب ليس عليها وقت نهي. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 21 حكم الوسواس في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ رجل عنده وسواس في الصلاة أحياناً يقرأ الفاتحة والشيطان يقول: ما قرأت، وصار يكرر الفاتحة، هل في تكرار الفاتحة شيء؟ الجواب تكرار الفاتحة مكروه لاسيما إذا كان الحامل عليه الوساوس، وإذا قال الشيطان: إنك لم تقرأ، فليقل: كذبت، لكن لا يقولها بلسانه ويقولها في نفسه، وليستمر فإنه قد قرأ، وكما أن الشيطان يأتي يقول: ما قرأت الفاتحة أو ما كبرت أو ما نويت، كذلك يأتي للإنسان ويقول: أحدثت، ويوسوس له أنه أحدث، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) . الجزء: 86 ¦ الصفحة: 22 حكم من ترك واجباً مؤقتاً متعمداً السؤال فضيلة الشيخ! سئلت في إحدى المحاضرات: عن شخص ترك صوم رمضان لمدة ثلاث سنوات عمداً فأجبته بناءً على القاعدة: أن من ترك واجباً مؤقتاً متعمداً لا قضاء عليه. وفي نفس الوقت سئلت: عن شخص ترك الصيام لمدة ستة أيام متعمداً فأجبته بأنه لابد بأن يقضي. فما وجه التفريق بينهما؟ الشيخ: لا أظن هذا يقع. السائل: لا أنا سمعت ذلك في شريط فتاوى رمضانية. الشيخ: هذا بارك الله فيك -أي: الثاني- لعله أفطر عمداً، معناه شرع في الصوم ثم أفطر في أثناء النهار، هذا يجب عليه أن يقضي، لأنه لما تلبس بالصوم وجب عليه بتلبسه به فوجب عليه قضاءه، أما الأول الذي لم يصم أصلاً فهذا هو الذي نقول: لو قضى لم ينفعه. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 23 حكم التنفل بين المغرب والعشاء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التنفل بين المغرب والعشاء؟ وهل ينبغي المواظبة أو الترك أحياناً؟ وهل ينكر على من واظب على التنفل بين المغرب والعشاء أو هذا يعتبر من التنطع والتشدد في الدين جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا ينكر على من يتطوع بين المغرب والعشاء؛ لأن تحديد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأوقات النهي يدل على أن ما عداها كله وقت صلاة، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل قال له: (سل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أوغير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود) أي: بكثرة الصلاة، فعليك بالصلاة فإنها خيرٌ، لو تبقى تصلي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر فأنت على خير، لكن لا تجهد نفسك يعني: لا تجعل هذا إلزاماً عليك كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يقوم الليل ويصوم النهار فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 24 كيفية تقسيم الليل السؤال أرجو توضيح تقسيم الليل: النصف والثلث من أين يبدأ الليل وإلى أين ينتهي؟ الشيخ: يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 25 طريقة طلب العلم وبدايته السؤال فضيلة الشيخ العلم وطريقة طلب العلم هل يبدأ مثلاً بعلم التفسير، أو علم العقيدة، أو علم التوحيد، أو العلوم الأخرى؟ الجواب لا شك أن أشرف الكلام كلام الله، وأحق ما يكون بالعناية كلام الله، وأنفع ما يكون كلام الله، ولهذا نقول: ابدأ بالتفسير قبل كل شيء، لكن هذا لا يعني ألا تقرأ غيره، لكن ركز أولاً على علم التفسير، وأنت تعلم وإخواننا الحاضرون وغيرهم أيضاً يعلمون أن القرآن مشتمل على كل شيء، ففيه العقيدة، وفيه الفقه، وفيه الآداب، وفيه كل شيء {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] فعليك بالتفسير، احرص عليه ما استطعت. وطريقة ذلك: أن تفكر أنت أولاً في معنى الآية، قبل أن تراجع الكتب، فإذا تقرر عندك شيء فارجع إلى الكتب، وذلك لأجل أن تمرن نفسك على معرفة معاني كتاب الله بنفسك، ثم إن الإنسان قد يفتح الله عليه من المعاني ما لا يجده في كتب التفسير، خصوصاً إذا ترعرع في العلم وبلغ مرتبة فيه فإنه قد يفتح له من خزائن هذا القرآن الكريم ما لم يجده في غيره. وأضرب لك مثلاً بـ تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: فإنه يستنبط من الآيات الكريمة أحياناً معاني لا تجدها في أي تفسير سابق. ثم بعد ذلك تأخذ بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديث في التوحيد والأخلاق والأعمال. إذاً أول ما ينشأ الإنسان يحفظ كتاب الله حفظاً عن ظهر قلب، ثم يبدأ بتفسيره، ثم يحفظ ما تيسر من السنة كـ عمدة الأحكام مثلاً أو بلوغ المرام، أو ما أشبه ذلك، ثم يطالع كتب العلماء التي كتبوها في الشريعة الإسلامية. السائل: لكن ما هي طرق تثبيت المعلومة يا شيخ؟! الشيخ: طرق تثبيت العلم كثيرة منها: التعاهد، أن الإنسان يتعاهد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) التعاهد يعني التكرار، سواءً كرر اللفظ أو كرر معناه، بأن يكون له مباحث مع إخوانه ومناقشات. وثانياً: العمل بالعلم، فإن العمل بالعلم يثبته ويزيده قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] . ثالثاً: الدعوة إلى الله تعالى بما حصلت من العلم، فإن هذا أيضاً يثبت العلم ويزيده. المهم أن له طرقاً كثيرة منها هذه الثلاث التي ذكرتها. السائل: لكن ما هي أفضل كتب التفسير؟ الشيخ: على كل حال كتب التفسير موجودة، ولكن أحسن ما يكون للمبتدئ تفسير ابن كثير، أو تفسير البغوي أو تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 26 كلام حول قاعدة: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة السؤال شيخنا حفظك الله ذكر الإمام النووي رحمة الله عليه في شرحه لـ صحيح مسلم تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الرجل الأعرابي فقال: (يا رسول الله! متى أوقات الصلاة؟ فقال: صل معنا، فصلى معهم يومين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في أول وقت الصلاة، وفي اليوم الثاني كان يصلي في آخر الصلاة) فيقول الإمام النووي رحمة الله عليه: إن جمهور الأصوليين قد اتفقوا على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز من هذا الحديث. فما دليل الشيخ والقاعدة التي نعرفها منك حفظك الله أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بارك الله فيك؟ الشيخ: هو الأصل تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بمعنى: أنه لابد أن الرسول يبلغ لأنه مأمور بالبلاغ، فإذا احتاج الناس إلى معرفة الحكم ولم يبينه الرسول كان هذا ممتنعاً، ضرورة أنه لابد أن يبلغ، والبلاغ الذي يتحتم هو أن تدعو الحاجة إليه، أما الحديث فليس فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، إذ من الجائز أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: وقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، إلى آخر الأوقات في خلال دقيقة واحدة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يفضل التعليم بالفعل؛ لأن التعليم بالفعل يرسخ في الذهن، ولا ينساه الإنسان في الغالب، فلهذا أراد أن يبقي هذا الإعرابي لفائدتين: أولاً: أن يعرف الأوقات بالفعل. والثانية: أن يستفيد من كيفية صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام. السائل: ما دليل القول الثاني: إن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز؟ الشيخ: أصلاً هذا قول باطل، إذ ليس فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، أنا قلت لك: هذا فيه أن الإنسان يسلك في البيان ما هو أقرب إلى التبيين والرسوخ. السائل: يا شيخ! هو يذكر أن جمهور الأصوليين على هذا، كيف أخذه جمهور الأصوليين. الشيخ: من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] وإذا احتاج الناس إلى معرفة الحكم صار البلاغ واجباً. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 27 علاقة التوكل على الله بإجراء العمليات القيصرية السؤال فضيلة الشيخ! يقول الله سبحانه وتعالى في سورة عبس: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] فالله سبحانه وتعالى تكفل بتيسير هذا المولود، ويلاحظ كثيرٌ من الناس من الرجال والنساء الاستعجال للقيام بعملية ما تسمى بالقيصرية، فهل هذا من ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى؟ الجواب أرى بارك الله فيك أن هذه الطريقة التي يستعملها الناس الآن عندما تحس المرأة بالطلق تذهب إلى المستشفى ويصنع لها عملية قيصرية أرى أن هذا من وحي الشيطان، وأن ضرر هذا أكثر بكثير من نفعه؛ لأن المرأة لابد أن تجد ألماً عند الطلق لكن ألمها هذا تستفيد منه فوائد: الفائدة الأولى: أنه تكفير للسيئات. الثاني: أنه رفعة للدرجات إذا صبرت واحتسبت. والثالث: أن تعرف المرأة قدر الأم التي أصابها مثلما أصاب هذه المرأة. والرابع: أن تعرف قدر نعمة الله تعالى عليها بالعافية. والخامس: أن يزيد حنانها على ابنها؛ لأنه كلما كان تحصيل الشيء بمشقة كانت النفس عليه أشفق، وإليه أحن. والسادس: أن الابن أو أن هذا الحمل يخرج من مخارجه المعروفة المألوفة وفي هذا خير له وللمرأة. والسابع: أنها تتوقع بذلك ضرر العملية؛ لأن العملية تضعف غشاء الرحم وغير ذلك، وربما يحصل له تمزق، وقد تنجح وقد لا تنجح. والثامن: أن التي تعتاد القيصرية لا تكاد تعود إلى الوضع الطبيعي لأنه لا يمكنها، وخطر عليها أن تتشقق محل العمليات. والتاسع: أن في إجراء العمليات تقليل للنسل، وإذا شق البطن ثلاث مرات من مواضع مختلفة وهن وضعف وصار الحمل في المستقبل خطيراً. والعاشر: أن هذه طريقة من طرق الترف، والترف سبب للهلاك، كما قال الله تعالى في أصحاب الشمال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] فالواجب على المرأة أن تصبر وتحتسب وأن تبقى تتولد ولادة طبيعية فإن ذلك خير لها في الحال وفي المآل. وعلى الرجال أيضاً هم بأنفسهم أن ينتبهوا لهذا الأمر، وما يدرينا فلعل أعداءنا هم الذين سهلوا علينا هذه العمليات من أجل أن تفوتنا هذه المصالح ونقع في هذه الخسائر. السائل: ما مفهوم الترف؟ الشيخ: الترف أن فيه اجتناب ألم المخاض الطبيعي، وهذا نوع من الترف. والترف إذا لم يكن معيناً على طاعة الله فهو إما مذموم أو على الأقل مباح. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 28 حكم الوضوء من القيء السؤال قرأت في أحد كتب الحديث فقال: باب ما جاء في الوضوء من القيء. فهل الوضوء هنا للوجوب، وهل إذا استقاء الإنسان أو أتاه قيء عليه وضوء؟ الجواب لا، الصحيح أن كل ما خرج من البدن فإنه لا ينقض الوضوء، لا القيء ولا الدم ولا غير ذلك إلا البول والغائط، أو ما خرج من مخرج البول أو الغائط، هذا هو القول الراجح. وإن صح حديث: (أن الرسول قاء فتوضأ) فالمراد على سبيل الاستحباب فقط؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن الأمر إنما يفيد الاستحباب، ولا يفيد الوجوب. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 29 حكم أخذ أحكام المسافر لمن يمكث خارج بلده أسبوعين في العمل السؤال فضيلة الشيخ! أنا من أهل مكة المكرمة ومتزوج من مكة وأقطن مكة ولكن عملي خارج مكة في المنطقة المجاورة لكم منطقة البجادية، فأنا أمكث في العمل أربعة عشر يوماً وأذهب إلى مكة سبعة أيام، فهل وجودي في العمل وأنا متزوج في مكة وساكن وأذهب إلى مكة بعد أربعة عشر يوماً فهل وجودي في العمل يعتبر سفراً؛ لأن في العمل يا شيخ! بعض الإخوة يطلبون مني صلاة الجمعة وما أدري كيف الطريق؟ الشيخ: هل أنت في إقامتك في هذا العمل مطمئن وتريد البقاء دائماً، أو أنت تنتظر الفرصة حتى تعود إلى مكة؟ السائل: أنا في أقرب فرصة أتمنى إن شاء الله أن أرجع إلى مكة. الشيخ: إذاً أنت مسافر يباح لك ما يباح للمسافرين من القصر والمسح ثلاثة أيام على الخفين وغير ذلك، ولكنك إذا صليت خلف إمام يتم وجب عليك الإتمام، ويجب عليك أن تصلي مع الجماعة، أما إذا طلب منك صلاة الجمعة وأنت في محل تقام فيه الجمعة يعني: لست في خارج البلد فصل الجمعة إماماً، وإن لم تكن من أهل البلد، هذا هو القول الراجح الصحيح: أنه لا يشترط لإمامة الجمعة أن يكون إنساناً مستوطناً. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 30 حكم تأجير المحل لمن يحلق اللحى السؤال رجل عنده محل تجاري، ولكنه مؤجره محل حلاقة، وفيه عشرة حلاقين يحلقون اللحى فهل إيجاره حلال أم حرام؟ الجواب أنت تعرف أن الحلاقين اليوم أكثر ما يحلقون اللحى، وعلى هذا فلا يحل لك أن تؤجر دكانك للحلاقين؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، أما لو جاءك حلاق يريد أن يستأجر الدكان وقال: أنا ألتزم لك بألا أحلق لأحد لحية فهذا لا بأس، فإن قدر أنه حلق بدون إذنك فالإثم عليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 86 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [87] في هذا اللقاء تفسير المقطع الثاني من سورة البينة، من قوله تعالى: ((إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين. إلخ)) فذكر الشيخ تفسير هذه الآيات، مبيناً معنى (جهنم) وأن أهل الكتاب كفار؛ لأنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تكلم عن الآية التي تليها، مبيناً ما أعده الله للمؤمنين من الجزاء والثواب، وتكلم عن أصناف المؤمنين ومنازلهم عند الله تعالى. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة البينة الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثمانون من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر شوال عام (1415هـ) ، نبتدئ هذا اللقاء بإكمال تفسير سورة البينة. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) انتهينا في اللقاء السابق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6] ، بين الله تعالى هنا في هذه الآية بياناً مؤكداً بأن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين (في نار جهنم) أي: في النار التي تسمى جهنم، وسميت جهنم لبعد قعرها وسوادها، فهو مأخوذ من الجهمة، وقيل: إنه اسم أعجمي عربته العرب، وأياً كان فإنه -أعني لفظ جهنم- اسم من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها. وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} (من) هنا بيان للإبهام، أعني: إبهام الاسم الموصول بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وعلى هذا فيقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى، وكذلك الأمر؛ فإن اليهود والنصارى كفارٌ حين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإن قالوا: أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويدعون لموتاهم بالرحمة، وما أشبه ذلك من العبارات التي يتزلفون بها فإنهم كاذبون، إذ لو كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل لآمنوا برسلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجد وصفه في التوراة والإنجيل، كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ، بل إن عيسى صلى الله عليه وسلم قال لبني إسرائيل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] ، فلما جاء هذا الرسول الذي بشر به عيسى بالبينات قالوا: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ، وكذبوه ولم يتبعوه، إلا نفراً قليلاً من اليهود والنصارى، فقد آمنوا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتبعوه. {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (شر البرية) أي: شر الخليقة؛ لأن البرية هي الخليقة، وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من اليهود والنصارى والمشركين شر البرية، شر الخلائق، وقد بين الله ذلك تماماً في قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنفال:55] ، وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:22-23] ، فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل، وإذا كانوا هم شر البرية فلن نتوقع منهم إلا كل شر؛ لأن الشرير ينبثق منه الشر، ولا يمكن أبداً أن نحسن الظن بهم قد نثق بالصالحين منهم كما وثق النبي صلى الله عليه وسلم بالمشرك عبد الله بن أريقط حين استأجره ليدله على طريق الهجرة، لكن غالبهم وجمهورهم لا يوثق بهم؛ لأنهم شر. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) ولما ذكر الله حكم هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ذكر حكم المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7] ، والقرآن الكريم مثانٍ تثنى فيه المعاني؛ فيؤتى بالمعنى وما يقابله، ويؤتى بأصحاب النار وأصحاب الجنة، ويؤتى بآيات الترهيب وآيات الترغيب وهلم جراً؛ لأجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء، ولئلا يمل؛ فإن جمع الأساليب وجمع المواضيع لا شك أنه يعطي النفس قوة واندفاعاً، خلاف ما لو كان الكلام على وتيرة واحدة فإن الإنسان قد يمل، ولا تتحرك نفسه. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} فخير خلق الله عز وجل هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم على طبقات أربع بينها الله في قوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] ، هذه الطبقات الأربع هي طبقات المؤمنين، أعلاها طبقة النبوة، وأعلى طبقات النبوة طبقة الرسالة، ثم بعد ذلك -أي: بعد النبوة- الصديقية، وعلى رأس الصديقين أبو بكر رضي الله عنه، والشهداء قيل: إنهم أولو العلم، وقيل: إنهم الذين قتلوا في سبيل الله، والآية تحتمل المعنيين جميعاً بدون مناقضة، والذي ينبغي لمفسر القرآن أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين بدون مناقضة أن يحملها على المعنيين جميعاً، فالشهداء هم أولو العلم، وهم الذين قتلوا في سبيل الله، وكلهم مرتبتهم عالية فوق سائر المتبعين للرسل إلا الصديقين، قال تعالى: {وَالصَّالِحِينَ} وهم أدنى الطبقات، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم {هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} أي: خير ما خلق الله عز وجل من البرايا. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن) ثم بين جزاءهم فقال: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البينة:8] وهنا قدم الله الثناء على المؤمنين الذين عملوا الصالحات على ذكر جزائهم؛ لأن ثناء الله عليهم أعظم مرتبة وأعلى منقبة، ولذلك قدمه على الجزاء الذي هو جزاؤهم في يوم القيامة {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ، (جنات) جمعها لاختلاف أنواعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) ، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ، ثم ذكر أوصاف هاتين الجنتين ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] ، وقال تعالى: {فَلَهُمْ جَنَّاتُ} [السجدة:19] . والجنات التي ذكرها الله تعالى جزاءً للمؤمنين العاملين الصالحات هي عبارة عن منازل عظيمة أعدها الله عز وجل للمؤمنين المتقين (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ، ولا يمكن للإنسان في هذه الدنيا أن يتصور كيف نعيم الآخرة أبداً، لأنه أعلى وأجل مما نتصور قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء] لكنها تختلف الحقائق اختلافاً عظيماً. قال عز وجل: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} العدن بمعنى الإقامة في المكان وعدم النزوح عنه، ومن تمام نعيم أهل الجنة أن كل واحد منهم لا يطلب تحولاً عما هو عليه من النعيم؛ لأنه لا يرى أن أحداً أكمل منه، ولا يحس في قلبه أنه في غضاضة بالنسبة لمن هو أرقى منه وأكمل، قال الله تبارك وتعالى: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:108] أي: لا يبغون تحولاً عما هم عليه؛ لأن الله تعالى قد أقنعهم بما أعطاهم فلا يجدون أحداً أكمل نعيماً منهم؛ ولهذا سمى الله تعالى هذه الجنات جنات عدنٍ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها. ((تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)) [البينة:8] (من تحتها) قال العلماء: من تحت قصورها وأشجارها، وإلا فهو على سطحها وليس أسفل، إنما هو من تحت هذه القصور والأشجار، والأنهار التي ذكرها الله عز وجل هنا مجملة فصلها في سورة محمد فقال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] ، وقد جاءت الآثار في وصف هذه الأنهار: أنها تجري بغير أخدود وبغير خنادق. بمعنى: أن النهر يجري على سطح الأرض يتوجه حيث وجهه الإنسان، ولا يحتاج إلى شق خنادق ولا إلى بناء أخدود تمنع سيلان الماء يميناً وشمالاً وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه النونية: أنهارها من غير أخدودٍ جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} أي: ماكثين فيها أبداً لا يموتون، ولا يمرضون، ولا يبأسون، ولا ينامون، ولا يحزنون، ولا يمسهم فيها نصب، فهم في أكمل النعيم دائماً وأبداً، أبد الآبدين اللهم اجعلنا منهم. {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وهذا أكمل نعيم، أن الله تعالى يرضى عنهم فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط بعده أبداً، بل وينظرون إلى الله تبارك وتعالى بأعينهم كما يرون القمر ليلة البدر لا يشكون في ذلك ولا يمترون في ذلك ولا يتضامون في ذلك، أي: لا ينضم بعضهم إلى بعض ليريه الآخر، بل كل إنسان يراه في مكانه حسب ما أراد الله عز وجل. ثم قال عز جل: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي: ذلك الجزاء لمن خشي الله عز وجل، والخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم، ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28] . وبهذا تمت هذه السورة العظيمة، وتم ما تيسر لنا من الكلام على تفسيرها، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 87 ¦ الصفحة: 6 حكم كتابة لفظ الجلالة أو آيات من القرآن على الطاولات وما أشبه ذلك السؤال فضيلة الشيخ، بعض الطلاب والموظفين يلصقون على الطاولات لفظ الجلالة، أو لا إله إلا الله، وأحياناً آية الكرسي، فهل في هذا شيء؟ الشيخ: الطاولة التي يتكئ عليها؟ السائل: نعم التي يكتب عليها. الجواب أما كتابة القرآن على الطاولة ثم يتكئ الإنسان عليها ليكتب أو يتكئ عليها ليستريح فإن هذا فيه نوع امتهان للقرآن الكريم فلا يكتب، وأما غير القرآن فإنه أهون، ومع ذلك لا أرى حاجة لكتابته، ومن أراد أن يتذكر ذكر الله فليتذكر ذلك بقلبه، وأخشى أن يكتب (لا إله إلا الله) ثم يأتي بعض زملائه -كما جرت به العادة- يحدثه ويركب على الطاولة من غير أن يشعر، أو يشعر ولكن لا يبالي، فأرى ألا يُكتب عليها شيءٌ. حتى أيضاً حسب النظام -كما أعلم- أنه ممنوع أن يكتب على الطاولات شيء. السائل: يلصقون ملصقات؟ الشيخ: حتى الملصقات أيضاً لا داعي لها. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 7 معنى حديث: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته) السؤال فضيلة الشيخ! يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله ما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ما معنى قوله: (متكئاً على أريكته) ؟ وهل في هذا الحديث دليل على وجوب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قول الأصوليين وعلماء الفقه: السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟ الجواب أما لفظ الحديث فليس كما قال السائل: (لا يقعدن أحدكم على أريكته) ، بل قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته) وهذا تحذير من النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف وعلى هذه الحال، عنده من الغطرسة والكبرياء ما جعله متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من عند الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه. يعني: لا نتبع السنة، وهذا تحذير من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف، ولهذا قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) ، وهي السنة، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] ، قال أهل العلم: المراد بالحكمة هنا السنة، بدليل قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] . ومعلوم أن رد السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كرد القرآن تماماً؛ لأن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من أحكام فهو كما جاء في القرآن من الأحكام، إذ هو رسول الله عز وجل، فمن قال: لا أقبل إلا ما جاء في القرآن، قلنا: إنك واقع في هذا الحديث الذي حذر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته أن يكونوا على هذا الحال. ثم نقول له: إن ردك لما جاء به الرسول هو رد لما جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن:23] ، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما السنة فالسنة لها اصطلاحان: اصطلاح عام، واصطلاح خاص. أما الاصطلاح العام فإن السنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة للواجب والمستحب وغير ذلك، ومنه قول أنس بن مالك رضي الله عنه: [من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم] هذه السنة واجبة. أما الاصطلاح الخاص فهو اصطلاح الفقهاء رحمهم الله؛ حيث قسموا الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام: واجب، وسنة، وحرام، ومكروه، ومباح، وإنما قسموا ذلك ليتبين الشيء الذي ألزم به الشرع؛ فيكون واجب الفعل إن كان واجباً، ويكون واجب الترك إن كان حراماً، وما دون ذلك يكون سنة في المأمور ومكروهاً في المنهي عنه. وعليه فلا إشكال، فصارت السنة الآن نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي التي يراد بها طريق النبي عليه الصلاة والسلام الشامل للواجب والمستحب. أما الخاصة: فهي ما اصطلح عليه الفقهاء حيث قالوا: إن السنة: هي التي إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإذا تركها لم يعاقب. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 8 حكم الحج عمن مات ولم يحج تكاسلا ً السؤال فضيلة الشيخ! رجل من سكان مكة استطاع الحج لكنه لم يحج، وصار يؤخر الحج ويقول: للسنة القادمة، حتى مات، فهل يقضى عنه الحج؟ الجواب الصحيح أنه يقضى عنه إذا كان عازماً على فعل الحج ولكنه متكاسل، أما لو كان عازماً على الترك فإنه لا يقضى عنه، بل يبقى في ذمته يعذب به إن شاء الله، هذا هو التفصيل الذي تطمئن إليه النفس، ولكن ليعلم أن الحج واجبٌ على الفور، وأنه لا يجوز لمن قدر عليه أن يؤخره، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] ، فقيده بالاستطاعة، فمتى وجدت الاستطاعة وجب الحج. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 9 وجود أهل الجنة والنار فيهما أمر غيبي السؤال في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء اطلع على أهل الجنة فرأى أكثر أهلها الفقراء والمساكين، ثم اطلع على أهل النار فرأى أكثر أهلها النساء، ثم أيضاً جاء في سيرة التابعين: أن سفيان الثوري رحمه الله رؤي في المنام فقيل له: ما صنع الله بك؟ فقال: وضعت قدمي على الصراط والأخرى في الجنة. فهل الصراط يجتاز الآن؟ وهل الجنة فيها سكانها والنار فيها سكانها أيضاً؟ فما هو تفصيل ذلك؟! الجواب أقول -بارك الله فيكم جميعاً- الأمور الغيبية لا ينبغي أن نبحث فيها عن كيفيتها وأن نتعمق؛ لأن هذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون! هلك المتنطعون! هلك المتنطعون!) ، وقال الإمام مالك لمن سأله: كيف استوى الله على العرش؟ قال له: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول) هذه الأمور يجب أن نؤمن بها وألا نبحث عنها، ولهذا ألقى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث على أصحابه ولم ينبس واحد منهم بكلمة يقول: كيف ذلك يا رسول الله؟ حتى أنه أخبر أنه سمع خشخشة نعال بلال، ومع ذلك ما قالوا: كيف يا رسول الله؟ بلال في الدنيا ما ذهب إلى الآخرة ولا جاء؟ لكنهم آمنوا وصدقوا. فنصيحتي لكم جميعاً: أن مثل هذه الأمور تؤمنون بها على ظاهرها وتقولون: هي حق، وأما كيف ذلك؟ وهل أهل الجنة الآن موجودون فيها، وأهل النار موجودون فيها؟ فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة من رأى، ورأى من أهل النار من رأى، رأى عمرو بن لحي يجر قصبه، أي: أمعاءه في النار، ورأى امرأة تعذب في هرة حبستها، ورأى فيها صاحب المحجن الذي يسرق الحجاج بمحجنه، فالحاصل أني أنصح لكم: ألا تتعرضوا لمثل هذه الأسئلة. أما موقفي أنا فيها فهو موقف الصحابة رضي الله عنهم، أن أقول: آمنت بالله وبرسول الله، وبما جاء عن الله ورسوله، ولا أتجاوز ذلك، وأقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام في المعراج أخبرنا عما رأى وهو حق. وأقول: إنا إذا لزمنا هذه الطريق استرحنا، وأي واحد يسألنا نبين له أن هذا لا طريق للعلم به، وأن موقفنا منه هو التفويض، أي: تفويض الكيفية إلى الله عز وجل، أما المعنى فنحن نعرف المعنى. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 10 التفصيل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله السؤال فضيلة الشيخ، يقول أكثر أهل العلم: إن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا كان لا يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، ويعلم أن حكم الله خير من حكم غيره فهو لا يكفر إلا بشرط الاستحلال. فما هو الدليل على أنه لا يكفر إلا أن يكون مستحلاً لذلك؟ وإذا كان الاستحلال لا يكون إلا في القلب باعتقاد الشيء حله من حرامه فكيف لنا أن نعرف أن هذا مستحل أو غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً! الجواب أولاً: بارك الله فيك، لا بد أن نعلم أن معنى تكفير الإنسان نقله من الإسلام إلى الكفر، ويترتب على هذا أحكام عظيمة، من أهمها: استباحة دمه وماله، وهذا أمر عظيم لا يجوز لنا أن نتهاون به، مثلاً: لو قلنا هذا حلال وهذا حرام بغير علم أهون مما إذا قلنا: هذا كافر وهذا مسلم بغير علم. ومن المعلوم أن التكفير والإسلام إنما هو إلى الله عز وجل، فإذا نظرنا إلى الأدلة وجدنا أن الله وصف الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف؛ فقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] ، ووصف الحكم بغير ما أنزل الله بالجهل، فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ، فلابد أن نرى مخرجاً من هذه الأوصاف التي ظاهرها التعارض، ولا مخرج لنا في ذلك إلا أن تطبق على القواعد الشرعية. فمثلاً: إذا جاءنا رجل ورفع الحكم الشرعي وأحل بدله قوانين تخالف ما أنزل الله على رسوله، فهذا لا شك أنه مستحل؛ لأنه رفع الحكم نهائياً ووضع قانوناً من وضعه أو من وضع من هو أسوأ حالاً منه، فهذا كافر؛ لأن رفعه للأحكام الشرعية ووضع القوانين بدلها يعني أنه استحل ذلك، لكن يبقى عنه: هل نكفر هذا الرجل بعينه، أو ننظر حتى تقوم عليه الحجة؟ لأنه قد يشتبه عليه مسائل الأمور الدنيوية من مسائل الأمور العقدية أو التعبدية، ولهذا تجده يحترم العبادة ولم يغير فيها، فلا يقول مثلاً: إن صلاة الظهر تأتي والناس في العمل نؤجلها إلى العصر، أو صلاة العشاء تأتي والناس محتاجون إلى النوم والعشاء نقدمها إلى المغرب مثلاً، يحترم هذا، لكن في الأمور الدنيوية ربما يتجاسر ويضع قوانين مخالفة للشرع، فهذا من حيث هو كفر لا شك فيه؛ لأن هذا رفع الحكم الشرعي واستبدل به غيره، ولكن لا بد أن نقيم عليه الحجة، وننظر لماذا فعلت ذلك؟ قد يلبس عليه بعض العلماء الذين هم علماء دولة، ويحرفون الكلم عن مواضعه من أجل إرضاء الحاكم، فيقولون مثلاً: إن مسائل الدنيا اقتصادياً وزراعياً وأخذاً وإعطاءً موكول إلى البشر؛ لأن المصالح تختلف، ثم يموهون عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وغالب الحكام الموجودين الآن جهلة، لا يعرفون شيئاً، فإذا أتى إنسان كبير العمامة طويل الأذيال واسع الأكمام وقال له: هذا أمر يرجع إلى المصالح، والمصالح تختلف بحسب الزمان والمكان والأحوال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، ولا بأس أن تغيروا القوانين التي كانت مقننة في عهد الصحابة وفي وقت مناسب إلى قوانين توافق ما عليه الناس في هذا الوقت، فيحللون ما حرم الله، ويقولون مثلاً: الربا نوعان: ربا الاستثمار، وربا الاستغلال، فالأول جائز والثاني حرام، ثم يقولون: اكتب هذه المادة. فيكون هذا جاهلاً، لكن إذا أقمنا عليه الحجة وقلنا: هذا غلط، وهذا خطأ وتحريف من هذا العالم الذي غرك، ثم أصر على ما هو عليه؛ حينئذ نحكم بكفره ولا نبالي. فالحاصل: أن العلماء رحمهم الله قسموا هذا التقسيم من أجل موافقة هذه النصوص المطلقة للقواعد الشرعية المعلومة. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 11 نصيحة لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال فضيلة الشيخ! تعلمون أن كثيراً من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يواجهون اختلاءات، ومن ضمن هذه الاختلاءات النساء اللاتي يواجهونهن يكن بلباس غير ساتر ويكن متبرجات مفتنات، فما هي نصيحتكم لهؤلاء الأعضاء الذين يواجهون مثل هذه المشاكل، والذين يتأخرون أحياناً بل وربما غالباً عن أداء الصلوات في المساجد؟ الشيخ: الاختلاء ماذا تريد به؟ السائل: سواءً كان اختلاءً في المنزل أو في غيره. الشيخ: الاختلاء خلوة الرجل بالمرأة؟ السائل: نعم. الشيخ: على كل حال، فيما أظن أن هناك توجيهات من الرئاسة العامة حول هذا الموضوع، فأرى أن العضو يتمشى على هذه التعليمات والتوجيهات، وإذا رأى أن منها شيئاً غير مناسب فالواجب أن يكتب عنه، ويبين أنه غير مناسب، وأنه ربما تكون هذه التعليمات في زمن مضى عليه عشرون سنة أو أكثر، والأمور اختلفت لا شك، فليس حال النساء اليوم كحال النساء قبل خمس سنوات فضلاً عن عشرين سنة أو أكثر، فالذي أرى أنه يجب على العضو أن يتبع ما جاء به النظام أو التوجيه، وما رأى أنه غير مناسب فإن عليه أن يكتب عنه. السائل: من ناحية الشخص. الشيخ: هذا هو الموقف؛ لأن الشخص يتولى هذه الولاية بحسب ما ولاه ولي الأمر، والعلماء رحمهم الله قالوا: إن الذي يتولى أمراً من أمور الدولة لا يملك أكثر مما وكل إليه. حتى ذكروا في القضاء: أن القاضي لا يقضي إلا فيما وجه إليه فقط، فيقولون: إما أن يولى عموم النظر في عموم العمل، أو عموم النظر في خصوص العمل، أو خصوص النظر في عموم العمل، أو خصوص النظر في خصوص العمل. بمعنى: أن الإنسان قد يولى الحكم في الأنكحة فقط، هذا القاضي الذي ولي الحكم في الأنكحة لا يمكن أن يقضي بين اثنين في مسائل البيوع؛ لأنه يتوقف تصرفه على حسب ما وكل إليه. والحمد لله، الإنسان ما دام أن هذا شيئاً قد وجه إليه فذمته بريئة، لكن لا مانع من أن يتكلم -مثلاً- إذا رأى قرينة قوية تدل على أن هذا الرجل مع هذه المرأة ليسوا على حال مرضية؛ أن يتكلم معهما بهدوء إذا لم تحصل مفسدة أكبر؛ لأن بعض الإخوة يكون عنده غيرة واندفاع، فمجرد ما يرى رجلاً معه امرأة يوقف السيارة ويتكلم ويقول: (ليش؟) وما أشبه ذلك، وهذا غير مناسب. أما الصلاة فلا بأس أن يتأخر الأعضاء من أجل إقامة الناس إلى الصلاة، ولو فاتتهم الصلاة يصلون جماعة، وربما يدل لذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) . الجزء: 87 ¦ الصفحة: 12 صلة الأرحام وكم المدة المحددة لذلك؟ السؤال فضيلة الشيخ! هل يعتبر عم أمي وخال أمي وأبناؤهم من الرحم الذين يجب أن أصلهم؟ وما هي المدة المعتبرة التي إذا جاوزها شخص يعتبر قاطعاً لرحمه؟ الجواب أنت تعرف أن الصلة في القرآن والسنة مطلقة، فالله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد:21] ، ويقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] والنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ذكر صلة الرحم ولم يقيدها بشيء معين، فهي -إذاً- ترجع إلى العرف، والعرف يختلف الناس فيه بحسب القرابة من الشخص، وبحسب حاجتهم إلى الصلة، وبحسب أحوال الناس، فقد يكون الناس -مثلاً- في زمن فقر يحتاج القريب إلى أن تصله بالنفقة؛ بالطعام والشراب والكسوة وما أشبه ذلك، أكثر مما إذا كان الناس في زمن غنى، كذلك مثلاً: قريب مريض يحتاج إلى تعهد أكثر من قريب ليس بمريض، فما جرت به العادة أنه صلة فهو صلة، وما جرت العادة أنه قطيعة فهو قطيعة، فالناس اليوم لا يرون أن من الواجب أن تذهب إلى قريبك كل يوم، اللهم إلا القريب القريب مثل الأم والأب، ولا يرون من القطيعة إذا وصلته بالشهر مرة أو في المناسبات، المهم أن هذا الشيء يرجع إلى العادة والعرف. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 13 سماع الموتى للأحياء السؤال فضيلة الشيخ! هناك سؤال أثير في مكتب الدعوة وهو أن أحد الهنود أثار شبهة، يقول: هل الموتى يسمعون؟ وإذا كانوا يسمعون هل يكون سماعهم في مكان مخصوص وفي مواضع مخصوصة مثلاً، أم سماع عام؟ الجواب إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت إذا دفن وأتاه الملكان، قال: (إنه ليسمع قرع نعالكم) أي: المنصرفون عنه، وهذا سماع حال الدفن. ووقف صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتلى قريش في قليب بدر، وجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ولما راجعه الصحابة في ذلك قال: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ، وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من رجل يمر بقبر رجل يعرفه في الدنيا ثم يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) ، وهذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، منهم من ضعفه، وإذا كان ضعيفاً فلا دليل فيه، ومنهم من قال إنه حسن، ومنهم من صححه، فنقول: ما جاءت به السنة نعتقده، وما لم تجئ به السنة نقول: الله أعلم. لكن على فرض أنهم يسمعون فإنهم لا ينفعون غيرهم، بمعنى أنهم لا يدعون الله له، ولا يستغفرون الله له، ولا يمكنهم الشفاعة لهم. وإنما قلت ذلك لئلا يتعلق هؤلاء القبوريون بما قلت، ويقولون: ما دام أنهم يسمعون -إذاً- هذا من أولياء الله نسأله أن يسأل الله لنا أو أن يشفع لنا عند الله، فهذا غير وارد أصلاً؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام عندما مات انقطع عمله، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام خلف لأمته علماً عظيماً الذي يعمل به كل أحد من الأمة المجيبة للدعوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، ولا أحد ورث للخلق علماً ينتفعون به أكثر مما ورثه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 14 صحة أداء الحج من الجاهل بالمناسك السؤال شخص أدى فريضة الحج، وهو جاهل بجميع المناسك، فلم يقم بها تماماً، ثم تبين له فيما بعد أنه جاهل في أداء هذه المناسك، بعد ذلك منَّ الله عليه بحجة ثانية، فهل ينوي الفريضة الأولى أم ينوي هذه نافلة؟ الجواب ينوي هذه الثانية نافلة، وإذا قدر أن الأولى وقعت على وجهٍ لا يرضاه الله ولا يقبله صارت الثانية هي الفريضة. وبهذه المناسبة أود أن تحثوا الناس -ونحن الآن قريبون من وقت الحج- على تعلم أحكام الحج قبل أن يحجوا؛ لأن بعض الناس يذهب مع الحجاج ما قال الناس قاله وما فعلوه فعله، وهو لا يدري ما المعنى، ثم إذا رجع وسأل وإذا عليه أشياء كثيرة قد أخل بها، بل بعض الناس -والعياذ بالله- تجده أخل بحجه قبل عشر سنوات ثم يأتي يسأل، أو أخل بحجه هذه السنة التي مضت ثم يأتي يسأل بعد ستة أو سبعة أشهر، فهذا غلط، المهم أنكم تحثون الناس على أن يتعلموا أحكام الحج قبل أن يحجوا. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 15 حكم التصوير بكاميرا الفيديو السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ الجواب الذي أرى أنه لا بأس بها، إلا أن الانشغال بها مضيعة للوقت، ما لم يكن هناك مصلحة، وفي بعض الأحيان يكون التصوير بذلك حراماً؛ كالذين يصورون حفلات الزواج، مثلاً: يصورون النساء، أو المرأة مع زوجها، أو الملاقاة فهذا حرام؛ لأنه ليس فيه إلا إثارة الشهوة لمن اطلع على هذه الصورة، أو التفرج على نساء المسلمين، وهذه جميلة وهذه قبيحة، وهذه طويلة وهذه قصيرة، وهذه بيضاء وهذه سوداء، وما أشبه ذلك. لكن إذا أردنا أن نصور مجلس علم فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 16 وقت ساعة الإجابة يوم الجمعة السؤال ما هو القول الراجح في مسألة ساعة الإجابة في يوم الجمعة مع ذكر الدليل؟ الجواب أرجح الأقوال: أنها من حين يخرج الإمام إلى أن تقضى صلاة الجمعة، أي: من يوم يجيء الإمام يوم الجمعة إذا دخل وصعد المنبر، من ذلك الوقت إلى أن تقضى الصلاة؛ لأن هذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو أيضاً مناسب للإجابة؛ لأن الناس يجتمعون فيه على فريضة من فرائض الله، وإجابة دعوة الناس المجتمعين أقرب من إجابتها متفرقين، ثم يلي هذا بعد العصر؛ لأنه ورد في حديث أبي هريرة تعيينها من بعد صلاة العصر، لكن الأول أصح. والإنسان ينبغي أن يجتهد في الدعاء في وقت إقامة صلاة الجمعة وكذلك بعد العصر ويجمع بين الأمرين. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 17 مكان الروح بعد الموت، وحكم المجانين في الآخرة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للإنسان إذا مات أين تكون روحه؟ والمجانين ماذا يعمل الله سبحانه وتعالى بهم؟ الجواب أما أهل الجنة فتكون أرواحهم في الجنة وهم المؤمنون، وأما أهل النار فتكون أرواحهم في النار، كما جاء ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما المجانين فإذا كان أهلهم مؤمنين، أبوه أو أمه فهو من المؤمنين؛ لأن المجانين والأطفال حكمهم حكم آبائهم، ولد المؤمنين من المؤمنين، وولد الكفار ليس من المؤمنين في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فالصحيح أن الله عز وجل يمتحنهم بما شاء من التكليف، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. السائل: والحديث -يا شيخ- (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الولدان الذين حول إبراهيم عليه السلام فسأله الصحابة قالوا: وأبناء المشركين. قال: وأبناء المشركين) . الشيخ: لا، ليسوا أبناء المشركين؛ لأن أبناء المشركين الصواب فيهم ما قاله الرسول: (الله أعلم بما كانوا عاملين) . الجزء: 87 ¦ الصفحة: 18 موقف المسلم من الجماعات الإسلامية ومناهجها السؤال فضيلة الشيخ! ما هو موقف المسلم من الجماعات الإسلامية ومناهجها والدعوات الواردة والداخلة في هذه البلاد حفظكم الله؟ الجواب أنت تعلم -بارك الله فيك- أن هذا القرآن نزل لهذه الأمة إلى يوم القيامة، وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، وأن هذا القرآن حذر الله فيه من التفرق، فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} [الأنعام:159] ، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالجماعات التي تؤدي إلى تفرق الكلمة واختلاف القلوب جماعات باطلة، وأما الجماعات التي لا تؤدي إلى ذلك كاختلاف المسلمين في المذاهب فهذا مذهبه حنبلي وهذا شافعي وهذا مالكي وهذا حنفي فإنها لا تضر ما دامت القلوب لم تختلف. لكن مع الأسف الشديد أنا وجدنا اليوم أن هناك جماعات اختلفت قلوبها، وصار بعضها يضلل بعضاً، بل ربما يكفر بعضها بعضاً، وتجد الإنسان يحب أن يرى عدواً حقيقة له من الكفار والمنافقين ولا يرى هذا المسلم الذي خالفه في المنهج، وهذه بلوى وهي -والله- وصمة عظيمة على مستقبل اليقظة الإسلامية؛ أن يكون هؤلاء المؤمنون يضرب بعضهم بعضاً، ويقدح بعضهم ببعض، وكأنهم يقولون لأهل الكفر والنفاق والإلحاد: اطمئنوا فإننا سنكفيكم، سنتمزق فيما بيننا، وسيضلل بعضنا بعضاً، ويبدع بعضنا بعضاً وهذه مشكلة، والواجب على الجماعات الإسلامية كـ جماعة التبليغ، وجمعية الإصلاح، وجمعية التراث، والإخوان المسلمين وغيرهم أن يكونوا أمة واحدة، وأن يجلس رؤساؤهم بعضهم إلى بعض ويبحثوا في نقط الخلاف بينهم ثم يصححوا هذا الخلاف، ما دام الهدف واحداً إن كانوا صادقين وهو القيام بشريعة الله وإعزاز دين الله، فليكونوا على مائدة واحدة، أما أن يتكلم بعضهم في بعض من وراء الجدر، وتتمزق الكلمة وتتفرق الأمة، فهذا غلط. ونأسف أن بعض الناس يستغل الشباب الصغار ليحزبهم، ثم يقول: احذروا من الجماعة الفلانية، احذروا من الشخص الفلاني، احذروا من كذا، سبحان الله! أنت تريد أن تبني أمة متفرقة متمزقة فيما بعد؟!! فأنا أحذر جداً من هذه الجماعات التي يضلل بعضها بعضاً، وأرى أن الواجب أن نكون أمة واحدة على هدف واحد، وألا تختلف القلوب مهما اختلفت الآراء والأقوال. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 19 حكم الانتظار وقت الأذان الثاني يوم الجمعة ثم الصلاة بعد الأذان السؤال فضيلة الشيخ! يوم الجمعة يلاحظ على بعض المصلين أنه إذا شرع المؤذن في الأذان الثاني ودخلوا المسجد وقفوا حتى ينتهي المؤذن، ثم إذا شرع الخطيب في خطبته بدءوا بالصلاة، فما الحكم؟ الجواب قال بعض العلماء هكذا، أي: أنك تجيب المؤذن، ثم إذا أجبت المؤذن تأتي بالركعتين، ولكن هذا القول ضعيف، والقول الراجح: أنك تصلي ركعتين لوجهين: الوجه الأول: المبادرة في صلاة الركعتين، بدل أن تبقى واقفاً ثم تأتي بهما نقول: بادر. الثاني: أن تتأهب لاستماع الخطبة، فإن استماع الخطبة أهم من إجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن سنة واستماع الخطبة واجب، والواجب مقدم على السنة، أما إذا دخلت وهو يؤذن في غير الجمعة فلا بأس أن تجيب المؤذن أولاً؛ لئلا تفوت الإجابة، ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 20 كيفية التصرف في مال الغائب الذي لم يعد السؤال رجل كانت عنده شغالة وأعطته مبلغاً من النقود لكي يأتي لها ببعض الحوائج، فأتى بما أرادته وبقي عنده نقود ونسي أن يعطيها إياها، وذهبت بلا عودة، فما الحكم بباقي النقود، مع أنه قد تبرع بأكثر منها لها؟ الجواب الواجب عليه أن يبحث عن هذه الخادمة، أين هي، وأين أهلها، وكيف يوصل إليها ما بقي من فلوسها، فإن لم يقدر تصدق به -أي: بما بقي- عنها، ينوي أن ثوابها لها، وأما ما تبرع به من قبل فهذا ذهب بأجره ولا يمكن أن يسترده بهذه الفلوس. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 21 زكاة الخليطين، وحكم زكاة أحدهما عن الآخر السؤال فضيلة الشيخ! الخليطان في بهيمة الأنعام إذا أخذ المزكي زكاة من مال أحدهما فما موقف الآخر بالنسبة للأول؟ الجواب الخليطان إذا أخذ المزكي من مال أحدهما فإنه يرجع على الآخر بما يلزمه من هذه الزكاة، فمثلاً: من له أربعون والثاني له عشرون يرجع عليه بالثلث إذا كان صاحب الأربعين هو الذي بذلها، ويرجع عليه بالثلثين إن أخذت من مال صاحب العشرين؛ لأن المال الخليط كالمال الواحد. السؤال: فضيلة الشيخ، إذا كان هناك خليطان وتبرع أحدهما بدفع الزكاة عن الآخر، فما حكم الآخر، هل يزكي، أم أنه لا يدفع زكاة؟ الجواب: إذا أجاز الثاني تصرف خليطه فلا بأس، لا سيما إذا كان الواجب في الزكاة عين واحدة، مثلاً: شاة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، أما إذا كان الواجب شاتان وكان مالهما متساوياً فهذه ربما نقول: انتظر لأجل أن تؤدي زكاة نفسك وصاحبك يؤدي زكاة نفسه ومع هذا نقول: إذا أجازها صاحبها فلا بأس. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 22 حكم التعمق في البحار والأرواح وغيرها السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التعمق في البحار وكذلك الأرواح وعلم السماوات وغيرها؟ الجواب أما التعمق بما يمكن إدراكه فلا بأس به إذا لم يشغل عما هو أهم منه، ومعلوم أن البحار يمكن إدراكها في العلوم لأنها أمر محسوس، وكذلك الأفلاك كالشمس والقمر وغيرها، وأما ما لا يمكن إدراكه فالتعمق فيه تنطع وإضاعة وقت، مثل أن يتعمق الإنسان فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، أو فيما يتعلق باليوم الآخر، أو فيما يتعلق بمسائل القبر والبرزخ؛ لأن هذا لا يمكن إيضاحه، فهذا هو التفصيل في هذا الأمر. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 23 قصر الصلاة في السفر السؤال فضيلة الشيخ، هناك مسافرون وفي أثناء السفر لا يجدون إماماً مقيماً، فتارة ينوي القصر فإذا هو متم، وتارة ينوي الإتمام فإذا به يقصر، وهذا إذا لم نلحق تكبيرة الإحرام، فما هو الحكم؟ الجواب الحكم في ذلك أن ننظر لظاهر الحال، فمثلاً: إذا كان هذا المسجد على الطريق فالغالب أن الذين يصلون فيه مسافرون فينوي القصر، وأما إذا كان المسجد في البلد فالغالب أن الذين يصلون مقيمون، فينوي الإتمام. السائل: فضيلة الشيخ، لو نويت القصر ثم أتم الإمام؟ الشيخ: أتم معه. السائل: إذا كانت الصلاة جماعة وما تدري هل يتم أو يقصر؟ الجواب: انظر للظاهر، ما هو الظاهر من هذا الإنسان، إذا كان المسجد على الطرق أو في المحطات محطة البنزين فهذا الظاهر أن الذين يصلون مسافرون، فتنوي القصر، فإذا أتم فأتم، فلو دخلت معهم في الركعة الثانية وبنيت على أنه مسافر وأنه يقصر ثم أتم فإنك تتم، إذا سلم تأتي بركعة. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 24 حكم تعليق القرآن في البيوت، ومعنى التولة السؤال ما حكم من يعلق القرآن والآيات في البيت؟ وهل هذه التي تسمى التولة؟ الجواب أما تعليق الآيات في البيت فإن قصد بذلك التبرك فهو بدعة، وكذلك إن قصد التعبد لله فهو بدعة، وإن قصد التنبيه فلا وجه له، وذلك لأن الذين يجلسون في هذا المجلس ربما ينتبهون، وربما يكون مكتوباً فوق رءوسهم قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] ، ومجلسهم كله غيبة، وهذا إهانة للقرآن الكريم، وربما يقال: إنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً، ثم إن السلف وهم أشد منا حرصاً على التنبيه والتذكير لم يكونوا يفعلون هذا. ثم إن المسألة الآن تطورت فصاروا يكتبون هذه اللوحات وهذه الأوراق بكتابات كأنها نقوش، وكأنها زخارف، حتى ربما يكتبون الآية {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ:13] على صورة محراب، يكتبون: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1] على صورة قلم، وربما: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء:79] يكتبه على صورة طير، والجبال يكتبه على صورة جبل، والرمان يكتبه على صورة شجر الرمان، كل هذا غلط، وقد اختلف العلماء في: هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني؟ فكيف إذا كتب على هذه الأشكال والزخارف؟!! ولهذا أنا أنهى عنها، وأقول: لا تضع في مجلسك الخاص أو العام آيات معلقة، الآيات والحمد لله موجودة في المصحف، ومن أراد أن يتعظ بها فليأخذها من المصحف. أما التولة فهي شيء يعلقونه يدعون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، ويشبه ذلك ما يسمونه عندنا بالدبلة، فإن بعضهم يكتب اسم امرأته في الخاتم الذي يلبسه وتكتب هي اسم الزوج في الخاتم الذي تلبسه، ويدعون أن هذا رابطة، حتى أن بعضهم إذا كان عليه دبلة من ذهب وقيل له: دعها اخلعها، قال: (الست تزعل) . يعني بـ (الست) الزوجة، وكأنها تتشاءم لو أنه خلعها بأنه يفارقها، فالحاصل: أن التولة هي هذا الشيء الذي يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقد جاء في الحديث أنها من الشرك، فعلى الإنسان أن يتجنب من هذه الأمور، وأن يخلص لله عز وجل في توكله وعبادته. وإلى هنا ينتهي هذا المجلس، أعادنا الله وإياكم من أمثاله على خير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 87 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [88] هذا اللقاء يحتوي على موضوعين: الأول: تفسير قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. ) فالله عز وجل لم يأمر عباده بشيء يتعلق بأمور الدنيا، وإنما أمرهم أن يعبدوه سبحانه، وأن تكون عبادتهم خالصة. أما الموضوع الثاني: فهو الحج والذي ذكر فيه الشيخ بعض المسائل والأحكام التي تتعلق به. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 1 تفسير آية من سورة البينة الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثمانون من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس السادس من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) ، وأرى أن نتكلم عما يتعلق بالمناسك لقرب وقته، ولكن ذكر لي الأخ موسى أنه قد سقط تفسير آية من سورة البينة هي قوله تبارك وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] . الجزء: 88 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله) قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة:5] أي: أن الناس لم يؤمروا بشيء يتعلق بأمور الدنيا، أو بشيء يكلفهم، بل هو بشيء سهل عليهم وهو: عبادة الله عز وجل، {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] فما هي العبادة؟ العبادة تطلق على معنيين: المعنى الأول: التعبد، ويقال: هذا الرجل تعبد لله عبادة. والمعنى الثاني: المتعبد به، فيقال: الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، وهكذا. فعلى المعنى الأول: يكون معنى العبادة: تذلل العبد لربه عز وجل محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه. وعلى المعنى الثاني تكون العبادة هي: المتعبد به، يكون معناها كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، فالصلاة عبادة، والطهارة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، وبر الوالدين عبادة، وصلة الأرحام عبادة، وكل عمل يقرب إلى الله تعالى فإنه عبادة، ولكن الله تعالى ذكر أن هذا الأمر مقرون بشيئين: الأول: الإخلاص لله تعالى، أي: أن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد دنيا يصيبها، ولا امرأة يتزوجها، ولا جاهاً يشهره به عند الناس، ولا غير هذا من الأمور الدنيوية، فمن قصد سوى الله بعبادته فهو مشرك، حابط عمله، ودليل هذا قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16] وفي الحديث القدسي الصحيح (أن الله تعالى قال: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) وفي الحديث النبوي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) هذه أدلة وجوب الإخلاص للعبادة. وأما الثاني: فهو الاتباع، يعني: اتباع شريعة الله، ودليله قوله تعالى: {حُنَفَاءَ} [البينة:5] والحنيف: هو المائل عما سوى شريعة الله عز وجل، مأخوذ من الحنف وهو ميل الإصبع. فلابد من اتباع الشريعة والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، وقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فلابد في العبادة من الإخلاص والمتابعة. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) وقوله عز وجل: {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [البينة:5] هذه معطوفة على قوله: (يعبدوا) أي: ما أمروا إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ونص عليهما؛ لأنهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والصلاة أوكد من الزكاة، ولهذا كان ترك الصلاة كفراً ولم يكن البخل بالزكاة كفراً. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وذلك دين القيمة) قال تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] ذلك المشار إليه مما ذكر من عبادة الله على الوجه المذكور الإخلاص والمتابعة، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، هو دين القيمة أي: دين الملة القيمة؛ لأنها شريعة الله التي جاء بها رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. هذا هو تفسير الآية الكريمة ونرجو من الأخ موسى أن يلحقها في التفسير الذي سبق. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 5 مسائل تتعلق بالحج الجزء: 88 ¦ الصفحة: 6 منزلة الحج في الدين الإسلامي مسألة: ما منزلة الحج في الدين الإسلامي؟ الجواب منزلته أنه أحد أركان الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) . وهو فرض بإجماع المسلمين المستند على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا) . فمن تركه مع وجوبه عليه، فإن كان جاحداً لوجوبه فهو كافرٌ لجحده وجوبه، إلا إذا كان حديث عهدٍ بإسلام ولم يعرف أحكام الإسلام فهذا يعذر بجهله ويعلم، فإن أصر على الجحد بعد أن علم فهو كافر، وأما إذا تركه تهاوناً وتكاسلاً فإن القول الراجح: أنه لا يكفر؛ لأنه لا كفر بترك الأعمال إلا الصلاة فقط، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] فمن تهاون في الحج حتى مات فإنه لا يكفر على القول الراجح، وإنما قلت على القول الراجح؛ لأن بعض العلماء يقول: إنه يكفر؛ لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] أي: من كفر فلم يحج، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، لكن القول الراجح هو ما فسرت لكم: أنه لا يكفر. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 7 الزمن الذي فرض فيه الحج مسألة: متى فرض الحج؟ نقول: فرض الحج في السنة التاسعة من الهجرة، أما قبل ذلك فلم يفرض، والحكمة -والله أعلم- أن ما قبل السنة التاسعة كان البيت تحت ولاية المشركين؛ لأن مكة فتحت في السنة الثامنة من الهجرة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح هناك آخر رمضان وأول شوال ثم قاتل ثقيفاً ولم ينته من قتاله إلا في أثناء ذي القعدة، ثم فرض الحج في السنة التاسعة، هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء، وإن كان بعضهم يقول: إنه فرض في السنة السادسة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الآية أمر بالإتمام ليست بالابتداء، والكلام على الفرض ابتداءً. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 8 حكم الحج على من تمت شروط الوجوب عليه مسألة: هل يجب على الإنسان إذا تمت شروط الوجوب عليه أن يبادر بالحج، أو له أن يؤخر؟ الجواب في هذا خلاف بين العلماء: منهم من يقول: إن له أن يؤخر. والصحيح: أنه ليس له أن يؤخر، وأنه يجب أن يبادر؛ لأن جميع الواجبات تجب على المبادرة إلا بالدليل، فإن قيل: كيف يصح أن نقول: إنه على الفور، وأنه يجب المبادرة به ونقول: أنه فرض في السنة التاسعة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلنا الجواب عن ذلك: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج في السنة التاسعة؛ لأن وفود المسلمين كثرت في تلك السنة، ولهذا تسمى هذه السنة: عام الوفود، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا بقي بـ المدينة يتلقى الوفود ويعلمهم الإسلام كان خيراً من أن يذهب إلى مكة ويحج. ومن ناحية أخرى: في السنة التاسعة حج المشركون مع المسلمين قبل أن يحرم عليهم قربان المسجد الحرام، وحجوا عراة، فأذن مؤذن المسلمين وأعلم الناس: ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فاختار الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تكون حجته مع المسلمين خاصة، ليس فيها مشرك، ولا من يطوف بالبيت عريان. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 9 شروط وجوب الحج المبحث الرابع: من الذي يجب عليه الحج؟ هل كل إنسان يجب عليه الحج؟ لا. بل قيد الله ذلك بقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] فلا بد لوجوب الحج من شروط: الأول: الإسلام. والثاني: البلوغ. والثالث: العقل. والرابع: الحرية. والخامس: القدرة وهي: الاستطاعة. خمسة شروط، فمن لم تتم في حقه هذه الشروط الخمسة فإن الحج لا يجب عليه. أما شرط الإسلام: فالإسلام ضده الكفر، والكافر لا يجب عليه الحج، بل لو حج الكافر لم يقبل منه؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادات. الثاني: البلوغ، فمن هو دون البلوغ لا يجب عليه الحج، فلو فرض أن شاباً مات قبل أن يبلغ فإنه لا يُحج عنه على سبيل الوجوب؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولكن هل يجزئ أن يحج قبل أن يبلغ؟ بمعنى: هل يصح حجه قبل أن يبلغ؟ الجواب نعم. يصح حجه قبل أن يبلغ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجره) فيصح حج الصغير، ولكنه لا يجزئ عنه، إذا بلغ وجب عليه أن يعيد الحج، بل وجب عليه أن يؤدي الفريضة. فإن قال قائل: هل تشيرون على الناس في هذه الأوقات أن يحرم صغارهم بالحج أو بالعمرة، أم تشيرون بعدم ذلك؟ فالجواب: أننا نشير بعدم ذلك، وألا يكلفوا صبيانهم الحج؛ لما في ذلك من الزحام الشديد الذي يكاد يهلك به البالغ والكبير، ولأنه يشغل أهله، فالإنسان إذا ذهب -مثلاً- للطواف في الموسم في هذا الزحام فإنه لا يدري أيشتغل بحفظ ولده، أو يشتغل بطوافه، فيؤدي إلى الإخلال بالطواف، لكن لو بقي الولد بالخيمة أو في المقر لكان الأب يؤدي طوافه بطمأنينة، والابن لا يتكلف، وما دامت المسألة ليست واجبة فلنأخذ برخصة الله عز وجل، فهذا هو الذي نشير به في هذه الأزمان للمشقة الشديدة على الصبي وعلى ولي الصبي. الشرط الثالث: العقل. فمن ليس بعاقل لا يصح حجه، فلو أصيب الإنسان في عقله بحادث طرأ عليه، أو بجنون -نسأل الله العافية- أو بكبر وصل إلى حد الهذرات فإنه لا يصح حجه؛ لأنه ليس بعاقل. والشرط الرابع: الحرية. هي ألا يكون الإنسان رقيقاً أي: مملوكاً؛ لأن المملوك لا يستطيع أن يحج إذ هو مملوك لسيده، لكن لو حج الرقيق فهل يصح؟ الجواب: نعم. يصح حجه، ويكتب له أجر، لكن إذا أعتق وجب عليه أن يؤدي الفريضة؛ لأن حجه قبل أن يتحرر لا يجزئ عن الفرض، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة؛ لأن عدم وجوب الحج على الرقيق ليس بمعنى فيه ولكن لحق سيده، فإذا أذن سيده بذلك فلا بأس، ونظير هذا الفقير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج أجزأه عن الفريضة، وهذا القول هو الراجح، أي: أن الرقيق إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة ما دام عاقلاً. الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن. فمن ليس عنده مال فلا حج عليه، كما أن الفقير الذي لا مال له ليس عليه زكاة، فالفقير الذي لا يستطيع الحج ليس عليه حج، ولو مات للقي الله عز وجل غير آثم؛ لأنه لا يستطيع، وأما العاجز بالبدن الذي لا يستطيع ببدنه فينظر إن كان عجزه طارئاً يرجى زواله قلنا: انتظر حتى يعافيك الله وتحج بنفسك، وإن كان عجزه دائماً كالمريض بالمرض الذي لا يرجى برؤه، أو الكبير الذي لا يستطيع فهذا يجب عليه أن ينيب من يحج عنه ويعتمر عنه. ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فلا حج عليها، فلو أنها ماتت وعندها أموال كثيرة ولم تحج لعدم وجود المحرم فإنها تلقى الله تعالى غير آثمة؛ لأن هذه المرأة لا تستطيع من الناحية الشرعية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بدون محرم، أعلن ذلك في خطبة له في المدينة، فقام رجل فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يدع الغزوة وأن يذهب ويحج مع امرأته، وهذا دليل على أنه لا يمكن أن تحج المرأة بلا محرم، وما نراه اليوم من تهاون الناس في هذا فهو من الأمور التي نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يصيبنا ببلاء بسببها، فإنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تسافر المرأة بلا محرم وسأله هذا الرجل: أنه اكتتب في الغزوة، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع الغزوة ويذهب ويحج مع امرأته. وهذا دليل على تأكد المحرم، ولا سيما في أزماننا هذه حيث غلبت الشهوات على النفوس إلا من عصم الله. الأول: الإسلام. الثاني: البلوغ. والثالث: العقل. والرابع: الحرية. والخامس: الاستطاعة. فمتى تمت هذه الشروط وجب على الإنسان أن يذهب إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له، فقد يكون عاجزاً بعد القدرة، وقد يكون فقيراً بعد الغنى، وقد يموت، وقد وجب عليه الحج، ثم يفرط الورثة في قضائه عنه، فالواجب على الإنسان إذا تمت شروط الوجوب في حقه أن يبادر. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 88 ¦ الصفحة: 11 حكم صلاة من ابتلي بخروج الريح أو غيره باستمرار السؤال فضيلة الشيخ! بارك الله فيك، رجل قد ابتلي بخروج الريح باستمرار حتى في أثناء الصلاة، فماذا يفعل في الصلاة: هل تجزئه، أم يقطعها؟ وما الحكم لو صلى جالساً، أو في بيته بارك الله فيكم؟ الجواب الحمد لله رب العالمين. إذا أصيب الإنسان بحدث دائم من بول أو غائط أو ريح فإن الله سبحانه وتعالى لم يجعل علينا في الدين من حرج، يقال له: خروج هذا الحدث الدائم لا ينقض الوضوء، ولكن عليك أن تتوضأ بعد دخول الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فإذا توضأ الإنسان بعد دخول الوقت وذهب وصلى مع الجماعة وخرج منه الريح فلا حرج عليه، وصلاته صحيحة. ولكنك سألت: أيصلي قاعداً أم قائماً؟ فهل هو إذا صلى قاعداً انحبست الريح؟ إن كان الأمر كذلك فليصل قاعداً، وإن كانت لا تنحبس فلا فائدة من القعود. ولكن يبقى في مسألة الريح إشكال: وهو أنه ربما يؤذي المصلين برائحته، فإذا ثبت هذا قلنا له: صل في بيتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أن يقرب المسجد، وأخبر عليه الصلاة والسلام: (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) . الجزء: 88 ¦ الصفحة: 12 حكم الحج بالمال الحرام السؤال فضيلة الشيخ! من المعلوم أن الله لا يقبل إلا طيباً، بعض الناس يحج بالمال الحرام، هل حجه مقبول؟ الشيخ: كيف هذا؟ السائل نفسه: يعني: يأكل الربا ويسرق ويحج بالمال الحرام؟ الشيخ: القول الراجح: أن حجه صحيح؛ لأنه ليس من شرط الحج المال، فيستطيع الإنسان أن يحج ببدنه، بخلاف الصدقة إذا تصدق بالمال الحرام لا تقبل منه؛ لأن الحرام وقع في عين العبادة، أما هذه فأعمال الإنسان وحركاته وطوافه وسعيه ووقوفه ورميه هذه أفعال ما هي دراهم ولا نفقة، فالصحيح: أن حجه صحيح، ولكنه لا يحل له أن يستهلك الأموال المحرمة لا في العبادة ولا غيرها، والواجب عليه أن يتخلص منها. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 13 حكم رص الأرجل في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الذي يرص رجليه في الصلاة؟ الجواب إذا قام الإنسان في الصلاة فإنه يفتح قدميه لكن فتحاً عادياً ليس كما يفعل بعض الناس، هذا ليس بسنة، وما ورد عن الصحابة: أن الواحد منهم يلصق كعبه بكعب صاحبه، فإنه يعني بذلك: أنهم يتراصون، حتى يلصق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب، ولم يقل الصحابة: أنهم يفتحون أرجلهم ويفرقونها، بل تبقى الرجل طبيعية لكن يتراص الناس حتى تلتصق أكعبهم بعضها ببعض، وكذلك المناكب، هذا في حال القيام. أما في حال السجود فالأفضل أن يلصق إحدى الرجلين بالأخرى؛ لأن هذا هو كان سجود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 14 معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم) ومدى صحته السؤال فضيلة الشيخ! ما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم) وهل هذا الأثر صحيح؟ الجواب هذا الظاهر أنه يصح موقوفاً ولا يصح مرفوعاً، ومعناه: أن الناس إذا اختلفوا في شيء فإن السواد الأعظم يعني: الأكثر أقرب إلى الصواب، ولا يعني ذلك: أن القول الأكثر هو الصواب على كل حال، بل هو أقرب، وقد يكون الصواب مع الأقل، ولهذا يتبين من هذا الحديث فيه شيء من النظر حتى من جهة المعنى. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 15 طهارة قيء الطفل السؤال قيء الطفل إذا أصاب الثوب هل هو طاهر أم نجس؟ الجواب لا. الصحيح أنه طاهر، قيء الصبي على الثوب الصحيح أنه طاهر؛ وذلك لأنه ليس فيه دليل على نجاسته، والأصل في الأشياء الطهارة والحل حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك، فإذا تقيء الصبي على ثوب أمه لا يلزمها أن تغسله، لكن إن غسلته فهو أفضل احتياطاً. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 16 حكم من مات قبل أن يحرم السؤال فضيلة الشيخ! من جاء من بلده طلباً للحج ثم تحطمت الطائرة هل يعتبر حاجاً؟ الجواب يعني: هلك قبل أن يحرم، إذا هلك من سافر إلى الحج قبل أن يحرم فليس بحاج، لكن الله عز وجل يثيبه على أمره، أما إذا أحرم وهلك فهو حاج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقفٌ بـ عرفة قال: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يأمرهم بقضاء حجه، وهذا يدل على أنه يكون حاجاً. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 17 حكم الكتابة على المصحف السؤال فضيلة الشيخ! ظاهرة تظهر عند طلاب المدارس وعند طلاب جماعات تحفيظ القرآن، وهي الاستهانة في القرآن الكريم والكتابة عليه وكتابة أشياء لا تليق في هذا الكتاب العزيز، ما هي النصيحة للمسئولين عن هذه المدارس؟ الجواب الواجب على المسلمين أن يعظموا كلام الله عز وجل وأن يحترموه، ولهذا وجب على من أراد أن يمس القرآن أن يتوضأ تكريماً لهذا القرآن وتعظيماً له، ولا يجوز أن يكتب على القرآن عبارات لا تليق، بل حتى العبارات التي تليق مثل أن تكون تفسيراً لكلمة أو ما أشبهها الأفضل ألا تكتب على القرآن حتى لا يختلط في القرآن غيره. وإذا وقع هذا على الطلبة فواجب المسئولين على الطلبة من المراقبين والأساتذة أن يعاقبوا من فعل هذا بما يرونه رادعاً لهم ولأمثالهم. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 18 حكم الدفاع عن المسلم إذا أراد أحد قتله السؤال فضيلة الشيخ! أي شخص يعتدي على أحد المسلمين ولم أستطع دفعه إلا باستخدام السلاح، هل يجوز لي هذا، أو لا يجوز؟ الجواب إذا كان هذا الذي يريد أن يعتدي على المسلم يريد قتله فالواجب عليك أن تدافعه ولو أدى إلى قتله، لوجوب إنقاذ النفس، وأما إذا كان دون ذلك فلا يجوز أن تقتله. السائل نفسه: بدون قتل يا شيخ. الشيخ: كيف؟ السائل نفسه: ادفعه مثلاً أو أشير إليه. الشيخ: لا مانع، إذا دافعته بما لا يقتله يعني: ولو لم يندفع إلا بذلك فادفعه؛ لأن الواجب على المسلم أن ينصر أخاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) . الجزء: 88 ¦ الصفحة: 19 حكم من دعا لنفسه في الحج وقد نوى به لغيره السؤال شخص حج عن غيره ولكنه ظل يدعو لنفسه في الحج دون غيره؟ الجواب لا حرج في هذا، يعني: لو أن الإنسان حج عن غيره ولكنه عند الميقات قال: لبيك عن فلان، ونوى أن هذا النسك لفلان، وكان في طوافه وسعيه ووقوفه بـ عرفة يدعو لنفسه فحجه صحيح؛ لأن الدعاء ليس شرطاً في صحة الحج، ولكننا نرى أن الأولى: أن يدعو لنفسه ولأخيه؛ لأن أخاه هو الذي تكفل بمؤونة الحج فلا يحرمه من الدعاء، وأما النسك فقد تم بدون دعاء. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 20 حكم من وجد مالاً لا يعرف صاحبه السؤال شخص وجد مبلغاً من المال في مكينة الصرافة، فلا يعلم أن يذهب بها؟ الشيخ: لكن موضوع من الخارج أم في جوف المكينة؟ السائل: شخص صرف ونسي النقود في المكينة. الشيخ: لكن من خارج أم في جوف المكينة؟ السائل: لا. من خارج. الشيخ: الأحسن أنك تروح به للبنك. السائل: لا. هو من شخص صرف وأنا رأيت الشخص صرف وبقي له مال، بحثت عنه فما وجدته، وضع بطاقة وأخرجت له نقوداً ونسي منها. الشيخ: البطاقة هذه تجدها مكتوبة في الرصيد. السائل: لكن من يعرف الرصيد؟ الشيخ: مكينة الصرافة هذه لمن؟ باسم من؟ السائل: الراجحي. الشيخ: إذاً اذهب للراجحي وقل له في اليوم الفلاني صرف إنسان ونسي هذه الدراهم، انظر ما يمكن أن يخرج من عند الصراف إلا مقيداً عنده، فمثلاً: إذا كان مقيداً عنده مثلاً عشرة، يسألونه: أنت يا فلان أخذت مائة هل فقدت منها شيئاً؟ ويعلمون بهذا. السائل: إذا لم أجد الشخص؟ الشيخ: على كل حال أنت اذهب إليهم وأخبراهم بالواقع، إذا لم تحصل على نتيجة فانتظر لك كم يوم لعله يجيء، وإذا يئست منه تصدق بها عليه. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 21 حكم تقليد الطالب لشيخه السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لبعض طلبة العلم يتبع شيخه في جميع أقواله، فإن كان موافقاً للدليل أخذه، وإن كان غير موافق أو شيخه تنازل عن هذا القول تركه معه -يتبعه في جميع أقواله- يعني: الراجح يأخذ الراجح من شيخه وإن لم يكن مجتهداً؟ الجواب يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] والطالب إلى الآن لم يصل إلى حد العلم، ففرضه أن يقلد، ومعلوم أن الطالب يقلد شيخه، إذ لو لم يقلد شيخه ما انتفع به، لولا أن الطالب يعتقد أن شيخه محل ثقة في علمه وأمانته ما انتفع به، ولا حرج عليه في هذا، حتى إذا كبر واتسع علمه وأمكنه أن يجتهد في نفسه صار يختار ما يختار. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 22 حكم منع الكفلاء مكفوليهم من السفر لأداء فريضة الحج السؤال فضيلة الشيخ! بعض الكفلاء يمنعون مكفوليهم من السفر لأداء فريضة الحج، فهل يأثمون بذلك؟ وما توجيهكم لهؤلاء الكفلاء؟ وأعقب تعقيباً خفيفاً على سؤال الطفل: ذكرتم بأن قيء الطفل طاهر، هل هناك قيد إذا كان يأكل الطعام أو لا يأكل الطعام؟ الجواب ليس هناك قيد، القيء على الصغير والكبير لا دليل على نجاسته. بالنسبة للكفلاء الذين يمنعون مكفوليهم من الحج الفريضة، إن كان مشروطاً عليهم في العقد أن يمكنوا العامل من الفريضة وجب عليهم أن يأذنوا له، وإن لم يكن مشروطاً فلهم الحق في هذا؛ لأن الأجير لا يملك أن يذهب عمن استأجره أو غيره، ثم نقول لهذا الرجل المكفول: إنه ليس عليك حرج في هذه الحالة؛ لأنك لا تستطيع. لكنني أنصح إخواننا الكفلاء: أن يحسنوا إلى هؤلاء المكفولين بأن يمكنوهم من الحج، وربما يكون هذا سبباً في بركة إنتاجهم؛ لأن هؤلاء العمال ربما لا يحصل لهم المجيء إلى هذه البلاد مرة أخرى، فنصيحتي: أن يحسن هؤلاء الكفلاء إلى مكفوليهم، ثم أبشرهم أنهم إذا أعانوا هذا على الحج صاروا مثل من حج في الأجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً فقد غزا) وكذلك من جهز حاجاً فإن له مثل أجره. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 23 حكم التوكيل في الحج عن المستطيع السؤال شخص أوصى شخصاً بأن يحج عنه وهو قادر، فهل يجوز ذلك؟ الشيخ: فريضة أو نافلة؟ السائل: فريضة. الشيخ: إذا وكل شخص شخصاً آخر أن يحج عنه وهي فريضة والموكل قادر، فإنه لا يصح، ولا يجزئه عن فريضة الإسلام، والواجب على من كان قادراً أن يحج بنفسه، ومن كان عاجزاً فإن كان عجزه لا يرجى زواله كالكبير والمريض بمرض لا يرجى برؤه فحينئذ يوكل، وإن كان عجزاً طارئاً كمرضٍ طارئ فإنه ينتظر حتى يزول هذا المرض ويؤدي الحج بنفسه. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 24 حكم التوكيل في الرمي لغير المستطيع السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز للمرأة أن توكل من يرمي عنها في الجمرات خشية الزحام الشديد؟ الجواب إذا كانت المرأة أو الرجل لا يستطيع أن يرمي مع الزحام، ولا يتمكن أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة، فله أن يوكل، وأما إذا كان يمكنه أن يؤخر الرمي إلى وقت السعة مثل: أن يؤخر رمي النهار إلى الليل، أو يقدم رمي يوم العيد في آخر ليلة العيد، فإنه لا يجوز أن يوكل، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] والرمي من أعمال الحج، فلا بد أن يقوم به الإنسان نفسه ولا يوكل أحداً. وعلى هذا: فالمرأة والرجل سواءً في هذا، من قدر أن يرمي ولو في وقت آخر فإنه لا يجوز أن يوكل، ومن لا يستطيع فله أن يوكل. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 25 حكم طواف الوداع في العمرة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم طواف الوداع في العمرة؟ الجواب الصحيح أن طواف الوداع في العمرة واجب كما هو في الحديث، لكن إن طاف وسعى ومشى، فهذا لا وداع عليه اكتفاءً بالطواف الأول. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 26 حكم التوكيل في ذبح الأضحية السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للأضاحي بعض الجهات كهيئة الإغاثة وغيرها، تقول: لدينا مثل القسائم تدفع مبلغاً من المال ونحن نؤدي الأضحية في أي جهة من دول العالم الفقيرة، فهل تنصح بذلك، أم لا؟ الجواب أنا أنصح بعدم ذلك، وأقول: إن هذا من الخطأ أن الإنسان يوكل أحداً يضحي عنه؛ لأن هذا فيه عدة محاظير: المحظور الأول: أن شعيرة النسك في هذا البلد لا تتم إذا أعطينا دراهم يضحى بها في مكان آخر. وثانياً: أن المقصود بالأضحية التعبد لله بذبحها، وهذا -أيضاً- يفوت إذا ذبحت بمكان آخر، فهو لا يباشر الذبح ولا يحضره. ثالثاً: أن فيها تركاً لما أمر الله به من الأكل منها، فقد قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ومعلوم أنها إذا ذبحت في محل آخر فلا يستطيع الأكل منها. الرابع: أننا لا ندري من الذي يتولى الذبح، قد يتولى الذبح من لا يحسن الذبح، أو من ليس من أهل الذبح، أو من يتهاون في الذبح بترك التسمية -مثلاً- أو ما أشبه ذلك. الوجه الخامس: أننا لا ندري -أيضاً- هل تذبح في وقتها، أو قبل الوقت، أو يتهاونون في تأخير الذبح. فيحصل في ذلك هذه المحاذير وربما يحصل غيرها أيضاً. فالذي أنصح به إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، أي: ألا يعطوا هيئة الإغاثة ولا غيرها شيئاً يشترون به ضحايا في محلات أخرى ويذبحونها. فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بالهدي من المدينة إلى مكة؟ الجواب: بلى. لكن الهدي خاص بـ مكة لا يمكن ذبحه في المدينة وهو هدي يهدى إلى الكعبة، فليس مثل الذي يبعث بدراهمه إلى البوسنة والهرسك والجهات الأخرى ليُضحى بها عنه. فأنصح إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، وأنصح طلبة العلم -أيضاً- أن يبينوا للعوام؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أن الأضاحي ليس المقصود منها إلا اللحم، وهذا خطأ، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج:37] . السائل: هل له أن يتصدق يا شيخ! بعد أن يكمل الأضحية يعني: بعد أن يؤدي الأضحية يتصدق بمائة ريال، بمائة وخمسين، بمائتي ريال؟ الشيخ: هذا ليس فيه شيء، يعني: إذا كان يريد أن ينفع الجهة هذه يعطيهم دراهم ويجعل الأضحية عنده في بلده. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 27 حكم تغطية الوجه والكفين للمرأة السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يأخذ بالاختلافات في الحجاب ويستشهد بالأحاديث الضعيفة ويرجع إلى التفاسير بالرأي مثل: تفسير الجلالين للسيوطي، وهل هذا الرد كافٍ له وجزاكم الله خيراً؟ الجواب جوابنا على هذا: أن نعلم أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في وجوب تغطية الوجه والكفين، ولكن القول الراجح الذي تؤيده الأدلة والنظر: وجوب تغطية الوجه، ومن أراد الاستفادة من ذلك فليرجع إلى ما كتبه العلماء في هذا الموضوع، ومن أكثرها وأوسعها كتاب: عودة إلى الحجاب، فإنه توسع فيه وبين فيه ما فيه الحق، ويكفي الإنسان البصير أن يعلم ما يترتب على كشف الوجه في وقتنا الحاضر من الشر والبلاء، فالإيمان ضعيف والشهوة قوية؛ لأن الشباب عندهم صحة وفراغ فيحصل بذلك شر كبير. وأما من رأى الجواز واستدل بالأحاديث الضعيفة أو بالعلل العليلة فحسابه على الله عز وجل. لكني رأيت كلاماً لبعض العلماء قال: إن الحجاب في هذا العصر واجب بالاتفاق؛ لأن الذين قالوا بعدم وجوبه استثنوا ما إذا خيفت الفتنة بكشف الوجوه والأكف، قال: وفي هذا العصر لا يمكن أن تؤمن الفتنة، اللهم إلا أن يكون الكشف من امرأة يجوز لها الكشف بنص القرآن مثل: القواعد اللاتي لا يرجين نكاحاً، فيقول: إن تعليل العلماء رحمهم الله بل اتفاقهم على أنه إذا كانت الفتنة فلا بد من تغطية الوجه يقتضي أن المرأة في هذه العصور يجب عليها أن تستر وجهها. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 28 حكم تقسيم الأضاحي إلى قسمين: للفقراء وللحجاج السؤال في بعض المخيمات في الحج تجمع من الحجاج الأموال لكي تذبح عنهم دم التمتع والقران، فمثلاً: لو أخذت مائة قيمة عن مائة حاج مثلاً للذبح وتذهب وتذبح المائة وتوزع حوالي خمسين من الشياه توزيعاً كاملاً، يعني: دون أن يكون هناك منه أكل، والباقي تذهب به إلى المخيم الخمسين وتذبح ويأكلونها هناك، فما ندري ما الحكم من هذا؟ الجواب هذا غلط، ولا يحل لهم هذا الفعل؛ لأن الخمسين التي أتوا بها للمخيم لن يؤدوا ما يجب فيها من الإطعام؛ إطعام الفقير، وهذه نقطة ينبغي أن ينبه لها؛ لأن الأمر كما ذكرت، يقول: نحن الآن نتصدق بخمسين أفضل، ونذبح خمسين كاملة إلى المخيم لتأكل، لكن يقال: الواجب خذوا ولو يدان أو رجلان فتصدقوا بها واذهبوا بالباقي إلى رحالكم، وأما أن يتصدق بنصفها كاملاً والنصف الآخر لا يتصدق بشيء منه، فهذا لا يجوز، فيجب تنبيه الحملات على هذا. السائل نفسه: يا شيخ! هناك كفارة لمن فعل بهذا؟ الجواب: لا. إلا أنه على كلام الفقهاء رحمهم الله يقولون: يضمن أقل ما يقع عليه اللحم لكل شاة، يعني: يشتري خمسين كيلو ويتصدق بها على الفقراء هناك في مكة من جنس الغنم إذا كانت غنمه. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 29 الحدث الأصغر يرتفع بنية ارتفاع الحدث الأكبر السؤال الاغتسال ثلاثة: غسل واجب، وغسل سنة، وغسل مستحب، هل الحدث الأصغر يرتفع بارتفاع الحدث الأكبر، أو تجب النية؟ الجواب الصحيح أن الحدث الأصغر يرتفع بنية ارتفاع الحدث الأكبر، يعني: لو كان عليه جنابة ونوى الاغتسال من الجنابة ارتفع حدثه الأصغر؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] لكن لا بد أن يتمضمض ويستنشق؛ لأنه داخل فيما يجب غسله وهو الوجه. ولكنك أنت ذكرت السؤال غسل مسنون وغسل مستحب، أو قلت: الغسل عن الحدث وغسل واجب وغسل مستحب؟ السائل نفسه: سنة ومستحب؟ الشيخ: وما الفرق بين السنة والمستحب؟ السائل: السنة غسل الجمعة وغسل المستحب غسل للنظافة والتبرد. الشيخ: لا. التبرد والنظافة ليس بمستحب وليس بسنة الغسل فيه، لكن عموماً نحن نراه مستحب بلا شك، أما غسل الجمعة فالراجح أنه واجب، وأنه لا يجوز للإنسان أن يدعه إلا لعذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) . فالغسل إذاً ثلاثة أقسام: واجب عن حدث، وواجب للجمعة، وسنة، فالواجب عن الحدث معروف الذي يكون بالجنابة أو بالحيض أو بالنفاس، والواجب للجمعة -أيضاً- واجب على من أتى الجمعة أن يغتسل، وأما المسنون فهو إذا أغمي على الإنسان وأفاق فإن من السنة أن يغتسل، وكذلك غسل الجمعة على رأي أكثر أهل العلم أنه سنة وليس بواجب. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 30 حكم تعدد الجماعات الإسلامية السؤال ما رأيكم في تعدد الجماعات الإسلامية؟ الجواب والله تكلمنا على هذا كثيراً، وبينا أن هذا مما ابتلي به شباب الصحوة، هذا التفرق الذي حصل به تفرق القلوب، ولو كانت المسألة تفرق منهج أو رأي من الآراء التي يسوغ القول فيها لكان أهون، لكن من البلاء أن هذه الجماعات صار بعضها يضلل بعضاً ويبدع بعضاً وربما يكفر بعضاً، يعني: بدلاً من أن يأتينا البلاء من أهل الفسق والإلحاد صار البلاء يأتي من بعضنا البعض، وهذه محنة. وأرى أنه يجب على الجماعات أن تتفق على كلمة سواء على دين الله عز وجل، وأن يجتمعوا ويدرسوا ما هم عليه من المنهج والعقيدة، وإذا كانوا صادقين في قصد الحق رجعوا إلى الحق، ولا أوافق على هذا التفرق بل أرى أنه منكر وأنه مما نهى الله عنه، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] ولا شك أن كل جماعة لها محاسنها ولها مساوئها، وإذا اجتمعنا جميعاً ونظرنا المساوئ والمحاسن واتفقنا على المحاسن وتركنا المساوئ فحصل الخير، لكن كون كل أحد منا يتكلم في الآخر من وراء الجدر ويغتابه ويقدح فيه فهذا هو البلاء. السائل: الاجتماع على الكتاب والسنة؟ الشيخ: الكتاب والسنة بعد البحث والمناظرة في شأن المخالف؛ لأن أحدهما يقول: أنا على الكتاب والسنة، فيقال: تفضل إذا كنا على الكتاب والسنة يجب أن يكون العمل واحد كما كان الهدف واحد. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 31 حكم من تحلل التحلل الأول ولم يعد إلى الإحرام ثانية السؤال من تحلل التحلل الأول يوم النحر ولم يطف قبل غروب الشمس هل يلزمه العودة إلى الإحرام؟ الجواب لا، الصحيح أنه لا يلزمه العودة، والحديث الوارد في هذا ضعيف شاذ وإن كان سنده لا بأس به لكنه مخالف لأحاديث كثيرة صحيحة، ثم ترك الأمة العمل به يدل على أنه ضعيف وليس بحجة، ثم إن كثيراً من الناس اليوم يتمنى أن يطوف يوم العيد لكنه لا يحصل له ذلك يخشى على نفسه من الهلاك والموت فيؤخر الطواف للضرورة، فعلى تقدير أن الحديث صحيح: فمن أخر الطواف عن يوم العيد خوفاً على نفسه فليس عليه شيء، بمعنى: أنه يحلل التحلل الأول ولا يعود إلى الإحرام ثانية. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 32 حكم القصر والجمع في السفر السؤال يا شيخنا! حفظك الله هل من السنة القصر والجمع في السفر التقديم أو التأخير؟ الجواب أما القصر فهو سنة مؤكدة، بل قال بعض العلماء بوجوبه، وأما الجمع فهو سنة إن احتاج إليه، بأن كان قد جد به السير فنقول: السنة أن تجمع، وافعل الأيسر لك، إن أردت أن تنطلق بعد زوال الشمس وتستمر في السير فاجمع العصر إلى الظهر، وإن مر بك الزوال وأنت جاد في السير ولا تنزل إلا بعد العصر فاجمع الظهر إلى العصر، يعني: افعل الأيسر لك، أما إذا كنت نازلاً في مكان فالأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس. فصار الجمع فيه تفصيل: إن كنت جاداً في السير فاجمع، فهذا هو السنة، وإن كنت نازلاً فالأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس، أما القصر فإنه سنة مؤكدة من حين أن تخرج من بيتك إلى أن ترجع إليه. السائل نفسه: يجمع داخل البلد -يا شيخ- وهو يسمع الأذان؟ الجواب: لا. الذي داخل البلد لا بد أن يصلي مع الجماعة، وإذا صلى مع الجماعة سيتم ويصلي كل صلاة بوقتها. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 33 ضابط الإسراف السؤال نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً؟ الجواب هذا صحيح، الإسراف أمر نسبي، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل، فمثلاً: هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا: إنه لا إسراف فيه، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا: فيه إسراف، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه: قد يكون الإنسان فقيراً، يعني: من الناس من تكفيه المائدة القليلة، وآخر لا يكفيه، ثم إنه -أيضاً- تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً. فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه. وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى. الجزء: 88 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [89] في هذا اللقاء تجد عرضاً للأنساك التي يفعلها الحاج والمعتمر، بالإضافة إلى المواقيت المكانية، ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 1 الأنساك التي يفعلها الحاج والمعتمر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثمانون من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثالث عشر من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) . في اللقاء الماضي تكلمنا عن الحج بمناسبة قرب أيام الحج، وذكرنا عدة مباحث تتعلق به، وها نحن نكمل الشوط إن شاء الله في اللقاءات القادمة وفي هذا اللقاء، وقد سبق في المباحث السابقة خمسة أشياء، أما هذا اللقاء فسنتكلم فيه عن الأنساك التي يفعلها من أراد الحج أو العمرة. إذا سافر الإنسان إلى الحج بعد دخول أشهر الحج فلديه ثلاثة أنساك: النسك الأول: التمتع. الثاني: القران. الثالث: الإفراد. أما التمتع: فهو أن يحرم بعمرة مستقلة من الميقات، ثم إذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر وبقي محلاً إلى يوم الثامن من ذي الحجة، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن. وسمي تمتعاً؛ لأن الإنسان يتمتع فيه بين العمرة والحج بما أحل الله له، إذ أنكم ستعلمون إن شاء الله محظورات الإحرام، فالمتمتع تحل له هذه المحظورات بحله من العمرة. أما القران فله صورتان: الصورة الأولى: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً من الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد. والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه. لكن هذه الصورة لا ينبغي للإنسان أن يفعلها إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثل: أن تحيض المرأة في أثناء العمرة وتخشى ألا تطهر قبل يوم التروية، أو قبل يوم عرفة، فحينئذٍ نقول: تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة، وكذلك لو أن الإنسان قدم مكة متأخراً وخاف أن لا يتمكن من العمرة، قبل الحج وقد أحرم بالعمرة فحينئذٍ نقول: أدخل الحج على العمرة. النوع الثالث من أنواع النسك: الإفراد، وهو أن يحرم بالحج مفرداً من الميقات، فيقول: لبيك اللهم حجاً. وهذه الأنساك يخير فيها الإنسان، ولكن الأفضل التمتع؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه يتمتع به فيما بين العمرة إلى الحج فيما أحل الله له فيكون له شيء من الحرية، ولأنه يؤدي العمرة كاملة بأفعالها والحج كاملاً بأفعاله، فهذه ثلاثة مرجحات. أما القران فهو الذي يلي التمتع، لأن القران يحصل للناسك فيه عمرة وحج، لكنه يختلف عن التمتع بأنه لا حل فيه، يعني: لا يحل فيما بين العمرة والحج، بل يبقى على إحرامه من الميقات إلى يوم العيد، ويرجحه على الإفراد، يعني: هو أفضل من الإفراد لوجوه: الأول: أنه يحصل له عمرة وحج، والإفراد لا يحصل له إلا حج. الثاني: أنه فيه الهدي كالتمتع، والإفراد ليس فيه هدي إلا على سبيل التطوع، فهذا الباب مفتوح. وعليه فنقول الترتيب: أولاً: التمتع. ثانياً: القران. ثالثاً: الإفراد. إلا أنه إذا ساق الهدي معه فالقران أفضل من التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي، وقال: (لولا أني سقت الهدي لأحللت معكم) فالقران أفضل لمن ساق الهدي، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه هي الأنساك الثلاثة التي يخير الإنسان فيها إذا أراد أن يحج أو يعتمر، فيقال له: أمامك ثلاثة أشياء اختر ما شئت، ولكن الأفضل: التمتع، ثم القران، ثم الإفراد. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 2 المواقيت المكانية المبحث الثاني: الميقات، المواقيت خمسة: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق. هذه خمسة، أربعة منها وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما، وهي: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وأما ذات عرق فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها، لكن ذلك لم يثبت في الصحيحين بل هو في السنن، إلا أنه ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها، وعليه فلمن تكون هذه المواقيت؟ أما ذو الحليفة وهي: التي تسمى الآن أبيار علي، فهي لأهل المدينة ولمن مر بها من غير أهل المدينة. وأما الجحفة والناس صاروا يحرمون من رابغ؛ لأن الجحفة كانت قرية فخربت، فيحرمون من رابغ، فهذه لأهل الشام ولمن مر بها من غير أهل الشام. وأما قرن المنازل ويسمى السيف: فهو لأهل نجد والطائف، ومن مر به من غير أهل نجد والطائف. وأما يلملم ويسمى السعدية الآن: فهو لأهل اليمن ولمن مر به من غير أهل اليمن. وأما ذات عرق وتسمى الضريبة: فهي لأهل العراق ولمن مر بها من غير أهل العراق. هذه المواقيت وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يعلم كثير منا أنها تختلف بالقرب والبعد من مكة، فبعضها يصل إلى ثمان مراحل -أي: ثمانية أيام- وبعضها إلى يومين، وهذا الاختلاف توقيفي ليس لنا أن نقول: لماذا هذا بعيد عن مكة وهذا قريب؛ لأن هذا مما لا مجال للرأي فيه. ومن مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه أن يحرم منها، ولا يحل له أن يتأخر، ودليل هذا: ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وهذا خبر بمعنى الأمر، فيكون واجباً على كل من مر بهذه المواقيت وهو يريد حجاً أو عمرة أن يحرم منها. فإن مر بها وهو لا يريد حجاً ولا عمرة وإنما يريد مكة لزيارة قريب أو عيادة مريض أو تجارة أو علم أو غير ذلك فهو بالخيار، إذا كان قد أدى الفريضة إن شاء أحرم وإن شاء لم يحرم، وسواءٌ طال غيابه أم لا، وأما ما اشتهر عند العوام إذا كان قد طال غيابه عن مكة لمدة أربعين فأكثر فإنه لا بد أن يحرم وإلا فلا، فهذا لا أصل له، فالمدار على النية، هل هو يريد حجاً أو عمرة، فيلزمه من الميقات الذي مر به، وهل هو لا يريد ذلك فلا يلزمه، إلا أن يكون لم يؤد الفريضة. فإن قال قائل: إنه من أهل جدة وقد ذهب من طريق المدينة يريد أهله لكن عنده نية أن يحج هذا العام فهل يلزمه الإحرام؟ قلنا: لا يلزمه الإحرام، لأن هذا الرجل إنما أراد أهله، ولكنه يريد أن يحج هذا العام، فلا يلزمه أن يحرم؛ لأنه في سفره هذا لا يريد الحج، وإنما يريد أهله، فلا يلزمه الإحرام؛ لمفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ممن أراد الحج أو العمرة) . الجزء: 89 ¦ الصفحة: 3 الأسئلة الجزء: 89 ¦ الصفحة: 4 حكم تأخير الرمي إلى آخر أيام التشريق وحكم التوكيل فيه السؤال فضيلة الشيخ! رجل مر بيوم العيد فهل الأفضل أن يؤخر الرمي إلى آخر أيام التشريق، أو يوكل؟ الجواب إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوى على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للرعاة أن يرموا ويدعوا يوماً، والتوكيل في الرمي لا يجوز أن يتهاون به؛ لأن الرمي من مناسك الحج، وقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] . فلا يجوز أن يوكل الإنسان فيه لمجرد أنه مرهق، أو لمجرد الزحام، يقول: أما التعب فإن كان تعباً دائماً مثل: امرأة حامل، أو رجل كبير في السن أو عجوز كبيرة في السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز له أن يوكل، ويرميها جميعاً. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 5 بعض أحكام المولود السؤال فضيلة الشيخ! هل ورد أن من أحكام المولود حلق شعره والتصدق بوزنه، وهل ورد كذلك التأذين في أذن والإقامة في أذن الأخرى؟ الجواب أما الأول وهو حلق شعر الرأس فهذا خاص بالذكر لا بالأنثى، الأنثى لا تحلق رأسها، ويتصدق بوزنه ورقاً -أي: فضة- وهذا هو الصحيح. وأما الأذان في أذنه اليمنى حين يولد، والإقامة في الأذن اليسرى ففيها أحاديث لكن فيها نظر، والإقامة أضعف من الأذان. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 6 توضيح معنى كون الشيء جائزاً وليس بمشروع السؤال سمعت في بعض الأشرطة أنك تقول: الشيء قد يكون جائزاً وليس بمشروع. وقد أشكل عليَّ هذا، إذ أن الشيء الجائز عادة أخذ جوازه من الشارع سواءً بالنص أو استنباط أو غيره، وقد استشكلت هذا الأمر لقلة علمي، فأرجو التوضيح جزاك الله خيراً؟ الجواب هذا يظهر بالمثال: أن الشيء قد يكون جائزاً يعني: يسمح للإنسان أن يفعله لكنه ليس مشروعاً للأمة، فمثال ذلك: الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاته ويختم بـ (قل هو الله أحد) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، لكن هل هذا مشروع لنا كلما ختمنا قراءة الصلاة أن نختم بـ (قل هو الله أحد) ليس بمشروع، ولهذا لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام يفعله ولا أرشد الأمة إليه. ومثل ذلك أيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لـ سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يتصدق لأمه بمخرافه -يعني: ببستانه الذي يخرف- حين استأذنه في ذلك، ولكنه لم يقل للأمة: افعلوا هذا. السائل: إذا فعله وداوم عليه هل يعتبر بدعة؟ الشيخ: لا. لا يكون بدعة، إذا -مثلاً- قرأ شخص: (قل هو الله أحد) كلما استمر لا يكون بدعة، لأن هذا أجازه الرسول، لكنه ليس من السنة، وكونك لا تفعل أفضل. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 7 كيفية تحقيق الإخلاص السؤال فضيلة الشيخ: كيف يكسب طالب العلم الإخلاص والعمل لله عز وجل؟ الجواب الإخلاص لطالب العلم ولمن يعبد الله ولمن يعين غيره في أموره، أن الإنسان يريد بعمله هذا وجه الله والدار الآخرة، يريد أن الناس يمدحونه، أو يريد شيئاً من الدنيا، بل يريد وجه الله والدار الآخرة، والإنسان يستعين على هذا بأن يقول لنفسه: ماذا ينفعك إذا علم الناس بالعبادة، أو مدحوني، ما الذي ينفعني؟ لا ينفع إلا الله عز وجل، وكلما وجد الإنسان من نفسه رياءً فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الرياء من عمل الشيطان. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 8 حكم استخدام البطاقة الآلية بموجب الحساب السؤال فضيلة الشيخ! تقوم شركة الراجحي بصرف بطاقة الآلية بموجب الحساب، والبطاقة هذه هل يترتب فيها ربا أم لا، وما حكم استخدامها؟ الشيخ: كيف هذا؟ ما فهمت. السائل البطاقة تأخذ خمسة آلاف من رصيدك من أي بنك؟ الشيخ: ليس فيها شيء، هذه من باب التسهيل. السائل: إذا فتحت حساب في شركة الراجحي تصرف لك بطاقة، وبموجب هذه البطاقة تستطيع سحب مبلغ من مالك من أي بنك عدا الراجحي؟ الشيخ: لا بأس، وليس فيها شيء؛ لأنك ما أعطيت ربا ولا أخذت ربا، وهذا من باب التعاون بين هؤلاء البنوك، فليس فيها شيء. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 9 حكم الاستنابة في الحج مقابل عوض السؤال ما حكم نيابة الحج بالعوض في المرض، وهل تنوب المرأة عن الرجل؟ الجواب النيابة في الحج جاءت به السنة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سألته امرأة وقالت: (إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم) . والاستنابة بالحج بعوض، إن كان الإنسان قصده العوض فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: من حج ليأكل فليس له في الآخرة من خلاق. -أي: نصيبٌ- وأما من أخذ ليحج فلا بأس به، فينبغي لمن أخذ النائبة أن ينوي الاستعانة بهذا الذي أخذ على الحج، وأن ينوي أيضاً قضاء صاحبه؛ لأن الذي استنابه محتاج، ويفرح إذا وجد أحداً يقوم مقامه، فينوي بذلك أنه أحسن إليه في قضاء الحج، وتكون نيته طيبة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 10 حكم التعوذ عند التثاؤب والحمدلة عند التجشؤ السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) عند التثاؤب، و (الحمد لله) عند التجشؤ؟ الجواب لا يسن للإنسان إذا تثاءب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند التثاؤب بأن يكتم الإنسان ما استطاع، فإن لم يستطع يضع يده على فيه، ولم يرشد الأمة إلى أن يقولوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وأما قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] فالمراد بنزغ الشيطان هنا الأمر بالمعصية أو ترك الطاعة. وأما الحمد عند التجشؤ فهذا أيضاً ليس بمشروع؛ لأن الجشاء معروف أنه طبيعة بشرية، ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: إذا تجشأ أحدكم فليحمد الله. أما في العطاس فقد قال: (إذا عطس فليحمد الله) وفي الجشاء لم يقلها. نعم لو فرض أن الإنسان مريض بكونه لا يتجشأ فأحس بأنه قدر على هذا الجشاء فهنا يحمد الله؛ لأنها نعمة متجددة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 11 حكم منع صاحب العمل للعامل من إتمام الحج السؤال فضيلة الشيخ! رجل حج ووقف بـ عرفة وقال له: حجك تم ما دام أنك وقفت في عرفة لا يحتاج أن تكمل النسك، هل حجه تام، أم يقضي؟ الجواب باقي عليه الطواف والسعي إذا لم يكن قد طاف وسعى مع طواف القدوم، وبقي عليه المبيت بـ مزدلفة والمبيت في منى ورمي الجمار وطواف الوداع. السائل: هو عامل وصاحب العمل منعه من الحج عندما وقف في عرفة وقال له: حجك انتهى الآن؟ الشيخ: لكن أليس أذن له أن يحج؟ فيلزمه أن يأذن له بالبقية، ولا يجوز أن يحلله، لا يجوز أن يقول له: تحلل الآن من حجك، ولو قال ذلك: فله الحق أن يمتنع ويرفع الأمر إلى الجهة المسئولة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 12 متى يقال: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ؟ السؤال فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انتهى من الصلاة: (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) فهل يجوز للإنسان أن يجعله من أذكار الصلاة، أو يجعله من أذكار الصباح والمساء؟ الجواب لا يجعله من أذكار الصباح: (رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) ثم هذا دعاء يدعو به كل وقت، هذا من الأمور المشروعة (اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) (رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) وما أشبه ذلك. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 13 حكم الاستنابة في الحج والعمرة السؤال عفا الله عنك الاشتراط يا شيخ في الاستنابة للحج والعمرة هل يلزم أن يكون من يحج عنه ميتاً أو عاجزاً أو إنساناً مسئولاً، أو مشغولاً فيعطي شخصاً مبلغاً من المال من أجل أن يعتمر عنه ويحج؟ الجواب إذا كان هذا الحج فريضة فلا يجوز أن يستنيب القادر من يؤدي عنه، وإذا كان نافلة فقال بعض أهل العلم: إنه يجوز إذا جاز الاستنابة في الفريضة، بأن يكون عاجزاً لا يستطيع، وأما القادر فلا، وقال بعض العلماء: النفل ليس فيه استنابة، لا العاجز ولا القادر؛ لأن هذه العبادات مطلوبة من الإنسان نفسه، فإن كان قادراً فذاك المطلوب، وإن لم يكن قادراً فإما أن تسقط عنه وإما أن ينيب غيره إذا كان مما تدخل فيه النيابة، وهذا في نظري أقرب إلى الصواب، لأننا لو فتحنا الباب صار كل إنسان إذا كان غير قادر وأناب والغني إذا جاء وقت الحج نام على سريره وأعطى الناس يحجون عنه، فنحن نقول: هذه عبادة إما أن تقوم بها أنت وإلا فاتركها، وخير من ذلك إذا كان الله قد أعطاك المال أن تعين من يحتاج إلى الحج في الفريضة أو في النافلة، فهو أفضل من أن يقول: يا فلان حج عني. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 14 توضيح لمسألة عطف الخاص على العام السؤال فضيلة الشيخ! ذكرت كتاب الممتع في المقدمة مسألة: عطف العام على الخاص، وذكرت أن فيها قولين: القول الأول: أنه يدخل الخاص في العام، وهذا يكون متكرراً مرتين، والقول الثاني: أنه لا يدخل فيه، ويكون على الثاني متكرراً مرة واحدة، فيكون مستقلاً لوحده، ما معنى هذا؟ الجواب قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] الروح هو جبريل، وجبريل من الملائكة، فهل نقول: إن جبريل دخل في العموم في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} [القدر:4] إن قلنا: إنه دخل في العموم صار الحديث عنه مرتين، مرة بالعموم ومرة بالخصوص. وقال بعض الأصوليين: إنه إذا ذكر الخاص فمعناه: أن المتكلم لم يرده في العموم، وعلى هذا فلا يدخل جبريل في الملائكة في قوله: (تنزل الملائكة) وذلك لأنه خصص، فإذا قلنا: إنه داخل في العموم وأنه ذكر مرتين صار هذا من مناقبه من وجهين: أولاً: إنه دخل في العموم. والثاني: أنه خصص، وإذا قلنا: إنه لم يدخل في العموم أصلاً فهذا من مناقبه من وجه واحد وهو ذكره بالخصوص. والأقرب والله أعلم: أنه داخل في العموم، ومثل ذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] فهل تدخل الصلاة الوسطى في الصلوات؟ فيها قولان: بعض العلماء الأصوليين قال: إن قوله: (حافظوا على الصلوات) لا تدخل فيه صلاة العصر، وأنه ذكر صلاة العصر وحدها (والصلاة الوسطى) لأن العصر هي الوسطى. وقال بعضهم: بل هي داخلة في الصلوات ولكنه خصصها بعد العموم لفضلها على غيرها. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 15 حكم الحج عن الميت السؤال فضيلة الشيخ! إذا مات الإنسان ولم يحج حجة الإسلام فحج ابنه عنه وبعد حجة الإسلام لهذا الحي حج عن والده أو أمه ثلاث حجج أو أربع، فأتى من ينكر عليه ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أرشد إلى كثرة الحج للميت، فما قولكم؟ الجواب أنا أوافق هذا الذي أنكر عليه، وأقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى أن يحج عن الميت إلا في الفريضة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، والحج عن الوالدين تطوعاً لم يرد إطلاقاً، لكن مع ذلك لا نقول: إنه حرام، بل نقول: إن تركه أفضل، وينبغي لنا أن نعلم مسألة مهمة: وهي أن الدعاء للميت أفضل من التصدق له وأفضل من الحج له وأفضل من الأضحية له، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يعمل له مع أن الحديث موضوعه العمل: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يصلي له أو يصوم عنه أو يتصدق عنه أو يحج عنه أبداً، وما انهمك به بعض العامة الآن، يجعل كل شيء لوالديه: إن تصدق قال: للوالد والأم، وإن ضحى قال: للوالد والأم، وإن حج قال: للوالد والأم، هذا خطأ، نقول: أنت الآن محتاج للعمل الصالح، وقد أرشدك النبي عليه الصلاة والسلام إلى الدعاء. السائل: يا شيخ هو الآن اعتمر عمرة متمتعاً بها للحج، يعني: الآن ماذا يفعل في الوقت الحاضر، بعدما اعتمر عمرة متمتعاً بها للحج نوى بها لأمه. الشيخ: يجعل الحج لنفسه، إلا إذا كان فريضة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 16 إرشادات في قيام الليل وحفظ كتاب الله عز وجل السؤال فضيلة الشيخ! قيام الليل وحفظ كتاب الله عز وجل من الأمور العظيمة، وقد استشكل على بعض الشباب وخصوصاً الملتزمين تطبيق السنة حفظ كتاب الله وقيام الليل، فهل من نصيحة وإرشاد لمثل هؤلاء يكون عوناً لهم؟ الشيخ: أقول: كيف استشكل عليهم؟ السائل: يصعب عليهم القيام ويصعب عليهم الحفظ، فهل من نصائح وإرشادات تقدمونها لهم جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: والله يا أخي أنت تعلم أن قيام الليل من أفضل الأعمال، وأن أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وأن آخر الليل: (يتنزل فيه الرب عز وجل إلى السماء الدنيا ويقول: من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له) وأنصحهم إلى أن يتذوقوا طعم هذه الصلاة، يقوموا الليل حتى يذوقوا طعمها، ويذوقوا بذلك طعم الإيمان، وأما القرآن فلا شك أنه أفضل ما ينطق به وهو أفضل الذكر، وهو كلام الله عز وجل، وقد أثنى الله على القائمين به حيث قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:29-30] ، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة:121] فنصيحتي لهم: أن يعتنوا بالقرآن، وأن يعتنوا بالتهجد وصلاة الليل بقدر المستطاع، يعني: لو قام الإنسان قبل الفجر بنصف ساعة وتوضأ أو اغتسل من الجنابة إن كان عليه جنابة وصلى ولو ثلاث ركعات الوتر فيداوم عليها فهو خير، (وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) . الجزء: 89 ¦ الصفحة: 17 حكم نوم الشخص بمفرده السؤال هل يجوز للشخص أن ينام لوحده؟ الجواب يجوز ذلك، لكنه يكره أن ينام لوحده؛ لأنه ربما يحتاج إلى شيء ولا يجد من يساعده عليه، وربما يتوفاه الله عز وجل ولا يعلم به، كما وقع كثيراً لا يعلمون عن الشخص إلا إذا ظهرت ريحة جيفته، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا حرج. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 18 كيفية صلاة وصوم المستحاضة السؤال هذا سؤال من امرأة تقول: إنها تعاني منذ تسع سنوات -يعني منذ زواجها- من عدم انتظام الدورة الشهرية، وذلك بحيث تنزل باستمرار دون توقف، إلا بعد أخذ العلاج، وبعد العلاج بشهر أو شهرين تنتظم ثم ترجع للنزول مرة أخرى لدرجة أنه يصعب عليها تحديد أيام دورتها العادية، وهي ثمانية أيام، علماً بأن الدم المستمر لا يكون بحالة واحدة مرة يكون كثيراً ومرة يكون قليلاً، ومرة كدرة ويكون هذا الدم متداخلاً مع بعضه -أي: الكثير والقليل والكدرة- مثاله: بعد أخذ العلاج وبموعدها نزلت (20/ 8/1415هـ) في شهر شعبان واستمر نزول الدم إلى (14/10) في شهر شوال، أي: مدة أربعة وخمسين يوماً، وهذا الدم متنوع، كثيرٌ وقليل في اليوم، وكدرة، وأحياناً يكون متصلاً طوال اليوم وأحياناً بعض اليوم، وبعدها دخلت في المستشفى وعمل لها عملية تنظيف، وبعده ولله الحمد توقف الدم إلى كتابة هذه الرسالة أو هذه الكلمة، وقد قامت بعملية إنظار بوجود أكياس على المبيض، يقال: إنها هي السبب في عدم انتظام الدورة، وذلك قبل التنظيف، ولكن حتى بعد عمل هذه العملية لم تنتظم الدورة، السؤال: ما حكم صيام شهر رمضان؟ الشيخ: إلى الآن يعني؟ السائل: إلى الآن. الشيخ: هي تقول: قد عافاها الله؟ السائل: لا، لأنها استمرت وأخذت العلاج ونظفت، ومع ذلك استمرت لكن الكلام على صيام رمضان، هي صامت شهر رمضان كله، فتقول: ما حكم صيامي لشهر رمضان وذلك لأني صمته كاملاً، وكذلك الصلاة ما حكمها؟ الجواب هذه المرأة مستحاضة، والاستحاضة: هي استمرار خروج الدم من المرأة، وهذا الدم الذي هو دم الاستحاضة يخرج من عرق في أدنى الرحم، وأما دم الحيض فإنه يخرج من عرق في أقصى الرحم -قعر الرحم- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم المستحاضة بأنها ترجع إلى عادتها الأولى إن كانت معتادة، فنقول: اجلسي قدر الأيام التي كانت الحيضة تأتيك فيه في وقتها، فمثلاً: إذا كانت تحيض من أول الشهر ثمانية أيام ثم طرأت عليها الاستحاضة نقول: اجلسي من أول كل شهر ثمانية أيام، والباقي اغتسلي وصلي وصومي ولا حرج، فإذا لم يكن لها عادة أو كانت عادتها غير منتظمة مرة تكون سبعة أيام في أول الشهر وفي آخره ولا تعلم، فإنها ترجع إلى التمييز، والتمييز معناه: أن تنظر لهذا الدم، فإن كان على وتيرة واحدة فلا تمييز عندها، وإن كان يختلف أحياناً أسود ثخين منتن -يعني: ذو رائحة- وأحياناً أحمر فهنا نقول: اجلسي وقت الدم الثخين المنتن لأن هذا هو الحيض، وأما الرقيق الأحمر فهذا استحاضة. فإن قالت: ليس عندها تمييز، الدم على وتيرة واحدة، فهذه حالة ثالثة للمستحاضة، نقول: اجلسي من أول كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، هذه المرأة التي فهمنا منها الآن أنها لم تجلس فنسألها: كم عادتها قبل أن تصاب بهذا الحادث؟ قالت: عادتي ستة أيام من أول الشهر، نقول: اقضي الستة أيام من صيام رمضان، وأما الصلاة فلا شيء عليها، لأن الصلاة تركتها ظناً منها أن هذا حيض فلا شيء عليها. السائل: لكنها صلت. الشيخ: الصلاة انتهى موضوعها، وليس فيها إشكال؛ لأنها إن صلت في الوقت الذي حكمنا بأنها غير حائض فقد أدت الصلاة، وإن كان قد صلت الوقت الذي تكون فيه حائضاً فقد صلت جاهلة فلا شيء عليها. بقي عندنا الصوم نقول: اقضي عدد الأيام التي كنت تعتادينها قبل أن تصابي بهذا الحادث. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 19 حكم من نوى الحج في منى السؤال فضيلة الشيخ! إذا انتدبت في الحج من قبل عملي، فأنا مشيت مع الحملة حتى منى، وأردت أن أستأذن من عملي لأداء الحج فهل أذهب إلى الميقات لأحرم من الميقات، أو من مكاني؟ الجواب تحرم من مكانك في الحج، لأنك حينما مررت بالميقات لا تدري هل يؤذن لك أم لا، فلم تعزم على الحج، فمثلاً: إذا أذنوا لك في منى أحرم من منى، وإذا أذنوا لك في عرفة أحرم من عرفة. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 20 حكم تقدم الإمام في الصلاة راكعا ً السؤال لو كنت أصلي أنا وشخص آخر وأنا الإمام مثلاً وكنت في الركوع، وجاء شخص ثالث وقدمني وأنا في الركوع أأتقدم أم لا، وأنا في الركوع نفسه؟ الجواب نعم ليس فيه بأس، تقدم سواء في الركوع أو في القيام. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 21 حكم من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده السؤال فضيلة الشيخ! شخص أخذ عمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وهو من أهل الرياض أو من أهل نجد أو من أي مكان آخر فهل يلزمه حج؟ الجواب لا يلزمه. السائل: إذا أراد الحج؟ الشيخ: إذا أراد الحج فريضة أو نافلة؟ السائل: نافلة. الشيخ: لا يلزمه، إن شاء حج وإن شاء لم يحج. السائل: ولكن إذا كان يريد الحج؟ الشيخ: إذا كان يريد الحج وكان أول ما أخذ العمرة لا يريد الحج، بل أرادها عمرة مفردة، كما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في أشهر الحج، ثم بدا له بعد أن يحج فحجه مفرد. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 22 حكم من زاد ركعة في صلاته وهو شاك أنه لم يزد السؤال عفا الله عنك يا شيخ! رجل قام يصلي من الليل، فصلى ثلاث ركعات وهو يظن أنه صلى ركعتين، ثم بعد أن أخبره شخص آخر أنه صلى ثلاثاً قال: إني صليت ركعتين، وبعد أن تأكد قال: نيتي ليست ثلاث ركعات ولكن نيتي أصلي ركعتين، ثم قام وشفع هذه الركعة، ثم استمر في الوتر، ثم أوتر في آخر الليل، فما حكم هذا؟ الجواب هذا ليس بصحيح، نقول: إذا نبه أنه صلى ثلاثاً يسجد للسهو فقط، حيث إنه ما أنقص ولكنه زاد، بخلاف ما لو صلى ثلاثاً والواجب عليه أربعاً كالظهر مثلاً ثم نبه فهذا يكمل، أما هذا فالأفضل أن لا يكمل، بل يسجد للسهو ويكفي. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 23 حكم من حلق ولم يعمم جميع شعره في الحج أو العمرة السؤال فضيلة الشيخ بارك الله فيك! رجل اعتمر أو حج وعند الحلق لم يعمم جميع شعره، وكان قد مضى على حجه مدة سنوات فما الحكم في ذلك؟ ونريد أيضاً قاعدة في متى يؤمر الحاج أو المعتمر إذا ترك شيئاً من نفسه، نأمره بالرجوع إلى مكة والإتيان به؟ الجواب هذا ترك واجباً، وترك الواجب يجب فيه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، وبهذا يتم حجه، وأما ما يلزم الحاج فعله إذا تركه فهي الأركان، وأما الواجبات فإذا فات وقتها تجبر بدم. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 24 الأصناف التي تصرف لهم الزكاة السؤال فضيلة الشيخ عفا الله عنك! يعطيني بعض الناس مبلغاً كبيراً من المال لأوزعه على من يستحق الزكاة، فما هي الشروط التي يستحق بها الرجل دفع الزكاة إليه؟ الجواب تعرف أن أهل الزكاة ثمانية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] فالفقير والمسكين هم الذين لا يجدون كفايتهم لمدة سنة، مثل: أن يكون الإنسان عنده راتب مقداره ثلاثة آلاف مثلاً، لكن النفقة لا يكفيه إلا أربعة آلاف، فهذا من أهل الزكاة، نعطيه اثني عشر ألفاً أليس كذلك، راتبه ثلاثة ونفقته أربعة كم يحتاج لكل شهر؟ ألفاً، فنعطيه للسنة اثني عشر ألفاً. والغارمون هم أهل الدين الذين عليهم دين ولا يستطيعون الوفاء، وهم أيضاً من أهل الزكاة، فيوفى عنهم، ولنا في الوفاء عنهم طريقان: الطريق الأول: أن نعطيهم ثم يدفعه هو لطالبه. والطريق الثاني: أن ندفع نحن لطالبه مباشرة وكلاهما صحيح. لكن أيهما أفضل: أن نعطي المدين المطلوب ليعطي الطالب، أو أن نذهب إلى الطالب ونعطيه ولا نعطي المطلوب؟ هذا فيه تفصيل: إن كان المطلوب رجلاً نعرف أنه حريص على إبراء ذمته وأننا إذا أعطيناه وقلنا: هذا اقض به دينك، ذهب وقضى به الدين، فالأفضل أن نعطيه المطلوب دون الطالب؛ لئلا ينكسر قلبه إذا أوفينا عنه، ولئلا يحصل هناك رياء من المعطي. وأما إذا كان الرجل المطلوب رجلاً أخرق، لو أعطيناه المال ليوفي به ما أوفى به، فحينئذٍ نعدل عنه ونعطيه الطالب وتبرأ ذمته بذلك. أما ابن السبيل فهو المسافر الذي انقطع به السفر فانتهت نفقته فنعطيه ما يوصله إلى بلده. السائل: أحياناً يا شيخ تكون معه سيارة يكون قيمتها مثلاً أربعين ألف ريال وعليه مبلغ دين خمسين ألف ريال وعنده مرتب ثلاثة آلاف ريال تكفيه ويقول: أنا مدين أو غارم؟ الشيخ: هو على كل حال إذا كان بعد أن اشتراها يوفى عنه قيمة السيارة أو ما بقي من قيمة السيارة، أما إذا كان سوف يشتري ويقول: أنا محتاج للسيارة، قلنا: اشتر، فقال: سوف أشتري بخمسين ألفاً، نقول: لا نعطيك خمسين ألفاً، لأنك لست بحاجة إلى خمسين ألفاً، إذ أن سيارة بعشرين ألفاً تكفيك، فهناك فرق بين أن يكون قد اشترى وصار من الغارمين، أو سيشتري، إن كان سيشتري لا نعطيه إلا ما يحصل به الكفاية فقط، وإن كان قد اشترى وثبتت الدراهم في ذمته فنوفي عنه. السائل: وإذا كان عنده أملاك يا شيخ مثلاً مزرعة أو ملك آخر، وعليه مبلغ مثلاً مائة ألف ريال؟ الشيخ: يبيع من الملك ما يقضي به حاجته. الجزء: 89 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [90] ذكر الشيخ في هذا اللقاء كلاماً مختصراً مجملاً في صفة الحج والعمرة، والمناسك التي يقوم بها الإنسان مرتبة حسب السنة، وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة المتعلقة بأبواب الحج والعمرة وغيرها من مسائل الفقه. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 1 شرطي قبول العبادة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التسعون من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر ذي القعدة من عام (1415هـ) . لقاؤنا هذا اليوم سيشتمل على صفة العمرة والحج بإيجاز، ثم في اللقاءات الأخرى سوف نتكلم عن أركان وواجبات الحج والعمرة، ثم عن محظورات الإحرام إن شاء الله تعالى. من المعلوم لنا جميعاً أن العبادة لا تتم إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص لله. الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. دليل هذا قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] فـ (مخلصين له الدين) هذا الإخلاص، و (حنفاء) هذه المتابعة، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) فهذا الإخلاص. المتابعة: ثبت في الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذاً لا بد من الإخلاص والمتابعة. ولا تتحقق المتابعة ألا بمعرفة كيف كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل حتى نكون متبعين له، ولهذا ينبغي لنا ونحن نفعل العبادات أن نستحضر هذين الأمرين: الإخلاص والمتابعة. الإخلاص: بأن لا نبتغي بعباداتنا إلا وجه الله والدار الآخرة، وأن نستشعر أيضاً أننا نمتثل أوامر الله، فمثلاً: عند الوضوء، نحن نتوضأ نغسل الأعضاء المغسولة منها ونمسح الممسوح لكن ينبغي أن نستحضر بأننا نمتثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] إلى آخره. حتى يتم الإخلاص والإذعان والذل لله عز وجل. ثم نستحضر أيضاً أننا نتابع الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا؛ لأن هذا مما أمرنا به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] . الجزء: 90 ¦ الصفحة: 2 صفة الحج والعمرة من ذلك ما نحن بصدده الآن من صفة العمرة والحج، أولاً: نبدأ من الميقات. إذا وصل الإنسان إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، وبعد التجرد من ثيابه، ثم يطيب بدنه بأطيب ما يجد، يجعل الطيب على رأسه وعلى لحيته، ثم يلبس ثياب الإحرام، إزاراً ورداءً أبيضين، هذا بالنسبة للرجل، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب إلا أنها لا تتبرج بالزينة. ثم إن كان وقت صلاة فريضة أدى الفريضة وأحرم بعدها، وإن كان غير وقت فريضة صلى صلاة سنة على أنها سنة الوضوء؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرع صلاة معينة عند الدخول في النسك، وبعد أن ينوي الدخول في النسك يلبي، فيقول: لبيك اللهم عمرة. ويتوجه إلى مكة ولا يزال يلبي إلى أن يبتدئ بالطواف. عند الابتداء بالطواف أول ما يبتدئ به الحجر يستلمه، أي: يمسحه بيده ويقبله إن تيسر، وإلا فالسنة أن لا يزاحم فيتأذى ويؤذي، وأنتم تعلمون أن في المزاحمة يخرج الإنسان عن استحضار النية واستحضار العبادة لأنه يحاول أن يدافع عن نفسه، فإذا وجدت زحاماً فالسنة ألا تزاحم، أشر إليه والإشارة تكفي، وفي حال الإشارة لا تقبل يدك، فتبتدئ الطواف وهذا يسمى طواف القدوم وهو طواف وعمرة في نفس الوقت. في هذا الطواف يسن للرجل أن يضطبع في جميع الطواف، والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى دون الأربعة الباقية، والرمل: إسراع المشي دون مد الخطوة، أي: تسرع لكن لا تمد الخطوة إنما خطوة عادية، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل كذلك في حجة الوداع. فإذا انتهيت من طواف سبعة أشواط فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] تقرأ هذه الآية تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحضاراً لامتثالك أمر الله، فتصلي ركعتين خلف المقام، وتتميز هاتان الركعتان بأن يقرأ في الأولى: (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية: (قل هو الله أحد) وأن يوجز فيهما، ولا يطول؛ لأن المكان صلاة لك ولغيرك، فإذا أطلت حجزت المكان عن غيرك. إذا انتهيت من هذا ترجع إلى الحجر الأسود إن تيسر لك أن تستلمه فافعل وإلا فلا حرج، ولا تشير في هذه الحالة، ثم اخرج من المسجد، فإذا دنوت من الصفا فاقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] واصعد على الصفا حتى ترى الكعبة فاستقبلها وارفع يديك للدعاء والذكر، وقل: الله أكبر ثلاث مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثانية ثم تدعو بما شئت، ثم تعيد الذكر مرة ثالثة وتنزل، فيكون الذكر معاداً ثلاث مرات والدعاء مرتين. تنزل من الصفا متجهاً إلى المروة ماشياً حتى تصل إلى العلم الأخضر أي: العمود الأخضر وهو معروف والحمد لله وفوق رأسك إشارات خضراء تدل عليه، فإذا وصلت هذا فاركض ركضاً شديداً بقدر ما تستطيع إذا كان هناك مجال، وإلا فامش على ما تيسر لك إلى العلم الآخر، ثم أمش مشياً معتاداً إلى المروة، فإذا وصلت المروة فقل ما قلت على الصفا، وهذا شوط، ثم ارجع من المروة إلى الصفا وهذا شوط آخر، وهلم جراً إلى سبعة أشواط تبتدئ بـ الصفا وتنتهي بـ المروة. وبعد هذا تقصر شعر رأسك إذا كنت متمتعاً، وإن كنت غير متمتع فاحلقه أو قصره والحلق أفضل، ثم تحل من إحرامك الحل كله، تلبس الثياب، وتتطيب، وتتمتع بأهلك إن كانوا معك، وتفعل جميع ما حرم عليك بالإحرام. فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة فأحرم بالحج من مكانك الذي أنت فيه، فتغتسل وتتطيب وتلبس ثياب الإحرام وتخرج إلى منى لتبقى بها إلى طلوع الشمس من اليوم التاسع، تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر خمسة أوقات كل صلاة في وقتها إلا أنك تقصر الرباعية، فإذا طلعت الشمس تسير إلى عرفة، لكن إن تيسر لك أن تنزل بـ نمرة وهي مكان قرب عرفة وليست من عرفة فانزل فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل في نمرة إلى أن زالت الشمس، فافعل هذا إن تيسر وإن لم يتيسر فلا حرج أن تمضي من منى إلى عرفة رأساً. فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فحينئذٍ تتفرغ للدعاء والذكر بعد أن تصلي الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، وتتفرغ للذكر والدعاء بهذا اليوم العظيم الذي هو من أفضل أيام السنة ومن أقرب ما يكون إلى الإجابة إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس فادفع من عرفة متجهاً إلى مزدلفة، وتجمع بين المغرب والعشاء، بمعنى: أنك تؤخر المغرب إلى أن تصل إلى مزدلفة ثم تصلي بها المغرب والعشاء، المغرب ثلاثية لا تقصر، والعشاء رباعية فتصليها ركعتين. ثم تبيت هناك إلى أن تصلي الفجر بها، وإذا صليت الفجر فتفرغ للدعاء والوقوف إلى أن تسفر جداً، أي: إلى أن يتبين الإسفار بياناً ظاهراً، ثم توجه بعد ذلك إلى منى وتقصد جمرة العقبة قبل كل شيء، فترميها بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة ثم تنصرف بعد هذا إلى المنحر -أي: إلى المكان الذي تريد أن تنحر فيه هديك فتنحر الهدي- ثم تحلق رأسك وتحلل التحلل الأول. ثم تنزل إلى مكة لتطوف طواف الإفاضة وتسعى سعي الحج، وهنا الطواف بلباسك المعتادة، لأنك تحللت التحلل الأول، وليس فيه رمل، وكذلك السعي بلباسك المعتاد ولكن فيه السعي بين العلمين، ثم إذا أنهيت ذلك فقد تحللت كل الحل، تتمتع بكل ما منعت منه بالإحرام، ثم تخرج إلى منى لتبيت فيها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وفي هذين اليومين ترمي الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصيات، تبدأ بالأولى التي هي أقصى الجمرات عن مكة، فترميها بسبع حصيات متعاقبات وتكبر مع كل حصاة، ثم تقف للدعاء مستقبلاً القبلة رافعاً يديك وتطيل الدعاء إن تمكنت وإلا فبما تيسر، ثم ترمي الوسطى كذلك وتقف بعدها فتدعو، ثم جمرة العقبة كذلك ولا تقف بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين الجمرتين الأولى والثانية، والثانية والثالثة ولم يقف بعد الثالثة. ثم تقف في منى إلى اليوم الثاني عشر وترمي الجمرات كما رميتها بالأمس، وإن شئت تعجلت ونزلت إلى مكة، وإن شئت بقيت في منى ليلة الثالث عشر ورميت الجمرات يوم الثالث عشر كما رميتها يوم الحادي عشر والثاني عشر، ثم ينتهي الحج في آخر أيام التشريق، وإذا أردت أن ترجع إلى بلدك فلا بد أن تطوف طواف الوداع، وهو واجب على كل من حج أو اعتمر إلا أنه يسقط عن المرأة الحائض أو النفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض، هذا مجمل صفة الحج والعمرة. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 3 أسئلة تتعلق بالحج الجزء: 90 ¦ الصفحة: 4 الخروج إلى عرفة دون المرور بمنى السؤال الأول: هل يجوز للإنسان أن يخرج من مكة إلى عرفة رأساً ولا ينزل في منى في اليوم الثامن؟ الجواب نعم، والدليل أن عروة بن مضرس رضي الله عنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في صباح يوم العيد وأخبره أنه لم يدع جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف ذلك في عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر النزول في منى قبل عرفة، إذاً فالنزول في منى قبل عرفة سنة إن تيسر للإنسان فهذا المطلوب، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يذهب رأساً إلى عرفة. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 5 الوقوف في عرفة إلى غروب الشمس السؤال الثاني: إذا وقف بـ عرفة في النهار هل يلزم أن يبقى إلى غروب الشمس؟ الجواب نعم يلزم أن يبقى إلى غروب الشمس، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بـ عرفة إلى الغروب وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) ، ولأن تقديم الدفع من عرفة قبل الغروب مشابهة للمشركين، فإن المشركين كانوا يقفون بـ عرفة ويدفعون قبل الغروب، فمن دفع قبل الغروب فقد وافق هدي المشركين وخالف هدي سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 6 المبيت في المزدلفة إلى أن يسفر الليل السؤال الثالث: هل يجوز لمن بات في مزدلفة أن ينصرف قبل أن يسفر جداً؟ الجواب نعم يجوز، إذا كان لا يستطيع الزحام -أي: زحام الحجيج- إما لضعف في بدنه أو مرضه أو كبره أو غير ذلك، فيجوز أن يدفع في آخر الليل، وتقريب ذلك: أن يدفع إذا غاب القمر، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من أهله أن يدفعوا من جمع -أي: من مزدلفة - بليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تنتظر حتى يغيب القمر ثم تدفع، وترمي الجمرة قبل الفجر. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 7 وقت رمي جمرة العقبة السؤال الرابع: هل إذا وصل إلى منى قبل الفجر ليلة المزدلفة يجوز أن يرمي جمرة العقبة؟ الجواب نقول: نعم يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أذن للضعفة أن يتقدموا في الدفع من مزدلفة من أجل أن يرموا، وإلا فما الفائدة من التقدم. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 8 أعمال الحاج يوم العيد السؤال الخامس: يفعل الحاج يوم العيد خمسة أنساك بعد الدفع من مزدلفة: الرمي، النحر، الحلق، الطواف، ثم السعي، هذه الخمسة مرتبة على هذا الترتيب هذا هو الأفضل، لكن هل يجوز أن يقدم بعضها على بعض؟ الجواب نعم يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم النحر عن التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) يلزم من هذا أنه لو قدم النحر على الرمي فسوف ينحر بعد طلوع الفجر مثلاً قبل أن تطلع الشمس فهل يجوز؟ أو لا ينحر حتى ترتفع الشمس قيد رمح ويمضي مقدار صلاة العيد كالأضحية؟ الجواب: يجوز أن ينحر بعد طلوع الفجر في منى؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الذبح قبل الرمي قال: (لا حرج) وإذا كان الرمي يجوز بعد طلوع الشمس مباشرة لزم من هذا أن يجوز النحر أيضاً قبل طلوع الشمس، ولهذا قال العلماء: إن نحر الهدي يوم العيد يجوز من بعد طلوع الفجر. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 9 طواف الوداع قبل رمي الجمرات السؤال السادس: هل يجوز للإنسان أن ينزل إلى مكة ضحى اليوم الثاني عشر ويطوف طواف الوداع، ثم يخرج إلى منى ويرمي الجمرات ثم ينصرف إلى بلده؟ الجواب لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت الطواف، ومن فعل ما قلت فقد جعل آخر عهده الجمرات، والواجب أن يكون آخر عهده الطواف، فإذا فعل الإنسان هذا فإنه لا يجوز، لكن إذا فعل هذا، أي: قدم طواف الوداع على رمي الجمرات، لكن لو أنه خرج من منى ضحى يوم الثاني عشر ولما زالت الشمس رجع ورمى ثم نزل إلى مكة وطاف ومشى أيجوز هذا؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه لم يتجاوز الأمر الشرعي، ولم يتجنب إثماً غاية ما هنالك أنه خرج من منى قبل زوال الشمس ولا مانع من هذا، لأن المهم أن يرمي الجمرات بعد زوال الشمس وقد حصلت. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 10 أنواع الوقفات في الحج السؤال السابع: كم في الحج من وقفة بناءً على ما سمعنا؟ الجواب في الحج ست وقفات، ليس وقفة واحدة: على الصفا، وعلى المروة، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الثانية، فالوقفات للدعاء ست لكنها تختلف في الطول والقصر. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أيامنا وأيامكم معمورة بطاعته، وأن يوفقنا لحج مبرور وذنب مغفور وسعي مشكور. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 90 ¦ الصفحة: 12 أنواع الأفعال المطلقة على الله تعالى السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز أن تطلق أفعالاً على الله لم يرد بها نص شرعي كقول القائل: إن الله لولا أن (يخاف) على الناس الكفر لجعل لبيوت الكفار سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، وكقول القائل: إن الله (يود) لو أن الناس آمنوا جميعاً. أو غير ذلك، وما القاعدة في إطلاق الأفعال على الله تعالى جزاكم الله خيراً؟ الجواب الأفعال المطلقة على الله عز وجل: إما أن تكون أفعال كمال، وإما أن تكون أفعال نقص، وإما أن تكون لا هذا ولا هذا. - فأما أفعال النقص فلا يجوز أن تطلق على الله عز وجل كالخيانة مثلاً، مثل أن تقول: لو شاء الله لخان فلان فلاناً. هذا لا يجوز. - وتارة تكون أفعال كمال مثل: خلق وأبدع وصنع وما أشبه ذلك هذه تطلق على الله ولا إشكال فيها. - وتارة تكون لا هذا ولا هذا فلا بأس بها أيضاً؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، فمثلاً: الإرادة، معروف أنها ثابتة وهي من أنصاب الكمال؛ لأنها تدل على عموم الإرادة، لكن في أشياء كثيرة كالذي قلت مثلاً: إن الله تعالى يخاف، بدل يخاف تقول: يكره، والكراهة قد وقعت؛ ذلك لأن الخوف يدل على نقص، إذ أن الخائف لا شك أنه ناقص، فلا يصح أن نقول: الخوف؛ بل نقول: الكراهة، وأما المودة والمحبة فلا بأس بها. أما الخشية فغير، الخشية قد تكون من غير نقص، لكن نقول: خوفنا لا يجوز على الله عز وجل؛ لأنها نقص. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 13 حكم بيع العربون السؤال العربون الذي يقدم من المشتري للبائع على أنه سيأتي ببقية المبلغ غداً، أو قال البائع: أنت اشتريت؟ قال: نعم، قال: هات عربوناً، فأخذ خمسة آلاف ريال أو ألف أو أكثر أو أقل، ثم ذهب ولم يأت وبيعت السلعة بعده، فالعربون الذي أخذ هل يرد إلى المشتري؟ الجواب بيع العربون الصحيح أنه جائز، وأنه يملكه البائع، مثل أن تقول: اشتريت منك هذه السيارة بخمسين ألفاً وهذا عربون خمسة آلاف، إن تم البيع فهو أول الثمن، وإن لم يتم البيع فهو للبائع، وهذا وإن كان فيه تعليق للبيع فإنه لا يضر؛ لأنه مصلحة الطرفين، ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه صحة هذا البيع، وفيه مصلحة للجميع، أما مصلحة البائع فظاهر؛ لأنه سيأتيه دراهم وسلعته عنده، وإنما أبحنا له ذلك مع أنه لم يدفع عوضاً عنه؛ لأن السلعة سوف تنقص قيمتها إذا علم أنها اشتريت ورغب عنها، وأما المشتري فإن مصلحته أنه سلم من دفع جميع الثمن. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 14 حكم ما يروى من قصص أثناء دفن الموتى السؤال فضيلة الشيخ: وفقكم الله ورعاكم، الذين يغسلون الموتى ويدفنونهم يذكرون عنهم بعض الأشياء مثل شخص عندما أرادوا غسله انقلب جسده أسود أو عندما وضعوه في القبر انقلب عن القبلة وسألوا عنه: فإذا هو لا يصلي أو كذا، فقد نقل عنكم أن هذه قد لا تكذب ولا تصدق، فما أدري عن صحة هذا؟ الجواب هذا صحيح، نحن نقول: هذه الأشياء لا نصدقها، ولكن لا نكذبها؛ لأن الله تعالى قد يظهر العقوبة في الدنيا من أجل العظة والعبرة، ولهذا كشف للنبي صلى الله عليه وسلم عن القبرين اللذين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) ، أما المبالغة في هذا مثل أن يقال: لما دفناه وجدناه منحرفاً عن القبلة، فهذا يحتاج إلى صحة السند، وليس شرب الدخان أعظم من غيره من المعاصي. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 15 وقت حصول التحلل الأول السؤال هل يحصل التحلل الأول برمي جمرة العقبة فقط؟ الجواب هذا محل خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه إذا رمى حصل له التحلل الأول. وبعضهم يقول: لا يحصل إلا بالتحلل والحلق. وهذا محل بحث عندنا ومحل نظر، ولو قال قائل: لماذا لا نعمل بالأحوط؟ فنقول: لا يحصل التحلل إلا بالاثنين: الرمي والحلق، قلنا: نعم هذا أحوط من جهة أن الإنسان يبتعد عن المحظورات، لكن قد يكون بعض الأحيان الأحوط أن نجعله يحل بالرمي، مثل: لو أن إنساناً جامع زوجته بعد الرمي وقبل الحلق، لو قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لكان هذا الجماع قبل التحلل الأول، ولزم منه فساد النسك والمضي فيه وقضاؤه وبدنة، وإذا قلنا: حل بالرمي لم يفسد نسكه ولم يلزمه بدنة، وإنما يلزمه فدية. فالواقع أن الاحتياط مشكلة إن احتطت وقلت: لا تحل إلا بعد الرمي والحلق قلنا: هذا طيب احتياط، لكن أتتنا الصورة الثانية: إذا جامع الإنسان بعد الرمي وقبل الحلق فبماذا نعامله؟ إن قلنا: إنه لا يحل إلا بالحلق لزم من هذا أن يكون حجه فاسداً وأن عليه القضاء والبدنة، وإن قلنا: إنه حل التحلل الأول فحجه صحيح وليس عليه إلا فدية. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 16 حكم من جامع زوجته قبل طواف الإفاضة السؤال فضيلة الشيخ: رجل جامع قبل طواف الإفاضة وقد رمى وحلق، ماذا عليه؟ الجواب لا شيء عليه إلا أنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وعليه أن يحرم من جديد من الحل ليطوف محرماً. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 17 كيفية قضاء المريض الصلاة الفائتة السؤال فضيلة الشيخ: شخص دخل إلى المستشفى وكان لا يصلي ظناً منه أنه إذا كان لا يستطيع القيام بالأفعال فإن الصلاة يقضيها بعد خروجه من المستشفى، هذا مع قدرته على القيام بهيئتها مع المشقة، فهل يجب عليه أن يقضيها متتابعة، أم أنه يقضي كل فرض مع نظيره؟ الجواب أولاً بارك الله فيك الإنسان المريض الذي لا يستطيع أن يتحرك بالقيام والقعود والركوع والسجود يجب عليه أن يصلي ولو بعينه، كما قال الفقهاء، ومن العلماء من لا يثبت الصلاة بالعين لضعف الحديث الوارد فيها، وأما الصلاة بالإصبع كما يفعله العامة فهذا لا أصل له، بعض العوام يقول: إذا لم تستطع الركوع والسجود والإيماء فبالإصبع، عند القيام واقف هكذا، وإذا ركعت (احنه) قليلاً، وإذا سجدت (احنه) أكثر، هذا ليس له أصل، لا رأيناه في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام العلماء، لكن نقول: إذا لم تقدر على الحركة فانوِ بالقلب، واللسان في الغالب لا يعجز، لكن لو عجز أيضاً ينوي في القلب: التكبير والقراءة والركوع والسجود والقيام والقعود، فإذا قدرنا أن بعض الناس لم يصل ظناً منه أنه إذا كان لا يقدر على الحركة فإنه يؤجل الصلاة حتى يبرأ، أو ظناً منه أن ثيابه وسخة فيها قذر، ويقول: إذا عافاني الله لبست ثياباً طاهرة نظيفة ثم صليت. فهذا نقول: إنه يسقط عليه الإثم بناءً على تأوله، وإن كان في الحقيقة يُعد مفرطاً؛ لأن الواجب أن يسأل أهل العلم، لكن لا يسقط عنه القضاء فيجب عليه القضاء، ويقضي مرتباً في آنٍ واحد لا ينتظر كل صلاة مع وقتها، فإذا قدرنا أنه ترك عشرة أيام وأمكنه أن يصليها في يوم واحد فليفعل؛ لأن القضاء واجب على الفور، أي: لا بد أن تبادر به، وأما ما اشتهر عند العامة أنه يقضي الظهر مع الظهر والعصر مع العصر حتى تنتهي، فهذا غلط. أما إذا كان مغمى عليه سواء أغمي عليه من شدة المرض، أو لحادث أصابه فإنه لا قضاء عليه، بل الصلاة ساقطة عنه؛ لأنه لا يستطيع أن يستيقظ، بخلاف النائم فإن من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. الذي بالبنج هذا يقضي لأن إغماءه أو فقد العقل كان باختياره. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 18 حكم مسابقات المحلات التجارية السؤال كثرت في هذه الأيام الإعلانات عن وضع جوائز في المحلات التجارية، مثل: المحطات والجرائد، من يشتري بمبلغ كذا يأخذ كرتاً يدخل به مسابقة تسحب بعد فترة كذا ويحصل على جائزة، والمشتري إذا ناقشته قال: أنا أشتري من غير أن أقصد الجائزة، فنأمل التفصيل في هذا؟ الجواب هذه المسألة بارك الله فيك فيها تفصيل: إذا اشترى الإنسان من هذا الدكان بغير قصد الشراء لكن من أجل الجائزة فهذا لا يجوز، أو كان صاحب الدكان قد رفع السعر أكثر من غيره واشتراه فإن هذا أيضاً لا يجوز؛ لأن المشتري سيكون إما غانماً وإما غارماً، والقاعدة هذه هي الميسر في الحقيقة. أما إذا كان الإنسان سيشتري على كل حال والثمن لم يرفع والكرت الذي أعطاه ليس له قيمة، بمعنى: أعطيه مجاناً، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا المشتري إما سالم وإما غانم، ما في غرم. وإن اشترطوا مبلغاً معيناً من المال يشترى به فلا بأس. أقول: من اشترى من أجل الجائزة فهذا حرام ولا يجوز، لأني سمعت بعض الناس يشتري علب اللبن وهم لا يريدوه لكن يقول: لعلي أصادف الجائزة، هذا لا يجوز؛ لأنه أضاع ماله بغير فائدة، فالقاعدة عندنا: أولاً: إذا كان لا يشتري إلا من أجل الجائزة فهذا حرام. ثانياً: إذا كانت السلعة قد رفع ثمنها فهذا أيضاً حرام. ثالثاً: إذا كان يشتري لحاجته لهذه السلعة والثمن لم يرفع فهذا لا بأس به؛ لأنه إما أن تأتيه الجائزة، أو لا تأتيه، إن أتته فقد غنم بدون خسارة، وإن لم تأته فقد سلم ولم يخسر شيئاً. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 19 دعاء رؤية البرق السؤال فضيلة الشيخ: ما هو الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية البرق؟ الجواب لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لكن ذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن من قال: سبحان الله وبحمده عند البرق فإنها لا تصيبه صاعقة) ومثل هذا الخبر لا مجال للرأي فيه، وابن عباس عند المحدثين ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل، وقد اشترطوا للمرفوع حكماً في مثل هذه الأمور: ألا يكون الصحابي ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل. ولكن ما قاله علماء المصطلح في هذا فيه نظر؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما أنكر على من يأخذ من بني إسرائيل كما في صحيح البخاري، فكيف ينكر على الناس وهو يأخذ منهم؟! هذا بعيد. فيقال: إذا صح الخبر عن ابن عباس في هذا فتقول عند البرق: سبحان الله وبحمده. أما عند الرعد فقد كان عبد الله بن الزبير يقطع الحديث ويقول: [سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته] . الجزء: 90 ¦ الصفحة: 20 القوي الذي يدفع من مزدلفة مع أهله الضعفاء السؤال القوي الذي دفع مع أهله قبل الفجر هل حكمه حكمهم؟ الجواب إذا دفع الضعفاء من مزدلفة قبل الفجر ومعهم محرمهم فإن حكمه حكمهم يرمي معهم؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وأما حديث ابن عباس: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه في ضعفة أهله، وجعل يلطخ أفخاذهم ويقول: أبني لا ترموا حتى تطلع الشمس) فهذا منقطع الحديث ليس صحيحاً. أنا عندي أن الوقت الحاضر كل الناس يصبحون بحكم من لهم مشقة عظيمة، فلو رخص للناس على سبيل الإطلاق، وقيل: من شاء دفع قبل الفجر مطلقاً كما يقول الفقهاء رحمهم الله: إنه يجوز الدفع قبل الفجر ولو بلا عذر لكان هذا القول متوجهاً؛ لأننا في الوقت الحاضر كلما وجدنا فرصة لإفتاء الناس بما هو أسهل فهو أحسن. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 21 حكم المال الفائض من الإنابة في الحج السؤال فضيلة الشيخ: الإنابة في الحج إذا كانت مقابل مبلغ من المال ما حكم أخذ ما زاد عن تكاليف الحج، لا سيما إذا كان صاحب الإنابة يعرف هذا ولا مانع لديه؟ الجواب الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا أعطاه مالاً وقال: حج به. فهو له زاد أو نقص، وإذا أعطاه مالاً وقال: حج منه. فما زاد يرده على صاحبه؛ لأن (من) للتبعيض، لكن العامة لا يفرقون هذا التفريق، ونظير ذلك عند العامة أن يقول مثلاً: مطرنا بنوء كذا، فهو لا يفرق بقوله: مطرنا بنوء كذا، وقوله: مطرنا في نوء كذا، لو سألت العامي: ما معنى قولك: مطرنا بنوء كذا، قال معناه: أننا مطرنا في هذا الوقت، بخلاف العرب فإنهم يعرفون الفرق بين: مطرنا بنوء كذا، ومطرنا في نوء كذا، وتعرفون حديث زيد بن خالد الجهني لما صلى بهم الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل، قال: (إن الله يقول: من قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب) فالمهم من أعطى المال ليحج به إذا قال: حج بهذا. فهو له قل أو كثر، وإن قال: حج منه. فإنه يأخذ حاجته ويرد الباقي، لكن عادة الناس اليوم يرون أن من أخذ هذا المال يحج به فهو له كله فلا يجب عليه الرد. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 22 الأفضل للمتمتع التقصير السؤال يا شيخ جزاك الله خيراً بالنسبة للمتمتع: هل الأفضل له في التحلل أن يحلق، أو يؤخر الحلق ويقصر؟ الجواب الأفضل للمتمتع أن يقصر؛ لأن هذا هو الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (ثم ليقصر وليحلل) ، ولأنه لو حلق ووقت الحج قريب لن يبقى للحج شيء. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 23 حكم إنكار المنكر المؤدي إلى مفسدة أعظم منه السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى: ما هو الضابط في إنكار المنكر، إذا كان مثلاً: هناك مجلس فيه منكر والقيام منه يترتب عليه منكر أعظم من هذا الإنكار الذي تريد أن تنكر عليهم به؟ الجواب إذا جلست في مجلس فيه من يشرب الدخان، انصحهم ولو كانوا في الحال يدخنون، وبين لهم: أن هذا حرم، ثم إن انتهوا وكفوا فذلك المطلوب، وإلا فقم. لكن أنت تقول: إذا كان قيامي يسبب منكراً أعظم فكمل السؤال: قل: وإذا قمت من عندهم شربوا الخمر، والخمر أعظم من شرب الدخان فهل أقوم، أو أبقى معهم وهم يشربون الدخان لئلا يشربوا الخمر؟ في هذه المسألة أقول: قم، لأنهم إذا شربوا الخمر فإثمهم على أنفسهم، ولا يرد على هذا ما ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه مر بقوم من التتر وهم يشربون الخمر ولم ينكر عليهم، فقال له صاحبه: لماذا لم تنكر على هؤلاء شرب الخمر؟ قال: لو أنهم تركوا الخمر لذهبوا ينهبون أموال الناس ويستحلون أعراضهم. وهذا الثاني أعظم ضرراً من شرب الخمر لكنه ضررٌ متعدٍ للغير، فهؤلاء الذين يشربون الدخان لو أنني نهيتهم عن شرب الدخان تركوه لكن خرجوا إلى الأسواق يعبثون بالناس هؤلاء دعهم يشربون، فهذه المسألة إذا كان هؤلاء الذين يشربون الدخان ونصحتهم ولكنهم استمروا في ذلك فإني أقوم ولا أبالي بهم. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 24 حكم من ترك الحج توسعة للناس السؤال فضيلة الشيخ: ثبت عن النبي صلى عليه وسلم: أن الحج إلى الحج مكفرات لما بينهما. وبعض الناس قد يترك الحج ويقول: للتوسيع على الناس، فما توجيه فضيلتك؟ الجواب (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) . وأما الذي يترك الحج ويقول: أريد التوسيع على الناس فلا أرى هذا، لكن إذا قال: أنا أرى أن أصرف نفقة الحج إلى شيء نافع كالجهاد مثلاً، ودفع المسغبة، فهذا قد يكون أفضل، خصوصاً أن الحج الآن -نسأل الله أن يعاملنا وإياكم بالعفو- لا يشعر الإنسان أنه في عبادة، تجده مثلاً إن كان من الأثرياء كل شيء كأنه نزهة، مكيف، وعنده الماء البارد وكل شيء، ولا يجد إلا أنه نزهة فعلاً، وإن كان من الفقراء فربما يكون الأمر بخلاف ذلك، لكن مع هذا لا يجد لذة في الطواف ولا في السعي؛ لأن الإنسان يقول: عسى الله يغفر لي قبل أن أموت. فإذا قال هذا -وإن كان إن شاء الله الإنسان يرجو ما يرجو في هذا الحج من الخير-: هذه الدراهم التي أنفقها ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف أو أقل أو أكثر أحب أن أنفقها للمضطرين من المسلمين، أو للمجاهدين من المسلمين فهنا نقول: هذا أفضل. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 25 حكم نزع الأسياخ الطبية من جسم الميت السؤال إذا كان الإنسان في قدمه سيخ -وهي حديدة توضع لوصل العظام- هل عند دفن هذا الإنسان ينزع السيخ؟ الجواب لا تنزع. بل تدفن معه لأنها ليس لها قيمة ذات أهمية، وربما لا تنزع إلا بشق اللحم، وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تُنزع. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 26 حكم ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة السؤال هل سنة العادة يؤجر الإنسان على فعلها؟ ما هي سنة العادة؟ الجواب ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل العادة هذا ليس بسنة، يعني مثلاً: قال قائل: الآن سألبس إزاراً ورداءً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الإزار والرداء، وسألبس العمامة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعتم! نقول: هذا ليس من السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لبس هذا لأنه عادة أهل بلده، وعليه فلباس أهل البلد هو السنة ما لم يكن محرماً، مثل: أن يكون طويلاً، أو يكون حريراً للرجال، فهذا ممنوع ولو جرت به العادة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 90 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [91] خصص الشيخ هذا اللقاء للحديث عن محظورات الإحرام، وما يتعلق بها من أحكام وفوائد، وتحدث عن أنواع الفدية وأسبابها. وعقب اللقاء أجاب عن أسئلة متعلقة بالإحرام ومحظوراته والأضحية والأكل منها. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 1 أنواع محظورات الإحرام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا اليوم هو السابع والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1415هـ) . يكون الكلام في هذا اللقاء على محظورات الإحرام، ومحظورات الإحرام: هي الأشياء التي تحرم بسبب الإحرام، لأن كل عبادة لها محرمات، الصلاة مثلاً يحرم فيها الكلام، الصيام يحرم فيه الأكل والشرب، الحج له محظورات -أي: محرمات بسببه- فمحظورات الإحرام هي الممنوعات بسبب الإحرام. فنبدأ أولاً بما ذكر الله عز وجل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] هذه ثلاثة أشياء كلها تجتنب في الحج، لكن الأول خاص بالحج بعض العبادات، والثاني والثالث عام، فالفسوق منهي عنه دائماً لكنه يتأكد في الحج، والجدال الذي يقصد به المماراة والمغالبة منهي عنه في كل وقت، وفي كل حال، فما هو الرفث؟ الرفث هو الجماع، هذا هو الأصل، كما قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] أي: فلا جماع في الحج، والجماع هو أعظم محظورات الإحرام، وإذا جامع الإنسان قبل التحلل الأول في الحج ترتب على جماعه خمسة أشياء: الأول: الإثم. الثاني: فساد النسك. الثالث: وجوب إكماله. الرابع: وجوب القضاء من العام المقبل. الخامس: بدنة يذبحها ويتصدق بجميعها على الفقراء. هذا ما يترتب على الجماع قبل التحلل الأول. وما الذي يتعلق بهذا المحظور؟ يتعلق به المباشرة، والنظر بشهوة، وعقد النكاح، وخطبة النكاح، كلها تتعلق بهذا؛ لأنها مقدمات للجماع، ولهذا يحرم على المحرم أن يباشر زوجته لشهوة، بتقبيل أو غيره، وكذلك يحرم عليه تكرار النظر لشهوة، ويحرم عليه أيضاً عقد النكاح فلا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب، ويحرم عليه الخطبة -أي: أن يخطب امرأة- وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكَحْ المحرم ولا يُنْكِحْ ولا يخطب) . ومن محظورات الإحرام التي في القرآن: حلق شعر الرأس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] فلا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه حتى يحل، وألحق العلماء رحمهم الله بشعر الرأس شعر بقية البدن كالشارب والعانة والإبط، وزاد بعضهم: الظفر، قالوا: لا يحل للمحرم أن يقلم أظفاره. فنعود الآن ننظر ما حصر من المحظورات: الجماع، المباشرة بشهوة، النظر لشهوة ولا سيما مع التكرار، الخامس: عقد النكاح، السادس: الخطبة، والسابع: حلق شعر الرأس، ويلحق به بقية شعر البدن. والثامن: تقليم الأظفار. هذه موجودة في القرآن نصاً في الجماع وفي حلق شعر الرأس، وإلحاقاً بما نص عليه أو بالقياس أو لكونه من مقدمات هذا المحظور الذي نص عليه. ومن محظورات الإحرام: قتل الصيد وهو منصوص عليه في القرآن؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] أي: محرمون. ومن محظورات الإحرام أيضاً: ما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف) هذه خمسة أشياء لا تلبس. القميص: هو هذا الدرع الذي نلبسه كلباسنا الآن، وأما السراويل فمعروفة أيضاً: ما يلبس بدلاً عن الإزار، وأما العمائم: فهي ما يلف على الرأس، وأما البرانس: فهي ثياب واسعة فضفاضة كما يقولون ولها غطاء على الرأس متصل بها، وأكثر من يلبس ذلك المغاربة، وأما الخفاف فهي (الكنادر) فهذه خمسة أشياء نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن المحرم لا يلبسها. هل يلحق بها غيرها؟ نقول: نعم يلحق بها ما كان مثلها أو أولى منها، فالقميص مثلاً يلحق به الفنيلة الكوت، والسراويل يلحق بها السراويل القصيرة الكمين: وهي ما يعرف بالسراويل الفخذية، وأما العمائم فيلحق بها الغترة والطاقية؛ لأنها لباس الرأس كالعمامة، وأما البرانس فيلحق بها المشارف؛ لأنها أقرب ما تكون، وهذه الأشياء الخمسة التي نص عليها الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يلبس) وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان تلفلف بالقميص بدون لبس فلا حرج؛ لأنه لم يلبسه، ولو أنه خاط إزاراً خياطة فلا حرج؛ لأنه لا يعدو أن يكون إزاراً حتى وإن خيط. ويبقى أن نسأل: هل يلبس الجوارب؟ يعني: الشراب الجواب لا، لأنها بمعنى الخفين، هل يلبس ساعة اليد؟ الجواب: نعم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: لا يلبس كذا، علمنا منه أنه يلبس ما سواه. طيب! هل يلبس نظارة العين؟ نعم؛ لأنها لا تدخل فيما نص عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وليست فيما نهى. هل يلبس سماعة الأذن؟ نعم. هل يلبس الخاتم؟ نعم. هل يلبس الكمر؟ نعم، المهم يلبس كل ما سوى المذكور في الحديث أو ما كان بمعناه. ومن محظورات الإحرام: الطيب، والدليل على أنه من محظورات الإحرام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة: (اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) والحنوط: الطيب الذي يجعل في الميت، وهو يدل على أن جميع أنواع الطيب لا تحل للمحرم، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس) وعلى هذا فيحرم على المحرم استعمال الطيب في بدنه، واستعمال الطيب في إحرامه، وكذلك استعمال الطيب في فراشه، فلا ينام على فراش فيه طيب، وكذلك استعمال الطيب في أكله وشربه، فلا يشرب قهوة فيها زعفران ما دامت رائحته موجودة. ويدخل أيضاً استعمال الطيب في تغسيله فبعض الصابون فيه طيب يظهر على الإنسان إذا غسل به فهذا لا يستعمل، أما الطيب الذي ليس له إلا رائحة طيبة منعشة ولكنها ليست طيباً فلا بأس بذلك، ولهذا نقول للمحرم: لك أن تأكل التوت والنعناع وما أشبهها مع أنه ذو رائحة طيبة ذكية. ومن محظورات الإحرام: تغطية الرأس بأي غطاء كان؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه، سواء كان في منديل أو غترة أو طاقية أو غيرها، لكن قال العلماء رحمهم الله: يجوز للمحرم أن يحمل عفشه على رأسه، لأن هذا لم تجد عادته للستر به، ويجوز أن يتظلل بالخيمة، وكذلك على القول الراجح: يجوز أن يتظلل بالشمسية، وبالسيارة المسقفة، وما أشبه ذلك، لأن هذا ليس تغطية وإنما هو استظلال، والممنوع هو تغطية الرأس. ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين على الرجل والمرأة، فالمرأة لا تلبس القفازين وكذلك الرجل، ولا تنتقب، أي: لا تلبس نقاباً على وجهها، ولكن إذا كان حولها رجالٌ من غير محارمها وجب عليها أن تغطي وجهها؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير المحارم أو الزوج. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 2 أنواع فدية محظورات الإحرام إذا علمنا هذه المحظورات فلنسأل: هل فيها فدية؟ والجواب أن يقال: هذه المحظورات تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: ما لا فدية فيه. القسم الثاني: ما فيه فدية مغلظة. القسم الثالث: ما فديته مثله. القسم الرابع: ما فديته على التخيير بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يذبح شاة يتصدق بها ولا يأكل منها شيئاً. - فأما الأول: وهو الذي لا فدية فيه فهو عقد النكاح، إذا عقد المحرم النكاح فإنه ليس عليه فدية، لكن النكاح فاسد، يجب أن يجدد بعد حله من الإحرام؛ لأن كل شيء نهى عنه الشرع فإنه فاسد لا يجوز اعتباره، وكذلك خطبة النكاح، لو أن الإنسان خطب امرأة وهو محرم فلا فدية عليه لكنه آثم. - وأما ما فيه فدية مغلظة فهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول، ففديته بدنة يذبحها ويفرقها كلها على الفقراء. - وأما ما فديته مثله فهو الصيد؛ لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] . - وأما ما فديته على التخيير بين الصيام والصدقة وذبح الشاة فهو بقية المحظورات. فهذه الأقسام الأربعة تحصر لك الفدية. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 3 أحوال الفاعل للمحظورات ثم اعلم أن هذه المحظورات إذا فعلها الإنسان فله ثلاث حالات: إما أن يفعلها متعمداً بلا عذر، أو يفعلها متعمداً لعذر، أو يفعلها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، فإن فعلها متعمداً بلا عذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال هذا: رجل حلق رأسه متعمداً بلا عذر نقول: هو آثم وعليه الفدية ونسكه لا يفسد؛ لأنه لا يفسد النسك إلا بالجماع قبل التحلل الأول. الثاني: أن يفعلها متعمداً لعذر، فهذا عليه فدية وليس عليه إثم، كما فعل كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مريض ورأسه مملوء من القمل يتناثر القمل من رأسه على وجهه، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما كنت أظن أن الوجع بلغ بك ما أرى) ثم أخبره بالفدية وأمره أن يفدي، لأن هذا فعله متعمداً لعذر. ومثل ذلك: لو اضطر الإنسان إلى صيد، لم يجد شيئاً يأكله إلا الصيد فقتل صيداً فأكله فعليه جزاءٌ ولا إثم. الثالث: أن يفعله جاهلاً أو ناسياً أو مرغماً، فهذا لا شيء عليه -لا إثم ولا فدية- لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله تعالى: قد فعلت. ولقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب يرتفع حكمه مع الإكراه فما دونه من باب أولى، وعلى هذا فلو أن الإنسان أحرم ولبس الإزار والرداء ولكنه نسي أن يخلع السراويل ولم يتذكر إلا في أثناء النسك بعد أن طاف مثلاً تذكر وخلع السراويل فوراً فهل عليه شي؟ الجواب لا، لماذا؟ لأنه ناسي. ولو أن إنساناً دعس أرنباً وهو لم يعلم بها حتى ماتت وهو محرم فليس عليه إثم، وليس عليه جزاء؛ لأنه كان جاهلاً. ولو أنه صاد أرنباً يظن أن المحرم لا يحرم عليه الصيد إلا إذا دخل حدود الحرم فليس عليه شيء؛ لأنه كان جاهلاً. ولو أكره الرجل زوجته فجامعها وهي كارهة عاجزة عن أن تتخلص منه فليس عليها شيء؛ لأنها مكرهة. فصار الضابط في فاعل المحظورات على النحو التالي: الأول: ما فعله متعمداً بغير عذر فحكمه الإثم مع الفدية، إلا فيما لا فدية فيه، كعقد النكاح فليس عليه فدية لكنه آثم والنكاح لا يصح. الثاني: ما فعله متعمداً لكن بعذر، فلا إثم عليه ولكن عليه الفدية. الثالث: ما فعله ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية، وهذا من نعمة الله تعالى وتيسيره على عباده. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 4 مسألة في عدم لبس ملابس الإحرام فإن قال قائل: هل من العذر: إذا كان الإنسان في الطائرة وكانت ملابس إحرامه مع العفش لا يتمكن من لبسها وأحرم وهو في الطائرة لأنه لا يجوز أن يتجاوز الميقات بلا إحرام فأحرم هل من العذر أن يبقى على ملابسه؟ الجواب لا، ليس عذراً؛ لأن بإمكانه أن يخلع القميص ويلفه على جسده لفاً لا لبساً، وأما السراويل فإن أمكن أن يتزر بالغترة استتر بها ثم خلع السراويل، وإذا لم يمكن لا بأس أن يبقى عليه لكن ليس عليه فدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) ولم يجعل عليه فدية، وهذه مع الأسف تقع لكثير من الناس، يكون في الطائرة وقد نوى العمرة ولكن ثيابه في العفش في بطن الطائرة لا يتمكن من لبسها، فيبقى متردداً: هل يحرم وعليه ثيابه، أو لا يحرم حتى يصل إلى المطار وينزل من الطائرة ويأخذ ثياب الإحرام؟ والجواب: أن حل هذه المشكلة أن ينزع الثوب أو القميص ويلفه على صدره، وأما السراويل فإن أمكن أن يتزر بالغترة فهذا هو المطلوب، وإن لم يمكن لكونها قصيرة لا تستر تماماً فليبق على سراويله وليس عليه شيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) ولا يجوز أن يؤخر الإحرام حتى ينزل إلى جدة. وهذه المسألة ينبغي لكم أن تحرصوا على بثها في الناس؛ لأنها كثيرة الوقوع، وهي خفية على كثير من الناس. وينبغي للمحرم أن يحرص على فعل الواجبات وترك المحرمات حتى وإن لم تكن من محظورات الإحرام، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وألا يؤذي المسلمين بقول أو فعل، وأن يكون سمح البال منشرح الصدر باسط اليد حتى يكون محبوباً عند الناس، وأن لا يماري أو يجادل لا عند دورات المياه ولا عند صنابير الماء ولا في المطار ولا في أي مكان، بل يكون دائماً ليناً مع الخلق حتى يكتب في عداد الذين أحسن الله خلقهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً) . الجزء: 91 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 91 ¦ الصفحة: 6 حكم من لم يستطع الحج السؤال فضيلة الشيخ! هذا رجل راتبه أربعة آلاف تقريباً، وعليه إيجار ونفقة عيال، فهل للمحسنين أن يجمعوا له ما يجعله يستطيع للذهاب إلى الحج؟ الجواب الذي أرى أنهم لا يجمعوا له، لأن الجمع له إذلالٌ له، والله عز وجل لم يوجب عليه الحج ما دام أربعة آلاف التي هي راتبه تذهب في إيجار البيت وفي نفقة الأولاد فذلك من فضل الله أن الله خفف عنه ولم يوجب عليه الحج ويسقط عنه؛ لأن الله قال: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] . الجزء: 91 ¦ الصفحة: 7 حكم صرف الأضحية إلى جهات تقوم بذبحها السؤال فضيلة الشيخ! بخصوص الأضحية هناك إعلانات لـ هيئة الإغاثة الإسلامية: من الذي يريد أن يضحي يعطيهم دراهم وهم يضحون عنه في بلاد أفريقيا أو آسيا هل يجوز هذا؟ الجواب أنا لا أرى هذا، وأرى أنه ينبغي للإنسان أن يعمل المشروع في أضحيته، فيضحي في بلده وبين أهله إظهاراً لهذه الشعيرة العظيمة التي رتبها النبي صلى الله عليه وسلم أحسن ترتيب، فجعلها من جنس معين، وفي سن معين، وفي وقت معين، وفي وصف معين، وجعل لها حرمات، فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، وعناية الشرع بها يدل على أنها مهمة جداً. ثم إن الإنسان إذا وكل من يذبحها فمن الذي يتولى الذبح؟ قد يكون فاسقاً أو ملحداً أو لا يصلي، أو ما أشبه ذلك، لا ندري، ثم إنه إذا وكل فاته ذكر اسم الله عليها، وقد قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34] . ثم إذا وكل من يذبحها أيضاً هناك فوت السنة في مباشرة الذبح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذبح أضحيته بيده. ثم إذا وكل أيضاً فهل الوكيل سيقول: باسم الله والله أكبر اللهم تقبل من فلان ومن آل فلان، الغالب أنه لا يقول هذا، الغالب أن يذبح ويمشي هذا إن سمى الله، ثم إنه إن وكل أن تذبح له هناك فاته تنفيذ أمر الله عز وجل في الأكل منها، فإن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] وبدأ بالأكل {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ثم إنه إذا وكل على أضحيته هناك فقد تموت هذه الشعيرة في بلاد الإسلام، لنفرض مثلاً: أن هؤلاء عشرة بيوت كلهم وكلوا، أصبحت كل هذه المنطقة لم تُقم فيها شعيرة الأضحية، مع أنه أمرٌ مهم قرنه الله تعالى بالصلاة، فقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] . فصرف الأضحية إلى أماكن أخرى لا شك أنه خطأ مخالف للسنة، والإنسان إذا أراد أن ينفع إخوانه هناك فليضح هنا ويتصدق عليهم بما شاء. لكن هنا ننبه إلى ما يفعله بعض الناس في الإسراف في الأضحية، تجد بيتاً واحداً يضحى فيه عشر ضحايا مثلاً، الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته، ثم يأتي الابن ويقول: سأضحي عن نفسي أو عن جدي أو عن أمي الميتة، وكذلك البنت، وهكذا ربما يجتمع في البيت عشر ضحايا، وهذا مخالف للسنة أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق بلا شك وأحب الخلق إلى فعل ما يقرب إلى الله عز وجل ومع ذلك لم يضح عنه وعن أهل بيته إلا بواحدة، مع أن أهل بيته تسع نساء، فلذلك نقول: بدلاً من أن كل واحد يضحي، يضحي قيم البيت بواحدة عنه وعن أهل بيته، وما عندهم من فضل المال يصرفونه لإخوانهم الفقراء في بلاد الله عز وجل في البوسنة والهرسك وفي أفريقيا وفي غيرها. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 8 حكم الأكل من ذبيحة من لا يصلي السؤال فضيلة الشيخ! هل ذبيحة الذي لا يصلي تؤكل؟ الجواب ذبيحة من لا يصلي لا تؤكل؛ لأنه كافر، ولا يؤكل من ذبائح الكفار إلا اليهود والنصارى، فإن ذبائحهم حلال؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] . الجزء: 91 ¦ الصفحة: 9 الاحتياط في الإحرام في الطائرة السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لوقت الإحرام في الطائرة إذا حدد مثلاً الساعة الثامنة وخمسة وأربعين دقيقة فهل أن أحتاط بدقيقتين أو ثلاث؟ الجواب الإحرام بالطائرة ينبغي للإنسان أن يحتاط فيه، وذلك لأن الطائرة سريعة المرور، فلو مر على الميقات لحظة تكون قد تعدته بأميال، فلهذا ينبغي أن يحتاط بخمس دقائق أو دقيقتين حتى لا يكون على خطأ. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 10 حكم لبس الإحرام قبل الميقات السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للذي يلبس الإحرام من المطار من الرياض أو القصيم ما حكمه؟ الجواب لا مانع من ذلك، لكن لا يعقد النية إلا إذا حال الميقات. لكن لا بد أن يغتسل في بيته ويلبس الإحرام في بيته أو يلبس الإزار ويلبس الثياب المعتادة، فإذا استقل الطائرة خلع ثيابه المعتادة ولبس الرداء. ولا مانع من أن يلبس في المطار بدون ثياب. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 11 حكم من وصل إلى مزدلفة بعد طلوع الشمس السؤال فضيلة الشيخ! من لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس بسبب الزحام ما الحكم في ذلك؟ الجواب قال بعض العلماء: لا شيء عليه، لأنه قد اتقى الله ما استطاع ولم يستطع الوصول إلى مزدلفة فيسقط عنه الواجب. وقال بعض علمائنا: عليه فدية؛ لترك الواجب لكنه لا إثم عليه لأنه لم يستطع، والفدية بدنة بدل عن هذا الواجب، وتذبح في مكة وتوزع على الفقراء، فإن كان الإنسان ذا ميسرة فهذا سهل عليه ومن كمال حجه، وإن كان ذا عسرة فليس عليه شيء. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 12 ما يحرم ويجوز من النسب والمصاهرة السؤال رجل متزوج وله بنت من غير زوجته فهل والد زوجته محرم لابنته بالنسب والمصاهرة أم لا؟ الجواب والد الزوجة ليس محرماً لبنت زوج ابنته؛ لأنه لا علاقة بينها وبينه، بل لو شاء أن يتزوجها فله ذلك، يعني: ليس بينهما نسب ولا مصاهرة، المصاهرة تنحصر في أصول الزوج وفروعه وأصول الزوجة وفروعها فقط، أصول الزوج وفروعه حرام على الزوجة، وأصول الزوجة وفروعها حرام على الزوج، وهذه الأربعة تحرم أو يثبت فيها التحريم بمجرد العقد إلا بنات الزوجة فلا بد من الدخول، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] فأنت إذا أردت أن يسهل عليك الأمر فانظر: هل هو من أصول الزوجة وفروعها أو من أصول الزوج وفروعه إذا لم يكن كذلك فلا تحريم. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 13 حكم السلام على غير المسلمين السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في نشر السلام على العمال خاصة وأننا إذا تكلمنا معهم أو تحاورنا معهم نجدهم غير مسلمين؟ الجواب إلقاء السلام على غير المسلم حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) فإذا كان الإنسان لا يعلم فسلم عليهم بناءً على أنهم مسلمون فتبين أنهم كفار فلا إثم عليه. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 14 الإمساك عن تقليم الأظافر لمن أراد الأضحية السؤال فضيلة الشيخ! بعض المضحين يظن أن عند دخول أول ذي الحجة أن على أولاده وأبنائه ألا يأخذوا شيئاً من أظفارهم والمرأة كذلك؟ الجواب هذا ينبني على الحديث، والحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (وأراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه، وعلى هذا فإذا ضحى الرجل بالأضحية عنه وعن أهل بيته فإنه لا حرج على أهل بيته إذا أخذوا من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وأراد أحدكم أن يضحي) ولأنه لم ينقل أنه كان يقول لأهله: لا تأخذوا من أظفاركم وأشعاركم وأبشاركم. وأما من يريد أن يضحي وأخذ شيئاً من أظفاره فهو عاص للرسول عليه الصلاة والسلام لكن الأضحية صحيحة؛ لأنه لا علاقة بين الأضحية وبين الأخذ من الشعر. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 15 حكم نكاح من نسب إلى غير أبيه السؤال شاب نسب إلى غير أبيه، وهو متزوج وله بنت فهل عقد الزواج صحيح، أم باطل؟ الجواب إذا نسب الرجل إلى غير أبيه فالواجب أن يغير الانتساب وينسب إلى أبيه الصحيح، أما النكاح فليس فيه شيء والعقد صحيح، ولا علاقة بين كونه ينتسب إلى غير أبيه وبين النكاح ما دام النكاح قد تمت شروطه وانتفت موانعه فلا بأس. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 16 أفضلية الدعاء للميت دون غيره من الأعمال السؤال فضيلة الشيخ: هذه امرأة أرادت أن تحج عن والدتها وهي متوفية ووالدتها قد حجت الفريضة، فما هو الأفضل أن تحج وتدعو لها، أم تحج عن نفسها؟ الجواب الأفضل أن تحج لنفسها وتدعو لأمها؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث -بين هذه الثلاث- فقال: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: أو ولد صالح يحج عنه، أو يصوم عنه، أو يتصدق عنه، أو يصلي عنه. فإذا سألنا سائل: أيهما أفضل: أن أصلي وأجعل الثواب لأبي، أو أتصدق وأجعل الثواب لأبي، أو أحج وأجعل الثواب لأبي، أو أن أدعو لأبي؟ قلنا: الأفضل الثاني أن تدعو لأبيك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم وأنصح وأفصح منك، ولم يقل: إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يعمل له؛ بل قال صلى الله عليه وسلم: (ولد صالح يدعو له) هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 17 شمول الأضحية لكل أهل البيت السؤال فضيلة الشيخ: رجل عنده زوجتين الأولى عنده والأخرى عند أهلها هل يلزمه أضحية أم أضحيتين؟ الجواب إن كانت عند أهلها زيارة فالأضحية في البيت الذي هو فيه أي البيت الأول، وتكفي عنها هي أيضاً؛ لأنها من أهله، وإن كانت عند أهلها، فإذا قالت: هذا عني وعن أهل بيتي شملها وإن كانت عند أهلها. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 18 حكم الاتفاق على مال للحج عن آخر السؤال فضيلة الشيخ: شخص أراد أن يحج عن ميت وأخذ مبلغاً من المال اتفقوا عليه، هل المال جائز مثلاً خمسة آلاف أو سبعة آلاف أو عشرة آلاف؟ الجواب لا بأس أن تتفق مع شخص أن يحج عنك أو عن الميت بدراهم، أما عن الميت فواضح؛ لأن الميت لا يمكن أن يحج بنفسه، أما أنت فنقول: الأفضل ألا تفعل، بل أن تحج بنفسك إن كنت قادراً، وإن لم تكن قادراً فأعطي شخصاً يؤدي فريضة وهو عاجز فتساعده أنت بمالك في أداء الفريضة، ومساعدتك أنت بمالك في أداء الفريضة أفضل من كونك تحج تطوعاً. ومن حج عن غيره لا يقصد المال بل يقصد أنه يقضي حاجة صاحبه، ويحصل له أنه يصل إلى المشاعر ويدعو الله فيها وما أشبهه. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 19 زكاة المال المفقود السؤال شخص عنده مبلغ عشرة ألف ريال، وضع هذا المال في مكان من بيته، وبعدها نسي هذا المال لمدة عشر سنين، هل يزكي خلال العشر السنوات هذه؟ الجواب لا يزكيها؛ لأنه قد حيل بينه وبين ماله بالنسيان، لكن إذا ذكر وأخذ المال زكاه سنة واحدة فقط. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 20 الفرق بين الهدي والأضحية السؤال فضيلة الشيخ: ما يذبحه المتمتع والقارن من هدي هل هو أضحية، أم أن هناك فرقاً بين الهدي والأضحية؟ الجواب نعم، هذا الهدي الذي يكون على المتمتع وعلى القارن يكفي عنه الأضحية؛ لأنه يذبح يوم العيد فيكفي، كرجل دخل المسجد وصلى الراتبة فهذه تكفيه عن الراتبة وعن تحية المسجد. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 21 حكم استخدام الطيب المحتوي على الكحول السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم استخدام الطيب الذي فيه نسبة من الكحول؟ الجواب استعمال الطيب الذي فيه نسبة قليلة من الكحول لا بأس به ما دامت هذه النسبة قد اضمحلت وغلب عليها الطيب، وأما إذا كانت النسبة كثيرة لا تضمحل فإنه من المعلوم أن الكحول مسكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) . الجزء: 91 ¦ الصفحة: 22 حكم الأضحية السؤال فضيلة الشيخ: رجل له أبناء مع عائلته وله أبناء آخرين في مدينة أخرى ليسوا متزوجين لمدة ليست معلومة -سنة أو سنتي-ن فهل عليهم أضحية؟ الجواب إذا ضحوا فهو خير، وإن تركوا الأضحية فلا شيء عليهم، لا تلزمهم، أصلاً الأضحية لا تلزم أحداً أبداً، الأضحية سنة مؤكدة من الأصل. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 23 معنى مقولة: (نحن في وجه الله) السؤال ما رأي فضيلتكم في شخص قادم من مكان بعيد إلى أخ له للزيارة، وأراد هذا الأخ أن يكرمه وأن يذبح له ذبيحة، فقال له هذا القادم -الضيف-: نحن في وجه الله، ثم تأول هذا صاحب المنزل وذبح ذبيحة ما رأي فضيلتكم؟ الشيخ: ما معنى قوله: في وجه الله؟ إذا كان معناه: أنه يتوسل بوجه الله إلى هذا الشخص فهذا حرام؛ لأنه لا يمكن أن يجعل الله عز وجل وسيلة للمخلوق، وإن كان قصده في وجه الله أي: أعوذ بوجه الله منك، أو أعوذ بوجه الله أن تذبح لي ذبيحة، فهذا ليس حراماً، لكن إذا قصد به معنى اليمين فإنه يكون يميناً، فإذا ذبح هذا الرجل له ذبيحة فعلى الحالف أن يكفر كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين كما ذكر الله عز وجل. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 24 حكم من اصطاد قبل أن ينوي الإحرام السؤال رجل أحرم من بلده في طريقه إلى الميقات ثم حصل له صيد وقتله ولم يعقد النية إلا في الميقات، وإنما لبس ملابس الإحرام في الطريق ثم حصل له صيد واصطاده؟ الجواب الإحرام هو النية، ولهذا ما دام أنه لم ينو وعليه ثياب الإحرام فلا محظور عليه لا صيد ولا طيب ولا أخذ من شعر ولا جماع امرأته ولا شيء حتى ينوي، إذا نوى ولو في بيته صار محرماً. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 25 حكم الحج عن الصبي السؤال صبي عمره أربعة عشر سنة وتوفي فهل يحج عنه؟ الجواب لا يحج عنه؛ لأنه صغير لم يبلغ، إلا إذا كان قد بلغ بإنبات العانة أو بالاحتلام فحينئذ يكون من أهل الوجوب إن كان قادراً، وإن لم يكن له مال فليس بواجب عليه. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 26 حكم من تجاوز الميقات لزيارة الأهل قبل الحج السؤال فضيلة الشيخ! رجل يعمل في المنطقة الشرقية ويرغب في قضاء الإجازة عند أهله بـ جدة ولكنه في نفس الوقت يريد أن يحج، فهل يحرم من جدة أو يحرم من المنطقة الشرقية؟ الجواب إذا كان مجيئه لأهله ليس على أنهم أهله الذين يقيم عندهم، فيجب عليه أن يحرم للميقات، أما لو كان يدرس ويقول: أنا ما جلست في هذا البلد إلا للدراسة وأهلي هم أهلي في جدة وأنا سوف أذهب إلى أهلي وإذا جاء الوقت أحرمت من جدة فلا بأس، أي: فرق بين إنسان انتقل من بلده جدة إلى الشرقية، وإنسان لم ينتقل ولم ير نفسه أنه استوطن الشرقية، فالذي يرى نفسه أنه استوطن الشرقية فهذا لا يتجاوز الميقات بلا إحرام، والذي يقول: لا، أنا ما استوطنتها ولكني بقيت للدراسة ولو حصل لي أن أرجع إلى أهلي اليوم لرجعت، وكان في رجوعه من الشرقية إلى جدة رجوعاً إلى أهله، فهذا ليس عليه إحرام يحرم من جدة. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 27 حكم انتقال المتمتع من بلد إلى آخر السؤال من أراد أن يحج -إن شاء الله- هذا العام وأخذ عمرة متمتعاً بها إلى الحج قبل أيام الحج فهل يجوز له أن يذهب إلى جدة أو الطائف؟ الجواب لا بأس، يجوز للمتمتع أن يسافر إلى جدة والطائف بين عمرته وحجه. وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، نسأل الله تعالى أن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً إنه على كل شيء قدير. الجزء: 91 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [92] تكلم الشيخ رحمه الله عن أحكام الأضحية من جهة شروطها الواجب توفرها فيها. وكذا بلزوم الأضحية في نفس البلد، ونبه على ما يحدث من مفاسد بسبب ذبحها في غير بلد المضحي من قبل الهيئات والمؤسسات. وأجاب عقب ذلك على أسئلة متعلقة بأحكام الأضحية والهدي والحج. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 1 أحكام الأضحية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون من لقاءات الباب المفتوح، والذي يكون يوم الخميس الرابع من شهر ذي الحجة عام (1415هـ) نتكلم فيه الآن عن الأضحية. الأضحية مشروعة بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34] . وقد قال بعض العلماء: إنها واجبة ومن كان قادراً ولم يضح فهو آثم. وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. والأضحية مشروعة للأحياء إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً، وإنما كان الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 2 شروط الأضحية الأضحية تكون من الإبل والبقر والغنم، ولهذا نقول: إن شروط ما يضحى به أربعة: الشرط الأول: أن يكون من الجنس الذي ثبت في الشرع أنه يضحى به، وهو: الإبل والبقر والغنم، فلو ضحى بفرس مثلاً فإنه لا يقبل منه؛ لأنه ليس من الجنس الذي يضحى به، حتى وإن كان أغلى من الإبل والبقر والغنم، ودليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. الشرط الثاني: أن يبلغ السن المعتبر شرعاً: وهو في الضأن نصف سنة، وفي المعز سنة، وفي البقر سنتان، وفي الإبل خمس سنوات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) . الشرط الثالث: السلامة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وهي المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقي) العجفاء: الهزيلة، والتي لا تنقي: ليس فيها مخ، فهذه العيوب الأربعة تمنع من الإجزاء. لو ضحى الإنسان بشاة عوراء بين عورها فإنها لا تجزئ. ولو ضحى بشاة عرجاء بين ضلعها لم تقبل. ولو ضحى بشاة مريضة بين مرضها لم تقبل. ولو ضحى بهزيلة ليس فيها مخ فإنها لن تقبل. وكذلك ما كان بمعنى هذه العيوب أو أولى منها: كالعمياء مثلاً، فإنه لو ضحى بعمياء لم تقبل منه، كما لو ضحى بعوراء بين عورها، وكذلك مقطوعة اليد أو الرجل؛ لأنه إذا كان لا تجزئ التضحية بالعرجاء فالمقطوعة اليد والرجل من باب أولى، ولا تجزئ التضحية بما أصابها سبب الموت كالتي في الطلق المتعسر حتى تنجو، وكذلك المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كل هذه لا تجزئ؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من المريضة. وأما العيوب التي دون هذه فإنها تجزئ الأضحية ولو كان الأضحية فيها شيئاً من هذه العيوب، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل، فالتي قطع من أذنها شيء أو من قرنها شيء أو من ذيلها شيء تجزئ، لكن الأكمل أولى، ولا فرق بين أن يكون القطع قليلاً أو كثيراً حتى لو قطع القرن كله أو الأذن كلها أو الذيل كله فإنها تجزئ، لكن كلما كانت أكمل فهي أفضل. الشرط الرابع: أن تكون الأضحية في الوقت الذي حدده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من صلاة العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل الصلاة فإنه لا أضحية له، حتى وإن كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وأخبر: (أن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، فقام رجل يقال له أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، إني نسكت قبل أن أصلي، فقال: شاتك شاة لحم) ، وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، وقال: فليذبح مكانها أخرى) . وكذلك من ضحى بعد انقطاع أيام التشريق فإنه لا أضحية له، وذلك لأنه ضحى خارج الوقت، فهذه شروط ما يضحى به: أن تكون من بهيمة الأنعام: وهي الإبل والبقر والغنم، وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً بأن تكون ثنية من الإبل والبقر والماعز، أو جذعة من الضأن، والشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، والشرط الرابع: أن تكون في الوقت المحدد. ثم إن السنة ألا يغالى بالأضاحي لكثرة العدد؛ لأن هذا من الإسراف، فإن بعض الناس الآن تجد الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته بأضحية كما كان النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح يفعلون ذلك، ولكن تأتي الزوجة تقول: أريد أن أضحي، وتأتي البنت تقول: أريد أن أضحي، وتأتي الأخت وتقول: أريد أن أضحي، فيجتمع في البيت ضحايا متعددة، وهذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، ومعلوم أن له تسع نساء -يعني: تسعة بيوت- ومع ذلك ما ضحى إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة يضحي الرجل منهم بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، فما عليه كثيرٌ من الناس اليوم فهو إسراف، ونقول لهؤلاء الذين يضحون بهذه الضحايا: إذا كان عندكم فضل مال فهنا أناس محتاجون إليكم في الأرض من المسلمين، كـ البوسنة والهرسك وكذلك في أفريقيا مدن كثيرة من هذا، وكذلك أيضاً في الجمهوريات الروسية التي تحررت من قبضة الشيوعية فيهم حاجة كثيرة. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 3 ذبح الأضحية في بلد المضحي ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: ما شاع وذاع من هيئة الإغاثة بطلب الفلوس من الناس يضحى بها في أماكن أخرى، فإن هذا خلاف السنة، السنة: أن الإنسان يضحي في بيته عنه وعن أهل بيته يأكلون ويتمتعون ويشكرون الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، ونقل الأضحية إلى أماكن أخرى يفوت به مصالح كثيرة: منها: ظهور الشعيرة، فإنك إذا ضحيت في مكان آخر خفيت الشعيرة في البلد، وربما مع طول الزمن لا يكون في البلد أضاحي إطلاقاً تصرف إلى الخارج، لا سيما إذا قيل للناس: إنها في الخارج أرخص من هنا، وإنك إذا ضحيت هنا بأضحية واحدة تستطيع أن تضحي بثلاث ضحايا في البلاد الأخرى، ولا شك أن خفاء الشعائر ضرر. ومن المصالح التي تفوت: أن الإنسان إذا ضحى في بلاد أخرى فإنه يفوته ذكر اسم الله عليها، وذكر اسم الله عليها من أفضل الأعمال كما قال تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:36] . ومنها: أنه يفوته أن يأكل منها، والأكل منها مؤكد فقد قدمه الله تعالى على الصدقة: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، ولهذا لما أهدوا النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدرٍ فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ تحقيقاً لأمر الله تعالى في قوله: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] . ومن المصالح التي تفوت في التضحية خارج البلد: أن الإنسان لا يطمئن كيف وزعت، وهل وزعت على وجه مشروع أم على وجه غير مشروع؟ وإذا كانت عنده اطمأن، ووزعها بنفسه أو يوزعها وكيله الذي يشاهده. ومنها: أنها إذا ضحيت في بلاد أخرى فإنه لا يدري متى تضحى، قد تضحى قبل الوقت جهلاً من المضحي، وقد تضحى بعده، ثم هو مرتبط بها؛ لأنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، ولا يدري متى تذبح هذه الأضحية فيبقى معلقاً كل أيام العيد لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشره شيئاً؛ لأنه لا يدري هل ذبحت الأضحية أم لا، ولا سيما إن كانت في بلاد شرقية فإنهم يتأخرون عنها في الغالب يوماً وربما يتأخرون يومين، فيبقى معلقاً من العيد إلى أيام التشريق الثلاثة إلى اليوم الرابع الزائد أو الخامس. ومن المصالح التي تفوت: التعيين وهو أمر مهم، فإن الأضاحي هناك إذا جمعوا -مثلاً- ألف رأس ثم أرادوا أن يذبحوها لا يقولون: هذه عن فلان؛ لأن هذا يصعب عليهم، فلا يعينوها، وإذا لم تعين فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأنه إذا ذبح واحدة من ألف وسئل: لمن هذه؟ قال: هذه لواحد من هؤلاء الألف، فمن الواحد إذ أنه ليس عندهم قوائم كتبت بها الأسماء وصاروا يعطون للغنم ويذبحونها على حسب هذه القائمة، وهذا أمر خطير؛ لأنه قد يقال بعدم الإجزاء في هذه الصورة إذا لم يعين من هي له. ليست الأضاحي كطعام يجمع ويوزع وكل ينال أجر صدقته، ولا دراهم كذلك تجمع وتوزع وكل له أجر صدقته، هذه قربات يتقرب الإنسان بها إلى الله في ذبح المعينة التي له، وهذا قطعاً لا يتسنى فيما إذا ضحى في بلد آخر. ومن المحاذير التي تحصل: أنه إذا جمع مثلاً في هذا المكان آلاف الضحايا فهل بإمكانهم أن يذبحوها في وقت الأضحية، قد لا يستطيعون كما جرى هذا في المسالخ التي في منى، فإنهم في سنة من السنين عجزوا أن يقوموا بذبح الهدايا كلها قبل فوات أيام التشريق، وحينئذٍ لا تذبح الأضحية إلا بعد فوات الوقت، والحاصل: أن كل شيء يخل الإنسان فيه بالمشروع فإنه يترتب عليه محاذير. إذاً المشروع أن تذبح الأضحية في البلد، والأفضل أن يذبحها الإنسان في بيته ويشاهدها أهله وأولاده، ويصطبغ في قلوبهم محبة هذه الشعيرة، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضحية الفائدة المادية -يعني: الأكل أو الدراهم- لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] والدليل على ذلك: أن هذه الأضحية جعل الله لها حرمات قبلها، واعتنى الشرع بها، فإذا دخلت العشر من ذي الحجة والإنسان يريد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو جلده، ونسأل: لو أراد أن يتصدق يوم العيد بألف ريال فهل يحرم عليه إذا دخل العشر أن يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئاً؟ لا، إذاً عرفنا أن الأضحية عبادة مستقلة لها كيانها ولها أهميتها، وليس المقصود لحماً يأكله الفقير أو ما أشبه ذلك. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم البصيرة في دينه، وأن يعيننا على العمل به إنه على كل شيء قدير. وإنني بهذه المناسبة: أود من إخواني المسلمين أن لا ينسابوا أمام العواطف، بل يجب عليهم أن يتحروا ما كان موافقاً للشرع. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 92 ¦ الصفحة: 5 حكم دفع الصدقات لهيئة الإغاثة السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم إن ضحيت هنا ودفعت قيمة الأضحية لـ هيئة الإغاثة الإسلامية تذبح هناك؟ الجواب لا بأس، يعني: إنسان يريد أن يضحي في بلده ويتصدق على أولئك الفقراء لا بأس هذا طيب، ويشجع الإنسان على هذا، يحصل على الفائدتين: فائدة الأضحية، وفائدة إخوانه هناك. وأنا أريد أن يقصد بالدراهم التي يدفعها ليس فقط أضحية، وإنما يشترى بها طعام أو لباس أو فراش. يقول: هذه دراهم اشتروا بها ما يحتاجون إليه، قد يحتاجون إلى الطعام قد يحتاجون إلى اللحم قد يحتاجون إلى فرش قد يحتاجون إلى ثياب، فأنت اجعلها صدقة، وقل: هذه ادفعوها لمصلحتهم. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 6 راعي البيت هو المسئول عن الأضحية السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان في البيت أم وأولادها متزوجون ولهم أولاد فمن يضحي منهم؟ الجواب البيت الواحد يضحي عنه القيم على البيت، إن كان الأب أو الزوج أو الأخ الأكبر، المهم القيم على البيت هو الذي يضحي وينوي أنها أضحية عن الجميع. فإذا كانت الوالدة عندها أولاد في البيت وأولادها لهم أولاد في البيت، فأكبر الأولاد يعتبر راعياً لهذا البيت. إذاً هو الذي يضحي، والأم لا تضحي؛ لأنها تدخل في أضحية الولد. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 7 النيابة في الحج السؤال هذه امرأة تريد الحج ولكن إذا رأت الزحام تصرع فهل يناب عنها في الحج؟ ومن سينوب عنها هل توصونه بشيء؟ الشيخ: إذا كان هذا مؤكداً أنها إذا رأت كثرة الناس انصرعت فهنا نقول: لا تحج، لكن إن كان عندها مال تستطيع أن تدفعه إلى أحدٍ يحج عنها وجب عليها ذلك، وإن لم يكن عندها مال فليس عليها شيء. أما من أخذ نيابة عن غيره فنوصيه بتقوى الله عز وجل، وأن يشعر بأنه مسئول سؤال أمانة عن هذا النسك، وأنه يجب عليه أن يأتي به على أكمل الوجوه بقدر المستطاع؛ لأن الذي يحج عن نفسه ليس كالذي يحج عن غيره، الذي يحج عن غيره يجب عليه أن يعتني بالواجبات والسنن وكل المصالح، وأما الذي يحج عن نفسه فله أن يقتصر على الواجب. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 8 حكم رمي الجمار بحصاة من الإسمنت السؤال فضيلة الوالد: هناك كثير من الحجاج إذا أراد أن يرمي الجمار أخذ من الحصاة التي صنعت من الإسمنت، فنرجو توضيح ذلك بما أننا قد أقبلنا على موسم الحج؟ الجواب يرى بعض العلماء: أن الأحجار التي تؤخذ من الإسمنت لا يجزئ الرمي بها، إلا إذا كانت كتلة مشتملة على حصى؛ لأنه أحياناً هذا الإسمنت يكون فيه رملاً وفيه حصاة، فإذا كان مشتملاً على حصاة فلا بأس. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 9 حكم من لم تجد محرماً في الحج السؤال في البلاد البعيدة لا يتوفر للمرأة المحرم ولكن يتوفر لها الرفقة المأمونة، فمن الصعب تجد محرماص تحرم معه، ولكن تجد ابن عمها ويكون في سن كبير وهي كبيرة أيضاً، ففي هذه الحال هل عليها حج مع قدرتها على النفقة؟ الجواب إذا كانت المرأة قادرة على الحج بمالها وعندها مال كثير لكنها لم تجد محرماً فإن الحج ساقطٌ عنها، وليس عليها إثم بتركه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهذه المرأة لا تستطيع إليه سبيلاً بحكم الشرع، إذ لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، ويقال لها: اطمئني بأنه لا شيء عليك وإن وجدتي الرفقة وإن كانوا أمناء. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 10 انفساخ الوكالة بموت الموكل السؤال فضيلة الشيخ: عندي مبلغ قدره أربعة آلاف ريال لأختي وقد أصيبت بمرض وتوليت رعايتها الصحية، وقلت لها في أثناء المرض: ماذا تريدين أن أفعل بالمبلغ؟ فقالت: خذه لك، فقد خسرت الشيء الكثير من أجلي، فقلت لها: ما رأيك أن يكون به حجة لك، فقالت: افعل ما تراه، وبعد مدة طويلة ماتت، ولم أحج هل أعطي المال الورثة، أم أحج عنها بارك الله في عمرك؟ الجواب أعط المال الورثة؛ لأن الوكالة تنفسخ بموت الموكل، فلو أنك أمضيتها في حياتها لكان الأمر واضحاً، أما إذا ماتت قبل أن تمضي هذه الحجة فقد انفسخت الوكالة، ويجب عليك أن ترد المال إلى الورثة، ولكن أخبرهم قل: إنها أوصتني من قبل موتها أن أحج عنها. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 11 حكم صيام أيام عشر ذي الحجة السؤال فضيلة الشيخ: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صيام عشر ذي الحجة كاملة؟ الجواب ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبلغ من أن يصومها، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، حتى إن الله تعالى قال في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فيدخل في عموم قوله: (ما من أيام العمل الصالح فيهن. ) إلخ. أما فعله هو بنفسه فقد جاء فيه حديثان: حديث عائشة، وحديث حفصة، أما حديث عائشة فقالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر قط) ، وأما حديث حفصة فإنها تقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها) وإذا تعارض حديثان أحدهما يثبت والثاني ينفي فالمثبت مقدم على النافي، ولهذا قال الإمام أحمد: حديث حفصة مثبت وحديث عائشة نافي والمثبت مقدم على النافي. وأنا أريد أن أعطيك قاعدة: إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة، ولو أننا قلنا: لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به لفات علينا كثيرٌ من العبادات، ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا يجب علينا أن نعمل بمدلوله سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق أم لم يعملوا به. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 12 حكم من لم يحج بسبب ظروف عمله السؤال فضيلة الشيخ: رجل إذا أتى موسم الحج ذهب إلى مكة بشأن عمله المكلف به في موسم الحج، ولم يؤد فريضة الحج بعد وهو مستطيع، فهل عليه شيء؟ الشيخ: لماذا لم يؤد الحج وقد وصل إلى هناك؟ على كل حال: الرجل إذا كان لا يستطيع أن يحج بناءً على وظيفته فإنه لا شيء عليه؛ لأنه لم يستطع إليه سبيلاً، لكن أنا أسمع كثيراً ما يذهب الإخوان من أفراد الجنود أو غيرهم إلى مكة مندوبين، وإذا دخل وقت الحج أذنوا لهم في الحج، فإذا أذنوا لك فحج ولا شيء عليك، أما إذا لم يأذنوا فأنت غير مستطيع ولا حج عليك. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 13 حكم الزوجة إذا وكلت زوجها بالأضحية السؤال الزوجة إذا أرادت أن تضحي هل يجوز لها أن توكل زوجها بحيث يذبح الأضحية، وهي تكد رأسها وتقلم أظافرها؟ وإذا تبين له جرح في الأضحية بعد شرائها هل تجزئ؟ الجواب لا يجوز هذا، إذا وكل الإنسان شخصاً يذبح عنه الأضحية فإن الحكم يتعلق بصاحب الأضحية، فإذا وكلت المرأة زوجها قالت: يا فلان، هذه مائة ريال أو أكثر أو أقل ضح بها عني، فإنه يحرم عليها أن تأخذ شيئاً من شعرها أو أظفرها أو بشرتها، حتى وإن كان الزوج هو الذي اشترى الأضحية، فلا يجوز لها أخذ شيء من ذلك. وإذا كان اشترى الأضحية بنية أنها أضحية ثم وجد بها جرحاً قال: جعلت هذه أضحية، أو اشتراها بنية الأضحية؟ إذاً هو بالخيار، إذا وجد بها عيباً أو انجرحت نقول له: اتركها واشتر شيئاً سليماً. واللحية أهون؛ لأن الرأس يكون متداخلاً، فإذا جاءت أسنان المشط عليه قطعته، مع أن المرأة لو احتاجت إلى أن تنقض الشعر للحاجة كغسل من حيض أو ما أشبه ذلك فلا بأس، ولكن يكون بالرفق شيئاً فشيئاً، ما في أحد لحيته إذا كدها تناثر الشعر، لكن لو فرضنا فالحكم واحد. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 14 كيفية حج المتمتع السؤال فضيلة الشيخ: لم يحج متمتعاً ولم يصل إلى مكة اليوم الثامن هل يحل الحرام أو يحرم للحج بعد العمرة، أو يبقى على الإحرام والعمرة؟ الجواب نحن نرى أن التمتع ينقطع إذا دخل وقت الحج، ووقت الحج يكون في ضحى اليوم الثامن، فمن لم يصل إلى مكة إلا بعد خروج الناس إلى منى نقول: لا تأت بعمرة، فقد انتهى وقت العمرة. لأن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] فجعل عمرة وحجاً وجعل غاية بينهما مسافة، لقوله: (إلى الحج) فإذا وصل في هذا اليوم قلنا له الآن: إما أن تحرم مفرداً، وإما أن تحرم قارناً. والضحى قبل الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين إلى منى وصلى بها الظهر، يعني: قبل الزوال بساعة أو ساعتين. وإذا انتهى من العمرة قبل ساعة أو ساعتين من الزوال فليس بلازم أن يخلع الثوب، أي: لا بأس أن يبقى على ثياب إحرامه ويعقد الحج بالنية. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 15 القول بوجوب الأضحية على كل قادر السؤال يقول الحنفية وابن تيمية رحمه الله بوجوب الأضحية على كل أحد، وإذا كان على هذا القول فقولك بارك الله فيك: بأن الولي في البيت أضحيته مجزأة عن أهل البيت هذا خلاف لقولهم؟ الجواب لا هم لا يقولون: إن على كل أحد أضحية، الأضحية واجبة على حسب ما جاءت به الشريعة، لم يقولوا: كل شخص يضحي. يعني مثلاً: أهل البيت يضحون، وليس بلازم أن كل شخص يضحي، لا يريدون هذا. ولا يشترط على كل أحد أن يضحي، بل قلنا: إن كل شخص يضحي هذا خلاف السنة، لكن نقول: هذا البيت ما داموا قادرين لا يمكن أن يتركوا الأضحية لا بد أن يضحوا. ولهم أدلة ومناقشات ليس هذا وقتها، لكن ارجع إلى كتابنا الأضحية والزكاة فإن فيه إن شاء الله الكفاية. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 16 حكم ترك رمي الجمار أو رميها قبل الزوال السؤال كثير من الحجاج حجزوا على الطيارة في يوم الثالث عشر على أنهم سيرجعون في يوم الثاني عشر، وربما أن ذا القعدة أصبح ثلاثين يوماً فصار اليوم الثالث عشر هو الثاني عشر، فكثير منهم عجلوا ورموا الجمار قبل الزوال لكي يدركوا الطيارة، فهل نقول: يمكنهم الرمي والسفر؟ الشيخ: الآن الفرق ما نقول ساعات الفرق يوم. السائل: بعضهم حجز ليوم الثالث عشر، ثم صار يوم الثالث عشر اثنا عشر. الشيخ: ولماذا لا تؤجل الرحلة؟ السائل: لا يوجد حجز، وكثير من الحجاج الذين يحجزون على الطائرة هكذا، فهل يعني: إذا ما رموا الجمار قبل الزوال ما أدركوا الطائرة. الشيخ: أنا أرى في هذه الحال أنهم ينزلون مكة ويطوفون طواف الوداع ويمشون، والقادم منهم يذبح فدية في ترك الواجب الذي هو الرمي. السائل: ما يسقط عنهم؟ الجواب ما يسقط عنهم لأنه واجب. السائل: بعض المشايخ يبيح للعجائز أو لكبار السن عند الزحمة أنه يرمي -إذا وجدت مثل هذه الأشياء الطارئة- قبل الزوال. الشيخ: لا أرى هذا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للضعفاء الذين رخص لهم في العيد أن يرموا قبل الزوال، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص مع وجود السبب دل هذا على أنه لا يجوز، لكن نقول: إنهم محصورون الآن كالمحصن، حصروا عن فعل الواجب، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] هذا أقرب شيء. السائل: يذبحه في مكة؟ الشيخ: في مكة، أو يوكل عليه لا مانع في ذلك. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 17 حكم المبيت في منى ومزدلفة السؤال هل يجب المبيت في منى كل الليل أم أغلبه وكذلك مزدلفة؟ الجواب أما مزدلفة فليبق حتى يصلي الفجر ويسفر جداً، هذا هو الأفضل، ولكن إذا كان معه ضعفة فلهم أن يدفعوا آخر الليل -أي: قبل الفجر في الثلث الأخير من الليل- وأما منى فأمرها سهل؛ لأنها ليست كـ مزدلفة في وجوب المبيت بها، والواجب أن يبقى فيها معظم الليل وليس الواجب أن يبقى كل الليل، لكن لو فرض أنه لم يجد مكاناً في منى نقول: انزل حيث انتهت خيام الناس. وكذلك لو فرض أنه نزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة ولكنه لم يستطع الوصول إلى منى إلا بعد طلوع الفجر، فنقول: لا شيء عليك. السائل: في مزدلفة من خرج بعد منتصف الليل بغير عذر يعني: ليس معه ضعفة؟ الشيخ: لا، نقول: لا تخرج إلا في الثلث الأخير من الليل. السائل: يكون عليه هدي يا شيخ؟ الشيخ: لا بد أن ينظر في السبب: هل هو مسافر وخرج قبل الوقت المحدد، هل هو جاهل أو غير جاهل، وهل لعذر أو لغير عذر، بمعنى: هل المرور منعه أن ينزل، لأن الإنسان أحياناً لا يستطيع أن ينزل فيمشي مشياً مباشرة. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 18 حكم الهدي إذا كسرت يده السؤال فضيلة الشيخ: بارك الله فيك! اشتريت هدياً في أيام الحج، فأثناء إنزاله من السيارة انكسرت يده وأول ما اشتريته وهو سليم فماذا عليَّ؟ الشيخ: يكون هذا لك، واشتر شيئاً سليماً واذبحه. السائل: إذا كان في هذا الوقت ليس معي مال؟ الشيخ: تصوم ثلاثة أيام في الحج أيام التشريق وسبعة إذا رجعت. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 19 مكان ذبح الأضحية السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة للأضحية إذا سافر الشخص إلى بلد آخر هل يضحي في البلد الذي سافر له أم يوكل في بلده؟ الشيخ: أهله معه أو في بلده؟ السائل: في بلده. الشيخ: إذاً الأفضل أن يوكل من يضحي عن أهله؛ لأجل أن يتمتع الأهل بالأضحية. السائل: وإذا كان أهله معه؟ الشيخ: يضحون حيث أدركهم العيد. السائل: طيب جزاك الله خيراً هيئة الإغاثة ألا تعتبر في مثابة الموكل إذا أراد أحد أن يسافر؟ الشيخ: بلى، هي بمنزلة الوكيل، لكن يكون التوكيل في بلد الإنسان وليس في بلد أخرى، أي: أن المحظور في هيئة الإغاثة أنها تضحي في بلد آخر، أما لو كان في بلدك فلا بأس أن توكلهم وتقول لأحدهم: أنا سوف أسافر فضح عني وأعط الأضحية أهلي فهذه لا شيء فيها. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 20 حكم النكاح إذا لم يعلم عدد الرضعات السؤال فضيلة الشيخ: رجل عقد على امرأة وبعد ذلك وجد عجوزاً كبيرة تقول: إنها أرضعتهما ولا تعلم كم عدد الرضعات؟ الجواب لا يحتار. النكاح صحيح والملكة صحيحة؛ لأنه لا بد أن نعلم أن الرضاع بلغ خمساً فأكثر. السائل: هذه لا تعلم عدد الرضعات العجوز كبيرة وعمرها نحو تسعين سنة ولا تدري. الشيخ: إذاً الملكة صحيحة ولا شيء عليهم. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 21 حكم الحلق والذبح قبل الفجر في منى السؤال رجل دفع في الثلث الأخير من مزدلفة فحلق وذبح الهدي ورمى الجمرة قبل طلوع الفجر؟ الجواب الذبح لا يكون إلا بعد طلوع الفجر. السائل: لا يجزئ يا شيخ؟ الشيخ: لا يجزئ إلا بعد طلوع الفجر، أما الحلق والرمي فلا بأس. السائل: يقدم الحلق؟ الشيخ: لا بأس. السائل: والفجر مباشرة يرمي؟ الشيخ: لا. إنما يرمي قبل الفجر متى ما وصل إلى منى يرمي. السائل: الهدي بارك الله فيك؟ الشيخ: الهدي إذا طلع الفجر جاز له أن يذبحه، وقبل الفجر لا يجوز؛ لأن يوم النحر معناه أنه لا يدخل إلا بعد طلوع الفجر. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 22 حكم ذبح الهدي إذا كسرت قدمه السؤال لماذا رخصنا للعجزة والضعاف والمضطرين في النفور من مزدلفة قبل الوقت ولم نرخص لهم في رمي الجمار قبل الوقت؟ الجواب رخصنا للضعفة في الدفع من مزدلفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم. السائل: ألا يقاس على رمي الجمرات؟ الشيخ: لا يصح القياس؛ لأن العلة موجودة في عهد الرسول، الزحام الذي يكون عند رمي الجمرات في أيام التشريق هو الذي يكون عند رمي جمرة العقبة يوم العيد، ومع ذلك لم يرخص لهم. السائل: الهدي يعطى للراجل وغيره؟ الجواب: لا بأس الذي لا يستطيع أن يذبحه بنفسه، أو بوكيله المباشر يعطي الراجل. السائل: الهدي التي كسرت يده إذا كنت لم أفعل هذا في السنة الماضية أفعله هذه السنة؟ الشيخ: انكسرت يده قبل أن تعينه، أم بعد ما عينته؟ السائل: بعد ما عينته. الشيخ: قلت هكذا؟ السائل: إيه وذبحته. الشيخ: ذبحته بهذه النية ولكن قبل أن ينكسر هل أنت عينته، أم اشتريت وتريد أن تجعله هدياً؟ السائل: لا اشتريته وهو هدي. الشيخ: افرض إنساناً اشترى عبداً يريد أن يكون كفارة هل يعتق قبل أن يقول أنت عتيق؟ السائل: لا. الشيخ: لا يعتق مع أنه اشتراه بنية العتق، لكن لا يعتق حتى يقول: إنه عتيق، أيضاً: اشترى بيتاً ليجعله وقفاً هذه نيته، هل يكون البيت وقفاً لمجرد الشراء، أو لا بد أن يقول: هذا وقف؟ السائل: لا بد أن يقول: هذا وقف. الشيخ: هذه أيضاً الأضحية أو الهدي اشترى هذه الشاة لتكون هدياً فهل قال: إنها هدي؟ إن كان كذلك فالآن تعينت، وإن لم يقل ذلك تعينت بالذبح لكن بشرط أن تذبح وهي سليمة. السائل: أنا يا شيخ أثناء شرائي لها ونيتي أنها هدي. الشيخ: لكن هل قلت: إن هذا هدي بلسانك أم لا؟ السائل: نعم قلتها. الشيخ: بلسانك؟ السائل: نعم. الشيخ: ثم انكسرت بعد ما قلت من كلامك؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً الحمد لله أجزأت، ما دام أن انكسارها ليس بسبب منك، أنت الذي أخذتها وأخرجتها من السيارة، أو أنت الذي أفزعتها حتى قفزت من السيارة، المهم إذا لم يكن ما هو منك فتجزئك. السائل: بعض العوام لا يعينون ويقولون: هذا هديي، وإنما يشتريه على أساس أنه بنية هدي لكن لا يعين؟ الشيخ: إذا لم يقل: هذا هديي، أو إذا سأله شخص: ما هذا؟ قال: هذا هدي، فهي لا يكون هدي. السائل: لأن غالب الناس يشترون الهدي على أساس أنه هدي لكن لا يعينون. الشيخ: نقول: ما دام أنها تعيبت اتركها واشتر غيرها السائل: ما تعيبت وإنما تعينت. الشيخ: السؤال الآن بارك الله فيك عن التي تعيبت قبل التعيين، لكن الآن تبينت أنها معينة قبل. السائل: لكن أقصد لك يا شيخ التعيين إذا ما عينت أن هذا هدي لكن اشتريته على أنه هدي؟ الشيخ: ما صار هدياً، ولهذا يجوز لك أن تبيعه لأنك لو اشتريته على أنه هدي، ووجدت من قال: بكم اشتريت هذا؟ تقول: بمائتين، قال: أريده بمائتين وخمسين، لك أن تبيعه منه، لأنك ما عينته باللفظ. السائل: يوجد كثير من الناس الآن يشترون الهدي ولا يعينونه. الشيخ: لكن الغالب أنه يذبح وهو ما قال شيئاً، هو إذا ذبحها تعينت، لأن التعيين يحصل إما بالقول وإما بالذبح، فالذبح يعتبر تعييناً، لكن النية بلا قول ولا ذبح هذه لا تصلح. السائل: هذا مثل وكالة الراجحي أنا أعطيه المال وأنا لم أرها ولم أعينها. الشيخ: هذه المشكلة من وكالة الراجحي أو غير وكالة الراجحي أو الإغاثة، هذه مشكلة؛ لأن الإغاثة الآن إذا اجتمع عندهم ألفا رأس لا يقولون: هذه أضحية موسى، وهذه أضحية محمد، وهذه أضحية عبد الله، وإنما يريدون أن يذبحوها عن هذا المجموع، طيب! أنا الآن لا أدري أين أضحيتي. وأنا قلت لكم في أثناء الكلام: إن الخروج عن العمل المشروع لا بد أن يحدث مشاكل. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 23 بم يكون إدراك الحاج؟ السؤال جرى نقاش حول إدراك الحج: هل الذي يأتي إلى عرفة بعد غروب الشمس يكون مدركاً للحج؟ الجواب نعم، ما دام أنه أتى قبل طلوع الفجر يوم العيد فقد أدرك. الجزء: 92 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [93] وافق هذا اللقاء نهاية العام الهجري، فكان حديث الشيخ عن أصناف الناس وأحوالهم بالنسبة لحياتهم، فمنهم مجتهد، ومنهم مقصر، ومنهم خاسر لدنياه وأخراه. ثم أجاب عن الأسئلة والتي كان معظمها متعلق بالصلاة والحج. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 1 أقسام الناس بالنسبة لزمانهم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والتسعون من لقاء الباب المفتوح والذي يتم يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1415هـ) وحيث إن هذا اللقاء هو آخر لقاء في هذا العام، وأنه أعقب موسم الحج؛ فإننا نهنئ أنفسنا وإياكم بما منَّ الله به على المسلمين في هذا العام من الحج الهادئ الذي تم فيه أداء النسك على الوجه الأتم، وعلى أكمل راحة ولله الحمد، لا من جهة الجو والطقس حيث كان بارداً في الليل ومقبولاً في النهار ولا سيما في يوم عرفة حيث أظل الله المسلمين بالغمام. ثم إننا نشكر الله سبحانه وتعالى أن أمضينا من أعمارنا عاماً كاملاً، نرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون قد استفدنا منه وانتهزنا فرص العمر؛ وذلك لأن العمر لحظات ودقائق وأيام تمضي سريعاً وتزول جميعاً، والسعيد من عمرها بطاعة الله عز وجل، وليس للإنسان من عمره إلا ما أمضاه بطاعة الله، أما ما لم يمضه في طاعة الله فهو إما خسارة وإما عقوبة وإثم، فالناس بالنسبة لزمانهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: الجزء: 93 ¦ الصفحة: 2 قسم استغل وقته في طاعة ربه قسم أمضى زمانه في طاعة ربه حتى في العادات التي اعتادوها من أكل وشرب ولباس ودخول وخروج وغير ذلك إذا ابتغى به وجه الله أثابه الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لم تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) فهؤلاء هم الرابحون الذين استغلوا الوقت ولم يمض عليهم ساعة من الزمن إلا ولله تعالى فيها طاعة من هؤلاء البررة الأطهار. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 3 قسم أمضى عمره في معصية الله تعالى القسم الثاني: عكس ذلك من أمضى عمره في معصية الله عز وجل وفي اللهو والسهو والترف الذي فيه التلف حتى ضاع عليه العمر وندم ولات ساعة مندم، تجده يُمضي عمره في غير ما يرضي الله عز وجل، وإذا أتى بالطاعة أتى بها على الوجه الذي لا يقرب منه، بل ربما يأتي بالطاعة على وجه العادة فقط اعتاد أن يفعل هذا الشيء فصار جبلة له وطبيعة دون أن يقصد به وجه الله وهذا أيضاً خاسر غاية الخسران والعياذ بالله. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 4 قسم خلط عمره بأعمال صالحة وسيئة القسم الثالث: من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فصار لهم نصيباً من حياتهم ولكنه ليس النصيب الأكمل، ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرص العمر قبل أن ينتهي عمره وهو لا يشعر فيضيع عليه الوقت. كم من إنسان أمَّل أملاً بعيداً، وعُمراً مديداً ولكن حال بينه وبين ذلك غيب المنون فاقتنصته الآجال، وصار بعد الوجود إلى الزوال، ولنا أسوة فيما يقع من الحوادث التي نشاهدها أحياناً ونسمع بها أحياناً تتكرر كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر يلبس الإنسان ثوبه، ويزر إزاره بيده، ثم لا يفك هذا الإزار إلا الغاسل والإنسان على سرير غسله. يدخل السيارة فاتحاً الباب مغلقاً على نفسه ثم لا يخرج منها، بل يخرج ميتاً جنازة، وفي هذا عبر لمن اعتبر نسأل الله يجعلنا وإياكم من المعتبرين. أما فيما يتعلق في ختام هذا العام فإنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه وأن ينظر ماذا قدم في هذا العهد ماذا قدم لنفسه إن كان مسرفاً فليستعتب وليتب إلى الله عز وجل (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، وإن كان محسناً فليحمد الله عز وجل وليسأل الله الثبات على ذلك، ويجب أن يبعد عن نفسه الغرور والعجب بما أنعم الله عليه من نعمة الإسلام وفعل الخيرات، لأنه إذا أُعجِبَ وغُرَّ بنفسه دخل في قول الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] . فنسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم من أعمالنا نصيباً نتقرب به إلى الله عز وجل، وألا يجعل ما علمنا وبالاً علينا إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 93 ¦ الصفحة: 6 حكم من حج وترك طواف الإفاضة السؤال رجل حج قارناً وفي اليوم الثاني عشر من ذي الحجة طاف طواف الوداع ورجع إلى بلده؟ الشيخ: ولم يطف للإفاضة؟ السائل: ما نوى ولا طاف ولا سعى، ولكن يقول: إنه طاف طواف الوداع. الشيخ: أول ما قدم سعى؟ السائل: طاف وسعى أول ما قدم. الشيخ: هذا الرجل الذي حج حج قران وطاف للقدوم أول ما قدم إلى مكة وسعى، ثم بعد أن وقف بـ عرفة ومزدلفة طاف للوداع وانصرف، نقول: إنه بقي عليه طواف الإفاضة وهو ركن لا يتم الحج إلا به، ويبقى عليه من الإحرام التحلل الثاني، وعلى هذا فلا يقرب زوجته إن كان ذا زوجة، ويجب عليه أن يكمل حجه ما دام الشهر باقياً الآن يجب عليه أن يسافر إلى مكة، والأفضل أن يأخذ عمرة حين يمر بالميقات فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف طواف الإفاضة. السائل: يا شيخ هذا كان قبل ثلاث سنوات. الشيخ: إذاً: لابد الآن أن يذهب إلى مكة ولو كان قبل ثلاث سنوات الآن يجب عليه أن يذهب إلى مكة ويفعل ما قلت لك، يأتي بعمرة؛ لأنه مر بالميقات ويريد إكمال النسك، فيحرم بعمرة ويطوف ويسعى لها ويقصر ثم يأتي بطواف الإفاضة. وأما جماع زوجته أنا أرى أن نعاقبه بالأشد؛ لأن الرجل متهاون له ثلاث سنوات وما سأل وهذه مشكلة، لكن على القول: بأن الجاهل لا يلزمه شيء نقول: إذا تاب إلى الله وأصلح عمله فإنه لا يلزمه سوى ما ذكرت. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 7 حكم الوقف إذا اشتمل على بدع ومحرمات السؤال فضيلة الشيخ: هذا شخص يسأل ويقول: في أحد مكتبات المساجد كتبٌ فيها بدع وكتب فيها صور ويقال: إن أصحابها جاءوا بها وقفاً على هذه المكتبة! فماذا نفعل بهذه الكتب التي في المكتبة، وهي مكتبة أحد المساجد؟ الجواب الواجب على القائمين على مكاتب المساجد إذا رأوا كتباً فيها بدع أو فيها صور فاتنة أن يحرقوا هذه الكتب، وألا يبقوها في أيدي الشباب؛ لأنها تضرهم من ناحية العقيدة، وتضرهم أيضاً من ناحية الأخلاق فيما يتعلق بالصور، حتى وإن كان صاحبها أوقفها، لكن إن كان صاحبها حياً فينبغي أن يبلغ، ويقال: إن هذا لا يحل لك أن تجعله في المكتبة، ونرى أن تشتري بدله من الكتب المفيدة. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 8 حكم التمتع في الحج لمن أتى في اليوم الثامن السؤال من وصل إلى الميقات في اليوم الثامن هل له أن يتمتع؟ وإذا كان له ذلك هل الأفضل التمتع أم القران؟ الجواب إذا وصل إلى الميقات في اليوم الثامن قبيل الظهر فلا أرى أن يأتي بعمرة؛ لأن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] فلابد أن يكون هناك وقت يفصل بين العمرة وبين الحج، والإنسان إذا وصل إلى الميقات بعد أن دخل وقت الحج مأمور أن يخرج إلى منى، وأن يسعى في الحج ويكمل الحج. وبناءً على ذلك: أرى أن الأفضل لمن مر بالميقات في الوقت الذي يخرج الناس فيه إلى منى أرى أن يأتي بقران، وألا يأتي بتمتع؛ لأن التمتع في الحقيقة فات وقته إذ أن الله يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] وهذا يدل على أن هناك فاصلة ووقتاً بين العمرة الحج. ونقول: إذا كنت تريد أن يحصل لك حجٌ وعمرة فأقرن والقران يحصل به حجٌ وعمرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (طوافك بالبيت وبـ الصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك) . ومعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه خرجوا إلى منى في ضحى اليوم الثامن. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 9 حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم في تبادل التهنئة في بداية العام الهجري الجديد؟ الجواب أرى أن بداية التهنئة في قدوم العام الجديد لا بأس بها ولكنها ليست مشروعة بمعنى: أننا لا نقول للناس: إنه يسن لكم أن يهنئ بعضكم بعضاً، لكن لو فعلوه فلا بأس، وإنما ينبغي له أيضاً إذا هنأه في العام الجديد أن يسأل الله له أن يكون عام خيرٍ وبركة فالإنسان يرد التهنئة. هذا الذي نراه في هذه المسألة، وهي من الأمور العادية وليست من الأمور التعبدية. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 10 حكم نيابة من لا يصلي في الحج السؤال فضيلة الشيخ: رجل ملتحٍ يحج عن الناس ولا يصلي، ما صحة الحج؟ الجواب الرجل الذي لا يصلي أبداً لا في المسجد ولا في البيت هذا كافر مرتد، يجب أن يدعى إلى الصلاة وإلا قتل كافراً، يعني: هو مرتد، ولا يصح حجه، حتى لو حج لغيره فإنه لا يصح لأنه كافر، وقد قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] مع أن النفقات نفعها متعدٍ ومع ذلك لا تقبل منهم لكفرهم، وعلى من علم أن هذا الرجل كافر عليه أن يغرمه ما أعطاه من الأموال وأن يحج بدل هذه الحجة إذا كانت فرضاً، وإن كانت تطوعاً فليس عليه شيء يعني: إن شاء أقام من يحج عنه، وإن شاء حج بنفسه وإن شاء لم يحج. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 11 الفرق بين الغيبة والنميمة السؤال ما الفرق بين الغيبة والنميمة، وهل هناك أحوال يجوز للإنسان أن يغتاب فيها الناس؟ الجواب الفرق بين الغيبة والنميمة، أن الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، بأن تسبه في دينه أوخلقه أو خلقته أو عمله أو أي شيء، فإذا ذكرته بما يكره في غيبته فهذه الغيبة، (قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) . وأما النميمة فهي: نقل كلام الناس بعضهم لبعض بقصد الإفساد مثل: أن يأتي إلى شخص ويقول: إن فلان يقول فيك كذا وكذا، سواء كان صادقاً أو كاذباً، هذه هي النميمة مأخوذة من نم الحديث إذا عزاه إلى غيره، والنميمة أعظم من الغيبة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مر بقبرين وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فهذا هو الفرق بينهما. أما هل تجوز الغيبة أو النميمة؟! فهذا ينظر إذا كان ذلك للمصلحة فلا بأس أن تذكره بما يكره إذا كان للمصلحة، مثل: أن يأتي إليك رجل يستشيرك في شخص يريد أن يعامله أو يزوجه وأنت تعلم أن فيه شيئاً مذموماً فلك أن تذكر ذلك الشيء، فإن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستشيره حيث تقدم لها ثلاثة رجال: أبو جهم ومعاوية بن أبي سفيان وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: من تتزوج منهم فقال: (أما أبو جهم فضراب للنساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة) فهنا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر معاوية وأبا جهم بما يكرهون لكن لإرادة أن ينصف، فهذا لا بأس به. كذلك النميمة لو نممت إلى: إنسان ما يقول به شخص آخر ترى أن هذا الشخص صديق له واثق منه، ولكن هذا الصديق الذي وثق منه ينقل كلامه إلى الناس، فتأتي إليه وتحذره وتقول: إن فلاناً ينقل كلامك إلى الناس، وأنه يقول فيك كذا،وكذا فهذا أيضاً لا بأس به، بل قد يكون واجباً. والمسألة تعود إلى: هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة الغيبة فتقدم المصلحة، هل في ذلك مصلحة تربو على مفسدة النميمة فتقدم المصلحة؛ لأن الشرع كله حكمة يوازن بين المصالح والمفاسد فأيهما غلب صار الحكم له، إن غلبت المفسدة صار الحكم لها، وإن غلبت المصلحة صار الحكم لها، وإن تساوى الأمران فقد قال العلماء رحمهم الله: درأ المفاسد أولى من جلب المصالح. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 12 حكم جمع الصلوات بدون عذر شرعي السؤال فضيلة الشيخ: أناس بعد رمي جمرة العقبة لم يؤدوا جميع الصلوات حتى قدموا إلى أهلهم، فعند قدومهم جمعوا صلاة أربعة أيام مرة واحدة! الشيخ: ولماذا؟! السائل: بحجة أنهم متعبون! الجواب هؤلاء الذين ذكرت أنهم لما رموا جمرة العقبة تركوا الصلاة حتى رجعوا إلى أهلهم وعذرهم في ذلك أنهم متعبون نقول: إن هؤلاء آثمون؛ لأنهم أخروا الصلاة بلا عذر شرعي ولا ينفعهم قضاؤها، يعني: لو قضوها ألف مرة فإنها لا تقبل منهم؛ لأنهم خرجوا بها عن الوقت الذي حدده الله سبحانه وتعالى بلا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. فبلغهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يرجعوا إليه مما صنعوا وألا يقدموا على شيء في العبادات إلا بعد أن يسألوا أهل العلم. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 13 حكم إقامة أكثر من جماعة في نفس المسجد السؤال إذا انتهت جماعة المسجد من الصلاة ودخلت جماعة أخرى تبدأ بالصلاة، ودخلت جماعة ثالثة وبدءوا بالصلاة ما حكم الجماعة الثانية من ناحية الصحة والبطلان؟ الجواب أما الجماعة الأولى التي أقامت الصلاة بعد أن فاتتها جماعة المسجد هؤلاء مأجورون مثابون على عملهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) ، ولأن رجلاً دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وقد فاتته الصلاة فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام إليه بعض الصحابة وصلى معه) . أما الجماعة الثالثة التي جاءت والجماعة الثانية تصلي فصلوا وحدهم فهؤلاء مفارقون لجماعة المسلمين وأرى أن يعيدوا صلاتهم احتياطاً؛ لأنهم فارقوا الجماعة، اللهم إلا أن يكون هناك لهم عذر مثل أن يقولوا: هؤلاء يصلون صلاة العشاء ونحن نصلي صلاة المغرب، فهم قد يكون لهم شبهة ووجهة نظر لكن مع ذلك نرى أن يدخلوا مع الجماعة الثانية ولو كانوا يصلون العشاء وهؤلاء يصلون صلاة المغرب؛ لأن اختلاف نية الإمام والمأموم لا يضر على القول الراجح. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 14 ضابط الجمع بين الصلاتين للمسافر السؤال شخص يسافر إلى البلاد الكافرة ويقيم بها حوالي شهر ويكون في أوقات الصلاة خارج مقر إقامته فتصعب عليه الصلاة، فمثلاً: قد يكون في مكان يصلي الظهر ثم في مكان آخر قد لا تتسنى له صلاة العصر، فما هو أسهل أمر له، هل ترون الجمع أو القصر وما هي أسهل طريقة حفظكم الله؟ الجواب نرى أن المسافر إذا كان لا يمكنه أن يصلي كل صلاة في وقتها إلا بمشقة أو بفوات مصلحة أن يجمع إما جمع تقديم أو جمع تأخير، حسب ما يكون أيسر له وأسهل في حاجته سواء كان يريد البقاء شهراً أو شهرين أو أكثر؛ لأنه ليس هناك دليل على تحديد المدة التي ينقطع بها السفر، وعلى هذا فنقول لهذا الأخ: اجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير حسب ما يتيسر لك، وكذلك بين المغرب والعشاء. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 15 مقدار المبيت الواجب بمنى السؤال ما مقدار المبيت بـ منى؟ الجواب ذكر العلماء رحمهم الله: أن المبيت بـ منى واجب وأن يكون معظم الليل. مثلاً: إذا قدرنا أن الليل عشر ساعات فليكن خمس وساعات ونصف كلها بـ منى، وما زاد على ذلك فهو سنة. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 16 حكم الجدال في الطريق إلى الحج السؤال أناس يتجادلون في الطريق إلى الحج، فهل هذا صحيح؟ الجواب يقول الله عز وجل في الحج: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] والجدال ثلاثة أنواع: الأول: جدال يريد به إثبات حق فهذا واجب حتى وإن كان الإنسان في الحج، ما دام يريد إثبات الحق فواجب عليه أن يجادل لكن بالتي هي أحسن لقول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] لا يقول: إن هذا جدال والله يقول: {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] نقول: هذا جدال واجب لابد منه، وهو دفاع في الواقع عن الحق أو إثبات له. والثاني: جدال في أمور ليست حقاً ولا باطلاً، مثل أن يقول: الشيء الفلاني الذي في الجبل إنسان، وهذا يقول: حجلة، وهذا يقول: حجر وما أشبه ذلك ويتجادلون، هذا أيضاً منهي عنه لما فيه من تحريك النفس وصدها عما هي بصدده من الإقبال على النسك. والثالث: أن يكون جدالاً باطلاً بمعنى: أنه يجادل وهو يعلم أن الحق بخلاف ما يقول، لكن يريد أن ينتصر لنفسه وأن تكون كلمته هي العليا فهذا آثم، آثم من جهة أنه جادل وهو محرم بالحج، ومن جهة أنه أراد أن يحق الباطل ويبطل الحق. وفي هذه الحال: حبذا لو أن القافلة جعلت لها أميراً يحدد لها المصالح حتى لا يحصل النزاع؛ لأنه أحياناً يكون جدال: يقول: نريد أن نبقى، والثاني يقول: نمشي، هذا يقول: نقدم الغداء وهذا يقول: نؤخره، ويحصل جدال، إذا كان هناك أمير فحسن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يأمروا أحدهم. وتأمير هذا الواحد ليس معناه: أنه أمير بلا إمارة بل هو أمير له إمارة وله كلمة يجب قبولها؛ لأنه لما كان أميراً صار من أولياء الأمور، وقد أمر الله بطاعة ولي الأمر إذا لم يأمر بالمعصية. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 17 صور من البيوع التي يدخل فيها الربا السؤال رجل يبيع سيارات فأتاه شخص يريد أن يشتري منه سيارة، فقال: عندي سيارتان السيارة الثانية أفضل من السيارة الأولى، وسوف أشتريها لك وأبيعها لك كما تشاء إما نقداً أو تقسيطاً، والنقد حوالي أربعين ألف والتقسيط اثنين وستين ألف، فما حكم هذا البيع هل فيه ربا؟ الجواب إذا كان هذا الذي يريد أن يبيع السيارة ليست السيارة في ملكه ولكن يريد أن يشتريها لهذا الشخص، فهذا حرام عليه أن يأخذ أكثر من القيمة التي دفع، فإذا اشتراها بخمسين لا يجوز أن يبيعها بواحد وخمسين؛ لأنه إن فعل ذلك وقع في الربا، ولكن يبيعها بخمسين ويكون قد أقرض المشتري ثمن السيارة، وهذا خير. أما إذا كانت السيارات موجودة عند الرجل وصار الناس يأتون يشترون منه فيقول لهم: إن اشتريتم بتقسيط فهو بكذا، وإن اشتريتم نقداً فهو بكذا، يعني: أنزل، مثلاً يقول: هي بالتقسيط بستين ألف، وهي بالنقد بخمسين ألف، فهذا لا بأس به، إذا أخذها المشتري بأحد الثمنين؛ لأن هذا لا محظور فيه، وليس فيه ربا، وليس فيه جهالة وغرر، بل هو بيع واضح، لن ينصرف المشتري إلا وقد علم حاله هل اشتراها بمؤجل أو اشتراها بنقد. وأما ما ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: إن هذا من البيعتين في بيعة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعة، فهذا ليس بصواب، لأنك إذا قلت: هذه بعشرين نسيئة أو بعشرة نقداً فأخذها بأحد الثمنين فليس هناك بيعتان، هي بيعة واحدة لكن خُيِّرَ الإنسان فيها بين ثمنين، أحدهما أكثر ولكنه مؤجل والثاني أقل ولكنه نقد. والبيعتين في بيعة إنما تنطبق على مسألة العينة وهي: أن يبيع الإنسان شيئاً بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين نقداً، فإن هذا هو العينة التي حذرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم) . الجزء: 93 ¦ الصفحة: 18 حكم من بدأ رمي الجمار بالعكس جاهلا ً السؤال رجل رمى الجمار في اليوم الحادي عشر وبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى فما الحكم؟ الشيخ: إذا بادر بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى صحيح. السائل: لا -يا شيخ- بدأ بالعقبة. الشيخ: العقبة تسمى الكبرى. السائل: ثم الوسطى ثم الصغرى. الشيخ: عكس. السائل: نعم. الشيخ: جاهلاً أو عالماً؟ السائل: جاهلاً. الشيخ: لو كنا الآن في وقت الجمار قلنا له: اذهب وارم الوسطى ثم العقبة وينتهي الإشكال، لكن الآن وقد فات الأوان وانتهت أيام الرمي وهو جاهل لا يدري فأرى ألا شيء عليه إن شاء الله؛ لأنه جاهل، لكن عليه وعلى غيره ممن يريد الحج أو العمرة أن يعرف الأحكام قبل أن يشرع في العبادة؛ لئلا يقع في خطأ، ثم بعد ذلك يحاول أن يصحح هذا الخطأ. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 19 حكم الخروج من صلاة الفريضة السؤال فضيلة الشيخ: أنا من أهل المدينة وصليت في الحرم، وأتى رجل وقد فاتته ركعة -وأنا لم تفتني ولا ركعة- ورائحته دخان، فلما أتى بجانبي خرجت من الصلاة وتأخرت إلى الثاني فهل هذا يجوز أم لا؟ الجواب إذا صلى إلى جنبك أحدٌ رائحته كريهة سواء بسبب الدخان -في ملابسه- أو بصل أو ثوم أو غير ذلك: فإن كان يمكنك أن تؤدي صلاتك بطمأنينة وراحة فإنه لا يحل لك أن تنصرف منها؛ لأن الفريضة إذا دخل فيها الإنسان حرم أن يخرج منها إلا لضرورة. وأما إذا كنت لا تحتمل هذا ولا تستطيع، وخشيت من أن يكون فيك دوخة أو أن تتقيأ، أو على الأقل شوش عليك صلاتك، فهنا لا بأس أن تدع هذا المكان إلى مكان آخر خالٍ من ذلك. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 20 علاج العين والسحر السؤال فضيلة الشيخ رجل تزوج امرأة، ومنذ ليلة الزواج وامرأته يأتيها آلام وأوجاع، والآن لها ما يقارب ثلاث سنوات من الزواج، ولما ذهبت إلى أهلها أخذها أخوها إلى رجل يقرأ -يثنى عليه ويذكر بخير- فلما ذهب بها إليه وفي مكان في المجلس قال لها: انظري إلى الجدار وانظري فوق الدائرة وشدي خطوتك عليك وقُرّبَتْ منه، ثم أخذ المشلح الذي عليه ووضعه على رأسها وغطى بعض جسمها، ثم بعد ذلك مسك إصبعها ثم وضع يده على رأسها، ثم قرب منها فقال: أنت بك عين، والذي عانك امرأتان فيهما عور أحدهما أمك وعين أمك محبة، والأخرى زوجة عم زوجك، وأراهما الآن في جبهتك، ويصف المرأة أن عرض جبهتها قدر إصبعين من أصابعه ثم أخذ يتمتم تقول المرأة: لم يقرأ أي حرف، يتمتم ولا أستطيع أن أجزم أنه يتمتم. قرأ الفاتحة ثم بعد ذلك قالت: إني أرى رجلاً يأتيني في غرفتي ويزعجني في المنام فقال: لا عبرة بهذا الرجل، أنت الذي بك هو ما قلت لك. ثم بعد ذلك تأتين يوم الثلاثاء القادم بسدر وملح مخلوط مع بعضه وماء وزيت ثم سأقرأ به، فبعدما أتى أخوها يوم الثلاثاء القادم بالزيت أخبره بالمرأة الثانية قال: المرأة الثانية زوجة عم الزوج، فما رأيك بهذا؟ الشيخ: وهل هذا الرجل الذي أخبر بأن الذي أصابها بالعين فلانة وفلانة هل هذا حقيقة؟ السائل: لا نعلم. الشيخ: إذاً: من أين جاءه هذا العلم، أنا أخشى أن يكون هذا من المشعوذين المفرقين بين الناس. السائل: أنا ناقشت أخا هذه المرأة وقلت: كيف تذهب بأختك إلى هذا الرجل؟ قال: إنه رجل يذكر بخير، وهو شيخ، وأنه شفى الله على يديه كثيراً من المرضى، وأنه يقرأ قرآناً وليس صحيحاً الذي قيل عنه، فقلت له أسألك سؤالاً واحداً: هو يقرأ، وقد يستخدم مثلاً جناً مسلمين يبشروه كما ذكر شيخ الإسلام مثلاً أو كذا، لكن أريد سؤالاً واحداً وهو أنه: كيف يرى المرأتين في جبهتها؟ الشيخ: على كل حال: أنا أرى أن يذهب إلى هذا وأمثاله، وأن يقال: إذا كان صاحب خير يقرأ على المصاب بالعين أو غيرها من الأمراض ويكفي، أو يعلم العائن ويطلب منه أن يفعل ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام. السائل: الآن زوجها يقول: هل آخذ من هذين المرأتين لزوجتي، أو أن أكون إذا أخذت منهما يكون من تصديق الكاهن؟ الشيخ: هو لا شك أنه إذا أخذ فهو مصدق، حتى نعرف عن هذا الرجل وعن حاله، قد يكون رجل ظاهره الصلاح لكنه يستعين بالجن، بأشياء محرمة، فمثل هذه الأمور يجب التوقف فيها. السائل: يعني لا يأخذ من هاتين المرأتين؟ الشيخ: لا أنا لا أشير عليه أن يأخذ منهن أبداً، يستعين بالله ويقرأ ويستعمل الأشياء المفيدة. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 21 كفارة قتل الخطأ السؤال فضيلة الشيخ: أولاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ نشهد الله على حبك فيه. ولي سؤال: امرأة عليها كفارة قتل الخطأ مثل صيام شهرين متتالين، صامت شهر وأتتها العادة فما الحكم؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك! أسأل الله تعالى أن يحبك كما أحببتني فيه. ثانياً: السلام عند إلقاء السؤال ليس له أصل؛ لأننا قد جلسنا جميعاً زمناً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام في المجلس دون أن يسلموا، لكن هذه اعتادها بعض الناس وما أعلم لها أصلاً. وسؤالك يحتاج أن ننظر كيف كان القتل؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا القتل موجب للكفارة وليس كذلك، ولهذا نسأل هذه المرأة ربما تقول: إنها نامت عند ابنتها أو عند طفلتها ثم قامت فوجدت الطفلة ميتة، فيقول لها الشيطان: أنت التي قتلتيها، وهذا ليس بصحيح، فلابد أن نسأل: هل هي سبب لموتها أو لا؟ وإذا قدرنا أننا وصلنا إلى غاية وهي أنها هي السبب في موتها، فعليها الكفارة وعلى عاقلتها الدية، والكفارة كما نعلم أو كما يعلم كثير منا هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ولا يقطع التتابع إذا أفطرت المرأة للحيض؛ لأن هذا فطر لابد منه، ولا يقطع التتابع أيضاً إذا أفطر للسفر، ولا يقطع التتابع إذا مرض فشق عليه الصوم، وهنا نقول القاعدة: أن ما يجب عليه التتابع من الصيام إذا قطعه لعذر شرعي فإنه لا ينقطع التتابع، فإذا زال العذر أكمل الصيام ولا يلزمه أن يستأنف من جديد. السائل: وأيام العيد يا شيخ؟! الشيخ: أيام العيد ما تقطع التتابع، يعني: يوم العيد في رمضان ويوم العيد في الأضحى وثلاثة أيام من أيام التشريق أربعة لا تقطع التتابع. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 22 حكم إقامة جماعة مع الجهل بوجود جماعة أخرى في المسجد السؤال بالنسبة لجماعتين في مسجد: الجماعة الثانية لا تدري أنه يوجد جماعة في هذا المسجد كما يوجد هذا كثيراً في الحرم أو غيرها من المساجد، فصلت فهل نقول: صلاتهم مقبولة، أم يلزمهم قطعها من حين الشروع في التكبير. الشيخ: دخلوا المسجد وظنوا أن الناس قد صلوا، فشرعوا بالصلاة، ثم تبين أن أهل المسجد لم يصلوا؟ السائل: لا، ثم تبين أن جماعة أخرى يصلون في جهة ثانية. الشيخ: هؤلاء ثم تبين أن جماعة أخرى يصلون في جهة ثانية. فهؤلاء لا يلزمهم قطع الصلاة؛ لأنهم دخلوا على وجه معذورين فيه؛ دخلوا على أنهم قد فاتتهم الصلاة، ومن فاتته الصلاة أقامها جماعة، فلا يلزمهم أن يقطعوا الصلاة. بخلاف ما لو دخلوا وكبروا على أن الناس قد خرجوا من الصلاة، ثم تبين أن الجماعة في المسجد لم يصلوا بعد، يعني: أقام المؤذن الصلاة وهم قد شرعوا في الصلاة، فهنا نقول: اقطعوها؛ لأن إمام المسجد ذو سلطان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه. فيفرق بينما إذا كانت الجماعة الأم الأولى أو جماعة لاحقة، فإن كانت الجماعة الأولى قطعوا صلاتهم ولو بعد شروعهم فيها ثم دخلوا في الجماعة الأولى، وإن كانت الجماعة الثانية قد فاتتهم الصلاة -مثلاً- فإنهم لا يقطعون الصلاة من أجلهم. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 23 الرد على من يقول بفساد حج من وطئ ناسيا ً السؤال يا شيخ! بعض أهل العلم يرون: أن وطئ الحاج الناسي المحرم يفسد الحج، واستدلوا: أنه يجب عليه غسل الجنابة وإنما المرفوع هو المأثم والمغرم، كيف يرد عليهم؟ الجواب نرد على هؤلاء الذين يقولون: إن الإنسان إذا جامع وهو صائم في رمضان أو جامع وهو محرم فعليه كفارة ويسقط عنه الإثم، نرد عليهم بأمرين: أمر أثري وأمر نظري: أما الأثري فنقول: إن الله تعالى قال في كتابه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] (فقال الله تعالى: قد فعلت) وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد. وحصل تطبيق عملي لهذه القاعدة: وهي عدم المؤاخذة بالجهل والنسيان. فقد أفطر الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء؛ لأنهم كانوا جاهلين، ظنوا أن الشمس قد غربت. وعدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلان اللذان تشد بهما يد البعير أحدهما أسود، والثاني أبيض، فجعل ينظر إليهما، فلما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمسك، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. ومعاوية بن الحكم تكلم في الصلاة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة. فالمهم أن نقول: هذه الأدلة تدل على أن الإنسان إذا فعل شيئاً محرماً جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه. أما الدليل النظري الذي نرد عليهم فنقول: إذا سقط الإثم لزم سقوط الكفارة؛ لأن الكفارة إنما تكون من أجل اتقاء عقوبة هذا الإثم، فإذا لم يكن هناك إثم فلا عقوبة. وعموم العفو في قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] يشمل العفو عن الذنب والعفو عن الكفارة. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 24 حكم حج من قلد الناس في حجهم السؤال امرأة تقول: إنها لا تعلم مناسك الحج الثلاثة، ولا تعلم النية فيهما، ماذا تقول في نيتهما؟ وتقول: لها خمس حجات وهي تحج، يوم التروية تذهب مع الناس إذا ذهبوا عرفة ومزدلفة وترمي الجمار وما لها نية محددة من الأنساك الثلاثة، فتسأل عن صحة حجها في هذه الأعمال؟ الجواب الظاهر أن حجها صحيح؛ لأنها كأنما تشاهدها الآن، كأنها تقول: أحرمت بما الناس محرمون به، والإحرام بما أحرم به فلان جائز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب في حجة الوداع وكان قد بعثه إلى اليمن مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال له: بما أهللت؟ قال: بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فإن معي الهدي فلا تحل -فجعله قارناً- وأما أبو موسى فقال أنه أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لما لم يكن معه هدي أمره أن يجعلها عمرة؛ لأن التمتع أفضل من القران. فهذه المرأة لا شك مما يظهر لنا أنها أحرمت بما أحرم به الناس، وأنها تقول: دربي درب الناس، لكن كما ذكرت قبل قليل: الواجب على الإنسان إذا أراد العبادة سواءً حجاً أو صوماً أو صدقة أو غير ذلك أن يتعلم قبل أن يتقدم، أما بعد أن فعل يأتي ويقول: ما الحكم؟ فهذا لا شك أنه خلاف الأولى. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 25 تحري زيادة العمر ونقصانه في الوثائق الرسمية السؤال فضيلة الشيخ! رجل له والد ولد عام ثلاثة وسبعين، وفي حفيظة النفوس مكتوب خمسة وسبعين، والوظائف الآن حددت لسن معين بحسبه يكون القبول والتقاعد وضعت الوزارة لجنة للنظر في مثل هذا السن، فهل له أن يتقدم إلى اللجنة للنظر في سنه لعدم وجود سابق شهادة ميلاد تحدد سنه؟ وهل عليه مأثم لو أنقصوا سنه أو زادوا؟ الشيخ: هو لماذا نقلها من ثلاثة وسبعين إلى خمسة وسبعين؟ السائل: لا يدري. والدي يرحل، وهو صاحب أغنام لا يدري! الشيخ: الواجب بارك الله فيك أن تقول له: يجب عليك التوبة، والتوبة ألا تستمر في الذنب يجب أن تبلغ المسئولين بأن الحقيقة أن ولادته عام ثلاثة وسبعين. السائل: لو ذهب إلى اللجنة وطلب النظر في سنه مرة ثانية؟ الشيخ: هذا طيب. السائل: واللجنة زودت أو نقصت في سنه. الشيخ: لا. اللجنة الآن إن كان يظن أنها لن تقبل قوله، ولن تلتفت له؛ فهذا لا فائدة منه، لا يذهب، أما إذا كان يرى أن اللجنة ستقبل ما يقول، وستبني عليه؛ فالواجب عليه أن يذهب ويقول: أنا عمري الواقع كذا وكذا. والرزق على الله، لا يمكن أن يستجلب رزق الله في معصيته إطلاقاً، لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] ومفهومها: أن من لا يتق الله لا يجعل له مخرجاً. السائل: يبني على قول والده يا شيخ؟ الشيخ: معلوم؛ لأنه هو نفسه يمكن ما يعلم متى ولد. الشيخ: طيب والده بدوي يرحل، ما يدري هو صواب أو خطأ، فالوالد صاحب ماشية ما يدري. على كل حال أولاً: كما قلت: إن الناس يغلب عليهم الجهل. وثانياً: أن الناس يغلب عليهم التهاون والطمع، وفي الأول ليست الأمور كاليوم -والحمد لله- في الأول الناس عندهم فقر ويريدون أن يصلوا إلى المال بأي طريق، لكن الحمد لله الآن تحسنت الأحوال، فالواجب أن يبلغ المسئولين بالواقع، هذا إذا كان يغلب على ظنه أنهم سيوافقونه، أما إذا كان يقول: لن يسمعوا لقوله فلا فائدة. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 26 حكم تجاوز الميقات بنية العودة إليه السؤال من تجاوز الميقات عالماً عامداً لكنه أراد الراحة، مثلاً: تجاوز ميقات قرن إلى الشرائع ليرتاح عند أقربائه، ثم يرجع إلى الميقات ويحرم منه، وهو يريد نسكاً، هل يأثم بهذا التجاوز أم أن الأمر فيه سهولة؟ الجواب لا الأمر فيه سهولة، يعني: الأفضل ألا يتجاوز الميقات حتى يحرم، ويمكنه أن يستريح عند أقاربه وهو محرم، والناس لا يرون في هذا بأساً ولا خجلاً ولا حياء، لكن لو فعل، وقال: سأذهب أستريح الآن، وأرجع إلى الميقات وأحرم منه؛ فلا حرج. السائل: تكون مدة أسبوع؟ الشيخ: ما هناك مانع أبداً، المهم أنه يتجاوز الميقات ونيته أن يرجع ويحرم منه. السائل: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. الشيخ: يلزمه أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه. السائل: بعد أم قرب؟ الشيخ: سواء بعد أم قرب. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 27 حكم صلاة المنفرد خلف الصف السؤال أنا إمام مسجد ويحصل من جماعة المسجد أن يأتي شخص مثلاً يصلي منفرداً خلف الصف، ويأتي البعض فيصف معه فأنا أنبههم على أن الصف لم يكتمل فأسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من وصل صفاً وصله الله ومن قطعه قطعه الله) فعلى ماذا يحمل هذا الحديث؟ وهل يأثم من لم يكمل الصف وصلى بجوار المنفرد؟ الجواب لا بأس، يعني: مثلاً إذا أتيت والصف ما اكتمل لكن وجدت هذا الرجل قد صف وحده خلف الصف فصف معه، هذا إذا كان في أول ركعة، أما إذا كان في ثاني ركعة فقد بطلت صلاة هذا الرجل فلا فائدة من أن تصف معه. وإذا كنت لا تعلم فأرى أن تصف معه أحسن، ويكون هذا ترك مستحب من أجل المعاونة على واجب. والحديث فيه نظر. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى في السنة القادمة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 93 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [94] تحدث الشيخ رحمه الله عما يجب على الداعية المسلم من أخلاق يتحلى بها لنشر دين الله في أرضه، فلابد أن يخلص نيته لله ويرجو بدعوته رضا الله تعالى، وأن يعامل المدعوين بحكمة ورفق، ويعلم حالهم قبل دعوتهم. وأجاب بعد ذلك عن الأسئلة الموجهة إليه، وكان من أبرزها ما يتعلق بالتعامل مع الحكام ومسائل الخروج عليهم. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 1 أخلاق الداعية المسلم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والتسعون من لقاءات الباب المفتوح، ويتم هذا في أول خميس من عام (1416هـ) وذلك في اليوم الثالث من شهر محرم، نسأل الله أن يجعله عاماً مباركاً علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله محفوفاً بالنصر العزيز والفتح المبين إنه على كل شيء قدير. إننا بافتتاح هذا العام الجديد نود أن نبين أنه لابد للأمة الإسلامية من الدعوة إلى الحق؛ لأن الدين الإسلامي لم يستقم إلا بالدعوة إلى الله، وقد قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] . والداعي لابد له من أمور تجب عليه مراعاتها: الجزء: 94 ¦ الصفحة: 2 إخلاص النية لله عز وجل وهذا هو أهم الأمور وأشدها على النفوس، حتى قال بعض السلف: [ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص] لأن الإنسان يعتري نفسه النظر إلى أشياء كثيرة: إما إلى الجاه، أو إلى القرب من الناس، أو إلى التصدر، أو إلى أمور دنيوية أخرى كثيرة تخدش الإخلاص وتخل به. فما هو الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل؟ الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل: أن ينوي الداعي قبل كل شيء أنه ممتثل لأمر الله، قائم بأمره، مطيعٌ له؛ لأن الله أمره بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وإذا نوى هذه النية صارت دعوته عبادة، لا يكتب كلمة إلا وله فيها أجر، ولا يلفظ بحرف إلا وله فيه أجر، ولا يمشي إلا وله أجر، ولا يجلس إلا وله أجر، ولا يقوم إلا وله أجر، ما دام في هذه المهمة العظيمة الدعوة إلى الله. ويضاد ذلك: أن يكون الإنسان يريد من القيام داعياً بين الناس أن يظهر أمامهم، وأن يجلوه، وأن يعظموه، وأن يجعلوه قائداً، فإن هذه نية دنيئة، أدنى من الدين الإسلامي، الدين الإسلامي يجب أن يكون هو المراد، وألا يكون المراد هو النفع الذاتي، فإن ذلك نقص عظيم. ثانياً من أمور الإخلاص: أن يقصد الإنسان بالدعوة إلى الله عز وجل إقامة دين الله في عباد الله، لأن الدين مثل الأرض الرياض الأرض الرياض قابلة للزرع لكنها تحتاج إلى ماء، فالدعوة إلى الله بمنزلة الماء الذي ينزل على الأرض الروضة القابلة للإنبات، كذلك ينزل هذا الوحي على قلوب الرجال بواسطة هذا الداعية فتقوم الملة وتستقيم الأمة، وهذا مقصد حسن؛ أن يكون قصد الإنسان بالدعوة إلى الله إقامة دين الله في عباد الله. ويتعلق بالإخلاص كذلك: أن ينوي إصلاح عباد الله؛ لأن العباد يعتورهم ثلاثة أمور: الأمر الأول: هوى النفس. والثاني: الشيطان. والثالث: البيئة والمجتمع. ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٌ يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) لأن البيئة لها تأثير عظيم. الهوى أيضاً، الشيطان فلابد أن يكون هناك دعوة تعين عباد الله على محاربة الأعداء الثلاثة وهي: النفس، والشيطان، والمجتمع، ولهذا تجد فرقاً بين شخص يعيش بين أهلين مستقيمين، وبين آخر يعيش بين أهلين منحرفين، فالدعوة إلى الله لابد أن ينوي الإنسان بها إصلاح عباد الله. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 3 الدعوة إلى الله بحكمة الحكمة: هي أن يضع الأشياء مواضعها. ومن الحكمة العلم، أن يكون عالماً بما يدعو إليه، عالماً بحال من يدعوهم أيضاً، فأما كونه عالماً بما يدعو إليه فلابد أن يكون عنده علم من الشرع، يعرف أن هذا حق فيدعو إليه، ويعرف أن هذا باطل فيحذر منه، وأما أن يقوم رجل جاهل لا يعرف فيدعو ويدَّعي أن الله يلهمه حين كلامه وحين خطابه، فهذا غلط، بل لابد أن يعلم أولاً ثم يدعي؛ لأنه إذا لم يعلم ما يدعو إليه فقد يَضِلْ ويُضِلْ أيضاً، وإصلاح الناس بعد الإضلال على يد شخص يقول إنه داعية يصعب على الإنسان أن يقيمه، وأن يزيل هذا الضلال. وإذا تكلم بما لا يعلم فقد وقع هو نفسه فيما حرم الله عليه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ، وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فكيف تدعو بما لا تعلم؟ وأن يكون عنده علم بحال المدعو حتى يكون منزلاً له منزلته، لأن هناك فرقاً بين أن تدعو شخصاً جاهلاً ساذجاً لا يعرف شيئاً، وهو لين العريكة طيب القلب، فهذا دعوته سهلة، ينقاد بأدنى سبب، وبين أن تدعو رجلاً مارداً عنده جدل ولسان فصيح، فهذا يحتاج إلى دعوة قوية، وتكون بأسلوب مقنع واضح بين ينبني على الأدلة من الكتاب والسنة وعلى الأدلة من العقل أيضاً؛ لأن من الناس من إيمانه بالكتاب والسنة ضعيف، لكن إذا ذكرت له أشياء معقولة خضع وعجز عن الجدال؛ فلا بد أن تعلم حال من تدعوهم إلى الله عز وجل لتكون على بصيرة من الأمر في كيفية دعوتهم، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه معاذاً إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) فبين له حالهم من أجل أن يكون لديه استعداد لمواجهتهم وكيفية مخاطبتهم. وإذا كان عنده -أي عند الداعية- علم بأحوال المدعو فإنه سوف ينزله منزلته، إن كان من أصحاب لين القول ألان له القول، وإن كان من أصحاب إغلاظ القول أغلظ له القول ولا بأس، فإن الله يقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت:46] فهؤلاء الذين ظلموا يعاملون معاملة تليق بظلمهم، والظلم هنا بمعنى المعاندة، أي: معاندة الحق والمراوغة. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 4 الأسوة الحسنة ومما تجب العناية به بالنسبة للداعي: أن يكون هو أسوة حسنة، عنده عبادة ومعاملة طيبة، وعنده أيضاً أخلاق يدعو الناس بها، وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم ولكن تسعوهم بحسن الخلق) فحسن الخلق جذاب، كم من إنسان قليل العلم يهدي الله على يديه أمماً لأنه حسن الخلق، وكم من إنسان عنده علم واسع كثير لكنه جاف سيئ الخلق ينفر الناس منه، وقد ذكر الله نبيه بهذا فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وهذه الرحمة رحمة للداعي وللمدعو، فهي رحمة من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام، ورحمة من الله للخلق الذين يدعوهم الرسول؛ لأنه لو كان فظاً غليظ القلب ما اهتدوا على يديه، فلهذا ينبغي للداعية أن يكون رحب الصدر واسعاً، يأخذ ويعطي ولا يأنف، ولهذا قال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] ومن صبرهم: أن يصبروا على أذى الناس الذين يدعونهم؛ لأنه لابد من أذية، فلابد من الصبر. وكذلك من آداب الداعية: أنه ينبغي له أن يتقيد بما يقول حسب ما تقتضيه الحاجة، فهناك أناس لا يحسن أن تتكلم معهم في أمور اجتماعية توجب تشتت أفهامهم وأفكارهم، وربما توجب العداوة بينهم، وهناك أناس مميزون يمكن أن تتكلم عندهم في الأمور الاجتماعية لمحاولة إصلاحها، فالناس يختلفون، ولهذا أنا أحث نفسي وإياكم على ألا نحقر أنفسنا على أن ندعو إلى الله بكل ما نستطيع وبكل أسلوب وعلى كل حال؛ لأن ذلك خيرٌ لنا ولمن ندعوهم إلى الله، فإن (من دعا إلى هدى كان له مثل أجر من عمل به إلى يوم القيامة) . أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وقادة مصلحين، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 94 ¦ الصفحة: 6 فساد المجتمع ودور المسلم تجاهه السؤال فضيلة الشيخ: في هذا الزمن ظهرت بعض المنكرات التي تفسد عقيدة المسلم، والشاب الملتزم يتألم من الداخل لرؤية بعض أحوال المسلمين في استعمالها، ويخشى أيضاً من هذا القول: إذا لم تدع تدعى. فما دور الشاب الملتزم، وأوجه لكم هذا السؤال يا فضيلة الشيخ لإبراء ذمتي أمام الله عز وجل؟ الشيخ: لو ذكرت شيئاً من المنكرات التي ظهرت. السائل: من هذه المنكرات بارك الله فيكم: ما تسمى بالصحون التي على البيوت بما فيها من الهدم للعقيدة، وكذلك تخريب أخلاق المسلمين. الشيخ: نحن تكلمنا من هذا المكان عدة مرات على هذه الدشوش، وبينا أنه لا يجوز للإنسان أن يقتنيها لما فيها من الأضرار العظيمة الهادمة للعقيدة والأخلاق، وكذلك المفسدة، يعني: هي تهدم وتفسد أيضاً، وقد بلغنا أشياء عجيبة عن هذا وقصص غريبة، يتخذها من يشاهد هذه الخبائث وكأنها أحاديث سمر، ولهذا نحن نحذر من اقتنائها، ونقول لمن اقتناها: إن عليك إثمها وإثم من استعملها؛ لأن هذه البلية تتصل بالجيران أيضاً، الجيران يمكنهم أن يأخذوا منها، فهي بلاء، وما أدر هذا المسكين الذي وضعها في بيته هل هو يعلم، أو عنده عهد من الله أنه سيخلد؟!! {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:78] ما يدريه لعله يموت في يومه قبل غروب شمسه، أو في ليله قبل طلوع فجره، ثم تبقى هذه الآثام مسجلة عليه في صحائف أعماله وهو في قبره والعياذ بالله، لهذا نحن نحذر منها غاية الحذر، ونرى أن وجودها في البيوت حرام، وأن الإنسان يجب عليه أن يتقي الله تعالى في نفسه أولاً، وفي أهله ثانياً، وفي جيرانه ثالثاً، وفي مجتمعه رابعاً؛ لأن المجتمع إذا رأى فلاناً وضعها قال: إذاً ليس فيها بأس. ثم إن السوء يجر بعضه بعضاً، وأهل السوء يعتصم بعضهم ببعض، ويقوى بعضهم ببعض، ولهذا قال الله تعالى في عذاب أهل النار: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] . فالمهم أني -نصحاً لله عز وجل وإبراءً للذمة- أحذر إخواننا المسلمين من هذه الدشوش، أو الصحون، أو المستقبلات التي توضع في بيوتهم، وأقول: اتقوا الله في أنفسكم، وأهليكم، وجيرانكم، وفي مجتمعكم {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] . السائل: ما هو دور الشاب؟ الشيخ: دور الشاب في هذا أن ينصح، ويحذر، وإذا كان في بيته فليهجر إذا كان ذلك سبباً للإصلاح، وإذا لم يكن سبباً للإصلاح فلا يهجر، وينزوي في غرفة من الغرف، أو حجرة من الحجر. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 7 حكم الشراء من محلات تبيع المنكرات السؤال فضيلة الشيخ: بعض الأسواق تبيع المجلات والدخان، ومن الشباب الملتزمين من يشتري من هذه البقالات يعني: يدعمونهم، ما حكم الذي يشتري منها؟ الشيخ: يعني: المجلات فيها صور دخان، أو ماذا قصدك؟ السائل نفسه: أسواق ومحلات تبيع الدخان والمجلات والجرائد، والذين يرتادونها أناس ملتزمون، ما حكم الذين يشترون منها، هل يجوز لهم الشراء من هذه المحلات؟ الشيخ: نعم فهمت، يعني تقول: هذه البقالات والمحلات التجارية إذا كانت تبيع أشياء محرمة، هل يجوز أن نشتري منها شيئاً مباحاً، أو لا؟ أرى أنه إن أمكن أن تشتروا من غيرها فهو أولى، حتى يتقلص الناس عنها، وحينئذٍ تضطر إلى أن تدع هذا الشيء المحرم الذي تبيعه. أما إذا لم تجدوا غيرها، أو كانت هي أنسب من غيرها إما لكونها أرخص، أو لكونها أقرب إلى البيت، أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 8 حكم تغطية المحرم رأسه عند النوم السؤال هل يجوز للمحرم أن يغطي رأسه عند النوم؟ الجواب المحرم إن كان أنثى فمعروف أنه يجوز أن تغطي رأسها، أما إذا كان رجلاً فلا يجوز لا عند النوم ولا في حال اليقظة، لكن لو أنه غطاه وهو نائم ثم استيقظ وجب عليه إزالته أي: كشف رأسه ولا شيء عليه؛ لأن النائم مرفوع عنه القلم. وحتى لو كان الجو بارداً فلا يجوز أن يغطيه، لكن إن خاف ضرراً فهو كالذي يكون به عللاً من رأسه يغطيه ويفدي، إما بصيام ثلاثة أيام، وإما بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما بذبح شاة. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 9 معنى حديث: (إن هذا الدين متين) السؤال فضيلة الوالد: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. ) الحديث. فما معنى: هذا الحديث بارك الله فيك؟ الجواب هذا الحديث لا أظنه يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن معنى: (إنه لمتين) أي: قوي، يحتاج إلى صبر ومصابرة، فليكن الإنسان رفيقاً في الدعوة إليه حتى لا ينفر الناس منه. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 10 حكم الذبح لأهل الكتاب السؤال فضيلة الشيخ: في بلادنا هناك عادات للكفار فلا يأكلون الذبيحة إلا إذا ذبحها رجل مسلم، وهذا الرجل المسلم يأخذ منهم مبلغاً معيناً، فهل هذا يجوز؟ الشيخ: يعني: أجرة على الذبح؟ السائل نفسه: نعم. الشيخ: أولاً: كونهم لا يأكلون إلا ما ذبحه مسلم، فيه غلط؛ لأن الله أباح لنا ما ذبحه اليهود والنصارى فقال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] قال ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه: [طعامهم ذبائحهم] فالذين تحل ذبائحهم ثلاثة أصناف: المسلم، واليهودي، والنصراني، فإذا ذبح المسلم ذبيحة وطلب الأجرة عليها سواء قبل الذبح أو بعده فلا بأس؛ لأن هذا عمل مباح، وأخذ الأجرة على العمل المباح مباح. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 11 صلاة الضحى للمسافر السؤال فضيلة الشيخ! هل تصلى سنة الضحى في السفر؟ الجواب سنة الضحى تصلى حتى في السفر، وقد ذكر كثيرٌ من العلماء: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في بيت أم هانئ ثماني ركعات ضحى قال: (إن هذه سنة الضحى) . وقال بعض أهل العلم: إن هذه سنة الفتح. وعلى كل حال فسأعطيك قاعدة ينفعك الله بها إن شاء الله: لا يسقط عن المسافر من النوافل إلا ثلاث: راتبة الظهر وراتبة المغرب وراتبة العشاء، وما عدى ذلك فهو باقٍ على أصله، فالنوافل المطلقة للإنسان المسافر أن يتنفل بما شاء، وصلاة الضحى، وصلاة الليل، والوتر، وسنة الفجر، وصلاة الاستخارة، وتحية المسجد؛ كلها باقية على أصلها، فأنت استثنى ثلاثاً والباقي على أصله، الثلاث: هي راتبة الظهر والمغرب والعشاء. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 12 معنى حديث: (أشد الناس بلاءً) السؤال يا شيخ: أحسن الله إليك! روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل: (أشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل والأمثل) فما المقصود بالأمثل الأخير؟ الجواب (أشد الناس بلاءً الأنبياء) لأن الله سبحانه وتعالى ابتلاهم بالنبوة، وابتلاهم بالدعوة إلى الله، وابتلاهم بقوم ينكرون ويصفونهم بصفات القدح والذم كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] ولكن هذا الابتلاء هو في الواقع؛ لأن كل ما أصابهم من جرائها فهو رفعة في درجاتهم. (ثم الأمثل فالأمثل) يعني: الأصلح فالأصلح، كلما كان الإنسان أصلح، وكلما كان أقوى دعوة إلى الله، وكلما كان أشد تمسكاً في دين الله، كان له أعداء أكثر، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] وعداوة المجرمين للأنبياء ليس لأشخاصهم بل لما جاءوا به من الحق، وعلى هذا فيكون كل من تسمك بما جاءوا به من الحق ناله من العداوة من المجرمين مثلما ينال الأنبياء أو أقل بحسب الحال، والله عز وجل حكيم يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم، فابتلاؤه بالنعم ليبلونا أنشكر أم نكفر، وبالنقم ليبلونا أنكفر أم نصبر، هذا هو معنى الحديث. وهذا في الحقيقة تسلية للمؤمن الداعي إلى الله إذا ناله ما ناله من الناس فإنما ذلك في سبيل الله، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدميت إصبعه قال: هل أنت إلا إصبعٌ دميتي وفي سبيل الله ما لقيتي فأنت اعلم أن كل ما أصابك من استهزاء أو سخرية من المجرمين بسبب ما قمت به من الدعوة إلى الله، أو التمسك بدين الله، فاعلم أن لك أجراً في ذلك؛ لأنه في سبيل الله. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 13 منهج أهل السنة في إنكار المنكر السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز لمن أراد أن ينكر المنكرات أن ينكرها على المنابر، وهل هذا هو منهج أهل السنة والجماعة؟ الجواب أما المنكرات إذا شاعت فلابد أن تنكر على المنابر، لكن لا يتكلم بالأشخاص أنفسهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينكر على قوم قال: ما بال قوم يقولون كذا وكذا. وأما إذا كان المنكر قليلاً في الناس فلا ينبغي أن ينكر على المنابر؛ لأن إنكاره على المنابر معناه إشاعته بين الناس، كما يقول العوام: (والذي ما دري يدري) فإذا شاعت هذه الفعلة المنكرة بين الناس أنكرها على المنابر حتى يفهم الناس، لكن لا تفعل شيئاً يوجب أن يثور الناس على ولاة الأمور وأن يكرهوهم وينبذوهم؛ لأن خطر هذا عظيم، قد يتراءى للناس أو يريه الشيطان أنه إذا فعل ذلك كان فيه ضغط على الولاة بأن يستقيموا على دين الله، ولكن الأمر ليس كذلك، هذا إذا كانت القوى متقابلة، فقد يكون هناك ضغط، كالبلاد -غير السعودية - تجد أن الولاة إنما يصلون إلى المناصب عن طريق الانتخاب، فهذا ربما يكون إعلان ما يفعله الحاكم من السوء ضغطاً عليه بحيث يستقيم حتى يرشح مرة ثانية، لكن بلاد تكون فيها القوة مع السلطة لا يستقيم به هذا الأمر إطلاقاً. وليس من الحكمة أن يثير الإنسان الرعية على رعاتها حتى تكرههم ولا تنقاد لأمرهم، أو ترى أنهم لا يستحقون أن يكونوا ولاة، مع العلم بأننا إذا نظرنا إلى من حولنا وجدنا أننا والحمد لله بخير، فبلادنا ولله الحمد يعلن فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فيه شيء من الضعف لكن لا يوجد أي بلاد غير بلادنا فيها هيئة تسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كذلك أيضاً المحاكم كلها مبنية على الشرع، ماذا قال صاحب الإقناع، ماذا قال صاحب المغني، ماذا قال صاحب المجموع للنووي، ماذا قال فلان، ماذا قال فلان، لا يرجعون إلى قوانين وضعية، إنما إلى الكتاب والسنة وما استنبط منها في كتب أهل العلم، هذه نعمة عظيمة، ومن أراد الكمال في مثل هذا الزمن فليكمل نفسه أولاً قبل أن يحاول تكملة غيره، هل الشعب الآن مثلاً هل هو مكمل نفسه؟ لا. الشعوب فيها انحراف كثير، فيها كذب وغش في المعاملات، سوء أخلاق، استماع إلى الأغاني وغير ذلك، يوجد في الشعب من هذا حاله، فإذا كنا كذلك فلا ينبغي أن نريد من ولاة الأمور أن يكونوا على مستوى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وذكر: أن رجلاً من الخوارج جاء مرة إلى علي بن أبي طالب وقال له: يا علي ما بال الناس اختلفوا عليك -أظنكم تعرفون ما جرى لـ علي من الفتن وخروج الخوارج عليه وغير ذلك- ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فقال له كلمة أفحمت الخارجي قال له: [رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك] فألقم حجراً، وهذا صحيح. فالحاصل: أن المنكرات إذا شاعت بين الناس فلابد من إنكارها، لكن دون أن يحصل بذلك فتنة، أو تعرض لأحد، أو إيغار الصدور على ولاة الأمور، أما إذا كانت يفعلها واحد من بين مائة نفر مثلاً، أو ألف نفر فهنا نختص بهذا الرجل وننهاه ونخوفه من الله عز وجل؛ لأنك إذا أنكرت المنكر على المنابر وهو لا يفعله إلا قلة من الناس معناه: أنك أشعته بين الناس. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 14 معنى البيعة عند أهل العلم السؤال فضيلة الشيخ: ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وليس في عنقه بيعة لأحد مات ميتتة جاهلية) ومعلوم: أنه في أكثر بلاد المسلمين اليوم لا يتحقق هذا الأمر، وأنه ليس في عنقهم بيعة، لأسباب كثيرة منها: الاضطرابات السياسية، والانقلابات وغيرها، فكيف يخرج المسلمون في تلك البلاد من هذا الإثم وهذا الوعيد جزاك الله خيراً؟ الجواب المعروف عند أهل العلم: أن البيعة لا يلزم منها رضى كل واحد، وإلا من المعلوم أن في البلاد من لا يرضى أحد من الناس أن يكون ولياً عليه، لكن إذا قهر الولي وسيطر وصارت له السلطة فهذا هو تمام البيعة، لا يجوز الخروج عليه، إلا في حالة واحدة استثناها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فقال: (إلا أن تروا) والرؤية إما بالعين أو بالقلب، الرؤية بالعين بصرية، وبالقلب علمية، بمعنى: أننا لا نعمل بالظن أو بالتقديرات أو بالاحتمالات بل لابد أن نعلم علم اليقين، وأن نرى كفراً لا فسوقاً، يعني مثلاً: الحاكم لو كان أفسق عباد الله، عنده شرب خمر، وغيره من المحرمات، وهو فاسق لكن لم يخرج من الإسلام؛ فإنه لا يجوز الخروج عليه وإن فسق؛ لأن مفسدة الخروج عليه أعظم بكثير من مفسدة معصيته التي هي خاصة به. الثالث قال: (بواحاً) البواح يعني: الصريح، والأرض البواح: هي الواسعة التي ليس فيها شجر ولا مدر ولا جبل بل هي واضحة للرؤية، لابد أن يكون الكفر بواحاً ظاهراً ما يشك فيه أحد، مثل: أن يدعو إلى نبذ الشريعة، أو أن يدعو إلى ترك الصلاة، وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الذي لا يحتمل التأويل، فأما ما يحتمل التأويل فإنه لا يجوز الخروج عليه حتى وإن كنا نرى نحن أنه كفر وبعض الناس يرى أنه ليس بكفر، فإننا لا يجوز لنا الخروج عليه؛ لأن هذا ليس بواحاً. الرابع: (عندنا فيه من الله برهان) (أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فإن لم يكن عندنا برهان أي: دليل واضح، ليس مجرد اجتهاد أو قياس، بل هو بين واضح أنه كفر، حينئذٍ يجوز الخروج. ولكن هل معنى جواز الخروج أنه جائز بكل حال، أو واجب على كل حال؟ الجواب: لا. لا بد من قدرة على منابذة هذا الوالي الذي رأينا فيه الكفر البواح، أما أن نخرج عليه بسكاكين المطبخ، وعواميل البقر، ولديه دبابات وصواريخ، فهذا سفه في العقل وضلال في الدين، لأن الله لم يوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ضعفاء في مكة ما قال: اخرجوا على قريش وهم عندهم، ولو شاءوا لاغتالوا كبراءهم وقتلوهم، لكنه لم يأمرهم بهذا، ولم يأذن لهم به، لماذا؟ لعدم القدرة. وإذا كانت الواجبات الشرعية التي لله عز وجل تسقط بالعجز فكيف هذا الذي سيكون فيه دماء، يعني: ليس إزالة الحاكم بالأمر الهين، أو مجرد ريشة تنفخها وتروح، لابد من قتال منك وقتال منه، وإذا قتل فله أعوان، فالمسألة ليست بالأمر الهين حتى نقول بكل سهولة: نزيل الحاكم ونقضي عليه وينتهي كل شيء. فلابد من القدرة، والقدرة الآن ليست بأيدي الشعوب فيما أعلم والعلم عند الله عز وجل، ليس في أيدي الشعوب قدرة على إزالة مثل هؤلاء القوم الذين نرى فيهم كفراً بواحاً، ثم إن القيود التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم قيود صعبة، من يتحقق من هذا الحاكم مثلاً، علمنا أنه كافر علم اليقين، نراه كما نرى الشمس أمامنا، ثم علمنا أن الكفر بواح ما يحتمل التأويل، ولا فيه أي أدنى لبس، ثم عندنا دليل من الله وبرهان قاطع؛ هذه قيود صعبة، أما مجرد أن يظن الإنسان أن الحاكم كفر، هذا ما هو صحيح أنه يكفر، لابد من إقامة الحجة، وأنتم تعلمون أنه ما ضر الأمة من أول ما ضرها في عهد الخلفاء الراشدين إلا التأويل الفاسد، والخروج على الإمام. الخوارج لماذا خرجوا على علي بن أبي طالب؟ قالوا: لأنه حكَّم غير القرآن. كانوا في الأول معه على جيش معاوية ولما رضي بالصلح والتحاكم إلى القرآن قالوا: خلاص أنت الآن حكمت آراء الرجال ورضيت بالصلح فأنت كافر، فسوف نقاتلك. فانقلبوا عليه بماذا؟ بالتأويل، وليس كل ما رآه الإنسان يكون هو الحق، قد ترى أنت شيئاً محرماً، أو شيئاً معصية، أو شيئاً كفراً، وغيرك ما يراه كذلك، أليس نرى نحن أن تارك الصلاة كافر؟ نرى ذلك لا شك، يأتي غيرنا ويقول: ليس بكفر. والذي يقول: ليس بكفر علماء ليس ناس أهل هوى، علماء لكن هذا الذي أدى لهم اجتهادهم، فإذا كان العلماء من أهل الفقه قد يرون ما هو كفر في نظر الآخرين ليس بكفر فما بالك بالحكام الذين بعضهم عنده من الجهل ما عند عامة الناس. فالمهم أن هذه المسائل مسائل صعبة وخطيرة، ولا ينبغي للإنسان أن ينساب وراء العاطفة أو التهييج، بل الواجب أن ينظر بنظر فاحص متأنٍ متروي، وينظر ماذا يترتب على هذا الفعل، ليس المقصود أن الإنسان يبرد حرارة غيظته فقط، المقصود إصلاح الخلق، وإلا فالإنسان لا شك أنه يلحقه أحياناً غيرة ويمتلئ غيظاً مما وقع، أو وقع من بعض الولاة، لكن يرى أن من المصلحة أن يعالج هذه المشكلة بطريق آخر غير التهييج. وكما قلت لكم: إن بعض الناس يظن أن هذا سببٌ يقتضي الضغط على ولي الأمر حتى يفعل ما يرى هذا القائل أنه إصلاح، ولكن هذا غير مناسب في مثل بلادنا. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 15 حكم جعل أحاديث الطاعة منحصرة في القائد العام للمسلمين السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يقول: إن أحاديث السمع والطاعة لولاة الأمر تنصرف إلى القائد العام الذي يقود المسلمين جميعاً؟ الجواب رأينا أن هذا ليس بصحيح، كل ولي أمر تجب طاعته، حتى الرجل في أهل بيته يجب على أهل بيته طاعته ما لم يأمرهم بمعصية، حتى القوم الثلاثة إذا سافروا وأمَّروا أحدهم وجب عليهم طاعته؛ لعموم الأدلة على وجوب طاعة الأمير. ثم إن الخليفة الواحد على سائر الأمة هذا قد انقضى زمنه منذ عهد بعيد، من حين انقرض عهد الخلفاء الراشدين الأربعة تمزقت الأمة، فبنو أمية في الشام وما حوله، وعبد الله بن الزبير في الحجاز وما حوله، وآخرون في المشرق وما حوله، وآخرون في اليمن، تمزقت الأمة، ومع ذلك فكل العلماء الذين يتكلمون على وجوب السمع والطاعة يتكلمون على وجوب السمع والطاعة في عهدهم مع تفرقهم، وكل إقليم أو ما أشبهه فيه أمير يختص به، وعلى هذا الرأي الفاسد الباطل، معناه: أن الآن ليس للأمة إمام، والأمة الآن تعيش في أمر جاهل، ليس هناك إمام ولا رعية، ولا سلطان ولا مسلط عليه. ثم نقول لهؤلاء: إن كنتم صادقين فأوجدوا لنا إماماً عاماً لكل الأمة، لا يستطيعون. اللهم إلا إذا جاء المهدي، فهذا أمره إلى الله عز وجل. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 16 حكم لعب الصبيان في المساجد السؤال فضيلة الشيخ: ربما يحدث في المسجد إزعاج من بعض الصبيان فهل لأحد المأمومين أن يقطع صلاته لمنع ذلك، أو يلتفت فقط ليعرف هؤلاء لتأنيبهم فيما بعد؟ الجواب أولاً: يجب على ولاة أمور هؤلاء الصبيان أن يتقوا الله عز وجل، وألا يمكنوا صبيانهم من الحضور ما داموا عابثين يلعبون، فإن قدر أن هؤلاء الصبيان جاءوا بغير علم آبائهم كما هو الواقع أحياناً فإنه يجب أن يقال لأبيه إذا كان حاضراً: يا فلان! خذ ولدك اذهب به إلى أهلك. فإن عجزنا وعجزنا عن دفع أذاهم إلا بإخراجهم من المسجد أخرجناهم، أما قطع الصلاة من أجل ذلك فلا يجوز؛ لأن الإنسان إذا دخل في فرض وجب عليه إتمامه، وإزعاج هؤلاء الصبيان لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين، لو كان يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين لكان التماس الأمر محل نظر، لكنه لا يؤدي إلى إفساد صلاة الآخرين فليصبروا حتى تنتهي الصلاة، ثم يعرفوا هؤلاء الصبيان ويتصلوا بآبائهم. والالتفات في الحاجة لا بأس، لكن يكون التفات بالوجه فقط لا بالجسم كله. وهؤلاء الأولاد ربما يمكن إصلاحهم بمهادأتهم ويقال: يا أبنائي هذا لا يجوز، وهذا بيت الله، وهؤلاء آباؤكم وإخوانكم لا تزعجوهم، لا تفسدوا عليهم الصلاة. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 17 وسائل الدعوة إلى الله السؤال ذكرت أن الداعي لابد له من معرفة حال المدعو، هل الوسائل مثل المكاتبة والشريط والكتاب تكفي إذا علمت أن حال المدعو قد تدخل في جدال معه ونقاش طويل؟ الجواب لا شك أن وسائل الدعوة كثيرة إما بالمقابلة أو المشافهة، وإما بالمراسلة بالكتابة، وإما بالمراسلة عن طريق الشريط، المهم الوصول إلى هداية الخلق بأي وسيلة، وإذا رأيت مثلاً: أنك إذا دخلت معهم مشافهة يحصل في هذا جدل ولا ينتفع أحدكما بالآخر، فلا بأس أن ترسل له رسالة خطية أو شفوية عن طريق الشريط. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 18 نفع آية الكرسي لمن قرأها السؤال فضيلة الشيخ: ما صحة حديث: (من قرأ آية الكرسي ثلاث مرات ففي أول مرة حفظ له، وثاني مرة حفظ لأهله، وثالث مرة حفظ لحيه) ؟ الجواب هذا حديث باطل ليس بصحيح، آية الكرسي لا تنفع إلا من قرأها، (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . الجزء: 94 ¦ الصفحة: 19 حكم أخذ الراقي للمال السؤال هذا أحد الإخوة يسأل: بالنسبة للراقي الذي يأخذ المال من المريض ما حكمه؟ وهل يتوضأ المريض من الآيات المغموسة بالماء أو يغتسل؟ وهو يريد الدعاء يا شيخ! الجواب الراقي لا بأس أن يشترط شيئاً لنفسه لأن الصحابة رضي الله عنهم الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام واستضافوا قوماً ولم يضيفوهم، فقدر الله على سيدهم أن لدغته عقرب، فطلبوا راقياً يرقيه، فجاءوا إلى الصحابة وقالوا: هل فيكم راقٍ؟ قالوا: نعم، ولكن لا نرقي إلا بكذا وكذا من الغنم، فأعطوهم، فذهب أحدهم وجعل يقرأ عليه فاتحة القرآن حتى قام هذا اللديغ كأنما نشط من عقال، فأخذوا ما جعلوا لهم حتى أتوا به النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه عن ذلك فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) فهذا لا بأس به. لكن كوننا نجعلها متجراً -يعني: تجارة- حتى إني سمعت بعض الناس يكتب آيات من القرآن على أوراق بالزعفران، وهذه الورقة قيمتها سبعون ريالاً، وهذه قيمتها مائة ريال، وهذه قيمتها خمسون ريالاً يعني: كأنه دكان صيدلي، فأنا أشك في جواز هذا الشيء. ثم أقول لإخواني القراء: ليجعلوا عملهم لله عز وجل، ولنفع إخوانهم، حتى يجعل الله في قراءتهم البركة والخير. وقصة الصحابة رضي الله عنهم قد يكون عذر الصحابة أن هؤلاء لم يضيفوهم مع وجوب ضيافتهم، فقالوا: هؤلاء قوم لم يكرمونا ولم يقوموا بواجبنا إذاً لا ننفعهم إلا بهذا. وأما الاغتسال بالماء المقروء به أو الوضوء به، فلا أرى هذا، الذي أعلمه عن السلف الصالح أنهم يشربون الماء الذي قرئ فيه، وأنهم لا يغسلون به أجسادهم ولا يتوضئون به. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 20 معنى كلمة الشارع في كتب أهل العلم السؤال فضيلة الشيخ: يرد في بعض كتب أهل العلم لفظة: (ولذا أراد الشارع، ومن حكمة الشارع) . هل هذه كلمة من أسماء الله تعالى؟ الجواب لا، يرد في كتب أهل العلم كلمة الشارع، والشارع هذا وصف وليس اسماً، مأخوذ من قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى:13] ويطلق الشارع في كتب أهل العلم على الله عز وجل، وهو الذي له الحكم وإليه الحكم، ويطلق أحياناً على النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مشرع لأمته، فإنه عليه الصلاة والسلام إذا قال قولاً أو فعل فعلاً يتعبد به لله فهو شرع، فلهذا يطلق الشارع على الرب عز وجل وعلى النبي، وليس اسماً بل هو وصف. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 21 حكم التقليد في أبواب العقائد السؤال هل يجوز التقليد في أبواب العقيدة، أم لابد من الأخذ بالدليل؟ الجواب يجوز التقليد في العقائد مما لا يتمكن معرفته بالدليل، ولهذا نرى العامة الآن كلهم يقلدون، بل قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] سؤالنا أهل الذكر عن هؤلاء الرسل معناه أن نقلد المسئول ونأخذ بقوله، فالتقليد في المسائل العقدية كالتقليد في المسائل العملية تماماً ولا فرق، فالذي لا يستطيع الوصول إلى الحق بنفسه ففرضه التقليد {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] . وأما من قال: إنه لا يصح إيمان المقلد. فمقتضى قوله: أن العوام من الناس لا يصح إيمانهم؛ لأنهم إنما بنوا إيمانهم على التقليد، علمائهم قالوا كذا يقولون كذا. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 22 نصيحة لمشاهدي الدش بحجة الأخبار السؤال فضيلة الشيخ: كيف ننصح صاحب الدش، وإذا أتيت أنصح صاحب الدش أوقفني بحجج، فمن الحجج أنه يقول: أنا أتيت بهذا الدش لكي أسمع الأخبار فبدلاً من أن أسمع من الراديو أسمع من جهاز يأتي لي بالأخبار مثل الراديو، وكذلك لأن أكثر الأخبار لا تصح، والأخبار الأوروبية أكثر صحة من أخبار الدول المجاورة، وأما المنكرات فإنها لا تأتي إلا في آخر الليل، وأنا لا أشاهدها، وأمنع أولادي منها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن قلت له: هو حرام، فإنه يعلم أن هذا حرام، فكيف أدعوه؟ الجواب إذا كان يعلم أن هذا حرام وأصر عليه فإن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما قال العلماء رحمهم الله، وأنا أقول: يكفي حجة عليك أن تعرف أنه حرام، فإذا كنت تعلم أنه حرام فما الذي يجعلك تقتنيه؟!! وأما مسألة الأخبار فالأخبار ما هي؟ إذا كانت الأخبار دولية فإننا نجزم جزماً أنه لا يذاع في الأخبار إلا ما يخدم المصالح الكفرية، سواء عن طريق الدش، أو عن طريق الإذاعات الأخرى، أو عن طريق الصحافة أو غيرها. ولهذا دائماً يتحدثون عن أشياء واقعية، وإذا سألنا وجدنا أنها كذب، وليس لها صحة، يتكلمون أحياناً عن مسألة الشيشان وعن مسألة البوسنة والهرسك، وبما أننا نتتبع الأخبار من الإخوان الذين يتصلون بنا نجد أن هذا الذي يقال في الإذاعات كله تغطية وتعتيم، ليس صحيحاً، فمن الذي قال لك: إن ما يقال في الدش صحيح، وما ينقل في الأخبار الأخرى غير صحيح؟! ثم إنك افرض أنك بقيت إلى الساعة الثانية عشرة أمام هذا الدش، وأن كله أخبار من المغرب إلى هذا ماذا استفدت؟ لا شيء، هل أنت ستذهب إلى رئيس الروس أو رئيس أمريكا أو إلى رئيس الإنجليز أو إلى رئيس الفرنسيين، تقول له: يا فلان! قف عند حدك، ما يمكن كذا. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 23 حكم اليهود والنصارى الموجودين الآن السؤال فضيلة الشيخ: هل اليهود والنصارى الموجودون الآن هم من أهل الكتاب؟ الجواب الذي أرى أنهم من أهل الكتاب، ما داموا يدينون بدين أهل الكتاب أو ينتسبون إلى دين أهل الكتاب فهم من أهل الكتاب، لأن الله ذكر في سورة المائدة: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] مع أنه قال في نفس المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] ، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] فكفرهم وأحل طعامهم. السائل: حتى مع تحريفهم لكتبهم. الشيخ: إي نعم! حتى مع التحريف كان موجوداً في عهد الرسول أيضاً. السائل: وإذا خرجوا إلى الشيوعية. الشيخ: لا، هو إذا قالوا: نبذنا دين أهل الكتاب ولا نعترف به، ولا ندخل في الإسلام سندخل في الشيوعية القائلة بأنه: لا إله ولا رب. هؤلاء واضح، لكن أناس يدينون بالمسيحية ويصلون في الكنائس، ويترحمون على أمواتهم، ويفعلون الأعياد وإن كانت كفرية لكن يرونها أعياداً لهم، فلهم حكم أهل الكتاب. وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وأسأل الله أن يجعله خيراً وبركة، وأن يرزقنا وإياكم العصمة في القول والعمل. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 94 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [95] شرح الشيخ عليه رحمة الله في هذا اللقاء سورة الزلزلة، فجلى معانيها، وأوضح عباراتها بأسلوب يسير، وتحدث عن عرض الأعمال على الإنسان يوم القيامة؛ لأن كل صغير وكبير موزون عليه، وتعرض لمسائل تتعلق بالميزان وخلاف العلماء فيها. وعقب ذلك أجاب عن الأسئلة، وكان أهمهما سؤال عن الحكم الشرعي عند عدم ظهور الهلال، وكيف يصوم الناس في هذه الحالة؟ الجزء: 95 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الزلزلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس التاسع من شهر محرم (عام 1416هـ) وهو اللقاء الثاني من هذا العام نبدؤه بتفسير قول الله تبارك {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] . يقول الله عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:1-4] هذا هو جواب الشرط. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا زلزلت الأرض زلزالها) قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] والمراد بذلك ما ذكره الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2] وقوله: (زلزالها) أي: الزلزال العظيم الذي لم يكن مثله قط، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:2] من شدة ذهولهم وما أصابهم تجدهم كأنهم سكارى وما هم بسكارى بل هم صحاة لكن لشدة الهول صار الإنسان كأنه سكران، لا يدري كيف يتصرف ولا كيف يفعل. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأخرجت الأرض أثقالها) قال تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:2] والمراد بهم أصحاب القبور، فإنه إذا {نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] يخرجون من قبورهم لرب العالمين عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] . الجزء: 95 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وقال الإنسان مالها) قال تعالى: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:3] (قال الإنسان) المراد به الجنس، أي: أن الإنسان البشر يقول: ما لها؟! أي شيء لها هذا الزلزال، ولأنه يخرج وكأنه كما قال الله تعالى: كأنه سكران، فيقول: ما الذي حدث لها وما شأنها؟ لشدة الهول. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ تحدث أخبارها) قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ} [الزلزلة:4] أي: في ذلك اليوم إذا زلزلت {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] أي: تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) فتشهد الأرض بما سمع عليها من خير أو شر، وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه، وإلا فإن الله بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا: عملتم كذا وعملتم كذا، لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين، قال الله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] لأنهم إذا رأوا أهل التوحيد قد خلصوا من العذاب ونجوا منه أنكروا الشرك لعلهم ينجون، ولكنهم يختم على أفواههم وتتكلم الأيدي وتشهد الأرجل والجلود أيضاً والألسن كلها تشهد على الإنسان بما عمل، وحينئذٍ لا يستطيع أن يبقى على إنكاره بل يقر ويعترف، إلا أنه لا ينفع الندم في ذلك الوقت. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (بأن ربك أوحى لها) وقوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5] أي: بسبب أن الله أوحى لها، يعني: أذن لها في أن تحدث أخبارها، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، إذا أمر شيئاً بأمر فإنه لا بد أن يقع، يخاطب الله الجماد، فيتكلم الجماد كما قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] (وقال الله تعالى للقلم: اكتب، قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيام) . وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] فالله عز وجل إذا وجه الكلام إلى شيء ولو جماداً فإنه يخاطب الله ويتكلم ولهذا قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:4-5] . الجزء: 95 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً) قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ} [الزلزلة:6] يعني: يوم تزلزل الأرض زلزالها {يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً} [الزلزلة:6] أي: جماعات متفرقين، كل يتجه إلى مأواه، فأهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم يتجهون إليها، وأهل النار والعياذ بالله يساقون إليها {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:85-87] فيصدر الناس جماعات وزمراً على أصناف متباينة تختلف اختلافاً كبيراً كما قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21] . الجزء: 95 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ليروا أعمالهم) قال تعالى: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6] أي: يصدرون أشتاتاً فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان الكتاب إما بيمينه وإما بشماله، ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب، يحاسبه الله عز وجل، أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك قال الله عز وجل: (إني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) ، وأما الكافر والعياذ بالله فإنه لا يعامل بهذه المعاملة بل ينادى على رءوس الأشهاد: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وقوله: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6] هذا مضاف، والمضاف يقتضي العموم، وظاهره: أنهم يرون الأعمال الصغيرة والكبيرة، وهو كذلك إلا ما غفره الله من قبل بحسنات أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فيرى الإنسان عمله يرى عمله القليل والكثير، حتى يتبين له الأمر جلياً ويُعطى كتابه ويقال: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] ولهذا يجب على الإنسان ألا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛ لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] (من) شرطية تفيد العموم يعني: أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراها، سواء من الخير أو من الشر، ومثقال ذرة يعني: وزن ذرة، والمراد بالذرة صغار النمل كما هو معروف، وليس المراد بالذرة الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم؛ لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذاك الوقت، والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون، وإنما ذكر الذرة؛ لأنها مضرب المثل في القلة، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] وإن من المعلوم أن من عمل ولو أدنى من الذرة فإنه سوف يجده، لكن لما كانت الذرة مضرب المثل في القلة قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] . وقوله تبارك وتعالى: {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7] يفيد أن الذي يوزن هو الأعمال. وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم: فمن العلماء من يقول: إن الذي يوزن هو العمل. ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هي صحائف الأعمال. ومنهم من يقول: إن الذي يوزن هو العامل نفسه. ولكل دليل. أما من قال: إن الذي يوزن هو العمل فاستدل بهذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7] ؛ لأن تقدير الآية: فمن يعمل عملاً مثقال ذرة، واستدلوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان) وهذا القول كما ترى له دليل من القرآن ومن السنة. لكن يشكل على هذا: أن العمل ليس جسماً يمكن أن يوضع في الميزان بل العمل عمل انتهى وانقضى. ولكن يجاب عن هذا: أولاً: بأن يقال: على المرء أن يصدق بما أخبر الله به من أمور الغيب، وإن كان عقله قد يحار فيه ويتعجب ويقول: كيف يكون هذا؟ فعلينا التصديق؛ لأن قدرة الله تعالى فوق ما نتصور. ثانياً: أن الله تعالى يجعل هذه الأعمال أجساماً توضع في الميزان وتثقل وتخف، والله تعالى قادر على أن يجعل الأمور المعنوية أجساماً كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الموت يؤتى به على صورة كبش ويوقف بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، ويقال: يا أهل النار فيشرئبون ويطلعون لماذا نودوا، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولوا: نعم هذا الموت مع أنه في صورة كبش، والموت معنىً ليس جسماً، ولكن الله تعالى يجعله جسماً يوم القيامة فيقال: (هذا الموت فيذبح أمامهم ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) وبهذا يزول الإشكال الوارد على هذا القول. أما من قال: إن الذي يوزن هو صحائف الأعمال، فاستدلوا بحديث صاحب البطاقة: (الذي يؤتى يوم القيامة به ويقال: انظر إلى عملك، فتمد له السجلات مكتوب بها العمل السيئ -سجلات عظيمة- فإذا رأى أنه قد هلك، أوتي بالبطاقة الصغيرة فيها: لا إله إلا الله، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال له: إنك لا تظلم شيئاً، ثم توزن البطاقة في كفة والسجلات في كفة فترجح بهن البطاقة) وهي: لا إله إلا الله. قالوا: فهذا دليل على أن الذي يوزن هو صحائف الأعمال. وأما الذين قالوا: إن الذي يوزن هو العامل نفسه، فاستدلوا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه كان ذات يوم مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبت ريح شديدة، فقام عبد الله بن مسعود فجعلت الريح تكفئه -لأنه نحيف القدمين والساقين- فجعل الناس يضحكون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ أو: مم تعجبون؟ والذي نفسي بيده! إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) وهذا يدل على أن الذي يوزن هو العامل. فيقال: نأخذ بالقول الأول: أن الذي يوزن العمل، ولكن ربما يكون بعض الناس توزن صحائف أعماله، وبعض الناس يوزن هو بنفسه. فإن قال قائل: على هذا القول أن الذي يوزن هو العامل هل ينبني هذا على أجسام الناس في الدنيا؟ وأن صاحب الجسم الكبير العظيم يثقل ميزانه يوم القيامة؟ ف الجواب لا، لا ينبني على إنسان الدنيا، يؤتى بالرجل السمين الغليظ الكبير الواسع الجسم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وهذا عبد الله بن مسعود يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ساقيه في الميزان أثقل من أحد) فالعبرة ليست بثقل الجسم أو عدم ثقله يوم القيامة وإنما بما كان معهم من أعمال صالحة. يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] . وفي هذه السورة كلها: التحذير والتخويف من زلزلة الأرض. وفيها: الحث على الأعمال الصالحة. وفيها: أن العمل لا يضيع مهما قلَّ حتى لو كان مثقال ذرة أو أقل فإنه لا بد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة. نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة والصلاح والفلاح، وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفداً، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 95 ¦ الصفحة: 11 حكم قضاء الضامن لدين ضمينه من الزكاة السؤال رجل ضمن لآخر ديناً على ثالث فأعسر المدين، هل يجوز للضامن أن يسدد دين المضمون عليه من زكاته؟ الجواب نعم يجوز هذا لدخوله في عموم قول الله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] يقول الضامن: وأنا لم أقض الدين عن نفسي وإنما قضيته عن المدين، وأبرأت ذمته، وأعلم أنني لو قضيته من مالي لبقي الدين في ذمة الغريم، وحينئذٍ يكون قضائي إياه من زكاتي إبراءً لذمة الغريم، فيدخل في عموم الآية. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 12 حكم إفراد يوم عاشوراء بالصيام السؤال ما رأيكم في إفراد اليوم العاشر من شهر المحرم بالصيام بنية صيام عاشوراء؟ الشيخ: لعلك تريد الجمعة أم مطلق؟ السائل: مطلق. الشيخ: صيام عاشوراء له أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن نصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أعلى المراتب، لما رواه أحمد في المسند: (صوموا يوماً قبله ويوماً بعده خالفوا اليهود) ، ولأن الإنسان إذا صام الثلاثة أيام حصل على فضيلة صيام ثلاثة أيام من الشهر. المرتبة الثانية: التاسع والعاشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) لما قيل له: إن اليهود كانوا يصومون اليوم العاشر وكان يحب مخالفة اليهود، بل مخالفة كل كافر. والمرتبة الثالثة: العاشر مع الحادي عشر. والمرتبة الرابعة: العاشر وحده، فمن العلماء من قال: إنه مباح، ومنهم من قال: إنه يكره، فمن قال: إنه مباح استدل بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) ولم يذكر التاسع. ومن قال: إنه يكره، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، وفي لفظ آخر: (صوموا يوماً بعده ويوماً قبله) وهذا يقتضي وجوب إضافة يوم إليه من أجل المخالفة، أو على الأقل: كراهة إفراده. والقول بالكراهة لإفراده قوي، ولهذا نرى أن الإنسان يخرج من هذا بأن يصوم التاسع قبله أو الحادي عشر. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 13 حكم رد السلام والمصافحة على غير المسلمين السؤال هؤلاء إخوة يقولون: في عملنا يوجد رافضة ويهود ونصارى ويسلمون علينا بالمصافحة فهل نصافحهم؟ الجواب إذا سلم عليك يهودي أو نصراني أو وثني أو ملحد أو شيعي أو غير ذلك وصافحك فصافحه؛ لعموم قول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما نهى أن تبدأهم بالسلام، أما إذا سلموا فرد عليهم كما سلموا؛ لأن هذا هو العدل، ودين الإسلام دين العدل. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 14 حكم السهر للطاعة وتفويت صلاة الفجر السؤال هناك أشخاص من طلاب العلم يسهرون في الليل أحياناً في الصلاة أو في المذاكرة ويضيعون صلاة الفجر، وإن نصحتهم أعطاك حججاً: أن الرسول أخر مرة صلاة الفجر، ويأتي بأدلة لا أدري من أين يأتي بها؟ الجواب لا هذا من الغلط أن الإنسان يبقى ساهراً في الليل بتهجد أو بمراجعة علم ثم ينام عن صلاة الفجر، هذا غلط عظيم، وأما ما استدلوا به أن الرسول فاتته صلاة الفجر فهذا كان في سفر، وكانوا قد نزلوا في آخر الليل وقالوا: من يرقب لنا الفجر، فاعتمد بلال رضي الله عنه على ذلك، ولكنه نام وأخذه الذي أخذه، وهذا ليس كالإنسان الذي يجعل هذا عادة. يعني: قد نعذر إنساناً في ليلة من الليالي سهر بعمل أو بغير عمل، أو أرق وما نام، ثم نام حتى طلعت الشمس، فهذا يعذر، لكن كونه يتخذ هذه عادة فليس بمعذور ولا يحل له. ثم الواجب على الإنسان إذا استدل بالقرآن أو بالسنة أن يكون الدليل مطابقاً للحال التي استدل به عليها، فإن لم يفعل كان محرفاً للقرآن والسنة، ومنزلاً للقرآن والسنة غير منازلهما. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 15 الواجب فعله إذا اختلفت الفتوى السؤال كثير من طلبة العلم الذين لم يصلوا إلى مرحلة النضوج في الطلب يأخذون بقول فلان في بعض الأحكام والرخص، يأخذون مثلاً بقول فلان في غسل الجمعة، وبقول فلان في زكاة الحلي، فعلى ماذا يمشي طالب العلم إذا لم يصل إلى مرحلة الترجيح؟ الجواب الواجب على طالب العلم وعلى العامي أيضاً إذا اختلف الناس عنده في الفتوى، أن يختار من الفتاوي من يرى أنه أقرب إلى الصواب، ومعلوم أن الإنسان يعرف أن فلاناً من العلماء أقرب إلى الصواب من فلان؛ وذلك لغزارة علمه ولورعه ودينه، لأننا لا نعتمد على كثرة العلم وغزارة العلم، إذ أن بعض الناس عنده غزارة علم وكثرة علم لكن ليس عنده تقوى ولا خوف من الله، فتجده يتهاون في الإفتاء، وبعض الناس عنده تقوى وورع لكن ضعيف في العلم، فيختار من هو أغزر علماً وأقوى تقوى، فإن تساوى عنده الرجلان، أو لم يعلم أن أحدهما أفضل فقيل: إنه يخير بين القولين، وقيل: يأخذ بالأشد، وقيل: يأخذ بالأيسر، والصحيح: أنه يأخذ بالأيسر لتكافؤ الأدلة، ولأن الأصل عدم إشغال الذمة وبراءتها. أما كونه يتتبع الرخص عن عمد، فإذا أُفتي بشيء ولم يناسبه قال: أسأل فلان الثاني، وإذا لم يناسبه قال: أسأل الثالث، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من باب التلاعب في دين الله، وقد نص أهل العلم على أن من تتبع الرخص فسق، فالبعض يبالغ وقال: من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه لم يتعبد لله بالهدى ولكن تعبد له بالهوى. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 16 التوفيق بين كره العاصي والتلطف معه السؤال كيف يتم التوفيق بين الحب في الله والكره فيه والتودد إلى العصاة لجذبهم إلى الهداية؟ الجواب الحب في الله: أن تحب الرجل لا تحبه إلا لله، والكره في الله: أن تكرهه لا تكرهه إلا لله. وأما التودد لشخص من أجل تأليف قلبه للإسلام أو للطاعة إذا كان عاصياً فهذا ليس حباً ولكنه تلطف، فأنت تتودد إليه تلطفاً فقط في المعاملة، أما قلبك فيكرهه ويكره ما عليه من المعاصي، فهذا هو الفرق، الحب في الله قلبك يحبه، وأما التودد لشخص من أجل أن نحمله على التقوى إن كان عاصياً، أو على الإسلام إن كان كافراً، فهذا ليس حباً له ولكن حباً لما ندعوه إليه مع كراهتنا لعمله وكفره. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 17 وجوب الصلاة على من بلغ سبع سنين السؤال الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين. ) الحديث. هل الأمر هذا يقتضي الوجوب؟ الجواب الأمر هنا للوجوب. أولاً: لأنه أمر، والأصل في أوامر الله ورسوله الوجوب. وثانيا: لأنه من باب الرعاية وحسن الولاية، ومعلوم أن الولي على الشيء يجب عليه أن يفعل له ما هو أنفع وأصلح. فالأمر للوجوب، وكذلك قوله: (اضربوهم عليها لعشر) الأمر للوجوب، لكن يقيد بما إذا كان الضرب نافعاً؛ لأنه أحياناً تضرب الصبي ولكن ما ينتفع بالضرب، ما يزداد إلا صياحاً وعويلاً ولا يستفيد، ثم إن المراد بالضرب الضرب غير المبرح، الضرب السهل الذي يحصل به الإصلاح ولا يحصل به الضرر. أما مسألة صلاة الفجر فقد يقال: إنها فيها كلفة لا سيما في أيام الشتاء، وأنه ما دام لم يكلف ولم يجب على الصبي فإنه يسقط عن الولي. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 18 معنى ارتهان الغلام بعقيقته السؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ؟ الجواب معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهنٌ بعقيقته) أن الغلام محبوس عن الشفاعة لوالديه يوم القيامة إذا لم يعق عنه أبوه، هكذا فسره بعض أهل العلم. وقال بعض العلماء: مرتهن بعقيقته أي: أن العقيقة من أسباب انطلاق الطفل في مصالح دينه ودنياه، وانشراح صدره عند ذلك، وأنه إذا لم يعق عنه فإن هذا قد يحدث له حالة نفسية توجب أن يكون كالمرتهن. وهذا القول أقرب، وأن العقيقة من أسباب صلاح الولد وانشراح صدره ومضيه في أعماله. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 19 نصيحة لأولياء الأمور بشأن ملابس الأطفال السؤال انتشر في الوقت الأخير لبس الملابس القصيرة بين البنات والأولاد، وكذلك لبس البناطيل للبنات، فهل من كلمة توجيهية لأولياء الأمور من الآباء والأمهات في هذا المجال جزاك الله خيراً؟ الجواب أما الثياب القصيرة بالنسبة للذكور فليس فيها شيء، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أزرة المؤمن إلى نصف الساق) ، وأما بالنسبة للنساء فهذا لا شك أنه خلاف المشروع، وأن نساء الصحابة كن يلبسن الثياب إلى الكعب، وإذا خرجن إلى السوق يرخينه إلى ذراع؛ حتى لا تنكشف أقدامهن. وأما لبس البنطال للمرأة فهو حرام فيما نرى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولأنه ذريعة إلى أن تلبس المرأة بنطالاً ضيقاً يصف حجم أفخاذها وعجيزتها، ولا يغرنك قول بعض النساء: أنا ألبس بنطالاً واسعاً فضفاضاً، فإن هذا وإن صح في امرأة من عشر نساء فإنه في المستقبل سوف لا يصح في أي امرأة، ثم إن علة التشبه توجب المنع سواء كان ذلك البنطلون واسعاً أو غير واسع. والعجب أن بعض النساء يقلن: إن هذا هو رغبة الزوج، وإني لأعجب من الزوج أن يختار هذا اللباس لامرأته وهو لبس رجل، وأقول للزوج: إنه يباح لك ما تقضي به وطرك وتقوى به شهوتك يباح لك ما هو أعظم من هذا، اجعلها تلبس ثوباً خفيفاً رهيفاً وهذا أدعى إلى جماعها والرغبة فيها من لبس هذا البنطلون، لكن الشيطان يزين للناس بعض الأعمال المنكرة نسأل الله السلامة. بعض البنات الصغار يلبسن إلى فوق الركبة، وانتشرت ملابس للصغار في الأسواق إلى فوق الركبة؟ الشيخ: هذا كما تفضلت، بعض الصغار يلبسن ثياباً صغيرة إلى فوق الركبة والفخذ بعضه خارج، ويدعي أولياءهن -الذين سوف يسألون عن ذلك يوم القيامة- يدعي أنهن صغار، وأن عورتهن لا تتجاوز السوءة، وما أشبه ذلك. فيقال: إن الطفلة إذا تعودت هذا اللباس ألفته، ولم تستنكره، ونزع منها الحياء أيضاً، ولذلك تجد الفرق بين إنسان يحافظ على ستر عورته وإنسان لا يحافظ، تجد الذي لا يحافظ كالعمال مثلاً: يرفع ثوبه إلى أن يبدو من فخذه الشيء الكثير لا يبالي؛ لأنه ألف ذلك واعتاده، لكن تأتي لإنسان محترم لا تجده يسمح لنفسه أن يرفع ثوبه إلى أن يبدو فخذه، اللهم إلا لحاجة لا بد منها فهذا شيء آخر. فالحاصل أننا نقول: حتى الصبيان لا يلبسون هذا، وأعني بالصبيان: الفتيات؛ لأنها تعتاد عليه، وينزع منها الحياء، ثم إذا كبرت تكون قد ألفت هذا اللباس. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 20 بم يثبت دخول الشهر؟ السؤال لقد كثر في اليومين السابقين الكلام حول يوم عاشوراء وفي أي يوم سيكون، فبعضهم قال: إن يوم أمس الأربعاء هو يوم التاسع، واليوم الخميس هو العاشر، وبعضهم قال: إن يوم الأربعاء هو يوم الثامن ويوم الخميس هو التاسع، وقد سمعنا أنك بعد صلاة فجر يوم أمس الأربعاء أخبرت المصلين في المسجد: أن اليوم يوم التاسع وهو يوم الأربعاء، فما صحة هذه الأقوال؟ وماذا يفعل من لم يصم يوم الأربعاء إن كان هو يوم التاسع؟ وبماذا تنصح المسلمين تجاه هذا اليوم؟ الجواب أما نصيحتي للمسلمين تجاه هذا اليوم فإني أقول: إن هذا اليوم يوم سن صومه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رغب فيه حين قال: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها) . وأما فيما يتعلق بإثبات عاشوراء، فأنا أعطيك قاعدة تبني عليها شرعية من رسول الله عليه الصلاة والسلام: أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام إذا لم نر الهلال ليلة الثلاثين أن نكمل الشهر ثلاثين يوماً، فقال في رمضان: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) وهذه قاعدة في كل الشهور، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان؛ لأنه هو الشهر الذي يحرص الناس به على ترائي الهلال. وبناءً على ذلك نقول: شهر ذي الحجة متى يكون ثلاثين في هذه السنة؟ يوم الثلاثاء ثلاثين، هل رأيناه ليلة الثلاثاء رأينا هلال محرم؟ الجواب: إن رأيناه وثبت بشهادة اثنين فهذا يوجب دخوله، وإن لم يره إلا واحد أو لم يره أحد فإن الواجب أن نكمل شهر ذي الحجة ثلاثين، وإذا كملنا شهر ذي الحجة ثلاثين صار أول الشهر هذا يوم الأربعاء فيكون يوم الأربعاء هو الثامن، ويوم الخميس هو التاسع، ويوم الجمعة هو العاشر، وهذا هو المتمشي على القواعد الشرعية. وأما من حدثك أنني قلت للناس: فجر يوم الأربعاء أن اليوم تاسع، فقد كذب، ولم نتكلم، والحمد لله أن الله ربط علينا ألا نتكلم أمس العصر، وإلا كنت أقول: لعلي أعلم الناس حتى لا أغرهم لأني قلت لهم في الخطبة: إن العاشر هو يوم الجمعة، فقلت: لعلي أنبههم، لكن الحمد لله أن الله ربط على لساني ولم أقل شيئاً؛ لأن الناس أكثروا عليَّ، يعني قال واحد: قال: حدثني الشيخ عبد الله السعد عن الشيخ ابن قعود وكلاهما معروف ثقة عن مجلس القضاء: بأن أمس هو التاسع. ثم جاء آخر وقالوا: سمعنا بالإذاعة عن مجلس القضاء أن الشهر دخل يوم الثلاثاء. لكن الذي سمعته أيضاً وهو في سند صحيح: أن أحد القضاة سأل الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء؟ وقال: إنه لم يثبت عندنا إلا بشهادة واحد. وشهادة الواحد لا يثبت فيها دخول الشهر إلا في رمضان، فالحمد لله خرجت الآن فتوى من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة: بأن يوم الجمعة هو اليوم العاشر، والأمر سهل، الذي صام يوم الأربعاء على أنه التاسع والخميس على أنه العاشر يصوم غداً على أنه العاشر، ويكون له ثلاثة أيام. ثم أيضاً لا تصدقوا كل ما ينقل عن العلماء، فقد ينقل عن العلماء أشياء تشيب الرأس ما لها أصل. من الذي نقل يا شيخ قول الشيخ عبد الله السعد؟ أما عبد الله السعد فحدثني أحد الطلبة وهو رجل ثقة عن عبد الله السعد عن عبد الله بن قعود عن مجلس القضاء، وحدثني أيضاً (خالد المزيني) من طلابنا في الجامعة معيد عن مجلس القضاء مباشرة: أن أمس تاسع واليوم عاشر. والذي يظهر لي والله أعلم: أن هؤلاء الذين في المجلس سمعوا أنه شهد شاهد واحد وقاسوا هذا على شهر رمضان فقالوا ثلاثين. على كل حال: الحمد لله الأمر واسع، ولم يفت شيئاً، معك غداً تصوم ويكون هو العاشر. أنا ذكرت حديثاً عن الرسول إذا لم نره نكمل ثلاثين، لكن بعض الناس رضوا في شيء آخر بعد التقويم ثلاثين ذي الحجة حسب الرؤية تعتبر واحداً وثلاثين في التقويم؛ لأن التقويم سبقنا بيوم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وإلى لقاء آخر. الجزء: 95 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [96] استمراراً من الشيخ في شرحه لجزء عم فقد شرح في لقائه هذا سورة العاديات، وبين أن المقصود بالعاديات الخيل المجاهدة في سبيل الله، وكذا مناسبة الجمع بين تحصيل ما في الصدور وبعثرة ما في القبور، وغير ذلك من الفوائد الواردة في السورة. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة العاديات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث من لقاء الباب المفتوح، والذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو اليوم السادس عشر من شهر محرم عام (1416هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما يسر الله تعالى من تفسير سورة العاديات يقول الله تبارك وتعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات:1-5] إلى آخر السورة. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والعاديات ضبحاً) ولا يخفى على الجميع أن هذا قسم {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} [العاديات:1] وأن العاديات صفة لموصوف محذوف، فما هو هذا الموصوف: هل المراد الخيل يعني: والخيل العاديات، أو المراد الإبل يعني: والإبل العاديات؟ في هذا قولان للمفسرين: فمنهم من قال: إن الموصوف هي الإبل، والتقدير: والإبل العاديات، ويعني بها: الإبل التي تعدوا من عرفة إلى مزدلفة ثم إلى منى وذلك في مناسك الحج. واستدلوا لهذا: بأن هذه السورة مكية، وأنه ليس في مكة جهاد على الخيل حتى يقسم بها. أما القول الثاني من جمهور المفسرين وهو الصحيح: فإن المحذوف هو الخيل، والتقدير: والخيل العاديات، والخيل العاديات معلومة للعرب حتى قبل مشروعية الجهاد، هناك خيلٌ تعدوا على أعدائها سواء بحق أو بغير حق فيما قبل الإسلام، أما بعد الإسلام فالخيل تعدوا على أعدائها بحق. يقول الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ} والعادي: اسم فاعل من العدو وهو سرعة المشي والانطلاق، وقول: {ضَبْحاً} الضبح: ما يسمع من أجواف الخيل حين تعدوا بسرعة يكون لها صوت يخرج من صدورها، وهذا يدل على قوة سعيها وشدته. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فالموريات قدحاً) قال تعالى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} [العاديات:2] الموريات: من أورى أو ورى بمعنى قدح، ويعني بذلك: قدح النار حينما يضرب الأحجار بعضها بعضاً، كما هو مشهور عندنا في حجر المرو فإنك إذا ضربت بعضه ببعض انقدح. هذه الإبل لقوة سعيها وشدتها وضربها الأرض إذا ضربت الحجر ضربت الحجر الثاني ثم يشعل ناراً؛ وذلك لقوتها وقوة سعيها وضربها الأرض {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} . الجزء: 96 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فالمغيرات صبحاً) قال تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} [العاديات:3] أي: فالتي تغير صباحاً على العدو، وهذا أحسن وقت يغار به على العدو أن يكون في الصباح؛ لأنه في غفلة ونوم، وحتى لو استيقظ من الغارة فسوف يكون على كسل وعلى إعياء، فاختار الله عز وجل للقسم بهذه الخيول أحسن وقت للإغارة وهو الصباح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغير على قوم في الليل بل ينتظر فإذا أصبح إن سمع أذاناً كف وإلا أغار. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فأثرن به نقعاً) قال تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} [العاديات:4] أي: أثرن بهذا العدو، وهذه الإغارة (نقعاً) : وهو الغبار الذي يثور من شدة السعي، فإن الخيل إذا سعت واشتد عدوها في الأرض صار لها غبار من الكر والفر. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فوسطن به جمعاً) قال تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات:5] توسطن بهذا الغبار (جمعاً) أي: جموعاً من الأعداء، أي: أنها ليس لها غاية ولا تنتهي غايتها إلا وسط الأعداء، وهذا غاية ما يكون من منافع الخير، مع أن الخيل كلها خير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) . أقسم الله تعالى بهذه العاديات من الخيل التي بلغت الغاية: وهو الإغارة على العدو، وتوسط العدو من غير خوف ولا تعب ولا ملل. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود) أما المقسم عليه فهو الإنسان فقال: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:6] والمراد بالإنسان هنا الجنس، أي: أن جنس الإنسان إذا لم يوفق للهداية فإنه كفور لنعمة الله عز وجل كما قال الله تبارك وتعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] وقيل المراد بالإنسان هو الكافر، فعلى هذا يكون عاماً أريد به الخاص، والأظهر: أن المراد به العموم، وأن جنس الإنسان لولا هداية الله لكان كنوداً لربه عز وجل، والكنود: هو الكفور أي: كافراً لنعمة الله عز وجل؛ يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الرزق عتواً ونفوراً، فإن من الناس من يطغى إذا رآه قد استغنى عن الله، وما أكثر ما أفسد الغنى من بني آدم، فهو كفور بنعمة الله عز وجل يجحد نعمة الله ولا يقوم بشكرها، ولا يقوم بطاعة الله؛ لأنه كنود لنعمة الله. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وإنه على ذلك لشهيد) قال تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات:7] (إنه) الضمير قيل: يعود على الله، أي: أن الله تعالى يشهد على العبد بأنه كفور بنعمة الله، وقيل: إنه عائدٌ على الإنسان نفسه، أي: أن الإنسان يشهد على نفسه بكفر نعمة الله عز وجل. والصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم وشهيد على عمله، والإنسان أيضاً شهيدٌ على نفسه، لكن قد يقر بهذه الشهادة في الدنيا وقد لا يقر بها فيشهد على نفسه يوم القيامة، كما قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24] . الجزء: 96 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد) قال تعالى: {وَإِنَّهُ} [العاديات:8] أي: الإنسان {لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] الخير هو المال كما قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة:180] أي: إن ترك مالاً كثيراً، فالخير هو المال، والإنسان حبه للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] ولا تكاد تجد أحداً يسلم من الحب الشديد للمال، أما مطلق الحب فهذا ثابت لكل أحد؛ ما من إنسان إلا ويحب المال، لكن الشدة ليست لكل أحد، بعض الناس يحب المال الذي تقوم به الكفاية ويستغني به عن عباد الله، وبعض الناس يريد أكثر، وبعض الناس يريد أوسع وأوسع، المهم أن كل إنسان فإنه محب للخير أي للمال، لكن الشدة يختلف فيها الناس من شخص لآخر. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور) ثم إن الله تعالى ذكر للإنسان حالاً لابد له منها فقال: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} [العاديات:9] فيعمل لذلك ولا يكون همه المال، {أَفَلا يَعْلَمُ} أي: يتيقن {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أي: نشر وأظهر، فإن الناس يخرجون من قبورهم لرب العالمين كأنهم جراد منتشر، يخرجون جميعاً بصيحة واحدة {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] . الجزء: 96 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (وحصل ما في الصدور) قال تعالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10] أي: ما في القلوب من النيات وأعمال القلب كالتوكل والرغبة والرهبة والخوف والرجاء وما أشبه ذلك. وهنا جعل الله عز وجل العمدة ما في الصدور، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:9-10] لأنه في الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر، حتى المنافق يُعامَل كما يُعامَل المسلم حقاً؛ لكن في الآخرة العمل على ما في القلب، ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا قبل كل شيء قبل الأعمال؛ لأن القلب هو الذي عليه المدار، وهو الذي سيكون الجزاء عليه يوم القيامة، ولهذا قال: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} . ومناسبة الآيتين بعضهما لبعض: أن بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض، وتحصيل ما في الصدور هو إخراج لما في الصدور مما تكنه، فالبعثرة بعثرة ما في القبور عما تكنه الأرض، وهنا عما يكنه الصدر، والتناسب بينهما ظاهر. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير) قال تعالى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:11] أي: أن الله عز وجل (بهم) أي: بالعباد لخبير، وقال: بهم ولم يقل به مع أن الإنسان مفرد باعتبار المعنى، أي: أنه أعاد الضمير على الإنسان باعتبار المعنى، لأن معنى: (إن الإنسان) أي: أن كل إنسان، وعلق العلم في ذلك اليوم {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ} لأنه يوم الجزاء والحساب، وإلا فإن الله تعالى عليم خبير في ذلك اليوم وفيما قبله، فهو جل وعلا عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. هذا هو التفسير اليسير لهذه السورة العظيمة، ومن أراد البسط فعليه بكتب التفاسير التي تبسط القول في هذا، وإنما نحن نشير إلى المعاني إشارة موجزة، وقد بينا أول ما بدأنا في هذا الجزء المبارك أننا اخترنا هذا لأنه كثيراً ما يسمعه الناس في الصلاة الجهرية في المغرب والعشاء والفجر. نسأل الله لكم الهداية والتوفيق، وأن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته إنه على كل شيء قدير. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 13 الأسئلة الجزء: 96 ¦ الصفحة: 14 مسألة العمريتان في المواريث السؤال ما وجه فرض الثلث للجد مع الإخوة وثلث الباقي والأصل فرض الأب والجد السدس؟ الجواب القول الراجح في هذه المسألة التي تدل عليه الأدلة، وقال به أبو بكر الصديق وثلاثة عشر من الصحابة رضي الله عنهم: أن الجد كالأب سواء بسواء، إلا في العمريتين فقط فإن للأم ثلث الباقي مع الأب ولها مع الجد الثلث كاملاً، والعمريتان هما: أن يموت شخص عن زوجة وأم وأب، فنقول: للزوجة الربع إذا مات الزوج عنها وعن أبيه وأمه، وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي، أو تموت هي عن زوج وأم وأب فيكون للزوج النصف وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي. ولو ماتت عن زوج وأم وجد لكان للزوج النصف وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، وكذلك لو مات عن زوجة وأم وأب لكان للزوجة الربع وللأم الثلث كاملاً وللجد الباقي، فهاتان المسألتان وهما العمريتان هما التي يختلف فيها الأب والجد، أما ما عداها من الصور والمسائل فإن الجد كالأب. وأما من ذهب إلى أن الجد له أحوال وأن الإخوة الأشقاء أو لأب يرثون معه، فإن هذا القول ضعيف ليس عليه دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من الإجماع ولا من القياس الصحيح. فالصواب: أن الجد يسقط الإخوة الأشقاء أو لأب مطلقاً، وعلى هذا فيكون السؤال الذي أورده غير واحد؛ لأنه ليس هنا ثلث باقي، ولا مقاسمة مع الإخوة. ووجه إيراده أنه بناءً على آراء وأفكار يقولون مثلاً: إن قوة ارتباط الجد بابن ابنه أقوى من الإخوة فيكون له الفضل والتمييز، فيقال: هب أننا قلنا ذلك فما هو الدليل على أن له الثلث أو الثلث الباقي مثلاً؟ ليس هناك دليل. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 15 حكم النافلة قبل الزوال يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ: أرى بعض الناس يوم الجمعة وقبل دخول الخطيب بخمس دقائق إلى ربع ساعة يقوم ثم يصلي نافلة فهل لذلك من وجه؟ وهل في يوم الجمعة عند الزوال نهي عن الصلاة؟ الجواب لا وجه لهذا، أي: لا وجه لكون بعض الناس ينتظر فإذا بقي عشر دقائق أو نحوها قبل مجيء الخطيب قام فصلى، ولا أعلم أحداً قال بهذا القول إطلاقاً. وأما كون الجمعة فيها وقت نهي: فالصحيح أن فيها وقت نهي، وأنها كغيرها من الأيام لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يدل على تخصيص يوم الجمعة بأنه لا نهي فيه عند الزوال، وقد ورد في هذا حديث ضعيف عن النبي عليه الصلاة والسلام، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أنه لا ينهى الإنسان عن الصلاة إذا كان مستمراً في صلاته حتى يأتي الخطيب، قال: لأن هذا كان الصحابة يفعلونه. لكن كونه يبقى جالساً حتى إذا قارب وقت الخطيب قام فصلى وهو وقت نهي، فهذا لا أصل له، ولا يحل لهذا أن يقوم فيصلي في هذا الوقت إذا كان قبل الزوال بنحو عشر دقائق. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 16 معنى تعوذ المسافر من كآبة المنظر وسوء المنقلب السؤال السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء السفر: (وكآبة المنظر وسوء المنقلب. ) ؟ الجواب أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس بسنة؛ لأن السائل معنا، والصحابة كانوا يسألون الرسول عليه الصلاة والسلام في مجالسهم ولا يسلمون. وأما ما ذكرت من كآبة المنظر ووعثاء السفر، فالمعنى: أن الإنسان المسافر قد يعتريه في سفره أشياء تتغير بها خلقته، فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك. سوء المنقلب معنى: أن يكون انقلابه إلى أهله سيئاً إما بحادث يحدث له، أو بحادث يكون عليهم بعد مفارقتهم، أو ما أشبه ذلك، فهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: المنقلب السيئ. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 17 حكم بول ما يؤكل لحمه السؤال يرى بعض المذاهب: نجاسة بول ما يؤكل لحمه. فهل عندهم أدلة صحيحة؟ الجواب نقول: نعم لهم دليل، لكن لا دلالة فيه على ما يقولون. دليلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي يعذب في قبره: إنه كان لا يستنزه من البول، وقالوا: إن البول كلمة عامة تشمل كل بول، لكن لا دلالة لهم في ذلك؛ لأن المراد بالبول هنا بوله كما جاء ذلك في صحيح البخاري: (أما أحدهما فكان لا يستنزه -أو لا يستبرئ- من بوله) فيكون (ألـ) في البول للعهد الذهني، ولأن بوله هو الذي يتلطخ به غالباً، أما بول ما يؤكل لحمه فهو نادر لا يكون إلا لرعاة الإبل أو الغنم والبقر، فهذا ليس لهم فيه دليل. ونقول أيضاً: إنه قد دل الدليل أن بول ما يؤكل لحمه طاهر؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم بغسل ما أصابهم من ذلك، وأيضاً لو كان بولها نجساً لكان حراماً لا يجوز الاستشفاء به. ثم نقول أيضاً: الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يمكن أن نحكم بنجاسة شيء إلا بدليل واضح بين. إذاً فالقول الراجح والصواب: أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم أو الدجاج أو الأرانب أو الحمام أو غير ذلك. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 18 حكم المكوث في مجالس ذكر مشتملة على الحديث في السياسة السؤال فضيلة الشيخ: يكثر في بعض المجالس الكلام عن السياسة، وعندما تنكر عليهم، يقولون: السياسة من الدين. بل إنهم يقعون في الغيبة، وما يميز مجلسهم هو وجود ذكر الله فيه، فما رأيك في جلوسي معهم؟ الجواب أنا رأيي: أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ؛ لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، أما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس، فهذا خلاف هدي السلف الصالح، فما كان عمر بن الخطاب ومن قبله كـ أبي بكر رضي الله عنهما يبثون سياستهم في مجامع الناس يذوقها الصغير والكبير والسفيه والعاقل، أبداً! ولا يمكن أن تكون السياسة هكذا، السياسة لها أقوام متمرسون فيها يعرفونها ويعرفون مداخلها، ولهم اتصال بالخارج، واتصال بالداخل، لا يعرفه كثير من الناس. ولا ينبغي للشباب وغير الشباب أن يمضوا أوقاتهم ويضيعوها في مثل هذا القيل والقال الذي لا فائدة منه، ثم إنه قد يبدو لنا مثلاً أن صنيع واحد من الناس خطأ وقد يكون الصواب معه؛ لأنه يعلم من الأمور ما لا نعلم نحن، وهذا شيء مشاهد مجرب، وغالب الذين يتكلمون بالسياسة إنما يستنتجونها من أشياء لا أصل لها ولا حقيقة لها، وإنما هي أوهام يتوهمونها ثم يبنون عليها ما يتكلمون به، فيقفون ما ليس لهم به علم، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] . أما الجلوس معهم فما داموا على ذكر فاجلس معهم، وإذا قاموا يخوضون هذا الخوض الذي لا فائدة فيه فانصحهم أولاً، فإن اهتدوا فهذا هو المطلوب، وإلا ففارقهم، ثم إذا كان حضورك مجالسهم التي للذكر يؤدي إلى أن يغتروا بأنفسهم أو أن يغتر بمجيئك إليهم غيرهم فيقال: لولا أن هؤلاء على خير ما جاء إليهم فلان ولا فلان، فلا تأتي إليهم أيضاً حتى للذكر؛ لأن أبواب الذكر -والحمد لله- كثيرة. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 19 توجيه كون ميكائيل الموكل بالقطر والنبات السؤال فضيلة شيخنا! لقد قرأنا: أن ميكائيل عليه الصلاة والسلام موكل بالقطر والنبات، فنرجو شرح هذا الكلام حيث إنه لا يمكن أن يكون عمله زجر السحاب وما إلى ذلك بقول وأمر؛ لأن ذلك خاص بالله سبحانه وتعالى؟ الجواب هو هكذا شاع بين العلماء: أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات. وليس هناك مانع أن يكون موكلاً بالقطر والنبات بأمر الله عز وجل، فيكون القطر والنبات مسخراً مذللاً له بأمر الله، ألم تر أن الله تعالى قد سخر الرياح لسليمان عليه الصلاة والسلام، مع أن الذي يسخر الرياح ويأمرها في الأصل هو الله عز وجل، فلله تعالى أن يجعل أمراً من أمور مخلوقاته إلى أحد من المخلوقين، وليس ذلك بغريب. قبض الأرواح موكل فيه ملك يقبض أرواح بني آدم وغيرهم، وأصل الإحياء والإماتة إلى الله عز وجل، لكن الله تعالى قد يوكل أحداً من خلقه على شيء من شئونه جل وعلا، ويكون هذا فاعلاً بأمر الله، والله تعالى إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، حتى في الجماد يأمره أن يفعل فيفعل {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:11-12] إلى آخر الآية. السائل: وهل هناك دليل على أن ميكائيل موكل بالقطر والنبات؟ الشيخ: هذا هو المشهور بين أهل العلم، قالوا: إن ميكائيل موكل بالقطر والنبات، وأن إسرافيل موكل بنفخ الصور، وأن جبرائيل موكل بالوحي ينزل به بإذن الله عز وجل إلى الرسل، وقالوا: إن هؤلاء الثلاثة هم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح في صلاة الليل بربوبية الله تعالى لهم حيث يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) قالوا: إنما كان يستفتح بهؤلاء الثلاثة؛ لأن كل واحد موكل بما فيه الحياة، فجبريل موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، وإسرافيل موكل بما فيه حياة الأبدان الحياة النهائية وهي النفخ في الصور، وميكائيل موكل بما فيه حياة الأرض وهو القطر والنبات، وهذا لا يعني: أن الله عز وجل عاجز، الله عز وجل لو شاء لقال: كن فيكون في كل شيء، لكن هذا لإظهار الحكمة وإظهار قوة السلطان وأنه جل وعلا له جنود لا يعلمها إلا هو عز وجل ويعلمنا ما شاء منها. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 20 معنى (الخير) في قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد) السؤال ألا يحتمل تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] بمعنى: الخير هنا الخيل، بأن السنة مفسرة للقرآن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) ؟ الجواب ما رأيت أحداً قال بأن المراد بحب الخير هي الخيل، وفي السنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير) ولم يقل هي خير، أو يقل هي الخير، وأيضاً ليس كل أحد يحب الخيل، ولو أنك تأملت أحوال بني آدم لوجدت من الألف واحد. وكل واحد وما يهوى، واحد يحب الإبل، واحد الغنم، واحد يحب الغنم، واحد يحب التجارة، واحد يحب الخيل، واحد يحب السيارات. السائل: وسبب النزول للسورة. الشيخ: هذه ما فيها سبب نزول. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 21 معنى قول الله تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) السؤال أطلب منك شرح آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] ؟ الجواب المعنى: أن هذه الدنيا حقيقتها أنها لهو يلهو بها الإنسان، (ولعب) يلعب بها وليست جداً، فالعمل الدنيوي المحض ليس إلا لعباً، يذهب هباءً. (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) أي: لهي الحياة الكاملة، الحيوان هنا ما هو الحيوان المعروف، المراد الحياة الكاملة كما قال الله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] فهي الحياة الكاملة، وقوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يعني: لو كانوا من ذوي العلم ما آثروا الدنيا على الآخرة بل آثروا الحياة الآخرة على الدنيا، ولعلك تظن أن الحيوان يعني: البعير والحمير وما أشبه ذلك وليس كذلك، المراد بالحيوان أي الحياة الكاملة ولهذا نقول: الألف والنون هنا زائدة للتكثيف والمبالغة. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 22 السنة في موضع الإمام من المأمومين السؤال فضيلة الشيخ: هل يشترط الإمام المسجد أن يكون في وسط المسجد؟ الجواب السنة أن يكون الإمام في الوسط، لا يكون على اليمين ولا على اليسار، والدليل على هذا: أنه كان في أول الأمر إذا صلى ثلاثة صاروا صفاً واحداً وإمامهم بينهم، لا يجعلهم كلهم على اليمين، بل واحد على اليمين وواحد على اليسار، وهذا يدل على مشروعية توسط الإمام على أنه ورد حديث لكنه ضعيف ((وسطوا الإمام) لكنه ضعيف، ثم معروف من فعل النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوسط الناس في صلاته، ولهذا قال بعض أهل العلم قولاً سديداً: أنه إذا ترجح أحد جانبين من الصف وصار بعيداً من الإمام فالأولى أن يكون الإنسان في الجانب الآخر، يعني مثلاً: لو أن الناس صفوا مع يمين الصف وكثروا نقول: لا، الأفضل أن تأتوا إلى اليسار، أولاً: لأنه أقرب من الإمام، والثاني: لأنه أقرب إلى توسط الإمام. السائل نفسه: هل يطلب منهم الإمام ذلك؟ الشيخ: نعم. إذا رآهم خالفوا يطلب ذلك منهم. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 23 وجوب قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية السؤال اختلف العلماء في قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية، فهل يقرأ المأموم الفاتحة أم لا يقرأ؟ الجواب الصحيح: أن المأموم تلزمه قراءة الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية، وأنه يقرأ ولو كان الإمام يقرأ، وأن هذا مخصص لقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] ودليل التخصيص: عموم قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإذا قال قائل: بين هذا الحديث وبين الآية عموم وخصوص من وجه؟ قلنا: لكن خصوص: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) مؤيَّدٌ بما جاء في السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الصبح صلاة جهرية. القول الراجح في هذه المسألة: هو العموم، فنقول للمأموم: إذا انتهى إمامك من قراءة الفاتحة فابدأ بقراءتها، ثم استمر حتى وإن بدأ الإمام بقراءة ما بعد السورة فاستمر حتى تتمها. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 24 حكم وضع المال في البنك الربوي لمن احتاج السؤال هل يصح أن أخرج بعض أموالي أو كل أموالي التي كانت بالبنوك من مساهمات وكذا، ولكن أنا لم أستفسر كذلك متى أخرجها، أو ماذا أفعل فيها، ولو جعلتها بالبيت فلا آمن عليها حقيقة فما رأيكم في ذلك؟ الجواب رأيي في ذلك: أن إدخال الدراهم في البنوك ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يأخذ ربا، أي: يعطي البنك مثلاً عشرة آلاف ريال وبعد سنة يأخذ إحدى عشر ألفاً، فهذا لا يجوز؛ لأنه رباً صريح. والقسم الثاني: أن يجعلها في البنك ولا يأخذ ربا، فهذا الأفضل ألا يجعلها في البنك؛ لأنه إذا جعلها في البنك توسع البنك وازداد ماله وكثرت أرباحه الربوية. ولكن إذا احتاج إلى هذا مثل: أن يخاف على أمواله في البيت فلا حرج أن يجعلها عند البنك، لكن لا يأخذ شيئاً زائداً عما جعل فيه، وليعلم أن بعض الناس يسمي هذا وديعة، ولكنه ليس بوديعة في الحقيقة بل هو قرض؛ لأنك تعطي دراهمك البنك ويجعلها في صندوقه وينتفع بها، والوديعة لا ينتفع بها المودع، الوديعة يبقيها بنفسها وحتى يأتي صاحبها ويطلبها. خلاصة الجواب الآن: أقول لك: إذا كنت محتاجاً إلى وضعها في البنك فلا بأس، وإن كان يمكنك أن تحفظها بدونه فهو أحسن وأفضل. السائل: سألتُ قبل قليل عن مالي أو بعض مالي الذي في البنوك ولكني لا آمن عليه في البيت. الشيخ: قلت: الأفضل سحبه من البنك، لكن إذا كنت محتاجاً وتخاف على مالك فلا بأس. السائل: ولو أني أشك أن فيها ربا. الشيخ: لا، أنت لا تأخذ فيها ربا. السائل: أنا ما آخذ. الشيخ: تعطي عشرة وتأخذ عشرة. السائل: يمكن يأخذوا هم عليها. الشيخ: ما عليك منهم وهذا الذي جعلنا نقول: الأفضل ألا تعطيهم. لأننا نخشى أن يدخلوها في الربا، لكن هل البنوك الآن شغلها كله ربا مائة بالمائة؟ إن كان كذلك فلا يجوز إعطاءهم أبداً لو تدفنها في التراب، لكن نعلم أن البنوك لها مقاولات، لها تجارات، لها أخذ وعطاء غير ربا، بعض الناس يقول: حرام مطلقاً؛ لأن كل أمواله ربا! ما هو صحيح، هي تأخذ هذا وهذا، تعمل بهذا وهذا، ومن أجل ذلك سهلنا الأمر، لو قلنا: إن كل أعماله ربا مائة بالمائة قلنا: لو تدفن دراهمك في التراب وتأكله الأرض أحب إليك. السائل: أنا رأيت وقرأت أن أحد البنوك مكتوب على سند الشيك السند الثاني: إذا لم يزد دخلك -بمعنى: ربحك- اثني عشر ريالاً، فراجع الذي أعطاك الشيك. الشيخ: لا، هذه ما فيها شيء. السائل: يقول: إذا لم يزد ربحك. الشيخ: لا. هذا لا تعامله. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 25 معنى الحروف المقطعة في أوائل السور السؤال فضيلة الشيخ: تعددت أقوال المفسرين في الحروف المقطعة في أوائل السور، والسؤال: هل هذه الحروف لها معنى أو ليس لها معنى؟ وإذا كان لها معنى فهل استأثر الله بعلمه أو يعرفه الراسخون في العلم؟ وإذا كان ليس لها معنى فقد يرد علينا إشكال: أنه كيف يتكلم الله عز وجل وهو الحكيم العليم بكلام ليس له معنى. أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب الصحيح أن هذه الحروف الهجائية التي في أوائل السور ليس لها معنى، لقول الله تبارك تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] واللسان العربي لا يجعل لهذه الحروف معنىً إطلاقاً، بل هذه الحروف حروف يتكون منها كلام الناس، وليس معنى قولنا: إنه ليس لها معنى أي: ليس لها فائدة، هي لها فائدة عظيمة، فائدتها: أن هذا القرآن الكريم الذي أعجزكم معشر العرب مع قدرتكم وبلاغتكم وفصاحتكم لم يكن أتى بجديد من الحروف التي لا تعرفونها، بل هو من الحروف التي أنتم تعرفونها وترتبون كلامكم منها، ويدل لهذا: أنك لا تكاد ترى سورة مبدوءة بالحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن لها مغزى لكنه ليس لها معنى في حد ذاته. وعرفت الدليل على أنه ليس معنى في حد ذاتها من القرآن نفسه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] وبناءً على ذلك: لو ادعى مدعٍ أنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء فإننا لا نقول قوله، لأننا لو قلنا: إنها حروف ترمز إلى شيء من الأشياء لا يعلمها إلا الله. لكان في القرآن ما لا يعلمه إلا الله، وقد تكفل الله عز وجل أن يبين القرآن لعباده، فقال: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:18-19] وليس في القرآن كلمة ولا حرف لا يعلم معناه إلا الله أبداً، لا بد أن يعلم، لكن العلوم تختلف، فالراسخون في العلم لهم علم ومن دونهم لهم علم، والعامي له علم، أما أن يوجد شيء في القرآن لا يعلمه أحد من الناس فهذا شيء مستحيل، بل لا بد أن يكون معلوماً. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 26 حكم تجريد الوعظ من كلام الله ورسوله السؤال فضيلة الشيخ! لو وجد داعية يكثر في محاضراته أو خطبه من الكلام الإنشائي المجرد عن الكتاب والسنة، فهل هذا يكون عليه مأخذ إلا أن أصل كلامه يعد من الكتاب والسنة مثل قوله: كيف بك لو حوسبت، وكيف بك لو دخلت تحت القبور، وقوله: واتقوا الله وكذا، لكن مجرد ذكر نصوص آيات القرآن أو نصوص الكتاب والسنة يكاد يكون مجرداً عنه، فهل يعد عليه مأخذ؟ الجواب لا شك أن الإنسان إذا خطب خطبة مؤثرة ولو من إنشائه الخاص لكنها لا تعدو ما جاء بالكتاب والسنة؛ فإنه مفيد وليس عليه مأخذٌ يعاب عليه، لكن ربطه ذلك بالقرآن والسنة أحسن وأفضل، لفائدتين: الفائدة الأولى: أن يعرف الناس أن كلامه مبني على دليل من الكتاب والسنة. والفائدة الثانية: أن يربط الإنسان الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأضرب لك مثلاً: أنه يوجد مثلاً في كتب الوعاظ كلمات تؤثر ويبكي الإنسان منها ويخشع قلبه، كما يوجد في التبصرة لـ ابن الجوزي رحمه الله وغيرها، وإذا قرأ عليه القرآن في هذا المعنى نفسه لم يتأثر تأثره بكلام هذا الكاتب، وذلك لأن القرآن لا يذكر في وعظ هؤلاء الواعظين، ولهذا نرى أن الإنسان أفضل له أن يجمع بين الحسنيين: فيأتي بالكلام المؤثر من قوله، ويأتي أيضاً بما يتضمنه الكتاب والسنة من كلامه. السائل: يا شيخ! لا يكون معارضاً لقوله: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] ؟ الشيخ: لا. ما دام أنه قد أتى بمعناه فهو ليس بعيداً عنه، لكن كونه يأتي بالمعنى واللفظ أحسن. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 27 حكم تأجير الدكان للعامل المستقدَم السؤال فضيلة الشيخ! هذا رجل استقدَم عاملاً ووضع محلاً تجارياً وقال للعامل: سأؤجرك هذا المحل بأجرة شهرية، فما حكم هذا الفعل؟ الجواب هذا الفعل حرام، أولاً: لأنه مخالف للعقد الذي تم بينه وبين هذا العامل. وثانياً: مخالف لنظام الحكومة، ونظام الحكومة يجب العمل به إلا أن يخالف الكتاب والسنة أي: إلا أن يتضمن معصية. وثالثاً: أن هذا حيلة، حيلة على أن يأخذ منه كل شهر كذا أو كل سنة كذا سواء ربح هذا أو لم يربح. ولهذا نقول: إذا أتيت بعامل وأردت أن يكون مباشراً في البيع والشراء في دكان فهو على أجرته التي حصل عليها الاتفاق، وأنت إذا كنت تخشى ألا ينصح اجعل له جعلاً على ما يصرفه، فقل مثلاً: كلما صرفت مقدار ألف ريال فلك عشرة ريالات أو مائة ريال وهكذا وحينئذٍ ينشط ولا يحصل في هذا مخالفة للحكومة. السائل: والراتب يا شيخ؟! الشيخ: ويعطيه الراتب كاملاً، الآن أتيت إليك بسبع مائة في الشهر هذه سبع مائة، لكن مع ذلك تشجيعاً لك إذا صرفت من الدكان ألف ريال كلما صرفت ألف ريال أعطيك مائة ريال زائدة على الراتب. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 28 حكم استخدام مكائن لفرم الأوراق التي فيها ذكر الله السؤال أحسن الله إليكم يا شيخ! توجد آلة تفرم الورق فرماً، بحيث إنه ما يقرأ الكلمات الموجودة، فهل يجوز أن يوضع بها أوراق فيها آيات من القرآن لأنها تفرم الورق؟ الجواب هذه الآلة التي تقطع الورق إذا وضعت فيها ورقة مصحف أو ورقة حديث أو ورقة تتضمن آية أو حديثاً ومزقته حتى لا يوجد اسم الله مثلاً فلا بأس. السائل: ربما تظهر بعض الحروف. الشيخ: هذه الآلات قسمين: قسم تجعل الورق شرائح طويلة، هذه ربما تظهر فيها لفظ الجلالة مثلاً، أو كلمة من آية، هذه ما تصلح، وبعضها ينتفه حتى يكون كحب الرز يعني: تقطعه طولاً وعرضاً، فهذه لا تبقى أي حرف فيها، فإذا أردت أن تشتري مثل هذا فاشتر مثل هذا النوع، أما الأول فكما قلت لك: إذا استعرضنا هذه الشرائح ووجدنا فيها لفظ الجلالة أو لفظ الآية فلا بد من أن نحرق الورق الذي وجدنا فيه لفظ الجلالة. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 29 حكم المخيمات الكشفية والذهاب إليها السؤال فضيلة الشيخ: يوجد من ضمن الأنشطة اللامنهجية في المدارس ما يسمى بالنشاط الكشفي، ولهم رحلات وأنشطة أخرى، وقد قرروا إقامة مخيمات في مدينتي جدة والطائف لمدة أسبوع خلال الإجازة، ومن يذهب إلى هذه المخيمات من الشباب لا يقل عمره عن ستة عشر عاماً، ويزعمون أن معهم بعض طلاب العلم، فما حكم مشاركة الشباب في تلك المخيمات وتوجيهاتكم إلى أولياء أمورهم من ناحية السفر؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب أرى أنه ينبغي أن تقام مثل هذه المراكز في نفس البلاد، يعني: كل بلد يقيمون لهم مركزاً من أجل أن يجمعوا الشباب حوله فلا يحتاجون إلى سفر، ويكونوا عند أهلهم أكثر طمأنينة لأهلهم وأحفظ عن التسيب؛ لأن الذين يسافرون إلى بلاد أخرى ربما يفسح لهم المجال في التسيب في أول النهار أو في آخره، أو في الليل، ولا سيما مثلاً في بعض المنتزهات على البحر في جدة أو ما أشبه ذلك، فأرى أن يحرص الموجهون على أن تقام المراكز في بلادهم. لكن من كان كبيراً عاقلاً محترماً وأراد أن يذهب مع هؤلاء من أجل أن يشارك في التوجيه والإرشاد فهذا لا بأس به، أما أن يذهب شاب صغير لمجرد النزهة فلا أرى هذا، وإن كنت لا أقول: إنه حرام، لكن أرى أن غيره أفضل منه. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 30 حكم زيادة ثمن السلعة إن كان آجلا ً السؤال فضيلة الشيخ: إذا أردت أن أبيع سيارة بالتقسيط وأخذت زيادة على مبلغها نقداً فهل يعتبر هذا ربا؟ وهل يلزمني أن أنقلها باسمي أم لا؟ الجواب إذا كانت السيارة عندك، وكان المشتري يريد السيارة نفسها، أو يريد أن يتكسب بها، فهذا لا بأس به ما دامت معلومة والثمن معلوم، حتى وإن بعتها بأكثر من قيمتها حاضراً، يعني: لو كانت حاضراً تساوي خمسين فبعتها بستين لا بأس. أما إذا كانت السيارة ليست عندك، بأن جاء هذا الرجل وقال: أنا أريد السيارة الفلانية واذهب إلى المعرض واشتر السيارة وأنا سأشتريها منك بعد ذلك بالتقسيط زائداً عن ثمنها الذي اشتريتها به، فهذا لا يجوز، وهذا حرام؛ لأنه حيلة على أن يقرضه بفائدة. وأما إذا كانت السيارة عنده وجاء إنسان يشتريها لا لغرض السيارة ولا لغرض أن يتكسب بها ولكن لغرض الدراهم بمعنى: أنه يشتري سيارة ليبيعها ويشتري بيتاً، أو ليبيعها ويتزوج بها، أو ما أشبه ذلك، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التورق وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء حرام وعند غيرهم حلال. والذي يظهر لي: أنه إذا احتاج الإنسان حاجة شديدة إلى هذه ولم يجد طريقاً سواها يقضي به حاجته فلا بأس بهذا. السائل: هل يلزمني مثلاً أن أنقلها باسمه الآن إذا أخذتها -مثلاً- الآن فجاءني هو وقال: أريد السيارة من عندك والسيارة ما هي موجودة عندي الآن لكن أنا مثلاً أشتري السيارة؛ لأنه ليس عن قصد أن أعطيك إياها. أشتريها مثلاً ثم أتفق أنا وإياه. الشيخ: ما يصلح هذا؛ لأنه ما اشتراها إلا له، لولا أنه جاء يقول: أريد السيارة الفلانية ما اشتراها، وكونه يقول: أنا أشتريها وإذا شاء هَوَّنّ؛ هذا غير وارد، لأن هذا الذي جاء وعين السيارة ما يمكن يهون، ثم إذا هون بقيت هذه التهوينة نقطة سوداء في معاملتكم. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 31 حكم صيام كفارة قتل الخطأ عمن مات وهي عليه السؤال فضيلة الشيخ: شخص حصل له حادث وتوفي به فقرر المرور أن الخطأ عليه مائة بالمائة واشترك معه في هذا الحادث ناسٌ آخرون أي: السيارة الثانية، ومات منهم شخص واحد، السؤال: هل على الرجل الأول الذي عليه الخطأ كفارة؟ وهل يجوز أن يشترك في هذه الكفارة خمسة أشخاص لأجل أن يقضوها بسرعة؟ وهل يجوز أن يؤخروا هذه الكفارة إلى أن يمضي وقت؟ الجواب الأول الذي كان الخطأ منه مائة بالمائة ومات وكان قبيله أيضاً مات عليه أن يكفر بعتق رقبة، فإذا كان له مال ووجدت الرقبة اُشتري من ماله رقبة وأُعتقت، فإن لم يكن له مال يكفي لإعتاق الرقبة أو لم توجد رقبة فإنه لا شيء عليه لأن الواجب عليه في مثل هذا الحال الصيام ولم يتمكن، وقد قال الله تبارك وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فلا يصوم عنه أحد في هذه الحال؛ لأنه -أصلاً- ما وجب عليه الصوم، إذ لم تكن ثمة مدة يمكنه أن يصوم فيها، فلا يصوم عنه أحد. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 32 حكم المقابر المنفردة في الصحاري السؤال يوجد في بعض الصحاري القريبة من القرى قبور في غير المقابر وأحياناً تكون مسورة، فما الحكم في مثل هذه القبور؟ الجواب أرى أنه إذا تيقن أنها قبور؛ لأنه قد يكون هناك شيء يشبه القبر وليس بقبر، لكن إذا تيقنا أنها قبور واجب التشاور مع القاضي والبلدية: هل الأولى أن تنقل هذه القبور إلى المقابر؛ لأنه أصون لها وأحفظ لها، أو أن تبقى في مكانها؟ السائل: طيب؛ يا شيخ! هل يلزم أن يدفن الميت في مقبرة خاصة، مثلاً: لو توفي أحد في الصحراء، هل يلزم بأن نذهب به إلى المقبرة. الشيخ: الذهاب به إلى المقبرة أحسن؛ لأنه أحفظ له، قد يأتي إنسان مثلاً يتملك هذه الأرض ويحرث فيها ويزرع فوق القبر وهو لا يعلم، فكوننا ننقله إلى المقابر أحسن بكثير. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 33 حكم مقولة: إن كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء فهو صحابي السؤال فضيلة الشيخ: نقل أحد الكتاب عن الإمام الذهبي في كتاب تجريد أسماء الصحابة: أن عيسى بن مريم صحابي ونبي. وتعليلاً لكونه صحابياً؟ قال: لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه، فالسؤال: هل جميع الأنبياء الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم تعريف الصحابة، وكذلك المؤمنون من الجن؟ الجواب أرى أن هذا من التكلف، كوننا نعد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من الصحابة من التكلف؛ لأن جميع الأنبياء رأوا النبي عليه الصلاة والسلام وسلموا عليه، يعني: رآه كثير منهم في ليلة المعراج، والرسول عرج به بجسده، ورآهم حقاً وكلمهم وكلموه وسلم عليهم وسلموا عليه، فهل نقول: إن آدم صحابي، ويحيى صحابي، وعيسى صحابي، وموسى صحابي وإبراهيم صحابي؟!! ثم إن وصف عيسى عليه الصلاة والسلام بأنه نبي رسول من أولي العزم أفضل من أن نصفه بأنه صحابي، هو في غنى عن أن يوصف بأنه صحابي، ولا أدري هذه الدسيسة من أين جاءت؟ لأن هذا يستلزم ألا نقول: إن أبا بكر هو خير هذه الأمة. وهذا لا شك أن هذا يحبه الرافضة، يحبون ألا يكون أبو بكر خير هذه الأمة، ونحن نقول: خير هذه الأمة أبو بكر، أما عيسى بن مريم فهو مثل الرسول عليه الصلاة والسلام في منزلته، وإن كان الرسول أفضل الرسل لكنه في منزلة الرسالة، أقوى من منزلة الصحبة وأفضل، ولو أردنا أن نقول هكذا لقلنا: كل من لاقاهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج كلهم صحابة. أرى: أن هذا من التنطع ومن التكلف، وقد قال علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر] وكان علي بن أبي طالب يخطب على المنبر ويقول: [خير هذه الأمة أبو بكر] وكذلك ابن عمر صح عنه أنهم كانوا يخيرون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ويقولون: [خير هذه الأمة أبو بكر] في عهد الرسول. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 96 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [97] زخر القرآن الكريم بالآيات والسور التي تبين كثيراً من أهوال يوم القيامة، ومن تلك السور سورة القارعة، والتي كان للشيخ معها هذا البيان والتفسير لما احتوته من ذكر لبعض أهوال يوم القيامة وأحوال الناس في ذلك اليوم. ذلك هو محور لقاء الشيخ وكلامه في هذا اللقاء المفتوح. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة القارعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع لهذا العام عام (1416هـ) وهو من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا هو يوم الخميس الرابع والعشرون من شهر محرم عام (1416هـ) . الجزء: 97 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة) نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه من تفسير جزء النبأ حيث انتهينا إلى سورة القارعة. يقول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-2] . الخ. البسملة آية من كتاب الله، يؤتى بها في ابتداء كل سورة ولا تحسب من آيات السورة لا في الفاتحة ولا في غيرها على القول الراجح من أقوال العلماء، فأول آية في الفاتحة هي قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] والثانية: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] والثالثة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3] والرابعة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] والخامسة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:5] والسادسة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6] والسابعة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] إلا أنه لم يؤت بها في أول سورة براءة؛ نظراً لأن ذلك لم يثبت عند الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأشكل عليهم الأمر: هل هي بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا وضعوا فاصلاً دون البسملة. يقول الله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-2] (القارعة) اسم فاعل من قرع، والمراد التي تقرع القلوب وتفزعها، وذلك عند النفخ في الصور، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل:87] فهي تقرع القلوب بعد قرع الأسماع، وهذه القارعة هي قارعة عظيمة لا نظير لها قبل ذلك، وهي من أسماء يوم القيامة كما تسمى الغاشية والحاقة. وقوله: {مَا الْقَارِعَةُ} (ما) هنا استفهام بمعنى التعظيم والتفخيم، أي: ما هي القارعة التي ينوه عنها؟ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} هذا زيادة في التفخيم والتعظيم والتهويل، يعني: أي شيء أعلمك عن هذه القارعة، أي: ما أعظمها وما أشدها. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) ثم بين متى تكون، فقال جل وعلا: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4] أي: أنها تكون في ذلك الوقت {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} حين يخرجون من قبورهم، قال العلماء: يكونون كالفراش المبثوث، والفراش -كما تعرفون- هو هذه الطيور الصغيرة التي تتزاحم عند وجود النار في الليل، وهي ضعيفة وتكاد تمشي بدون هدى وتتراكم، وربما لطيشها تقع في النار وهي لا تدري، فهم يشبهون الفراش في ضعفه، وحيرته، وتراكمه، وسيره إلى غير هدى، والمبثوث يعني: المنتشر، فهو كقوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] لو تصورت هذا المشهد يخرج الناس من قبورهم على هذا الوجه لتصورت أمراً عظيماً لا نظير له، هؤلاء العالم من آدم إلى أن تقوم الساعة كلهم يخرجون خروج رجل واحد في آن واحد من هذه القبور المبعثرة في مشارق الأرض ومغاربها، ومن غير القبور: كالذي ألقي في لجة البحر وأكلته الحيتان، أو في فلوات الأرض وأكلته السباع، أو ما أشبه ذلك، كلهم سيخرجون مرة واحدة يصولون ويجولون في هذه الأرض. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) قال تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} القارعة:5] أما الجبال وهي تلك الجبال العظيمة الراسية الصلبة فتكون كالعهن المنفوش، العهن: الصوف، والمنفوش: المبعثر، أو إن العهن هو القطن والمعنى واحد، المهم أنها تكون بعد أن كانت صلبة قوية راسخة تكون مثل العهن المنفوش الصوف أو القطن، والمنفوش كما قلنا: المبعثر سواءٌ نفشته بيدك أو بغير ذلك فإنه يكون خفيفاً يتطاير مع أدنى ريح، وقد قال الله تعالى في آية أخرى أن الجبال تكون هباء منثورا، وقال جل وعلا هنا: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5] . الجزء: 97 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6-11] قسم الله تعالى الناس إلى قسمين: القسم الأول: من ثقلت موازينه، وهو الذي رجحت حسناته على سيئاته. والقسم الثاني: من خفت موازينه، وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة أصلاً كالكافر، يقول تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة:6-7] العيشة مأخوذة من العيش وهو الحياة، يقال: عاش الرجل زمناً طويلاً، أي: بقي وحيي زمناً طويلاً، والعِيْشَة هنا على وزن فعلة فهي هيئة وليست مصدراً، المصدر الدال على الوحدة أن تقول: عَيْشَة، وأما إذا قلت: عِيْشَة فهي فعلة تدل على الهيئة كما قال ابن مالك رحمه الله: وفعلة لمرة كجَلسة وفِعلة لهيئة كجِلسة المعنى: أنه في حياة طيبة راضية، وراضية قيل: إنها اسم فاعل بمعنى اسم المفعول أي: مرضية، وقيل: إنها اسم فاعل من باب النسبة أي: ذات رضا، وكلا المعنيين واحد، المعنى: أنها عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه، وهذا يعني: العيش في الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم، هذا العيش {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] لا يحزنون ولا يخافون، في أنعم عيش، وأطيب بال، وأيسر حال، فهي عيشة راضية. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية) قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:8-9] ومن خفت موازينه إما أنه الكافر الذي ليس له أي حسنة؛ لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، أو أنه مسلم لكنه مسرف على نفسه وسيئاته أكثر {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (أم) هنا بمعنى مقصود، أي: الذي يقصده الهاوية، والهاوية من أسماء النار، يعني: أنه مآله إلى نار جهنم والعياذ بالله، وقيل: إن المراد بالأم هنا أم الدماغ، والمعنى: أنه يلقى في النار على أم رأسه نسأل الله السلامة، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يترجح أحدهما على الآخر، ولا يتنافيان؛ فإنه يؤخذ بالمعنيين جميعاً، فيقال: يرمى في النار على أم رأسه، وأيضاً: ليس له مأوىً ولا مقصد إلا النار. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما هيه نار حامية) قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة:10] هذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية والعياذ بالله، يسأل: ما هي؟ أتدري ما هي؟ إنها لشيء عظيم، إنها {نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:11] ، في غاية ما يكون من الحمو وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً) إذا تأملت نار الدنيا كلها سواء نار الحطب، أو الورق، أو (البوتوغاز) أو أشد من ذلك فإن نار جهنم مفضلة عليها بتسعة وستين جزءاً نسأل الله العافية. في هذه الآية: التخويف والتحذير من هذا اليوم، وأن الناس لا يخرجون عن حالين: إما رجل رجحت حسناته، أو رجل رجحت سيئاته، وفيها أيضاً دليل على أن يوم القيامة فيه موازين، وقد جاء في بعض النصوص: أنه ميزان، فهل هو واحد أو متعدد؟ قال بعض أهل العلم: إنه واحد وإنما جمع باعتبار الموزون؛ لأنه يوزن فيه الحسنات والسيئات، وتوزن فيه حسنات فلان وفلان، وتوزن فيه حسنات الأمة هذه والأمة الأخرى، فهو مجموع باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان وإلا فالميزان واحد. وقال بعض أهل العلم: إنها موازين متعددة، لكل أمة ميزان، ولكل عمل ميزان فلهذا جمعت. والأظهر والله أعلم: أنه ميزان واحد لكنه جمع باعتبار الموزون على حسب المال أو على حسب الأمم أو على حسب الأفراد. وفي هذه الآية: دليل على أن الإنسان إذا تساوت حسناته وسيئاته فإنه قد سكت عنه في هذه الآية، ولكن بين الله تعالى في سورة الأعراف أنهم لا يدخلون النار وإنما يحبسون في مكان يقال له (الأعراف) وذكر الله تعالى في سورة الأعراف ما يجري بينهم وبين المؤمنين وأنهم {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:47] . نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن رجحت حسناته على سيئاته، وأن يغفر لنا ولكم، ويعاملنا بعفوه إنه على كل شيء قدير. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 97 ¦ الصفحة: 9 حكم الزكاة في الزيوت والسكر والتوابل وبذور الأعلاف السائل: هل في الزيوت والسكر والتوابل وبذور الأعلاف زكاة، وإذا كان فما دليل ذلك وما نصابه؟ الشيخ: اختلف العلماء رحمهم الله في الحبوب التي لا تؤكل ولا تكون قوتاً هل فيها زكاة أو لا؟ فمنهم من قال: إن فيها زكاة لعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] . ومنهم من قال: إنها لا تجب فيها الزكاة. وهذا هو الأقرب، وهو أن الزكاة لا تجب إلا في المطعوم الذي يكال ويدخر، وعلى هذا فلا تجب الزكاة في هذه البذور؛ لأنها ليست مطعوماً مدخراً، وهذا القول هو الأرجح، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على الوجوب. ولقد أخرج البخاري قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ليس في ما دون خمسة أوسق من ثمر ولا حب صدقة) وهذا الذي يوسق في العادة الذي يطعم ويدخر. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 10 جواز الاستماع إلى القرآن مع الأكل إما في البيت أو السيارة السؤال ما حكم من يسمع القرآن وهو يأكل إما في البيت أو في السيارة؟ الشيخ: لا حرج عليه أن يستمع الإنسان إلى القرآن وهو مشتغل بالأكل؛ لأن ذلك لا يمنعه من الاستماع، أما لو كان العمل يستدعي حضور القلب والفكر ويلهيه عن استماع القرآن فالأولى ألا يستمع مثل: لو كان يعمل عمل مهنة مثلاً يصلح سيارة، أو يصلح أشياء تحتاج إلى أن يكون الذهن مرتبطاً بهذا العمل فهنا نقول: الأولى ألا يستمع إلى القرآن؛ لأنه حينئذٍ يكون غافلاً عنه. السائل: والمحاضرات يا شيخ؟! الشيخ: وهو يقرأ يعني؟ السائل: لا، وهو يأكل أو يشرب؟ الشيخ: لا بأس لأن الذي غير القرآن أمره أخف. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 11 معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) السؤال ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ؟ الجواب معناها: أنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير الديني والدنيوي. وفي هذا الحديث: تحذير من الحسد الذي هو كراهة ما أنعم الله به على غيرك؛ لأن الحسد من خصال اليهود. وبهذا عرفت أنه ليس المعنى أنه ليس له إيمان إطلاقاً، بل المعنى لا يكمل إيمانه. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 12 عدم جواز بيع الأسهم الذي في البنك العقاري لشخص آخر السائل: رجل سجل اسمه في البنك ليقوم بالبناء، وبعد سنوات باع اسمه ما حكم ذلك العمل؟ الشيخ: إذا تقدم الإنسان إلى البنك العقاري لبناء بيتٍ له فإنه لا يجوز أن يتحول عن هذا الطلب إلا بموافقة البنك؛ لأنه لو فتح الباب لتلاعب الناس بهذا، فيقال لهذا الرجل: إن كنت استغنيت الآن عن البناء، أو عدلت عن رأيك فاذهب إلى البنك وقل: ألغوا اسمي، وإن كنت محتاجاً فاستعن بالله وكمل المسيرة. السائل: لا يجوز يا شيخ؟! الشيخ: لا، لا يجوز البيع؛ لأنه ليس لك إلا حق الانتفاع فقط، فإن انتفعت بما قيدت به اسمك وإلا فاترك. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 13 صفة الأذكار بعد الصلاة السؤال كم صفة للأذكار بعد الصلاة يا شيخ! وما يفرق في صلاة المغرب والفجر؟ الجواب الأذكار بعد الصلوات أول ذكر: أن تستغفر الله ثلاثاً أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثلاث مرات، إلا في المغرب والفجر فتقولها عشر مرات، وتزيد فيها يحيي ويميت. ثم تسبح والتسبيح له أربع صفات: الصفة الأولى: أن تقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات. والصفة الثانية: أن تقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين. والصفة الثالثة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم تقول لإتمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. الصفة الرابعة: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة. فصار ثلاثاً منها تكمل المائة، وواحد لا تكمل المائة ما تقول إلا ثلاثين سبحان الله عشراً، والحمد لله عشراً، والله أكبر عشراً. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 14 حكم وقوع الطلاق لمن قال لزوجته: إذا لم تسقطي ما في بطنك فأنت طالق السائل: جاءني سؤال من أخ مصري: إنه طلق زوجته قال لها: إذا لم تسقطي ما في بطنك فأنت طالق، وكانت حامل من ثلاثة إلى أربعة أشهر، فهل يقع منه الطلاق أو لا يقع؟ الشيخ: أولاً نقول لهذا الزوج: أنه أخطأ حيث أراد من زوجته أن تضع حملها، وليس له الحق في إجبارها على ذلك، ثم إنه إذا بلغ إلى هذه المدة ثلاثة أو أربعة شهور لا يجوز إسقاطه إلا لضرر محقق. وليعلم أن إسقاط الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال؛ لأنه قد نفخ فيه الروح، وإسقاطه يؤدي إلى قتله وهلاكه، حتى لو قيل: إن الأم إن لم يسقط عنها هذا الحمل ماتت، نقول: ولتمت؛ لأنها إذا ماتت ماتت بفعل من؟ بفعل الله، لكن لو أننا أسقطنا الحمل وأمتناه ومات في ذلك فقد مات بفعلنا، ومن المعلوم أنه لا يجوز إماتة شخص لإحياء شخص آخر. الحالة الثانية: قبل أن تنفخ فيه الروح لا شك أنه يختلف بحسب بلوغ الجنين فهو أول ما يكون نطفة أهون، ثم إذا كان علقة صار إسقاطه أشد، ثم إذا كان مضغة صار إسقاطه أشد. هذا حكم إسقاط الجنين. فنقول لهذا الزوج: إنك أخطأت بعملك هذا كونك ترغم امرأتك على أن تسقط الجنين ونقول: للزوجة ليس عليك أن تضعي الحمل بل لكِ أن تعصي هذا الزوج. وإذا لم تضعه فهل يقع عليها الطلاق أو لا؟ هذا يرجع إلى نية الزوج إذا كان نيته بهذا الكلام منعها وتأكيد منعها من إبقاء الحمل في بطنها فإنها لا تطلق، وأما إذا كان قصده الطلاق فإنها تطلق. السائل: مع العلم أنها الطلقة الثالثة لها. الشيخ: سواء الثالثة أو الثانية أو الأولى، الحكم واحد، إن كان ناوياً للطلاق فهي تطلق. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 15 حكم من لم يسلم على إخوانه في المسجد بحجة أنهم على عقيدة فاسدة السائل: ما هي نصيحتكم لمن يصلي مع إخوة له في المسجد، ولا يسلم عليهم في المسجد بحجة أن عقيدتهم فاسدة؟ الشيخ: وكيف تكون عقيدته هو؟ السائل: حسب زعمه صحيحة. الشيخ: لا يسلم عليهم حتى في الصلاة، يعني: ما يقول: السلام عليكم ورحمة الله. السائل: بعد الصلاة لا يسلم. الشيخ: يعني: إذا قرأ التحيات قام ولا يسلم؟ السائل: لا يسلم عليهم. الشيخ: يعني يسلم في الصلاة؟ السائل: إي نعم. الشيخ: ولكن لا يلتفت؟ السائل: لا. بعد الصلاة لا يسلم عليهم أساساً حتى داخل المسجد، وهم واحد باكستاني وواحد هندي بحجة أن عقيدتهم فاسدة. الشيخ: على كل حال السلام كما تعلم سنة، السلام في غير سلام الصلاة سنة إن شاء سلم وإن شاء لم يسلم، لكننا نرى أن هذا الإمام ما دام إماماً فالذي ينبغي أن يتألف هؤلاء، وأن يعلمهم العقيدة الصحيحة؛ لأنهم جهال، وغالب هؤلاء العمال الذين يأتون إلينا عاشوا في بلدٍ أهله عندهم بعض الانحراف ولا يعلمون، ومن حقهم علينا أن نعلمهم وأن ندعوهم للسنة، فنشير على هذا الرجل أن يسلم إذا دخل، وأن يتألفهم، وأن يعلمهم إما في كل فرض وإما في الفرض الذي يكونون فيه غير مشغولين. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 16 حقيقة عدم مبايعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق بالخلافة السؤال فضيلة الشيخ! ذكر بعض المؤرخين أن علياً رضي الله عنه لم يبايع أبا بكر بالخلافة إلا بعد مضي ستة أشهر من خلافته، وبعد وفاة فاطمة بنت محمد رضي الله عنها، فما مدى صحة هذا القول؟ الجواب أولاً: إن هذا قوله لا يصح، وقد قيل: إن علي بن أبي طالب بايع أبا بكر من يومه لكنه أسرَّ ذلك عن فاطمة؛ لأن فاطمة رضي الله عنها صار في قلبها شيء على أبي بكر رضي الله عنه حين منعها من ميراث أبيها صلوات الله وسلامه عليه وقوله هو الحق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إننا معشر الأنبياء لا نورث) لكن تعرف النساء، وربما يكون هناك أحدٌ من الأعداء يملأ قلبها غيظاً على أبي بكر رضي الله عنه، ولا أدري إن كنت نسيت أنها رضي الله عنها بايعت في آخر الأمر، لكن علياً بايع بلا شك مع الناس، إنما غاية ما هنالك أنه أسر ذلك عن فاطمة رضي الله عنها. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 17 حكم من توضأ ثم وجد بعد الوضوء لاصقاً بمقدار الظفر على يده ورجله لم يصله الماء السائل: فضيلة الشيخ! إذا توضأ الإنسان ثم وجد بعد الوضوء أن على يده أو رجله لاصق بمقدار الظفر بحيث أنه يجزم أن الماء لم يصل سواء قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فما الحكم؟ الشيخ: إذا تيقن أن هذا اللاصق كان قبل الوضوء فوضوؤه لم يصح، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] وما تحت هذا اللاصق لم يغسل، فيكون وضوؤه غير صحيح، وأما إذا أشكل عليه هل حصل هذا قبل الوضوء أو بعده فوضوؤه صحيح ولا تلزمه الإعادة؛ لأن الأصل عدم وجوده. السائل: وهل يعيد الصلاة؟ الشيخ: إذا كان قد تيقن أنه قبل الوضوء فإنه يزيله ويتوضأ ويعيد الصلاة. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 18 خطورة الكلام على الحكام والعلماء والدعاة والجماعات السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في كثير من الشباب الذين إذا اجتمعوا في مجلس من المجالس يقضون جلَّ وقتهم في الكلام على ولاة أمور المسلمين، أو الدعاة، أو العلماء، أو الجماعات الإسلامية، ويرون أن هذا من باب النصح، أو من باب التحذير من الأخطاء، أو نحو ذلك؟ الجواب أرى أن هؤلاء أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة، واشتغلوا عما هو مهم فيما ليس فيه فائدة أيضاً، بل فيه مضرة، خصوصاً الكلام عما يتعلق بأهل العلم والأمراء لما في ذلك من الضرر العظيم على الأمة؛ لأن الكلام في العلماء في الغيبة يهون قدرهم في نفوس الناس، وإذا هان قدر العلماء في نفوس الناس صار قبولهم لما يقول هؤلاء العلماء ضعيفاً، واختلت بذلك الشريعة، وأما الأمراء فيقال أيضاً: إنه إذا تُكلم فيهم بالغيبة، والسب، والشتم، وذكر المساوئ، والإعراض عن المحاسن؛ فإنه يؤدي إلى كراهة الناس لهم، وعدم انصياعهم لأمرهم، وإلى الفوضى والتفرق بين الأمة، والوزر على هؤلاء إن حصل شيءٌ من ذلك، ثم نقول لهؤلاء: هل كلامكم هذا يؤدي إلى الإصلاح؟ سيكون الجواب: لا، لا يؤدي إلى الإصلاح بل يزيد الشر شراً. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 19 كلام حول نظرية علمية جيولوجية لأحد الكتاب السؤال فضيلة الشيخ! أحد الكتاب في إحدى المجلات ذكر نظرية علمية جيولوجية قال: إن الأرض تتكون من قشرة ولب، والقشرة تخالف حركة اللب، وفي وقتنا هذا اللب يتجه من الشرق إلى الغرب، والقشرة تتجه من الغرب إلى الشرق، فتطلع الشمس من المشرق، ثم بعد ذلك يقول: أنه يحصل تباطؤ من اللب مع القشرة حتى يأتي إلى فترة استقرار، ثم بعد ذلك يحصل تعاكس في الاتجاه بين القشرة واللب، فالقشرة تتجه من الشرق إلى الغرب واللب العكس، ثم يحصل تباطؤ، والتباطؤ هذا يحصل اليوم في التسارع قد يكون عشر ساعات، والتباطؤ قد يكون خمسين ساعة، يعني: تباطؤ القشرة عن اللب يكون اليوم خمسين ساعة، لأن مسألة الاحتكاك بين القشرة واللب فيطول اليوم دوران الأرض، ثم بعد ذلك يستدل ويقول بقصة ذي القرنين قال: إنها كانت تلك الفترة فترة استقرار بين القشرة واللب فذو القرنين بلغ مغرب الشمس وبلغ مطلع الشمس، فنصف الكرة الأرضية كان في ضوء كامل {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً} [الكهف:90] والآخر: كانوا في ظلام كانوا لا يفقهون قولا، فما عندهم إضاءة الشمس، ثم قال: نجعل ذلك بين علمائنا وما هي إلا قابلة للأخذ والرد، فما رأيكم؟ الجواب والله أنا أرى أنها قابلة قبولاً لا يعدل عنه إلى عدم الخوض في ذلك، لأن هذا ليس عندنا منه علم، أما الذي أعلمه أن هناك قشرة ولب يتعاكسان في المسير ثم يتباطأ أحدهما فيتفقان، ثم تنعكس المسألة فيكون الليل نهار والنهار ليل، هذا لا علم لنا به، كل هذا من الأقوال التخرصية التي لا يمكن أن يصل فيها إلى علم أبداً. أما هذا فغلط لأن ذا القرنين كان قد أعطاه الله تعالى ملكاً وقدرة ولهذا قال: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ} [الكهف:89-90] فهناك غاية مدة، و (أتبع سبباً) أيضاً يعني السبب كل ما وصل إلى المقصود، وكونه يأت بصيغة التنكير يدل على أنه سبب عظيم، وليس المعنى أنه في لحظة ولحظة وصل هذا وهذا، وأما قوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً} [الكهف:90] المعنى: أنهم بدائيين ليس عندهم منازل، ولا أظلة، ولا شيء كالحيوانات. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 20 حكم من لا يستنشق خوفاً من ضرر الماء على خياشيمه السائل: بعض الناس لا يستنشق خوفاً من أن يضر الماء بخياشيمه فهل الوضوء صحيح أم لا؟ الشيخ: لا يستنشق خوفاً من الماء؟ السائل: يضره الماء. الشيخ: الخياشيم؟ السائل: الخياشيم. الشيخ: لا، هو ممكن أن يدخل الماء بين المنخرين وإن لم يستنشقه. السائل: يعني ليس هناك داعي للاستنشاق الشيخ: إي نعم. ما دام يعرف أن منه ضرراً؛ لأن بعض الناس يكون عنده جيوب في الخياشيم إذا دخلها الماء تضرر من ذلك. السائل: ما عنده ضرر، لكن هو يخاف كالأولاد الصغار؟ الشيخ: العيال الصغار. السائل: هم لا يستنشقون، لكن هو يخاف. الشيخ: على كل حال إذا كان مجرد وهم لا عبرة به، فلا يصح وضوؤه، هو لابد أن يصل الماء إلى باطن المنخرين هذا الواجب. السائل: قريب أم بعيد؟ الشيخ: قريب هذا الواجب ما هو لازم يصل إلى الخياشيم. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 21 معنى قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) السؤال فضيلة الشيخ: ما معنى قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] ومتى يكون ذلك؟ وما كيفية مرورها؟ الجواب يكون ذلك يوم القيامة، لأن الله تعالى قال: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:87-88] وهذا معنى كونها هباءً، والقرآن يفسر بعضه بعضاً، ومن فسرها: بأنه دوران الأرض في الدنيا. فقد قال على الله بلا علم، بل قال ما يخالف قول الله عز وجل؛ لأن الله ذكر هذا بعد أن ينفخ في الصور. وأما قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أن يوم القيامة كله يقين ولا يمكن فيه شيء يسمى فيه حسباناً ولا ظناً، فيقال: إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:1-2] ومع هذا فإن الله يقول: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} وهذا يكون يوم القيامة. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 22 حكم استخدام جهاز الصدى في المساجد السؤال فضيلة الشيخ يوجد في بعض المساجد بالإضافة إلى مكبرات الصوت يوجد جهاز يسمى جهاز الصدى، ولكن أئمة المساجد يختلفون في ضبطهم لهذا الجهاز، فبعضهم يزيد في تكرير الحرف من الآية إلى مرتين فأكثر، ويتضح ذلك أكثر في حرفي السين والصاد، وبعضهم الآخر يجعل الجهاز يضخم بدون ترديد فلا يؤثر هذا على القراءة للقرآن الكريم، فما حكم وضع الصنف الأول الذي يردد بكثرة، وما توجيهاتكم لمن يفعلونه، علماً أن الصنف الثاني لا يكون فيه تكراراً للأحرف وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أما الصنف الأول الذي يكون فيه تكرار الحرف هذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى زيادة حروف في كلام الله عز وجل. وأما الثاني الذي ليس فيه إلا تفخيم الصوت فينظر إن كان هذا أدعى للخشوع فلا بأس، وإلا فتركه أولى؛ لأن كون الناس يستمعون القرآن بدون واسطة في الغالب أخشع، وإذا اعتاد الإنسان أنه لا يخشع إلا إذا سمع عبر هذا الصوت صار إذا قرأ القرآن وحده لا يحصل له الخشوع، وعلى هذا فتركه أولى في كلا الحالين. لكن الحالة التي تؤدي إلى تكرار الحروف يكون فيها حراماً؛ لأنه لا يحل للإنسان أن يزيد في كلام الله ما ليس منه. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 23 حكم صلاة الجماعة للنساء في البيوت السؤال هناك امرأة في بيتها تقوم مع بنات لها بصلاة الجماعة في إحدى الغرف إلزامياً يومياً في خمس صلوات ما حكم هذا؟ الجواب لا يجب على النساء صلاة الجماعة لا في بيوتهن ولا في المساجد، لكن اختلف العلماء: هل تسن صلاة الجماعة للنساء في بيوتهن أو لا؟ فمنهم من قال: تسن لهن صلاة الجماعة. ومنهم من قال: إنها لا تسن. فلتنظر هذه المرأة مع بناتها إذا كانت صلاتهن جماعة أحسن لأنهن يقمن من النوم ويصلين جميعاً، ثم إن إمامتهن ستكون مطمئنة في الصلاة لا تسرع الإسراع المخل، فإنه في هذه الحال تكون صلاتهن جماعة أفضل، وإذا كان لا يحصل هذه الميزة فلتكن صلاتهن جماعة أحياناً وأحياناً. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 24 حكم قول: (الدين الإسلامي فيه لب وقشور) السؤال هل الدين الإسلامي فيه قشور بحيث نقول: هذه المسألة من القشور أو جزئيات؟ الجواب الدين الإسلامي ليس فيه قشور، كله أصول، وكله لب، وكله نافع، وكله خير، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ، وقال تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة:10] ، وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا كله يدل على أن القرآن ليس فيه شيء لا فائدة منه. نعم في الدين الإسلامي ما هو مؤكد أكثر من الآخر، فالصلوات المفروضة آكد من التطوع، والصلاة أفضل من الصيام، وما أشبه ذلك، أما أن يقال: قشور ولب فلا، ولا يجوز لنا أن نقول هذا إطلاقاً؛ لأن هذا يفهم أن القرآن فيه ما لا فائدة منه، كما أن القشور ليس منها فائدة. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 25 كلام حول مسألة التكفير السؤال فضيلة الشيخ! عنك خرجت في الآونة الأخيرة بعض الكتب، والكتيبات، والنشرات؛ تتكلم في مسألة عظيمة وهي مسألة الكفر، وذلك أن الذين تكلموا في هذه المسألة انقسموا إلى قسمين: منهم من يتشدد فيكفر الحكومات ومن يعمل بها، ويكفر كذلك المجتمعات. ومنهم -وهو الصنف الثاني- من تساهل في هذا الأمر وقال: إن الكفر لا يكون في الكفر العملي أي: لابد أن يكون في الاعتقادي، ولابد أن يكون تكذيباً وجحوداً، وإذا لم يكن كذلك فليس هناك كفر. وبين يديَّ رسالة تكلمت في هذه المسألة، وانتشرت بين الناس، وطبعت بكثرة، ووزعت على الناس، وهي مسألة: إحكام التقرير في أحكام مسألة التكفير لمصنف سمى اسمه: بـ مراد شكري، وذكر في هذا الكتاب مسائل كثيرة، أذكر نموذجين يا فضيلة الشيخ. قال في الصفحة السابعة عشرة: وهذه السطور أخي الموفق لخصت فيها أقوال نحارير أهل العلم، وأكابرهم في كل عصر، أعلم الناس بمقالات السلف ومن بعدهم، وأعيد لك التلخيص بألخص منه مرة أخرى: فلا يكفر قطعاً إلا المكذب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت التكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت أمرين اثنين: الأول: ثبوت النص قطعياً بإجماع ضروري متواتر أنه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: ثبوت المعنى كذلك بإجماع متواتر ضروري أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد كذا. وعندها نجزم أن المخالف لهذين الشرطين مكذب، ومثله الجاحد؛ فهو مكذب للنبي صلى الله عليه وسلم بلا أي شبهة، ولا عارض تأويل؛ فهو كافر، فاعلم واحرص على هذا التحقيق، واحرز دينك من الموسوسين. وقال في الصفحة الثامنة والعشرين بعد أن ذكر أقوال الناس: فهذه النصوص -يعني: الأقوال- المتقدمة ظاهرة وجلية أن الكفر هو: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، والجحود هو الاستحلال والعناد والإنكار والنفي كلها بمعنى، وبهذا التقرير لا يمكن أن يكون عملٌ من الأعمال كفراً ناقلاً عن الملة إلا إذا تضمن ضرورة وقطعاً التكذيب وذلك مثل: سب الله، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو السجود لصنم، أو إلقاء المصحف في القذر، ومثل ذلك دون أي شبهة تتعرض أو إشكال يفترض. فما توجيهكم فضيلة الشيخ في هذين الصنفين؟ الجواب هذه مسألة كما ذكرت خطيرة وهي التكفير والتبديع والتفسيق وما إلى ذلك، تجد بعض الناس يتحاشى أن يقول: هذا حلال أو هذا حرام إلا بعد أن يكون ذلك ثابتاً بالشرع. ويقول: ليس لي أن أحلل وأحرم، التحليل والتحريم من الله ورسوله، لكنه في مسألة التكفير يتساهل، ويكفر من لا يكفره الله ورسوله، ولم يعلم هذا المسكين أن خطر التكفير أعظم من خطر التحليل والتحريم؛ لأن من كفر من ليس أهلاً عاد كفره عليه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواءً قلنا: إنه يعود إليه شرعاً، أو يعود إليه قدراً، فهو لن يتخلص من أن يكون كافراً إذا كفر من لم يكفره الله ورسوله. وأما حصر التكفير بالاعتقاد فهذا غلط أيضاً ومخالف للقرآن وللسنة وأقوال السلف: أما القرآن: فإن الله تعالى ذكر عن إبليس أنه كفر مع أن إبليس مقر بالله عز وجل وعالم بما له من الأسماء والصفات والقدرة، ومع هذا كفر بتركه السجود الذي أمر به، وهذا ليس كفراً عقدياً بل هو كفر عملي. وأما السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) وهذا كفر عملي يكفر بترك الصلاة مع اعتقاده وجوبها. وأما مخالفته لأقوال السلف: فقال عبد الله بن شقيق رحمه الله: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال -وانتبه إلى قوله من الأعمال- تركه كفر غير الصلاة] . فالكفر نوعان: كفر جحود وتكذيب، وكفر استكبار وإباء، وكلاهما ثابت. وأما المفرط الذي يكفر كل إنسان كان على غير رأيه فهذا أيضاً على خطر عظيم، ويشبه أن يكون من الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة، ويقولون: إن فاعل الكبيرة كافر مخلد في النار. فعليك بالطريق الوسط لا تتجاوز ما دل عليه الكتاب والسنة، والعباد عباد الله، هو الذي يحكم بكفر هذا أو إسلام هذا، وأنت لست محللاً ولا محرماً، ولا مكفراً ولا نافياً للكفر، الأمر إلى الله عز وجل. فرأيي: أن هؤلاء مفرطون، وهؤلاء مفرطون، فمن كفر بكل شيء فهو مفرط، ومن نفى الكفر العملي فهو مفرط. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 26 حكم الخروج مع جماعة التبليغ السؤال فضيلة الشيخ! قبل سنوات قريبة كان هناك كثير من الإخوان يأتي ويتساءل عن الخروج مع جماعة التبليغ، فأكثر ما نسمع من طلبة العلم أنهم يحضونه على العلم، وعلى الاتجاه إلى حلقات الذكر، وحلقات العلم الموجودة في المدن، وأيضاً إلى التعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إلخ. ولكن من سنتين تقريباً حصل هبوط وتلاشي بحلقات العلم في كثير من المدن، بل تكاد تكون معدومة في بعض المدن، فالإخوان في جماعة التبليغ يتساءلون يقولون: نحن الآن أين نذهب إذا ما كان هناك طالب علم نجتمع إليه، أو نتعلم منه فأين نذهب؟ علماً بأن الإخوان في جماعة التبليغ هم الوحيدون فقط الذين يستمرون على نشاطهم، وعلى اجتماعاتهم، وعلى جهدهم المقل أو المكثر، فنريد يا فضيلة الشيخ! حقيقة ولو أنه طال الكلام عن هذا الأمر ونحن حقيقة معنا مجموعة من الشباب يأتون من مدن تبعد خمسمائة أو ستمائة كيلو ليحضروا هذا اللقاء؛ لأنه في المدن التي نعيش فيها ليس هناك حقيقة تعرف يعني ما الذي حصل لأكثر طلبة العلم ابتعدوا عن الحلقات، فالحقيقة يا شيخ! نحن لا ندري نخليهم يواصلون مع جماعة التبليغ، أو نبقى على موقفنا الأول ونقول: اتجهوا إلى العلم، وإذا قلنا لهم: اتجهوا إلى العلم يقولون: لا نجد من يعلمنا، أو إذا جلسنا عند بعض طلبة العلم بدأ يبدع ويفسق، فيقولون: ما نجد حقيقة الذي يعيننا على أنفسنا، أو على استمرار النشاط إلا هؤلاء الإخوة، فما رأي فضيلتكم خاصة في هذه الأيام التي بدأ فيها الضعف الحقيقي في أكثر المناطق؟ الجواب أقول: نسأل الله العافية، ونسأل الله أن يعيد نشاط الشباب فيما فيه الخير لهم وللبلاد. جماعة التبليغ جماعة نشطة، وجماعة فيها خير، وجماعة لها تأثير لا يوجد لأي جماعة أخرى، وجماعة تكف شرها عن الناس لا تتكلم في الناس؛ لا في الحكام، ولا في العلماء، ولا في الأمراء، وهذا شيء مشهور، بل إنهم يحاولون ترك الجدال عندهم حتى في مسائل العلم، كل هذا للابتعاد عن التنافر، وتأثيريهم واضح، كم من إنسان فاسق صار بواسطتهم عدلاً مستقيماً، وكم من إنسان كافر دخل في الإسلام من أجلهم، وحسن أخلاقهم، لكن ينقصهم العلم، يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم ويبينون لهم الحق؛ حتى يكونوا على بصيرة من الأمر، ويخشى من السفر إلى الخارج إلى باكستان أو بنجلادش أو غيرها مما يخاف عليهم من البدع هناك، على أن بعض الإخوة من أهل القصيم ذهبوا في هذه السنة لاجتماع كان في باكستان أو بنجلادش -لا أدري- لكنهم ذكروا أن كبيرهم الذي ألقى الخطبة في هذا الجمع الغفير كان من أول ما بدأ من صلاة المغرب إلى أربع ساعات بعد الغروب وهو يقرر التوحيد، يقولون: ولم نسمع عنه ما يدل على مخالفة التوحيد أبداً، ومع ذلك لما حصل بيننا وبينهم لقاء أثنى على أهل العلم في هذه البلاد وقال: نحن نتمنى أن يأتينا أحدٌ منكم يبين لنا الخطأ حتى نرجع عنه. فعلى كل حال: يحتاجون إلى طلبة علم يكونون معهم، فطالب العلم إذا كان معهم سيستفيد من جهتين: الجهة الأولى: أنه يعلمهم ويرشدهم ويوجه هذه الفئة التي تدعوا الناس بأخلاقها، وآدابها، وإيثارها، يعلمهم ما يجب عليهم من أمور الشرع. والجهة الثاني: أنه هو بنفسه إذا كان شامخ الرأس لكونه طالب علم؛ فإنه يلين ويعرف التواضع، والقيام بالإيثار، فذمهم مطلقاً غلط، ومدحهم مطلقاً غلط، لكن فيما أعلم حسناتهم أكثر من سيئاتهم، والنقص الذي عندهم هو مسألة العلم، عندهم جهل. نسأل تعالى أن يجمعنا جميعاً على العلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير. الجزء: 97 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [98] في هذا اللقاء تفسير آيات سورة التكاثر، حيث تحدث الشيخ خلالها عن الانشغال بالتكاثر والفخر بذلك، وهذا يعد من أسباب اللهو التي تشغل الإنسان عن طلب الآخرة، فيمتد اللهو والانشغال بالتكاثر إلى أن تأتي للشخص منيته، فقد هدد الله تعالى من ألهاه التكاثر وأكد التهديد بصيغة الردع والزجر برؤية الجحيم، وأكد رؤيتها في يوم القيامة، والسبب يعود إلى الغفلة وقلة العلم، بالإضافة إلى سؤال الله لعباده عن النعيم الذي كانوا يتنعمون به في الدنيا وذلك يوم القيامة، ثم انتقل الشيخ إلى الإجابة عن الأسئلة المتنوعة. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة التكاثر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والتسعون من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن من شهر صفر عام (1416هـ) . الجزء: 98 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر) نفتتح هذا اللقاء بما انتهينا إليه من تفسير جزء سورة النبأ، حيث وصلنا إلى سورة التكاثر يقول الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] هذه الجملة جملة خبرية، يخبر الله عز وجل بها العباد مخاطباً لهم يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] ومعنى (ألهاكم) أي: شغلكم حتى لهوتم عما هو أهم من ذكر الله تعالى والقيام بطاعته، والخطاب كما تعلمون لجميع الأمة، إلا أنه يخصص بمن شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا وهم قليل، وإنما نقول: هم قليل؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) واحد في الجنة والباقي في النار، وهذا عدد هائل إذا لم يكن من بني آدم إلا واحد من الألف إلى الجنة والباقون من أهل النار، إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية جارٍ على أصله؛ لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليهم. وأما قوله: {التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل لذلك قول صاحب الجنة لصاحبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف:34] فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالاً وأوسع تجارة، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته، يقول: نحن أكثر منهم عدداً كما قال الشاعر: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر أكثر منهم حصى؛ لأنهم كانوا فيما سبق يعدون الأشياء بالحصى، فمثلاً: إذا كان هؤلاء حصاهم عشرة آلاف والآخرون حصاهم ثمانية آلاف صار الأول أكثر وأعز، فيقول الشاعر: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر كذلك يتكاثر الإنسان بالعلم، فتجده يفخر على غيره بالعلم، لكن إن كان بالعلم الشرعي فهو خير، وإن كان بالعلم غير الشرعي فهو إما مباح وإما محرم، المهم أن مما يقع فيه التكاثر العلم، وهذا هو الغالب على بني آدم التكاثر فيتكاثرون في هذه الأمور عما خلقوا له من عبادة الله عز وجل. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (حتى زرتم المقابر) قال تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] يعني: إلى أن زرتم المقابر، يعني: إلى أن متم، فالإنسان مجبول على التكاثر إلى أن يموت، بل كلما ازداد به الكبر ازداد به الأمل، فهو يشيب في السن، ويشب في الأمل، حتى إن الرجل له تسعون سنة مثلاً تجد عنده من الآمال وطول الأمل ما ليس عند الشاب الذي عمره خمس عشرة سنة. هذا معنى الآية الكريمة، أي: أنكم تلهوتم بالتكاثر عن الآخرة إلى أن متم. وقيل إن معنى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] حتى أصبحتم تتكاثرون بالأموات كما تتكاثرون بالأحياء، فيأتي الإنسان فيقول: أنا قبيلتي أكثر من قبيلتك، وإذا شئت فاذهب إلى القبور، عد القبور منا وعد القبور منكم فأيهم أكثر، لكن هذا قول ضعيف، بعيد من سياق الآية، والمعنى الأول هو الصحيح، هو أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا. وقوله: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:2] استدل به عمر بن عبد العزيز رحمه الله: على أن الزائر لا بد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة. وكذلك ذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارئاً يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فقال: والله لنبعثن، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع فقال: والله لنبعثن، وهذا هو الحق، وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها، يقول عن الرجل إذا مات: إنه انتقل إلى مثواه الأخير، أن هذا كلام باطل وكذب؛ لأن القبور ليست هي المثوى الأخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيراً من الناس يأخذون الكلمات ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (كلا سوف تعلمون) قال الله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3-4] قيل: إن كلا بمعنى: الردع، يعني: ارتدعوا عن هذا التكاثر، وقيل: أنها بمعنى حقاً، ومعنى: (سوف تعلمون) أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم إذا رجعتم إلى الآخرة، وأن هذا التكاثر لا ينفعكم، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: (أن العبد يقول: مالي مالي -يعني يفتخر به- وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) والباقي تاركه لغيرك، وهذا هو الحق، الآن أموالنا التي بين أيدينا إما أن نأكلها فتفنى، وإما أن نلبسها فتبلى، وإما أن نتصدق بها فنمضيها وتكون أمامنا يوم القيامة، وإما أن نتركها لغيرنا، لا يمكن أن يخرج المال الذي بأيدينا عن هذه القسمة الرباعية. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:3] أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن الآخرة, {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر:4] وهذه الجملة تأكيدٌ للردع مرة ثانية. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين) ثم قال تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] يعني: حقاً لو تعلمون علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال، ولكنكم لا تعلمون علم اليقين؛ لأنكم غافلون، لاهون في حديث الدنيا، ولو علمتم علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال وفي خطأ عظيم. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (لترون الجحيم) قال تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:6-7] (لترون) هذه جملة مستقلة ليست جواب لو، ولهذا يجب على القارئ أن يقف عند قوله: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:5] ونحن نسمع كثيراً من الأئمة الذين عندهم علم يصلون فيقولون: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] وهذا الوصل إما غفلة منهم ونسيان، وإما أنهم لم يتأملوا الآية حق التأمل، وإلا لو تأملوها حق التأمل لوجدوا أن الوصل يفسد المعنى؛ لأنه إذا قال: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] صار رؤية الجحيم مشروطة بعلمهم، وهذا ليس بصحيح، لذلك يجب التنبه والتنبيه لهذا إذا سمعتم أحداً يقرأ: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] نبهوه، قل: يا أخي وصلك هذا يوهم فساد المعنى، وأنت قف أولاً: لأنها رأس آية، والمشروع أن يقف الإنسان عند رأس كل آية. وثانياً: أن الوصل يفسد المعنى {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:5-6] إذاً {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [التكاثر:6] جملة مستأنفة لا صلة لها بما قبلها، وهي جملة قسمية فيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم. ولهذا يقول المعربون في إعرابها: إن اللام موطأة للقسم، وجملة ترون هي جواب القسم، والقسم محذوف، والتقدير: والله لترون الجحيم. والجحيم اسم من أسماء النار. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ثم لترونها عين اليقين) قال تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7] تأكيداً لرؤيتها، يوم القيامة، يؤتى بها تجر بسبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، فما ظنك بهذه الدار والعياذ بالله؟ إنها دار كبيرة عظيمة؛ لأن فيها سبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، والملائكة عظام شداد، فهي نار عظيمة أعاذنا الله وإياكم منها. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم) قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] يعني: ثم في ذلك الموقف العظيم تسألن عن النعيم، واختلف العلماء رحمهم الله في قوله: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] هل المراد الكافر، أو المراد المؤمن والكافر؟ والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كلٌ يسأل عن النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع، والمؤمن يسأل سؤال تذكير، والدليل على أنه عام: ما جرى في (قصة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حيث خرجوا ذات يوم من الجوع، فذهبوا إلى بستان رجلٍ يقال له أبو الهيثم بن التيهان فاستأذنوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم -وكانت امرأته وراء الباب- فردت عليهم السلام وفدت بالأم والأب، فسألوا عن زوجها فقالت: إنه ذهب يستعذب الماء أي: يأتي بالماء العذب الطيب، فجلسوا ثم جاء الرجل ففرح بهم فرحاً عظيماً، وقال: إنه لا أحد أكرم أضيافاً مني اليوم، ثم قطع لهم عذقاً من النخل وأتى به وألقاه بين أيديهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا جنيت. يعني: خرفت، وتعلمون أن الخراف أن يأخذ الإنسان الرطب فقط، فقال: أردت يا رسول الله أن يكون بين أيديكم البسر والرطب والمذنب -لأن العذق يشمل كل الثلاثة- فأكلوا ثم دعوا بالماء فشربوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء طيب، وطعام طيب، وظل طيب، لتسألن يومئذٍ عن النعيم) وهذا دليل على أن الذي يسأل المؤمن والكافر، لكن يختلف السؤال، سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة الله عز جل عليه، حتى يفرح ويعلم أن الذي أنعم عليه في الدنيا أكرم من أن ينعم عليه بالآخرة، بمعنى: أنه إذا تكرم عليه في الدنيا تكرم عليهم بنعمته في الآخرة، أما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنبيه. نسأل الله تعالى أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يجعل ما رزقنا عوناً على طاعته، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 98 ¦ الصفحة: 10 الحالة التي يجب فيها التيمم السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز لنا أن نتيمم بمجرد فقد الماء مع أننا سوف نجده قبل انتهاء الوقت؟ الجواب يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] فأمر أن نتوضأ من الحدث الأصغر ونتطهر من الحدث الأكبر إذا قمنا إلى الصلاة، فإن لم نجد تيممنا، فيجوز لمن ليس عنده ماءٌ عند دخول وقت الصلاة أن يتيمم، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا كان يغلب على ظنه أنه يجد الماء قبل خروج الوقت فالأفضل أن يؤخر التيمم إلى أن يصل إلى الماء. السائل: لكن بعض الإخوة قد ذكر لنا أن ابن عمر رضي الله عنهما تيمم وصلى وهو يرى جدران المدينة. وكان هذا في أول الوقت فما توجيهكم بهذا الأثر؟ الشيخ: هذا الأثر لا أدري عنه، لكننا نستدل بالآية كما سمعتم: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] أي وقت، لكن الأفضل كما قلت: أن يؤخر ما دام يرجو وجود الماء. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 11 معنى التعزية وصفتها ووقتها السؤال فضيلة الشيخ! ما صفة التعزية؟ وهل يعزى غير أقرباء الميت وزملائه وجيرانه؟ وهل التقبيل أو المصافحة عند التعزية مشروع؟ وهل يعزى بالهاتف أو الذهاب إلى المنزل المعزي؟ وهل هو حديث: (إنما التعزية للمصاب) أم ماذا وما معناه؟ الجواب التعزية سنة مؤكدة للمصاب، من قريب أو صديق أو زميل أو غير ذلك، ومعنى التعزية: تقوية المصاب على تحمل ما نزل به من المكروه، هذه التعزية، ومنه الأرض العزاز يعني الصلبة، فكأنك تصلب هذا الرجل وتقويه، حتى لا يلين أمام هذه المصيبة بل يكون قوياً، فكلما رأيت مصاباً بما عليه أو فقد حبيبه أو مرض أو غير ذلك أن تعزيه، وأحسن صيغة للتعزية ما عزى به النبي صلى الله عليه وسلم، إحدى بناته حيث قال للرسول الذي أرسلته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مرها فلتصبر ولتحتسب: فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) هذا أحسن ما يقول، وله أن يقول دعاء مناسباً مثلما هو مشهور عند الناس اليوم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر الله لميتك، أو غير ذلك من الدعاء المناسب. وأما التقبيل والمصافحة فليس من سنن التعزية، إلا إذا كان هذا أول ما لقيته فإنك تصافحه؛ لأن المشروع عند الملاقاة المصافحة، وأما أن تتخذ سنة على أنها من سنن التعزية فهذا بدعة؛ لأن كل من تقرب إلى الله عز وجل بشيء لم يشرعه الله كان مبتدعاً. وأما مكانها: فليس لها مكان معين، أي مكان تجد فيه المصاب وتشعر بأنه مصاب فإنك تعزيه. وأما زمنها: فقيل إنها تقيد بثلاثة أيام من حدوث المصيبة، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تحد على ميتٍ فوق ثلاث إلا على زوجها) ولكن الاستدلال بهذا الحديث فيه نظر؛ لأن الحديث في الإحداد وليس في التعزية، والصواب: أن التعزية مشروعة ما دامت المصيبة باقية، فإن نسيها أو رؤي أنه ليس بمصاب إلى ذلك الحد فإنه لا يعزى، ولكن هل تكرر التعزية بمعنى: أنك إذا عزيته اليوم ثم رأيته من الغد هل تعيد التعزية عليه؟ أقول: إن وجد سبب فنعم، فمثلاً: لو عزيته اليوم وأتيته من الغد ووجدت الرجل ما زال حزيناً وما زال يبكي مثلاً فإني أقول له: يا أخي اتق الله عز وجل ولا تؤذي الميت؛ لأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ولكن ليس تعذيب عقوبة بل تعذيب تألم وضيق نفس وما أشبه ذلك. فصار الخلاصة: أنها لا تختص بأحد، وإنما تشمل كل مصاب، ولا تختص بمكان، ولا تختص بزمن، ما دام أثر المصيبة باقياً فعزه، أما تكرارها فكما علمتم إن دعت الحاجة إلى ذلك وإلا فلا تكرر. السائل: التعزية بالهاتف؟ الشيخ: بأي شيء يكون، التعزية بالهاتف أو بكتابة أو بأي شيء. السائل: والذهاب إليه؟ الشيخ: لا نرى الذهاب إليه في البيت؛ لأن جرير بن عبد الله رضي الله عنه يقول: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة] اللهم إلا أن يكون قريباً جداً، وتخشى إن لم تذهب عَدَّوا ذلك من قطيعة الرحم فهذا شيء آخر. السائل: والحديث يا شيخ ما صحته؟ الشيخ: ليس هذا حديث. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 12 حكم نفخ الكفين بعد الضرب بهما في الأرض للمتيمم السؤال هل يشرع للمتيمم أن ينفخ في كفيه بعد أن يضرب يديه في الأرض؟ الجواب نفخ المتيمم يديه إذا ضرب بهما الأرض قد ثبتت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على أنه كان علق بها تراب كثير، وأما إذا كان لا يعلق بها تراب كثير فلا نفخ. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 13 حكم بيع الشيء بثمن مرتفع على ثمنه الأصلي عند التأجيل السؤال تاجر يشتري من شخص سيارة بمبلغ مليونين ونصف جنيه بشيك مؤجل، لمدة ستة أشهر، أو أربعة ملايين جنيه سوداني لمدة سنة، ثم يبيع السيارة في ذلك المجلس بمبلغ مليون ونصف جنيه سوداني، ما الحكم في هذا البيع؟ وهل الشيك المؤجل إذا حال عليه الحول تجب فيه الزكاة علماً بأنه ما زال مستنداً في يد البائع الأول؟ ويقول ملحوظة: علماً بأن قيمة السيارة الحقيقية في السوق مليون ونصف. الجواب هو لا بأس أن الإنسان يشتري سيارة أو غيرها بثمن نقداً حاضراً أقل مما لو اشتراها بثمن مؤجل، فمثلاً يقول: أنا أشتري هذه السيارة بعشرة آلاف نقداً أو باثني عشر ألفاً إلى سنة، ثم يتفقان على أحد الثمنين قبل التفرق، هذا لا بأس به، وليس من باب بيعتين في بيعة كما ظنه بعض أهل العلم، بل هذا تخيير للرجل بين هذه البيعة أو هذه البيعة، وسوف لا ينصرفان من مكانهما إلا وقد عينا ذلك إما المؤجل أو المعجل، وأما التحويل على الثمن بالشيك فلا بأس به أيضاً؛ وذلك لأن بيع السيارة بالدراهم ليس فيه ربا. وأما كون المشتري يبيع السيارة بثمن أقل من أجل أن يأخذ ثمنها فهذه تسمى عند العلماء مسألة التورق، إن باعها على غير الذي اشتراها منه، وإن باعها على الذي اشتراها منه فهي مسألة العينة، فصاحب السيارة اشتراها من زيد باثني عشر ألفاً مؤجلاً إلى سنة، ثم باعها على عمر بعشرة آلاف نقداً هذه تورق، فإن باعها على زيد الذي اشتراها منه أولاً بعشرة آلاف فهذه مسألة العينة، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة التورق هل هي حلال أو حرام؟ فاختار بعض العلماء: أنها حلال إذا احتاج الإنسان إلى النقد يعني: إلى الثمن، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها حرام وأنها من العينة التي حرمها النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتياط ألا يفعل، يقال: إذا كنت محتاجاً دراهم ووجدت من يقرضك فهذا المطلوب، وإن لم تجد فعليك بالسلم يعني: أن تأخذ دراهم بسلعة مؤجلة تصفها وتبين صفاتها بأن تقول مثلاً: أعطني عشرة آلاف ريال وأنا أعطيك سيارة بعد سنة صفتها كذا وكذا وتضبطها بالصفات هذا جائز لأن الصحابة فعلوه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) . السائل: هل الشيك المؤجل إذا حال عليه الحول تجب فيه الزكاة علماً بأن المستند ما زال في يده يعني يكون لمدة سنة؟ الشيخ: الشيك المؤجل يعني: الشيك الذي كتب لإنسان بثمن مؤجل إذا كلم صاحب البنك وقال: نعم عندي هذا، صار كأنه دين تجب الزكاة فيه. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 14 بيان كيفية إقامة الحجة في تبليغ دين الله السؤال مسألة فهم الحجة شيخ الإسلام رحمه الله -وكذلك ابن القيم وابن العربي المالكي رحمهم الله- يقولون: وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها كلامه هذا في الفتاوى. اختلف الدارسون لكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه القضية أيضاً، وحاولت أن أفهمها ويسر الله لي بعض النقولات الخفيفة التي سأعرضها عليكم ليتجلي الأمر أكثر: رأى بعض طلبة الشيخ رحمهم الله أن الشيخ لا يشترط لقيام الحجة فهمها، ونقلوا عنه بعض النقولات منها: فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، وقيام الحجة وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم أي: الكفار والمنافقين وفهمهم إياها نوع آخر. ثم وجد نص آخر للشيخ رحمه الله في رسالة للشريف يقول فيها: وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم وفي رواية: عدم من يفهمهم. ثم في قول آخر: فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر. وآخرها ما وقفت على كلام للشيخ أخرجه محمد رشيد رضا في طبعة الرسائل النجدية: وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره، فالرجاء البيان حفظك الله. الجواب الذي نراه: أن الحجة لا تقوم إلا إذا بلغت المكلف على وجه يفهمها، لكن نعرف أن أفهام الناس تختلف، من الناس من يفهم من هذا النص معنىً جلياً مثل الشمس، ومعنىً لا يحتمل عنده أي شك، ومن الناس من يفهم النص فهماً أولياً مع احتمال شك في قلبه، فالأول في قمة المعرفة والعلم، والثاني في أول العلم، والثاني قد قامت عليه الحجة لا شك؛ لأنه فهم منه ما يراد به، لكن ليس على الفهم التام الذي فهمته الطائفة الأولى كـ أبي بكر وعمر، وأما من بلغه النص ولكنه لم يعرف منه معنىً أصلاً كرجل أعجمي بلغه النص باللغة العربية ولكن لا يدري ما معنى هذا النص، فهذا لم تقم عليه الحجة بلا شك، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم:4] أي: بعد البيان بهذا اللسان الذي يفهمونه يضل الله من يشاء، فلا يقبل ويهدي من يشاء فيقبل. وأي فائدة لرجل أعجمي يُقرأ عليه القرآن من لسان عربي وهو لا يدري ما هو، أنت الآن لو أتى إليك رجل أعجمي وأنت عربي لا تفهم الأعجمية ثم كلمك بخطبة خمس صفحات أو أكثر لا تفهم منها شيئاً إطلاقاً فكذلك العجم بالنسبة للعرب. فالذي نرى: أنه لا بد من بلوغ الحجة وفهم معناها على وجه يتبين له الحق، وأما قوله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19] فلا شك أن القرآن نزل بلفظ ومعنى، فالمراد من بلغه لفظه ومعناه، أو ومن بلغه من أهل هذه اللغة الذين تقوم عليهم الحجة إذا بلغهم القرآن بمجرد وصوله إليهم، وهذا القول هو الذي تدل عليه الأدلة بخصوصها وأدلة أخرى بعمومها مثل قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ومن المعلوم أن من لا يعرف المعنى فإنه ليس بوسعه أن يقبله، لكن على من بلغه أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث، وأن دينه نسخ الأديان كلها، يجب عليه أن يبحث، وهنا قد يفرط في البحث فلا يكون معذوراً لتفريطه. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 15 حكم الصلاة في الملابس التي عليها صور السؤال فضيلة الشيخ ما حكم الصلاة في الملابس التي عليها صور بعض ذوات الأرواح؟ الجواب لا يجوز لبس الملابس التي فيها صور ذوات الأرواح مطلقاً؛ وذلك لأن استعمال الصور محرم. أما صحة الصلاة فالصحيح أن الصلاة صحيحة؛ وذلك لأن اللباس المحرم لا يبطل الصلاة، فالصلاة بالثوب المغصوب صحيحة، والصلاة في ثوب الحرير للرجل صحيحة، والصلاة في ثوب فيه صور للرجال والنساء صحيحة، لكنه آثم بلبس هذه الألبسة التي فيها الصور، ولا فرق بين الرجل البالغ وبين الصبي، كل يجب أن يتجنب لباس هذه الثياب التي فيها الصور. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 16 معنى الرياء مع ذكر أقسامه السؤال فضيلة الشيخ! بعض العلماء يقسمون الرياء إلى رياء شرك ورياء إخلاص، وقد روي عن الفضيل بن عياض قوله: أن من فعل الطاعة من أجل الناس فهو رياء، ومن ترك طاعة خشية الرياء فهو شرك، فما معنى التقسيم؟ وما صلته بقول الفضيل بن عياض حفظكم الله؟ الجواب الرياء بارك الله فيك: هو أن يعمل الإنسان العبادة ليراه الناس فيمدحوه عليها، وليس له نية أن ينتفع بها في الآخرة، وإنما يريد الذكر والشهرة بين الناس، هذا هو الرياء، لكن يقال أحياناً: رياء وسمعة، فالرياء لما يُرى والسمعة لما يسمع، ثم إن الرياء قد يكون شركاً أكبراً وقد يكون شركاً أصغراً على حسب ما قام في قلب الفاعل، فمن فعل العبادة لمجرد الرياء فقط، فهذا مشرك شركاً أكبر؛ لأنه لم ينو لله تعالى إطلاقاً، ولا يريد التقرب إليه، إنما يريد التقرب إلى الناس فقط، ومن كان يريد الله عز وجل لكن يحب أن يراه الناس حتى يمدحوه فهذا رياء ولا يصل إلى الشرك الأكبر، ولهذا تجد في تعبير ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر أنه يقول: ويسير الرياء، وهذا يعني: أن كثير الرياء أكبر من ذلك، ولكن إذا حدث للإنسان رياءٌ في عبادة ثم دافعه، ولم يركن إليه فهذا لا يضره الرياء، بل يكون مجاهداً له أجر العبادة وأجر الجهاد أي: جهاد النفس عن الرياء، لكن من لم يطرأ على قلبه الرياء مطلقاً أفضل، كما جاء في الحديث الصحيح: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) إذاً الرياء الخالص هذا شرك أكبر، والرياء المشوب بإخلاص لله عز وجل هذا شرك أصغر، والرياء الوارد على القلب إن استرسل معه الإنسان فقد وقع في الشرك أصغره أو أكبره، وإن حاول التخلص منه ودافعه فإنه لا يضره. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 17 حكم النذر لأحد الأولياء وما يترتب عليه السؤال امرأة نذرت لأحد الأولياء وهو ميت، نذرت له كلما تضع مولوداً ذكراً كان أم أنثى أن تعطيه خروف (طلي) الشيخ: تعطيه من؟ السائل نفسه: تعطيه الولي. الشيخ: وهو ميت؟ السائل: نعم تذبح. ولقد سبق أن أوفت باثنين والباقي اثنان، وطبعاً هذا الخروف تسلمه لشخص يقال له الخليفة أي: خليفة الولي المتوفى، وهو يتصرف في هذا الخروف على مزاجه إن شاء ذبحه للموجودين، وإن شاء باعه في السوق وقبض قيمته سؤالنا: هل يجوز لزوجها أن يعطيها في الإيفاء بهذا النذر؟ الشيخ: يعطيها مال لتوفي؟ السائل: إي نعم. أو يرفض، علماً بأن الزوجة متمسكة بهذه العقيدة أي: أنها تعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا الولي المتوفى يمكنه أن ينفع ويضر، وما حكم بقاء زوجها معها وهي على هذه الحالة؟ أرجو من سماحتكم إفادتنا في ذلك ولو كانت الإجابة مسجلة في شريط تكون أفضل لإرسالها إلى الكثير الذين عندهم هذا الاعتقاد، وإذا لم يتيسر الشريط أرجو الإجابة بأي وسيلة كما أرجو أن تدلونا على أسماء أشرطة من المكتبات يكون فيها عظة لمثل هذه المشكلة أثابكم الله ووفقكم إلى كل خير، مقدمه أخوكم سوداني الجنسية؟ الجواب الجواب على هذا يتضمن شيئين: الشيء الأول: يقول: هل يلزم زوجها أن يعطيها لوفاء النذر؟ ونقول: لا يلزم زوجها بل ولا يحل له أن يعطيها للوفاء بهذا النذر، بل إذا أصرت على العقيدة التي ذكرها السائل: أن هذا الولي ينفع ويضر، فهي مشركة ولا يجوز له أن تبقى معه، يجب عليه الفراق؛ لأن المسلم لا يحل له أن يتزوج المشركة. أما الثاني: فنقول لهذه المرأة: إن نذرك نذر باطل؛ لأنه معصية، ولا نذر في معصية، وعليها أن تكفر كفارة يمين عن النذر، وعليها أن تتوب إلى الله تعالى من هذه العقيدة، وتعلم أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الأولياء قال له: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن:21-22] يعني: لو أرادني الله تعالى بشيء فلا أحد يجيرني من الله، ويعصمني منه، فكيف أنا أجير غيري؟! وإذا كان هذا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكيف بمن دونه؟! وعلى هذا نقول: إن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون، والذبح لهم شرك بالله عز جل مخرج عن الملة، ولو ماتت وهي على هذه الحال لكانت من أصحاب النار، لقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] . فالآن قل للأخ: أولاً: يجب عليه مفارقتها حتى تتوب من هذا الشرك، فإذا تابت فإنه يجب عليها أن تكفر عن نذرها كفارة يمين. وثانياً: يجب عليه أن يعظ هذه المرأة ويخوفها بالله، ويقول: إن عملها هذا شرك أكبر ولو ماتت عليه لماتت إلى النار والعياذ بالله. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 18 نصيحة لمن يقوم بنزع الأوراق الدعوية المعلقة في المساجد السؤال فضيلة الشيخ! ما توجيهكم لمن يقوم بنزع فتاوى العلماء التي تلصق على أبواب المساجد وفي الأماكن العامة، وكذلك من ينزع إعلانات المحاضرات التي يلقيها بعض العلماء وطلاب العلم، وإعلانات الدورات العلمية، ولأضرب على ذلك مثلاً هو: أنه قام أحد الإخوة بتوزيع ما صدر من فضيلة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وما صدر من فضيلتكم حفظكم الله مما يتعلق بخطورة انتشار النشرات التي تأتي من لندن، قام بتوزيعها في أحد المساجد، فقام بعض الناس بسحبها فوضعها مرتين فثلاث فسحبت، فلما سأل من قام بهذا العمل؟ قال: هذه تثير الفتن بين الناس، فما توجيهكم حفظكم الله تعالى؟ الجواب توجيهنا أن هذا الرجل إذا كان يفعل ما يفعل كراهة للحق فإنه على خطر عظيم؛ لأن كراهة الحق من نواقض الإسلام، وأما إذا كان يفعل ذلك كراهة للشخص الذي يقوم بالحق بقطع النظر عما يقوم به فهذا دون الوجه الأول، ولا يعتبر في الحكم الأول، لكنه آثم ومعتدٍ على أخيه، حيث منع من انتشار علمه ومزق وسائل الانتشار. وأما دعواه: أن الفتوى بخطورة النشرات التي تأتي من لندن تثير الفتنة، فلا أظنه صادقاً، أي: أنه قال هذا ولا أظنه صادقاً فيه؛ لأنه يعلم أن الفتنة كل الفتنة في انتشار هذه النشرات، وتمزيقها وإحراقها هو سبب لإطفاء الفتنة، ولا أحد يفتتن بها ويحب أن تنتشر إلا وهو من رءوس الفتة والعياذ بالله. فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي شعبهم الوادع الهادئ المطمئن، وألا يقبلوا مثل هذه النشرات التي تثير البغضاء والعداوة والكراهة للعلماء ولولاة الأمور، وتوجب الشقة والفرقة بين الرعية والراعي؛ لأن هذا من أسباب الفتن، ومن تتبع التاريخ وجد أن أول الفتنة كلام وآخرها سهام. فنصيحتي لهؤلاء: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يكونوا من دعاة الحق، ومحبي الخير للأمة، ولكننا واثقون بإذن الله عز وجل أن هؤلاء لن يفلحوا، كل من كان ظالماً فإنه لا يفلح لقول الله تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] ، ولقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] . ولا شك أن النشرات التي تأتي من لندن كما قال الأخ السائل حسب ما نعلم: إنها إفساد، ومثار للفتنة، وأن إتلافها هو الذي يحصل به زوال الفتنة، وأنا أنصح كل من رآها أن يمزقها ويحرقها، وأن ينصح من ابتلي بمحبة انتشارها. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة في ملابس النوم السؤال هل يجوز للإنسان أن يصلي النافلة بملابس النوم؟ الجواب يقول الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، وملابس النوم إذا كانت طاهرة ليس حراماً أن يصلي فيها. لكن هل يقال: إن هذا الرجل اتخذ زينته؟ الجواب: لا، يعني: وإن كانت تجزئه الصلاة لكن الأفضل أن يصلي بالثياب المعتادة؛ لأنه سوف يقف بين يدي الله عز وجل، فالآن نقول: لا حرج أن يصلي الإنسان في ثياب النوم إذا كانت طاهرة، لكن الأفضل أن يكمل زينته لقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] . الجزء: 98 ¦ الصفحة: 20 حكم ذكر الشخص في حال غيبته بما يكره للتحذير والنصيحة السؤال فضيلة الشيخ! قام أحد الإخوة بإلقاء كلمة عن الغيبة وحذر من الغيبة، وحذر مما يقوم به محمد المسعري من هذه النشرات الباطلة، فقام أحد الناس ورد عليه وقال: فعلك هذا غيبة لهذا الشخص، فهل هذا صحيح؟ ثم هل صحيح ما ذكر عنكم أن هذا الشخص المسعري ليس له عرض وليس له غيبة، وقد نقل ذلك إلينا فنرجو التثبت من هذا؟ الجواب أما من حذر من الغيبة ومن نشرات الرجل الذي ذكرته فلا شك أنه محق، والغيبة النهي فيها موجود في كتاب الله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] . وأما من قال له: إن ذكرك هذا الرجل الذي ينشرها من الغيبة. أيضاً فنقول له: إن ذكر ذلك ليس من الغيبة بل هو من النصيحة، وذكر الإنسان بما يكره نصحاً للمسلمين من النصيحة والخير، أليس النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءته فاطمة بنت قيس تستشيره تقول: إنه خطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، أليس قد قال عليه الصلاة والسلام: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، أنكحي أسامة) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما يكرهان بلا شك لكن للنصيحة. فإذا كان ذكرنا هذا الرجل الذي يثير الفتنة بين الناس، وينشر معايب العلماء، ومعايب ولاة الأمور، إذا كان ذكرنا له على سبيل النصيحة وتحذير الناس منه، فهذا خير، وهو مما يتقرب به العبد إلى ربه، والناهي عن ذلك أي عن التحذير من هذا الرجل ناهي عن الخير، وناهياً عن النصيحة. وأنا أرى: أن يترك هذا الرجل، وألا يكون مثاراً للجدل بين الشباب وبين الناس، وكما قيل في المثل: (إذا جاءك البئر بريح فسده تستريح) . ولا ينفع أن يكون مثال الجدل، هذا فيما أظن أنه إذا لم تحصل الكلمات الكثيرة فستنطفئ ناره بإذن الله كما قلنا فيما سبق: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] ، {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] السائل: كلها مزاعم ويوزعون هذه الأمور في المساجد. الشيخ: على كل حال سيلقون جزاءهم. السائل: هل صحيح ما نقل عنكم: أن هذا الشخص لا عرض له ولا غيبة له؟ الشيخ: لا أبداً، وأنا من عادتي أني لا أذكر الشخص بعينه إطلاقاً، ولهذا تجدني الآن في جوابي هذا أحب ألا أذكر اسمه؛ لأن تعليق الأشياء بالأوصاف أفضل من تعليقها بالأشخاص، أنت إذا علقتها بالشخص ربما يتوب هذا الشخص ويرجع إلى الله وتبقى كلمتك فيه إلى يوم القيامة، لكن إذا ذكرتها بالأوصاف صارت عامة له ولغيره وصار إذا قدر الله هدايته سالماً من تعيينه، فأنا أقول: كل إنسان يبث الفرقة وينشر المساوئ، فإنه يجب التحذير منه. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 21 التفصيل في مسألة معية الله مع خلقه السؤال فضيلة الشيخ يقول أحد الطلاب عن مسألة صدرت وينسبها إليك في المعية معية الخالق مع الخلق، يقول: أنك تقول: أن الله جل وعلا مستوىٍ على عرشه ويكون بذاته مع خلقه. فهل هذا القول صحيح؟ الجواب أبداً، نحن نقول: إن الله معنا وهو مستوىٍ على عرشه، كما جاء في القرآن الكريم كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] فنثبت لله ما أثبته لنفسه، ولكننا نقول: أي إنسان يقول: إن الله معنا بذاته في أمكنتنا فإنه كافر؛ لأنه مكذب لأدلة العلو، ويلزم من قوله: أن يكون الله تعالى في أماكن الأقذار والأنتان، ويلزم من قوله: أن الله إما أن يتعدد وإما أن يتجزأ، لكن بعض الناس يفهم من الكلام شيئاً آخر غير المراد فينقله على ما فهمه ويبني على فهمه الخاطئ. السائل: يقول: يستدل بالآية هذه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ؟ الشيخ: لا، نحن نقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فيها قولان للسلف: القول الأول: ثم وجه الله حقيقة، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم للمصلي: (إن الله قبل وجهك) . والقول الثاني في الآية: أن المراد بالوجه الجهة، يعني: فثم جهة الله أن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، محيط بكل شيء، لكننا نستدل بالآية التي تلونها أولاً: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] هو نفسه، لكنه ليس معناه أن ذاته تكون في الأرض لا أحد يقول به ممن يعرف الله حق المعرفة. وقد ضرب شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية لما ذكر أنه معنا حقيقة ضرب مثلاً يتبين به الأمر، قال: هذا القمر في السماء ونقول: إنه معنا حقيقة، المسافر يقول: سرت والقمر معي أو النجم معي وهو في السماء، فإذا كان هذا في المخلوق فما بالك في الخالق، فيصح أن نقول: معنا حقيقة وهو على عرشه حقيقة كما نقول: ينزل إلى السماء الدنيا في آخر الثلث الآخر من الليل حقيقة وهو على عرشه حقيقة. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 22 ضابط السفر الذي يباح القصر فيه السؤال فضيلة الشيخ! نريد ضابط السفر هل هو على العرف، أم أربعة أيام فما فوق، أم ثمانية كيلو، نريد الضابط في هذه المسألة؟ الجواب حد السفر الذي يبيح فيه القصر مختلف فيه. فالعلماء منهم من قال: إنه محدود بالمسافة، فمن نوى هذه المسافة فهو مسافر إذا خرج من بلده، ومنهم من قال: إنه مقيد بالعرف، والثاني هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويدل على هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين) والشك من شعبة، فهذا يدل على أنه لا يقدَّر مسافة مسيرة يومين؛ لأن ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال أقل بكثير، فالمرجع في هذا إلى العرف، ولكن إذا كنت لا تحيط بالعرف، وهذه هي المشكلة أن الإنسان يقول: هل هذا سافر عرفاً أو لا؟ فالأصل الإتمام، متى شككت في مسوغ القصر فعليك بالإتمام لبراءة الذمة. الجزء: 98 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [99] في هذه المادة يتحدث الشيخ عن تفسير سورة العصر والوقوف مع آياتها وبيان حقائقها، ثم بعد ذلك يجيب عن الأسئلة الواردة في اللقاء. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة العصر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الأسبوعي المسمى بلقاء الباب المفتوح، وهو اللقاء التاسع والتسعون، يتم هذا اللقاء يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الأول عام (1416هـ) نتكلم فيه بما شاء الله عز وجل من تفسير سورة العصر. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والعصر) يقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1-2] فما المراد بالعصر؟ قيل: إن المراد بالعصر: آخر النهار؛ لأن آخر النهار أفضله، وصلاة العصر تسمى الصلاة الوسطى أي: الفضلى كما سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك. وقيل: إن العصر هو الزمان، وهذا هو الأصح: أن العصر هو الزمان، أقسم الله به لما يقع فيه من اختلاف الأحوال، وتقلبات الأمور، ومداولة الأيام بين الناس، وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر ومتحدث عنه في الغالب، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق، وتختلف أوقاته شدة ورخاءً، وحرباً وسلماً، وصحة ومرضاً، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً، إلى غير ذلك مما هو معروف للجميع. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر) أقسم الله بالزمان على أي شيء؟ على قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] والإنسان هنا عام؛ لأن المراد به الجنس، وعلامة الإنسان الذي يراد به العموم أن يحل محله، أي: محل (ألـ) كلمة كل، فهنا لو قيل: كل إنسان في خسر لكان هذا هو المعنى، ومعنى الآية الكريمة: أن الله أقسم قسماً على حال الإنسان أنه في خسر، أي: في خسران ونقصان في كل أحواله، في الدنيا والآخرة، إلا من استثنى الله عز وجل، وهذه الجملة كما ترون مؤكدة بثلاث مؤكدات: الأول: القسم، والثاني: إن، والثالث: اللام، وأتى بقوله: {لَفِي خُسْرٍ} ليكون أبلغ من قوله: لخاسر، وذلك أن (في) معناها الظرفية، فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا) قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] استثنى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المتصفين بهذه الصفات الأربع: وذلك كما بينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) وشرح هذا الحديث يطول لو تكلمنا عليه الآن، لكن قد تكلمنا عليه في مواطن كثيرة، فالذين آمنوا بهذه الأصول الستة هم المؤمنون، ولكن يجب أن يكون إيماناً لا شك فيه ولا تردد معه، بمعنى: أنك تؤمن بهذه الأشياء وكأنك تراها رأي العين. والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: القسم الأول: مؤمن إيماناً خالصاً لا شك فيه ولا تردد. والقسم الثاني: كافر جاحد منكر. والقسم الثالث: متردد. فمن الناجي من هؤلاء الأقسام الثلاثة؟ الناجي القسم الأول، الذي يؤمن إيماناً لا تردد فيه، يؤمن بالله بوجوده بأسمائه بصفاته بألوهيته وربوبيته، وغير ذلك مما هو معلوم من صفات الرب جل وعلا، ويؤمن بالملائكة وهم عالم الغيب خلقهم الله تعالى من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم، فجبريل عليه الصلاة والسلام مكلف بالوحي ينزل به من عند الله إلى الأنبياء والرسل، وميكائيل مكلف بالقطر والنبات، يعني: وكله الله على المطر وكل ما يتعلق بالمطر والنبات. وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ومالك موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة، ومن الملائكة من لا نعلم أسماءهم ولا نعلم أعمالهم أيضاً، لكن جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . كذلك: نؤمن بالكتب الذي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام، ونؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا نؤمن بهم بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً؛ لأن الله لم يقص علينا جميع أنباء الرسل، قال الله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78] . وكذلك الإيمان باليوم الآخر وهو يوم البعث، يوم يخرج الناس من قبورهم للجزاء حفاة عراة غرلاً بهماً. فالحفاة، يعني: الذين ليس عليهم نعال ولا خفاف، أي: أن أقدامهم عارية، والعراة: الذين ليس عليهم ثياب، والغرل: الذين لم يختنوا، والبهم: الذين ليس معهم مال، يحشرون كذلك، ولما حدث النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم عراة قالت عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من ذلك) أي: من أن ينظر بعضهم إلى بعض؛ لأن الناس كلٌ مشغول بنفسه. قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن بفتنة القبر، أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن، وتولى أصحابه عنه، فإنه يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار، أي: أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق باليوم الآخر فإنه داخل في قولنا: أن تؤمن بالله واليوم الآخر. القدر تقدير الله عز وجل، يعني: يجب أن تعلم بأن الله تعالى قدر كل شيء، وذلك (أن الله خلق القلم قال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بتلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . إذاً: الإيمان في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} يشمل الإيمان بالأصول الستة التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وعملوا الصالحات) أما قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] فمعناه: أنهم قاموا بالأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصيام وحج وبر للوالدين وصلة للأرحام وغير ذلك، لم يقتصروا على مجرد ما في القلب بل عملوا وأنتجوا، والصالحات: هي التي اشتملت على شيئين: الأول: الإخلاص لله. والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام. وذلك أن العمل إذا لم يكن خالصاً لله فهو مردود، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فلو قمت تصلي مراءاة للناس، أو تصدقت مراءاة للناس، أو طلبت العلم مراءاة للناس، أو وصلت الرحم مراءاة للناس، أو غير ذلك، فالعمل مردود حتى وإن كان صالحاً؛ يعني: في ظاهره. كذلك الاتباع، لو أنك عملت عملاً لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقربت به إلى الله مع الإخلاص لله، فإنه لا يقبل منك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . الجزء: 99 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالحق) قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] أي: صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق، والحق هو الشرع، يعني: كل واحد منهم يوصي الآخر، إذا رآه مفرطاً في واجب أوصاه وقال: يا أخي! انفع نفسك، قم بالواجب، إذا رآه يفعل محرماً أوصاه، قال: يا أخي! اجتنب الحرام، فهم لم يقتصروا على نفع أنفسهم، بل نفعوا أنفسهم وغيرهم، تواصوا بالحق، والحق هنا بمعنى الشرع، يوصي بعضهم بعضاً به. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر) قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] والصبر: حبس النفس عما لا ينبغي فعله. وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام فقالوا: إن الصبر صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله. الصبر على الطاعة: كثيرٌ من الناس يكون فيه كسل عن الصلاة مع الجماعة، مثلاً: لا يذهب إلى المسجد، يقول: أصلي في البيت وأديت الواجب، فيكسل نقول: يا أخي اصبر نفسك، احبسها وكلفها على أن تصلي مع الجماعة. كثير من الناس إذا رأى زكاة ماله كثيرة شح وبخل، وصار يتردد: أخرج هذا المال الكثير أو أتركه؟ وما أشبه ذلك، نقول: يا أخي! اصبر نفسك، أكرهها على أداء الزكاة، وهكذا بقية العبادات، فإن العبادات كما قال الله تعالى في الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] أكثر عباد الله تجد أن العبادات عليهم ثقيلة، فهم يتواسون بالصبر، اصبر على الطاعة ولا تمل ولا تكسل. كذلك الصبر عن المعصية: بعض الناس تجره نفسه إلى أكساب محرمة: إما بالربا، وإما بالغش والكذب، وإما بالتدليس، أو بغير ذلك من أنواع الحرام، فنقول: اصبر يا أخي! اصبر نفسك لا تتعامل على وجه محرم. بعض الناس أيضاً يبتلى بالنظر إلى النساء، تجده ماشياً في السوق كلما مرت امرأة أتبعها بصره، نقول: يا أخي! اصبر واحبس نفسك عن هذا الشيء. أيضاً الصبر على أقدار الله: قد يصاب الإنسان بمرض في بدنه، يصاب الإنسان بفقد شيء من ماله، يصاب الإنسان بفقد أحبته، فيجزع ويتسخط ويتألم، فيتواصون فيما بينهم: اصبر يا أخي! هذا أمر مقدر، والجزع لا يفيد شيئاً، واستمرار الحزن لا يرفع الحزن، اصبر، قدر أن هذا الشيء لم يكن أصلاً، يعني مثلاً: إنسان فقد مليون ريال فحزن لذلك وتعذب منه، ماذا نقول له؟ نقول: اصبر يا أخي! قدر أن هذا المليون لم يوجد، ألست قد خرجت من بطن أمك ليس عليك ثياب، قدر أن هذا ما كان، كذلك أيضاً الأولاد مثلاً: إنسان امتحن بموت ابنه، نقول: يا أخي! اصبر، قدر أن هذا الابن لم يخلق، ثم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته: (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى) الأمر كله لله وليس لك، فإذا أخذ الله تعالى ملكه كيف تعتب على ربك؟! كيف تتسخط؟! فهذه أنواع الصبر: الأول: الصبر على طاعة الله. والثاني: عن معصية الله. والثالث: على أقدار الله. أيها أشق على النفوس؟ هذا يختلف، بعض الناس يشق عليه القيام بالطاعة، وتكون عليه ثقيلة جداً، وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب شاق، يشق عليه مشقة كبيرة، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية لكن لا يتحمل الصبر على المصائب، يعجز، حتى أنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد والعياذ بالله، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] . إذاًَ: نأخذ من هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى أكد بالقسم المؤكد بإن واللام، أن جميع بني آدم خاسرون، بل في خسر الخسر محيط بهم من كل جانب، إلا من اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. قال الشافعي رحمه الله: لو لم ينزل الله على عباده حجة إلا هذه السورة لكفتهم. يعني: كفتهم موعظة وليس كفتهم تشريعاً؛ لأن ليس فيها من التشريع شيء، ليس فيها طهارة ولا صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صيام، لكن كفتهم موعظة، فالإنسان عاقل يعرف أنه في خسر، إلا إذا اتصف بهذه الصفات الأربع، فإنه سوف يحاول بقدر ما يستطيع أن يتصف بهذه الصفات الأربع. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الرابحين الموفقين. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 99 ¦ الصفحة: 9 حكم طاعة الوالدين في الامتناع عن مجالس الذكر السؤال أب يمنع ابنه من حضور مجالس الذكر والدروس العلمية، ونتج عن ذلك أن هذا الولد ترك الالتزام، واتجه للأفلام وما شابهه من المحرمات، هل يعتبر فعل هذا الوالد من الصد عن سبيل الله؟ وهل يطاع في هذه الحالة؟ الجواب إذا نهاك أبوك أو أمك عن حضور المجالس فلا تطعه؛ لأن حضور مجالس الذكر خير، ولا يعود على الوالدين بالضرر، فلهذا نقول: لا تطعهما ولكن احرص على أن تداريهما، ومعنى المداراة: ألا تبين أنك تذهب إلى حلق الذكر كأنك تذهب إلى أصحابك أو ما أشبه ذلك. أما بالنسبة للأب والأم اللذين يمنعان الولد من حضور مجالس الذكر، فإن منعهما من الصد عن ذكر الله، وهما آثمان في ذلك، والذي ينبغي للأب والأم إذا رأيا ولدهما قد أقبل على العلم أن يستبشرا بذلك، وأن يساعداه بكل ما يستطيعان؛ لأن هذا من نعمة الله عليه وعليهما، فمن الذي ينفع من الأولاد إذا مات الإنسان؟ الولد الصالح، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) . الجزء: 99 ¦ الصفحة: 10 الضابط في الرياء إذا طرأ أثناء العمل السؤال فضيلة الشيخ: ذكرت أثناء كلامك عن الرياء أن الرياء إذا كان من أصل العمل يبطل العمل كاملاً، فكيف إذا جاء الرياء أثناء العمل؟ الجواب إذا حدث الرياء في أثناء العبادة فالواجب مدافعته والإعراض عنه، وعدم الالتفات إليه، وإذا كان الإنسان يدافعه وعجز فإن ذلك لا يضره، لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] لكن إن استرسل معه ونوى المراءاة، فإن كان في صلاة ونحوها مما إذا بطل آخره بطل أوله فإن الصلاة تبطل؛ لأنه لا يمكن أن نقول: الركعة الأخيرة فاسدة والركعة الأولى صحيحة، وإن كان مما لا ينسحب حكم آخره على أوله كالصدقة مثلاً فإن الأول يصح؛ لأنه خال من الرياء، والثاني لا يصح، فلو أعد عشرة دراهم ليتصدق بها فتصدق بخمسة بنية خالصة، ثم دخلت النية في الخمسة الباقية، فإن الخمسة الأولى صحيحة ولا نقص فيها، والبطلان يكون في الثانية، فهذا هو الضابط فيما إذا طرأ الرياء على العبادة في أثنائها. الأول: قلنا إذا دافعه وأعرض عنه ولم يسترسل معه فهذا لا يضره. الثاني: إذا استرسل معه نظرنا فإن كان آخر العبادة مبنياً على أولها، فإنه إذا بطل آخرها بطل أولها كالصلاة، وإلا صح الأول الخالي من الرياء وبطل الثاني الذي شابه الرياء. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 11 حكم عقود التأمين السؤال رجل يعمل في شركة، وهذه الشركة تقوم باستقطاع دينارين من كل شهر من راتبه قيمة تأمين صحي، وهذا الاستقطاع إجباري بالنسبة للموظف، أما بالنسبة لزوجه وأولاده فهو على الاختيار، والسؤال: هل يجوز أن يقوم بإشراك أهله؟ الجواب لا يجوز أن يقوم بإشراك أهله في هذا؛ لأنه ربما يعطيهم عوض هذا الاستقطاع ولا يحصل لأهله مرض، وربما يحصل لأهله مرض ويستهلك أكثر مما أعطاهم عدة مرات فيكون هذا العمل دائراً بين الغنم والغرم، وكل عقد دائر بين الغنم والغرم فإنه من الميسر المحرم. أما بالنسبة له هو فما دام الأمر إجبارياً فليعتبر هذا ظلماً منهم، ثم إن طرأ عليه ما يحتاج إلى علاج فإنه يعالج عندهم بقدر ما أعطاهم فقط. السائل: لكن المبلغ قليل يا شيخ! الشيخ: تدفع ريالين في الشهر يعني أربعة وعشرين ريالاً في السنة. السائل: مثلاً مرض في السنة الأولى الأربعة والعشرين الريال قليلة. الشيخ: هذا هو الشيء المحرم، يعني: قد يمرض في السنة الأولى ويستهلك علاجه آلافاً، وقد لا يمرض أبداً؛ ولذلك نقول: إنه محرم، وما أخذ منه على سبيل الإجبار فليسلمه، وإذا قدر أنه مرض فلا يعالج عندهم إلا بمقدار ما أعطاهم. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 12 لا تُدرك الجماعة بالدخول مع الإمام في التشهد الأخير السؤال إذا دخلت المسجد والإمام في التشهد الأخير ماذا أفعل؟ الجواب إذا دخلت المسجد والإمام في التشهد الأخير فادخل معه، كبر تكبيرة الإحرام وأنت قائم ثم اجلس، وإذا سلم تأتي بما بقي عليك. السائل: هل يعتبر أني أدركت الجماعة؟ الشيخ: الصحيح أنك لم تدركها، لكن تثاب على نيتك وعلى حضورك للمسجد. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 13 حكم قراءة القرآن للجنب السؤال ما حكم قراءة القرآن بالنسبة للجنب؟ الجواب الصحيح أن قراءة القرآن للجنب حرام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، حتى لو توضأ فإنه لا يباح له أن يقرأ حتى يغتسل. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 14 من أسباب مضايقة الدعاة السؤال فضيلة الشيخ: يقول بعض طلبة العلم: إنما تعانيه الدعوة إلى الله في العالم الإسلامي من تضييق واضطهاد، ناتج عن مخالفة الدعاة للمنهج السديد في الدعوة إلى الله، الذي هو منهج الأنبياء، فما مدى صحة هذه المقولة، آمل من فضيلتكم التفصيل؟ الجواب أنا لا أستطيع أن أحكم على دول بعيدة عني، فقد يكون مضايقتها للدعاة بناءً على تصرف بعض الدعاة، وقد تكون مضايقتها للدعاة لكراهتها للدعوة، فلا ندري والناس يختلفون، لكن نحن نقول بالنسبة على سبيل العموم: إنه ينبغي للدعاة أن يسلكوا الحكمة في إيصال الحق إلى الخلق، وليس المقصود العتب ولا الانتصار للنفس، ولا احتقار المدعو، والمقصود الإصلاح، فاسلك أقرب الطرق إلى الإصلاح، فقد يكون من المصلحة ألا أتكلم على شخص أمامي متلبساً بمنكر، وأؤجل هذا إلى وقت آخر يكون فيه مجال للكلام، وقد يكون من المصلحة أيضاً ألا أنكر عليه بالقول، ولكني أدعوه بالفعل بالتأليف، أدعوه إلى بيتي، أكرمه بالضيافة، أعطيه هدية عينية أو نقدية؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل من الزكاة نصيباً للمؤلفة قلوبهم. وما يحصل من التضييق في بعض البلاد على الدعاة، أو على بعضهم فيما أرى أن سببها أمران: الأمر الأول: أن تكون الدولة كارهة للحق، لا تريد الحق إطلاقاً، تريد أن يكون الناس كلٌ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] كلٌ على جهته، وكلٌ يفعل ما يشاء بشرط المحافظة على الأمن وعدم الفوضى. وهذه في الحقيقة علناً لا تمت إلى طريق السلف بصلة. وقد يكون بعض الحكام لا يكرهون الدعوة إلى الحق، وربما يؤيدونها ويدعون إليها، لكن يكرهون منهجاً معيناً من بعض الدعاة، هذا المنهج هو أنه يثير الرعية على رعاتها، إذا ذكرت المثالب، مثالب الحكام دون محاسنهم، فإن هذا ليس منهجاً سليماً، بل يقال: إن المنهج السليم أن تناصح ولاة الأمور بمشافهتهم إن تمكنت، بالكتابة إليهم، تسلمها بيدك إن استطعت، أو بطريق آخر، فإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإلا فليس من المصلحة أن نثير الناس على هؤلاء الحكام؛ لأنه ينتج من الشر والفساد والتفرق أكثر مما يحصل من المصلحة، بل قد تنعدم المصلحة مطلقاً، إذا ركب الحاكم رأسه وقال: أنا لن أخضع لهذا الذي حاول الضغط عليَّ بإثارة الشعب مثلاً. لذلك نرى أن المنهج السليم أن توجه الدعوة إلى الشعب نفسه، فمثلاً إذا كان في الشعب تعامل بالربا، أوجه الخطاب والدعوة إلى نفس الشعب، تقول: هذا حرام، ولا يجوز للإنسان أن يتعامل فيه، والواجب الكف عنه، كذلك إذا رأيت أن أشرطة الغناء، أو ما يسمع من الإذاعات من الغناء منتشر، أحذر الناس من ذلك، وأقول: اتقوا الله هذا محرم، هذا لا يجوز، لكن بعض الدعاة يضرب عن هذا صفحاً، ويذهب يتكلم عن الحكومة التي أقرت هذا الشيء، فيقول مثلاً: تقر الربا تقر المعازف تقر كذا وكذا، أهم شيء هو إصلاح الشعب، والشعب إذا صلح بالضرورة ستصلح الحكومة؛ لأن الشعب أفراد مكون من حاكم ومحكوم، والمحكوم بلا شك أكثر من الحاكم، يعني: أفراد الحكومة مثلاً لا يأتون. ولا نسبة لهم بالنسبة للشعب وإذا صلح الشعب فلابد أن تصلح الحكومة، فينتج من هذا أن ولاة الأمر يتصورون أن مقصود هذا الداعية الإساءة إلى الحكومة، وتفريق الناس عنها، والدعوة إلى اختلافهم عليها وعصيانها، وأنها ليست صالحة، وما أشبه ذلك، فيسلطون على هذا الداعية وعلى من ينتصر له. السائل: والمنكرات المعلنة يا شيخ! هل تنكر علناً؟ الشيخ: بلى تنكر علناً، لكن كيف أنكرها؟ أقول: لا يجوز أن أتعامل مع البنوك مثلاً بربا، لا يجوز أن نستمع إلى الأغاني الماجنة أو المعازف، لا يجوز مثلاً أن نشتري الصحف أو المجلات التي فيها صور خليعة، أو تنشر أفكاراً هدامة، وما أشبه ذلك. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة الرواتب قبل الأذان السؤال إذا دخل الشخص المسجد قبل صلاة الظهر وصلى ركعتين، وأذن المؤذن هل يصلي أربعاً أو يكتفي باثنتين؟ الجواب ما صليته قبل الأذان فليس راتبه، يعتبر تحية مسجد، فإذا أذن المؤذن صل ركعتين ثم ركعتين. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 16 اسم خازن الجنة السؤال هل ورد على أن اسم خازن الجنة رضوان؟ الجواب اشتهرت به الآثار أن اسمه رضوان، لكنني لا أعرف فيه حديثاً صحيحاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام. السائل: وإسرافيل؟ الشيخ: إسرافيل صحيح. السائل: في دعاء استفتاح الليل. الشيخ: إي نعم، في دعاء استفتاح الليل: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل) . الجزء: 99 ¦ الصفحة: 17 حكم بيع الصحف المحلية السؤال حكم بيع الصحف المحلية التي تصدر من هنا؟ الجواب أنا لا أرى فيها بأساً إلا إذا كان فيها أفكاراً سيئة، أو صوراً خليعة. السائل نفسه: فيها أخبار الرياضة والفن والغناء والدعاية لها؟ الشيخ: هذه اتركها لا تشترِها. السائل: المجلة لابد أن يكون لها ملحق يومي عن هذا الموضوع. الشيخ: والله! أنا لا أدري، أنا أرى أن عدم اطلاع الإنسان على ما يكون في العالم يعتبر نقصاً، فالأولى أن يقال: إذا كنت تحب أن تطلع على أخبار العالم اشتر هذا؛ لأن أكثرها غير الذي أنت تقول، وهذا مزقه السائل: السؤال -يا شيخ- عن بيعها -صاحب محل يسأل-: هل يبيع مثلاً الجزيرة والرياض وعكاظ وغير ذلك؟ الشيخ: إذا جاز شراؤها جاز بيعها؛ لأن البيع عقد بين اثنين. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 18 حكم الوفاء بالنذر السؤال رجل نذر نذراً بصيام الأيام البيض من كل شهر، ولكن الرجل يعاني من كثرة العطش فإن توقف فما عليه؟ الجواب إذا نذر إنسان أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأن الصيام طاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لكن لا يلزم أن تكون متوالية، إذا كان لم يشترط أن تكون متتابعة، فلا بأس أن يصوم يوماً في أول الشهر ويوماً في وسطه ويوماً في آخره، وبهذا يسهل عليه، ما أظن أحداً يعجز أن يصوم يوماً في الأسبوع. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 19 حكم مجالسة تارك الصلاة السؤال إذا كان الإخوة في المنزل من غير المصلين والمحادين لله ورسوله، فكيف يكون التعامل معهم، علماً بأننا نسكن في نفس المنزل، وإذا كان أحدهم يقوم بالإنفاق من ماله، فهل يجوز أن آكل وأن أشرب معه أو من طعامه؟ الجواب إذا كان البيت فيه من لا يصلي بل يحاد الله ورسوله، فالواجب قبل كل شيء نصيحته، فلعل الله أن يهديه؛ لأن الله مقلب القلوب سبحانه وتعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فإذا نصح ولم ينتصح فالواجب الخروج من البيت، حتى وإن كان هو المنفق فإنه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] . الجزء: 99 ¦ الصفحة: 20 حكم من جمع الظهر والعصر في سفره ثم دخل بلده قبيل العصر السؤال إذا كنت في سفر ودخل عليَّ وقت الظهر، فهل يحق لي أن أجمع الظهر والعصر جمع تقديم مع العلم أني سأدخل البلد قبل دخول وقت العصر؟ الجواب نعم لا حرج، يعني: إذا أقبل الإنسان على بلده ودخل وقت الظهر فله أن يجمع العصر إليها؛ لأنه لا زال في سفر، لكن الأفضل إذا كان يعلم أو يغلب على ظنه أنه يصل إلى بلده قبل دخول وقت العصر ألا يجمع؛ لأنه ليس فيه حاجة إلى ذلك، لكن لو جمع فلا حرج. السائل: لكن لو جمع ثم وصل البلد هل يصلي العصر مرة أخرى. الشيخ: لا. قد أدى الفريضة وانتهى. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 21 تقويم جماعة التبليغ السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض طلاب العلم ينهون عن جماعة التبليغ الذين في السعودية والدعاة يقولون: لا تبالوا بهم فإنهم لا عقيدة لهم، ويغلون فيهم غلواً عظيماً، ما تقول فضيلة الشيخ؟ وهل نذهب معهم أم لا؟ الجواب أما جماعة التبليغ فتقويمي لهم: أن عندهم جهلاً كثيراً، وأن بعضهم متعصب لا يمكن أن يتحول عن رأيه، وفيهم مقابل ذلك خير كثير بالنسبة للسلوك والتعبد، وكم هدى الله على أيديهم من ضال، كم من فاسق من أفسق الناس هداه الله على أيديهم، وهذا كثير، وكذلك كم من كافر أسلم على أيديهم، فهم فيهم خير وفيهم شر، لكن يغلب عليهم الجهل، وبعضهم كما قلت لك: يعاند حتى لو بينت له الحق فإنه لا يقبله منك، والذين عندنا هنا في المملكة العربية السعودية ما أظن أن في عقيدتهم ما يخدشها، لو سألته: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ قال: نعم. تؤمن بأن أركان الإسلام خمسة؟ قال: نعم. لكن يؤخذ عليهم كما قلت الجهل، ومن جهلهم: أنهم رتبوا ست صفات لمنهجهم، وهذا الترتيب خطأ، لو أنهم رتبوا لمنهجهم ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنه هو الدين وذلك ما تضمنه حديث جبريل، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ثم قال في آخر الحديث: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) لو أن هذه الصفات الست وهي صفات مأخوذة من القرآن والسنة لكنها قاصرة، لو أنهم تركوها وجعلوا عمدة منهجهم حديث جبريل لكان خيراً لهم وأولى. المهم أننا لا ننهى عنها، لكن نرى أنه ينبغي لطلاب العلم أن يخرجوا معهم من أجل تقويمهم وتعديلهم؛ لأنهم يؤثرون على الناس تأثيراً ما علمنا أحداً أثر مثل أثرهم في هداية الفاسق والكافر؛ لأن عندهم رقة وليناً في الدعوة، وأما لو شاء الإنسان يقول: ماذا ترون هل أخرج معهم أو أبقى أطلب العلم؟ قلنا له: أبق اطلب العلم، ولا يصدنك الخروج معهم عن طلب العلم. وعلى كل حال الناس مختلفون في هذا، وقد ذهب أناس من إخواننا من أهل بريدة هذا العام لمجتمعهم ورفعوا تقريراً وأثنوا على المجتمع هذا قالوا: كله في تقرير التوحيد. حتى قال هذا الذي كان يخطب فيهم من أذان المغرب إلى الساعة الرابعة يعني أربع ساعات قال: نحن مستعدون أي إنسان يبين لنا خطأنا فنحن مستعدون، ودعا علماء السعودية بالذات إلى بيان الحق، فلعل الله هداهم عما كانوا عليه من قبل. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 22 حكم قول الإنسان: (مادة القرآن) السؤال هل تكره لفظة مادة القرآن؟ الجواب لا تكره، يعني: معنى مادة القرآن: حصة القرآن. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 23 مشاركة في الكلام على بيان منهج جماعة التبليغ السؤال كنت أريد أن أسأل ولكن تسمح لي أن أقول ملاحظة فقط حول هذه الأسئلة التي دارت؟ يا شيخ: تقريباً من خلال عشر سنوات من متابعة ما جمعت في الولايات المتحدة وغيرها وجدنا كثيراً مما تفضلت فيه من قضية التعصب ومثل هذه الأشياء، وهناك بعض الأمور التي يكون فيها بعض الزيارات وإلى آخره. هذه جيدة والحمد لله وطيبة، وهي من صفات الإسلام، ولكن الشيء الذي أخذوها كأنهم مختصون به لأنفسهم، هذه نقطة. أما بالنسبة لما يحصل في باكستان وغيرها من الاجتماعات السنوية يحضر هذا الاجتماع تقريباً مليونان من عامة الناس يأتون من باكستان وبنجلادش والهند. الخ، وإذا حضر بعض العلماء من نجد أو بعض الدعاة من نجد تسمع كلمة التوحيد على الميكرفونات ترتفع بكل الأصوات، ولكن المسجد القريب يكون فيه قبر ويكون قبر في المسجد الذي جنبه وقبر هناك وإلى آخره، ولا تسمع إنكار منكر بتاتاً حول هذا، ويأتون إلى بلاد الدنيا وخاصة أمريكا مثلاً وكنا ننصحهم ونقول: يا إخوان! الشركيات موجودة هناك، فلماذا لا تذهبون إليها؟ هذه واحدة. ثم أيضاً قضية التعليم كما تفضلت: لا يستطيعون أن يسمعوا كلمتين: كلمة التوحيد، وكلمة شيخ الإسلام ابن تيمية أو محمد عبد الوهاب، هذا رأيناه كثيراً كثيراً، وكان بعض الإخوة من السعوديين موجودين، ومعهم بعض الإخوة القطريين الأفاضل، ولا يستطيعون أن يتكلموا بأي شيء من كتب السنة والتوحيد في الدروس، إلا في أشياء مخصصة بدقة يعطوهم إياها، هذه أنا أنقلها نقلاً، يعني: أمانة لفضيلتكم حتى تكونوا على علم بما رأيت، وأنا إن شاء الله مسئول أمام الله عما أقول وجزاكم الله خيراً. الشيخ: إي نعم هذا صحيح بالنسبة لبعض المناطق هناك، لكن بالنسبة للجماعة هنا في المملكة فإنهم لا يقرون هذا إطلاقاً. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 24 إمكانية إعتاق الرقاب السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عليَّ كفارة قتل خطأ، وسمعت أن هناك إعتاق رقاب في إحدى البلدان الإسلامية، ما علمكم عن هذا الموضوع، وكيف يتسنى لي الوصول إلى ذلك بما تبرأ به ذمتي، وجهونا إلى الأفضل في هذه الكفارة؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب بالنسبة لما ذكر الأخ من إعتاق الرقاب فهو موجود هنا في القصيم وفي بريدة وموجود في الرياض أناس نحسبهم إن شاء الله من المأمونين يتلقون الطلب، وإذا شئت فإن شاء الله أصلي الظهر وأعطيك رقم الهاتف في الرياض وفي بريدة. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 25 حكم الربيبة وهل يشترط أن تكون في الحجر؟ السؤال فضيلة الشيخ أولاً: نسأل الله لك الأجر والمثوبة على إتاحة هذه الفرصة لأبنائك وإخوانك. الأمر الثاني: سؤالي ذو شقين: عن الربيبة هل يشترط فيها على القول الصحيح أن تكون في الحجر أم لا؟ الجواب القول الصحيح: إن تحريم الربيبة ليس مشروطاً بأن تكون في الحجر، بين ذلك قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] فذكر الله وصفين: (اللاتي في حجوركم) الثاني: (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) ثم قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] وسكت عن القيد الأول، فدل ذلك على أن القيد الأول غير معتبر، وإنما هو قيد أغلبي، أي: بناء على أن الغالب أن الربيبة تكون مع أمها في حجر الزوج، فلهذا كان الذي عليه جمهور العلماء وهو القول الراجح أنه لا يشترط في الربيبة أن تكون في حجر الإنسان، بل لو لم تأت إلا بعد أن طلق أمها فهي ربيبة، إذا كان قد دخل بالأم، ولو كانت مثلاً من زوج سابق ولا تعرف الزوج الثاني ولا كانت عنده فهي أيضاً حرام عليه. لكن هنا سؤال: رجل عقد على امرأة عقداً صحيحاً ودخل عليها، وخلا بها واستمتع بها بما دون الجماع ثم طلقها فهل يجوز أن يتزوج ابنتها؟ وهل تكون بنتها محرماً له؟ الجواب: يجوز، لأنه قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:22] أي: جامعتموهن {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] وعلى هذا فتكون هذه البنت، أعني: بنت المطلقة التي خلا بها زوجها ولكن لم يجامعها تكون حلالاً له من جهة النكاح له أن يتزوجها، ولا تكشف له؛ لأنها ليست من محارمه، وهذه المسألة قد تخفى على كثير من الناس، يظنون أنه إذا عقد عليها وخلا بها وعاشرها دون الجماع أن ابنتها تحرم عليه، وأنه يكون محرماً لها وليس الأمر كذلك. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 26 ما يقدر به السفر السؤال هل مرد اعتبار الضرب في الأرض سفراً إلى العرف، أرجو التوضيح مع توضيح هل من مكة إلى جدة سفر أم لا؟ الجواب المسألة هذه فيها خلاف: هل السفر مقدر بالمسافة، أو بالزمن، أو بالعرف: وجمهور العلماء: على أنه مقدر بالمسافة، فما بلغ نحو واحد وثمانين كيلو فهو سفر، ولو قطعه الإنسان بنصف ساعة، ولو رجع منه بيومه. ومن العلماء من يقول: العبرة بالعرف، فما عده الناس سفراً فهو سفر، وما لم يعدوه سفراً فليس بسفر، فعلى هذا: فلو أن الإنسان سافر في الطائرة إلى الرياض ورجع في يومه لعده الناس سفراً لبعد الرياض، ولو ذهب إلى بريدة وتغدى عند صديق له ثم رجع فإنهم لا يعدونه سفراً لقرب المسافة، وهذا أقرب إلى الصواب: أن العبرة بالعرف، لكن يشكل على هذا أن العرف غير مطرد ولا منضبط، قد يعد بعض الناس هذا سفراً، وقد يعده الآخرون غير سفر، فلذلك المسألة لا يمكن أن ينضبط الناس بها إلا إذا قلنا: إنها مقدرة بالمسافة. وإنك إذا نويت سفراً مسافة واحد وثمانين كيلو فأكثر، فأنت مسافر وما دون ذلك لست بمسافر. أما مكة وجدة فكانت المسافة بينهما فيما سبق مسافة قصر لا شك، أما الآن فلا؛ لأن كلتيهما توسع ودنا من الأخرى، فلا يبلغ مسافة ما بين مكة وجدة مسافة القصر. وأنا أقول لكم: إن الصواب مع من يقول: إن العبرة بالعرف، يدل على هذا: أن أهل مكة حجوا مع النبي عليه الصلاة والسلام وجمعوا معه وقصروا معه في عرفات وفي مزدلفة، وهذا لا يبلغ المسافة التي قدرها من يقدرون السفر بالمسافة. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 27 إتمام المسافر الصلاة بعد المقيم ولو أدرك ركعة واحدة السؤال أحسن الله إليك أقول: إنسان مسافر وهو في طريقه أراد أن يصلي جماعة في مسجد، وإمام هذا المسجد مقيم، وأراد أن يصلي معهم صلاة العصر فلم يدرك إلا الركعة الرابعة، فهل إذا سلم الإمام يتم ثلاث ركعات، أم ركعة بنية القصر؟ الجواب إذا أدرك الإمام في آخر ركعة، فإنه يجب عليه أن يتم أربع ركعات، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) [ولأن ابن عباس رضي الله عنهما سئل: ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة] . فعلى هذا: إذا أدركت إماماً يصلي أربعاً ولو في التشهد، ودخلت معه وجب عليك أن تتم أربعاً، فإن كان هذا السائل قد صلى ركعتين مثلاً فبلغه ذلك؛ فلابد أن يعيد الصلاة -الآن- أربعاً. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 28 ما يشرع للمسافر من صلاة النفل السؤال أثابكم الله: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي أربعاً قبل العصر، ويزيد ركعتين بعد الظهر على الراتبة وصلاة الضحى أيضاً، وأقر بركعتي الوضوء، فهل يحافظ عليها المسافر في سفره؟ الجواب المسافر في سفره يصلي جميع النوافل، كل النوافل يصليها إلا ثلاث فقط وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء. هذه ثبتت السنة بتركها، وما عدا ذلك فإنه باق على مشروعيته كصلاة الليل، وصلاة الضحى، وصلاة الاستخارة، وتحية المسجد، كل هذا ثابت، استثني من النوافل ثلاثة وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء، وما عدا ذلك فهو باق على حاله. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 29 ضابط الزيادة التي يشرع لها سجود السهو السؤال يا شيخ! إذا كنت في صلاة رباعية وقمت من التشهد الأول سهواً ولم أقم إلى الاعتدال إلى القيام فهل أرجع؟ وما هو ضابط الزيادة الذي يشرع لها سجود السهو؟ الجواب إذا قام الإنسان عن التشهد الأول فإن استتم قائماً فلا يرجع، يتم صلاته ثم يسجد سجدتين قبل السلام، وإن ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع؛ لأنه لم يصل إلى الركن الثاني الذي بعد التشهد، يرجع ويتشهد، وفي هذا الحال نقول: إن كان الإنسان قد فارقت إليتاه عقبيه وجب عليه أن يسجد للسهو؛ لأنها زيادة وإلا فلا يجب سجود السهو، وظاهر حديث المغيرة بن شعبة أنه إذا رجع فلا شيء عليه، ولو فارقت إليتاه عقبيه، لأن هذه الزيادة ليست مقصودة لذاتها إذ أنها انتقال من ركن إلى ركن، فإن سجد للسهو كما قال الفقهاء فلا بأس، وإن تركها كما هو ظاهر الحديث فلا بأس. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 30 حكم بيع ما لا يملك السؤال ما حكم رجل يبيع بيع تقسيط ولكن البضاعة ليست متوفرة لديه، على سبيل المثال: تجد مثلاً سيارة بقيمة ألف دينار لدى أي بائع آخر، فتذهب إلى هذه المؤسسة وتقول: لا أملك المال فيبيعوها لك بزيادة قدرها (30%) مع العلم أنها لم تنتقل من محل البائع الأول؟ الجواب هنا سؤال: رجل رأى سيارة في معرض فأعجبته وأراد أن يشتريها لكن ليس معه دراهم، فجاء إلى تاجر وقال: أقرضني خمسين ألفاً لأشتري هذه السيارة، فقال: لا بأس، أقرضك خمسين ألفاً لكنها تكون عليك بالتقسيط ستين ألفاً. ما تقولون في هذا؟ غير جائز. إذا قال التاجر: أنا أشتريها من المعرض وأعطيه الخمسين الألف وأبيعها عليك بالتقسيط بستين ألفاً؟ -هذه حيلة- غير جائز؛ لأن الموضوع واحد، حقيقته: أنه أقرضك قيمتها بزيادة؛ لأنه لم يشتر هذه السيارة إلا من أجلك، لولا أنك أتيت وقلت هذا الكلام له ما اشتراها. نعم لو كان عند الإنسان سيارات معدها للبيع وجاء إنسان يشتري نقداً، قال: بخمسين ألفاً، وإذا قال: أريد مقسطاً قال: بستين ألف، هذا لا بأس، هو حر، له أن يقول للمشتري: هي عليك بخمسين نقداً، أو بستين مقسطاً، فيأخذه المشتري بهذا أو بهذا، أما أن نقول: اذهب وانظر السيارة التي تصلح لك في المعارض، ثم أنا أشتريها على حسابي ثم أبيعها إليك. هذا حيلة وليس فيها إشكال. السائل: ولو كنت طلبتها منه؟ الشيخ: سواءً طلب أو بغير طلب، لولاك ما اشتراها، بل ولولا الربا الذي سيأخذه منك ما اشتراها. فإن قال: أنا أشتريها لك بخمسين وأبيعها لك بخمسين؟ هذا قرض، نقول: بدل ما تقول أشتريها وأبيعها عليك أعطه خمسين ألف ريال قرضاً ويعطيك إياها. وبه ينتهي هذا اللقاء، نعود إن شاء الله إلى لقاء آخر في الأسبوع القادم، وفقنا الله وإياكم ورزقنا وإياكم إلى العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 99 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [100] في هذا اللقاء تفسير لسورة الهمزة، حيث بيَّن الشيخ الفارق بين الهمز واللمز، ثم تحدث عن جمع المال، وكثرة عده، وأن هذا كله من كبائر الذنوب، ثم ذكر بعض أوصاف الحطمة، كما أجاب عن مسائل فقهية واجتماعية. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الهمزة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للمائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع والتي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وهذا يتم في يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول عام 1416هـ. نبتدئ هذا اللقاء في الكلام على تفصيل هذه السورة على ما تيسر وهي قوله تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:1-9] . الجزء: 100 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة) في هذه السورة يبتدئ الله سبحانه وتعالى بكلمة (ويل) وهي كلمة وعيد، أي: أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات: (همزة لمزة) إلى آخره. وقيل: إن (ويل) اسم لوادٍ في جهنم، ولكن الأول أصح. قال تعالى: {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] (كل) من صيغ العموم، والهمزة واللمزة: وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟ قال بعض العلماء: إنهما لفظان لمعنىً واحد، يعني: أن الهمزة هو اللمزة. وقال بعضهم: بل لكل واحد منهما معنىً غير المعنى الآخر. وثمَّ قاعدة أحب أن أنبه عليها في التفسير وغير التفسير وهي: وهو أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىً واحد، أو لكل كلمة معنى فإننا نتبع الثاني، أي: نجعل لكل واحدة معنى؛ لأننا إذا جعلنا الكلمتين بمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذا تأسيساً وتفريقاً بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية: (لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل واللمز باللسان، كما قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58] الهمز بالفعل يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك. فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس -والعياذ بالله- مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهماز، وإما بقوله وهو اللماز، وهذا كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:10-11] . الجزء: 100 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذي جمع مالاً وعدده) قال تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] هذه أيضاً من أوصافه القبيحة، جماع مناع، يجمع المال ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي، يجمع المال ويعدده (وعدده) قيل معنى التعديد يعني: الإحصاء، يعني: لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهم في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منها شيئاً، ولم يضف إليها شيئاً، لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة (عدده) يعني: أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له، يخشى أن يكون قد نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق، فهو دائماً يعدد المال. وقيل: معنى (عدده) أي: جعله عُدة له، يعني: ادخره لنوائب الدهر، وهذا وإن كان اللفظ يحتمله ولكنه بعيد؛ لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيام بالواجب لأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، وإنما المذموم أن يكون أكبر هم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده وينظر هل زاد هل نقص، فالقول بأن المراد (عدده) أي: عدَّه للمستقبل قول ضعيف. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يحسب أن ماله أخلده) قال تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة:3] أي: يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم، فيقول في هذه الآية {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة:3] أي: أخلد ذكره أو أطال عمره والأمر ليس كذلك، فإن أهل الأموال إذا لم يعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيئ، فيقال: أبخل من فلان ويذكر في المجالس ويعاب. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (كلا لينبذن في الحطمة) قال تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4] (كلا) هنا يسميها العلماء حرف ردع، أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه، ويحتمل أن تكون بمعنى حقاً (يعني: حقاً لينبذن) وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن يخلده ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره وربما يذكر بالسوء؛ لعدم قيامه بما أوجب الله عليه من البذل. {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4] (اللام) هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير: (والله لينبذن في الحطمة) أي: يطرح طرحاً، وإذا قلنا: إن اللام في جواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام ونون التوكيد والقسم المحذوف، ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي: تأكيد الشيء باليمين واللام والنون هذا شيء كثير في القرآن، والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه. وقوله: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] ما الذي ينبذ: هل هو صاحب المال أو المال؟ قد نقول: كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] أي: يدفعون وهنا يقول: (ينبذ) أي: يطرح (في الحطمة) والحطمة: هي التي تحطم الشيء أي: تفتته وتكسره، فما هي؟ الجزء: 100 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما الحطمة) قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة:5] وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة:6] هذا الجواب، أي: هي نار الله الموقدة، وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب، فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم، أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يعذب بها. إذاً هي نار عدل وليست نار ظلم؛ لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكون عدلاً، فتعذيب الكافرين بالنار لا شك أنه عدل، وأنه يثنى به على الرب عز وجل، حيث عامل هؤلاء بما يستحقون، وتأمل قوله: (الحطمة) مع فعل هذا الفاعل (همزة لمزة) حطمة، وهمزة لمزة على وزن واحد ليكون الجزاء مطابق للعمل حتى في اللفظ. {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} [الهمزة:6] أي: المسجرة المسعرة. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (التي تطلع على الأفئدة) قال تعالى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة:7] الأفئدة: جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى: أنها تصل إلى القلوب -والعياذ بالله- من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات، لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة. {إِنَّهَا} [الهمزة:8] أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة: {عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] على الهماز اللماز الجماع للمال المناع للخير، ولم يقل: (إنها عليه) مع أن المرجع مفرد: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ} [الهمزة:1-2] لكنه أعاد الضمير بلفظ الجمع باعتبار المعنى؛ لأن لكل همزة عام يشمل جميع الهمازين وجميع اللمازين. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إنها عليهم مؤصدة) قال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] أي: مغلقة، مغلقة الأبواب، لا يرجى لهم فرج -والعياذ بالله- {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة:20] يعني: يُرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج، ثم بعد ذلك يركسون فيها، ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهل النار مذكور مفصلاً في القرآن الكريم والسنة النبوية. {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] مغلقة؛ تأمل الآن لو أن إنساناً كان في حجرة أو سيارة اشتعلت فيها النيران وليس له مخرج، الأبواب مغلقة كيف يكون حاله؟ في حسرة عظيمة، لا يمكن أن يماثلها حسرة، فهم -والعياذ بالله- هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (في عمدٍ ممددة) قال تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] أي: أن هذه النار مؤصدة وعليها أعمدة ممدة، مثلما نقول: شبابيك عظيمة، حتى لا يحاول أحد فتحها: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] أي: ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها. حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا لا لمجرد أن نتلوها بألسنتنا أو نعرف معناها بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذه الأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، عيب الناس بالفعل، الحرص على المال حتى كأن الإنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حالته فإن جزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمد ممدة. نسأل الله تعالى أن يجيرنا وإياكم منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 100 ¦ الصفحة: 11 العمل بعد صلاة الاستخارة السؤال فضيلة الشيخ! كيف يعرف الإنسان إذا استخار الله عز وجل وصلى صلاة الاستخارة أن الله عز وجل اختار له هذا الأمر، أو لم يختره؟ الجواب إذا تردد الإنسان في شيء هل يفعله أو لا يفعله فالمشروع له أن يستخير الله عز وجل، فيصلي ركعتين، وإذا سلم دعا بدعاء الاستخارة المعروف، ثم إن ركن إلى شيء من الأشياء فهذا علامة على أن الله اختار له ذلك، وإن لم يركن وبقي متردداً يعيد الاستخارة مرة بعد أخرى، ثم الاستشارة، ثم يقدم على ما يقدم عليه، وإذا أقدم على ما يقدم عليه مع إخلاصه في الدعاء وثقته بربه عز وجل فإننا نعلم أن هذا الذي قدر له وأقدم عليه هو الخير. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 12 الإنكار في المسائل الخلافية السؤال إذا رأيت شخصاً يعمل عملاً فيه أقوال للعلماء، فهل يصح أن أنكر عليه، فمثلاً: لو رأيت إنساناً يصلي خلف الصف، وأنا مثلاً أرى أن الصلاة خلف الصف منفرداً لا تصح هل أنكر عليه، أو أترك هذه الأمور التي فيها خلاف؟ الجواب هناك فرق بين الإنكار وبين المناقشة، الإنكار لا تنكر على أحد في المسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد، خصوصاً إذا تبين لك أو غلب على ظنك أنه من طلبة العلم، أما العامي فإنه يفعل هذا الشيء لا عن اجتهاد ولا عن تقليد أحد خصوصاً إذا كان في بلد لا يعرفون فيه إلا قولاً واحداً، فالعامي ينكر عليه ويقال: لماذا تصلي خلف الصف والصف لم يتم؟ أما طالب العلم فيسأل ويناقش، ثم إن تبين الحق معه وجب أن يقر فعله، وإن تبين الحق خلاف قوله فإنه يبين له الحق، وعلى من تبين له الحق أن يتبعه، سواءً كان يأخذ به أو لا يأخذ؛ لأن الحق ضالة المؤمن متى وجده أخذ به. وإن كان العامي أخذ على رأي عالم فنقول: عندنا مثلاً: نحن الآن مذهبنا مذهب الإمام أحمد، ثم إن المذهب الآن صار -في الحقيقة- غير مأمون به من كل وجه، لأننا وجدنا علماء بارزين يفتون بغير المذهب، فإذا اشتهر قولهم في البلاد فالعمل على قولهم بالنسبة للعامي؛ لأن العامي لا يمكن أن يجتهد بنفسه، ولا يمكن أن نفتح له الباب ونقول: اتبع من شئت من علماء المشرق والمغرب. هذا غير صحيح، لكن إذا برز أحد العلماء في بلده فإنه يكون هو قدوته. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 13 الهمز واللمز من الكبائر السؤال فضيلة الشيخ! في هذه الآيات قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] هل قال الهمز اللمز وجمع المال وتعداده من الكبائر لقوله تعالى: {وَيْلٌ} [الهمزة:1] ؟ وأيضاً في الآية قوله: {الَّذِي} [الهمزة:2] هو معرفة كيف صح أن يكون نعتاً لنكرة؟ الجواب أما الأول فنعم نقول: كل من اتصف بهذه الصفات فقد أتى بكبيرة من كبائر الذنوب، لأن همز المؤمنين ولمزهم من كبائر الذنوب، ألم تر إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:29-31] قالوا: مروا بنا هؤلاء الهمج هؤلاء الدراويش وما أشبه ذلك. وأما قوله تعالى: {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] فإنه صار معرفة؛ لأن قوله: {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] نكرة عام بصيغة الكل، فجاز أن يوصف بـ (الذي) باعتبار العموم، أو يقال: إن الذي ليس صفة لهمزة لمزة ولكنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هو الذي جمع ماله وعدده. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 14 حكم الدعاء بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يقال في أحفاد الرجل إذا أحسنوا عملاً: هذا من بركة أجدادكم. بدعوى: أن الأجداد هم الذين وجهوهم إلى الإسلام، أو بتعقيب الدعاء هذا بحرمة فلان أو بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا يجوز؟ الجواب أما الدعاء بحرمة الرسول عليه الصلاة والسلام مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بحرمة نبيك عندك فإنه بدعة، ولا يجوز التوسل بذلك؛ لأن حرمة النبي عليه الصلاة والسلام خاصة به لا تتعداه إلى غيره، لكن بدلاً من هذا يقول: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم، أو أسألك بصفاتك الكاملة، أو ما أشبه ذلك، أو يقول: أسألك بإيماني بنبيك، إذا كان يحب أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، بإيماني بنبيك أو محبتي له وما أشبه ذلك. وأما بركة الأجداد فلا شك إن كان مراده البركة الجسدية أي: مجرد أن صاروا أجدادك صارت البركة، فهذا لا يجوز، وأما إذا كانت البركة من آثار توجيهاتهم وتربيتهم، فهذا حقيقة، فالإنسان قد يكون فيه البركة على أولاده وعياله في التوجيه والتعليم وقد لا يكون فيه بركة، وقد قال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم بسبب التباس على عقد عائشة رضي الله عنها قال: [ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر] . أي: يريد أن أسبابكم أنكم تكونون سبباً لأمور نافعة للمسلمين. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 15 الشك في عدد الركعات في الصلاة السؤال يا شيخ! المسبوق إذا شك في عدد الركعات، وعلم أن أحد المأمومين دخل معه في أنه مسبوق دخلا جميعاً، فشك في عدد الركعات كم هي، فهل له أن يقتدي بالمأموم الذي دخل معه، أم يعدل لاقتدائه بالمأموم، أم يستأنف صلاته من حيث بدءوا مثلاً إذا تيقن أن هذه الركعة الرابعة؟ الجواب إذا شك إنسان في صلاته وهو مسبوق وقد دخل معهم شخص آخر دخلا جميعاً في الصلاة ولم يترجح عنده شيء، شك شكاً متساوياً، فإن فعل الذي دخل معه لا شك أنه سيرجح أحد الاحتمالين، فإذا رجح أحد الاحتمالين فله أن يعمل به، وأحياناً لا يرجح كما لو علم أن هذا الرجل الذي دخل معه ليس بذاك الإنسان الثقة، فإنه حينئذٍ يعمل باليقين إذا لم يترجح عنده شيء ويأخذ بالأقل ثم يسجد للسهو قبل السلام، وإذا أخذ بغلبة الظن أي: ترجح عنده أحد الاحتمالين بفعل هذا الذي دخل معه، فإنه في هذه الحاله يسجد بعد السلام؛ لأنه متى كان البناء على غلبة الظن في باب الشك فإن سجود السهو بعد السلام. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 16 كيفية دفن امرأة كتابية ماتت وفي بطنها طفل من زوج مسلم الشيخ: فضيلة الشيخ! هذا رجل مسلم تزوج بامرأة كتابية، فحملت منه طفلين، وعندما تحرك الطفل في بطنها وقد بلغ خمسة أشهر ماتت هذه المرأة فأين تدفن؟ الجواب أنه يصلى على الحمل في بطنها، ولا يضر الحيلولة بيننا وبين هذا الجنين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على القبر وقد حيل بينه وبين الميت التراب، فيصلى على الجنين في بطنها، وتدفن معنا -أي: مع المسلمين: لكن يكون وجهها خلاف القبلة، وظهرها إلى القبلة؛ لأن الجنين بحكمة الله عز وجل ظهره إلى بطن أمه، ووجهه إلى ظهر أمه، وفي بطنها وجهه إلى الظهر، وظهره إلى البطن، والحكمة من هذا: أنه إذا كان وجهه إلى ظهر الأم صار الظهر وقاية له، وإذا كان ظهره إلى بطن أمه صار ظهره وقاية له، لأن بطن الأم رقيق، كل شيء يؤثر على الجنين، لكن الذي يلي البطن هو الظهر، فهو قوي يتحمل، فهذا من حكمة الله عز وجل، وعلى هذا فندفنها في مقابر المسلمين لكن نجعل ظهرها إلى خلف القبلة؛ ليكون وجه الجنين إلى القبلة. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 17 مسألة إسبال الإزار السؤال فضيلة الشيخ! هل من دليل في التمييز بين حد الإزار وحد القميص أو الثوب، فإن بعض أهل العلم -حفظهم الله- يرى أن الثوب إذا كان إلى عضلة الساق فإنه مع السجود يكشف العورة وليس هذا كالإزار، وستر العورة واجب، وحد الثوب عنده إذاً سنة، فيقدم الواجب على السنة، وكيف نحمل هذا مع قول ابن عمر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: في الإزار فهو في القميص. أو كما قال، ألا يحمل هذا أنه قول جامع للثياب؟ الجواب الصحيح أنه جامع، وأن ذكر الإزار إنما كان بناءً على الغالب، حيث كان غالب الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسون الأزر والأردية فالجميع سواء. لكن الذي أحب أن أقول: إنه لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث يقال لمن لم يكن إزاره إلى نصف الساق أو إلى عضلة الساق: إنه مخالف لهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، ويشدد في هذا. إذا تأملنا أحوال الصحابة وجدنا أن منهم من كان قميصه إلى قريب الكعب، فها هو أبو بكر رضي الله عنه لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ فينزل إلى الأرض إلا أني أتعهده، فقال: إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء) فإذا كان إزار أبي بكر رضي الله عنه ينزل إلى أسفل من الكعبين لزم أن يكون قريباً من الكعبين؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض أو إلى ما دون الكعب لانكشفت عورته من أعلى، فدل هذا على أن الأمر فيه سهل، وأن من لم ينزل عن الكعب فإنه لا يقال: خالف السنة، ولا خالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، بل يقال: الأمر في هذا واسع، أما الحكم فهو عام، ما كان في الإزار فهو في القميص وفي المشلح وفي السراويل. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 18 حكم لبس البنطال الضيق في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! في كثير من المصليين الذين يلبسون البنطال في حالة السجود والركوع تظهر العورة من فوق وهو لا يعلم بذلك، فما الحكم في ذلك؟ الجواب لا شك أن لبس البنطال في الصلاة يفوت أولاً: الطمأنينة الكاملة في الجلوس، ولهذا تجدهم يجلسون على أعقابهم مع انحناء ظهورهم بعض الشيء. وأيضاً: يمنع كمال السجود، وكذلك ربما ينكمش عن أعلى العورة حتى تبدو إذا لم يكن الذي على صدره راخياً. أولاً: ينبغي ألا يلبس البنطال؛ لأن القميص أستر وأوسع وأحسن للإنسان. وثانياً: إذا لبسه للحاجة إلى ذلك كرجال الشرطة وغيرهم فليكن واسعاً حتى يتمكن من فعل الصلاة على ما ينبغي، وأن يكون الذي فوقه على الذي على الصدر ظاهراً حتى إذا انكمش عند السجود يكون الذي فوقه ساتراً. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 19 حكم تكبير المؤذن أربع تكبيرات واحدة واحدة السؤال بعض المؤذنين يكبرون أربع تكبيرات منفصلات وآخرون يكبرون تكبيرتين تكبيرتين، فما هي السنة؟ الجواب السنة في الأذان هذا وهذا، أن تكبر كل تكبيرة وحدها، أو أن تكبر تكبيرتين جميعاً، فمن فعل هذا فهو جائز، ومن فعل هذا فهو جائز. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 20 معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ؟ الجواب هذا الحديث روي بألفاظ متعددة، منها ما ذكرت، ومنها: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي) فأما على اللفظ الثاني فلا إشكال فيه، أن من رآه في المنام على صفته التي هو عليها فقد رآه حقاً، وأما على اللفظ الثاني: (فسيراني في اليقظة) فهو محمول على الصحابة الذين في عهده قبل أن يموت. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 21 حكم الصلاة على الراحلة في السفر السؤال ما حكم استقبال القبلة في بداية الصلاة على الراحلة في السفر عند التكبير؟ الجواب المسافر يجوز له أن يتنفل على راحلته إلى القبلة وإلى غيرها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. والأفضل: إذا لم يشق أن يبتدئ تكبيرة الإحرام وهو متجه إلى القبلة وبقية الأركان إلى جهة سيره، فإن لم يفعل فلا حرج عليه والصلاة صحيحة؛ لأن المقصود تيسير التطوع على المكلف حتى يتمكن من فعل التطوع بدون مشقة، أما الفريضة فلا تجوز على الراحلة إلا للضرورة، مثل: أن تكون هناك أمطار، أو رياح عاصفة لا يتمكن الإنسان من النزول إلى الأرض ويخشى فوات الوقت، فهذه ضرورة، وأما إذا لم يكن هناك ضرورة فإنه يجب أن يقف ويصلي في الأرض ما لم تكن الراحلة واسعة كالسفينة مثلاً بحيث يتمكن من استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود والقعود، فهذا لا بأس أن يصلي ولو لغير الضرورة، فصار هناك فرق بين الفريضة والنافلة. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 22 مسألة في الجمع والقصر في السفر السؤال رجل مسافر -مثلاً- وحان وقت صلاة المغرب هل يجمع ويقصر علماً أنه سوف يدخل وقت العشاء في البلد الذي أراد أن يسافر إليه، هل يجوز له أن يجمع ويقصر، أم يصلي المغرب في وقتها ويؤخر العشاء ويصلي مع الجماعة، أحسن الله إليك؟ الجواب لو أن إنساناً سافر وهو يعرف أنه سيصل إلى البلد قبل وقت العشاء فهل له أن يجمع العشاء مع المغرب في حال السفر، أو نقول: انتظر حتى تصل إلى البلد؟ فالجواب: له أن يجمع العشاء إلى المغرب؛ أولاً: لأنه في سفر وقد دخل وقت المغرب ووقت المغرب، والعشاء واحد في الحالة التي يجوز فيها الجمع. ثانياً: أن الإنسان قد يقدر أنه سوف يصل قبل وقت العشاء ولا يصل، قد تتعطل السيارة، أو يحصل أي سبب يمنع من الوصول إلى البلد قبل الوقت. لكن نقول: الأولى ما دمت تعرف أنك سوف تصل إلى البلد قبل وقت الثانية، الأولى لك ألا تجمع. ولو أخر المغرب حتى يصل إلى البلد فلا بأس، لكنه إذا وصل إلى البلد ووقت المغرب باقي فإنه لا يجوز له أن يؤخره، بل يجب عليه أن يصليها في وقتها؛ لأن سبب الجمع هو السفر وقد انتهى، ثم إنه في هذه الحالة أنت قلت: يجمع ويقصر، وهو لا يقصر أبداً على كل حال؛ لأن القصر سببه السفر، فمتى انتهى السفر انتهى القصر. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 23 التفصيل في جلسة الاستراحة السؤال هل جلسة الاستراحة في الصلاة من السنة؟ الجواب جلسة الاستراحة في الصلاة كأن يقوم إلى الثانية أو إلى الرابعة هل يجلس أم لا؟ الصحيح: أنه لا يجلس إلا إذا كان هناك سبب لكبر أو مرض أو وجع المفاصل أو ما أشبه ذلك؛ وذلك لأننا نعلم أن هذه الجلسة غير مقصودة، لأنها لا تسبق بتكبير ولا تلحق بتكبير وليس فيها ذكر، ثم إن الواصفين لها في صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه يعتمد على يديه عند القيام، وهذا يدل على مشقة نهوضه مرة واحدة، وأنه لمشقة النهوض يتكئ قليلاً في الجلوس ثم يقوم على يديه، ومعروف أن مثل هذه الصفة لا تكون إلا عند العجز والتعب. فالذي نرى ما اختاره ابن القيم رحمه الله والموفق صاحب المغني: أنها ليست سنة مطلقة، وإنما تسن لمن احتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع مفاصل أو ما أشبه ذلك. ولكن يبقى النظر: إذا كنت تصلي خلف إمامٍ يفعلها هل تجلس تبعاً للإمام؟ الجواب: نعم تجلس تبعاً للإمام. وإذا كنت تصلي خلف إمام لا يفعلها، وأنت ترى أنها سنة، فلا تجلس؛ لأن متابعة الإمام أهم. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 24 حكم الصلاة خلف الصف منفردا ً السؤال يا شيخ! بالنسبة لرجل دخل المسجد فوجد الصف تقريباً اكتمل، فليس عليه أن ينشئ صفاً جديداً حتى يجتهد، وهل من الاجتهاد إذا وجد فرجة أن يدخل منها ويصف عن يمين الإمام أو من جهة الباب الذي يكون في المنبر، أم أنه ينشئ الصف؟ الجواب إذا وجد الصف تاماً فإنه يصلي وحده ولا حرج عليه، ولا حاجة إلى أن يصف مع الإمام، حتى الصف مع الإمام قد نقول: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى معه أحدٌ في إمامته إلا حين جاء ووجد أبا بكر يصلي بالناس وهو مريض عليه الصلاة والسلام مريض، ثم جاء ووقف عن يسار أبي بكر وجعل يصلي بالناس وأبو بكر يبلغ عنه، وإلا فلم يرد. وأيضاً الإمام يجب أن يكون إماماً خاصاً بمكانه، ثم إننا إذا قلنا: اخترق الصف وقف مع الإمام، فإن اختراق الصف يؤذي، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي كان يخترق الصفوف يوم الجمعة قال: (اجلس فقد آذيت) ثم إذا قلنا: نتحمل هذا وصف مع الإمام، وجاء آخر بعد أن دخل هذا مع الإمام ووجد الصف تاماً وقلنا: اذهب صف مع الإمام. فذهب مع الإمام، صاروا ثلاثة بالإمام، فجاء آخر ووجد الصف تاماً قلنا: تقدم وصف مع الإمام، ربما يكتمل الصف الأول كله مع الإمام، لكن لو أنه دخل في الصلاة في مكانه ثم جاء الثاني والثالث والرابع لكوّنوا صفاً متأخراً. فالذي نرى: أنه يصلي وحده لتعذر وجود مكان مناسب. ثم إني أقول: أتدرون خلاف العلماء في هذه المسألة؟ كل المذاهب الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة كلهم يرون جواز الصلاة خلف الصف بدون عذر، والإمام أحمد عنه في ذلك روايتان: رواية: أنه يصح أن يصلي خلف الصف بدون عذر، فتكون مذاهب الأمة الإسلامية على الرواية الثانية مع الإمام أحمد كلها على صحة الصلاة بلا عذر، ليس في المسألة إجماع، ولا الأكثر أيضاً. لكن الحق أحق أن يتبع، الحديث يدل: على أن من صلى خلف الصف بدون عذر فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة. أما إذا تعذر أن يقوم في الصف فإن جميع الواجبات تسقط بالعذر، وهذا إما أن نقول: صل وحدك منفرداً تبعاً لإمامك، أو انصرف ولا تصلي فأيهما أحسن؟ أن يصلي معه منفرداً خير من أن ينصرف ولا يصلي. فالصواب الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله، وشيخنا عبد الرحمن السعدي: أنه إذا كان الصف كاملاً فلك أن تصلي وحدك خلف الصف. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 25 حكم نشر أخبار التائبين والتائبات السؤال هناك رسائل كثيرة يذكر فيها أخبار التائبين والتائبات وكذا، ويكون فيها أيضاً شيء من التفصيل بالنسبة للتائبات: خروجها مع الرجل ثم تاب الله عز وجل عليها. هل من المستحسن أن يطلع الأولاد والزوجات على هذه الأخبار، أو أنها تحجب عنهم؟ الجواب الذي أرى وجوب حجبها، وأرى أن الذي تابت لا يجوز لها أن تبوح بذلك، ولا يجوز لأحد أن ينشر هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من هم؟ قال: الرجل يذنب فيصبح بتحدث بما فعل) أي فائدة أن نقول: فتاة خرجت مع شاب وفعل بها ثم ندمت وتابت. أليس هذا يوجب أن يهون الأمر في نفوس السامعين والقارئين؟ ولهذا نرى أن هذا الاجتهاد خاطئ جداً، وغلط، ولا يجوز، وأما ما ذكر الله تعالى في خطيئة آدم وتفسيرها وما أشبه ذلك، فهذا ذكره الله عز وجل وله أن يفعل ما يشاء، أما أن نفضح عباد الله، ثم نوجب أن نهون الأمر عليهم. أتدرون أن هذا الأمر أول ما يسمعه الإنسان: امرأة خرجت مع شخص وفعل بها، يستعظم جداً جداً ويقشعر جلده ويقف شعره، فإذا صار بين أيدي الناس يقرأ هان جداً، وهل كل امرأة تفعل هذا الشيء يمن الله عليها بالتوبة؟! ربما تفعله ولا تتوب، ولهذا أرى أنك إذا رأيت مثل هذا فقص الورقة التي فيها هذه القصة، وإلا اطمسها كلها طمساً تاماً، والحمد لله لو فات عليك خمسة ريالات في المزيل فهذا لا يضر. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 26 كيفية المسح على الخفين السؤال إذا كان الشخص مصاباً في نصف القدم بألم أو بعظة فكان لا يربط نصف القدم تقريباً والنصف الآخر لفه بشاش أو بضماد، فكيف يكون المسح عليها بارك الله فيك؟ الجواب هذا بارك الله فيك ما هو مسح خفين، إذا كان الإنسان قد لف على نصف القدم لفافة لألم فيه، هذا يسميه العلماء جبيرة، اغسل ما بدا وامسح على ما ستر على كله، وهذا ليس له مدة، ولا يشترط أن يلبس على طهارة، ويجوز في الحدث الأصغر والجنابة؛ لأن هذا يسميه العلماء جبيرة، فهذا لا يدخل في المسح على الخفين، فالجهة المكشوفة تغسل، والجهة يمسح عليها. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 27 مسألة التهاون والتلاعب بالطلاق السؤال فضيلة الشيخ! درج كثير من الناس على أنه إذا أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها وهي في بيت أهلها، أما في حالة نفاس أو عقب زيارة له، كما أنه يطلقها في بيته إثر خلاف بينهم، ثم يذهب بها إلى أهلها ولا يبقيها عنده، كما أنه لا يراعي إن كانت مستوفية للعدة أو غير ذلك، فما حكم الشرع في ذلك، وما توجيهكم، وما على فاعله؟ الجواب أولاً: بارك الله فيكم جميعاً اعلموا أن الشيطان أحرص ما يكون على تفريق المرء وزوجته، يحرص على هذا حرصاً عظيماً، حتى إن السحرة جعلوا أكبر ما يتعلمون: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] وحتى أنه ورد في بعض الآثار: أن الشيطان يرسل جنوده ليضلوا الناس فيأتي هذا ويقول: أضللت فلاناً حتى فعل كذا، ويأتي الشيطان الثاني ويقول: ما تركت فلاناً حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيلتزمه ويقول له: أنت أنت. يعني: أنت الجيد، ولهذا نرى أن الطلاق اليوم كثر في ألسن الناس مع الأسف، وأن الإنسان يطلق زوجته على أتفه الأشياء، حتى لو جاء وهي لم تكمل إصلاح الشاي، يعني: ما بقي عليها إلا أن تحليه فقط، قال: لماذا لا تفعلي، لماذا تأخرتي؟! أنت طالق بالثلاث، ولا يعلم أعليها حيض أو ليس عليها، هل هي في طهر جامعها فيه أو لا، لا يدري، يأتي الشيطان يأزه حتى يطلق. ونحن نقول أولاً: لا تطلق امرأتك إلا عن طوية وعجزٍ عن الصبر عليها، وإن أمكن الصبر فاصبر وتحمل، واذكر قول ربك عز وجل: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] واذكر قول نبيك عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبغضها ويكرهها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) واعرف قدر نفسك وأنك رجل وهي امرأة خلقت من ضلع، وأعوج شيء في الضلع أعلاه، أنت تتحمل وهي لا تتحمل، ألم تر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشرف الخلق اجتمع عليه نساؤه يطالبنه النفقة، مع أنه أحسن الناس خلقاً وأكرمهم أيضاً، حتى هجرهن شهراً عليه الصلاة والسلام. فالواجب على الإنسان أولاً: ألا يطلق إلا عن روية واقتناع بأن الحال لا يمكن أن تصلح، فإن أمكن إصلاحها ولو على مضض وكراهية فليصلح. ثم إذا صمم على الطلاق، وأنه لا بد منه فليطلقها إما حاملاً، وإما طاهراً في طهر لم يجامعها فيه، وقولي: إما حاملاً، يدفع ظن بعض العوام: أن الحامل لا تطلق. ولهذا دائماً الذين يستفتون يقولون: ترى طلقها وهي حامل، يعني معناه: ما لها طلاق، وهذا غلط، الحامل هي التي يجوز أن تطلقها قبل أن تغتسل من الجنابة منها، فلو جامع إنسان المرأة وهي حامل وفور انتهائه من الجماع طلقها، لا بأس، جائز، لكن لو جامعها وهي طاهر ثم أراد أن يطلقها نقول: اصبر، إلى أن يتبين حملها إن حملت من هذا الجماع أو تحيض ثم تطهر ثم تطلقها قبل أن تجامعها. ولذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يطلق أن يتريث، فإذا كان لا بد من الطلاق فلينظر حال المرأة إن كانت في حيض انتظر حتى تطهر ثم يطلق قبل أن يجامعها وإن كانت حاملاً طلق، وإن كانت في طهرٍ جامعها فيه انتظر حتى تحيض أو يتبين حملها، وإن كانت في طهرٍ لم يجامعها فيه طلق ولا مانع من ذلك، فلا بد من النظر. ثم إذا أراد أن يطلق يذهب إلى رجل موثوق عارف بالأحكام ويكتب طلاقاً على الوجه الشرعي؛ لأن بعض الذين يكتبون الطلاق -الله يهدينا وإياهم- يعني: تعرض علينا أشياء من هذا النوع، إذا جاءه الزوج قال: ماذا تريد نكتب؟ الزوج مع الغضب يقول: اكتب ثلاثاً. كان المفروض أن يقول له: نكتب طلقة واحدة، وإذا كانت الطلقة واحدة الخيار بيد الزوج إن شاء راجع وإن شاء لم يراجع، لكن إذا كان ثلاثاً ربما يفوته الخيار، فعلى كل حال المسألة خطيرة، والتلاعب بالطلاق الآن ويطلق الإنسان على أتفه الأسباب، أو ربما يطلق على شيء لا حاجة له فيه، مثل: أن ينزل عليه رجلٌ ضيفاً فإذا رآه الضيف يتحرك يريد أن يذبح له كبشاً، قال: عليَّ الطلاق لا تذبح، قال الثاني: علي الطلاق لأذبحن لك، فماذا نعمل في هذه الحال؟!! نسأل الله السلامة، فهذا تلاعب. فهذه المسائل يجب التنبه لها وألا نتخذها هزواً. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 28 حكم الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد السؤال الطلاق ثلاث مرات في وقت واحد هل يعتبر طلقة واحدة؟ الجواب هذا إذا وقعت أفتيت، لا أفتيك فتوى عامة في هذا؛ لأننا إذا أفتينا فتوى عامة في هذا تهاون الناس، نود الناس يجدون حاجزاً منيعاً عن هذا الفعل، وكان في الأول قبل أن يتسع الاجتهاد كان الإنسان إذا قال: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن ذبحت فامرأتي طالق، أو عليَّ الطلاق لأذبحن لك، ينفذون الطلاق على كل حال، وينفذون الطلاق ثلاثاً ولو بكلمة واحدة ولو بهمزة واحدة، وكان الناس يهابون هذا، لكن مع الأسف لما اتسع الاجتهاد تلاعب الناس، ولهذا من فقه عمر رضي الله عنه وأرضاه كان الطلاق الثلاث في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق الثلاث واحدة، يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق، فيقال: هذه واحدة ردها إن شئت، لما رأى عمر أن الناس تكاثروا في هذا الشيء ولم يتقوا الله؛ لأن هذا حرام، كونه يقول: أنتِ طالق أنتِ طالق أنت طالق، هذا حرام ولا يجوز، لما رآهم تتايعوا في هذا الأمر ووقعوا فيه كثيراً ألزمهم به، وقال: أي إنسان طلق امرأته ثلاثاً فهو ممنوع من مراجعتها، وسد الباب تأديباً لهم، وهذا ينبغي على طلبة العلم المفتين أن ينظروا أحوال الناس قد يكون الأليق بالناس منعهم من شيء مباح لهم سداً للذريعة، فالمفتي ينبغي أن يكون حكيماً فيما يفتي به مربياً للخلق. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 29 حكم إخراج المرأة المطلقة طلاقاً غير بائن من بيتها السؤال المرأة إذا طلقت طلاقاً غير بائن، هل تبقى في بيت زوجها أم تذهب إلى بيت أهلها؟ الشيخ: لا. المرأة المطلقة إذا كان الطلاق غير ثلاث -أي: غير بائن- تبقى في بيت زوجها يخلو بها وتتجمل له، وينام معها لكن لا يجامعها؛ لأن المطلقة الرجعية زوجة، كما قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] فسمى الله المطلقين بعولاً؛ لأن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة، ولا يحل لها أن تخرج من البيت، ولا يحل للزوج أن يخرجها أيضاً، إذا طلق زوجته ولو طلاقاً رجعياً ما هو الحال عندنا؟ تخرج سريعاً وتذهب إلى أهلها، وبعضهم يقول: اخرجي. وهذا حرام على الزوج وعلى الزوجة؛ لأن الله قال: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] الحكمة: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق:1] لأن القلوب بيد الله عز وجل، قد يطلقها الرجل الآن راغباً عنها كارهاً لها ويجعل الله في قلبه محبتها، فإذا كانت عنده في البيت ما صار هناك كسر مثلما لو خرجت إلى أهلها. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 30 حكم تسمية الابن بالقاسم وتكنية الأب بأبي القاسم السؤال ما حكم التسمية بالقاسم والتكني بأبي القاسم؟ الجواب التكني بأبي القاسم لا بأس به؛ لأن الصحيح أن النهي عنه إنما هو في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان الناس ينادون: أبا القاسم. فيتوهم الإنسان أنه رسول الله، حتى أنه نادى رجل: يا أبا القاسم، وأظنه التفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: أعني سواك، وهذه ليست هينة، ولهذا كان التكني بأبي القاسم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام منهياً عنه، أما بعد ذلك فلا بأس. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 31 حكم الصدقة على الكافر السؤال هل تجوز الصدقة على الكافر؟ الجواب اقرأ قول الله تعالى في سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} وهذا إحسان {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] وهذا عدل. فتجوز الصدقة على الكافر بشرط: ألا يكون ممن يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا، لكن إذا كان قومه يقاتلوننا في الدين أو يخرجوننا من ديارنا فلا نتصدق عليه؛ لأننا إذا تصدقنا عليه وفرنا وجبة من الوجبات، والوجبة تكون بعشرة ريالات، العشرة هذه يوفرها لدولته ويستعين الكفار بها على المسلمين، فإذا كان من قوم لا يقاتلوننا في دين الله ولا يخرجوننا من ديارنا فلا بأس أن نتصدق عليه. أو إذا كان ممن يرجى إسلامه؛ يعني: بعض الكفار الذين يأتون إلى هذه البلاد تلين قلوبهم ويرجى إسلامهم، والمال مما يجب المودة، قال في الحديث: (تهادوا تحابوا) وكما جعل الله المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأن هذا يقربهم، وفعلاً هذا وقع، بعض الكفار أسلم لما رأى لين المعاملة من بعض كفلائهم وأنه يهدي إليه ويتصدق عليه أسلم، فإذا كان يرجى إسلامه بعطية أو بهديه إليه فلا بأس. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 32 المهر حق للزوجة السؤال رجل عقد قرانه على امرأة وعند المأذون الشرعي قال المأذون: المهر قدره؟ فسكت ولي الزوجة، وتكلم أبو الزوج وقال: بقدر هكذا من الذهب وهكذا من النقود، فبعد مدة هل يجوز إذا تراضى الطرفان بأن يغيروا ما في العقد من قيمة المهر، أم هل هم ملزمون بما في العقد؟ الجواب المهر بين الزوج والزوجة، فإذا سميا شيئاً في العقد ثم تراضيا بعد ذلك على أكثر أو أقل فالأمر إليهم، يعني: لو قالت الزوجة: أنا لا أريد إلا نصف المهر يكفيني. فلا بأس. وأنا أذكر لكم قصة وقعت في بلادنا منذ زمن بعيد: تزوج رجل امرأة بصداق ريال واحد وأعطى المرأة الصداق، وكان في اليوم الذي فيه الدخول مع امرأته نائماً، فقرع عليهم الباب رجل بشدة فنزل الزوج يكلم هذا الرجل اشتد الكلام بينهما وارتفعت الأصوات، فنزلت الزوجة واستمعت إليه، وإذا هو يطالب زوجها بريال، رجعت ثم انفض المجلس بين الزوج والرجل وقالت: ماذا يريد هذا الذي كسر الباب وعلت الأصوات بينك وبينه، ماذا يريد؟ قال: هذا يطلبني ريالاً من كم شهر، أو ما أشبه ذلك، وقلت له: إن شاء الله يسهل، قالت: هذا الريال الذي أعطيتني إياه أوفه، فأخذه وأوفى به هل هذا جائز أو غير جائز؟ جائز؛ لأنه حق الزوجة، وإذا كان للزوجة فهي حرة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 100 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [101] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن قصة أصحاب الفيل حين أرادوا هدم الكعبة المشرفة، وكيف نالهم العقاب من الله سبحانه وتعالى، ثم أتبع ذلك بإجابات متنوعة على أسئلة متفرقة في أبواب الفقه والعقيدة وغير ذلك. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الفيل الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الواحد بعد المائة والذي يتم في كل أسبوع في يوم الخميس, وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1416هـ, نستعرض فيه استعراضاً خفيفاً لتفسير قول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] إلى آخر السورة, لأنها السورة التي وقفنا عليها سابقاً. فيقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, أو يخاطب كل من يصح توجه الخطاب إليه, فعلى الأول يكون خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطاباً له وللأمة؛ لأن أمته تابعة له, وعلى الثاني: يكون الخطاب عاماً له ولأمته ابتداءً. وعلى كلٍ, فإن الله يقرر ما فعل سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل, وأصحاب الفيل هم أهل اليمن الذي جاءوا لهدم الكعبة بفيل عظيم, أرسله إليهم ملك الحبشة , وسبب ذلك: أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى بيت الله عز وجل, فبنى بيتاً يشبه الكعبة, ودعا الناس إلى حجه ليصدهم عن حج بيت الله, فغضب لذلك العرب وذهب رجل منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملك اليمن بدلاً عن الكعبة, وتغوط فيه, ولطخ جدرانه بالقذر, فغضب ملك اليمن غضباً شديداً وأخبر ملك الحبشة بذلك, فأرسل إليه هذا الفيل العظيم قيل: وكان معه ستة فيلة لتساعده. فجاء هذا الرجل -أعني ملك اليمن - بجنوده ليهدم الكعبة على زعمه, ولكن الله سبحانه وتعالى حافظ بيته, لما وصل إلى مكان يسمى المغمس وقف الفيل وأبى أن يتجه إلى الكعبة, فزجره سائسه ولكنه أبى, إذا وجهوه إلى اليمن انطلق يهرول, وإن وجهوه إلى مكة وقف, وهذه آية من آيات الله عز وجل, ثم بقوا حتى أرسل الله عليهم طيراً أبابيل: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} قال العلماء: طيراً أبابيل أي: جماعات متفرقة, كل طير في منقاره حجر صلب من سجيل؛ وهو الطين المحروق، لأنه يكون أصلب, وهذا الحجر ليس كبيراً, بل هو صغير يضرب الواحد من هؤلاء مع رأسه ويخرج من دبره والعياذ بالله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:5] أي: كزرع أكلته الدواب ووطأته بأقدامها حتى تفتت. هذا مجمل ما في هذه السورة العظيمة التي بين الله سبحانه وتعالى فيها ما فعل بأصحاب الفيل, وأن كيدهم صار في نحورهم, وهكذا كل من أراد الحق بسوءٍ؛ فإن الله تعالى يجعل كيده في نحره. وإنما حمى الله عز وجل الكعبة عن هذا الفيل, مع أنه في آخر الزمان سوف يسلط عليها رجلاً من الحبشة يهدمها حجراً حجراً حتى تتساوى بالأرض؛ لأن قصة أصحاب الفيل مقدمة لبعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي يكون فيها تعظيم البيت, ثم في آخر الزمان فإن أهل البيت إذا أهانوه وأرادوا به إلحاداً وظلماً ولم يعرفوا قدره حينئذٍ يسلط الله عليه من يهدمه حتى لا يبقى على وجه الأرض, ولهذا يجب على أهل مكة خاصة أن يحترزوا من المعاصي والذنوب والكبائر؛ لئلا يهينوا الكعبة فيذلهم الله عز وجل, نسأل الله تعالى أن يحمي ديننا وبيته الحرام من كيد كل كائد إنه على كل شيء قدير. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 2 الأسئلة الجزء: 101 ¦ الصفحة: 3 حكم حضور المناسبات التي فيها منكرات السؤال قد تحدث مناسبات ويتعين على الشخص حضوره في مجلس, وقد يحدث في المجلس شيء من المنكرات مثل التدخين وغيره ولا يستطيع الإنكار, فهل يحضر؟ الجواب إذا دعي الإنسان إلى مجلس بمناسبة عرس أو دعوة عادية, وهو يعلم أن فيه منكراً فإن كان يستطيع أن يغيره, بحيث يكون الرجل المدعو له جاه ومنزلة في قومه؛ فإنه يجب عليه الحضور, لسببين: الأول: إجابة الدعوة. الثاني: إزالة المنكر. أما إذا كان يعلم أنه لا يستطيع أن يغيره, فإنه لا يجوز له الحضور؛ لأن من حضر المنكر فإنه مثل فاعله. وإذا حضر وهو لا يدري أنه سيكون هناك منكر, ثم رأى المنكر وجب أن ينصح ويتكلم فإن اُستجيب له فهذا المطلوب, وإن لم يستجب له وجب عليه أن يفارق المجلس, رضي من رضي وسخط من سخط؛ لأن رضا الله سبحانه وتعالى مقدم على رضا كل أحد. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 4 تفسير آيات الإشهاد على الوصية في سورة المائدة السؤال أرجو من فضيلتكم شرح الثلاث الآيات من سورة المائدة وهي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:106-108] ؟ وجزاكم الله خيراً! الشيخ: هذا السؤال هل أنت في حاجة إليه؟ السائل: والله! أحب أن أعرف معناها؛ لأني اطلعت عليها في التفسير ووجدت كلام علماء فوق مستوانا. الشيخ: هذه الآية الكريمة تفيد: أنه إذا أراد الإنسان أن يوصي وحضره الموت, فإنه يشهد رجلين من المسلمين؛ لأن غير المسلم لا تقبل شهادته, لكن عند الضرورة لا بأس أن يشهد غير المسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} أي: من المسلمين, فيوصي ويشهد اثنين من المسلمين, ولا يشهد غير المسلمين, لكن عند الضرورة يشهد؛ ولهذا قال: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ثم ضرب مثلاً للضرورة: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: كنتم في سفر {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} يُشْهِدُ اثنين على الوصية: بأني أوصي كذا وكذا, سواء أوصى بدين عليه فقال: أشهدكم أن عليّ لفلان كذا وكذا, أو أوصى بتبرع, فيشهد هذين الاثنين من غير المسلمين, فإذا قدما إلى البلد وأردنا أن نستشهدهما فإننا نحبسهما من بعد الصلاة, أي: بعد صلاة العصر، وهذا الزمن مما تؤكد فيه الشهادة؛ لأنه آخر النهار والدعوة فيه مستجابة في الغالب, فنحبسهما من بعد الصلاة: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} يحلفان عند الشهادة لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولكن ذلك يكون إن ارتبنا في شهادتهما, أما إذا لم نرتب فلا حاجة إلى استحلافهما, لا نحلفهم: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} . نعيد مرة أخرى, يقول: إذا كان الإنسان في سفر وأراد أن يوصي، بأن حضره الموت وعرف أنه سيموت, إما بحادث وبقي فيه رمق ويريد أن يتكلم, وإما بمرض أنهكه ويعرف أنه قرب أجله فإنه يشهد على وصيته اثنين من المسلمين, فإن لم يكن معه مسلمون ومعه من غير المسلمين أشهد اثنين من غير المسلمين للضرورة؛ لأنه ليس هناك وقت وهو يعرف أن أجله حضر، وليس هناك مسلم فللضرورة يشهد الكافرين, الكافران إذا قدما البلد ماذا نعاملهما عند الاستشهاد؟ نحبسهما من بعد صلاة العصر, والحبس هنا ليس حبساً في السجون, لا، أي: نوقفهم, ونقول: احلفا بالله أنكما لم ترتكبا إثماً (فيقسمان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى) أي: لا نشهد شهادة باطل وزور ولو كانا أقرب قريب له: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} أي: لا نخفي مما شهدنا به شيئاً: {إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ} , هذا هو الفصل الأول من القصة. {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} أي: إن تبين بعد ذلك أن شهادتهما باطلة: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} ينظر أولى الناس بهذا الميت وهم أقرب الناس إليه وهم الذين يرثونه: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} . وفي الآية الثانية قول آخر, ولا يحضرني الآن, لكن فيها قول آخر: أن الذي يحلف غير ورثة الميت, ونؤجل الكلام عليها إلى أن نطلع عليها إن شاء الله في كتب المفسرين. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 5 رفع الصوت أحياناً في الصلاة السرية خاص بالإمام دون المأمومين السؤال ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع بالآية والآيتين, فهل هذا التسميع خاص بالإمام أم هو عام للإمام والمأموم, وما هي ضوابطه؟ الجواب في حديث أبي قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية أحياناً) والذي يسمع هو الإمام أحياناً, وهذا التسميع إما ليعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ شيئاً بعد الفاتحة, وإما أن ينبه الناس بعض الشيء؛ لأنه إذا جهر الإمام في صلاة السر انتبه الناس. أما المأموم فإنه لا يجهر بشيء, لا بالتسبيح ولا بالقراءة ولا بالتكبير, ولهذا يخطئ بعض الناس في صلاة الجنازة خاصة إذا كبر الإمام لصلاة الجنازة رفعوا أصواتهم: الله أكبر، وبعضهم في تكبيرات صلاة العيد الزوائد, بعضهم إذا كبر الإمام: الله أكبر الله أكبر، رفعوا أصواتهم للتكبير، أعني المأمومين وهذا خطأ, المأموم يقرأ سراً، ويكبر سراً، ويسبح سراً، ويدعو سراً. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 6 حكم الفتاوى التي تصدر في المجلات والصحف العربية وغير العربية السؤال الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله: هناك من الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية تترك مجالاً للفتاوى, ولا يعرف من المفتي, وكل ما هنالك أن يقال: رئيس التحرير للصفحة الإسلامية, وتقرأ العجب العجاب في هذه الفتاوى, ومن آخرها حين سئل أحدهم: هل هناك مشاركة حسية للشيطان أثناء الجماع, فنفى ذلك نفياً قاطعاً بعقله, وقال: إن هذا من الخرافات, ثم أيضاً: أنكر أن يكون عمر عائشة رضي الله عنها في هذا السن وقت زواجها المبكر, بل إنه قال: إنها لم يعرف عمرها ولم يكونوا يعرفوا أعمارهم في ذلك الزمان, وصرح بأنه لا بد أن يكون عمرها بين (16) و (18) وتقرأ ضمن هذه الفتوى محاولات تبريرية كثيرة لما يشوهه الغرب أو يثيروا شبهات حول هذا الموضوع, وكثرت حقيقة وتوزع بشكل موسع, فالرجاء لفتة طيبة من فضيلة الشيخ حول هذين الأمرين بالذات؟ الجواب لا بجوز الاعتماد على الفتاوى التي تصدر في الصحف, سواء كانت باللغة العربية أو بغير العربية, يصدر فتاوى باللغة الأوردية وباللغة الإنجليزية كما قال الأخ, فلا يعتمد على الفتاوى التي تصدر في الصحف أو المجلات أياً كانت باللغة العربية أو غير العربية, إلا إذا علمنا أنها صدرت من عالم معروف موثوق بعلمه ودينه؛ لأنه مع الأسف صار اليوم يتصدر للفتوى من ليس أهلاً له, من يقول بلا علم، بل بمجرد هواه, ولا أقول بمجرد عقله؛ لأن العقل يقتضي بأن توكل الأمور إلى أهلها, ومن الذي يفتي الناس: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء:176] الفتوى من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام, أو من علماء موثوقين في العقيدة، وفي العلم وفي الأمانة معروفين, لا تفرطوا في دينكم, العمل بالفتوى معناه: دين يتقرب به الإنسان إلى الله, وإذا كان الإنسان لا يأخذ دواءً يتداوى به إلا إذا وصفه له طبيب حاذق مأمون فكيف يأخذ فتوى إنسان لا يدري من هو، وقد يكون منحرفاً في عقيدته أو في سلوكه, أو ضائع ليس عنده علم إطلاقاً يتخبط. فنصيحتي لكل مؤمن يريد الحفاظ على دينه ألا يأخذه إلا ممن يثق به: ألا يأخذ بأي فتوى في الجرائد أو المجلات, إلا إذا صدرت من إنسان موثوق في عقيدته وفي علمه وفي دينه. وأيضاً: لابد فيمن يقدم الفتاوي في هذه الصحيفة أو المجلة أن يكون معروفاً؛ لأنه أحياناً تكتب فتاوى تنسب إلى زيد أو عمرو من الناس وهو لم يقلها, لكن هؤلاء الصحفيون إذا رأوا عالماً من العلماء يقتدي به الناس ويأخذون بقوله لطخوا به بأي فتوى يفتون, وهذا أيضاً لابد منه, إذاً: لابد من أمرين: الأول: الثقة بالجريدة أو المجلة. الثاني: الثقة بالمفتي -ما نقول: بالعالم قد يكون جاهلاً- بحيث يكون من العلماء المعروفين في عقيدتهم وعلمهم ودينهم. ونحن الآن لسنا نأخذ في الفتاوي في أمور دينية بيع وشراء وتجارة وارتهان, حتى نقول: الذي لم يصلح اليوم يصلح غداً, نأخذ دين ندين به لله عز وجل, نجعله طريقاً إلى الجنة, فلابد أن نعرف هذا. ولهذا يجب أن نحفظ ديننا, وألا نأخذه إلا من أهله, قال بعض السلف: [إن هذا العلم دين, فانظروا عمّن تأخذون دينكم] . السائل: فتواه يا شيخ في عائشة؟ الشيخ: كل ما نقله من الفتاوي خطأ, وعائشة رضي الله عنها مشهور إن لم يكن متواتراً أنه تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة. وأنا قلت لكم الآن وأقولها: هؤلاء العقلانيون لم يمشوا على عقولهم أيضاً؛ العقل يقتضي ألا نأخذ الفتاوي إلا ممن هو أهل للفتوى, والفتوى من الله ورسوله, ليست من أي شخص. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 7 معنى الاتكاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) السؤال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) هل يدخل فيه الشرب, وهل الاتكاء مذموم مطلقاً، وما علة النهي؟ الجواب أولاً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لا آكل متكئاً) ليس نهياً, لكن فيه بيان أدب من آداب الأكل, ألا يأكل الإنسان متكئاً تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأكل متكئاً لعله يترتب عليه محذوران: المحذور الأول: أن الأكل متكئاً يدل على أن فاعله عنده عنجهة, وكبرياء, وغطرسة. المحذور الثاني: أن الأكل متكئاً يأكل وهو مستريح, وربما يأكل كثيراً لأنه مرتاح مطمئن, ولهذا ألحق ابن القيم رحمه الله بذلك أكل الإنسان متربعاً، يعني: هكذا، يقول: لا تأكل هكذا، هذا من الاتكاء؛ لأن الإنسان إذا أكل هكذا يكثر الأكل, لكن الصحيح: أنه ليس من الاتكاء والاتكاء: أن يعتمد الإنسان على يده اليمنى أو اليسرى. فهذا السبب أن الرسول لا يأكل متكئاً لئلا يتمادى في الأكل ويكثر من الأكل, ومعلوم أن الأكل الكثير غلط في الشرع وفي الطب, أما الشرع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه -لقيمات للتصغير للتقليل- فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولو أن الإنسان عود نفسه هذه القاعدة من البداية لاستراح, وقلَّت التخمة عنده والسمنة، وقلّ الكسل, فهو يأكل الثلث، ويشرب الثلث، ويدع الثلث, وإذا جاع أكل, ليس معناه: لازم ألا تأكل إلا الفطور والغداء والعشاء, أنت قدّر الثلث للطعام، والثلث للشراب، والثلث للنفس, وإذا جعت فكل, هذا إن كان لا محالة, وإلا فاللقيمات تكفيك. لكن -كما تعلمون- كما تعودنا الآن أن الإنسان يأكل حتى يشبع شبعاً كبيراً, فتجده يكسل ويسترخي ويأتيه نوم, وربما يأكل أكلاً يعلم أنه يتأثر ويتأذى به، ويقول: نصبر -يعني: تصبر! لماذا تأكل؟ - يقول شيخ الإسلام: إذا كان الإنسان يخشى من أكله تأذياً أو يخشى تخمة فإنه يحرم عليه الأكل. بمعنى: أنه يأثم. ولذلك ننصح إخواننا ونبدأ بنصيحة أنفسنا أولاً -أسأل الله أن يعيننا-: ألا نأكل كثيراً ولا نشرب كثيراً بل بقدر الحاجة, ثلث وثلث وثلث, وإذا جعنا، فالحمد الله الخير موجود. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 8 حكم صلاة المأمومين مع إمام لا يسجد في الصلاة لوجود عملية في عينه السؤال فضيلة الشيخ: صلى رجل بعد أن أنهى عملية في عينه إماماً, ولم يعلم المأمومون أن به عملية في عينه, فعندما أراد أن يسجد لا يسجد على أساس أنه لا يقدر, والمأمومون لا يعلمون هل يسجدون؟ الجواب الصحيح أن هذا جائز؛ وذلك لأن هذا الإمام صحت صلاته، يعني هو يسأل ويقول: إمام عمل عملية في عينه، وكان لا يستطيع السجود، فكان يصلي بأصحابه وهو يومئ وهم يسجدون. نقول: لا بأس بهذا؛ لأنه ما دام صلاته صحيحة فصلاتهم صحيحة, وهو قد اتقى الله ما استطاع, وقد ورد قريب من ذلك: حيث صلّى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وهم قادرون على القيام, فقاموا خلفه فأشار إليهم أن يجلسوا فجلسوا, واستمر يصلي بهم. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 9 حال حديث: (اقرءوا على موتاكم يس) السؤال فضيلة الشيخ: ما صحة الحديث: (اقرءوا على موتاكم سورة يس) نرى بعض الناس يقرءون سورة (يس) وهم ملتفون على القبر ويقرءون سورة (يس) وبعضهم يؤذن داخل القبر, ما صحة ذلك؟ الجواب أما الحديث: (اقرءوا على موتاكم يس) فإنه ضعيف, وإذا كان ضعيفاً فقد كفينا إياه, أي: لا نعمل به, وعلى قول من قال: إنه حديث حسن، فإنه لا يقرأ عند القبر, وإنما يقرأ عند الاحتضار, وقد قيل: إن قراءتها عند المحتضر تسهل خروج الروح لما فيها من ذكر الثواب لأهل الجنة والنعيم كقوله: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27] وكقوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس:55] وتزيد الإنسان إيماناً بالبعث, مثل قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78-79] . فعلى كل حال: إن صح الحديث فالمراد قراءتها عند المحتضر, ويدل لهذا أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يبين بعضها البعض, فلم يرد مرة من المرات أنه قرأ (يس) عند القبر, ولا عند الذين ينزلون القبر يقرءونها, وإنما كان يقول: إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) . الجزء: 101 ¦ الصفحة: 10 ضابط مسافة القصر في السفر هو العرف السؤال قصر السفر هل الاعتبار بالعرف، أم الاعتبار بالمسافة؟ الجواب قل: السفر المعتبر وليس القصر. هل المعتبر بالسفر العرف، أو المسافة؟ أما رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فيرى أن المعتبر العرف فما سماه الناس سفراً فهو سفر, والسفر: هو الذي يشد الرحل إليه, ويحمل الطعام والشراب, ويودع ويشيع. وأما أكثر العلماء فيقولون: بأنه يقدر بالمسافة. وبناءً على ذلك أضرب لك مثلاً بـ عنيزة وبريدة: المسافة التي بينهما دون المسافة التي حددها من يرى المسافة؛ لأن الذين حددوا المسافة جعلوها (81 كم) , والمسافة من بريدة ما تبلغ (81) إلى عنيزة، فعلى رأي من يرى أن السفر الذي يقصر فيه هو ما بلغ المسافة يقول: من سافر من عنيزة إلى بريدة فلا يقصر, وأما من يرى أن السفر ما اعتبره الناس سفراً فيقولون: من ذهب إلى بريدة من عنيزة ليؤدي عمله الحكومي في الضحى ويرجع إلى أهله يتغدى, فهذا لا يعد سفراً, لكن لو ذهب إلى أقاربه هناك ويريد أن يبقى عندهم يومين أو ثلاثة فإنه يعد سفراً, هذا هو اختيار شيخ الإسلام , ولا شك أن اختيار شيخ الإسلام هو الصحيح من حيث النظر؛ لأن الله قال: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ، وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلّى ركعتين) وهذه أقل من المسافة التي يحددها من يحدد, فقول شيخ الإسلام من ناحية النظر هو الصحيح؛ لكنه غير منضبط في الواقع, أي: يبقى الناس حيارى. أما إذا حددت قلت: من سافر (81كم) و (300 م) فهو مسافر، صار الناس ما عندهم شك, فهو من حيث التحديد يكون أضبط للناس, لكن من حيث النظر لا شك أن ما يسمى سفراً فهو سفر, وما لا يسمى سفراً فليس سفراً، فيرجع إلى العرف. السائل: الذي يسافر أربعة أيام هل يعتبر مسافراً؟ الشيخ: إي نعم. السائل: يقصر الصلاة؟ الشيخ: يعني: سافر مثلاً إلى بلد مسافة قصر. السائل: سافر مسافة قصر ويريد أن يمكث شهراً. الشيخ: لا بأس بذلك، هو إذا سافر مسافة قصر وجلس في البلدة فهو مسافر, لو يبقى أربع سنوات, ما دام أنه لم ينوِ الإقامة المطلقة فهو مسافر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة, وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ولم يحدد لأمته مدة معينة, وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون إلى الثغور التي هي حدود الأراضي الإسلامية ويبقى الإنسان سنة أو سنتين قاضياً فيها ويقصر, وابن عمر رضي الله عنه حبسه الثلج في أذربيجان ستة أشهر وهو يقصر الصلاة. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 11 تكبيرة الركوع تغني عن تكبيرة الإحرام لمن أدرك الإمام راكعا ً السؤال رجل أتى إلى الصلاة والإمام راكع, فكبر تكبيرة الإحرام, فهل يلزمه تكبيرة أخرى؟ الجواب يقول العلماء: إذا أدرك الإمام راكعاً كبّر للإحرام ثم ركع, فإن كبّر للركوع فهو أفضل, وإن لم يكبرّ فلا حرج. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 12 ما ينتج بعد صلاة الاستخارة يكون شعوراً نفسياً وما يتيسر من العمل السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لصلاة الاستخارة إذا أراد الشخص أن يستخير الله في أمر, فيصلي صلاة استخارة ثم يدعو بعدها, بالنسبة لنتيجة هذه الاستخارة هل تكون نتيجة نفسية يعني: شعور نفسي برغبته بهذا الأمر, أم يكون اتكاله على الله في هذه الاستخارة، ويرى ما يرى الله فيه من خير؟ الجواب أولاً: صلاة الاستخارة لا تكون إلا في الأمور التي يتردد فيها الإنسان, أما ما عزم عليه فلا حاجة إلى الاستخارة, لأنه عزم وعزيمته هذه من الله هو الذي قدرها عز وجل, لكن إذا تردد يصلي الاستخارة, ثم إن تبين له رجحان شيء عمل به, وإن لم يتبين أعاد الاستخارة مرة أخرى. السائل: شعور نفسي؟ الشيخ: شعور نفسي, وقد يرى الإنسان رؤيا تحمله على هذا أو هذا, وقد يتردد أحياناً ثم يقدر الله الأمر على وجه مباغت, وهنا نقول: إن الله تعالى لم يقدره على وجه مباغت وأنت قد استخرته سبحانه وتعالى إلا وهو خير لك. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 13 بيان معرفة أيام السفر وتأثيره على قصر الصلاة السؤال بالنسبة لقصر الصلاة في السفر, بعض العلماء اشترط قال: إذا كان يعلم مدة سفره فيقصر واحداً وعشرين فريضة من غير أيام المسير, وبعض العلماء قالوا: إذا كان لا يعلم فيقصر إلى أن يرجع إلى بلده, فهل هذا صحيح؟ الجواب المسألة فيها -يا بني- واحد وعشرون قولاً للعلماء, لكن الراجح: أنه ما دام أنه لم يعزم على الإقامة المطلقة غير المقيدة فإنه يقصر, حتى ولو بقي أربعة أيام, ولو كان يعلم أنه سيبقى أربعة أيام أو خمسة أو عشرة أو أربعة شهور أو أربع سنوات, والتفريق بين كونه يعلم المدة أو لا يعلمها ليس عليه دليل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قصر في تبوك عشرين يوماً وهو يعلم أنها لا تكفيه أربعة أيام, قطعاً, وأقام عام الفتح تسعة عشر يوماً في مكة يقصر, ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يمكث في هذه البلدة التي فتحها ويرسل إلى ما حولها ليهدم الأوثان أنه يكفيه أربعة أيام, ثم لم يقل يوماً من الدهر: يا أيها الناس! من عزم أن يبقى أكثر من أربعة أيام، فلا يقصر, ما قال هذا, بل قدم في حجة الوداع -آخر سفرة سافرها- في اليوم الرابع وجعل يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة , وهو يعلم أن الناس يأتون قبل اليوم الرابع, هل كل الحجاج لا يأتون إلا من الرابع فما بعد؟ أبداً, من الحجاج من يأتي في أول الحجة، ومنهم من يأتي في ذي القعدة, ومنهم من يأتي في شوال {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] متى تبدأ؟ من شوال, هل قال لأمته وهو يعلم أن منهم من يأتي قبل اليوم الرابع: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم؟ هذا أمر ما هو هين. فلما لم يقل هكذا علمنا أن هذا الحديث الذي استدل به من يقدر بأربعة أيام أنه دليل عليه وليس دليلاً له؛ لأنه يقول: إن الرسول يعلم أن هناك من قدم قبل ذلك ومن يقدم بعد هذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل للأمة: يا أيها الناس! من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه الإتمام. فالمهم أننا نقول: القصر معلق بالسفر فما دمت مسافراً فالقصر ثابت في حقك, ومسح ثلاثة أيام على الجوارب والخفين ثابت في حقك, والفطر في رمضان ثابت في حقك, إلا أننا نقول: الفطر في رمضان لك أن تفطر, لكنه لا ينبغي أن يأتي رمضان الثاني إلا وأنت قد أديت الواجب عليك, لماذا؟ لئلا تتراكم عليك الشهور، وتعرف إذا تراكمت أربعة شهور مثلاً صعب عليك أن تقضيها, فإذا كان إفطاره سبباً لعدم القضاء فليقض. السائل: هل القصر سنة أم واجب؟ الشيخ: القصر سنة مؤكدة, وبعض العلماء يقول بالوجوب, أما إذا كان في بلد والناس يصلون ويتمون يجب عليه أن يصلي مع الناس ويتم, إلا لعذر. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 14 الفرق بين العالم والمفتي السؤال فضيلة الشيخ: ما الفرق بين العالم والمفتي؟ الجواب العالم هو الذي عنده علم, وبعض العلماء يفتون والبعض يتورع ولا يفتي, يقول: الإنسان ضعيف. والمفتي هو الذي يفتي ولو بغير علم؛ لأن من الناس من يتصدر للفتوى وهو لا يعرف كوعه من كرسوعه، وهل تعرف كوعك من كرسوعك؟ فيه أبيات: وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط الآن اليد في طرف الذراع لها ثلاث جهات: الجهة التي تلي الإبهام هي الكوع, والتي تلي الخنصر الكرسوع, والوسط الرسغ، أما هذا -أي: المفصل الذي بين العضد والساعد- فيسمى المرفق قال الله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] . مداخلة: عند العامة يسمى الكوع. يا شيخ. الشيخ: العامة ليسوا بحجة. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 15 التفصيل في إمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة لتركت إمامة المسجد السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم بإمام مسجد يقول: لو رفعت هذه المكافأة -التي يأخذها شهرياً- لتركت الإمامة في المسجد, وما حكم الصلاة خلفه؟ الشيخ: والله! لا ينبغي أن يقول هكذا, ولكن: (إنما الأعمال بالنيات) هل قصده أنها لو رفعت بقي بدون عيش فيذهب ويطلب العيش, فهذا ما فيه شيء؛ لأن الإنسان يأخذها ليستعين بها على نوائب الدنيا, أو قصده ليتخذها أجرة حتى ولو هو غني إذا رفعت المكافأة ترك الإمامة, لا فهذا لا شك أنه لا يؤجر على إمامته ولا ثواب له في الآخرة؛ لأنه أراد بعمله الدنيا, وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقومه وقد طلبوا منه أن يصلي بهم قيام رمضان قال: لا أصلي بكم قيام رمضان إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد رحمه الله: نعوذ بالله, من يصلي خلف هذا؟!! فالأعمال بالنيات؛ لكن ينبغي أن ينصح هذا الرجل: ما دمت مصلياً والإمامة لا شك أنها نعمة من الله عز وجل على العبد, وتعينه على أداء الصلاة, فاجعل النية لله, والراتب سيأتيك. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 16 الشهادة بالحق لا تكون إلا عن علم السؤال رجلان ذهبا ليسلما على أحد القضاة, فلما دخلا عليه وجدا عنده رجلاً يدعي أن له أرضاً يريد أن يأخذ لها صكاً, فعندما دخل هذان الرجلان والقاضي يعرفهم, ويعرف أنهم ليس لهم علاقة بالموضوع, وأنهم أتوا فقط للسلام على القاضي, فقال: هذان يشهدان, فكتب القاضي وشهدوا وانتهت المسألة, وأخذ الرجل، والبلد التي فيها القاضي تبعد عن البلد التي فيها الأرض (500) كيلو, فما حكم شهادة هذين الشاهدين؟ الجواب والله! لابد أن تعرف أن الشهادة لا بد فيها من العلم: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] لا بد أن يعرف الشاهد أن من شهد بحق لا بد أن يعلم, يعني الآن: لو أن رجلين أمامك ادعى أحدهما على الآخر مائة ريال, وأنكر الثاني, أنا أعلم أن المدعي صادق رجل عنده دين وأمانة وورع, وأن الآخر المنكر رجل خفيف الدين ولا يبالي أن ينكر ما يجب عليه, الآن أنا أعرف أن المدعي مصيب, أليس كذلك؟ هل لي أن أشهد؟ أنا أعرف أن الحق مع المدعي لأنه رجل ورع ودين, ولا يمكن أن يدعي ما ليس له, لكن هل لي أن أشهد بهذا الحق الذي أعتقده حقاً وأنا لا أعلم؟! لا أشهد، إذاً: لا يجوز لأي إنسان أن يشهد إلا بما علم أنه حق, حتى لو علم أن هذا حق لمقتضى حال المدعي لا يجوز أن يشهد, إلا إذا علم القضية بنفسه. على كل حال أنا أعلمتك الآن, فلا يجوز للشهود أن يشهدوا إلا بما علموا بأنفسهم مباشرة, ولا يجوز للقاضي أيضاً أن يكتب شهادتهما وهو يعلم أنهما لم يشهدا القضية. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 17 حكم إيراد السائل على العالم شبهات في العقيدة لأجل التعلم السؤال هل يجوز للسائل إذا سأل العالم أن يورد عليه بعض الشبهات في العقيدة لأجل أن يعرف جوابها والردود عليها؟ الشيخ: سؤال مهم. مثلاً إنسان قال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش, فسأله فقال: استوى على العرش أي: علا عليه عز وجل علواً يليق بجلاله وعظمته, اقتنع أن معنى: استوى على العرش يعني: علا على العرش، ما هناك أي إشكال، لكنه أراد أن يورد الشبهات على الذي أفتاه خوفاً من أن أحداً من الناس يورد عليه هذه الشبهات فلا يعرف جوابها، أفهمتم؟ هذا صحيح، هذا طيب وجيد. فمثلاً: لو قال له: استوى على العرش، فجاء إنسان وقال: لا، استوى على العرش، أي: استولى على العرش؛ لأن الاستواء على الشيء لا يكون إلا لجسم أو لكذا وأتى بشبهات؛ فهذا طيب، لأجل تقول لنا: استوى استواء يليق بجلاله، لست أقول: استوى على العرش كما يستوي الإنسان على السرير أو على الدابة, استواءً يليق بجلاله وانتهى وإذا أورد عليه شبهات أقول: هذه الشبهات مردودة عليه؛ لأن هذه الشبهات إنما تكون لو قلنا: بأن استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على السرير أو على البعير أو على الفلك, أما إذا قلنا: استواء يليق بجلاله عز وجل, فهذا لا إشكال فيه, وهذا طيب. أنا أيضاً أنصح كل طالب علم ليس عنده مادة قوية يستطيع أن يجادل بها: أن يورد ما يمكن من الشبهات على من هو أعلم منه من أجل أن يجيب عليه, ثم إني أيضاً أنصح العالم الذي عنده علم إذا أوردت عليه مثل هذه الشبهات -لأن بعض العلماء ربما إذا أورد عليه هذه الشبهات ربما يظن أن هذا السائل يريد أن يجادله, أنا أنصح أيضاً العلماء- أن تتسع صدورهم, ربما يكون هذا الذي أورد الشبهات أنها شبهات قد أوردت عليه من قبل فيريد أن يحلها، أو يخشى أن تورد عليك في المستقبل فيريد أن يعرف جوابها. فالحاصل: أن هذا سؤال مهم وجيد, وأنا أوافق على أنه ينبغي أن نورد كل ما يمكن أن يكون شبهة سواء كانت وردت عليه من قبل أو يخشى عليه أن تورد في المستقبل. وقد قال الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) وهذا هو الحق. مداخلة: لماذا لا يجيب على الكيف؟ الشيخ: قال: الكيف مجهول. الاستواء معروف: هو العلو على الشيء بصفة مخصوصة, هذه الصفة التي هي الكيفية هل هي معلومة؟ لا, إذاً لا يجوز أن نتكلم فيها أو نتحدث, ولا يجوز أن نقيسها على استوائنا نحن على البعير أو على السرير أو على الفلك, والله قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] , لو قال لك قائل مثلاً: شخص استوى على بعير, يتحدث ويقول: ثم إن فلاناً أناخ بعيره واستوى عليها, وأنت لا تعلم كيف استوى, هل يمكن أن تصف كيفية استوائه على بعيره وأنت ما رأيته؟ السائل: إذا سمعت عنه. الشيخ: أنا قلت لك: في الشارع الآن بعير باركة استوى عليها صاحبها مثلما قال الله عز وجل: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف:12-13] استوى عليها صاحبها ومشى، هل تستطيع أن تصف كيفية استوائه عليها وأنت ما رأيته؟ السائل: لا. الشيخ: لا، إذا كنا نجهل كيفية استواء المخلوق على البعير وهو من جنسنا لكنه غائب عنا فكيف لا نجهل كيفية استواء الخالق عز وجل؟!! ولذلك كيفية الاستواء مجهولة, وهذا جواب سديد. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 18 حكم شراء الشيء نقداً وبيعه مقسطاً السؤال ما حكم شراء السيارة نقداً لغرض بيعها بالتقسيط مع زيادة في السعر؟ الجواب إذا كان الإنسان الذي اشتراها نقداً لم يشترها إلا لفلان الذي جاء يطلب منه التقسيط فهذا حرام, يعني مثالاً: أتيت إليك أنا وقلت: أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني, وأنا ما معي فلوس, فقلت أنت: أنا أشتريها نقداً وأعطي المعرض, وأبيعها لك بالتقسيط بزيادة, هذا حرام؛ لأنها حيلة واضحة بدلاً من أن أقول: خذ قيمتها نقداً سلفاً وقرضاً واشتر بها ولكن توفيني أكثر ذهبت أشتريها اشتراءً غير مقصود, أنا لولا أنك أتيت إلي ما اشتريتها ولا فكرت في ذلك, فهذا لا يجوز. أما إذا لو كانت السيارة عند شخص في معرضه أو كان اشتراها مثلاً، وقلت: يا فلان! أريد أن أشتري منك السيارة, وهي تساوي (50) نقداً, فقلت: أريد أشتريها منك بـ (60) إلى سنة مؤجلاً, هذا يجوز ما فيه شيء لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] . الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين. الجزء: 101 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [102] الجزء: 102 ¦ الصفحة: 1 الحكم بردة من يصور الله سبحانه وتعالى في كاريكاتير الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نفتتح هذا اللقاء الأسبوعي بعد الإجازة, وذلك يوم الخميس السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر من عام (1416هـ) . ونظراً لأنه حان وقت الأسئلة وأنه لا يمكننا أن نتكلم على شيء من التفسير, فإننا نبدأ بالأسئلة الآن, ونسأل الله للجميع التوفيق. السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن يصور الله سبحانه وتعالى في تجسيده في (كاريكاتير) يكون في المجلة أو في الجريدة؟ الجواب رأينا أن هذا ضلال بين؛ لأن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يصور في شيء فإنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ومهما تخيل الإنسان من صورة فإنه لن يستطيع أن يصور الله عز وجل, وإذا علمنا أن هذا المصور قصد تنقص الرب عز وجل فإنه يكون كافراً مرتداً عن الإسلام, يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل, وقال بعض العلماء: إنه لا يحتاج إلى استتابة، ولكن هذا يرجع إلى نظر الحاكم الشرعي, فإن رأى أنه من المصلحة أن يستتيبه استتابة وإلا قتله فوراً. ولا شك أن من صور الرب عز وجل بصورة كاريكاتير ساخراً به لا شك أنه مرتد، وأنه يجب قتله فوراً ولا يحتاج إلى استتابة؛ لأن مثل هذا من أخبث عباد الله. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 2 العبادات مبنية على التوقف السؤال فضيلة الشيخ! جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يكبر إذا صعد مشرفاً، ويسبح إذا نزل وادياً) وهل هذا التسبيح والتكبير خاص بالسفر, أم أنه يكبر ويسبح عند الصعود -مثلاً- في البيت إلى الدور الثاني والثالث, جزاكم الله خيراً؟ الجواب كان النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إذا علا صعداً كبر, وإذا نزل وادياً سبح, وذلك أن العالي على الشيء قد يتعاظم في نفسه, فيرى أنه كبير, فكان من المناسب أن يكبر الله عز وجل فيقول: الله أكبر, وأما إذا نزل فالنزول سفول فناسب أن يسبح الله عز وجل عند السفول, هذه هي المناسبة, ولم ترد السنة بأن يفعل ذلك في الحضر, والعبادات مبنية على التوقيف, فيقتصر فيها على ما ورد, وعلى هذا فإذا صعد الإنسان الدرجة في البيت فإنه لا يكبر, وإذا نزل منها فإنه لا يسبح, وإنما يختص هذا في الأسفار. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 3 حكم تأخير الصلاة حتى يضيق وقتها السؤال امرأة اعتادت أن تصلي الفجر قبل طلوع الشمس بعشر دقائق -مثلاً- لكي تكسب نوماً أكثر, وأن الوقت ما زال قائماً, وقس على ذلك الأوقات الأخرى, ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب يحرم على الرجل وعلى المرأة أن يؤخر الصلاة حتى يضيق وقتها, لكن له رخصة بأن يؤخرها إلى أن يبقى بينه وبين خروج الوقت مقدار ما يتمكن به من الطهارة والصلاة كاملة, وأما تأخيرها حتى يضيق الوقت عنها فإن ذلك من كبائر الذنوب, لكن إذا كان لعذر فإنه يجب عليه فور زوال ذلك العذر أن يقيم الصلاة. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 4 حكم الماء إذا وقعت فيه نجاسة السؤال فضيلة الشيخ! عندنا خزان ماء بال فيه طفل، وكذلك وجدنا فيه فأراً, فما رأيك؟ الجواب الماء إذا سقطت فيه النجاسة من بول، أو عذرة، أو فأرة أو غيرها مما يكون نجساً، ولم يتغير لا طعمه ولا لونه ولا ريحه بالنجاسة، فهو طهور, لكن النجاسة ذات الجرم يجب إخراجها, مثل: لو كانت عذرة يجب أن تلف من الماء وتخرج, أو فأرة تخرج أيضاً. السائل: الخزان كبير ما يتمكن من إخراجه؟ الشيخ: لابد, ينزل فيه من يعرف أن يسبح ويخرجها؛ لأنها لو بقيت لكان الماء يتأثر فيما بعد, بعد هذا ينزف الماء حتى لا يبقى فيه إلا قليل وتخرج. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 5 حكم تخصيص اليوم السابع من العرس بوليمة السؤال فضيلة الشيخ! من العادات المنتشرة بين بعض الناس أن هناك وليمة تقام بعد وليمة العرس بسبعة أيام يطلق عليها اسم (السابع) فهل لهذا أصل في الشرع؟ الجواب الوليمة التي تقوم في العرس إنما هي الوليمة الأولى التي عند الدخول، أو ما يقارب ذلك, ويجوز أن تقام مرة أخرى ثانية, وأما الثالثة فمكروهة. وعلى هذا فنقول: يقتصر على الوليمة الأولى, أما تقييدها في الأسبوع، وأن تحدث في اليوم السابع فهذا لا شك أنه بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه, فلا يلتفت إليه، ويجب أن تُقاطع؛ لأن البدع لا يجوز تشجيعها بأي حال من الأحوال. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 6 حكم إقامة الوليمة بمناسبة سلامة الشخص من الحادث السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم إقامة الوليمة بمناسبة سلامة الشخص من الحادث؟ الجواب لا حرج على الإنسان إذا سلم من حادث أن يصنع طعاماً ويوزعه على الفقراء شكراً لله تعالى على هذه النعمة, ولهذا قال كعب بن مالك: (إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله) . وأما أن يصنع طعام ويدعى إليه الأحباب والأقارب والجيران فهذا ليس بقربة، ولكنه ليس ببدعة؛ لأنه لا يتخذ على أنه عبادة، ولكنه من باب الفرح، فلا بأس به. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 7 أهمية التعلم عند العلماء السؤال فضيلة الشيخ! عندنا بعض الشباب يحبون طلب العلم في بلاد النوبة؛ في أقصى جنوب القاهرة، فنصيحتك لهم بأي كتب يبدءون في الفقه أو العقيدة أو الحديث, وخاصة أنه لا يوجد معلم؟ الجواب الحقيقة أنه إذا لم يوجد معلم في بلد ما فإن المسألة خطيرة؛ لأن مراجعة الإنسان لوحده وهو لم يسبق له طلب علم قد يفهم الكتاب خطأً, فيعتمد على فهمه, فَيَضلّ ويُضِل, فلابد من التعلم على عالم, سواء تعلم مع العالم مباشرة، أو بواسطة كتبه الواضحة البينة، أو أشرطته, أما أن يمسك العامي الكتاب ثم يذهب ليخبر به: الحكم كذا والحكم كذا فهذا خطأ, ولكن لعل أحداً منهم يقدم إلى البلاد العربية والإسلامية يتعلم في الجامعات ثم يرجع إلى قومه فينذرهم, كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:122] وكذلك الجن صرف الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم نفراً منهم يستمعون القرآن, قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] فحسن لهؤلاء أن ينبعث منهم أحد تقوم به الكفاية ليتعلم على العلماء في البلاد الإسلامية, ثم يرجع إلى قومه فينذرهم. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 8 تحريم الحيل في البيع والشراء السؤال بعض المحلات التجارية تعلن عمولة أو نسبة أو هدية -مثلاً- لمن يشتري منهم كمية من البضاعة, فبعض العمال وهو يعمل دهاناً, فيقول: هو عندما يتفق مع صاحب العمارة ويذهب إلى هذا المكان المتجر يعطى هذه العمولة, فيسأل: هل له أن يأخذ هذه العمولة، أم يتفق مع صاحب العمارة ويكون بينهما؟ الجواب حرام على العامل إذا كان صاحب التجارة ينزل من التجارة إذا أخذ منه كمية كبيرة, أن يأخذ هذه النسبة لنفسه, ويقيد على صاحب العمارة بالسعر الأول, يعني: هذا ظلم، نعم لو أنه استأذن من صاحب العمارة وقال: إنهم يبيعونه بـ (10) ، وأنه مع الكمية الكبيرة ينزلون إلى (9) ، وأرجو أن يكون الريال الزائد لي, فإذا سمح فلا بأس, وإلا فإن التنزيل يكون لصاحب العمارة. السائل: أحياناً تكون في شكل آلة يعمل بها مثل: فرشاة؟ الشيخ: المهم -على كل حال- كل شيء زائد لا يحل. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 9 مدى صحة القاعدة التي تقول: كل عبادة مؤقتة بوقت فيسن أداؤها في أول وقتها السؤال سمعت بعض طلبة العلم يقول: كل عبادة مؤقتة بوقت فيسن أداؤها في أول وقتها, فهل هذه القاعدة صحيحة؟ الجواب هذه ليست على إطلاقها, إنما فعلها في أول الوقت أفضل إن لم يورد الشرع بسنية التأخير، فمثلاً صلاة العشاء الأفضل أن تؤخر إلا إذا شق على الناس, فالأصل أن الإنسان كلما بادر في العبادة فهو أفضل؛ لعموم قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ^، وقال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] ، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] ^ إلا ما ورد الشرع بتأخيره فإنه يؤخر. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 10 الرد على من يحتج بقوله تعالى: (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) على عدم العذر بالجهل السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يحتج بقول الله سبحانه وتعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ} [هود:91] في عدم العذر بالجهل, فهل لهم حجة في هذه الآية؟ الجواب يجب أن تعلم أن القاعدة الشرعية الإيمانية أن الإنسان يحمل المتشابه من النصوص على المحكم منها, والنصوص المحكمة كلها تدل على أن الإنسان معذور بالجهل, {وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] ، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة:115] والآيات في هذا كثيرة, ولو نعذر بالجهل ما احتجنا إلى الرسل. وهذه الآية التي قلت: (مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) لم يقولوا: ما نفقه ما تقول, قالوا: (كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) , ثم هم قد يكونوا صادقين في قولهم: (ما نفقه) وقد يكونون كاذبين، لكنهم معاندين, فالآية الآن: ليس فيها دليل على أنهم لا يفقهون كل ما يقول, بل لا يفقهون كثيراً مما يقول. والثاني: أنهم يكونون معاندين وليسوا صادقين في قولهم: (ما نفقه) ، وعلى هذا فلا يجوز أن يعارض الآيات الصريحة بمثل هذه الآية المحتملة. السائل: لقد جاءت الرسل ولا يوجد رسول آخر بعد ذلك، فنحن مكلفون فقط -أي: نسمعهم الآية- فإذا سمعوا الآية قامت الحجة عليهم الجواب: أرأيت لو قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره عند رجل لا يعرف العربية أيفهم؟ لا. ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] . الجزء: 102 ¦ الصفحة: 11 من نام عن صلاة الفجر فليصلها إذا استيقظ السؤال رجل غلبه النوم عن صلاة الفجر, وما سبقها من النوافل كصلاة الليل وسنة الفجر, ثم استيقظ قبل طلوع الشمس بقليل, بحيث أنه لو صلّى قد توافق صلاته طلوع الشمس, فكيف يصلي؟ الجواب يصلي راتبة الفجر ثم الفجر, أما النوافل الأخرى فيصليها في النهار بعد ذلك. السائل: لكن يصليها بعد طلوع الشمس؟ الشيخ: إي نعم، بعد طلوع الشمس. السائل: ينتظر قليلاً حتى طلوع الشمس؟ الشيخ: لا. لا ينتظر، يبادر. السائل: إلى الآن ما طلعت الشمس. الشيخ: يبادر لو كان طلوع الشمس بقي عليه دقيقتان لابد عليه أن يبادر إذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 12 حكم السلام عند دخول المسجد والناس يصلون السؤال صلينا في بعض المساجد صلاة الجماعة, وكلما دخل شخص يصلي يقول: السلام عليكم، المصلون كلهم يشيرون عليه، ثلاث مرات وأربع هكذا؟ الجواب الأفضل ألا يفعلوا, لكن من دخل قاصداً شخصاً معيناً ووجده يصلي سلم عليه إن شاء, وإن شاء لا يسلم, وأما كون كل من دخل فهذا ليس معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم أن كل من دخل سلّم، وهو غلط من الإنسان؛ لأنه يشوش على الناس, فربما يتعجل أحد ويقول: وعليكم السلام, فلذلك ينهى أن يكون الإنسان كلما دخل المسجد سلّم, أما لو كان قاصداً شخصاً معيناً في المسجد وجاء وسلم عليه وهو يصلي فلا بأس أن يشير بيده بالإجابة. السائل: بعض المصلين يشيرون هكذا أليس تلاعباً؟ الجواب: لا. هو أصلاً غير وارد, فالمُسلّم لا يستحق رداً إطلاقاً لا بالإشارة إلى فوق ولا إلى أسفل ولا إلى اليمين، ولا إلى اليسار، لا يستحق الإجابة. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 13 الحكم فيمن رضعت زوجته من زوجة أخيه من الرضاعة السؤال فضيلة الشيخ! لقد تزوجت زوجة وبعد الدخول عليها بأربعة شهور, أتاني خبر أنها رضعت من زوجة أخي من الرضاع عشرة أيام, مع العلم أن والدها ووالدتها وزوج امرأة المرضع كذبوها في ذلك, فهل تحرم عليّ؟ وهل يجوز لي إذا كانت تحرم علي بالمطالبة في حقي الذي دفعته عليها؟ الجواب إذا كانت المرأة التي أخبرت بأنها أرضعت ثقة مأمونة فإنه يؤخذ بقولها حتى وإن أنكر زوجها أو أبو الزوج أو أمه؛ لأن المثبت مقدم على النافي، وبناءً على ذلك: يتبين أن النكاح غير صحيح, فيفارق أحدهما الآخر. أما المهر فإن كان قد جامعها فهو لها كاملاً بما استحل من فرجها, ولا يستحق منه شيئاً, وأما الأولاد الذين أتوا من هذه المرأة فهم أولاد شرعيون؛ لأنهم خلقوا من وطء شبهة, فيكون نسبهم فيه ثابت, فهذه ثلاثة أشياء: أولاً: نقدم قول المرضعة إذا كانت ثقة, ولا نعتبر بالمخالف. ثانياً: لها المهر كاملاً إذا كان قد جامعها بما استحل من فرجها. ثالثاً: بالنسبة للأولاد فهم أولاد شرعيون لأبيهم؛ لأنهم خلقوا من وطء شبهة. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 14 حكم الكتابة على الألواح ثم مسحها وشربها كدواء السؤال بعض الناس إذا مرض يكتب على الألواح ويمسح ويشرب كدواء، فهل على ذلك أثر أو شيء؟ الجواب لا بأس في ذلك, يعني: لا حرج على الإنسان أن يكتب كتابة من القرآن ثم يغسلها بالماء ويشرب الماء؛ لأن هذا ورد عن بعض السلف، ولعله داخل في قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92] فهو من بركته, وداخل في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فأطلق الشفاء ولم يقيده بالشفاء المعنوي، كما أن القرآن شفاء معنوي لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] . الجزء: 102 ¦ الصفحة: 15 حكم التأمين على الممتلكات وخصوصاً السيارات السؤال ما رأي فضيلتكم في التأمين على الممتلكات وخصوصاً السيارات, بحيث يدفع أجراً سنوياً لهذه الشركة مقدر بقوانين معروفة, وتتكفل الشركة بتعويض المستفيد لما يحصل لهذه السيارة من حوادث في هذه المدة المحددة, مع ملاحظة: أن الشركة لا تعيد شيئاً من المبلغ إذا لم يحدث للسيارة حادث؟ الجواب هذا حرام, التأمين على الوجه الذي ذكرت: أن المؤمِّن يدفع دراهم سنوية أو شهرية إلى الشركة، ثم إن حصل حادث فالشركة تقوم به, سواء كان أكثر مما دفع المؤمّن أو أقل, وإن لم يحصل حادث فإن الشركة لا ترد ما أخذته, هذا من الميسر المحرم المقرون تحريمه بتحريم الخمر والأصنام, فلا يحل للإنسان أن يتعامل بهذا التعامل. السائل: يقولون فيها فتاوى؟ الجواب: فتاوى من عند من؟! السائل: ما أدري. الشيخ: حتى من أفتى بها فهو ضال. السائل: يقولون: عندنا فتاوى. الشيخ: أقول: هذا خطأ ما هو صحيح, ولا أحد يفتي بذلك؛ لأن كل عقد تضمن المخاطرة: وهو أن يكون أحد العقدين غانماً أو غارماً، فهو من الميسر قال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] . الجزء: 102 ¦ الصفحة: 16 حكم الزكاة عن العملات القديمة التي بطل التعامل بها إن جمعت على سبيل الهواية السؤال فضيلة الشيخ! لي قريب كان لديه هواية في جمع العملات الأجنبية قديماً, وانقطع عنها, فهل يزكي عنها أم لا؟ وإذا كانت هذه العملات قد مضى عليها الزمن ولا يتعامل بها, فما الحكم؟ الشيخ: من المعلوم أن هذا الرجل إنما اشتراها للتجارة؟ السائل: ليست للتجارة إنما هواية يجمع فقط. الشيخ: هل تساوي شيئاً؟ السائل: نعم تساوي شيئاً؛ إلا أنها قديمة. الشيخ: وحديثاً؟ السائل: انتهت مدتها لا تستخدم أكثرها لا يستخدم. الشيخ: أولاً نقول: هذه إذا كان اتخذها على سبيل التجارة أي: يتكسب فيها, يشتري هذه العملة بـ (10) ثم يبيعها بعد ذلك بـ (20) هذه عروض تجارة, تقدر قيمتها عند تمام الحول ويخرج ربع العشر. وأما إذا كان مجرد هواية واقتناء فإن بقيت ماليتها أي: مالية هذه النقود, فهي على قيمتها تزكى قيمتها, وإن أبطلت وانتهى التعامل بها فلا شيء فيها. السائل: بعضها يعلم أنها انتهت قيمتها, وبعض الدول لا يعلم، هل يتعاملون بها أم لا؟ الشيخ: يبحث ليست مشكلة, الإنسان الحريص يبحث هل انتهت مدتها أو لا, إن قالوا: انتهت مدتها قبل سنة، فهذه السنة التي مضت ما عليه شيء, وإن قالوا: نصف سنة أيضاً ما عليه شيء؛ لأنه لم يتم الحول. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 17 الدعاء بعد الأذان للمؤذن والمستمع السؤال هل المؤذن إذا انتهى من الأذان يقول الدعاء المأثور بعد الأذان؟ الجواب الظاهر أنه يقول؛ لأن هذا الدعاء لا يوجد مثله في الأذان, ولكنه لا يجيب نفسه, كما ادعى ذلك بعض العلماء, بعض العلماء يقول: إن المؤذن يجيب نفسه, فإذا قال: الله أكبر بصوت مرتفع, قال في نفسه: الله أكبر, فيكون التكبير ثمان، مرة في الأصل ومرة في التبعية, وكذلك التشهد إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله يقول بلسانه أشهد أن لا إله الله، وعلى هذا يكون الأذان كله مكرر, مرة بالأصالة، ومرة بالتبعية, ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا) فجعل السامع شيئاً، والمؤذن شيئاً آخر. أما الذكر فلما كان المؤذن لا يقوله في حال الأذان فليقله بعد الأذان كما يقوله الآخرون. فالصواب: أن الدعاء بعد الأذان, يشمل المؤذن والسامع. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 18 العبرة في فعل الصلاة لا بوقتها والجمع في الصلاة يشرع عند الحاجة إليه السؤال شاب خرج من بلدته مسافراً وحان وقت الصلاة فهل يقصر تلك الصلاة أم لا؟ ثم أقام في البر لمدة ثلاثة أيام، أو خمسة أيام، فهل يقصر الصلاة ويجمعها، هل يسن له ذلك؟ الجواب أما المسألة الأولى فإنه يصلي ركعتين؛ لأن العبرة في فعل الصلاة لا بوقتها, ولهذا لو قدم الإنسان إلى بلده بعد دخول الوقت صلّى أربعاً, ولا يقول: إنه دخل علي الوقت وأنا مسافر فأصلي ركعتين, لا، العبرة بفعل الصلاة, كما أنه لو أذن وهو في بلده ثم سافر بعد الأذان؛ فإنه يصلي ركعتين اعتباراً بفعل الصلاة. وأما وقت إقامته يومين أو ثلاثة فالقصر سنة, يعني: يسن أن يقصر الرباعية إلى ركعتين, وأما الجمع فالأفضل ألا يجمع؛ لأنه ليس بحاجة إلى الجمع, والجمع إنما يشرع عند الحاجة إليه, أما إذا لم يحتج إليه فإن الأفضل ألا يجمع. السائل: يا شيخ! إذا كان هناك -مثلاً- بعض الزملاء يريدون الجمع والبعض لا، فسوف يكون هناك مخالفة بينهم؟ الجواب: لكن هل هناك شيء من المشقة؟ فيقال لهؤلاء الذين اختاروا الجمع: الأفضل ألا يجمعوا, فإن أصروا فليجمعوا ولا بأس. السائل: يجمع معهم؟ الشيخ: يجمع الجميع؛ لئلا يتفرقوا ولئلا تنقص الجماعة. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 19 أفضلية طلب العلم على النوافل السؤال أيهما أفضل: قراءة القرآن وصلاة الضحى، أم حضور مجلس العلم؟ الجواب لا. مجلس العلم أفضل, أفضل من صلاة الضحى ومن قراءة القرآن, أما قراءة القرآن فلأنه يمكن له أن يستدركها في وقت آخر من ساعة الليل أو النهار, وأما صلاة الضحى فإن طلب العلم أفضل من جميع النوافل, أي: أفضل من صلاة الضحى ومن التهجد ومن جميع النوافل, ولهذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يسهر في الليل يتحفظ الأحاديث ولا يتهجد, فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوتر قبل أن تنام) ولم يقل اترك العلم وتهجد, وهذه قاعدة ينبغي لنا أن نفهمها, وعلى هذا فطالب العلم في مناقشته ومراجعته ومذاكرته وتحفظه أفضل من القائم الصائم حتى لو قال مثلاً: أنا أحب أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر, لكن إذا صمت تعوقني عن طلب العلم بالتعب والكسل, قلنا: لا تصم؛ ما دام أنه يؤثر عليك في طلب العلم, فطلب العلم أفضل. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة الجمعة في البلد الذي تعددت فيه المساجد لغير حاجة السؤال إذا تعددت الجمعة في بلد واحد من غير حاجة, فأين نصلي؟ الجواب إذا تعددت الجمع في بلد واحد من غير حاجة فالواجب على المسئولين أن يمنعوا الثانية؛ يعني: التي حدثت الأخيرة؛ لأنها طرأت على الأولى، والأولى قد ثبتت وصحت, وإذا لم يمكن -كما يوجد في البلاد الأخرى- يعني: إذا لم يمكن منع الجمع, فليصل الإنسان في الجمعة التي تقام أولاً, فإن لم يتيسر له لبعدها فلا بأس أن يصلي الجمعة في المسجد الآخر. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 21 التحذير من إفتاء الجنود بغير علم السؤال فضيلة الشيخ! أحد الشباب يقول: إنه في سلك عسكري ويسكن معنا عشرون من الشباب, والمسجد يبعد عنا -تقريباً- مسافة كيلو أو أكثر بقليل, فلا يصلي إلا القليل في هذا المسجد, والبقية يصلون في غرفهم, فنصحناهم ووجهناهم فاحتجوا ببعد المسافة, فاقترح هذا الشخص أن يتخذ مصلى في هذا السكن الذي يبعد عن المسجد هذا البعد, فما رأيكم؟ الجواب رأينا أنه يرجع إلى الجهة المسئولة عن هذه الفرقة ويقرر ما يرى أنه أفضل, أو يوجه سؤالاً إلى دار الإفتاء في الموضوع, أو إليّ, المهم أن يقع السؤال من الرئيس على هذه الفرقة؛ لأن في مثل هذه المسألة أنا أقولها عن نفسي وأنصح إخواني بها: إذا كان هناك فرقة في عمل من الأعمال، وجاء السؤال من أحد هؤلاء الذين يعملون تحت رئاسته, فلا تجبه؛ لأنك سوف تحدث فتنة, فإن هذا العامل إذا أفتيته على ما يرى أنه حق قام يجادل الجهة المسئولة ويحصل فرقة واختلاف, لكن إذا جاء السؤال ممن له الأمر والنهي في هذه الفرقة، والذي يستطيع أن يحكم فيه فيما يتبين له من الشرع فحينئذٍ وجب عليك الجواب, وهذه مسألة انتبهوا لها؛ لأنا جربنا، يأتي جندي -مثلاً- من الجنود يقول: ما تقول في كذا وكذا؟ أنت تفتيه عن سلامة القلب بأن هذا حرام, ماذا يعمل؟ يذهب لأجل أن يضاد مسئوله في هذا, يقول: أنت تقول افعلوا كذا. وهذه فتوى فلان، فيحصل في هذا فتنة أشد وأعظم, ولا يكاد أحد من المسئولين يسلم من كراهة من تحت يده أو بعضهم إلا أن يشاء الله, فتجده إذا كره مسئوله ذهب يبحث لعل عليه أخطاء في أمور شرعية حتى يسأل عنها ثم يأتي بالجواب من العالم المعتبر عند الجميع, فينابذه في ذلك, فالمهم أنني أنصحكم خاصة طلبة العلم أن ينتبهوا لمثل هذه الأمور. السائل: هذا الشخص سيرجع إلى الشئون الدينية ويستشيرهم, لكن يريد مسألة شرعية؟ الجواب: يرجع لهم ويستشيرهم, ويبلغهم عن الموضوع. نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 102 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [103] لقد منَّ الله على قريش -أهل مكة- بأن جعل لهم الإيلاف -وهو: الضم والجمع ويراد به التجارة- مرتين: مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ففي الأولى يتجهون إلى الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه تكون في الصيف، أما في الشتاء فيتجهون إلى اليمن للمحصولات الزراعية فيه، ولقد أمرهم الله تعالى أن يعبدوه؛ لأنه هو الذي أطعمهم بعد أن كانوا جياعاً، وأمنهم بعد أن كانوا خائفين. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة قريش الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا اللقاء لقاء الباب المفتوح هو اللقاء الثالث بعد المائة, نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به, ويقع هذا اللقاء يوم الخميس الحادي عشر من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ) . نتكلم فيه عن قول الله تبارك وتعالى {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:1-4] هذه السورة لها صلة بالسورة التي قبلها, إذ أن السورة التي قبلها فيها بيان منة الله عز وجل على أهل مكة بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة. فبين الله في هذه السورة نعمة أخرى كبيرة على أهل مكة -على قريش- وهو إيلافهم مرتين في السنة: مرة في الصيف ومرة في الشتاء, والإيلاف بمعنى: الجمع والضم ويراد به التجارة التي كانوا يقومون بها مرة في الشتاء ومرة في الصيف, أما في الشتاء فيتجهون نحو اليمن؛ للمحصولات الزراعية فيه؛ ولأن الجو مناسب, وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام؛ لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها تكون في الصيف مع مناسبة الجو البارد, فهي نعمة من الله سبحانه وتعالى على قريش في هاتين الرحلتين. لما ذكرهم بهذه النعمة وهي نعمة عظيمة؛ لأنهم يجدون منها فوائد كثيرة ومكاسب كبيرة في هذه التجارة, أمرهم الله عز وجل أن يعبدوا رب هذا البيت عز وجل, قال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} شكراً له على هذه النعمة, والفاء هذه إما أن تكون فاء سببية, أي: فبسبب هاتين الرحلتين ليعبدوا رب هذا البيت, وأياً كانت فهي مبنية على ما سبق, أي: فبهذه النعم العظيمة يجب عليهم أن يعبدوا الله, والعبادة هي: التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً, أن يتعبد الإنسان لله, ويتذلل له بالسمع والطاعة, إذا بلغه عن الله ورسوله أمر قال: سمعنا وأطعنا, وإذا بلغه خبر قال: سمعنا وآمنا, على وجه المحبة والتعظيم, فبالمحبة يقوم الإنسان بفعل الأوامر, وبالتعظيم يترك النواهي خوفاً من هذا العظيم عز وجل, هذا معنى من معاني العبادة. وتطلق العبادة على نفس المتعبد به, وقد حدها شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى فقال: إن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. ولهذا لو سألك سائل: الصلاة عبادة أم عادة؟ قلت: عبادة, ولو سألك سائل: أنت الآن تصلي فما معنى صلاتك هذه؟ لقلت: معناها العبادة لله عز وجل، أتعبد لله عز وجل, أتذلل له بالسمع والطاعة وبما أمرني به. وقوله: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} يعني به الكعبة المعظمة, وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه بقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] وهنا أضاف ربوبيته إليه قال: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} وهل هو رب لغيره؟ الجواب نعم. لكن إضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم. {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] أليس كل شيء لله؟ {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المائدة:120] كل شيء لله، كل شيء يملكه الله، لماذا أضاف الله البيت إليه؟ تشريفاً وتعظيماً, إذاً خصصه بالربوبية أي: خصص البيت بالربوبية مرة, وأضافه إلى نفسه مرة أخرى تشريفاً وتعظيماً في آية ثانية: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] احترازاً من أن يتوهم واهم بأنه رب البلدة وحدها, فقال: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] ولكل مقام صيغة مناسبة, فبقوله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل:91] المناسبة: بيان عموم منكر لئلا يدعي المشركون أنه رب للبلدة فقط, أما هنا فالمقام مقام تعظيم للبيت, فناسب ذكره وحده. {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (الذي) هذه صفة للرب أو للبيت؟ للرب, إذاً محله النصب, ولهذا يحسن أن تقف فتقول: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} ثم تقول: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ} لأنك لو واصلت فقلت: {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} * {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ} لظن السامع أن (الذي) صفة للبيت، وهذا بعيد من المعنى ولا يستقيم بالمعنى. {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} بين الله تعالى نعمته عليهم, النعمة الظاهرة والباطنة, فإطعامهم من الجوع وقاية من الهلاك في أمر باطن وهو الطعام الذي يأكلونه, {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وقاية من الخوف في الأمر الظاهر؛ لأن الخوف ظاهر, إذا كانت البلاد محوطة بالعدو خاف أهلها, وامتنعوا عن الخروج, وبقوا في ملاجئهم, فذكرهم الله بهذه النعمة, {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وآمن مكان في الأرض هو مكة , ولذلك لا يقطع شجرها، ولا يحش حشيشها, ولا تلتقط ساقطتها, ولا يصاد صيدها, ولا يسفك فيها دم, وهذه الخصائص لا توجد في البلاد الأخرى, حتى المدينة محرمة ولها حرم لكن حرمها دون حرم مكة بكثير، حرم مكة لا يمكن يأتيه أحد من المسلمين لم يأته أول مرة إلا محرماً يجب عليه أن يحرم, والمدينة ليست كذلك, حرم مكة يحرم حشيشه وشجره مطلقاً, وأما حرم المدينة فرخص في بعض شجره للحرث ونحوه، صيد مكة حرام وفيه الجزاء, وصيد المدينة ليس فيه جزاء, المهم أن أعظم مكان آمن هو مكة , حتى الأشجار آمنة فيه, وحتى الصيود آمنة فيه, ولولا أن الله تعالى يسر على عباده لكان حتى البهائم -قصدي حتى بهيمة الأنعام- التي ليست صيوداً لكن الله تعالى رحم العباد وأذن لهم فيه بأن يذبحوا ويأكلوا في هذا المكان, وهذه النعمة ذكرهم الله بها في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:67] يعني: أفلا يشكرون الله على هذا؟! فهذه السورة -كما ترى- كلها تذكير لقريش بما أنعم الله عليهم في هذا البيت العظيم, وفي الأمن من الخوف, وفي الإطعام من الجوع, فإذا بلغ أي: ما واجب قريش نحو هذه النعمة؟ وكذلك ما واجب من حل في مكة الآن من قريش أو غيرهم؟ إن الواجب الشكر لله تعالى, بالقيام بطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه, ولهذا إذا كثرت المعاصي في الحرم فالخطر على أهله أكثر من الخطر الذي على غيره؛ لأن المعصية في مكان فاضل أعظم من المعصية في مكان مفضول، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] فتوعد الله تعالى من أراد فيه أي: من همّ فيه بإلحاد فضلاً عمن ألحد. والواجب على المرء أن يذكر نعمة الله عليه في كل مكان, لا في مكة فحسب؛ بلادنا -ولله الحمد- اليوم من آمن بلاد العالم, وهي من أشد بلاد العالم رغداً وعيشاً, أطعمها الله تعالى من الجوع وآمنها من الخوف فعلينا أن نشكر هذه النعمة, وأن نتعاون على البر والتقوى, وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى الدعوة إلى الله على بصيرة وتأن وتثبت, وأن نكون أخوة متآلفين, والواجب علينا ولا سيما على طلبة العلم إذا اختلفوا بينهم أن يجلسوا للتشاور وللمناقشة الهادئة التي يقصد منها الوصول إلى الحق, ومتى تبين الحق من إنسان وجب عليه اتباعه, ولا يجوز أن ينفصل لرأيه؛ لأنه ليس مشرعاً معصوماً حتى يقول: إن رأيي هو الصواب، وأن ما عداه فهو الخطأ, الواجب على الإنسان المؤمن أن يكون كما أراد الله منه, {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] أما كون الإنسان ينفصل لرأيه, ويصر على ما هو عليه ولو تبين له أنه باطل، فهذا خطأ, هذا من دأب المشركين الذين أبوا أن يتبعوا الرسل وقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] . نسأل الله أن يديم علينا وعليكم نعمة الإسلام, والأمن في الأوطان, وأن يجعلنا إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 2 الأسئلة الجزء: 103 ¦ الصفحة: 3 حكم السكوت على المنكر مجاملة السؤال هل السكوت على المنكر مجاملة إثم؟ الجواب السكوت على المنكر مجاملة حرام, ومن جلس مع من يفعل المنكر فإنه مثله؛ لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140] . أما من سكت عن المنكر متعاطفاً بمعنى: أنه يتحين الفرصة المناسبة لإنكاره فلا بأس؛ لأن هذا من باب المعالجة كصبر المريض على مر الدواء، فلو رأيت شخصاً -مثلاً- له قيمته في المجتمع وذو جاه وشرف رأيته على منكر, فإنه لا شك أنه ليس من المستحسن أن تقوم أمام الناس وتقول: يا فلان! أنت على منكر، أنت أسبلت ثوبك، أنت حلقت لحيتك، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه يرى أنه في مقام أعلى منك فلا يزيده إلا نفوراً, وربما إن كان قادراً على إيذائك آذاك, لكن يجب عليك أن تحفظ هذه الزلة منه وتحتفظ بها، فإذا خلوت به في مكان فذكره بها, إذا لم يتيسر لك أن تخلو به في أي مكان اكتب له, إذا لم يتيسر فأنت تعرف أنه لا بد لكل إنسان من صاحب وصديق, اتصل بأصحابه وأصدقائه الذين يوصلونه ما تقول وبلغه. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 4 حكم قول القائل في الوطن: كل الوجود سواك هالك السؤال فضيلة الشيخ! هناك أغنية أذيعت يقول صاحبها: كل الوجود وما احتواه إلى الردى إلا هواك يبقى مرفوع اللواء أو نحوها، فما أدري ينبغي الاعتقاد بهذه أو ترديده من غير اعتقاد هل هو حرام؟ الجواب لا يجوز تردديها ولا إقرارها, بل يجب على من قالها أن يتوب إلى الله عز وجل منها, فإن تاب وإلا فإن ظاهر كلامه ردة -والعياذ بالله-؛ لأن ذكر: كل الوجود سواك هالك، معناه: ضد قول الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فيكون هذا ردة إن بقي صاحبه عليه مع تذكيره وتبيين الحق له, أما ترديدها فهو حرام, ولا يجوز أن تلقى بين يدي الناس يرددونها. ثم إن الانتصار للوطن ليس محموداً على كل حال ولا مذموماً على كل حال, إنما هو حسب طاعة الله ورسوله, فإذا كان الإنسان منتصراً لوطنه؛ لأنه وطن إسلامي فيدافع عنه من أجل أنه إسلامي فهذا محمود, أما من أجل أنه وطن فقط فهذه عصبية جاهلية. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 5 الأمور التي تعين على ترك المعصية السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الأمور التي تعين الإنسان على ترك المعصية؟ الجواب أهم شيء يعين الإنسان على ترك المعصية خوف الله عز وجل, وأن يردد في فكره قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] وأن يؤمن ويوقن بأن أي عمل يعمله فإنه سيلاقي ربه بذلك. ثانياً: أن يفكر في العاقبة، ما هي العاقبة من المعصية؟ عواقب المعاصي سيئة؛ لأنها تهون على العبد معصية الله عز وجل, فلا يزال مع الشيطان حتى يوصله إلى الشرك, ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر. أي: أن الإنسان يرتحل منها مرحلة مرحلة حتى يصل إلى غايته -والعياذ بالله- ويدل لهذا القول قول الله تبارك وتعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:13-14] فالذنوب لما رانت على القلب -والعياذ بالله- أرته آيات الله القرآن العظيم أنه أساطير الأولين يعني: سواليف, فإذا تأمل الإنسان في عواقب المعصية فإن هذه من أسباب تركها. ثالثاً: أن يعلم أن المعصية لا تزيده من الله إلا بعداً, وإذا ابتعد عن الله ابتعد الناس عنه, لأن الإنسان إذا ابتعد عن الله -والعياذ بالله- صار في قلبه وحشة, وصار كأن صفحة أمامه يقرؤها الناس بمعايبه ومعاصيه، وتجده قد كتب عليه الذل، فيتأمل مثل هذه الأشياء وهذا مما يقويه على ترك المعصية. رابعاً: ومن أسباب ذلك أيضاً: إذا كانت المعصية بسبب معاشرة بعض أهل السوء فليبتعد عنهم ويجتنبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثّل جليس السوء بنافخ الكير, قال: (إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه رائحة خبيثة) . الجزء: 103 ¦ الصفحة: 6 حكم توزيع المال على الورثة في الحياة السؤال هل يجوز للإنسان أن يوزع ماله على الورثة في حياته؟ الجواب نقول: هذا سفه في العقل؛ لأنه إذا وزعه في حياته، فهل يعرف أن هؤلاء الذين وزع عليهم هم الذين يبقون بعده, أليس من الجائز أن يموتوا قبله، فكيف يوزع عليهم؟! ثانياً: إذا وزعه عليهم وكانوا ممن لا يمكن أن يرجع بهبته لهم كالإخوة مثلاً, ثم احتاجه، وحاجته واردة أو غير واردة؟ يعني: هل يمكن يحتاجون من إرثهم؟ السائل: يمكن يحتاجون. الشيخ: بعدما وزع الآن ما بقي عنده ولا شيء، يمكن يحتاج أم لا؟ السائل: يمكن يحتاج. الشيخ: وإذا احتاج والدراهم عند غيره فيبقى فقيراً فلهذا نقول: هذا من السفه, انتظر الموت والله يحسن الختام, إنما جاء لك اليوم يأتيك غداً. السائل: يقول: أنا كبرت فأوزعه؟ الشيخ: خطأ. الله عز وجل قال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] فجعل الشيء بعد تركه، ولا يتركه الإنسان إلا إذا فارق الدنيا بالموت حينئذ يقسم. وكما قلت لكم: أولاً: لا يدري هل هؤلاء يموتون قبله أو يموت قبلهم. وثانياً: لا يدري ربما احتاج في المستقبل، هذا الكبير السن لو أصيب بمرض يحتاج إلى آلاف الدراهم من أين له؟ فأنصحك لا توزع لهم، انتظر لا تدري ماذا يكون بعدها. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 7 رأي الشيخ في كتاب القطبية السؤال ما رأيك في كتاب القطبية الذي انتشر بين أوساط الشباب في بعض المناطق, وهل توصي بقراءته؟ الجواب أنا سمعت عنه لكني ما قرأته, ولا أدري عنه، لكن الحق أبلج والباطل لجلج, الإنسان يعرف إذا قرأ عرف الحق من الباطل, فإذا كان هذا الكتاب فيه أحكام مبنية على الكتاب والسنة وعلى التثبت وعلى الحقائق، فلا يمكن لأحد أن يقول فيه شيئاً, وإن كان على سوى ذلك فالباطل باطل, أما أنا فما قرأته. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 8 حكم التدريس في المدارس التي فيها اختلاط السؤال حكم العمل في التدريس في المدارس التي فيها اختلاط الطلبة بالطالبات, واختلاط المدرسين والمدرسات؟ الجواب لا شك أن خلط البنين بالبنات في المدارس أمر منكر, وأنه لا يجوز, ولكن هذا ليس إلى الشعوب هذا إلى الحكومات, والمسئول عنه الرئيس الأول في كل دولة, وهذا الذي سيحاسبه الله عز وجل يوم القيامة, فإذا لم يكن هناك طريق إلى إيصال العلم إلى الناس إلا بهذه الطريق فليدرس فيها وليغض البصر ما استطاع بالنسبة لرؤية النساء, وليحرص هو بنفسه على أن يفرقها؛ لأن المعلم الأجنبي كالمدير تماماً, يعني: هو في فصله يعمل ما شاء, فتنكره إذا دخلت، أن يخفف من شأن هذا الاختلاط وتقول للنساء: كن في الخلف جميعاً والرجال كلهم في الأمام جميعاً, وليكن حازماً في هذا, وهذا لا شك أن فيه تخفيفاً من الشر والبلاء. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 9 حكم من يتلفظ ببعض الشركيات ناسيا ً السؤال جرى على لسان بعض العامة أو بعض الناس أنهم يقولون بعض الشركيات ويتخلصوا منها بحكمها, أي: علموا الحكم ولكنهم يرددونها, فعندما تقول له: هذا كذا، يقول: والله نسيت، مثلاً: يقول كلمة شرك عند القسم يقول: عليك النبي، وحياة النبي, هذه الكلمات، فعندما توضح له يقول لك: والله نسيت يا أخي، لكني لا أقر بهذا؟ الجواب أنت تعرف أن الله عز وجل قال في كتابه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فإذا كان الإنسان قد اعتاد الحلف بغير الله, كما يوجد في كثير من الشعوب الإسلامية -مع الأسف- يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم, فإذا كان قد اعتاد هذا من الصغر، والشعب حوله كلهم يحلفون بالنبي, فإنه ليس من السهل أن يدعها في يوم أو يومين أو في شهر أو شهرين, فإذا قال: إنه نسي فإن الله قد عذر إذا كان ناسياً, ولا يستبعد أن يكون ناسياً؛ لأنه قد اعتاد عليه, فنقول: احرص على أن تتذكر أن هذا حرام, وألا تفعله. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 10 حل الإشكال في قول ابن تيمية: دبر الصلاة آخرها السؤال ذكر الشيخ ابن تيمية أن المراد بدبر الصلاة آخرها, أي: قبل السلام, ألا يشكل على هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سبح لله دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين, وكبر الله ثلاثة وثلاثين. ) ؟ الجواب لا يشكل, شيخ الإسلام يقول: دبر الصلاة آخرها إذا كان ذلك في دعاء, وأما إذا كان في تسبيح فهو بعدها, وله دليل على ذلك, أما الأول وهو أنه إذا كان دعاءً فإنه يكون قبل السلام فدليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم عبد الله بن مسعود للتشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فدل هذا على أن الدعاء قبل السلام. وأما إذا كان ذكراً فدليله: أن المراد به بعد السلام قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الدعاء قبل السلام, والقرآن الكريم جعل الذكر بعد السلام, وهذا واضح. أما من حيث النظر فإنا نقول لهذا الذي يدعو بعد أن يسلم: أيهما أولى: أن تدعو الله عز وجل وأنت في حال دعاء يقضي من الإجابة؛ لأنك تناجي الله عز وجل, أو تدعو الله بعد الانفصال؟ الأول أولى, فصار كلام شيخ الإسلام رحمه الله راجحاً من وجهين: من جهة النص ومن جهة المعنى, وعلى هذا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل: (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) يراد به ما قبل السلام. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 11 حكم إجابة المؤذن السؤال بعض العلماء يقول في إجابة المؤذن أنها واجبة, ويستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) فقال: هذا أمر والأمر يدل على الوجوب, فما هو الصارف لهذا الأمر للاستحباب؟ الجواب أولاً بارك الله فيك, هذا مبني على هل الأصل في الأمر الوجوب, أو الأصل في الأمر الاستحباب؟ هذا فيه خلاف بين العلماء: منهم من يقول: الأصل في الأمر الوجوب. ومنهم من يقول: الأصل في الأمر الاستحباب. ولكل أدلة, ومن أقوى أدلة القائلين بأنه للاستحباب قالوا: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمر به كان ذلك دليلاً على أنه مشروع ومحبوب إلى الله عز وجل, والأصل عدم التأثيم بالترك, ولو كان الأصل التأثيم بالترك فهذا هو المستحب, أن يكون مطلوباً ليس في تركه إثم. ومنهم من قال: إن الأمر للوجوب لقول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] . ولهذا نقول: كل من القاعدتين ليس مطرداً في الواقع, تأتي أوامر كثيرة يتفق عليها على أنها للاستحباب, وأوامر كثيرة يتفق العلماء على أنها للوجوب, لكن إذا كان هناك قرائن, فالقرائن تؤيد. فالصحيح: أن إجابة المؤذن ليست واجبة, بل هي سنة, ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ مالك بن الحويرث ومن معه: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ولم يقل: وليجيبه الآخر, أو ليقل الآخر كما يقول, مع أن المقام مقام تعليم وهؤلاء وفد, قد لا يحضرون مرة أخرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فالصواب: أنه سنة وليس بواجب, والقرينة الصارفة هو هذا الحديث الذي ذكرته لك. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 12 مسألة دوران الشمس حول الأرض السؤال العلم الحديث يثبت أن الشمس ثابتة وأن الكواكب تدور حولها, فهل يجوز اعتقاد هذا, وهل ينافي الآية: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] ؟ الجواب أرى أن الإنسان يأخذ بظاهر القرآن؛ لأن القرآن تكلم به الخالق عز وجل, وهو أعلم بمخلوقاته, والشمس في مكان لا نصل إليه, ولا يصل إليه أحد, فإذا قال الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38] ، وقال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] فهذه أربعة أفعال كلها مضافة إلى الشمس: إذا طلعت تزاور, وإذا غربت تقرضهم, والأصل في إضافة الفعل إلى فاعله أنه قائم به, فترى الشمس هي التي تطلع, وهي التي تزاور, وهي التي تغرب, وهي التي تقرض, فعلينا أن نؤمن بهذا على ظاهره, وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر حينما غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) قال: تذهب, وقال: تسجد, وقال: رجعت, فعلينا أن نؤمن بهذا الظاهر إلا إذا جاءنا أمر يقين مثل الشمس: أن الشمس ثابتة، وأن تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض فحينئذٍ نؤمن بهذا, ويمكن أن يؤول القرآن إلى أن معنى قوله: (إذا طلعت) أي: في رأي العين, لأن على من يقول: إن تعاقب الليل والنهار بسبب دوران الأرض هل هي التي طلعت علينا، أم نحن الذين طلعنا عليها؟ نحن الذين طلعنا عليها؛ لأننا نحن الذين جئنا إليها, ما دام تعاقب الليل والنهار يكون بدوران الأرض معناه: نحن الذين جئنا إليها حتى رأيناها, وهي واقفة في مكان ثم دارت الأرض, نحن الذين جئنا ونحن الذين طلعنا عليها. وعلى كل حال: نحن لا نعلم الغيب إلا ما علمنا الله عز وجل, فنؤمن بظاهر القرآن ونقول: إن الشمس والقمر يكون بسيرها تعاقب الليل والنهار, هذا هو الظاهر لنا, فلو قدرنا أننا علمنا علم اليقين بأن الأمر ليس على ظاهره، أمكن أن نصرف الآيات عن ظاهرها إلى معنىً لا ينافيه. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 13 جواز الجمع في الصلاة من غير خوف ولا مطر السؤال ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في غير خوف ولا مطر, وعندما سئل ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد ألا يحرج أمته) فهل هذا الحديث مقيد، ولو قال قائل: أنا سأعمل بهذا الحديث؟ الجواب نقول: نعم, إذا أردت أن تقضي بهذا الحديث فمن يمنعك؟ لكن ابن عباس رضي الله عنه قال: (من غير خوف ولا مطر) ويفيد قوله هذا: أنه لا بد أن يكون هناك سبب, إما خوف، أو مطر، أو برد شديد، أو ما أشبهه, ودليل هذا أنه قال: (أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يوقعها في حرج, فيستفاد من هذا الحديث: أن كل أمر يكون عليك حرج كما لو صليت كل صلاة في وقتها فإنه يجوز لك أن تجمع, ولهذا يجوز للمريض الذي يشق عليه أن يصلي في كل وقت يجوز أن يجمع, حتى قال أهل العلم من الحنابلة: يجوز للمرأة المرضع التي يكثر حمل ولدها بين يديها وضرره عليها، يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر للمشقة, وتجمع بين المغرب والعشاء للمشقة, فالمدار على المشقة متى وجدت المشقة جاز الجمع. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 14 طلب العلم أفضل من الصوم إذا كان يضر بالطلب السؤال بعض طلاب العلم حرصاً منهم على زيادة الخير ورغبة فيه, يكثر من صيام التطوع يصوم يوماً ويفطر يوماً, ولكن هذا يؤثر من جانب آخر في تحصيلهم على العلم, كألا يراجع المتون أو القرآن, فما حكم هذا العمل؟ الجواب الصيام لا شك أنه عمل صالح, ومن أفضل الأعمال, واختصه الله لنفسه لقوله: (الصوم لي وأنا أجزي به) وكان داود يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أفضل الصيام, لكن هناك عمل أفضل منه وهو طلب العلم, فإن طلب العلم أفضل من الصيام, وأعني صيام التطوع, فإذا كان صوم يوم وفطر يوم يمنعه من التشاغل بالعلم قلنا له: أنت الآن تعمل بالمفضول وتترك الفاضل, فإن طلب العلم أفضل, قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته, قيل: وما تصحيح النية؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره. أما إذا كان رجلاً قد اعتاد الصيام, والصيام سهل عليه صيفاً أو شتاء, وربما يكون أنشط له، فهذا لا يرده عن طلب العلم ولا يمنعه, ولهذا تجد النبي عليه الصلاة والسلام إنما يصوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، ولكنه لا يصوم يوماً ويفطر يوماً؛ لأنه يشتغل دونه، أما رجل عابد وليس عنده اشتغال في العلم والصوم لا يمنعه من صلاة التطوع وقراءة القرآن وأذكار الصباح والمساء، فهذا طيب أن يصوم كما صام داود. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 15 حكم وصف الله بأنه يصبر السؤال هل يوصف الله عز وجل بالصبر, مثلاً يقول: اليهود فعلوا كذا وكذا فصبر الله عليهم؟ الجواب يوصف بأنه صابر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله عز وجل) فجعل الله أصبر من كل الصابرين على أذىً سمعه، لكن لا يسمى بذلك، فلا يقال مثلاً: إن من أسمائه الصابر؛ لأن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 16 ضابط المروءة السؤال ما ضوابط المروءة التي ينبغي على المسلم أن يسلكها, وما هي السبل التي ييسر للإنسان سلوك هذا العمل؟ الجواب الضابط بارك الله فيك: أن المروءة فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه, كل ما يعبر الناس خلقاً حسناً فهو مروءة, ويجتنب كل ما يدنسه ويشينه, هكذا قال العلماء في ضبطها فهو منضبط, وهذا يختلف باختلاف الناس, من الناس من هو شريف ووجيه وذو مرتبة عالية, إذا فعل ما يفعله ما هو دونه انتقد, وإذا فعله غيره لم ينتقد, فنقول للأول: إذا فعلته فقد خالفت المروءة, ونقول للثاني: إن فعلك إياه لا يخالف المروءة, فهذا مقياس, المروءة: فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 17 كيفية متابعة الإمام السؤال ما هو الضابط في متابعة الإمام هل هو سماع الصوت، أو رؤية الحركة؛ لأن الإمام عندنا في الحي يكبر للسجود وهو واقف فيهوي الناس يسجدون قبله، فما هو الضابط يا شيخ؟ وهل فعلهم هذا صحيح؟ الجواب الضابط أن يتم الفعل؛ لأن التكبير علامة عليه ودليل عليه, أشاهد الإمام فإذا قال: الله أكبر وهو قائم قبل أن يصل إلى الأرض, وأنا أراه أنه لم يصل إلى الأرض فلا أسجد, لقول البراء بن عازب: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لا يحني أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً ثم نقع سجوداً بعده) . أما إذا كنت لا تراه فهنا تأتي وظيفة السمع, فاعمل بما تسمع, ويكون المسئول عن ذلك الإمام, إذا كان يكبر وهو قائم فالمسئولية عليه. وبعض الناس يكبر وهو قائم؛ لأنه يصلي (بالميكرفون) وإذا كبر عند السجود لم يسمع, وهذا أخطأ من وجهين: أولاً: استعمال مكبر الصوت في الصلاة, ليس له أصل ولا له حاجة؛ لأنه سيسمع الذين هم خارج المسجد, والذين هم خارج المسجد ليسوا بحاجة له, بل لا يزيدهم ذلك إلا كسلاً, تجد الكسول إذا سمع الإمام في الشرفة قال: أدرك الإمام في الثانية وكذلك في الثالثة والرابعة، بل في قول بعض العلماء: إن الصلاة تدرك بتكبيرة الإحرام, فتفوته الصلاة وهو يسوف, ولهذا يعتبر هذه خطأ من بعض الأئمة: أولاً: أنه لا داعي له. ثانياً: أنه يوجب تمادي الكسلان في كسله. ثالثاً وهو أشدها: أنه يشوش على غيره من المساجد, بل ومن الذين يصلون في بيوتهم, أرأيت المرأة -مثلاً- وهي تصلي في بيتها والإمام يقرأ ويكبر الصوت, سوف ترتبك ويشوش عليها, وهذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سمع أصحابه يقرءون ويجهرون بالقرآن وهم يصلون قال: (لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة) . ونحن أحياناً نوجه -والحمد لله- عندنا في بلدنا، ولم نسمع أحداً يصلي في مكبر الصوت إلا في يوم الجمعة. الجزء: 103 ¦ الصفحة: 18 حكم الحلف بالقرآن السؤال هل يجوز الحلف بالقرآن؟ الجواب الحلف بالقرآن تريد بذلك القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم جائز؛ لأنه من كلام الله, وكلام الله تعالى صفة من صفاته وجميع صفات الله يجوز الحلف بها. أما إذا كنت تريد بالقرآن المصحف الذي هو الورق والحروف المكتوبة فهذا لا يجوز؛ لأن هذا مخلوق, والحلف سبالمخلوق شرك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ثم نقول أيضاً: ما الذي حثك على أن تحلف بالقرآن؟ ما هناك قسم إلا بالقرآن؟ احلف بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . الجزء: 103 ¦ الصفحة: 19 الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة السؤال ما حكم الجهاد في الوقت هذا؟ ومن ذهب يجاهد دون إذن والديه فما حكمه؟ الجواب الجهاد -بارك الله فيك- قائم ماضٍ إلى يوم القيامة, وهو في الأصل فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين, ولكن قالوا: إنه يكون فرض عين في أربعة مواضع: الموضع الأول: إذا حضر والتقى الصفان فإنه يجب أن يبقى ولا يجوز الفرار, لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال:15-16] وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التولي يوم الزحف من الموبقات المهلكات. الموضع الثاني: إذا استنفره الإمام, قال: انفر للجهاد, فيجب عليه أن ينفر, لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38-39] . الموضع الثالث: إذا كان الرجل محتاجاً إليه, يعني: يحتاج إليه الناس في هذه الغزوة وجب عليه, مثل: أن يكون لديه سلاح لم يتمرن عليه أحد وهذا الغازي متمرن عليه, فيجب عليه أن يخرج؛ لأنه صار فرض عين في حقه. الموضع الرابع: قتال الدفاع, إذا حاصر العدو بلده وجب عليه أن يقاتل؛ لأنه إن لم يفعل احتل العدو بلده وحصل من الفساد ما لا تحمد عقباه. في هذه الأحوال الأربعة يكون الجهاد فرض عين, وما عدا ذلك فهو فرض كفاية. أما القتال بدون إذن الوالدين فلا يجوز, إلا إذا كان فرض عين, وعرفت الأحوال التي يكون فيها فرض عين، فإذا كان إحدى هذه الأحوال وجب أن يجاهد حتى وإن نهاه والده أو أمه. والحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ونسأل الله أن يثيبكم على حضوركم فإن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . الجزء: 103 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [104] في هذا اللقاء تحدث الشيخ عن تفسير سورة الماعون كاملة، فبين فيها المعاني، وأتى بالفوائد والفرائد في شرح مختصر موجز بأسلوب سهل وشيق، وختمه بأجوبه مسددة على الأسئلة التي وردت فيه. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الماعون الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائة من لقاء الباب المفتوح, والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع, وهذا هو الخميس الثامن عشر من شهر جمادى الأولى عام (1415هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بتفسير قول الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون:2] إلى آخر السورة إن شاء الله. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين) فيقول الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] (أرأيت) خطاب لكن لمن؟ هل هو للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي أنزل عليه القرآن، أم هو عام لكل من يتوجه إليه الخطاب؟ العموم أولى, فنقول: (أرأيت الذي) عام لكل من يتوجه إليه الخطاب, {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] أي: بالجزاء, فهؤلاء الذين هم ينكرون البعث, ويقولون: {أإذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الواقعة:47] * {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:48] ، ويقول القائل منهم: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] هؤلاء يكذبون بيوم الدين, {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1] أي: بالجزاء. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فذلك الذي يدع اليتيم) قال تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:2-3] فجمع بين أمرين: الأمر الأول: عدم الرحمة بالأيتام الذين هم محل الرحمة؛ لأن الأيتام هم الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا، وهم محل الشفقة والرحمة؛ لأنه فاقد لأبيه, فقلبه منكسر يحتاج إلى جبر, ولهذا ورد في النصوص فضل الإحسان إلى الأيتام, لكن هذا -والعياذ بالله- (يدع اليتيم) يدفعه بعنف؛ لأن الدع هو: الدفع بعنف، كما قال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] أي: دفعاً شديداً, فتجد اليتيم إذا جاء إليه يستجديه شيئاً أو يكلمه في شيء يحتقره, ويدفعه بشدة, فلا يرحمه. الأمر الثاني: أيضاً لا يهتمون برحمة الغير, {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:3] فالمسكين الفقير المحتاج إلى الطعام لا يحض هذا على إطعامه؛ لأن قلبه حجر -والعياذ بالله- قاسٍ، فقلوبهم {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] إذاً ليس فيه رحمة لا للأيتام ولا للمساكين, فهو قاسي القلب والعياذ بالله. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) ثم قال الله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] و (ويل) هذه كلمة وعيد, وهي تتكرر في القرآن كثيراً, والمعنى: الوعيد الشديد على هؤلاء, (للمصلين) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] هؤلاء مصلون يصلون مع الناس أو أفراداً لكنهم (عن صلاتهم ساهون) أي: غافلون عنها لا يقيمونها على ما ينبغي, يؤخرونها عن الوقت الفاضل, لا يقيمون ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها, لا يقرءون ما يجب فيها من قراءة سواء كانت قرآناً أو ذكراً, إذا دخل في صلاته وإذا به غافل, قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهو ساهٍ عن صلاته. وهذا مذموم، الذي يسهو عن الصلاة ويغفل عنها ويتهاون بها، لا شك أنه مذموم, أما الساهي في صلاته فهذا لا يلام, والفرق بينهما: أن الساهي في الصلاة معناه: أنه نسي شيئاً, نسي عدد الركعات, نسي شيئاًَ من الواجبات وما أشبه ذلك, ولهذا وقع السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشد الناس إقبالاً على صلاته, بل إنه قال عليه الصلاة والسلام: (جعلت قرة عيني في الصلاة) ومع ذلك سها في صلاته؛ لأن السهو معناه: أنه ينسى شيئاً على وجه لا يلام عليه, أما الساهي عن صلاته فهو متعمد بالتهاون في صلاته, ومن السهو عن الصلاة أولئك القوم الذين يدعون الصلاة مع الجماعة, فإنهم لا شك أنهم عن صلاتهم ساهون, فيدخلون في هذا الوعيد. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (الذين هم يراءون) قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:6-7] أيضاً إذا فعلوا الطاعة فإنما يقصدون بها التزلف إلى الناس, وأن يكون لهم قيمة في المجتمع, ليس قصدهم التقرب إلى الله عز وجل, فهذا مراءٍ -والعياذ بالله- يتصدق من أجل أن يقول الناس: ما أكرمه، هذا مصلٍ يحسن صلاته من أجل أن يقول الناس: ما أحسن صلاته، وما أشبه ذلك، هؤلاء يراءون، أصل العبادة لله ولكن يريدون مع ذلك أن يحمدهم الناس عليها, ويتقربون إلى الناس بتقربهم إلى الله, هؤلاء المراءون والعياذ بالله. أما من يصلي لأجل الناس بمعنى: أنه يصلي بين يدي الملك -مثلاً- أو غيره يخضع له ركوعاً أو سجوداً فهذا مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار, لكن هذا يصلي لله مع مراعاة أن يحمده الناس على عبادته على أنه عابد لله عز وجل, وهذا يقع كثيراً في المنافقين كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] انظر إلى هذا الوصف: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] إذاً هم عن صلاتهم ساهون, هنا يقول: (الذين هم يراءون) وإن قال إنسان: وهل الذين يسمعون مثلهم؟ مثلاً: لو أن إنساناً يقرأ القرآن ويجهر في الصلاة ويحسن القراءة، ويحسن الأداء والصوت من أجل أن يقال: ما أقرأه، هل يكون مثل الذين يراءون؟ الجواب نعم. كما جاء في الحديث: (من سمّع سمّع الله به, ومن راءى راءى الله به) المعنى: من سمع فضحه الله, وبين للناس أن الرجل ليس مخلصاً، ولكنه يريد أن يسمعه الناس فيمدحوه على عبادته, ومن راءى كذلك راءى الله به, فالإنسان الذي يرائي الناس أو يسمِّع الناس فسوف يفضحه الله, وسوف يتبين أمره عاجلاً أم آجلاً. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ويمنعون الماعون) قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] أي: يمنعون ما يجب بذله من المواعين -وهي: الأواني- أي: يأتي الإنسان إليه ويستعير منهم آنية, يقول: أنا محتاج إلى دلو, محتاج إلى إناء أشرب به, أحتاج إلى لمبة كهرباء وما أشبه ذلك ويمنع, هذا أيضاً مذموم, ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: يأثم به الإنسان. القسم الثاني: لا يأثم به ولكن يفوته الخير. فما وجب بذله فإن الإنسان يأثم بمنعه, وما لم يجب بذله فإن الإنسان لا يأثم بمنعه لكن يفوته خير, مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر فقال: أعطني إناءً أشرب به فإن لم أشرب مت, فبذل الإناء له واجب, حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان فإنه يضمنه ذاك بالدية؛ لأنه سبب موته, ويجب عليه بذل ما طلبه, جاء إنسان إلى آخر يقول: أعطني ثوباً أدفأ به من البرد وإلا هلكت, هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوباً. لكن اختلف العلماء في هذه المسألة: هل يجب على المستعير -في هذا الحال- أن يعطي المعير أجرة أو لا يجب؟ أو يجب في المنافع دون غيرها, كيف هذا؟ مثلاً: إنسان أتاك وهو مضطر إلى طعام فإن لم تطعمه هلك, هنا يجب عليك أن تطعمه لكن هل يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام؟ قال بعض أهل العلم: يجب عليه أن يعطيك قيمة الطعام, وقال آخرون: لا يجب؛ لأن إطعامه في هذا الحال واجب عليك من عند الله, وهذا القول هو الراجح؛ لأنه ليس له عوض؛ لأن إنقاذ الواقع في الهلكة واجب, ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أجراً على ما أوجب الله عليه. المسألة الثانية: جاءك إنسان مضطر إلى ثوب خوفاً من البرد, فأعطيته الثوب فهل يجب عليه أجره في هذا الثوب؟ بعض العلماء يقول: يجب عليه أجره, وبعضهم يقول: لا يجب, والصحيح: أنه لا يجب عليه أجره, ولكن إذا أعطيته إياه على سبيل التملك فهو ملكه, وإن أعطيته على سبيل الإعارة وجب عليه إذا وجد ثوباً غيره أن يرده عليك, هذا هو القول الصحيح, وبهذا ينتهي الكلام على هذه السورة. فيجب على المرء أن ينظر في نفسه: هل هو ممن اتصف بهذه الصفات أو لا؟ إن كان ممن اتصف بهذه الصفات قد أضاع الصلاة وسها عنها, ومنع الخير عن الغير فليبشر بالويل -والعياذ بالله-, وإن كان قد تنزه عن ذلك فليبشر بالخير, والقرآن الكريم ليس المقصود منه أن يتلوه الإنسان فقط ليتعبد لله بتلاوته, إنما المقصود أن يتأدب به, ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) (خلقه) أي: أخلاقه التي يتخلق بها، يأخذها من القرآن, وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 104 ¦ الصفحة: 8 كلمة توجيهية لأئمة المساجد السؤال يقول الله في سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2] , بعض الأئمة -هداهم الله- يستعجل في الصلاة فيضطر بعض الناس لترك الصلاة في المسجد الذي في الحي الذي يسكن فيه, وينتقل لآخر؟ الجواب هذا السؤال يحتاج إلى توجيه كلمة للأئمة: وهو أن الإمام هل هو يصلي لنفسه، أو يصلي لنفسه ولغيره؟ الجواب: يصلي لنفسه ولغيره, فيجب عليه مراعاة الناس, لا إفراط ولا تفريط, أي: لا إفراط بحيث يطيل عليهم أكثر مما جاءت به السنة, ولا تفريط بأن يُنقص عما جاءت به السنة, الإنسان الذي يصلي وحده إن شاء طوّل وإن شاء نقص عما جاءت به السنة ولكنه قام بالواجب، وإن شاء اتبع السنة, لكن الإمام يجب أن يتبع السنة, لماذا؟ لأنه أمين على الناس, والأمين يجب عليه أن يفعل الأصلح, كما قال الله في مال اليتيم: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل ولمن أطال في صلاة الفجر -رجل آخر-: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف) ومعنى (ليخفف) أي: لا يطيل أكثر مما جاءت به السنة, فإن الإنسان لا يصلي لنفسه وإنما يصلي لنفسه ولغيره, فالواجب عليه مراعاة السنة فيها, ولا يهمه انتقاد منتقد, قد يقول: لو أتيت بالسنة، يمكن يقول بعض الناس: أطلت، لكن إذا أخل بالسنة من الذي يقول له: أخللت؟ الله عز وجل يوم القيامة, سوف يحاسب في ذلك اليوم ليس له مفر, وليس له حجة, لكن اليوم له حجة يقول: أنا أتيت بالسنة, ائتني بدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينقص عما قلت أو عما فعلت وأنا أتبعه, أما أن آتي بالسنة وتقول: أطلت، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس رعاية للأمانة؟ بلى. ومع ذلك يقرأ في فجر يوم الجمعة (الم تنزيل -السجدة-) في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية (هل أتى على الإنسان) ، وربما قرأ في المغرب (سورة الطور) ، وربما قرأ فيها بسورة (الأعراف) ، فأين الخروج عن السنة؟! فالواجب على الإمام ألا يسرع سرعة تمنع المأمومين من فعل السنة؛ لأنه مؤتمن, وأما قوله: إن الناس يقولون: أطلت. هذا ليس له حجة, لا ينفعه عند الله عز وجل, لكن لا يزيد على ما جاءت به السنة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب في ذلك ونهى عنه. وإذا كان إمامك لا يمكّنك من أداء الواجب فاطلب غيره, حتى لو فرضنا أنك دخلت مع إنسان بعد أن فاتتكم الصلاة، ثم رأيت أنه يسرع سرعة لا تتمكن معها من الإتيان بالواجب فانفصل عنه وكمّل لنفسك. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 9 كيفية التخلص من التعامل بربا النسيئة في التبادل بالعملات السؤال هذا سؤال موجه من جماعة من الإخوة السودانيين يقولون فيه: أصحاب الفضيلة أهل الذكر المحترمين, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: أفيدونا جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء, نحن إخوانكم من السودان ونحن مقيمون في هذا البلد المضياف, وعندما نريد تحويل نقودنا من العملة السعودية إلى العملة السودانية يوجد تجار يشترون منا هذه العملة, ويقولون لنا: إذا أردت التسليم فوراً, بمعنى: أن يقبض الريالات هنا ويستلم أهلنا منه العملة السودانية هناك, فهذا له سعر, وإذا أردنا أن نتركها عنده إلى مدة شهر أو شهرين أو أكثر فهذه لها سعر خاص, وكلما بعدت مدة التسليم زاد في قيمة التحويل, بمعنى: أنه تحويل أجل, فهل يصح لنا التحويل مع هؤلاء التجار، علماً بأن أسعار التحويل بالبنك زهيدة جداً مقابل سعر التجار الفوري والآجل؟ وإذا صح التحويل معهم, هل يصح بالحالتين العاجل والآجل، أم يصح بإحداهما دون الأخرى؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟ الجواب من المعلوم أن التبادل بالعملات يجري به الربا بالنسبة للنسيئة, بمعنى: أنه لا يجوز تأخير القبض لا من الدافع ولا من المدفوع إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فإذا أراد الإنسان أن يصرف ريالات سعودية بجنيهات سودانية فالواجب أن يقبض العوض من الجانبين, من الدافع والمدفوع إليه, ولا يجوز تأخير القبض. وعلى هذا: فالصورة الصحيحة: أن يسلم السوداني دراهم سعودية إلى البنك ويأخذ بيده عوضها من الجنيهات السودانية, ثم يقول للبنك: خذها مرة ثانية حوّلها لي إلى السودان , هذا ليس فيه إشكال، هذه معاملة طيبة حسنة. الصورة الثانية: أن يقول للبنك: هذه دراهم سعودية حولها إلى السودان سعودية, وهناك يأخذها المحال عليه بالجنيهات السودانية بسعرها هناك, ليس بسعرها هنا, مثلاً: لو كان سعرها في السعودية الجنيه السوداني في السعودية -مثلاً- بريالين, وهناك بثلاثة, لازم أن نعتبر بالسعر الذي هناك, والعكس بالعكس لو كان هنا بثلاثة وهناك بريالين لا بد أن نعتبر السعر هناك. هاتان صورتان لا بأس بهما, الصورة الأولى: التقابل هنا ثم تحويل العملة السودانية إلى البنك هناك في السودان , والثانية: أن تحول الريالات السعودية إلى السودان على أنها سعودية, ثم هناك يقع التصارف يداً بيد بسعر الريال السعودي هناك؛ هاتان صورتان جائزتان وما عداهما فليس بجائز. وما ذكر في السؤال أشد إثماً؛ لأن فيه تأخير القبض وفيه ربا النسيئة بالزيادة, وهذا يكون ظلمات بعضها فوق بعض, فنقول للإخوة السودانيين وغيرهم -أيضاً- ممن يجري مجراهم: الطريق السليم يبنى على وجهين وقد ذكرا. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 10 الحج على امرأة لديها أخت مسنة تقوم برعايتها ولا يوجد أحد يقوم بعناية أختها السؤال فضيلة الشيخ! توجد امرأة كبيرة السن, وعندها أخت أكبر منها, هذه المرأة تقوم بعناية أختها الكبيرة بحيث أنها تغسلها وتلبسها وتطعمها وتسقيها, هذه الأخت ما حجت إلى الآن، هل يجوز لها أن تذهب تحج، مع العلم أنه لا يوجد أحد ليقوم بعناية أختها؟ الجواب إذا كانت الأخت الكبيرة في ضرورة فليس عليها حج, أما إن كانت مجرد أنها ألطف بها من غيرها وأحسن رعاية ويمكن لأحد أن يقوم بالواجب فإنه إذا استطاعت السبيل أي: وجدت النفقة والمحرم يجب عليها أن تحج. السائل: لا يوجد من يقوم بعنايتها؟ الشيخ: مطلقاً؟ السائل: مطلقاً. الشيخ: إذاً تبقى معها لا تذهب للحج. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 11 حكم الانحناء للمخلوقين السؤال بعض الناس عندما يقابل أحداً أكبر منه منزلة أو رتبة, فإنه يخضع له ويطأطئ رأسه يعني: تكريماً, فما رأيكم؟ الجواب رأينا في هذا أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من ذلك, فلا يحل لأحد أن يحني ظهره إلا لله رب العالمين, وأما المخلوق فلا تحني ظهرك له, وأقبح من ذلك أن يسجد له, فإن السجود للمخلوق تعظيماً وتذللاً من الشرك المخرج عن الملة -نسأل الله العافية-. وأما الانحناء فإنه حرام, لكن لا يصل إلى حد الشرك. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 12 حكم طاعة المسئولين الذين تُعينهم الجمعيات السؤال بخصوص الدعوة عندنا بالتنظيم خاصة, فنوزع المنطقة عندنا خاصة جمعية إحياء التراث, حيث تتوزع على عدة قطع, وكل قطعة لها مسئول, والمسئول هذا يرجع إلى مسئول أعلى منه, كتنظيم دعوي, من ناحية دروس وغيره, فالسؤال هنا: هل المسئول هذا طاعته واجبة أم لا؟ الجواب إذا كان إذا التنظيم من قبل ولي الأمر فإنه يجب التمشي بما يقول؛ لأنه نائب عن ولي الأمر الذي تجب طاعته في غير معصية الله. وأما إذا كان تنظيماً داخلياً لا علاقة للحكومة فيه، فهؤلاء إن رضوا أن يكون هذا أميرهم فطاعته واجبة, وإن لم يرضوا فلا يجب طاعته. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 13 حكم الرد على من يسمع قارئاً يخطئ في قراءته السؤال إذا كان الإنسان جالساً في المسجد وعن يمينه أو شماله قارئ للقرآن بصوت مرتفع أو في غير المسجد, وهذا القارئ يخطئ كثيراً في الآيات, فهل يجب عليه أن يرد عليه؟ وإذا كان آثماً لعدم الرد عليه, فهل يغير مكانه حتى لا يسمع قراءته؟ الجواب هذه مشكلة تقع كثيراً في الواقع, فنقول أولاً: القارئ يُنهى أن يجهر بصوته وحوله من يصلي؛ لأنه يشوش عليهم, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يجهرون بالقراءة فنهاهم, وقال: (لا يؤذيَّن بعضكم بعضاً في القراءة) هذا بالنسبة للقارئ. أما بالنسبة للسامع فإنه من يقرأ لحناً يحيل المعنى وجب عليه أن يرد عليه, وإن كان لا يحيل المعنى فإنه لا يجب أن يرد عليه, فمثلاً لو قال: "الحمد لله ربَ العالمين, الرحمن الرحيم" هذا لا يغير المعنى, أما إن كان يغير المعنى كما لو قال: "صراط الذين أَنعمتُ عليهم" أو قال: " أَهدنا الصراط المستقيم" وجب عليك الرد؛ لأنك تسمع أن القرآن يُحرَّف فيجب عليك أن تعدله. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 14 الضابط في معرفة الشرك الأكبر من الشرك الأصغر السؤال يقول شيخ الإسلام: من صرف شيئاً من العبادة لغير الله فهو كافر. فمثلاً: طلب العلم الشرعي لغير وجه الله, السؤال: ما هو الضابط بين معرفة أن هذا الأمر شرك أكبر أم أصغر, هل هو بالاستقراء؟ الجواب أولاً هل أنت تعرف العبادات؟ ستقول: نعم أعرف العبادات منها: الصلاة والنذر والذبح وما أشبهها إذا فعلت هذا تقرباً وتزلفاً للآدمي فهذا شرك أكبر, وإذا فعلته لله لكن ليراك الآدمي فيمدحك فهذا رياء وهو شرك أصغر. طلب العلم لغير الله إن كان العلم مما لا يبتغى به وجه الله مثل علم الدنيا: كالحساب والهندسة والرياضة وما أشبه ذلك فلا حرج على الإنسان أن ينوي به الدنيا؛ لأنه لا يتقرب به إلى الله, وأما إذا كان علم التوحيد والفقه والتفسير والحديث وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز أن يريد به عرضاً من الدنيا, لكنه لا يكون شركاً, حتى لو أراد الإنسان بطلب العلم أن ينال وظيفة -مثلاً- فإنه لا يكون مشركاً الشرك المخرج عن الملة لكن يقال: إنك على خطأ, اطلب العلم لله عز وجل. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 15 حكم الابتعاد عن الزوجة أكثر من ستة أشهر بغير رضاها السؤال هل يجوز للرجل أن يسافر ويبعد عن زوجته سنة أو أكثر بغير رضاها، مع العلم أن لها في هذه المدة حقوقاً؟ الجواب لا يجوز له أن يغيب عن أهله أكثر من ستة أشهر إلا لحاجة, كعلاج وما أشبهه فلا بأس؛ لأنه مضطر, وأما لغير ذلك فلا يجوز, إلا إذا رضيت وكانت في محل آمن فلا بأس, وأما إذا لم ترضَ فإنه يحرم عليه أن يبقى, وحينئذٍ نقول لها: أنتِ بالخيار إن شئت أن تبقين معه على هذه الحال وإلا فلكِ الفسخ, ونقول له أيضاً: إما أن ترجع إلى أهلك، وإما أن تخيرها هل تبقى معك أو تطلقها, حتى لا يضيع حقها. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 16 حكم القيام وتقبيل اليد للعالم والأكبر سنا ً السؤال النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتى سيدنا سعد بن معاذ ليفصل في أمر أهل المدينة , النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إذا كان سيدنا سعد قادماً على دابته قوموا إلى سيدكم هذا ما قرأناه إن كان صحيحاً, ثم ما رأيكم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه يقومون إلى سيدنا سعد بن معاذ لينزلوه عن دابته, ثم ما رأيكم في تقبيل يد العلماء, هذا يقف جنباً إلى جوار ما قلته أنت من الانحناء إلى عالم أو أكبر سناً, وهل رواية سيدنا سعد هل هي صحيحة إلى جانب تقبيل يد العلماء, إلى جانب الانحناء لمن نرى أنه أفضل منا مكانة أو علماً أو غير ذلك؟ الجواب أما سعد بن معاذ رضي الله عنه، فإنه لما أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قوموا إلى سيدكم) لأنه سيد قومه بلا شك, وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم) وهذا ليس فيه إشكال أن يقال: سيد بني فلان, أو سيد آل فلان. وأما القيام إليه فلا بأس به -أيضاً- لو أن رجلاً دخل من الباب هنا ثم قمت من مكانك تستقبله فلا بأس, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم وفد ثقيف وهو بـ الجعرانة فإنه قام عليه الصلاة والسلام حين أقبلوا، وهذا لا بأس به, وأما الانحناء فإنه خضوع ظاهر, الأول: إكرام استقبال وهذا إكرام بلا شك, وأما الانحناء فهو خضوع, ولهذا: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عن الرجل يلقى أخاه أينحني له، قال: لا) لأن الانحناء لا يجوز إلا لله رب العالمين. وأما تقبيل يد الأب أو الأم أو الأخ الكبير أو العالم أو الشيخ الكبير احتراماً، فهذا لا بأس به ولا إشكال فيه. السائل: فيه انحناء. الشيخ: لا يوجد انحناء أبداً, حتى لو فرضنا أن الرجل الذي تريد أن تقبل يده قصير ونزلت رأسك لتقبل يده فهذا ليس انحناء إكرام, هذا الانحناء للوصول للتقبيل, مع أنه يمكن أن يأخذ بيده ويرفعها ويقبلها وهو واقف تماماً. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 17 وصايا للكشافة الذين يقومون بخدمة الحجاج السؤال فضيلة الشيخ! لا يخفى على فضيلتكم ما يقوم به الكشافة في الحج من أعمال وخدمات, نرجو منكم التكرم بإبداء رأيكم حول هذا الموضوع من خلال ما شاهدتموه وما تتمنوا أن يكون عليه برامجهم في المستقبل؟ الجواب الكشافة في الواقع أن لهم سعي مشكور في أيام الحج؛ لأنهم يقومون بتنظيم المرور من جهة, وبإرشاد الضائع من جهة أخرى, وبالمساعدة لمن يحتاج إلى مساعدة, وهم بأنفسهم -أيضاً- حسب ما بلغنا مستقيمون, يقومون بالنوافل التي يستطيعونها, وبالعبادات التي يستطيعونها, وفيه أيضاً من التآلف والتعارف بين أفراد الأمة الذين جاءوا من أنحاء شتى، وما يحصل فيه من الخير الكثير, فنصيحتي لهم: أولاً: أن يخلصوا عملهم لله عز وجل, بحيث يريدون التقرب بذلك إلى الله عز وجل. ثانياً: أن ينووا بهذا الاحتساب على الله عز وجل بالإحسان؛ لأن الله تعالى يجزي المحسنين, ويحب المحسنين, ومن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) ، وقال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) . ثالثاً: أوصيهم كذلك أيضاً: بغض البصر عن إطلاقه في مشاهدة النساء المتبرجات؛ لأنه -كما تعلمون- في موسم الحج يكون توجد نساء متبرجات بناءً على عادتهن في بلادهن, فيغضون بصرهم, وينصحون أولياء هؤلاء النساء إذا كانوا معهن: بأن يلزموا نساءهم بالحجاب الشرعي الذي أهمه تغطية الوجه, وليس الحجاب الشرعي كما تفعله بعض النساء حين تغطي كل شيء منها إلا وجهها وكفيها، هذا ناقص, فإن الأدلة تدل على وجوب ستر الوجه إلا من المحارم والزوج. ولا شك أن الإنسان إذا رأى أعمال هؤلاء الكشافة فإسنه يسر بذلك. فنوصيهم: بألا يتأخروا إذا طلب منهم المشاركة في ذلك, وأن يلاحظوا الإخلاص لله تعالى والرفق بعباد الله والإحسان إليهم. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 18 التثويب في أذان الفجر السؤال التثويب في أذان صلاة الفجر يكون في الأول أم الثاني؟ الشيخ: التثويب! السائل: نعم. الشيخ: يعني: قصدك في الإقامة أو في الأذان؟ السائل: في الأذان. الشيخ: ليس هناك أول ولا ثاني. السائل: الذي قبله يا شيخ الشيخ: الذي قبل الفجر؟ السائل: نعم. الشيخ: هذا ليس أذاناً للفجر، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) لم يقل يؤذن بليل ليخبركم بالفجر, والأذان للصلاة لا يكون إلا بعد دخول وقتها, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) فالأذان الأول الذي يسمى أولاً, هو في الحقيقة ليس للفجر, لكنه لمن يريد أن يقوم في الليل, والتثويب الذي هو قول: "الصلاة خير من النوم" إنما يشرع في أذان الفجر الذي هو الأذان بعد طلوع الفجر, وما ورد من الحديث: (إذا أذنت الأول لصلاة الفجر) المراد به: الأذان الذي بعد طلوع الفجر, لكن سمي أولاً بالنسبة إلى الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) ، وكذلك كما جاء في حديث ابن عمر -أظن- أنه سئل عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر فقال: (كان يصلي ركعتين بعد أذان الفجر, كأن الأذان بين أذنيه) قال العلماء المراد بالأذان هنا: الإقامة, أي: كأنه يقيم بمعنى: أنه يسرع في سنة الفجر؛ لأن السنة في صلاة الفجر أن تخففها, فالمهم يا أخي! التثويب وهو قول: "الصلاة خير من النوم" إنما يكون في الأذان الذي بعد طلوع الفجر. السائل: والذي يفعل بالحرم! يا شيخ؟ الشيخ: الحرم! ماذا يفعل به؟ السائل: فيه أذانان يا شيخ. الشيخ: أين هو؟ السائل: في الحرم. الشيخ: للفجر؟ السائل: نعم. الشيخ: لا يوجد أذانان للفجر. السائل: يكون قبل الوقت أذان. الشيخ: هذا ليس للفجر إنما لإرجاع القائم وإيقاظ النائم, ويوجد -أيضاً- في غير الحرم, حتى هنا في عنيزة يُؤذن أحدهم قبل الفجر بساعة والآخر بنصف ساعة حسب الناس, المهم أن ما كان قبل دخول الوقت فليس أذاناً للصلاة، خذ هذه قاعدة. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 19 الواجب في التبادل بالعملات أن يكون يداً بيد إلا في الضرورة السؤال تعقيب بالنسبة للسؤال الأول وهو تحويل النقود السودانية, بالنسبة للتحويل تقرأ نشرة يومية أو أسبوعية من قبل الحكومة بسعر الصرف, فيعطي هذا الدافع قيمة هذه النقود ما يعادل عن طريق البنك بالعملة السودانية, هذا يومياً عن طريق السفارة أو البنوك يعطى هذا الشيك, ولكن يتأخر القبض بموجب هذا الشيك, يعني: يعطوك هذا الشيك ما يعادله، وأنت ترسل إما في هذه اللحظة أو حسب ما تريد، الإشكال الثاني: هو تحويل الرعايا عن طريق التجار, هذا فيه سعر عالٍ والسعر الخاص بالنسبة للدولة، يعني: فرق بسيط ليس بكثير ولكنه زهيد, فيصبح على العامل أو الذي يحول هذه الحوالة عند التاجر أن ينتظر إشارة من التاجر في السودان أن يستلم عن طريق أهله هذا المبلغ, ويخبره بأنه استلم هذا المبلغ, والذي معه هنا -مثلاً- في عنيزة يعطيه هذا المبلغ, فأصبح هناك فرق تقريباً يوم أو ساعات الجواب الواجب القبض في المجلس وهو ليس حاصل. السائل: هذا هو الإشكال يا شيخ. الشيخ: هو ليس حاصل، أنا أقول: لا بد للإنسان على الأقل أن يتكلم مع أهله هناك ويقول كم سعر الريال السعودي عندكم, ثم يصارح البنك هنا بالسعر الذي قالوا له، ويرسل فوراً. السائل: هذا الذي يرسل. الشيخ: هذا للضرورة قد نقول: إنه جائز؛ لأني سمعت أنه لا يمكن إلا هذا, فإذا كان حقيقة لا يمكن إلا هذا فهذا ضرورة ولا بأس به. السائل: صحيح، لكن الإشكال الذي يورد علينا هو عن طريق التجار لهم أسعار مرتفعة ولا بد أن تنتظر؛ لأنهم يرغمون المحول على أساس أنه ينتظر يوم أو ساعات إلى أن يسلموا أهله هناك. الشيخ: هذا لا يجوز. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 20 وجوب العدل بين الأولاد في الهبات والعطايا السؤال أعدَّ لي أبي منزلاً تزوجت فيه, وكان في نيته أن يصنع لإخواني الذكور مثلما صنع لي إذا بلغوا سن الزواج, والسؤال: هل يعتبر ذلك المنزل هبة من أبي ينتقل إلى ملكي بحيث إذا مات لا يرث فيه إخواني, أم أنه يعتبر من ملك أبي حيث إذا مات يرث فيه إخواني الذكور والإناث؟ وإذا كان هبة فهل يجب عليه التسوية بيني وبين أخواتي وهن لا يحتجن إلى ذلك, إذ هن مكفيات بمنازل أزواجهن, جزاكم الله خيراً؟ الجواب الواجب في هذه الحال ألا يعطى الابن البيت ملكاً, يعطيه إياه إعارة؛ إذ أن الابن هنا سيقضي حاجته لسكناه ولو إعارة, فيكون إعطاؤه إياه زائداً, فإما أن يعطي الآخرين الذكور مثله والبنات نصفه, وإما أن يقول: يا بني! هذا إعارة عندك حتى تستطيع أن توجد بيتاً من عندك. السائل: لا يجوز أن يكون هبة؟ الشيخ: لا يجوز؛ لأن الهبة ليست ضرورة, أليس كذلك؟ يمكن أن ينتفع به وهو لأبيه، ومثله أيضاً: السيارة عندنا -مثلاً- أحد الأولاد يحتاج إلى سيارة للمدرسة, والآخرون لا يحتاجونها فنقول: اعط ابنك الذي يحتاج السيارة لينتفع بها وملكها لك أنت, حتى إذا حصل موت منك أو منه فتعود إلى التركة. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 21 حكم إخراج نصيب تزويج الأبناء من التركة السؤال لو أن الأب متعود أنه يزوج أبناءه كلهم, ويدفع المهر لهم, فزوجهم جميعاً إلا واحد أو اثنين، وتوفي وله تركة, هل يخرج نصيب تزويج هذين الجواب لا. لأن الاثنين الباقين لم يحل زواجهم بعد. السائل: حل. الشيخ: حل في حياته؟ السائل: حل في حياته. الشيخ: لماذا لم يزوجهم؟ السائل: هم كانوا ينتظرون أي. الجواب: إذاً التفريط منهم هم, فإذا توفي أبوهم فإنه لا يخرج من تركته لهم شيء. السائل: إذا رضوا الإخوان؟ الشيخ: إذا رضوا لا بأس, وهذا حسن إن رضوا. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 22 من ساهم بشيءٍ من المال في مال أبيه فلا يضم إلى التركة السؤال إذا كان المالك ملك الأرض وأنا الذي تكلفت بناء البيت، فهل يرجع للتركة مكان البيت أم كله؟ الجواب لا. يرجع لك ما أنفقت وللورثة البقية. بارك الله فيكم, وتقبل الله منا ومنكم. الجزء: 104 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [105] في ظلال تفسير سورتي الكوثر والكافرون كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ، حيث تناول آيات السورتين واستخرج منهما كثيراً من الأحكام والمعاني والدلالات، وكان من أهمها: ما هو الكوثر؟ وموضوع التكرار في القرآن وفوائده. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الكوثر الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس بعد المائة من لقاء الباب المفتوح الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع, وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1416هـ) . الجزء: 105 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:1-3] هذه السورة قيل: إنها مكية، وقيل: إنها مدنية, والمكي: هو الذي نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , سواء نزل في مكة أو في المدينة أو في الطريق في السفر، يعني كل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وما نزل قبلها فهو مكي, هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء. يقول الله عز وجل مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} والكوثر في اللغة العربية: هو الخير الكثير, وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه الله تعالى خيراً كثيراً في الدنيا والآخرة, فمن ذلك: أنه النهر العظيم الذي في الجنة والذي يصب منه ميزابان على حوضه المورود صلى الله عليه وسلم, ماؤها أشد بياضاً من اللبن, وأحلى مذاقاً من العسل, وأطيب رائحة من المسك, وهذا الحوض في عرصات القيامة يرده المؤمنون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم, وآنيته كنجوم السماء كثرة وحسناً, فمن كان وارداً على شريعته في الدنيا كان وارداً على حوضه في الآخرة, ومن لم يكن وارداً على شريعته فإنه محروم منه في الآخرة. نسأل الله أن يوردنا وإياكم حوضه, ويسقينا منه. ومن الخير الكثير التي أعطيها صلى الله عليه وسلم في الدنيا: ما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر, وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل, وأعطيت الشفاعة, وأحلت لي المغانم, وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) هذا من الخير الكثير؛ لأن بعثه إلى الناس عامة يستلزم أن يكون أكثر الأنبياء أتباعاً وهو كذلك, فهو أكثرهم أتباعاً عليه الصلاة والسلام. ومن المعلوم أن الدال على الخير كفاعل الخير, والذي دلَّ هذه الأمة العظيمة التي فاقت الأمم كثرة هو محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فيكون للرسول صلى الله عليه وسلم من أجر كل واحد من أمته نصيب من الأجر, ومن يحصي الأمة إلا الله عز وجل. ومن الخير الذي أعطيه في الآخرة المقام المحمود, ومنه الشفاعة العظمى, فإن الناس في يوم القيامة يلحقهم من الكرب والغم ما لا يطيقون, فيطلبون الشفاعة فيأتون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم ويشفع, ويقضي الله تعالى بين العباد بشفاعته, وهذا مقام يحمده عليه الأولون والآخرون, داخل في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] . إذاً الكوثر: الخير الكثير، ومنه النهر الذي في الجنة, فالنهر الذي في الجنة هو الكوثر لا شك ويسمى كوثراً لكن ليس هو فقط الذي أعطاه الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الخير. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) ولما ذكر منته عليه بهذا الخير الكثير قال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] شكراً لله على هذه النعمة العظيمة, أن تصلي وتنحر لله, والمراد بالصلاة هنا جميع الصلوات, وأول ما يدخل فيها الصلاة المقرونة في النحر وهي صلاة عيد الأضحى, لكن الآية شاملة عامة: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ)) الصلوات المفروضة والنوافل وصلاة العيد والجمعة, {وَانْحَرْ} أي: تقرب إليه بالنحر, والنحر يختص بالإبل, والذبح للبقر والغنم, لكنه ذكر النحر؛ لأن الإبل أنفع من غيرها بالنسبة للمساكين؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في حجه أهدى مائة بعير, ونحر منها ثلاثاً وستين بيده, وأعطى علي بن أبي طالب الباقي فنحرها, وتصدق بجميع أجزائها إلا بضعة واحدة من كل ناقة فأخذها وجعلت في قدر فطبخها, فأكل من لحمها وشرب من مرقها, وأمر بالصدقة حتى بجلودها عليه الصلاة والسلام, والأمر له أمر له وللأمة, فعلينا أن نخلص الصلاة لله وأن نخلص النحر لله, كما أمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) ثم قال تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] هذا في مقابل إعطاء الكوثر قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (شانئك) أي: مبغضك، والشنئان البغض, ومنه قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة:2] أي: لا يحملنكم بغضهم أن تعتدوا, وقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} أي: لا يحملنكم بغضهم على ترك العدل فقال سبحانه وتعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] , فـ {شَانِئَكَ} أي: مبغضك. {هُوَ الْأَبْتَرُ} الأبتر اسم تفضيل, من بتر يعني قطع, أي: هو الأقطع المنقطع من كل خير, وذلك أن كفار قريش يقولون: محمد أبتر, لا خير فيه ولا بركة فيه، ولا في اتباعه, أبتر لما مات ابنه القاسم رضي الله عنه قالوا: محمد أبتر, لا يولد له, وإذا ولد له فهو مقطوع النسل, فبين الله عز وجل أن الأبتر هو مبغض الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو الأبتر المقطوع عن كل خير, الذي ليس فيه بركة وحياته ندامة عليه, وإذا كان هذا في مبغضه فهو أيضاً في مبغض شرعه, فمن أبغض شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو أبغض شعيرة من شعائر الإسلام، أو أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين الإسلام فإنه كافر خارج عن الدين, لقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] وما حبطوا في العمل إلا بالكفر, فمن كره فرض الصلوات فهو كافر ولو زكّى, ومن كره فرض الزكاة فهو كافر ولو صلّى, لكن من استثقلها مع عدم الكراهة فهذا فيه خصلة من خصال النفاق لكنه لا يكفر, وفرق بين من استثقل الشيء ومن كره الشيء. إذاً: هذه الآية تضمنت بياناً لنعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخير الكثير, ثم الأمر بالإخلاص لله عز وجل في الصلوات والنحر وكذلك في سائر العبادات, ثم بيان أن من أبغض الرسول عليه الصلاة والسلام أو أبغض شيئاً من شريعته فإنه هو الأقطع الذي لا خير فيه ولا بركة فيه. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 5 تفسير سورة الكافرون ثم قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6] هذه السورة هي إحدى سورتي الإخلاص, لأن سورتي الإخلاص: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في سنة الفجر, وفي سنة المغرب, وفي ركعتي الطواف, لما تضمناه من الإخلاص لله عز وجل, والثناء عليه بالصفات الكاملة, في سورة (قل هو الله أحد) . الجزء: 105 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (قل يا آيها الكافرون) يقول الله آمراً نبيه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] يناديهم ويعلن لهم بالنداء, (يا أيها الكافرون) وهذا يشمل كل كافر سواء كان من المشركين أو من اليهود أو من النصارى أو من الشيوعيين أو من غيرهم, كل كافر يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضراً لتتبرأ منه ومن عبادته. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون) قال تعالى: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1-5] كرر في الجمل على مرتين مرتين, {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لا أعبد الذي تعبدونهم, وهم الأصنام, {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} وهو الله, وهنا (ما) في قوله: {مَا أَعْبُدُ} بمعنى: من؛ لأن الاسم الموصول إذا عاد إلى الله فإنه يأتي بلفظ من {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: أنا لا أعبد أصنامكم وأنتم لا تعبدون الله {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الآن يظن الظان أن هذه مكررة للتوكيد, وليس كذلك؛ لأن الصيغة مختلفة {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} هذا فعل أو اسم؟ فعل, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} عابد وعابدون اسم, وفي التوكيد لابد أن تكون الجملة الثانية كالأولى, إذاً القول بأنه كرر للتوكيد ضعيف, إذاً لماذا هذا التكرار؟ قال بعض العلماء: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآن, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} في المستقبل, هذا قول, فصار: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يعني في الحال {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} يعني: في المستقبل، لأن فعل المضارع يدل على الحال, واسم الفاعل يدل على الاستقبال, بدليل أنه عمل, واسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان للاستقبال. لكن أورد على هذا القول إيراد, كيف قال: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟ وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف, أجابوا عن ذلك بأن قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} يخاطب المشركين الذين علم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا, فيكون الخطاب ليس عاماً وهذا مما يضعف القول بعض الشيء, فعندنا الآن قولان: الأول: أنها توكيد, والثاني: أنها في المستقبل. القول الثالث: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها, {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: لا تعبدون الله, {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: في العبادة, يعني: ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي, فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول له, أي: ليس نفي للمعبود ولكنه نفي للعبادة, أي: لا أعبد كعبادتكم ولا تعبدون أنتم كعبادتي؛ لأن عبادتي خالصة لله, وعبادتكم عبادة الشرك. القول الرابع: اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, أن قوله: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} هذا الفعل, فوافق القول الأول في هذه الجملة {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: في القبول, بمعنى: ولن أقبل غير عبادتي, ولن أقبل عبادتكم وأنتم كذلك لن تقبلوا, فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل, والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا, أي: لا أعبده ولا أرضى به, وأنتم كذلك لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته, وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الأقوال السابقة, فيكون قولاً حسناً جيداً. ومن هنا نأخذ: أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر إلا وفيه فائدة, لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو وهو منزه عن ذلك, وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وفي سورة المرسلات: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} قد يقال: ليس لها فائدة, بل هو تكرار لفائدة عظيمة, وهي: أن كل آية ما بين هذه الآية المكررة فإنها تشتمل على نعم عظيمة, وآلاء جسيمة, ثم فيها من الفائدة اللفظية: تنبيه المخاطب, بحيث يكرر عليه: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] ويكرر عليه: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:15] . الجزء: 105 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) ثم قال عز وجل: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:5] لكم دينكم الذي أنتم عليه والذين تدينون به, ولي دين, فأنا بريء من دينكم وأنتم بريئون من ديني, قال بعض أهل العلم: وهذه السورة نزلت قبل فرض الجهاد, لأنه بعد الجهاد لا يقر الكافر على دينه إلا بالجزية إن كان من أهل الكتاب وعلى القول الراجح: أو من غيرهم. ولكن الصحيح أنها لا تنافي الأمر بالجهاد, حتى نقول: إنها منسوخة, بل هي باقية ويجب أن نتبرأ من دين اليهود والنصارى والمشركين في كل وقت وحين, ولهذا نقر اليهود والنصارى على دينهم بالجزية ونحن نعبد الله وهم يعبدون ما يعبدون. على كل حال: هذه السورة فيها البراءة والتخلي من عبادة غير الله عز وجل, سواء في المعبود أو في نوع الفعل, وفيه الإخلاص لله عز وجل, وألا نعبد إلا الله وحده لا شريك له. وإلى هنا ينتهي ما تيسر من الكلام على هذه السورة وسورة الكوثر. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 105 ¦ الصفحة: 10 سنن يوم الجمعة، وحكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة السؤال أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لنا السنن التي ينبغي على المسلم اتباعها في يوم الجمعة, وما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟ الجواب قراءة سورة الكهف سنة؛ لأن فيها أجراً عظيماً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما ما يفعل في يوم الجمعة فهو: أولاً: الاغتسال, والاغتسال للجمعة واجب, إذا تركه الإنسان بدون عذر كان آثماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) أي: على كل بالغ, وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولما دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمير المؤمنين عمر يخطب، لامه على تأخره, فقال: (يا أمير المؤمنين! والله ما زدت على أن توضأت ثم أتيت, فقال له: والوضوء أيضاً؟ -أي: وتقتصر على الوضوء أيضاً- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) فأنت ترى أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عاتب عثمان بن عفان رضي الله عنه مع مقامه في الإسلام, وكما نعلم جميعاً أنه الخليفة الثالث في هذه الأمة, ومع ذلك عاتبه حين اقتصر على الوضوء, ولكنه واجب تصح الصلاة بدونه؛ لأنه ليس واجباً عن حدث كغسل الجنابة لكنه واجب يأثم الإنسان بتركه إلا لعذر, كما لو كان هناك برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء أو كان مريضاً يتضرر بالغسل أو ما أشبه ذلك. ومن ذلك أيضاً: السواك, وهذا السواك ليس السواك المعتاد بل هو سواك خاص, تنظف به الأسنان أكثر ويدلكها أكثر. ومنها: الطيب, أن يتطيب الإنسان في رأسه ولحيته وثوبه. ومنها: التبكير إليها, أن يبكر حين تطلع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على ذلك فقال: (من اغتسل -أي: يوم الجمعة- ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة, ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة, ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن, ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة, ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة) فالذي ينبغي للمسلم أن يغتنم الفرصة, فهذه هي فرصة العمر, أي فائدة أن تبقى تقطع الوقت -كما يقولون- في البيت أو السوق, وتترك هذا الأجر العظيم؟ اذهب إلى المسجد يحصل لك ثواب هذا القربان: بدنة، أو بقرة، أو كبش أقرن أو دجاجة أو بيضة بعد أن تغتسل, ثم إذا ذهبت إلى المسجد سيحصل لك خير كثير, تشاغل بالصلاة أو بالقراءة, إذا مللت من الصلاة قرأت, وإذا مللت من القراءة صليت, ولا بأس أن تتحدث إلى أحد إخوانك بشيء نافع, كالمباحثة في العلم أو ما أشبه ذلك, لكن الحرمان! والشيطان -نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه- يغلب على كثير من الناس, تجده في البيت ليس معه شغل فتراه في البيت من أجل أن يقضي الوقت من أجل يأتي وقت الصلاة، وهذا من الحرمان الكثير. كذلك أيضاً مما يستن في يوم الجمعة قبل الصلاة: أن يلبس الإنسان أحسن ثيابه التي عنده سواء كان جديداً أم غسيلاً؛ لأن ذلك من السنة, وينبغي أن يتحرى الدعاء إذا دخل الإمام يوم الجمعة بما شاء ولا سيما في أثناء الصلاة؛ لأن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً وهو قائم يصلي إلا أعطاه إياه. ومنها: أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, أكثرها, صل دائماً، الإنسان لا يمل ولا يتعب, صل دائماً: اللهم صل على محمد اللهم صل على محمد وأنت ماشٍ وأنت جالس وفي المسجد وفي البيت وفي السوق. والخير كثير, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أشياء كثيرة ترجع إليها إن شاء الله لتكتمل الفائدة. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 11 حكم الصلاة عن الميت السؤال فضيلة الشيخ! سمعت أن فضيلتكم يجيز الصلاة للميت, أرجو التوضيح؟ الجواب نعم, ما سمعت عني فهو صحيح, أن الإنسان لو صلّى ركعتين لوالده أو أمه أو ما أشبه ذلك فلا بأس, ولكن ليس معنى هذا: أننا نطلب من الإنسان أن يفعله, نحن نقول هذا عمل مرجوح, والأفضل أن تدعو لهما, الدعاء لهما أفضل من الصدقة لهما, وأفضل من الحج لهما, وأفضل من الأضحية لهما, وأفضل من كل عمل؛ لأن هذا هو الذي دلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا أظن أن أحداً يشك أن أعظم إنسان يدل على الخير هو الرسول صلى الله عليه وسلم, لا يمكن أن يحجب عنا الخير إطلاقاً, وقد قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية -أي: يعمل لنفسه عملاً يكون صدقة جارية له خلال حياته- أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له) ولا يعمل له؟ يدعو له، مع أن سياق الحديث في العمل, فلو كان العمل للميت أمراً مشروعاً لقال: أو ولد صالح يعمل له, أو يصلي أو يزكي أو ما أشبه ذلك لكن المشكلة أن العوام يقولون: لا, ويصرون على أن يتصدق أحدهم أو يعتمر لوالده أو يحج وما أشبه ذلك، ولو فتشت ما وجدته يدعو إلا قليلاً لوالده, وهذا لا شك أنه اختيار المرجوح على الراجح, نقول: يا أخي! اذهب واعتمر لنفسك وادع لأبيك في الطواف وفي السعي وفي الصلاة, أما أن تجعل عباداتك التي أنت ستحتاج إليها يوماً من الدهر تجعلها لهؤلاء الأموات الذين انقطع عملهم وتترك ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هذا خطأ. لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي إلا أن الناس الآن -الحمد لله- يسرنا كثيراً أنهم بدءوا ينتبهون, كنا نعهد سابقاً أنه لا أضحية إلا لميت, حتى لو قعدت أضحي لنفسي قالوا: باسم الله عليك! أنت ميت؟ الأضحية للميت, لا يعرفون أن الأضحية للحي, لكن الآن -الحمد لله- انتبهوا وصاروا يعرفون أن الأضاحي للأحياء, والأموات يدخلون تبعاً إذا قلت: اللهم إن هذه عني وعن أهل بيتي وفيهم ميت يدخل تبعاً, أو لهم وصايا هم أوصوا بها نعم يضحى لهم بها. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 12 خطورة تهاون من يضبط الساعة للعمل ولا يضبطها لصلاة الفجر السؤال قول الله تعالى في سورة الماعون: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] هل يدخل في هذا الذين يحسنون ضبط الساعة للعمل ولا يضبطونها لصلاة الفجر, فما توجيهكم لهم؟ الجواب {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:5] سبق لنا أنهم يفرطون في واجباتهم, سواء الفجر أو العصر كما يغلب على بعض الناس نسأل الله العافية, في صلاة الفجر لا يقومون إلا إذا جاء وقت العمل, وفي صلاة العصر حيث أنهم يأتون يتغدون ويحتاجون للنوم, لا يصلون إلا عند غروب الشمس, هؤلاء ممن ذكر الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} سواء ضبطوا الساعة للعمل أو لم يضبطوها, المهم أنهم يضيعون الصلاة. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 13 حكم قول المستفتي: ما حكم الشرع في هذه المسألة وإلقائه السلام عند السؤال السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هناك بعض السائلين إذا أراد أن يسأل أحد المشايخ عن سؤال, قال: ما حكم الشرع في هذه المسألة, أو ما قول الشرع في هذه المسألة, أفتونا جزاكم الله خير؟ الجواب القول بإسناد كلمة: ما قول الشرع، أو ما حكم الشرع إلى شخص يخطئ ويصيب، هذا خطأ؛ لأن الشرع ليس مقيداً بشخص إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم, هو الذي لا يقر على خطأ في دين الله, أما غير الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تقول: ما حكم الشرع وهو بشر يخطئ ويصيب, لكن قل: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما رأيك في كذا؟ هذا هو الأسلم والأولى, افرض أنك قلت لهذا الرجل: ما حكم الشرع؟ فقال: حكم الشرع في كذا أنه حرام وليس بحرام, صار كذباً على الشرع, لهذا نرى: أن الأحسن في التعبير أن يقال: ما حكم الشرع في نظرك؟ أو ما ترى في كذا؟ وأما تصدير السؤال بالسلام وهو جالس مع المسئول فهذا ليس من السنة, يعني: بعض الناس الآن تجده في المجلس ثم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، ما حكم كذا وكذا؟ هذا ليس من السنة؛ لأن الذين كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانهم لا يسلمون, إنما يسلم الذي يقدم كما في حديث المسيء في صلاته الذي جاء وصلّى في ناحية المسجد صلاة لا يطمئن فيها, ثم جاء فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ) فهذا نعم يسلم, أما إنسان جالس في الحلقة ثم إذا أراد أن يورد السؤال قال: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا ليس من السنة, ومعلوم أننا نحن مُتبِعون بمعنى: أننا نتمشى في عباداتنا على ما شرع لنا لا نتجاوز ولا نقصر، لكني أقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 14 السنة للإمام في الإتيان إلى المسجد السائل: ما السنة للإمام هل هو التبكير، أم الإتيان عند الإقامة؟ الشيخ: يعني حضوره إلى المسجد؟ السائل: نعم. الشيخ: السنة في حق الإمام أن يبقى في بيته يتعبد النافلة القبلية كصلاة الفجر والظهر, أو يفعل ما شاء, ثم إذا جاء وقت الإقامة حضر, هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل, لكن لو جاء من قبل فلا بأس, يعني لا يقال: هذا بدعة, قد يرى الإمام -مثلاً- من المصلحة أنه يأتي متقدماً من أجل أن يشجع الناس على التقدم, فهذا قد يكون خيراً, أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة فالأفضل أن يبقى في بيته حتى يأتي وقت الإقامة ولا سيما في يوم الجمعة, وبعض الإخوة في يوم الجمعة يأتي مبكراً وهو إمام وخطيب, يقول: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على التقدم يوم الجمعة, فيقال: حث الرسول صلى الله عليه وسلم على التقدم يوم الجمعة لكن شرع لأمته ألا يأتي الإمام إلا إذا جاء وقت الصلاة, فكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي للجمعة إلا حين يأتي وقت الصلاة؛ فلا يسن تقدم الإمام يوم الجمعة بل يبقى في بيته إلى أن يحين وقت الصلاة, ويكون مثاباً على بقائه في بيته, كما يثاب المتقدم من المأمومين. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 15 حكم استلام راتب المسجد مع غياب الإمام بعض الأيام السائل: سمعنا عنك طريقة تؤديها عند استلام راتب المسجد, وهي: أنك تخصم راتب الوقت الذي تغيب عنه ولا تؤم المصلين فيه, وعلى ذلك قام بعض الأئمة بوضع جدول يبين فيه جميع أوقات الصلوات اليومية خلال شهر كامل, وإذا تغيب عن هذا الوقت وضع أمامه إشارة أنه غائب عنه, وعند استلامه للراتب إما أن يستسمح من الأوقاف بأخذ الرواتب عن الأوقات التي لم يصليها أو يخصمها هو بنفسه, ويتبرع بها ويلزم نفسه بهذه الطريقة, فهل فعلهم هذا صحيح؟ وهل ما نقل عنكم صحيح أيضاً؟ جزاكم الله خيراً الشيخ: أما ما نقل عنا فليس بصحيح, نتغيب الوقت والوقتين, واليوم واليومين في أعمال تقتضيها الحال, ولا نخصم شيئاً, والإمام إمام, واليوم واليومان في الشهر لا يضر, لكن بعض الناس -والعياذ بالله- يأخذ الإمامة باسمه ويكلها إلى شخص آخر في كل الصلوات, فيأخذ مثلاً راتب قدره (1000) ريال, ويعطي هذا الذي يصلي (500) ريال, من الذي حل له الـ (500) الباقية؟ ولا سيما أنه من بيت المال لا يمكن أن يبذل إلا في مقابل منفعة وعمل, فما الذي أحل لك أن تأخذ (1000) ريال وتعطي هذا النائب عنك (500) ريال؟!! هذا حرام بلا شك, ويأكله آكله سحتاً, وشر من ذلك أن يرسم هذا الإنسان في المسجد مع أن أنظمة الدولة لا تجيزه لكنه يتستر, فيأخذ الوظيفة باسمه ويعطيها لهذا الذي رسمه هو, هذا يتضمن عدوان على الدولة وعلى نظامها, ويتضمن أكلاً للباطل فيما زاد عما يعطيه هذا الذي أقامه, بعض الناس مثلاً يأخذ ممن لا تجيز الدولة أن يقوموا بهذه الوظيفة ويتفق معه على أن يكون هو الذي أمام الدولة -أي: المواطن- ويكون المنفذ للعمل فعلاً هو هذا الذي لا تجيزه الدولة أن يقوم به في هذا المنصب، ولا يبالي ويأخذ الزيادة, هذا حرام أيضاً, وفيه كما قلت محذوران: المحذور الأول: التستر الذي هو خديعة للدولة. المحذور الثاني: أكل المال بالباطل. حتى لو فرض أنه قال: أنا أعطي الراتب كله هذا الرجل الذي قام عني، لا يجوز, ما دامت الأنظمة لا تجيز أن يقوم في هذا المنصب؛ لأن كل واحد من أبناء المملكة العربية السعودية له بيعة في عنقه لولي الأمر فيها, تستلزم بمقتضى الآيات الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] تستلزم أن يتمشى على هذا النظام. السائل: كيف بالنسبة للفراشة في المسجد؟ الفراشة -والله- قالوا لنا أي: الجهة المسئولة- المقصود أن ينظف المسجد, والفراشة لا يختلف فيها القصد, المقصود أن المسجد ينظف ويصان, وربما تكون صيانة الأجنبي في المسجد وفراشته له أحسن من الوطني, الوطني كسول ملول, لكن الأجانب في الغالب أنهم أنفع, وأنا قد سألت بعض المسئولين عن هذه المسألة وقالوا: نحن لا نريد إلا مسجداً مصاناً, لكن من الورع أن الإنسان لا يأخذ شيئاً زائداً عما قام به هذا الشخص أو يعطيه إياه. أما الذي فعله لنفسه هذا شيء لا نقول: فيه شيء! ربما أنه يحب الورع. السائل: طيب قلتم: يوزع الأوراق على مجموعة من الشباب الشيخ: لا غلط، هذا من التنطع. السائل: يعطيهم الأوراق يقول: إن أردتم الشيخ: لا أبداً ولا يعطيهم الأوراق، يفعله بنفسه ولا يلزم الناس به، والناس إذا أعطوا هذه الأوراق على جهة ورع وعبادة ربما يأخذون بها، وهذا من التنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) لكن الورع يختلف الناس فيه, قد يتورع إنسان ويجد في نفسه حرجاً من شيء, وغيره لا يرى هذا, ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله: جاءه سائل يسأل امرأة أو رجل، وأظنها امرأة فقالت له: يا أبا عبد الله إن السلطان يمر ونحن نغزل على ضوء القمر, وإنه بمروره يزداد عملنا, لأنه تكون الأنوار أقوى وأوسع, فهل لنا الحق في هذا؟ فقال: نعم, أنتم لم تجلبوا الأنوار هم الذي مروا في السوق ونفعكم الله بها. هذا معنى كلامه, هو تعجب من هذا السؤال, فلما انصرفت قال للذي حوله: من هذه المرأة؟ قالوا: هذه فلانة أخت إبراهيم بن أدهم , فقال: ادعوها, فدعوها فجاءت, فقال: ذلك لا يحل لكِ، كيف؟ قال: من بيتكم خرج الورع. أي: أنتم أهل الورع, والناس يختلفون. الجزء: 105 ¦ الصفحة: 16 لقاء الباب المفتوح [106] تحدث الشيخ رحمه الله عن سورة النصر وبيّن أن المراد بالنصر هو تسليط الإنسان على عدوه، وأن المراد بالفتح هو فتح مكة الذي كان في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان، وذكر الشيخ أن في هذه السورة إخباراً للنبي عليه الصلاة والسلام بانتهاء مهمته وأن أجله قد قرب. كما تحدث الشيخ عن سورة المسد، فقسم أعمام النبي عليه الصلاة والسلام إلى ثلاثة أقسام، وبين أصنافهم من حيث الإيمان والكفر. وفي نهاية لقائه أجاب عن أسئلة الحاضرين. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة النصر الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي يتم بها اللقاء كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثاني من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق الجميع علماً نافعاً وعملاً صالحاً. في هذا اللقاء سنتكلم عن سورتين من كتاب الله عز وجل: أولاهما سورة النصر, يقول الله تبارك وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] * {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:2] * {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لا شك فيه. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) يقول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] النصر: هو تسليط الإنسان على عدوه, بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته, وهو -أعني النصر-: أعظم سرور يحصل للعبد في أعماله؛ لأن المنتصر يجد نشوة عظيمة وفرحاً وطرباً, لكنه إذا كان بحق فهو خير, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) أي: أن عدوه مرعوب منه إذا كان بينه وبينهم مسافة شهر, والرعب: أشد شيء يفتك بالعدو؛ لأن الذي حصل في قلبه الرعب لا يمكن أن يثبت أبداً, بل سيطير طيران الريح, فقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر:1] أي: نصر الله إياك على عدوك, {وَالْفَتْحُ} [النصر:1] معطوف على النصر, والفتح به نصر لا شك, لكنه عطفه على النصر تنويهاً بشأنه، وهو من باب عطف الخاص بالعام, كقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] أي: في ليلة القدر, فالملائكة هم الملائكة والروح جبريل, وخصه بذكره لشرفه, وفي قوله: {وَالْفَتْحُ} [النصر:1] للعهد الذهني, أي: الفتح المعهود المعروف في أذهانكم, وهو فتح مكة. وكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان, وسببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً في غزوة الحديبية الصلح المشهور نقضوا العهد, فغزاهم النبي عليه الصلاة والسلام, وخرج إليهم مختفياً وقال: (اللهم عم أخبارنا عنهم) فلم يفاجئهم إلا وهو محيط بهم عليه الصلاة والسلام, ودخل مكة في العشرين من شهر رمضان عام (8 هـ) منصوراً مظفراً مؤيداً, حتى إنه في النهاية اجتمع إليه كفار قريش حول الكعبة فوقف على الباب يقول: (يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟) وهو الذي كان قبل ثماني سنوات هارباً منهم, وهو الآن في قبضته وتحت تصرفه, قال: (ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, قال: إني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف:92] ) ثم منَّ عليهم عليه الصلاة والسلام بالعفو, فعفى عنهم. هذا الفتح سماه الله تعالى فتحاً مبيناً، فقال: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] أي: بيناً عظيماً واضحاً, ولما حصل عرف العرب بل عرف الناس جميعاً أن العاقبة لمحمد صلى الله عليه وسلم, وأن دور قريش وأتباعها قد انقضى, فصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً -أي: جماعات- بعدما كانوا يدخلون فيه أفراداً ولا يدخل فيه الإنسان في بعض الأحيان إلا مختفياً, صاروا يدخلون أفواجاً في دين الله, وصارت النفوذ ترد على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة من كل جانب, حتى سمي العام التاسع عام الوفود, فجعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً) يقول الله عز وجل: إذا رأيت هذه العلامة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3] كان متوقع أن يكون الجواب فاشكر الله على هذه النعمة, واحمد الله عليها, نصر وفتح, ما جزاؤه من العبد؟ الشكر, هذا هو المتوقع, لكن صار المتوقع على خلاف ما نتوقع, قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر:3] وهذا نظير قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان:23-24] كان المتوقع {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} أن يقال: فاشكر ربك على هذا التنزيل, وقم بحقه وما أشبه ذلك, لكن قال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إيذاناً بأنه سوف ينال أذىً بواسطة إبلاغ هذا القرآن ونشره بين الأمة, {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} فكان الجواب يبدو متناكراً مع الشرط, لكن عندما تتأمل تعرف الحكمة, المعنى: أنه إذا جاء نصر الله والفتح, فقد قرب أجلك فما بقي عليك إلا التسبيح والحمد: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: سبحه تسبيحاً مقروناً بالحمد, والتسبيح: تنزيه الله تعالى عما لا يليق بجلاله, والحمد: هو الثناء عليه بالكمال مع المحبة والتعظيم, اجمع بين التنزيه وبين الحمد, {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: اسأله المغفرة, فأمره الله تعالى بأمرين: الأمر الأول: التسبيح المقرون بالحمد. الأمر الثاني: الاستغفار, وهو: طلب المغفرة, والمغفرة: ستر الله تعالى على عبده ذنوبه مع محوها والتجاوز عنها, وهذا غاية ما يريد العبد؛ لأن العبد كثير الذنْب, يحتاج إلى مغفرة, إن لم يتغمده الله برحمته هلك, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) اللهم تغمدنا برحمتك, لا أحد يدخل بعمله الجنة أبداً؛ لأن عملك هذا لو أردت أن تجعله في مقابل نعمة من النعم -نعمة واحدة- لأحاطت به النعم, فكيف يكون عوضاً تدخل به الجنة؟ ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له: إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] أي: لم يزل عز وجل تواباً على عباده, فإذا استغفرته تاب عليك, هذا هو معنى السورة, لكن السورة لها مغزىً عظيم لا يتفطن له إلا الأذكياء, ولهذا لما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الناس انتقدوه في كونه يدني عبد الله بن عباس مع صغر سنه ولا يدني أمثاله من شباب المسلمين, وعمر رضي الله عنه من أعدل الخلفاء الراشدين, أراد أن يبين للناس أنه لم يحابِ ابن عباس في شيء, فجمع كبار المهاجرين والأنصار في يوم من الأيام ومعهم عبد الله بن عباس وقال: ما تقولون في هذه السورة: (إذا جاء نصر الله والفتح) ؟ ففسروها بحسب ما يظهر فقط, فقال: ما تقول يا بن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين! هذا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم المعنى كأن الله يقول له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1-2] فقد انتهت مهمتك, ولن يبقى عليك إلا الرحيل, وأنت ما خلقت للدنيا لتتنعم فيها وتبقى فيها طويلاً, خلقت لمهمة انتهت, فهو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم. فتبين من ذلك فضل ابن عباس وتميزه، وأن عنده من الذكاء والمعرفة بمراد الله عز وجل ما افتقده كثير من الناس. لما نزلت هذه السورة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -الذي هو أشد الناس عبادة لله وأتقاهم لله- جعل يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي) فنقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 4 تفسير سورة المسد أما السورة الثانية فهي قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1-5] . سبحان الله! هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق, ليس لعلوه ولا لجاهه ولا لرئاسة قومه أبداً, له أعمام انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: آمن به, وجاهد معه, وأسلم لله رب العالمين. القسم الثاني: ساند وساعد لكنه باقٍ على الكفر -والعياذ بالله-. القسم الثالث: عاند وعارض وهو كافر. أما القسم الأول: فـ العباس بن عبد المطلب , وحمزة بن عبد المطلب , والثاني أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل, ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أسد الله وأسد رسوله, واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة, جمعني الله وإياكم به في جنات النعيم. أما القسم الثاني: من ساند وساعد مع بقايا الكفر فهو أبو طالب , الذي قام مع النبي صلى الله عليه وسلم خير قيام في الدفاع عنه, ومساندته, ولكنه -والعياذ بالله- قد سبقت له كلمة العذاب, فلم يسلم حتى في آخر حياته وفي آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم ولكنه أبى, ومات على قوله: إنه على ملة عبد المطلب , فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه. أما القسم الثالث: الذي عاند وعارض فهو أبو لهب , أنزل الله فيه سورة كاملة تتلى في الصلوات فرضها ونفلها, في السر والعلن, يثاب المرء على تلاوتها على كل حرف عشر حسنات, أي: من يقرأ سيرة أبي لهب التي في هذه السورة له في كل حرف عشر حسنات, لكن لو قرأت سيرة أبي بكر من سيرة ابن إسحاق أو سيرة البداية والنهاية وغيرها لم يحصل لك هذا الأجر, فالإنسان كأنه يدعى دعوة أكيدة إلى قراءة سيرة أبي لهب , كل حرف تقرأه من سورة المسد لك به عشر حسنات. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) يقول الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وهذا رد على قوله -أي: قول أبي لهب - حينما جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى الله, فبشر وأنذر, قال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! هذه الإشارة للتحقير, أي: هذا أمر حقير لا يحتاج أن يجمع له زعماء قريش, وهذا كقولهم: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] أي: يعيبها ويسبها -يعنون الرسول- قريش تقول: {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] والمعنى: للتحقير ليس فيه شيء ولا يهتم بهم, كما قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] . فالحاصل: أن أبا لهب قال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فرد الله عليه بهذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] والتباب الخسار, كما قال تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غافر:37] أي: خسار, وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلة العند والحركة والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك, وهذا اللقب أبو لهب لقب مناسب تماماً في حاله ومآله. وجه المناسبة: أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى -والعياذ بالله- لهباً عظيماً, فكنيته مطابقة لحاله ومآله, ويقول الشاعر: وقل أن أبصرت عينك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا سهيل بن عمرو وما أراه إلا سهل لكم من أمركم) لأن الاسم مطابق للفعل. يقول الله عز وجل: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] (ما) يحتمل أن تكون استفهامية, والمعنى: أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟! الجواب لا شيء, ويحتمل أن تكون ما نافية أي: لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً, وكلا المعنيين متلازمان, ومعناهما: أن ماله وما كسب لم يغن عنه شيئاً, ومع أن العادة أن المال ينفع, المال يأتي به الإنسان نفسه, لو تسلط عليه عدو وقال: أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني, سيطلقه، لكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً, لو مرض انتفع بماله, لو جاع انتفع بماله, فالمال ينفع, لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار ليس بنفع. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ما أغنى عنه ماله وما كسب) قال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} [المسد:2] أي: من الله شيئاً, وقوله: {وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] قيل: المعنى وما كسب من الولد، كأنه قال: ما أغنى عنه ماله وولده, كقول نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً} [نوح:21] فجعلوا قوله: {وَمَا كَسَبَ} [المسد:2] يعني بذلك الولد, وأيدوا هذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) . والصواب: أن الآية أعم من هذا, وأن الآية تشمل الأولاد, وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الآن, وتشمل ما كسبه من شرف وجاه, كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزاً فإنه لا يغني عنه شيئاً. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (سيصلى ناراً ذات لهب) قال تعالى: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] والسين في قوله: (سيصلى) للتتفيس المفيد للحقيقة والقرب, أي: أن الله تعالى وعده أو توعده بأنه سيصلى ناراً ذات لهب, فالسين: للتحقيق والتقريب, أي: أنه سوف يصلى عن قريب ناراً ذات لهب؛ لأن البقاء في الدنيا مهما طال فإن الآخرة قريبة, حتى الناس في البرزخ وإن مضت عليهم ملايين السنين فكأنها ساعة، قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35] وشيء يقدر بساعة من النهار, أظن أننا نتفق على أنه قريب ولا شيء. فكونه يصلى النار ذات لهب أمر محقق وقريب. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وامرأته حمالة الحطب) قال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] أي: وكذلك امرأته معه -والعياذ بالله- وهي امرأة من أشراف قريش, لكن لم يغنِ شرفها شيئاً؛ لكونها شاركت زوجها في العدوان والإثم والبقاء على الكفر, وقوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] قرئت بالنصب وبالرفع, أما النصب فإنها تكون حالاً من امرأة, أي: وامرأته حال كونها حمالة الحطب, أو تكون منصوبة على الذم؛ لأن النعت المقطوع يجوز نصبه على الذم أي: أذموا حمالة الحطب, وأما على قراءة الرفع فهي صفة لامرأة, {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] ما الحطب الذي تحمله، وتحمله بكثرة؟ (حمالة) صيغة مبالغة، ذكروا أنها تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم -والعياذ بالله- من أجل أذى الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (في جيدها حبل من مسد) قال تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:5] الجيد: العنق, والحبل معروف, والمسد الليف, يعني: أنها متقلدة حبلاً من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم -نعوذ بالله من ذلك- وهو إشارة إلى دنو منزلتها وأنها أهانت نفسها, امرأة من أكابر قبائل قريش تخرج إلى الصحراء وتضع هذا الحبل في عنقها وهو من الليف, معناه: فيه من المهانة لكن من أجل أذية الرسول عليه الصلاة والسلام, نسأل الله العافية. وبهذا انتهى الكلام على ما يسره الله عز وجل على هاتين السورتين. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 106 ¦ الصفحة: 11 الكلام الذي يقصد به التسلية أو الألغاز التي ظاهرها المساس بالعقيدة السؤال في بعض المجالس يحصل أن يتكلم أحد الحاضرين بكلام يقصد به التسلية، أو يأتي به على هيئة ألغاز, ولكن يظهر للسامع أن به مساساً بالعقيدة, ومن ذلك أنه يقول: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء. ويقصد بذلك الزوجة والولد، والله سبحانه وتعالى منزه عن الصاحبة والولد, كما يقول: لا حمد للاهي ولا شكر له. وقصده اللاهي الذي ألهته دنياه عن آخرته, فما حكم الشرع في نظركم لذلك؟ وما نصيحتكم لمن يقول مثل هذا الكلام؟ الجواب أرى أن هذا الكلام حرام؛ لأنه يوهم معنىً باطلاً وإن كان سوف يفسر ما يريد, لكن سيبقي الشيطان أثر ذلك في قلب المخاطب أو المستمع, وأنصح من يتكلم بهذا أن يقرأ قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] واعلم أن كلمتك هذه إن ترتب عليها كفر أو شك فالحساب عليك. فعلى كل مؤمن أن يحترم جانب الحق, جانب الرب عز وجل, وأن يعلم أن الأمر خطير, (رُب كلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) -والعياذ بالله- أو أكثر, فأرى أن هذا الكلام منكر, وأنه لا يحل للإنسان أن يلقيه, وأن على من سمعه أن ينصحه، فإن اهتدى فله ولمن نصحه, وإن لم يهتدِ فإنه يجب عليه أن يغادر المكان الذي يلقى فيه مثل هذا الكلام. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 12 استخدام بعض أجزاء الحيوانات للإنسان السؤال هذا شخص أوصاني أن أسألكم هذا السؤال يقول: إن جراحي القلوب قد يضعون عرقاً أو شرياناً معدنياً وقد يضعون -أيضاً- شرياناً يأخذونه من الخنزير, مع أن الشريان الذي من المعدن قد يصيبه الصدى, والشريان الذي من الخنزير يكون أحسن، وقد يلتحم ويصير وكأنه من الإنسان نفسه, فما حكم ذلك؟ الجواب لا بأس به، أي: لا بأس أن يصل إنسان شريان قلبه بشريان حيوان آخر, وينظر إلى ما هو أنسب لقلبه؛ لأن هذا ليس من الأكل إنما حرم الله أكل الخنزير، وهذا ليس أكلاً, وإذا علمنا أنه لا ينفعه إلا هذا فهذا من باب الضرورة, وقد قال الله تعالى في أكل لحم الخنزير الأكل المباشر: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] . الجزء: 106 ¦ الصفحة: 13 إعطاء الكافر هدية بسبب خدمته للمسلم السؤال هناك أناس من الكفار قد يكون زميلك في الدراسة, فعند قدومك في المطار يسهل عليك الأمور الجمركية, وأنت في المقابل تشتري له هدية, هل يجوز هذا؟ الشيخ: أرأيت لو كان مسلماً؟ السائل: لو كان مسلماً ممكن تكافئه على هذا. الشيخ: والكافر؟ السائل: أنا أسأل. الشيخ: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) لكن هل يحل للإنسان أن يكافئ عمال الحكومة ويعطيهم هدايا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول) ؟ يقال: أما إن كان ذلك لدفع شرهم ولا يندفع شرهم إلا بإعطائهم فلا بأس, حتى وإن كان مسلماً, مثلاً: أصحاب الجمارك لو قدرنا أنك تعطيهم مالاًَ ليكفوا عن أخذ الجمرك فلا بأس؛ لأن هذا دفع للظلم, مع أن الأفضل في هذا الحال أن تخضع، لكنه لما لم يكن به منابذة صار جائزاً, أما أن تنابذهم وتقول: لا أعطيكم, أنتم ظلمة, ومال المسلم محترم. فهذا حرام عليك؛ لأن الواجب على المؤمن أن يسمع ويطيع وإن ضرب ظهره وأخذ ماله, لكن في باب المدافعة بالمال لا بأس به. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 14 قصر الصلاة لطلاب الجامعات والفطر في رمضان السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قصر الصلاة لطلاب الجامعات خلال مدة دراستهم؟ وهل ينطبق إذا كان لهم حق القصر رخصة الفطر في رمضان أم لا؟ الجواب هذه المسألة مختلف فيها اختلافاً طويلاً عريضاً, فقد اختلف فيها العلماء على أكثر من عشرين قولاً؛ وذلك لأنه ليس هناك نصوص واضحة وصريحة بالتحديد, وإذا لم يكن هناك نصوص واضحة صريحة بالتحديد فالأولى إبقاء النصوص على عمومها, وأن الإنسان ما دام في السفر فهو مسافر, يترخص بجميع رخص السفر, حتى وإن أقام لغرض يعرف أنه ينتهي في المدة الفلانية أو لغرض متى انتهى رجع ولا يدري متى ينتهي. فالصواب: أن البابين حكمهما واحد, وأن من أقام لغرض متى انتهى رجع إلى بلده فإنه مسافر سواء حدد المدة أم لم يحددها, إذ ليس هناك نص في أن تحديد المدة ينقطع به السفر. لكني أقول: إن المقيمين للدراسة يجب عليهم أن يصلوا في جماعة إذا كانوا في بلاد إسلامية، ولا يحل لهم التخلف عنها باعتبار أنهم مسافرون؛ لأن المسافر لا تسقط عنه صلاة الجماعة ولا صلاة الجمعة، أيضاً ما دام في البلاد التي تقام فيه الجمعة, لكن لو فاتتهم الصلاة أو كانوا في مكان ليس حولهم مساجد وصلوا فلهم القصر على ما نرى أنه القول الصحيح, ومن قال: إنهم ليس لهم القصر فعليه الدليل؛ لأنهم ما زالوا مسافرين مغادرين لأهليهم ضاربين في الأرض يبتغون من فضل الله. وأما صيام رمضان فلهم أن يفطروا ويؤخروا إلى وقت يكون فيه النهار أقصر أو أبرد, لكن تأخيره إلى ما بعد رمضان الثاني في نفسي منه شيء؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك تراكمت عليهم الشهور, وربما عجزوا عن القضاء في المستقبل, فأرى أنه لا بد أن يصوم رمضان قبل أن يأتي رمضان الثاني. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 15 دفن الميت في البيت السؤال رجل دفن ابنه السقط من الشهر التاسع في زاوية من البيت, فهل يجوز له أن ينبش عليه القبر ويدفنه في المقابر, أم ماذا عليه؟ الشيخ: هل غسله وكفنه وصلّى عليه؟ السائل: نعم. الشيح: الأفضل أن يحفره الآن ويأخذ رفاته وينقله إلى المقابر. السائل: مر عليه زمن طويل. الشيخ: لا بأس، يحفره الآن ويأخذ رفاته؛ لأنه إن بقي شغل مكاناً من البيت, وإن حجّر عليه فصار مشكلة أن يقال: هذا قبر، ثم بعد مضي سنوات كثيرة ربما يتخذ وثناً. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 16 حكم الواسطة في الوظائف السؤال ما حكم ما يسمى بين الناس "الواسطة" وقد لا يخفى عليك معناها: وهو الشافع. أولاً: أن في ظني أن (90%) من المتعارف عليه بالواسطة هو على حساب آخرين, أي: تأخير الأحق وتقديم من دونه, ثم إنها فاشية عند الناس كثيراً, ويتعذر بعضهم بأن يقول: كل شخص يفعل ما يستطيعه، كل الناس يفعلون ولذلك أنا سأفعل ما أستطيع, فما حكمها -حفظكم الله- وبماذا تنصح الناس في ذلك؟ الجواب طلب الشفاعة لشخص أن يتبوأ وظيفة أو غيرها، إن كان هناك من هو أحق منه وقد تقدم لهذه الوظيفة ويعلم أنه إذا اتخذ الواسطة أو الشافع سوف يقدم هذا على من هو أحق، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يشبه بيع المسلم على أخيه, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. أما إذا كان الأمر قد حجز من قبل المسئولين وأنه لا يمكن أن يوظفوا أحداً حتى لو كان مستحقاً؛ لأنهم يريدون أن يتقدم من يحابونه لسبب أو لآخر، فله الحق أن يتقدم بالواسطة. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 17 تبشير العاصي بالجنة في قبره السؤال فضيلة الشيخ! علمت من الحديث الطويل للبراء بن عازب رضي الله عنه عن حال المؤمن والكافر عند الاحتضار والقبر, من بشارة بالنار وخذلان عند السؤال للكافر, وبشارة للجنة وتثبيت للمؤمن, فهل هذه البشارة أيضاً للمؤمنين الذين يخدشون على الصراط، أو يعذبون على بعض معاصيهم في الدنيا قبل دخولهم الجنة، هل هؤلاء يبشرون في القبر بالجنة أم يبشرون بالنار؟ الجواب الظاهر أن البشرى تحصل للمؤمن وإن كان عليه معاصٍ, وبعد ذلك قد يعفو الله عنها في الآخرة, وقد يعذب بها بمشيئة الله سبحانه تعالى, كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] . السائل: هو يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ. الشيخ: يبشر بالجنة وإن كان عليه معاصٍ. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 18 معنى قوله تعالى: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] ما المراد بقوله: {بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] ؟ الجواب قوله تبارك وتعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة:102] بابل منفصل عما بعدها, {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:102] أي: الناس {مِنْهُمَا} [البقرة:102] أي: من الملكين {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:102] أي: الناس {مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102] . هذه الآية امتحن الله سبحانه وتعالى عباده وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء, أنزل ملكين من الملائكة بمكان يقال له: بابل؛ وهو معروف في العراق , والملكان اسم أحدهما: هاروت, والثاني: ماروت, أنزل عليهما نوع من السحر يتعلمانه، علمهم الله سبحانه وتعالى إياه, وصارا يعلمان الناس هذا السحر, لكي يقيما الحجة وينفيا العذر: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] فمن الناس من يترك ولا يتعلم, ومنهم من يتعلم, هذا هو معنى الآية. فإذا قال قائل: كيف يكون ملكان يعلمان السحر ويعلمانه الناس, وتعلم السحر حرام كما صرحا به: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] ؟ فيقال: من الذي يحلل ويحرم؟ الله, والله سبحانه وتعالى قد يجعل الشيء الحرام حلالاً, بل واجباً, فالله تعالى أذن لهذين الملكين أن يعلما الناس السحر فتعليمهما السحر بإذن الله فلا يكون معصية ولا كفراً. أرأيتم السجود لغير الله أليس شركاً؟ بلى. ومع هذا لما امتنع الشيطان من السجود لآدم حين أمر الله الملائكة به صار الشيطان كافراً وصارت الملائكة مؤمنة مسلمة عندما سجدت, معناه: سجدت لغير الله, والسجود لغير الله شرك, فصار في هذه الحال طاعة وعبادة. قتل الإنسان ولده من كبائر الذنوب, من أعظم الذنوب أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك أو لغير ذلك من الأسباب, ومع ذلك صار طاعة يحمد الإنسان عليها حينما أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يقتل ابنه. كذلك السحر تعلمه حرام؛ لكن إذا كان بإذن الله صار حلالاً فلا إشكال في المسألة. بـ بابل أي: مكان بلد اسمه بابل , وهاروت وماروت اسم للملكين. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 19 أب عق عن ابنه بشاة فمات الابن فعليه أن يعق الثانية السؤال زوج رزقه الله بمولود ذكر ثم عق عنه بشاة فمات الولد, فهل يعق عنه بأخرى أم يكتفي بالأولى؟ الشيخ: لماذا اقتصر على الشاة في الأول؟ السائل: لأن الولد كان مريضاً, فاقتصر على الشاة. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله, كأنه يقول: أعطيتك يا رب نصف واحدة, وسأعطيك نصف العقيقة أم ماذا؟ السائل: لم أسأله يا شيخ! لكن هذا سؤاله. الشيخ: على كل حال، إذا كان هذا وجهة نظره فهي خاطئة, وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل, وأما العق بالثانية فيعق سواء بقي الولد حياً أو ميتاً. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 20 التفصيل في أفضلية الصلاة في الصف الأيمن السؤال هل الأفضلية في الصف الأول في الصلاة في الأيمن مطلقاً حتى ولو كان الأيسر قليلاً؟ الجواب لا. أيمن الصفوف أفضل من أيسرها مع التقارب أو التساوي, أما بعد الإمام فالدنو من الإمام أفضل, والدليل على هذا: أنه كان في أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة صف الإمام في الوسط, أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره, ولو كان الأيمن الأفضل مطلقاً لكان الذي على اليسار يذهب إلى اليمين, ويكون الإمام عن يسارهما, ثم إن الدنو من الإمام أمر مطلوب, وقد ورد في الحديث الضعيف: (وسطوا الإمام) فصار الأيمن أفضل مع التقارب أو التساوي مثل: أن يكون عن يسار الإمام أربعة وعن يمينه أربعة فدخل إنسان فيكون في الصف الأيمن أفضل, أما إذا كانوا عشرة على اليمين وثلاثة على اليسار فإنه يكون في اليسار. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 21 معنى قوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) السؤال شهد من نثق بهم, أنهم رأوا القمر في الصباح في المشرق في وقت الصلاة, وفي نفس اليوم -في المساء- رأوه في المغرب, أي: أن الشهر هلّ في نفس اليوم الذي رأوه, ألا يشكل هذا في قوله تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] ؟ الجواب الظاهر أنه لا يشكل هذا, معنى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس:40] أي: لا يمكن للشمس أن تخرج ليلاً, {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] أي: لا يمكن أن يكون الليل في النهار, ومعنى الآية: أن الله تعالى قد قدر الليل والنهار فلا يمكن لأحدهما أن يكون في وقت الآخر, لكنه جل وعلا بحكمته يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل -أي: يدخله- لكنه إيلاج كما يولج السلك في الإبرة, أي: أنه رويداً رويداً هذا هو معنى الآية. وأما ما ذكرت فالله تعالى يقول: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] فربما يسبق الشمس يرى في أول النهار ثم يرى في آخر النهار, وهذا يقع، المهم أنهم ثقات, وعليه فإذا رؤي في صباح اليوم التاسع والعشرين ثم شهد شهود ثقات أنهم رأوه في ليلة الثلاثين بعد الغروب فإنه يحكم بدخول الشهر الثاني. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 22 حكم المرأة الشاكة في الحمل المتوفى عنها زوجها السؤال رجل توفي عن امرأتين, واكتملت العدة الشرعية من المرأتين, إحدى النساء تقول: أنا عندي بالأشعة شيء غير محدد هو جنين أو غير جنين, علماً أنها تحيض فتقول: أنا سأستعمل أعشاب طب عربي من أجل إن كان طفلاً سيحييه الله, وإن كان غيره فيسقط, فما هو الواجب نحو هذه المرأة؟ الجواب المرأة الشاكة تنتظر حتى تتيقن أنها غير حامل, والتي ليس عندها شك إذا تمت أربعة أشهر وعشرة أيام انقضت عدتها. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 23 حكم صلاة الأطفال في الصفوف وحكم إبعادهم منها السؤال في أحد المساجد حلقة للصبية لتحفيظ القرآن الكريم، والأطفال يأتون بجوار والديهم على أساس ألا يعبثون بعضهم مع بعض، فما أدري الحكم في ذلك؛ لأنهم يقطعون الصف؟ الشيخ: يعني: خلاصة سؤالك: هل يجوز للصبيان أن يكونوا في الصف؟ الجواب نعم, يجوز أن يكون الصبيان في الصف ولو قطعوا الصف؛ لأنهم بشر ليسوا حجراً وليسوا أعمدة, فهم لا يقطعون الصفوف, ولا يجوز لأحد أن يبعدهم من مكانهم -أيضاً- حتى ولو كانوا خلف الإمام مباشرة في الصف الأول، فإنه لا يحل لأحد أن يبعدهم من مكانهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ولأن إقامتهم وطردهم من هذا المكان يؤدي إلى كراهتهم للمسجد ولأهل المسجد, ولأن طردهم من ذلك يؤدي أن تقوم العداوة بين آبائهم ومن طردهم, ولأن إقامتهم من ذلك يؤدي إلى أن يجتمع الصبيان في صف واحد, فيكون تشويشهم وإشغالهم للناس أشد, وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى) فهو والله على العين والرأس, وفوق كل ذي قول غير قول الله عز وجل, لكن ما معنى الحديث؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا يليني إلا أولو الأحلام والنهى, حتى نقول: اطردوا هؤلاء؟ المعنى: أن ذوي الأحلام والنهى يجب عليهم أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه, ففرق بين أن يقول: لا يليني إلا أولو الأحلام, وقوله: ليليني أولو الأحلام. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 24 حكم التمثيل بالكفار السؤال قدم علينا أحد الإخوة المجاهدين من البوسنة والهرسك , وتكلم عن الأعداء والتمثيل بهم, فاعترض عليه أحد الإخوة وقال: إن هذا لا يجوز وهو حرام, فرد عليه الأخ القادم من الجهاد وقال: إن هذا يجوز قبل قتله, أما بعد قتله فلا يجوز التمثيل به, فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب من رأى أنه لا يجوز التمثيل بالكفار إذا عثر عليه مطلقاً أخذ بعموم الحديث الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يوصي به من يبعثهم من الجيوش والسرايا: (ألا تمثلوا) ، ولكن هذا العموم مخصوص بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] فإذا كانوا يفعلون بنا ذلك فلنا أن نفعل بهم مثلما يفعلون بنا؛ لأننا لو نتقاصر عن هذا صار فيه ذل, وهم لن ينفعهم إذا لم نمثل بهم بحيث يكفون عن التمثيل بنا في المستقبل, وإلا لو رجونا ذلك لقلنا: نظراً لهذه المصلحة لا نمثل بهم. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 25 معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الأموات) السؤال فضيلة الشيخ! حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) هل هذا يشمل عموم الأموات الكفار وغيرهم، أم أنه خاص؟ الجواب والله في احتمال أنه من العموم, يعني: في بعض الألفاظ: (فتؤذوا الأحياء) والكافر قد يتأذى قريبه المسلم بسبه, والمسألة تحتاج إلى النظر في المصلحة بالنسبة لسب الأموات الكفار، قد يكون فيه مصلحة. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 26 حكم قتل الكافر بعد نطقه بالشهادتين السؤال قصة حدثت في أفغانستان , أحد الإخوة المجاهدين وجد شيوعياً فشهد هذا الشيوعي شهادة أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله, قال: أنا أسلمت, فقتله هذا المجاهد المسلم بعد أن أعلن شهادته, فهل هذه الحادثة نظير لحادثة أسامة بن زيد، أم تختلف؟ الجواب نعم. هي نظيرها, وهذا الرجل المسلم يحرم عليه أن يقتله, ما دام أنه قال: أشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله. السائل: مع أن الشيوعي كان مثخناً بالجراح. الجواب: ولو أثخن بالجراح, أليس معه عقله؟ كل من معه عقله فإسلامه صحيح, لكن ما دام متأولاًَ فالله يعفو عنه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 106 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [107] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الإخلاص: (إنها لتعدل ثلث القرآن) ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها في الركعة الثانية من سنة الفجر وفي سنة المغرب وفي ركعتي الطواف، وكذلك في الركعة الثالثة من الوتر؛ لأنها مبنية على الإخلاص التام لله، ومما ورد في فضل سورتي الفلق والناس أنه عليه الصلاة والسلام كان يتحصن بأذكار يقولها، فلما نزلت هاتان السورتان أخذ بهما وترك ما سواهما، وقد فسر الشيخ هذه السور الثلاث حتى نتدبرها نتفهم معانيها. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 1 تفسير سورة الإخلاص الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع بعد المائة من اللقاءات التي تتم كل أسبوع في كل يوم خميس, وهذا هو الخميس التاسع من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قل هو الله أحد) نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الإخلاص وما تيسر من السورة التي بعدها, يقول الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وهذا الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام وللأمة أيضاً, (هو الله أحد) ضمير الشأن مبتدأ عند المعربين, ولفظ الجلالة (الله) هو خبر المبتدأ, و (أحد) خبر ثان، و (الله الصمد) جملة ثانية. ذكروا في سبب نزول هذه السورة: أن المشركين أو اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك؟ من أي شيء هو؟ فأنزل الله هذه السورة, أي: (قل هو الله أحد) أي: هو الله الذي تتحدثون عنه وتسألون عنه هو أحد, أي: متوحد بجلاله وعظمته ليس له مثيل, وليس له شريك, بل هو متفرد بالجلال والعظمة عز وجل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الله الصمد) قال تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:2] جملة مستقلة, بين الله تعالى أنه الصمد, فما معنى: (الصمد) ؟ أجمع ما قيل في معناه: أنه الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته, فقد روي عن ابن عباس أن الصمد: هو الكامل في علمه, الكامل في حلمه, الكامل في عزته, الكامل في قدرته. إلى آخر ما ذكر في الأثر, وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات؛ لأنه كامل, وورد -أيضاً- في تفسيرها: أن الصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم. وهذا يعني: أن جميع المخلوقات مفتقرة إليه, وعلى هذا فيكون المعنى الجامع للصمد هو: الكامل في صفاته التي افتقرت إليه جميع مخلوقاته. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لم يلد ولم يولد) قال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] (لم يلد) ؛ لأنه جل وعلا لا مثيل له, والولد مشتق من والده, وجزء منه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في فاطمة: (إنها بضعة مني) والله جل وعلا لا مثيل له, ثم إن الولد إنما يكون للحاجة إليه؛ إما في المعونة على مكابدة الدنيا, وإما في الحاجة إلى بقاء النسل, والله عز وجل مستغنٍ عن ذلك, فلهذا (لم يلد) ؛ لأنه لا مثيل له, ولأنه مستغنٍ عن كل أحد عز وجل, وقد أشار الله عز وجل إلى امتناع ولادته -أيضاً- في قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام:101] فالولد يحتاج إلى صاحبة تلده, وكذلك هو خالق كل شيء, فإذا كان خالق كل شيء, فكل شيء منفصل عنه, (ولم يلد) وفي هذه الجملة رد على ثلاث طوائف منحرفة من بني آدم، وهم: المشركون, واليهود, والنصارى؛ لأن المشركين جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً وقالوا: إن الملائكة بنات الله, واليهود قالوا: عزير ابن الله, والنصارى قالوا: المسيح ابن الله, (ولم يولد) ؛ لأنه عز وجل هو الأول الذي ليس قبله شيء. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد) قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] أي: لم يكن له أحد مساوياً في جميع صفاته, فنفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه أن يكون والداً أو مولوداً أو له مثيل. هذه السورة لها فضل عظيم, قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها تعدل ثلث القرآن) لكن لا تقوم مقام ثلث القرآن, بدليل: أن الإنسان إذا كررها في صلاة الفريضة ثلاث مرات لم تكفه عن الفاتحة, مع أنه إذا قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله, لكنها لا تجزئ عنه, ولا تستغرب أن يكون الشيء معادلاً للشيء ولا يجزئ عنه, فهاهو النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن من قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) ومع ذلك لو كان عليه رقبة كفارة وقال هذا الذكر لم يكفه عن الكفارة, فلا يلزم من معادلة الشيء للشيء أن يكون قائماً مقامه في الإجزاء. هذه السورة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر، وفي سنة المغرب، وفي ركعتي الطواف, وكذلك يقرأ بها في الثالثة في الوتر؛ لأنها مبنية على الإخلاص التام لله, ولهذا تسمى: سورة الإخلاص. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 6 تفسير سورة الفلق يقول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ورب الفلق هو الله, والفلق: الإصباح, ويجوز أن يكون أعم من ذلك, أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح والنوى والحب كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] ، وقال: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام:96] . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: قل أعوذ برب الفلق) يقول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ورب الفلق هو الله, والفلق: الإصباح, ويجوز أن يكون أعم من ذلك, أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح والنوى والحب كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] ، وقال: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام:96] . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (من شر ما خلق) قال تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2] أي: من شر جميع المخلوقات، حتى من شر نفسك؛ لأن النفس أمارة بالسوء, فإذا قلت: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} فأول ما يدخل فيه نفسك, كما جاء في خطبة الحاجة: (نعوذ بالله من شرور أنفسنا) وقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب) قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:3] الغاسق: قيل: إنه الليل, وقيل: إنه القمر, والصحيح: أنه عام لهذا وهذا, أما كونه الليل فلأن الله تعالى قال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] وكما نعلم جميعاً أن الليل تكثر فيه الهوام والوحوش, فلذلك استعاذ من شر الغاسق أي: الليل, وأما القمر فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى عائشة القمر وقال: (هذا هو الغاسق) وإنما كان غاسقاً؛ لأن سلطانه يكون في الليل, وقوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} هو معطوف على (من شر ما خلق) من باب عطف الخاص على العام؛ لأن الغاسق من مخلوقات الله عز وجل, وقوله: {إِذَا وَقَبَ} أي: إذا دخل, فالليل إذا دخل في ظلامه غاسق, وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق, ولا يكون ذلك إلا في الليل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد) قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:4] النفاثات في العقد: هن الساحرات, يعقدن الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشياطين على كل عقدة, تعقد ثم تنفث تعقد ثم تنفث تعقد ثم تنفث وهي بنفسها الخبيثة تريد شخصاً معيناً, فيؤثر هذا السحر بالنسبة لهذا المسحور, وذكر الله النفاثات دون النفاثين؛ لأن الغالب أن الذي يستعمل هذا النوع من السحر هن النساء, فلهذا قال: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ويحتمل أن يقال: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أي: الأنفس النفاثات فيشمل الرجال والنساء. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (ومن شر حاسد وإذا حسد) قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5] الحاسد: هو الذي يكره نعمة الله عليك, فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فيحسده, ولكن الحساد نوعان: نوع: يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره, لكن لا يتعرض للمحسود بشيء, تجده مهموماً مغموماً من نعم الله على غيره, لكن لا يعتدي على صاحبه, والشر والبلاء إنما هو بالحاسد إذا حسد, ولذا قال: {إِذَا حَسَدَ} , ومن حسد الحاسد العين التي تصيب المعان, يكون هذا الرجل -نسأل الله العافية- يكون عنده كراهة لنعم الله على الغير, فإذا أحس بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنىً لا نستطيع أن نصفه؛ لأنه مجهول, فيصيب بالعين من تسلط عليه, أحياناً يموت وأحياناً يمرض وأحياناً يجن, حتى الحاسد يتسلط على الحديد فيوقف اشتغاله, ربما يصيب السيارة بالعين وتنكسر أو تتعطل, أو ربما يصيب رفاعة الماء أو حراثة الأرض, المهم أن العين حق تصيب بإذن الله عز وجل. ذكر الله عز وجل: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد؛ لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفياً, الليل ستر وغشاء, قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] يكمن فيه الشر, ولا يعلم به, النفاثات في العقد -أيضاً- كذلك السحر خفي لا يعلم, الحاسد إذا حسد العائن -أيضاً- خفي, تأتي العين من شخص تظن أنه من أحب الناس إليك، وأنت من أحب الناس إليه ومع ذلك يصيبك بالعين, لهذا السبب خص الله هذه الأمور الثلاثة: الغاسق إذا وقب, والنفاثات في العقد, والحاسد إذا حسد, وإلا فهي داخلة في قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} . فإذا قال قائل: ما هو الطريق إلى التخلص من هذه الشرور الثلاثة؟ قلنا: الطريق أن يعلق الإنسان قلبه بربه, ويفوض أمره إليه, ويحقق التوكل على الله, ويستعمل الأوراد الشرعية التي بها يحصن نفسه ويحفظها من شر هؤلاء, وما كثر الأمر في الناس في الآونة الأخيرة من السحرة والحساد وما أشبه ذلك؛ إلا بسبب غفلتهم عن الله, وضعف توكلهم على الله عز وجل, وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي بها يتحصنون, وإلا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج, لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس لا يعرف عن هذه الأوراد شيئاً, ومن عرف فقد يغفل كثيراً, ومن قرأها فقلبه غير حاضر, وكل هذا نقص, ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت بها الشريعة لسلموا من شرور كثيرة. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 12 تفسير سورة الناس أما السورة الثالثة فهي: سورة الناس: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1-6] . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 13 تفسير قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس) قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] وهو الله عز وجل, وهو رب الناس وغيرهم, رب الناس، ورب الملائكة، ورب الجن، ورب السماوات، ورب الأرض، ورب الشمس، ورب القمر، ورب كل شيء, لكن للمناسبة خص الناس. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 14 تفسير قوله تعالى: (ملك الناس) قال تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:2] أي: الملك الذي له السلطة العليا على الناس، والتصرف الكامل هو الله عز وجل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 15 تفسير قوله تعالى: (إله الناس) قال تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ} [الناس:3] أي: مألوههم ومعبودهم, فالمعبود حقاً الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه هو الله عز وجل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 16 تفسير قوله تعالى: (من شر الوسواس الخناس) قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:4-6] الوسواس قال العلماء: إنها مصدر يراد به اسم الفاعل, أي: الموسوس، والوسوسة: هي ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها, (الخناس) الذي يخنس وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل وهو الشيطان, ولهذا إذا أذن المؤذن انصرف الشيطان وهرب, وله ضراط من شدة ما وجد من الضيق, فإذا انتهى الأذان رجع -نسأل الله العافية- ولهذا جاء في الأثر: [إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان] . والغيلان: هي الشياطين التي تتخيل للمسافر في سفره، وكأنها أشياء مهولة أو عدو أو ما أشبه ذلك, فإذا كبر الإنسان انصرفت, فقوله عز وجل: (الخناس) أي: الذي يخنس, أي: ينصرف ويدبر ويولي ويذل أمام ذكر الله عز وجل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 17 تفسير قوله تعالى: (من الجنة والناس) قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6] أي: أن الوساوس تكون من الجن وتكون من بني آدم, أما وسوسة الجن فظاهر؛ لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم, وأما وسوسة بني آدم فما أكثر الذين يأتون للإنسان يوحون إليه بالشر, ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلبه وينصرف إليه. هذه السور الثلاث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفه ومسح بذلك وجهه وما استطاع من بدنه, وربما قرأها خلف الصلوات الخمس. فينبغي للإنسان أن يتحرى السنة في تلاوتها في مواضعها, كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا نختم آخر جزء في القرآن وهو جزء النبأ, لكنه قد فاتنا سورة وهي سورة الإنفطار. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 18 الأسئلة الجزء: 107 ¦ الصفحة: 19 حكم إجبار الكتابية على الغسل من الجنابة السؤال هل تجبر الكتابية على الغسل من الجنابة؟ الجواب إذا طلب زوجها منها ذلك فإنها تجبر على القول الصحيح, وإن كان هذا لا ينفعها؛ لأنها لن تصلي لكن ينفع زوجها بالنسبة لجماعها, فإذا أجبرها على أن تغتسل وجب عليها أن تغتسل, وقال بعض أهل العلم: إنها لا تجبر، لكن الراجح أنها تجبر لحق الزوج. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 20 الصيغة الصحيحة في الدعاء للميت بعد دفنه السؤال عندنا في الديار النوبية: إذا مات الميت وانتهى الناس من دفنه يقوم أحد الحاضرين ويدعو, والناس يُؤَمنون خلفه, فنريد الوضع الصحيح في الدعاء؟ الجواب هؤلاء الذين إذا انتهوا من دفن الميت وقف أحدهم وقام يدعو أخذوا هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم, واسألوا له التثبيت) فعملهم هذا له أصل, لكنهم أخطئوا في كيفية العمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يدعو لأصحابه, ولا كان الصحابة يدعون بعضهم لبعض عند الدفن, لكن يقال للناس: استغفروا لأخيكم, واسألوا له التثبيت, وكل يستغفر له وحده, هكذا السنة. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 21 وقت انقضاء عدة الحامل السؤال نحن شباب من مدينة رفحة قدمنا إلى منطقة القصيم لزيارة بعض المشايخ والعلماء, فأولاً نقول: إنا نحبكم في الله, ونبلغكم سلام أهالي رفحة , ويدعونكم لإلقاء المحاضرات والدروس العلمية؛ لأن المحاضرات عندنا قليلة يا شيخ، نريد بعض الدعاة وبعض العلماء وبعض المشايخ يزورونا في مدينة الشمال في منطقة رفحة. وأما سؤالي يا شيخ: هناك رجل توفي وعنده ثلاث زوجات, فكانت إحدى الزوجات حامل, فلما مات الزوج وضعت بعد عشرة أيام, فهل انتهت عدتها؟ الجواب أولاً نقول: نسأل الله أن يحبكم كما أحببتمونا فيه, وبالنسبة للإخوان في رفحة لا شك أنهم محتاجون إلى من يرشدهم ويعظهم, وأظن أن عندهم من المشايخ كفاية, يمكن أن يطلبوا من رئيس المحكمة ومن كان من طلبة العلم هناك أن يجلس معهم ولو في الأسبوع مرة, وأما المحاضرات العامة فأرى أن يكتب إلى الجهات المسئولة حول هذا الموضوع ويرتب مع المشايخ محاضرات. وأما الجواب على السؤال: فالمرأة الحامل التي وضعت بعد موت زوجها بعشرة أيام تنقضي عدتها, والزوجتان الأخريان يبقيان إلى أن يتم لكل واحدة أربعة أشهر وعشرة أيام من موت الزوج, ومن كانت حاملاً تنتظر حتى تضع الحمل, دليل ذلك قول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، وقوله في غير الحوامل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] وسبيعة الأسلمية رضي الله عنها مات عنها زوجها وهي حامل فنفست بعد موته بليالٍ, فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 22 ضابط الإسراف يرجع إلى العرف السؤال رجل اشترى منزلاً باثنين مليون ريال, ثم أثثه بستمائة ألف, وبعد ذلك اشترى سيارة بثلاثمائة ألف ريال, فهل هذا الرجل يعتبر مسرفاً ومبذراً؟ وما حكم التحف في البيوت, أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب الإسراف بارك الله فيك: هو مجاوزة الحد, وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين, وإذا قلنا: إن الإسراف مجاوزة الحد, صار الإسراف يختلف, فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان, وغير إسراف بالنسبة لفلان, فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات، وأثثه بستمائة ألف، واشترى سيارة, إذا كان غنياً فليس مسرفاً؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار, أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً, سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه, فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة, ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس, فهذا خطأ, فالأقسام ثلاثة: الأول: غني واسع الغنى, فنقول: إنه في وقتنا الحاضر ولا نقول في كل وقت: إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة, فليس بمسرف. الثاني: الوسط, فيعتبر هذا بحقه إسرافاً. الثالث: الفقير, فيعتبر في حقه سفهاً؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه؟!! الجزء: 107 ¦ الصفحة: 23 حكم المشي بين القبور بالنعال السؤال ما حكم المشي بين القبور بالنعال؟ الجواب المشي بين القبور بالنعال لا بأس به إذا كان لحاجة, كشدة برد أو طين، أو شدة حر أو شوك أو حصى, أما لغير حاجة فلا ينبغي أن يمشي بين القبور بالنعال, وأما ما كان خارجاً عن القبور فلا بأس, ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن الرجل إذا دفن وجاءه الملكان فإنه يسمع قرع نعال المشيعين إذا انصرفوا) . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 24 حكم من عليه كفارة ولا يستطيع الصوم السؤال رجل مريض بمرض السكر, وعليه كفارة صيام شهرين -كفارة قتل خطأ- ولا يستطيع أن يصوم لمرضه، فماذا عليه؟ الجواب إذا كان لا يستطيع أن يصوم فلا شيء عليه؛ لأن كفارة القتل ليس فيها إلا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين, كما في سورة النساء: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92] وليس فيه إطعام, فإن قدر على الصوم صام وإلا سقط عنه. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 25 حكم استخدام الحلاق للحاج أو المعتمر صابوناً فيه شيء من الطيب السؤال فضيلة الشيخ! بعض الحلاقين عندما ينتهي المعتمر أو الحاج من العمرة أو الحج يضع نوعاً من الصابون فيه شيء من الطيب, فما حكم ذلك؟ الجواب إذا كان جاهلاً فلا شيء عليه, سواء كان الجاهل هذا الحلاق أو المحلوق, أما إذا كان المحلوق عالماً بأن فيه طيباً فإنه يمنعه؛ لأنه لا يحل إلا إذا حلق أو قصر بعد التحلل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 26 الجمع بين طلب العلم والدعوة السؤال ما هو الأفضل لطالب العلم: الاشتغال بالعلم والدعوة معاً، أو الانتظار حتى ينتهي من طلب العلم ثم الدعوة؟ الجواب الأفضل أن يجمع بين طلب العلم والدعوة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) . السائل: لو كان علمه قليلاً هل يدعو، أو حسب العلم؟ الشيخ: لا. على حسب العلم، إذا كان علمه قليلاً فمعناه: لو اشتغل في الدعوة وذهب يميناً ويساراً معناه: لا يزداد علماً, لكن قصدنا إذا كان الإنسان علمه لا بأس به ويريد أن يجمع بينهما فليفعل. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 27 خطورة لعب بعض الشباب في المسجد حتى ركوع الإمام السؤال ما حكم ما يفعله بعض الشباب والإمام يصلي من اللعب والكلام, وإذا ركع الإمام أتوا يركضون ويزعجون المصلين, فما حكم هذه الركعة, وما حكم ما يفعلونه؟ الجواب أما عملهم هذا فسيئ, يعني: هؤلاء القوم الذين يبقون في المسجد يتحدثون وربما يضحكون والناس يصلون، فإذا ركع الإمام جاءوا يركضون ودخلوا في الصلاة, لا شك أن عملهم هذا سيئ, أما هل أدركوا الركعة؟ فنقول: نعم. هم أدركوا الركعة إذا كبروا الإحرام قياماً, ثم أدركوا الإمام في الركوع فقد أدركوا الركعة, لكنهم ينهون عن ذلك؛ لما فيه من الأذية للمصلين، والإعراض عن الصلاة والناس يصلون. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 28 ظلم الكفلاء لكفلائهم السؤال كثير من العمالة الوافدة يشتكون من كفلائهم بهضم حقوقهم، وأخذ أموالهم أو بعدم إعطائهم أموالهم، أو تحميلهم أعمالاً فوق طاقاتهم, أو العمالة الموجودة في المنازل من الخدم والخادمات, فما حكم الشرع في هذا؟ الجواب الحكم في هؤلاء الكفلاء الذين يظلمون مكفوليهم بالمماطلة في حقوقهم، أو بمنعهم مطلقاً، أو بإلزامهم بما لا يلزمهم أنهم ظالمون, وأنه يجب عليهم أن يتذكروا علو الله عز وجل عليهم, وأن الله إذا كان قد سلطهم على هؤلاء فهو سبحانه وتعالى له السلطة على الكفلاء, وعلى هؤلاء أن يذكروا قدرة الله عليهم, وأن قدرة الله عليهم أعظم من قدرتهم على هؤلاء الفقراء المساكين, ونحن نتكلم عن هذا كثيراً في الخطب وفي بعض المجالس, والإنسان -والعياذ بالله- إذا غلبه الشح فالشح هلكة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم) . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 29 حكم الأحذية التي فيها خطوط تشبه لفظ الجلالة السؤال يوجد بعض الأحذية التي فيها بعض الخطوط التي تشبه لفظ الجلالة, وقد أحضرت هذا الحذاء فيشتبه على الناس، فنرجو بيان هل هذا لفظ الجلالة أو ليس بلفظ جلالة؟ وما حكم بيعها ولبسها إذا كان لفظ الجلالة؟ الجواب أقول: -بارك الله فيك- هذا يقع كثيراً منذ أكثر من أربع أو خمس سنوات، والناس يشتبه عليهم مثل هذا الأمر, ولكن هذا الاشتباه لا حقيقة له؛ لأن الإنسان إذا تخيل شيئاً انطبع في ذهنه أن هذا هو الشيء الذي تخيله, لكن لو يأتي إنسان آخر لم يكن يطرأ على باله هذا الشيء لعرف أنه ليس هو ما تخيله الأول, فكثير ما يتخيل الإنسان -مثلاً- أن قطعة قماش بها نقوش يتخيل أنها طيور, وإذا رآها غيره يقول: أبداً ليست هذه طيور، كذلك هذا الذي نجده في بعض النعال، بعض الناس يتخيل أنه لفظ الجلالة وليس كذلك, لو أتى إنسان آخر لم يطرأ على باله هذا الشيء عرفه أنه لا حقيقة له, والأصل عدم المنع، وإنما والإباحة حتى يتيقن الإنسان أن هذا شيء ممنوع, وأنا الآن رأيت ما قدمت لي ولا أجد فيه شيء يشبه لفظ الجلالة. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 30 حكم من أدرك في مسجده التشهد الأخير ثم خرج وسمع مسجداً آخر يقيم الصلاة السؤال إذا لم يدرك الرجل من الصلاة مع الإمام إلا التشهد الأخير, وسلّم الإمام وقام وأتم هذه الصلاة, ثم خرج من المسجد فسمع مسجداً آخر يقيم الصلاة من توه, هل له أن يدخل هذا المسجد ويعتبر تلك الصلاة التي صلاها نافلة حتى يدرك صلاة الفرض جماعة كاملة، أو يدرك تكبيرة الإحرام أم لا؟ الجواب إذا أدرك الإمام في التشهد الأخير ودخل معه وصلى, وأتم صلاته فقد برئت ذمته, وأدى الفريضة, ولا ينبغي أن يذهب إلى مسجد آخر ليصلي فيه, لكن لو فرض أن له شغلاً في المسجد الآخر ودخل ووجد الناس يصلون صلى معهم, وتكون له نافلة -أعني الثانية- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) قالوا: هذا في رجلين تخلفا عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم -صلاة الفجر في مسجد الخير في منى - فلما رآهما دعاهما وسألهما عن السبب, فقالا: صلينا في رحالنا. السائل: ما فات فضل الجماعة في الأولى؟ الشيخ: فضل الجماعة حسب ما يكون هذا الشخص, إذا كان حريصاً على الجماعة ومن عادته أن يصلي مع الجماعة، ولكن تخلف لعذر فيرجى أن يكتب له أجر الجماعة كاملة قياساً على المريض والمسافر, فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 31 حكم فتح محل تجاري لإصلاح أجهزة الهاتف (والدش) وغيرها السؤال ما حكم فتح محل تجاري لتصليح أجهزة التلفاز (والفيديو) والهاتف وما شابه ذلك؟ الجواب فتح محل تجاري لتصليح التلفاز أو (الدش) أو ما أشبه ذلك من الآلات المحرمة حرام؛ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان, وأما إصلاح الهاتف والمسجلات والمذياع فلا بأس به؛ وذلك لأن الغالب في التلفاز (والدش) أنه يستعمل في المحرم, والغالب في المدياع والمسجل والهاتف أن يستعمل في المباح، فيؤخذ بالغالب, فيقال: أما إصلاح التلفاز (والدش) فهذا لا يجوز, وأما لإصلاح الهاتف والمسجل والمذياع فلا بأس. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 32 حكم صلاة المسافر إذا دخل بلداً فوجدهم يصلون العصر فصلى ركعتين بنية الظهر وركعتين بنية العصر السؤال رجل مسافر دخل بلداً وهم يصلون العصر وهو لم يصلِ لا الظهر ولا العصر, فدخل معهم في الركعتين الأولتين بنية الظهر, ثم سلّم من التشهد الأول، وقام ودخل معهم بنية العصر في الركعتين الآخيرتين, هل تصح صلاته هذه؟ الجواب صلاته غير صحيحة؛ وذلك لأن الإنسان إذا دخل مع الإمام وهو متم لزمه الإتمام, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي في السفر ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] وبناءً على ذلك نقول للأخ: يجب عليك أن تعيد الصلاة, صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً أيضاً, لأجل متابعة الإمام, فأنت جزاك الله خيراً بَلّغه, وقل: يجب عليك أن تصلي أربعاً للظهر وأربعاً للعصر. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 33 حكم الذهاب إلى صلاة الفجر حافيا ً السؤال هل من السنة أن الإنسان في صلاة الفجر يذهب إلى المسجد حافياً؟ الجواب لا. ليس من السنة أن يمشي الإنسان إلى صلاة الفجر حافياً، ولا لصلاة الظهر، ولا لصلاة العصر، ولا لأي صلاة من الصلوات, لكن السنة أن يمشي الإنسان حافياً في بعض الأحيان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كثرة الإرفاه, ويأمر بالاحتفاء أحياناً, أما الفجر أو غيرها من الصلوات فليس لها خصيصة في ذلك. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 34 حقيقة الحروف الزائدة في القرآن السؤال هل يصح أن يقال: إن في القرآن حروف زائدة؟ الجواب أما إذا أراد بكلمة زائدة ففي القرآن حروف زائدة من حيث الإعراب, أما زائدة يعني: ليس لها معنى فهذا ليس بصحيح, فقوله تبارك وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] الباء من حيث الإعراب زائدة, ولهذا لو كانت الجملة في غير القرآن وقلت: وما ربك ظلاماً للعبيد استقام الكلام, لكن من حيث المعنى لا, ليس في القرآن شيء زائد إطلاقاً من حيث المعنى؛ لأننا لو قلنا: في القرآن شيء زائد من حيث المعنى، لزم أن يكون في الكلام ما هو لغو لا فائدة منه, فإذا قال قائل: ما هي الفائدة في الحروف الزوائد في القرآن؟ قلنا: الفائدة التوكيد, فإن هذا من لغة العرب أنهم يؤكدون الشيء بالحروف الزائدة, والقرآن نزل باللغة العربية كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:192-195] . يسأل الرجل: ماذا يريد بالزائد؟ إذا قال: زائد إعراباً, قلنا: صح, وإذا قال: زائد معنى, قلنا: غلط. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 35 حكم بيع تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية السؤال سؤال من شقين: سمعنا -يا شيخ- أنكم أفتيتم بجواز بيع تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية, هل هذا صحيح؟ وإذا كان الجواب بنعم, ما رأيكم الآن وقد استغل البعض هذه الفتوى ببيع أربع ريالات معدنية بخمسة ريالات ورقية, وأصبحت متاجرة، فإني لو فتحت محلاً بهذه الصورة وأبيع بكميات كبيرة -مثلاً- بدأت بمبلغ مليون ريال فإن المكسب سيكون مغرياً؟ الجواب الفتوى صحيحة, يعني: نقل الفتوى عنا صحيح, وما زلنا نفتي بذلك, وأنه يجوز أن يأخذ الإنسان تسعة ريالات من الحديد بعشرة ريالات من الورق, لعموم الحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ولا حرج أن يتجر الإنسان بها؛ لأن فيها مصلحة للطرفين, فالذي أخذ التسعة عن عشرة استفاد, بالتصرف بهذه التسعة؛ لأنه ربما لا يتسنى له أن يتصل بأصحابه إلا بهذه النقود, والذي أخذ الزيادة استفاد أيضاً, ثم هذا الذي أعطاك التسعة لم يخرجها من دكانه, إنما أتى بها من مؤسسة النقد، أو من محل آخر فصار منه عمل تكلفه وأحضرها إلى هذا الدكان, وإذا كانت المسألة تكون كبيرة وبملايين نقول: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, وإذا أحل الله البيع فإننا لا نضيق على عباد الله إلا بدليل شرعي, فالأصل أن جميع البيوع حلال وأن الربا حرام, هذا الأصل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] . الجزء: 107 ¦ الصفحة: 36 الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام السؤال ما الفرق بين صلاة التراويح التي تكون بعد صلاة العشاء، وصلاة القيام التي تكون في آخر الليل في رمضان؟ الجواب لا فرق بينهما, صلاة التراويح في أول الليل أو في آخر الليل, لكن الناس في أيام العشر من الأواخر من رمضان يحبون أن يحيوا الليل اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في العشر الأواخر يحيي الليل كله, فلهذا جعلوا القيام في آخر الليل, والصلاة الخفيفة التي يسمونها التراويح في أول الليل, ولا بأس بهذا. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 37 معنى قوله عليه الصلاة والسلام لعلي: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته) السؤال فضيلة الشيخ! الرسول صلى الله عليه وسلم بعث علياً فقال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته) ما معنى: سويته في الحديث, علماً أن القبور عندنا في رفحى ما يقارب الشبر؟ الجواب معنى قوله: سويته أي: بما حوله, أي: جعلته مثل الذي حوله, أو معنى سويته أي: جعلته سوياً أي موافقاً للشريعة, فمثلاً: إنسان جعل على قبر أبيه أو أمه جعل نصائب رفيعة عالية تنظر من بعيد, قلنا: هذا قبر مشرف سوه نزل الحصى, أو بدلها بصغيرة, وكذلك لو جعل له تراباً كثيراً بحيث يتميز عن غيره يقال له أيضاً: لا بد أن تغيره, بعضهم قدره بشبر, والشبر: ما بين رأس الخنصر والإبهام. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 38 حكم تدريس المدرسين للطالبات السؤال هل يجوز للمدرسين أن يدرسوا الطالبات؟ الجواب نعم. لا بأس إذا لم يكن محذوراً, لكن تعلم الآن أنه إذا كان وجهاً لوجه فلا بد أن يكون فيه محذور؛ لأن الطالبات في الغالب يكشفن وجوههن للنظر في مقررهن والكتاب الذي بين أيديهن, ثم أيضاً ربما يكون الرجل شاباً جميلاً يفتن النساء, لهذا نرى أن الأولى أن يكون تدريس الرجل للنساء بواسطة الشبكة التلفازية, وأن يجعل مقابل الرجل ورقة من الكرتون أو غير الكرتون حتى لا يتبين وجهه للنساء, هذا هو الأحسن والأبعد عن الفتنة. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 39 معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (نهيت عن كف الشعر والثوب في الصلاة) السؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (نهيت عن كف الشعر والثوب في الصلاة) ؟ الجواب نعم, (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وألا أكف الشعر) . كان الرسول صلى الله عليه وسلم له شعر يضرب إلى منكبيه أحياناً, أو إلى شحمة أذنيه أحياناً, والشعر إذا كان ليناً ينساب حتى يرد إلى الأرض, فيكره الإنسان أن يكف هذا الشعر ويربطه, وأما الثوب فواضح أن الثوب إذا أردت أن تسجد لا تكفه, بعض الناس إذا أراد أن يسجد يرفع الثوب وهذا منهي عنه, دع الثوب على ما هو عليه, قال العلماء: والحكمة من ذلك: هو أن يكون سجوده شاملاً لثيابه وشعره كما هو يسجد على الأعضاء السبعة, ولهذا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وألا أكف شعراً ولا ثوباً) وأيضاً المقصود: أن تكفه لأجل الصلاة, أما لو كان الإنسان قد كفه من قبل لشغل أو نحوه فلا بأس أن يبقيه على ما هو عليه؛ لأن قوله: (أن أسجد ولا أكف) أي: لا أكف عند السجود, أما ما كان مكفوفاً من قبل فلا بأس. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 40 ابن توفي وترك تركة وقبل أن تقسم التركة مات الأب السؤال مسألة في الميراث: رجل متوفى في السعودية وله مبلغ في السعودية موجود هنا، وله زوجة وأبناؤه ووالدته ووالده, فقبل أن يتم تقسيم الميراث توفي والده, فالمسألة تحتاج إلى تفصيل لو تكرمت؟ الجواب على كل حال, أولاً يقسم ميراث الولد الذي مات في السعودية يقسم بين ورثته الذين هناك ومنهم الأب, على حسب قرار الله, للأم السدس وللأب السدس, وللزوجة الثمن، والباقي للأبناء والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين, ثم يقسم ميراث الأب بعد ذلك, ميراثه الذي ورثه من ابنه والذي كان عنده من قبل, يقسم بين الورثة, الورثة الآن الزوجة التي هي أم الميت الأول وأبناؤه، إن كانوا أبناء فأبناء ابنه لا يرثوه, وإن لم يكن له أبناء فأبناء ابنه ينزلون منزلة الأبناء. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 41 كف الشماغ لا يقاس على كف الشعر السائل: يا شيخ! هل يقاس كف الشماغ على كف الشعر؟ الشيخ: لا. الكف لا يقاس عليه الشماغ؛ لأن الشماغ الناس يلبسونه على صفات متعددة، شخص يلبسه هكذا كلبسي، -يعني: سابلاً من الطرفين- وشخص يلبسه هكذا يعني: يرد طرفيه من الخلف، وشخص يلبسه هكذا ينسف الطرفين على الرأس، فيختلف اللباس، ولهذا نجد العمامة في عهد الرسول تلبس وهي مكفوفة أليست مطوية على الرأس؟ فلبس الشماغ يختلف فيه الناس. نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح, وأن يجعلنا وإياكم ممن سلك طريقاً يلتمس فيه العلم. الجزء: 107 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [108] لقد جعل الله عز وجل ليوم القيامة آيات وعلامات تحدث، فأخبر بها سبحانه في مواطن كثيرة من كتابه، ومن هذه المواطن سورة الانفطار التي صورت هول ذلك اليوم ومطلعه، وكيف يكون حال الناس حين يبعثروا من قبورهم، ثم بين الله فيها بعد ذلك حال الإنسان حين يغتر بنفسه ويعجب وينسى الله عز وجل الذي خلقه وسواه، ثم بين بعد ذلك أن الإنسان محاسب على كل فعل يفعله، وأن الأمر أولاً وأخيراً سيكون له، فيحاسب هذا العبد على ما قدم وأخر من أعمال. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الانفطار الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن بعد المائة من لقاء الباب المفتوح, الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع, وهذا الخميس هو السادس عشر من شهر جمادى الثانية عام (1416هـ) , نستدرك فيه ما نسيناه من الكلام على سورة الانفطار. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا السماء انفطرت) قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:1-5] هذه أربعة أشياء إذا حصلت علمت النفس ما قدمت في أول عمرها وما أخرت. فقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] أي: انشقت, كما قال الله تبارك وتعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:1-2] . {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} أي: أن النجوم صغيرها وكبيرها تنتثر وتتفرق وتتساقط؛ لأن العالم انتهى. {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} أي: فجر بعضها على بعض, وملأت الأرض. {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} أي: أخرج ما فيها من الأموات حتى قاموا إليه عز وجل, في حصول هذه الأمور الأربعة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (علمت نفس ما قدمت وأخرت) قال تعالى:: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5] (نفس) هنا نكرة لكنها بمعنى العموم, إذ أن المعنى: علمت كل نفس ما قدمت وأخرت؛ وذلك بما يعرض عليها من الكتاب: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] , وفي ذلك اليوم يقول المجرمون: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] فيعلم الإنسان ما قدم وأخر, بينما هو في الدنيا قد نسي, فنحن الآن نسينا ماذا عملنا منذ أزمان بعيدة, لكن يوم القيامة يعرض علينا عملنا فتعلم كل نفس ما قدمت وأخرت, والغرض من هذا التحذير: تحذير العبد من أن يعمل مخالفة لله ورسوله؛ لأنه سوف يعلم بذلك ويحاسب عليه. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] المراد بالإنسان قيل: هو الكافر, وقيل: الإنسان من حيث هو إنسان, لأن الإنسان من حيث العموم هو إنسان ظلوم جهول، ظلوم كفار: {إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] فيقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ} [الانفطار:6] ويخاطب الإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن ديانته, {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] يعني: أي شيء غرك بالله حتى تكذبه في البعث, تعصيه في الأمر والنهي, بل ربما يوجد من ينكر الله عز وجل, فما الذي أغرك؟!! قال بعض العلماء: إن قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] إشارة إلى الجواب, وهو أن الذي غر الإنسان كرم الله عز وجل, وإمهاله، وحلمه؛ لكنه لا يجوز أن يغتر الإنسان بذلك: (فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) . إذاً: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ؟ الجواب كرمه وحلمه, هذا هو الذي غر الإنسان, وصار يتمادى في المعصية, يتمادى في التكذيب, يتمادى في المخالفة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (الذي خلقك فسواك فعدلك) قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:7] (خلقك) وأوجدك من العدم, و (سوّاك) جعلك مستوي الخلقة, ليست يد أطول من يد, ولا رِجل أطول من رِجل, ولا إصبع أطول من إصبع، بحسب اليدين والرجلين, فتجد الطويل في يد هو الطويل في اليد الأخرى, والقصير هو القصير وهلم جراً, سوى الله عز وجل الإنسان من كل ناحية, من ناحية الخلقة: {فَعَدَلَكَ} وفي قراءة سبعية: (فعدَّلك) أي: جعلك معتدل القامة, مستوي الخلقة, لست كالبهائم التي لم تكن معدلة بل تسير على يديها ورجليها, أما الإنسان فإنه خصه الله بهذه الخصيصة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (في أي صورة ما شاء ركبك) قال تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:8] أي: أن الله ركبك في أي صورة شاء, من الناس من هو جميل، ومنهم من هو قبيح، ومنهم المتوسط, ومنهم الأبيض، ومنهم الأحمر، ومنهم الأسود، ومنهم ما بين ذلك, أي صورة يركبك الله عز وجل على حسب مشيئته, ولكنه عز وجل شاء للإنسان أن تكون صورته أحسن الصور. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (كلا بل تكذبون بالدين) قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} [الانفطار:9] (كلا) حرف ردع, (بل) للإضراب, أي: مع هذا الخلق والإمداد والإعداد تكذبون بالدين, أي: بالجزاء, وتقولون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون:37] فتكذبون بالدين أي: بالجزاء, وربما نقول: وتكذبون أيضاً بالدين نفسه, فلا تقرون بالدين الذي جاءت به الرسل. والآية شاملة لهذا وهذا، لأن القاعدة في التفسير وعلم شرح الحديث: أنه إذا كان النص يحتمل معنيين لا ينافي أحدهما الآخر فإنه يحمل عليهما. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وإن عليكم لحافظين) قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:12] التأكيد بمؤكدين: إنَّ واللام: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} الإنسان عليه حافظ يحفظه ويكتب كل ما عمل, قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] فعلى كل إنسان حفظة, يكتبون كل ما قال، وكل ما فعل, وهؤلاء الحفظة كرام ليسوا لئاماً, بل عندهم من الكرم ما ينافي أن يظلموا أحداً فيكتبوا عليه ما لم يعمل، أو يهدروا ما عمل, لأنهم موصوفون بالكرم. قال تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} إما بالمشاهدة إن كان فعلاً, وإما بالسماع إن كان قولاً, بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من همّ بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، ومن همّ بالسيئة ولم يعملها كتبت حسنة كاملة) لأنه تركها لله عز وجل، والأول يثاب على مجرد الهم بالحسنة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إن الأبرار لفي نعيم) قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13] هذا بيان للنهاية والجزاء, (إن الأبرار) جمع بر, وهم كثيرو فعل الخير، المتباعدون عن الشر: {لَفِي نَعِيمٍ} أي: نعيم في القلب، ونعيم في البدن, ولهذا لا نجد أحداً أطيب قلباً ولا أنعم بالاً من الأبرار, حتى قال بعض السلف: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف". وهذا النعيم الحاصل يكون في الدنيا والآخرة: أما في الآخرة فالجنة, وأما في الدنيا فنعيم القلب وطمأنينته, ورضاه بقضاء الله وقدره, فإن هذا هو النعيم حقيقة, ليس النعيم في الدنيا أن تترف بدنيا, النعيم نعيم القلب. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (وإن الفجار لفي جحيم) قال تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14] (الفجار) هم الكفار ضد الأبرار, {لَفِي جَحِيمٍ} أي: في نار حامية والعياذ بالله. {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار:15] أي: يحترقون بها: {يَوْمَ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء، وذلك يوم القيامة. {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} [الانفطار:16] أي: لن يغيبوا عنها فيخرجوا منها, كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] لأنهم مخلدون فيها أبداً والعياذ بالله. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (وما أدراك ما يوم الدين) قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] هذا الاستفهام للتفخيم والتعظيم, يعني: أي شيء أعلمك بيوم الدين؟!! أي: اعلم هذا اليوم, واقدره قدره. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله) قال تعالى: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19] في يوم القيامة لا أحد يملك لأحد شيئاً لا بجلب خير ولا بدفع ضر إلا بإذن الله عز وجل لقوله: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} في الدنيا هناك أناس يأمرون من الأمراء والوزراء والرؤساء والآباء والأمهات لكن في الآخرة لا يمكن, الأمر لله عز وجل: {لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} إلا بإذن الله, ولهذا كان الناس في ذلك اليوم يلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، ثم يطلبون الشفاعة من آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى, حتى تنتهي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيشفع بإذن الله, فيريح الله العالم من الموقف: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} فإن قال قائل: أليس الأمر لله في ذلك اليوم وفي غيره؟ قلنا: بلى، الأمر لله تعالى في يوم الدين وفيما قبله, لكن ظهور أمره في ذلك اليوم أكثر بكثير من ظهور أمره في الدنيا؛ لأنه في الدنيا يخالف الإنسان أوامر الله عز وجل, ويطيع أمر سيده, فلا يكون الأمر لله بالنسبة لهذا, لكن في الآخرة ما في إلا أمر لله عز وجل, وهذا كقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] والملك لله في الدنيا والآخرة, لكن في ذلك اليوم يظهر ملكوت الله عز وجل وأمره، ويتبين أنه ليس هناك آمر في ذلك اليوم إلا الله عز وجل. وإلى هنا انتهى ما تيسر من الكلام على سورة الإنفطار. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 13 الأسئلة الجزء: 108 ¦ الصفحة: 14 وجوب إرجاع الإرث إلى بيت مال المسلمين إذا لم يعلم للميت ورثة السؤال عبد معتق من عمه قبل (45) عاماً, توفي عمه فخدم والدي ثم كبر ومرض ومات, ولديّ بعض المال له, ولم يوصني بشيء, فماذا أعمل به؟ الشيخ: لديك بعض المال لهذا العتيق؟ السائل: نعم، وليس له والٍ إلا الله عز وجل. الشيخ: هو مات معتقه قبله؟ السائل: نعم. الشيخ: ثم مات هو؟ السائل: ثم مات هو قريب. الشيخ: يكون عصبته هم عصبة المعتق، المتعصبون لأنفسهم. السائل: يعني: هل نبحث عن عصبته؟ الشيخ: لا، يعني: النسب؟ السائل: لا ليس له نسب. الشيخ: وهل تعرفون له أقارب من النسب؟ السائل: لا ما نعرف. الشيخ: إذاً الميراث لكم أنتم أبناء ابن المعتق. السائل: المعتق ليس والدي. الشيخ: الجد؟ السائل: وليس جدي، بل شخص آخر، وإنما عرفناه هو من 45 سنة وهو جالس. الشيخ: يعني: ليس بينكم وبينه قرابة؟ السائل: ليس بيننا وبينه قرابة ولا عتق ولا شيء. الشيخ: نعم، إذاً معناه: لا يعلم الآن له وارث لا بنسب ولا بولاء. السائل: نعم، كذا. الشيخ: طيب الجد هذا الذي أعتقه ما له أولاد؟ السائل: يمكن يكون له أولاد لكن لا نعرفهم. الشيخ: ما تعرفونهم؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً ارجعوا به إلى المحكمة إلى بيت المال، يعني: كل الذي خلفه الآن لازم يكون في بيت المال, تذهبوا إلى المحكمة. السائل: ما نضعه في مسجد، أو في شيء آخر؟ الشيخ: لا أبداً؛ لأنه ما أوصى، إذاً يكون في بيت المال، ليس لكم أن تتصرفوا فيه. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 15 ركعتي الضحى والسنن الرواتب تغني عن تحية المسجد السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لركعتي الضحى هل تدخل فيها تحية المسجد؟ الجواب مثلاً: إنسان دخل المسجد وقت الضحى, وصلى بنية سنة الضحى فتكفي عن تحية المسجد, وكذلك الراتبة تكفي عن تحية المسجد, لو دخل إنسان -مثلاً- وصلى راتبة الفجر أو راتبة الظهر الأولى كفت عن تحية المسجد, لكن تحية المسجد لا تكفي عن هذا, يعني: لو دخل بعد أذان الظهر ونوى بالركعتين تحية المسجد ما أجزأت عن الراتبة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 16 تحديد سن الأطفال في التحجب عنهم السؤال هل هناك سن محدد للحجاب عن الأطفال؟ الجواب ليس هناك سن محدد؛ لقول الله تبارك وتعالى: {أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] فلم يحددهم بسن معين, فإذا عرف من هذا الصبي أنه ينظر إلى النساء ويتتبع النساء, صار يطلع على عورات النساء فوجب الاحتجاب عنه, وغالباً يكون من العشر سنوات فما فوق, لكن بعض الأطفال غافل عن هذا الشيء ولا يطلع على عورات النساء؛ لأنه لم يسمع به في مجالسه, وبعض الأطفال ينتبه لهذا أكثر لأنهم يتحدثون عنده في المجالس بهذا الأمر فتنشأ معه محبة النساء والنظر إليهن. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 17 الضوابط الشرعية للهو المباح السؤال بالنسبة للضوابط الشرعية للهو المباح؟ الجواب اللهو المباح: هو ما يلهو به الإنسان مع فرسه, أو مع رمحه, أو مع أهله, هذا هو اللهو المباح. السائل: بالنسبة للألعاب الحاضرة مثل الكرة وما شابهه، هل لها ضابط؟ الجواب: الألعاب هذه ما ينفع الإنسان في بدنه ولم يلهه عن واجب فهذا لا بأس به, مثل: كرة القدم لا بأس إن لم تشغلك عن واجب, ولم تشتمل على محرم كتقصير السراويل، أو السب والشتم فيما بين اللاعبين, هذه لا بأس بها, أما الألعاب الأخرى فهذه يرى علماؤنا أنها حرام مثل: (البلوت) و (التنس) وما أشبهها. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 18 معنى حديث: (ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له سيئة) السؤال شخص حدثني: أن هناك حديث في مكة: (ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له سيئة) فما صحة هذا الحديث؟ الجواب إذا هم ولم يعملها فإن تركها لله أثيب على ذلك, وإن تركها لأن نفسه طابت منها فإنه لا يثاب على تركها تكتب عليه في مكة , قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25] . الجزء: 108 ¦ الصفحة: 19 التفصيل فيمن أراد العمرة وعمله في منطقة بعيدة عن سكنه السؤال إنني أعمل في حفر الباطن , ومقر سكن الأهل في منطقة جدة , ولقد عقدت النية وأنا في حفر الباطن أن آخذ العمرة, وحينما ذهبت في الإجازة أحرمت من منزل الأهل وأخذت العمرة, هل ينبغي عليّ أن أحرم من ميقات الطائف أم من المنزل, أفيدوني حفظكم الله؟ الشيخ: لكن هل نيتك عندما أتيت من حفر الباطن الذهاب إلى أهلك، أو نويت العمرة؟ السائل: الذهاب إلى أهلي وعمرة. الشيخ: لكن أصل مجيئك في الإجازة؟ السائل: أصل مجيئي للأهل. الشيخ: إذا كان أصل المجيء إلى الأهل فاذهب إلى الأهل بدون إحرام، ومتى أردت أن تحرم أحرم من جدة , وأما إذا كان ما جئت في هذا الوقت إلا للعمرة لابد تأتي الميقات. السائل: أنا نويت في الأصل الزيارة للأهل بعدها أحرم وأطلع عمرة. الشيخ: نعم. لأن هناك فرق بين الذي من أهل جدة وأتى يريد مسكنه, هذا نقول: إذا أردت العمرة أحرم من مكانك من جدة , أو إنسان -مثلاً- من أهل القصيم يريد أن يذهب إلى جدة وإلى مكة هذا نقول: لابد أن تحرم من الميقات. فأنت الآن حسب ما فهمت من كلامك أنك تريد أهلك بالقصد الأول, فنقول: اذهب إلى أهلك، وإذا أردت الإحرام أحرم من مكانك. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 20 حكم الزكاة في الخيل إذا لم تعد للتجارة السؤال فضيلة الشيخ: ما رأي الشرع في نظركم في الشخص الذي يقتني الخيول للزينة، أو للتجارة، أو للسباق, وهل عليه فيها زكاة؟ الجواب ليس عليه فيها زكاة إلا إذا كانت للتجارة, إذا كان الإنسان يتجر بالخيل يبيع ويشتري فيها فعليه زكاة؛ لأنها عروض تجارة، أما إذا أعدها للسباق، أو أعدها للركوب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) . مداخلة: ما الحكم يا شيخ في من يتخذه للمسابقة؟ الشيخ: لا بأس بذلك، بل هو من الأمور المطلوبة, ولهذا جاز العوض في السباق على الخيل, يعني: يجوز لك أن تسابق اثنين على الخيل بعوض؛ لأن في هذا إعانة على الجهاد في سبيل الله والتمرن على ركوب الخيل (والخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) . الجزء: 108 ¦ الصفحة: 21 جواز أخذ المكافئة من الجامعة وإن تغيب الطالب السؤال المكافآت التي يأخذها طلاب الجامعة, إذا كان يغيب الطالب ويأخذ المكافأة كاملة ولا يجازونه, فهل هذا من الكسب الطيب؟ الشيخ: هل يعلمون بتغيبه؟ السائل: نعم يعلمون. الجواب لا بأس أن يأخذها كاملة؛ لأن هذه المكافأة بناءً على أنه طالب ليست أجرة يومية لنقول: إذا غبت يوماً لابد أن تخصم من الراتب, هذه مكافأة لكونك ارتبطت بالجامعة وفرغت نفسك لطلب العلم. السائل: ما تؤثر على دعائه يا شيخ؟! الشيخ: لا. إذا قلنا: إنه حلال ما تؤثر على دعائه. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 22 حكم قراءة القرآن للجنب السؤال هل الجنب يقرأ القرآن؟ الجواب لا. الجنب لا يقرأ القرآن؛ لأن الأحاديث تدل على منعه, لكن لو قرأ دعاءً مثلاً قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ، أو قال وهو يدعو: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] فلا بأس, أما إذا قصد التلاوة فلا يجوز. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 23 جواز تنظيم جمعية للموظفين في الاقتطاع من الرواتب السؤال ما حكم الجمعية, مثل: أن يستقطع بعض الأشخاص جزءاً من رواتبهم يأخذه شخص واحد كل شهر؟ الجواب لا بأس, الجمعية معناها: أن يجتمع مثلاً هؤلاء الموظفون ويقولون: نريد نقتطع من راتب كل واحد منا ألف ريال, نعطيه للأول, والشهر الثاني للثاني, والشهر الثالث للثالث، حتى تدور عليهم كلهم، هذا لا بأس به ولا حرج. السائل نفسه: هل عليها زكاة؟ الشيخ: نعم عليها زكاة إذا كان المدين غنياً. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 24 صحة قول: (منة الله ولا منة خلقه) السؤال قول القائل: (منة الله ولا منة خلقه) ما صحة ذلك؟ الجواب صحيح, منة الله ولا منة خلقه, معناه: أنه اكتفى بمنة الله, والله عز وجل له المنة علينا, ولا منة خلقه يعني: لا أريد أن أسأل أحداً أو أستجدي أحداً, فهي كلمة لا بأس بها. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 25 النجاسة لا توجب الوضوء وإنما تغسل السؤال رجل في طواف الوداع في الشوط الثاني هو وجماعة فحس أنه وطئ على شيء -أكرمكم الله- مثل البراز في المطر, فشك، ففي الشوط الخامس حصل أن الناس ابتعدوا وكلهم يقولون: نجاسة نجاسة! فجاء عمال النظافة ونظفوا المنطقة التي في الطواف, وكانت زحمة شديدة فعندما انتهى من الطواف, رجع فتوضأ وصلى الركعتين, فما حكم الطواف؟ الشيخ: الطواف صحيح ما فيه شيء, لكن لماذا يتوضأ؟ السائل: لأنه يشك في المسألة يعني إنه فيه الوضوء. الشيخ: هل أحدث؟ السائل نفسه: ما أحدث. الشيخ: النجاسة لا توجب الوضوء, النجاسة تغسل فقط وإذا كان الإنسان على وضوء بقي على وضوئه. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 26 عدم مشروعية المسابقة إلا فيما نص عليه الشرع السؤال الآن بعض الناس يتراهنون على شيء, يقول أحدهم: أنا أعطي خمسين ريالاً أو مائة ريال إذا كان كذا ويقول الثاني: وأنا كذلك إذا كان كذا أو عشاء؟ الجواب هذا لا يجوز, لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر) الخف الإبل, والحافر الخيل, والنصل السهام -أي: الرمي- هذه الثلاثة يجوز أن نتراهن فيها, وما عدا ذلك فلا يجوز. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 27 ضابط التشبه بالكفار السؤال التشبه بالكفار سمة في هذا الزمن, انتشرت الوسائل من سيارات وكهرباء وغيرها, فهل من حد في التشبه بالكفار نقول: فعل هذا تشبه، وفعل هذا ليس تشبهاً؟ الجواب التشبه بالكفار هو أن الإنسان يتزيا بزيهم في اللباس, أو في الكلام, أو ما أشبه ذلك, بحيث إذا رآه الرائي يقول: هذا من الكفار, أما ما يشترك فيه المسلمون والكفار فهذا ليس تشبهاً, مثل: الآن لبس البنطلون للرجال لا نقول هذا تشبه؛ لأنه صار عادة للجميع, وأما مسألة السيارات وغيرها فهذه ما فيها تشبه إطلاقاً. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 28 التفصيل في زكاة الدين السؤال إذا طلب شخص مبلغاً وهو سلفة هل عليه زكاة يا شيخ؟! الجواب هذا الدين سواء كان سلفة، أو ثمن بيع، أو أجرة بيت، أو شيئاً آخر, إذا كان على مليء فإنه تجب زكاته كل عام, فتزكيه مع مالك إن شئت, وإن شئت قيدت الزكاة فإذا قبضته زكيته لما مضى, وأما إذا كان على معسر لا يستطيع الوفاء أو على غاشم ظالم لا تستطيع أن تستوفي حقك منه فإنه لا زكاة فيه, لكن متى قبضته ولو بعد عشر سنوات تزكيه سنة واحدة سنة القبض, وهذا القول هو القول الراجح الوسط بين قولين: قول ليس فيه زكاة، إذا كان على معسر فلا تزكيه إلا إذا قبضته وتمت السنة, والقول الثاني: أن فيه زكاة ولو كان على معسر, الصواب: ما ذكرناه لك بهذا التفصيل, إذا كان على موسر تستطيع أن تستوفيه منه فعليك زكاته كل عام, إذا كان على معسر أو على من لا تستطيع مطالبته فليس فيه زكاة، لكن إذا قبضته زكيته سنة واحدة لما مضى. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 29 أمور يجب مراعاتها عند استقدام الخادمة السؤال بالنسبة لتشغيل الخادمة في المنزل التي ليس لها محرم وهي كاشفة لوجهها؟ الجواب الخادمة في المنزل أولاً: لابد أن يكون معها محرم, لا يجوز لإنسان يأتي بخادمة بلا محرم, لأن هذا فتنة عظيمة. ثانياً: يجب عليها أن تحتجب عن أهل البيت -عن الرجال- كما تحتجب عن أهل السوق, إذ لا فرق، وكلهم غير محارم لها, وتهاون بعض الناس الآن من الأمور التي ابتلي بها الناس, فإن بعض الناس يتهاون في كشف وجه الخادمة, وبعضهم يتهاون أيضاً في كونه يدخل البيت وليس فيه أحد سوى الخادمة, فيخلو بها مع أنه ما خلا إنسان بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان والعياذ بالله فالواجب الحذر. الواجب أولاً: ألا نأتي بالخادم إلا للحاجة؛ لأنه بدون حاجة من إضاعة المال, لأنها ستطلب منك راتباً شهرياً، فإذا كنت غير محتاج إليها فصرف هذا الراتب إضاعة للمال. ثانياً: أن يكون معها محرم. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 30 حكم المراهنة ولو كان من طرف واحد السؤال إذا كان الرهن من طرف واحد, مثلاً: زيد وعمرو, قال زيد: إذا وقع هذا الشيء لك ألف ريال, لكن عمرو لم يقل هذا الشيء لأنه طرف آخر؟ الشيخ: لكن هو الذي التزم أو ألزمه غيره؟ السائل: هو الذي التزم بنفسه. الشيخ: إن كان هذا الشيء فعليه ألف ريال. السائل: نعم، من طرف واحد. الشيخ: لمن الألف الريال؟ السائل: لعمرو. الشيخ: لماذا استحقها عمرو؟! هل عمل عملاً؟ إذا لم يعمل عملاً وليس فيه مقابلة فهو من أكل المال بالباطل, نعم لو قال شخص: إذا فعلت كذا فلك ألف ريال, وحاول ذاك فعله حتى فعله فهذا يعطى؛ لأنه تعب وعمل. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 31 وجوب إنكار الغيبة في المجالس أو هجر أهلها السؤال بعض المجالس يحضر الإنسان وفيها بعض الأقارب, وربما تكلموا بغيبة أو تكلموا بكلام لا تدري هل هو غيبة أو لا, فيكون الإنسان في جهاد في هذه المجالس لا يدري هل هي غيبة وربما ينكر الغيبة ويكون فيها بعض الأقارب, هل يهجر هذه المجالس؟ وأيضاً إذا سمع غيبة هل يقوم من هذا المجلس؟ الجواب إذا حضر الإنسان مجلساً فيه غيبة سواء من الأقارب، أو من الأجانب؛ فالواجب عليه أن ينهى عن هذا, ويحذر هؤلاء من الغيبة؛ فإن انتهوا فهذا المطلوب, وإن لم ينتهوا وجب عليه أن يقوم, ولا يجلس في مجلس فيه الغيبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] فجعل الله الجالسين مثل الخائضين. السائل: إذا كان الوالد حاضر ويغضب إذا قمت من المجلس، فما الحكم؟ الشيخ: وهي غيبة متأكد من ذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: أيهما أولى أن تقدم رضا الله أو رضا الوالد؟ السائل: رضا الله. الشيخ: إذاً قم سواء رضي الوالد أو لم يرضَ. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 32 عدم جواز قراءة القرآن عن ظهر قلب للجنب السؤال ما حكم من يقرأ القرآن عن ظهر قلب وهو على جنب؟ الجواب ذكرنا أنه حرام لا يجوز, وذكرنا أن الدعاء الذي يوافق القرآن إذا لم يقصد به القراءة لا بأس, مثلاً: يقول بعد الأكل: الحمد لله رب العالمين، أو يقول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] وأما قراءة القرآن فلا تجوز. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 33 عدم جواز أخذ شهادة الغير ليعطى بها كتبا ً السؤال ما رأيكم فيمن يأخذ شهادة الغير ليذهب إلى دار الإفتاء ليأخذ بها كتباً باسم صاحب هذه الشهادة بعد موافقته؟ الجواب أسألك هل هذا من الصدق أم من الكذب؟ السائل: من الكذب. الشيخ: الكذب يسأل عنه حلال أم حرام؟! السائل: وجدنا كثيراً من الشباب يفعلون هذا الشيء وأخذوا كتباً. الشيخ: الله يتوب علينا وعليهم, هؤلاء الحقيقة هدموا مصراً وعمروا قصراً, أولاً في هذا كذب, والكذب حرام, ثانياً: فيها خيانة وخديعة للجهة المسئولة, ثالثاً: فيها أخذ للكتب بغير حق, فالواجب على الإنسان أن يكون صريحاً, انظر الآن المنافقين لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ماذا صنعوا؟ جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون, ويحلفون بالله, فقال الله تعالى: {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة:95] والذين صدقوا وصرحوا بأنهم ما لهم عذر أبقى الله ذكرهم إلى يوم القيامة, أنزل فيهم كتاباً يتلى, فهؤلاء الإخوة في الواقع الذين يقولون: نحن نريد أن نتعلم، نقول: لا يمكن أن يستجلب رزق الله بمعاصيه إطلاقاً, اتقوا الله واصدقوا ييسر لكم الأمر, لأن الصدق من التقوى, وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] . فلا يحل لهؤلاء أن يأخذوا بطاقة طالب علم ليتوصلوا بها إلى أخذ الكتب, ولا يجوز لطالب العلم أن يعطيهم أيضاً بطاقته ليأخذوا بها كتباً. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 34 الذبح لاسترضاء الخصم حكم بغير ما أنزل الله السؤال بعض القبائل توجد عندهم عادات إذا تخاصم اثنان وأرادوا أن يصلحوا بينهم, فيقول له: احلف له, الدين سوية إذا حصل مثل هذا منك أن يتغاضى عن الموضوع الذي أنت فيه هذا جزء, والجزء الثاني: إذا أصلح بينهم يقول: اذبح له أنت ذبيحة, أو ما شابه ذلك يعني: استرضاء له من أجل ألا يستمر في الغضب أو ما شابه ذلك, فما الحكم في هذه العادات؟ الجواب كل هذا باطل وحكم بغير ما أنزل الله. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 35 حكم لعبة التنس السؤال بالنسبة للعبة التنس تقول حرام وهي تشبه لعبة الطائرة؟ الجواب إذا فيها فائدة تكون مثل كرة القدم. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 36 اصطلاح العلماء على تسمية تحية المسجد بهذا الاسم السؤال تسمية تحية المسجد بهذا الاسم هل ورد على ذلك في الشرع دليل؟ الجواب لا, هذه بارك الله فيك اصطلح عليها العلماء, وقالوا: إنها تحية المسجد، أما النص الذي ورد فيها فهو: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وكأنهم رحمهم الله سموها تحية؛ لأن القادم من السفر أول ما يبدأ قبل أن يدخل بيته يذهب إلى المسجد ويصلي ركعتين, ليكون حيا الله عز وجل في بيت من بيوته قبل أن يحيي أهله, وهذه سنة الظاهر أن كثيراً من الناس غافل عنها ولا يعرفونها, أنك إذا قدمت البلد تصلي في المسجد ركعتين قبل أن تدخل بيتك, وهذا نظير تسميتهم الجلسة التي تكون بعد الركعة الأولى وقبل الثانية, وبعد الركعة الثالثة وقبل الرابعة يسمونها جلسة الاستراحة, وهذه لم ترد بهذا الاسم لكنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلها ليستريح؛ لأنه كان تثاقل في آخر عمره وصار يجلسها. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 37 حكم التأخر عن الصلاة من أجل تهدئة الأطفال في المسجد السؤال قضية تلاعب الأطفال وقت الصلاة، هل يجوز لأناس أن يتأخروا عن الصلاة في سبيل أن يمنعوا تلاعب الأطفال داخل المسجد, وكيف تحل هذه يا شيخ؟! الجواب حل هذه -بارك الله فيك- ينظر إلى أولياء أمورهم, ويطلب منهم أن يحجزوا أولادهم, وخير من ذلك أن يأتوا بأولادهم إلى المسجد ليربوهم على دخول المسجد وإلف المسجد, ولكن مع الأسف أننا سمعنا بعض الناس -نسأل الله لهم الهداية- إذا رأى الصبي في المسجد طرده, وهذا لا يجوز, بل ينبغي أن نشجع الصبيان على حضور الصلاة في المسجد ونهاديهم ونفسح لهم المجال, وأما كون الإنسان يتأخر عن الصلاة من أجل تهدئتهم فلا أرى هذا. السائل: آباؤهم يعارضون في قضية نصحهم, يقولون: أبنائي ليسوا معهم, ويتبين أن أبناءه حقيقة كانوا معهم, وهم يتباطئون عن الصلاة، يأتون في الركعة الثانية أو الثالثة، ويحدث ما يحدث من مشاكلهم الجواب: عليهم أن يتقوا الله في هذه المسألة, الواجب تقوى الله, لكن لو فرضنا أن حول المسجد صبيان يزعجون المصلين, ولا يمكن درء شرهم إلا بإنسان يطردهم إلى أن يبقى ركعة واحدة ثم يدخل في الجماعة هذا إن شاء الله لا بأس به, لأن (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . الجزء: 108 ¦ الصفحة: 38 حكم دعاء ختم القرآن في صلاة الشفع وحكم قنوت النوازل السؤال فضيلة الشيخ: ما هو المستند الشرعي الذي يعمل به في القنوت بدعاء ختم القرآن في الشفع, وما هو القنوت؟ وما حكم القنوت في الشفع إذا لم تنزل نازلة؟ الجواب الصواب أن القنوت يكون في الوتر خاصة, ويكون أيضاً في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة, لكن القنوت في النوازل ليس هو دعاء القنوت في الوتر, بل القنوت في النوازل أن تدعو الله تعالى بما يناسب تلك النازلة. وأما دعاء ختم القرآن في الصلاة فلا أعلم له أصلاً لا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من سنة الصحابة, وغاية ما فيه: أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله ودعا. وهذا في غير الصلاة, أما في الصلاة فليس لها أصل, لكن مع ذلك هي مما اختلف فيه العلماء رحمهم الله, علماء السنة وليسوا علماء البدعة, والأمر في هذا واسع, يعني: لا ينبغي للإنسان أن يشدد حتى يخرج عن المسجد ويفارق جماعة المسلمين من أجل الدعاء عند ختم القرآن, وإذا وكل الأمر إليه فلا يدعو في الصلاة عند ختم القرآن؛ لأن الصلاة مرتبة من قبل الشرع, القيام له قراءة, والركوع له ذكر, والسجود له ذكر, والقيام بعد الركوع له ذكر, والجلوس بين السجدتين له ذكر, والتشهد له ذكر, مرتبة ليس فيها مكان للقنوت إلا ما جاءت به السنة من القنوت في النوازل, وكذلك الوتر. وأما الدعاء لختم القرآن فلم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يدعون عند ختم القرآن في الصلاة, لكن كما قلت: لا ينبغي للإنسان أن يشدد في هذا الأمر بحيث يقول: هذا الذي يدعو عند ختم القرآن في الصلاة مبتدع ضال, لا تجوز موافقته؛ لأن السلف اختلفوا فيه. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 39 حكم الذهاب إلى الكهنة الذين يدعون علم الغيب السؤال في بعض البلدان هناك من يقرأ في الفنجان من أنواع السحر, ويسألك عن اسم الأم أو اسم الأب, فيخبرك ببعض الأمور التي حصلت في الماضي, وأيضاً يخبر عن بعض الحوادث التي يمكن أن تحصل في المستقبل؟ الشيخ: لكن هذا الفنجان فارغ وليس فيه ماء؟ السائل: الله أعلم يا شيخ! ما أدري، فقط يسمونه القراءة بالفنجان وهو من أنواع السحر. الشيخ: الظاهر لي: أن هذا نوع من الشعوذة والسحر, فلا تجوز, ومن صدق أحداً أخبره عن أمر سيقع في المستقبل فقد كفر بما أنزل على محمد؛ لأنه إذا صدق بالإخبار عن شيء في المستقبل فقد كذب القرآن لقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65] فحصر علم الغيب بجانب الربوبية إلى الله, فمن صدق من يقول: إنه سيحصل في اليوم الفلاني كذا وكذا فقد كذب القرآن, ولهذا جاء في الحديث: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . السائل: يا شيخ! لكن السؤال يقول: كيف يخبر عن أمور في المستقبل وتحدث، فهذه شبهة؟ الشيخ: هذه شبهة نقول: صادفت, ليس لأنه عالم، هذا يتخرص حتى علم, أو يكون مثل الكهان الذين كانوا في زمن الجاهلية, يسمع الجني بخبر من السماء ويوحيه إلى هذا الكاهن ثم يضيف إليها الكاهن أشياء أخرى فإذا صدق في هذه الكلمة التي سمعت من السماء قالوا: هذا صادق يعلم الغيب. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 40 مفهوم قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) السؤال يقول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] هل لهذا القول مفهوم؟ الجواب قال الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] فقيد هذا بقيدين: الأول: أن تكون في الحجر. والثاني: أن يكون دخل بأمها: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] . ثم قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] فصرح بمفهوم الشرط الذي هو: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] وسكت عن مفهوم الشرط الثاني وهي: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] فدل هذا على أن كونها في حجره ليس بشرط, وأن الربيبة تحرم على زوج أمها سواء كانت في حجره أم لم تكن, والدلالة من الآية واضحة. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 41 حكم من تسبب في انقلاب سيارة متعمداً فمات صاحبها السؤال شخص تسبب في انقلاب سيارة متعمداً, ولم يكن أحد موجوداً أثناء ذلك, وفيما بعد تبين أن صاحب هذه السيارة توفي؟ الشيخ: كيف تسبب؟ السائل: تسبب في انقلاب السيارة متعمداً. الشيخ: يعني حط شيء يقلبه. السائل: لا. لف عليه في سيارة ثانية، فتوفي صاحب السيارة. الشيخ: يكون عليه ضمان الدية، وعليه أيضاً كفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. السائل: هل لابد من إبلاغ أهل المتوفي؟ الشيخ: نعم. لابد. نسأل الله أن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا, وينفعنا بما علمنا, إنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 108 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [109] في هذا اللقاء تفسير أول آية في سورة الحجرات، فتحدث الشيخ عن قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) فذكر الشيخ صوراً عديدة من التقدم بين يدي الله ورسوله، وذكر أن معنى الآية: ألا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل، ومن التقدم كذلك البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومعنى قوله تعالى: (واتقوا الله) أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل، وقوله: (إن الله سميع عليم) فيها تحذير لنا أن نقع فيما نهانا الله عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 1 تفسير أول سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا في هذا اليوم الخميس الأول من شهر رجب عام (1416هـ) نلتقي مع إخواننا اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح, وهذا هو اللقاء التاسع بعد المائة. وقد أكملنا في آخر لقاء تفسير جزء عم سورة النبأ, ورأينا أن نعود فنبدأ بتفسير سور المفصل التي تبتدئ من سورة ق عند بعض العلماء أو سورة الحجرات عند آخرين. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) سنتكلم على سورة الحجرات لما فيها من الآداب العظيمة النافعة, التي ابتدأها الله بقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] واعلم أن الله تعالى إذا ابتدأ الخطاب بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:1] فإنه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه, فأرعه سمعك واستمع إليه لما فيه من الخير] وإذا صدر الله الخطاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} دل ذلك على أن التزام ما خوطب به من مقتضيات الإيمان, وأن مخالفته نقص في الإيمان. يقول الله عز وجل: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] قيل معنى: {لا تُقَدِّمُوا} أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله, والمراد لا تسبقوا الله ورسوله بقول أو بفعل, وقيل المعنى: لا تقدموا شيئاً بين يدي الله ورسوله, وكلاهما يصبان في مصب واحد, والمعنى: لا تسبقوا الله ورسوله بقول ولا فعل, وقد وقع لذلك أمثلة, فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) لأن الذي يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كأنه تقدم بين يدي الله ورسوله, فبدأ بالصوم قبل أن يحين وقته, قال عمار بن ياسر: [من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم] . ومن ذلك -أي: من التقدم بين يدي الله ورسوله-: البدع بجميع أنواعها, فإنها تقدم بين يدي الله ورسوله, بل هي أشد التقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, وإياكم ومحدثات الأمور) وأخبر: (أن كل بدعة ضلالة) وصدق عليه الصلاة والسلام, فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرك على الله ورسوله ما فات مما يدعي أنه شر, كأنه يقول: إن الشريعة لم تكمل، وأنه كملها بما أتى به من البدعة, وهذا معارض تماماً لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فيقال لهذا الرجل الذي ابتدع: أهذا الذي فعلته كمال للدين؟ إن قال: نعم. فإن قوله هذا يستلزم تكذيب قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] وإن قال: ليس كمالاً في الدين, قلنا: إذاً هو نقص؛ لأن الله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32] فالبدعة كما أنها ضلالة في نفسها فهي في الحقيقة تتضمن الطعن في دين الله, وأنه ناقص، وأن هذا المبتدع كمله بما ادعى أنه من شريعة الله عز وجل. فالمبتدعون كلهم تقدموا بين يدي الله ورسوله ولم يبالوا بهذا النهي, حتى وإن حسن قصدهم فإن فعلهم ضلالة, قد يثاب على حسن قصده ولكنه يوزر على سوء فعله, ولهذا يجب على كل مبتدع علم أنه على بدعة أن يتوب منها, ويرجع إلى الله عز وجل, ويلتزم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. والبدعة أنواع كثيرة: بدع في العقيدة, وبدع في الأقوال, وبدع في الأفعال. أما البدع في العقيدة فإنها تدور على شيئين: إما تمثيل، وإما تعطيل. إما تمثيل: بأن يثبت لله الصفات لكن على وجه المماثلة, فإن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن من طريق النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيكون بدعة, فمثلاً يثبت لله وجهاً ويجعله مماثلاً لوجه المخلوقين, أو يداً يجعلها مماثلة لأيدي المخلوقين وهلم جراً هؤلاء مبتدعة لا شك, وبدعتهم تكذيب لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، ولقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ولقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] . أما التعطيل: فهو على العكس من هذا, التعطيل: أن ينكر ما وصف الله به نفسه, فإن كان إنكار جحد وتكذيب فهو كفر, وإن كان إنكار تأويل فهو تحريف، وليس بكفر إذا كان اللفظ يحتمله, فإن كان لا يحتمله فلا فرق بينه وبين إنكار التكذيب, مثلاً: لو قال إنسان: إن الله سبحانه وتعالى قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] والمراد باليدين النعمة، نعمة الدين ونعمة الدنيا, أو نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, فهذا تحريف؛ لأن النعمة ليست واحدة ولا ألف ولا ملايين قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] فليست النعمة اثنتين لا بالجنس ولا بالنوع, فيكون هذا تحريفاً وبدعة؛ لأنه على خلاف ما تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الهدى من بعدهم, هذا بدعة في العقيدة. البدعة في الأقوال: مثل أولئك الذين يبتدعون تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات لم ترد بها السنة, أو يبتدعون أدعية لم ترد بها السنة، وليست من الأدعية المباحة. وأما الأفعال فكذلك أيضاً مثل: الذين يصفقون عند الذكر, أو يهزون رءوسهم عند التلاوة, أو ما أشبه ذلك من أنواع البدع, وكذلك الذين يتمسحون بالكعبة في غير الحجر الأسود والركن اليماني, وكذلك الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة, وكذلك الذين يتمسحون بالمنبر الذي يقال: إنه منبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي, وكذلك الذين يتمسحون بجدران مقبرة البقيع أو بغير ذلك. المهم: أن البدع كثيرة: العقدية، والقولية، والفعلية، وكلها من التقدم بين يدي الله ورسوله, وكلها معصية لله ورسوله, فإن الله يقول: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم ومحدثات الأمور) . ومن البدع ما يصنع في رجب كصلاة الرغائب التي تصلى ليلة أول جمعة من شهر رجب وهي ألف ركعة يتعبدون لله بذلك وهذه بدعة لا تزيدهم من الله إلا بعداً؛ لأن كل من تقرب إلى الله بما لم يشرعه فإنه مبتدع ضال, لا يقبل الله منه تعبده لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . ومن التقدم بين يدي الله ورسوله: أن يقول الإنسان قولاً يحكم به بين عباد الله وليس من شريعة الله, مثل أن يقول: هذا حرام هذا حلال هذا واجب هذا مستحب بدون دليل, فإن هذا من التقدم بين يدي الله ورسوله, وعلى من قال قولاً وتبين له أنه أخطأ فيه أن يرجع إلى الحق, حتى لو شاع القول بين الناس وذاع وانتشر وعمل به من عمل من الناس فالواجب عليه أن يرجع, وأن يعلن رجوعه -أيضاً- كما أعلن مخالفته التي قد يكون معذوراً فيها إذا كانت صادرة عن اجتهاد, فالواجب الرجوع إلى الحق, فإن تمادى الإنسان في مخالفة الحق فقد تقدم بين يدي الله ورسوله. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (واتقوا الله) ثم قال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] وهذا تعميم بعد تخصيص؛ لأن التقدم بين يدي الله ورسوله مخالف للتقوى, لكن نص عليه وقدمه لأهميته, ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله عز وجل, وهذا لا يتحقق إلا إذا قام الإنسان بفعل الأوامر وترك النواهي, بفعل الأوامر تقرباًَ إلى الله تعالى ومحبة لثوابه, وترك النواهي خوفاً من عقاب الله عز وجل. ومن الناس من: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206] فتصاعد في نفسه، وعز في نفسه وأوغل في الإثم, وانتفخت أوداجه, ويقول: أمثلي يقال له: اتق الله؟! وما علم المسكين أن الله خاطب من هو أشرف منه, ومن هو أتقى عباد الله لله فأمره بالتقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] وفي نفس السورة قال: {وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ومن الذي لا يستحق أن يؤمر بتقوى الله؟ كل أحد منا يستحق أن يؤمر بتقوى الله عز وجل، والواجب أنه إذا قيل له: اتق الله أن يزداد خوفاً من الله وأن يراجع نفسه, وأن ينظر ماذا أمر به؛ لأنه لم يؤمر أن يتقي فلاناً وفلاناً، وإنما أُمر أن يتقي الله عز وجل, وإذا فسرنا التقوى بذلك أي: بما قلنا من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره تقرباً إليه ومحبة لثوابه, وترك نواهيه خوفاً من عقابه, فإن أي إنسان يترك واجباً فإنه لم يتق الله, وقد نقص من تقواه بقدر ما حصل منه من المخالفة, فترك الصلاة -مثلاً- ترتفع عنه التقوى نهائياً؛ لأن تارك الصلاة كافر, كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة, حتى إن بعض العلماء حكى إجماع الصحابة: على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة, ومنهم التابعي المشهور عبد الله بن شقيق رحمه الله, حيث قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة] وكذلك نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه , ولم يصح عن أي صحابي أنه قال: إن تارك الصلاة في الجنة, أو إنه مؤمن, أو ما أشبه ذلك فالتقوى مخالفتها تختلف، قد تكون مخالفتها كفر، وقد تكون دون ذلك, الزاني لم يتق الله؛ لأنه زنى فخالف أمراً وعصاه, السارق لم يتق الله, شارب الخمر لم يتق الله, العاق لوالديه لم يتق الله, القاطع لرحمه لم يتق الله, والأمثلة على هذا كثيرة, إذاً فقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:1] كلمة عامة شاملة تشمل كل الشريعة. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن الله سميع عليم) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] هذه الجملة تحذير لنا أن نقع فيما نهانا عنه من التقدم بين يدي الله ورسوله أو أن نخالف ما أمر به من تقواه, (سَمِيعٌ) أي: سميع لما تقولون, (عَلِيمٌ) أي: عليم بما تقولون وما تفعلون؛ لأن العلم أشمل وأعم, إذ أن السمع يتعلق بالمسموعات، والعلم يتعلق بالمعلومات, والله تعالى محيط بكل شيء علماً {لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] . يقول العلماء رحمهم الله: إن السمع الذي اتصف به الرب عز وجل ينقسم إلى قسمين: سمع إدراك, وسمع إجابة. فسمع الإدراك معناه: أن الله يسمع كل صوت, خفي أو ظهر, حتى إنه عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, لقد كنت في الحجرة -أي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم- والمرأة تجادله وهو يحاورها وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها] والله عز وجل أخبر أنه سمع, ويسمع كلما جرى بين هذه المرأة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم, هذا نقول له: إنه سمع إدراك. ثم إن سمع الإدراك قد يراد به بيان الإحاطة والشمول, وقد يراد به التهديد, وقد يراد به التأييد, فهذه ثلاثة أنواع: قد يراد به الإحاطة والشمول مثل هذه الآية. وقد يراد به التهديد مثل قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181] وانظر كيف قال: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} حين وصفوا الله تعالى بالنقص قبل أن يقول: {وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاء َ) [آل عمران:181] مما يدل على أن وصف الله تعالى بالنقص أعظم من قتل الأنبياء. الثالث: سمع يراد به التأييد ومنه قوله تبارك وتعالى لموسى وهارون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] فالمراد بالسمع هنا التأييد, أي: أسمع ما تقولان وما يقال لكما. أما سمع الإجابة فمعناه: أن الله يستجيب لمن دعاه, ومنه دعاء إبراهيم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39] أي: مجيب الدعاء, ومنه قول المصلي: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب لمن حمده فأثابه, ولا أدري أنحن ندرك معنى ما نقوله في صلاتنا؟ أم أننا نقوله تعبداً ولا ندري ما المعنى, عندما تقول: الله أكبر في تكبيرة الإحرام أي: أكبر من كل شيء ولا نحيط بذلك؛ لأنه أعظم من أن تحيط به العقول, وعندما نقول: سمع الله لمن حمده, أي: استجاب الله لمن حمده, ليس المعنى أنه يسمع فقط؛ لأن الله يسمع من حمده ومن لا يحمده إذا تكلم, لكن المراد أنه يستجيب لمن حمده بالثواب, فهذا السمع يقتضي الاستجابة لمن دعاه. أما قوله تعالى: (عَلِيم) فالمراد أنه ذو علم واسع قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] . عندما تؤمن -أيها الأخ- بأن الله سميع وأن الله عليم, هل يمكن وأنت في عقلك الراشد أن تقول ما لا يرضيه؟! لا؛ لأنه يسمع, فلا ينبغي لك أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, أسمعه ما يحبه ويرضاه, إذا كنت مؤمناً حقاً بأن الله سميع, لو أن أباك نهاك عن قول من الأقوال فهل تتجرأ أن تسمعه ما نهاك عنه؟ لا. فالله أعظم وأجل, فاحذر أن تسمع الله ما لا يرضاه منك, إذا آمنت بأنه بكل شيء عليم, وهذا أعم من السمع؛ لأنه يشمل القول والفعل وحديث النفس, حتى ما توسوس به نفسك يعلمه عز وجل, إذا علمت ذلك هل يمكن أن تفعل شيئاً لا يرضيه؟ لا. لأنه ليس المقصود من إخبار الله أنه عليم بكل شيء أن نعلم هذا ونعتقده، لا. المقصود هذا والمقصود شيء آخر وهو الثمرة والنتيجة التي تترتب على علمنا أنه بكل شيء عليم, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نقول ما لا يرضى؟ لا. لأنه سوف يعلمه, إذا علمنا أنه بكل شيء عليم هل نعتقد ما لا يرضى؟ لا. لأننا نعلم أنه يعلم ما في قلوبنا, قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235] بل قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] يحول بينك وبين قلبك. فعلى كل حال: يجب علينا -أيها الإخوة- إذا مر بنا اسم من أسماء الله أو صفة من صفات الله, أن نؤمن بهذا الاسم وهذه الصفة, وأن نقوم بما هو الثمرة من الإيمان بهذا الاسم والصفة. أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة في ديننا ودنيانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 109 ¦ الصفحة: 6 وجوب الإخبار بالرؤيا لمن رآها لشخص فيها إنذار له السؤال سائلة تقول أنها رأت في المنام رجلاً توفي، فبعد أيام عبرت هذه الرؤيا فظهر أن هذا الرجل أصيب وجهه بالجدري, فخافت خشية أن تخبره بأن يكون عليه دين حسب ما عبرت هذه الرؤيا, فما توجيهك لهذه المرأة؟ الجواب الواجب عليها هنا أن تخبره، لا أنها رأته ميتاً, أن تخبره وتقول: هذا المرض الذي أصابك إنذار لك بأن تقوم بما يجب عليك من حقوق الله وحقوق العباد، وإذا كان عليك دين فاقضه, أو أوصِ إلى من يقضيه إذا كان لا يمكنك قضاؤه في حياتك. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 7 نصيحة لمن ينشغلون بالصيد عن القيام بالواجبات السؤال ما قول فضيلتكم فيمن تولى لمتابعة الصيد وافتتن به حتى أصبح هو همه وشغله الشاغل, فأهمل في حق أهله وفي تربية أولاده، وقصر في الإنفاق عليهم, حتى إنه ذكر من حال بعضهم أنه يستدين فوق مرتبه ليشتري طلقات فتذهب كلها وجلها في اللعب, وقد يعرف من بينهم من كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب, ثم بعد انشغاله بالصيد نسيه، أو نسي الكثير منه, فما توجيهكم؟ الجواب توجيهنا لهؤلاء الذين فتنوا بالصيد وأضاعوا الواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل, وأن يعلموا أن سعيهم في الصيد وذهابهم إليه مع إضاعة الواجب عليهم, سواء كان الواجب لله عز وجل، أو واجب للمخلوق، أنهم بذلك آثمون, وأن أي خطوة يخطونها فهي عليهم إثم, حتى يقوموا بالواجب الذي أوجب الله عليهم, سواء كان الحق لله أو حق للعباد, وليعلموا أن هذه الفتنة اختبار من الله عز وجل؛ لأنهم كلما تعلقت النفس بشيء وهو مما يكرهه الله فإنها فتنة للإنسان, فعليه أن يتقي الله وأن يرجع إلى نفسه, وأن يجعل الصيد أمراً ثانوياً، إذا كان عنده فراغ فلا بأس أن يخرج إلى الصيد ليصطاد ما أحل الله له؛ لأن هذا من جملة الرزق الذي يرزق به الإنسان, أما كونه يشغله عن واجب الدين فهذا لا يجوز. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 8 حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه السؤال ما رأيكم فيمن حصل على مال ربوي سواء كان من البنوك الربوية أو حصل عليه من نظام الادخار الذي يعمل به في بعض الشركات, ويريد أن يتخلص منه, هل له أن ينفقه في أعمال الخير كبناء المساجد وغيرها, أو يقضي الديون عن المسلمين، أو يعطي أقاربه المحتاجين, أو يترك هذا المال الربوي ولا يأخذ منه شيئاً وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه لا يحل له أن يأخذه بل يدعه؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:278] أي: اتركوه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالناس يوم عرفة قال: (ربا الجاهلية موضوع -أي: مهدر- وأول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله) فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل الربا مع أنه عقد في الجاهلية قبل الإسلام، فمن كان قد عامل معاملة ربوية ولم يأخذ الربا فالواجب عليه أن يدعه لصاحبه, وأن يتوب إلى الله عز وجل. أما إذا كان قد أخذه فإن كان جهلاً منه ولا يدري أنه حرام فإن توبته تجب ما قبلها وهو له, لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] . وأما إذا أخذه وهو يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفاً في الدين, قليل البصيرة, فهنا يتصدق به, إن شاء في بناء المساجد، وإن شاء في قضاء الديون عمن عجز عن قضائها, وإن شاء في أقاربه المحتاجين؛ لأن كل هذا خير. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 9 الواجب على من صلى العصر بنية الظهر ظناً منه أنه لم يصل الظهر ثم تذكر أنه صلى الظهر السؤال رجل صلّى وقت العصر بنية الظهر ظاناً أنه لم يصلِ الظهر, ثم أثناء الصلاة تذكر أنه صلّى الظهر, هل له أن يغير نيته أثناء الصلاة؟ الجواب لا يغير نيته, إذا دخل في الصلاة ناوياً أنها الظهر, ثم ذكر أنه قد صلاها وأراد أن يحولها إلى العصر فإن ذلك لا يجوز, ولكن يكملها نفلاً, ثم يصلي العصر من جديد؛ لأنه لا يمكن إدخال نيتين في فعل واحد, مثلاً: لو كان صلّى ركعتين على أنها الظهر, ثم ذكر قال: أريد أن أجعلها العصر, كم صلّى من العصر؟ ما صلّى إلا نصف الصلاة؛ لأنه لا يحسب له إلا من النية, فالقاعدة هنا: أن من انتقل من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني, أي: من انتقل من الظهر إلى العصر بطلت الظهر؛ لأنه ألغاها ولم تنعقد العصر؛ لأنه لم ينوها من جديد. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 10 المسافر لا يكون مسافراً إلا إذا فارق العمران ببدنه السؤال إنسان خرج من بلده متى يصلي القصر بنية الخروج أم بعد مفارقة العمران؟ الجواب المسافر لا يعد مسافراً إلا إذا فارق العمران, لكن ليس المراد المفارقة بالرؤية, بل المفارقة بالبدن حتى لو كان بينه وبين البلد ذراعاً واحداً, فله أن يترخص برخص السفر. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 11 جواز استخدام بطاقة الصرف التي تسمى: الفيزة السؤال بالنسبة لحكم بطاقة الصرف الآن التي تسمى: (الفيزة) فالبعض عندما يريد أن يسافر من بلده إلى بلد آخر لا يأخذ معه النقود إلى البلاد التي يسافر إليها, ولكن معه هذه البطاقة, فيسحب بها من أحد البنوك الموجودة في البلد المسافر إليها, فما حكم السحب؟ الجواب لا بأس للإنسان أن يستعمل الفيزة؛ لأن فيها راحة, بدلاً أن يحمل الدراهم ويخشى عليها من السرقة يتوصل إلى حفظها بهذه الطريقة, وهذا لا بأس به, وليعلم أن الأصل في جميع المعاملات الحل والإباحة, إلا ما قام الدليل على التحريم, وإذا شككنا هل هي حرام أم لا رجعنا إلى الأصل وهو الحل. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 12 حكم الدم السؤال فضيلة الشيخ! هل الدم طاهر أم نجس؟ وما أدلة الفريقين الذين قالوا بالطهارة وقالوا بالنجاسة، وما ترجيح شيخنا حفظه الله؟ الجواب الدم إذا كان مما ميتته طاهرة فهو طاهر, وإذا كان مما ميتته نجسة فهو نجس, هذا الضابط, فدم الحوت طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, ودم الإنسان طاهر؛ لأن ميتته طاهرة, إلا ما خرج من السبيلين -القبل أو الدبر- فإن الحديث دل على أنه نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يصيبها دم الحيض قال: (اغسلي عنك الدم) . الجزء: 109 ¦ الصفحة: 13 حكم استخدام المحسنات الصوتية (الصدى) عند قراءة القرآن في الصلاة السؤال أحد أئمة المساجد يسأل يقول: سمعنا لكم كلاماً في المحسنات الصوتية (الصدى) فما نصه؟ الجواب نص ذلك: أن هذه المحسنات الصوتية (الصدى) إذا كان يلزم منها تكرر حرف فهذا حرام, لأنه زيادة في كلام الله عز وجل ولا يحل, وأما إذا كان لا يلزم منها تكرر الصوت نظرنا إذا كانت تظهر الصوت وكأنه صوت مغنٍ فهذا أيضاً ممنوع, ولكن الآن لا نجزم بالتحريم؛ لأنه ما في زيادة على لفظ القرآن, هذا ما نقوله حول هذه المحسنات, ثم نقول: يا إخواني! العبرة ليس بالطرب والتلذذ عند الصوت، العبرة عند الخشوع, وكم من إنسان قرأ بدون مكبر الصوت فضلاً عن المحسنات الصوتية وكان أخشع له وللمستمعين. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 14 معنى قول الشاطبي: (الناذر لترك المباح لا يلزمه الوفاء) السؤال فضيلة الشيخ! قال الشاطبي رحمه الله: إجماع المسلمين على أن الناذر لترك المباح لا يلزمه الوفاء بأن يترك ذلك المباح, ما معنى ذلك؟ الجواب يعني إذا قال: لله عليّ نذر ألا ألبس هذا الثوب، فإنه لا يلزمه هذا النذر, يعني: له أن يلبسه ويكفر كفارة يمين, وهذا مباح إذا نذرته فأنت بالخيار إن شئت تفعله وإن شئت كفر كفارة يمين ولا تفعله, وإذا نذر في الطاعة فلابد أن يفعل الطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) فإن لم يطعه فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت لقول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:75-77] فمثلاً إذا قال: إذا شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أصوم كل إثنين وخميس, فشفى الله مريضه, يجب عليه أن يصوم كل إثنين وخميس, فإن لم يفعل فليستعد لنفاق يبقى في قلبه حتى يموت, وكذلك لو قال: إن شفى الله مريضي لله عليّ نذر أن أتصدق بمائة ريال, فشفى الله مريضه ولم يتصدق فليستعد لهذا النفاق, والمهم أن نذر الطاعة يجب الوفاء به لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, وإذا كان على شرط فإنه يخشى على المخالف هذا النفاق العظيم والعياذ بالله. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 15 حكم الفضلات التي تخرج من الحيوانات السؤال بالنسبة للفضلات التي تخرج من مأكول اللحم -الحيوان والطائر- هل هي نجسة أم طاهرة إذا أصابت الجسم أو الثوب؟ الجواب كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر, كبعر الإبل, وثلط البقر وما أشبه ذلك, فالقاعدة: أن كل ما يخرج من حيوان مأكول فإنه طاهر إلا الدم, الدم المسفوح فهو نجس لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145] والدليل على أنه طاهر ما عدا الدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها, وأذن أن يصلى في مرابض الغنم, وهي لا تخلو من بعر وبول. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 16 حكم إعطاء السائل الذي ظاهره الغنى السؤال هناك حديث نبوي نصه: (للسائل حق ولو أتى على فرس) في مسند أحمد , فهل معنى الحديث: أن السائل إذا أتى ولو كان ظاهره عدم الفقر لابد أن يعطى؟ الجواب أولاً هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام, لكن لا شك أن الإنسان من كرمه أنه إذا سئل لا يرد سائلاً ما لم يسأل محرماً, لقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25] وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد سائلاً عن الإسلام, فمن الأخلاق الفاضلة ألا ترد سائلاً, لكن إذا علمت أن هذا السائل يستكثر بسؤاله فانصحه, وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر) . الجزء: 109 ¦ الصفحة: 17 جواز السلام على أهل القبور للمار الذي لا يريد الزيارة السؤال فضيلة الشيخ! يقول البعض: إن السلام على أهل القبور لا يستحسن إلا إذا كان بنية الذهاب لزيارة المقبرة بالذات, ولكن إذا مر الإنسان قرب المقبرة فليس له أن يدعو إلا إذا دخلها بنية الزيارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم. ) فالرجاء تفسيرها؟ الجواب عند فقهائنا رحمهم الله: أنه إذا زارها أو مر بها, أي: سواء قصد بخروجه من بيته أو من سوقه الزيارة، أم أنه مر بها لشغل آخر فإنه يسلم, فإذا سلم فلا أرى في ذلك بأساً, حتى وإن كان لم يخرج من أجل الزيارة. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 18 حكم الصلاة في المسجد حسب قربه وبعده السؤال فضيلة الشيخ! نحن مجموعة من الشباب نجتمع في استراحة لنا من قبيل المغرب حتى بعد صلاة العشاء, ونصلي في الاستراحة ولا نذهب إلى المسجد، وهو ليس بقريب وليس ببعيد, فهل صلاتنا تصح في اجتماعنا هذا ونحن عشرة أفراد نزيد أو ننقص؟ الجواب الصلاة صحيحة لكن قل: هل هي جائزة أم لا؟ بعض العلماء يقول: إذا كان المسجد قريباً بحيث يدركونه على أقدامهم ليس بالسيارات, يجب عليهم أن يصلوا في المسجد, وأما إذا كانوا لا يدركونه بأقدامهم فإنهم يصلون في مكانهم. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 19 الاغتسال بنية الوضوء لا يجزئ إلا إذا كان عن جنابة السؤال فضيلة الشيخ! إذا اغتسل الإنسان بنية الوضوء ولم يتوضأ هل يجزئه عن الوضوء؟ الجواب إذا اغتسل بنية الوضوء ولم يتوضأ فإنه لا يجزئه عن الوضوء إلا إذا كان عن جنابة, فإن كان عن جنابة فلا بأس الغسل يكفي عن الوضوء لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً, أما إذا كان اغتسل للتبرد أو لغسل الجمعة أو لغسل مستحب فإنه لا يجزئه؛ لأن غسله ليس عن حدث, والقاعدة إذاً: إذا كان الغسل عن حدث -أي: عن جنابة- أو امرأة عن حيض أجزأ عنه الوضوء وإلا فإنه لا يجزئ. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 20 التفصيل في مسألة حل السحر عن المسحور السؤال بالنسبة لحل السحر عن المسحور للضرورة؟ الجواب حل السحر عن المسحور جائز لا إشكال فيه, لكن بالأدعية المباحة, وبالقرآن, وبالأدوية المباحة, أما نقض السحر بالسحر فهذا موضع خلاف بين العلماء: فمنهم من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه, ولا شك أن إجازته تؤدي إلى كثرة السحرة؛ لأن هذا الذي ينقضه لا ينقضه إلا بدراهم كثيرة, فيؤدي القول بالجواز إلى أن يتخذ السحر تجارة, ويكثر تعلمه, وأيضاً ربما يتفق الساحر والناقض فيقول الساحر: أنه يسحر, والناقض ينقض, والأجرة بينهما, هذا وارد أم لا؟ وارد, كما يقول العوام: الشرط أربعون لنا عشرون ولكم عشرون, لذلك نرى منعه مطلقاً، وإذا ابتلي الإنسان بهذا فليصبر وليحتسب وليعلم أن لكل شيء منتهى, ولكل حال تغير, وهو إذا أصيب وتألم أو تألم أهله معه فهو تكفير لسيئاتهم, ومع الاحتساب زيادة في ثوابهم ودرجاتهم, إذا كان الرجل إذا أصابته الشوكة كفر بها عنه, ومع الاحتساب يكون له أجر, فما بالك بهذه المصيبة العظيمة. الخلاصة: إذا كان حل السحر بالقرآن والأدعية المباحة والأدوية المباحة فهذا جائز ولا إشكال فيه, وقد رقي النبي صلى الله عليه وسلم حين سحر بالمعوذتين (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) فزال والحمد لله سحره, وأما إذا كان بسحر آخر فقلت لك: إن العلماء مختلفون في هذا, منهم من أجازه للضرورة القصوى, ومنهم من منعه, وقلت لك: إن إجازته تفضي إلى مفاسد. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 21 تخطئة من لا يرى الصلاة على الميت في المسجد السؤال ما رأيكم فيمن يقول: إنه لا يصلى على الميت في المسجد؟ الجواب رأينا أن هذا خطأ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلّى على ابن البيضاء في المسجد. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 22 حكم قلب الصلاة السرية إلى جهرية والعكس السؤال هل يجوز قلب الصلاة السرية إلى جهرية والعكس؟ الجواب خلاف السنة, وإن اتخذ الإنسان ذلك سنة قلنا: أنت مبتدع, يعني: لو جهر في صلاة الظهر على أن هذا سنة قلنا: أنت مبتدع, وإذا كان إماماً عزلناه ما لم يتب, وإذا أسر في الجهرية واعتقد أن هذا سنة قلنا: هذه بدعة, وعزلناه ما لم يتب, لكن ليعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية يسمع الصحابة الآية أحياناً, فينبغي للإمام لا للمأموم في الصلاة السرية أحياناً أن يسمع المامومين القراءة, لينبههم على أنه يقرأ, أما المأموم فلا يسن له الجهر بالقراءة مطلقاً؛ لأنه يشوش على الآخرين, ولأنه تابع وليس بمتبوع. السائل: يا شيخ! لو تقضى صلاة الفجر بعد صلاة الشمس وصلاها فيجهر فيها. الجواب: نعم. هذا صحيح, الصلاة المقضية كالصلاة المؤداة, يعني مثلاً: إذا قضيت صلاة الجهرية في النهار فاجهر بها, وإذا قضيت الصلاة السرية في الليل فأسرّ بها, العبرة بالمقضي, ولهذا لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر التي ناموا عنها وهم في السفر قضاها جهراً. والحمد لله رب العالمين, وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى, متعنا الله وإياكم بالصحة والسلامة والأمن والإيمان. الجزء: 109 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [110] تحدث الشيخ في هذا الدرس عن تفسير آيات من سورة الحجرات تحدث من خلالها عن النهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، وكذلك النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ذلك النهي على أن يكون مناداة الرسول كما ينادي الشخص صاحبه والنتيجة هي حبوط العمل لمن لا ينتهي عن ذلك، ثم ذكر سبحانه وتعالى الصنف الآخر من الناس وهم الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لهم مغفرة من الله لذنوبهم وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة، ثم انتقل الشيخ للإجابة على الأسئلة الشرعية المتنوعة. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم في كل يوم خميس, وهذا هو الخميس الثامن من شهر رجب عام (1416هـ) . الجزء: 110 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) نتكلم فيه أولاً على ما تيسر بما بدأنا به من سورة الحجرات، فقد تكلمنا على قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:1] وهذا أدب عظيم, وجه الله عباده إليه. أما الأدب الثاني ففي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] . في الآية الأولى النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، سواء من الأقوال أو الأفعال أو غيرها, وبينَّا على أي شيء تدل الآية فيما سبق, أما الثانية فهي في رفع الصوت وإن لم يكن هناك تقدم في الأحكام من تحليل أو تحريم أو إيجاب, يقول الله عز وجل: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} فإذا خاطبك النبي صلى الله عليه وسلم بصوت فاخفض صوتك عن صوته, وإذا رفع صوته فارفع صوتك لكن لا بد أن يكون دون صوت الرسول عليه الصلاة والسلام, ولهذا قال: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} . {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي: لا تنادونه بصوت مرتفع كما ينادي بعضكم بعضاً، بل يكون جهراً بأدب وتشريف وتعظيم يليق به صلى الله عليه وسلم, وهذا كقوله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] أي: إذا دعاكم لشيء فلا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم لبعض، إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا تجيبوا, بل يجب عليكم الإجابة، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] وهنا قال: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] . كذلك أيضاً: لا تنادونه بما تتنادون به, فلا تقولون: يا محمد! ولكن قولوا: يا رسول الله! يا نبي الله! وما أشبه ذلك, {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} أي: كراهة أن تحبط أعمالكم, أي: إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته وعن الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون, ففي هذا دليل على أن الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهر له بالقول كجهره لبعض الناس فيه أنه قد يحبط عمله من حيث لا يشعر, لأن هذا قد يجعل في قلب المرء استهانة بالرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهانة بالرسول ردة عن الإسلام توجب حبوط العمل. ولما نزلت هذه الآية كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جهوري الصوت, وكان من خطباء النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية تغيب في بيته, وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم, فافتقده الرسول وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية, فأرسل إليه رسولاً يسأله فقال إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] وأنه قد حبط عمله, وأنه من أهل النار, فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا به, فحضر وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة, وقال: (أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال: بلى رضيت) فقتل رضي الله عنه شهيداً في وقعة اليمامة, وعاش حميداً وسيدخل الجنة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولذلك كان ثابت رضي الله عنه ممن يشهد له بأنه من أهل الجنة بعينه, لأن كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة, وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار, وأما من لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم, نقول: كل مؤمن في الجنة, وكل كافر في النار, ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة؛ إلا بما شهد له الله ورسوله. وفي هذه الآية الكريمة بيان تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز لإنسان أن يجهر له بالقول كجهره لسائر الناس, وأنه لا يجوز له أن يرفع صوته على صوت الرسول عليه الصلاة والسلام, ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة رضي الله عنهم بذلك حتى كان بعضهم يكلمه مسارةً ولا يفهم الرسول ما يقول من إسراره حتى يستثبته مرة أخرى. وفي هذه الآية أيضاً دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام فإن عمله حابط؛ لأن الاستهانة بالرسول عليه الصلاة والسلام ردة، والاستهزاء به ردة, كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] وكانوا يقولون ويعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -أي: أوسع-، ولا أجبن عند اللقاء, ولا أكذب ألسناً. فأنزل الله هذه الآية, ولما سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك قالوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65]-يعني: نتكلم بكلام لا نريده ولكن لنقطع به عنا الطريق- فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] . ولهذا كان الصحيح: أن من سب الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر مرتد, فإن تاب قبلنا توبته لكننا لا نرفع عنه القتل، بل نقتله أخذاً بحق الرسول صلى الله عليه وسلم, وإذا قتلناه بعد توبته النصوح الصادقة صلينا عليه كسائر المسلمين الذين يتوبون من الكفر أو من المعاصي. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) أثنى الله تعالى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3] لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته, وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض, أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله, أي: يخفضونها, ويتكلمون بأدب, فلا إزعاج ولا صخب ولا رفع صوت, لكن يتكلمون بأدب وغض, قال الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} ذكر الإشارة فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ} تعظيماً لشأنهم, ورفعة لمنزلتهم, لأن أولاء من أسماء الإشارة الدال على البعد, وذلك لعلو منزلتهم, وكان الكلام سيتم لو قال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى, لكن أتى باسم الإشارة بياناً لرفعة منزلتهم وعلوها. {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} قال العلماء: معناه أخلصها للتقوى, فكانت قلوبهم مملوءة بتقوى الله عز وجل, ولهذا تأدبوا بآداب الله الذي وجهها لهم, فغضوا أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم. ثوابهم: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} مغفرة من الله لذنوبهم, وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة, وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب, لقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} , وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (التقوى هاهنا وأشار إلى صدره الذي هو محل القلب ثلاث مرات) ولا شك أن التقوى تقوى القلب, أما تقوى الجوارح وهي إصلاح العمل ظاهراً فهذا يقع حتى من المنافقين, {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لكن الكلام على تقوى القلب, هي التي بها الصلاح, نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم ذلك. {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} يفعل بعض الناس المعاصي وإذا أنكرت عليه قال: التقوى هاهنا, كأنه يزكي نفسه, وهو قائم على معصية الله, فنقول له بكل سهولة: لو كان ما هاهنا متقياً لكانت الجوارح متقية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإن فسدت فسد الجسد كله) تجد شخصاً مصراً على معصية ما, كإسبال الثوب وحلق اللحية وشرب الدخان، فتنهاه وتخوفه من عقاب الله, ويقول: التقوى هاهنا, الجواب نقول: لو كان ما هاهنا -أي القلوب- فيه تقوى, لكان ما هاهنا -أي الجوارح- فيه تقوى, الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) . الجزء: 110 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 110 ¦ الصفحة: 5 الانصراف بعد طواف الوداع السؤال شخص يقول: اعتمرت وأردت الخروج يوم الجمعة, فهل لي أن أجلس ساعة بعد طواف الوداع وأذهب؟ الجواب طواف الوداع لابد أن يكون آخر شيء, لكن لو طاف للوداع ثم حضر الإمام للجمعة وبقي معه وصلّى فلا بأس أن ينصرف بعد الصلاة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه طاف للوداع ثم صلّى الفجر ثم سافر) . الجزء: 110 ¦ الصفحة: 6 حكم من أدرك الإمام في التشهد الأخير وكان مسافرا ً السؤال ما الحكم عندما آتي إلى المسجد وأجد الإمام في التشهد الأخير, ودخلت معه فسلم, فلا أدري هل أتم رباعية أم قصراً, على قولكم يا فضيلة الشيخ بأن الطلاب المغتربين لهم حق القصر, علماً بأن هذه الجماعة التي أتيتها أغلبهم من الطلاب المغتربين, وعلماً بأنها ليست الجماعة الأصلية وإنما هي جماعة ثانية؟ الجواب في هذه الحال ينظر إلى ظاهر الحال, لأن ما ذكرت يحصل في بعض المساجد, يمر بها الإنسان في الطريق ويجد أناساً يصلون, أو في المطار يجد أناساً يصلون, فيشك هل هم مقيمون أم مسافرون, ينظر إلى ظاهر الحال, إذا كان ظاهر هذا الرجل أنه مسافر لكون حقيبته أمامه, وكونه لابس ملابس السفر, فيعتبر مسافراً, وإذا لم يترجح عندك شيء فأتم, لأن الأصل الإتمام. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 7 حكم من صلى إلى غير القبلة جاهلا ً السؤال رجل صلّى في جدة في وسط المدينة قريب من البحر, فصلى إلى اتجاه غير اتجاه القبلة, فبعد ما انتهى من صلاته اكتشف أن القبلة في الموضع المغاير, في العكس، فماذا على هذا الشخص خاصة أنه مر عليه أيام كثيرة؟ الجواب الواجب على هذا أن يعيد الصلاة الآن؛ لأن صلاته لغير القبلة غير صحيحة, وهو ليس في محل اجتهاد حتى نقول ليجتهد, فعليه أن يعيد صلاته الآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن نام عن صلاة أو نسيها (فيلصلها إذا ذكرها) وهذا لم يعلم الحكم إلا الآن فليصل الآن. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 8 حكم الصلاة والصيام لمن أسقطت الجنين في الشهر الثاني السؤال امرأة أسقطت جنيناً وهي في الشهر الثاني من الحمل, ما حكم الصلاة والصيام في هذه الحالة؟ الجواب هذه المرأة تصوم وتصلي, ويأتيها زوجها, لأن هذا الدم ليس نفاساً ولا حيضاً, وإنما يسمى عند العلماء: دم فساد وذلك أن النفاس لا يثبت إلا بعد أن يتبين في الجنين خلق الإنسان, وأثناء الشهرين لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان. السائل: إلى كم شهر يتبين الخلق تقريباً؟ الشيخ: غالباً يتبين في ثلاثة أشهر. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 9 توجيه في كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال كما يعلم فضيلتكم ويعلم الجميع وجود بعض المنكرات الظاهرة خاصة في المدن الكبيرة وما فيها من الفتن, وقد أشكل على الكثير كيفية الإنكار، هل هي مقتصرة على رجال الهيئة, حيث أن أغلب الشباب هداهم الله من الملتزمين لا يقومون بواجب الإنكار بحجة أن هذا العمل يسقط عنهم لوجود رجال الهيئة, وبعضهم لا ينكر بحجة الخوف من الوقوع في الخطأ والمساءلة, لذلك يا شيخ! أصبحت المنكرات تزداد يوماً بعد يوم, فالله المستعان فما رأي فضيلتكم؟ الجواب رأيي: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الناس, وإذا لم يقم به من يكفي وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر, لكن لابد أن يكون بالحكمة والرفق واللين, لأن الله أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] . أما العنف سواء كان بأسلوب القول أو أسلوب الفعل فهذا ينافي الحكمة, وهو خلاف ما أمر الله به, ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول: هذا منكر معروف, كحلق اللحية مثلاً, كل يعرف أنه حرام خصوصاً المواطنين في هذا البلد, ويقول: لو أنني جعلت كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته وما أكثرهم, وقفت أنهاه عن هذا الشيء فاتني مصالح كثيرة, ففي هذه الحال ربما نقول بسقوط النهي عنه؛ لأنه يفوت على نفسه مصالح كثيرة, لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله, وتقول: هذا أمر محرم، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة, وتقول الأمر المناسب, وأما الخوف من أن يكون عنيفاً في أمره ونهيه فهذا على الإنسان, يستطيع الإنسان أن يأمر برفق وأن ينهى برفق. السائل: بعض رجال الهيئة تخيفهم كثرة المنكرات. الجواب: رجال الهيئة ليسوا في كل مكان, ولهذا قلنا فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط عن الناس, وإذا لم يقوموا به وجب على الناس وهذا غير تغيير المنكر؛ لأن هناك ثلاثة أمور: دعوة وأمر وتغيير. الدعوة واجبة على كل أحد, بأن يعرض الإسلام، ويحذر من الشرك والفسوق, والأمر أن تخص الإنسان: افعل كذا أو النهي: لا تفعل كذا مباشرة. والتغيير: أن تقوم أنت بنفسك بتغيير المنكر. ولهذا جاء الأمر بالدعوة إلى الله مطلقاً, قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً, وجاء بالأمر بالتغيير مقيداً فقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه) وبعض الناس تلتبس عليهم هذه الأحوال, يظنون أن الأمر بالتغيير كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس كذلك, النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما, بل فرق بين هذه الثلاث كلها, فإذا لم نجد مثلاً من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ وجب علينا أن نأمر نحن بالمعروف وننهى عن المنكر, لكن إذا سلطنا الأمر على شخص معين صار أمره معروفاً أو نهيه عن منكر, أما إذا قمنا مثلاً في هذا الجمع وصرنا نتكلم على المعصية التي تلبس بها هذا الرجل صار هذا من باب الدعوة إلى الله. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 10 نصيحة لمن أصيب بالسحر أو توهم بذلك السؤال يلاحظ انتشار السحر بكثرة, ونسمع أحياناً ونعاين بعض الحالات المنتشرة بشكل عجيب، وهناك من يظهر عليه أنه مسحور، وحين يقرأ عليه الآيات التي فيها السحر -إن صح التعبير- مثل قصة موسى مع فرعون والسحرة, يحدث تفاعلات مباشرة مع هذه الآيات, ولكن بعض الأشخاص حقيقة ينفر من العلاج أحياناً ويتردد إلخ, ثم يصبح هناك غلبة للشيطان, فالنصيحة يا فضيلة الشيخ! خاصة لأمثال هؤلاء الأشخاص الذين أصيبوا وظهرت عليهم علامات مثل هذه, عل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الفائدة, بارك الله فيك؟ الجواب النصيحة للعموم, إنني أقول: الوهم له أثر كبير في اعتلال الصحة واعتلال العقل أيضاً, وكثير من الناس يتوهم أنه مسحور، أو أنه مصاب بالعين، وليس كذلك, لكن لما كثر التوهم والتخيل انفعل في النفس وظن أنه على حق وأنه مسحور أو مصاب بالعين. فأولاً: أنصح إخواني المسلمين ألا يخضعوا لهذه الأوهام, لأن هذه الأوهام من إملاء الشيطان, والإنسان إذا غفل وتلهى عنها زالت بإذن الله مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, لكن إذا وقع الأمر حقيقة وصار الإنسان معتل الصحة، أو معتل التفكير فإنه ينقض السحر بالآيات الكريمة مثل: المعوذتين الفلق والناس, وآية الكرسي, وما ذكره الله تعالى عن موسى: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} [يونس:81] وما أشبه ذلك, أو بأدوية إذا كان السحر بأدوية فهو يقابل بأدوية أخرى معروفة عند الذين يعالجون الناس. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 11 حكم العصبية القبلية وحكم إجبار الوالد ولده على الطلاق السؤال فضيلة الشيخ! تعلم ما يحدث في المجتمع من قضية العصبية (هذا قبيلي, وهذا غير قبيلي) رجل تزوج من غير قبيلته فغضب عليه أبوه, وقال: طلقها وإلا تنقطع الصلة بيني وبينك, فما رأيك؟ الجواب أولاً: أنصح المسلمين في مثل هذه الأمور, لأن الله تعالى أذهب عنا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم تربية الجاهلية, ونهانا عن التعصب, ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبغي أحد على أحد, والناس كلهم لآدم وآدم من تراب, ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى, قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] لكن لا شك أن الأنساب تختلف منها ما هو عال، ومنها ما دون ذلك, ومنها من لم يعرف له نسب في العرب, وهذا ما يسمى عند الناس بالنبطي أو بالخضيري أو ما أشبه ذلك, وكل هذه ذهبت بالإسلام, قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه -ولم يذكر النسب- إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) . فإذا كانت هذه المرأة قد أعجبت الرجل -وهذا هو الجواب المباشر لسؤالك- في دينها وخلقها فليستمسك بها, حتى وإن أمره أبوه بطلاقها فلا يسمع له ولا يطيعه, ولا يعتبر معصيته في ذلك عقوقاً, بل إن الوالد هو الذي قطع الرحم, إذا قال: إن أبقيتها فإني أقطع صلتي بك فهو القاطع للرحم، وقد قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ولا شك أن محاولة التفريق بين المرء وزوجه من الإفساد في الأرض, ولهذا جعل الله ذلك من عمل السحرة, قال: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] والسحرة مفسدون, كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] فجعل السحرة من المفسدين. ومن أعظم سحرهم التفريق بين الرجل وأهله, فهذا الأب الذي يحاول أن يفرق بين ابنه وزوجته, يكون فعله من جنس فعل السحرة, وهو من الفساد في الأرض, فيكون هذا الأب الذي يأمر ابنه بطلاق الزوجة وإلا قاطعه, يكون ممن قطع الرحم وأفسد في الأرض, فيدخل في الآية: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] . وأنا الآن أوجه نصيحتي إلى الابن وأقول: الزم زوجتك ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها, ونصيحة أخرى إلى الأب وأقول: اتق الله في نفسك, ولا تفرق بين ابنك وأهله, فتقع في الإفساد في الأرض، وكذلك في قطع الرحم, والابن نقول له: امضِ فيما أنت عليه, وسواء رضي أبوك أم لم يرضَ, وسواء قاطعك أم وصلك, ولكن إذا قُدِّر أنه نفذ وقاطع, فأنت اذهب إليه وحاول أن تصله فإذا أبى فالإثم عليه وحده. قد يقول بعض الناس: إن عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم, وأنا آمر ولدي فليطلق زوجته, نقول: إن هذه المسألة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فجاءه رجل يقول: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له: ولو أمرك لا تطلقها, وأظن الإمام أحمد سأله: هل هو راغب فيها أم لا؟ فلما أخبره بأنه راغب قال: لا تطلقها, قال: أليس عمر قد أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها؟ قال: وهل أبوك عمر؟ عمر ما أمر ابنه أن يطلق امرأته بمجرد هوىً أو عصبية, لكن لأمر رأى أنه من المصلحة. وخلاصة القول: أن للولد أن يبقي زوجته ما دامت قد أعجبته ديناً وخلقاً سواء رضيت أمه أو أبوه أو لم يرضيا. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 12 أهمية التوحيد عند كل الرسل السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في هذه العبارة: (إن مفتاح دعوة الرسل وزبدة رسالتهم هي معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله) ؟ الجواب هذا عبر به بعض العلماء, وذكرها شيخ الإسلام في الفتوى الحموية أنها زبدة الرسالة الإلهية, لكن معرفتها تستلزم الشهادة له بأنه لا إله إلا هو, لأن كل من عرف الله بأسمائه وصفاته لزم من ذلك أن يوحده. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 13 الخطوات النافعة لطالب العلم السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لطالب العلم ما هي الخطوات التي تجب على طالب العلم حتى يكون عالماً أصولياً قائماً على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم؟ الجواب أول مرتبة هي: حفظ كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم يحفظه تلاوة، ويتدبره معنىً، ويعمل به حكماً, هذا أول شيء, ثم بعد ذلك ما صح من السنة النبوية مثل الكتب المختصرة: كـ عمدة الأحكام وبلوغ المرام , ثم ما كتبه العلماء في العقائد والتوحيد, ويبدأ بالمختصرات أولاً, ثم ما كتبه العلماء في الفقه وكذلك يبدأ بالمختصرات, بالإضافة إلى علوم الآلة وهي: علوم العربية من نحو، وصرف، وبلاغة بقدر المستطاع, ولكن الشيء الذي أنصح به طالب العلم ألا يحمّل نفسه ما لا تتحمل, بحيث يقرأ في اليوم الواحد عدة كتب؛ لأن هذا يوجب أن ينسي بعضها بعضاً, وألا يحمل من العلم إلا نُتفاً فقط كالعامي. وأهم شيء في طلب العلم أن يعتني الإنسان بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد عبارة عن ضوابط، أو قواعد تجمع مسائل كثيرة, ويحيل الإنسان كل مسألة تأتي عليه إلى هذه القاعدة أو الضابط وينتفع انتفاعاً كبيراً. وعلى كل حال لابد للطالب أن يطلب العلم على يد عالم, والعالم يوجهه بما يرى أنه مناسب لحاله. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 14 النهي عن رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم السؤال هل يشمل عدم رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم عدم رفعه عنده بعد موته, أي: عند قبره؟ الجواب رفع الصوت عند قبر الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل في قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات:2] وإن كنا لا نخاطبه لكن لا يليق أن ترتفع الأصوات عند قبره, ولهذا لما سمع عمر رضي الله عنه رجلين من الطائف يرفعان أصواتهما عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام, سألهما وقال: [أتعلمان أين أنتما؟ ثم قال: من أي بلد أنتما؟ قالا: من الطائف , قال: لو كنتما من هذا البلد لفعلت كذا وكذا] فدل هذا على أن من تمام الأدب ألا يرفع الإنسان صوته عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم, وأما ما يفعله بعض الغلاة تجده يقف أمام القبر والقبلة خلفه على ذراعه اليسرى وخشع أكثر من خشوعه في الصلاة فهذا منكر, والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب هذا ولا يرضى به, لأننا نشاهد أناساً يقفون عند القبر على هذه الصفة، ومع ذلك لا يمكن أن يتزحزح، حتى لو أردت أن تزحزحه لتمر من عنده أبى أن يتحرك, وهذا لا شك أنه منكر عظيم, والله أعلم بما في قلبه, ربما يكون هذا الوقوف تعبداً للرسول عليه الصلاة والسلام فيكون مشركاً من حيث لا يشعر. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 15 حكم الاجتماع في المسجد للذكر السؤال سمعت لكم يا شيخ! في برنامج نور على الدرب, وكان السؤال: ما الحكم في قوم يجتمعون في المسجد على الذكر؟ فتفضلتم بالجواب، وقبل الجواب ذكرت أن فيه تفصيلاً, فحبذا لو ذكرتم هذا التفصيل. ؟ الجواب الاجتماع على الذكر فيه تفصيل: إن اجتمعوا على قراءة ودرس سواء كان في التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو غيره؛ فهذا لا بأس به, وهذا هو من عادة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعادة الأمة إلى يومنا هذا, وإن اجتمعوا أيضاً على القرآن بحيث يتلو بعضهم على بعض القرآن لحفظه، فهذا أيضاً لا بأس به, سواء كان كل شخص يقرأ لوحده، أو كان واحد يقرأ والجماعة يتبعونه, لكن للتعليم لا للتعبد, وأما إذا كان للتعبد بمعنى أنهم يجتمعون ويرفعون الأصوات بالذكر جميعاً، أو بالقرآن جميعاً تعبداً لا تعلماً فهذا من البدع. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 16 حكم من قتل ابنه خطأ ً السؤال رجل كبير في السن قام بدهس ابنه بغير عمد, ما هو الحكم عليه علماً أنه مريض بمرض السكر؟ الشيخ: لكنه خطأ؟ السائل: نعم. الجواب إذا قتل الإنسان ابنه خطأً فهو كغيره من الناس, بمعنى: أنه يلزمه أن يكفر بإعتاق رقبة, فإن لم يجد فبصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فلا شيء عليه, أما الدية فهي للورثة الذين هم سوى الأب, فمثلاً: إذا كان له إخوان وأم، وليس له أبناء صارت الدية لأمه وإخوانه. السائل: هل يلزم الأب بدفع الدية؟ الشيخ: نعم يلزم الأب بدفعها إلا إذا سمح الورثة, لأنها حق للورثة، وإذا سمحوا فلا بأس. السائل: ليس عليه كفارة من إطعام يا شيخ؟! الشيخ: كفارة القتل ليس فيها إطعام إنما فيها إعتاق أو صيام. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 17 تعدي الأخوة بالرضاعة إلى أبناء الأم من زوج آخر السؤال هناك امرأة تزوجت رجلاً وأنجبت منه أبناء, وأرضعت بنتاً من غير بناتها, وتوفي الزوج, وتزوجت من رجل آخر وأنجبت أبناء من الزوج الثاني, هل البنت المرضعة الأولى تكون أختاً للإخوة من الزوج الثاني؟ الجواب نعم, ويكونون إخوة من الأم, لأن أمهم واحدة, ونحن نضيف على هذا الجواب: لو كان هذا الزوج له زوجة أخرى فهل تكون البنت التي رضعت من الزوجة أختاً لأولاد الزوجة الأخرى؟ هذا رجل له زوجتان: واحدة زينب والثانية فاطمة, فأرضعت زينب بنتاً فهل تكون هذه البنت أختاً لأولاد فاطمة؟ يكونون إخوة من الأب, والمسألة التي سألت عنها يكونون إخوة من الأم, وأولاد المرضعة من زوجها يكونون إخوة للراضع منها من الأم والأب, فالرضاع كالنسب تماماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وعلى هذا فقد يكون الإخوة إخوة من الأب فقط، وقد يكونون إخوة من الأم فقط, وقد يكونون إخوة من الأم والأب. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 18 حكم الصيام والقيام الجماعي السؤال ما حكم الصيام والقيام الجماعي؟ الجواب أما القيام أحياناً جماعة فلا بأس؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام معه بعض الصحابة أحياناً, كـ حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس , وأما الصيام جماعة فلا أصل له, لكن لو اتفق أن صاموا هذا اليوم وقالوا نفطر عند واحد منا فلا بأس, وإذا اتفقوا على أنهم سيصومون غداً، أو سيصومون كل اثنين، أو كل خميس فهذا لا أصل له. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 19 عدم جواز تعليق عين الذئب لدفع الجن السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم تعليق عين الذئب على شكل تميمة خوفاً من الجن ويقولون: أنها تطرد الجن, وهل يعذر بالجهل؟ الجواب هذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس سبباً شرعياً ولا طبيعياً, فهو من التمائم التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها شرك, ثم من قال: إن الجن يهربون من الذئب؟! نسمع هذا كثيراً لكن لا ندري هل هذا حقيقة أو لا, ولهذا بعض الناس يجعل عنده شيئاً من جلد الذئب ويعلقه في بيته ويدعي أن الجن لا تدخل البيت إذا كان ذلك فيها, ولكن هذا خطأ, الذي يمنعك من الجن حقيقة هو قراءة آية الكرسي, (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . السائل: نفس السؤال يا شيخ! من قال: إنه كفر مخرج من الملة ولا يعذر بالجهل؟ الشيخ: لا. هذا غير صحيح, هو لا يخرج من الملة, بناءً على ما اشتهر ظن أن هذا سبب فيقال: هذا ليس بسبب شرعي وتعليقه من الشرك؛ لكنه من الشرك الأصغر. السائل: يعذر بالجهل يا شيخ؟! الشيخ: نعم, لا شك أنه يعذر بالجهل, كل إنسان معذور بالجهل {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 20 الأحكام المترتبة على من سب الله ورسوله والدين السؤال لقد ذكرت في معرض حديثكم في تفسير أول سورة الحجرات, أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتل حتى ولو تاب, فما وجه قتله؟ وما رأيك فيمن يسب الله سبحانه وتعالى، أو يسب الدين عندما ينكر عليه أحد، أو عندما يغضب يقول: ألعن دينك أو ألعن ربك؟ الجواب أما وجه قتله -أعني ساب الرسول صلى الله عليه وسلم- فلأن هذا حق للرسول عليه الصلاة والسلام, ولابد أن نثأر لرسولنا صلى الله عليه وسلم ونقتله, وإذا كان قد تاب فهو كسائر المسلمين يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين, وأما من سب الله وتاب من سبه توبة نصوحاً نعرف أنه صادق, فهذا يرتفع عنه القتل؛ لأن القتل حق لله، وقد أخبر الله تعالى بأنه يغفر الذنوب جميعاً قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وكذلك من سب الدين فإنه كالذي يسب الله, إذا تاب توبة نصوحاً حقيقة رفعنا عنه القتل. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 21 حكم الدعاء عند الفراغ من قراءة الدرس السؤال يوجد عندنا في المسجد قوم إذا جلسوا بعد أن تنتهي صلاة الفجر يقرءون رياض الصالحين , وبعد أن ينتهوا يرفعون أيديهم، ويدعو -هذا الذي يحدثهم- ويؤمنون خلفه, فهل هذا الدعاء جائز؟ الجواب نعم! هذا الدعاء جائز لأن أصل الجلسة ليست للدعاء أو الذكر, أصل الجلسة لقراءة علم, لكن لا ينبغي أن يتخذ هذا سنة راتبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان كلما وعظ أصحابه أو حدثهم يقوم فيدعو. السائل: هم مستمرون في ذلك يا شيخ! الشيخ: يقال لهم: لا تستمروا, أحياناً. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 110 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [111] في ظلال تفسير سورة الحجرات كان للشيخ هذه الوقفة المباركة حيث تناول مواضيع ومسائل هامة، منها: غفران الله للذنوب ما خلا الشرك بالله، ورحمة الله الواسعة، ومنزلة الفاسق في الإسلام وحكم شهادته، وشهادة غير الفاسق وشروطها. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس الخامس عشر من شهر رجب عام (1416هـ) . الجزء: 111 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) نبدئ هذا اللقاء بالكلام على قول الله تبارك وتعالى في سورة الحجرات: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] هذه الآية تشير إلى قوم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكان معهم قوم جفاة, لا يقدرون الأمور قدرها, فجعلوا ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرات نسائه, ويرفعون أصواتهم بذلك, يريدون أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم, يقول الله في هؤلاء: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] أي: ليس عندهم عقل, والمراد بالعقل هنا عقل الرشد, لأن العقل عقلان: 1- عقل رشد. 2- عقل تكليف. فأما عقل الرشد فضده السفه, وأما عقل التكليف فضده الجنون, فمثلاً إذا قلنا: يشترط لصحة الوضوء أن يكون المتوضئ عاقلاً مميزاً, فالمراد بالعقل هنا عقل التكليف, وإذا قلنا: يشترط للتصرف في المال أن يكون المتصرف عاقلاً أي: عقل رشد يحسن التصرف, فالمراد بقوله هنا: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] أي: لا يعقلون عقل رشد, لأنهم لو كانوا لا يعقلون عقل تكليف لم يكن عليهم لوم أو ذم، إذ أن المجنون فاقد العقل ولا يلحقه لوم ولا ذم وقوله: {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4] يفهم منه: أن بعضهم يعقل, وأنه لم يحصل منه رفع صوت, بل هو متأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم) ثم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [الحجرات:5] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} أي: من بيتك, وتكلمهم بما يريدون, {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} في أنهم يلتزمون الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وحاجتهم سوف تقضى, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأته أحد في حاجة إلا قضاها إذا كان يدركها, وهو أحق الناس بقول الشاعر: ما قال: (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] إشارة إلى أن الله غفر لهم ورحمهم, وهذا من كرمه جل وعلا أنه يغفر ويرحم, وقد أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:48] أي: ما سوى الشرك {لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فكل أحد أذنب ذنباً دون الشرك مهما عظم فإنه تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ما لم يتب, فإذا تاب فلا عذاب؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] . هنا قلنا: إن الآية تدل على أن الله غفر لهم ورحمهم, فمن أين نأخذ هذه الدلالة؟ نأخذها من أن الله ختم الآية بقوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] وهذا يدل على أنه غفر لهم ورحمهم, ولذلك قال العلماء في قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:33-34] أخذ العلماء من هذه الآية: أن هؤلاء المفسدين المحاربين لله ورسوله إذا تابوا قبل القدرة عليهم سقط عنهم العذاب, واستدلوا بأن الله ختم الآية بقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:34] أي: قد غفر لهم ورحمهم, وهذه نكتة ينبغي لطالب العلم أن ينتبه لها في الآيات, أن ختم الآية بعد ذكر الحكم دليل على ما تقتضيه هذه الأسماء التي ختمت بها الآية, ولهذا قرأ رجل: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم) , فسمعه أعرابي عنده، فقال له: أعد الآية فأعادها وقال: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم) , قال له: أعد الآية, فأعادها فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38] فقال: الآن -أي: الآن أصبت- ثم علل قال: لأنه لو غفر ورحم ما قطع, ولا تتناسب المغفرة والرحمة مع القطع, لكنه عزّ وحكم فقطع. فتأمل هذا الفهم فإنه مفيد لك جداً. الشاهد من هذا أن قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:5] أن الآية تدل على أن الله غفر لهم ورحمهم. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ثم قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] , قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} قال ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرعها سمعك -أي: استمع لها- فإما خير تؤمر به, وإما شر تنهى عنه] لأن هذا نداء بأشرف الأوصاف وهو الإيمان {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فمن هو الفاسق؟ هو من انحرف في دينه ومروءته, وضده العدل: وهو من استقام في دينه ومروءته، وهو ضد الفاسق, فإذا جاءنا فاسق منحرف في دينه ومروءته, بمعنى: أنه مصر على المعاصي تارك للواجبات لكنه لم يصل إلى حد الكفر, أو منحرف في مروءته, لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء, ويتحدث برفع صوت، ويأتي معه بأغراض بيته يطوف بها في الأسواق وما أشبه ذلك مما يخالف المروءة, فهذا عند العلماء ليس بعدل. في هذه الآية يقول الله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات:6] خبر, أي خبر من الأخبار وهو فاسق, ولنطبق هذه المسألة على الواقع: جاءنا رجل حالق اللحية, حالق اللحية فاسق لماذا؟ لأنه مصر على معصية الله ورسوله, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهذا لم يعفِ لحيته بل حلقها, فهذا الرجل من الفاسقين لأنه مصر على معصية, جاءنا بخبر هل نقبله؟ لا, هل نرده؟ لا, لا نقبله لما عنده من الفسق, ولا نرده احتمال أن يكون صادقاً, ولهذا قال الله عز وجل: {فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] ولم يقل: فردوه، ولم يقل: فاقبلوه, بل يجب علينا أن نتبين, وفي قراءة: (فتثبتوا) وهما بمعنى متقارب, المعنى: أن نتثبت, فإذا قال قائل: إذاً لا فائدة من خبره، قلنا: لا, بل في خبره فائدة وهو أنه يحرك النفس, حتى نسأل ونبحث, لأنه لولا خبره ما حركنا ساكناً, لكن لما جاء بالخبر نقول: لعله كان صادقاً فنتحرك ونسأل ونبحث, فإن شهد له الواقع بالحق قبلناه؛ لوجود القرين الدال على صدقه وإلا رددناه. وقوله سبحانه وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] يفيد أنه إذا جاءنا عدل فإننا نقبل الخبر, لكن هذا فيه تفصيل عند العلماء دل عليه القرآن والسنة, فمثلاً: الشهادة في الزنا, لو جاءنا رجل عدل في دينه مستقيم في مروءته وشهد أن فلاناً زانٍ, هل نقبل شهادته؟ لا, وإن كان عدلاً بل نجلده ثمانين جلدة؛ لأنه قذف هذا الرجل البريء بالزنا، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4] ولا نقبل له شهادة أبداً, ونحكم بأنه فاسق, وإن كان عدلاً حتى يتوب. شهد رجلان عدلان على زيد أنه زنأ, هل نقبل شهادتهما؟ لا, ثلاثة؟ لا, أربعة؟ نعم, لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] ، وقال تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:13] لو جاءنا ثلاثة نعرف أنهم ثقات عدول وشهدوا بالزنا على شخص, فهم عند الله كاذبون, غير مقبولين ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة. جاءنا رجل شهد على شخص أنه سرق, هل نقبل شهادته؟ لا, لا بد من رجلين. جاءنا رجل شهد أنه رأى هلال رمضان, هل نقبل شهادته؟ نعم نقبلها, لأن السنة وردت بذلك, فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: [تراءى الناس الهلال -أي: ليلة الثلاثين من شعبان- فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام] . رجل كان غنياً فأصيب بجائحة ثم جاء يسأل من الزكاة, وأتى بشاهد أنه كان غنياً فأصابته جائحة وافتقر, فهل نقبل شهادة واحد؟ لا, نقبل شهادة اثنين؟ لا, لا بد من ثلاثة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ قبيصة: (إنها لا تحل المسألة) وذكر منها: (رجل أصابته جائحة -أي: اجتاحت ماله- فشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: أن فلاناً أصابته جائحة فحلت له المسالة) (ثلاثة من ذوي الحجا) أي: من ذوي العقل. فالحاصل: أن الفاسق ما موقفنا من خبره؟ التوقف حتى يتبين الأمر, أما غير الفاسق ففيه تفصيل, قد لا نقبل إلا خبر أربعة كما في الزنا, أو ثلاثة كما في الرجل الذي كان غنياً فأصيب بجائحة ثم جاء يطلب الصدقة, فإننا لا نقبل منه حتى يشهد ثلاثة, رجلان فيما لو شهد الإنسان بحد سرقة فإننا لا نقبل إلا رجلين. ممكن نقبل رجلاً مع يمين المدعي، كما لو ادعى شخص على آخر بأنه يطلبه ألف ريال فقلنا للمدعي: هات بينة، قال: عندي رجل واحد, إذا أتى بالرجل الواحد وحلف معه حكمنا له بما ادعاه. وعلى هذا فخبر العدل فيه تفصيل على ما سمعتم, وهناك أشياء لا يتسع المقام لذكرها. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) ثم بين الله عز وجل الحكمة من كوننا نتبين من خبر الفاسق فقال: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] أي: أمرناكم أن تتثبتوا كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة, لأن الإنسان الذي يتسرع ولم يتثبت فقد يعتدي على غيره بناءً على الخبر الذي سمعه من الفاسق, وقد يكرهه, وقد يتحدث فيه في المجالس, فيصبح بعد ذلك إذا تبين خبر الفاسق كذباً يصبح نادماً على ما جرى منه. وفي هذه الآية: دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب, إذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول المخبر يجب أن تتثبت وألا تتسرع في الحكم, لأنك ربما تتسرع وتبني على هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد, ومن ثم جاء التحذير من النميمة: وهي أن ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات) -أي: نمام-, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير -أي: في أمر شاق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستتر -أو لا يستبرئ أو لا يستنزه، هذه روايات- من البول, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) يمشي بين الناس لنقل الحديث إلى الآخرين ليفسد بين الناس, (ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرزها في كل قبر واحدة, فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعل الله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) . {أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ومن هذا النوع من ينسب إلى بعض العلماء من الفتاوي التي لم يتكلم بها إطلاقاً أو تكلم بضد ما ينقل عنه, فإن بعض الناس قد يفهم من العالم كلمة على غير مراد العالم بها, وقد يسأل العالم سؤالاً يتصوره العالم غير ما في نفس هذا السائل, ثم يجيب على حسب ما فهمه، ثم يأتي هذا الرجل وينشر هذا القول الذي ليس بصحيح, وكم من أقوال نسبت إلى علماء أجلاء ولكن لم يكن لها أصل, لهذا يجب التثبت فيما ينقل عن العلماء أو غير العلماء, ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الأهواء والتعصب، وصار الناس كأنهم يمشون في عماء. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 111 ¦ الصفحة: 7 حكم كتابة القرآن في أوراق وبلّها في الماء ثم شرب الماء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم كتابة القرآن في أوراق وبلّها في الماء ثم شرب الماء؟ الجواب هذه فعلها بعض السلف, يكتب للمريض إما في أوراق وتبل وتشرب, وإما في صحن أو إناء يكتب بزعفران ثم يرج الماء في هذا الإناء ثم يشربه المريض, وينتفع بإذن الله عز وجل. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 8 حكم تعليق جريد نخل على الجدار إشارة إلى أن هذا فيه زواج السؤال ما حكم تعليق جريدة نخل على الجدار إشارة إلى أن هذا فيه زواج؟ الجواب لا أرى في هذا بأساً, لأنهم لا يريدون أن يتقربوا إلى الله بهذا العمل, إنما تكون علامة كما توقد المصابيح في بعض الأماكن, وينور البيت ومن حوله, إشارة إلى أن هذا فيه زواج ولعل هذا يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح) . الجزء: 111 ¦ الصفحة: 9 عادات جاهلية في الحج عند بعض النساء الكبيرات في السن السؤال هناك بعض النساء الكبيرات في السن, توجد عندهن بعض العادات الجاهلية فمثلاً في الحج في العام الماضي, تنهى إحداهن الأخرى أن ترجم الجمار بالحصى, وتقول هناك كلام في النهي عنه, وقد بينت لها وقلت: إنه جائز ووارد عن الرسول, لكن هناك قناعة راسخة أنها أمور صحيحة؟ الجواب أنت إذا أخبرت إنساناً بالحق فقد أبرأت ذمتك, ثم إن اهتدى فلك وله, وإن لم يهتدِ فلك وعليه, لأن الله قال للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] بلغت جزاك الله خيراً ما تعرفه من الحق, ثم إن قبل من بلغته وإلا ذمتك بريئة. فيه أيضاً: أنهم يأخذون أحجاراً من مزدلفة ويعتقدون أنه لا يصح رمي الجمرات إلا بأحجار، وهذا غلط, وليس أخذ الأحجار من مزدلفة بسنة, خذ الأحجار من أي مكان. ثم إن بعضهم أيضاً يأخذ أحجاراً ويزيد معها حصى, وينسى ويأتي بها إلى بلده، ثم يسأل ويقول: هل يجوز أن ألقيها في الأرض؟ هؤلاء نبين لهم أنك لو نسيت أحجاراً في جيبك من الجمرات فارمها في أي مكان. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 10 حكم صلاة العيد للمسافر وحكمها للنساء والرجال السؤال بالنسبة لصلاة العيد إذا سافر المسافر ووجد مستوطنين في البلدة المسافر إليها, يقيمون الصلاة, هل يجب عليه الدخول معهم؟ الجواب أولاً صلاة العيد أكثر العلماء قالوا: إنها سنة, وقيل: إنها فرض كفاية, وقيل: إنها فرض عين, والأقرب أنها فرض عين على الرجال, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء حتى الحيض ذوات الخدور والعواتق أن يخرجن لصلاة العيد, فإذا مررت ببلد وهم يصلون العيد فإن كنت سائراً في سفرك فلا عليك أن تنزل, لكن لو كنت نازلاً في هذا البلد لمدة يومين أو ثلاثة وصادف يوم العيد فإنك تصلي معهم. السائل: مثلاً نطوف نحن وأهل مكة يؤدونها الشيخ: إذا كنت في مكة وأقيمت صلاة العيد وأنت تطوف فاقطع الطواف وصل العيد, وأكمل من المكان الذي قطعت منه. السائل: هل صلاة العيد فرض عين على الرجال والنساء؟ الشيخ: النساء لا يظهر أنه فرض عين عليهن, لكن الرسول أمر النساء بالخروج, ولهذا ليس هناك صلاة تدعى إليها المرأة لا الجمعة ولا الصلوات الخمس ولا قيام رمضان إلا صلاة العيد. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 11 حكم ضرب الأمثال بالقرآن السؤال بالنسبة لضرب الأمثال بالقرآن, مثلاً: يقول أحدهم لرجل احتال عليه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] أو يقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] ؟ الجواب إذا صح أن تنطبق الآية على هذا المعنى فلا بأس, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم استشهد بالقرآن حينما خرج الحسن والحسين يعثران في ثيابهما ثم نزل من المنبر, وأخذهما وجعلهما بين يديه, ثم قال: (صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] ) . لكن المهم أن تنطبق, أما أن تقول لرجل: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] وهو مؤمن، فهذا لا يجوز, لأن هذه الآية في المنافقين. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 12 حكم جلسة الاستراحة السؤال بالنسبة لجلسة الاستراحة هل هناك تكبيرة من الانتقال من جلسة الاستراحة إلى القيام, أم تكفي تكبيرة القيام من السجود؟ الجواب أولاً: نسأل عن جلسة الاستراحة هل هي مشروعة أم غير مشروعة؟ جلسة الاستراحة الذي يظهر من النصوص وتجتمع بها الأدلة أنها مشروعة لمن كان عاجزاً عن النهوض من السجود إلى القيام, وأما إذا كان قادراً ونشيطاً فالأفضل ألا يجلس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها, وأصح من تكلم فيها مالك بن الحويرث , ومالك بن الحويرث قدم عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذه كبر السن فكان يجلس. ويدل على أنها غير مشروعة: أنه ليس فيها تكبير, لا في الجلوس, ولا في القيام من الجلوس, وأنه ليس فيها ذكر, ولو كان الأمر مقصوداً بذاته لكان لها تكبير عند الجلوس وعند الانتقال من الجلوس ولكان لها ذكر, لأنه ما من فعل من أفعال الصلاة إلا وله ذكر, الركوع له ذكر، والسجود له ذكر، والجلوس بين السجدتين له ذكر, والقيام بعد الركوع له ذكر. فالراجح من أقوال العلماء القول الوسط: أن من كان محتاجاً إليها فليجلس, ولكن ليس كجلسة الناس الآن، يجلس لحظة، لأن مالك بن الحويرث قال: (لم ينهض حتى يستوي قائماً) أي: يكمل قعوده, وأما إذا كان الإنسان محتاجاً فيجلس جلسة مستقرة ثم يقوم, وإذا قام فإنه يقوم بلا تكبير, يكبر عند النهوض من السجود فقط, وإذا كان الإنسان قوياً نشيطاً فلا يجلس, وإذا كان الإنسان مأموماً فليتبع إمامه إن جلس الإمام جلس وإن لم يجلس لم يجلس المأموم, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به به) ولهذا بعض الإخوان يفعل خلاف الأفضل في هذا, مثلاً: يرى أن جلسة الاستراحة مستحبة وهو خلف إمام لا يراها, ثم تجده جالساً والإمام قد شرع في الفاتحة, وهذا خلاف الأفضل، وقد نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن الأفضل متابعة الإمام ولا يجلس. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 13 حكم سماع وبيع الأناشيد الإسلامية السائل: أرجو التفصيل في مسألة الأناشيد وكذلك حكم بيعها؟ الشيخ: أي أناشيد؟ السائل: الأناشيد الإسلامية التي تباع في التسجيلات. الشيخ: لا أستطيع أن أحكم عليها لأنها مختلفة, لكن أعطيك قاعدة عامة: 1/ إذا كانت الأناشيد مصحوبة بدف فهي حرام, لأن الدف لا يجوز إلا في حالة معينة لا في كل وقت, ومن باب أولى إذا كانت مصحوبة بموسيقى أو طبل. 2/ إذا كانت خالية من ذلك نظرنا: هل أنشدت كأنشودة الأغاني الماجنة، فهذه أيضاً لا تجوز, لأن النفس تعتاد هذا النوع من الغناء, وتطرب له، وربما تتجاوز إلى الأغاني المحرمة. 3/ إذا كانت هذه الأناشيد من فتيان أصواتهم فاتنة, يعني: قد تحرك الشهوة, أو قد يستمتع الإنسان بالصوت دون مضمون القصيدة، فهذه أيضاً لا تجوز. أما إذا كانت أناشيد حماسية على غير الوجه الذي قلت لك فليس بها بأس, لكن خير من ذلك أن يستمع إلى القرآن, أو يستمع إلى محاضرة جيدة مفيدة, أو يستمع إلى درس من دروس العلماء، هذا أفضل, يستفيد فائدة دينية وفائدة أنه يسهل الطريق على الإنسان, لأن الإنسان ربما يضرب الطريق مثلاً من مكة إلى المدينة يحتاج إلى أشياء توقظه. السائل: لكن ما حكم بيعها؟ الشيخ: أعطيك قاعدة: كل ما حرم استعماله حرم بيعه, لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) . الجزء: 111 ¦ الصفحة: 14 حكم تعليق الآيات في المجالس السائل: ما حكم تعليق الآيات في المجالس؟ الشيخ: لماذا يعلقها في المجلس؟ السائل: للزينة. الشيخ: إذاً معناه: أنه لعب بالقرآن, اتخذه مجرد زينة, أي: كأنه نقوش عادية, ولهذا تجد بعض الآيات مكتوبة كأنها قصر, أو منارة, وما أشبه ذلك, فهذا حرام ولا شك في ذلك. لكن بعض الناس يعلقها تبركاً بها, وهذا أيضاً ليس بصحيح, لأن القرآن لا يتبرك به على هذا الوجه, ولهذا لم يسبقنا إليه الأولون, ولم يكن السلف يعلقون الآيات على جدرانهم ويتبركون بها. وبعض الناس يعلقها على أنها حماية ووقاية كالوِرد مثلاً يعلق آية الكرسي, لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) يقول: اتركها هناك من أجل لا يقرب الشيطان، هذا أيضاً خطأ, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الحكم على القراءة ليس على تعليقها. ثم إن الإنسان إذا علقها اعتمد عليها وصار لا يقرأ آية الكرسي, وهذا ضرر عليه. وبعض الناس يقول: أعلقها لأتذكر بها, ويعلق مثلاً: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] من أجل أن تنهاه عن الغيبة, هل هذا صحيح؟ تجد {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتحت هذه اللافتة المكتوبة يغتابون الناس, لا تنهاهم ولا يرفعون إليها رءوسهم, فيكون هذا شيء من الاستهزاء بآيات الله, أن يكون كلام الله عز وجل فوقك يقول: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وأنت تشرح الناس وتأكل لحومهم. فالمهم: أن تعليقها أدنى ما نقول فيه: إنه بدعة, ما كان السلف يفعلونه, أو مكروه، ولا سيما إذا علقت في المساجد أمام الناس؛ لأن بعض الناس يتلهى وهو يصلي إذا كانت في القبلة, ربما يرفع بصره ثم يقرأ الآية وهو في التشهد مثلاً. والحمد لله القرآن مصحف مكتوب، ومن أراد أن يقرأ فليقرأ من المصحف, ومن أراد أن يتعظ فليكن الواعظ في قلبه. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 15 جمع الصلاة في أثناء المطر السؤال هل يجوز جمع الصلاة في الليلة المطيرة, يعني: أن المطر ينزل ويقف, ومرات يكون كثيراً يبل الثياب, ومرات يكون رذاذاً, ولو لم يكن المطر موجوداً وقت الصلاة, وإذا كان رذاذاً؟ الجواب أولاً: لابد أن نعلم أن الصلاة كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] (كِتَاباً) أي: فرضاً, (مَوْقُوتاً) أي: موقتاً بوقت, لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها, فإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن نجمع بين صلاتين إلا إذا تحققنا من وجود العذر, وعند الشك هل هذا عذر يبيح الجمع أم لا؟ لا يجوز أن نجمع مع الشك, فالمطر -مثلاً- إذا كان ينزل ونرى أنه يبل الثياب, ومعنى يبل الثياب: أن الثوب يحتاج إلى عصر من هذا المطر, ليس مجرد أن تقع القطرة من الماء ثم يبتل الثوب, هذا ليس عذراً, لكن إذا كان يبلها بحيث يكون فيها ماء إذا عصر خرج, هذا يبل الثياب, أما مجرد الرذاذ فإنه لا يبيح الجمع, إلا إذا كان هناك وحل في الأرض أو مياه ومستنقعات تشق على الناس فلا بأس, فالجمع للمطر إما لعذر في الأرض وإما لعذر في السماء, والعذر في الأرض هو الوحل والمستنقعات التي تتعب الناس, والعذر في السماء هو المطر الغزير الذي يبل الثياب, أما مجرد النقط فلا. قد يقول بعض الناس: الآن هناك نقط صغيرة قليلة, والسماء مغيمة تماماً فيها سحاب ورعد وبرق، وهناك احتمال أن ينزل مطر كثير, نقول: نعم الاحتمال وارد, لكن شيء لم ينزل علمه عند الله عز وجل, ربما ينزل وربما لا ينزل, فما دام العذر ليس موجوداً، فاحتمال أن يوجد العذر غير مسوغ للجمع, لكن لو فرضنا أنهم لم يجمعوا, ثم خرجوا لبيوتهم, ثم أمطرت السماء مطراً كثيراً فماذا يصنعون؟ نقول: يصلون في بيوتهم, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: (صلوا في رحالكم) في الليلة المطيرة أو الشاتية الباردة كثيراً. فالحاصل: أنه لا يجمع إلا إذا تحقق العذر, أما قبل تحقق العذر فلا يجوز الجمع, لكن إذا وجد ما يبيح الجمع بعد أن تفرق الناس فليصلوا في بيوتهم, وفي هذه الحال إذا كان البيت فيه جماعة فليصلوا جميعاً, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل, وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . الجزء: 111 ¦ الصفحة: 16 حكم استلام الراتب من البنك والتحاكم أثناء الخلاف بين الموظف والبنك إلى السجل التجاري السائل: إحدى الشركات ألزمت الموظفين بالتعاقد مع البنك الهولندي لاستلام رواتبهم عن طريق هذا البنك, وحيث أن أحد شروط العقد يقول: إن التحاكم بالخلاف بين البنك والموظف يكون إلى السجل التجاري أو القانون التجاري, فبعض الموظفين وقعوا على هذا العقد والبعض لم يوقعوا على هذا العقد بسبب وجود هذا الشرط؟ الشيخ: كما تفضلت يوجد بعض الجهات من شركات وغير شركات تلزم الموظفين أن يفتحوا حساباً في أي بنك من البنوك من أجل أن تحيل الرواتب إلى هذا البنك, فإذا كان لا يمكن للإنسان أن يستلم راتبه إلا عن هذا الطريق فلا بأس, يفتح حساباً لكن لا يدخل حساباً من عنده, يعني: لا يدخل دراهم من عنده, أما كونه يتلقى الراتب من هذا فلا بأس. السائل: طيب من ناحية الشرط الذي يحتكمون إليه؟ الشيخ: هذا الشرط لا يقبل. السائل: طيب إذا أمر بالتوقيع ومن ضمن الشروط هذا الشرط؟ الشيخ: لا يقبله، لأن التحاكم إلى غير الكتاب والسنة حرام. السائل: يخرج من هذا العمل؟ الشيخ: لا, لا يخرج, لكن لا يقبله, يوقع كالمكره على هذا, لكن إذا حصل نزاع لا يتحاكم إليه. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 17 حكم عدم حضور الجمعة لعدم سماع أذان الجمعة السؤال إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، فهل عدم سماعي للأذان يجوّز لي ألا أذهب إلى الصلاة؟ الجواب سماع النداء ليس شرطاً لوجوب الجمعة, بل يجب على كل من في البلد أن يأتوا إلى الجمعة سواء سمعوا النداء أم لم يسمعوا. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 18 حكم مواصلة قراءة الدعاء الذي يقال بعد الركوع حتى يمس الأرض السائل: نسمع بعض الناس عندما ينتقل من الركوع إلى السجود يواصل قراءة الدعاء الذي يقال بعد الركوع حتى يمس الأرض أو يقارب مسها, فما حكم هذا الفعل؟ الشيخ: إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] والصلاة محددة, كل ركن فيها له دعاء خاص, والإنسان إذا رفع من الركوع يقول: "سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما, وملء ما شئت من شيء بعد" ثم يسجد، وفي أثناء الهبوط من القيام إلى السجود يقول: الله أكبر, فهذا الهبوط ذكره: الله أكبر, وهذا الرجل الذي صار يكمل دعاء القيام وهو يهوي إلى السجود لا أدري متى يكبر، يكبر إذا سجد معناه: أنه كبر في غير محله, فأنت جزاك الله خيراً انصحه, وقل: أكمل دعاء القيام ثم اهبط إلى السجود مكبراً, هذا هو السنة. السائل: ما حكم ذلك؟ الشيخ: حكم ذلك أنه ينصح ويبلغ, بعض العلماء يقول: إذا لم يكبر فيما بين القيام والسجود بطلت صلاته, لكن نحن لا نقول بهذا: إنها تبطل, إنما نقول: انصحه وبين له الصواب. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 19 حكم القسم بآيات الله السؤال ما حكم القسم بآيات الله؟ الجواب القسم بآيات الله أن يقول: أقسم بآيات الله أن أفعل كذا إذا أراد بآيات الله القرآن فلا بأس, لأن القرآن كلام الله, وهو صفة من صفاته, والحلف بصفات الله جائز، مثل: وعزة الله وقدرة الله وقوة الله وإن أراد بالآيات الآيات الكونية التي هي: الشمس والقمر والليل والنهار، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت:37] فإنه لا يجوز القسم بها؛ لأنها مخلوقة, والقسم بالمخلوق شرك, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) لكن في ظني أنا أن العامة أكثرهم يريدون بالآيات هنا الآيات القرآنية وعلى هذا فلا بأس. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 20 حكم دخل محل الحلاقة السؤال رجل عنده محل حلاقة, هل دخله محرم أم حلال؟ الجواب الحلاقة جائزة إلا حلق اللحى, ألسنا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) كل حرام فأخذ العوض عنه حرام, سواء ببيع، أو بإيجاره أو غير ذلك, حتى صاحب المحل الذي يؤجره لشخص يحلق اللحية حرام عليه. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 21 حكم الاستماع إلى الشريط داخل دورة المياه السؤال هذا سائل طلب مني أن أعرض هذا السؤال على فضيلتكم: ما حكم تشغيل الشريط داخل دورة المياه, سواء كان قرآن أو محاضرة؟ الجواب إن كان هذا الشريط خارج المكان فلا بأس به؛ لأن الإنسان لو سمع قارئاً يقرأ بنفسه خارج الحمام لكان الاستماع جائزاً, أما إذا كان داخل الحمام ففي نفسي من هذا شيء؛ لأن الصوت يخرج الآن من داخل الحمام, فالأحسن ألا يستمع إلى شيء فيه قرآن, أما إذا كان محاضرة فلا بأس, ثم إنه لا ينبغي أيضاً أن يفعل حتى ولو كانت محاضرة؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يطيل الجلوس على قضاء الحاجة، والإطالة على قضاء الحاجة محرمة؛ لأن كشف العورة الأصل فيه المنع إلا لحاجة، وإذا انتهت حاجته يقوم ولا يبقى كاشف العورة. خلاصة الجواب الآن أن نقول: لا ينبغي أن يستمع إلى شيء وهو على قضاء الحاجة؛ لأن ذلك يؤدي غالباً إلى تطويل الجلوس. أما إذا كان لا يؤدي إلى هذا وأن الرجل طالب علم ويعرف أنه لا يجوز أن يبقى فوق حاجته, فإن كان غير قرآن فلا بأس, ولو كان المسجل داخل الحمّام, وإن كان قرآناً فلا يجعل المسجل داخل الحمّام ولكن يجعله خارجاً فلا بأس. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 22 عدم مشروعية جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة السؤال هل يجوز جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة, وما الحكم من ذلك؟ الجواب لا يجوز جمع العصر مع الجمعة؛ لأن السنة ما وردت بجمع الظهر مع العصر, والجمعة لا تسمى ظهراً, الجمعة صلاة مستقلة لها كيانها, ولهذا لا تصلى إلا في مسجد واحد, وهي ركعتان, ويجهر فيها بالقراءة, ويتقدمها خطبتان, ولا تصح إلا في وقت, لها خصائص كثيرة, فلا يمكن أن تلحق بالظهر ويقاس على ذلك أن تجمع العصر إليها, فالمسافر أو المريض إذا حضر الجمعة نقول له: لا تجمع, الجمعة صلاة مستقلة ليس لها نظير في الصلوات الخمس, فلا يجمع إليها العصر, ومن جمع إليها العصر فليعد صلاة العصر. الجزء: 111 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [112] سورة الفاتحة من أعظم سور القرآن، تتجلى فيها جميع مقاصد الشريعة من توحيد وتاريخ ومنهج، وفي ظلال آياتها كان للشيخ هذه الجلسة المباركة، ففسر كثيراً من معانيها وأزاح الستار عن كثير من كنوزها وأسرارها. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفاتحة الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر رجب عام (1416هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الفاتحة, سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم كتابة, وليست هي أول ما نزل, بل إن أول ما نزل من القرآن قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] . وتسمى هذه السورة بأم القرآن, وتسمى السبع المثاني, ولها أسماء متعددة, تسمى أم القرآن لأن معاني ومقاصد القرآن كلها موجودة في هذه السورة, على أنها سبع آيات فقط وآيات قصار لكن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها, من التوحيد والعقائد والتاريخ ومناهج الناس وغير هذا, لكنها مذكورة إجمالاً. البسملة ليست للفاتحة, بل هي آية مستقلة تفتح بها السورة, ما عدا سورة البراءة, فإنها لا تفتتح بها اتباعاً لما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم, ويدل على أن الفاتحة ليست منها, ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي, وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي, وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي, وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل, فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فهي سبع آيات, الثلاث الآيات الأولى لله, والآيات الثلاث الأخيرة للعبد, والآية الرابعة وهي الوسط من السبع بين الله وبين العبد, وهذا أيضاً ترجيح معنوي, لكون الفاتحة بداءتها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وليست البسملة منها, الترجيح اللفظي: أننا لو جعلنا البسملة من الفاتحة, لكانت الآية الأخيرة طويلة لا تتناسب مع الآيات التي قبلها, لأنها ستكون: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] وهذه تساوي آيتين, ولهذا كان الصواب: أن آخر الآية السادسة قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} . وينبغي للإنسان إذا قرأها -ولا سيما في الصلاة- أن يقف على كل آية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يناجي العبد في الصلاة: (إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي) كما سمعتم الحديث. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) ابتدأ الله تعالى هذه السورة بالحمد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] والحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم, وذلك أن وصف الغير بالكمال قد يكون خوفاً منه, أو هيبة له, أو استجداءً له، وهذا لا يلزم منه المحبة والتعظيم, بدليل: أن الشعراء يأتون إلى الملوك والوزراء يصفونهم بالحمد لكن قد لا يكون في قلوبهم محبة لهم أو تعظيماً لهم, لكن استجداءً أو خوفاً أو ما أشبه ذلك, ولهذا يسمى مثل ذلك مدحاً ولا يسمى حمداً, أما الحمد فلا بد أن يكون مقروناً بالمحبة والتعظيم, وعلى هذا فالحمد -أعني حمد الله- وصفه تبارك وتعالى بالكمال الذي لا فوقه كمال, وقول: (الحمد) هذه "ال" فيها للاستغراق, أي: جميع المحامد من كل وجه لله عز وجل, وقوله: (لله) اللام هنا للاختصاص والاستحقاق, أما كونها للاختصاص فلأنه لا أحد يحمد بجميع المحامد إلا الله عز وجل, وأما كونها للاستحقاق فلأنه لا أحد يحمد حمداً يستحقه على وجه الكمال إلا الله عز وجل, ولهذا جعل العلماء اللام في قوله: (لله) للاختصاص والاستحقاق, أما الله فهو علم على رب العالمين جل وعلا, لا يسمى به غيره. و (رَبِّ الْعَالَمِينَ) (رب) معناه: الخالق المالك المدبر, أي: أنها تتضمن ثلاث معاني: المعنى الأول: الخالق, ولا خالق إلا الله, وقد قال الله تعالى مندداً بالأصنام: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17] , وقال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:3] . المعنى الثاني: المالك, لا ملك لأحد سوى الله عز وجل, هو الذي يملك الملك التام المطلق العام, وأملاك غيره محدودة من حيث الشمول, فلا أحد يملك كل ما في السماوات والأرض, محدودة من حيث التصرف فلا أحد يملك أن يتصرف فيما يملكه ملكاً خاصاً إلا حسب ما شرع الله عز وجل, لكن الملك المطلق التام العام هو لله وحده. المعنى الثالث: المدبر, فالتدبير التام لله عز وجل, لا أحد يدبر سواه, حتى المشركون يقرون بأن الذي يدبر الأمر هو الله عز وجل, ولكن اعلم أن الله تعالى لا يدبر شيئاً عبثاً أو بغير حكمة, كل ما قضاه الله وقدره ودبره فهو لحكمة عظيمة, لكن من الحكم ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه, وذلك لأن عقولنا أقصر وأحقر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل. يرد على الإنسان أشياء من الشريعة ويقول: كيف يحكم هذا؟ مثال ذلك: يقول مثلاً: كيف يحرم على الإنسان أن يستبدل صاعاً من البر طيباً بصاعين من البر رديئة والقيمة واحدة؟ هذا قد يشكل على الإنسان, وهذا حرام أن تعطي صاعاً من البر بصاعين، هذا حرام على كل حال, فقد يقول قائل: لماذا حرام؟! فنقول: إنك لست أحكم من الله, ولولا أن هذا يترتب عليه مفاسد عظيمة ما حرمها الله على العباد, لأن الله يريد بالعباد اليسر ولا يريد بهم العسر, ولا يمكن أن يمنعهم أي معاملة إلا وفيها ضرر، إما منظور وإما منتظر, يشكل على الإنسان أن الله يقدر الحروب, والفقر, وجدب الأرض, وقحط السماء لا تنزل ماءً, فيقول: ما هذا؟ ما الفائدة؟ هذه مضرة على العباد, فنقول: لست أحكم من الله, إن الله تعالى لا يقدرها إلا لحكمة عظيمة, قد تعلمها وقد لا تعلمها, ولهذا يجب أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نستسلم للقضاء القدري, القضاء القدري كل مستسلم له: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [آل عمران:83] حتى الكفار مستسلمون بالقضاء القدري, لكن القضاء الشرعي لا يستسلم له إلا المؤمنون, فنحن يجب علينا أن نستسلم للقضائين: الكوني والقدري, وإن شئت فقل: أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نحن مستسلمون للقضاء القدري, المهم أن الذي يدبر الأمر هو الله عز وجل. وقوله: (الْعَالَمِينَ) المراد بهم كل من سوى الله فهم عالم, وهذا اللفظ (العالمين) مشتق من العلامة, لأن كل الكون آية من آيات الله عز وجل, وفي كل جنس منه ونوع منه وفرد منه آية من آيات الله, كل شيء تتأمله تجد أنه دال على الرب عز وجل وعلى حكمته ورحمته, وما أصدق قول الشاعر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد إذاً العالمون كل من سوى الله, وسموا عالماً من العلامة؛ لأن وجود هذا الكون وما يحدث فيه كله آية وعلامة على الله عز وجل, ويجب أن تعرف الفرق بين العالمَين بفتح اللام, والعالِمين بكسر اللام, العالَمين قلنا: كل ما سوى الله, والعالِمين هم ذوي العلم, كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] . الجزء: 112 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم) قال تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] هذه صفة للفظ الجلالة, وهو ما يسمى عند النحويين بالنعت, (الرَّحْمَنِ) أي: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لكل شيء, كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وهذه الرحمة العامة تشمل حتى الكافر, فإنه يعيش برحمة الله, ولولا أن الله يرحمه ما وجد غذاءً ولا شراباً ولا كسوة ولا سكناً ولكنه يعيش برحمة الله في هذه الأشياء, إلا أنها رحمة لا تفيده في الآخرة؛ لأنها رحمة قاصرة في الدنيا فقط. (الرَّحِيمِ) أي: ذو الرحمة الخاصة التي تصل إلى المرحوم, وهذا لا يكون إلا للمؤمنين؛ لقول الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] ولهذا قال بعض العلماء: الرحمن عامة والرحيم خاصة, وفي الإتيان بـ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) دليل على أن هذه الربوبية ربوبية رحمة, ليست ربوبية انتقام أو غضب؛ بل هي ربوبية رحمة وأن كل ما صدر من الله عز وجل فإنه رحمة, حتى النقم التي تصيب الناس هي في الحقيقة رحمة, كيف هي رحمة، المرض رحمة؟! نعم هو رحمة, لكن لا يعرف أنه رحمة إلا من تدبر وتأمل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] المرض بالنسبة للمؤمن يكفر الله به سيئاته, (ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا أذى إلا كفر الله بها عنه) وهذه رحمة، لأن ما يصيبك في الدنيا زائل ولا يبقى، ولا بد أن يزول, ودوام الحال من المحال, ويذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في إصبعها وأنها لم تتأثر, وقالت: (حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) كلمة عظيمة, إذاً هذا المرض الذي أصابك رحمة, ثم إن المرض قد يكون سبباً لرجوع الإنسان إلى ربه إذا كان فاراً من الله, وقد يكون سبباً لاهتداء العاصي ورجوعه إلى ربه. ولقد حدثت قريباً عن شخص كان مسرفاً على نفسه فاسقاً بعيداً من الله, فمات أبوه وبمجرد موت أبيه أصيب بهذه المصيبة عاد إلى الله واستقام, وصار من خيار الشباب, فانظر إلى هذه المصيبة كيف أصلحت هذا. إذاً نقول: كل ما في الكون وما يقدره الله فيه فهو ناتج عن رحمة, وقرينة ذلك أن الله لما قال: (َبِّ الْعَالَمِينَ) قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فليست بغيته مبنية على جبروت وإحراج وإعسار على العباد ولكنها مبنية على الرحمة. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (مالك يوم الدين) قال تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وفي قراءة: (مَلِكِ يوم الدين) فمالك اسم فاعل, وملك صفة مشبهه, ويقال في الأول: مِلْك, ويقال في الثاني: مُلْك, أي: المُلْك للمَلِك, والمِلْك للمَالِك, فتقول مثلاً: هذه الساعة مِلك فلان, وتقول في مملكة تحت مَلك, تقول: هذه مملكة مُلْك فلان, المَلِك والمالِك قراءتان سبعيتان صحيحتان, يجوز للإنسان أن يقرأ بهما, يقرأ بهذه مرة وهذه مرة في الصلاة وخارج الصلاة, إلا أنه لا ينبغي أن نقرأ بقراءة تخرج عن المصحف أمام العوام؛ لأن ذلك يحدث فتنة, فإن ذلك قد يقلل من هيبة القرآن في نفس العامي, أو قد ينكر العامي بقلبه أو لسانه على هذا الذي قرأ بقراءة لا يعرفها, ولهذا ينبغي لطلبة العلم ألا يقرءوا بالقراءة الخارجة عن المصحف الذي بين أيدي الناس؛ لما ذكرنا من أنه قد يكون سبباً لاستهانة العامة بالقرآن, أو سبباً للطعن في هذا القارئ وأنه لا يستطيع أن يقرأ. المهم: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي: أن الله عز وجل هو المتصرف في ذلك اليوم, لا أحد يتصرف في ذلك اليوم أبداً, لو كان يستطيع أن يتصرف لأوجد له ظلاً من حر الشمس, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) فهو الذي يخلق عز وجل ظلاً في ذلك الوقت على من استحقه, كالسبعة الذين يظلهم الله في ظله, وقد جاء في الحديث: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) . كذلك هو مَلِك يوم الدين, لا مُلك لأحد معه, كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] فيجيب نفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] أي: ملوك الدنيا مهما عظم ملكهم واتسع وقوي سلطانهم فإنه يتلاشى من حين يموت السلطان سواء كان باسم السلطان أو باسم الملك أو باسم الرئيس فإنه يزول ذلك بمجرد موته, وما يفعل من بعده من تعظيم قبره أو زرع الأزهار عليه أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينتفع به إطلاقاً, لماذا؟ لأنه مات وزال ملكه, في يوم القيامة أيضاً لا ملك إلا لله وحده جل وعلا, فلهذا قال: (مَلك) أو (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) . فإن قال قائل: ما معنى: (يَوْمِ الدِّينِ) ؟ قلنا: (يوم الدين) أي: يوم القيامة؛ لأنه الذي يدان فيه العباد أي: يجازون على أعمالهم, والدين يكون بمعنى الجزاء كما في هذه الآية, ويكون بمعنى العمل كما في قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] . فهذه ثلاث آيات كلها لله عز وجل. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 112 ¦ الصفحة: 6 حكم التهنئة برأس العام الجديد السؤال ما حكم التهنئة لبداية السنة, بما يفعله الناس كأن يقول أحدهم للآخر: كل عام وأنتم بخير ونحو ذلك؟ الجواب التهنئة برأس العام الجديد ليست معروفة عند السلف , ولهذا تركها أولى, لكن لو أن الإنسان هنأ الإنسان بناءً على أنه في العام الذي مضى أفناه في طاعة الله عز وجل فيهنئه لطول عمره في طاعة الله فهذا لا بأس به, لأن خير الناس من طال عمره وحسن عمله, لكن هذه التهنئة إنما تكون على رأس العام الهجري, أما رأس العام الميلادي فإنه لا يجوز التهنئة به؛ لأنه ليس عاماً شرعياً بل إن هنئ به الكفار على أعيادهم، فهذا يكون الإنسان فيه على خطر عظيم أن يهنئهم بأعياد الكفر, لأن التهنئة بأعياد الكفر رضا بها وزيادة, والرضا بالأعياد الكفرية ربما يخرج الإنسان من دائرة الإسلام, كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة. وخلاصة القول: أن التهنئة برأس العام الهجري تركها أولى بلا شك؛ لأنها ليست من عهد السلف , وإن فعلها الإنسان فلا يؤثم, وأما التهنئة برأس العام الميلادي فلا. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 7 شرح تعريف الواجب: ما يثاب فاعله امتثالاً ويعاقب تاركه اختياراً السؤال ما المراد بتعريف الواجب: ما يثاب فاعله امتثالاً, ويعاقب تاركه اختياراً؟ الجواب أي: ما يفعله امتثالاً لأن الإنسان قد يفعل الواجب بغير امتثال لله, لأنه عادة فهذا لا يثاب عليه وإن كان قد تبرأ به الذمة, وكذلك إنسان قد يعمل واجباً ولم يطرأ على باله التعبد لله, مثل: أن يجد غريقاً في الماء فينقذه من الغرق ولا يخطر بباله أنه أراد بذلك امتثال الأمر بإنقاذ المعسور, وأما تركه امتثالاً فلا بد منه. ويعاقب تاركه أي: يستحق العقاب على تركه, وقوله: (اختياراً) أي: إذا كان أجبر على تركه وأكره فإنه لا يعاقب على ذلك, لأنه مكره على الترك. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 8 المراد بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال ما المراد بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب عصمة الرسول عليه الصلاة والسلام من كل ما ينافي الرسالة, فهو معصوم من الكذب, ومعصوم من سوء الأخلاق, ومعصوم من الخيانة, ومعصوم من الشرك, وغير ذلك مما ينافي الرسالة, أما ما يقع منه من الذنوب فإنه معصوم من الإقرار عليه بخلاف غيره, فإن الإنسان قد يذنب الذنب ويستمر فيه. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 9 أحاديث لا تصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال هناك بعض الأحاديث يتناقلها العامة، مثل: (لعن الله قاطع سدرة) , والحديث الثاني: (من قطع سدرة سدد الله رأسه إلى النار) ، والحديث الثالث: (من أراد أن يلعن نفسه فليكذب) , ما صحة هذه الأحاديث؟ الجواب كل هذه لا تصح, لكن قد نهي عن قطع شجر السدر إذا كان الناس ينتفعون بها في الاستظلال, مثل: أن تكون منزلاً للمسافرين أو ما أشبه ذلك, فهذا قد نهي عن قطعها لما فيها من إزالة المنافع التي ينتفع بها المسلمون, أما الألفاظ التي ذكرت فلا تصح. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 10 حكم الازدحام على أيسر الصف في الصلاة وترك الأيمن السؤال إذا كنت إماماً ورأيت أكثر المأمومين في أيسر الصف وقد تركوا الأيمن, فهل أقول لهم: اعدلوا الصف الأيمن؟ الجواب نعم, إذا كنت إماماً ورأيت الناس منحازين إلى أحد الجانبين الأيمن أو الأيسر بفرق واضح, فقل لهم: تعالوا إلى هنا حتى يكون أيمن الصف وأيسر الصف متماثلاً أو متقارباً, سواء الأيسر أو الأيمن, فإذا كانوا عشرة نقول: يأتي منكم ثلاثة, لأن الأيمن أفضل إذا تساوى مع الأيسر. السائل: وإذا لم يفعلوا ذلك. ؟ الجواب: إذا أمرهم لا أظن أن يرفضوا أبداً, لأن الإمام مطاع, وإلا ما الفائدة إذا قال: استووا اعتدلوا. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 11 ألفاظ توجيه المصلين قبل التكبير في الميزان السؤال إذا قال الإمام: استووا يرحمني ويرحمكم الله، وسدوا الفُرَج, وسووا صفوفكم، إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، وسدوا الخلل, ولا تدعوا فرجات للشيطان, وأحضروا قلوبكم إلى الصلاة, وصلوا صلاة مودع, هل هذه الألفاظ كلها مأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أم ما هو اللفظ الصحيح الذي يوصي به الإمام المأمومين؟ الشيخ: أعد من الأول, واحدة واحدة السائل: بعض الأئمة قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام, يقول للمأمومين: استووا اعتدلوا الشيخ: استووا واعتدلوا هذه لا بأس بها؛ لأنها وردت بها السنة. السائل: وأحضروا قلوبكم للصلاة؟ الشيخ: هذه لم ترد, ولا ينبغي أن يقولها، لأنه ليس أبلغ نصحاً للعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي الصحابة من لا يحضر قلبه في الصلاة, ولذا شكى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحضر قلبه في الصلاة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيطان يقال له: خنزب -أي: الذي يأتي الناس في الصلاة يوسوس عليهم- فإذا أحسست به فاتفل عن يسارك ثلاث مرات واستعذ بالله منه, قال: ففعلت فأذهبه الله عني) . لو قال قائل: الرسول عليه الصلاة والسلام خلفه صحابة لا تغيب قلوبهم وأنا خلفي أناس مشغولون بالدنيا تغيب قلوبهم فأقول لهم: احضروا قلوبكم لهذا السبب, نقول له: أولاً: أنت لم تفتش عن قلوبهم, ثانياً: أن الصحابة رضي الله عنهم فيهم من يغيب ويشتغل قلبه، ومع ذلك ما كان الرسول يقول: أحضروا قلوبكم. وكذلك أيضاً قوله: صلوا صلاة مودع, هذه أيضاً من التنطع في دين الله ولم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام. السائل: يرحمني ويرحمكم الله؟ الشيخ: يرحمني ويرحمكم الله لم ترد. السائل: وسدوا الفرج؟ الشيخ: سدوا الفرج صحيح. السائل: وأقيموا صفوفكم؟ الشيخ: أقيموا صفوفكم صحيح. السائل: إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج؟ الشيخ: هذا غير صحيح. السائل: لا تدعوا فرجات للشيطان؟ الشيخ: هذا صحيح. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 12 رجل دخل مع إمام يصلي العشاء بنية العصر ثم تذكر أنه صلى العصر مع جماعة أخرى السؤال إنسان دخل يصلي صلاة العصر فوجد المصلين قد انتهوا من الصلاة, فخرج من المسجد وذهب إلى البيت, فلم يصلِ صلاة العصر ناسياً, وصلّى المغرب والعشاء, وقبل أن يدخل لصلاة العشاء تذكر أنه لم يصلِ صلاة العصر, ودخل مع الإمام بنية العصر، فلما كبر تذكر أنه قد صلّى صلاة العصر مع جماعة قد فاتتهم الصلاة, فما حكم ذلك؟ الجواب حكم ذلك أنه إذا ذكر أنه قد صلّى صلاة العصر يقطع الصلاة, ويدخل من جديد بنية العشاء. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 13 حكم اشتراط الطهارة لمن لبس جورباً على جورب السؤال إذا لبست جورباً على جورب, فهل يشترط للأخير الطهارة؟ الجواب إذا لبست جورباً على جورب وكان لبس الثاني على طهارة فلا بأس على القول الراجح, وبعض العلماء: يرى أنك إذا مسحت على الجورب الأول فاستمر عليه, ولا تلبس عليه شيئاً, وإن لبست عليه شيئاً وأردت الوضوء فلا بد أن تخلع الذي لبست أخيراً وتمسح الأصل, ولكن الصحيح: أنك إذا لبست الأعلى على طهارة فلا بأس أن تستمر تمسح عليه, ولكن ابتداء المدة من المسح الأول, فمثلاً: لو أن إنساناً لبس يوم الأحد صباحاً, واستمر على هذا إلى أن مسحه لصلاة المغرب, ثم اشتد عليه البرد فلبس فوقه آخر وهو على طهارة, فيمسح عليه إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 14 حكم الحجامة في الشتاء السؤال يقولون: الحجامة لا تكون في الشتاء, هل هذا صحيح؟ الجواب لا أدري, لكن مرجع هذا إلى الأطباء الذين يمارسون هذا الشيء. السائل: أما ورد يا شيخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه احتجم؟ الشيخ: ورد أن الحجامة من أفضل أنواع الطب. السائل: قصدي في الشتاء؟ الشيخ: لا أدري. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 15 حكم الإفطار لمن صام نفلا ً السؤال ما حكم تغيير النية في عبادة النفل, كمن صام مثلاً يوم الإثنين، ثم في منتصف اليوم أفطر, ما حكم ذلك؟ وهل يأثم في فعل ذلك؟ الشيخ: قل: ما حكم إفطار الصائم نفلاً؟ هذا ليس تغيير نية، هذا إفطار. السائل: أو في عبادة النفل عموماً تغيير النية الشيخ: نأتي إلى الإفطار, إذا صام الإنسان نفلاً فلا حرج عليه أن يفطر, لكن الأفضل ألا يفطر إلا لغرض، إما أن يرى لنفسه التعب, أو أتاه ضيوف لا تطيب نفوسهم إلا إذا أكل معهم, أو ما أشبه ذلك, وإلا فليستمر. وكذلك أيضاً بقية النوافل كما لو شرع في صلاة النفل وحضر ضيوف وهو في أثناء الصلاة فليقطعها ولا بأس, ويستثنى من هذا الحج والعمرة, فإن الحج والعمرة إذا شرع فيهما الإنسان ولو كانا نفلاً وجب عليه إتمامهما؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196] وهذه الآية نزلت في الحديبية قبل أن يفرض الحج, فدل هذا على أنه لا بد من إتمام الحج والعمرة. إذاً القاعدة الآن: أن كل من شرع في نفل جاز له أن يقطعه، لكن الأفضل ألا يقطعه إلا لعذر, إلا الحج والعمرة فإنه يجب عليه إتمامهما. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 16 حكم لبس الجوارب لئلا يغسل قدميه السائل: ما حكم لبس الجورب من أجل ألا يغسل قدميه, ليس من أجل البرد؟ الشيخ: يعني: أنه لبس الجورب ليمسح فقط؟ السائل: نعم. الشيخ: بعض العلماء يمنعه ويقول: لا يجوز هذا؛ لأنه نوى إسقاط الواجب عليه وهو غسل الرجل, فهو كالذي يسافر في رمضان من أجل أن يفطر في رمضان, ومعلوم أن من سافر في رمضان من أجل الفطر فإنه يحرم عليه السفر ويحرم عليه الفطر أيضاً, فعلى هذا: يحرم عليه اللبس ويحرم عليه المسح. وبعض العلماء يقول: لا بأس أن يلبس ليمسح, لأن أصل اللبس للخفين من أجل المسح عليه, سواء كان بسبب شدة البرد أو شدة الحر أو أثر في الرِجل أو غير ذلك, المهم أن أصل لبس الخفين أو الجوارب من أجل المسح, وليس أصل السفر من أجل الفطر, فبينهما فرق, ولا يصح لباس أحدهما على الآخر, وهذا هو القول الراجح، أن الإنسان لو لبس من أجل أن يمسح فلا بأس, لكننا لا نحبذ له هذا, لأن غسل الرجل إذا كانت مكشوفة أفضل من المسح عليها. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 17 حكم السفر لحضور صلاة الجنازة وتعزية أهل الميت السؤال ما حكم السفر لحضور الصلاة على الجنازة وتعزية أهل الميت؟ الجواب إذا كانت هذه الجنازة ممن له حق عام أو خاص فلا بأس أن يسافر الإنسان له, وليس هذا من باب شد الرحال إلى القبور, وكذلك في التعزية, لكن السفر إلى التعزية سوف يستلزم اجتماع أهل الميت في البيت, واستقبالهم للناس, وهذا من البدع, حتى إن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] والناس الآن في بعض المناطق يفعلون أعظم من هذا, يجتمعون ويصفون الكراسي ويضيئون الأنوار, وإذا مررت ببيتهم كأنما مررت ببيت عرس, وهذا لا شك أنه من البدع, والميت لا ينتفع بذلك, وهم لا ينتفعون أيضاً؛ لأنهم يزدادون بذلك إضاعة للوقت, وإضاعة للمال, ومخالفة لهدي السلف , فلهذا نحن ننصح إخواننا المسلمين أن نقول لهم: دعوا هذه العادات, فإن شيئاً لم يفعله السلف لا خير فيه. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 18 جواز وضع المدفئة أمام المصلي السؤال نرى بعض الناس يجعل المدفئة أمامه وهو يصلي؟ الجواب لا إشكال في هذا, يجوز أن تصلي والمدفئة أمامك ولا حرج, وأما ما كرهه بعض العلماء رحمهم الله من استقبال النار, فهذا ليس فيه حديث صحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام, ولكنهم عللوا ذلك بأن هذا يكون مشابهة للمجوس الذين يعبدون النار, والمجوس الذين يعبدون النار لا يعبدون مثل هذا, إنما يعبدون ناراً يوقدونها ويكون لها لهب ومعظمة, وكما أننا نصلي الآن في الجدار القبلي هناك قناديل من الكهرباء, والقنديل من الكهرباء أقرب إلى النار التي يعبدها المجوس؛ لأن قناديل الكهرباء الأصغر -المدورة- تشبه النار الموقدة، ومع ذلك لم تكن محل إشكال, ثم إن هذه المدفئات أو الدفايات لا تكون أمام الإمام إنما تكون أمام المأمومين, ويفرق بين ما يكون أمام الإمام وأمام المأمومين, ولهذا لو مرت امرأة من بين أيدي المصلين لم تقطع صلاتهم, ولو مرت من بين يدي الإمام قطعت صلاة الإمام وصلاة من وراءه. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 19 حكم إقامة دروس القرآن والدروس العلمية يوم الجمعة السؤال ما حكم إقامة دروس للقرآن والدروس العلمية فجر يوم الجمعة؟ الجواب لا نرى في هذا بأساً, ما دام أنه لا يضيق على المصلين, وأما النهي عن التحليق يوم الجمعة فهذا إذا كان يضيق على الناس, لأنهم كانوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتقدمون, يأتون في الساعة الأولى، أما في مسجد لا يأتي الناس إليه إلا عند مجيء الإمام فلا فرق بين يوم الجمعة وغيرها. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 20 حكم سجود التلاوة للإمام في الصلاة السرية السؤال إذا مر بالإمام آية سجود في صلاة سرية هل يسجد بالمأمومين؟ الجواب ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأ في صلاة الظهر آية سجدة وسجد, ولكن الحديث في صحته نظر, فلو صح الحديث لكان العمل به واضحاً, ولكن في صحته نظر، ولهذا قال فقهاء الحنابلة: يكره للإمام أن يقرأ في صلاة السر آية سجدة, وإذا قرأها فيكره أن يسجد فيها, وعللوا ذلك: بأنه إذا قرأها ولم يسجد فقد خالف السنة؛ لأن السنة فيمن قرأ آية سجدة أن يسجد, وإن قرأها وسجد لبَّس على المؤمنين وشوش عليهم, فلهذا قالوا: يكره أن يقرأها أو أن يسجد فيها, والحمد لله القرآن كثير سوى الآيات التي فيها سجدة, فيقرأ ما تيسر. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 21 معنى قول الله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) السؤال ورد في مختصر الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله حين أتى إلى قوله عز وجل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ذكر أنه ورد عن بعض السلف ومنهم الشافعي بأن المعنى في قوله: (وَجْهُ اللَّهِ) أي: قبلة الله, ثم نقض ذلك ترجيحاً من عدة وجوه, وقال من بينها: ما بالكم أخذتم هذه على قبلة الله, مع أنه في كل النصوص التي وردت فيها وجه الله هي إضافة الصفة إلى الموصوف, فرجح من عدة أوجه -كما قلت- قوله: إن تفسيرها نعني به إحاطة الله التامة والمطلقة, فكما تعلم الأشاعرة يؤولون قضية الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء بقولهم: إن هذه قبلة الدعاء, وأنكر السلف عليهم ذلك وقالوا: إن هناك قبلة واحدة للصلاة وللدعاء, فهل للأشاعرة أن يقولوا: إن القول في قبلة الله في هذا التفسير أيضاً يستلزم عدة قبلات لله عز وجل, فأرجو من فضيلتكم إزالة مثل هذه الشبهة مأجورين وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً: أنا أرجو من الإخوان الحاضرين أن لا يوردوا مثل هذا السؤال المطول المعقد, وأكثر الإخوة الآن قد لا يفهمون هذا إطلاقاً ولا طرأ على بالهم إطلاقاً, فمثل هذا يكون بيني وبين السائل. لكن الآية الكريمة فيها قولان للسلف: القول الأول: أن المعنى: فأينما تولوا فثم وجهت الله، أي: قبلته, بمعنى: أنك إذا أشكل عليك القبلة, ثم صليت وأنت في البر, صليت إلى جهة ظننتها القبلة ثم تبين إنها ليست القبلة فصلاتك صحيحة, لأن هذه الآية ذكرت كمقدمة لقوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] فهذه الآية كقوله: {قُل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] و {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: إن اتجهتم إلى الكعبة فأنتم مولون وجه الله, وإن اتجهتم إلى بيت المقدس كما انتقدكم اليهود فأنتم مولون إلى وجه الله: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] وهذا قول له قوته. القول الثاني: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: فالله تعالى قبل وجوهكم, ويؤيد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي: إنه لا يبصق قبل وجهه, قال: (فإن الله قبل وجهه) . فالآية محتملة لهذا ولهذا, ومعناها صحيح على كلا القولين. أما الأشاعرة وقولهم: إن هذا قبلة الدعاء, فيقال لهم: أنتم هل تدعون السماء أم تدعون رب السماء؟ فإذا رفعتم أيديكم إلى السماء وقلتم: يا ألله، فإنما تنادون الله عز وجل, فإذاً الله هناك, لستم تقولون: يا سماء، وكونهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي، خطأ, لأن قبلة الداعي هي الكعبة, فإن العبادة التي يشرع فيها استقبال القبلة إنما يشرع إلى الكعبة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 112 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [113] استكمل الشيخ رحمه الله ما كان قد بدأه من شرح آيات سورة الفاتحة، فتحدث عن العبادة ومعناها الحقيقي وما ترمي إليه، وكذا عن الصراط المستقيم وأوصافه وعن الهداية وأهلها. وأجاب عن الأسئلة عقب كلمته وكان من أهمها: سؤال يتعلق بغلاء المهور ورد الكفء من الرجال لشروط محرمة. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الفاتحة الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائة من لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس 29 من شهر رجب عام (1416هـ) . ونفتتح هذا اللقاء بإكمال سورة الفاتحة حيث تكلمنا على ثلاث آيات منها وهي قوله تبارك وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] . الجزء: 113 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] الجملتان فيهما حصر, فمعنى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: لا نعبد إلا إياك, و (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي: لا نستعين إلا إياك, وطريق الحصر أنه قدم المعمول وحقه التأخير, وكلما قُدِّم ما حقه التأخير فإنه يفيد الحصر, هذا في اللغة العربية كما نص على ذلك أهل البلاغة وأهل النحو. فما معنى العبادة التي قال الله عنها: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ؟ العبادة: هي التذلل لله عز وجل والخضوع له, وامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, وتصديق أخباره, وتعظيمه, ومحبته, إلى غير ذلك من أنواع العبادة, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. فالطهارة عبادة, والصلاة عبادة, والصدقة عبادة, والزكاة عبادة, والصوم عبادة, والحج عبادة, والنذر عبادة, والتوكل -وهو التفويض المطلق- عبادة, إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي ذكرها أهل العلم, والإنسان العابد يشعر بأنه عبد لسيده وإلهه, إذا أمره قال: سمعنا وأطعنا. ومن تمام العبودية: الحب في الله والبغض في الله, فإن هذا أوثق عرى الإيمان أن تحب لله وتبغض لله, وتوالي لله وتعادي لله, فمن كان من عباد الله الصالحين فهو حبيبك في أي مكان في الأرض, وفي أي زمن من الأزمنة, حتى الذين آمنوا بموسى من بني إسرائيل, والذين آمنوا بعيسى من بني إسرائيل هم أحبابنا وإخواننا. لا تظنوا أن الحبيب أو الأخ هو من كان من هذه الأمة بل هو كل من كان مسلماً في أي زمان وفي أي مكان فإنه أخ لنا؛ لأن هذا مقتضى العبادة، فالحب في الله والبغض في الله, والولاء في الله والمعادة في الله عز وجل, هذا من تمام العبادة. من تمام العبادة: أن الله إذا أمر بأمر تقول: سمعنا وأطعنا, بعض الناس الآن إذا قلت: أمر الله بكذا أو أمر الرسول بكذا قال: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ سبحان الله! هل كان الصحابة يستفهمون مثل هذا الاستفهام إذا أمرهم الله بشيء أو أمرهم الرسول بشيء, يقولون: هل هذا للاستحباب أو للوجوب؟! لا. بل يقولون: سمعنا وأطعنا, نعم إذا وقع الإنسان في المخالفة فحينئذٍ يتوجه هذا السؤال أن يقال: هل هذا للوجوب ويحتاج إلى فدية أو كفارة أو ما أشبه ذلك؟ إذا نهاه الله ورسوله عن شيء يقول: هل النهي للكراهة أم للتحريم؟ سبحان الله! إذا نهي عن شيء فقل: سمعنا وأطعنا, ونتجنبه. ولهذا لا يستطيع أحد أن يأتي بحرف واحد عن الصحابة أنهم إذا أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: هل أنت تأمرنا على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب؟ وإذا نهاهم عن شيء قالوا: هل أنت تنهانا على سبيل التحريم أم على سبيل التنزيه؟ أبداً, نعم إذا حصل شيء يوجب الاستفهام استفهموا. مثال: قضية بريرة رضي الله عنها، فإنها لما عتقت وكان زوجها رقيقاً, قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أنت بالخيار إن شئت أن تبقي معه، وإن شئت أن تفسخي النكاح فافسخي النكاح, فقالت: أختار نفسي وأفسخ النكاح, ففسخت النكاح) وكان زوجها مغيث يحبها حباً شديداً وهي تكرهه كراهة شديدة, فكان يمشي خلفها في أسواق المدينة يسألها أن ترجع وأن تعدل عن رأيها, ولكنها تأبى, فطلب مغيث من رسول الله أن يشفع له, فشفع له لعله يرجع إليها, قالت: (يا رسول الله أتأمرني؟ فسمعاً وطاعة, أم أمر تشير به عليَّ فلا حاجة لي فيه, قال: بل أمر أشير به عليكِ, قالت: لا حاجة لي فيه) . وكذلك إذا دلت القرينة على أن الأمر ليس للوجوب مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ جابر بن عبد الله: (بعني الجمل بأوقية) فجعل يماكسه حتى اشتراه الرسول عليه الصلاة والسلام, المهم أن الأمر الشرعي لا يمكن للصحابة أن يقولوا: يا رسول الله هل الأمر للاستحباب أم للوجوب. فمن تمام التعبد أنك إذا سمعت بأمر الله ورسوله فلا تتردد, ولا تقول: للوجوب أم للاستحباب، بل قل: سمعنا وأطعنا، وافعل وستؤجر, كذلك إذا سمعت النهي فلا تتردد ولا تقول: هل هو للتحريم فأجتنبه وجوباً, أو للكراهة فأجتنبه تنزهاً, بل قل: سمعنا وأطعنا, إلا إذا وقع الإنسان في المخالفة, فحينئذٍ يسأل: هل هو واجب أم محرم من أجل أن يستدرك ما فاته, المهم أن من تمام العبادة تمام الامتثال, بفعل الأوامر واجتناب النواهي. (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معنى نستعين, أي: نطلب العون من الله, والاستعانة تقع على وجهين: الوجه الأول: استعانة عبادة, بمعنى: أن الإنسان يفوض أمره إلى الله, ويعلم أنه لا قدرة له على شيء إلا بمعونة الله, هذه لا تكون إلا لله. الوجه الثاني: استعانة بأمر يقدر عليه المعين, والإنسان لا يرى أنه يفوض أمره إلى هذا المستعان به، ولكنه يرى أنه من باب المساعدة, فهذا جائز، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها, أو ترفع له عليها متاعه صدقة) تعينه, فأثبت الإعانة من المخلوق للمخلوق. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ما المراد بالاستعانة هنا؟ الاستعانة التي لا تصلح إلا لله أم التي تصلح لله وللمخلوق؟ المراد الأول، الاستعانة التي فيها التفويض المطلق وأنه لا قدرة للمستعين على أي شيء إلا بمعونة، هذه الاستعانة به وهذه لا تكون إلا لله عز وجل. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] الهداية تكون بمعنى الدلالة, وتكون بمعنى التوفيق, فأي المعنيين هناك يريد الداعي: هداية التوفيق أم هداية الدلالة، أو كلتيهما؟ كلتيهما, يريد هداية الدلالة أي: العلم, هداية التوفيق أي: التزام الصراط المستقيم, ومعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يلتزم الصراط المستقيم إلا بعلم, كيف يعبد الله على جهل؟ لا يمكن! لا بد أن يهديه الله, يدله أولاً ثم يوفقه ثانياً. قول الله عز وجل: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم, ما المراد بالهداية هنا؟ هداية الدلالة والإرشاد والبيان, وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] هداية التوفيق, يعني: لا تستطيع أن توفق أحد للهدى أبداً, لا يستطيع ذلك إلا الله وحده, وقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17] هداية الدلالة, دلهم الله على الحق, وبين لهم رسولهم الحق ولكنهم: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت:17] . المهم أن الهداية نوعان: هداية الدلالة, وهداية التوفيق. هداية الدلالة تكون بالعلم, وهداية التوفيق تكون بالسير على الصراط المستقيم. وقول المصلي أو الداعي بهذه الآية الكريمة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي: هداية الدلالة والتوفيق, فيكون هذا الدعاء شاملاً للعلم بالحق, والعمل بالحق. وقوله: (الصِّرَاطَ) يقول أهل اللغة: إن الصراط لا يطلق على الطريق إلا إذا كان واسعاً, أما الطريق الضيق فليس بصراط, ووجه ذلك في المعنى: أن الصراط والزراط والسراط كلها تدل على سعة وسهولة النفوذ, يقال: زرط الرجل اللقمة. أي: ابتلعها بسرعة وسهولة, هنا الصراط أي: الطريق الواسع الذي يمضي به الإنسان من غير تعب ولا مشقة. لكن الصراط قد يكون مائلاً, وقد تكون فيه مرتفعات ومنخفضات, ولهذا قال: (الْمُسْتَقِيمَ) أي: الذي لا اعوجاج فيه وليس فيه منخفض ولا مرتفع, لأن الطريق المعوج يعوق. مثلاً: إذا كان بينك وبين البلدة في خط مستقيم 20 كيلو, يكون بينك وبينها في خط معوج 30 كيلو أو أكثر حسب كثرة الاعوجاج, كذلك في المنخفضات والمرتفعات, إذا كانت الطريق سوياً فإنك تصل إلى ما تريد بسرعة, لكن إذا كان مرة في الأعلى ومرة في الأسفل زاد عليك الطريق, فالمستقيم إذاً هو المستوي المعتدل, فخرج المعوج وما فيه من انخفاض وارتفاع. فما المراد بالصراط المستقيم هنا: هل المراد الصراط المستقيم الحسي أم المعنوي؟ المراد المعنوي ليس الحسي, أما في قول موسى عليه الصلاة والسلام: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:22] فالمراد به الحسي، ولهذا هداه الله عز وجل إلى سواء السبيل, لكن هنا الصراط المعنوي, والصراط المعنوي بينه بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] . الجزء: 113 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم) قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] أي: أنعمت عليهم النعمة التامة التي يكون فيها نعمة الدين والدنيا, فمن هؤلاء؟ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] أربعة أصناف هم الذين أنعم الله عليهم, وهم على مراتبهم هذه: المرتبة الأولى: قال: (مِنَ النَّبِيِّينَ) والنبيون هنا يشمل المرسلين؛ لأن الرسول نبي, والرسل أعلى طبقة من الأنبياء, وأولو العزم أعلى طبقة من غيرهم, ومحمد أعلى أولي العزم طبقة. فإذاً: النبيون تشمل طبقاتهم المرسلون فهم أعلى من النبيين, وأولو العزم أعلى من بقية الرسل, ومحمد أعلى طبقة في أولي العزم. هل أنت تستحضر وأنت تقرأ هذه الآية هؤلاء السادة؟ لا بد أن يكون في قلبك ذكر لهؤلاء السادة. المرتبة الثانية: الصديقون, هم الذين بلغوا في الصدق غايته، في تصديق ما أنزل الله على رسله, وقاموا بذلك وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه, كيف عرفنا أنه على رأس الصديقين؟ لأن هناك حواريين وأنصاراً من الرسل السابقين, فكيف عرفنا أن أبا بكر هو أفضلهم؟ عرفنا ذلك لأن هذه الأمة أفضل الأمم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وأن أفضل هذه الأمة هو أبو بكر باتفاق الصحابة, فقد كان الصحابة يقولون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: [خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر] حتى علي بن أبي طالب كان يعلن على منبر الكوفة بعد أن كان خليفة يقول: [خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر] وبذلك نعرف كذب الرافضة الذين يدعون أن أبا بكر ليس خليفة وأنه ظالم لـ علي؛ لأن علي عندهم هو الخليفة, فيقال: لماذا لم يعلن علي بن أبي طالب حين كان خليفة أنه مظلوم؟ بل أعلن أن ما جرى هو العدل؛ لأنه أقر واعترف بأن خير هذه الأمة أبو بكر , وهذا إقرار بفضله وبأحقيته للخلافة؛ لأنه لا يولى على القوم إلا أفضلهم وخيرهم. على كل حال: نحن نقول: الطبقة الثانية من الخلق هم الصديقون. المرتبة الثالثة: الشهداء, الشهداء يشمل شهداء المعركة, وهم الذين قتلوا في سبيل الله, ومن الذي قتل في سبيل الله؟ هو الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا, فمن قاتل للقومية فهو خاسر, ومن قاتل للوطنية فهو خاسر, ومن قاتل ليرى مكانه فهو خاسر, ومن قاتل رياءً فهو خاسر, المقاتل الذي إذا قتل فهو شهيد هو الذي قاتل من أجل هذا الغرض لتكون كلمة الله هي العليا, هذا هو المقاتل في سبيل الله وهو الشهيد, وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) أي: أن هؤلاء ليسوا في سبيل الله, ولهذا جاء في الحديث: (ما من مكلوم يكلم -أي: ما من مجروح يجرح- في الجهاد والله أعلم بمن يكلم في سبيله) هذه الجملة مهمة, ليس كل من قتل في الجهاد يكون عند الله شهيداً, قد يكون في رأينا شهيداً, ولكنه عند الله ليس بشهيد؛ لأنه قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله، إلا جاء يوم القيامة لون دمه لون الدم, وريحه ريح المسك) . الشهداء يشمل أيضاً أهل العلم, فإن العلماء من الشهداء قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] لكن من هم أولي العلم الذين يكونون من الشهداء؟ هم أولي العلم الذين يطلبون العلم لله, والذين إذا بان لهم الحق تبعوه, والذين لا يخرجون عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ليس العالم القارئ ولهذا قال عبد الله بن مسعود: [كيف بكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم] يعني: لو وجدنا شخصاً بحراً في العلم, إن جئته في التفسير فإذا هو بحر, في الحديث بحر, وفي الفقه بحر, في كل فن هو بحر، لكنه لا يعمل بعلمه, ولا يتبع طريق السلف فهذا ليس من أولي العلم, يقول الله عز وجل في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لماذا تسمع لقولهم؟ لأن لهم فصاحة وبيان, وهم في مظهر يعجبك, لكنهم لا خير فيهم: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] فالحاصل أن (الشهداء) تشمل طائفتين من الناس: الأولى: من قتل في سبيل الله. الثانية: العلماء حقيقة. المرتبة الرابعة: الصالحون وهم الطبقة الأخيرة، وهم عامة المسلمين والمؤمنين, فأنت تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وهؤلاء يجمعهم معنى واحد: ألا وهو العلم بالحق والعمل به. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] هذان صنفان مخالفان للذين أنعم الله عليهم. قلنا: إن الذين أنعم الله عليهم يجمعهم شيء واحد وهو العلم بالحق والعمل به, وهذان الصنفان -أي: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) - على عكس من ذلك, فالمغضوب عليهم, علموا الحق ولم يعملوا به, وعلى رأسهم اليهود علموا الحق ولم يعملوا به, والضالون هم الذين لم يعلموا الحق, أي: عبدوا الله على جهل, وعلى رأسهم النصارى قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام, أما بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فالنصارى واليهود سواء؛ لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به, فكما أن اليهود علموا بصحة نبوة عيسى ولكنهم لم يتبعوه, هكذا النصارى علموا بصحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه، إذاً لا فرق بينهم وبين اليهود فالجميع بعد بعثة الرسول مغضوب عليهم. وهنا يقال: لماذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) مع أنه قال: (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؟ لأن النعمة من الله, والغضب يكون من الله ومن غيره, فإذا غضب الله على أحد فكل المؤمنين بالله يغضبون عليهم, ولهذا اليهود مغضوب عليهم من قبل الله ومن قبل الرسل ومن قبل الصديقين والشهداء والصالحين. نسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم, صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 113 ¦ الصفحة: 7 نزول القرآن منجما ً السؤال أهل السنة والجماعة يعتقدون أن القرآن نزل على نزولين: نزول منجم ونزول مع الوحي, فالسؤال: هل جبريل عليه السلام ينزل بالوحي من الله عز وجل, أم من بيت العزة في السماء الدنيا؟ الجواب أولاً قولك: إن أهل السنة يعتقدون أن القرآن نزل على حالين: منجم ومفرق، فيه نظر؛ لأنه ليس أهل السنة كلهم على هذا, بل ظاهر القرآن: أنه نزل منجماً لم ينزل مرة واحدة إلى بيت العزة؛ لأن هذا إنما روي عن ابن عباس بسند يحتاج إلى تثبت, لكنه نزل من عند الله مباشرة قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192-194] وأنت ترى القرآن تأتي فيه الآيات تتحدث عن شيء وقع، مثل قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران:121] ، ومثل قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] ، ومثل قوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام:33] وما أشبه ذلك مما يدل على أن الله تعالى يتكلم بعد وقوع هذه الحوادث, وهذا يدل على أن الله يتكلم به حين إنزاله، وهو الذي نعتقده؛ لأن الله تعالى فعال لما يريد, متى شاء تكلم ومتى شاء لم يتكلم. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 8 ما يلزم القارئ فعله عند انقطاع نفسه السؤال صليت وراء أحد الأئمة فقرأ قول الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الأنعام:102] فسكت ثم استأنف: {هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام:102] فصار في نفسي شيء من هذا, فقلت له: إن لفظ (هو) تابع للتي قبلها؛ لأنها إثبات للنفي لأنه قال: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} , وليست تابعة للتي بعدها, فأصر على كلامه وقال: هذه قراءة لأحد القراء المشهورين، فما القول الفصل في ذلك؟ الجواب القول الفصل: أن القراءات لا تأتي بمجرد أن يدافع الإنسان عن نفسه ولو بباطل, فلا يمكن أن يزيد أحد في القرآن شيئاً, وعلى كلامه تكون الآية: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو) (هو خالق كل شيء) فتكون (هو) مكررة مرتين, وهذا خطأ عظيم, لكن الظاهر لي أن هذا رجل جاهل, وأن القارئ الذي سمعه لما وصل إلى قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} انقطع نفسه, ثم أعاد فقال: {هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:102] وهذا خطأ، حتى وإن انقطع النفس فالذي ينبغي للإنسان إذا انقطع نفسه أن يبدأ من حيث وقف, وأما ما يفعله بعض الناس الآن إذا انقطع نفسه ذهب يقرأ آخر جملة ثم استمر, فيقال: آخر جملة قد تكون مرتبطة بما قبلها فاقرأ ما قبلها, ثم الذي قبلها يكون مرتبط بالذي قبلها, وحينئذٍ يلزمه أن يعيد الآية من جديد. لهذا نرى: أن الإنسان إذا انقطع نفسه فقد انقطع نفسه عن ضرورة فيبدأ من حيث انقطع, ولا حاجة لإعادة الجملة التي قبل. فالمهم: أن الآية ليس فيها (هو) مرتين, بل هي مرة واحدة و (هو) التي وقعت بعد (إلا) كما قلت إثبات لكون الله تعالى هو الخالق وحده. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 9 حكم الصلاة على النبي في خطبة الجمعة السؤال في حديث: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليّ) والحديث الآخر: (من قال لأخيه: صه فقد لغى) كيف نوفق بين الحديثين في خطبة الجمعة؟ الجواب أما الأول: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ) فقد أخذ منه بعض العلماء: أن الإنسان إذا سمع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يقول: صلى الله عليه وسلم, وأما الثاني: فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من قال لصاحبه: أنصت) وهذا خطاب للبشر, والدعاء خطاب لله وليس للبشر, فالفرق بينهما: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دعاء وقولك لصاحبك: أنصت خطاب آدمي. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 10 حكم حذف كملة (ابن) من الأسماء وقول: العبد الله السؤال ذكر بعض العلماء: أن وصف اسم الابن لاسم الأب مباشرة يعني: بدون ذكر (ابن) يكون في هذا تشبه بفعل النصارى في تسمية أبنائهم, أن يَصِلوا اسم الابن باسم الأب مباشرة دون ذكر (ابن) ولوحظت الأسماء التي تحمل لفظ الجلالة مثل: عبد الرحمن وعبد الله أن فيها أخطاء مثل أن يقال: فلان العبد الله أو فلان العبد الرحمن أو فيه نوع من التزكية مثل أن يقال: فلان العبد الجبار أو فلان العبد اللطيف فما رأيك؟ الجواب أما الأول: وهو أن الإنسان يحذف (ابن) عند النسبة, فيقول مثلاً: محمد عبد الله, محمد صالح, محمد سليمان فهذا لا شك أن هذا خلاف طريقة السلف , وما كنا نعرفها من قبل, لكن دخلت علينا من الأمم التي استعمرها الكفار, وراحت على الناس مع الأسف, والصواب أن يقال: ابن كما قال الله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم:12] . وأما محمد العبد الله فليس يريدون بقولهم: العبد الله يعني: أن الله عبد, أو العبد الجبار أن الجبار عبد, أبداً ولا يطرأ على بال أحد, لكن (ال) هنا بمعنى (آل) , وتحولت إلى "ال" للتخفيف لكونها دائماً على ألسن الناس, فقول: العبد الله أي: آل عبد الله وهذه العبارة جرت على ألسنة العلماء في هذه البلاد من زمان ولم ينكرونها, بل ولم يبحثوا فيها, لكن الناس مع توسع الأذان الآن صاروا يقولون: كيف يكون هذا؟ فنقول قول القائل: العبد الله السليمان معناه آل فلان. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 11 مفاسد غلاء المهور ورد الكفء من الرجال س السؤال لا يخفى عليكم قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير -وفي لفظ: وفساد عريض-) ونحن في هذا الزمن نسمع أن الرجل الصالح الكفء إذا تقدم للخطبة من عند بعض الناس يرده لا لشيء إلا أنه لا يوافق على بعض الشروط مثل: ارتفاع المهر, ووجود التلفاز، وغيره من الشروط التي ربما تكون شروطاً محرمة, وبعضهم يرد بحجة أنه متزوج, فما رأيكم في من خالف مضمون هذا الحديث, إن لم يكن بلسان مقاله فقد خالف بلسان حاله, ولمن يرضى دينه وخلقه علماً أن بعض الناس تكون ابنته صالحة فقد يزوجها على من لا يصلي أو من فاسق فما نصيحتكم وتوجيهكم لمثل هؤلاء, وجزاكم الله خيراً؟ الجواب النصيحة لهؤلاء حصلت منا ومن غيرنا في مناسبات كثيرة: وهو أن الذي ينبغي للإنسان أن يجعل أكبر همه دين الخاطب وخلقه, فإن هذا هو الذي فيه البركة, فكما أنه ينظر إلى دين الخاطب وخلقه, كذلك أيضاً ينظر إلى دين المرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها, فاظفر بذات الدين) وكون الناس الآن لا يزوجون إلا بمهور عالية مرتفعة جداً, هذا خطر على الأمة من عدة وجوه: الوجه الأول: نزع البركة من النكاح؛ لأن (أعظم النكاح بركة أيسره مئونة) . الوجه الثاني: أن الناس يعزفون عن نكاح بنات البلد, ويذهبون إلى النكاح من خارج البلد, كما هو الواقع الآن؛ لأن خارج البلد يزوجون بالرخيص لأسباب ليس المراد هنا ذكرها, ومعلوم أن تزوج الإنسان من خارج البلد -ولا أعني بالبلد بلده الخاصة أعني البلد خارج المملكة - يترتب عليه مشاكل كثيرة؛ لأن النكاح يترتب عليه أحكام كثيرة: النسب, والإرث, والصلة, وغير ذلك, وهذا يولد مشاكل في المستقبل, ولهذا ندم كثير من الناس الذين تزوجوا من الخارج على ما فعلوا, لكن متى؟! بعد أن فات الأوان, وحصل الأولاد والذرية. الوجه الثالث: أنه إذا تقلص النكاح من بنات البلد فالمرأة كالرجل, تحتاج إلى نكاح, ويكون هذا سبباً للزنا والعهر والعياذ بالله. الوجه الرابع: أن هذه التي يأتي بها من الخارج ربما يكون لها عادات وأخلاق وديانة تفسد الزوج وأولادها, وفيهم من فيه الخير والصلاح لا شك. فلهذا نحن ننهى عن المغالاة في المهور, ونقول: (أعظم النكاح بركة أيسره مئونة) . الوجه الخامس: إذا رد ولي المرأة من هو كفء لها في الخلق والدين ولم يتقدم خاطب أولى منه؛ كان غاشاً لها وخائناً لأمانته, لأن ولي الأمر وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي له الولاية العامة على أمته بالتوجيه والإرشاد يقول: (أنكحوا. ) وهذا يخالف. وأما إذا اختار لموليته من بنت أو أخت أو غيرهما من لا يصلي فهذا -والعياذ بالله- أخطأ خطأً عظيماً؛ لأن الذي لا يصلي لا يجوز أن يزوج, مهما كان في الخلق, ومهما كان في المال, ومهما كان في الجمال, لا يجوز أن يزوج إطلاقاً، بل إذا كان معه زوجة يجب أن يفسخ النكاح إذا ترك الصلاة؛ لأنه إذا ترك الصلاة كان كافراً مرتداً عن دين الله, وقد الله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] كذلك إذا اختار الإنسان لموليته فاسقاً سيئ الخلق فإنه غاش لها, وما أكثر النساء اللاتي يشتكين من هذه المسألة, يزوجن بمن ليسوا بأكفاء فيحصل الشر والبلاء والنكد, فنسأل الله أن يهدي الجميع. مسألة التعدد: إذا كانت البنت لا تختار هذا فمعلوم أن الأمر إليها, وأما إذا رضيت بإنسان عنده زوجة سابقة فلا يجوز لوليها أن يمنعها, بل إن العلماء قالوا: إذا منع الأب ابنته من خاطب كفء وتكرر ذلك منه صار فاسقاً لا تصلح له ولاية, وتنزع الولاية منه إلى من بعده. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 12 ذكر وجه العداوة بين الآباء وبعض أهليهم س السؤال يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14] فنرجو تبيين العداوة وتوجيه الحذر؟ الجواب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} ولم يقل: إن أزواجكم وأولادكم, فمن الأزواج والأولاد من هو عدو, ومنهم من هو ولي صالح يعين أبويه على الخير, ويكفهم عن الشر, والمراد بالعداوة هنا من تكون زوجته وأولاده سبب لانحرافه عن دين الله, فهذه أكبر عداوة، وهذا يقع في بعض الناس الضعفاء في الدين والشخصية, تجده يكون زوجاً لامرأة وعبداً لها من جهة أخرى, يفعل ما تريد, وكذلك بالنسبة للأولاد, وقد تكون العداوة عداوة دنيوية, تكون الزوجة هذه سليطة اللسان, وتبتز ماله, وتؤذيه وتنكد عليه, وكذلك الأولاد, وقوله: {فَاحْذَرُوهُمْ} أي: خذوا حذركم باليقظة والمراقبة ودقة النظر, حتى لا يضروكم؛ لأن الغالب أن العدو يكون ضاراً لعدوه إلا إذا احترز منه بالمراقبة, ولكن الحمد لله؛ لم (يقل) الله في الآية: إن أزواجكم وأولادكم قال: (مِن) ، ومن للتبعيض, والبعض قد يكون الأكثر وقد يكون الأقل. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 13 السنة في الإزار والثوب السؤال ذكر أحد أهل العلم: أن التقصير إلى نصف الساق خاص بالإزار فقط؛ لأن النصوص وردت في هذا, أما بالنسبة للثوب والبنطلون والعمامة فالسنة ما فوق الكعبين وتحت نصف الساق, فما قول فضيلتكم في هذا؟ الجواب الذي أرى أن تخصيصها بالإزار لا وجه له, وأن ما ثبت في الإزار ثبت في الثوب أي: في القميص, لكني أرى: أن السنة إلى نصف الساق, وإلى تحت النصف, وإلى الكعبين, كل هذا سنة, ودليل ذلك: أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبا بكر رضي الله عنه, كان إزاره إلى أسفل من ذلك, لكنه لم يتجاوز الكعبين, ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من جر الثوب خيلاء, قال: (يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي عليّ إلا أن أتعاهده, فقال: لست ممن يصنع ذلك خيلاء) , فكونه يسترخي عليه حتى يصل إلى الأرض إلا أن يتعاهده يدل على أنه أنزل من نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق واسترخى حتى يصل إلى الأرض فسوف تنكشف عورته من فوق, فكلٌ سنة. وأما من قصر السنة من نصف الساق أو فوقه فإنه لم يتدبر الأحاديث من كل وجه, ولو تدبرها لعلم أن السنة من نصف الساق إلى أسفل ما لم ينزل عن تحت الكعبين. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 14 أحكام الجمع في المطر السؤال نعيش هذه الأيام بين أمطار وخيرات, السؤال: متى يجمع؟ وما هي الأوقات التي تجمع فيها الصلوات؟ الجواب هذا سؤال مهم, لولا أننا أحببنا أن نكمل سورة الفاتحة لكان صدر اللقاء هو الكلام عن هذا الموضوع. أولاً: يجب أن نعلم أن أوقات الصلوات محددة من قبل الله ورسوله, أما من قبل الله فقد قال الله تعالى: ((إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)) [النساء:103] محدداً, وقال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء:78] ، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد بين ذلك بياناً واضحاً صريحاً, فوقت الظهر من كذا إلى كذا، ووقت العصر من كذا إلى كذا، ووقت المغرب من كذا إلى كذا، ووقت العشاء من كذا إلى كذا، ووقت الفجر من كذا إلى كذا، مفصلاً ومبيناً غاية البيان, والأصل وجوب الصلاة في وقتها, فمن صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام فصلاته نفل إن كان جاهلاً يظن أن الوقت قد دخل, وإن كان متعمداً فهو متلاعب فصلاته باطلة مردودة عليه, ولو صلّى قبل الوقت بتكبيرة الإحرام فقط, كيف لو صلّى كل الصلاة قبل الوقت؟!! فمن صلّى قبل الوقت فإن كان عالماً أنه لم يدخل الوقت فهو متلاعب وصلاته باطلة مردودة, ومن جهل وظن أنه قد دخل فصلاته نافلة وعليه أن يعيدها بعد دخول الوقت, ومن صلّى بعد الوقت فكذلك, إن تعمد فصلاته باطلة ولا تقبل منه, لو صلّى ألف مرة, وإن كان لعذر كالنسيان والنوم والجهل أيضاً بالوقت؛ يظن أنه لم يخرج فصلاته صحيحة, هذا هو الأصل. ولا يجوز للإنسان أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير إلا بعذر شرعي, والعذر الشرعي مبين ضابطه ما أشار إليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين قال: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء, من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يلحقها الحرج, وعلى هذا فالضابط في الجمع: أن يكون في تركه حرج على الناس, وأن يكون في تفريد الصلاة كل صلاة في وقتها حرج ومشقة, فهذا الضابط، إذا كان هناك حرج ومشقة فإنه يجمع, وإذا لم يكن هناك حرج ولا مشقة فإنه لا يجوز الجمع, ومن جمع تقديماً فعليه إعادة الصلاة التي صلاها قبل الوقت. وفي بعض البلدان يكون المطر نازلاً بغزارة وفي هذا حرج أن يذهب الناس إلى المسجد, فتبتل ثيابهم, ويتأذون، فهذا حرج, أو يكون المطر واقفاً لكن الأسواق وحلة أي: زلق, أو نقع الماء كثيرة فتؤذي الناس فهذا أيضاً حرج، فيجمع, أما بدون ذلك فلا يجوز, ولهذا نأسف أن بعض الناس الذين يقولون: نتمسك بالسنة يغلطون في هذه المسألة, ويظنون أن الجمع جائز لأدنى سبب, وهذا خطأ, ثم يجب أن نقول: إذا علمنا أنه لا حرج في ترك الجمع صار الجمع حراماً, وإذا علمنا أن في تركه حرجاً صار الجمع جائزاً بل سنة, وإذا شككنا صار الجمع حراماً؛ لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها, فلا نعذر عن هذا الأصل إلا بأمر متيقن. أما الصلاة التي تجمع فالمشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه لا جمع بين الظهر والعصر للمطر وشبهه, وإنما يجمع بين المغرب والعشاء, ولكن الصحيح: أنه يجمع بين المغرب والعشاء, وبين الظهر والعصر؛ لأن العلة هي المشقة متى وجدت في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جاز الجمع. ثم إني أقول لكم يا إخواني: لا تظنوا أن الجمع رخصة عند كل العلماء, حتى الذين يقولون: إنه يجوز، يقولون: تركه أفضل, لكننا نحن نرى أنه إذا وجد السبب ففعله أفضل, وهناك مذهب يمثل ثلاثة أرباع الأمة الإسلامية لما كانت الخلافة في الأتراك وهم على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وهو يرى أنه لا جمع مطلقاً إلا في موضعين: في عرفة ومزدلفة؛ لأجل النسك, وإلا فلا جمع في السفر أو المرض أو المطر ولا غير ذلك, فلا تظن أن المسألة سهلة, المسألة صعبة. فخلاصة الجواب: إذا تحقق العذر فالجمع أفضل, وإذا علمنا أنه لا عذر فالجمع حرام, وإذا شككنا فالجمع حرام؛ لأن الأصل هو وجوب فعل الصلاة في أوقاتها. وأما نية الجمع ليس بشرط, فمتى وجد السبب ولو بعد الصلاة الأولى، جَمَعَ. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 15 خطأ مقولة: (كل مجتهد مصيب) سس السؤال هل يلزم أن كل مجتهد مصيب؟ وهل يلزم أن كل مصيب مخلص وكل مخلص مصيب أم لا يلزم هذا؟ الجواب لا, يقول بعض العلماء: كل مجتهد مصيب, وهذا على إطلاقه ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المجتهدين إلى قسمين فقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإن حكم فأخطأ فله أجر) وهذا واضح في التفصيل أن من المجتهدين من يصيب ومنهم من يخطئ, ولكن المخطئ قد يكون مصيباً من وجه آخر وهو إذا اجتهد وبذل الجهد, ووصل إلى نتيجة لكن هذه النتيجة خطأ في حكم الله, فهو مصيب في اجتهاده وتعبه وطلبه للحق, لكن في الحكم مخطئ, ثم إن إصابة الحكم توفيق من الله عز وجل, وقد يوفق لإصابة الحكم من ليس من أهل الاجتهاد, أو من ليست نيته خالصة, لكن من كانت نيته خالصة فهو على خير سواء أصاب أم أخطأ. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 16 الربح والخسارة في المضاربة السؤال فضيلة الشيخ إذا خسرت شركة المضاربة, كيف يقسم المال بين صاحب المال والذي عمل بجهده؟ الجواب المضاربة معناها: أن تعطي شخصاً مالاً وتقول: خذ هذا المال اتجر به والربح بيننا, إما أنصافاً أو أثلاثاً حسب ما يتفقان عليه: هذه المضاربة، فيكون من أحدهما المال ومن الآخر العمل, إن ربحت التجارة فالربح يقسم على حسب ما اتفقا عليه, لنقل أنهما اتفقا على أن يكون الربح أنصافاً, أعطاه مائة ألف قال: خذ اتجر بها مضاربة؛ لك نصف الربح ولي نصف الربح, فربحت المائة فصارت مائتين, كم للعامل؟ خمسون ألفاً, ولصاحب المال خمسون ألفاً, العامل ربح بتعبه, ورب المال ربح بالمال الذي استعمله هذا المضارب, ولو خسرت البضاعة, يعني: اشتغل بمائة ألف ولكنها خسرت لنزول الأسعار حتى صارت ثمانين, كم الخسارة؟ عشرون ألف, هل نقول: على العامل عشرة وعلى صاحب المال عشرة، أم كلها على صاحب المال؟ كلها على صاحب المال, صاحب المال خسر الدراهم, والعامل خسر العمل, يتعب بالليل والنهار ويسافر وينزل بعض الناس يقول للعامل: إن خسرت فالخسارة بيننا, وهذا الشرط لا يصح؛ لأنه يؤدي إلى أن يغرم هذا العامل أكثر من عمله, وهذا لا يجوز. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء فنسأل الله أن يعيننا وإياكم. الجزء: 113 ¦ الصفحة: 17 لقاء الباب المفتوح [114] من أراد أن يستن فعليه بمن قد سبق، فهم خير خلف في خير أمة، والصحابة هم خير القرون وأفضلها، وكان من أعظم خيريتهم تعظيمهم ومعرفتهم لحق نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى امتدح الله فعلهم هذا في كتابه، وقد تحدث الشيخ في مقدمة لقائه على هذه النقطة العظيمة. وأجاب بعد ذلك عن أسئلة كثيرة منها ما له علاقة بالصلاة وغيرها من الأحكام، وكان أهمها سؤال يتعلق بالحيل على الربا في آخر هذا اللقاء المبارك. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع عشر بعد المائة من اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل خميس في كل أسبوع, وهذا هو يوم الخميس السادس من شهر شعبان عام (1416هـ) . الجزء: 114 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7] , هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] . وسبب ما سبق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه عن قوم ما ليس فيهم, فأمره الله تعالى بالتأكد من الأخبار إذا جاء بها من لا تعرف عدالته, وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] . ولكن العبرة بعموم اللفظ, وهو قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] أي: لشق عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا له أمثلة كثيرة: - منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان يصلي بهم صلاة القيام, فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي, قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولم يوافقهم على طلبهم, لما في ذلك من العنت والمشقة. ومنها: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحثوا عن عمله في السر -أي: فيما لا يظهر للناس- وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها, فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -يعني: وأما هم فلم يكن لهم ذلك- فقال أحدهم: (أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثاني: وأنا أقوم ولا أنام, وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فأما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني) فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم. ومن ذلك أيضاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش, فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنت قلت هذا؟ قال: نعم, قال: إنك لا تطيق ذلك) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون. والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم من له همة عالية, لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثير من الأمر, لأن ذلك يشق عليهم إذا أطاعهم. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) ثم قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} قد يقول قائل: ما هو ارتباط قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ؟ الجواب أنكم تطيعونه -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فيما يخالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان, فتقدمون طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما خالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم, وهذا استدراك من أبلغ ما يكون من الاستدراك, يعني: ولكن إذا خالفكم النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمر الذي تريدونه فإنكم لن تكرهوا ذلك, ولن تخالفوه ولن تحملوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ) أي: جعله محبوباً في قلوبكم {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: جعلكم تحبونه, وزينه في قلوبكم بحيث لا تتركونه بعد أن تقوموا به, وذلك أن فعل الإنسان للشيء للمحبة قد تكون محبة عارضة لكن إذا زين له الشيء ثبتت في المحبة ودامت, ولهذا قال: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} في القلب, {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7] أيضاً في القلب, لكن إذا زين الشيء المحبوب للإنسان فإنه يستمر عليه ويثبت عليه. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان) قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7] كره إليكم الكفر الذي هو مقابل الإيمان, والفسوق الذي هو مقابل الاستقامة, والعصيان الذي هو مقابل الكمال, وهذا تدرج من الأعلى إلى ما دونه, الكفر أعظم من الفسق, والفسق أعظم من العصيان, فالكفر: هو الخروج من الإسلام بالكلية، وله أسباب معروفة في كتب أهل العلم ذكرها الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد, وأما الفسق فهو دون الكفر ولكنه فعل كبيرة, أن يفعل الإنسان كبيرة من الكبائر ولم يتب منها كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما أشبه ذلك, والعصيان دون هذا والعصيان هو الصغائر التي تكفر بالأعمال الصالحة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان, مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) فالمؤمنون الخلص حبب الله إليهم الإيمان, وزينه في قلوبهم, وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, نسأل الله أن يجعلنا منهم. (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أولئك: المشار إليه من حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي: الذين سلكوا طريق الرشد, والرشد في الأصل حسن التصرف, وهو في كل موضع بحسبه, فالرشد في المال أن يحسن الإنسان التصرف فيه, ولا يبذله في غير فائدة, والرشد في ولاية النكاح مثلاً: هو أن يكون الولي عارفاً بالكفء ومصالح النكاح, والرشد في الدين: هو الاستقامة على دين الله عز وجل, فهؤلاء الذين حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان هم الراشدون. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) وهنا تجدون هذه الأفعال كلها مضافة إلى الله: من حببه؟ الله. من زينه؟ الله. من كرهه؟ الله عز وجل, ولهذا قال بعدها: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ} [الحجرات:8] يعني: أن الله أفضل عليكم فضلاً أي: تفضلاً منه وليس بكسبكم ولكنه من الله عز وجل, ولكن ليُعلم أن الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته, وأعلم حيث يجعل الإيمان في الشخص, فمن علم الله منه حسن النية وحسن القصد والإخلاص حبب إليه الإيمان, وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان, ومن لم يعلم الله منه ذلك فإن الله تعالى يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ، ويقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] فالذنوب سبب للمخالفة والعصيان, فهؤلاء الذين تفضل الله عليهم وأنعم عليهم نعمة الدين هم الذين وفقوا للحق قال الله عز وجل: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:8] أي: إنعاماً منه عليهم. والنعمة نعمتان: نعمة في الدنيا, ونعمة في الآخر. فأما الكفار فهم منعمون في الدنيا كما قال الله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25-27] أي: تنعموا, فهؤلاء -أعني الكفار- عليهم نعمة في الدنيا, لكن في الآخر عليهم العذاب واللعنة والعياذ بالله. أما المؤمن فإنه يحصل على النعمتين جميعاً على نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, حتى وإن كان فقيراً أو مريضاً أو عقيماً أو لا نسب له, فإنه في نعمة لقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] . هنا قال: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} المراد بالنعمة نعمة الدين التي تتصل بنعمة الآخرة, وخلاصة الكلام في النعمة: أن هناك نعمتين: نعمة عامة لجميع الخلق, الكافر والمؤمن, والفاسق والمطيع, ونعمة خاصة للمؤمن, وهذه النعمة الخاصة تتصل بنعمة الدين والدنيا, وأما الأولى فإنها خاصة بنعمة الدنيا فقط لتقوم على الكفار الحجة. قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:8] هذان اسمان من أسماء الله, يقرن الله بينهما دائماً العلم والحكمة, عليم بكل شيء قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] فعلم الله تعالى محيط بكل شيء, والإنسان إذا علم أن علم الله محيط بكل شيء حتى ما يضمره في قلبه فإنه يخاف, ويرهب, ويهرب من الله إليه عز وجل, ولا يقول قولاً يغضب الله, ولا يفعل فعلاً يغضب الله, ولا يضمر عقيدة تغضب الله؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك ولا يخفى عليه. وأما الحكيم, فهو ذو الحكمة البالغة, والحكمة هي: أن جميع ما يحكم به جل وعلا موافق ومطابق للمصالح, ما من شيء يحكم الله به إلا وهو حكمة عظيمة, قال الله تبارك وتعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5] ، وقال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] ، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] هذا معنى الحكيم, أي: ذو الحكمة البالغة. وله معنى آخر وهو: ذو الحكم التام, فإن الله له الحكم, كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] ، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء:59] ولا أحد يحكم بهواه: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:71] . نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم برحمته وعفوه، وأن يجعلنا ممن علم وانتفع بعلمه إنه على كل شيء قدير. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 114 ¦ الصفحة: 7 حكم زيارة القبور وشد الرحل إليها السؤال هناك رجل يستدل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) على جواز شد الرحال إلى القبور، وأنه من باب أولى شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم لعموم قوله: (ألا فزوروها) وأنه ليس هناك وجه للاستدلال بحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) على منع شد الرحال إلى القبور, فما قولكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب قولنا في هذا: أن الواجب على المؤمن ألا يستدل ببعض النصوص ويهمل الأخرى, فالشريعة الإسلامية صدرت من واحد إلى واحد مبلغ، صدرت من الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم, فيجب علينا أن نجمع النصوص بعضها إلى بعض, فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الموت -وفي لفظ: تذكر الآخرة-) هذا ثبت، وهو عام (فزوروها) لم يخص النبي صلى الله عليه وسلم مكان دون مكان, ولا ذكراً دون أنثى. ولكن من المعلوم أن النصوص العامة أو المطلقة تحمل على الخاص أو المقيد, فمثلاً: المرأة لا تزور القبور وإن كان ظاهر هذا النص دخول المرأة في ذلك, لكنها لا تزور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن زائرات القبور) فيستثنى من ذلك أن المرأة لا يحل لها أن تزور القبر أياً كان حتى لو كان قبر أبيها أو أمها أو أختها فإن ذلك حرام عليها, بل قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور, وعلى هذا فتكون زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب, يستثنى من ذلك أيضاً ما يحتاجه من شد الرحل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خاطب أهل المدينة الذين يمكنهم أن يزوروا البقيع بدون شد الرحل, ويلحق بهم من ماثلهم, ممن تكون زيارته لا تحتاج إلى شد رحل, ولم يرد عن الصحابة أو التابعين أو الأئمة أنهم قاموا بشد الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, مع شدة محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام, وشدة محبتهم للخير والرغبة فيه, وتيسر لهم الأمور في بعض الأحوال, وحيث لم يكن ذلك من دأب السلف؛ فإننا لا نحيد عن طريقهم. وأما قوله: إن هذا الحديث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فهو محل خلاف بين العلماء, هل يدل على منع شد الرحل لأي مكان كان إلا للمساجد الثلاثة كما اختاره بعض العلماء, وقالوا: إن المراد النهي عن شد الرحل لأي مكان كان, ومعلوم أن الذي يشد الرحل للمقبرة ليس يتصل بالمقبور ويتحدث إليه ويؤنسه, وإنما يزور المكان في أي مكان كان هذا المقبور، فهو يريد مكان القبر لا يريد أن يدخل القبر أو أن يخرج الميت إليه, ومن العلماء من قال: إن هذا نهي عن شد الرحل إلى المساجد سوى المساجد الثلاثة, وأنه لا علاقة له في شد الرحل لزيارة القبور. ونحن نقول: هب أن مراد عليه الصلاة والسلام هو هذا, لكن هل أحد من أصحابه أو من أئمة الأمة شد الرحل إلى زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا يوجد هذا إطلاقاً, وإذا لم يوجد فلنا فيهم أسوة, فنقول: لا تشدوا الرحل إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن شد الرحل إلى المدينة للصلاة في المسجد النبوي؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة مما سواه إلا المسجد الحرام. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 8 منهج جماعة التبليغ السؤال كثير من الناس يكون مع جماعة الدعوة والتبليغ , هل تنصح عامة الناس أن يذهبوا معهم, وإذا كان هناك خطأ نرجو توضيحه للناس؟ الجواب جماعة الدعوة والتبليغ لا شك أن الناس اختلفوا فيهم, وكثر الكلام فيهم, وأنا ما رأيت من أحدهم شيئاً أستطيع أن أحذر منهم, ولكن من قدر على أن يبقى في بلده لطلب العلم فهو لا شك أفضل من الذهاب معهم؛ لأن طلب العلم أفضل من العبادات. والذي أنتقد عليهم فيه هو أنهم قليلو العلم, بمعنى: أنهم لا يحرصون كثيراً على طلب العلم, ولكنهم عندهم عاطفة دينية جياشة، وعندهم محبة للخير والإيثار وغير ذلك, وكم من أناس اهتدوا على أيديهم, ففي سعيهم بركة, ولكن الإنسان المؤمن إذا رأى منهم شيئاً محذوراً نصحهم فإن امتثلوا فهذا المطلوب, وإن لم يمتثلوا تركهم. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 9 بمن يبدأ في توزيع الزكاة السؤال عند توزيع الزكاة يكون مع الرجل مثلاً مائة ألف يريد أن يوزعها, ويكون أمامه محتاجون, منهم من يكون عليه دين نصف مليون أو مائة ألف أو مائتين, ومنهم من يكون دخله بسيطاً وعوائق كثيرة, فبماذا يبدأ؟ الجواب البداءة لمن احتاج, من يحتاج لأكله وشربه وكسائه وفراشه أشد إلحاحاً ممن يقضي دينه؛ لأن الذي يقضي الدين ربما يتيسر له في المستقبل, لكن الإنسان المحتاج إلى الطعام والشراب والكسوة والفراش أهم وأحوج, فيقدم هذا, ولذلك تجد الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] ويبدأ بالأهم فالأهم. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 10 حكم قول القائل: ذهبت سنين الجدب وأقبلت سنين الخصب السؤال سمعنا من يقول: إن الفلك استدار فذهبت سنين الجدب, وأقبلت سنين الخصب, فما حكم مثل هذا الكلام؟ وما صفة سب الدهر؟ الجواب هذا الكلام ليس بصحيح: أولاً: هل عنده علم أن الدهر أول ما كان, كان دهر خصب ورخاء؟ فهو قول بلا علم. ثانياً: أنه لم يحدث مثل هذا الكلام, يعني: السنة هذه مثل التي قبلها, وقد أتى على الناس زمان أدركناه أكثر من هذا أمطاراً وأكثر نباتاً, ولا داعي لهذا. أما سب الدهر: فهو أن يسب الوقت والزمن, بأن يقول -والعياذ بالله-: لعن الله الوقت أو لعن الله هذا اليوم أو لعن الله هذه السنة أو ما أشبهها. وهل يكون مؤمناً بالكوكب وكافراً بالله؟ الجواب: لا, لأنه ما زعم أنه مطر بسبب الكوكب, لكن قال: إن الله أعاد على الناس ما زعم أنه كان في أول الأمر. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 11 حكم تقديم العشاء على المغرب جهلا ً السؤال رجل صلّى المغرب, ثم تذكر وقت إقامة صلاة العشاء أن المسح انتهى في صلاة المغرب, وأنه صلى المغرب على غير طهارة, فتوضأ وصلّى العشاء, وبعد صلاة العشاء صلّى المغرب, هل عمله صحيح؟ الشيخ: أما ما مضى فلا بأس, وليس عليه إعادة؛ لأن غاية ما فيه أنه بدأ بالعشاء قبل المغرب ظناً منه أن ذلك جائز وهذا لا بأس به, لكن في المستقبل إذا دخلت وأنت لم تصلِ المغرب والناس يصلون العشاء فانو المغرب, ثم إن كنت دخلت في أول ركعة, فإذا قام إلى الرابعة اجلس وتشهد وسلّم ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء, وأما إذا كان دخلت معه في الثانية فسلم معه؛ لأنك صليت ثلاثاً, وإن دخلت معه في الثالثة فاقض ركعة. إذاً: صلاته صحيحة، لأن غاية ما فيه أنه قدم العشاء على المغرب جهلاً منه وهذا لا يضر، لكن كلامنا في المستقبل: هل إذا أتيت والناس يصلون العشاء: هل أدخل بنية العشاء أو أصلي المغرب وحدي ثم أدخل معهم بنية العشاء، أو أدخل معهم بنية المغرب؟ نقول: أدخل معهم بنية المغرب، إن دخل في الركعة الأولى إذا قام الإمام للرابعة يجلس هو ويقرأ التحيات ويسلم ثم يقوم ويصلي مع الإمام ما بقي من صلاة العشاء، وإن دخل في الثانية يسلم مع الإمام؛ لأنه أتم ثلاثاً، وإن دخل في الثالثة قضى ركعة، وإن دخل في الرابعة قضى ركعتين. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 12 حكم من تجاوز الميقات وأحرم من بعده السؤال انطلق أناس من الرياض إلى جدة وجلسوا فيها ثلاثة أيام, وكانت نيتهم الذهاب إلى جدة والمكوث فيها ثلاثة أيام ثم يتجهون إلى مكة , فلما انقضت الثلاثة أيام وهم في جدة أحرموا من البيت, ثم ذهبوا إلى مكة واعتمروا, فما الحكم؟ الجواب هؤلاء أخطئوا، والواجب عليهم أن يحرموا من الميقات, ويؤدون العمرة ثم يذهبون إلى جدة , أو إذا انتهوا من جدة رجعوا إلى أول ميقات مروا من عنده وأحرموا منه, فإذا كانوا أتوا من الرياض فالواجب عليهم أنهم لما أرادوا الدخول في النسك أنهم ذهبوا إلى السيل وهو قرن المنازل وأحرموا من هناك، أما والأمر كما قلت: أحرموا من جدة فإن العلماء يقولون: إن من أحرم من غير الميقات يلزمه دم أي: أنه يذبح فدية في مكة يوزعها على الفقراء, هذا إن كان غنياً, وإن كان فقيراً فعليه أن يتوب إلى الله ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وأما الصغير الذي لم يبلغ فليس عليه شيء. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 13 حكم اختلاف المأموم مع نية الإمام السؤال إذا دخل المؤتم مع الإمام بنية المغرب وهو يصلي العشاء, أو دخل العصر بنية الظهر, هل يكون في ذلك شيء؟ الجواب اختلاف نية الإمام والمأموم لا تضر؛ لأن معاذ بن جبل كان يصلي بقومه صلاة نافلة وهم فريضة, وهذا من أعظم ما يكون من اختلاف, ومع هذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 14 حكم بيع الشهادة الزراعية السؤال كان عندي شهادة زراعية فيها استيراد نحو خمسين طناً، فأتاني واحد وقال: أعطيك على الكيلو ريالاً, أي: سوف يشتري الشهادة بخمسين ألف ريال, وكان تسعيرة القمح آنذاك ريالين ونصف, فأعطاني المبلغ خمسين ألف ريال مقدماً, فبعد مدة اكتشفت أنه حرام, علماً أني تزوجت بهذا المبلغ فماذا يجب عليّ؟ الشيخ: أرى أن الواجب عليك أن تتصدق بهذا المبلغ, وأما الزواج فالزواج صحيح وليس فيه إشكال. وليس عليك إثم إن شاء الله فيما سبق؛ لأنك جاهل، لكن هذه الدراهم التي دخلت عليك دخلت عليك حراماً: بالكذب، وخيانة الدولة، وأظن صاحبك هذا أنت ظلمته الآن وأدخلت عليه ما هو حرام عليه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) وذكر أن نصر المظلوم أن يمنع من الظلم، فإن تيسر لك فتصدق، وإن كنت فقيراً وبقيت حتى أراد الله أن تنتقل من الدنيا فإن شاء الله ما عليك شيء؛ لأن هذا حق لله، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها. ولو كان موافقاً، وهو الذي عرض عليك أليس المترابيون يوافقون؟ والذين يتعاملون بالربا الآن هل هم مجبورون أم مختارونهم مختارون, ولهذا لا تردها عليه هو, تصدق بها. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 15 المسح على الكندرة السؤال إذا لبست الشراب على طهارة, ثم لبست الكنادر القصيرة التي نستعملها الآن, هل أمسح عليهما جميعاً؟ الجواب إذا لبس الإنسان الشراب ولبس عليها الكندرة التي لا تستر إلى الكعب فيمسح عليهما جميعاً, لكن في هذه الحال لا يخلع الكندرة, إن خلعها بعد مسحها لزم أن يخلع الجورب. وإن اقتصر على الشراب لابد أن يخلعها عند الوضوء فهو يخلعه عند الوضوء ويمسح الشراب لكن يستريح, يبقى حراً بالنسبة لخلع الكنادر أو عدمه. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 16 دعاء حفظ القرآن السؤال فضيلة الشيخ: ما صحة حديث دعاء حفظ القرآن؟ الجواب حديث علي بن أبي طالب هذا ضعيف, وحفظ القرآن كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عُقلها) . الجزء: 114 ¦ الصفحة: 17 حكم الاعتكاف في مكتبة المسجد السؤال فضيلة الشيخ: عند عرف الناس أن مكتبة المسجد من المسجد -الملاصقة للمسجد- فهل هذا يجوز الاعتكاف فيها؟ الجواب إذا كان سور المسجد قد أحاط بها, وهي مقتطعة منه فهي منه, أما إذا كان لم يحط بها السور فليست من المسجد, وينبني على ذلك إذا قلنا: إنه من المسجد أنه يجوز الاعتكاف فيها, وأنه إذا دخلها فلا يجلس حتى يصلي ركعتين, وأنه لا يجلس فيها وهو جنب إلا بوضوء, وإن الحائض لا تمكث فيها. ويمكنك أن تدخل إليها لأخذ كتاب للاستفادة منه في طلب العلم ولو كنت جنباً؛ لأنك مار والله يقول: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43] . الجزء: 114 ¦ الصفحة: 18 حكم تبادل السلع غير الربوية السؤال إذا أراد الإنسان أن يشتري له سيارة جديدة فإنه يثمن سيارته القديمة بسعر معين ثم يزيدها بسعر الآخر حتى يكمل قيمة السيارة الجديدة, علماً أن السيارة القديمة ترتفع سعرها باختلاف سعر السيارة الجديدة, كلما كانت السيارة الجديدة قيمتها عالية كلما ارتفعت قيمة السيارة القديمة, فهل هذا يوقع في بيعتين في بيعة وما حكمها؟ الجواب يعني: تبادل السيارات قديمة وجديدة مع دفع الفرق, هذا لا بأس به, يعني: يجوز للإنسان أن يبدل سيارة قديمة بسيارة جديدة ويدفع الفرق؛ لأن السيارات فيما بينها ليست ربا, والذي يمنع فيه الزيادة هو الأموال الربوية, يجوز أيضاً أن تشتري ثوباً يعطيك إياه الآن بثوبين إلى أجل, ويجوز أيضاً أن تشتري ساعة أو قلماً بقلم آخر ولو بعد مضي مدة, الأموال التي ليست ربوية لا بأس أن يتفرد بها ولا بأس ما دام أنه يعين الثمن. وبعضهم يقول: لعلة جهالة الثمن السيارة القديمة يمنع هذا البيع. والصحيح أنه لا جهل؛ لأنه لا يتم البيع إلا بعد معرفة الثمن، فإذا علم مثلاً أن قيمة الجديدة خمسون ألفاً وقال: أعطني عشرين ألفاً عرف أن سيارته كم قومت؟ بثلاثين، ليس هناك جهالة. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 19 صلاة المسافر السؤال إذا كنت في سفر ومررت بقرية أو بلدة صغيرة ورأيت جماعة يصلون وأنا لا أدري هل هم من المقيمين أو من المسافرين, وقد فاتتني ركعتين, فأدركت معهم التشهد مثلاً, فهل أتم أم أقصر؟ الجواب إذا كان المسجد الذي دخلته وأنت مسافر مسجد طريق كالذي في المحطات مثلاً فالأصل أنهم مسافرون, أو مثلاً في المطار أحياناً يكون الإنسان في المطار في انتظار ويأتي الوقت, ويدخل ويجد الناس يصلون فالقرينة تدل على أن هذه صلاة سفر, أما إذا كان المسجد مسجد بلد فالأصل أنهم مقيمون, فتقضي على أن الإمام مقيم وتكمل أربعاً. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 20 حكم حجز الأماكن في المساجد وحلق العلم السؤال ماذا تقولون حول الذين يحجزون الأماكن في الدروس أو في الصلاة, علماً بأن أحد طلاب العلم وهو معروف كان يحجز للمكان طول الوقت؟ الشيخ: أما الحجر في المسجد للصلاة فهذا اختلف فيه العلماء على قولين: منهم من أجازه, ومنهم من منع. فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنه حرام, وأن السبق لا يكون فيما يوضع في الصف, السبق يكون في بدن الإنسان. ومن العلماء من يقول: إنه جائز، ولكن إذا أقيمت الصلاة بطل حقك, والذي يظهر: أنه لا يجوز في الصلاة. أما في حلقات العلم فهو أهون, ولئلا يفضي إلى أن يتقدم الصغار الذين لا يفقهون من المدرس شيئاً على الكبار الذين يفهمون ويعلمون, على كل حال فهو أهون من الحجز في الصلاة. ولا أظن أن الحجر يكون كل المسجد للطلبة, يمكن يحجز صف أو صفين. وبالنسبة للصلاة هل ينكر عليهم، أو يرفع ما يحجز به؟ لا يرفع؛ لأن المسألة فيها خلاف, وإذا كان فيها خلاف ورفعت وصار فيها نزاعاً مفسدته أكبر من كونه يحجز, وكل شيء يؤدي إلى الخلاف والنزاع فتجنبه, الخلاف شر لا خير فيه. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 21 حكم أخذ الفرد الأموال على عمل لم يقم به السؤال أنا موظف حكومي ويتطلب العمل مني أحياناً عمل إضافي, وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة (45) يوماً, وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل, ولكنهم لم يعلموني بذلك, ولما سألت أحدهم قال لي: لم يأت دورك بعد, حتى انتهت المدة المحددة, وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي, وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام, علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل, حيث إنني في نظرهم موظف نشيط وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي وعلى حسن عملي, حيث إن راتبي قليل, وإذا لم يكن هذا المبلغ حلال فماذا أعمل به؟ الجواب هذا السؤال يقع كثيراً, وأنا أسألكم الآن: هل هذا حق أو باطل؟ بمعنى: هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا؟ لم يقم بالعمل, إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق, وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً, مع ما في ذلك من خيانة للأمانة, حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن, والمال ليس ماله -أعني الرئيس المباشر- حتى يتصرف به كيف يشاء, المال مال الدولة. وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع, وأنه يريد الخلاص, والخلاص لا أقول يرده إلى الدائرة؛ لأنه ستكون هناك مشاكل, إلا إذا علم أنه إذا رده إلى الدائرة صارت المحاكمة على رئيسه, فهذا لا بأس, أنا أحب أن مثل هؤلاء الرؤساء الذين يعملون مثل هذه الأعمال أنه يبين أمرهم حتى يتخذ أمامهم الإجراءات اللازمة, أما التلاعب فلا يجوز فهذه أمانة. فأقول لهذا الأخ: اجعل الدراهم هذه في مسجد؛ لأن المسجد مما يلزم الدولة بناؤه, أو ما أشبه ذلك من مصالح المسلمين, وتبرأ بذلك ذمته, وإنني بهذه المناسبة: أحذر الرؤساء والمدراء الذين يعملون مثل هذا العمل, وأقول: اتقوا الله فيما وليتم عليه, واتقوا الله أيضاً فيمن تحت أيديكم من الموظفين, لا تطعموهم ما لا يحل لهم, ولا تخونوا الدولة بأن تعطوا من لا يستحق. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 22 بداية مدة المسح على الشرّاب السؤال المسح على الشراب هل يبدأ من أول ما يلبس أم من بعد الوضوء؟ الجواب المسح على الشراب من أول مرة مسح بعد الحدث, ليس هو من اللبس ولا من الحدث, مثلاً: لو فرضنا أن إنساناً لبس لصلاة الفجر ولم يمسح إلا لصلاة الفجر من الغد, أي: أنه بقي على طهارته كل اليوم, ثم مسح أول مرة لصلاة الفجر من اليوم الثاني فإنه يمسح يوم وليلة من مسحه؛ لأن ما قبل المسح لا يعد من المدة. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 23 جواز دعاء الله والصلاة على النبي في النافلة والفريضة السؤال إذا ورد شيء من صفات الله عز وجل أو أسمائه في القرآن أثناء الصلاة, أو ورد بعض أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الأنبياء في الصلاة, فهل يصلى عليهم ويقال: سبحان الله! وهل هناك فرق بين الفريضة والنافلة في ذلك؟ الجواب أما النافلة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قام معه ذات ليلة, فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمر بآية رحمة إلا سأل, ولا بآية وعيد إلا تعوذ, ولا بآية تسبيح إلا سبح. هذا ثابت. أما في الفريضة فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء, لكن إذا قاله الإنسان فلا بأس, إذا سبح عند آية تسبيح أو سأل عند آية رحمة, أو تعوذ عند آية وعيد, أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر اسمه فلا بأس, إلا أنه إن كان مأموماً وكان هذا يشغله عن استماع قراءة الإمام فلا يفعل؛ لأن استماع قراءة الإمام أهم. وإذا ورد اسم نبي غير محمد صلى الله عليه وسلم فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه يصلى عليه، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه يصلى عليه, حتى إن بعض العلماء قال: إذا ذكر اسمه وجب على السامع أن يصلي عليه لحديث أبي هريرة: (رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلِ عليَّ) صلى الله عليه وسلم. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 24 معنى قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون) السؤال قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:57] ما تفسير الآية؟ الجواب يقول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} هؤلاء هم بأنفسهم يطلبون إلى الله الوسيلة {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أي: يفعلون ما يقربهم إلى الله, فمثلاً: الأنبياء من الناس من أشرك بهم, فمثلاً عيسى عليه الصلاة والسلام اتُخِذ إلهاً نقول هذا الذي اتخذتموه إلهاً وهو عيسى هو يبتغي إلى الله الوسيلة والقرب إلى الله, فهو محتاج إلى الله، فكيف تدعونه وهو نفسه محتاج إلى الله؟!! هذا معنى الآية. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 25 صلاة المسافر إذا أدرك التشهد الأخير خلف المقيم السؤال إذا كان رجل مسافراً ودخل في الصلاة الرباعية والإمام مقيم, فكان في التشهد الأخير, فهل يكمل الصلاة الرباعية، أم يصلي ركعتين لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ؟ الجواب أولاً: أنت والأخ سلَّمتما قبل السؤال وهذا ليس من السنة؛ لأن الصحابة إذا جلسوا مع الرسول في المجلس لا يسلمون عند السؤال, لكن من قدم سلّم, أكثر الناس الآن -كما تفضلتم- إذا أراد أن يسأل يسلم وهذا غير مشروع. أما بالنسبة لمسافر أدرك إماماً مقيماً في التشهد الأخير فإننا نقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهنا أدرك التشهد الأخير, نقول: صلى مع الإمام التشهد الأخير وفاته أربع ركعات, فأتم أربع ركعات, وأما الحديث الذي أشرت إليه: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا في إدراك الجماعة, ليس في كون الإنسان يقضي ما فاته, وبينهما فرق, فعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) يشمل هذه الصورة وهو ما إذا أدرك المسافر الإمام المقيم في التشهد الأخير, فنقول: صلِ التشهد الأخير وأتم ما فاتك. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 26 حكم الجمع بين الجمعة والعصر حال المطر السؤال ما صحت صلاة من جمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة في مطر؟ الجواب أنت الآن حكمت على نفسك, تقول: جمع الظهر والعصر، هل الجمعة تسمى ظهراً؟! لا. انتهى الموضوع، لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جمع إلا بين الظهر والعصر؛ لأنهما صلاتان متشابهتان نهاريتان فجمع بينهما, أما الجمعة فلا تجمع مع شيء بعدها أبداً ولا قبلها, الفجر لا تجمع مع الجمعة, والعصر لا تجمع مع الجمعة. السائل: وما حكم صلاته؟ الجواب: أنا أرى أنه يجب عليه الإعادة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) والأصل أن الصلاة تفعل في وقتها, ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قدم العصر جمعاً إلا مع الظهر, فتبقى صلاة الجمعة مستقلة, ولهذا الجمعة بينها وبين الظهر فروق كثيرة تزيد على عشرين فرقاً, لكن مع الأسف الناس صاروا يفعلون ما يريدون, حتى في الجمع الآن يجمعون بأدنى شيء, لو جاءت قطرات يسيرة من السماء قالوا: اجمع, مع أنه لا توجد مشقة. وأما القدر الذي يجمع به في المطر قال العلماء: هو الذي يبل الثياب وتوجد معه مشقة, لا بد من شرطين: يبل الثياب بمعنى: أن الثياب تكون رطبة, والنقط اليسيرة لا تجعل الثياب رطبة, وأيضاً توجد معه مشقة إذا كان في الشتاء, لكن في أيام الصيف إذا كان المطر يبل الثياب تجد فيه مشقة أم راحة؟ تجد فيه راحة, يبردك وينشطك, ولا يجوز أن نتعدى حدود الله, أي إنسان يجمع بلا عذر فهو كبيرة من كبائر الذنوب, ولا تصح الصلاة إذا كان الجمع جمع تقديم, الصلاة الثانية لا تصح؛ لأنها صليت قبل وقتها. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 27 بعض أنواع بيوع الربا السؤال وجدت في بلد ما إعلاناً بخصوص توفير قرض وتسديده بالأقساط وصورته كالتالي: شخص يريد شراء سيارة، فذهب إلى بيت التمويل، فيقوم هذا البيت بشراء السيارة التي يريدها الشخص، ومن ثم تحويلها باسمه، على أن يكون ثمن بيعها له أكثر من ثمن شرائها هو، ويقوم الشخص بدفع الأقساط إلى بيت التمويل. الجواب يعني: مثلاً يذهب إلى بيت التمويل يقول: أنا أريد السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها على هذا الطالب بأكثر من الثمن مقسطاً! هذه حيلة على الربا, يعني: بدل من أن يقول: خذ خمسين ألف ريال قيمة السيارة, وهي عليك بستين ألف إلى أجل, أتى بهذا البيع الصوري, بيت التمويل الآن لولا أن هذا الرجل جاء يطلب السيارة هل يشتري السيارة؟ لا, ولو أن طالب السيارة قال: اشتريها بقيمتها, بمعنى: تشتريها بخمسين ألف وآخذها منك بالتقسيط بخمسين ألف هل يقبل بيت التمويل؟ أقطع أنه لا يقبل, إذاً: ما الذي قصد بيت التمويل من هذه المعاملة؟ قصد الزيادة, فهذا -في الحقيقة- قرض بزيادة لكنه بحيلة (لفة) ومعلوم أن الله عز وجل لا تنفع عنده الحيل, فهو {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} [غافر:19] فلو قيل لبيت التمويل: ما قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقال بكل تأكيد: إن قصده الزيادة, ولا يمكن أن يدعي أن قصده الإحسان إلى هذا الرجل أبداً, يقول بعض الناس: -مثلاً- لو أن الرجل المشتري قال: لا أريد السيارة، قبلها بيت التمويل, فنقول: أولاً هذه حجة لا تنفع عند الله؛ لأن هذا الذي طلب السيارة هل سيتركها؟ لا يتركها وهو يريدها, ولهذا لو أحصيت ألف معاملة من هذا النوع ما وجدت واحداً منهم هَوَّن, فلا تغتر بعمل الناس. والفائدة التي يأخذها هذا الرجل تعتبر ربا, والربا الصريح الذي تفعله البنوك أهون من هذا؛ لأن الربا الصريح ربا يدخل الإنسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب, أما هذا فيدخل فيه على أنه مباح, وهذا لا يجوز, اليهود تحيلوا على محارم الله بأدنى من هذا, حرم الله عليهم الشحوم قال: لا تأكلوا الشحوم, فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا: نذوب الشحم ثم نبيع الشحم ونأخذ الثمن, الصورة الآن هل أكلوا الشحم؟ ما أكلوه ولا باعوا الشحم على طبيعته وأيضاً ذوبوه, حتى لا يقال: إنكم بعتم ما حرم عليكم وأكلتم ثمنه, فذوّبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه, والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها) . وكذلك أصحاب السبت حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فابتلاهم الله وجعل الحيتان تأتي يوم السبت شُرّعاً على وجه الماء من كثرتها, وغير يوم السبت لا يرونها, فقالوا: ماذا نعمل؟ لا يمكن أن تذهب هذه الحيتان بدون أكل, عملوا شبكة يضعونها يوم الجمعة, فتأتي الحيتان تدخل في الشبكة يوم السبت فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها, وقالوا: نحن ما صدناها يوم السبت، صدنا يوم الأحد, فماذا عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يداً بيد, قال الله تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] فكانوا قردة تتعاوى والعياذ بالله. لا يجوز -أبداً- أن نستحل محارم الله بالحيل إطلاقاً, وإن أفتاك الناس وأفتوك, فكر أنت بنفسك, هل هذا إلا حيلة؟ أما لو كان هذا بيت التمويل عنده سيارات يأتي زيد ويبيع عليه نقداً بخمسين, ويأتي عمرو ويقول: أنا أريدها مقسطة فيقول: بستين فهذه لا بأس, لكن كونه لا يشتري إلا لأجل يأخذ الربا هذا لا يشك الإنسان أن هذا حيلة. إذا كان يجب عليه الإنسان أن يتوب ولا يتعامل بهذا, فإن كان لم يعلم بأنه حرام فما أخذه فهو حلال, وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر, قد نقول: إذا تاب فله ما سلف كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] وقد يقال: لا هذا الرجل معاند فيجب عليه أن يتصدق بكل ما أخذ من هذا. بارك الله فيكم وزادنا وإياكم علماً نافعاً وإلى اللقاء إن شاء الله في الخميس القادم, نسأل الله لنا ولكم التوفيق. الجزء: 114 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [115] كان حديث الشيخ رحمه الله في هذا اللقاء عن الإصلاح بين المسلمين، وفسر فيه قول الله تعالى: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا … )) من سورة الحجرات. وأجاب بعد ذلك عن أسئلة في أبواب متفرقة من الشريعة، كالزكاة والصيام والإيمان. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان عام (1416هـ) وفيه اللقاء الذي يتم كل خميس. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) في هذا اللقاء سوف نتكلم على قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] . (طَائِفَتَانِ) مفردها طائفة: وهي جماعة من الناس. وقوله: (اقْتَتَلُوا) جمع؛ وإنما جمع لأن الطائفة تشتمل على أفراد كثيرين؛ فلذلك صح أن يعود الضمير على المثنى بصيغة الجمع مراعاة للمعنى, وإلا لكان مقتضى التثنية أن يقول: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلنا, ليطابق الضمير مرجعه, لكنه عاد إليه المعنى. والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة: إما دماء تقع بينهم، وإما نعرة قبلية ودعوة جاهلية، وإما خلاف بينهم في حدود، أو غير ذلك, المهم أن أسبابه متعددة, (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب , ولكنه رضي بالتحريش بينكم) يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً, فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: اسعوا للصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال, والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر, لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه, وإلا لما تم الصلح, ولهذا لما قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128] كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل. فإذا أصلحنا بينهما قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) يعني: لو فرض أن بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى, فهنا لا صلح, ماذا نصنع معهما؟ نقاتل التي تبغي (حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: ترجع إليه, وأمر الله أي: دينه وشرعه. فانظر في أول الأمر الإصلاح, فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى وجب أن نساعد المبغي عليها فنقاتل معها من بغت (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) فإذا فاءت فإنه يجب الكف عن قتالها, ولا يجوز أن نجهز على جريح ولا أن نتبع مدبراً, ولا أن نسبي ذرية, ولا أن نغنم مالاً؛ لأن هؤلاء مؤمنون. (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إن فاءت إلى أمر الله بعد أن قاتلناها ورجعت ووضعت الحرب أوزارها وجب أن نصلح بينهما بالعدل. وهذا غير الإصلاح الأول, الإصلاح الأول بوقف القتال, وهذا الإصلاح بالتضمين, أي: أن ننظر ماذا تلف على كل طائفة ثم نسوي بينهما بالعدل, فمثلاً: إذا كانت إحدى الطائفتين أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, والثانية أتلفت على الأخرى ما قيمته مليون ريال, فحينئذٍ تتعادل الطائفتان وتتساقطا, فإن كانت إحداهما أتلفت على الأخرى ما قيمته ثمانمائة ألف ريال, والأخرى أتلفت ما قيمته مليون, فالفرق إذاً مائتا ألف ريال، فمائة ألف ريال نحملها على الأخرى التي أتلفت ما قيمته مليون, ولهذا قال: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) . (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (أقسطوا) هذا أمر بالقسط وهو العدل, وهذا تأكيد لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) . (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: يحب العادلين, وقد ثبت عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم: (أن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا من أمور المسلمين) . الجزء: 115 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) ثم قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] هذا كالتعليل لقوله: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) أي: إنما أوجب الله علينا الإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين؛ لأن المؤمنين إخوة, الطائفتان المقتتلتان كلهم إخوة, ونحن أيضاً إخوة لهم, حتى مع الاقتتال, فإذا قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والكافر ليس أخاً للمؤمن؟ فالجواب أن يقال: إن الكفر الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو كفر دون كفر, فليس كل ما أطلق الشرع عليه أنه كفر يكون كفراً, فهنا صرح الله عز وجل بأن هاتين الطائفتين المقتتلتين إخوة لنا, مع أن قتال المؤمن كفر, فيقال: هذا كفر دون كفر, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب, والنياحة على الميت) ومعلوم أن الطاعن في النسب والنائحة على الميت لا يُكفران كفراً أكبر, فدل ذلك على أن الكفر في شريعة الله في الكتاب وفي السنة كفران: كفر مخرج عن الملة, وكفر لا يخرج عن الملة. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] وفي هذا من الحمل على العطف على هاتين الطائفتين المقتتلتين ما هو ظاهر لقوله: (إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) كما أنك تصلح بين أخويك الأشقاء من النسب فأصلح بين أخويك في الإيمان. {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10] أي: اتقوا الله تعالى بأن تفعلوا ما أمركم به, وتتركوا ما نهاكم عنه, لأنكم إذا قمتم بهذا فقد اتخذتم وقاية من عذاب الله وهذه هي التقوى, وعلى هذا فكلما سمعت كلمة تقوى في القرآن فالمعنى: أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه, (لعلكم ترحمون) أي: ليرحمكم الله عز وجل إذا اتقيتموه. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 115 ¦ الصفحة: 5 معنى قوله: دعوا الثلث لخراص الزكاة السؤال قول الرسول صلى الله عليه وسلم للخارص: (دع لهم الثلث) هل معنى هذا: أن هذا الجزء معفي من الزكاة, إذا لم يكن كذلك فما فائدة أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب يسأل عن زكاة الثمار والزهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يخرص الثمار على أهلها, ويقول: (إذا خرصتم فخذوا, ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) فهل المعنى: أن ثلث هذه الثمار ليس فيه زكاة؟ أو أن المعنى: فيه زكاة لكن اتركوا ثلث الزكاة لهم يتصرفون فيها؟ في هذا قولان للعلماء: القول الأول: أن المعنى: أنه تسقط عنهم زكاة ثلث الثمار أو الربع, فإذا قدرنا أن زكاته تبلغ تسعين صاعاً, فنحن نسقط عنه ثلاثين صاعاً, وإن لم نسقط الثلاثين أسقطنا الربع. القول الثاني: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) أننا نترك ثلث الزكاة لهم, وأن الزكاة تجب في المال كاملة, لكن نترك لهم الثلث أو الربع ليتصرفوا فيها فيعطوها من شاءوا من أقارب أو أناس يعرفونهم أو ما أشبه ذلك, ليكون حراً في توزيعها, وهذا القول هو الصحيح؛ لأن عموم الأدلة الأخرى التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (فيما سقت السماء العشر, وفيما سقي بالنضح نصف العشر) عام شامل, فتكون هذه الثمار يجب فيها الزكاة كاملة, لكن نترك ثلث الزكاة أو ربع الزكاة لصاحب الثمار من أجل أن يعطيه من أحب. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 6 حكم السائل الخارج بعد البول السؤال إذا خرج بعد البول سائل أبيض سواء بعده بساعة أو بدقائق, فما الحكم أرجو التفصيل؟ الجواب هذا السائل الذي يخرج من الذكر بعد البول بدون شهوة حكمه حكم البول, يعني: أنه يجب غسله، وغسل ما أصاب من البدن أو الثياب, ويجب الوضوء بعده. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 7 جواز حمد الله في الصلاة لمن عطس السؤال إذا عطس شخص في الصلاة هل يحمد الله؟ الجواب إذا عطس إنسان في أثناء الصلاة فليحمد الله؛ لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم: (أنه دخل يصلي فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله, فقال له معاوية: يرحمك الله, فرماه الناس بأبصارهم -أي: جعلوا ينظرون إليه نظرة إنكار- فقال: واثكل أمياه! فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت, فلما انتهى من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس, إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) أو كما قال. وهذا يدل على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة يحمد الله, كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان إذا فتح عليه الشيطان باب الوساوس والهواجيس في الصلاة أمره أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, وعلى هذا فإذا وجد سبب الذكر والإنسان يصلي فإنه يذكر الله عز وجل ولا حرج عليه. لكن لو سمعت الأذان وأنت تصلي هل تجيب المؤذن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجيب المؤذن, كما أنه يحمد الله إذا عطس ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إذا استولى عليه الشيطان بالهواجس, فيجيب المؤذن, لكن في النفس من هذا شيء, يعني: إجابة المؤذن؛ لأن إجابة المؤذن طويلة تشغل المصلي, أما ما لا يحتاج إلا لكلمة واحدة أو نحوها فإنه لا بأس أن يأتي به. لكن لو رأى إنساناً يعمل منكراً هل يقول: يا فلان لا تفعل. ؟ لا؛ لأن هذا من كلام الناس. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 8 حكم الأكل من الذبيحة المنذور بها السؤال يعتقد بعض الناس أنه إذا نذر أن يذبح شاةً أنه لا يحل له أن يأكل منها, فهل هذا صحيح؟ الجواب هذا على حسب النية, الإنسان ربما يقول: إن قدم فلان الغائب فلله عليّ نذر أن أذبح شاة, نسأله: هل قصدك بهذا أن تشكر الله على نعمته بقدوم الغائب، أو قصدك أن تظهر الفرح والسرور بقدومه؟ إن كان قصده الأول فإنه لا يأكل منها شيئاً؛ لأنه نواها صدقة, وإن كان قصده الثاني فله أن يأكل, دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) لكن في ظني أن غالب الناس يقصدون بذلك شكر الله على هذه النعمة، ولا سيما إذا كان في شفاء مريض من مرضه, كثير من الناس يمرض له مريض فينذر إن شفى الله مريضه أن يذبح شاة, هذا نقول: لا تأكل منها؛ لأن الظاهر أنه أراد بذلك شكر الله, وإذا كان أراد الشكر فهي صدقة. ولكن بالمناسبة أقول: إن النذر مكروه نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام, وقال: (إنه لا يأتي بخير, ولا يرد قضاءً) وكم من إنسان نذر ثم تعب في الوفاء بنذره, والإنسان إذا نذر لله نذراً ثم لم يفِ به فإنه على خطر عظيم, لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:75-77] أعوذ بالله من ذلك، يعني: يُخشى أن الإنسان الذي لا يفِ بنذره أن يعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى الممات, فعلى الإخوان المسلمين أن يتركوا النذر, إن الله أراد الشفاء شفاه بدون نذر, وإن أراد الله قدوم الغائب قدم بدون نذر. السائل: وهل الأكمل -يا شيخ- إذا كان قصد الشكر أن يدعو الفقراء أم لا؟ الشيخ: إما أن يدعو الفقراء، وإما أن يذبحها ويوزعها على الفقراء. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 9 ما يترتب على إفطار المريض بالسُّكَّر السؤال يتعرض مريض السكر في رمضان للانخفاض مما يوجب عليه الإفطار, فأحياناً يستمر معه هذا الانخفاض أسبوعاً أو أكثر, فهل في حقه القضاء، أم الإطعام؟ الجواب مرض السكر كغيره من الأمراض, إذا كان دائماً مستمراً مع الإنسان ولا يستطيع الصوم فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, كالكبير الذي يعجز عن الصوم, وإن كان في فترات فمتى قدر على الصوم صام, ومتى لم يقدر أفطر في رمضان ثم قضاه بعد ذلك. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 10 وجوب الإنصات للخطيب السؤال ما حكم الكلام في أثناء المسير إلى صلاة الجمعة والإمام يخطب؟ الجواب الكلام والإمام يخطب حرام لا يجوز, سواء كنت في المسجد أو مقبلاً إلى المسجد, إلا إذا كنت تريد أن تصلي عند شخص آخر ومررت بمسجد قد شرع خطيبه في الخطبة فلا يلزمك أن تنصت؛ لأنك لا تقصد هذا المسجد. ويلزمك الإنصات للخطيب حتى وإن كان الصوت غير واضح, لكن إذا كان غير واضح لا شك أنه أهون, لأنك لو أنصت لا تستفيد شيئاً. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 11 حكم عدم الاستنزاه من البول السؤال مما عمت به البلوى وفي هذا الزمان هو عدم التنزه عن البول, من الصغير والكبير, ومن الذكر والأنثى, والعالم والجاهل, وخاصة أثناء لبس الشراب في الشتاء, لأن دورة المياه قاسية أرضيتها؛ فلا بد أن يصل شيء من البول إذا لم يتحرز الإنسان, وكثير من الناس يتساهل في هذا الشيء, فما نصيحتكم وفقكم الله؟ الجواب لا شك أن التساهل في التطهر عند البول خطأ عظيم؛ لأنه من أسباب عذاب القبر كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير -أي: في أمر يشق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستتر من البول, -أي: لا يستنزه ولا يستبرئ منه- وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين, فغرز على كل قبر واحدة, قالوا: لم فعلت ذلك؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . وقد أخذ بعض العلماء رحمهم الله من هذا الحديث: أنه ينبغي إذا دفن الميت أن يغرز في قبره جريد من النخل الرطب أو غصن الشجرة أو ما أشبه ذلك, وهذا غلط عظيم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يضع هذا على كل قبر, إنما وضع هذا على قبرين يعذبان, فهل أنت تعلم أن هذا القبر يعذب حين وضعت هذه الجريدة؟ الجواب لا, إذاً: أنت الآن أسأت الظن بصاحب القبر حيث وضعت عليه الجريدة, يعني: كأنك تقول: هذا القبر يعذب وأنت لا تعلم, وإنما نبهت على ذلك لأن بعض العلماء قال: إنه ينبغي أن يوضع جريدة رطبة على القبر بعد الدفن أو غصن شجرة أو ما أشبه ذلك, وهذا لا شك أنه خطأ وليس من السنة. ثم إن ما أشار إليه الأخ السائل من وضع المراحيض الآن وأنها صلبة فيقال: المراحيض صلبة لا شك, لكن المراحيض لها مكان خاص يكون فيها البول, وهو الحوض الذي يبول فيه الإنسان, وما كان خارج هذا الحوض فليس بنجس, والحوض إذا استعمل الإنسان الإبريق أو غيره فإنه في مأمن من أن يرش البول على جواربه أو على خفافه, ولا أرى في هذا بأساً. نعم بعض الناس إذا أراد أن يستنجي يجعل عنده إناء يصب فيه الماء, ثم يغرف بيده من الإناء ويرش على فرجه, هذا هو الذي ربما يترشرش شيء من البول عليه, ولهذا لو استعمل -هذا الذي يضع الإناء- الإبريق لكان أحسن وأقرب إلى النظافة. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 12 التحذير من الأيمان وبيان كفارتها السؤال بالنسبة لكفارة الأيمان, نريد أن تعلمنا ما مقدارها؟ والإنسان أحياناً يحلف بالله ثم لا يبر بأيمانه, فإذا كنت لا أعلم عددها بالضبط فما يجب عليّ؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان, فإن الله ذكر الإكثار من الأيمان بصيغة الذم قال: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] وقال بعض العلماء في قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] أي: لا تكثروا الأيمان. ثانياً: وإذا قدر أنه حلف فليصل يمينه بقوله: إن شاء الله؛ لأنه إذا وصل يمينه بقوله إن شاء الله لم يحنث, حتى لو خالف ما حلف عليه، وهذا أمر سهل, إذا عود الإنسان لسانه قول إن شاء الله عند كل يمين سهل عليه ذلك. ثالثاً: إذا حلف فالحلف نوعان: حلف لا يقصد وهو الذي يجري على الإنسان بلا قصد, مثل أن يقول: أتذهب معي إلى فلان؟ قال: لا، والله! لست بذاهب اجلس؟ قال: لا، والله! لست بجالس هذا ليس بيمين يؤاخذ به لقوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة:89] وأنت لم تعقد في قلبك لكن جرى على لسانك على العادة, هذا لا يضر. رابعاً: الحلف على الماضي ليس فيه كفارة, لكن إن كان الإنسان صادقاً فهو صادق بار, وإن كان كاذباً فهو آثم, فإذا قلت: والله! ما فعلت كذا فهنا لا كفارة عليك حتى وإن كنت فاعلاً له؛ لأنه على شيء ماضي, الماضي ليس عليه كفارة إطلاقاً, لكن إما أن تكون صادقاً فأنت بار, وإما أن تكون كاذباً فأنت آثم. فإذا كانت اليمين على مستقبل وقصدت عقدها بنية جازمة ولم تقل فيها إن شاء الله, ثم خالفت ما حلفت عليه فعليك الكفارة. الكفارة أربعة أصناف: إطعام عشرة مساكين, أو كسوتهم, أو تحرير رقبة, أو صيام ثلاثة أيام, لكن الثلاثة الأولى على التخيير افعل ما تشاء منها, والرابعة وهي الصيام إذا لم تتمكن من الثلاثة الأولى فصم ثلاثة أيام. إطعام العشرة مساكين له صفتان: الصفة الأولى: أن تصنع طعاماً، غداءً أو عشاءً ثم تدعو عشرة يتغدون أو يتعشون. الصفة الثانية: أن تعطي العشرة طعاماً رزاً ومعه اللحم, ويكفي العشرة صاعين ونصف من الرز ومعه اللحم. فإذا كنت حلفت على أيمان متعددة, إن كان المحلوف عليه شيئاً واحداً أجزأتك كفارة واحدة, وإن كان متعدداً فلكل يمين كفارة, مثال ذلك: لو قلت: والله! لا أدخل هذا البيت. هذا يمين, ثم قابلك إنسان آخر وقال: هيا بنا إلى فلان. قلت: والله! لا أدخل بيته. هذا يمين, ثم ثالث وقال لك: هيا بنا إلى فلان. فقلت: والله! لا أدخل بيته. هذا أيضاً يمين ثالث, لكن المحلوف عليه شيء واحد، هذا يكفيك كفارة واحدة؛ لأن المحلوف عليه شيء واحد. أما إذا تعدد المحلوف عليه نظرنا إن كانت اليمين واحدة كفت كفارة واحدة, مثل أن تقول: والله لا أدخل هذا البيت، ولا أكلم فلاناً، ولا أركب هذه السيارة. المحلوف عليه الآن متعدد لكن الحلف واحد, هذا أيضاً يكفيه كفارة واحدة. أما إذا تعددت اليمين والمحلوف عليه فعليك لكل واحد كفارة, وإذا شككت هل عليك عشر كفارات أو خمس فاجعلها خمساً؛ لأنه اليقين وما زاد فمشكوك فيه. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 13 زكاة ما أعد للتجارة السؤال شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة, ولكن بقت على ملكه مدة طويلة هل عليها زكاة؟ الجواب إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام, سواء زادت قيمتها أو نقصت، وسواء نفقت أو كسدت، يقومها كل سنة بما تساوي, ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده, وإن لم يكن لديه مال, قيد الزكاة في كل سنة بسنتها وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 14 كيفية صلاة المسافر لفترة طويلة السؤال أنا أعيش في الكويت عندنا بيت في السعودية , وآتي كل سنة مرة تقريباً وأمكث فيه شهرين, فهل أقصر وأجمع, أو أجمع أو أقصر فقط؟ إذا كنت تعتبر الكويت وطناً لك؛ إذاً: أنت مسافر, في مجيئك إلى السعودية فتترخص برخص السفر, لكن ما دمت تسمع النداء يجب عليك أن تصلي في المسجد, ومعلوم أن من صلّى في المسجد فإنه لن يقصر؛ لأن الإمام يتم, ومن صلّى خلف إمام يتم وجب عليه الإتمام, لكن لو فاتتك الصلاة فلك أن تقصر, وأما الجمع فلا حاجة للجمع؛ لأنك مقيم, وكذلك أيضاً لك أن تمسح على الجوربين ثلاثة أيام؛ لأنك مسافر ولو شهر أو شهرين. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 15 حكم تجويد القرآن السؤال حكم التجويد هل هو واجب؟ الجواب التجويد في القرآن ليس بواجب, وإنما هو من باب تحسين الصوت بالقرآن, فإذا أمكن أن تؤدي القرآن بالتجويد بدون تكلف ولا تنطع فهذا خير, وأما أولئك القوم الذين يتكلفون وتجده يكاد ينجرح حلقه إذا أراد أن ينطق بالحاء أو الهاء أو غيرها من الحروف الحلقية فلا شك أن هذا خلاف السنة, لكن المراد بالتجويد المعتدل. والصواب: أنه ليس بواجب وإنما هو سنة, وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الذين يعتنون بالتجويد ويتكلفونه يكون هذا سبباً لعدم تدبرهم القرآن؛ لأن الإنسان حينئذٍ ليس له هم إلا إصلاح اللفظ فقط, وصدق رحمه الله, ذكر هذا في الفتاوي وقال: إنه لا ينبغي التكلف في التجويد. وبعض الإخوة يقولون: قرأنا للإمام الذهبي رحمه الله يقول: إن التجويد مضيعة للوقت, لا أدري عن هذا والله! لكن إن صح عنه فمراده أن الإنسان لا ينشغل به كثيراً ويدع الاهتمام بالمعاني. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 16 توجيه ما نقل عن الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن السؤال ذكر الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة , قولاً للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهو قوله: لا يجوز أن نقول أن القرآن مخلوق, ولا يجوز أن نقول أن القرآن ليس بمخلوق. فما معنى قول الإمام أحمد؟ الجواب الإمام أحمد رحمه الله ما قال: (القرآن) المشهور أنه قال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع. هذا الذي نقل عنه, وقد نقل عنه بلفظ آخر: من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد القرآن فهو جهمي. ومراده رحمه الله: أنك إذا قرأت القرآن فهنا شيء مقروء وهنا قراءة, القراءة هي لفظك وحركة لسانك وشفتيك، هذا مخلوق لا شك, المسموع الذي هو القرآن أو المنطوق به غير مخلوق, هذا التفصيل هو الحق, أما الإطلاق أن تقول: لفظي مخلوق أو غير مخلوق، فهذا لا ينبغي. والحاصل: أن الإنسان إذا قال: لفظي بالقرآن مخلوق نسأله نقول: هل أنت أردت فعلك الذي هو فعلك من حركة اللسان والشفتين والصوت المسموع فهو مخلوق, أو أردت ما نطقت به وهو القرآن فهذا غير مخلوق. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 17 جواز الإجازة الاضطرارية لرؤية الوالدين السؤال أنا أعمل موظفاً في منطقة القصيم وأنا من أهالي حائل , وقد أضطر إلى أخذ إجازة اضطرارية لكن لرؤية الوالدين والأهل فقط, والعمل لا يشترط أن أذهب إلا أن آتي بمن يقوم مقامي في العمل، فهل يجوز لي أن آخذ هذه الإجازة يومين في السنة؟ الجواب لا بأس؛ لأن هذا عذر شرعي وقصير في السنة مرة. ورؤية الوالدين مع المدة الطويلة شبه ضرورية. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 18 حكم ما يفعل ليلة النصف من شعبان السؤال هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟ الجواب الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح. فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 19 حكم من شك في انتقاض وضوئه السؤال إذا ذهب شخص للصلاة ثم شك في نفسه هل انتقض وضوءه أم لم ينتقض، ماذا يعمل؟ الجواب إذا كان الإنسان متوضأً وشك هل انتقض وضوءه أم لا فإنه يبقى على وضوئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه ذلك فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) وهذه -ولله الحمد- راحة للإنسان, حتى لو قوي ظنك بأنك أحدثت لا تلتفت لهذا إلا إذا تيقنت. لكن لو فرض: إنسان نقض الوضوء, ثم لما أذن وأراد أن يذهب إلى المسجد شك هل هو توضأ بعد نقض الوضوء أم لا؟ يجب عليه أن يتوضأ؛ لأن الأصل بقاء الحدث حتى يتيقن زواله. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 20 حكم الولائم الرمضانية السؤال رجل متوفي وقد خصص في رمضان عمل وليمة كصدقة, فما حكمها؟ الجواب الصواب أن تقول: متوفى؛ لأن الله تعالى قال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:11] ، وقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42] . أما إذا قصد بهذا أن يطعم المساكين فلا بأس, أما إذا قصد أن يقيم فرحاً يدعو إليه الجيران والأغنياء فهذا بدعة, وهناك شيء آخر يفعله بعض الناس: وهو أن يذبح ذبيحة كالأضحية، وهذا أشد بدعة من الأول؛ لأن ذبائح الأضاحي إنما تكون في عيد الأضحى فقط, ثم إنه ينبغي لطلبة العلم أن ينشروا بين العامة أن عشاء الوالدين الذي يكون في رمضان ليس هو كل شيء! دعاءك لوالدك في صلاة التراويح أو صلاة التهجد أفضل بكثير من أن تذبح له عشر نوق. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 21 حكم شراء الكتب المشتملة على صور السؤال في بعض الكتب العلمية بعض الصور, ما حكم بيع هذه الكتب؟ الجواب الكتب التي بها صورة تنقسم إلى قسمين: قسم موضوع للصور, مثل ما يسمى الآن بمجلة البردة هذه، هذا فلا يجوز شراؤها ولا اقتناؤها؛ لأنه المقصود بها أولاً وآخراً الصور, وقسم آخر لا يقصد به الصور إنما يقصد به الفائدة لكن قد يشتمل على صورة الذي كتب المقال, فهذا لا بأس من اقتنائها؛ لأن التحرز منها شاق, وكونه يمشي عليها كلها ويطمس الوجوه أيضاً شاق, وبيعها جائز؛ لأنه متى جاز استعمالها جاز بيعها. أما لو كانت صور نساء فالأمر كما قلت: لك هل تشترى من أجل الصورة؟! حسب القصد. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 22 ما يعطى مجاناً على السلع السؤال بعض الورش تغير الزيت, فإذا غيرت أربع مرات تعطى منهم تغييراً مجاناً مرة؟ الجواب ما فيها بأس, ما دام هذا الذي يقول: (إذا اشتريت مني بنزين) وقدره كذا وكذا أو أخذت مني جوالين زيت قدرها كذا وكذا فأنا أملأ لك مجاناً, هذا لا بأس به, إذا كان هذا الرجل لا يزيد في الثمن, يعني: سعره مثل الناس فلا حرج. وسأعطيك قاعدة: وهو أنه إذا كان الإنسان إما سالم وإما غانم فلا بأس. وهذا الرجل إما سالم أم غانم؟ بل إنه غانم يعرف أنه سيغنم في المرة الخامسة: فالزائد يكون مجاناً. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 23 حكم حج من عليه دين السؤال إنسان عليه دين, وجاء شهر الحج, وأعطيت صاحب الدين القسط, وحجيت وأنا ما فرطت؟ الجواب ما هناك بأس, يعني: لا حرج للإنسان أن يحج وعليه دين, إذا كان لم يحل, ولكننا نقول: الحج لا يجب عليك حتى تقضي الدين, تيسيراً من الله عز وجل أن نقول للإنسان: اقضِ دينك أولاً ثم حج ثانياً, والإنسان لو مات في هذه الحال فإنه لا إثم عليه, والإنسان الذي عليه دين مثل الفقير, عليه زكاة؟ لا, لأنه ليس لديه مال, هذا الرجل الذي عليه الدين أيضاً ما عليه حج؛ لأنه لا يستطيع. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 24 معنى قوله: (لا تبع ما ليس عندك) السؤال في بعض المحلات التجارية الآن يذهب المشتري لشراء سلعة ما من البائع فيقول له البائع: انتظر قليلاً ويذهب ويأتي بالسلعة من محل آخر, فما حكم هذا؟ وهل يدخل في السلم الحال، أم لا؟ الجواب أما إذا تعاقدا فهذا لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك) وأما إذا تواعدا وقال: ائتني بعد العصر مثلاً وهو طلبها منه الصباح على نية أنه سيشتري هذه السلعة ويبيعها عليه بعد العصر, فهذا بلا بأس به؛ لأنه لم يحصل عقد. والجواب: المهم ألا يكون بينهما عقد قبل أن تحضر السلعة, ووعد كل واحد منهما لم يلزم الآخر, لكن قال: إن شاء الله أحضرها لك في آخر النهار, لو ذهب الرجل طلب الشراء واشترى من آخر, ما قال له الآخر: لماذا تشتري؟ نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعلم الصالح, وأبشروا بالخير فإن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) . والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين. الجزء: 115 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [116] هذا اللقاء هو آخر لقاء ف يشهر شعبان، لذا كان حديث الشيخ عن مسائل في صيام رمضان حسياً ومعنوياً، وكذا عن قيامه وما يحدث في قيامه من مخالفات الأئمة. وأجاب عقب ذلك عن أسئلة منها ما يتعلق بما يحدث في رمضان من مسابقات تجارية ورياضية وغير ذلك من الأسئلة. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 1 كلمات يسيرة في شهر رمضان الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن هذا اللقاء سيكون اللقاء الأخير في شهر شعبان, وهو اللقاء السادس عشر بعد المائة, يتم في يوم الخميس العشرين من شهر شعبان عام (1416هـ) وبما أن شهر رمضان على الأبواب فإنه يحسن أن نتكلم بكلمات يسيرة عما يتعلق بالشهر المبارك. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 2 مزايا شهر رمضان شهر رمضان له مزايا على غيره: منها: أن الله سبحانه وتعالى أنزل فيه القرآن، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] . ومنها: أن الله جعل فيه ليلة القدر التي أنزل الله في شأنها سورة كاملة, فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1-3] وقال فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:3] فوصفها الله تعالى بالبركة. ومنها: أن الله سبحانه وتعالى رتب مغفرة الذنوب والآثام لمن صامه إيماناً واحتساباً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) . ومعنى قوله: (إيماناً) أي: إيماناً بفرضيته, وإيماناً بما رتب الله عليه من الأجر, (واحتساباً) لهذا الأجر, أي: أنك تحتسب صومك على الله عز وجل بأن يثيبك على صيامك, فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه. ومنها: أن من قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: أن من قام ليله إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه. ومنها: أنه شهر الجود والكرم, والعفو والإحسان, (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) وقد سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) . فينبغي للإنسان أن يغتنم هذه الفرصة في الشهر المبارك, وأن يكثر من الصلاة والذكر وقراءة القرآن، والصدقة والإحسان إلى الناس بالمعاونة والشفاعة الحسنة, وغير ذلك من أنواع البر والخيرات, لعل الله تعالى أن يعامله بالخير والبركة. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 3 فرضية صيام رمضان وشروطه الصيام لا شك أنه مفروض على الأمة الإسلامية, وأنه ركن من أركان الإسلام, وفرضه الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة, فبقي النبي عليه الصلاة والسلام أربع عشرة سنة بعد البعثة ولم يفرض الصيام, حتى تروضت النفوس على الإسلام واطمأنت واستقرت وفرض في السنة الثانية من الهجرة, وكان أول ما فرض: أن الإنسان مخير بين أن يصوم أو أن يطعم عن كل يوم مسكيناً, ولكن الله ندب إلى الصوم فقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:184] فصار من شاء صام ومن شاء أفطر, ثم أوجب الله تعالى صومه عيناً فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] . ولا يجب صوم رمضان إلا على كل مسلم, بالغ, عاقل, قادر, مقيم, خال من الموانع, يعني: بستة شروط, فالكافر لا نلزمه بالصوم, ولا نقل: صم، لو وجدنا كافراً يأكل ويشرب في بيته في نهار رمضان لا نقول: أمسك, لأنه ليس من أهل الصيام, بل لو صام وهو لم يسلم لم يقبل الله منه؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] فهو لا يؤمر بالصوم ولو صام لا يصح منه, ولا يؤدب على الفطر, لكنه يمنع من إظهار الفطر بين المسلمين. والصغير لا يجب عليه الصوم, لكن قال العلماء: يجب على وليه أن يأمره بالصوم إذا أطاقه, ليعتاده ويتمرن عليه, ويستقبله بنشاط وعزم إذا بلغ. والمجنون لا يجب عليه الصوم؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف, قد رفع عنه القلم, ولا يجب على المجنون شيء من العبادات إلا الزكاة, فإن الزكاة تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة حق المال. والعاجز لا يلزمه الصوم, لكن إن كان عجزاً مستمراً لا يرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً, كالعجز من أجل الكبر، أو من أجل مرض لا يرجى برؤه, فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً ولا يلزمه الصوم, والعجز الذي يرجى زواله كالمريض مرضاً طارئاً يرجى برؤه نقول له: انتظر حتى يزول المرض ثم صم لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] . والمسافر لا يلزمه الصوم, له أن يأكل ويشرب سواء كان في البر لم يصل إلى المدينة التي قصدها أو كان في نفس المدينة, ولو كان يقيم أو يريد الإقامة الشهر كله, فإنه مسافر فله أن يأكل ويشرب لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولا فرق بين أن يكون سفره لطاعة, كالذي يسافر لعمرة مثلاً، أو لصلة رحم، أو لعيادة مريض، أو لغير طاعة كما لو سافر ليتجر, وأما السفر المحرم فهذا محل خلاف بين العلماء فمنهم من يقول: إن المسافر سفراً محرماً يترخص برخص السفر, ومنهم من يقول: إنه لا يترخص. وكما قلنا: لا فرق بين أن يكون المسافر يمشي في البر أو مقيماً في بلد قصد إليها, ما دام عزمه أن يعود إلى بلده, فإنه لا زال مسافراً. من به موانع لا يلزمه الصوم, وهذا إنما يكون للمرأة الحائض والنفساء, فإنه لا صيام عليهما، ولو صامتا لم يصح الصوم منهما, ولكن عليهما القضاء, هذه هي الشروط التي تشترط لوجوب الصوم وهي ستة: 1- الإسلام. 2- البلوغ. 3- العقل. 4- القدرة. 5- الإقامة. 6- الخلو من الموانع. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 4 صيام الجوارح وأهميته أما الذي يجب عنه الصوم, فلعلكم تستغربون إذا قلت: إن الذي يجب عنه الصوم هو: المعاصي, يجب أن يصوم الإنسان عن المعاصي, لأن هذا هو المقصود الأول في الصوم لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجوعون! أو لعلكم تعطشون! أو لعلكم تمسكون عن الأهل! لا قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) , هذا هو المقصود الأول من الصوم, وحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وأكده بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) إذاً أن يصوم الإنسان عن معاصي الله عز وجل, هذا هو الصوم الحقيقي. أما الصوم الظاهري فهو الصيام عن المفطرات, الإمساك عن المفطرات تعبداً لله عز وجل من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذا صوم نسميه الصوم الظاهري صوم البدن فقط, أما صوم القلب الذي هو المقصود الأول، فهو الصوم عن معاصي الله عز وجل. وعلى هذا: فمن صام صوماً ظاهرياً جسدياً، ولكنه لم يصم صوماً قلبياً فإن صومه ناقص جداً جداً, لا نقول: إنه باطل لكن نقول: إنه ناقص, كما نقول في الصلاة, المقصود من الصلاة الخشوع والتذلل لله عز وجل, وصلاة القلب قبل صلاة الجوارح, لكن لو أن الإنسان صلّى بجوارحه ولم يصلِ بقلبه، كأن يكون قلبه في كل وادٍ فصلاته ناقصة جداً, لكنها مجزئة حسب الرسم الظاهر مجزئة لكنها ناقصة جداً, كذلك الصوم ناقص جداً إذا لم يصم الإنسان عن معصية الله, لكنه مجزئ حسب الرسم الظاهري؛ لأن العبادات في الدنيا إنما تكون على الظاهر. فنقول: إذا تناول الإنسان شيئاً من المفطرات، ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإن صومه يكون فاسداً وعليه القضاء, وأعظم المفطرات هو الجماع, فمن جامع زوجته في نهار رمضان، وهو ممن يجب عليه الصوم فسد صومه، ولزمه إمساك بقية اليوم، ولزمه القضاء, ولزمته الكفارة, ولزمه الإثم, يعني: يترتب على جماعه في نهار رمضان إذا كان ممن يجب عليه الصوم خمسة أشياء: الإثم, فساد الصوم, لزوم الإمساك, القضاء, الكفارة, هذا إذا كان ممن يجب عليه الصوم, أما إذا كان ممن لا يجب عليه الصوم كمسافر سافر مع أهله، وصام هو وأهله ولكنه بدا له أن يتمتع بأهله، فجامع فلا شيء عليه, إلا القضاء فقط, يعني: لا يترتب عليه لا إثم ولا إمساك ولا كفارة, ليس عليه إلا القضاء, لأنه لما جامع فسد صومه لكن أفسده بشيء مباح, إذ أن المسافر يجوز له أن يفطر ولو في أثناء النهار ولو بدون سبب, وعليه القضاء. ثم الكفارة: وهي عتق رقبة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً, ولا فرق بين أن يقول: أنا والله لاس أعلم أن عليّ كفارة, لو علمت أن عليّ كفارة ما جامعت, أو أن يقول: أنا أعلم أن عليّ كفارة ولكنه عجز عن إمساك نفسه, فعلى كل حال الكفارة واجبة, إذا علم الإنسان أن الجماع حرام فالكفارة عليه واجبة بكل حال, دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله هلكت -وفي رواية: هلكت وأهلكت- فقال: ما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم, فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عن خصال الكفارة, أعتق رقبة, قال: لا أجد, قال: صم شهرين متتابعين, قال: لا أستطيع, قال: أطعم ستين مسكيناً, قال: لا أجد, كل خصال الكفارة لا يجدها ولا يستطيعها, فجلس الرجل فجيء بتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذ هذا وتصدق به, قال: أعلى أفقر مني؟ والله يا رسول الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني, فضحك النبي صلى الله عليه وسلم, حتى بدت نواجذه ثم قال: أطعمه أهلك) , ولم يقل له: إذا أغناك الله فكفر, فدل هذا على أن الكفارة تسقط في العجز عنه, وهذا هو مقتضى عموم قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وعموم قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 116 ¦ الصفحة: 5 رفع الخطأ والنسيان عن الأمة ثم اعلم: أن من رحمة الله عز وجل أن الله رفع عن هذه الأمة حكم الخطأ والنسيان. بمعنى: أن الإنسان لو أخطأ وأكل وشرب وهو صائم فلا شيء عليه, فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع, ثم تبين أنه قد طلع, مثل أن سمع تكبيراً فظنه الأذان الأول فأكل وشرب, فإذا هي إقامة الصلاة, نقول له: ليس عليك شيء؛ لأنك لم تتعمد الإثم وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . ولو ظن أن الشمس قد غربت فأكل وشرب, فإذا بها لم تغرب, وهذا يقع كثيراً في أيام الشتاء تكون السماء ملبدة بالغيوم, فيظن الناس أن الشمس قد غربت, فأكل أو شرب, ثم طلعت الشمس لا شيء عليه؛ لأن هذا الرجل لم يتعمد الإثم ولم يتعمد الأكل في النهار, وقد الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] ونحن متعبدون لله عز وجل, قال لنا: العبادة فاسدة، قلنا: سمعاً وطاعة نعيدها, قال: العبادة صحيحة قلنا: الحمد لله, فلسنا نحكم على الله بشرعه, وإنما الله هو الحاكم علينا, فإذا كان يقول لنا بكلامه: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] أنقول: لا، لا نقبل؟! خطأ, نقول: الحمد لله على نعمه, وعلى عافيته ليس علينا شيء. بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم طبق هذا تماماً، ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم بالقضاء. ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به, لأن عليه بلاغ الشريعة, ولو أخبرهم به لنقل إلينا, لأن حفظ الشريعة مما تكفل الله به: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] فالله حافظ لذكره وشرعه. إذاً نقول: لا شيء على الإنسان إذا وهم فأكل قبل أن تغرب الشمس, وهذا أيضاً يقع كثيراً حتى في غير أيام الشتاء, أحياناً يسمع الإنسان في المذياع أذاناً يظن أنه أذان بلده فيفطر, فإذا بالشمس لم تغرب نقول: لا شيء عليك, لأنك لم تتعمد الإثم, وقد قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . بهذه النصوص يتبين بطلان جميع الأقيسة التي تقتضي خلاف النص, فلو قال قائل: الإمساك بالصوم شرط والشرط لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان, قلنا له: من قال هذا؟ هذا كلام الله وكلام رسوله وسنته. وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه -أي: ما نقص صومه- فإنما أطعمه الله وسقاه) نكتفي بهذا القدر فيما يتعلق بالصيام. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 6 ما يتعلق بقيام رمضان أما فيما يتعلق بالقيام، فإنكم سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) لكن هل يعني ذلك قيام كل الليل والنهار يصلي؟! لا, ولكن من قام القيام المشروع وذلك في الليل, فهل لهذا القيام عدد معين أو لا؟ نقول: أما على سبيل الحتم فليس هناك عدد معين, لو صلّى الإنسان ثلاثين ركعة أو أربعين ركعة فلا حرج عليه، ولا يقال له: لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت عدداًَ في قيام الليل, بل سأله سائل قال: (يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوتر. ) إذاً لا يوجد عدد معين, لكن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليه إما إحدى عشرة، وإما ثلاث عشرة كما سئلت عائشة رضي الله عنها وهي من أعلم الناس بحاله, كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: (كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) فهذا هو العدد الأفضل، لكن لا مانع من الزيادة. ثم إن قيام الليل يحصل ثوابه لمن قام مع الإمام حتى ينصرف، ولو لم يستغرق إلا جزءاً يسيراً من الليل, دليل ذلك: أن النبي قام بأصحابه ولكنه انتهى قبل الفجر, قالوا: (يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا, قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) نعمة والحمد لله، إذا قمت مع الإمام حتى ينصرف فأنت كأنك قمت الليل كله, مع أنك نائم على فراشك أو مستمتع بأهلك، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يكون في ليالي رمضان يقوم مع هذا الإمام بتسليمة، ومع الإمام الثاني بتسليمة ويتجول في المساجد, فيضيع عليه الوقت ويضيع عليه الثواب, نقول: إذا شرعت مع إمام فاستمر إلى أن ينتهي, من أجل أن يكتب لك قيام ليلة, ومن المعلوم أن كل واحد منا يريد الأجر, وينتهز الفرص, فنقول: هذه هي الفرصة, قم مع الإمام حتى ينصرف. وينبغي بل يجب على أئمة المساجد أن يتقوا الله تعالى فيمن ولاهم الله عليهم, إمام المسجد راع, والمأموم رعية, فيجب أن يسير بهم على مقتضى السنة, مقتضى السنة الطمأنينة في الصلاة, والطمأنينة تعني الاستقرار وعدم السرعة, ولهذا لو صلّى الإنسان بلا طمأنينة قلنا: صلاتك باطلة ولو صليت ألف مرة, لأن رجلاًَ أتى فصلى بدون طمأنينة ثم سلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصلِ) نفى الصلاة, مع أن الرجل صلّى, لكن الرسول قال: (لم تصلِ) لأن صلاة لا تكون على الشريعة وجودها كالعدم, ثم علمه قال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة فكبر, ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تطمئن قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع حتى تطمئن جالساً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) . وكثير من الأئمة -نسأل الله لهم الهداية- يسرع إسراعاً مخلاً بالطمأنينة, حتى لو فرضنا أنه لا يطمئن ولا يأتي بواجب الطمأنينة لكن الذين وراءه لا يتمكنون؛ لأن فيهم من لا يكون سريع الحركة, إما لمرض أو كبر أو غير ذلك, فتجدهم لا يتمكنون من الطمأنينة وهذا حرام عليه, يحرم على الإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل ما يجب, لأن المأموم بين أمرين: إما أن يفارقه، وإما أن يتابعه على صلاة باطلة, وهذه مشكلة. ولذلك نقول لإخواننا الأئمة: يجب عليكم أن تتقوا الله, وأن تراعوا حرمة المسلمين الذين وراءكم, وإذا قدر أنكم قضيتم الركعات في ساعة مع العجلة، مع أني لا أظن أن تبلغ الساعة لكن فرضاً فلتكن ساعة ونصف, لكن في ظني أن الذين يسرعون هذه السرعة قد يقيمونها في ثلث ساعة، فنقول: ماذا يضيرك إذا زدت؟! ثانياً: بعض المأمومين يريد أن يحافظ على ثلاثة وعشرين ركعة مع السرعة, وهذا خطأ؛ لأنه يفوت بذلك شيئين: الأول: العدد الأفضل, والعدد الأفضل إحدى عشرة ركعة أو ثلاثة عشرة ركعة؟ لا شك عندنا أنها أفضل من ثلاثة وعشرين. الثاني: الإسراع, دع الناس يطمئنون يدعون الله سبحانه وتعالى في سجودهم, يخبتون إلى الله, يخشعون بين يديه, حتى يكون قياماً حقيقياً. نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم رمضان, وأن يجعلنا ممن يصوم ويقوم رمضان إيماناً واحتساباً إنه على كل شيء قدير. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 116 ¦ الصفحة: 8 اشتراط المؤجر عدم إدخال آلات الفساد السؤال هل يلزم من المؤجر أن يشترط على المستأجر ألا يضع المنكرات في منزله الذي سيسكنه؟ وإذا وضع بعض المنكرات هل على المؤجر إثم في ذلك؟ الجواب أما لزوم الاشتراط فليس بلازم, إلا إذا كثر هذا في الناس فهنا قد نقول: يجب أن يشترط, لكن إذا لم يكن كثيراً في الناس فلا, ولعلك تشير إلى (الدشوش) أما التلفاز فليس (كالدش) ، (الدش) هو الذي يأتي بكل المحطات التلفازية في كل العالم، ويأتي بأشياء فظيعة -والعياذ بالله- نعلم علم اليقين أن صانعيه ومروجيه، والذين يحرصون على أن يبثوا هذه الأمور أرادوا هدم الإسلام, لكن لا يمكن أن يصرح ويقول: أشرك بالله, هذا لا يمكن، ولكن إذا زين للناس سوء أعمالهم وانهمكوا في الشهوات ضاعوا, وهان عليهم كل شيء من المعاصي, فمثلاً: إذا كثر هذا في الناس -ونسأل الله ألا يكثره, لكننا لا ندري ما وراء الجدار, ولا نعلم الغيب- يجب على الإنسان أن يشترط, يقول: شرط ألا تركب الدش, فإذا ركبه فللمؤجر الفسخ, شاء المستأجر أم أبى, أما إذا لم يقصد فلا, فإذا قدرنا أنه لم يشترط هذا الشرط ثم إن المستأجر وضعه فليس على المؤجر إثم, لكن إذا تمت مدته يجب عليه أن لا يجدد له, إلا بشرط أن ينزعه. أما التلفاز فهو يأتي بمحطات السعودية فقط, والمحطات السعودية على ما فيها من البلاء أهون مما يأتي به (الدش) . ولا يلزم إذا انتهت مدته أن يفسخ. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 9 معنى تبييت النية في الصيام السؤال هل يلزم تبييت النية لكل يوم من رمضان, وهل مثله صيام الأيام المعينة؟ الجواب أولاً: لا بد أن نعلم معنى: تبييت النية، لأن بعض الناس يظن أن معنى تبييت النية أن ينوي الإنسان الصيام قبل أن ينام, وليس كذلك, المراد بتبييت النية أن ينوي قبل طلوع الفجر ولو بلحظة، فإذا نوى قبل طلوع الفجر ولو بلحظة فقد بيّت. فصيام رمضان من المعلوم لكل أحد، أن كل مسلم إذا دخل شهر رمضان فقد عقد النية الجازمة على أنه سيصومه كله, فالنية في أوله كافية، إلا إذا وجد سبب يقطع الصوم كما لو سافر الإنسان ثم رجع, فلا بد من تجديد النية، أو مرض ثم عوفي لا بد أن يجدد النية, وأما ما دام على حاله فإن النية في أوله تكفي عن آخره. وبناءً على ذلك: لو أن الإنسان غلبه النوم بعد العصر ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر من اليوم الثاني، فصيامه اليوم الثاني يكون صحيحاً لأن النية قد تمت. أما الأيام المعينة من النوافل, فإن النفل المعين كصيام ستة أيام من شوال مثلاً، فهذه أيضاً لا بد أن ينوي الصوم قبل طلوع الفجر, ويتبين هذا بالمثال: لو أن الإنسان ليس عنده نية أن يصوم ستة أيام من شوال، وفي أثناء النهار استيقظ ولم ينوِ الصوم فصلّى الفجر ولما طلعت الشمس فكّر لعلي أصوم أو لا أصوم, لكنه عند زوال الشمس أي: عند الظهر عزم على الصيام فصام صيامه لليوم صحيح, ما دام لم يأكل ولم يشرب ولم يأتِ بمفطر قبل ذلك فصيامه صحيح, لكن لو قال: أنا أريد أن يكون هذا أول أيام الست, قلنا: لا يصح؛ لأنه لو أتى بخمسة أيام بعد ذلك اليوم كم صام؟ خمسة أيام ونصف, والحديث ستة أيام, فالأيام المعينة لا بد أن تكون من قبل طلوع الفجر. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 10 حكم أخذ المال على الرقية السؤال كثير من المتصوفة -وهم لا علم لهم- جلسوا للرقية يتكسبون منها, فيفرضون على المريض بعضاً من المال قبل العلاج وبعد العلاج, فهل يجوز هذا الفعل منهم؟ وإذا حذا حذوهم بعض طلبة العلم فما نقول لهم؟ الجواب هذه المسألة كثرت عندنا, أما الصوفية والمتصوفة الحمد لله بلادنا إن شاء الله نزيهة من هذا, لكن التكسب بالرقية كثر جداً, ومن أناس الله أعلم بحالهم من ناحية الاستقامة, لكن المؤمن الذين يريد أن ينفع أخاه وهو الذي يقرأ, فإن أعطي أخذ وإن لم يعطَ لم يسأل, وهذا هو الذي يجعل الله تعالى في رقيته بركة, أما من جعل القرآن الكريم وسيلة للتكسب فقد اشترى الدنيا بعمل الآخرة -والعياذ بالله- وما له في الآخرة من نصيب, وهذه مسألة في الواقع صارت على مستوى كبير الآن, وينبغي أن تعالج من قبل المسئولين في الدولة. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 11 حكم ذبح بهيمة الأنعام المريضة السؤال بهيمة الأنعام إذا اشتد بها المرض فهل لصاحبها أن يذبحها؟ الجواب أما إذا كانت ملكاً له فلا بأس, وأما إذا كانت ملكاً لغيره، كأن وجد شاة في البر مريضة متعبة فلا يلزمه أن يذبحها, ولا أن ينقذها, لكن التي له؛ له أن يذبحها, لماذا؟ لأنه إذا كانت له فلا بد أن يقوم عليها بالأكل والشرب والملاحظة، وهذا يضيع عليه الوقت والمال، وعلى هذا فليذبحها ليستريح منها ويريحها أيضاً, وفي هذا الحال: إن ذبحها على الوجه المشروع صارت حلالاً لمن أراد أن يأكلها بشرط ألا يكون هذا المرض يضره, وإذا قتلها قتلاً فإنها لا تحل. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 12 حكم إقامة الدورات الرياضية في رمضان السؤال في ليالي رمضان قد تحيا من قبل بعض الشباب الدورات الرياضية, فما توجيهكم؟ الجواب نرى مثل هذا إضاعة وقت, وغنيمة فاتت على الإنسان, والشاب المسلم ليس هذا وظيفته في الحياة, وظيفته في الحياة أن يعبد الله تعالى, وأن يسعى في إصلاح المسلمين, إما مثلاً بالمشي في الأسواق, وإذا رأى المنكر نهى عنه بأدب وهون وسهولة, وإما باجتماع على تلاوة القرآن, فإنه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده) . أما إضاعة الوقت في هذه الأمور فهو والله خسارة, الآن هؤلاء الشباب الواقع أن المجتمع خسرهم إذا كانوا يقضون جميع أوقاتهم في مثل هذا, إذا لو أراد الإنسان أن يتسلى بالألعاب الرياضية المباحة ككرة القدم, لكن باعتدال فلا نرى في هذا بأساً, لأن فيه تمريناً للبدن وتقوية له, وتسلية للنفس, وإزالة للملل, ثم إن هذه السنة سيكون رمضان في وقت الإجازة, وربما ينشغل الناس الآن بالخروج إلى البر, وإضاعة وقت هذا الشهر المبارك في غير فائدة بل ربما فيما فيه مضرة. لكننا في هذا الحال: ننصح إخواننا الدعاة الذين يحرصون على هداية الخلق، بأن يتجولوا في هذه المخيمات, ويدعوا إلى الله عز وجل على بصيرة وبهدوء وطمأنينة، وكذلك بنشر الكتيبات النافعة والأشرطة النافعة, لعل الله أن يهدي بهم. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 13 حكم البحث عن مسجد من أجل الجمع بين الصلاتين السؤال نحن نعلم أن قبل فترة نزلت الأمطار فاختلف أئمة المساجد, بعضهم من يرى الجمع لأن الحال يستدعي الجمع، وبعضهم لا يرى ذلك, فما قولكم فيمن جاء إلى مسجد مثلاً وهذا الإمام لم يرَ أن المطر يجيز الجمع, فذهب هذا المأموم وبحث عن مسجد آخر حتى وجد أحد المساجد يجمع فيها, فصلى صلاة العشاء, فصلى المغرب مع إمام وصلى العشاء مع إمام آخر، فما قولكم في ذلك؟ مع العلم أن الإمام الأول لم يرَ أن هنالك مسوغاً للجمع إذ لا يوجد مطر ولا يوجد وحل ولا هنالك برد ولا غيره؟ الجواب أرى أن هذا يشبه من سافر في رمضان من أجل أن يفطر, والعلماء قالوا: إذا سافر في رمضان من أجل أن يفطر حرم عليه السفر والفطر, لأن هذا الرجل الآن لم يذهب من أجل الرخصة, ربما يكون تعبه في ذهابه من مسجد حيه إلى المسجد الثاني، أكثر من تعبه إذا انتظر إلى صلاة العشاء, لكن يريد أن يتخلص من الصلاة, فكأنه يقول: أرحنا من الصلاة, ولا يقول: أرحنا بالصلاة, أرى مثل هذا إن لم تكن صلاته باطلة فهي إلى البطلان أقرب منها إلى الصحة, لأن هذا ما ذهب إلى المسجد الذي يجمع من أجل السهولة, إنما ذهب من أجل التخلص, وإلا فمن المعلوم أن السهولة إذا جاء إلى مسجده في وقت الصلاة مع قربه أفضل وأسهل له, فأنا في شك من صحة صلاته. ونصيحتي للمسلمين: أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أن الله فرض الصلاة وجعلها كتاباً موقوتاً في وقت معين, لا يحل لإنسان أن يقدم صلاته على وقتها وإذا قدمها لم تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) إلا إذا كان هناك عذر شرعي فلا بأس. ثم نقول لهذا الرجل: اذهب الآن إلى بيتك وإذا أذن العشاء فإن كان عندك قدرة أن تحضر إلى المسجد احضر, وإن كانت السماء تمطر ويلحقك مشقة فصلِ في بيتك, ولك أجر الجماعة كاملة؛ لأنك تخلفت عنها لعذر, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) . الجزء: 116 ¦ الصفحة: 14 حكم جمع الصلاة في الدوائر الحكومية السؤال هل يجوز لمن يصلون في دوائرهم أن يجمعوا مع وجود المطر في وظائفهم؟ الجواب أما إذا كانوا يعرفون أن الناس في البلد سيجمعون, فلا بأس أن يجمعوا هم من تحصيل الجماعة, لأن الجمع لتحصيل الجماعة جائز, وأما إذا كانوا يعرفون أن الناس لن يجمعوا فترك الجمع هو الحق. يعني: لو قدر أن عملهم يستمر إلى دخول وقت العصر فلا يجوز الجمع, إذ أن الجمع ليس للمطر ولكن للمشقة بالمطر. والمطر ليس كالسفر, لأنه ما هو لمشقة, ولهذا لما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر, قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يشق عليهم في ترك الجمع إذا كان يشق عليهم أن يصلوا في كل وقت. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 15 حكم دفن الرجال والنساء في قبر واحد السؤال هناك في بعض المناطق ما يسمى: "بالسقاية" وهي عبارة: عن غرفة تبنى تحت الأرض, إذا مات أحدهم يدفنون هذا الرجل في هذه الغرفة, وكل عائلة أو كل أسرة لها غرفة تحت الأرض, كل أقاربهم يدفنونهم فيها, وأحياناً يجمعون النساء مع الرجال، وقد لا يكونون محارم, فما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب السقاية وهي سقية, هذه رخص بها بعض العلماء مع الحاجة، كضيق الأرض مثلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الاثنين والثلاثة في أحد في قبر واحد, من أجل الحاجة, لأن الصحابة كانوا متعبين ويشق عليهم أن يحفروا لكل واحد قبراً, فبعض العلماء رخص بها, وبعض العلماء منع منها, وقال: إن الواجب أن يكون كل إنسان في قبره لكن مع الإمكان, لكن مع عدم الإمكان فلا بأس. أما موضوع جمع الرجال والنساء فأنا الآن لا أعطيك فيه رأياً, لكن لو أنه جعل النساء وحدهن, والرجال وحدهم لكان أحسن. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 16 حكم ابتلاع النخامة أثناء الصوم والصلاة السؤال ذكر الفقهاء: أن النخامة تفطر الصائم, هل ممكن أن نقيس عليها الصلاة, يعني: مثل النخامة هل تفسد الصلاة؟ الجواب أولاً -بارك الله فيك- الفقهاء ما أجمعوا على هذا, بل مذهب الإمام أحمد فيه قولان هل تفطر أم لا؟ وثانياً: أن المراد من النخامة المفطرة هي التي تصل إلى الفم, وأما التي في الحلق وتنزل إلى الصدر فهذه لا تفطر, ولا أظن أحداً تصل النخامة إلى فمه فيبلعها؛ لأنه مستكره, لكن على كل حال فقهاء الحنابلة أكثرهم يقولون: إذا وصلت النخامة إلى الفم ثم ابتلعها فسد صومه. وقياس ذلك: أنه إذا حصل ذلك في الصلاة بطلت الصلاة إذا قلنا: إن هذا بمعنى الأكل, لكن لم يمر عليّ أنهم ذكروا ذلك في الصلاة, مع أن القول بأنها تفطر إذا وصلت إلى الفم ثم ابتلعها فيه نظر, لأن هذا لا يسمى أكلاً ولا شرباً, ولم تدخل إلى جوفه بل هي لم تزل في جوفه, وإن كان الفم يعتبر من الظاهر لا من الباطن. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 17 حكم المسابقات التجارية السؤال سؤال حول المسابقات التجارية: انتشر في الآونة الأخيرة عند المحلات التجارية، بعض الصور التي نود من فضيلتكم توضيح الحكم فيها, وهي ما يقوم به مجموعة محلات تجارية بوضع جائزة لمن يشتري من محلاتهم, وطريقة الحصول على جائزة يختلف من تاجر لآخر, فبعضهم يرفع سعر البضاعة مقابل الجائزة، مع إلزام الشراء للحصول على بطاقة المسابقة, وبعضهم يلزمك الشراء إلى مبلغ معين مقابل الحصول على بطاقة المسابقة، مع عدم رفع السعر, وبعضهم لا يرفع السعر ولا يلزمك الشراء عند أخذ البطاقة, وبعضهم يبيع بطاقة المسابقة بمال معين عند عدم إرادة الشراء, علماً بأن ذلك سيكثر في شهر رمضان المبارك, أرجو من فضيلتكم توضيح الحكم لهذه المسألة مفصلاً ما أمكن؛ لكثرة السائلين عن هذه الصور وغيرها والله يحفظكم؟ الجواب هذه الصور التي ذكرت بعضها لا يجوز, وبعضها يجوز, الجائز: هو أن يضع التاجر جائزة لمن يشتري منه بمبلغ كذا, ولنقل: من اشترى بألف ريال فله حق الدخول في المسابقة, فهذا جائز, لأن المشتري إما سالم وإما غانم, السعر لم يرفع عليه, وهو سيشتري هذه البضاعة على كل حال سواء منه أو من غيره, فإذا اشترى من غيره ثم قدر أن تحصل له جائزة فهو غانم, وإذا لم تحصل له فهو سالم. أما إذا كان المشتري إما غانماً وإما غارماً، فهذا هو الحرام بجميع صوره, لكن لو فرضنا: أن أحداً من الناس قال: إن هذا يفسد السوق, ويبلبل الناس, وربما يأتي الإنسان من أقصى البلد إلى أقصاه، من أجل أن يشتري من هذا المحل, وهذا قد يربك السير خاصة في المدن الكبيرة, فنرى أن مثل هذه الأمور لو أن الدولة دخلت في هذا ومنعت لكان حسناً, أما إذا كان لا يزالون كما هو الآن في أفراد معينين من التجار فلا يحتاج إلى منع. فالخلاصة الآن إن لنا في هذه المسألة نظرين: النظر الأول: بالنسبة لمنع هؤلاء, نقول: ما دام أن الأمر لم ينتشر انتشاراً كبيراً يوجب اضطراب الأسواق, وتسابق التجار لكثرة الجائزة فلا بأس, أما إذا أدى إلى اضطراب الأسواق وتسابق التجار بالجائزة، كأن يضع هذا سيارة ويضع الثاني سيارتين, ويضع هذا ألفاً ويضع الثاني ألفين مثلاً، فهذا يجب على الدولة أن تمنع, لئلا يحصل التلاعب. النظر الثاني: في الحالة التي نقول: إنه جائز ولا يمنع نقول: من اشترى وهو يريد الشراء حقيقة، ولم يؤخذ منه زيادة على السعر، ولا ثمناً للبطاقة فلا بأس. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 18 حكم عدم خروج النفساء مدة أربعين يوماً والوليمة نهاية المدة السؤال في بعض المناطق المرأة إذا وضعت حملها تبقى في بيتها لا تخرج من البيت لزيارة الأقارب والجيران كالمحادة لمدة أربعين يوماً, فإذا انتهت هذه المدة أولمت وتدعو النساء من الحي، والتي لم تولم تقوم بتوزيع لحم ورز أو تمر أو فاكهة على أهل الحي, فأرجو توضيح هذا؟ الجواب أما لزوم البيت فهذا ليس بصحيح, وليس عليه أثر لا من كتاب ولا سنة ولا أقوال العلماء, وأما انحباسها عن زوجها فقد اعتاده الناس خوفاً من أنها إذا ذهبت في أيام النفاس، وكان زوجها مشتاقاً إليها أن يقع بينهما جماع, لأنه ليس كل زوج يملك نفسه هذه المدة، لا سيما إذا كان شاباً, لكن لو تركت هذه العادة لكان أحسن, بمعنى: أن في أيام التعب والمشقة الشديدة وهي أوائل الوضع لا بأس أن تبقى عند أهلها؛ لأنهم أرأف بها من غيرهم, ولئلا يتجرأ الزوج لشيء يتعبها, أما إذا زالت المشقة فينبغي لها أن تذهب إلى زوجها, لأن للزوج أن يستمتع منها بما شاء ما عدا الجماع, فلماذا يحرم منها. أما مسألة الوليمة إذا انتهت من مدة النفاس فلا بأس بها, هذه من الولائم المباحة, لأن الولائم ثلاثة أقسام: 1- قسم منهي عنه كالمأتم: وهو وليمة الأحزان التي يفعلها من يموت له الميت، فيولم ويدعو الناس إليها, هذه إما مكروهة، وإما محرمة وهو الصواب. 2- وقسم آخر مطلوب شرعاً وهو الوليمة للنكاح: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) وذلك لأن الإيلام للنكاح يستلزم إظهاره وإعلانه, وإعلان النكاح من الأمور المشروعة. 3- والقسم الثالث هو ما عدا ذلك فهو مباح: كالوليمة عند خروج المرأة من النفاس, والوليمة للختان, والوليمة لنزول البيت أول ما ينزل, وما أشبه ذلك. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 19 حكم السبق في الرياضة السؤال في رمضان تكون دورات رياضية ومسابقات رياضية في كرة القدم, ويكوّن عدة فرق, كل فرقة تحضر نسبة معينة, مثل خمسمائة ريال أو ألف ريال, ويجمعها واحد ويشتري بها جوائز, والفائز منهم يأخذ الكأس أو الجائزة المعينة التي يحددونها هم, فما حكم ذلك الفعل؟ الجواب هذا حرام ولا تحل, لأن هؤلاء اللاعبين الذين يدفعون قد يغنمون وقد يغرمون, هم الآن غارمون، لكن قد يغنم الواحد وقد لا يغنم ربما تكون الجائزة لغيره, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر) وهذا ليس بجائز, فالواجب إبلاغ الشباب أن هذا لا يجوز, وفي ظني إن شاء الله أنهم يهتدون. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 20 حكم كشف وجه الميت في القبر السؤال هل يجوز كشف وجه الميت إذا وضع في القبر؟ الجواب من العلماء من قال: يكشف خده الذي يلي الأرض فقط وليس الوجه, ومنهم من قال: ليس بسنة؛ لأن الكفن إنما سمي كفناً لأنه يكفت الميت, بمعنى: أنه لا يُظْهِرُ منه شيئاً. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 21 حكم ترك المعصية من أجل الناس السؤال فعل الطاعة والعبادة من أجل الناس شرك, لكن ترك المعصية من أجل الناس هل يدخل كذلك في الشرك؟ الجواب هذا شرك, لأن الطاعة إما فعل مأمور أو ترك محظور تقرباً إلى الله, فهذا نوع من الشرك لا شك. فإذا ترك الإنسان المعصية مراءاة للناس لا خوفاً منهم, لأن هناك فرق بين أن يرائي الناس ليظهر أنه عابد وأنه تارك للمعاصي، وبين أن يدع المعصية خوفاً من الناس أن يأكلوا لحمه, وينتهك عرضه, فالأول شرك، والثاني ليس بشرك ولكنه خطأ، لأن بعض الناس يتنسك ويظهر أنه ناسك ويدع المعاصي أمام الناس، وهو في الخفاء يفعلها ولا يبالي. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 22 حكم التصفيق والتصوير السؤال في بعض المدارس يكثر التصفيق دون حاجة, وكذلك التصوير, فما حكم ذلك؟ وهل عليَّ الإنكار، أم لا؟ الجواب أما التصفيق لسبب فلا أرى به بأساً, لأن هذا جرت العادة به، وفيه تشجع لمن حصل على هذا الأمر الذي صفقوا له من أجله, وليس من باب التشبه بالكفار لأنه الآن شاع وانتشر بين المسلمين, وليس داخلاً في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] لأن هؤلاء يجعلون العبادة مكاء وتصدية, ولهذا قال: {صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] , وكذلك لا يدخل في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) لأن هذا في الصلاة, ولأن المرأة صوتها قد يؤدي إلى الفتنة, فلهذا أمرت إذا أخطأ الإمام أن تصفق ولا تسبح, وأمر الرجال أن يسبحوا. لكن لو فرض أن الإنسان إذا فعل هذا وصفق أنه يغضب بعض الإخوة الحاضرين فالأولى ألا يفعل؛ لأن التأليف أمر مطلوب, والتصفيق غاية ما فيه أنه مباح, وإذا كان تركه يؤدي إلى الألفة والمحبة فلا شك أن تركه مطلوب, أما الصفير فأنا أكرهه, ما معنى أن الإنسان يرفع صوته بالصفير؟! والتصوير أيضاً ليس هناك حاجة له, وإذا صور سوف يدخر وسوف يقتنى, واقتناء الصور لغير حاجة محرم. أما إن كان مطلوباً من الوزارة فهذا شيء آخر. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 116 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [117] عدد الشيخ في كلمته بعض مواسم الخير للمسلم بعد شهر رمضان، سواء كانت من صيام أو قيام ليل أو صدقه أو ذكر. ثم أجاب عن الأسئلة المشتملة على أحكام في الصلاة والصيام والتفسير وغير ذلك من الأحكام. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 1 مواسم الخير بعد رمضان الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح, والذي يتم كل خميس في كل أسبوع, وهذا هو اللقاء الأول بعد شهر رمضان عام (1416هـ) . من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى جعل مواسم للخيرات يتسابق فيها المتسابقون إلى الطاعات من أجل تنشيط الهمم, وإكثار الأعمال الصالحة وإحسانها, لأنه كلما تكررت هذه المواسم قويت العزائم, ولكن يا ترى: هل إذا فاتت هذه المواسم فاتت الأزمان التي هي مقر الأعمال, أم أن الأعمال باقية ما بقي الإنسان على هذه الدنيا؟ الجواب الثاني, وهو أن الأعمال الصالحة مطلوبة من العبد ما دام في هذه الحياة الدنيا, قال الله تبارك وتعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] أي: استمروا على إسلامكم إلى الموت, وقال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت, كما فسره بذلك الحسن البصري وغيره من العلماء, فلم يجعل الله أمداً لانقطاع العمل إلا الموت, فالإنسان مأمور أن يقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى ما دام في هذه الحياة. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 2 مواسم الصيام بعد رمضان لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم انقطاع العمل إلا بالموت, ولننظر هل لهذه الأيام وظائف يقوم بها العبد تقرباً إلى الله عز وجل؟ نقول: نعم. فمثلاً: انتهى شهر الصيام هل انتهى الصوم؟ الصوم لا يزال مشروعاً -والحمد لله- في كل وقت, وأعلاه وأفضله ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً, وهذا هو صيام داود, ثم يليه بعد ذلك ما كان أكثر فأكثر, ومن هذا صيام أيام الست من شوال, قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) . وهذه الأيام لا يدرك فضلها إلا إذا أتم الإنسان رمضان كاملاً, وعلى هذا فمن كان عليه قضاء وصامها قبل القضاء فإنه لا ينال الثواب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ورتبه على صيام رمضان كاملاً, (من صام رمضان ثم أتبعه) . ويتبين هذا بالمثال: لو أن إنساناً عليه خمسة أيام من رمضان, ثم أخر قضاءها وصام الأيام الستة قبلها, فهل يقال: إنه صام رمضان؟ لا, يقال: إنه صام خمسة وعشرين يوماً من رمضان, فلا بد من صيام رمضان كاملاً حتى ينال أجرها, وهذا ليس مبنياً على خلاف العلماء رحمهم الله في جواز التنفل بالصوم قبل القضاء, بل هذه مسألة مستقلة بين الرسول عليه الصلاة والسلام حكمها, وأن صيام ستة أيام من شوال بمنزلة الراتبة التي تكون بعد الصلاة المفروضة. أما التطوع بغير الست بالصوم قبل القضاء فهذا محل نزاع بين العلماء، فمنهم من أجازه، ومنهم من قال: إنه لا يجوز أن يصوم تطوعاً حتى يؤدي الفريضة, وهذا أحوط وأولى بالمرء وأحق بالعمل؛ لأنه ليس من الخير أن تبدأ بالنفل وتدع الواجب, فالواجب أهم, إذ أنك لو مت لكان ديناً في ذمتك, لكن النفل إن فعلته فهو خير, وإن لم تفعله فليس عليك إثم ولا حرج. ومن ذلك أيضاً أي: من الصيام المشروع: أن يصوم الإنسان من كل شهر ثلاثة أيام, سواء من أول الشهر أو وسطه أو آخره, لكن الأفضل أن تكون في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. ومن ذلك: أنه ينبغي للإنسان أن يصوم يوصى الإثنين والخميس, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومهما ويقول: (هما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) . ومنها: صوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة لغير الحاج, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) . وكذلك: صيام بقية الأيام العشرة من أول ذي الحجة إلى يوم التاسع, فإن الصوم فيها له مزية على غيرها من الأيام, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) والصيام من العمل الصالح بلا شك. ومما ينبغي صومه: صوم يوم العاشر من المحرم والتاسع معه أو الحادي عشر أو الثلاثة جميعاً، التاسع والعاشر والحادي عشر, أو صوم غالب شهر محرم. ومن الصيام المشروع أيضاً: صيام شعبان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله أو يصومه إلا قليلاً منه, كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 3 قيام الليل القيام هل انتهى بانتهاء رمضان؟ الجواب لا, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم جميع ليالي السنة, ولكنه كما قال الله عنه: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] , وأفضل قيام قيام داود, كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وهذا كما أنه أفضل شرعاً فهو أرفق بالإنسان طبعاً, لأن الإنسان عندما ينام نصف الليل يأخذ نوماً كثيراً, ثم يقوم ثلث الليل فيتهجد لله عز وجل, ثم ينام سدس الليل ليستريح قبل أن يبدأ أعماله اليومية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل قيام قيام داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, فيقول: من يدعوني أستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع وقت النزول الإلهي مع كون الإنسان يتهجد لله عز وجل, ويتقرب إليه (وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل في هذا خير كثير للإنسان. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 4 الإنفاق في الخيرات ثم بقية العبادات لا تزال مشروعة والحمد لله كالوضوء والذكر قبله وبعده، وكذلك الإنفاق في سبيل الله, سواء كان صدقة يتصدق بها على غيره, أو يتصدق بها على أهله بالإنفاق عليهم أو على نفسه, حتى الإنسان إذا أنفق على نفسه كان ذلك صدقة يثاب عليها ويؤجر عليها, قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) فقال: (حتى ما تجعله في فم امرأتك) مع أن الإنفاق على الزوجة من باب المعاونة؛ لأنك تنفق عليها في مقابل استمتاعك بها, ومع هذا تؤجر عليه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله) قال الراوي: أو أحسبه قال: (كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) والساعي على الأرملة والمساكين هو القائم بحضانتهم وكفايتهم وتوجيههم وتربيتهم, وهذا يشمل حتى المساكين الذين هم تحت رعايتك من الأولاد ذكوراً كانوا أم إناثاً, وكذلك الأخوات والزوجات وغيرهم. فالمهم أن فضل الله واسع والحمد لله, والعبادات كثيرة نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 5 موسم حج بيت الله الحرام ومن حكمة الله عز وجل أنه لما انتهى موسم فرض الصيام بانتهاء رمضان دخل موسم حج البيت الحرام, الذي هو ركن من أركان الإسلام أيضاً, فإن أشهر الحج تبتدئ من أول يوم من شوال, إذ أن أشهر الحج: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة, وهذه الأشهر كلها زمن لأداء الحج سواء أكان فريضة أم تطوعاً. وجعل الله تعالى هذه الأشهر؛ لأنه قد يحتاج الناس إليها كما لو كانوا في بلاد بعيدة وكانت المواصلات صعبة, فإن هذه المدة هي التي تكفي غالباً إلى الوصول إلى البيت, ولهذا كان الناس فيما سبق يتأهبون للحج من دخول شهر شوال, أما الآن والحمد لله وقد سهلت المواصلات فإنهم ربما لا يتهيئون ولا يستعدون إلا في زمنٍ متأخر, ولا نعلم فلعل يوماً من الأيام أن يحتاج الناس إلى ما كانوا يحتاجون إليه من قبل من الإبل والبغال والحمير, فلا ندري هل الأمور تبقى على ما هي عليه الآن أم تختلف، الأمر كله بيد الله عز وجل! فالإنسان متقلب دائماً بين مواسم الخير, صوم وحج ثم يأتي بعد ذلك شهر محرم، وهكذا أبداً، فلله الحمد على هذه النعمة, ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 117 ¦ الصفحة: 7 حكم الزواج بنية الطلاق السؤال قد يسافر بعض الناس إلى خارج البلاد طالت المدة أم قصرت, فيخاف على نفسه فيريد أن يتزوج وعنده نية الطلاق, فما الفرق بين هذا الزواج وزواج المتعة أو ما يسمى بالزواج العرفي؟ الجواب الزواج بنية الطلاق محرم على المشهور من مذهب الإمام أحمد , وقال: إنه مثل المتعة, لأن الإنسان نوى أن يكون زواجاً مؤقتاً والمتعة زواج مؤقت, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . فما دام أن هذا الرجل قد نوى التوقيت في زواجه فهو متعة, كما لو نوى التحليل -أي: تحليل المطلقة ثلاثاً- بدون أن يشترط عليه، فإن النكاح يكون باطلاً. وقال بعض العلماء: إنه لا بأس به, أي: لا بأس أن يتزوج الإنسان ونيته أنه إذا فارق البلد طلقها. والفرق بينه وبين المتعة: أن المتعة نكاح مؤقت بشرط أنه إذا انتهى الوقت انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج, وأما هذا فهو نوى أن يتزوجها بنية الطلاق إذا فارق البلد ولكن قد يرغب فيها وتبقى معه, لكن فيه محذور غير التوقيت. وهو الغش والخداع للمرأة وأهلها, فإنهم لو علموا أن الرجل سيطلقها إذا فارق البلد لم يزوجوه, ويكون هذا قد خدعهم وغشهم، فمن هذه الناحية يكون حراماً, لكن لو فعل الإنسان وأقدم على هذا الشيء وقال: إنه سوف يغش فإنه لا يسمى متعة, لأن المتعة تكون محددة إذا انتهى وقتها انفسخ النكاح بدون اختيار من الزوج. والراجح أنه يحرم عليه أن يتزوج بنية الطلاق, وعليه أن يصبر ويحتسب, أو يتزوج بغير نية الطلاق, ثم إذا فارق له أن يطلق. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 8 ضابط خروج المرأة إلى السوق السؤال يرى بعض الإخوة: أنه لا ينبغي للمرأة المسلمة أن تخرج من بيتها مع محرمها إلى السوق مطلقاً, حتى لو لم يلاحظ عليها ما يدعو عليها من الفتنة قائلين: بأن المرأة حتى ولو كانت على قدر من الصلاح والاستقامة فإنها ربما تنظر إلى الرجال، وربما تتعرض للأذية من البعض وهكذا وحينئذٍ يكون في خروجها مفسدة عظيمة, فما هو الضابط الشرعي لخروج المرأة من بيتها بمحرم وبدون محرم للضرورة؟ أرجو توضيح هذا الأمر لي ولإخواني والله يحفظكم وجزاكم الله خيراً؟ الجواب لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن, فإذا أمكن ألا تخرج فهذا هو المطلوب, وإذا اضطرت للخروج فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات, ولكن لا تخرج إلا لحاجة, إما أن تشتري حاجة لا يقوم وليها بشرائها, لأن السلع تختلف وهي قد تختار سلعة معينة لا يقوم وليها بشرائها, مع أني أظن أن الأمر سهل: وذلك بأن يشتري الولي السلعة التي ذكرت له ويقول للبائع: إنه سيريها أهله إن رضوا بها أو ردها, وهذا ممكن, فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال ولا تخرج إلا للضرورة, وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة. أما اصطحاب محرم لها فلا شك أنه أفضل وأولى, لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر. ولكن من المؤسف: أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله, فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله, فلا يفعل هذا الفعل, إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 9 ضابط الستر على أصحاب الفواحش السؤال بعض الناس قد يرى أناساً على معصية من لواط أو زنا -والعياذ بالله- ثم يحدث بها بعد أيام، ويقول: أنا رأيت أناساً لكن لا أعلمك، أنا أريد أن أستر عليهم, والستر طيب, فلا أدري هل يكون هذا من الستر؟ وما هي صفة الستر؟ ومثلاً: إذا وجد مثل هؤلاء ماذا يعمل معهم؟ الجواب الواجب على من رأى شخصاً على فاحشة أو غيرها من المعاصي أن ينصحه أولاً, ثم إن اهتدى فهذا المطلوب, وإن لم يهتد وجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر. ولا ينبغي إطلاقاً أن يحدث الناس بما رأى من المعاصي, لأنه إذا فعل ذلك هانت هذه المعصية في نفوس الناس, ثم تصور الناس الذين سمعوا هذا أن المجتمع كله هكذا, وهذا خطأ, المجتمع والحمد لله فيه خير وفيه شر, لكن خيره في أكثر بلادنا -والحمد لله- أكثر من شره بلا شك, فكون الإنسان يتحدث بما رأى من المعاصي والفسوق والفجور في المجتمعات أرى أنه خطأ, وأن الإنسان عليه أولاً أن يعالج المشكلة مع صاحب المعصية, فإذا أمكن أن يعالجها بنفسه فهو أولى, واقتناع الإنسان بما علم من الشرع خير من ارتداعه بما حصل من السلطان, لأنه يترك شيئاً عن قناعة، ويتوب إلى الله توبة حقيقية, فإن لم يمكن هذا فيرفع الأمر إلى ولي الأمر وتبرأ الذمة بذلك. أما كون بعض الناس إذا رأى شيئاً ذهب يتحدث، ثم ربما يزيد الطين بلة ويصف الأمر بأكثر مما رآه فهذا غلط، ولا نحبب هذا. أما بالنسبة للستر: إذا كان الإنسان لا يتمكن من نصيحة هذا الذي رآه على معصية, فهذا ينظر: إذا كان إنساناً معروفاً بالشر والفساد فلا ينبغي أن يستر عليه, إذ يبين أمره لولي الأمر, وأما إذا كان مجهول الحال، أو معروفاً بالاستقامة ولكن نفسه سولت له أن يفعل ما فعل, فالستر عليه أولى. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 10 كيفية تنفيذ الوصية السؤال توفي رجل وقبل وفاته أوقف بيتاً وكتب وصية بأن يكون بيع هذا الوقف على المحتاجين من أولاده, وفي أضحية له وفي تعمير البيت, والآن استغنى الأولاد عن بيع هذا الوقف وبيعه يزيد عن الأضحية وعن التعمير, والسؤال الآن: هل المال المجتمع من هذا الوقف عليه زكاة؟ وفيما يصرف الباقي؟ الشيخ: أما الجواب على هذا السؤال فلا أستطيع أن أجيب حتى أنظر الوثيقة, لأنه قد يكون في الوثيقة حرف يغير المعنى الذي فهمناه الآن. السائل: الوثيقة أنا أعرفها والوالد والدي ذكرها: أنها على المحتاجين، وعلى تعمير الوقف، والأضحية. الشيخ: إذا كان على المحتاجين وفي الأضحية وفي تعمير الوقف, فالغالب أن الناس يقولون: تقدم عمارة الوقف, ثم الأضحية ثم المحتاجون من الذرية أو من الأقارب, ولا يخلو فخذ أو بطن أو قبيلة من الناس من المحتاج, فيصرف إما على الذرية إن كانوا محتاجين، أو على من سواهم من الأقارب. السائل: ولو لم تنص الوصية على هؤلاء؟ الشيخ: ولو لم تنص الوصية على هذا, ولا ينبغي أن تبقى الدراهم محجوزة هكذا. السائل: وهل المال عليه زكاة؟ الشيخ: ليس عليه زكاة ما دام لم يملكه الموقوف عليهم؛ لأنه ليس عليه مالك، لأن هؤلاء لا يستحقونه ما دام الاستحقاق مشروطاً بالحاجة وهم لا يحتاجون فهم لا يستحقونه ولا يملكونه, وحينئذٍ يكون مالاً ليس له مالك, ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون للمال مالك, لكني كما قلت لك: لا أرى أنكم تحبسونه، أرى أن يصرف في جهة الخير؛ لأن ينتفع به الميت، ولئلا يكون عرضة للتلف فيما بعد. السائل: نحن نخشى فقط الخروج عن نص الوصية. الشيخ: لا يضر ما دام أن المنصوص عليهم لا يحتاجونه، وهو مشروط بالحاجة فيصرف في مصارف أخرى. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 11 معنى القول السديد السؤال في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] فما معنى: القول السديد, هل هي الدعوة، أو ذكر الله؟ الجواب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] القول السديد هو القول الصواب, سواء بالدعوة إلى الله، أو بتعليم العلم، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غير ذلك, المهم أن القول السديد ما كان صواباً تسد به الحاجة, فذكر الله قول سديد, الأمر بالمعروف قول سديد, النهي عن المنكر قول سديد, تعليم العلم قول سديد, التحدث مع الإخوان للانبساط وإزالة الوحشة عنهم وإدخال السرور عليهم من القول السديد. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 12 مشروعية قضاء الست من شوال السؤال لو استغرق قضاء رمضان شهر شوال كله, هل يشرع أن يتبع بستة أيام من ذي القعدة؟ الجواب إذا قدرنا أن الإنسان كان عليه صوم رمضان كاملاً إما بسفر أو مرض أو بنفاس, وصام شهر شوال وانتهى شوال كله قضاءً فإنه يصوم الأيام الستة في ذي القعدة؛ لأنه إذا كان رمضان وهو فرض يقضى بعد فواته, فكذلك النافلة, ولأن صوم الست من شوال تابعة لرمضان, أما لو تهاون في القضاء ومضت أيام يتمكن فيها من القضاء ثم لم يقضِ عليه من رمضان إلا في آخر شوال ثم أراد أن يتبعه بست من شوال فهذا لا يجزئه؛ لأنه أخرج العبادة عن وقتها بدون عذر. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 13 وجوب الموالاة في الطواف السؤال رجل طاف خمسة أشواط وشعر بتعب شديد وإعياء من شدة الزحام, فكانت الساعة العاشرة مساءً, فارتاح إلى بعد صلاة الفجر ونام نوماً خفيفاً, فهل يستأنف الطواف من الشوط السادس، أم يعيد الخمسة الأشواط؟ الجواب لا بد أن يستأنف الطواف إذا فصل بين أجزائه فاصلاً طويلاً, أما الفاصل اليسير كما لو أقيمت الصلاة فصلى فهنا يبني على ما سبق, ولا يحتاج على القول الراجح أن يبدأ من أول الشوط, بل يكمل من المكان الذي توقف فيه, وكذلك لو حضرت جنازة وصلى عليها فإنه لا ينقطع, أما لو انتقض وضوءه على القول بأن الوضوء شرط لصحة الطواف, ثم ذهب ليتوضأ فلا بد من استئناف الطواف من البداية, وعلى هذا فالمسألة التي ذكرتها نقول: يجب عليه أن يعيد الطواف من بدايته، فإن فعل وإلا فهو لا يزال في عمرته، ويجب أن يخلع الثياب ويتجنب جميع محظورات الإحرام ويذهب إلى مكة , ويطوف من أول الطواف ويسعى ويقصر, وأما ما فعله من المحظورات في هذه الحال فهو جاهل ولا شيء عليه. لأنه لا بد من الموالاة؛ لأن العبادة واحدة ولا بد أن يبني بعضها على بعض, لكن بعض العلماء -وليست المسألة إجماعية- قال: إنه لو فصل بفريضة أو جنازة فلا بأس. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 14 حكم الهبة لأحد الورثة السؤال رجل يريد أن يهدي زوجته هدية، إما مالاً، أو قطعة أرض, فيقول: هل هذه تؤثر على الميراث، ويكون بالتالي مجحف في حق بقية أسرته؟ الجواب إذا كان الإنسان في صحته ووهب أحداً من الورثة شيئاً فإن الهبة صحيحة, ولا تعد هذه عطية جائرة؛ وذلك لأن الإنسان الصحيح تصرفه صحيح, ولا يعرف فقد يموت هؤلاء الذين يظنهم ورثته قبله فيكون هو الوارث, أما إذا كان هذا في مرض الموت المخوف فإنه لا يجوز أن يتبرع لأحد من الورثة بشيء, لا الزوجة ولا غيرها, وأما غير الورثة فله أن يتبرع لهم بالثلث فأقل، هذا في مرض الموت المخوف, أما إذا كان في حال صحته فلا بأس أن يعطي بعض الورثة ويحرم الآخرين, إلا في الأولاد, فالأولاد يجب المساواة بينهم بحسب ميراثهم فيعطي الذكر مثلي ما يعطي الأنثى. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 15 المقصود بالعلم الذي يؤجر عليه السؤال قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به) هل المراد به العلم الشرعي أم العلم الدنيوي؟ الجواب الظاهر أن الحديث عام, كل علم ينتفع به فإنه يحصل له الأجر, لكن على رأسها وقمتها العلم الشرعي, فلو فرضنا أن الإنسان توفي وقد علم بعض الناس صنعة من الصنائع المباحة, وانتفع بها هذا الذي تعلمها فإنه ينال الأجر، ويؤجر على هذا. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 16 حكم الذكر باللسان مع غفلة القلب السؤال إذا قال الإنسان الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قلبه غير حاضر فهل يؤجر على هذا؟ الجواب لا شك أن الإنسان إذا فعل العبادة بحضور القلب فهو أفضل, لكن إذا فعلها مع الغفلة فإنه يؤجر على هذا؛ لأن أصل فعله إنما كان عن نية التقرب إلى الله عز وجل, وهذا كاف لثبوت الثواب, لكنه يكون ناقصاً بلا شك، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28] ولم يقل: من أغفلنا لسانه, وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان عند ذكر الله أن يكون حاضر القلب, حتى لا يكون قلبه غافلاً, ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن الشيطان يأتي الإنسان في صلاته ويقول: اذكر كذا اذكر كذا يذكره بما كان ناسياً) ولم يقل الرسول: إن صلاته باطلة, فدل ذلك على أن الذكر وكل قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه مع الغفلة يكون له ثواب فيها, وتجزئه عن الواجب إن كانت واجبة لكنها ناقصة بحسب نقص حضور القلب. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 17 من تطلق عليه كلمة شيخ؟ السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يصح أن تطلق كلمة الشيخ لكل أحد من الناس, ولا سيما أن هذه الكلمة أصبحت متفشية, فأرجو توضيح ذلك؟ الجواب كلمة شيخ في اللغة العربية لا تكون إلا للكبير, إما كبير السن، أو كبير القدر بعلمه أو ماله أو ما أشبه ذلك, ولا تطلق على الصغير, لكن كما قلت: تفشت الآن حتى كاد يلقب بالشيخ من كان جاهلاً أو لم يعرف شيئاً, وهذا فيما أرى لا ينبغي, لأنك إذا أطلقت على هذا الشخص كلمة شيخ وهو جاهل لا يعرف اغتر الناس به, وظنوا أن عنده علماً، فرجعوا إليه في الاستفتاء وغير ذلك، وحصل بهذا ضرر عظيم, وكثير من الناس -نسأل الله لنا ولهم الهداية- لا يبالي إذا سئل أن يفتي ولو بغير علم, لأنه يرى إذا قال: لا أدري؛ كان ذلك نقصاً في حقه, والواقع أن الإنسان إذا قال فيما لا يعلم: لا أدري, كان ذلك كمالاً في حقه, ولكن النفوس مجبولة على محبة الظهور إلا من عصم الله عز وجل. فالذي أرى: أنها لا تطلق كلمة شيخ إلا على من يستحقها, إما لكبره، أو لشرفه وسيادته في قومه, أو لعلمه, وهذا كما كان بعض الناس الآن يطلق كلمة إمام على عامة العلماء, حتى وإن كان هذا العالم من المقلدة يقول: هو إمام, وهذا أيضاً لا ينبغي, ينبغي ألا تطلق لفظ إمام إلا على من استحق أن يكون إماماً، وكان له أتباع, وكان معتبراً قوله بين المسلمين. وبقي علينا أنك سلمت وكذلك الأخ من قبلك سلّم عند إلقاء السؤال، وهذا ليس من السنة, لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يلقوا السؤال على الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يلقوا عليه السلام, إلا من قدم إلى المجلس فهذا يسلم. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 18 التعليق على فقرات من كتاب التراث الجغرافي الإسلامي السؤال جاء في كتاب التراث الجغرافي الإسلامي للدكتور محمد محمود محمدين , فقرتين، حيث إني أقوم بتدريس هذا الكتاب للطلبة في الكلية المتوسطة في عنيزة , فأرجو من سيادتكم بيان هذه الفقرتين من هذا الكتاب: الفقرة الأولى: يقول: جاء في سنن الترمذي في كتاب فضائل القرآن: (هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة, ولا يشبع منه العلماء, ولا يخلق من كثرة الترداد ولا تنقضي عجائبه) . وجاء في كتابه: وانطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنقضي عجائبه) ينبغي علينا أن نوضح الإشارات القرآنية ودلالتها في ظل الحقائق التي وصل إليها العلم, وبلغ بها مرتبة اليقين. فهل هذا أثر، أم حديث؟ ثم جاء حديث أيضاً ولنتذكر حديث النبي عليه الصلاة والسلام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ما صحة هذا؟ الجواب هذا حديث لكن في صحته نظر, وعجائب القرآن لا شك أنها لا تنقضي؛ لأنه كلام الله عز وجل, ولكنه ما ذكر من الإشارات فيه حق وباطل, فالإشارات التي يرمي إليها الصوفية وغيرهم من أهل التخييل والفلاسفة لا شك أنها باطلة, وأما الإشارات إلى عجائب الكون وما يحدث فيه إذا صدقها الواقع فهذا لا بأس به, لأن كثيراً من الأشياء صدقها الواقع, أشار إليها القرآن ثم إن الواقع صدقها وكانت في الأول لا تدور في الخيال ولا يظن الإنسان وقوعها فوقعت. وحديث ابن عباس هذا صحيح مشهور, وذلك محمول على من يفسر القرآن برأيه لا بما يقتضيه الشرع، أو تقتضيه اللغة العربية, مثل: تفسير أهل الأهواء, يفسرون القرآن بآرائهم مثلاً: يقول في قول الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] يقول: المراد باليدين النعمة ليست اليد الحقيقة. ويقول: في قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] أي: استولى عليه. وما أشبه ذلك, هذا فسر القرآن برأيه, أما من فسر القرآن بما يقتضيه الشرع أو بما تقتضيه اللغة حيث لا حقيقة له شرعية فإن هذا لا بأس به. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 19 جواز قطع صيام النفل بجماع وغيره السؤال رجل صام صيام تنفل, ثم واقع زوجته وهو يصوم نفلاً, هل عليه إثم ذلك؟ وهل يقضي هذا اليوم حيث كان في عبادة لله جل وعلا؟ الجواب ليس على من جامع زوجته في صيام النفل حرج؛ لأن صيام النفل تطوع, والتطوع إن شاء الإنسان أمضاه وإن شاء قطعه, وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أهله فأخبروه بأنه أوتي لهم بحيس، فقال: (أرنيه فقد أصبحت صائماً، فجاءت به إليه عائشة رضي الله عنها فأكل منه) وهذا دليل على جواز على قطع النفل, سواء بجماع، أو بأكل أو بشرب. وأما قضاؤه فإن كان هذا اليوم معيناً كصوم يوم الإثنين -مثلاً- فلا يقضى, لأن هذا الصوم مقيد بيوم معين وقد انتهى وزال, وأما إذا كان غير معين كصيام ثلاثة أيام من الشهر فإنه يقضيه ولكن ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 20 حكم الزكاة في الحلي المستعمل السؤال هناك امرأة أخرجت زكاة حليها, فلما أرادت إخراج زكاة حلي والدتها رفضت وقالت: لا زكاة عليّ فيه, وهي الآن تسأل: هل لها أن تخرج زكاة حلي والدتها بدون علمها, مع أنها في السنة الماضية أخرجت الزكاة بدون علمها؟ الجواب أما إخراج زكاة حليها فهذا لا شك أنه خير ومصلحة ومشروع, فالواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب, كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما زكاة حلي أمها فإن أذنت في ذلك ووكلتها فلا بأس, وإن أبت فليس على البنت شيء, لا يلزمها أن تخرج الزكاة، لا سيما إذا كانت أمها تقلد من يرى أنه لا زكاة في الحلي؛ لأن المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمن العلماء من يقول: فيه زكاة, ومنهم من يقول: لا زكاة فيه, والراجح أن الزكاة فيه واجبة. وأما السنة الماضية تكون تطوعاً وليس بواجب؛ لأن الأم لا تعتقد الوجوب، وليس لها أن تخرجه بدون إذنها. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 21 السجود الذي يجب له الطهارة السؤال هل تجب الطهارة لسجود التلاوة وغيرها من السجدات؟ الجواب هذا ينبني على سجود التلاوة هل هو صلاة، أم لا؟ فإن قلنا: هو صلاة وجبت له الطهارة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حدثاً حتى يتوضأ) ، وإذا قلنا: إنه ليس بصلاة لم تجب الطهارة, والمسألة فيها خلاف بين العلماء. والذي نرى: أن سجود التلاوة لا يفعله المرء إلا إذا كان طاهراً, وإلا فلا يسجد, وأما سجود الشكر فإنه يأتي الإنسان بغتة, وقد يكون على غير وضوء، فهنا لا بأس أن يسجد, فنرى الفرق بين سجود التلاوة وسجود الشكر, ومما يدل على هذا الفرق: أن سجود الشكر في الصلاة لا يجوز, فلو أن إنساناً وهو يصلي بشر بولد له, فإنه لا يسجد للشكر, لكن لو كان يتلو القرآن ومر بآية سجدة فإنه يسجد, فهذا الذي أراه في المسألة، أن سجود التلاوة لا بد فيه من طهارة وسجود الشكر لا يشترط له الطهارة. ولا بأس إذا كان وضوءاً خفيفاً لئلا يطول الوقت, ولكن ينبغي ألا تقرأ القرآن إلا على طهارة, فالأفضل للإنسان ألا يقرأ القرآن إلا على طهارة سواء قرأه من المصحف أو عن ظهر قلب, لكن له أن يقرأ بغير طهارة؛ لأنه ليس من شروط من قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهراً, إلا من الجنابة, فالجنابة لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن حتى يغتسل. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 22 حكم الدعاء الجماعي آخر المجلس السؤال بعض الناس يجتمعون على حديث ذكر, وفي النهاية يقومون بدعاء جماعي واحد يدعو والبقية يقولون: آمين, هل هذا صحيح؟ الجواب هذا صحيح إذا لم يتخذ عادة, فإن اتخذ عادة صار سنة, وهو ليس بسنة, فإذا كان هذا عادة كلما جلسوا ختموا بالدعاء، فهذا بدعة لا نعلمها عن النبي عليه الصلاة والسلام, وأما إذا كان أحياناً كأن يمر بهم وعيد أو ترغيب ثم يدعون الله عز وجل فلا بأس, لأنه فرق بين الشيء الراتب والعارض, العارض قد يفعله الإنسان أحياناً ولا يلام عليه, كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي معه بعض الصحابة في صلاة الليل جماعة, ومع ذلك ليس بسنة أن يصلي الإنسان جماعة في صلاة الليل إلا أحياناً. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 23 حكم من نام في السجدة الأخيرة السؤال صلّى مصلٍّ خلف إمام فنام في آخر سجدة, فما استيقظ إلا مع سلام الإمام, فهل يتم ويسجد سجود السهو علماً بأن سهو الإمام سهو للمأموم؟ الجواب هذا الرجل الذي نام في آخر سجدة وما بقي عليه إلا التشهد, ولما سلّم الإمام انتبه وقام من السجود, نقول: يتشهد هذا المأموم ويسلم, ولا سجود عليه؛ لأنه لم يفته شيء من الصلاة, والإمام يتحمل سجود السهو عن المأموم إذا كان المأموم لم يفته شيء من الصلاة. ويجب عليه أن يتشهد ويسلم، فإن كان لم يذكر إلا بعد مدة، أو لم يعلم إلا بعد مدة وجب عليه أن يأتي بالصلاة كاملة. إذاً يجب عليه أن يؤدي الصلاة من أولها, لكن لو ذكر في الحال بعد أن سلّم مع الإمام أنه يجب عليه أن يتشهد, فيجب عليه أن يتشهد ويسلم ولا يسجد للسهو, وسبب ذلك أنه تابع لإمامه. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 24 جواز إخراج الرجل زكاة حلي زوجته السؤال إذا كانت المرأة لديها حلي عليه زكاة وليس عندها مال, فهل للزوج أن يخرج الزكاة عن زوجته؟ الجواب نعم لا بأس بذلك, يعني: إذا كانت امرأة عندها حلي ولكن ليس عندها مال تخرج منه الزكاة, وأخرج عنها زوجها أو أبوها أو أخوها أو ابنها فلا بأس, لكن بإذنها، حتى لو كان عندها مال, وقال الزوج: أنا أريد أن أخرج زكاة حليك فلا بأس بعد إذنها, فإذا لم يكن عندها مال والزوج ليس مستعداً لإخراج زكاتها, وكذلك ليس أحد يريد أن يخرج عنها, فإنها تبيع من الحلي بقدر الزكاة وتزكي. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 25 ضابط أيام العيد السؤال من الناس من يزيد في أيام العيد, هل هذه الزيادة صحيحة؟ الشيخ: اليوم الأول عيد ليس فيه إشكال, والثاني والثالث عيد أيضاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (دعهما -أي: الجاريتين اللتين كانتا تغنيان- فإنها أيام عيد) وكلمة أيام جمع, وأقل الجمع ثلاثة, فلا حرج أن الإنسان يجعل الأيام الثلاثة كلها عيد, إلا في مسألة واحدة وهي الصيام, فالصيام لو قال: إنه لن يصوم لليوم الثاني والثالث من شهر شوال؛ لأن صومها حرام كالعيد، فهذا لا يجوز, أما في ذي الحجة فمعلوم أن أيام التشريق لا يجوز صومها, فإذا أضفنا ثلاثة أيام ليوم العيد صارت أربعة, ولعلك تريد أن ما يفعله الناس من أفراح, فنقول: هي ثلاثة أيام في العيدين: عيد الأضحى, وعيد الفطر. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 26 حكم الضرب على الزير السؤال بمناسبة الأعياد هناك أناس يحتفلون بالضرب على الزير, ويأتون بأهازيج وسيوف وبنادق فأنكرنا عليهم الزير قالوا: نريد فتوى من الشيخ توضح ذلك, وما صحة الحديث الذي يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمه حمزة قطع بـ أحد , فضرب الزير، فإن لحم عمي يتجمع بهذا الشيء، فقال العوام: نحن نريد جواباً من الشيخ على الزير ونحن مستعدون أن نترك؟ الجواب الذي نفهم أن الزير من آلات اللهو المحرمة, لأنه ليس كالدف, الدف مما جاءت به السنة في أيام الأعراس, ومما أبيح للرجال والنساء في أيام الأعياد، وفي مسألة العرس للنساء فقط, ومن العلماء من قال: للنساء والرجال لكننا لا نفتح الباب في هذه المسألة. أما الزير فليس كذلك, لأن الزير أشد صوتاً من الدف, ونغمته أشد تطريباً للإنسان, فلا يقاس عليه, فهو حرام؛ لأن الأصل في المعازف أنها حرام فلا يباح منها إلا ما جاء في السنة واستثنائه. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 27 حكم الزيادة على ركعتين في صلاة الليل السؤال صلّى أحد الأئمة صلاة القيام وسلم على ثلاث ركعات, فلما سلم ذكروه قالوا: صلينا ثلاثاً, فقام فأتى بواحدة ثم سلم, ثم أتى بالوتر, هل هذا صحيح؟ الجواب أولاً يجب على الإنسان أن يعلم أن صلاة الليل مثنى مثنى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام, فإذا قام إلى الثالثة سهواً وجب أن يرجع إذا ذكر, ولو كان قد طرأ, حتى إن الإمام أحمد رحمه الله نص على أن الرجل إذا قام إلى الثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى الثالثة في صلاة الفجر. يعني: إذا تعمد القيام بطلت, وإن كان سهواً وجب عليه الرجوع لتصح الصلاة. في المثال الذي ذكرت نقول: إن إتمامه للأربع لا بأس به, ويتم الأربع حتى لا يكون عنده وتران, ثم إذا أتم صلّى الوتر كما فعل هذا الرجل ولا بأس به. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 28 حكم زيارة المرأة لقبور الشهداء وغيرهم السؤال ما حكم زيارة المرأة لقبور الشهداء؟ الجواب الصحيح أن المرأة لا يحل لها أن تزور القبور, لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور) لكن لو مرت بالمقبرة من غير قصد ووقفت وسلمت فلا بأس, المحظور: أن تخرج من بيتها لقصد زيارة المقبرة, سواء شهداء أحد أو البقيع أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه, ومن العلماء من استثنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه وقال: إن هذه القبور الآن محجورة بمعنى: أن عليها جدراً، فالواقف من خارج القبة لا يكون زائراً للقبر, فالراجح: أن المرأة لا تزور القبور مطلقاً، لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا البقيع ولا الشهداء ولا غيرهم. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 29 أعمال الشيطان ووسوسته لبني آدم السؤال في قول الله عز وجل عن الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] دليل على أن دعوة الشيطان وأنصاره وأعوانه هي الوسوسة والإيحاء, ثم نرى ونسمع كثيراً أن بعض الناس من أولياء الشيطان يطيرون في الهواء، أو يأتون بأعمال خارقة, فكيف نوفق بين أن الله قال في أمر الشيطان: إنه دعوة, ثم إتيانهم بأعمال غير عادية, فنريد التوضيح؟ الجواب هؤلاء الذين يقومون بأفعال خارقة للعادة تعينهم الشياطين على ذلك؛ لأنهم أجابوا دعوة الشيطان، فأعانتهم الشياطين على ما يريدون، فمثلاً: لا يمكن هؤلاء أن يقوموا بما يقومون به من هذه الخوارق, إلا بعد أن يشركوا بالله ويكفروا به بطاعة الشيطان, إما أن يقول له الشيطان: اسجد, أو اذبح, أو ما أشبه ذلك مما يكون شركاً وكفراً, ثم تعينهم الشياطين في هذه الأمور, والشياطين تحملهم فعلاً إلى الأماكن البعيدة لكن الناس لا يرونهم, فيظن الإنسان أن هؤلاء الذين فعلوا هذه الخوارق من أولياء الله, وهم في الحقيقة من أعداء الله وأولياء الشياطين. وقوله: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] أعم مما ذكرت, حتى إذا دعا الإنسان إلى الشرك وأشرك فإنه قد أجاب الشيطان. فهو يقول: أنا ما لي عليكم من سلطان، ولا عليكم من قوة ولا قدرة ولا حجة، لكني دعوتكم إلى ما دعوتكم إليه فاستجبتم لي. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 30 حكم عدم الإتيان بالتكبيرات في صلاة العيد السؤال إمام قام للركعة الثانية لصلاة العيد ولم يكبر التكبيرات, بل شرع في الفاتحة, هل على صلاته سهو؟ الجواب هذا الإنسان إذا ترك التكبيرات في صلاة العيد -وأعني بها التكبيرات الزائدة- فإن صلاته لا تبطل, لأن هذه التكبيرات سنة, إن أتى بها الإنسان كانت أكمل لصلاته وأكثر لثوابه، وإن لم يأتِ بها فلا حرج عليه, فإذا تركها نسياناً فإنه يسجد للسهو استحباباً لا وجوباً, لأن القاعدة في سجود السهو: أنه يجب لما يبطل الصلاة عمده, أي: الشيء إذا تعمدته بطلت صلاتك فإنك إن فعلته ناسياً فتسجد له وجوباً, وأما إذا كان لا يبطل الصلاة عمده فإنه لا يجب السجود له, هذه هي القاعدة, وهذه التكبيرات سنة لو تركها الإنسان متعمداً فصلاته صحيحة, فإذا تركها نسياناً قلنا: يستحب له أن يسجد للسهو. ولا بأس بترك التكبيرات الزائدة في الركعة الثانية دون الأولى, كما لو سبح -مثلاً- في السجدة الأولى ثلاث مرات وفي السجدة الثانية مرة واحدة. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 31 جواز صلاة المفترض خلف المتنفل السؤال دخلت المسجد الحرام لصلاة العشاء ووجدته يصلي التراويح, فهل أصلي التراويح بنية العشاء، أم أصلي العشاء؟ الجواب إذا دخل الإنسان إلى المسجد والناس يصلون صلاة التراويح وهو لم يصلِ صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية العشاء, ثم إن كان مسافراً وقد دخل مع الإمام في الركعة الأولى سلم مع الإمام, لأن المسافر يصلي ركعتين، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام فإنه يأتي بما بقي عليه من الركعات الأربع. وقد يقول قائل: كيف أصلي فريضة خلف نافلة؟ نقول: نعم, صل فريضة خلف نافلة, فإن هذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة, فتكون له نافلة ولهم فريضة. حتى وإن كان معه أحد الأفضل ألا ينفردوا عن المسلمين, الأفضل أن يصلوا مع المسلمين وينوا الفريضة. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 32 وجوب غض البصر عن زوجة العم والخال السؤال عندنا في الجنوب ينادون زوجة الخال خالة, وزوجة العم عمه وكذا, ويرون أنه لا بأس أنها تكشف عليه, فتأتي ترحب بك بدون مصافحة, وقد يكون عمرها يزيد عن الأربعين سنة, ولكنها تدخل من على الباب وترحب بك وهي كاشفة, ما رأيكم في ذلك؟ الجواب رأينا في هذا أنه خطأ، أن المرأة تكشف لغير محرمها, وزوجة العم وزوجة الأخ ليستا بمحرم, أما زوجة الابن أو الأب فهي محرم, فالواجب أن العادات تخضع للشرع. فيجب أن يغض البصر وينصحها أولاً، ويقول: إن هذا لا يجوز, فإن استفادت فهذا المطلوب, وإن لم تستفد يغض البصر, لكن إذا كانت ليست من الأقارب فإنه لا يأتي إليها إطلاقاً. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 33 وجوب أداء الدين عن الميت من تركته السؤال رجل توفي وعليه لبنك التسليف مبلغ متبقي عليه هل يبقى في ذمته؟ الجواب إذا توفي الإنسان وعليه مبلغ لبنك التسليف إن كان قد أدى الأقساط التي حلت عليه في حياته فقد برئ, والباقي يكون على الورثة, وإن كان قد بقي عليه شيء لم يؤده, فالواجب أن يؤدى فوراً ولو ببيع البيت. الجزء: 117 ¦ الصفحة: 34 حكم ترك بعض الصلوات السؤال في رمضان بالذات شعرت أن كثيراًَ من الناس تتصل به تجده نائماً, وبعض الناس يصحون بعد صلاة العصر يعني: قبل الإفطار بساعة أو ساعة ونصف, فهل هذا يدخل تحت تارك الصلاة كسلاً؟ الجواب الذي نرى أن ترك الصلاة الذي يوجب الكفر هو الترك المطلق, وأما ترك بعض الصلوات فلا يخرج به الإنسان من الإسلام لكنه لا شك أنه فاسق, ويقال لهذا الرجل: كيف تصوم ولا تصلي؟ هذا من الغرائب، الله المستعان! الجزء: 117 ¦ الصفحة: 35 لقاء الباب المفتوح [118] تحدث الشيخ في لقائه عن حرمة السخرية والاستهزاء الحاصل من الرجال والنساء فيما بينهم. ثم أجاب عن أسئلة تتعلق بالصلاة والنهي عن السخرية وأحكام في الوصية والزكاة وآخرها سؤال أجاب فيه عن حكم الموعظة الملقاة بين ركعات صلاة التراويح. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فنتكلم يسيراً على هذه الآية الكريمة في هذا اللقاء الذي يتم كل أسبوع في كل يوم خميس, واليوم هو يوم الخميس الثامن عشر من شهر شوال عام (1416هـ) . الجزء: 118 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) يقول الله عز وجل في جملة ما بين الله لعباده من الآداب والأخلاق الفاضلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] . السخرية: هي الاستهزاء والازدراء, ومن المعلوم أن الله تعالى جعل الناس في هذه الحياة الدنيا طبقات, فقال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32] أي: ليسخر بعضهم بعضاً في المصالح, وليس المراد هنا الاستهزاء, وقال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21] . إذا ثبت هذا التفضيل بين الناس فهم يتفاضلون في العلم, فبعضهم أعلم من بعض, في علوم الشريعة وعلوم الوسيلة كعلوم اللغة العربية من النحو والبلاغة وغيرها. وهم يتفاضلون في الرزق، فمنهم من بسط له في رزقه, ومنهم من قدر عليه رزقه. وهم يتفاضلون في الأخلاق, فمنهم ذوي الأخلاق الفاضلة العالية ومنهم دون ذلك. هم يتفاضلون في الخلقة, منهم السوي الخلقة ومنهم من دون ذلك, المهم أنهم يتفاضلون. ويتفاضلون كذلك في الحسب منهم من هو ذو حسب ونسب, ومنهم دون ذلك. فهل يجوز لأحد أن يسخر ممن دونه؟ في هذه الآية يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11] فيخاطبنا جل وعلا بوصف الإيمان, وينهانا أن يسخر بعضنا من بعض, لأن المفضل هو الله عز وجل, وإذا كان هو الله لزم من سخريته بهذا الشخص الذي هو دونك أن تكون ساخراً بتقدير الله عز وجل, وإلى هذا يوحي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) ، وفي الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر, بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) فلماذا تسخر من هذا الرجل الذي هو دونك في العلم أو في المال أو في الخلق أو في الخلقة أو في الحسب أو في النسب؟ لماذا أليس الذي أعطاك الفضل هو الله والذي حرمه هذا في تصورك هو الله عز وجل؟! ولهذا قال الله عز وجل: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) رب ساخرٍ اليوم يكون مسخوراً به في الغد, ورب مفضول اليوم يكون فاضلاً في الغد, وهذا شيء مجرب, وفي بعض الآثار يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله) وفي الأثر أيضاً: [لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك] . إذاً يجب على الإنسان أن يتأدب بما أدبه الله به, فلا يسخر من غيره الجزء: 118 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (عسى أن يكونوا خيراً منهم) قال تعالى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] ونص على النساء والرجال بالتفصيل حتى لا يقول أحد: إن هذا خاص بالرجال لو ذكر الرجال وحدهم, أو بالنساء لو ذكر النساء وحدهن, وبهذا نعرف الفرق بين القوم والنساء, إذا جمع بين القوم والنساء فالقوم هم الرجال والنساء هن الإناث, وإن ذكر القوم وحدهم شمل الرجال والنساء, مثل ما يذكر في الرسل عليهم الصلاة والسلام أنهم أرسلوا إلى قومهم, فهو يشمل الذكور والإناث, لكن إذا ذكر القوم والنساء صار النساء هن الإناث والقوم هم الذكور, {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] . الجزء: 118 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 118 ¦ الصفحة: 5 حكم صلاة وقراءة القرآن للجنب السؤال هناك قضية بين الطلاب وهي: أن بعضهم يحدثون حدثاً ويذهبون إلى المدارس دون أن يتطهروا من الجنابة, ويقرءون القرآن ويصلون -مثلاً- صلاة الظهر بدون طهارة, السؤال: ما حكم من صلّى وهو بغير طهارة؟ الجواب الواجب على من أصابته جنابة أن يغتسل قبل أن يقرأ القرآن, لأن قراءة القرآن على الجنب حرام على القول الراجح, ولا يحل للإنسان أن يقرأ شيئاً من القرآن بنية قراءة القرآن وهو جنب, ومن المعلوم أنه إذا صار عليه جنابة فهو بالغ لا تسقط عنه الواجبات, لكن قد يقول التلميذ مثلاً: أخشى إن تأخرت أن يعاقبني الأستاذ، نقول: نعم قد يعاقبك الأستاذ ولكن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة. أما من صلّى وهو محدث حدثاً أكبر أو أصغر فإنه قد أتى إثماً عظيماً والعياذ بالله, حتى إن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أن من صلّى وهو محدث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة, لأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل, فالأمر خطير, والواجب على التلميذ إذا كان يخشى من عقوبة المدرسين -كما يقول- إذا تأخر, فليذهب إلى المدرسة ثم ليستأذن في أثناء الدرس أن يذهب ويتطهر, ولا أظن أن الأستاذ إذا استأذن منه التلميذ واعتذر هذا العذر أن يرده. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 6 جواز الوكالة في إخراج الزكاة السؤال الفطرة في كل سنة أخرجها بيدي, والآن أنا مريض، وقد أوكلت إخراجها إلى شخص آخر فهل يحق لي ذلك أو أكون مذنباً؟ الجواب لا حرج على الإنسان أن يوكل من يخرج فطرته حتى ولو بلا عذر, التوكيل في هذا جائز سواء في إخراج الفطرة وهي زكاة الفطر, أو في إخراج الزكاة أيضاً, لو كان على الإنسان زكاة وقال: يا فلان خذ هذه الزكاة وفرقها على نظرك فلا بأس. وكذلك لو كان عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين, ووكلت من يطعم عنك فلا بأس, لأن هذه الأمور مما تدخلها النيابة, حتى وإن أعطيته المال وقلت: خذ هذا المال واشترِ به فطرة ووزعها على نظرك فلا بأس. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 7 بعض أحكام الدفن السؤال ما حكم الوقوف عند القبر بعد الفراغ من الدفن للدعاء؟ وما حكم وضع علامة عليه, أو كتابة الاسم لتمييزه لقصد الزيارة؟ وما حكم المشي بين القبور بالحذاء؟ الجواب السؤال: الأول: الوقوف بعد الدفن عند القبر والدعاء له هذا من السنة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فتقف عند القبر وتقول: اللهم اغفر له, اللهم ثبته, ثلاث مرات, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاث مرات, ثم تنصرف ولا حاجة لإطالة القيام عنده, وفي قوله (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) دليل على أن الإنسان لا يدعو لقومه بمعنى: أنه لا يدعو وهم يؤمنون كما يفعله بعض الناس من بعض الجهات, ولكن كل واحد منهم يدعو لنفسه. وأما السؤال الثاني: وهو وضع علامة على القبر أو الكتابة عليه ليزوره الإنسان بعينه, فلا حرج في ذلك إذا لم يكن في ذلك إظهار للقبر وتمييز له عن غيره, وعلى هذا فلا يجعل العلامة طلاء, أو نصب طويل, أو ما أشبه ذلك, إنما يجعل علامة متواضعة لا يتميز بها القبر عن غيره لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لـ أبي هياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) . وأما السؤال الثالث: وهو المشي بالنعال بين القبور, فهذا لا بأس به للحاجة, وإن لم يكن هناك حاجة فالأفضل أن يمشي الإنسان حافياً, لأن في هذا نوع إكرام للأموات, أن تمشي بينهم حافياً, لكن إذا كان هناك حاجة مثل: أن تكون الأرض إثر مطر تتلوث به من الطين, أو شدة حرارة, أو شوك فهذا لا بأس به. وهذه الطريقة ممنوعة لدينا, أن يجمع الإنسان بين ثلاثة أسئلة في سؤال واحد. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 8 حكم الإنصات لاستماع شريط القرآن السؤال هل السامع للقارئ في الشريط له حكم سامع القارئ العادي تلاوةً من وجوب الإنصات إليه؟ الجواب إذا سجل الإنسان في الشريط فقد انتهى من أول مرة, وانقطع أجره وثوابه, اللهم إلا أن ينتفع أحد بالاستماع إلى صوته عبر الشريط فيؤجر على هذا الانتفاع, أما بالنسبة للاستماع إليه فلا يجب الاستماع إليه ولا إلى القارئ مباشرة، قال الإمام أحمد رحمه الله في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] قال: أجمعوا على أن هذا في الصلاة. يعني: إذا كان المأموم خلف الإمام, أما الإنسان يقرأ إلى جنبك وأنت مشغول بذكرك الخاص فإنه لا يجب عليك الإنصات. ثم إذا فرض أن هذا القارئ عبر الشريط مر بآية سجدة هل تسجد؟ الجواب: لا تسجد إذا مر بآية سجدة, أولاً: لأنه لم يسجد هو. ثانياً: على فرض أنه سجد وسمعته وهو يقول: الله أكبر وسجد فلا تسجد, لأنه الآن ليس إماماً لك وإنما يحكي هذا الشريط بصوته فقط, ولذلك لو أن أحداً قال: أكتفي بأذان مؤذن عبر الشريط فإذا كان عند الأذان شغل الميكرفون ثم وضع الشريط أمام اللاقط وشغله بالأذان, هل يكتفى بهذا عن الأذان المباشر؟ لا يكتفى بهذا، ولذلك تخطئ بعض المدارس على ما سمعنا أو بعض المكاتب يخطئ خطأً عظيماًَ أن يجعل الأذان عبر هذا المسجل, فأنا لا أقول إلا ما علمت, فهذا خطأ عظيم, لأن الأذان عبادة من أفضل العبادات, حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام في ثوابه: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون) يتميزون عن غيرهم, ولهذا كانت مرتبة المؤذن أفضل من مرتبة الإمام, يعني: المؤذن عمله أشق وصوته يلحق ما لحق صوت الإمام. فالحاصل أن الاستماع إلى القراءة من الشريط ليست كالاستماع من القارئ المباشر, وأيضاً لا يجب الإنصات لا للشريط ولا للقارئ المباشر؛ لأن قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]-كما سمعتم- قال الإمام أحمد: أجمعوا أن ذلك في الصلاة. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 9 حكم من لم يبيت نية صوم رمضان السؤال من صام أول يوم من رمضان ولم يبيت النية هل يقضي هذا اليوم, وهو لم يعلم أنه رمضان ولم يأكل ولم يشرب؟ الجواب هذه مسألة فيها خلاف بين العلماء, منهم من يقول: إنه لا يقضي هذا اليوم بل يمسك من حين علمه ولا قضاء عليه, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, ومنهم من قال: بل يقضي، وهذا أحوط وأولى. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 10 حكم مقولة: (الله كافلي) السؤال بعض الناس إذا سئل: من كفيلك؟ يقول: الله كافلي, ما حكم هذه الكلمة؟ الجواب إذا كان هذا القائل قالها تهرباً من الإخبار عن كفيله فهذا لا يجوز, وأما إذا كان قالها اعتماداً على الله عز وجل فقد قال الله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81] وهو سبحانه وتعالى كفيل خلقه وهو متكفل بأرزاقهم وأعمالهم وكل حاجاتهم, لكن الغالب أن هذا الذي يقول يتهرب من ذكر الكفيل ولعله يخشى إذا علم وكيله من شيء لا ندري ما هو. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 11 حكم المسبوق يقضي قبل سلام إمامه السؤال ما صحة صلاة من أدرك ركعة مع الإمام في السطح في الركعة الأخيرة وظن أن الإمام سلم, وقام ليقضي, فتبين له أن الإمام لم يسلم فهل تعتبر في حقه ركعة؟ الجواب إذا قام المسبوق لقضاء ما فاته ظناً منه أن الإمام سلم ثم تبين أنه لم يسلم يجب عليه الرجوع, فإذا سلّم الإمام قام فقضى ما فاته ثم يسجد للسهو بعد السلام. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 12 الفرق بين التشاؤم والتفاؤل السؤال تعرفون الفرق بين الطيرة والفأل, فلو أن شخصاً أراد أن يسافر فمر عليه شخص اسمه سهل تفاءل, وإن مر شخص اسمه صعب تشاءم, أليس هذا يشبه صورة من إذا أرسل الطائر فطار عن اليمين تفاءل, وإن صار شمالاً تشاءم؟ الجواب أما الفأل فكان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من التنشيط على الخير, والعمل به, فإذا أردت عملاً ثم صادفك من تحبه فنشطت على العمل, أو سمعت من يقول: يا سهل يا سهيل, يا صالح وما أشبه ذلك فنشطت فهذا طيب؛ لأنه ينشط على العمل. وأما التشاؤم فهو على العكس, ينوي الإنسان الشيء ثم يرى شيئاً قبيحاً فيتأخر عن هذا الشيء, فهذا لا يجوز, لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة. والفرق بين الفأل وزجر الطيور حتى تذهب يميناً أو ما أشبه ذلك, الفرق بينهما أن ذهاب الطيور إلى اليمين أو إلى الأمام هذا لا أثر له في هذا الأمر, إنما هو عقيدة جاهلية باطلة. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 13 حكم إعطاء الفقير ما يقيم به مشروعا ً السؤال شخص غني وله أخ فقير فهل يجوز له أن يعطيه من الزكاة ما يعمل به مشروعاً كمكينة خياطة، أو لا يعطي من الزكاة إلا ما يقتات به؟ الجواب هذا في الواقع سؤال لا ينبغي ألا نقيده بالأخ عام, هل يجوز للإنسان أن يعطي من الزكاة الفقير ليقتات به أو يعطيه ما يعمل به مشروعاً؟ الجواب: الأول ما يقتات به, لأن في الدنيا فقراء كثر يحتاجون إلى القوت, فكونه يخص هذا الأخ بالمال الكثير من أن ينشئ مشروع خياطة أو غير خياطة, معناه: يقتضي حمال الآخرين, والزكاة ليست لفلان وفلان بل هي للعموم, نعم لو فرض أن هذا الفقير انكسرت مكينته فأعطاه ما يصلحها به فلا بأس؛ لأن إصلاحها ضروري، أما أن يشتري له مكينة فلا، ونظير ذلك لو أنك أعطيت الفقير مالاً كثيراً يشتري به بيتاً، فهذا لا يجوز أن تعطيه من الزكاة, لأنه يمكن أن يستغني عن ذلك بالاستئجار له, لكن لو انهدم بيته وأراد أن يعمره قلنا: لا حرج أن تعطيه من الزكاة؛ لأن هذا الشيء قائم يحتاج إلى إصلاح. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 14 حكم الصلاة في غير مكان اجتماع المصلين السؤال أيهما أفضل: الصلاة في سطح المسجد الحرام، أم تحت الأرض, أم تصلي في الصفوف ولو كانت في التوسعة؟ الجواب لا شك أن الصلاة في السطح أو في الأسفل أفضل بكثير من الصلاة خارج المسجد, بل إننا نرى الصلاة خارج المسجد والمسجد فيه مكان لا تصح, لأنه صلّى في غير مكان الاجتماع, والشرع له نظر في اجتماع المسلمين في مكانهم وبأفعالهم, ولهذا أمروا أن يقتدوا بالإمام ويتابعوه ليكون فعلهم واحداً وكذلك في المكان. لكن قل لي: أيهما أفضل أن يصلي في الطبقة التي فيها الإمام -لأن ذلك أقرب للإمام- أو أن يصلي في السطح؟ هنا نقول: إذا كان صلاته في السطح أخشع له وأحضر لقلبه وأبعد عن التشويش فهو أفضل؛ لأن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بمراعاة الفضل المتعلق بمكان العبادة. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 15 حكم إيقاف المال على الورثة السؤال رجل أوقف ماله على أولاده إلا النساء يأخذن حقهن مدة الحياة فقط وهذا المال له عشرون سنة تعطل افترق النخل واجتاحت السيول, ما الحكم في ذلك وقد كتب: لعنة الله على بائعه ومشتريه؟! الجواب قال أهل العلم رحمهم الله: إن الوقف إذا تعطل في مصالحه فإنه يباع وينقل إلى مكان آخر فيه مصالح. وهل يجوز إيقاف كل ماله على الأولاد؟ الجواب: لا, إيقاف كل ماله لأولاده في حياته لا بأس, أما إذا أوصى بعد موته فلا يجوز إلا الثلث فأقل, ثم أيضاً لا يجوز إلا الثلث فأقل بشرط ألا يخص بعض الورثة دون بعض. وقوله: كتب: لعنة الله على بائعه ومشتريه! الجواب: لا يثبت هذا اللعن. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 16 عموم النهي في السخرية السؤال إذا أطلقت السخرية على الفعل, هل يدخل ذلك تحت النهي؟ وإذا كان الفعل مكتسب كأن قلد شخصاً في طريقة الخطأ, هل يدخل تحت النهي أيضاً؟ الجواب النهي عام: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات:11] سواء كان بالقول أو بالفعل, ولكن لا أدري ما معنى قولك: مكتسب أو غير مكتسب؟ فإذا كان قصده السخرية لا يجوز, لكن أحياناً يعجبه كلام شخص من الناس فيتكلم كما يتكلم, فمثلاً: أعجبه قراءة قارئ من الأئمة, فصار يقلد قراءته فهذا ليس بسخرية, بل هذا إعجاب به. والساخر إذا سخر بنطق من قلده كأن ينطق الخطأ صار ساخراً به فيدخل في النهي بلا شك. أما إذا أراد إصلاح ما عنده من الخطأ يعني مثلاً حرف الراء يقول: اللحمان -يقصد الرحمن- يأتي آخر يقول: اللحمان، لا يستفيد ذاك من التغيير شيئاً, المهم أن السخرية مطلقة بالقول أو الفعل هذا حرام لا يجوز. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 17 معنى قوله تعالى: (قال الذي عنده علم من الكتاب) السؤال قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل:40] من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب؟ وبعض الناس يقولون: إنه سليمان نفسه, فهل يصح هذا؟ الجواب {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل:39] من العفريت هذا؟! عفريت من الجن, هذا عنده علم من الكتاب, قال بعض المفسرين: إله رجل صالح, فدعا الله باسمه الأعظم فحملته الملائكة وأتت به, وأما القول بأنه سليمان فخطأ عظيم, لأن هذا الذي عنده علم من الكتاب قال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40] كيف يخاطب سليمان نفسه؟ لكن في هذه الآية دليل على أن قوة الملائكة أشد من قوة الجن, فالجني قال: (آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) وكان له ساعة معينة يقوم فيها, أما هذا قال: (آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فلما رآه في الحال. سبحان الله! آية من آيات الله عز وجل, فهو رجل بشر دعا الله عز وجل فحملته الملائكة بسرعة وجاءت به. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 18 معنى رؤية النبي في المنام السؤال ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رآني منكم في المنام فسيراني في اليقظة) ؟ الجواب هذا يخاطب به الصحابة الذين يمكنهم أن يروه, أي: من رآني منكم أيها المخاطبون فسيراني في اليقظة, وليس عاماً للأمة كلها, والذي هو عام للأمة كلها هو قوله: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً) هذا للأمة كلها. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 19 نصيحة للساخرين بأهل العلم السؤال هناك بعض الطلبة ابتلوا بالسخرية ببعض العلماء, خاصة إذا خالف رأيه رأي شيخه فإنه أحياناً يسبه, فنرجو توجيه نصيحة لهؤلاء؟ الجواب أولاً يجب على طالب العلم أن يكون أول من يمتثل أمر الله عز وجل ويجتنب نهيه, لأنه مسئول عن ذلك من وجهين: الوجه الأول: أنه كغيره من المكلفين. الوجه الثاني: أن طالب العلم قدوة, أي عمل يعمله فسوف يقتدي به الناس ويحتجون به. فإذا كان طالب العلم هو الذي يسخر من العلماء أو ممن دون العلماء فهذه بلية في الواقع, فالواجب على الإنسان إذا خالفه غيره أن يلتمس له العذر, ثم يتصل بهذا المخالف فيبحث معه، فربما يكون الحق معه -أي: مع من خالفه- ويناقشه بأدب واحترام وهدوء, حتى يتبين الحق. أما سخريته به لمخالفة رأي شيخه فهذا أيضاً خطأ, كل إنسان يخالفك في قولك فإن الواجب عليك أن تحمله على أحسن المحامل, وأن هذا اجتهاده، وأن الله عز وجل سيؤجره على اجتهاده، إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران, ثم تتصل به, وتناقشه ولا تستحي, فربما يتبين أن الحق معك فتكون لك منة على هذا الرجل, وربما يتبين الحق معه فيكون له منة عليك, وأما السخرية فليست من آداب طالب العلم إطلاقاً, بل ولا من آداب المؤمن مع أخيه. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 20 قواعد في النحو والتفسير السؤال سمعتك كثيراً تذكر: أنه ينبغي لطالب العلم أن يهتم بالقواعد والضوابط, فمثلاً في النحو أو التفسير ما هي القواعد والضوابط التي يمكن أن يحفظها الإنسان حتى يستفيد منها؟ الجواب أذكر قاعدتين في النحو: الأصل في الفاعل أن يتصل بالعامل, فتقول: أكل محمدٌ طعاماً, هذا الأصل, وخلاف الأصل أن يقدم المفعول به على الفاعل فتقول: أكل طعاماً محمداً كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة:124] الأصل أن يكون الخبر متأخراً عن المبتدأ, ويجوز التقدير إذ لا ضرر. أما في التفسير فمثلاً من القواعد: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فإذا جاءت آية فيها حكم عام على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ. ومن القواعد أيضاً: إذا احتملت الكلمة معنيين على السواء ولا منافاة بينهما فإنها تحمل على المعنيين جميعاً. ولنا كتيب صغير في قواعد التفسير لو رجعت إليه يكون جيداً, وأما قواعد النحو فعليك بـ ألفية ابن مالك. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 21 حكم الجماعة إذا تخللها طريق السؤال هل تجوز للنساء صلاة الجمعة في بيت واحد خلف الإمام وبينهما طريق عام؟ الجواب النساء لسن مخاطبات بالجمعة ولا بالجماعة إلا في صلاة العيد, فقد أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجن, لكن لو حضرن إلى المسجد وصلين مع الناس صلاة الجمعة أجزأت عن الظهر. أما إذا اجتمعن في بيت وأقمن الجمعة فلا تصح صلاتهن, وكذلك إذا صلين في بيوتهن خلف الإمام فلا تصح صلاتهن, سواء كان بين المسجد وبينهن طريق أو كن ملاصقات للمسجد. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 22 حكم الجمع بين ثلثي الموصين السؤال هل يدفع ما أوصى به الميت من الثلث مرة واحدة في أبواب الخير, وإذا وجد ثلث لوالدي وآخر لوالدتي هل أجمعها؟ الجواب لا بأس أن يجمع الإنسان بين ثلث والده وثلث والدته, وكله على حسب ما أوصى به, فضل الله يؤتي من يشاء, وأما هل يدفعه مرة واحدة أو ينميه؟ هذا يجب عليه أن يراعي المصلحة, هل الأولى أن يدفعه مرة واحدة في عمارة مسجد يساهم فيه أو ما أشبه ذلك, أو الأولى أن ينميه ويتصدق بنمائه، فينظر للمصلحة. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 23 وجوب تقسيم التركة بطلب أحد الورثة السؤال هل يجوز ترك الميراث لسبب وجود الأولاد الصغار, ولو قسم هذا الميراث يشق على الولي أن ينفق عليه, ويتركه ويزكي من المال؟ الجواب إذا مات الميت فإن المال الذي وراءه للورثة يفعلون فيه ما يشاءون, فإن طالب أحدهم بقسمة الميراث وجبت إجابته, سواء كانوا صغاراً أم كباراً, الصغار يتولى أمرهم وليهم, والكبار كل يتولى أمره بنفسه, أما لو سكتوا وقالوا: نحب أن نبقى مثل أن يكون المال مشروعاً من المشروعات, وأحبوا أن يبقى المشروع على ما هو عليه, وكل يختص بنصيبه وربحه فلا بأس, الزكاة كل يؤدي زكاة ماله بنفسه. وإذا قسم المال وكان كل واحد منهم لا يبلغ نصيبه النصاب وليس ما عنده ما يكمل به النصاب فلا زكاة عليه. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 24 إعراب كلمة السؤال ما موقع إعراب كلمة (زوج) من: (حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ؟ الجواب هذا بدل من عائشة , أو عطف بيان يجوز هذا وهذا. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 25 حكم لبس القبعة السؤال ما حكم لبس البرنيطة أو القبعة التي يلبسها الشباب؟ الجواب أعطيك قاعدة -بارك الله فيك- الأصل في لبسها الحل نوعاً وكيفية, فأي إنسان يقول: هذا لباس حرام إما لنوعيته أو لكيفيته فعليه الدليل, فلبس البرنيطة من هذا الباب, إذا كان هذا من عادة النصارى والكفار فإنه حرام, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) وإذا لم يكن من عادتهم بل كان شائعاً بين الناس يلبسه الكفار والمسلمون فلا بأس. لكني أخشى أن اللابس لها يكون في قلبه أنه مقلد لهؤلاء النصارى أو الكفار فحينئذٍ يمنع من هذه الناحية, من كونه يعظم الكفار فيقلدهم. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 26 حكم سفر المرأة بدون محرم السؤال ما حكم سفر المرأة من مدينة إلى مدينة بدون محرم لطلب العلم؟ الجواب لا يحل للمرأة أن تسافر بدون محرم لا للعلم ولا للحج ولا للعمرة ولا للزيارة ولا لغير ذلك, لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) لكن قد يظن بعض الناس أن هذا سفر وليس بسفر, مثل بعض النساء الآن يذهبن من بلدهن إلى بلد آخر قريب للتعلم أو للتعليم ويرجعن في نفس اليوم, فهذا ليس بسفر, فعلى هذا لو ذهبت امرأة من عنيزة إلى بريدة للتعلم أو للتعليم ومعها نساء ويرجعن بعد انتهاء الدرس إلى بيوتهن فهذا ليس بسفر, فللمرأة أن تذهب وترجع, لكن لا يجوز لها أن تخلو بالسائق إذا لم يكن محرماً لها. حتى في الطائرة لا يجوز لها أن تسافر, نقول: أولاً أن المحرم الذي في البلد الذي طارت منه إذا أوصلها إلى قاعة الانتظار يرجع, وتبقى وحدها مع الرجال, ثم لو فرض أنه أوصلها إلى أن دخلت الطائرة, فالطائرة قد تقلع في وقتها المحدد وقد تتأخر لخلل فني أو طقس أو غير ذلك, ثم إذا استقلت طائرة فربما يمنعها مانع من الهبوط في المطار الذي قصدته إما سوء الأحوال الجوية كما يقولون, وإما خلل فني كما لو امتنعت الكفرات من النزول، أو غير ذلك من الأسباب, فتبقى تذهب إلى بلد آخر, ثم على فرض أنها سلمت من هذا ونزلت في المطار الذي تريده, فمحرمها الثاني الذي يستقبلها قد يحضر في الوقت المحدد وقد لا يحضر, فقد ينام وقد يمرض، قد يمنعه السير من ازدحام السيارات, قد تتعطل سيارته ولا يحضر إلى المطار, ثم إذا سلم من هذا وصار كل شيء على ما يرام فمن الذي يجلس بجانبها في الطائرة؟ قد يجلس بجانبها رجل سفيه سافر, فيغريها ويغرها, كما يقع هذا أحياناً, لذلك كانت حكمة الشرع في نهي المرأة أن تسافر على الإطلاق هي الحكمة الصحيحة, وهي التي بها السلامة. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 27 جزاء من ماتت ولم تتزوج في الدنيا السؤال تسأل امرأة وتقول: المرأة إذا توفيت وهي لم تتزوج ماذا يكون مصيرها: هل تتزوج من الرجال الذين لم يتزوجوا في الجنة؟ الجواب إذا كانت في الجنة -بارك الله فيك- ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين, أنت إذا أوصلتها إلى الجنة فستلقى كل خير, إما أن تتزوج من أهل الدنيا, والجنة سيبقى فيها فضل عمن دخلها من أهل الدنيا, فينشئ الله لها أقواماً يدخلهم الجنة, فقد تتزوج من هؤلاء الأقوام, فطمئنها وقل: إن شاء الله تعالى إذا دخلتِ الجنة فستجدين ما يسرك من كل ناحية، ودليل ذلك: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] أي: ما تطلبون. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 28 حكم الموعظة بين ركعات التراويح السؤال ما حكم الموعظة بين صلاة التراويح أو في وسطها ويكون هذا دائماً؟ الشيخ: لا مانع، إذا قام إلى التسليمة الثانية ورأى أن الصف قد اعوج، أو أن المصلين قد تمايزوا وتفرقوا وصار فيهم فرجة، فليقل: استووا أو تراصوا، ولا حرج. أما الموعظة فلا، لأن هذا ليس من هدي السلف , لكن يعظهم إذا دعت الحاجة أو شاء بعد التراويح، وإذا قصد بهذا التعبد فهو بدعة, وعلامة قصد التعبد أن يداوم عليها كل ليلة, ثم نقول: لماذا يا أخي تعظ الناس؟ قد يكون لبعض الناس شغل يحب أن ينتهي من التراويح وينصرف ليدرك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وإذا كنت أنت تحب الموعظة ويحبها أيضاً نصف الناس بل يحبها ثلاثة أرباع الناس فلا تسجن الربع الأخير من أجل محبة ثلاثة أرباع, أليس الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف فإن من ورائه ضعيف والمريض وذي الحاجة) أو كما عليه الصلاة والسلام, يعني: لا تقس الناس بنفسك أو بنفس الآخرين الذين يحبون الكلام والموعظة, قس الناس بما يريحهم, صلِّ بهم التراويح وإذا انتهيت من ذلك وانصرفت من صلاتك وانصرف الناس فقل ما شئت من القول. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأبشروا بالخير بالحضور إلى هذا المكان لأن: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 118 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [119] رغب الإسلام في التحلي بالأخلاق الحميدة الداعية إلى صلاح المجتمعات وانتشار الألفة والمحبة بين أفراده، ونهى وزجر عن التحلي بالأخلاق السيئة الداعية إلى فساد المجتمعات وفشو الحقد والضغينة وتفكك أفراده، وقد كان للقرآن الكريم دور كبير في إبراز مثل هذه القضايا المهمة في حياة الأمة وتوجيهها إلى ما يحبه الله ويرضاه، ومن ذلك ما دعت إليه آيات سورة الحجرات التي شرحها الشيخ في هذا اللقاء الطيب المبارك. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس, وهذا هو الخميس 24 من شهر شوال عام (1416هـ) . نكمل فيه ما سبق أن بدأنا به من آية الحجرات. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] والسخرية: الاحتقار والازدراء, وأن قوله: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) و (خَيْراً مِنْهُنَّ) أي: عند الله أو في المستقبل أو في الواقع, أي: أنه إذا سخر رجل من آخر فهذا المسخور منه قد يكون عند الله خيراً من الساخر, وقد يكون في نفس الوقت خيراً من الساخر, وقد يكون في المستقبل خيراً من الساخر. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولا تلمزوا أنفسكم) ثم قال عز وجل: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] اللمز: العيب, بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يعد عيباً. وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فسرت بمعنيين: المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً؛ لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان, أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك. المعنى الثاني: لا تلمز أخاك لأنك إذا لمزته لمزك, فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذٍ تكون كأنك لمزت نفسك, وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه, فقالوا: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه, ويسب أمه فيسب أمه) . هذه الآية فيها: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً, فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خِلقِية أو صفة خُلُقية. أما الصفة الخِلقية التي تعود إلى الخِلقة، فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل. من الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل. من الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل. هل الإنسان يمكن أن يكمل خلقته، فيكون الطويل قصيراً أو القصير طويلاً, أو القبيح جميلاً أو الجميل قبيحاً؟ هذا لا يمكن, فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع. ولهذا لو وجدنا جداراً مبنياً مائلاً وعبنا الجدار, هل عيبنا للجدار أم لباني الجدار؟ إذاً إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق عز وجل, فالمسألة خطيرة. أما عيبه في الخلق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب, شديد الانتقام, بذيء اللسان, فلا تعبه, لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب، ولهذا جاء في الأثر: [لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك] لكن إذا وجدت فيه سوء خلق فالواجب النصيحة, أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به, وتبين له ما كان عليه من عيب, أو تكتب له رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولا تنابزوا بالألقاب) قال تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] أي: لا ينبز بعضكم بعضاً باللقب, فتقول له مثلاً: يا فاسد! يا فاجر! يا كافر! يا شارب الخمر! يا سارق! يا زان! لا تفعل هذا, لأنك إذا نبزته باللقب فإما أن يكون اللقب فيه وإما ألا يكون فيه, فإن كان فيه فقد ارتكبت هذا النهي, وإن لم يكن فيه فقد بهته وارتكبت النهي أيضاً. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) ثم قال عز وجل: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] أي: بئس لكم أن تنتقلوا من وصف الإيمان إلى وصف الفسوق, إذا ارتكبتم ما نهى الله عنه صرتم فسقة, فالإنسان إذا ارتكب واحدة من الكبائر صار فاسقاً, وإذا ارتكب صغيرة فإن كررها وأصر عليها صار فاسقاً, فلا تجعل نفسك بعد الإيمان وكمال الإيمان فاسقاً, هذا معنى قوله: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] لأن هذه الجملة جملة إنشائية تفيد الذم, وما أفاد الذم فإنه منهي عنه بلا شك. استفدنا من هذه الآية الكريمة: تحريم السخرية, وتحريم لمز الغير, وتحريم التنابز بالألقاب, وأن من صنع ذلك فهو فاسق بعد أن كان مؤمناً, والفسق ليس وصفاً باللسان فقط فقد يترتب عليه أحكام, فمثلاً قال العلماء: الفاسق لا يصح أن يكون ولياً على بنته فيزوجها, إنسان إنما يزوجها أخوها إذا كان لها أخ يصح أن يكون ولياً, أو عمها, إن لم يكن لها أقارب أو خافوا من أبيها إن زوجوها يزوجها القاضي. الفاسق لا تقبل شهادته؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] يشهد عند القاضي بحق, والقاضي يقول: لا نقبل شهادتك لأنك فاسق. الفاسق لا يجوز أن يكون إماماً بالناس في الصلاة, الفاسق الذي يظهر فسقه لا يصح أذانه, كل هذا قال به العلماء رحمهم الله, وإن كان في بعض هذه المسائل خلافاً، لكني أقول لكم: إن كلمة (فاسق) ليست بالأمر الهين, حتى يقول إنسان: هذا الأمر سهل, بدل ما يكون مؤمناً يكون فاسقاً, هذا غير صحيح, ولهذا ذمه الله فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} [الحجرات:11] . الجزء: 119 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] أي: من كان يفعل هذه الأشياء -وهي ثلاثة- ولم يتب فأولئك هم الظالمون, الذي لا يتوب يكون ظالماً, والظلم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الظلم ظلمات يوم القيامة) إذا كان المؤمنون يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم, فهؤلاء الظلمة ليس لهم نور, فيجب الحذر مما نهى الله عنه عز وجل, لأنك أيها العبد عبد لله, تأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه. وقوله: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) إذا قال قائل: ما معنى: التوبة؟ نقول: التوبة الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته, فإذا كان شخص لا يصلي مع الجماعة فما توبته؟ أن يصلي مع الجماعة. إذا كان شخص قد سرق مالاً من إنسان فما توبته؟ أن يرد المال إلى صاحبه. إذا كان الإنسان قد باع غشاً فما توبته؟ أن يترك الغش، وأن يرد ما زاد بسبب الغش على صاحبه, يعني: مثلاً لو زاد في السعر بسبب الغش؛ فعليه أن يرد ما زاد بسبب الغش على الرجل المغشوش, فإن كان لا يعرفه فليتصدق به عنه, فمثلاً هذه السلعة بدون غش تساوي عشرة ريالات وبالغش اثنا عشر ريالاً فقد زاد ريالين. إذاً إذا تاب من الغش يجب عليه أن يرد الريالين إلى الرجل المغشوش, فإن لم يعرفه فإنه يتصدق بذلك عنه. والتوبة: الرجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته. والتوبة لها شروط, فليس كل من قال: أنا تائب إلى الله يكون تائباً, بل لا بد من شروط: الشرط الأول: أن يخلص لله في التوبة, فلا يحمله على التوبة أنه خاف من أبيه, أو خاف من أخيه الأكبر, أو خاف من السلطات, أو تاب لأجل يقال: فلان مستقيم, لا، يجب أن يكون مخلصاً لله, فيكون الحامل له على التوبة طلب رضا الله عز وجل والوصول إلى كرامته, والإخلاص شرط في كل عبادة. الشرط الثاني: الندم على ما فعل, بأن يتحسر ويتكدر أنه وقع منه هذا الشيء. الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب في الحال, يعني: يتركه مباشرة إذا كان في محرم تركه, وإذا كان في واجب بادر إلى فعله. الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل, يعني: يكون في قلبه نية عازمة جازمة ألا يعود إلى هذا الذنب في المستقبل, فإن تاب وهو يقول: ربما أنه يطرأ عليّ أن أفعل الذنب, فهذا التائب لا تصح توبته, لا بد أن يعزم على ألا يعود في المستقبل. الشرط الخامس: أن تكون التوبة قبل سد الباب, لأنه يأتي وقت يسد فيه باب التوبة، لا تقبل من الإنسان, والباب الذي يغلق عن التائبين عام وخاص. أما الباب العام: فهو طلوع الشمس من مغربها, نحن الآن نرى الشمس تخرج من المشرق وتغرب في المغرب, سيأتي زمن تخرج فيه الشمس من المغرب وترجع, والذي يردها هو الله عز وجل, لو اجتمعت الخلائق كلها على أن تردها لن تردها, لكن يردها الله عز وجل الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون, ترجع هذه الشمس العظيمة إذا غربت ترجع من مغربها, إذا طلعت الشمس من مغربها كل من على الأرض يؤمنون كلهم: اليهودي, والنصراني, والبوذي, والشيوعي, وغيرهم كلهم يؤمنون؛ لأنهم يرون شيئاً واضحاً في الدلالة على الرب عز وجل, لكن هل ينفعهم الإيمان؟ لا؛ لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] . فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} : إنه خروج الشمس من مغربها، حينئذٍ لا تنفع التوبة, مع أن الناس كلهم يؤمنون لكن لا تنفع, لأنه انسد الباب. أما الباب الخاص: فهو أن يحضر الإنسان أجله, فلا تنفع التوبة؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] انسد الباب، لا ينفع. وإني أسألكم: هل أحد منا يعلم متى يموت؟ لا، ربما يموت الإنسان وهو على مكتبه, وهو على فراشه, وهو في صلاته, في أي لحظة, وإذا كنا نعلم هذا ونوقن به، فالواجب أن نبادر بالتوبة لئلا يفاجئنا الموت فينسد الباب, ولهذا كان مما يجب على الفور أن يتوب الإنسان من ذنبه. يا إخواني! الإنسان لا يدري متى يموت, فالواجب أن يبادر بالتوبة إلى الله عز وجل, يقول عز وجل: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] هذا ما له توبة, هذا خبر من الله عز وجل. أمر واقع يدل على هذا: لما أغرق الله فرعون وقومه، قال فرعون في أثناء الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] تاب الآن, أليس كذلك؟ لكن متى؟!! حينما رأى الموت, فقيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] (آلْآن) أي: الآن تتوب! لماذا لم تتب من قبل؟ فلم تقبل توبته والعياذ بالله. إذاً شروط التوبة خمسة: الإخلاص لله عز وجل, الندم على ما فعل, الإقلاع عما كان عليه من الذنب في الحال, العزم على ألا يعود, أن تكون التوبة قبل سد الأبواب. إذا قال قائل: التوبة فيما بين العبد وبين ربه واضحة, يفرح الله عز وجل بتوبة عبده فرحاً عظيماً, إذا تبت إلى ربك -وأسأل الله أن يتوب علي وعليك- فإن الله يفرح بهذا فرحاً عظيماً, فرحاً لا يتصوره الإنسان, قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة أحدكم -أو قال: بتوبة عبده- من أحدكم براحلته -الراحلة هي البعير- كان عليها طعامه وشرابه فأضلها -أي: ضاعت عنه- فطلبها فلم يجدها, فنام تحت شجرة ينتظر الموت -ضعفت قواه وخارت وانتهى- فبينما هو كذلك إذا بناقته متعلق زمامها بالشجرة, فأخذ الزمام فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك ولكنه- أخطأ من شدة الفرح) وهل تجدون فرحاً أعظم من هذا؟! لا؛ لأنه فرح بحياة بعد الإشراف على الموت, فلا فرح أشد من ذلك. فالرب عز وجل يفرح بتوبة أحدنا أشد من فرح هذا الرجل بناقته, فإذا كان الذنب بينك وبين الله فالأمر سهل, والمشكل إذا كان بينك وبين الناس, إنسان سرق من شخص وتاب من السرقة, فيما بينه وبين الله انتهى لا إثم عليه ولا عقوبة ولا قطع يد ولا شيء, لكن المال المسروق هل تكفي هذه التوبة عن رد المال إلى صاحبه, أو يجب رد المال إلى صاحبه؟ لا بد من رد المال إلى صاحبه, لكن المشكلة كيف أرده؟ ربما لو ذهب إلى صاحبه وقال: إنه سرق منه هذا المال وأنه تاب, ربما يمسك به ويرفعه إلى الجهات المسئولة, ربما يقول: أنت الآن أعطيتني عشرة آلاف, والتي سرقت هي عشرون ألف ريال -ربما يقول هذا- فيبقى الإنسان في ورطة فماذا يصنع؟ نقول: يمكن أن ينظر إلى صاحب له أمين فيقول له: إنه سرق من فلان كذا وكذا وهذه السرقة اذهب بها إليه وقل له: إن هذه من شخص تاب الله عز وجل وقد أخذها منك من قبل, وهاهي الآن قد وصلتك. لكن لا بد أن يكون هذا الرجل الذي وكله أن يوصل الدراهم إلى صاحبها, لا بد أن يكون موثوقاً عند صاحب المال, وأميناً عنده, لأنه لو لم يكن موثوقاً لاتهمه صاحب المال وقال: أنت السارق والمسروق أكثر من كذا، لكن إذا كان يعرف أنه صديقه وأمين يصدقه ويأتمنه, فليقل: يا فلان جزاك الله خيراً القضية كذا وكذا فإن لم يتيسر له ذلك فيمكن أن يجعلها في ظرف ويرسلها في البريد الممتاز, ويكتب فيها كتابة لا يعرف بها خطه: بأن هذه دراهم لك من شخص أخذها منك سابقاً وقد تاب إلى الله. فقط, وتبرأ ذمته, المهم أنه لا بد من التوبة, ولهذا قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] . وإن لم يعرف صاحبها, مثلاً: إنسان سرق في حال صغره سرقة من شخص لا يدري من هو, أو بعد تكليفه سرق من مال لا يدري من هو له, فبماذا تتحقق التوبة؟ أن يتصدق بهذا المال تخلصاً منه, لا ينويه لنفسه بل لصاحبه, وبذلك يبرئ. نسأل الله أن يرزقنا التوبة قبل غلق الأبواب، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 119 ¦ الصفحة: 8 كفارة من قتل ولده خطأ السؤال كنت على سيارتي وبناتي اثنتين عندي خلف السيارة ولم أكن أعلم أنهما قد تعلقتا في السيارة، إحداهن عمرها (7) سنوات والأخرى (3) سنوات, فعدت بالسيارة للخلف, فسقطت البنت الصغيرة وماتت, فماذا عليّ؟ الجواب أسأل الله أن يخلف عليك وأن يعظم أجرك وأجر والدتها, وعليك أن تصوم شهرين متتابعين إلا أن تجد رقبة تعتقها فإن هذا يكفي, فأنت إذا كان عندك دراهم تتمكن من إعتاق العبد فهذا الواجب، فإن لم يكن عندك؛ فعليك أن تصوم شهرين متتابعين. لكن كن حذراً, إذا كان عندك صبيان, فالذي راح راح قضاء وقدراً, لكن في المستقبل إذا كان عندك صبيان فتحرى تحرياً شديداً. السائل: ولكن لا بد من الصيام؟ الشيخ: من الذي قتلها؟ السائل: رب العالمين. الشيخ: لا، رب العالمين يقتل كل أحد, يحي ويميت كل أحد, ولكن: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال:17] لكن قصدي إنها لو كانت عند سقوطها ماتت قلنا: ما عليك شيء, لأن هذا حصل بفعلها ولا عليك شيء, لكن أنت دهستها. السائل: لا, لم أدهسها ولكن وقع دقة في الصدام أو ما أدري كيف؟ الشيخ: ما تأكدت أنك دهستها؟ السائل: لا, ما لقينا فيها ضرر, لقينا فيها دقة في فمها وسقطت. الشيخ: انظر إذا كان هذا من فعلها فليس عليك شيء. السائل: تقصد أني دعستها بالكفرات؟ الشيخ: نعم. السائل: لا ما دعستها. الشيخ: أو مثلاً عندما رجعت بالسيارة للخلف ضربتها؟ السائل: لا ما أدري، لأننا لم نجد فيها شيئاً من الإصابات سوى الذي في فمها. الشيخ: أجل هذه ما عليك شيء، لكن مع ذلك أنا أوصيك بالاحتراز, انتبه للمستقبل, إذا كان عندك أولاد أو أولاد غيرك لا تحرك السيارة للخلف حتى تجعل شخصاً يستظهر لك ما وراءك. عموماً ما دام أنك في شك في هذا الأمر فما عليك شيء. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 9 حكم شهادات الاستثمار السؤال سؤال بالنسبة للصوامع, عندنا أوراق محددة بعشرين شهراً وستة أشهر, فعندما نأتي إلى البنك لصرفها يأخذ منها نسبة بسيطة (3%) أو (4%) بينما أنها تعتبر نقصاً من المال, وأنا اطلعت على فتوى من فضيلتكم بأنها تعتبر ربا, فهذا نقص من مال صاحب المال, المبلغ حقي ناقص لا زيادة فيه، فالبنك طبيعي أنه أخذ دراهم, ولكن أنا بعت شهادة مقدرة بكذا في معدل ثلاثة ريالات أو ما شابه ذلك, فمالي أنا ناقص لا زيادة فيه, لأنه خصم منه مبلغ ثلاثة ريالات؟ الجواب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه) هذه المسألة -بارك الله فيك- إن خصم البنك دراهم فهي حرام وربا ولا شك في ذلك, ولا خلاف في هذا, وإن أعطاك سيارات أو أراضي أو شيء غير الدراهم, فهذه إن احتجت فلا بأس، فمثلاً يكون عندك غرماء يقول: أعطنا حقنا، فلا بأس خذ السيارات بما تتفق أنت وهو عليها ثم بعها على غيره, وإن كنت لا تحتاج فلا تأخذ، تبقى الشهادة حتى يأتي وقتها إن شاء الله. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 10 حكم الصلاة في البر والتخلف عن الجماعة السؤال ما هو فضل الصلاة في الفلاة -أي: في البر- وهل تفرق عن الجماعة؟ الجواب لا, الجماعة أفضل بلا شك, لكن إن كان هناك إنسان في فلاة لا يعلم به إلا الله, فكونه إذا دخل الوقت قام وصلى بحيث لا يطلع عليه إلا ربه فهذا دليل على الإخلاص, فتكون صلاة هذا الذي في الفلاة بخمسين صلاة مما لو صلاها منفرداً أمام الناس، وذلك لكمال إخلاصه. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 11 حكم التصفيق والتصفير السؤال ما حكم التصفيق والتصفير, وأي نوع من التصفير محرم, وما دليل التحريم؟ الجواب الآن لو أنك قمت تصفق وتصفر ماذا سنقول: هذا مجنون أم عاقل؟!! فما هو سبب التصفيق والتصفير؟ أما إذا كان التصفيق للإنسان الذي تميز عن غيره في النجاح، أو أجاب جواباً صواباً، أو ما أشبه ذلك، فأنا لا أرى فيه بأساً, أما التصفير فأكرهه كراهة ذاتية، ولا أستطيع أن أقول: إنه مكروه كراهة شرعاً, لأنه ليس عندي دليل, وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء) فهذا في الصلاة, وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] والمكاء: التصفير, والتصدية: التصفيق, فهؤلاء كانوا عند المسجد الحرام يتعبدون الله بذلك, بدل أن يركع ويسجد يصفق ويصفر. أما إنسان رأى شخصاً تفوق عن غيره وأراد أن يشجعه وصفق فلا أرى في هذا بأساً, أما التصفير فأنا أكرهه كراهة ذاتية, وليس عندي دليل, ولو أن شخصاً طلب مني دليلاً، فلا أستطيع أن أقول: عندي دليل. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 12 حكم أخذ أحكام السفر لمن ذهب للدراسة لفترة زمنية محددة السؤال أنا من جدة أذهب إلى القصيم لفترة زمنية محددة هي فترة الدراسة أربع سنوات ثم أرجع إلى جدة , هل آخذ نفس حكم المسافر, من قصر الصلاة وترك النوافل؟ الشيخ: إذاً أنت مسافر, ولهذا نجدك حين تنتهي من الدراسة في أيام الإجازة ترجع إلى أهلك, فأنت -فيما نرى- مسافر, لكن يلزمك أن تحضر إلى الجماعة في المساجد, إذا سمعت النداء فأجب. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 13 حكم أخذ الثوب والعباءة والبنطال أحكام الإزار السؤال ذكر بعض العلماء بياناً لقوله عليه الصلاة والسلام: (إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه) وقالوا: إن الثوب والعباءة لا تدخل في هذا الحديث, وإنما المقصود هي الإزرة أو الإزار وهو ما يشبه لباس أهل اليمن , فهل يعني هذا: أن الثوب والعباءة والبنطال لا يكون لها حكم الإزار من حيث التقصير؟ الجواب الذي نراه -بارك الله فيك- أنه لا فرق بين الإزار والقميص والسروايل والعباءات, لكننا نرى أنها إذا نزّلت عن منتصف الساق أن الإنسان لا يكون مخالفاً للسنة, من منتصف الساق إلى الكعب كلها سنة, وهذا هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم, لما حدث الرسول عليه الصلاة والسلام أن: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه. قال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شق إزاري يسترخي عليّ إلا أنني أتعاهده) وهذا يدل على أن إزاره إلى قريب الكعب, لأنه لو لم يكن كذلك لكان إذا نزل بدت عورته من فوق. فعلى كل حال التشديد في هذا الأمر لا ينبغي, فيقال للإنسان: السنة من منتصف الساق إلى الكعب, لكن لا ينزله إلى تحت الكعب. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 14 معنى حديث (شرف المؤمن قيامه بالليل) السؤال في قوله صلى الله عليه وسلم: (قيام الليل شرف المؤمن) ما معنى هذا الحديث؟ الجواب لا أعرف هذا الحديث. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 15 معنى قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) السؤال ما معنى قوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] هل هو الجهاد في القتال, أو طالب العلم كذلك يكون مجاهداً؟ الجواب الظاهر أن الآية عامة, {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:69] هي كقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:78] المعنى: أنه يجاهد نفسه على الأعمال التي أمر الله بها, حتى وإن لم يكن طالب علم, مثلاً: لو جاهد نفسه على فعل العبادات فهو داخل في الآية. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 16 حكم الاستفادة من المسجد القديم إذا كانت الأرضية ملكاً لصاحبها وليست وقفاً السؤال شخص بنى مسجداً في أرض هي ملك له, وأصبح يصلي فيه هو وجيرانه, ثم بني مسجد رسمي, فهل يجوز له أن يستفيد من أرض المسجد, علماً بأنها ليست وقفاً ولا نذراً؟ الجواب إذا اتخذ الإنسان مصلىً في مزرعته يصلي فيه هو ومن حوله, ولكنه ما اعتبره مسجداً إنما هو مصلى يجتمعون فيه, ثم بني حوله مسجد رسمي, فإنهم ينضمون إلى المسجد الذي بني ويكون هذا تبعاً للمزرعة. أما إذا كان هؤلاء قد جعلوه مسجداً بمعنى: أنهم فتحوا أبوابه للناس كل من جاء صلّى وتقام فيه الصلوات الخمس, فهذا عليه أن ينقل المسجد من هذا المكان إلى المكان الجديد, كما أنه يباع وتجعل قيمته في مسجد آخر، ولا يستفيد منه، لأن الإنسان إذا أوقف مسجداً فلا يجوز له أن يرجع فيه. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 17 حكم تأجير البيت لمن علم أنه سيضع عليه دشاً أو شيئاً محرماً السؤال إذا كان للإنسان محل استراحة أو بيت, وأتاه مستأجر يعلم أنه سيضع شيئاً محرماً كالدش, فهل يجوز للمؤجر أن يؤجر منه؟ الجواب إذا كان عند الإنسان بيت أو استراحة أو خيمة وجاء إنسان يستأجرها منه وهو يعرف أنه سيضع فيها هذا الدش الذي دمر العقائد والأخلاق والعادات, فلا يجوز أن يؤجره, أما إذا استأجره على أنه يريد السكنى, والمؤجر لا يعلم، ثم بعد أن سكن وضع فيه الدش فالإجارة صحيحة، لكن إذا تم العقد -أي: إذا تمت المدة- يقول له: إما أن تخرج الدش، أو تخرج أنت. وبالنسبة للمال فإن حرمت الإجارة فالمال حرام. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 18 حكم صلاة أربع ركعات بعد المغرب يوميا ً السؤال أنا أصلي أربع ركعات بعد المغرب تقريباً من عشرين سنة وعمري الآن ستين سنة, وهناك من يقول: إن هذه الأربع الركعات من صلاة الأوابين, والبعض يقول: ما الفائدة منها؟ وهل إذا تركها عليه شيء؟ حيث أني قد رأيت العلماء يصلونها وأنا في الصغر, ثم صليتها أنا, وأسأل ما حكمها، وما فائدتها، وما اسمها؟ الجواب أما الراتبة فهي ركعتان فقط لا تزيد, أما ما سوى الراتبة فصل ما شئت, لو صليت ست ركعات أو عشر ركعات أو عشرين ركعة, وكلما زدت فهو خير, الراتبة اثنتان فقط، وما عداها لا تجعلها دائماًَ لكن اجعلها نفلاً مطلقاً متى ما شئت ورأيت نفسك قادراً ونشيطاً فصل. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 19 درجة حديث: (كذب المنجمون ولو صدقوا) السؤال ما صحة هذا الحديث: (كذب المنجمون ولو صدقوا) ؟ الجواب هذا ليس بصحيح, لكن لا يجوز للإنسان أن يصدق المنجمين. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 20 حكم استعمال الإشارة أثناء الكلام عن صفات الله أو أفعاله السؤال بعض الناس عندما يتحدث عن صفات الله أو أفعاله يستعمل مع العبارة الإشارة, فهل يليق ذلك به سبحانه وتعالى؟ الجواب استعمال الإشارة فيما يتعلق بصفات الله, إن كان من حوله عوام فإنه لا يجوز له ذلك؛ لأنهم سوف ينتقلون من التعظيم القلبي إلى التمثيل, إذ أن العامي لا يفرق بين هذا وهذا, أما إذا كان لطلبة العلم فما ورد به النص فلا بأس به, كحديث أبي هريرة وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وما لم يرد به النص فلا يجوز, لأن ما لم يرد به النص لا نعلم كيفيته, فلا يجوز أن نتكلم فيه. مثل أن يقول: القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن ويشير بين أصابعه، فإن هذا حرام, وذلك لأنه لا يدري كيفية كونها بين إصبعين من أصابع الرحمن, ثم لا يدري أي الإصبعين تكون, فلا يحل أبداً سواء عند العوام أو طلبة العلم, بل يقول: بين إصبعين كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 21 حكم قول: اعتمدت عليك بعد الله السؤال من المعلوم شرعاً أنه يجوز للإنسان أن يقول: لولا الله ثم الطبيب, فهل يجوز للإنسان أن يقول: اعتمدت عليك بعد الله؟ الجواب لا بأس أن يقول: اعتمدت عليك بعد الله, ويجب أن تعلم أن قول القائل: لولا الله ثم الطبيب, يجب ألا يعتقد أن الطبيب مساوٍ لله عز وجل, لأن كثيراً من العامة يقول: لولا الله ثم فلان، ولا يفرق بين هذا وبين قوله: لولا الله وفلان، فيجب أن ننتزع من الناس تعظيم الأسباب, وأن نبين لهم أن الواجب أن يتوكلوا على الله وحده, وأن يعتقدوا أن هذا سبب قد ينفع وقد لا ينفع. أضرب لكم مثلاً: النار بطبيعتها محرقة, وقد أراد أعداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام من إلقائهم إياه فيها, أرادوا من ذلك أن يحترق, فهل أحرقته؟ لا, مع أنها سبب محرق لا شك, لكن أي سبب لا يكون إلا بإذن الله عز وجل. النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت) ومع ذلك نجد كثيراً من الناس يستعملها ويموت, لأن الأسباب لا تنفع إلا إذا أراد الله عز وجل نفعه. فلذلك يجب أن نبين للعوام أنهم حتى لو قالوا: لولا الله ثم الطبيب, فإنه يخشى أن يجعلوا الطبيب الذي هو سبب مثل الرب عز وجل الذي هو خالق السبب سبحانه وتعالى, وأن نوجه الناس إلى أن يعتمدوا على الله سبحانه وتعالى, وأن يعلموا أن هذه الأسباب مجرد أسباب جعلها الله عز وجل, فالفضل كله لله سبحانه وتعالى، والأمر كله لله، لكن مع الأسف أن الناس الآن أكثرهم يعتمدون على الأطباء وعلى الأدوية وعلى المستشفيات وينسون الخالق سبحانه وتعالى, وهذه محنة نسأل الله أن يخلصنا وإياكم منها. أما التفويض المطلق فهذا لا يجوز إلا لله عز وجل, لكن إن كان في شيء معين فلا بأس, الإنسان -مثلاً- إذا وكل شخصاً يشتري له أو يبيع له فقد اعتمد عليه. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 22 حكم الحج عن الغير مقابل مبلغ معين السؤال عرض على رجل مبلغ مقابل حجه عن الغير, فهل يجوز له أخذ المبلغ, علماً أنه لولا هذا المبلغ لا ينوي الحج لوجود ظروف مانعة؟ الجواب إذا أعطي لإنسان مال ليحج به فلا بأس, لا سيما إذا قصد الإنسان بهذا خيراً, كيف يقصد الخير؟ أولاً: قضاء لازم أخيه, لأن كثيراً من الناس يتمنى بكل قلبه أن يجد من يحج عنه وعن ميته -مثلاً-. ثانياً: أن ينوي بذلك المال الوصول إلى المشاعر المقدسة لعله يصاب برحمة الله عز وجل في ذلك المكان. ثالثاً: إذا كان طالب علم ينوي بذلك أنه يذهب إلى تلك المشاعر ليهدي الله على يده من شاء من عباده. وفي هذه النيات الثلاث كلها نيات طيبة لا تضر, أما من حج من أجل المال فهذا هو الخاسر, ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أخذ المال ليحج به فلا حرج, ومن حج ليأخذ المال فما له في الآخرة من خلاق. أي: ما له نصيب من الآخرة. فالذي ينبغي إذا أخذ حجاً عن الغير أن ينوي ما ذكرت له, وإذا كان لا يريد إلا المبلغ، فلا يذهب فهو خاسر. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 23 حكم أخذ الحجة لمن عادته الحج السؤال صاحب سيارة من عادته أخذ الركاب للحج ويحج معهم, وقد عرضت عليه حجة فهل يأخذ هذه الحجة؟ الجواب لا بأس, لأن هذا حاج على كل حال. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 24 درجة حديث: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك) السؤال ما صحة حديث: (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي) عند أذان المغرب؟ الجواب هذا فيه شيء من الضعف, لكننا لا نرى أن يَدَعَه, لأنه دعاء إن صح الحديث فهذا المطلوب, وإن لم يصح فهو دعاء وثناء على الله. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 25 حكم الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله السؤال هل يجوز الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله, مثلاً: بإذن الله وبعون الله؟ الجواب نعم يجوز, بإذن الله مثل بمشيئة الله, لكن بعون الله الظاهر أيضاً أن هذا تفويض لله عز وجل, وإن كانت دون قول القائل: بمشيئة الله أو إن شاء الله, فالأولى أن الإنسان يستثني بقوله: إن شاء الله أو بمشيئة الله, أما بعون الله فقد تعطي تفويض الأمر إلى الله, وقد تعطي أن الإنسان جازم لكن يسأل الله العون, ولهذا نقول: إن الاستثناء بها ضعيف, وأن الإنسان لو حنث في يمينه بمثل هذه العبارة فالاحتياط أن يكفر عن يمينه. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 26 حكم بطاقة الهلل للاتصالات السؤال أسألكم عن بطاقة الهلل للاتصالات, وصرف الهلل ما حكمها؟ الجواب لا بأس أن تشترى بخمسين وتبيعها بخمس وخمسين, وكذلك صرف تسعة بعشرة ما فيها بأس. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 27 حكم وضع الأموال في بنك إسلامي يشرف عليه علماء السؤال هناك بنك إسلامي يدعى بنك فيصل الإسلامي في مصر , ويشرف عليه مجموعة من العلماء, والبعض يشكك في هذا البنك, والبعض ينتصر له, فهل إذا وضع الشخص منا فيه أمواله يكون عليه وزر، أم أن الوزر على العلماء المشرفين عليه؟ الجواب أنا لا أعرف عن حال هذا البنك شيئاً, ولا أدري عنه, لكني أشير على كل إنسان يكون عنده شك في أي بنك أو في أي شركة أو في أي مؤسسة أن يتجنبها, لأن المسألة خطيرة, إذ أن هذا المال الذي تدخله إذا كسبت منه سوف تأكل وتشرب وتتغذى, فإذا أكلت وشربت وتغذيت بهذا المال وهو محرم كان ذلك من أسباب منع إجابة الدعاء, كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام, فأنى يستجاب لذلك) لكن إذا دعت الحاجة لوضعه في البنك لأنك تخشى أن يصرف مثلاً فلا بأس, ضعه للحاجة إلى ذلك وإذا أتاك شيء من مكسبه وهو لم يتظاهر بأنه يرابي فحسابه على الله عز وجل. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 28 حكم الاجتماع على قراءة الأذكار بصوت مرتفع السؤال يجتمع كثير من الناس على قراءة الأذكار فيما بعد الفجر وقبيل المغرب, مع العلم أن هذه الأذكار مأثورة من الصحيح, فهل يجوز لهم أن يجتمعوا بهذه الطريقة متحلقين يقرءون بصوت مرتفع مع بعضهم البعض؟ الجواب إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس -أي: ترتفع وتبيض- ولم يكن يجلس إلى أصحابه من أجل أن يقيموا الذكر والتهليل والتكبير أو ما أشبه ذلك, نعم يجلس الصحابة أحياناً يتذاكرون الإيمان، ولهذا كان يقول بعضهم لبعض: [اجلس بنا نؤمن ساعة] هذا لا بأس به. أما أن يجلسوا على تكبير أو تسبيح أو تهليل فهذا ليس من السنة, لا سيما إذا صاحبها ما يفعله بعض الناس من هز الرأس والتصفيق أحياناً يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ويصفق، كل هذه من البدع, وهذه دخلت علينا من طرق الصوفية، ولكن الميزان ما أشرت إليه في مقدمة الجواب, وهو أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, ولم يكن من هديه مثل هذا الاجتماع. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 29 حكم أخذ الراتب والمكافأة عن طريق البنك السؤال هل يجوز للإنسان أن يأخذ مكافأته عن طريق البنك إذا كان طالباً, أو راتبه إن كان موظفاً ونحو ذلك؟ الجواب نعم لا بأس, مثلاً: لو أن الجهة المسئولة أحالت الموظفين عندها أو الطلاب إلى البنك فلا بأس, لكن لا يقل للبنك: أعطني مائة بدل مائة وعشرين معجلاً كما ذكر الأخ في مسألة الصوامع, بل يأخذ نصيبه كاملاً, ولا حرج عليه في هذا. وإني أقول لكم: إن معاملة البنوك بما ليس محرماً لا بأس به, مثلاً: لو كان هناك معرض للبنك يبيع فيه السيارات أو المعدات الأخرى أو الأواني أو الفرش واشتريت منهم فلا حرج, لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من اليهود وهم يأكلون السحت ويأخذون الربا, بل مات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي, فهذه القاعدة اعرفها: معاملة البنك أو من يتعامل بالربا من غير البنوك على وجه مباح لا بأس بها. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 30 حكم شهادات الإيداع ذات العادة المتغيرة السؤال ما الحكم فيما يسمى شهادات الإيداع ذات العادة المتغيرة وصورتها: بأن تودع في إحدى هذه البنوك شهادات بمبلغ معين لمدة سنتين, يقوم البنك خلالها بصرف عائد غير محدد عند إصدار هذه الشهادات, وذلك كل ثلاثة شهور, علماً بأنه يمكن للمودع استرداد قيمة هذه الشهادات في أي وقت؟ الجواب لم أتصور هذه المسألة, لكن على كل حال إذا قال: أعطني دراهم وهذا سند عليّ ثم بعد مدة أعطاك دراهم سواء محددة أو غير محددة فلا نثق بالبنوك, ربما يحدد الفائدة أو بما يسمونه بالفائدة ونحن لا نراها فائدة نحن نراها أنها خسارة, لكنهم يحددون مثلاً يقولون: أعطني مائة ألف وأعطيك مائة وعشرة آلاف بعد سنة, أو يقول: أعطني مائة ألف وأعطيك زيادة غير محددة. لا ندري هل هذا صحيح أنه باع وتاجر بهذه الدراهم حتى ربحت وأنها سنة تربح وسنة لا تربح, أو أنه أودعها في صندوق وصار يرابي ويلعب بها على الناس مرة يقول: يعطيهم (5%) ومرة (10%) ومرة يقول: لا أعطيكم شيئاً لأنه ما ربح المال, لا ندري, فهذه تعتمد على ثقتنا بالبنك وتصرفه. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 31 حكم من صلى خلف مقيم قصراً لعدم علمه بلازم الإتمام السؤال إذا دخل مسافر مع أناس مقيمين فصلى معهم الظهر -مثلاً- ركعتين, ثم قام ليصلي العصر ركعتين, ثم علم بالحكم أنه يلزمه أن يصلي مع المقيمين أربع ركعات هل يعيد صلاة الظهر والعصر؟ الجواب يعيد الصلاة التي صلاها مع الإمام أربعاً؛ لأن من دخل مع إمام متم لزمه الإتمام, سواء أدرك الصلاة من أولها أو أدرك الركعتين الأخيرتين, أما صلاة العصر إذا كان صلاها مع غير الإمام ركعتين فلا يعيدها؛ لأنها وقعت صحيحة، والترتيب شرط فيما لو علم الإنسان بأنه قد فاته شيء ولم يصله قبل الحاضرة, أما الآن فقد صلّى العصر بناءًَ على أن صلاة الظهر صحيحة فهو صلاها في وقتها. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 32 حكم من نطق بالشهادتين قبل لحظات الموت السؤال هذا نصراني أسلم قبل لحظات من موته ونطق بالشهادتين, فقال له شخص آخر: إنه لم يسلم لأنه لم يعمل، ومن قال بإسلامه فهو على عقيدة المرجئة , فقال الأول: فمالك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمه يأمره بالشهادة وهو على فراش الموت, وأيضاً حديث: (هل شققت على قلبه) فقال الثاني: ومالك بقصة فرعون مع غرقه؟ الجواب إذا تاب الإنسان قَبْلَ أن يغرغر قَبِلَ الله توبته, هكذا جاء في النصوص, وأما أن هذا قول المرجئة، فـ المرجئة عندما يقولون: إن العاصي الذي أسلم من قبل وكان يعصي الله عز وجل بغير كفر مؤمن كامل الإيمان, ولا تضره هذه المعصية, لكن هذا الرجل ما عمل معصية إطلاقاً بل شهد أن لا إله إلا الله ثم توفي, فيكون هذا هو منتهى كمال إيمانه, ولهذا جاء في الحديث: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ولا يخفى علينا قصة الأصيرم رجل من بني عبد الأشهل كان منابذاً للنبي عليه الصلاة والسلام, كارهاً لدعوته, فلما سمع بغزوة أحد ألقى الله في قلبه الإسلام وخرج, فلما خرج وحصل ما حصل للمسلمين, وذهب الناس يتفقدون موتاهم فوجدوا هذا الرجل في آخر رمق، فقالوا: ما الذي جاء بك؟ ألست ضد هذا الأمر؟ هل جئت حدباً على قومك، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام, وأوصاهم أن يبلغوا السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام -فيما يحضرني الآن- أنه من أهل الجنة, فالأعمال بالخواتيم, أحسن الله لنا ولكم الخاتمة. الجزء: 119 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [120] في هذه المادة تحدث الشيخ عن الظن، وحذر من ظن السوء، ثم انتقل إلى التجسس على المسلمين وبين حرمة ذلك في دين الله، وبين معنى الغيبة وما يحرم وما يجوز فيها، ثم أجاب عن أسئلة تتعلق بموضوع المادة، وأسئلة فقهية أخرى. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء العشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بالباب المفتوح والتي تتم كل خميس من كل أسبوع, وهذا هو الخميس الثاني من شهر ذي القعدة عام (1416هـ) . نبدأ هذا اللقاء بالكلام بما يسره الله عز وجل من تفسير سورة الحجرات. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن) قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] . تصدير الخطاب بـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على العناية به, ولهذا روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [إذا سمعت الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعها سمعك؛ فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه] وإما خبر تحصل به العبرة والاتعاظ, كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:111] . يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) الظن: هو أن يكون لدى الإنسان احتمالان يترجح أحدهما على الآخر, وهنا عبر الله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: اجتنبوا الظن كله, لأن الظن ينقسم إلى قسمين: 1- القسم الأول: ظن خير للإنسان، وهذا مطلوب أن تظن بإخوانك خيراً ما داموا أهلاً لذلك, وهو المسلم الذي ظاهره العدالة, فإن هذا يظن به خيراً, ويثنى عليه بما ظهر لنا من إسلامه وأعماله. 2- القسم الثاني: ظن السوء، وهذا يحرم بالنسبة للمسلم الذي ظاهره العدالة، فإنه لا يحل لأحد أن يظن به ظن السوء, كما صرح بذلك العلماء, فقالوا رحمهم الله: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة. والثاني: ظن سوء بمن قامت القرينة على أنه أهلٌ لذلك, فهذا لا حرج على الإنسان أن يظن السوء به, ولهذا من الأمثال المضروبة المشهورة السائرة: احترسوا من الناس بسوء الظن, ولكن هذا ليس على إطلاقه كما هو معلوم, وإنما المراد: احترسوا من الناس الذين هم أهل لظن السوء فلا تثقوا بهم. المهم أن الإنسان لا بد أن يقع في قلبه شيء من الظن بأحد من الناس, بقرائن تحتف بذلك, إما لظهور علامات في وجهه يظهر من وجهه العبوس والكراهية لمقابلته أو ما أشبه ذلك, أو من أحواله التي يعرفها الإنسان منه, أو من أقوال تصدر منه, فيظن به ظن السوء, وهذا إذا قامت القرينة على وجوده فلا حرج على الإنسان من أن يظن به ظن السوء. فإذا سئل: أيهما أكثر: الظن المنهي عنه أو الظن المباح؟ قلنا: الظن المباح أكثر, لأنه يشمل نوعاً كاملاً من أنواع الظن, وهو ظن الخير, ويشمل كثيراً من ظن السوء؛ لأنه إذا لم يكن هناك قرينة تدل على هذا الظن السيئ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتصف بهذا الظن, ولهذا قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل: أكثر الظن ولا كل الظن, بل قال: (كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) . ثم قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وقد توحي هذه الجملة بأن أكثر الظن ليس بإثم, وهو منطبق تماماً على ما بيناه وقسمناه, أن الظن نوعان: ظن خير وظن سوء, ثم ظن السوء لا يجوز إلا إذا قامت القرينة على وجودها, ولذا قال: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فما هو الظن الذي ليس بإثم؟ هو ظن الخير، وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا ليس بإثم؛ لأن ظن الخير هذا هو الأصل, وظن السوء الذي قامت عليه القرينة هذا أيضاً عينته القرينة. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولا تجسسوا) قال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12] (التجسس) طلب المعايب من الغير. أي: أن الإنسان ينظر ويتنصت ويتسمع لعله يسمع شراً من أخيه, أو لعله ينظر سوءاً من أخيه, والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس وألا يحرص على الاطلاع عليها, ولهذا روي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً -أي: شيء مما يوجب ظن السوء- فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) فلا ينبغي للإنسان أن يتجسس, بل يأخذ الناس على ظاهرهم ما لم يكن هناك قرينة تدل على خلاف ذلك الظاهر, وفي هذه الجملة من الآية قراءة أخرى: (تحسسوا) فقيل معناهما واحد, وقيل: لكل واحدة منهما معنى, فالتجسس: أن يحاول الإنسان الاطلاع على العيب بنفسه. والتحسس: أن يلتمسه من غيره. فيقول للناس -مثلاً-: ماذا تقولون في فلان؟ وعلى هذا فتكون القراءتان مبينتين لمعنيين كليهما مما نهى الله عنه. التجسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس بنفسه. والتحسس: أن يحاول الاطلاع على معايب الناس من غيره، فيقول -مثلاً-: ما تقولون في فلان، أو ما سمعتم عن فلان يطلب بذلك معايبه, لما في هذا من إشغال النفس بمعايب الآخرين, وكون الإنسان ليس له هم إلا أن يطلع على المعايب, ولهذا من ابتلي بذلك -أي: بالتجسس أو بالتحسس- تجده في الحقيقة قلقاً دائماً في حياته, وينشغل بعيوب الناس عن عيوبه, ولا يهتم بنفسه, وهذا يوجد كثيراً من بعض الناس الذين يأتون إلى فلان وإلى فلان: ما تقول في كذا وما تقول في كذا فتجد أوقاتهم ضائعة بلا فائدة, بل ضائعة بمضرة؛ لأن ما وقعوا فيه فهو معصية لله عز وجل, هل أنت وكيل عن الله عز وجل تبحث عن معايب عباده؟ العاقل هو الذي يتحسس عن معايب نفسه؛ ليصلحها, لا أن ينظر إلى معايب الغير ليشيعها والعياذ بالله, ولهذا قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:19] . هذه آداب وتوجيه من الله عز وجل إلى الأخلاق الفاضلة, أخلاق مأمور بها وأخلاق منهي عنها. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً) قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] الغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ذكرك أخاك بما يكره) وهذا تفسير من الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعلم الناس بمراد الله تبارك وتعالى في كلامه (ذكرك أخاك بما يكره) سواء كان ذلك في خلقته، أو في خلقه أو أحواله، أو عقله أو في ذكائه أو غير ذلك, المهم أن تذكره بما يكره, سواء في خلقته مثل أن تقول: فلان قبيح المنظر دميم، وفيه كذا وكذا تريد معايب جسمه. أو في خُلُقه، كأن تقول: فلان أحمق, سريع الغضب, سيئ التصرف, وما أشبه ذلك. أو في خلقته الباطنة كأن تقول: فلان بليد, فلان لا يفهم, فلان سيئ الحفظ, وما أشبهها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم حدها بحد واضحٍ بين: (ذكرك أخاك بما يكره, قالوا: يا رسول الله! أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) أي: جمعت بين البهتان والغيبة. وعلى هذا فيجب الكف عن ذكر الناس بما يكرهون, سواء كان ذلك فيهم أو ليس فيهم, واعلم أنك إذا نشرت عيوب أخيك فإن الله سيسلط عليك من ينشر عيوبك (جزاء وفاقا) لا تظن الله غافلاً عما يعمل الظالمون, بل سيسلط عليه من يعامله بمثل ما يعامل الناس. لكن إذا كانت الغيبة للمصلحة فلا بأس بها ولا حرج فيها, ولهذا لما جاءت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في رجال خطبوها, بين معايب من يرى أن فيه عيباً, فقد خطبها ثلاثة: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه, وأبو جهم بن الحارث , وأسامة بن زيد , فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أما معاوية فصعلوك لا مال له, وأما أبو جهم فضراب للنساء, أنكحي أسامة بن زيد) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عيباً في هذين الرجلين للنصيحة وبيان الحق, ولا يعد هذا غيبة بلا شك, ولهذا لو جاء إنسان يستشيرك في معاملة رجل قال: فلان يريد أن يعاملني ببيع أو شراء أو إجارة أو تريد تزويج من خطب ابنته أو ما أشبه ذلك وأنت تعرف فيه عيباً فإن الواجب عليك أن تبين له ذلك, ولا يعد هذا كما يقول العامة: من قطع الرزق, بل هو من بيان الحق, فإذا عرفت أن في هذا الرجل الذي يريد أن يعامله هذا الشخص ببيع أنه مماطل كذاب محتال فقل له: يا أخي! لا تبع لهذا إنه مماطل إنه محتال إنه كذاب, ربما يدعي أن في السلعة عيباً وليس فيها عيب, وربما يدعي الغبن وليس مغبوناً, وما أشبه ذلك, فتقع معه في صراع ومخاصمة، إنسان جاء ليستشيرك في شخص خطب منه ابنته, والشخص ظاهره العدالة والاستقامة وحسن الخلق, ولكنك تعرف فيه خصلة معيبة فيجب عليك أن تبين هذا, مثلاً: تعرف أن في هذا الرجل كذباً, تعرف أنه يشرب دخاناً لكنه يجحده ولا يبينه للناس, يجب أن تبين وتقول: هذا الرجل ظاهره أنه مستقيم وخلوق وطيب ولكن فيه العيب الفلاني, حتى لو كان هذا متجهاً إلى أن يزوجه بين له العيب, ثم هو بعد ذلك بالخيار؛ لأنه سيدخل على بصيرة. فعلى كل حال: يستثنى من الغيبة: إذا كان على سبيل النصيحة, وذكرنا دليل ذلك من السنة, فهل هناك دليل من عمل العلماء؟ نعم هناك دليل, ارجع إلى كتب الرجال -مثلاً- تجده مثلاً يقول: فلان بن فلان سيء الحفظ, فلان بن فلان كذوب, فلان بن فلان فيه كذا وكذا, فيذكرون ما يكره من أوصافه نصيحة لله ورسوله, فإذا كان الغرض من ذكر أخيك بما يكره النصيحة فلا بأس. كذلك لو كان الغرض من ذلك: التظلم والتشكي فإن ذلك لا بأس به, مثل: أن يظلمك الرجل، وتأتي إلى شخص يستطيع أن يزيل هذه المظلمة فتقول: فلان أخذ مالي, فلان جحد حقي, وما أشبه ذلك فلا بأس, فإن هند بن عتبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أبا سفيان , تقول: (إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فذكرت وصفاً يكرهه أبو سفيان , ولكنه من التظلم والتشكي, وقد قال الله تعالى في كتابه: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] أي: فله أن يجهر بالسوء من القول لإزالة مظلمته, ولكن هل يجوز مثل هذا إذا كان قصد الإنسان أن يخفف عليه وطأة الحزن والألم الذي في قلبه بحيث يحكي الحال التي حصلت على صديق له, صديقه لا يمكن أن يزيل هذه المظلمة لكنه يفرج عنه، أم لا يجوز؟ الظاهر أنه يجوز, لعموم قوله تعالى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وهذا يقع كثيراً, كثيراً ما يؤذى الإنسان ويجنى عليه بجحد مال أو أخذ مال أو ما أشبه ذلك, فيأتي الرجل إلى صديقه ويقول: فلان قال في كذا قال في كذا يريد أن يبرد ما في قلبه من الألم والحسرة, أو يتكلم في ذلك مع أولاده أو مع أهله أو مع زوجته أو ما أشبه ذلك, هذا لا بأس به؛ لأن الظالم ليس له حرمة بالنسبة للمظلوم. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 120 ¦ الصفحة: 6 الطريقة السليمة في الاستنابة في الحج السؤال توسع الناس في الاستنابة في الحج, فما هي الطريقة السليمة أرجو بيان ذلك بوضوح؟ الجواب توسع الناس في الاستنابة في الحج أمر يؤسف له في الواقع, وقد يكون غير صحيح شرعاً, وذلك أن الاستنابة في النفل في جوازها روايتان عن الإمام أحمد , رواية: أن الإنسان لا يجوز أن يستنيب أحداً في النفل أن يحج عنه أو يعتمر عنه, سواء كان مريضاً أو صحيحاً. وما أجدر هذه الرواية بالصحة والقوة؛ لأن العبادات يطلب من المكلف أن يقوم بها بنفسه, حتى يحصل له من العبادة والتذلل لله تعالى ما يحصل, وأنت ترى الفرق بين إنسان يحج بنفسه وإنسان يعطي دراهم ليحج عنه، الثاني ليس له حظ من العبادة في إصلاح قلبه وتذلله لله عز وجل, وكأنها عقد صفقة بيع وكّل فيها من يشتري له أو يبيع له. وإن كان مريضاً وأراد أن يستنيب في النفل، فيقال: هذا لم تأتِ به السنة وإنما جاءت السنة بالاستنابة في الفرض فقط, والفرق بين الفرض والنفل: أن الفرض أمر لازم على الإنسان، فإذا لم يستطع هو بنفسه وكّل من يحج عنه أو يعتمر, لكن النفل ليس بواجب, فيقال: ما دمت مريضاً وأديت الفريضة فاحمد الله على ذلك, وابذل المال الذي تريد أن تعطيه من يحج عنك أو يعتمر, ابذله في مصارف أخرى, أعن إنساناً فقيراً لم يحج الفرض أعنه بهذا المال فهو خير لك من أن تقول: خذ هذا حج به عني, وإن كنت مريضاً. أما الفرض فالناس -والحمد لله- لم يتهاونوا به, لا تكاد تجد أحداً يوكل عنه من يحج الفريضة إلا وهو غير قادر, وهذا جاءت به السنة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما, أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت (يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم, حجي عنه) . والخلاصة: أن الاستنابة في النفل فيها روايتان عن الإمام أحمد , إحداهما: أنها لا تصح الاستنابة, والراوية الثانية: أنها تصح الاستنابة من القادر وغير القادر. والأقرب إلى الصواب لا شك عندي: أن الاستنابة في النفل لا تصح لا للعاجز ولا للقادر, وأما الفريضة للعاجز الذي لا يرجو زوال عجزه فقد جاءت به السنة. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 7 الكلام في أهل البدع هل هو من باب الغيبة؟ السؤال الكلام في أهل البدع, مثل أن يقال مثلاً: أنهم يؤولون الآيات والأحاديث, ويقولون: يفعلون كذا وكذا أيعتبر هذا غيبة إذا كان بين الطلبة؟ الجواب الكلام في أهل البدع ومن عندهم أفكار غير سليمة أو منهج غير مستقيم، هذا من النصيحة وليس من الغيبة, بل هو من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين, فإذا رأينا أحداً مبتدعاً ينشر بدعته, فعلينا أن نبين أنه مبتدع حتى يسلم الناس من شره, وإذا رأينا شخصاً عنده أفكار تخالف ما كان عليه السلف فعلينا أن نبين ذلك حتى لا يغتر الناس به, وإذا رأينا إنساناً له منهج معين عواقبه سيئة علينا أن نبين ذلك حتى يسلم الناس من شره, وهذا من باب النصيحة لله ولكتابه ورسوله ولأئمة والمسلمين وعامتهم. وسواء كان الكلام في أهل البدع فيما بين الطلبة أو في المجالس الأخرى فليس بغيبة, وما دمنا نخشى من انتشار هذه البدعة أو هذا الفكر أو هذا المنهج المخالف لمنهج السلف يجب علينا أن نبين حتى لا يغتر الناس بذلك. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 8 حكم إنساب الفتاوى إلى غير أصحابها السؤال كثير من الناس ينسب بعض الأقوال إلى بعض أهل العلم, وإذا كان هذا العالم ممن كلامه مقبول بين الناس, فأحدهم قال: إنه يجوز للإنسان أن يرى مباراة بظهور أفخاذ الرجال في التلفاز وقال: العالم الفلاني ذلك, فما موقف الإنسان من هذا الرجل الذي يثير الكلام على العلماء؟ الجواب هذه المسألة كما تفضلت توجد كثيراً من بعض الناس لأسباب متعددة, لكن أولاً: ننصح من سمع عن أي أحد من العلماء شيئاً يستنكره, فالواجب أن يتصل بالعالم ويقول: بلغني عنك كذا وكذا هل هذا صحيح أم لا؟! إما أن يكون صحيحاً فيقول: نعم قلت ذلك, حينئذٍ تكون المناقشة بين السائل والعالم, أو يقول: هذا كذب ولم أقله, فإذا قال: هذا كذب ولم أقله، فعلى الذي سمع من شخص هذا القول الذي أنكره العالم أن يتصل بالذي نقل عن العالم هذا القول, ويقول: إنني سألته وأنكر هذا, حتى لا يبثه بين الناس, وكذلك أيضاً يبين للذي نقل عن العالم أن هذا غير صحيح, وأما إذا كان صحيحاً وناقشه فسوف يتبين للمناقش الحق مما يقوله العالم. ثانياً: بالنسبة لهؤلاء الذين ينقلون أولاً عن العلماء الذين تقبل فتواهم, ويثق الناس بهم, هؤلاء ينقسمون إلى أقسام: منهم سيئ القصد, يريد أن يضل الناس ولا يجد سبيلاً إلا إذا نسب هذه المقالة إلى عالم يرتضيه الناس, فيشيع هذا عن العالم الفلاني, مثل أن يقول: قال فلان بأن حجاب المرأة وجهها عن الأجانب ليس بواجب, فيشيعه لأنه يريد ألا تستر المرأة وجهها, لكن لو قال: إني قلت أنا أو قال فلان ممن لا يوثق به ما قبل, فينسبه إلى عالم يقبل قوله, فيكون هذا الناقل عن العالم غرضه إثبات القول. ثانياً: أن يكون غرضه سيئاً بالنسبة للعالم الذي نسب القول إليه, حتى يشوه سمعته بين الناس, ويقول: هذا العالم يقول كذا وكذا كيف يصدق؟ كيف يوثق بقوله؟ وما أشبه ذلك, ومعلوم أن الناس إذا رأوا قولاً شاذاً منكراً أن ثقتهم سوف تهبط بهذا العالم. إذاً هذا الناقل عن العالم, إما أن يكون قصده على الوجه الأول: إثبات ما يريده من القول السيئ, وإما أن يكون مراده تشويه سمعة العالم حتى لا يثق الناس به. ثالثاً: قد ينقل الإنسان القول عن العالم وهو صادق, لكن أخطأ هذا الناقل بعرض السؤال على العالم, فعرض السؤال على وجه فهم منه العالم غير ما أراده هذا السائل, لأنه لم يحسن التعبير مثلاً, ومعلوم أن العالم سوف يفتي بحسب ما سمع, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) فينقل الإنسان عن هذا العالم نقلاً خطأً بناءً على سؤاله حيث عرضه على العالم على وجه غير سليم. رابعاً: أن يعرض على العالم السؤال ويجيب العالم حسب السؤال, لكن الناقل يفهم الجواب خطأً, فيكون الخطأ في فهم السائل لا في عرضه للسؤال, بل الخطأ في فهمه للجواب, فينقل الجواب من العالم على حسب ما فهمه، فيحصل بذلك الخطأ. فهذه أربعة أشياء كلها من أسباب النقل عن العلماء. ولهذا قلت لك في الأول: إذا نقل عن عالم يوثق بعلمه قولاً ينكره الإنسان فالواجب الاتصال بهذا العالم والتفاهم معه. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 9 حكم خروج الحاج من الحرم في أيام التشريق السؤال شخص حاج يخرج في الشرائع خارج الحرم في أيام التشريق يزور قريباً له, فيمكث عدة ساعات ويرجع؟ الجواب لا حرج في هذا لو خرج حاج في أثناء الحج إلى خارج الحرم فلا بأس عليه, لكنه إذا كان قبل التحلل الأول فهو باقٍ على إحرامه, وإن كان بعد التحلل الأول والثاني فمعروف أنه جائز, يجوز له حتى جماع امرأته، وإن كان بين التحليلين جاز له كل شيء إلا النساء. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 10 حكم العمل في حراسة البنوك الربوية السؤال رجل يسأل وهو يعمل في المصرف المركزي للدولة, وكما لا يخفى عليكم أن وظيفة المصرف المركزي هو صك الأموال اللازمة للدولة, تجمع أموال البنوك الربوية وتخزينها لديهم مع قيامهم بالمعاملات الربوية, فهذا الرجل يعمل في الحراسة والحماية, فما حكم وظيفته؟ الجواب أما إذا كان باختياره وهو الذي ذهب وطلب أن يكون حارساً لهذا البنك المركزي الذي يتعامل بالربا فهذا لا يجوز؛ لأن طلبه أن يكون حافظاً لهذا البنك يعني: رضاه به وبمعاملته, أما إذا كان مسخراً من غيره، مثل: الشرطة والجنود الذين يوجهون إلى حماية هذه الأماكن فإنه لا شيء عليه, لأنه لم يرض لكن عمله يقتضي ذلك. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 11 عقيدة أهل السنة والجماعة في حكم قاتل نفسه السؤال من المعلوم أن عقيدة أهل السنة والجماعة: أن العاصي إذا دخل النار لا يخلد, لكن ما الجواب عن ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده. في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) ؟ الجواب هذا إشكال, من المعلوم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن من دخل النار بذنب دون الكفر فإنه لا يخلد فيها, وقتل النفس ذنب دون الكفر, فما الجواب عما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) حيث ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام التأبيد, والجواب على هذا من أحد وجهين: إما ألا تصح كلمة أبداً عن النبي عليه الصلاة والسلام وأن تكون كلفظ الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] وليس فيها التأبيد, ويكون المراد بالخلود هنا: المكث الطويل. وإما أن يقال: إن هذا مستثنى ممن يخلد في النار وليس من أهل الكفر, هذا إذا صحت هذه الكلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يبعد لأن الإنسان الذي يقتل نفسه -والعياذ بالله- قد يكون قلبه منسلخاً من الإيمان, أي: لا يقتل نفسه إلا فراراً من قدر الله, وعدم الصبر على قدر الله عز وجل فقد يكون قلبه في تلك اللحظة منسلخاً من الإيمان, كما جاء في الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) . فالجواب عندي على أحد وجهين: 1- إما أن يقال: إن كلمة أبداًَ لم تصح, فيكون لفظ الحديث خالداً مطابقاً للفظ الآية. 2- وإما أن يقال إن هذا مستثنى. لكن ظاهر مذهب أهل السنة: أن الأبدية هنا لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 12 التحذير من غيبة ولاة الأمر السؤال كثرت في هذه الأزمان غيبة ولاة الأمور فما حكم غيبة الحاكم الذي لم يحكم بما أنزل الله؟ الجواب غيبة ولاة الأمور محرمة من وجهين: الوجه الأول: أنها غيبة مسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] . الوجه الثاني: أن غيبة ولاة الأمور يترتب عليها من الشرور والفساد ما لا يترتب على غيبة الرجل العادي؛ لأن الرجل العادي إذا اغتيب فإنما عيبه على نفسه, لكن ولي الأمر إذا اغتيب لزم من ذلك كراهة الناس له, وتمردهم عليه, وعدم تقبل توجيهاته وأوامره, وهذه مضرة عظيمة توجب الفوضى، وربما يصل الحال إلى القتال فيما بين الناس. وأما من لم يحكم بما أنزل الله, فيقال: ينكر الحكم بغير ما أنزل الله, ولا ينكر علناً؛ لأنه لا فائدة من إنكاره علناً وإنما ينكر على الحاكم نفسه, ويكتب إليه بذلك, فإن كان الإنسان يستطيع أن يصل إلى الحاكم بنفسه فهذا المطلوب, وإلا كتب النصيحة وأعطاها من يوصلها إلى الحاكم. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 13 حكم حلق رأس الغلام المولود السؤال ما السنة في المولود، فإننا نسمع سنناً فلا ندري ما صحتها, مثل: حلق رأسه؟ الجواب حلق رأس الغلام في اليوم السابع سنة، جاء به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يحلق ويتصدق بوزنه ورقاً) أي: فضة, لكن بشرط أن يكون هناك حالق حاذق, لا يجرح الرأس, ولا يحصل فيه مضرة على الطفل, فإن لم يوجد فأرى ألا يحلق وأن يتصدق بشيء يكون وزن شعره من الفضة. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 14 واقع المسلمين سبب في صد الناس عن الإسلام السؤال رجل يسمع عن الإسلام وهو غير مسلم, ويعرف أن الإسلام يدعو إلى التوحيد وأن هناك إلهاً واحداً, ولكن يرى من ظاهر المسلمين -هذا ما يصل إليه- أنهم شرسون وأنهم قتالون وأن نبيهم هكذا, ولكنه يؤمن بأن هناك إلهاً واحداً, فما جزاء هذا الإنسان يوم القيامة؟ الجواب هذا كافر, ما دام أنه لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر, والواجب على من أراد الإسلام حقيقة -أي: إرادة حقيقية- أن ينظر في تعاليم الإسلام, وتوجيهات الإسلام لا في المسلمين؛ لأن المسلمين عندهم معاصٍ متنوعة, حتى إن بعضهم عنده الشرك الأكبر وهو دعاؤه لغير الله, تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم, حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) وجحر الضب معروف أنه متعرج ليس مستقيماً, حتى لو دخلوا هذا الجحر الضيق المتعرج الذي ليس بمستقيم لدخلتموه, فالواجب أن الإنسان الذي يريد حقاً أن يصل إلى الإيمان بالله عز وجل أن ينظر إلى الإسلام نفسه لا إلى المسلمين. أما المسلمون فكما ترى الآن, فيهم الكذب والغش والزنا واللواط والسرقة والربا والشرك والعدوان بلا حق ولا ينبغي لهؤلاء, ثم هذه الأوصاف أيضاً ليست عامة لكل المسلمين بل في أناس مسلمين ربما لا يصادف هذا الرجل إلا من تخلق بمثل هذه الأخلاق, وتكون الطائفة المنصورة السليمة في جهة أخرى لا يدري عنها هذا الرجل, والواجب كما قلت وأكرر: إن على الإنسان أن ينظر إلى تعاليم الإسلام فقط لا إلى المسلمين. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 15 حكم الزكاة على المال المقروض السؤال شخص سلف شخصاً آخر عشرة آلاف ريال وحال عليها الحول هل تجب عليها الزكاة على المسلف أو الدائن؟ الجواب إذا كان الذي استسلفها غنياً بحيث يسلمها للمقرض في أي ساعة من طلبها فعليها زكاة, لأن هذه كالدراهم التي في الصندوق متى شاء أخذها, وإن كان فقيراً فلا زكاة عليه, لكن إذا قبضها فمن العلماء من يقول: يزكيها لما مضى, ومنهم من يقول: يزكيها سنة واحدة مما مضى, ومنهم من يقول: يبتدئ بها حولاً جديداً, والاحتياط: أن يزكيها لسنة واحدة مما مضى, يعني: إذا مضى عليها عشر سنوات يزكيها مرة واحدة. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 16 فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة السؤال هل ورد حديث في فضل صيام أيام الحج لغير الحاج؟ الجواب نعم. صوم يوم عرفة قال النبي عليه الصلاة والسلام في صومه: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) هذا يوم عرفة. أيضاً: صوم تسع ذي الحجة كلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) ولا شك أن الصوم من العمل الصالح. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 17 حكم صلاة الغائب على الميت في بلاد المسلمين السؤال رجل توفي له أحد أقاربه في جدة وغسلوه وصلوا عليه, ويبعد عن المنطقة نحو (250كم) ولم يحضر خاله, فصلوا صلاة الغائب على الميت, بينما مات أناس كثيرون لم يصلوا عليهم, هل ننكر عليه ونقول: إنه لازم؟ فهل يكون فعله صحيحاً بدليل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي؟ الجواب نقول له بهدوء: أعندك دليل على هذا؟ إذا قال عندي دليل وهي صلاة النجاشي , نقول: النجاشي ملك في الحبشة , قائد مات في بلد غير إسلامي, لم يعلم أنه صلي عليه فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام, لكن ألم يمت أناس كثيرون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في غير المدينة وما صلّى عليهم؟ سيقول: بلى, إذاً: كيف تصلي أنت على هؤلاء؟ ثم إن الصلاة على خالك أو قريبك في مجتمع الناس بدون إذن ولي الأمر خطأ, صلِّ عليه في بيتك مع أهلك كما تحب, لكن تفرض هذا على المسلمين الذين وراءك ليس بصحيح, قد يكون بعضهم يكره خالك, ولا يرى له فضلاً حتى يصلي عليه صلاة الغائب, فنحن نقول: صلاة الغائب لم تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن الصحابة, ولم تحصل إلا في قضية واحدة معينة وهي الصلاة على النجاشي , والنجاشي كما قلت لك له ميزة لم تكن لغيره, ثم هو في بلد كفر, يعني الحبشة في ذلك الوقت ما أسلموا, فمن قال: إنه قد صلي عليه وأنه بعد ذلك صلّى عليه صلاة الغائب. فإن هدى الله هذا الرجل بهذا فهذا المطلوب, وإلا قيل له: اكتب كتاباً إلى دار الإفتاء واستفتهم في ذلك. السائل: هل ينتفع بصلاة الغائب هذا؟ الجواب: إذا صارت مشروعة ينتفع بها, وإن لم تكن مشروعة فلا ينتفع بها. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 18 مسألة في البيع والشراء السؤال رجل أوصى رجلاً آخر أن يشتري له جهازاً إلكترونياً من أجل تحديد الاتجاهات, فذهب هذا الشخص واشتراها بمائة وخمسين ريالاً, فأتى وباعها على الشخص الثاني الذي أوصاه بمائتي ريال, ما حكم هذا يا شيخ؟ الجواب لا تحل له الخمسون, الخمسون الزائدة حرام عليه, لأنه وكيل, ولقد اشتراها بنية لمن وكله, فالواجب عليه الآن -لو تقول له: جزاك الله خيراً- أن يرد الخمسين إلى من اشتراها له أو يستسمحه. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 19 حكم قراءة الفاتحة من غير تدبر في الصلاة السؤال يعرض الشيطان للإنسان في صلاته كثيراً, ومنها في أوقات قراءة الفاتحة والتشهد, فإذا تأكد المصلي أنه قرأ الفاتحة حتى يصل إلى نهايتها, أو في آخر التشهد, فانتبه أنه قرأ الفاتحة من غير تدبر, هل يعيد الفاتحة أم لا يعيدها؟ الجواب لا يعيدها, إذا غفل الإنسان عن الصلاة بالوساوس والهواجيس فإنه لا يعيد ما فاته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن: الشيطان يأتي للإنسان في صلاته ويقول: اذكر كذا اذكر كذا فيصلي ولا يدري ما صلّى. ولو قلنا: بأنه يعيد لكان الشيطان يتسلط عليه في الإعادة, ثم نقول: أعد ثانية وثالثة ورابعة، لكن على الإنسان أن يحاول ما استطاع أن يحضر قلبه في صلاته؛ لأن حضور القلب في الصلاة هو لب الصلاة, الذي يصلي وقلبه غير حاضر ما هو إلا آلة متحركة فقط. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 20 مسألة التحاكم إلى الطاغوت السؤال هناك أحد الأفاضل من أهل العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -والحمد لله- استدل بآيات من سورة النساء أعرض عليك استدلاله إن شاء الله, في قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60] إلى آخر الآيات, يقول: إن هذه الآيات تحدد منهجاً في الذين يتحاكمون إلى غير شريعة الله عز وجل وهم بلسانهم يعتذرون باعتذارات هي في ذاتها باللسان, أما الحقيقة في القلب فهي خلاف ذلك, فمن ناحية الفعل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} [النساء:61] لكن ما صدودهم؟ إذا كلمناهم ما صرحوا بعقيدتهم الفاسدة ولكن تلونوا واعتذروا: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] وهؤلاء الذين علم الله ما في قلوبهم ومع ذلك لم يأمرنا بقتلهم, ومع ذلك لو كانوا كفاراً لجاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] فهذا يدلنا في قوله على أن من تحاكم بغير شريعة الله وصرح بأن حكم الله هو الحق وما دونه باطل فموقفنا معه الإعراض والنصيحة وليس التكفير والقتل, هذا الاستدلال فهل صحيح من هذه الآيات؟ الجواب هذه الآيات يظهر من سياقها أنها نزلت في المنافقين, الذين يظهرون أنهم مسلمون ولكنهم لا يؤمنون بالإسلام, وإنما يضمرون الكفر, فمن كانت هذه حاله فلا شك أنه داخل في المنافقين, وإنما لم يأمر الله بقتلهم؛ لأن المنافق لا يعامل إلا بظاهر الحال, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن قتل المنافقين: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولو ذهبنا نقتل كل من اتهمناه بالنفاق, لكان في ذلك مفسدة عظيمة, ولهذا قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} فنحن لا نعلم ما في القلوب, فحكمنا على الظاهر. هؤلاء المنافقون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لكن قد لا يتسنى لهم ذلك؛ لأنهم في دولة قد سيطر عليها الحكم الإسلامي, لكنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي: إلى ما يخالف الشرع, {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} وقد تمكن منهم, {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} ولا يقولون: لا. لكنهم يصدون ويعرضون دون أن يصرحوا بكلمة (لا) لأنهم لو صرحوا بها لكانوا كفاراً صرحاء. {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: واطلع عليهم وعلى نفاقهم, (ثم جاءوا يحلفون بالله) جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحلفون بالله {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} . والآية صريحة بأن هؤلاء محكومين وليسوا حاكمين, ولهذا يأتون يعتذرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} . فهذا الاستدلال صحيح، أن تكون الدعوة بالنسبة للمنافقين بالموعظة والنصيحة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يجد منابذة الولاة إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فنحن لا نعلم ما في قلب ولي الأمر، وتعرف أن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يصرحون لكنهم يعتذرون بأعذار غير صحيحة, وإلا فهم يصرحون, يقولون: نعم نحن نقول هذا ونقول هذا القانون ونعلم أنه يخالف الشرع لكنهم يأتون بأشياء يتأولونها, لكن أولئك المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصرحون يصدون ويعرضون لكن دون أن يقولوا: لا نقبل. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 21 حكم الدعاء بـ (يا من لا تراه العيون، ولا يصفه الواصفون) السؤال روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته, يقول الأعرابي: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه ظنون, ولا يصفه الواصفون, فأقره صلى الله عليه وسلم بإعطائه ذهباً كما تعلم جزاك الله خيراً, فكيف لا يصفه الواصفون, ونعرف منهج أهل السنة والجماعة أن من عقيدة أهل السلف أن الله يوصف بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, وكذلك يرى الله سبحانه وتعالى في الآخرة وهو يقول: يا من لا تراه العيون؟ علماً أننا نسمع بعض الأئمة يردد هذا الدعاء في رمضان؟ الجواب هذا الحديث منكر, ومكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام, لأنه يخالف الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] ويخالف السنة, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصف ربه بما يصفه به, وكذلك أجمع السلف على وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصف به رسوله. وأنا أنصحك وغيرك ممن يستمع: ألا تعتمدوا على مجرد السند حتى لو تدبرنا سند هذا مع أني ظان أنك لو رجعت إلى سنده لوجدت أنه لا يعتمد عليه, لكن حتى لو فرضنا أن السند لا بأس به فلا بد أن نعرف المتن, ولهذا من الشرط الصحيح: ألا يكون معللاً ولا شاذاً. وهذا لا شك أنها علة عظيمة إذا خالف ظاهر القرآن فلا عبرة به, ولا يحتاج أن نتأوله ونقول: لا تراه العيون في الدنيا, ولا يصفه الواصفون أي: لا يحيطون بوصفه, لا حاجة أن نتأول حديثاً على هذا الوجه؛ لأن أصل الحديث غير صحيح. وبالنسبة للدعاء به من قبل الأئمة فهذا لا يجوز، ولو أننا تتبعنا دعاء الأئمة لوجدنا خللاً كثيراً, فلا يجوز الدعاء بهذا. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 22 الحكمة من عدم لبس المخيط في الحج والعمرة السؤال ما الحكمة من عدم لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟ الجواب ما معنى: لبس الثياب غير المخيط في الحج والعمرة؟ المخيط هو القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف, وإنما نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن لبس هذه الأشياء من أجل أن يكمل ذل الإنسان لربه عز وجل ظاهراً وباطناً؛ لأن كون الإنسان يبقى في رداء وإزار ذل, تجد أغنى الناس الذي يستطيع أن يلبس أفخر لباس تجده لا يلبس إلا كأفقر الناس لكمال الذل. وأيضاً من أجل إظهار الوحدة بين المسلمين, وأنهم أمة واحدة, حتى في اللباس, ولهذا يطوفون على بناء واحد, ويقفون في مكان واحد, ويبيتون في مكان واحد, ويرمون في موضع واحد. الفائدة الثالثة: أن الإنسان يتذكر أنه إذا خرج من الدنيا, فلن يخرج إلا بمثل هذا, لن يخرج بأفخر اللباس, سيخرج في كفن. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه, وأن يجعل عملنا وعملكم في طاعته واجتناب معاصيه, والحمد لله رب العالمين. الجزء: 120 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [121] الحج له ثلاثة أنساك: التمتع، والقران، والإفراد، وهذه الأنساك كلها مشروعة ومنصوص عليها في السنة، وهي مرتبة على الأفضلية كما رتبها الشيخ، وقد شرحها الشيخ في هذا اللقاء وبين كل وجه من هذه الأوجه الثلاثة، وشرح كذلك صفة النسك، وذكر أركان الحج وواجباته، والمحظورات التي يجب على الحاج تجنبها في الحج، وأن من فعل شيئاً منها جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 1 صفة الحج على ثلاثة أوجه الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الحادية والعشرون بعد المائة من حلقات اللقاء المفتوح، التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس، السادس عشر من شهر ذي القعدة، عام (1416هـ) ، وبما أن هذا اللقاء هو اللقاء الأخير قبل الحج فإننا نتكلم عن الحج: عن صفته أولاً. ثم عن شروط وجوبه. ثم عن محظوراته. ثم عن واجباته وأركانه إن تيسر. فنقول: صفة الحج على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: التمتع. والوجه الثاني: القران. والوجه الثالث: الإفراد. هذه صفة الأنساك. التمتع هو: أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ناوياً الحج، ثم يحل منها ويحرم بالحج من عامه، فيكون هناك حِل بين العمرة والحج. والقران: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من عند الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد. والإفراد: أن يحرم بالحج مفرداً من الميقات، ويبقى على إحرامه إلى يوم العيد. وتختلف هذه الأنساك من حيث العمل. فالتمتع: عمرة مفردة وحج مفرد، يعني: أن كل نسك من النسكين له أعماله الخاصة. وأما القران: فإنه يجمع بينهما بإحرام واحد. وأما الإفراد فهو: حج مفرد ليس معه عمرة. وهذه الأنساك الثلاثة يجب الهدي في التمتع والقران شكراً لله عز وجل على ما يسر للمحرم من جمع النسكين في سفر واحد. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 2 صفة أداء النسك أما صفة أداء النسك: فإذا وصل إلى الميقات، والمواقيت معروفة محددة من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، لا مجال للاجتهاد فيها، إذا وصل فإنه يحرم من الميقات فيغتسل ويلبس ثياب الإحرام وهي: للرجل إزار ورداء، وأما المرأة فتلبس ما شاءت إلا أنها لا تتبرج بزينة، ولا تلبس القفازين ولا النقاب. ويقول إذا كان متمتعاً: لبيك عمرةً، وإن كان قارناً قال: لبيك عمرةً وحجاً، وإن كان مفرداً قال: (لبيك حجاً) ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) يرفع بها صوته إن كان رجلاً، ويستمر في هذه التلبية إلى أن يبتدئ بالطواف، فإن كان متمتعاً قطع التلبية عند الطواف، وإن كان قارناً أو مفرداً استمر في تلبيته إلى يوم العيد. فإذا وصل البيت بدأ بالحجر فاستلمه وقبله إن تيسر ذلك، وإلا استلمه وقبَّل يديه، وإن لم يتيسر أشار إليه بدون أن يقبل يديه، ويقول في ابتداء الطواف: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يجعل البيت عن يساره، ويضطبع في ردائه؛ يضطبع في ردائه بمعنى: أن يجعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر في جميع الطواف، ويرمُل في الأشواط الثلاثة الأولى، والرَّمَل: هو إسراع المشي مع مقاربة الخطا، ويمشي في بقية الطواف أربعة أشواط، وإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه بيده بدون تقبيل ولا تكبير، وإذا مر بالحجر الأسود للشوط الثاني كبر ولا يزال يكبر عند محاذاة الحجر الأسود في أول كل شوط، ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] أما في بقية طوافه فيقول ما شاء من دعاء وذكر وقرآن، وغير ذلك، ولا بأس إذا رأى أحداً مُخِلاً بطوافه أن يتكلم معه ويقول: افعل كذا افعل كذا. ومن المهم أن يعلم أنه لابد أن تكون الكعبة عن يساره من أول الطواف إلى آخره، وعلى هذا نعرف خطأ ما يفعله بعض الناس إذا كان معه نساء، يتحجر جماعة من الرجال ويكون بعض الرجال يمشي والكعبة خلفه وبعضهم يمشي والكعبة أمام وجهه، فهذا لا يصح طوافه؛ لأنه لابد أن يجعل البيت عن يساره. فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى خلفه ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] . ثم إن تيسر له رجع إلى الركن فاستلمه، فإن لم يتيسر انصرف من الركعتين إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] يقرأها أول مرة يقبل عليها فقط لا إذا صعد ولا إذا أقبل عليها مرة أخرى، وإنما تُقرأ إذا قرب منها في أول مرة، فيرقى على الصفا ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه كما يرفعهما في الدعاء، ويحمد الله ويكبره ويهلله ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة ماشياً فإذا وصل إلى العلم الأول -العمود الأخضر وفوقه الآن (لمبات) خضراء- إذا وصل إليه سعى بمعنى: ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع، ومن المعلوم أنه في حال الزحام لا يستطيع ذلك نظراً للزحام؛ لأنه لو فعل هذا لآذى الناس وتأذى هو أيضاً، فليمشِ على ما يتيسر له، حتى إذا وصل المروة صعد عليها وفعل ما يفعله على الصفا. وليُعلم أن الحد الواجب في السعي هو منتهى الممرات التي جُعِلت للعربيات، بمعنى: ليس بلازم أن يصعد إلى الجبل، فلو وقف عند منتهى هذه الممرات التي جُعِلت للعربيات فقد أتم السعي؛ لأن هذه الممرات موضوعة على أن الذي يركب العربية يكون قد أدى ما وجب عليه. ثم إذا أتم سبعة أشواط: من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر انتهى السعي، فيقصر إذا كان متمتعاً. ثم يحل إحلالاً تاماً يلبس الثياب، ويتطيب، ويأتي أهله إن كانوا معه. ثم إذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، أما إذا كان قارناً أو مفرداً فإنه يبقى على إحرامه، ولكن ينبغي أن يُعْلَم أن من أحرم قارناً أو مفرداً ولم يكن معه هدي أن المطلوب أن يحل الإحرام ويجعلها عمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك، ولأنه أيسر على الإنسان حيث يتمتع بما أحل الله له ما بين العمرة والحج. فإذا كان اليوم الثامن فإن كان مفرداً أو قارناً فهو على إحرامه وإن كان متمتعاً أحرم بالحج فاغتسل وتطيب ولبس الإحرام من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في منى فمن منى، إن كان في عرفة فمن عرفة، إن كان في أي مكان فإنه يحرم من مكانه. ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر اليوم الثامن والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع. فإذا طلعت الشمس سار إلى عرفة، ونزل بـ نمرة إن تيسر له وإلا استمر إلى عرفة ونزل فيها، فإذا زالت الشمس أي: دخل وقت الظهر صلى الظهر والعصر قصراً وجمعاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تفرغ بعد ذلك للدعاء والذكر وقراءة القرآن وغير ذلك من الأشياء التي تثير هِمَّته، وتوجب له الخشوع والإنابة إلى الله تبارك وتعالى، ويلح في الدعاء ولاسيما في آخر النهار حتى تغرب الشمس. ثم يسير بعد ذلك إلى مزدلفة، فإذا وصل إلى مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً. ثم نام إلى أن يطلع الفجر، وفي هذه الليلة يصلي الوتر ويجعله في آخر الليل إن كان يطمع أن يقوم في آخر الليل أو في أوله. ثم إذا طلع الفجر صلى الفجر وقبلها الراتبة. ثم بقي في مزدلفة يدعو الله تعالى ويذكره ويهلل ويسبح إلى أن يسفر جداً، ثم يدفع من مزدلفة قاصداً منى. فإذا وصل إلى منى بدأ أول ما يبدأ برمي جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فبدأ بها ورماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة يقول: الله أكبر بدون أن يقول: بسم الله، يقول: الله أكبر فقط؛ لأن السنة جاءت بذلك، ثم ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً، أو كان مفرداً لو أحب أن يتطوع. ثم بعد ذلك يحلق رأسه، ويلبس ثيابه، ويحل التحلل الأول. ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إن كان متمتعاً، أما إن كان مفرداً أو قارناً فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم كفاه السعي الأول، وإن كان لم يسع سعى بعد طواف الإفاضة. ثم يرجع إلى منى ليبيت بها ليلتين أو ثلاث ليال إن تأخر، وبعد الزوال -أي: بعد دخول وقت صلاة الظهر- يرمي الجمرات الثلاث: الأولى: وهي أبعدهن عن مكة يرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عن الزحام وعن إصابة الحصى، ويقف مستقبل القبلة رافعاً يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً. ثم يذهب إلى الجمرة الوسطى ويرميها كما فعل في الجمرة الأولى ويدعو بعدها. ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف بعدها، بل ينصرف إلى منزله في منى. فإذا رمى الجمرات يوم الثاني عشر فإن شاء تقدم وإن شاء تأخر، إن تقدم فلابد أن يخرج قبل أن تغرب الشمس، وإن تأخر بقي إلى اليوم الثالث عشر وفعل في اليوم الثالث عشر كما فعل في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر. فإذا أراد أن يسافر إلى أهله من مكة فإنه يطوف طواف الوداع، وهو واجب على كل حاج أو معتمر إلا المرأة الحائض، فإنها لا يلزمها الطواف؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: [أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفِّف عن الحائض] . الجزء: 121 ¦ الصفحة: 3 أركان الحج والعمرة أما أركان الحج، فقال العلماء: إن أركانه أربعة: الإحرام: وهو نية النسك. والطواف. والسعي. والوقوف بـ عرفة. هذه أركان أربعة. أما العمرة فأركانها: الإحرام. والطواف. والسعي. ثلاثة، يسقط منها الوقوف بـ عرفة؛ لأنه ليس لها وقوف بـ عرفة. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 4 واجبات الحج أما الواجبات فهي: أن يكون الإحرام من الميقات بمعنى: أنه يجب أن يحرم من الميقات، فلو أحرم من دون الميقات فإحرامه صحيح؛ لكن عليه دم عند العلماء. الوقوف بـ عرفة إلى الليل. المبيت بـ مزدلفة على التفصيل الذي ذكرنا. المبيت بـ منى. رمي الجمرات. طواف الوداع. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 5 محظورات الإحرام أما محظورات الإحرام: فنذكر منها ما جاء في القرآن والسنة: فمما جاء في القرآن: قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة:197] والرفث هو: الجماع، فالجماع من حين أن يحرم الإنسان إلى أن يحل التحلل الثاني حرام عليه، وهو أعظم المحظورات. الثاني: الإنزال بمباشرة، أو باستمناء، أو بتكرار نَظَرٍ. الثالث: المباشرة وإن لم يكن إنزال ولا جماع؛ لأنها من مقدمات الجماع، ولا يؤمَن أن الإنسان يباشر أولاً ثم في التالي يجامع. الرابع: عقد النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكِح) . الخامس: الخِطبة. خِطبة النكاح، فإنها حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب) . السادس: الطيب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات ووَكَزَتْه راحلته: (لا تحنطوه -أي لا تجعلوا فيه طيباً-) . السابع: حلق شعر الرأس؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] . الثامن: لبس ما نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريمه؛ حيث سئل: ما يلبس المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخِفاف) . التاسع: لبس المرأة للقفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وكذلك الرجل لا يلبس القفازين؛ لأنها من جنس العمامة وشبهها، فالعمامة كسوة الرأس، وأما القفازين فهما كسوة اليدين. العاشر: الخِفاف للرجل خاصة؛ إلا من لا يجد النعلين فإنه يلبس الخُفَّين. الحادي عشر: تغطية الرأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات في عرفة: (لا تغطوا رأسه) . الثاني عشر: قتل الصيد؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] . الجزء: 121 ¦ الصفحة: 6 حكم من فعل محظوراً جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً هذه المحظورات لها جزاء وفدية معروفة عند الفقهاء، ولكن الذي يهمنا هو أن نعلم أن هذه المحظورات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، لا إثم، ولا فساد نسك، ولا جزية، ولا فدية، إذا فعل الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه. فلو أن إنساناً نسي وغطى رأسه فلا شيء عليه؛ لكن إذا ذكر يجب أن يزيل الغطاء عن رأسه. ولو تطيب ناسياً ثم ذكر فلا شيء عليه؛ لكن يجب عليه أن يغسل الطيب. ولو باشر زوجته ناسياً فلا شيء عليه، ولو جامعها ناسياً فلا شيء عليه، ولو أكره رجلٌ زوجتَه وهي محرمة فجامَعها فلا شيء عليها. المهم أن القاعدة الأساسية في الشريعة الإسلامية: أن من فعل المحظورات ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه، الدليل: قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، (فقال الله تعالى: قد فعلت) . وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] . وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] . وإذا كان الإكراه على الكفر وهو أعظم الذنوب حكمه مرفوع على العبد، فما دونه من باب أولى. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) . هذه لمحة موجزة عن الحج وواجباته، وأركانه، ومحظوراته، ومن أراد التوسع في ذلك فالحمد لله الكتب موجودة، والمناسك الصغيرة موجودة، فليرجع إليها. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 121 ¦ الصفحة: 8 جواز الخروج من مكة إلى عرفة مباشرة السؤال لو أن الإنسان في الحج خرج من مكة إلى عرفة رأساً، فهل يجوز ذلك أو لا؟ الجواب يجوز هذا. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 9 حكم الدفع من عرفة قبل غروب الشمس السؤال لو دفع من عرفة قبل غروب الشمس، هل يجوز أو لا؟ الجواب لا يجوز. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 10 التفصيل فيمن دفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر السؤال لو دفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر، هل يجوز أو لا؟ الجواب هذا فيه تفصيل: أما من كان يشق عليه أن يزاحم الناس فإنه يجوز أن يتقدم إلى منى ويرمي الجمرات متى وصل ولو قبل الفجر. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 11 جواز تقديم الحلق على النحر السؤال الرابع: لو قَدَّم الحلق على النحر، هل يجوز أو لا؟ الجواب يجوز. وبهذا الصدد ينبغي أن نعلم أن الإنسان في يوم العيد إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أنساك: الرمي. ثم النحر. ثم الحلق. ثم الطواف. ثم السعي. هذه الأنساك ترتب كما قلنا الآن، ولكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل يوم العيد في التقديم والتأخير، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) . الجزء: 121 ¦ الصفحة: 12 حكم تأخير الرمي إلى غروب الشمس السؤال لو أخَّر الرمي إلى أن غربت الشمس، هل يجوز أو لا؟ الجواب يجوز. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 13 جواز تأخير طواف الإفاضة حتى النزول من منى السؤال لو أخَّر طواف الإفاضة حتى نزل من منى وأتم الحج، هل يجوز أو لا؟ الجواب يجوز. وفي هذه الحال: هل يلزمه إذا أخَّر طواف الإفاضة عن يوم العيد هل يلزمه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام؟ الجواب: لا. لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، لا تقوم به الحجة. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 14 تأخير طواف الإفاضة إلى السفر يجزئ عن طواف الوداع السؤال لو أخَّر طواف الإفاضة وطاف عند السفر، هل يجزئه عن طواف الوداع؟ الجواب نعم. لكن قد يشكل على بعض الناس كيف يصح ذلك وهو سوف يسعى بعده إن كان متمتعاً أو مفرداً وقارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم؟ والجواب: أن السعي تابع للطواف فلا يعتبر فاصلاً؛ لأنه تابع للطواف فلا ينافي أن يكون آخر عهده بالبيت. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 15 حكم لبس النعال التي تحت الكعبين السؤال عفا الله عنك! هل الجزمات التي تحت الكعبين تعتبر خِفافاً أم لا؟ الجواب نعم. الجزمات تحت الكعبين بعض العلماء يقول: لا بأس بها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبد الله بن عمر: (من لم يجد نعلَين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين) قالوا: هذا لأنهما إذا قطعا أسفل من الكعبين صارا بمنزلة النعلين، ولكن ظاهر معنى السنة العموم: (ولا الخفين) فالصواب أنه حرام، وأنه لا يجوز للمحرم أن يلبس الجزمة، ولو كانت دون الكعب. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 16 حكم التصفيق للرجال السؤال السؤال ليس عن الحج؛ لكن من قول منقول عنكم نريد التأكد منه وهو: أنكم تقولون بجواز التصفيق، هل هذا صحيح؟ نقل لي أحد الشباب أنكم قلتم: لا بأس به! الجواب نعم! قلنا: لا بأس بجواز التصفيق إذا أريد به التشجيع لمن أجاب جواباً صحيحاً، أو ما أشبه ذلك؛ لأنه لا دليل على تحريمه، وأما قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] فهؤلاء يقصدون بالتصفيق التعبد لله، وهذا ليس عبادة، وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال وتصفق النساء) فقد قيده بالصلاة كما في صحيح مسلم، ثم إن الحكمة معلومة أن المرأة إذا نابَ الإمامَ شيءٌ في صلاته لا تتكلم؛ لأن كلامها قد يثير شهوة بعض المصلين فتؤمَر بالتصفيق. ونحن لا نحبذه لكن لا نمنعه، ولا نقول: هذا حرام وتشبه بالكفار، هذه المسائل ينبغي للإنسان أن يكون على دقة في الأمر. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 17 جواز تعدد الخطب في عرفة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم تعدد الخُطَب في عرفة؟ الجواب نعم! أما هدي النبي عليه الصلاة والسلام فإنه لم يخطب إلا واحدة وهو الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لكن كل الناس كانوا حاضرين، وأما في وقتنا الحاضر فكما تعرف الوصول إلى المسجد الذي فيه الخطيب صعب، فلو أن أحداً من الناس ذكَّر إخوانه إذا كانوا صلوا -مثلاً- في مخيمهم فهذا طيب، وليس فيه بأس. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 18 الوقوف بعرفة قبل الزوال والخروج منها قبل الغروب السؤال فضيلة الشيخ! إذا وقف الإنسان بـ عرفة قبل الزوال، ثم خرج قبل الزوال أيضاً، فهل يكون أتى بهذا الركن ويلزمه دم؟ أم أنه يجب عليه أن يعود؟ الجواب نعم! أما عند الإمام أحمد رحمه الله فيرى أن الإنسان إذا وقف يوم عرفة بـ عرفة في أول النهار أو آخره فقد أدى الركن، لكن إن دفع قبل الغروب وجب عليه دم. وأما جمهور العلماء فيقولون: إن ابتداء الوقوف بـ عرفة من الزوال، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عروة بن مضرس، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً يُقَيَّد بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام. وعلى كل حال: إذا كان الإنسان حريصاً على إبراء ذمته وعلى أداء ركن الإسلام فلا يقف بـ عرفة إلا من الزوال فما بعد. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 19 كل بيت مستقل عليه أضحية السؤال رجل مسن وعنده ثلاثة أبناء متزوجون يسكنون في بيت واحد مُجَزَّأً، وكل واحد من هؤلاء الأبناء تولى إعداد الطعام يوماً إذ أن كلاً منهم له مطبخ مستقل، والسؤال: هل يستحب لهؤلاء أضاحٍ أو أضحية واحدة؟ وإذا كانت واحدة هل يشتركون في قيمة الأضحية أو تكون من مال أحدهم؟ الجواب الذي أرى أن على كل بيت أضحية؛ لأن كل بيت مستقل. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 20 حكم الأخذ من اللحية إذا زادت عن القبضة السؤال ما رأيكم في قول أخذ القبضة في اللحية؟ الجواب لدينا سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وسنة عن صحابي، سنة عن الرسول وسنة عن صحابي، أما السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام فقد قال: (أعفوا اللحى) ولم يقيدها، ولم يرخص في أخذ ما زاد على القبضة. وأما سنة الصحابي فـ ابن عمر رضي الله عنهما: كان إذا حج وأظنه أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد عن القبضة قصه. ليس يقصه دائماً بل في النسك، وكذلك يروَى عن اثنين أو ثلاثة من الصحابة. فهل تُقَدِّم سنة الرسول أو سنة الصحابي؟ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] فنحن مأمورون ومكلفون بإجابة الرسل، أما غيرهم فهم غير معصومين، كل يؤخذ من قوله ويترك. وأما كون ابن عمر وهو راوي الحديث يفعل ذلك فالقاعدة الشرعية عند العلماء؛ علماء المصطلح، وعلماء الأصول: أن العبرة بما روى لا بما رأى؛ لأن الرواية معصومة عن معصوم نقل خبراً عن معصوم، والرأي غير معصوم، ولهذا فهذه القاعدة من أنفع القواعد. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين ذكر -أظن- أكثر من عشرين مسألة خالف فيها الراوي ما روى، وأخذ العلماء بما روى لا بما رأى. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 21 حكم ما يقال قبل السؤال من السلام والدعاء السؤال أحسن الله إليك يا شيخ! قلنا: إن السلام قبل السؤال ليس من فعل الصحابة رضوان الله عليهم. فهل نقول مثل هذا الدعاء قبل السؤال، كأن يقول: أحسن الله إليك، وما أشبه ذلك؟ الجواب إي نعم! أما السلام فهو سنة مستقلة تسلِّم على من لاقيت، فهي سنة مستقلة، وأما الدعاء للمسئول فهو من باب المكافأة؛ لأن الذي يجيبك قد أحسن إليك في الواقع، وإن كان هو أحسن إلى نفسه أيضاً، فهو من باب المكافأة المقدمة نقداً، فإذا قلت: أحسن الله إليك، فهذا ليس فيه شيء. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 22 جواز الإحرام قبل الوصول إلى الميقات للحاج عبر الجو للحيطة السؤال بالنسبة للذي يحج عن طريق الجو -الطائرة- إذا أخذ بالأحوط وذلك لسرعة الطائرة فأحرم قبل الوصول إلى الميقات! وما حكم الإحرام في بداية صعود الطائرة؟ الجواب نعم! الذي يكون في الطائرة نرى أن يحتاط، يعني: يحرم قبل خمس دقائق؛ لأنه لو أخر حتى يحاذي الميقات فالطائرة في دقيقة واحدة تأخذ مسافة طويلة، لهذا نقول: احتط، ومن ثم كان القائمون على الطائرة جزاهم الله خيراً يعلنون قبل الوصول إلى الميقات أولاً بنصف ساعة أو ثلث ساعة ثم بعشر دقائق. وأما الإحرام في بداية صعود الطائرة والله ما هو بأحسن، قال العلماء: يُكره أن يحرم قبل الميقات، ولا داعي للاحتياط هنا، يعني مثلاً: إذا كان من القصيم، الاحتياط إذا مر نصف ساعة يحرم؛ يلبي. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 23 التفصيل في مسألة الإحرام للقادم من جدة السؤال الإخوة الساكنون في جدة -مثلاً- نراهم إذا أرادوا الحج أو العمرة يأتون إلى مكة ثم يعتمرون في التنعيم أو يعقدون الميقات في التنعيم، هل هذا هو الصحيح أم لا؟ الجواب هذا فيه تفصيل: إذا كان ساكناً في جدة ونزل إلى مكة لغير العمرة ولغير الحج لغرض من الأغراض، ثم بدا له في مكة أن يحرم، نقول: أحرم من التنعيم أو من عرفة، المهم من أدنا الحل، وأما الذي قصد أن يعتمر وهو من أهل جدة فيجب أن يحرم من جدة ولا يؤخر. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 24 حكم من تطيب قبل الإحرام وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام السؤال إن كان الرجل يتطيب قبل أن يلبس لباس الإحرام؛ ولكن ما زالت هذه الرائحة موجودة حتى الحج. هل يجوز أو لا؟ الجواب يجوز؛ لأن الإنسان إذا تطيب قبل الإحرام وبقي أثر الطيب عليه بعد الإحرام فلا بأس، قالت عائشة رضي الله عنها: (كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) . الجزء: 121 ¦ الصفحة: 25 المتمتع ينوي العمرة فقط السؤال إذا أردنا التمتع هل ننوي الحج والعمرة معاً في الميقات، أو ننوي للعمرة فقط ثم أين ننوي للحج؟ الجواب إذا كنت تريد التمتع فتنوي العمرة فقط عند الميقات، العمرة فقط؛ لأنك لو نويت العمرة والحج صرت قارناً. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 26 إدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قرانا ً السؤال إنسان حج متمتعاً وطاف طوافاً ناقصاً وحصل منه جماع، هو سعى ولكن يعني الطواف ناقص، وأكمل حجه ثم حج بعد هذه الحجة حجتين ليست له، والحجة الأولى هي الفرض. هل يصح حجه هذا؟ الجواب هذا يكون قارناً؛ لأنه أدخل الحج على العمرة قبل انتهائه، بل قبل طوافه؛ لأن الطواف الأول لاغٍ، وإدخال الحج على العمرة قبل الطواف يجعل النسك قراناً، ويبقى النظر الآن في كونه حَلَّ ولبس وجامع؛ لكنه جاهل فلا شيء عليه، وعلى هذا فيكون حجه تاماً لكنه قارن ليس متمتعاً. السائل: يعني يصبح كقضية عائشة؟ الشيخ: عائشة أدخلت الحج على العمرة قبل أن تشرع في الطواف، لكن بالنسبة للقرآن كقضية عائشة. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 27 تكرار العمرة في سفر واحد من البدع السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يأتي من مكان بعيد لهدف العمرة إلى مكة، ثم يعتمرون ويحلون، ثم يذهبون إلى التنعيم ثم يؤدون العمرة، يعني: في سفره عدة عمرات، فكيف هذا؟ الجواب هذا بارك الله فيك من البدع في دين الله؛ لأنه ليس أحرص من الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كما نعلم جميعاً دخل مكة فاتحاً في آخر رمضان، وبقي تسعة عشر يوماً في مكة ولم يخرج إلى التنعيم ليحرم بعمرة، وكذلك الصحابة، فتكرار العمرة في سفر واحد من البدع، ويقال للإنسان: إذا كنت تحب أن تثاب فطُف بالبيت خير لك من أن تخرج إلى التنعيم، ثم نقول أيضاً: طف بالبيت إذا لم يكن موسم حج، فإن كان موسم حج فيكفيك الطواف الأول، دع المطاف للمحتاجين إليه، ولهذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عُمَرِه كلها لا يطوف أي: لا يكرر الطواف ولا يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة ونجده في حجة الوداع لم يطف إلا طواف النسك فقط طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع، ومن المعلوم أننا لسنا أشد حرصاً على طاعة الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فنقول لهذا: خفِّف على نفسك، تكفيك العمرة الأولى، وإذا أردت أن تخرج من مكة فطف طواف الوداع، والحمد لله. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 28 حكم الإحرام من غير الميقات المحدد السؤال هل يجوز للطالب الذي جاء من الرياض وله زملاء في جدة، أن يزور زملاءه في جدة ثم يحرم معهم للحج؟ الجواب لا يجوز أن يؤخر الإحرام عن الميقات وهو قد ذهب إلى الحجاز للحج، أما لو كان ذهب للزيارة وليس عنده نية أن يحج أو يعتمر ثم إن زملاءه دعوه لأن يحج معهم ونوى من مكانه هناك فلا بأس أن يحرم معهم، أما من كان قاصداً أن يعتمر أو يحج فلابد أن يحرم من الميقات. ونقول للأخ: الأمور سهلة، أحرم من الميقات متمتعاً بالعمرة إلى الحج، ثم تحل منها وتحرم مع إخوانك بالحج، وإذا كان وقت الحج قريباً وأردت أن تحرم بقران، أو أردت أن تحرم بإفراد؛ فلا بأس عليك. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 29 جواز الذهاب إلى المدينة ثم الإحرام من ميقات أهل المدينة السؤال رجل جاء من جدة ولم يحرم، أولاً ذهب إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي، ثم أحرم من ميقات أهل المدينة، هل هذا صحيح؟ الجواب لا بأس، يعني: لو أن الإنسان جاء من بلده قاصداً المدينة أولاً ونزل في جدة ثم سافر من جدة إلى المدينة ثم رجع من المدينة محرماً من ميقات أهل المدينة فلا بأس. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 30 قضاء الدين يقدم على الحج إذا لم يكن لديه سوى مال الحج السؤال رجل يريد أن يحج وعليه أقساط سيارة! الجواب نعم! الرجل الذي يريد الحج وعليه أقساط سيارة نقول: إن كانت الأقساط حالَّة فليوفها أولاً ثم يحج؛ لأن وفاء الدين واجب والحج ليس بواجب، حتى لو كان حج فريضة، فإنه لا يجب عليك حتى تقضي دينك، وأما إذا كانت الأقساط تمتهل فيُنظر هل له ما يقضي به الدين إذا حلَّ فحينئذ يحج، وإن كان ليس عنده إلا هذا المال الذي يريد أن يحج به فلا يخرج، يدخره ويبقيه ليوفي به دينه. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 31 الاضطباع يكون في الأشواط السبعة السؤال (الاضطباع) في الطواف يكون في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، أو في السبعة أشواط؟ الجواب نعم! (الاضطباع) في الأشواط السبعة كلها، الذي في الأشواط الثلاثة الأولى هو (الرَّمَل) فقط، أما الاضطباع فهو في جميع الطواف، ولا اضطباع قبل الطواف ولا بعد الطواف، وهذه مسألة ينبغي لنا أن نعرفها ونعلِّم إخواننا المسلمين، أكثر المسلمين اليوم من حين أن يحرم تجده مضطبعاً وهذا ليس من السنة، الاضطباع لا يكون قبل الطواف ولا بعده إنما يكون في حال الطواف فقط. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 32 حكم الالتزام بجدار الكعبة السؤال فضيلة الشيخ! رأيت بعض الناس في مكة المكرمة، بعد الطواف وقفوا ووضعوا أيديهم على جدار الكعبة ويبكون، هل يجوز ذلك؟ الجواب نعم. هذا يسمى الالتزام، والالتزام خاص في (الملتزَم) والملتزَم: ما بين الباب والحجر الأسود، فالمكان إذاً ضيق جداً وفي أيامنا هذه أيام المواسم لا يمكن للإنسان أن يلتزم: أولاً: لأنه يتأذى تأذياً عظيماً. وثانياً: أنه يعوق الطائفين، فيؤذي الطائفين. وأيضاً أصل الالتزام لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا توقف فيه بعض العلماء: فقيل: الالتزام في غير هذا المكان، نجد بعض الناس في كل مكان من الكعبة يلتزم؛ يلصق صدره ويمد يديه على صدر الكعبة، هذا بدعة. فصار الآن عندنا مكان الالتزام ما بين الباب والحجر، هل هو سنة أم لا؟ الجواب: توقف فيه بعض العلماء؛ لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام. هل ينبغي أن يفعله الإنسان في أيام المواسم والزحام؟ الجواب: لا، لما في ذلك من الأذية على نفسه وعلى غيره، نعم. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 33 أقسام الحج وترتيبها على الأفضلية السؤال ذكرتُم أن الحج على ثلاثة أقسام، وذكرتم الإفراد، هل هناك خلاف بين العلماء في الإفراد؟ الجواب بعض العلماء يقول: إن التمتع واجب، ولا يجوز القران إلا مع سوق الهدي، ولا يجوز الإفراد إلا مع سوق الهدي؛ ولكن هذا القول ضعيف. والصواب: أن الأنساك الثلاثة كلها جائزة، ولكنها تختلف في الأفضيلة فالتمتع أفضل، والقران أفضل لمن ساق الهدي، والإفراد هو آخرها. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 34 حكم الفدية على القارن السؤال هل الفدية واجبة على القارن أم لا؟ الجواب بارك الله فيك لا تسمِّها فدية، سمِّها هدياً، وهو واجب على المتمتع بنص القرآن: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] . أما القران فأكثر العلماء -جمهور العلماء- على أنه يجب فيه الهدي كما يجب في التمتع، وهذا القول أحوط وأولى، وإذا كان الإنسان لا يجد فالأمر واسع والحمد لله، يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. أما المفرد فلا هدي عليه، لماذا؟ لأن المتمتع والقارن حصلا على نسكين في سفر واحد، والمفرد لم يحصل على نسكين، ولهذا تعد العمرة التي بعد الحج للمفرد غير مشروعة وإن كان بعض العلماء رحمهم الله يقول: إنها مشروعة، لقصة عائشة رضي الله عنها؛ لكن الدليل صحيح والاستدلال غير صحيح، بمعنى: أن الحديث صحيح؛ لكن الاستدلال غير صحيح، لم يفعل أحد من الصحابة عمرة بعد الحج إلا عائشة لسبب وهي أنها كانت متمتعة ثم حاضت قبل أن تطوف، فقرنت ثم لم تطِب نفسها إلا أن تأتي بعمرة مستقلة كما فعلت صاحباتها، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفعل ولم يشرع لأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي كان معها أن يأتي بعمرة، مما يدل على أن العمرة بعد الحج ليست معروفة عند الصحابة إطلاقاً. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 35 الإحرام من المطار السؤال بالنسبة للإحرام، نرى كثيراً من بلدان إفريقيا يحرمون في المطار قبل المغادرة وإذا وصلوا مكة هل عليهم شيء؟ لأن الطائرات في بلداننا لا يعرفون شيئاً عن الميقات، فلذلك يرسلونها ولا يخبرونهم بشيء، فهم يحرمون في المطار في بلدانهم قبل المغادرة! الجواب نعم. هؤلاء الذين يأتون بالطائرة من بلادهم ولا يقوم أهل الطائرة بتبليغهم نقول: لا بأس أن تحرموا من المطار. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 36 حكم العمرة عن الغير والتفصيل فيها السؤال هل تجوز العمرة من الحي عن الرجل الحي أو الميت؟ الجواب العمرة والحج عن الحي إن كان فريضة والحي لا يستطيع أن يأتي بنفسه إلى مكة فلا بأس؛ لحديث ابن عباس: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله على عبادهِ في الحج أدْرَكَت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) . وأما إذا كان نفلاً فإن كان عاجزاً أي: من حججت عنه فالظاهر إن شاء الله أنها تنفعه، وإن كان قادراً ففيها خلاف بين العلماء: فمن العلماء من يقول: لا يصح أن يحج عن القادر لا فريضة ولا نفلاً؛ لأن الفريضة يُلْزم الإنسان أن يحج بنفسه والنفل لا ينفع أن تقول لشخص: اعبد الله عني، لا يصلح، وهذا عندي أقرب من القول بالجواز؛ لكن عمل الناس الآن أن الإنسان يحج عن غيره ولو كان الغير قادراً في النافلة، نعم. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 37 حكم من أتاها الحيض قبل طواف الإفاضة السؤال فضيلة الشيخ! امرأة جاءها العذر قبل طواف الإفاضة ومعها الرفقة، ومضطرة أن تسافر مع رفقتها، فكيف تفعل؟ الجواب هذه بارك الله فيك إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة، فإن كان يمكن أن يبقى رفقتها حتى تطهُر وتطوف فهذا هو المطلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن صفية قد حاضت قال: (أحابِسَتُنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلتنفر) . وإذا كان لا يمكن كما هو الحال في وقتنا هذا: نظَرْنا: إن كانت في المملكة فلتذهب معهم وتبقى على التحلل الأول حتى تطهُر، فإذا طهُرت رجعت؛ لأن الأمر ممكن. وإذا كان لا يمكن أن ترجع مثل أن تكون من المقيمين في المملكة ولا يمكنها أن ترجع إلا بتعب ومشقة أو من الوافدين ولن يمكن أن ترجع -أيضاً- فهذه تلبس حفاظة على فرجها لئلا يسيل الدم على البيت -على المسجد الحرام- ثم تطوف للضرورة، ويصح طوافها، هذا أصح الأقوال في هذه المسألة للضرورة. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 38 حكم تناول العقاقير المانعة للحيض السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض العقاقير لمنع الحيض، هل يجوز للمرأة أن تأخذها؟ الجواب نعم. يجوز للمرأة أن تأخذ ما يمنع الحيض في موسم الحج إذا كانت تريد أن تحج؛ لأن هذا إما حاجة أو ضرورة؛ لكننا لا نشير عليها أن تأخذ شيئاً من ذلك إلا بعد مراجعة الطبيب؛ لأنه قد يكون بدنُها لا يتحمل، أو ربما تأخذ حبوباً قوية تؤثر على رحمها وعلى مستقبل أمرها، فإذا استشارت الطبيب وقال: لا بأس، فإننا نأذن لها أن تأخذ هذه العقاقير من أجل منع الحيض؛ لأنها في حاجة لذلك. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 39 الأضحية للحاج السؤال ما حكم الأضحية للحاج؟ الجواب نعم، الأضحية للحاج إن كان يريد أن يضحي في أهله بمعنى: أنه حج وأهله مقيمون في بلده وأراد أن يعطيهم دراهم يشترون بها أضحية يضحون بها، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان يريد أن يضحي في منى فإنه لا يضحي في منى، ليس في الحج إلا الهدي، وأما حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أزواجه بالبقر) فالمراد (ضحى) أي: ذبحها في الضحى، ذبحها عنهم في الضحى فأهدى لهم بقراً؛ لكن ذبحها في الضحى فأُطلق عليها أنها أضحية، وكل أضحية أطلقت في الحج فالمقصود بها الهدي. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 40 حكم استخدام الرداء كوسادة أو فراش السؤال إن كان المعتمر هو يطوف ويكمل الطواف وبعدها يريد أن يذهب إلى الصفا والمروة ولكن في هذه الأثناء تعب جداً وأراد الاستراحة، بسبب البرد أو بسبب عادته هو لا يستطيع الاستراحة بلا إحرام، فيضع الإحرام تحت رأسه أو يستفيد منه كمثل السرير، هل عليه دم أم لا؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك يجب أن نعلم جميعاً أنه لا تشترط الموالاة بين الطواف والسعي، بمعنى: أنه يجوز للإنسان أن يطوف ثم يستريح ثم يسعى، أو يطوف في أول النهار ويسعى في آخر النهار ما فيه مانع، هذه واحدة. ثانياً: لا حرج أن الإنسان يضع رداءه وسادة له يتوسده، أو فراشاً، ليس فيه بأس. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 41 التفصيل في الحديث عن المبتدع السؤال فضيلة الشيخ! إذا وقع الرجل في بدعة قد تكون خطيرة فناقشتُه فهل يلزمني ذكر محاسنِه، أو يجب عليَّ بيان تلك البدعة أو الخطأ فقط، أو يلزمني شيء آخر كذكر محاسنه؟ أثابكم الله. الجواب هذا فيه تفصيل: أما من أراد أن يقوم الرجل ويذكُر حياته، فالواجب أن يذكر حسناته وسيئاته. وأما من أراد النصح والتحذير من بدعته وخطره فلا يذكر الحسنات؛ لأنه إذا ذكر الحسنات فهذا يرغِّب الناس بالاتصال به. فالمسألة فيها تفصيل، فمثلاً إذا إنسان ابتدع بدعة وأردنا أن نتكلم نحذر من البدعة فإنا نذكره ولا بأس، وإن كان قد يكون من المصلحة ألا يُذكر باسمه. وأما إذا كنا نريد أن نتكلم عن حياته فالواجب أن يُذكر ما له وما عليه. فالمسألة فيها تفصيل. الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أسماء معينة بأشخاصهم في مقام النصح كما في حديث فاطمة بنت قيس أنه خطبها أبو جهم ومعاوية وأسامة بن زيد فذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي جهم وعن معاوية ما يقتضي ألا تتزوجهما وقال: (انكحي أسامة) ، ولم يذكر محاسنهما مع أن محاسنهما لا شك أنها كثيرة؛ لكنه سكت عن ذلك؛ لأن المقام يقتضي هذا، وأما الإنسان إذا كتب عن حياة شخص فيجب أن يقول العدل، ما له وما عليه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 121 ¦ الصفحة: 42 لقاء الباب المفتوح [122] في هذا اللقاء حث الشيخ الناس على طاعة الله عز وجل، حيث أن الله عز وجل قد جعل لنا أعمالاً تكون مكفرات لذنوبنا، ومن أعظم هذه الأعمال الحج الذي يكون صاحبه نقياً من الذنوب كيوم ولدته أمه إذا كان حجه مبروراً، وفي هذا اللقاء فسر الشيخ بعض الآيات من سورة الانشقاق وسورة المطففين وشرحهما شرحاً موجزاً. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 1 الحث على المحافظة على طاعة الله الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع. وهذا هو الخميس الحادي والعشرون من شهر ذي الحجة، عام (1416هـ) ، نتحدث فيه عما منَّ الله به على الحجاج في هذا العام من الصحة والأمن، والاستقرار، والنظافة في جميع المشاعر، حتى أدى المسلمون نُسُكهم -ولله الحمد- على أتم وجه، ولكن لا يخلو مثل هذه التجمعات الكبيرة من بعض النواقص ولا سيما ممن ليس عندهم علم بالشريعة ومقاصدها ومواردها، عامةُ الحجاج جهالٌ عوامٌ لا يعرفون إلا أنهم أدوا النسك؛ وأنهم حجوا وأنهم اعتمروا، لا يشعرون بأن هذه عبادة عظيمة يتلبَّس بها الإنسان من حين الإحرام إلى أن يتحلل، ولذلك تجدهم في عنف عند التلاقي بإخوانهم في المشاعر، وفي الطواف، وفي السعي، وفي رمي الجمرات، وتجد كثيراً منهم لا يقبل النصح؛ لأنه إنما جاء ليؤدي أفعالاً فقط دون أن يُشعر قلبه بأنه في عبادة، وهذا أمر يجب على إخواننا المسلمين كلهم أن يشعروا بأنهم في عبادة من حين الإحرام إلى أن يتحللوا وينتهي نسكهم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وأخبر بأنه: (من حج، ولم يرفث، ولم يفسق رجع -يعني من ذنوبه- كيوم ولدته أمه) وهذا يؤدي إلى أن يكون المسلم بعد فراغه من الحج خيراً منه قبل فعل الحج؛ لأنه عاد نقياً من الذنوب، فلا ينبغي أن يلطِّخ صفحات أعماله بالذنوب بعد أن طهَّره الله تعالى منها، وذلك بالمحافظة على طاعة الله عز وجل: وأعظمُها وأشدُّها: الصلاة، فإنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، ولا يُمكن أن يكون دين إلا بِها، ولهذا كان أصح الأقوال من أقوال أهل العلم أن تاركها كسلاً، أو تهاوناً كافر كفراً مُخرجاً عن الملة -والعياذ بالله-. المحافظة كذلك على أداء الزكاة إلى مستحقيها الذين بيَّنهم الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] . وكذلك الصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والضيافة، وغير ذلك من شرائع الدين، وشعائره. نسأل الله لنا ولكم الاستقامة والثبات. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة الانشقاق الجزء: 122 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه) يقول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7-8] :- لما ذكر أن العبد، بل الإنسان -كل الإنسان- كادح إلى ربه (كادح) أي: عامل بجد ونشاط (إلى ربه) أي: أن عمله هذا ينتهي إلى الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود:123] لما ذكر هذا قال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الانشقاق:7] إشارة إلى أن هؤلاء العاملين منهم من يؤتى كتابَه بيمينه، ومنهم من يؤتى كتابَه من وراء ظهره. {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} : و (أوتي) هنا: فعل مبني لما لم يسم فاعله، فما الذي يؤتيه؟ يحتمل من الملائكة أو غير ذلك لا نعلم، المهم أنه يُعطى كتابه بيمينه يستلمه باليمنى. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فسوف يحاسب حساباً يسيراً) قال تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:8] أي: يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه لكنه حساب يسير ليس فيه أي عسر كما جاءت بذلك السنة: (يدنو رب العزة من عبده فيقرره بذنوبه، فيقول: عملتَ كذا، عملتَ كذا، عملتَ كذا، ويقر بذلك ولا ينكر، فيقول الله تعالى: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) ولا شك أن هذا حساب يسير يظهر فيه منةُ الله على العبد وفرحُه بذلك واستبشارُه. {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} : والمحاسب له هو: الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} [الغاشية:25] * {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:26] . {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} . الجزء: 122 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وينقلب إلى أهله مسروراً) قال تعالى: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] :- ينقلب من الحساب إلى أهله في الجنة مسروراً -أي: مسرور القلب- وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) ثم هم بعد ذلك درجات، وهذا يدل على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:10-12] :- هؤلاء هم الأشقياء -والعياذ بالله- يؤتَى كتابَه وراء ظهره وليس عن يمينه، وفي الآية الأخرى في سورة الحاقة: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:25] فقيل: إن من لا يؤتى كتابَه بيمينه ينقسم إلى قسمين: 1/ منهم من يؤتى كتابه بالشمال. 2/ ومنهم من يؤتى كتابه وراء ظهره. والأقرب والله أعلم: أنه يؤتى كتابه بالشمال، ولكن يده تُعْكَس حتى تكون من وراء ظهره إشارة إلى أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره، فيكون الأخذ بالشمال، ثم تلوى يده إلى الخلف، إشارة إلى أنه قد ولى ظهره كتابَ الله عز وجل، ولم يبالِ به، ولم يرفع به رأساً، ولم يرَ بمخالفته بأساً. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فسوف يدعو ثبوراً * ويصلى سعيراً) قال تعالى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق:11] يدعو على ويله، أي: يدعو على نفسه بالثبور، يقول: واثبوراه! يا ويلاه! وما أشبه ذلك من كلمات الندم والحسرة؛ ولكن هذا لا ينفع في ذلك اليوم؛ لأنه انتهى وقت العمل، فوقت العمل هو في الدنيا أما في الآخرة فلا عمل، وإنما هو الجزاء. {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:11-12] أي: يصلى النار التي تسعَّر به -والعياذ بالله- ويكون مخلداً فيها أبداً؛ لأنه كافر. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إنه كان في أهله مسروراً) قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13] :-إنه كان في الدنيا في أهله مسروراً؛ ولكن هذا السرور أعقبه الندم والحزن الدائم المستمر، وارْبُطْ بين قوله تعالى فيمن أوتي كتابه بيمينه: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} وهذا -والعياذ بالله- {كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} تجد الفرق بين السرورين: فالسرور الأول: سرور دائم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. والسرور الثاني: سرور زائل، قد ذَهَبَ، {كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} أما الآن فلا سرور عنده. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إنه ظن أن لن يحور) قال تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:14] :- أي: لن يرجع بعد الموت، ولهذا كانوا ينكرون البعث ويقولون: لا بعث، ويقول: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] . الجزء: 122 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (بلى إن ربه كان به بصيراً) قال تعالى: {بَلَى} [الانشقاق:15] : أي: سيحور ويرجع، {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:15] :- أي: إنه سيرجع إلى الله عز وجل الذي هو بصير بأعماله، وسوف يحاسبه عليها على ما تقتضيه حكمته وعدله. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 11 تفسير آيات من سورة المطففين الجزء: 122 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) لما ذكر الله عز وجل أنه لا يكذِّب بيوم الدين إلا كلُّ معتد أثيم، بيَّن حال هذا الرجل إذا دُعِي إلى الحق وإلى التصديق بخبر الله أنه لا يَقْبَل ذلك. {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [المطففين:13] :- أي: أن هذه الأساطير ليست إلا لإشغال المجالس والتلهي بها فقط، وذلك لأنه -والعياذ بالله- لم يكن مؤمناً، فلا يصل نور آيات الله عز وجل إلى قلبه، ويراها مثل أساطير الأولين التي يتكلم بها العجائز والشيوخ، وليس لها أي حقيقة وليس فيها أي جِد. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 13 تفسير قوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) قال الله عز وجل: {كَلَّا} [المطففين:14] : أي: ليست أساطير الأولين. ولكن هؤلاء {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} : أي: اجتمع عليها وحجبها عن الحق. {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} : أي: من الأعمال السيئات؛ لأن الأعمال السيئات تحول بين المرء وبين الهدى، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] فمن اهتدى بهدى الله، واتبع ما أمر الله به، وترك ما نَهى الله عنه، وصدَّق بما أخبر الله به وفاءً منه، وذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أن قلبه يستنير، وأنه يرى الحق حقاً، ويرى الباطل باطلاً، ويعظِّم آيات الله عز وجل، ويرى أنها فوق كل كلام، وأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم فوق كل هدي، هذا من أنار الله قلبه بالإيمان، أما -والعياذ بالله- من تلطخ قلبه بأرجاس المعاصي وأنجاسها فإنه لا يرى هذه الآيات حقاً بل لا يراها إلا أساطير الأولين كما في هذه الآية. {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، وفي (بَلْ) سكتة لطيفة عند بعض القراء، وعند آخرين لا سكتة، فيجوز على هذا أن تقول: {كَلَّا بَلْ} ، ويجوز أن تقول: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وهذه لا تغير المعنى، أي: سواء سكت أم لم تسكت فالمعنى لا يتغير. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 14 تفسير قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] :- أي: حقاً إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة، فإنهم يُحجَبون عن رؤية الله عز وجل، كما حُجِبوا عن رؤية شريعته وآياته، فرأوا أنها أساطير الأولين، وبهذه الآية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل، ووجه الدلالة ظاهر، فإنه لما حَجَب هؤلاء في حال السخط إلا وقد مكَّن للأبرار من رؤيته تعالى في حال الرضا، فإذا كان هؤلاء المحجوبون فإن الأبرار غير محجوبين، ولو كان الحجب لكل منهم لم يكن لتخصيصه بالفجار فائدة إطلاقاً، ورؤية الله عز وجل ثابتة في الكتاب، ومتواترة في السنة، وإجماع الصحابة والأئمة، لا إشكال في هذا أنه تعالى يُرَى حقاً بالعين كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] ، وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله تعالى، وكما في قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] والمزيد هنا هو بمعنى: الزيادة في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] ، وكما قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103] فإن نفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية، ولهذا كانت هذه الآية مما استدل به السلف على رؤية الله، واستدل به الخلف على عدم رؤية الله، ولا شك أن الآية دليل عليهم بأن الله لم ينفِ بها الرؤية، وإنما نفى الإدراك، ونفي الإدراك يدل على ثبوت أصل الرؤية. فالحاصل: أن القرآن دل على ثبوت رؤية الله عز وجل حقاً بالعين، وكذلك جاءت السنة بذلك صريحة، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب) ، (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته) وقد آمن بذلك الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وأئمتها، وأنْكَر ذلك من حُجِبَت عقولهم وقلوبهم عن الحق فقالوا: إن الله لا يمكن أن يُرَى بالعين، وأن المراد بالرؤية في الآيات هي رؤية القلب، أي: اليقين، ولا شك أن هذا قول باطل مخالف للقرآن والسنة وإجماع السلف، ثم إن اليقين ثابت لغيرهم -أيضاً- حتى الفجار يوم القيامة سوف يرون ما وعدوا به حقاً ويتيقنونه. وليس هذا موضع الإطالة في إثبات رؤية الله عز وجل، والمناقشة في أدلة الفريقين؛ لأن الأمر ولله الحمد من الوضوح أوضح من أن يطال الكلامُ فيه. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 15 تفسير قوله تعالى: (ثم إنهم لصالوا الجحيم) قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين:16] :- إن هؤلاء الفجار لصالو الجحيم أي: يصلونها؛ يصلون حرارتها وعذابها، نسأل الله العافية. {ثُمَّ يُقَالُ} [المطففين:17] تقريعاً لهم وتوبيخاً: {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:17] :- فيجتمع عليهم العذاب البدني والألم البدني بصَلْي النار، وكذلك العذاب القلبي بالتوبيخ والتنديم حيث {يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:17] ولهذا يقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] قال الله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] . الجزء: 122 ¦ الصفحة: 16 الأسئلة الجزء: 122 ¦ الصفحة: 17 أقسام الأحكام الشرعية السؤال بعض العلماء عند مناقشته لبعض المسائل الفقهية بعض الأحيان يشترطون أن يكون في المسألة دليل مباشر وإلا لم يقولوا بها، وبعض الأحيان يقولون بالمسألة ويستدلون لها بالأدلة العامة من الشريعة. فما هو الفرق بينهما؟ الجواب الفرق بينهما: أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: قسم نص عليه الشارع بعينه: مثل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3] إلى آخره، ومثل قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24] يعني: من النساء، والأمثلة على هذا كثيرة. وقسم آخر لا ينص عليه بعينه ولكن يذكره في القواعد العامة من الشريعة والأدلة العامة من الشريعة، وذلك لأن الشريعة شاملة عامة لكل شيء، ولا يمكن أن يُنَصَّ على كل مسألة بعينها؛ لأن هذا يستدعي أسفاراً كثيرة لا تحملها الجمال ولا السيارات؛ ولكن هناك قواعد عامة يُنْعِم الله على من يشاء من عباده فيستطيعون أن يُلْحِقوا الجزئيات بأحكام هذه القواعد العامة، مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مثلاً، هذا حديث وإن كان في صحته نظر لكن قواعد الشريعة تشهد له، فيمكن أن تدخل في هذا آلاف المسائل التي فيها الضرر، وآلاف المسائل التي فيها المضارة دون أن يُنَصَّ عليه، فمثلاً: في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بين رجلين خصومة، وكان أحدهما له أرضان، وبينهما أرض الآخر، فأراد صاحب الأرضَين أن يجري الماء على أرض الآخر إلى أرضه الأخرى، فأبى صاحب الأرض وقال: [لا يمكن أن تجري الماء على أرضي] ، فرُفِع الأمرُ إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأمر أن يُجْرَى الماء على أرضه قهراً عليه وقال: [لأجرينه ولو على بطنك، أو قال: على ظهرك] ؛ لأن هذا الجار الذي أبى أن يمر الماء من أرضه إنما أراد المضارة بصاحبه، وإلا فالمصلحة له، يعني: يتمكن من أن يغرس على هذا الماء الذي يجري، أو يزرع عليه فهو مصلحة للطرفين. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 18 الهيئة التي يستلم بها المرء كتابه وراء ظهره السؤال قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:10] بعض الناس يقول: تُخْرَج يده من صدره إلى ظهره. فهل لهذا وجه؟ الجواب هذا الذي ذُكِر ليس فيه دليل، ويمكن أن يُعْطَى الكتاب من وراء ظهره بدون أن تخرق صدره، يمكن أن تلوى من الخلف ويحصل بهذا. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 19 صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب الدين السؤال فضيلة الشيخ! كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يصلي على المديون الذي عليه الدين؛ ولكن ذكر لي أحد الإخوة أنه في آخر عمره صلى على المديون. فهل هذا صحيح؟ الجواب هذا صحيح؛ لأنه كان في الأول عليه الصلاة والسلام قليل ذات اليد، ولا يفتدي مَن عنده الأموال، لكن لما كَثُرَت الأموال التي أشار الله إليها بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح:20] لما كثرت الأموال عنده صار إذا قُدِّم عليه الميت وعليه دَين التزم هو صلى الله عليه وسلم بالقضاء وصلى عليه، فيؤخذ من هذا أن الميت إذا خلَّف رهناً يكفي دينَه أو ضَمِنَه ضامن فإنه لا أثر لهذا الدين في ذمته، ومن ذلك ما هو الآن شائع كثيراً في مجتمعنا من الدين الذي يثبت على الإنسان من صندوق التنمية العقارية وهو مؤجل لسنوات عدة، فهؤلاء إذا ماتوا وقد أدوا ما حل في حياتهم فليس عليهم تَبِعَة لما بقي من الدين؛ لأن هذا الدَّين فيه رهن، وهذا الرهن يكفي لأداء ما بقي من الدين. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 20 أقسام موالاة الكافرين السؤال فضيلة الشيخ! البعض يقول في كتاب منتشر مؤخراً: إن الموالاة لحزب الشيطان بالاختيار دون الإكراه، ومهما كانت الدوافع، تخرج المسلم من حزب الله بالكلية، وأن كل صور الموالاة العملية مخرجة من الملة؛ لأنها مرتبطة بالقلب. بارك الله فيك! هل من تفصيل؟ الجواب هذا لأن الموالاة أقسام، الموالاة التي هي المناصرة بحيث يناصر الكفار على ما كانوا عليه فهذا مخرج عن الملة، وأما الموالاة التي تكون بسبب الأحلاف والأيمان فلا بأس بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الحلف بينه وبين خزاعة، ولما اعتدت قريش على خزاعة جاء النبي عليه الصلاة والسلام -هذا نقضاً للعهد- وألغى الصلح الذي بينه وبين قريش؛ لأنهم اعتدوا على خزاعة الذين هم حلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، فالموالاة التي تخرج هي أن يوالي الكفار على ما كانوا عليه بحيث يناصرهم ويساعدهم على أي حال كانوا حتى وإن قاتلوا المسلمين فهذا هو الذي يقول الله فيهم: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] . ولم يتطرق مثلاً إلى قصة حاطب بن أبي بلتعة، ألم تكن تلك صورة عملية ولم تكن قلبية؟ حاطب رضي الله عنه بيَّن السبب في أنه كتب لقريش بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يغزوهم بأن عندهم -أي: قريش- له من الأموال والبيوت ما يخشى عليه فعذره النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إنه أيضاً لم يعذره بذلك العذر التام إلا أنه كان من أهل بدر، وقد قال الله لأهل بدر: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) . الجزء: 122 ¦ الصفحة: 21 أمور تجعل الحج واجبا ً السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الأمور التي تجعل المسلم ملزماً بالحج وجوباً من غير الفريضة؟ الجواب النذر، لو نذر الإنسان نَذْرَ تَبَرُّعٍ أن يحج وجب عليه أن يحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) والحج طاعة لله ورسوله، فإذا نذر أن يحج وجب عليه أن يحج، وقولنا: نَذْرَ تَبَرُّعٍ احترازاً مما لو كان نذر احتجاجٍ أو غضب وهو الذي يقصد به المنع، أو الحث، أو التصديق، أو التكذيب، ويظهر ذلك بالمثال إذا قال رجل: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أحج هذا العام أو أن أحج، ويُطْلِق، هنا النذر نَذْرُ تَبَرُّعٍ؛ لأنه نذر في مقابلة نعمة فيكون شكراً، وأما لو قال: إن كلمت فلاناً فلله عليَّ نَذْرٌ أن أحج كل عام، فهذا لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه لم يقصد بذلك التقرب إلى الله بالحج، وإنما قصد بذلك أن يثقل على نفسه حتى يمتنع مما نذر عليه. فالمهم أن الحج يكون واجباً بالنذر، كذلك -أيضاً- يكون واجباً إذا شرع فيه، ولو كان حج نافلة، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] ، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج؛ لأنها نزلت في الحديبية عام (6) للهجرة وفَرْضُ الحج إنما كان في السنة التاسعة، وعلى هذا فيجب الحج لأمرين: بالشروع فيه. وبالنذر. وأما الفريضة فهي واجبة. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 22 ليس لأولياء المقتول أن يعفوا إذا كان المقتول عليه دين السؤال هل لأولياء المقتول أن يعفوا والمقتول عليه دين؟ الجواب ليس لهم أن يعفوا، وذلك لأن حق أولياء المقتول لا يَرِد إلا بعد الدين؛ لقول الله تعالى في آية المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12] ، فليس لهم حق في إسقاط الدية؛ لأن الدية تَرْكٌ في التركة، ولهذا تضاف إليها فإذا قدرنا أنه قتل وعنده خمسون ألفاً والدية مائة ألف صار ماله مائة وخمسين ألفاً. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 23 معنى قوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى) السؤال قوله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] ما معنى: (لمن اتقى) ؟ الجواب أي أن هذا الحكم إنما هو لمن اتقى الله عز وجل بحيث أتى بالحج كاملاً وقبل التعجل، وتأخر للتقرب إلى الله عز وجل لا لغرض دنيوي، أو حيلة، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا القيد راجعاً لمسألتين: للتعجل. والتأخر. وقيل: إن القيد للأخير فقط {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] يعني: أن التأخر أَتْقَى لله عز وجل؛ لأنه خير من التعجل؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام تأخر، وحيث إن المتأخر يحصل له عبادتان: الرمي. والمبيت. لكن الأظهر والله أعلم أن هذا القيد للتعجل والتأخر. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 24 تحريم قول القائل: عليك وجه الله السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لبعض الناس يقولون: عليك وجه الله أن يكون الغداء عندنا، أو العشاء عندنا، فهل هذا يجوز؟ الجواب هذا حرام ولا يجوز للإنسان أن يقول: عليك وجه الله أن تتغدى عندي أو تتعشى؛ وذلك لأنه استشفع بالله على الخلق، والله عز وجل أعظم من أن يكون واسطة بينك وبين الناس، فهذا القول حرام ويجب النهي عنه. والمخاطَب له أن يخالف؛ لأن هذه الصيغة محرَّمة، والمحرمة لا يُلزَم بها شيء. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 25 حكم من سعى شوطاً ثم شق عليه الزحام وانتقل إلى السطح السؤال رجل سعى فأكمل الشوط الأول، ومن شدة الزحام انتقل إلى السطح، هل يلغي الشوط الأول أو يبني عليه؟ الجواب لا بأس أن يبني على الأول، إذا كان سعى شوطاً ثم شق عليه الزحام وانتقل إلى فوق فلا حرج، ويكمِّل على الشوط الأول؛ لأنه كله مسعى، وليس هناك مدة طويلة بين انتقاله إلى السطح الأعلى من السطح الأسفل. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 26 حكم بيع الزائد من أثاث المسجد السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز أن يباع الأثاث الزائد من المسجد ويشترى أثاث آخر مثل السماعات وغيرها؟ الجواب الأمر في أثاث المسجد وسماعاته ومكينة مكبر الصوت وما أشبه ذلك المرجع في هذا إلى الجهة المسئولة عن المساجد. أما إذا كان المسجد خاصاً بشخص هو الذي يتولاه ويقوم عليه فهذا لا حرج عليه أن يبيع ما زاد عن فرشه ويجعله في مصلحة أخرى للمسجد. والمساجد التي تحت رعاية الشئون الإسلامية ليس للإنسان أن يتصرف فيها بأي شيء، حتى لو فرضنا أن هذا المسجد فيه ألف مصحف، وعندنا مسجد آخر ما فيه إلا عشرة مصاحف ومحتاج إلى مائة مصحف؛ فإنه لا يمكن أن ننقل من المسجد الأول إلى الثاني إلا بإذن المسئولين عنه، أما المساجد الخاصة فهذه لها شأن آخر. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 27 حكم المسافر إذا مر ببلدة يوم الجمعة في الصباح بنية البقاء إلى العصر السؤال فضيلة الشيخ! إذا مر مسلم مسافر ببلدة يوم جمعة بنية البقاء إلى العصر. هل يصلي الجمعة معهم بنية الظهر؟ وهل يجوز لهذا المسافر أن يجمع العصر إلى الجمعة؟ الجواب نعم. إذا مر المسافر في قرية أو مدينة وهم يصلون الجمعة وهو يريد أن يبقى فإنه يجب عليه أن يحضر إلى الجمعة لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] فيقال لهذا المسافر: ألستَ من المؤمنين؟ سيقول: بلى. فإذاً يشملك الخطاب، ولكنه يصلي بنية الجمعة كالمرأة إذا حضرت في صلاة الجمعة فإنها تصلي بنية الجمعة لا بنية الظهر، وإنما قلنا: يصلي بنية الجمعة اتباعاً للإمام من وجه؛ ولأن الجمعة أفضل من الظهر، فلا ينبغي أن ينصرف عن الأفضل إلى المفضول. وأما قوله: هل يجوز لهذا المسافر أن يجمع العصر إلى الجمعة؟ نقول: لا يَجوز؛ لأن الصلاة إنَّما تُجمع إلى نظيرتِها، والعصر ليست نظيرة للجمعة، هذا من جهة التعليل العقلي، ولأنَّها لم تَرِدْ بِها السنة، أي: لم تَرِدْ السنة بجمع العصر إلى الجمعة، والجمع صفة شرعية، لا يجوز للإنسان أن يقوم بها إلا بدليل من الشرع. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 28 فناء المخلوقات كلها عدا الجنة والنار وما فيهما السؤال يوم القيامة ينادي الله سبحانه وتعالى فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] بعد أن فَنَت كل الخلائق، فهل يهلك منها -مثلاً- الوِلْدان، والحور العين، والجنة، والنار، أم الخلائق فقط غير هذه الأشياء؟ الجواب {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] يخاطب الله عز وجل هؤلاء البارزين يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أنتم في الدنيا عندكم مالِك ومَمْلُوك، فلِمَن الملك اليوم؟ فيجيب نفسه عز وجل: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وهذا قبل أن يدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، وذلك كله في عرصات يوم القيامة. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 29 الرد على من يقول: إن دعاء: (اللهم أعتق رقابنا من النار) لا ينبغي الدعاء به السؤال فضيلة الشيخ! هناك دعاء يدعو به بعض الناس وهو: اللهم أعتق رقابنا من النار. وقد قال أحد طلبة العلم: بأن هذا الدعاء لا ينبغي أن يقال أو شيء مثل هذا، ويقول: كأن الداعي يحكم على نفسه بأنه من أهل النار. الجواب لا. هذا غير صحيح، إذا قال الإنسان: اللهم أنجني من النار، فهل معناه أنه دخل فيها؟ طبعاً: لا؛ لكني ظننتُ أنه يقول: لماذا يسأل بالإعتاق بدل النجاة؟! أنا أقول: لا بأس أن يسأل بالإعتاق بدلاً من النجاة، كما جاء في الحديث في باب صيام رمضان: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) وجاء فيمن أعتق عبداً (أن الله يعتقه بكل جزء منه أو بكل عضو منه عضواً من النار) . الجزء: 122 ¦ الصفحة: 30 كبائر الذنوب تغفر بالحج السؤال فضيلة الشيخ! قلنا على الحج: إن الله عز وجل يغفر به الذنوب، ويعود الحاج كيوم ولدته أمه، فالحديث الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه للصحابي الذي اشترط أن يُغْفَر له ما سبق قال: (ألم تعلم أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الحج يهدم ما قبله) أفي هذا دليل على أن كبائر الذنوب كذلك تُغْفَر في الحج؟ بينما بعضهم يقول وكأنه إجماع: إن كبائر الذنوب لا تغفر إلا بالتوبة! الجواب هذا ظاهر الحديث: (من حج فلم يرفث ولم يفسق -إذا أتى بهذا القيد- رجع كيوم ولدته أمه) وكذلك حديث عمرو بن العاص الذي أشرتَ إليه: (وأن الحج يهدم ما قبله) ظاهره العموم، وأنه يهدم كل شيء ما عدا الكفر فلابد فيه من توبة. وهذا الذي ذكرتَ ذكره بعض العلماء قال: إذا كانت الصلوات الخمس لا تكفِّر إلا إذا اجتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأفضل وأحب إلى الله فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شئون، والثواب ليس فيه قياس، والحمد لله أنت احتسب على ربك هذا فلعل الله عز وجل أن يؤتيك إياه. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 31 الشيخ ابن باز يرى إضافة الصلاة على النبي في التشهد الأول السؤال الشيخ ابن باز يرى أن في التشهد الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية أنه يضيف إليه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم إنك حميد مجيد، فما الفرق بين التشهد الأول والأخير في هذا؟ وهل الصلاة على النبي في التشهد الأول واجبة أم سنة؟ الجواب الفرق أنه لا يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ولا يزيد في الدعاء على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما هل هو سنة أو واجب، فلا أعلم هل يرى الشيخ أنه واجب أو أنه من باب السنة؛ لكن القول الصحيح عندي: أنه لا يزيد، وأنه يقتصر على قوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هذا التشهد حتى كأنما هو جالس على الرَّضَف) أي: الحجارة المحماة، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لكنه الظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علَّم ابن مسعود وابن عباس التشهد، ولم يُذْكَر فيه الصلاة على الرسول، فمن زادها فلا حرج، ومن لم يزدها فلا حرج. لكن الإمام لا يقول الصلاة على النبي، والذي وراءه يقول ذلك. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 32 الواجب على المسافر الذي صلى الجمعة في الطريق وجمع إليها العصر وحكم صلاته السؤال فضيلة الشيخ! جماعة مسافرون صلوا الجمعة في طريقهم ثم جمعوا إليها العصر ثم نُبِّهوا إلى خطئهم في ذلك، فما الواجب عليهم؟ وما حكم صلاتهم؟ الجواب الواجب عليهم أن يعيدوا الجمعة ظهراً، وأن يصلوا عصراً؛ لأن الجمعة لا تصح للمسافر إلا إذا كان معه ناس يقيمون الجمعة يعني: بحيث أنهم مروا بمدينة وصلوا مع الناس فهذا لا بأس به، تجزئهم؛ لكن وهم في البر لو صلوا الجمعة فصلاتهم باطلة، أما إذا صلوها تبعاً، فليس عليهم إلا صلاة العصر التي جمعوها إلى الجمعة فيجب عليهم إعادتها، وتكون ركعتين وإن كانوا في البلد؛ لأنها وجبت عليهم كذلك، ويصلونها عندما يعلمون أن عملهم غير صحيح مثلاً: قيل لهم قبل الظهر بدقيقتين إن صلاتكم للعصر التي جمعتموها إلى الجمعة غير صحيحة، فيجب عليكم أن تعيدوا العصر، نقول: صلوها الآن. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 33 حكم الالتفات في الحيعلتين في الأذان مع وجود مكبرات الصوت السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الالتفات في الحيعلتين في الأذان خصوصاً بعد وجود مكبرات الصوت (الميكرفون) ؟ الجواب بعد مكبرات الصوت لا يُسَن الالتفات؛ لأن المراد بالالتفات هو أن يَعْلم أو أن يَسْمع مَن على اليمين وعلى الشمال، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنك تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حي على الفلاح على اليمين، حي على الفلاح على اليسار، أما مع وجود مكبر الصوت فإن الالتفات يؤثر على الصوت؛ لأنك إذا التفت لم تكن اللاقطة أمامك فيضعف الصوت؛ لكن وضع السبابة في الأذنين هذه سنة، حتى وإن كنت تؤذِّن في مكبر الصوت. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 34 جواز النظر إلى المخطوبة أكثر من مرة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لشاب تقدم لخطبة فتاة، فكانت مدة الخطبة -مثلاً- شهراً أو شهرين، وأراد أن يراها بمحرم -بوجود محرم من أهلها- فهل يجوز له الرؤية مرة أخرى؟ الجواب نعم، إذا خطب المرأة ورآها أول مرة، ثم أراد أن يعيد النظر مرة أخرى فلا بأس إذا لم يكن قصده التمتع بالنظر إليها فلا بأس؛ لأن الإنسان قد يرى الشيء لأول مرة خلاف ما هو عليه، فيقول: أريد أن أكرر المرة لأجل أتأمل أكثر، فنقول: لا بأس بهذا؛ لأن المقصود من النظر إلى المخطوبة هو: أن يخطبها وهو على بصيرة منها حتى يكون ذلك أدعى إلى محبتها والالتئام بينهما. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 35 حكم المسافر إذا دخل مسجداً فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب السؤال رجل مسافر لم يصلِّ المغرب ودخل مسجداً فوجد الناس يصلون العشاء، فماذا يفعل يا شيخ؟! الجواب إذا كان الإنسان لم يصلِّ المغرب ودخل والناس يصلون صلاة العشاء فإنه يدخل معهم بنية المغرب، ثم إن أدرك الإمام في الركعة الأولى فإنه يجلس إذا قام الإمام إلى الرابعة، ويتشهد ويسلم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن أدرك الإمام في الركعة الثانية سلم مع الإمام؛ لأنه تم له ثلاث ركعات، وإن أدركه في الركعة الثالثة أدى بركعة بعد سلام الإمام. والمخالفة للعذر لا بأس بها، وقد نص على هذا أهل العلم رحمهم الله في كتبهم ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من العلماء، نعم. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 36 جواز الخروج للمتمتع بعد العمرة خارج مكة السؤال فضيلة الشيخ! رجل أدى الحج متمتعاً، ولما أدى العمرة وحل الإحرام ذهب خارج مكة إلى جدة والطائف. فما الحكم؟ الجواب لا حرج على الإنسان إذا أتى بالعمرة وهو متمتع أن يخرج إلى بلد آخر فيما بين العمرة والحج، ويبقى على تمتعه إلا إذا رجع إلى بلده ثم عاد من بلده محرماً بالحج فحينئذٍ لا يكون متمتعاً؛ لأن السفر الذي كان للعمرة انقطع برجوعه إلى بلده، وعلى هذا فيكون مفرِداً لا متمتعاً، فمثلاً لو كان الرجل من أهل جدة وأتى بعمرة في أشهر الحج على أنه سيحج هذا العام، ثم رجع إلى جدة وفي اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج فإن هذا لا يكون متمتعاً؛ لأنه عاد إلى بلده، وقطع سفره الأول، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196] ، فظاهر هذا أنه في سفر واحد؛ لأنه إذا قطع السفر وأنشأ سفراً جديداً للحج لم يكن متمتعاً بالعمرة إلى الحج؛ بل هو محرم بالحج رأساً، وهذا هو المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأظنه أيضاً عن ابنه عبد الله، وهو مقتضى النظر والقياس. وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح. الجزء: 122 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [123] إن العاقل يعتبر من تصرم الليالي والأيام وانقضائها سريعاً؛ وإن الزمن لا يمضي بالساعات ولا بالدقائق ولا باللحظات بل بالأنفاس أيضاً، والمؤمن الفطن هو من يجعل هذه الدار طريقاً له إلى الآخرة فيكثر فيها من الأعمال الصالحة المختلفة التي تكون له زاداً يوم القيامة، والمؤمن تراه دائماً يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة وعلى كل وقت مضى من عمره في غير ما طاعة. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 1 الاعتبار بما مضى الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نبتدئ لقاءنا هذا المعبَّر عنه بـ (اللقاء المفتوح) وهو آخر لقاء في هذا العام عام (1416هـ) وهو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر ذي الحجة عام (1416هـ) نختتم به هذا العام، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا وللمسلمين حسن العاقبة والختام. إن الإنسان العاقل يعتبر من مرور الليالي والأيام وانقضائها سريعاً وذهابها جميعاً، يعتبر في هذه الليالي والأيام كيف تسير، ليس بالساعات ولا بالدقائق ولا باللحظات بل بالأنفاس -أيضاً- إلى أن يأتي الأجل المحتوم الذي ينتقل به الإنسان من دار العمل إلى دار الجزاء، والعاقل يعتبر ما يأتي بما مضى، يعتبر المستقبل بالماضي، إن الماضي مضى وكأنه يوم واحد، بل كأنه ساعة واحدة، بل كأنه دقيقة واحدة، بل إن الإنسان لا يشعر في مقامه بما سبق كلامَه الآن إلا وأنه شيء انقضى وتلِف وهلك، انقضى كأنه ساعة من نهار، وكأن ما جرى فيه من الأحوال أحلامٌ للنيام، فهكذا المستقبل أيضاً، سيأتي ويمضي حتى يَتِمَّ الأجل، وينتهي العمل وينقطع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والمؤمن الحازم الكيِّس الفطن هو الذي ينتهز فرص العمر قبل أن تمضي، ينتهزها في الخير قولاً وفعلاً، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . إذاً: فالسكوت هو الخير إلا إذا كان الكلام هو الخير، وترك العمل هو الخير إلا إذا كان العمل هو الخير، ولهذا وَصَفَ الله عبادَه عبادَ الرحمن بقوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] . {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] . وفي آية أخرى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص:55] . الجزء: 123 ¦ الصفحة: 2 انتهاز الفرص واستغلال الأوقات في الأعمال الصالحة عليك يا أخي المسلم أن تتقي الله عز وجل وتنتهز الفرص، وألا تَدَعَ ساعةً تمضي إلا ولك فيها عمل صالح: - إما عبادة خاصة من: صلاة، وقراءة قرآن، وذكر، وغير ذلك. - وإما في عبادة عامة: كعلم تنشره بين إخوانك من زملائك وعامة الناس. - وإما بأمر بمعروف ونهي عن منكر. - وإما ببر الوالدين، وصلة الأرحام. - وإما بالإحسان إلى الجيران، والإحسان إلى الأيتام وغيرهم. - وإما بسعي بالإصلاح بين الناس. - إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي شرعها الله تعالى للعباد رحمة منه وفضلاً وإحساناً. ولولا أن الله شرع هذه الأشياء لكانت مما لا يقربه إلى الله، ولكن الله شرعها لتكون مقرِّبة إليه وينتفع بها العباد، ومن ذلك: السير في طلب العلم:- فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . والطرق التي يُلْتَمَس فيها العلم نوعان: حسيه ومعنوية. فأما الحسية فهي: الأسواق التي يمشي فيها الإنسان إلى دور العلم؛ المساجد وغير المساجد. وأما المعنوية فهي: أن يسير الإنسان بفكره وتأمله وتفكره في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في المطالعة في كتب العلماء الذين بذلوا الجهد الكثير المشكور في نشر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بمعناهما الصحيح؛ سواء كان ذلك في القرآن مباشرة كالتفسير، وفي السنة مباشرة كشرح الأحاديث، أو كان على وجه منفصل ككتب الفقهاء وكتب العلماء في العقائد والتوحيد، وما أشبه ذلك، فإن كل ما تجدونه من كتب العقائد والتوحيد التي يستدل فيها مؤلفوها بكتاب الله وسنة رسوله هي في الحقيقة تفسير للقرآن لكنها تفسير غير مباشر، وكذلك ما تجدونه في كتب الفقهاء الذين يستدلون على الأحكام الشرعية بالقرآن والسنة هي في الحقيقة تفسير للقرآن، فالمُطالِع في كتب الفقه المبنية على الأدلة هو في الحقيقة يُطالع التفسير؛ لكنه غير مباشر، والمطالِع كذلك في العقائد وكتب التوحيد التي تستدل على ما تقول بالكتاب والسنة هو في الواقع يقرأ التفسير. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 3 محاسبة النفس ثم إنني بهذه المناسبة أقول: لعل من المناسب جداً أن يختم الإنسان عامه بالتدبر والتأمل والتفكر فيما عمل وفيما يعمل: فإن كان قد أصاب وأجاد؛ فليحمد الله على ذلك، وليسأله المزيد من فضله، وإن كان قد فرط؛ فليستدرك، فإن كان في ترك واجب يمكن تلافيه فليفعل، وإذا كان في ترك واجب لا يمكن تلافيه فليستغفر الله تعالى مما حصل، وإن كان في فعل محرم فليستغفر الله وليتُب؛ لِيُفَكِّر! أقول قولي هذا وأنا أشدُّكم تفريطاً؛ لكني أسأل الله العافية والتوفيق. إنه ينبغي للإنسان أن يفكر تفكيراً جِدِّياً، وإذا كان التجار الذين يسعون في الدنيا لكسب الربح يراجعون دفاترهم في كل عام ينظرون ما الداخل وما الخارج، فلماذا لا يعمل المتاجرون مع الله عز وجل كما يعمل هؤلاء، فإن العمل في عبادة الله هو تجارة في الواقع يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصف:10-11] فجعل الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله جعلها تجارة وهي حقيقة تجارةٌ، هي التجارة الرابحة، أما الدنيا فتجارتها وإن زادت فقد تكون نقصاً. أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم اغتنام الأوقات بما يقرب إليه، وأن يعفو عنا ما فرطناه في واجبه، وأن يتجاوز عنا سيئاتنا إنه على كل شيء قدير. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 123 ¦ الصفحة: 5 وسائل المباح مباحة ووسائل الواجب واجبة السؤال وسائل الاتصالات يا شيخ! الآن كما تعلم عندما نرجع إلى حوالي عشرين سنة من الآن بدأ الراديو وحصل عليه ملاحظات بتحريمه وما إلى ذلك، ثم بدأ التلفاز الذي يُبَث من مناطق قريبة وحصلت ملاحظات تحريمه كذلك كما تعلم، والآن بدأ الدش الذي يُبَث من أماكن بعيدة، وهذا هو تطور العلم وقال تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] أرجو تعليقك على هذا الموضوع؛ لأن الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور متشابهات، جزاك الله خيراً يا شيخ! الجواب تعليقنا على هذا أني أخبرك ومَن سمع ويسمع: أن كل شيء يكون جديداً لابد أن يبحثه الناس، والغالب أنهم يختلفون فيه. فحَدَثَ الدخان قبل مدة طويلة وبعد حدوثه اختلف الناس فيه هل هو حرام أو غير حرام، واضطربت الأقوال فيه وانتهى الأمر بعد تطور الطب ومعرفة النافع والضار من المأكول والمشروب انتهى الطب إلى أن يجزم الإنسان بتحريمه. ثم حدث -كما تفضلتَ- الراديو واختلف الناس فيه. بل قبله حدثت البرقية، واختلف الناس فيها، وكسَّرها أناس من الخلق وقالوا: هذه شياطين. وكذلك جاء الراديو وقيل: هذا حرام وهذا لا يجوز، وهذه شياطين. وكذلك جاء المسجل. حتى اختلف الناس في مكبر الصوت في المساجد على الرغم من أنه يَبُثُّ الخطبة ويبث ما فيه الخير؛ لكن قالوا: هذا لا يجوز. المهم أن الله عز وجل جعل لنا ميزاناً نزن به كل شيء، فقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] . وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] أليس كذلك؟ حسن جعل الله لنا موازين نرجع إليها، فمثلاً: في العبادات: الميزان في العبادات أن الأصل في العبادات المنع وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بأي عمل من الأعمال قولي أو فعلي وبأي عقيدة من العقائد إثباتاً أو نفياً إلا بإذن من الله ورسوله، لا يمكن أن يتعبد الإنسان عبادة إلا إذا عَلِمْنا أنها مشروعة فالأصل في العبادات المنع، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، أي إنسان يتعبد عبادة لا نعرفها نقول: يا أخي! اصبر، هذا حرام، إذا قال: ما الدليل؟ نقول: الدليل عليك أنت، أنت الذي تثبت أن هذه مشروعة، وإلا فإنها مردودة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ) نحن لا نقول لك: مردودة مِن أنفسنا نقول بقول الرسول عليه الصلاة والسلام. أفهمتَ يا أخي؟! خذ هذه قاعدة. غير العبادات الأصل فيها الحل؛ لأن الله قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] كل ما خلق الله في الأرض من أعيان أو منافع، أو أي شيء آخر فإنه حلال، فإذا قال لنا إنسان: هذا حرام، قلنا: ما الدليل؟ ولهذا نقول: الراديو حلال. المسجل حلال. مكبر الصوت حلال. يبقى إعادة النظر، هذا الذي نقول له: حلال؛ لأي شيء يكون وسيلة، إذا كان وسيلة للحرام أو كان ما يُبَث به حرام فإنه يكون حرام؛ لأن لدينا قاعدة شرعية: ووسائل الحرام حرام، وسائل الواجب واجبة. فعلى هذا نقول: لا شك أن الراديو والتلفاز وما جاء بعده من التلفاز العام -البث العام- الذي يُتَوَصَّل إليه بالدشوش لا شك أنه يَبُثُّ أشياء تدمر العقيدة والأخلاق والمعاملات؛ ولكن هذا ليس على سبيل العموم، إنما بالتتبع والأخبار عن هذه الأشياء العامة التي تُبَثُّ من بلاد بعيدة بواسطة الدش، المسموع: أن ضررها أكثر بكثير من نفعها، والإنسان العاقل الذي يعرف موارد الشريعة ومصادر الشريعة لا يشك في أن اقتناءها حرام. الآن بعدما عرفنا ما يبث فيها من أخلاق سافلة، لا يفعلها ولا الحمير، أخلاق مدمرة للشباب والشابات، فأنا من هذا المكان وفي كل مكان أقول: إنها حرام، وأنه لا يجوز اقتناؤها؛ لأن الذين يقتنونها الآن غالبهم لا يقتنونها إلا للشر والاطلاع على ما يكون فيها من البلاء وإثارة الشهوة، وربما يكون الإنسان ضعيف الجنس -جنس الشهوة- فيتوصل إلى تقويتها بما يشاهده من المشاهد الفاسدة لينال شهوته، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وقد قال الله تعالى عن الذين كفروا: إنهم {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] . أقول: مع الأسف الشديد إن هذه الدشوش انتشرت انتشاراً فظيعاً، انتشار النار في الهشيم، وأصبح كثير من الناس يقتنيها الآن ولا يدرون ما عاقبتها، ولكني بما سمعتُ من أخبارها وما يُنْشَر فيها أقول: إنها حرام. وإذا قدَّرنا أن فيها فائدة من مائة مضرة، فالله يقول في القرآن الكريم: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] إثم مفرد ومنافع للناس كثيرة، ومنافع صيغة منتهى الجموع، يعني: أكثر ما يكون من الجمع، {وَإِثْمُهُمَا} [البقرة:219] وهو واحد {أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] وحرمهما الله عز وجل؛ لأن الإثم أكبر مع أن المنافع كثيرة. الإثم الذي يحصل بهذا الدش، ولو قدرنا أنه يحصل فيه مشاهد عظيمة كثيرة من منافع، لو قدرنا أنه -مثلاً- نُشاهد فيه معارك المسلمين مع الكفار، نشاهد فيه الحج، ونُشاهد فيه الجمعة، ونستمع إلى خطبة الجمعة، ونشاهد فيه محاضرات قيمة نافعة. إلى آخره، هذه منافع كثيرة؛ لكنَّ ضرراً واحداً كبيراً يدمر الخلق، هو نظير الخمر والميسر، ما دام أن هذه المضرة والمفسدة الواحدة تدمر أخلاقاً كثيرةً كما في القول بالتحريم. لذلك أنا أنصح كل إنسان عنده من هذا الدش شيئاً أن يكسِّره ابتغاء رضوان الله عز وجل حتى يقطع عن نفسه الرجوع إليه مرة أخرى. ولنا في سليمان بن داود أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أسوة لَمَّا ألْهَتْه الخيل عن ذكر الله ماذا صنع؟ قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33] بعضُها يعقرها وبعضها يقطع عنقها؛ لئلا تدعوه نفسه إلى الاشتغال بها مرة أخرى. وكعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءته الورقة؛ وثيقة من ملك غسان يقول -لما بلغه أن الرسول عليه الصلاة والسلام هجره لتخلفه عن غزوة تبوك جاءه كتاب من ملك غسان - يقول: [الحق بنا نواسِك، قد بلغنا أن صاحبَك قلاك -إثارة- بلغنا أن صاحبَك قلاك -يعني: يثيره ثم يرغِّبه- الحق بنا نواسك] يعني: نجعلك مثلنا ملكاً، ماذا صنع رضي الله عنه؟ أخذ الورقة وذهب يوقدها في التنور؛ حتى لا تحدثه نفسه بعد أن يأخذ هذه الوثيقة ويذهب بها إلى هذا الرجل ويقول: أنت قلت: الحق بنا نواسك، اجعل لي من ملكك نصيباً. فالحاصل -يا أخي- أني أقول لك، ولِمَن يسمع، ولِمَن سمع، أقول: إن الإنسان يجب عليه أن يتقي الفتنة ما استطاع، ويدعها. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 6 حكم من يقول: إنه لا يرد على الإمام إذا نسي آية إلا بعد إذنه وإنه إذا نسي آية دون أن يغير المعنى فهو جائز السؤال رجل صلى خلف إمام في صلاة جهرية فنسي الإمام آية من القرآن الذي قرأه في تلك الصلاة ففتح عليه هذا الرجل مرتين، ولم يمتثل الإمام لهذا الفتح، ثم بعد الصلاة ذكر هذا الإمام أن صلاة الرجل الذي فتح عليه باطلة؛ لأنه تكلم في الصلاة من غير إذن الإمام، وأنه إذا نسي آية من القرآن دون أن يغير المعنى فذلك جائز! نرجو من فضيلتكم تبيين الأحكام المتعلقة في مثل هذا الموقف! الجواب أولاً: هذا الموقف -موقف الإمام- موقف خطير. أما الذي فتح عليه فجزاه الله خيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي آية وهو يصلي ثم ذُكِّر بها فقال للرجل: (هلا ذكرتنيها) وهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بالقرآن، وسيد الخلق، قال: (هلا ذكرتنيها) فحثه على أن يذكره بِها. فنحن نشكر لهذا المأموم الذي فتح على الإمام. أما الإمام فإن موقفه خطير جداً: أولاً: لأنه جعل مدار بطلان الصلاة وعدم بطلانها أن يأذن هو للناس أن يفتحوا عليه أو لا يفتحوا؛ لأنه قال: صلاتك باطلة؛ لأنك فتحت علي بدون إذني، فكأنه جعل نفسه مشرعاً. ثانياً: قوله: إنه يجوز للإنسان أن يحذف آية من القرآن إذا كان لا يتغير به المعنى، هذا خطير، وهذا ينافي قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] . ولذلك أنا أرى أن من الواجب أن تنصحوا هذا الإمام إذا كنتم تعرفونه، وتذكرونه بالله عز وجل، وتقولون: كلامك هذا خطأ، وإن أصر على ذلك فلابد أن يُرفع إلى الجهات المسئولة. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 7 الأمر بمتابعة الإمام ونبذ الوساوس والشكوك السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان الإمام قام للركعة الخامسة في الصلاة، وسبب قيامه لها أنه ترك ركناً من أركان الصلاة سواء نسي قراءة الفاتحة في أحد الركعات أو نسي إحدى السجدات فما موقف المأموم الآن: هل يجب عليه متابعته، أو بعد أن يسلم الإمام من الخامسة يكمل المأموم ركعة خامسة؟ الجواب أقول: بارك الله فيك! تمثيلك لترك الركن بترك السجود أو الركوع هذا لا يستقيم؛ لأنه إذا تركه سوف يُنَبَّه؛ لكن الذي يَرِدْ هو أن الإمام ربما ينسى قراءة الفاتحة، ثم يأتي بركعة بعد تمام الركعات الأربع بدلاً عن الركعة التي تركها؛ لأن الإنسان إذا ترك الفاتحة في الركعة الأولى صارت الركعة الثانية في حقه هي الأولى، والثالثة هي الثانية، والرابعة هي الثالثة، يحتاج أن يأتي بالرابعة، والمأموم لا يعلم، فإذا قام الإمام إلى الخامسة ونُبِّه ولم يرجع لا تقل: إن الرجل معاند وأنه يجب عليك مفارقته إذاً: ربما يكون نسي الفاتحة وأنت لا تعلم فنقول: اجلس أنت وانتظر حتى تسلم مع الإمام. ولكن بالمناسبة أود أن أقول: إن الشيطان يعتري ابن آدم كثيراً ويشككه في صلاته فمَن كثُرت معه الشكوك فلا يلتفت إليها، يعني: مثلاً لو كان هذا الرجل كلما صلى شك نقول: لا تذهب إلى الشكوك، الشكوك إذا كثُرت صارت وسواساً ولا يجوز الالتفات إليها. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 8 رفع التكاليف عمن فقد عقله السؤال فضيلة الشيخ! رجل أوصاني بسؤال ونصُّه: أن أمه تبلغ من العمر (85) عاماً، وأصابها شلل، وانعقد لسانها وهي لا تصلي ولا تصوم فما حكم ذلك؟ وماذا يعمل لها؟ ولها ما يقارب ست سنوات على هذه الحال! الجواب إذا كانت الأم قد فقدت عقلها لا تأخذ شيئاً ولا تعطي؛ فليس عليها صيام ولا صلاة ولا يتصدق عنها؛ لأنها سقط عنها التكليف بزوال العقل. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 9 حكم التجسس على من ظاهره الصلاح السؤال فضيلة الشيخ! رجل تولى توزيع أموال الصدقات، وقد شاع أمره بين الناس بشرب الخمر، هل لأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتبعه وتتجسس عليه، حتى يُبَيَّنُ أمرُه ويُبْعَدُ عن الأعمال الخيِّرة؟ الجواب لا أرى التجسس فيمن ظاهر حاله الصلاح، ولكن يُتَحَرَّى من جهة الصدقات ألا توكل إليه لاسيما إذا كان أو عُرِف منه أنه لا يصرفها في مصارفها؛ لأن شارب الخمر ليس عدلاً في دينه؛ لكنه قد يكون عدلاً في معاملته، أما في دينه فليس بعدل، هذا بالنسبة للحكم من حيث هو. ولكن أرى أنه -يجب مثل هذا الرجل الذي يتولى الصدقات وربما لا يُوْكَل إليه أمرها إلا وظاهره الصلاح- أن نتصل بهذا الرجل بعد أن نتأكد من كونه يشرب الخمر وننصحه ونقول له: إما أن تتوب إلى الله، وإما أن ننتزع منك هذه المهمة. والاشتهار أمر نسبي، قد يشتهر الأمر بالسوء عند طائفة من الناس؛ لكونهم -مثلاً- عندهم غيرة كبيرة في نفوسهم، فيأخذون بالتهمة ويشتهر أمره، ولا يكون صحيحاً؛ لكن على كلٍّ لابد من التثبت. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 10 نصيحة لطلاب العلم فيما يتعلق بالكتب السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الكتب المتعلقة بالعقيدة والفقه التي تنصحون بها طلاب العلم لكي يقرءونها ويتفقهوا عليها؟ الجواب والله طلاب العلم بارك الله فيك: - إما أن يكونوا مبتدئين: فهؤلاء ننصحهم بالكتب المختصرة. - وإما يكونوا متوسطين: فبالكتب التي أعلى. - أو منتهين: فبالكتب الكبيرة. لا يمكن أن ننصح نصيحة عامة، فمثلاً: إذا كان مبتدئاً: نقول في العقيدة: عليك بـ العقيدة الواسطية، لـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها من أوفى العقائد وأحسنها وأوثقها. في علم التوحيد وما يتصل به: كتاب التوحيد، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. وإن كان لا يتحمله: فبما دونه، مثل: الأصول الثلاثة، كشف الشبهات؛ لكن كتاب التوحيد أحسنها إذا أمكنه. وفيما يتعلق بالحديث: عمدة الأحكام. فيما يتعلق بالفقه: زاد المستقنع؛ لأننا لا نريد أن نقول: عليك بما دون زاد المستقنع، ثم بعد ذلك في زاد المستقنع تتراكم عليه كتب الفقه، لا، نقول من الآن ابدأ بـ زاد المستقنع حفظاً وشرحاً. وفي النحو: الآجرومية، ثم الألفية. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 11 الواجب على من سلم قبل أن يتم صلاته السؤال فضيلة الشيخ! رجل يصلي في الناس وشك في صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، وترجح عنده أنه صلى أربعاً، وسجد للسهو وسلم، ثم قال له المأمومون: أنه صلى ثلاثاً وقام يأتي برابعة! فهل يسجد سجود سهو ثانٍ؟ أم يكتفي بسجود السهو الأول؟ الجواب نقول: يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام من الرابعة؛ لأنه سَلَّم قبل أن يتم صلاته، والسلام قبل إتمام الصلاة لا بد فيه من سهو، ويكون السجود بعد السلام. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 12 حكم من دفن منفرداً بعيداً عن مقابر المسلمين السؤال أقول: أحد أقاربنا توفي قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة تقريباً ودُفِن وحده في البر، وقال لنا بعض العلماء: إنه لابد أن يُنْبَش ويدفن في مقابر المسلمين. ما رأيك يا شيخ؟ الجواب رأيي: أنه ليس بلازم، اللهم إلا إذا وصله العمران. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 13 ضابط العقد المحرم السؤال فضيلة الشيخ! بعض محطات البنزين يضعون جوائز وهي عبارة عن -مثلاً- خمسمائة لتر أو ألف لتر، دونما زيادة في السعر، إذا عبَّأ صاحب السيارة يعطونه ورقة، بعد نهاية كل شهر يجرى السحب فربما يفوز بألف لتر أو خمسمائة لتر. ما هو كلام فضيلتكم حول هذا الموضوع؟ الجواب والله نرى -سلمك الله- أن هذه الجوائز إذا كان الإنسان المشتري يشتري لحاجته، لا من أجل أن يفوز بالجائزة. وكانت سبباً لربحه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن هذا المشتري إما غانم وإما سالم، يعني: ما عليه خسارة، وهو سيشتري البنزين على كل حال، فإما أن يحصل على هذه الجائزة وإما أن يسلم، والعقد المحرم هو: الذي يكون فيه العاقد بين غانم أو غارم، أما إذا كان بين غانم أو سالم فهذا لا بأس به. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 14 العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة السؤال فضيلة الشيخ! ما هو ضابط العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة؟ الجواب أولاً بارك الله فيك الاجتهاد نوعان: اجتهاد خاص في مسألة من المسائل. واجتهاد عام. فأما الاجتهاد الخاص فكل طالب علم يمكنه أن يبحث في المسألة ويتعمق فيها، وحينئذ يلوح له وجه الصواب في أحد القولين. ومع ذلك لا ننصح طالب العلم المبتدئ حتى لو اجتهد في مسألة وحرضها وبحث فيها ورأى فيها أقوال العلماء لا ننصحه بأن يتسرع في الإفتاء؛ لأنك تخاف، خطر عظيم، إذ إنه قيادة للأمة على أمر مجتَهَد فيه، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأً، ولهذا نجد بعض الإخوة الذين عندهم شيء من مبادئ العلم إذا اجتهدوا فأفتوا أنهم يندمون؛ لأنهم بعد أن يتقدم بهم السن ويعرفون العلم تماماً يجدون أنهم أخطئوا في هذا. ولذلك فمن أخطر ما يكون على طالب العلم التعجل في الفتوى، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، وهناك من هو أكبر منك سناً وقدراً في العلم، وأكثر منك وأغزر فالأمر موكول إليهم، أما أنت انتظر، الأمر آت إليك. وأما الاجتهاد العام المطلق فهذا يحتاج إلى علم واسع، وقد ذكر العلماء في باب أصول الفقه أن له شروطاً عشرة بعضُها مُسَلَّم وبعضها غير مُسَلَّم؛ لكن لا يمكن لإنسان أن يكون عنده اجتهاد مطلق عام إلا إذا كان متبحراً في العلوم؛ في علم العربية، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم المصطلح، وعلم أصول الفقه، يعني: في كل ما يحتاج إليه ما المقصود بالاجتهاد الخاص الذي ذكرناه سابقاً؟ افرض -مثلاً- أنك تريد أن تبحث هل الجد حكمه حكم الأب فيُسقِط الإخوة أو لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء، خلاف مشهور، إنسان -مثلاً- اجتهد في هذا، فأخذ يطالع كتب العلماء ومناقشاتهم والأدلة لهؤلاء وهؤلاء، فلاح له بعد البحث والمناقشة أن الصواب أن الجد حكمه حكم الأب يُسقِط الإخوة، هذا له أن يفعل؛ لكن -كما قلت لكم قبل ذلك- إذا كان صغيراً يعني لِتَوِّه بادئاً يطلب العلم فلا يُقْدِم على الفتوى، إذا بان له -مثلاً- أن الصواب في كذا فليسأل العالم الآخر الذي هو أكبر منه قدراً ويستشيره. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة ركعتي تحية المسجد السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم ركعتي تحية المسجد، مع ذكر الدليل؟ وما هو دليل المخالف للرد عليه؟ وهل يلزم القائلين بوجوب ركعتي تحية المسجد عند دخولهم المسجد في وقت النهي ركعتين أم لا؟ أفيدونا مأجورين! الجواب نعم! بارك الله فيك! أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة، ونبَّهنا على هذا كثيراً، لأن الصحابة كانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون ولا يسلمون إذا أرادوا السؤال، لو قدم الإنسان على الحلقة وسلم فهذا لا بأس. أما تحية المسجد فالقول بأنها واجبة وأن الإنسان إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وجوباً، هذا قول قوي لا شك فيه، ومن ذهب إليه فلا يُنْكَر عليه، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) والأصل في النهي التحريم، وهذه عبادة ليست من أمور الأدب؛ لأن أمور الأدب إذا جاء فيها الأمر فهو للاستحباب إلا بدليل، لكن أمور العبادة الأصل فيها أنها واجبة، فهذا يدل على وجوب تحية المسجد، ويؤيِّد هذا: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما) وجه الدلالة على الوجوب: أن رسول الله قطع الخطبة وسأل هذا الرجل. ثانياً: أنه أمره أن يقوم ويصلي، ومعلوم أنه إذا قام يصلي سوف يشتغل بصلاته عن استماع الخطبة، واستماع الخطبة واجب ولا يُشْتَغل بشيء عن واجب إلا وذلك الشيء واجب. ثالثاً: أن الرسول قال: تجوَّز فيها؛ إشارة إلى أنه إنما يأتي بقدر الضرورة وأن فعلهما ضرورة. هذا أعظم دليل يدل على الوجوب وهو قول قوي. أما الذين قالوا أنه ليس للوجوب، فاستدلوا بأحاديث: منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل يوم الجمعة ولا يصلي ركعتين، يشتغل بالخطبة ولا يصلي ركعتين إلى أن مات عليه الصلاة والسلام. ومنها: قصة الثلاثة الذين دخلوا والنبي عليه الصلاة والسلام في أصحابه فمنهم من جلس خلف الحلقة، ومنهم من دخل في الحلقة، ومنهم من انصرف، ولم يُنقل في الحديث أنهم صلوا تحية المسجد. لكن الاستدلال بهذا الحديث ضعيف، لماذا؟ لأنه أعلم في هذا الحديث أنه لم يُنْقل أنهم صلوا وعدم النقل ماذا؟ ليس نقلاً للعدم، يعني: لم يأتِ في الحديث أنهم لم يصلوا؛ لكن الظاهر أنهم لم يصلوا، فالاستدلال بهذا ضعيف. كذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاء وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وكان في أصحابه بعد أن تاب الله عليه فقام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهنئه، وتقدم وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وليس في الحديث ما يدل على أنه صلى. لكن الاستدلال بهذا الحديث -أيضاً- فيه شيء من الضعف؛ لأن كعب بن مالك يحتمل أنه ليس على وضوء، ومن دخل المسجد على غير وضوء فإنه لا يصلي إذ (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ) كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنت أقول بوجوب تحية المسجد؛ لكني بعد ذلك ترجح عندي عدم الوجوب، ومع هذا لو أن أحداً قال بالوجوب فإننا لا نعنفه، ولا ننكر عليه. أما صلاتها في وقت النهي فالصحيح أنها تصلَّى في وقت النهي ولو قلنا بأنها سنة؛ لأنها صلاة لها سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تُفْعَل حتى في وقت النهي، وعلى هذا فإذا دخلت المسجد بعد صلاتك صلاة العصر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين، أو بعد صلاتك صلاة الفجر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين سواء دخلت لقراءة القرآن أو لاستماع علم أو لغير ذلك، لا تجلس حتى تصلي ركعتين. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 16 الواجب على الحاج المتمتع إذا أراد السفر بعد أداء العمرة السؤال أسرة من الرياض ذهبوا إلى مكة وكان رب الأسرة يريد الحج متمتعاً، فلما اعتمروا وأنهوا عمرتهم وحلوا جميعاً ذهب بهم جميعاً إلى الجنوب، وبعد ذلك عاد إلى مكة فهل يجب عليه أن يحرم إذا مر بالميقات؟ هذه واحدة، والأمر الثاني: ولو سافر دون الميقات هل عليه -أيضاً- أن يحرم؟ الجواب هذا الرجل قَدِمَ من الرياض بأهله واعتمروا، ثم ذهب بأهله إلى الجنوب ولعل الجنوب هو مقرهم، ثم رجع، هو محرم بالحج وكان حين اعتماره يريد الحج، فهذا متمتع، إذا رجع فإن كان في غير وقت الحج فلابد أن يحرم يعني: -مثلاً- إذا بقيت أيام على الحج فإنه يحرم بعمرة ثانية؛ لئلا يتجاوز الميقات بلا إحرام. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 17 كيفية تقسيم أرباح المقصف المدرسي إذا كان الطلاب والمدرسة مشاركون فيه السؤال فضيلة الشيخ! يوجد هناك مَقْصَف مدرسي يكون فيه مساهمِين من الطلبة والمدرسة إلا أن الأرباح تصل في الريال تقريباً إلى خمسة ريالات؛ لكن يُجْبَر المسئول على المََقْصَف بشراء بعض مستلزمات المدرسة من أوراق تصوير وما أشبه ذلك، والأرباح لا تقسَّم بالتساوي بين الطلبة والمدرسة، يعطَى الطالب في الريال ريالين والبقية للمدرسة. ما الحكم في ذلك؟ الجواب يعني خلاصة السؤال الآن: يقول: مَقْصَف المدرسة يُقْسَم الربح فيه بين الطلاب الذين ساهموا وبين مصالح المدرسة. إذا كان هذا برضاً من الطلاب فلا بأس، إذا كانوا بالغين عاقلين، أما إذا كانوا دون البلوغ فالمرجع إلى أوليائهم، فإذا قال الأولياء: يكفينا بعض الربح والباقي لمصلحة المدرسة فلا بأس، فلابد من إذن، ثم إذا كان الأمر مشتهراً بين الناس أن المَقْصَف يُقْسَم ربحه بين المساهمِين وبين مصالح المدرسة يعني: فلا يحتاج إلى إذن خاص، يُكتَفَى بما اشتهر. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 18 النهي عن اتخاذ القبر عيدا ً السؤال فضيلة الشيخ! لي جد أبوه متوفىً، أبو جدي يعني، توفي بالبر، له (خبت) لوحده وسؤالي هنا يقول: ما حكم كون كل سنة، أو كل رأس سنة، يعزم جدي العائلة ويذبح هناك، ويصنع وليمة؟ الجواب هذا منكر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تتخذوا قبري عيداً) وهذا اتخذ قبر أبيه عيداً. وهذا حرام عليه، بلغهم يا أخي! عنا أن هذا حرام، وأنه لا يجوز، ولو ذهبنا بعيداً لقلنا: إن العلماء يقولون: إن الميت إذا فُعِلَ المنكر عنده تأذى به؛ لكن هذا يحتاج إلى دليل وليس عندي دليل الآن، إنما أصل العمل منكر، فيجب عليهم أن يكفوا عن هذا الأمر، وأن يستغفروا الله مما جرى. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 19 شروط المَحْرم السؤال فضيلة الشيخ! الولد متى يكون محرماًَ لأمه؟ هل هو بالبلوغ أو بالتمييز؟ الجواب المحرم بارك الله فيك! يكون مَحْرَماً إذا كان بالغاً عاقلاً، فمن لم يبلغ فليس بمحرم، ومن كان في عقله خلل فليس بمحرم. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 20 التفصيل في مسألة من لم يقرأ الفاتحة خلف الإمام السؤال فضيلة الشيخ! إذا لم يقرأ المأموم خلف الإمام الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الظهر أو العشاء، هل في ذلك شيء؟ الجواب أما الذين يرون أن المأموم لا قراءة عليه فلا شيء عليه، وأما الذين يرون أن المأموم تجب عليه قراءة الفاتحة فالقواعد تقتضي أنه يجب عليه أن يأتي بركعتين بدل الركعتين اللتين ترك فيهما القراءة، وإن كان متعمداً وهو يعلم أن القراءة ركن لابد منها بطلت صلاته، وإذا كان المأموم يعلم من إمامه أنه سريع القراءة فليسرع هو أيضاً. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. نسأل الله أن يختم لنا ولكم عامنا بالخير والبركة والعفو والتجاوز. الجزء: 123 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [124] في هذا اللقاء تكلم الشيخ عن تفسير الآية الثانية عشرة من سورة الحجرات التي يقول الله فيها: ((وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)) [الحجرات:12] ^ احتوت على أكثر من موضوع، وهذا يدل على عظمة كتاب الله عز وجل، وقد فسرها تفسيراً جميلاً ومميزاً، وتحدث عن كل موضوع فيها، مثل: الغيبة والتقوى. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 1 تفسير قوله تعالى: (واتقوا الله إن الله تواب رحيم) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نفتتح هذا العام عام (1417هـ) في هذا اللقاء المسمَّى (لقاء الباب المفتوح) ، الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو اليوم الخامس من شهر محرم (1417هـ) . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يَجعله عام خير وبركة لنا وللمسلمين، وأن يكتب فيه العزة والكرامة والنصر والتأييد لعباده المؤمنين. كنا وصلنا في التفسير إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] . الجزء: 124 ¦ الصفحة: 2 أمران تتحقق بهما التقوى التقوى يكثر الأمر بها في القرآن الكريم وكذلك في السنة، فما هي التقوى التي يكثر ورودها في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنها كلمة عظيمة، إنها تعني: الوقاية من عذاب الله، فبماذا تكون الوقاية من عذاب الله؟ تكون الوقاية من عذاب الله بأمرين: الأمر الأول: امتثال أوامر الله عز وجل بأن يقول الإنسان إذا سمع أمر الله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ، فإن هذا هو قول المؤمنين. قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] ، فلا يكن في قلبك تردد. لا تقل: لماذا أُمِرت بكذا؟ قل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] . لا تقل: ما الفرق بين كذا وكذا؟ يعني لماذا يأمر الله بكذا ولا يأمر بكذا؟ مثلاً في لحوم الإبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحومها، ولهذا كان أكل لحوم الإبل ناقضاً للوضوء على القول الراجح من أقوال العلماء، فلا تقل: لماذا يأمرنا بالوضوء من أكل لحم الإبل، ولا يأمرنا بالوضوء من أكل لحم البقر، مع أن كلاً منهما يسمى بَدَنَة؟! لا تقل هكذا، تؤمر الحائض بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة، لا تقل: لماذا تؤمر بقضاء الصوم دون الصلاة؟ على سبيل التشكيك، ولكن قل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] . الأمر الثاني مما تتحقق به التقوى: اجتناب ما نهى الله عنه، إذا نهى الله عن شيء نقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] واجتنبنا. لا تقل: لماذا؟ وتأمل قول الله عز وجل في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] . انظر كيف! {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] أي: فبعد هذا التفصيل والتبيين هل تنتهون أو لا؟ وهذا الاستفهام بمعنى الأمر أي: فانتهوا ولهذا قال الصحابة: انتهينا انتهينا. فصارت التقوى تتحقق بماذا؟ بأمرين. الأول: امتثال أمر الله عز وجل دون تردد، والثاني: اجتناب نهي الله عز وجل دون تردد. قل: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)) [البقرة:285] ، فهذا قول المؤمنين. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 3 التوبة وشروطها يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] هذان اسمان من أسماء الله: الأول: التواب. والثاني: الرحيم. والتواب هنا: صيغة مبالغة، واسم الفاعل مِن تاب: تائب، والتواب تعني: كثرة التوبة، وأنه عز وجل متصف بهذا الوصف، وإنما كان الرب عز وجل كثير التوبة: لأن العباد كثيرون، هذه واحدة. ولأن الذنوب التي يقترفها الإنسان كثيرة، ما أكثر ما يقترفه الإنسان من الذنب ويتوب الله عليه! فلهذا سَمَّى نفسه التواب، وما هي التوبة؟ التوبة من العبد: أن ينتقل من معصية الله إلى طاعته. والتوبة من الله: أن يقبل الله من العبد فيبدِّل سيئاته حسنات. إذاً: التوبة من العبد ما هي؟ الانتقال. من ماذا؟ من المعصية إلى الطاعة. الرجوع من المعصية إلى الطاعة، والتوبة من الله: قبول هذه التوبة من العبد، وإبدال سيئاته بحسنات، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ. } [الفرقان:68] إلى أن قال: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] . وقد تُطْلَق التوبة من الله على توفيقه العبد للتوبة. فللعبد توبتان: توبة بمعنى: التوفيق للتوبة. وتوبة بمعنى: قبول التوبة. ما هو الدليل على هذا؟ الدليل: قول الله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة:118] ، كيف تاب ليتوبوا؟ أي: وفقهم للتوبة فتابوا. أما التوبة الأخرى وهي: قبول توبة العبد: فمثل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25] . توبة العبد تحتاج إلى شروط؛ إذ ليس كل توبة مقبولة، لا بد يا إخواني! من شروط: الأول: إخلاص النية. الثاني: الندم على الذنب، وانكسار القلب، وخجله من الله عز وجل، وأن يشعر الإنسان بأنه مذنب، يحتاج إلى توبة ونعمة من الله عز وجل. الثالث: الإقلاع عن المعصية، إما بفعل الواجب وتداركه إن أمكن، أو بالإقلاع عن المحرم. والرابع: العزم على ألا يعود إلى الذنب مرة أخرى، فإن أقلع عنه وندم ولكن في نيته أنه متى سنحت له الفرصة عاد إلى الذنب فهذا لا تقبل توبته. الشرط الخامس: أن تكون في الوقت الذي تُقْبَل فيه التوبة؛ لأن التوبة لها وقت تُرَدُّ فيه مهما تاب العبد وهو -أي: الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة- نوعان: خاص. وعام. أما الخاص فهو: حلول الأجل: إذا حضر الموت فإنه لا قبول للتوبة مهما كان، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ، هذا ليس له توبة بعد أن شاهد وعاين العذاب يقول: أتوب؟! لا ينفع، الحدود في الدنيا إذا قُدِر على العبد وتاب بعد القدرة عليه هل يرتفع عنه الحد؟ لا. لقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة:34] ، كذلك الإنسان إذا حضره الموت وشاهد وعاين لا تنفعه التوبة للآية الكريمة وهي في سورة النساء، وقد وقع ذلك فعلاً حين تاب فرعون بعد أن أدركه الغرق قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] ماذا قيل له؟ قيل له {آلْآنَ} [يونس:91] يعني: آلآن تؤمن بما آمنت به بنو إسرائيل؟! هذا لا ينفع، {وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] . الثاني: العام: الوقت الذي يكون لعموم الناس، إذا حصل أو إذا جاء فإنها لا تقبل التوبة، وذلك إذا طلعت الشمس من مغربها، فالشمس الآن تدور منذ خلقها الله عز وجل، تأتي من ناحية المشرق وتغيب من ناحية المغرب، فإذا أراد الله تعالى انقضاء الدنيا انعكست القضية وصارت الشمس تأتي من المغرب، وإذا رآها الناس آمنوا كلهم؛ لأنهم يعلمون أن لهذا الكون مدبراً وإلا فمن يستطيع أن يأتي بالشمس من المغرب، هل من أحد يستطيع؟ لا. ولهذا قال إبراهيم للذي ناظره قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258] ؛ لكن إذا رأى الناس كلهم الشمس بعد أن غابت رجعت من المغرب سيؤمنون؛ لكن هذا الإيمان هل هو قهري أم اختياري؟ قهري؛ لأنه شاهد. ولهذا قال الله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] والمراد ببعض الآيات هنا: طلوع الشمس من مغربها. إذاً: لابد للتوبة من شروط خمسة: الأول: الندم على فعل المعصية. الثاني: إخلاص النية لله عز وجل، بألا يقصد الإنسان بالتوبة أن ينال مرتبة، أو أن ينال جاهاً، أو أن يُمدح عند الناس، مثاله: إنسان معروف بالفسق والانحلال وأُعْلِن عن وظيفة إمام مسجد، ومعلوم أنه لن يُوَظَّف في إمامة المسجد إلا من كان مستقيماً، هو استقام من أجل ماذا؟ من أجل أن يكون إماماً في المسجد، هذا لا تنفعه التوبة؛ لأنه لم يخلص النية لله. الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب، وذلك بأن يأتي بالواجب إن أمكن تداركه، أو بدله إذا لم يمكن تداركه وكان له بدل، أو يقلع عن المحرم إذا كان الذنب فعلاً محرماً. حسن! إذا كان الذنب في حق إنسان بأن يكون شخص سرق من إنسان مالاً، السرقة حرام، تاب الرجل وندم وعزم على ألا يعود، فبماذا يكون تحقيق التوبة؟ لابد أن يوصل هذا المال إلى صاحبه، ولا يمكن أن تتم التوبة إلا بهذا، فإذا قال: أخشى إن ذهبتُ إلى هذا الرجل وأعطيته المال أخشى أن يترتب على ذلك ضرر عليَّ؛ على سمعتي، وربما أُحْبَس وأنا قد تبت إلى الله قبل أن يُقْدَر عليَّ! فكيف تكون الحال؟ هل يجوز أن يتصدق به عن صاحبه؟ الجواب لا؛ لأن صاحبه معلوم، أما لو كان مجهولاً يقول: والله إنه سرق من أناس نسيهم أو جهلهم لا يدري أين هم، فهنا يتصدق بما سرق عنه؛ لكن إذا كان معلوماً لابد أن يوصله، إذاً: ماذا يصنع؟ نقول: ممكن أن تعطي شخصاً تثق به وتقول: يا فلان! إني سرقت هذا المال من فلان، وقد ندمتُ وتبتُ إلى الله فمِن فضلك أعطه إياه وقل له: هذه دراهم من إنسان تستحقها عليه وهو الآن يبذلها. إذا لم يكن هذا ممكناً فيمكن أن ترسل بالبريد، ويقال: هذه دراهم من شخص تستحقها عليه، وفي هذه الحال من المعلوم أنك لن تكتب اسمك أليس كذلك؟ وأيضاً لا يحسن أن تكتبها بقلمك؛ لأنه ربما يمر عليه يوم من الدهر، اكتبها بالآلة التي تطبع طباعة بالكمبيوتر أو غيره وأرسلها إليه، هذا إذا كان الحق مالياً، حق إنسان. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 4 الغيبة وأقوال العلماء في كيفية التوبة منها إذا كان الحق غير مالي مثل أن يكون شخص اغتبتَه في مجلس أو مجالس فكيف التوبة من هذا؟ قال كثير من العلماء: لابد أن تذهب إليه وتستحله، وإلا فسيأخذ من حسناتك يوم القيامة، اذهب إليه وقل له: يا فلان! سامحني. وقال بعض العلماء: لا يجب أن تستحله، وإنما تستغفر له، وتثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والحسنات يذهبن السيئات، وقد جاء في الحديث: (كفارة من اغتبته أن تستغفر له) . ولكن فيه قول ثالث وسط ولعله الصواب، يقول: إن كان صاحبك الذي اغتبته قد علم بذلك فلابد من أن تذهب إليه وتستحله؛ لأنه لن يزول ما في قلبه حتى تستحله، أما إذا كان لم يعلم فيكفي أن تستغفر له، وأن تثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والله غفور رحيم. وينبغي لمن جاء إليه أخوه يعتذر منه أن يسامحه ولكن هل يناقشه ويقول: أنت الآن تطلب مني أن أحللك لكن ما الذي فعلت معي؟ يعني: هل ينبغي أن يناقشه ويرى ما الذي حصل، أو يقول: أنت في حل ويكفي؟ الأولى ألا يناقشه؛ لأنه ربما يذكر شيئاً كبيراً فتعجز نفسُ صاحبه عن أن يحلله، أليس كذلك؟ ربما إذا قال: والله حلني، قال: ماذا أنت فاعل معي، قال: فعلت كذا وكذا وكذا ويكون الشيء كبيراً وتأبى نفسه أن يحلِّل؛ لأن النفس أمارة بالسوء، فالأَولى ألا يسأل، ألا يقول: ما الذي فعلت؟ وأن يحتسب الأجر من الله ويقول: هذا جاء معتذراً، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، ولولا أنه نادم وتائب وأنه يرجى في المستقبل أن تعود هذه الغيبة ثناءً حسناً، ويقول: أنت مني في حِل، وأجره على من؟ على الله. فصار عندنا الآن بالنسبة لمن كانت مظلمته غير مال هل يذهب ويستحله أو لا يذهب؟ كم قولاً في المسألة؟ ثلاثة أقوال. الأول: أنه لابد أن يذهب إليه ويستحله. والثاني: لا حاجة للذهاب إليه، بل يستغفر له ويثني عليه في الأماكن التي كان يغتابه فيها. والثالث: التفصيل، وهذا التفصيل هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق؟ وهو أنه إن كان عالماً فلابد أن تستحله حتى يزول ما في قلبه، وإن كان غير عالم فلا حاجة إلى استحلاله. هذا بالنسبة للذي اغتاب غيره. أما الذي اغتَيْبَ وطُلِبَ منه السماح فالذي نراه أن الأفضل والأكمل أن يحلِّله؛ لأنه أخوه جاءه معتذراً نادماً فليحلِلْه، وثقوا بأنه إذا حلله ستكون كبيرة عظيمة على الشخص الذي استحله، سيرى أنه أهدى إليه أكبر هديه فتنقلب الكراهة التي كانت من قبل تنقلب إلى محبة وألفة؟ وهذا هو المطلوب من المسلمين، أن يكون بعضهم لبعض آلفاً محباً وادَّاً، يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] هو سبحانه وتعالى رحيم وهو رحمان، وقد اجتمع الاسمان في أعظم سورة في كتاب الله، فما هي؟ الفاتحة، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] . قال العلماء: إذا ذُكِر الرحمن وحده كما في قوله تعالى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} [مريم:92] . وكما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60] . أو صار الرحيم وحده كما في هذه الآية: {تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12] فمعناهما واحد، يعني: أن الرحيم وذو الرحمة الواسعة الشاملة، والرحمن إذا ذكر وحده هو ذو الرحمة الواسعة الشاملة، أما إذا اجتمعا جميعاً فالرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل، انتبه! الرحمن باعتبار الوصف والرحيم باعتبار الفعل يعني: أنه عز وجل ذو رحمة واسعة وهو -أيضاً- راحم يوصل الرحمة إلى من يشاء من عباده، كما قال الله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت:21] . أسأل الله تعالى أن يعمني وإياكم برحمته وجميع إخواننا المسلمين، وأن يجعلنا من دعاة الخير والإصلاح، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 124 ¦ الصفحة: 6 حكم شرب الدم من أجل الشفاء السؤال فضيلة الشيخ! هناك عائلة في منطقة حائل وثبت بالتجربة أن دمهم يشفي من الغَلْث، المسمى: داء الكلب، فما حكم شرب الدم؟ أرجو الإجابة! الجواب أنا أظن أن هذا ليس بصحيح؛ لأن الله لا يجعل شفاء هذه الأمة بما حَرَّم عليها، والدم محرم؛ لكن لعل هذا من باب الوهم؛ لأن الإنسان إذا توهم شيئاً انتفع به، فلعل هذا الذي يصاب يكون قد استقر في مخيلته أنه إذا شرب من هذا الدم استفاد فيستفيد، لكن لو فرض على أبعد تقدير أنه أمر محقق أن الإنسان إذا شرب من هذا الدم فإنه ينجو من الموت، فهنا نقول بالجواز استدلالاً بقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. } [الأنعام:119] أتموا إلى قوله تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] . ولقوله تعالى حين ذكر تحريم الميتة والخنزير: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ. } [المائدة:3] إلى آخره، قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:3] . وفي آية أخرى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173] . أفهمتَ؟ الجواب الأول: أستبعِدُ استبعاداً تاماً أن يكون هذا صحيحاً، وأظن أن ذلك من باب قبول النفس لهذا الدم وانفعالها بناءً على ما يتوهمه الإنسان. ثانياً: لو فرض على أبعد تقدير أن هذا أمر محقَّق فهو جائز؛ لأن في ذلك إنقاذ نفسه من الهلاك. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 7 الاعتقاد بأن جلد جبهة الذئب تخرج الجن وحكم تعليقها في المنزل كحرز السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس يقصون جلدة جبهة الذئب ويحضرونها عند الذي أصابه مس ثم يَخرج هذا الجني بقولهم، وبعض الناس يضع هذه الجلدة في البيت حرزاًَ من الجن حتى لا يدخل بيته. فما الحكم في المسألتين؟ الجواب الحكم في المسألتين: أن هذا لا أصل له، ولا صحة له، ولو كان هذا كذلك لكانت الذئاب بأغلى الأثمان، هذا لا صحة له. السائل: هل هذا من جنس لبس الحلقة لدفع البلاء؟ الشيخ: إي نعم، يكون هذا من جنس لبس الحلقة ونحوها لدفع البلاء أو رفعه، أوهام لا صحة لها. السائل: وإذا ثبت يا شيخ؟ الشيخ: لا يثبت، أوهام! افعل لك ذئباً وضعه حول الجن وانظر ماذا يحصل. السائل: عند شخص في حائل عنده ذئب. الشيخ: أنا أعرب إنساناً ممن كان يقرأ على المصابين بالمس، وأخذ معه ذئباً، والذئب لا يأكل إلا من أطيب اللحم، وصار يشتري له اللحم دائماً، ولكن لا فائدة. الجني يرقص إذا رأى الذئب. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 8 حكم الغيبة إذا كانت تظلما ً السؤال فضيلة الشيخ! الغيبة على الإنسان الذي ظلمك إن وقفت واغتبتَه؟ الجواب هذا لا بأس به، يعني: لو أن إنساناً جاء إلى ولي الأمر وقال: فلان فعل فيَّ كذا وكذا، أو أنه ذكره لغير ولي الأمر لصاحب له يستشيره ماذا يفعل فهذا لا بأس به، أو يغتابه تحذيراً منه، هذا لا بأس به؛ لأن المقصود به الإصلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم استأذن عليه رجل فقال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة هو) فأثنى عليه ذماً، ولما دخل يعني: انشرح له النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرجل-فيما يظهر- كبير قوم، ولكنه سيئ. فالمهم أنه إذا كان المقصود بذلك النصح، أو التظلم، أو المشورة، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس بذلك، العلماء رحمهم الله في كتب الرجال رجال الحديث يذكرون ما يُجْرَح به الإنسان، يقولون: هذا كذاب، هذا متهم بالكذب، هذا ضعيف، ولا بأس. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 9 عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل السؤال فضيلة الشيخ! الحامل المتوفى عنها زوجها هل تنتهي عدتها بمجرد ظهور أعراض الولادة أو بعد الولادة؟ الجواب أقرأت سورة الطلاق؟ اقرأ: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] ، لا يمكن أن تنقضي العدة سواء من حياة أو وفاة إلا بوضع الحمل، وهنا نسأل: إذا كان في بطنها اثنان ووضعت الأول تنتهي العدة؟ لا. من أين أخذتم هذا؟ كيف تقولون: لا، أين دليلكم؟ حملهن عام، (أن يضعن حملهن) . الحمل لم يوضع، الحمل ما زال. (حملهن) هذه: مفرد مضاف، فيكون للعموم، يعني: كل الذي في بطنها. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 10 حكم قيام الطبيب بعملية الولادة إذا لم يكن هناك طبيبة السؤال إذا كان لا يوجد إلا الطبيب، فهل يجوز -مثلاً- أن يقوم بعملية الولادة؟ الجواب إذا اضطُرَّت إلى ذلك ولم يوجد أنثى فلا بأس؛ لكن سؤال: إذا قدرنا أن الرجل مات عن امرأته وهي في الطلق، ووضعت قبل أن يُدْفَن تنقضي عدتها؟ نعم. تنقضي العدة. والإحداد؛ لأن الإحداد تابع للعدة. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 11 حكم الذهاب إلى العرافين السؤال فضيلة الشيخ! أحد الإخوان سرق منه شيئاً، فأشار عليه بعض الناس أن يذهب إلى عراف، وهو يعلم تماماً أن الذهاب إلى العراف شرك؛ ولكنه ذهب إليه حتى يستفيد منه استفادة اقتصادية فقط لعلمه أنه يستعين بالجن ممن لهم دراية هو لا يعلمها. فهل ذهابه بهذه النية يجوز أم لا يجوز؟ اسأله أولاً: هل وجد السارق من أجل يعرف أن الذهاب إلى هؤلاء العرافين الذين هم في الحقيقة جُهَّال، وسخفاء عقل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) . الجزء: 124 ¦ الصفحة: 12 كيفية التعامل مع تارك الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! إذا نودي للصلاة خصوصاً صلاة الفجر والعصر التي يكون فيهما الاستيقاظ من النوم، وأيقظتَ أهلك للصلاة لكن هناك أخ لك -مثلاً- أو أحد أفراد العائلة لا يستيقظون إلا بعد الشجار معه وهو رجل لا تستطيع أن تضربه -لتأدبه- مثلاً ويقول لك: أتركني وشأني لا أريد أن أصلي، أنا حر، علماً بأنه يصلي إذا قام بدون وضوء. فهل أتركه وأصلي أم ماذا أفعل جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا تتركه، بل أقمه وأيقظه، وكذلك -أيضاً- إن كان لك عليه ولاية فأجبره على الوضوء، وإن كان هذا لا ينفعه عند الله لكن ظاهراً لابد أن نلزمه بشرائع الإسلام، وإذا استقام فهذا المطلوب، وإن لم يستقم فإن كان البيت لك فاطرده من البيت؛ لأنه ليس بعد ترك الصلاة شيء، نحن لا نحبذ أن يُطْرَد العاصي من البيت، بل نقول: بقاؤه في البيت أحسن من كونه يذهب ويتسيب في الأسواق، وربما يكون أسوأ حالاً من وجوده في البيت؛ لكن من ترك الصلاة لا يمكن أن نصبر عليه إطلاقاً، ماذا بقي بعد الكفر؟! الجزء: 124 ¦ الصفحة: 13 حكم الاستعانة بمن يتعامل الربا السؤال فضيلة الشيخ! هناك السندات التي توزع من ثمن محاصيل القمح، يوجد أحد الإخوة له سند منها ثمنه مبلغ عالٍ، وله أيضاً أناس يطلبونه ديناً، فأحدهم قال: أعطني السند ووكلني عليه وأنا أستوفي هذا الدين بطريقتي الخاصة وأرد لك الباقي، فهل في هذا شيء؟ الشيخ: ويعطيه. السائل: نعم. الشيخ: ما فيه بأس. السائل: طبعاً إذا أعطاه السند وأعطاه وكالة، يقضيه أو ما يقضيه إلا بطريقة وهي البنك. الشيخ: سيأخذ ما في السند كاملاً. السائل: بطريقة البنك لا؛ لأنهم سيأخذون عليه. الشيخ: إي نعم، لكن أنا ظننت أن له مدى بالجهات المسئولة، ويمكن يؤثر، المهم أنه إذا كان لا يترتب عليه الربا فلا بأس، يعني هو استئجار. السائل: يعني نقول: الربا هو منه ليس مني. الشيخ: لا، إذا علمت أنه لا يتوصل إلى هذا إلا بالربا فقد عاونته على الإثم، والله عز وجل يقول: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ؛ لكن سمعتُ أنهم فسحوا بعض الشيء وقالوا: من أراد أن يحوِّل فعليه أن يجزئ هذا المبلغ، مثلاً: هو بمائة ألف وله أناس يطلبونه أحدهم يطلبه عشرة آلاف، وثانٍ عشرين، وثالث ثلاثين وأراد أن يحوِّل هذا المبلغ، يحول على الذين يطلبونه، لا بأس فيه تفسحه. السائل: المصلحة تأخذ مائة ريال على كل شيك؟ الشيخ: أنا لم أسمع بهذا، وإنما سمعت بالتجزئة توسعة للناس، وهذا طيب يحل بعض الشيء. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 14 الأمر بتسوية الصفوف في الصلاة السؤال بعض أئمة الصلاة قد لا يحرصون كثيراً على تطبيق السنة بالأمر بالاصطفاف وتراص الصفوف، وحين أدخل إلى مثل هذه المساجد التي فيها مثل هؤلاء الأئمة أجد فراغات كبيرة بين المصلين، فحينما آمر بصفها أو رصها حتى أجد مكاناً في الصف الأول يعتب علي بعض الناس قائلين: لا تحركهم فقد يخرجهم من الخشوع الذي هم فيه فما حكم ذلك؟ الجواب لا شك أن على الإمام مسئولية كبيرة في إصلاح أحوال المأمومين، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يلتفت ويأمر بتسوية الصف، حتى إنه مرة من المرات رأى رجلاً بادياً صدره فقال: (عباد الله! لَتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قلوبكم) وكان صلى الله عليه وسلم يمشي على الصف بنفسه يمسح صدور المأمومين ومناكبهم، يأمرهم بالاستواء. وفي عهد الخلفاء الراشدين لما كثر الناس جعلوا رجالاً على الصفوف يمرون عليها، فإذا جاءوا وقالوا إنهم قد استووا كبروا للصلاة. فإذا علمنا اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، واعتناء الخلفاء الراشدين من بعده تبين لنا أن الأمر ليس بالهين، وعلى الإمام مسئولية ذلك، هو الذي يأمر بالتراص، ويأمر بالتسوية، ويأمر بإكمال الأول فالأول، ولا يكبر إلى الصلاة حتى يكونوا على السواء، هذا شأن الإمام. أما إذا أتيت ووجدت أن بينهم فُرَج، فَلِي أن أُدْنِي بعضهم إلى بعض، سواء دخلتُ أو ما دخلتُ؛ لأني إذا فعلت ذلك فإنما فعلت بهم ما هو مسنون كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بـ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قام عن يساره، فأخذ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. وهنا مسألة يجب التفطن لها: بعض الإخوة جزاهم الله خيراً يحبون تطبيق السنة فتجده يصف في الصف ثم يفتح قدميه حتى يلتصق بقدم من بجواره فتجده من أسفل واسع، رجله مفتوحة جداً، ومن فوق بينه وبين منكب صاحبه فسحة، وهذا غلط، هذا ليس من السنة، فَهْمُ السنة على هذا الوجه غلط، الصحابة كانوا يؤمَرون بالتسوية والتراص، فكان أحدهم يلصق كعبه بكعب الآخر من التراص لم يقولوا: فكان أحدنا يفتح أو يفرِّج بين قدميه حتى يلصق كعبه بكعب أخيه، ما قالوا هكذا ما قالوا: يفرِّج، قالوا: يُلصق كعبه بكعب أخيه من شدة التراص وعدم فتح فتحة من الصف، وهذه نقطة أحب من إخواني الذين يسمعون هنا أو من الشريط أن ينتبهوا لها، أنا وجدت في بعض الجهات الصف تجده من عند المناكب منفرجاً يصل إلى أربعة أصابع بين الرجل والآخر، المناكب متباعدة والأكعب متراصة، وهذا فهم للسنة على خلاف الصواب، المقصود التراص. السائل: هل إذا دخلت المسجد أقربهم وأحركهم؟ الشيخ: حركهم لكن ليس من أجل أن يتراصوا جداً، فتدخل أنت لكن إذا وجدت فرجاً فقربهم سواء كان لك مكان أو لم يكن لك مكان. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 15 حكم القراءة على الماء وبيعه للمرضى السؤال بعض الناس المشهورين بالقراءة، المعروفين بقراءة الرقية يقرءون على الماء والزيت، -رُقية شرعية- ثم يبيعونها للناس، وهي طبعاً قد تنفع وقد لا تنفع بأمر الله وقضائه. فهل يجوز أخذ ثمن هذه الرقية المباعة؟ الجواب أولاً: نسأل: هل هذا من المشروع؛ أن الإنسان يقرأ في الماء أو في الزيت، ويُدْهَن به المريض أو يشربه أم لا؟ وجوابي على هذا: أن هذا لم يَرِد عن النبي عليه الصلاة والسلام وغاية ما سمعت في هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبل إصبعه بريقه ويمسح به الأرض ثم يقول: (تُرْبَة أرضنا بِرِيْقَةِ بعضِنا يُشْفَى بها مريضُنا بإذن ربنا) . ولكن ورد عن السلف، والأئمة ما يقتضي جواز ذلك؛ أن القارئ يقرأ في الماء، ويشربه الْمريض، هذا من جهة أصل هذه المسألة. أما من جهة أخذ العوض عنها وكونها تُجْعَل صيدلية يفتح الإنسان محلاً ويضع فيه هذا الماء أو هذا الزيت، وسمعت -أيضاً- أن بعضهم يقنِّن لكل نوع من القراءة ثمناً مثل: آية الكرسي بعشرة، والفاتحة بعشرين، وهكذا، هذا غلط، وسبحان الله! فيما أظن أن ذلك لا ينفع؛ لأن هذا القارئ لم يكن مخلصاً في قراءته، لأنه يريد بعمل الآخرة الدنيا، فلا ينتفع، وانتفاع بعض المرضى بذلك والله أعلم، لأن نفوسهم تنفعل ويعتقدون أن ذلك ينفعهم والاعتقاد له تأثير قوي جداً على البدن؛ لأن البدن تابع للنفس فإذا اطمأنت النفس إلى هذا الماء، أو هذا الدواء صار مؤثِّراً بلا شك. لهذا أوجه النصيحة من هذا المكان إلى إخواني القراء ألا يتخذوا القراءة وسيلة للتكسب الدنيوي وأن يكون أكبر غرضهم نفع إخوانهم المسلمين، ثم إن أُعْطُوا شيئاً وقبلوه فلا بأس بذلك، وإن تركوه -أيضاً- حتى بدون شرط فهو أفضل بلا شك، أما أن يجعلوا هذا شيئاً -كما وصفتُ- شيئاً مقنناً وكأنها صيدلية يختلف فيها الدواء فهذا غلط. لكن هنا مسألة: لو أن أحداً قال: أنا لا أقرأ على هذا المريض إلا بكذا، وهذا غير مسألة المال، فهل يجوز؟ نقول: جاء في السنة بجوازه في قصة القوم الذين بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام بسرية فنزلوا على أناس استضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فسلط الله على زعيمهم وسيدهم عقرباً لدغته، وكانت شديدة، فقالوا: (لعل هؤلاء القوم الذين نزلوا بنا لعل فيهم قارئ -يعني: يقرأ عليه- فجاءوا إلى الصحابة وأخبروهم الخبر وقالوا: لا نقرأ لكم إلا أن تجعلوا لنا جُعلاً. وعينوا لهم قطيعاً من الغنم قالوا: لا بأس، فذهب أحدهم -أي أحد الصحابة- فجَعَل يقرأ على هذا الرجل سورة الفاتحة، وهو لديغ يتلوى من السم فجعل يقرأ عليه سورة الفاتحة فقام هذا اللديغ كأنما نُشِطَ من عقال -يعني: قام سليماً ليس فيه شيء- ثم أخذوا الغنم وعادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفتَوه في ذلك فقال: خذوا، واضربوا لي معكم بسهم -اللهم صل وسلم عليه، قال: اضربوا لي معكم بسهم، هل هو محتاج لذلك؟ لا أظن ذلك، لكن لأجل أن تطيب نفوسهم بأخذه- ثم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) . الجزء: 124 ¦ الصفحة: 16 الجلوس في طرف الصف الأول أفضل من وسط الصف الثاني في صلاة يوم الجمعة السؤال إذا دخل شخص المسجد يوم جمعة ووجد الصف الأول في طرفه فُرَج هل الأفضل أن يجلس في الصف الثاني قرب الإمام أو يجلس في طرف الصف؟ الجواب إذا كان يدرك الخطبة كلها مثل أن يكون في المسجد مكبر صوت ولا يخفى عليه شيء من الخطبة، فالصف الأول أفضل بلا شك، أما إذا كان لا يدركها فجلوسه أمام الإمام أفضل؛ وذلك لأن استماع الخطبة واجب والتقدم إلى الصف الأول سنة وغالب المساجد والحمد لله الآن فيها مكبر صوت. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 17 حكم تعيين الكفيل مبلغاً معيناً يدفعه عماله في المغنم والمغرم السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم فيمن جلب له العمال من الخارج وفتح لهم محلاً تجارياً واقتسموا العمل فيما بينهم، فالكفيل يسعى لفتح المحل وتأمين العمل فقط، والعمال يقومون بمزاولة العمل وتحصيل الربح، ومن ثم يدفعون للكفيل مبلغاً مقتَطعاً من الربح، يشترط عليهم، وما بقي يقتسمونه فيما بين العمال علماً بأن مصاريف المحل ورسوم التجديد؛ الإقامات وما يتعلق بالدوائر الحكومية تُسَلَّم لمكتب يكملها ويتكفل بها على حساب العمال؟ وجزاكم الله خيراً! الجواب أولاً: نقول: هل الحكومة تسمح بمثل هذا العمل؟ هذا قبل كل شيء. إن كانت لا تسمح فلا يجوز؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ونحن في أعناقنا بيعة لولاة الأمور على السمع والطاعة إلا إذا أمروا بمعصية. وقول بعض الناس: إنه ليس للدولة أن تمنع ما أحل الله؛ لأن المشاركات جائزة. نقول: هذا صحيح، المشاركات جائزة؛ لكن إذا رأت الدولة من المصلحة ألا يتولى هذا من لم يكن من أهل البلد نظراً لما يحصل فيه من المشاكل الكثيرة كما هو موجود الآن، ما أكثر الذين يأتون إليَّ يشتكون كفلاءهم من أجل هذا، فإن طاعتها في ذلك واجبة. فإذا سمحت الدولة بذلك تقديراً نظرنا هل سيقتطع من الربح شيئاً معلوماً بأن يقول: يؤديني كل شخص منكم ألف ريال في الشهر، أو مائة ريال في الشهر، أو عشرة ريالات في الشهر وباقي الربح لكم، إن كان كذلك فهو حرام؛ لأن مثل هذه المشاركة لا تجوز حتى فيما بين المواطنين. وإن جعل سهماً من ذلك وهو الذي يعطيهم المال وهو الذي يتصرف في التجارة. لكن هؤلاء هم الذين يباشرون العمل فأعطاهم سهماً من ذلك ربع الربح أو نصفه أو ثلثه، المهم أن له سهماً مشاعاً، يشتركون في المغنم والمغرم فهذا لا بأس به. فصار لا يجوز في حالين: الحال الأولى: إذا مَنَعَت الحكومة، لا يجوز. الحال الثانية: إذا جعل شيئاً معلوماً سواء كثر الربح أم لم يكثر فهذا أيضاً لا يجوز. الجائز هو ما جمع شرطين: الشرط الأول: أن تأذن الحكومة في ذلك. والشرط الثاني: أن يكون نصيبه مشاعاً، كثلث وربع ونحوه ليشترك هو والعمال في المغنم والمغرم. هذا بعد أن نعلم جميعاً أن الأموال ومجابهة الحكومة وغيره على من؟ على الكفيل، الكفيل هو الذي يعطيهم المال والربح بينهم؛ لأن هذا نوع من المضاربة، والمضاربة جائزة، نعم. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 18 حكم من نسي التشهد الأوسط السؤال فضيلة الشيخ، إمام يؤم مصلين، وهو في الركعة الثانية، فنسي وقام إلى الركعة الثالثة هل يجلس للتشهد الأول أم لا؟ الجواب إذا قام المصلي عن التشهد الأول سواء كان إماماً أو منفرداً واستتمَّ قائماً فإنه لا يرجع؛ ولكن يسجد للسهو قبل السلام، وأما قبل أن يستتمَّ قائماً فإنه يرجع ويجلس ويتشهد، ثم هل يلزمه سجود السهو؛ لأنه انفصل عن الجلوس أو لا يلزمه؟ فيه قولان للعلماء. المهم أنه متى استتمَّ قائماً فإنه لا يرجع سواء كان إماماً أو منفرداً. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 19 الفرق بين الشغار والبدل في كشف الوجه لأبناء الآخر السؤال فضيلة الشيخ! رجلان كلٌّ منهما زوَّج الآخر موليته، وبعد فترة كلٌّ منهما طلق زوجته. فهل يجوز للمرأتين أو لأحدهما أن تكشف وجهها لأبناء الآخر من غيرها؟ وهل هناك فرق بين الشغار والبدل في هذه المسألة؟ الجواب كأنك تسأل عن أبناء الزوج بعد أن تَطْلُق المرأةُ منه هل يحل أن تكشف لهم؟ الجواب: نعم. يجوز أما في مسألة الشغار والبدل فبينهما فرق: البدل: أن يكون رأس برأس، زوِّجْنِي ابنتك والمهر ابنتي أزوجك إياها أو أزوجها ابنك، هذا بدل ولا يحل؛ لأن الله يقول: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء:24] . والثاني: نكاح الشغار: أن يزوجه الآخر موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا يقول: هذه مهر هذه؛ لكن لا يجعلان لهما مهراً فهذا حرام أيضاً، والنكاح غير صحيح. السائل: هل يجوز في زواج الشغار كشف المرأة لأبناء زوجها من غيرها؟ الجواب: هذا ينبني على الصهر هل تثبت أحكامه بالنكاح غير الصحيح؟ والصحيح: أنها لا تثبت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 20 حكم العمل براتب ونسبة السؤال فضيلة الشيخ! أنا موظف اشتغل براتب ثلاثة آلاف ريال و (5 %) من الأرباح، هل هذا الأمر جائز؟ الجواب هذا يحتاج إلى تأمل؛ لأن مقتضى كلام العلماء في مسألة المشاركة أنه لابد أن يكون بالسهم، فبدلاً من أن يكون لك -مثلاً- راتب ثلاثة آلاف ريال ولك (10 %) من الربح يكون لك (50 %) من الربح بدون راتب. أو يكون لك راتب مقطوع، يعني بمعنى: ليس لك شيء من الربح، الربح كله لصاحب المحل، وأنت أجير عنده، لا بأس به. أما أن يجعل لك راتباً مع جزء من الربح فهذا يحتاج إلى تأمل في المسألة، ولعل الله يفتح علينا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 124 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [125] في هذا اللقاء تكلم الشيخ فيه عن تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) [الحجرات:13] فبين سبب قوله تعالى في بداية هذه الآية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) والأقوال الواردة في تفسير قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) ومعنى شعوباً وقبائل والفرق بينهما، وغيرها من المواضيع، ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائة من اللقاء المسمى بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل خميس من كل أسبوع. وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر محرم عام (1417هـ) نتكلم فيه على آيات من سورة الحجرات. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] . الخطاب هنا مُصَدَّر بنداء الناس عموماً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} :- مع أن أول السورة وُجِّهَ الخطاب فيه للذين آمنوا، وسبب ذلك: أن هذا الخطاب في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها مُوَجَّهٌ لكل إنسان؛ لأنه يقع التفاخر بالأنساب والأحساب من كل إنسان، فيقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} والخطاب للمؤمن والكافر، والبَر والفاجر. {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} :- {مِنْ ذَكَرٍ} : هو آدم {وَأُنْثَى} : هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالذكر والأنثى هنا الجنس يعني: أن بني آدم خلقوا من هذا الجنس؛ من ذكر وأنثى. وفي الآية دليل على أن الإنسان يتكوَّن من أبيه وأمه، أي: يُخْلَق من الأم والأب، ولا يعارض هذا قول الله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5-7] وذلك لأنا إن قلنا: إن المراد بالصُّلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة، فلا إشكال، وإن قلنا بالقول الراجح: إن الصلب والترائب وصفان للرجل؛ لأن الماء الدافق هو: ماء الرجل، أما المرأة فلا يكون ماؤها دافقاً، وعلى هذا فيكون الإنسان مخلوقاً من ماء الرجل، لكن ماء الرجل وحده لا يكفي، لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة فيزدوج هذا بهذا ويكون الإنسان مخلوقاً من الأمرين جميعاً، أي: من أبيه وأمه. {خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} إذاً: ذكر وأنثى يحتمل أن يكون المراد بهما شخصين معينين، وهما: آدم وحواء، أو أن المراد الجنس. أي: الذكر من بني آدم والأنثى من بني آدم، وعلى هذا التقدير -أي: على التفسير الثاني- يُشْكِل أن الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنسان خُلِق من ماء دافق وهو ماء الرجل! والجواب عنه: أن يقال: إن هذا الماء الدافق لا يمكن أن يتكون منه جنين لوحده، بل لا بد أن يتصل بالبويضة التي يفرزها رحم المرأة، وحينئذ يكون مخلوقاً من ذكر وأنثى. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} [الحجرات:13] : أي: صيرناكم شعوباً وقبائل، فالله جعل بني آدم شعوباً وهم أصول القبائل. {وَقَبَائِلَ} وهم ما دون الشعوب، فمثلاً: بنو تميم يُعْتَبرون شعباً، وأفخاذ بني تميم المتفرعون من الأصل يسمَّون قبائل، {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} . ما هي الحكمة؟ هل الحكمة من هذا الجَعْل أن يتفاخر الناس بعضهم على بعض فيقول هذا الرجل: أنا من قريش، وهذا يقول: أنا من تميم، وهذا يقول: أنا من كذا، أنا من كذا؟ لا ليس هذا المراد، المراد التعارف أن يعرف الناس بعضهم بعضاً إذ لولا هذا الذي صيره الله عز وجل ما عُرِف الإنسان من أي قبيلة هو، ولهذا كان من كبائر الذنوب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه؛ لأنه إذا انتسب إلى غير أبيه غَيَّر هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو أنهم شعوب وقبائل من أجل التعارف، فيقال: هذا فلان بن فلان بن فلان إلى آخر الجد الذي كان أباً للقبيلة. {لِتَعَارَفُوا} أي: لا لتفاخروا بالأحساب والأنساب. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] :- ليس الكرم بأن يكون الإنسان من القبيلة الفلانية أو من الشعب الفلاني، الكرم هو: التقوى، وليس الكرم الذي هو كرم حقيقة إلا الكرم عند الله عز وجل، كرم الإنسان عند بني جنسه كَرَمٌ لا شك، ويُحْمَد عليه الإنسان إذا ابتغى به وجه الله؛ لكن الكرم الحقيقي النافع هو الكرم عند الله، وبأي شيء يكون؟ بالتقوى، كلما كان الإنسان أتقى لله كان عند الله أكرم، فإذا أحببتَ أن تكون كريماً عند الله عز وجل فعليك بتقوى الله عز وجل فكلها خير، كلها بركة، كلها سعادة في الدنيا والآخرة، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] . وما أكثر ما تَرِدُ على أسماعنا كلمة التقوى، فما هي التقوى؟ هل هي لفظ يجري على الألسن ويمر بالآذان؟ لا، يجب أن يكون لفظاً عظيماً موقراً معظماً محترماً. التقوى: أن تقوم بطاعة الله عز وجل، هذه هي التقوى، ابحث هل أنت قائم بطاعة الله؟! فأنت مُتَّقٍ، هل أنت مخالف؟! فأنت غير مُتَّقٍ، ويفوت الإنسان من التقوى بقدر ما خالف فيه أمر الله ورسوله. التقوى إذاً: طاعة الله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فإذا رأينا إنساناً يتقدم إلى المسجد ويصلي مع الجماعة، ويخشع في صلاته ويؤديها بكل فضيلة، وآخر بالعكس يصلي في بيته وصلاةً يقتصر فيها على الواجب، أيهما أتقى لله؟ الأول أتقى. إذاً: فهو أقرب عند الله، حتى لو كان مولىً من الموالي أو مولى الموالي، والآخر من أرفع الناس نسباً فإن الأتقى لله هو الأكرم عند الله عز وجل، كل إنسان يحب أن يُحْظَى عند السلطان في الدنيا وأن يكون أقرب الناس إليه، فكيف لا نحب أن نكون أقرب الناس إلى الله عز وجل وأكرمهم عنده؟! المسألة هوىً وشيطان وإلا لكان الأمر واضحاً. عليك بتقوى الله عز وجل لتنال الكرم عند الله. نستغفر الله ونتوب إليه. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] :- {عَلِيمٌ} بكل شيء؛ لأنه هنا مطلق، ولم يُقَيَّد بحال من الأحوال. {خَبِيرٌ} والخبرة هي: العلم ببواطن الأمور، العلم بالظواهر لا شك أنها صفة مدح وكمال؛ لكن العلم بالبواطن أبلغ، فيكون عليم بالظواهر، خبير بالبواطن، فإذا اجتمع العلم والخبرة صار هذا أبلغ في الإحاطة. وقد يقال: إن الخبرة لها معنى زائد على العلم؛ لأن الخبير عند الناس هو العليم بالشيء الحاذق فيه، بخلاف الإنسان الذي عنده علم فقط؛ ولكن ليس عنده حذق فإنه لا يسمى خبيراً، فعلى هذا يكون الخبير متضمناً لمعنىً زائدٍ على العلم. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) ثم قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات:14] . الأعراب: اسم جمع لأعرابي، والأعرابي هو ساكن البادية كالبدوي تماماً، الأعراب افتخروا فقالوا: آمنا، افتخروا بإيمانهم. فقال الله عز وجل: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- قيل: إن هؤلاء من المنافقين؛ لقول الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} [التوبة:101] ، والمنافق مسلم؛ ولكنه ليس بمؤمن، مسلم، لأنه مستسلم ظاهراً إذْ أن حال المنافق أنه كالمسلمين ولهذا لم يقتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مع علمه بنفاقهم؛ لأنهم مسلمون ظاهراً لا يخالفون، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] . وقيل: إنهم أعراب وأيضاً منافقون؛ لكنهم ضعفاء الإيمان، يمشون مع الناس في ظواهر الشرع؛ لكن قلوبهم ضعيفة، وإيمانهم ضعيف. فعلى القول الأول يكون قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] أنه لم يدخل أصلاً، هذا على القول بأنهم منافقون. وعلى الثاني: أي: لَمَّا يدخل الإيمان الدخول الكامل المطلق، عندهم إيمان؛ لكن لم يصل الإيمان إلى قلوبهم على وجه الكمال. والقاعدة عندنا في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين فإنها تُحْمَل عليهما جميعاً ما لم يتنافيا، فإن تنافيا طُلِب المرجَّح. {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} . {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني طاعتهم في الظاهر يحمل عليها الإيمان في الباطن. {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} {لا يَلِتْكُمْ} أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ لأن الله تعالى لا يظلم أحداً. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] أي شيء فإنه موفىً للإنسان، لكن سبحان الله رحمة الله سبقت غضبه، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] ويثاب عليه، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:8] وهل يعاقب؟ قد يعاقب وقد يعفو الله عنه. فالسيئات يمكن أن تمحى والحسنات لا يمكن أن تنقص، ولهذا قال: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} بعدها: ((إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) وسبق معنا هذين الاسمين الكريمين. ونقتصر على هذا القدر ويأتي إن شاء الله ما يستفاد من هذه الآية؛ لأنه قد حان وقت الأسئلة . الجزء: 125 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 125 ¦ الصفحة: 8 حكم اصطحاب الأطفال إلى المساجد السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم إحضار الصبيان الذين هم دون التمييز ممن يُلَبَّسُّون الحفائظ التي ربما يكون أو غالب ما يكون فيها النجاسة؟ وإذا حضروا هل يُطْرَدون أم لا؟ الجواب إحضار الصبيان للمساجد لا بأس به ما لم يكن منهم أذية، فإن كان منهم أذية فإنهم يُمنعون؛ ولكن كيفية منعهم أن نتصل بأولياء أمورهم ونقول: أطفالكم يشوِّشون علينا، يؤذوننا وما أشبه ذلك، ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل في صلاته يريد أن يطيل فيها، فيسمع بكاء الصبي فيتجوَّز في صلاته مخافة أن تفتتن الأم، وهذا يدل على أن الصبيان موجودون في المساجد؛ لكن كما قلنا: إذا حصل منهم أذية فإنهم يُمنعون عن طريق أولياء أمورهم؛ لئلا يحصل فتنة؛ لأنك لو طردت صبياً له سبع سنوات يؤذي في المسجد، وضربته سيقوم عليك أبوه؛ لأن الناس الآن غالبهم ليس عندهم عدل ولا إنصاف، ويتكلم معك وربما يحصل عداوة وبغضاء. فعلاج المسألة هو: أن نمنعهم عن طريق آبائهم حتى لا يحصل في ذلك فتنة. أما مسألة إحضاره فليس الأفضل إحضاره؛ لكن قد تُضْطَر الأم إلى إحضاره؛ لأنه ليس في البيت أحد وهي تحب أن تحضر الدرس، وتحب أن تحضر قيام رمضان وما أشبه ذلك. على كل حال: إذا كان في إحضاره أذية أو كان أبوه -مثلاً- يتشوش في صلاته بناء على محافظته على الولد فلا يأتي به، ثم إذا كان صغيراً عليه الحفائظ فلن يستفيد من الحضور، أما من كان عمره سبع سنوات فأكثر ممن أُمِرْنا أن نأمرهم بالصلاة، فهم يستفيدون من حضور المساجد؛ لكن لا تستطيع أن تحكم على كل أحد، قد تكون أم الولد ليست موجودة ميتة، أو ذهبت إلى شغل لابد منه، وليس في البيت أحد فهو الآن بين أمرين: إما أن يترك صلاة الجماعة ويقعد مع صبيه، وإما أن يأتي به، فيُرَجِّح، يَنْظُر الأرجح. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 9 شروط الالتحاق بالدراسة بمركز الشيخ ابن عثيمين السؤال أحسن الله إليكم، شاب يريد أن يطلب العلم عندما يحفظ كتاب الله وشيئاً من المتون، يرغب منكم النصيحة في منهج الطلب؛ مع رغبته في حضور الدروس عندكم خاصة في العطلة الصيفية؟ الجواب نحن نرحب بكل إنسان يأتي إلى بيت العلم لا نمنع أحداً؛ لكن أهم شيء عندي هو: إن كان من غير السعوديين، فلا بد من إحضار ما يثبت إقامته، وأنه على جهة رسمية؛ لأنه حصل أن بعض الناس ليس عندهم إقامة، وصار في ذلك إشكال وأخذ ورد مع المسئولين. والشيء الثاني: أن يكون هناك تزكية من بعض الناس المعروفين عندنا، من أجل أن يطمئن الإنسان أكثر. ونحن بارك الله فيك دروسنا ثابتة، يعني لا نغيرها لحضور أناس جدد؛ لأننا لو بقينا نغيرها كلما حضر أناس جدد، معناه: أننا لن نتقدم، وفي الطلبة أناس قد تقدموا وأدركوا -مثلاً- جزءاً كبيراً من العلم فلا يحبون أن يرجعوا إلى الوراء؛ لكن يوجد من الطلبة الكبار عندنا من يجلس مع الطلبة المبتدئين ويدرسهم بما يناسب. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 10 حكم البيع بالتقسيط والإسقاط من المؤجل السؤال فضيلة الشيخ! البيع بالتقسيط أو بالمؤجل وهو يملك -مثلاً- سيارة! هذا الأمر الأول. والأمر الثاني: إذا أراد المشتري أن يسدد بقية القيمة بعد سنة أو بعد فترة هل يؤخذ عليه مع الفترة هذه؟ الجواب يعني يسأل عن سؤالين: السؤال الأول: هل يجوز أن يبيع السلعة بثمن مؤجل على أقساط، كل سنة يحل من الثمن؟ هذا جائز ولا بأس به، لعموم قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] لكن لا بد أن تكون السلعة عند البائع. وثانياً: لا بد أن يكون المشتري قد أراد السلعة نفسها لينتفع بها بالتأجيل أو غير التأجيل، أما إذا أراد السلعة؛ واشتراها ليبيعها ويأخذ ثمنها ينتفع به، فهذه مسألة تسمى عند العلماء مسألة التَّوَرُّق وفي جوازها خلاف بين أهل العلم: فشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من العلماء يقولون: هذا حرام؛ لأنه حيلة على بيع الدراهم بالدراهم بدخول هذه السلعة. ومنهم من قال: إنه جائز بشرط أن يكون هناك حاجة ولا يجد أحداً يقرضه. والأمر الثاني في السؤال: لو أراد الذي اشتراها بثمن مؤجل إلى كل سنة بكذا وكذا، لو أراد أن ينقد الثمن في السنة الأولى مثلاً، فهل يُنَزَّل عنه من الثمن لقاء تعجيله أم لا؟ نقول: هذا أيضاً محل خلاف بين العلماء: من العلماء من يقول: لا يصح أن يسقط من المؤجل شيئاً؛ لأنه صالح عن بعض ماله ببعض. والصحيح: أنه يجوز، أي: يجوز لمن عليه دين مؤجل أن يتفق مع صاحب الدين على أن يُحْضِره مع إسقاط شيء يقابل بقية الأجل. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 11 تقديم حفظ القرآن والاعتناء به أكثر من المتون السؤال فضيلة الشيخ! شاب يريد طلب العلم: هل من الأفضل له حفظ القرآن أولاً، أم يبدأ في حفظ المتون ويأخذ قليلاً قليلاً من القرآن؟ الجواب أرى أن يجمع بين الأمرين، ويجعل الأكثر للقرآن، طالب العلم يبدأ بالقرآن أولاً قبل كل شيء فيحفظه ويتفهم معناه؛ ويجعل معه جزءاً من وقته للعلوم الأخرى. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 12 حقيقة من يُرفع عنهم القلم السؤال فضيلة الشيخ! هل السفيه مرفوع عنه القلم؟ الجواب القلم مرفوع عن ثلاثة: - عن الصغير حتى يبلغ. - وعن المجنون حتى يفيق. - وعن النائم حتى يستيقظ. المجنون ليس معناه الذي يخلع ثيابه ويمشي عرياناً بين الناس، لا. المجنون: فاقد العقل، حتى ولو كان من أهدأ الناس وأسكن الناس؛ لكن ليس عنده تمييز فهذا ليس عليه شيء، يسقط عنه التكليف، لا في الصلاة، ولا في الطهارة، ولا في الصيام، إلا الزكاة فلا بد منها؛ لأن الزكاة في المال. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 13 حكم ترتيب القرآن في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! رجل صلى صلاة جهرية وقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة عم، وفي الركعة الثانية سورة القيامة، السؤال: هل ترتيب القرآن في الصلاة واجب؟ الجواب الترتيب ثلاثة أنواع: - ترتيب الكلمات. - وترتيب الآيات. - وترتيب السور. أما ترتيب الكلمات والآيات فهذا بالإجماع أنه واجب، فيحرم على الإنسان أن يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2] هذا بالاتفاق، وكذلك ترتيب الكلمات لو قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] الرحيم الرحمن، هذا أيضاً حرام بالاتفاق. ترتيب السور ليس حراماً ولكنه مخالف لهدي الصحابة رضي الله عنهم؛ الذين كادوا يجمعون عليه في عهد عثمان رضي الله عنه، حيث رتب القرآن هذا الترتيب الذي بين أيدينا، ولهذا قال العلماء: يُكْرَه للإنسان أن يخالف هذا الترتيب. وبناء على هذا القول: تكون قراءة هذا الرجل في الركعة الأولى: عم، وفي الثانية: سورة القيامة، تكون مكروهة، هذا إن قلنا: إن قراءة الصلاة واحدة في الركعتين؛ لأن من العلماء من يقول: كل ركعة لها قراءة منفردة، وعلى هذا فلا بأس. والذي يظهر لي: أن الأَولى أن نرتب في الركعة الواحدة والركعتين اتباعاً للمصحف. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 14 ذبح الشاة المريضة وقاية للمال السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان عندي شاة مريضة ولا أريد أن آكلها بعد ذبحها، فهل الأولى ذبحُها أو تركها تموت من نفسها؟ الجواب يُنْظَر إذا كان مرضها سيطول ويؤدي ذلك على أن تخسر عليها دراهم؛ لأنك مطالب بالإنفاق عليها ورعايتها فهنا لا بأس أن تقتلها لأجل وقاية المال؛ لأن بذل المال فيها إضاعة له وإضاعة المال منهي عنه، فتقتلها لتستريح منها، وكذلك لو كانت متألِّمة جداً فإن بعض أهل العلم يقول: لا بأس أن تقتل لإراحتها، هذا إذا كانت تحت حوزتك وملكك، أما إذا كانت بهيمة أنت غير مسئول عنها فدعها مثل: لو وجدنا -مثلاً- في الشارع بهيمة لا ندري لمن هي، وهي مريضة متألمة، فالإحسان عليها لا شك أنه خير؛ لكنه ليس بواجب. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 15 الصوم المخصص بيوم لا يقضى السؤال فضيلة الشيخ! امرأة نوت صيام يوم عاشوراء وجاءتها العادة هل تقضي هذا اليوم أم لا؟ الجواب لا تقضيه؛ لأن هذا صوم مخصص بيوم معين إن أدركتَه فافعلْه وإلا فلا شيء عليك؛ لكن أرجو أن يكتب لها الأجر إن شاء الله تعالى ما دامت قد نوت وعزمت، ولكن حال بينها وبين الصيام عذر شرعي. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 16 من جاء إلى مكة لقضاء طواف الإفاضة فإنه يبدأ بالعمرة ثم القضاء السؤال من رجع إلى مكة ليقضي طواف الإفاضة قالوا: يدخل بإحرام بعمرة، بأيهما يبدأ: بقضاء طواف الإفاضة، أم بطواف العمرة؟ الجواب إذا نسي طواف الإفاضة أو أخل به على وجه لا بد أن يعيده، ووصل إلى بلده فإنه يرجع بعمرة، فيحرم من الميقات ويطوف ويسعى ويقصر للعمرة ثم بعد ذلك يأتي بالطواف، وإنما قيل ذلك؛ لأنه مر بالميقات وهو يريد نُسُكاً فيكون كالذي أراد العمرة والحج، وقد وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة. وقد صرح العلماء رحمهم الله بأنه لو أتى بالعمرة بعد التحلل الأول كانت صحيحة الجزء: 125 ¦ الصفحة: 17 جواز خروج المرأة المحادة للحاجة السؤال فضيلة الشيخ! هل للمرأة المحادَّة مواصلة دراستها؟ الجواب المرأة المحادَّة الواجب أن تبقى في بيتها؛ لكن لها أن تخرج إلى الحاجة في النهار، ومواصلة الدراسة من الحاجة، لا سيما إذا كان وقت اختبارات، فإنها محتاجة إلى حضور الدروس، فلا حرج عليها أن تخرج؛ لكنها تخرج بثياب غير جميلة ثياب بذلة، وليس عليها حلي ولا تكتحل ولا تتطيب. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 18 حكم البيع والشراء بالأسعار الخيالية السؤال يوجد الآن من يشتري ويبيع في الماعز بأسعار خيالية، على سبيل المثال: بخمسة آلاف ريال، وعشرة آلاف، ومليون، وخمسمائة ألف ريال، وهناك قول الله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ، فما قولك؟ الجواب يا أخي هذه مشكلة علينا؛ لأنهم يجعلون هذه ورقة ربح؛ لأن هذه الماعز أو الشاة لا تساوي هذه القيمة، هل لحمها شفاء من كل داء؟ أو لبنها شفاء من كل داء؟ لكن هذا مجرد تلاعب في الأرباح، وحقيقة أني أود أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع. هم يقولون: إذا قُطِّعت آذانها فإنها تكون أعظم، ولعلها إذا قُطِّعت الأيدي والأرجل تكون أغلى بَعْدُ. على كل حال: قد يأتي رجل مسكين ويبذل فيها مليوناً، وتأتيها آفة تقضي عليها بلَيْلَة مثل الحصبة. أو يجيء إنسان عدو له ويقتلها من غير أن يُشار به، فأنا أَوَدُّ أن الجهات المسئولة تتدخل في هذا الموضوع لتمنع هذا التلاعب بأموال الناس. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 19 الأجر الكامل لمن شهد الصلاة على الجنازة ودفنها السؤال فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صلى على جنازة فله قيراط، ومن حضرها حتى تُدْفَن فله قيراطان، قيل: ما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد) لكن السؤال: بعض الناس يحضر الجنازة ويذهب قبل أن يكمل دفنها فهل ينال الأجر؟ الجواب ظاهر الحديث: (مَن شهدها حتى يُصَلَّى عليها) أن هذا الرجل صَحِبَها من بيتها؛ لأن الميت ميت؛ جنازة من حين يموت، وقوله: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يدل على أن هناك غاية وأن الإنسان أكرم هذا الميت فمشى معه من البيت إلى المسجد ثم إلى المقبرة، لكن قد يقول قائل: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى يُصَلَّى عليها) يشمل من انتظر في المسجد حتى تأتي ويُصَلَّى عليها، ونرجو من الله الخير. أما أن ينصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لا يحصل على الأجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من شهدها حتى تُدْفَن) وإذا انصرف قبل أن يتم دفنها فإنه لم يشهدها حتى تُدْفَن، فلا يكتب له هذا الأجر. وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن القيراطين؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) وفي رواية أظنها لمسلم: قال: (أصغرهما مثل جبل أحد) . الجزء: 125 ¦ الصفحة: 20 الفضل في الدنيا يكون بالجنس وفي الآخرة بالتقوى السؤال فضيلة الشيخ! كيف التوفيق بين قول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وبين ما هو ثابت من أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وكذلك فضل قريش على سائر العرب, وكيف نوفق بين هذا؟ وجزاكم الله خيراًَ. الجواب أقول: لا تناقض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) ، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن: (خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية) وعلى هذا فأكرم الناس من قريش أتقاهم لله، وأكرم الناس من تميم أتقاهم لله، وهَلُمَّ جَرَّاً. أما الجنس فالجنس شيء آخر، فجنس العرب أفضل من جنس العجم، لا شك، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهنا الخيار يعني بين الناس من هؤلاء، أما عند الله فأكرمهم أتقاهم، حتى وإن كان من الجنس المفضَّل. يعني: في الجنس فضَّل قريشاً على العرب الآخرين أما عند الله فأكرمهم أتقاهم. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 21 لا قضاء ولا كفارة على من أفطر في صيام النفل السؤال رجل صام يوم عاشوراء وعمله شاق قليلاً، ثم أفطر في نفس اليوم هل عليه قضاء أو كفارة؟ أحسن الله إليكم. الجواب ليس عليه قضاء خصوصاً إذا كان النفل مقيداً بيوم معين ثم فات، أما لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصام أحد الأيام وحصل عليه مشقة وأفطر فهنا يصوم يوماً بدله من أجل أن يستكمل صيام ثلاثة أيام. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 22 حكم العمليات الاستشهادية السؤال ماذا تقول في العمليات الانتحارية في فلسطين؟ هل هم شهداء؟ الجواب هذه سبق الجواب عليها وقلنا: إن هذا الذي يفعل ذلك قد قَتَل نفسه وأنه معذَّب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذا حرام عليه؛ لأن الله قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] ؛ لكن هؤلاء الجهال الذين فعلوا ما فعلوا إذا كانوا جاهلين ويظنون أن هذا يقربهم إلى الله عز وجل، فإني أرجو ألا يعذبوا بهذا العذاب؛ لكن ليس لهم أجر؛ لأن ما فعلوه إثماً لو تعمدوا ذلك لكنهم متأولون فيُعفى عنهم، ثم إننا لا نتدخل في النيات، هل هذا لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا أو انتقاماً لأنفسهم فقط؟ لا ندري هذا شيء علمه عند الله؛ لكن يجب أن نلاحظ الفرق بين من يقاتل العدو انتقاماً وبين من يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، مَن الذي في سبيل الله؟ مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أما مَن قاتل انتقاماً لنفسه من قوم اعتدوا عليه فهذا لا يكون مقاتلاً في سبيل الله، لذلك يجب علينا أن نتعقل لئلا يفوتنا النصر، فإن فوات النصر للأمة الإسلامية التي تبلغ ملايين الملايين على طغاة من اليهود أو الوثنيين أو غيرهم أسبابها أنهم ما مشوا على ما ينبغي، أولاً: المعاصي عندهم كثيرة والإهمال كثير، وتجد الواحد منهم يذهب -مثلاً- يقاتل العدو لكنه لا يصلي، هو نفسه لا يصلي، فلا بد أن نجاهد أنفسنا قبل كل شيء، ونصحح مسيرتنا إلى الله عز وجل قبل أن نقاتل؛ وأن نحاول تصحيح مسيرة غيرنا. على كل حال الجواب باختصار: إن الانتحار حرام، وأن من فعله فقد قتل نفسه وعرض نفسه للعقوبة العظيمة فإنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً؛ لكن من فعله عن جهل أو تأويل فإننا نرجو من الله سبحانه وتعالى ألا يلحقه هذا العقاب. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 23 أساليب الدعوة إلى الله السؤال الدعوة إلى الله من أهم الأمور وخاصة إذا كان الإنسان إمام مسجد، أو أن عنده شيئاً من العلم، وكما تعلمون في الأحياء الجديدة، أو أطراف المدن، أو في الهِجَر يجد الإنسان أن بعض الناس لا يأتي إلى المسجد، ومنهم من يقصر في السنة، ومنهم من يقصر في الصلاة، ومنهم من يقصر في أمور كثيرة من أمور الدين، فكيف تكون المعاملة مع هؤلاء إذا دُعِي الإنسان إلى بيت كمثال، يجد أن الأب يأتي إلى المسجد وأبناءه الكبار لا يأتون، أو الأقارب الذين لا بد من الاجتماع بهم في المناسبات لكونهم من الأرحام يجب صلتهم، وهؤلاء بعض أبنائهم لا يأتون إلى المسجد؟! فكيف يكون؟ يعني: هل يستخدم التوبيخ والشدة أو أنه يصبر أو ما السبيل إلى ذلك؟ الجواب قال الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، والعشيرة تنقسم إلى قسمين: قسم لك ولاية عليهم مباشِرة، كأولادك وأهلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) . وقسم آخر من العشيرة منفصلاً عنه، ولست مسئولاً عنه سؤالاً مباشراً. فأما الأول فإن مسئوليتك نحوه أبلغ من الثاني، والثاني له عليك مسئولية أبلغ من الأجانب الذين ليس بينك وبينهم قرابة، والجيران أبلغ ممن ليس بجار. فعليك أن تؤدي لكل إنسان حقه، وأن تكون دعوتك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن تستعمل العنف إذا كان أنفع، واللين إذا كان أنفع، فمن المعلوم -مثلاً- أن دعوة الإنسان لأهله الذين له الولاية المباشرة عليهم ليست كدعوته للأجانب، الأولون قد تستعمل معهم الشدة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (واضربوهم عليها لعشر) لكن الآخرين لا تستعمل الشدة، استعمل الرفق واللين، وكم من كلمة لينة جذبت من كان بعيداً عن الحق، والإنسان العاقل يستعمل ما يرى أنه أصلح، فليس هناك ضابط يستوي فيه الناس كلهم. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 24 حكم إفراد السبت بصيام السؤال امرأة طهُرت يوم الجمعة وكان الوقوف بـ عرفات يوم السبت، هل يجوز صيام السبت إفراداً؟ الجواب صوم يوم السبت إذا كان لسبب فلا بأس مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء، أو يكون ممن يصوم يوماً ويفطر يوماً فيصادف صيامه يوم السبت فهذا لا بأس به؛ لكن لو أفرده لغير سبب فمن العلماء من قال: لا بأس به أيضاً؛ لأن الذي ورد النهي عن صيامه على وجه صحيح أو بدليل صحيح هو يوم الجمعة، أما يوم السبت فالحديث الوارد فيه قال: إن هذا حديث شاذ ولا يُعْمَل به، وممن قال به شيخنا عبد العزيز بن باز وفقه الله ورحمه يقول: إن النهي عن صوم يوم السبت حديث شاذ لا عمل عليه، وذلك لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فإن (النبي صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأته جويرية وهي صائمة يوم الجمعة قال: أصمتِ أمسِ؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) دليل واضح على أن صوم يوم السبت ليس به بأس، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة القوية إذا جاء حديث يخالفها وهو أضعف منها يعتبر شاذاً كما هي القاعدة في مصطلح الحديث: أن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه. وعلى هذا فيكون صيام يوم السبت ليس مكروهاً مطلقاً سواء ضم إليه ما قبله أو ما بعده أو لم يضم، وسواء كان له سبب أم لم يكن. وعلى هذا فنقول: إذا صام يوم السبت فلا حرج عليه؛ لكن الإمام أحمد رحمه الله في المشهور عند أصحابه يقول: إن إفراد يوم السبت لغير سبب مكروه، وإذا صام إليه يوماً آخر إما الجمعة أو الأحد فلا بأس به، كما أنه إذا كان لسبب فلا بأس به. ولعل هذا أقرب الأقوال لئلا نلغي حديث النهي عن صوم يوم السبت، فيقال: من صام يوم السبت لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه لا نقول: لا يجوز، نقول: منهي عنه، ومن صامه لسبب أو ضم إليه غيره فلا بأس به. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 25 حكم من يترك المعصية حياءً من الناس لا خوفاً من الله السؤال فضيلة الشيخ! رجل مسلم لا يمنعه عن فعل المعصية إلا حياؤه من الناس، وليس رجاء ما عند الله أو الخوف من عقابه؟ الجواب هذا ليس له شيء، يعني: ليس له أجر قطعاً؛ لكن هل يكون عليه إثم؟ هذا محل تردد. قد يقال: إن عليه إثماً؛ لأنه تقرب إلى المخلوقين بطاعة الله عز وجل أو بترك معصيته، وقد يقال: ليس عليه إثم؛ لأن الله عز وجل شرع الحدود والعقوبات ردعاً للعصاة، ومعلوم أن العاصي قد يمنعه عن المعصية الخوف من هذه العقوبات، دون أن يكون على باله الخوف من الله عز وجل. فعلى كل حال: ندعو مثل هذا الرجل إلى إخلاص النية لله عز وجل، وأن تكون طاعته تقرباً إلى الله، وتركه المعصية خوفاًَ من الله. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 26 أقوال أهل العلم في أم الزوجة من الرضاع هل هي محرم للزوج أم لا؟ السؤال فضيلة الشيخ: أم الزوجة من الرضاع هل تكون محرماً للزوج؟ الجواب نعم. أكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة يقولون: إن أم الزوجة من الرضاع كأمها من النسب. فزوج ابنتها من الرضاع محرم لها كزوج ابنتها من النسب، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن أم الزوجة من الرضاع ليست كأمها من النسب وإن زوج ابنتها من الرضاع ليس محرماً لها، واستدل بنفس الحديث، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . ومعلوم أن أم زوجتك حرام عليك لكن بأي سبب: بالنسب أو بالمصاهرة؟ بالمصاهرة، وإذا كانت بالمصاهرة فقد دل الحديث بمفهومه أنها ليست محرماً لك، وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أقرب للصواب: أن أم زوجتك من الرضاع وبنت زوجتك من الرضاع ليست من محارمك. يبقى النظر: هل يجوز للإنسان إذا ماتت زوجته أن يتزوج أمها من الرضاع أو ابنتها من الرضاع؟ نقول: شيخ الإسلام رحمه الله يقول: نعم. يجوز؛ لأنها ليست محرماً له، لكني أقول أنا من باب الاحتياط: ألا يتزوجها؛ لأن الخلاف الكبير الذي في هذه المسألة قد يوجب للإنسان التوقف في حِلِّها له. فإذا قال قائل: كيف تقولون: لا يتزوجها وتقولون: إنها ليست من محارمه؟ وهل هذا إلا نوع من التناقض؟ نقول: لا بأس عند الاحتياط من أن نجمع بين الحُكْمَين، ودليلنا في هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للغلام الذي تنازع فيه عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص قضى به لمن؟ قضى به لـ زمعة فيكون أخاً لـ سودة؛ وسودة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شَبَهاً بيِّناً بعتبة في هذا الغلام قال لزوجته: (احتجبي منه) ، فهنا جمع بين حُكْمَين مختلفَين متناقضَين من أجل الاحتياط. فأرى في هذه المسألة: أن أم الزوجة من الرضاع وبنت الزوجة من الرضاع ليست محرماً كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لكني أرى من باب الورع والاحتياط ألا يتزوجها إلا في حالة واحدة: إذا لم يبقَ من بنات آدم إلا هذه المرأة فحينئذ يتزوجها. والرضاع لا يؤثر بالميراث اتفاقاً، ولا بوجوب النفقة، ولا بوجوب تحمل العاقلة، ولا غيرها. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 27 أنواع صبغ الشعر وحكم كل نوع السؤال يدور حول صبغ الشعر بالسواد، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: هل يجوز لمن كان شعره أسود أصلاً أن يصبغه بالسواد تقوية لهذا النوع وتجميلاً؟ القسم الثاني: إذا كانت المرأة أصل شعرها أسود فغيرته إلى لون آخر كالأصفر أو الأحمر، ثم أرادت أن ترجع لون شعرها الأصلي الأسود هل يجوز لها أن تصبغ بالسواد؟ القسم الثالث بارك الله فيك: هل يجوز الصبغ بالحناء السوداء بما يسمى بالخضاب الأسود؟ الجواب أما الصبغ بالسواد لمن أصابه الشيب، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير الشيب وقال: (جنبوه السواد) وورد أيضاً حديث فيه الوعيد على من فعل ذلك، ولأن فيه مناقضة لخلق الله عز وجل. أما من صبغ بالأسود ليزداد سواده فلا أظنه مثل هذا؛ لأن الأصل أن الشعر أسوداً؛ لكن مع ذلك أرى ألا يفعل. وأما من صبغ الأسود بلون آخر، ثم أراد أن يرده إلى الأسود فهذا لا بأس به؛ لأنه إنما رده على خلقته الأولى. أما من جهة الحناء السوداء فهي سواد، ولكن ينبغي أن يَخْلِط هذا الحناء الأسود بحناء أصفر حتى يكون اللون بنياً ليس أسود خالصاً. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 28 ضعف حديث أن الرجل يدعى بأمه يوم القيامة السؤال اشتهر عند كثير من الناس أن يوم القيامة يُدْعَى أي أحد بأمه! فهل هذا صحيح؟ الجواب ليس بصحيح، فإنه ثبت في البخاري وغيره (أن لكل غادر لواءً يوم القيامة ينادَى: هذه غدرة فلان بن فلان) وبهذا نعرف ضعف حديث أبي أمامة في تلقين الميت بعد دفنه أنه إذا دفن الميت يوقف عليه ويقال: يا فلان بن فلانة، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم بقية التلقين، فإن هذا ليس بصحيح، وعليه فيكون هذا التلقين بدعة، والصحيح: أنه إذا دُفِن الميت فإن الإنسان يقف على قبره ويستغفر له، يقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل) . الجزء: 125 ¦ الصفحة: 29 الخروج من المسجد بنية الرجوع عن قريب لا يلزم تحية المسجد السؤال فضيلة الشيخ! دخلتُ المسجد وصليتُ ركعتين تحية المسجد وخرجتُ بنية الرجوع، فإذا رجعتُ هل يلزمني أن أصلي ركعتين؟ الجواب إذا خرج الإنسان من المسجد بنية الرجوع فإن رجع عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد، مثل لو خرج للوضوء ورجع، أو خرج يأتي بكتاب من البيت ورجع، أو خرج يكلم إنساناً ورجع، هذا لا يصلي؛ لأن الوقت قصير، أما إذا طال الوقت فليصل ركعتين، كلنا إذا صلينا الظهر نخرج من المسجد بنية الرجوع إلى صلاة العصر، فهل نقول إذا رجعنا لصلاة العصر: لا نصلي؟ لا. نصلي. المهم أنه إذا كان لشغل يرجع به قريباً، فهذا لا يصلي اكتفاء بالأول. والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن للمعتكف أن يخرج للحاجة إلى بيته ثم يرجع، فدل هذا على أن الخروج اليسير لا يعتبر خروجاً من المسجد، فكأن هذا الذي خرج من المسجد وهو بنية الرجوع عن قرب، كأنه لم يخرج منه. الجزء: 125 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [126] هذا اللقاء أكمل فيه الشيخ تفسير قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا. ) فذكر الشيخ أن الأعراب هم أهل البادية، والغالب عليهم أنهم لا يعرفون حدود ما أنزل الله، وذكر معنى قوله تعالى: (ولما. ) وأنها إذا أتت بدل لم يكن ذلك دليلاً على قرب وقوع ما دخلت عليه، ثم فصّل الكلام على مسألة الفرق بين الإسلام الإيمان وأنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والعشرون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام (1417هـ) . نكمل الكلام على قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] :- الأعراب هم: سكان البادية، والغالب عليهم أنهم لا يعرفون حدود ما أنزل الله على رسوله فيقولون: آمنا، فقال الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} . الجزء: 126 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) قال تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- ووجه ذلك: أن الإيمان في القلب، وهو صعب، والإسلام علانية في الجوارح، وكل إنسان يمكن أن يعمل في جوارحه عملاً متقناً من أحسن ما يكون. فلقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج أنهم يقرءون القرآن، وأنهم يصلون، وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته عند صلاتهم وقراءته عند قراءتهم، ومع ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنهم يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم -نسأل الله العافية- وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) . وهذا يدل على أن الإسلام يستطيعه كل إنسان، كل إنسان يمكن أن ينافق، يمكن أن يصلي ويسجد ويقرأ ويصوم ويتصدق وقلبه خالٍ من الإيمان، ولهذا قال: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} هنا التعبير {وَلَمَّا يَدْخُلِ} ولم يقل: ولم يدخل، قال العلماء: وإذا أتت لَمَّا بدل لَمْ كان ذلك دليلاً على قرب وقوع ما دخلت عليه. فمثلاً إذا قلت: فلان لَمْ يدخل القرية ولَمَّا يدخلها، أي: أنه قريب منها. وكذلك قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص:8] أي: لم يذوقوه ولكنه قريب منهم. هنا قال: {لَمَّا يَدْخُلِ} أي: ما دخل الإيمان في قلوبهم ولكنه قريب من الدخول. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] :- إن أطعتم الله ورسوله بالقيام بأمره واجتناب نهيه فإنه لن ينقصكم من أعمالكم شيئاً، بل سيوفرها لكم كاملة كما قال الله تبارك وتعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] كل إنسان سيجد عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن الله غفور رحيم) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:14] :- ختم الآية بالمغفرة والرحمة إشارة إلى أن هؤلاء الذين قالوا: إنهم آمنوا قريبون من المغفرة والرحمة؛ لأنهم لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولكنه قريب من دخولها. هنا فرَّق بين الإسلام والإيمان، وكذلك في حديث جبريل فرَّق بين الإسلام والإيمان، ففي حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإسلام؟ -ماذا قال؟ - قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ، في الإيمان ماذا قال له؟ قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) ففرق بين الإسلام والإيمان. وفي أدلة أخرى يجعل الله الإيمان هو الإسلام والإسلام هو الإيمان، فهل في هذا تناقض؟ الجواب لا. إذا قُرِن الإسلام بالإيمان صارا شيئين، وإذا ذكر الإسلام وحده أو الإيمان وحده صارا بمعنى واحد، ولهذا نظائر في اللغة العربية كثيرة، ولهذا قال أهل السنة والجماعة: إن الإسلام والإيمان شيء واحد إذا افترقا، وشيئان إذا اجتمعا، أي: إذا ذُكِرا في سياق واحد فهما شيئان، وإن ذُكِر أحدهما دون الآخر فهما شيء واحد، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّد أعمالاً هي من الإسلام وجعلها من الإيمان فقال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلا الله. ) مع أنها من الإسلام، (قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله) ، ( … وأدناها إماطة الأذى عن الطريق … ) وإماطة الأذى عن الطريق من الإسلام؛ لأنها عمل من أعمال الجوارح ( … والحياء شعبة من الإيمان) هذا في القلب. والمهم: أن الإيمان والإسلام شيء واحد إذا افترقا، وشيئان إذا اجتمعا. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 126 ¦ الصفحة: 6 الحكم فيمن أتى بالاستعاذة بعد تكبيرة الإحرام مباشرة السؤال فضيلة الشيخ! ما الحكم فيمن يكبر ويقول بعد تكبيرة الإحرام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وذلك ليتجنب وساوس الشيطان؟ الجواب السنة بعد تكبيرة الإحرام أن يستفتح، فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ، أو يقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هذا هو السنة. ومن يبدأ بالاستعاذة يقال له: خالفتَ السنة، ما بينك وبين الاستعاذة إلا أن تقول الاستفتاح، اقرأ الاستفتاح ثم استعذ. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 7 جواز الصلاة في الشارع إذا لم يتسع المسجد السؤال فضيلة الشيخ! تَكْثُر في بعض القرى المساجد الصغيرة، التي لا تتحمل إلا صفاً أو صفين أو ثلاثة، فربما يكون صاحب هذا البيت عنده وليمة عشاء أو غداء، لا يسعهم هذا المسجد لِضِيْقِه، فهل يصلون في الحوش عنده في المجلس الكبير الذي يسعهم؟ الجواب هل يصلح أن نقول: إذا ضاق المسجد عن أهله، فهل يصلون في الحوش الذي بجوار المسجد؟ نقول: لا. إذا ضاق المسجد عن أهله يصلون ولو في الشارع، وذلك من أجل أن تتصل الصفوف؛ لأنه لو صلى في البيت ما صار مع الجماعة في الواقع، فيصلون ولو في المسجد من أجل اتصال الصف. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 8 حكم من صلى بالناس وهو جنب ناسيا ً السؤال فضيلة الشيخ! إمام مسجد، وجامَع زوجتَه وصلى بالناس صلاة الصبح والظهر والعصر ولم يتذكر أنه جنب إلا وقت المغرب. فماذا عليه؟ نقول: عليه أن يغتسل ويعيد صلاته، وأما الجماعة فلا شيء عليهم. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 9 حكم زيارة القريب إذا كان لا يستفيد من الزيارة ولا يعرف من الزائر السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان لي عم فاقد العقل، فهل تجب زيارته إذا كان هو لا يستفيد من الزيارة، ولا يعرف مَن أنا؟ الجواب نعم. إذا كان لك عم ليس عاقلاً فزره لأجل أن تطمئن عليه، ليس بشرط أن يكون عارفاً بك، لكن زره من أجل الاطمئنان عليه، ومن أجل أن يعلم أقاربه بأنك واصلٌ لرحمك. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 10 صلة الرحم ليس لها فترة زمنية محددة السؤال هل لصلة الرحم حد بالنسبة للمدة؟ الجواب يجب أن نعلم قاعدة مفيدة لطالب العلم ولغير طالب العلم، وهي: إذا ذكر اللهُ شيئاً ولم يحدده فإنه يرجع إلى عادة الناس وأعراف الناس، صلة الرحم جاءت في القرآن والسنة غير محددة فترجع إلى عادة الناس، وعادة الناس تختلف باختلاف الأزمان، وباختلاف البلدان، وباختلاف الأحوال، فمثلاً: في بعض البلاد لا بد أن تزور قريبك كل شهر، فإن لم تفعل فأنت قاطع، وكذلك عند بعض القبائل، وكذلك -أيضاً- في الأزمان في بعض الأحيان، يكون الناس في حاجة إلى التواصل وألا يتأخر أحد عن الآخر، وفي بعض الأحوال لا، كذلك -أيضاً- القريب قد يكون مريضاً يحتاج إلى التكرار وصلته، وقد يكون فقيراً يحتاج إلى إعانته بالمال، المهم ما دامت الصلة لم تُحَدَّد لا في القرآن ولا في السنة، فإنه يُرْجَع فيها إلى ما يتعارفه الناس، في الوقت الحاضر تستطيع أن تصل أقاربك في الهاتف، لو تتصل كل يوم، لكن من المعلوم أنك لو اتصلت كل يوم قد يملون هم، لو جعلتها أسبوعياً أو نصف شهر أو شهرياً حسب الحال، ثم أيضاً الأقارب يختلفون بالقرب، يعني: ليس ابن العم كالأخ. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 11 كيفية تصرف الوكيل في أموال الناس السؤال أنا عندي أثلاث أموال، يعني: دراهم، أجعلها في تجارة السيارات، وسألت عن السيارة من يوم أن أسلم دراهمها، وآخذ مفتاحها ويكفي، أو نحركها، وهل ثمنها المكسب له حدٍ بيِّن، وما عاد عليه الزكاة على رأس الحول أو كلما حصل فلي شيءٌ منها؟ الشيخ: هذه الأثلاث التي عندك هل هم ذكروا شيئاً معيناً توضع فيه أم هي على رأيك؟ السائل: هؤلاء باقي منهم أحياء وبعضهم توفي وله أيتام، جمعنا أموالهم لننميها لهم. الجواب أما من جهة الأحياء التي يهبونها لله، فهذه أحسن ما نرى فيها الآن أن يُبْنَى بها مساجد إن تحمَّلَت بناء المسجد كاملاً فهذا المطلوب، وإن لم تتحمل فالمشاركة فيه؛ وذلك لأمور: أولاً: أن المسجد أجره في الليل والنهار، الناس يصلون فيه في النهار، ويصلون فيه في الليل، وطلاب العلم يجلسون فيه يتذاكرون العلم، وحلق القرآن كذلك يدرسون فيه ويتلون كتاب الله. ثانياً: أن فيه راحة للإنسان في حياته وبعد مماته، الإنسان ما دام هو حي ربما يعني: يمشي جيداً في تنفيذ الثلث؛ لكن إذا مات ربما يهلك هذا الثلث، ولا أحد يقوم به على الوجه المطلوب. ثالثاً: أن المسجد يؤدَّى فيه شعائر الإسلام، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين هي: الصلاة التي تؤدَّى فيه، وينال باني المسجد من أجر هؤلاء المصلين ما ينالهم من الثواب، فهي أفضل، ولهذا أنا أشير على كل إنسان عنده مال يريد أن يوصي به، أن يصرفه في بناء المساجد، أحسن له ولذريته، ولئلا يقع النزاع أو يتلف الثلث فيما بعد. أما بالنسبة لأموال اليتامى: فلا تُجْعَل في المساجد، الواجب على الولي أن يتَّجر بها إذا كان هذا أحسن، وإن لم يكن أحسن أبقاها، الحمد لله، ولْتَبْقَى حتى يأكلوها وتفنى والله يرزق من يشاء بغير حساب. وربما يكون من المصلحة أنك تساهم في أراضٍ -مثلاً- إذا كان للأرض مستقبل وتساهم ويجيء الله بالرزق، تساهم مع إنسان مثلاً: ثقة، تعطيه ما تيسر وتقول: يا فلان! خذ هذا بِعْ به واشترِ، والمكسب بيننا أنصافاً أو أرباعاً أو أثلاثاً، أما مسألة بيع السيارات فأنا أشير عليك ألا تدخل فيها، لا تخفر ذمتك وتؤكِّل غيرك شيئاً حراماً؛ لأن غالب بيع السيارات المستعملة الآن حرام، تجده يشتري السيارة ويبيعها في مكانها، ويشتري السيارة ويبيعها، ويشتري السيارة الثانية وهو ما قصده السيارة وإنما قصده الزيادة وهذا ربا؛ لكنها حيلة، لهذا يكون بين يديك الآن المساجد، الأثلاث أرى أن تصرفها في بناء المساجد وتستريح. ثانياً: أموال اليتامى أرى أن تتصرف فيها تصرفاً مباحاً، وألا تقرَب ما كان محرماً، لأن الله يقول: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] وليس من الأحسن أن توقعه في أمر فيه ربا، تؤكِّلهم السحت وتضرهم. وأرى ألا تقربها يا أخي، لأن مثلاً أنا إنسان أريد سيارة، يجيء من يقول: هذه السيارة الفلانية، فتقول: حسن! اشترِ وأنا أعطي المعرض البقية وأقرضك إياها، هذه حيلة واضحة مثل الشمس. حتى لو أخبرته بالمعروف يبقى عليك أنه لابد أن تجيء به إلى بيتك، ولابد أن تنقلها باسمك وهم لا يفعلون هذا، ثم إن بعض العلماء يقول: الدينة المعروفة هذه حرام يسمونها: مسألة التَّوَرُّق، فـ ابن تيمية رحمه الله شيخ الإسلام المعروف المشهور بعلمه وفقهه وأمانته يرى أنها حرام. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 12 ترك النوافل بسبب الخواطر والوساوس السوال: في بعض الأحيان في الصلاة تأتينا خاطرة نترك الصلاة الراتبة بعد الصلاة، وهي خاطرة بسيطة وتذهب بسرعة. الجواب إذا كنت تخشى أنك إذا صليت النافلة يشتغل قلبك، فاعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) اذهب واقضِِ شغلك ثم صلِّ في البيت، ولك ما بين صلاة الظهر إلى أذان العصر، يعني: راتبة الظهر وقتها إلى أذان العصر. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 13 أهمية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال تعلمون -بارك الله فيكم- ما يقوم به رجال الهيئة من أعمال -نسأل الله أن يعينهم على ذلك- إلا أن هناك أمراً هاماً ألا وهو الإحساس بالقسوة في القلب، فنرجو منكم -بارك الله فيكم- أولاً: الدعاء لهم، ثم كلمة توجهونها لهم في علاج هذا الأمر، حفظكم الله! الجواب أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا وإياهم على ما كلَّفنا به من الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأسأل الله لهم التوفيق. ولا شك أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي أعظم مرافق الدولة نفعاً للعباد ودفعاً للفساد، وهم كما يُعَبِّر بعض المعاصرين: هم الجندي المجهول الذي لا تُعْرَف قيمته إلا بفقده، والحقيقة أني أرى أنهم أنفع ما يكون للبلاد، وأنهم أشد ما يكونون حفاظاً على الأمن، يعني: هم أشد حفاظاً على الأمن من رجال الأمن المجندين. لأن الأمن لا يمكن أن يستتب في البلاد إلا إذا قامت شرائع الله وشعائره في البلاد، واستقام الناس على دين الله، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] . وقال عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام:82] ، فقرن الله الأمن بالإيمان، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] . وأخبر الله عز وجل أنه إذا لم يكن أمر ولا نهي حصل التفرق، وإذا حصل التفرق في الأمة فلا تسأل عن الفوضى وعن التعادي والتباغض، يقول الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:104-105] . فلما أمر بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران:105] إشارة إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله سببٌ للتفرق، وإذا تفرقت الأمة فلا تسأل عن حالها. فالحقيقة: أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل مرافق الدولة، وأنه ينبغي بل يجب أن تُشَجَّع هذه الهيئات على إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يُجْعَل لها من الصلاحيات ما يُحْفَظ به الأمن ويُدْفَع به الفساد. صحيحٌ أنه قد يوجد عند بعضهم غَيرة قوية توجب له أن يندفع وأن يتعسف وأن يفعل ما لا ينبغي أن يفعله؛ لكن هذا يمكن إصلاحه، يعني: نُصْلح هذا الذي حصل من الفساد ونُبْقي الأمر كما هو. أما قسوة القلب تحصل للهيئات وغير الهيئات، حتى الإنسان نفسه يحس إذا جلس مجلس ذكر وموعظة وترقيق قلب يحس باللين والخشوع واستحضار ما أمامنا من المخاوف؛ عذاب القبر، يوم القيامة، وما أشبه ذلك، فيرق قلبه، ثم يخرج إلى سوقه، ومزرعته، وأهله، فينسى ذلك؛ لكن على الإنسان أن يكون دائماً ذاكراً لله عز وجل بقلبه وجوارحه، واقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ} لِمَن؟ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أصحاب العقول، فمن هؤلاء أصحاب العقول؟! هل هم كبراء السياسة؟! هل هم كبراء المال؟! لا. {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] إلى آخر ما ذكر الله من أوصاف. فهذا هو الذي يجعل القلب يلين ويرق؛ أن يكون الإنسان دائماً يذكر الله عز وجل، ليس في النطق -اللسان- أهَمُّ شيء بالقلب، اذكر قول الله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] لم يقل: من أغفلنا لسانه عن ذكرنا، الذكرُ حقيقةً ذكرُ القلب. إذا كان الإنسان دائماً مع الله يذكر الله عز وجل، إن قام فبالله وفي الله، مستعيناً بالله تعالى، قائماً تعبداً له وخشية له، يجد خيراً كثيراً في هذا. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 14 حقيقة الخذف المنهي عنه السؤال فضيلة الشيخ! هل كل خذف منهيٌّ عنه أم لا؟ الجواب المسابقة في رمي الأحجار وحمل الأثقال لا بأس بها، من الأشياء المباحة، لكن بشرط أن يأمن الخطر. أما أن يخذف الحصاة وحول مرماها أناس جالسون أو واقفون فهذا لا، هذا خطر؛ لأن اليد تزل، ويضرب أحداً من هؤلاء الذين أمامه؛ لكن إذا كانت المسألة مأمونة الخوف فلا بأس. أما الخذف الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبر بأنها لا تنكأ عدواً وهم يستعملون حصىً صغاراً، ولهذا قال جابر رضي الله عنه في صفة حصى الجمار، مثل حصى الخذف، صغيرة، تُجْعَل بين الأصابع ويخذفها الإنسان هذه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: (إنها لا تنكأ عدواً؛ ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) وأما ما ذكرتَ فهذا من باب المسابقات المباحة. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 15 السفر بنية التمشية والعمرة السؤال أحد الشباب تزوج وقرر في نيته أن يسافر إلى الحجاز، وسافر على الطائرة إلى جدة، وجلس يومين في جدة، واستأجر سيارة وذهب إلى الطائف وظل هناك أياماً، ثم خرج إلى السيل الكبير وأحرم، وكان ناوياً أن يعتمر لكن بعد أن يتمشى فما الحكم؟ الجواب يُنظر: هل ذهابه هنا للعمرة، أم للتمشية؟ إذا كان الأول فلا بد أن يحرم من الميقات لا يتجاوزه، والطائرة كما تعلم إن سافرت من القصيم، فالميقات ميقات أهل المدينة؛ ذو الحليفة. وأما إذا كان نيته أنه يتمشى ويقول: إن تيسر لي فسأقوم بالعمرة، فهنا لا بأس أنه يتجاوز الميقات ويذهب إلى الطائف أو إلى الجنوب، وإذا رجع أحرم. وعلى كل حال إن احتاط وذبح فدية في مكة لزوجته واحدة وله واحدة توزَّع على الفقراء فهذا حسن! إبراءً للذمة، وإن لم يفعل أو كان عاجزاً فلا حرج عليه. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 16 كيفية العلم بدخول الفجر السؤال يا شيخ! نحبك إن شاء الله في الله، عندي سؤال عن دخول الفجر، الفجر يعني: بيان ما يدخل به؟ -الله يجزيك خيراً-! الجواب أولاً: أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً محبتنا في الله وبغضنا في الله، أن نبغض من أبغضه الله ورسوله ونحب من أحبه الله ورسوله. إذا كنت في قرية ليس فيها أنوار يمكن أن تعرف الفجر بنفسك، إذا لم يكن هناك غيم ولا قتر. والله حدد هذا حَدَّاً بَيِّناًَ قال: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة:187] يعني: الزوجات في ليالي الصيام، {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] ، فإذا خرجتَ إلى البر وليس أمامك أنوار وليس قتر ولا غيم انظر للأفق، متى وجدت هذا الخيط المعترض من الشمال إلى الجنوب، هذا البياض، فهذا الفجر، فَصَلِّ، وامتنع عن الأكل والشرب إن كنت تريد الصوم، ومتى لم تره فأنت في ليل. وهو خيط أبيض يكون في الأفق، في أسفل السماء، أبيض وليس مجر النجوم، أما إذا كنت لا يمكن أن ترى الفجر إما للغيم أو للقتر أو للأنوار أو متى أنت بين البيوت، فالتوقيت الموجود الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة على مدار السنة بمعنى: أنك إذا أردت أن تصيب الفجر بإذن الله فأخِّر خمس دقائق. وبعض الإخوان يقول: لا. بل يؤخر أكثر، ويقول: أنا خرجتُ عدة مرات في ليالٍ ليس فيها قمر، وليس فيها قتر، وليس فيها سحاب، ووجدت أنه يتأخر إلى ربع ساعة، والظاهر لي أن هذا طويل -يعني: كثير- أي: يجعل الفرق بين التوقيت الحاضر المكتوب وبين طلوع الفجر عشر دقائق أو ربع ساعة، لكن هذا أظنه مبالغة، إنما الخمس دقائق حسب تقدير الفلكيين يقولون: إنه لا بد من أن يؤخر الإنسان لأذان الفجر خمس دقائق. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 17 حكم من نسي السجود للسهو السؤال فضيلة الشيخ! إذا نسي الإنسان سجود السهو ثم تذكر بعدما فرغ من الصلاة. ماذا يفعل؟ الجواب إذا نسي الإنسان سجود السهو حتى سلم فليسجد، أما إذا طال الفصل، فإنه يسقط عنه عند أكثر العلماء، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: متى ذكر سجد، حتى لو مضت عليه ساعة أو ساعتان فإنه يسجد؛ ولكن الذي يظهر لي: أنه لا يسجد إذا طال الفصل، أما إذا كان أربع أو خمس دقائق فيسجد ويسلم. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 18 الفرق بين التوسل بجاه النبي أو ذاته السؤال فضيلة الشيخ! هل هناك فرق بين التوسل بالجاه والتوسل بالذات؟ الجواب لا فرق بين أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بذات النبي؛ وذلك لأن التوسل يا إخواني معناه: اتخاذ وسيلة توصلك إلى المقصود، هذا التوسل، أن تتخذ وسيلة توصلك إلى المقصود، فهل جاه الرسول عليه الصلاة والسلام ينفعك؟ الجواب: لا. لا ينفعك، ينفعك الإيمان بالرسول، ومحبة الرسول، واتباع الرسول، وما أشبه ذلك، أما جاهه فهو له، لا ينفع، كذلك ذات الرسول عليه الصلاة والسلام لا تتوسل بها، يعني: لو توسلت ما الفائدة؟ لو قلت: أسألك بالنبي، لا يستقيم هذا، وليس هذا وسيلة. واعلم أنك إذا توسلت بما لم يكن وسيلة فإن هذا بدعة ونوع من الشرك؛ لكن من الشرك الأصغر، أما إذا اتخذت وسيلة تنفعك وتثاب بها عند الله فَنَعَمْ توسل، ألم تر إلى قول الله تعالى في دعاء أولي الألباب يقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران:193] مَن المنادي الذي ينادي للإيمان؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا هو رأس مَن ينادي للإيمان، ومن بعده مَن خلفه في أمته، والعلماء ورثة الأنبياء، كلهم يدعون للإيمان، {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران:193] فهنا التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله، فالمنادي للإيمان: الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو على رأس المنادين للإيمان، فأنت تتوسل إلى الله بالإيمان به، أما جاه الرسول فلا منفعة لك منه. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 19 حكم استعمال الرجال للحناء في أيديهم وأقدامهم السؤال في بعض القرى يستعمل الرجال الحناء في أقدامهم سواء ذلك للتبرُّد أم لغيره فما الحكم؟ الجواب الحكم في ذلك أن الإنسان الذي يحني قدميه أو يديه يكون متشبهاً بالنساء؛ لأن صبغ الأقدام والأكف بالحناء من خصائص النساء، وقد علمتَ أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) . أما إذا كان هناك حاجة فهذا لا بأس به؛ لكن يجعله على هيئة تخالف صبغ المرأة؛ حتى لا يُظَن أنه تشبه. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 20 حكم تقبيل الرجل لمحارمه السؤال فضيلة الشيخ! يكْثُر في بعض العوائل أن الرجل إذا كان قادماً من سفر أو في مناسبات أو الأعياد يقبِّل محارمه كعماته أو خالاته أو أخواته. فما رأيكم في هذا؟ الجواب تقبيل الرجل عماته أو خالاته أو أخواته أو أمهاته أو جداته أو بناته أو بنات أبنائه أو بنات بناته كل هذا جائز ولا بأس به؛ لأنهن محارم، لكن العلماء رحمهم الله شددوا في تقبيل الفم، وقالوا: لا يقبل على الفم إلا زوجته؛ لأن هذا ربما يُحَرِّك الشهوة. وعلى هذا فإن كانت المرأة التي تريد أن تقبلها من المحارم أكبر منك فقبل جبهتها أو رأسها، وإن كانت دونك فقبل الخد والجبهة بشرط ألا تحس بحركة، فإن كنتَ تخشى على نفسك فلا تَقْبَل ولا تُقَبِّل، هذا هو الحكم؛ لكن نسأل أولاً عن التقبيل: هل هو مشروع كلما لاقيت إنساناً تقبله؟ لا. ليس مشروعاً، الذي يُشْرع كلما لاقيت إنساناً هو: المصافحة دون التقبيل؛ إلا إذا كان هناك سبب مثل: قدم من سفر، أو كان لك مدة لم تره، فهذا لا بأس، وإلا فالمصافحة هي السنة. وبالمناسبة: أنبه على شيء حدث أخيراً وكنا قبل لا نعرفه: إذا لاقاك إنسان لا يأخذ بيدك ويصافحك وإنما يأخذ برأسك على طول، هذا غلط، نحن لا نقول: لا تقبل الرأس، قَبِّل الرأس ممن يستحق أن يُقَبَّل؛ لكن لا تجعله هو الأصل، على طول تمسك يدُك رأسَه وتُقَبِّله، هذا خطأ افعل السنة أولاً وهي: المصافحة، ثم إن كان الرجل أهلاً لأن يُقَبَّل قَبِّل رأسَه، نعم. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 21 حكم إطالة الشعر السؤال إطالة شعر الرأس وتوفيره هل هو من السنة أم لا؟ الجواب لا. ليس من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه حيث إن الناس في ذلك الوقت يتخذونه، ولهذا لما رأى صبياً قد حَلَقَ بعض رأسه قال: (احلقه كله أو اتركه كله) ولو كان الشعر مما ينبغي اتخاذه لقال: أبقه. وعلى هذا فنقول: اتخاذ الشعر ليس من السنة، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل، وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس؛ لأن السنة -يا إخواني- قد تكون سنة بعينها، وقد تكون سنة بجنسها: فمثلاً: الألبسة إذا لم تكن محرمة، والهيئات إذا لم تكن محرمة السنة فيها: اتباع ما عليه الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس. فنقول الآن: جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر؛ ولذلك علماؤنا الكبار أول من نذكر من العلماء الكبار شيخنا عبد الرحمن بن السعدي وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وكذلك المشايخ الآخرون كالشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه وغيرهم من كبار العلماء لا يتخذون الشعر؛ لأنهم لا يرون أن هذا سنة، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة. فالصواب: أنه تَبَعٌ لعادة الناس، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 22 عورة المرأة مع محارمها السؤال فضيلة الشيخ! ما هي عورة المرأة مع محارمها؟ وهل يدخل الظهر أو الصدر في جملة العورة أو لا؟ أفيدونا! جزاكم الله خيراً. الجواب أولاً: بارك الله فيكم يجب أن نعلم أن هناك فرقاً بين قولنا: ما هي العورة؟ وبين قولنا: ما هو اللباس الذي يُشرع للمرأة أن تلبسه، حتى لا يكون اختلاط بين الأمرين. اللباس الذي يُشرع للمرأة أن تلبسه: أن يكون سابغاً لجميع البدن ما عدا الرأس والكفين والقدمين بالنسبة للمحارم، هذا هو المشروع. أما مسألة العورة: فالعورة للمرأة مع المرأة كالعورة للرجل مع الرجل يعني: ما بين السرة إلى الركبة، لكن ليس معنى قولنا هذا أنه يجوز للمرأة أن تخرج للنساء ليس عليها إلا سروال إلى الركبة وإلى السرة، لا أحد يقول بهذا، يعني: أي إنسان يقول بهذا فهو ضال، لكن المعنى: لو أن المرأة عليها ثياب سابغة واحتاجت إلى أن تكشف عن ذراعيها لشغل أو لمرض في الذراع أو ما أشبه ذلك، أو أرادت أن تُرْضِع طفلها أمام النساء وأخذت الثدي أمام النساء فلا بأس. فهناك فرق بين العورة وبين اللباس المشروع، فالمشروع للنساء أن يكون لباسهن سابغاً، ويجوز أن تُخْرِج رأسها ووجها ورقبتها وكفيها بل وذراعيها وقدميها وساقيها عند محارمها؛ لكن ليس معنى ذلك أن نقول: تلبس الثوب القصير عند محارمها، لا. هذا شيء آخر، لكن لو فُرِض أنها -مثلاً- رَفَعت ثوبها لحاجة وأمامها المحارم وخرج الساق فلا بأس. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 23 الراجح من أقوال العلماء في وقت التكبير المطلق والمقيد السؤال اختلف بعض طلبة العلم على التكبير المطلق والمقيد، إذ أن بعضهم بدأ يكبِّر التكبير المقيد بعد الصلاة في أول العشر، وقال آخر: إنه لا يصلح هذا؛ لأنه ليس من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما نَقَل الصحابة عنه أنه كبر حينما انْفََتَل من صلاة الفجر لَمَّا لَمْ يكن حاجاً من يوم عرفة، وفي يوم النحر لما كان حاجاً، في هذا تقييد للتكبير المقيد بأنه لا يستعمل بعد الصلاة التي في وقته، واعترض آخرون بأنه ورد في الكتب أن التكبير المطلق يُشرع في المساجد وفي الأسواق وفي غيرها؟ الجواب هذا ليس فيه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: فاصلة بين خلاف العلماء، والعلماء لهم اجتهادات في هذا، وأقرب ما يقال: إن التكبير المقيد يكون من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق، ومعنى قولنا: إنه مقيد يعني: أنه داخل في الذِّكر عقب الصلاة، وليس المعنى: أننا نكبر من حين السلام، بل المشروع من حين السلام الاستغفار ثلاثاً، و (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، ثم بعد ذلك تكبر، وأما ما قبل ذلك فهو تكبير مطلق إلى غروب الشمس؛ آخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فيشتمل من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق يجتمع مطلق ومقيد، ومن قبل ذلك من دخول شهر ذي الحجة يكون مطلقاً، أما ليلة العيد من رمضان فإنه مطلق وليس بمقيد، والأمر واسع والحمد لله كله ذكر، والله عز وجل يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] ولا ينبغي أن يكون في هذا نزاع بين الناس أو مخاصمة أو تشويش على العامة، الأمر في هذا واسع. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 24 حكم الأكل من مال شخص كسبه حرام السؤال فضيلة الشيخ! السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته، لي أخ يعمل في أحد البنوك الربوية قد تحدثتُ معه في هذا الأمر، ولكنه يعتمد في صحة شرعية عمله على فتوى الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي مصر آنذاك، وعند عودتنا إلى مصر في العطلة الصيفية فإنه يدعوني وأسرتي إلى تناول الطعام في بيته وليس له دخل سوى مرتبه من هذا العمل، فهل لي أن ألبي الدعوة حرصاً على صلة الرحم أم لا؟ وهل يجوز إعطاؤه مبلغاً من المال على سبيل الهدية بنية أنه إذا دعاني للطعام عنده أكون بذلك قد أكلت من مالي حفاظاً على صلة الرحم؟ أفتونا، جزاكم الله خيراً؟ الجواب أقول: إذا كان هذا الرجل صادقاً في أنه اتبع فتوى هذا العالم، وليس قصده تتبع الرخص فليس عليه إثم أصلاً؛ لأن الله يقول: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، وهذا قد اقتدى بعالم وليس عليه شيء، كما لو أن إنساناً أكل لحم جزور وسأل عالماً من العلماء فقال له: إن أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، فصلى وهو آكل لحم الجزور فهل تبطل صلاته؟ لا. هذا الذي أكل الربا محتجاً بقول عالم مقلَّدٍ للفتيا، ليس قصده الهوى واتباع الرخص لا شيء عليه، هذا من حيث عمل أخيك. أما الذي نرى أن فتوى مفتي مصر في هذا الباب خطأ وغلط وأنه لا فرق بين الربا الاستثماري والربا الاستغلالي، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ إليه بتمر طيب فسأل، فقالوا: كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: (هذا عين الربا) ، وأمر برده، وهذا واضح أنه ليس به استغلال وليس به ظلم، ومع ذلك حرمه النبي عليه الصلاة والسلام، فالفتوى غلط. وعلى هذا فنرى أن أخاك ما دام يعين على أكل الربا ويكتبه ويشهد به نرى أنه آثم، وأنه يجب عليه التخلي عنه؛ لكن إن أصر وبقي وذهبتَ أنت إليه وأكلت مما عنده فلا بأس، ولا إثم عليك، حتى وإن كنت تعتقد أن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ عنه أنه أكل من طعام اليهود، واليهود كما تعلمون أكالون للسحت، آخذون للربا، ولم يسأل الرسول يقول: هل تعاملتم بالربا أو لا؟ فدل ذلك على أنه يجوز للإنسان أن يأكل ممن كَسْبُه حرام، ولا إثم عليه، ولكن لا تيئس أكثر من النصيحة لأخيك لعل الله يهديه، وبشره أنه إن تاب فله ما سلف، كل ما كسبه قبل ذلك فهو له حلال؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] لا سيما إذا كان مستنداً إلى فتوى يرى أنها صحيحة. نسأل الله أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً. الجزء: 126 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [127] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير آيتين من سورة الحجرات بين فيهما أهمية الإيمان بالله تعالى، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم وأن أهل هذه الصفة هم المؤمنون حقاً، ثم ألحق ذلك ببيان أهمية الجهاد في سبيل الله وأنه أمر مطلوب في الشرع وواجب على العباد، ثم ختم ذلك ببيان ما ذكره الله من توبيخ الأعراب الذين يعلمون الله بدينهم، فأدبهم الله بهذه الآية، ثم ختم المادة بأجوبة متفرقة. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والعشرون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية المعبَّر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تكون في كل يوم خميس. وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر محرم عام (1417هـ) نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى. لقاؤنا هذا يُفْتَتح بالكلام في تفسير آخر سورة الحجرات. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) قال الله تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] :- بيَّنَّا فيما سبق أن هؤلاء القوم لم يتحقق فيهم كمال الإيمان، أي: معهم أصل الإيمان فقالوا: آمنا، والإيمان المطلق لا يُعْطَى لمن لم يتم إيمانه، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} أي: لم يدخل الإيمان الكامل في قلوبكم ولكنه قريب، لأن (لما) تفيد قرب مدخولها. قال الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] :- أي: إن قمتم بطاعة الله ورسوله بامتثال أوامر الله ورسوله، واجتناب نهي الله ورسوله، فإن الله لن ينقصكم أعمالكم شيئاً، سيعطيكموها تامة بلا نقصٍ، وقد تقرر أن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن من جاء بالسيئة فإنه لا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] :- (إنما) أداة حصر تفيد إثبات الحكم في المذكور، ونفيه عما سواه، أي: ما المؤمنون إلا هؤلاء، والمراد بالمؤمنين حقاً: الذين تم إيمانهم الذين آمنوا بالله ورسوله، آمنوا: أقروا إقراراً مستلزِماً للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار كافياً، بل لابد من قبولٍ وإذعان، والدليل على أن مجرد الإقرار ليس بكافٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن عمه أبي طالب أنه في النار، مع أنه مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام مصدِّق به، يقول في لاميته المشهورة: لقد علموا أن ابننا لا مكذَّبٌ لدينا ولا يُعْنَى بقول الأباطلِِ ويقول عن دين الرسول: ولقد علمتُ بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً لكنه والعياذ بالله لم يقبل هذا الدين، ولم يذعن له، وكان آخر ما قال أنه على الشرك، على ملة عبد المطلب. فالذين آمنوا بالله ورسوله: هم الذين أقروا إقراراً تاماً بما يستحقه الله عز وجل، وبما يستحقه الرسول عليه الصلاة والسلام وقبلوا ذلك وأذعنوا له. {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} : كلمة (ثُمَّ) هنا في موقع من أحسن المواقع، (ثم) تدل على الترتيب بمهلة، يعني: ثم استقروا وثبتوا على الإيمان مع طول المدة: (لَمْ يرتابوا) : أي: لم يلحقهم شك بالإيمان بالله ورسوله. وهنا ننبه إلى مسألة يكثُر السؤال عنها في هذا الوقت وإن كان أصلها موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وهي: الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان، يلقي الشيطان في قلب الإنسان أحياناً وساوسَ وشكوكاً في الإيمان، في القرآن، في الرسول، في الرب عز وجل، وساوس يحب الإنسان أن يُمَزَّقَ لَحْمُه ويُكْسَرَ عَظْمُه ولا يتكلم بذلك، فما موقف الإنسان من هذا؟ موقف الإنسان من هذا: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهِ، ويُعرض عن هذا ولا يفكر فيه إطلاقاً، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مثل هذه الوساوس صريح الإيمان أي: خالص الإيمان، هذا إنما كان صريح الإيمان؛ لأن الشيطان لا يأتي لإنسان شاكٍّ يشككه في دينه، وإنما لإنسان ثابتٍ مستقرٍ ليشككه في دينه فيفسده عليه، وأما المؤمن الذي استقر الإيمان في قلبه، واطمأن قلبه بالإيمان؛ فإنه هو الذي يأتيه الشيطان ليفسد عليه دينه، أما من ليس بمؤمن فإن الشيطان لا يأتيه بمثل هذه الوسواس لأنه مُنْتَهٍ منه. والمهم أن قوله: {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} يدل على أنهم ثبتوا على الإيمان ولو طالت بهم المدة، فإذا قال قائل: ما هي الطريق التي توجب للإنسان ثبوت الإيمان واستقراره؟ قلنا: أولاً: أن يتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وأن هذه المخلوقات العظيمة لم تكن وليدة الصدفة، ولم تكن وليدةً بنفسها، وأن يتفكر أيضاً في شريعة الله وكمالها، وأن يتفكر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، وما إلى ذلك، وكذلك أيضاً يُكْثِر من ذكر الله عز وجل، فإنَّ بذكر الله تطمئن القلوب، ويكثر من الطاعات والأعمال الصالحة؛ لأن الطاعات والأعمال الصالحة تزيد في الإيمان كما هو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله. {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات:15] :- هذا أيضاً معطوف على قوله: {آمَنُوا} أي: هم الذين مع إيمانهم بالله عز وجل، ويقينهم وعدم ارتيابهم يريدون أن يصلحوا عباد الله، بماذا؟ بالجهاد في سبيل الله، يجاهدون أعداء الله ليَرْجِعوا إلى دين الله، ويستقيموا عليه، لا للانتقام منهم، ولا للانتصار لأنفسهم، ولكن ليَدْخُلوا في دين الله عز وجل. والجهاد في سبيل الله: هو القتال لتكون كلمة الله هي العليا، لا للانتقام، القتال للانتقام ليس إلا مدافعة عن النفس أو أخذاً بالثأر فقط، لكن الجهاد حقيقةً: هو أن يقاتل الإنسان لتكون كلمة الله هي العليا، أما الجهاد انتصاراً للنفس، أو دفاعاً عن النفس فقط فليس في سبيل الله، لكن لا شك أن من قاتل دفاعاً عن نفسه فإنه إن قُتِل فهو شهيد، وإن قَتَل صاحبَه فصاحبُه في النار، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أراد أن يأخذ ماله قال: (لا تعطِه، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتَلَني؟ قال: قاتِلْه، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت أن قتلتُه قال: فهو في النار) . إذاً: ما هو الجهاد في سبيل الله؟ القتال لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الذي حَدَّه النبي عليه الصلاة والسلام وفَصَلَه فَصْلاً قاطعاً. {أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15] :- أولئك هم الصادقون في إيمانهم وعدم ارتيابهم، أما الذين قالوا من الأعراب: آمنا، ولكنهم لم يؤمنوا حقيقةً، ولكن أسلموا فإنهم ليسوا صادقين، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:14] . الجزء: 127 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (قل أتعلمون الله بدينكم) قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات:16] :- هذا إنكارٌ لقول الذين قالوا: آمنا، يعني: أتعلِّمون الله تعالى بأنكم آمنتم وهو عليم بكل شيء؟! و (تعلِّمون الله) أي: تخبرون الله، وليس المراد ترفعون جهله عن حالكم؛ لأنه يعلم حالهم عز وجل، ويعلم أنهم مؤمنون أو غير مؤمنين، لكن (تعلِّمون) هنا بمعنى تخبرون، وليس بمعنى: ترفعوا الجهل عن الله عز وجل؛ لأن الله ليس جاهلاً بحالهم، بل هو عالم. {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} أي: حينما قلتم: آمنا. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي: ومنه -أي: مِمَّا في السموات والأرض- حالكم إن كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين. وفي هذه الآية إشارة إلى أن النطق بالنية في العبادات منكر؛ لأن الإنسان الذي يقول: أريد أن أصلي، يُعْلِم الله سبحانه وتعالى بما يريد من العمل، والله يعلم، والذي يقول: أريد أن أصوم كذلك، والذي يقول: نويت أن أتصدق كذلك، والذي يقول: نويت أن أحج كذلك أيضاً، وكذلك لا يُسَنّ النطق بالنية في العبادات كلها، لا في الحج ولا في الصدقة، ولا في الصوم، ولا في الوضوء، ولا في الصلاة، ولا في غير ذلك، لماذا؟ لأن النية محلها القلب والله عالم بذلك لا حاجة أن تخبر الله به. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} . (ما في السموات) عام، (وما في الأرض عام) كل شيء يعلمه الله، وقد تقدم لنا الكلام مراراً على هذه الصفة العظيمة من صفات الله، والتي هي من أوسع صفاته جل وعلا. {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بكل شيء: خفيٌ أو بيِّنٌ، عامٌ أو خاصٌ، هو عالم به جل وعلا. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 127 ¦ الصفحة: 6 حكم من أوصى أن يُصلى عليه في المسجد الحرام ويدفن في مكة أو البقيع السؤال فضيلة الشيخ: قررتُ أنا وكتبت في الوصية لأولادي أني إذا مت أن يُصَلَّى عليَّ في المسجد الحرام أو النبوي، وأُدْفَن في البقيع أو في مكة، هل هذا جائز؟ الجواب لا أرى أن توصي بذلك، ولا يجب على أولادك أن يفوا بهذه الوصية؛ لأنك إذا أوصيت بذلك ألحقتهم الحرج الشديد، وكلَّفتهم المال وفتحت على الناس أبواباً مغلقة؛ لأن الناس بعاطفتهم إذا سمعوا أن فلاناً أوصى أن يصلَّى عليه في المسجد الحرام وأن يدفن في البقيع تسارعوا إلى ذلك وحصل بذلك من الأمور التي لا تُحمَد عقباها ما لا يعلمه إلا الله، فلا توصِ بهذا، أرض الله واحدة، وكل من في الأرض سوف يبعث يوم القيامة من مكانه إلى المشهد، ولن يتخلف أحد، وكونك تُدْفَن في مكة أو البقيع لا تستفيد شيئاً، نعم إن كنت قريباً من مكة كما لو كنت في الشرائع مثلاً أو في جدة فربما يقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذا قريب ولا يكلف، ولا يوجب أن الناس يقتدون بهذا، أما إذا كنت بعيداً فلا توصِ، ولا يلزم أولياءك أن يفوا بهذه الوصية. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 7 شركة كوكاكولا واستهتارها بالكعبة والمسلمين السؤال فضيلة الشيخ! وفقكم الله: ذكَرَت جريدة المسلمون الأسبوع الماضي، (21/ محرم/ 1417هـ) عن شركة (كوكاكولا) أنها وضعت مجسماً على شكل الكعبة، وكتبت عليه: شارون كاكولا، ثم جاء رجل من أفريقيا يسجد لهذا الشكل، فما تعليقكم على هذا؟ الجواب والله! لابد أن ننظر في الأمر إن شاء الله، ويحصل الخير إن شاء الله. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 8 حكم استلاف المال بعملةٍ ورده بعملة أخرى السؤال إذا استلف إنسان من آخر مبلغاً من المال، ورده بعملة أخرى، أخذه بالريال السعودي -مثلاً- وذهب إلى الكويت، فرده بالدينار الكويتي! هل هذا جائز؟ الجواب هذا وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومك، ما لم تتفرقا وبينكما شيء) فإذا أخذت دراهم من نقد السعودية واستوفيته في الكويت بالدينار الكويتي فلا بأس، لكن بشرط أن تكون بقدر القيمة هناك، يعني فيما يساوي الريال السعودي وتعطي بالقيمة بدون زيادة ولا نقص. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 9 حكم من خرج للنزهة أو كان مسكنه بعيداً يبلغ مسافة القصر في السفر السؤال عفا الله عنك! بعض الموظفين يبعُد مقر عمله عن سكنه أكثر من مائة كيلو، وكذلك من يخرجون إلى النزهة فيذهبون إلى مسافة مائةٍ وخمسين كيلو ويرجعون من يومهم، هل لاختصار الزمن تأثير في عدم الترخص برخص السفر؟ الجواب هذه المسألة من حدد المسافة بثلاثة وثمانين كيلو أو نحوها يقول: إن هؤلاء إذا ذهبوا ولو كان لعمل يرجعون منه في آخر اليوم فإنهم مسافرون، وهذا هو المشروع من مذهب الإمام أحمد رحمه الله. وأما من قال: إنه يعود إلى العادة والعرف فمثل هذا لا يُعَد سفراً. السائل: ما رأيك بالنسبة للمسافرين إذا ذهبوا للنزهة؟ الشيخ: إذا خرجت للنزهة مثلاً: بيوم ورجعت في نفس اليوم سفراً على القول بأن المرجع إلى العرف، اللهم إلا أن تبقى هناك يوماً أو يومين، فإن مثل هذا يُعدُّ سفراً؛ لأن السفر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كما قُدِّر عند بعض العلماء مسافة يومين، ولأن الإنسان إذا نوى أن يقيم هناك يوماً أو يومين، يعني: يومين فأكثر فلابد أن يتأهب أُهْبَة السفر، فأنت إن أمكن أن تضبط هذا بالعرف فلا بأس، فهو أقرب للصواب، وإن لم يمكن كما لو اختلف العرف أو اضطرب، أو شككتَ فخذ بالمسافة، نعم. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 10 السنة في تشميت العاطس بعد الثلاث السؤال فضيلة الشيخ: هل يلزم تشميت العاطس على صفة واحدة ولو تكرر العطاس ثلاث مرات فأكثر؟ الجواب إذا عطس ثلاث مرات وأنت تشمته في كل مرة فقل له بعد الثالثة: عافاك الله؛ لأن ذلك يكون زكاماً، فقل: عافاك الله، إنك مزكوم، وإنما تقول: عافاك الله وتقول: إنك مزكوم؛ لئلا يتوهم أنك دعوت له بأن يعافيه الله تعالى من معصية فَعَلَها أو ذنب فعله، فتقول: إنك مزكوم، تخبره أنك إنما سألت له العافية من أجل هذا فقط. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 11 حكم من مات وعليه صوم السؤال فضيلة الشيخ: امرأة صامت شهر رمضان وأفطرت ثلاثة أيام منه، وتوفيت في شهر ذي الحجة، ولم تقضِ هذه الأيام بسبب مرض السكر ماذا نفعل؟ الله يغفر لها ويرحمها، لو أطعمت عن كل يوم مسكيناً يكون طيباً، تطعم عن كل يوم مسكيناً مقدار صاع يكفي لثلاثة مساكين عن الأيام الثلاثة، صاعاً من الأرز. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 12 خطأ من قال: إن الكفر العملي لا يكون كفراً أكبر السؤال فضيلة الشيخ: سمعت من أحد العلماء قوله: إن الكفر اعتقادي وعملي، وأن العملي يكون كفراً أصغر فقط لا يدخل فيه الكفر الأكبر، سواءً ترك الصلاة أو فعل أي فعل آخر؟ الجواب هذه قاعدة عند بعض العلماء أن الكفر لا يكون إلا عن اعتقاد، وأما كفر العمل فلا؛ لكن الصحيح خلاف ذلك، الصحيح أنه قد يكون الكفر عملياً كترك الصلاة مثلاً؛ لأن القرآن والسنة وأقوال الصحابة تدل على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة مع اعتقاده للوجوب، هذا هو القول الراجح. ولكن بهذه المناسبة أنا لا أود من إخواننا وشبابنا أن يكون أكبر همهم أن يبحثوا عن كفر الحكام أو غير الحكام؛ كأنهم لم يُخْلَقوا إلا للبحث عن هذا كافر أو غير كافر، عليهم أن يبحثوا في بيان حدود ما أنزل الله على رسوله، من العبادات وغير العبادات، أما مسألة أن يشغلوا أنفسهم بأن هذا كافر، أو غير كافر فهذا غلط، وإضاعة للوقت ولا فائدة فيه، حتى لو وصلوا في النهاية إلى كفر حاكم من الحكام فماذا يفعلون؟ لن يستطيعوا أن يعملوا شيئاً إلا الفتنة، وزوال الأمن، وحصول الشر الذي لا نهاية له، مع أنهم أيضاً ربما يكفرون الحاكم بأهوائهم لا بمقتضى الدليل، عندهم -مثلاً- عاطفة دينية أو غير دينية يقولون: هذا كافر، وليس من قال الكفر أو فعل الكفر؛ يكون كافراً، دلَّ على ذلك القرآن والسنة. ففي القرآن: يقول الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فرفع حكم الكفر عن المكره مع أنه يقول كلمة الكفر، ويفعل فعل الكفر. وفي السنة: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن (رجل كان مسرفاً على نفسه فأوصى أهله إذا مات أن يُحْرِقوه ويذروه في اليم وقال: لئن قَدِرَ الله عليَّ لَيُعَذِّبَنِّي عذاباً لا يُعَذِّبُه أحداً، فلما فعلوا جمعه الله عز وجل وسأله لماذا فعلت؟ قال: يا رب! فعلت ذلك خوفاً منك) مع العلم بأنه في هذه الحال حين أوصى كان شاكاً في قدرة الله، يظن أن الله لا يقدر أن يعيده. وكذلك أخبر أن: (الله يفرح بتوبة عبده المؤمن كفرح الرجل الذي أضاع ناقته وعليها طعامه وشرابه، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بالناقة، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) وهذه الكلمة: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) كلمة كفر لا شك فيها؛ لكن لما كانت خطأ من شدة الفرح عُفِي عنه. فنصيحتي التي أدين الله بها، وأرجو لأبنائنا وشبابنا أن يعملوا بها: ألا يكون أكبر همهم وشغلهم هو هذا، أي: ما تقول في الحاكم الفلاني؟ والحاكم الفلاني كافر، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا لا يغني شيئاً، ولنا مثل قريب فيما حصل في الجزائر مثلاً ما الذي حصل في الجزائر؟ حصل أن قُتِل خمسون ألفاً في ثلاث سنوات، بغير حق، سواءً من الحكومة تقتُل هؤلاء أو منهم يقتلون من هو معصوم الدم، كل هذا من الشر والبلاء. فلذلك يجب أن يُعرِض الشباب وأهل الخير عن هذا إطلاقاً؛ لأنه لا يفيد أبداً وإنما يُحْدِث الشر والفتنة والفوضى، والحمد لله ما دمنا لا نستطيع أن نغير شيئاً حتى لو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فما الفائدة؟! ثم علينا أن نفكر وننظر إلى كل البلاد التي حصلت فيها الثورة ما ازدادت بعد الثورة إلا شراً في دينها ودنياها. السائل: ما حكم تارك الصلاة يا شيخ؟ الشيخ: تارك الصلاة عندي لا شك فيه أنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، حتى لو قال: أنا أشهد أنها فرض، وأنها ركن من أركان الإسلام؛ لكنه لا يصليْ فهذا كافر. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 13 حكم اللقطة التي تسقط في الطريق من سيارات التجار السؤال فضيلة الشيخ: ما يسقط من سيارات التجار البائعين ويوجد على الطرق إذا وجده الإنسان هل يعتبر لقطة ينشد عليه سنة كاملة، أو يأخذه وينتفع به، أو يتركه؟ الجواب هذا يقع كثيراً، يسقط من السيارات، كرتون أوانٍ، أو كرتون فاكهة، أو ما أشبه ذلك فإذا وجده الإنسان فهو لقطة؛ لأنه مال ضائع عن ربه، وهذه هي اللقطة، فإن كان يعلم من نفسه أنه قادر على أن ينشده فليأخذه وينشده، وإذا كان فواكه لا يمكن أن تبقى لمدة سنة يبيعها بعد أن يعرف أوصافها ويحتفظ بثمنها إذا جاء صاحبها وإلا فهي له، وإن كان لا يثق من نفسه ويعرف أنه غير قادر على أن يبقى ينشدها سنة كاملة فليتركها. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 14 جواز قتل النمل إذا كان مؤذيا ً السؤال فضيلة الشيخ: عندنا في البيت نمل صغير يؤذينا، ما رأيك فيها؟ الجواب أقول: النمل وغير النمل إذا آذى ولم يندفع إلا بقتله فليُقتل، أما إذا لم يكن منه أذية، لا إفساد البناء، ولا إفساد الطعام، ولا تنكيد النوم على الصبيان أو على الإنسان فليتركه؛ لكن إذا حصل منه أذية ولم يندفع إلا بالقتل، فله ذلك، ويقتل بسُمِّ (كالفليت) أو غيره. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 15 حكم الرسوم المتحركة التي تسمى بالرسوم الإسلامية السؤال فضيلة الشيخ: ظهر الآن في بعض التسجيلات الإسلامية رسوم متحركة يقولون: إنها إسلامية يعني: ظهر منها مثلاً فتح القسطنطينية أو رحلة السلام، وأخيراً ظهر غلام نجران الذي ذكر في سورة البروج، أو في الحديث الذي في صحيح مسلم، وهذه الرسوم المتحركة يجعلونها بديلاً عن الرسوم المتحركة الفاسدة، ما هو الحكم في ذلك يا شيخ؟! الجواب والله! أنا أرى أنها إن شاء الله ما فيها بأس؛ لأن الواقع أنك كما تفضلتَ أنها تحمي الصبيان عن الأشياء المحرمة، فأقل ما فيها إذا كان ولابد أن نقول بالتشديد أنها أسهل من الرسوم الأخرى التي يسمونها أفلام الكرتون، يعني: تلك كما سمعنا فيها التشكيك في العقيدة، وتمثيل -والعياذ بالله- للرب عز وجل عند إنزال المطر وما أشبه ذلك، فعلى كل حال لا أرى فيها بأساً. السائل: من حيث كونها مرسومة باليد -يا شيخ- أما تأخذ حكم التصوير؟ الشيخ: الكلام على الذي رسمها إن كان هناك شيء من الإثم فعليه هو، أما نحن فنشاهد شيئاً مكتوباً منتهياً، ثم إن الظاهر أنها لا ترسم على صفة إنسان. -على صورة إنسان! إنسان عادي؟ -إنسان عادي، ولِحَى، وعمائم، وكل شيء. -يبقى للنظر، لا ينسبون إلى أحد من قواد هذه الفتوحات ما لم يقله، هذه هي المشكلة، فأرى أنه إذا كانت ليس فيها إلا الخير ما فيها شيء إن شاء الله. وإذا كانت مصحوبة بموسيقى فهذا لا يجوز؛ لأن الموسيقى من المعازف المحرمة. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 16 حكم رقص المرأة بين النساء السؤال حكم رقص المرأة بين النساء؟ الجواب كنا لا نشدد فيه ونقول: هذه ألعاب في مناسبة الزواج ولا بأس بها، لكن سمعنا أنه يحصل فيها فتنة وأن بعض النساء أو بعض الفتيات الشابات لا سيما إذا كانت جميلة تهيج النساء الأخريات، حتى قيل لي: إنه أحياناً تقوم المرأة من الحاضرات تَضُمُّ المرأة التي ترقص، ويحصل بذلك إثارة شهوة، فرأيت أن يمنع الرقص. أما رقص البنات الصغار بين الفتيات هذا قد يقال: إنه لا بأس به؛ لأنه يُرَخَّص للصغار في مثل هذا ما لا يُرَخَّص للكبار. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 17 المراد من الجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر السؤال فضيلة الشيخ! متى كان قول ابن عباس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا سفر) ؟ وهل نعمل بهذا الحديث أم لا؟ الجواب كان هذا في المدينة، والحديث روي على ما ذكرت: (من غير خوف ولا سفر) ورُوِي: (من غير خوف ولا مطر) وهذا أَسَدُّ من اللفظ الأول؛ لأن قوله: (في المدينة) يغني عن قوله: (من غير سفر) ؛ لكن ابن عباس رضي الله عنهما سُئل: [ما أراد بذلك -يعني: لماذا الرسول جمع؟ - قال: أراد أن لا يُحَرِّج أمته] فدل هذا على أن الجمع إنما يجوز إذا كان في تركه حرج ومشقة، وأما إذا لم يكن هناك حرج ومشقة فلا يجوز الجمع؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] ، والنبي صلى الله عليه وسلم وقَّت الصلوات الخمس، وجعل لكل صلاة وقتاً محدداً بأوله وآخره؛ لكن إذا كان الإنسان يلحقه حرج، كمريض يلحقه الحرج، أو من به سلس البول، أو المستحاضة، أو الإنسان الذي أصابه نومٌ شديد جداً لا يستطيع مدافعته، ويريد أن يجمع العشاء مثلاً إلى المغرب لأجل أن ينام، أو غير ذلك من الأمور التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا بأس بذلك. المهم أن يكون هناك حرج ومشقة، ومن ذلك الجمع لإدراك الجماعة، فلو فُرِض أن جماعة يعرفون أنهم إذا وصلوا البلد تفرقوا ولم يصلوا جماعة، وأرادوا أن يجمعوا قبل التفرق فلا بأس، والدليل على هذا: أن الجمع في المطر في البلد المقصود اجتماع الجماعة وإلا لكان كل إنسان يذهب إلى أهله، وإذا دخل وقت العشاء صلى في بيته؛ لأنه معذور بواسطة المطر، فالمقصود ألا يحرِّج الأمة، لا أن يبقي الباب مفتوحاً من شاء جمع ومن شاء لم يجمع، فالجمع مربوط بالمشقة والحرج. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 18 حكم مقولة: (سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر) السؤال هذا سائل يقول: كنت جالساً في مجلس، ثم قام رجل فقال لزميله: سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر، ما حكم هذا التلفظ بهذا الكلام شرعاً؟ وهل هناك فرق حينما أقول: سوف آخذك أخذ عزيز مقتدر، أو بأخذ عزيز مقتدر أرجو التوضيح؟ الجواب هذا لا يجوز من حيث اللغة والشرع؛ لأن (أخذ عزيز مقتدر) الوصف هذا لا يكون إلا لله عز وجل، هو العزيز المقتدر، أما الآدمي فهو ذليل وعاجز كيف يصف نفسه بهذا؟! ثم إن هذا القول لا يصدر إلا من شخص مملوء قلبه بالكبرياء والتسلط والعياذ بالله والتسلط، فالواجب على هذا الذي قالها أن يتوب إلى الله، وألا يعود لمثلها، وأن يعلم أنه ما من يد إلا يد الله فوقها. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة خلف إمام يخل بالأركان السؤال فضيلة الشيخ: إمامٌ كبيرٌ في السن يكبِّر للسجود قبل أن يصل إلى الأرض، وكذلك يقرأ الفاتحة قبل أن يقيم صلبه، يعني: وهو قائم، وقد نصح لكن عاد مرة ثانية إلى حالته الأولى، فما حكم صلاتنا خلفه؟ الجواب أما إذا كان يشرع في الفاتحة قبل أن يستتم قائماً فإن صلاته لا تصح، ولا تصلوا خلفه، وعليكم أن تبلغوا بذلك الجهات المسئولة، حتى يعدِّلوه أو يبدِّلوه. وأما تكبيره للسجود قبل أن يَصِل إلى السجود أو يقارب السجود فهذا بالنسبة له لا يُخِل بصلاته؛ لكن بالنسبة للمأمومين ربما يستعجل بعضهم إذا سمع التكبير فيَصِل إلى الأرض قبل أن يصل هذا الإمام، فهذا الذي يُحْذَر منه، أما الأول فهو المحذور العظيم؛ لأنه لا يجوز للإنسان القادر على القيام أن يشرع في قراءة الفاتحة إلا إذا استتم قائماً. فأنتم بارك الله فيكم بين أمرين: إما أن تدخلوا المسجد وتصلوا خلف إنسان يتم الأركان. وإما أن تبلغوا الجهات المسئولة وتقولوا: ائتوا وصلوا خلفه، وانظروا ماذا يفعل. وإذا كان مأموماً فكل إنسان يقدر أن يقوم لا يمكن أن يقرأ الفاتحة حتى يستتم قائماً. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 20 وجوب إعادة الهدي إذا ذبح خارج الحرم السؤال قال لنا أحد الإخوة ونحن في الحج: إنه ليس في منى غنمٌ جيد يجزئ في الحج، فذهبنا شمال شرق مكة وذبحنا هناك، هل يجوز الذبح هناك أم لابد أن يكون الذبح في منى؟ وهل فيه شيء وجزاك الله خيراً؟ الجواب إذا كان هذا داخل حدود الحرم فلا بأس؛ لأن جميع الحرم محل للذبح، وأما إذا كان خارجاً فغير صحيح، لابد أن تعيدوها الآن، ويكون ذاك تطوعاً، وتعيدوا الآن بدله؛ لأنه يشترط هدي التمتع والقران أن يكون في مكة يعني: في الحرم، في مكة، أو في منى، أو في مزدلفة. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 21 حكم التطيب بعد لبس الإحرام وعقد النية في الميقات السؤال بعدما لبستُ ملابس الإحرام وعقدت النية وأنا في الميقات جاء أحد الإخوان وناولني المسك وطيبَّنا، فقلت له: قد لبست الإحرام وعقدت النية فقال: مازلنا في الميقات هل في ذلك بأس، وكان بعد لبس الإحرام بساعة أو ساعتين تقريباً؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب لا بأس أن يتطيب الإنسان بعد لبس الإحرام إذا كان لم يعقد النية، أما إذا عقد النية فإنه لا يتطيب. والعبرة في النية إذا كنتَ نويتَ الدخول في النسك لا تتطيب، أما في مسألتك هذه فليس عليك شيء؛ لأن الله يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وأنت لم تتعمد أن تأخذ الطيب، وظننتَ أن هذا جائز، فلا شيء عليك؛ لكن في المستقبل متى نويتَ فلا تتطيب، حتى ولو أنك في الميقات. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 22 قاعدة في نقد الرجال والرد على أخطائهم السؤال أخذنا معكم في الدرس: أن الإنسان إذا رد على خطأ إنسان آخر لا يلزمه أن يذكر مع أخطائه محاسنه؛ لأن ذلك يضعف جانب الرد؛ بل يغتر بذلك من يسمع هذه المحاسن فيُعجب ويغتر بهذا المخطئ، فهل يقال كذلك أنه ينبغي ألا يُسمع لهذا المخطئ في كل أقواله وكلامه؛ حتى في التي لم يخطئ فيها، بل أصاب، وذلك لكي لا يُعجب به الغير، ويكون ذلك مدعاة لأخذهم أخطاءه؛ وتبنيهم إياها، وهذا في طبيعة الحال في الذي أخطاؤه كبيرة كأخطاء في العقيدة، ومنهج الدعوة إلى الله، وفي الأمور التي تترتب عليها الفتن وإراقة الدماء وانتقاص العلماء مثلاً؟ الجواب ذكرنا ما قاله الأخ في الدرس، قلنا: إن الإنسان إذا كان يريد أن يقوِّم الشخص من حيث هو، فالواجب أن يذكر المحاسن والمساوئ؛ لقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ولهذا كان العلماء عندما يتكلمون عن حياة الرجل، يذكرون محاسنه، ومثالبه. أما إذا كنتَ في معرِض الرد عليه فلا تذكر مَحاسنه؛ لِمَا ذكرنا -فيما سَمعتم في السؤال- أنك إذا ذكرت المَحاسن ضعُف جانب الرد عليه، وربما يُعجب الإنسان بما عنده من المحاسن ويترك الأخطاء جانباً، هذا هو الطريق في ذكر محاسن الناس ومساوئهم. ولكن إذا تحدثتَ عنه في أي مجلس من المجالس فإن رأيتَ في ذكر محاسنه فائدة فلا بأس أن تذكرها، وإن خفتَ من مضرة فلا تذكرها؛ لأنه ليس بواجب علينا أن نعرف أن هذا الشخص معه حق أو باطل. أما ما يقوله من الحق بقطع النظر عن إضافته إليه فيجب قبوله؛ لماذا؟ لأن الحق يجب أن يُقبَل من أي أحد تكلم به، فالله عز وجل قَبِل قول المشركين لما قالوا حين يفعلون الفاحشة: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] قَبِل قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] ؛ لأنه حق، فقال الله تعالى في جوابهم: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28] ، وسكت عن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] . والنبي عليه الصلاة والسلام لما أخبره أبو هريرة بما أوصاه به الشيطان أن يقرأ آية الكرسي كل ليلة؛ ولا يزال عليه من الله حافظ؛ ولا يقربه شيطان حتى يصبح قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صَدَقَكَ وهو كَذُوب) . ولما حدَّث حبر اليهود أنهم وجدوا في التوراة: أن الله يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع ضحك النبي عليه الصلاة والسلام مقرراً هذا القول ومصدقاً له. فالمهم أن الحق يجب قبوله من أي شخص؛ لكن إذا خفتَ أن تنسب هذا إلى قائله وهو رجلُ بِدْعَةٍ وخِفْتَ أن يَغْتَرَّ الناس به ويُعجَبوا به فلا تفعل؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 23 حكم القراءة للمريض وإهداء ثوابها وأخذ الأجرة عليها السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز قراءة القرآن لمريض لوجه الله تعالى تقول: اللهم اجعل ثوابه لفلان، أو القراءة له بأجرة؟ الجواب هذا ينبني على إهداء القرَّاء، هل يجوز أم لا، والمسألة فيها خلاف، والذي ينبغي للإنسان ألا يهدي حسناته لأحد كائناً من كان، بل يجعل حسناته لنفسه ويدعو لإخوانه الذين يستحقون الدعاء. ولا أستطيع أن أقول: لعلك تريد القراءة على المريض ليُشْفَى لأنك تقول: لا أريد هذا. وأما الأجرة إذا كان الإنسان يريد أن يقرأ على مريض وقال للمريض: أنا أقرأ بكذا وكذا على الشفاء والبرء؛ فهذا لا بأس به؛ لأن الصحابة الذين نزلوا ضيوفاً على قوم من العرب ولم يضيفوهم سلط الله على رئيسهم عقرباً شديدة اللسع، لدغته العقرب، فطلبوا من يقرأ، وجاءوا إلى الصحابة فقال الصحابة: لا نقرأ إلا بكذا وكذا، وذكروا من الغنم، فأعطوهم إياها، فقام أحد الصحابة على هذا اللديغ، وجعل يقرأ عليه سورة الفاتحة، فقام كأنَّما نُشِط من عقال، فلما وصلوا إلى المدينة وأخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، وكأنهم رضي الله عنهم شكَّوا في جواز هذا العوض، قال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهم) قال عليه الصلاة والسلام، هذا تطييباً لقلوبهم وإلا فليس بحاجة إلى أن يسألهم أن يعطوه؛ لكن تطييباً للقلب، وهذا نأخذ منه قاعدة مفيدة وهي: أن صاحبك الذي تخاطبه إذا كان لا يقتنع أو لا تطيب نفسه إلا بفعلك ما قلتَ له فافعل؛ فإن هذا من الخير. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 24 معنى التوسل في حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! ذكرنا في حديث توسُّل الأعمى أنه حديث مُتَكَلَّمٌ فيه، وهو (اللهم إني أتوجه إليك. ) ؛ لأن بعض العلماء صحح هذا الحديث فنريد الجواب عن قوله حينما علم الأعمى الدعاء في بعض الحديث قال: (يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربك) وفي نهاية الحديث ذكر الراوي قال: (فدخل علينا الرجل كأن لم يكن به شيء) فهذا يفيد أن الرجل كان في الخارج، أو لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك دعاه، فقال: (يا محمد) ، ما الجواب عن ذلك؟ الجواب الجواب على هذا أنه كما ذكر شيخ الإسلام في التوسل والوسيلة وارجع إلى كلامه في هذا الكتاب، أن قوله: (أتوسل إليك بنبيك) له معنيان: المعنى الأول: أتوسل إليك بالإيمان بنبيك. والمعنى الثاني: أتوسل إليك بنبيك، إي: بدعائه، وأنه طلب من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو له، وهذا هو المتعيِّن؛ لأجل أن نوافق الأدلة الأخرى. السائل: هو قال: (يا محمد) ؟! الشيخ: يا محمد، بِمَعْنَىً وهو موجود، راجع الكتاب الذي قلتُ لك، التوسل والوسيلة، حتى يتبين لك الأمر. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 25 حكم قتل الصيد في رأسه بعد إمساكه حيا ً السؤال فضيلة الشيخ: رجل جرح صيداً وأمسكه حياً ولم تكن معه شفرة، فصوب البندقية على رأس الصيد وقتله، هل يحل مثل هذا الشيء؟ الجواب هذا لا يحل لكن لو أنه صوبها على محل الذبح، لكانت حلالاً؛ ولذلك لو فرضنا أن إنساناً معه شاة، وانكسرت أو جُرِحَت وخاف أن تموت، وليس معه سكين، ومعه بندقية، فإنه يصوبها على أوداجها، فإذا أَنْهَرَ الدمَ حلَّت. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 26 حكم القراءة على الحشرات في البيوت السؤال سمعت منكم أن بعض السلف كانوا يقرءون على الحشرات التي تؤذيهم في البيوت فتذهب، وفعلاً في شقتنا كانت هناك وزغة آذاتنا لمدة ستة شهور كانت دائماً تصيح، ثم جلستُ أقرأ القرآن، وتذكرت قولك، فقرأتُ القرآن وفكرتُ في نفسي الآن، وكنت شاكاً، والآن لمدة أسبوعين ما سمعتُ هذه الوزغة، هل عليَّ شيء؟ الجواب ليس عليك شيء؛ لكن لو تخبر الأخ موسى بالآيات التي قرأتَ لأجل أن ينتفع بها، أو لعل الوزغة التي ذكرتَ يسر الله لها من يقتلها، على كل حال كفاك الله شرها، والحمد لله. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 27 حكم الرد على المخالف في المسائل الاجتهادية السؤال بعض الناس يقول: إنه لا يرد على كل واحد؛ لأنه لو رُدَّ على هذا وعلى هذا فمن يبقى للمسلمين ينصحهم؟! فهل هذا صحيح؟ الجواب المسائل الاجتهادية لا يرد الناس بعضهم على بعض، المسائل الاجتهادية مثل شخص يقول: إن الإبل لحمها ينقض الوضوء، والثاني لا يرى هذا، لا يرد عليه، أما أن يكون مبتدعاً يدعو إلى بدعة فلابد أن يُرَدَّ عليه؛ لأن البدع ليس فيها محل للاجتهاد، لأن السلف كلهم مجمعون على نبذ البدع، هذه ما فيها محاباة؛ لكن كونها مسائل فقهية -مثلاً- يختلف الناس فيها وهي محل للاجتهاد لا يمكن أن نقول: كل من خالفك باجتهادك ارْدُد عليه، وكما قلتُ: لو فتحنا هذا الباب أصبحت الدنيا كلها راد ومردود عليه. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 28 جواز الجمع والقصر قبل الوصول إلى البلد بقليل السؤال يا شيخ! أحسن الله إليك! بالنسبة للقادم من السفر ووصل البلد وأدرك المغرب -مثلاً- قبل وصوله إلى البلد بثلاثين كيلو، فهل يجمع في هذه الحالة خشية أن إذا وصل البلد يكون مرهقاً ولا يستطيع أن يصلي مع الجماعة؟ الجواب نعم؛ يعني: إذا أقبل المسافر على بلده، ولم يبقَ عليه إلا قليل، وقد حان وقت صلاة المغرب، فهل يجوز أن يجمع إليها العشاء؟ نقول: نعم؛ ما دام لم يدخل البلد فهو مسافر، وله أن يقصر ويجمع. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 29 حال حديث: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق) السؤال ما صحة حديث: (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) ؟ الجواب نعم، هذا الحديث: (أبغض الحلال عند الله الطلاق) ضعيف؛ لكن لا شك أن الإنسان لا ينبغي له أن يطلق، وأن الأصل في الطلاق أنه مكروه؛ لأن الله تعالى حثنا على إمساك الزوجة ولو كرهناها، فقال: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] ، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بالإمساك، وإن كان على عوج، قال: (إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) . الجزء: 127 ¦ الصفحة: 30 حكم قتل من كَذَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ: شخص في المجلس يخطب ويقول: قال الله تعالى كذا قال رسوله صلى الله عليه وسلم كذا. ثم في المجلس أحد المبتدعة قال: هذا كذاب، ثم كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا أخذ سكيناً وطعنه، هل عليه إثم؟ الجواب الأولى أن يتحاكم أولياء المقتول والقاتل إلى القاضي. السائل: أخطأ على الرسول! الشيخ: أقول: ليس للإنسان أن يفتئت على ولي الأمر ويقتل كل شخص. السائل: هو كذَّب الرسول! الشيخ: لكن طيب كذَّب الرسول، يُرْفَع إلى الجهات المسئولة. السائل: الجهات المسئولة أحياناً لا يبالوا! الشيخ: ما أرى أنه يُقْتَل أبداً، يخوف بالله، ويقال له: عليك أن تتوب؛ لأنه حتى لو قتله الآن ألا يكون في هذا فتنة، يأتي أولياؤه ويقتلون هذا الرجل. السائل: هو كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم. الشيخ: لا، لا، ولو قال، أنت في عصر الفتن، ولا يقبل قولك: إن الرجل كذَّب الرسول، ثم لاحظ أن بعض الناس يكون عنده غضب شديد، وربما ينطق بهذه الكلمة من شدة الغضب لا يملك نفسه. السائل: هل عليه إثم، أم لا؟ الشيخ: على القاتل؟ على الثاني. الشيخ: قُتل الآن! السائل: لا، ما قُتِل، القاتل. الشيخ: أنتَ تقول: هل عليه إثم؟ أسألك أقول لك: القاتل؟ تقول: لا! السائل: القائل، القائل. الشيخ: ما ندري، هذا يرجع إلى هذا القائل، هل إنه قاله بانفعال وغضب شديد لم يملك نفسه فعليه إثم. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 31 حكم اختلاف المطالع في هلال ذي القعدة السؤال فضيلة الشيخ: إذا اختلفت مطالع الهلال بين المملكة العربية السعودية وبلد آخر مثل: الأردن، فمثلاً في شهر ذي القعدة لم يُرَ الهلال في المملكة العربية السعودية فأتموا ثلاثين يوماً، وفي الأردن مثلاً تسعة وعشرين يوماً، فمتى يصوم أهل الأردن يوم عرفة، خصوصاً إذا وافق يوم العيد؟ الجواب نعم، من المعلوم أن المسلمين فيما أعلم بالنسبة لعيد الأضحى يتفقون، ما أظن -مثلاً- أن الأردن يضحون في اليوم التاسع في المملكة، في رمضان صحيح يختلفون؛ لكن في الأضحى ما أظن أنهم يختلفون. السائل: أكثرهم يوافقون. الشيخ: ما أدري، اسأل الآن: هل الأردنيون ذبحوا ضحاياهم يوم (9) بالنسبة للمملكة؟! السائل: لا، هم يشترطون أنهم يوافقون المملكة. الشيخ: مسألة الشرط هذا شيء آخر؛ لكن أنا أتكلم عن الواقع، أن الناس في عيد الأضحى لا يختلفون أبداً، تجد يوم التاسع هنا هو يوم التاسع في كل البلاد الإسلامية. إلى هنا ينتهي هذا اللقاء. ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم، ويتقبل منا ومنكم. الجزء: 127 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [128] بدأ الشيخ لقاءه بتفسير آخر آيات سورة الحجرات من قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا. ) فذكر أن الله بين أن المن له وحده وليس لهم. ثم بينت الآية الأخيرة أن الله محيط بالأمر عليم بكل شيء فلابد للإنسان من مراقبة الله وحفظ أوامره واجتناب نواهيه فهو بصير بجميع الأعمال. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر سورة الحجرات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نبتدئ هذا اللقاء لقاء يوم الخميس، الرابع من شهر صفر عام (1417هـ) ، في جملة لقاءات الباب المفتوح، وذلك ضمن برنامج مستمر -ولله الحمد- نسأل الله تعالى أن يجعل فيه الخير والبركة، وهذه هي الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة، بل هذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائة، ونفتتحه بالكلام على ما تيسر، أو بما تيسر من الكلام على تفسير قول الله لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] : الجزء: 128 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يمنون عليك أن أسلموا) في هذه الآية تكررت (أَنْ) مرتين، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ. } [الحجرات:17] تكررت مرتين، وهي على تقدير الباء، أي: يمنون عليك -يا محمد- بإسلامهم، هذا هو التقدير، وحذف الجار مع (أَنَّ) و (أَنْ) مُطَّرِدٌ، كما قاله ابن مالك رحمه الله في الألفية، في الخلاصة يقول رحمه الله: إن حذف الجار مع (أَنَّ) و (أَنْ) يَطَّرِد مع أَمْنِ اللبس. {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} : أي: بأن أسلموا، أي: بإسلامهم، ويعني بذلك: قوماً أسلموا بدون قتال، فجعلوا يَمُنُّون على الرسول عليه الصلاة والسلام، يذكرون الفضائل ويقولون: إننا نحن آمنا بك ولم نقاتلك، كما قاتلك الناس، مع أن المصلحة لِمَنْ؟ المصلحة لهم، ولهذا قال الله تعالى: {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} . وقوله: {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} هذا إضرابٌ لإبطال ما سبق، أي: ليس لكم مِنَّةٌ على الرسول عليه الصلاة والسلام بإسلامكم، بل المنة لله عز وجل عليكم أن هداكم للإيمان، ولا شك أن هذا أعظم مِنَّة؛ أن يمن الله تعالى على العبد بالهداية للإيمان، مع أن الله أضل كثيراً من الأمة عنه، فإن بني آدم منهم تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار، وواحد من الألف في الجنة، فمن وُفِّق لأن يكون من أهل الجنة؛ فذلك مِنَّة من الله عليه عظيمة، ولهذا (كان الأنصار رضي الله عنهم؛ حينما جَمَعهم النبي صلى الله عليه وسلم -يوم قَسَّم غنائم حنين - كلما ذكر لهم شيئاً قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، قال: ألَمْ أجِدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال: ألَمْ أجِدكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ) ، كلما ذكر شيئاً قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، فالمِنَّة لله علينا، على كل من هداه الله، وأنعم الله عليه بنعمة، فالمِنَّة لله عز وجل عليه. وقوله: {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17] : أي: إن كنتم من ذوي الصدق، القائلين به؛ فاعرفوا أن المِنَّة لله عليكم. {بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} . الجزء: 128 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحجرات:18] :- أخبر الله بهذه الآية أنه يعلم كل ما غاب في السماوات والأرض، وما ظهر فهو من باب أولى. وأخبر عز وجل أن من جملة ما يعلمه: عمل بني آدم، ولهذا قال: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ، وهذه الآية تفيد مسألةً عظيمةً في سلوك الإنسان وعمله، وهي: أن يعلم بأن الله تعالى بصير بعمله محيط به، فيخشى الله ويتقيه. نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالهداية والتوفيق. ويا حبَّذا لو أن أحدكم تكلم على هذه السورة، واستنبط ما فيها من الآداب العظيمة، وجمعها، حتى تكون مرجعاً له عند الحاجة، ولقد رأيت بعض الناس ألَّف تأليفاً مستقلاً فيما يُستَنْبَط من هذه الآيات الكريمة من الآداب والأخلاق، وهي جديرةٌ بذلك. نسأل الله أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالأخلاق الفاضلة، والآداب العالية، إنه على كل شيءٍ قديرٌ. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 128 ¦ الصفحة: 5 تقسيم أوامر ولاة الأمر من حيث الطاعة وعدمها السؤال فضيلة الشيخ! هل أوامر ولاة الأمور كلها للوجوب؟ أم أن منها ما هو للوجوب ومنها ما هو للاستحباب؟ وكيف يمكن معرفة ذلك؟ أثابكم الله تعالى؟ الجواب أوامر ولاة الأمر تنقسم إلى أقسامٍ: القسم الأول: ما لا يجوز طاعته:- وذلك فيما إذا أمره بِمعصية الله، مثل: أن يأمره بِحلق اللحية، أو يأمره بأشياء منكَرةٍ، فهذا لا يَجوز طاعتهم فيه؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فعطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله ورسوله؛ بدون إعادة العامل، مِمَّا يدل على أن طاعة أولِي الأمر على سبيل التبع؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما الطاعة في المعروف) أي: فيما ليس بمنكر، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلاً على سرية، وأمرهم بطاعته، وفي يوم من الأيام أغضبوه، فأمرهم أن يَجمعوا حطباً، فجمعوا حطباً، ثُمَّ أمرهم أن يشعلوا فيه النار، فأشعلوا فيه النار، ثُمَّ أمرهم أن يلقوا أنفسهم فيها، فتوقفوا، وقالوا: إننا لم نتبع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا خوفاً من النار! وأبوا أن يدخلوا النار، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبروه، قال: (إنَّهم لو دخلوها، ما خرجوا منها، إنَّما الطاعة في المعروف) هذا واحد. القسم الثاني: أن يأمر بما أمر الله به ورسوله: أن يأمر ولي الأمر بما أمر الله به ورسوله من العبادات، فهذا إن كان واجباً مثل: أن يأمر بصلاة الجماعة، ويتفقد الناس عليها، فطاعته هنا واجبة، واجبة من وجهين: الوجه الأول: أنها واجبة في الشرع بدون أمر ولي الأمر. والثاني: أنها تزداد تأكيداً إذا أمر بها ولي الأمر. القسم الثالث: أن يأمر بعبادة غير واجبة؛ لكنها مشروعة:- مثل أن يأمر الناس بالصيام، يقول: أيها الناس! صوموا غداً، فإننا سوف نخرج إلى الاستسقاء نستسقي، ودعاء الصائم مستجاب، فصوموا غداً، فهنا لا تلزم طاعتهم؛ لأن هذا عبادة بين العبد وبين ربه فلا تلزم طاعتهم. القسم الرابع: أن يأمر بما فيه حفظ الأمن وصلاح المجتمع:- فهذا تجب طاعته فيه، وإن لم يأمر الله به ورسوله، ما لم يكن معصية، كالأوامر الآن؛ في النظم التي تقرَّر وهي لا تخالف الشرع، فإن طاعة ولي الأمر فيها واجبة، ومَن عصى وخالف فهو آثم. هذا ما يحضرني الآن من أقسام طاعة ولاة الأمور. ولكن هنا مسألةٌ وهي: أن بعض الناس لغيرته على دين الله عز وجل إذا رأى هذه المنكرات، وأن هذه المنكرات متفشية في الناس، مما يُوجَد في الصحف، أو يُسمَع في بعض الإذاعات، أو يُشاهَد عن طريق (الدشوش) -مثلاً- ويَغار على هذا، ويَرى أن الحكومة مقصِّرة في هذا الشيء، ثم يذهب يشيع مساوئ الحكومة بين الناس ويوغِر الصدور عليها، ويلزم من عمله هذا أن يكره الناس ولاة أمورهم. والحقيقة: أن هذه جادةٌ خاطئةٌ جداً، ومخالِفةٌ للشرع، وخطيرةٌ على المجتمع، وسببٌ للفتن، ولو أنه سعى في إصلاح المجتمع نفسه، لكان خيراً له، فمثلاً: ما يُبَث في الإعلام من مقروءٍ ومسموعٍ ومنظورٍ، يُحذِّر الناس منه، يقول: احذروا -مثلاً- من هذه المجلات! احذروا من مشاهدة الأشياء الضارة في الدين، وفي الدنيا! احذروا من كذا! احذروا من كذا! احذروا من الربا مثلاً! احذروا من الرشوة! لَكانَ خيراً له، والمجتمع إذا صلح فإن ولاة الأمور جزءٌ من المجتمع، لابد أن يصلحوا، إما اختياراً وإما اضطراراً، أما أن يصبَّ جام غيرته على ولاة الأمور، من أجل أن يوغر صدور الناس عليهم، فيحصل بذلك الشر والفساد؛ فهذا لا شك أنه خلاف الصواب، وحَيْدَةٌ عن الجادة السليمة، ولا يخفى عليكم جميعاً ما حصل من الفتن العظيمة في زمن علي بن أبي طالب، بل في زمن عثمان رضي الله عنه، فما حصل من الشر والفساد، واستحلال النفوس والأموال؛ بسبب هذا؛ لأن مستعظم النار من مستصغر الشرر. فلذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ ومحرم ولا يجوز. إذا كان في الإنسان غيرةٌ حقيقة فليوجه الشعب إلى الخير، والعَجَب أن بعض الناس تجده يصب جام غيرته على ولاة أموره، وهو يجد في شعبه من يشرك بالله عز وجل، ولا يتكلم! والشرك أعظم مما حصل من المعاصي من ولاة الأمور، أو يذهب يحاول أن ينزل الآيات على ما يهواه هو من المعاني. يقول مثلاً: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ثم يقول: كل نظام أو كل قانون يخالف الشرع فهو كفر، وهذا أيضاً من الخطأ. وإذا فرضنا -على التقدير البعيد- أن ولي الأمر كافر، فهل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد، والفوضى، والقتال؟! لا، هذا غلط، ولا شك في ذلك، فالمصلحة التي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطريق، بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنه -مثلاً- إذا قام طائفةٌ من الناس على ولي الأمر في البلاد، وعند ولي الأمر من القوة والسلطة ما ليس عند هؤلاء، ما الذي يكون؟ هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟ لا تغلب، بل بالعكس، يحصل الشر والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور. والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشرع، ولا ينظر أيضاً إلى الشرع بعين عوراء؛ إلى النصوص من جهة دون الجهة الأخرى، بل يجمع بين النصوص. ثانياً: ينظر أيضاً بعين العقل والحكمة، ما الذي يترتب على هذا الشيء؟ لذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ جداً وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يؤيد من سلكه، بل يرفض هذا رفضاً باتاً، ونحن لا نتكلم على حكومة بعينها؛ لكن نتكلم على سبيل العموم. أما فيما يتعلق بهذه الحكومة -ولله الحمد- فالبلاد -كما تعلمون- بلاد تحكم بالشريعة الإسلامية، والقضاة لا يحكمون إلاَّ بالشريعة الإسلامية، والصيام قائم، والحج قائم، والدروس في المساجد قائمة، إلا مَن حصلت منه مخالفةٌ أو خُشِي منه فتنةٌ، فهذا لابد أن يُمْنَع دفعاً للشر وأسباب الشر. ثم إذا نظرنا -والحمد لله- إلى بلادنا نجد أنه ليس هناك بناءٌ على القبور، ولا طوافٌ بالقبور، ولا بِدَعٌ صوفية أو غيرها ظاهراً، قد يكون عند الناس بدعةٌ صوفية، أو ما أشبه ذلك خفيةً، الخفية هذه ما يخلو منها مجتمع، فكل مجتمع لابد أن يكون فيه شيء من الفساد. إذا نظرنا إلى هذا، وقارنَّا -والحمد لله- بين هذه المملكة، والبلاد الأخرى القريبة منا؛ وجدنا الفرق العظيم، يوجد في بعض البلاد القريبة منا جِرار الخمر علناً في الأسواق تباع، والمطاعم تُفْتَح في نهار رمضان، يأكل الإنسان ويشرب كما يريد، بل توجد البغايا علناً، حتى حدثني بعض الناس أن الذين يأتون إلى بعض البلاد للسياحة، منذ نزوله من المطار؛ يجد عندهم فتيات وفتيان -والعياذ بالله- يقول: ماذا تختار؟ أفتىً أم فتاة؟ علناً، سبحان الله! الإنسان يجب أن ينظر إلى واقع حكومته وواقع بلاده، ولا يذهب ينشُر المساوئ التي قد يكون الحاكم فيها معذوراً؛ لسبب أو لغيره، ثم يَعْمَى عن المصالح والمنافع عمايةً تامةً، وكأن الحكومة لا شيء عندها من الخير إطلاقاً، هذا ليس من العدل. يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] . فإذا قال قائل: ما الذي يجعل هذا واقعاً؟ نقول: أولاً: الغيرة التي لا حدود لها، لا تتقيد بشرع ولا بعقل: وهذا يعود إلى الجهل. ثانياً: الهوى: فهذا سببه أمران: إما الجهل بالشرع أو بالحكمة. وإما الهوى: بمعنى أن يكون الإنسان يعرف أن هذا غلط؛ لكن لشيء في نفسه على ولاة الأمور، يريد أن ينفِّس عن نفسه بنشر مثل هذه الأشياء؛ التي توجب أن يَنْفُرَ الناس من ولاة أمورهم، وأن يوغر صدورهم عليهم. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 6 حكم الصرف الآلي من المكائن الآلية في البنوك السؤال ما حكم ما يسمى بالصرف الآلي من المكائن الآلية، خصوصاً أن البنك المصروف منه يستفيد من عملية الصرف؟ الشيخ: ما هي الصورة؟ لأجل أن يسمع الإخوان، يسأل عن الصرف الآلي. السائل: يعني مثلاً: إذا كان في حساب بنك الراجحي مثلاً. الشيخ: نعم، شركة الراجحي. السائل: وأنت تصرف مثلاً من بنك الرياض، فبنك الرياض يرجع بفائدة على بنك مصرفية الراجحي بالعملية هذه، يعني فائدة معينة، بهللاتٍِ العمليةُ الواحدة؟ الجواب الظاهر: أن هذا لا بأس به، مادام أنت ما أخذت ربا ولا دفعت ربا. السائل: لكن يستفيد بنك الرياض. الشيخ: خليك معي، أنت ما أخذت ربا ولا دفعت ربا، أليس كذلك؟ السائل: بلى. الشيخ: إذاً: بقينا في المعاملة بين البنك وبين شركة الراجحي، هو مثلاً يقول: أنا ما أقرضتكِ إقراضاً؛ ولكن بدلاً من أن تتعبي أنتِ؛ وتضعي صرافاً في السوق الفلاني، أنا وضعتُ وأريد أجرة على ذلك، هذا هو كلامهم في هذا الشيء، وعندي فيه تردُّد، لا شك أن الإنسان لا يقول إنه حلال (100 %) ، وإذا كان الإنسان عنده تردد في أي معاملة من المعاملات، فلَدَينا قاعدة عريضة معروفة في الشريعة، وهي: (أن الأصل في المعاملات الحل) إلا إذا تيقنتُ أنه حرام، فحينئذ امنع، وإلا فلا نضيَّق على عباد الله شيئاً لا نعلم أن الله حرمه، أما العبادات؛ فالأصل فيها المنع، فأي إنسان نراه يتعبد بعبادة نقول: ما الدليل على هذا؟ لكن المعاملات الأصل فيها الحل، فإذا قال إنسان: هذا حرام، نقول: ما هو الدليل؟! الجزء: 128 ¦ الصفحة: 7 صحة حديث: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب) السؤال فضيلة الشيخ! هناك حديث سمعتُه من أن البيت الذي فيه جُنُب لا تدخله الملائكة، فما صحة الحديث؟ الجواب هذا صحيح، إنَّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جُنُب؛ لكن ينبغي للإنسان إذا كان على جنابة، أن يبادر بالغسل، ولاسيما عند النوم؛ فإنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام سُئِل: أيرقد أحدنا وهو جنب قال: (نعم، إذا توضأ فليرقد) . الجزء: 128 ¦ الصفحة: 8 حكم طاعة الأبوين في معصية الله السؤال فضيلة الشيخ هناك شاب التزم على الطريق الصحيح، فأطلق لحيته وقصر ثوبه، ثم لما رآه والده على ذلك طرده من المنزل، وأمره بعدم العودة حتى يحلق لحيته، ثم خرج من المنزل، وبعد عدة سنوات عاد إلى المنزل للسلام على أهله، فقام عمه وأخوه بحلق لحيته بالقوة، ثم خرج من المنزل، ووعده بعد ذلك عمُّه بأن أباه رضي عليه، وعاد مرة أخرى إلى المنزل بعد أن نبتت لحيتُه مرة أخرى، وحينما رآه والده؛ طرده وقال: لا ترجع حتى تحلق لحيتك للمرة الثانية، فخرج من المنزل إلى الآن، فهل يسقُط حقُّ والدِه ولا يعود لمنزله، علماً بأنه قد يتضرر من عودته؟ أفتونا مأجورين! الجواب والله! أنا أظن أن هذه أضغاث أحلام، لا يمكن أن تقع، هل وقع حقيقة؟ السائل: نعم! وقع. الشيخ: سبحان الله! لا شك أن الوالد الآن مُحادٌّ لله ورسوله، إن كان الأمر كما قلتَ؛ لأن الرسول أمر بإعفاء اللحية وهذا يأمر بحلقها؟ ثانياً هذا الأب عاصٍ لله ورسوله، حيث قَطَعَ رحمه؛ لأن ابنه من قرابته يجب عليه أن يصله، وأي قطيعة أعظم من هذه القطيعة، أن يأمره بمعصية الله. لذلك أرى أنه لا حق لأبيه عليه في هذه الحال، ولا يلزمه أن يصل أباه، ما دام يأمره بالمنكر؛ إلا ما اقتضت الحاجة الضرورية إليه، لأن الله يقول: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] . وأما هؤلاء الذين حلقوا لحيته قهراً؛ فحسابهم على الله عز وجل؛ لأن هؤلاء اعتدوا على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، واعتدوا على رجل مسلم من عباد الله ينفِّذ شريعة الله. فنصيحتي لأبيه وعمه أن يتوبا إلى الله عز وجل، وأن يرجعا إليه، وأن يتحللا هذا الولد مما فعلا به قبل أن يأتيهما الموت، فكم من إنسان أصبح ولم يمسِ! وكم من إنسان أمسى ولم يصبح! ولا يدري هذان متى يأتيهما الموت، فعليهما أن يتوبا إلى الله. أما الابن فلا يرجع إلى البيت ما دام أنه برجوعه يحصل له هذا الشر، وهو في حل من هذا. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 9 حكم من ساهم في جمعية بشرط أن يقرضه أعضاؤها السؤال هناك جمعية كل نفر منهم يدفع (200) ريال، وشروط الجمعية هذه، أن ما يقترض منها إلا المساهمون، وهناك شخص يريد أن يشترك في الجمعية هذه على شرط أن يقترض، هل هذا فيه شيء من الربا؟ الجواب الظاهر: أن فيها شيئاً، لماذا؟ لأن دفعه المائتين، لأجل يقرضها إخوانه، فإذا اشترط عليهم أن يقرضوه، فسوف يشترط أن يقرضوه أكثر من المائتين، فلا يجوز. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 10 حكم الانتداب في الوظائف الحكومية السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للانتدابات العسكرية مثلاً في الرياض ستكون إلى المنطقة الغربية، ولا تذهب، ويجيئك مقابل انتداب بناء على أنك انتُدِبْت، وأنت لم تطالب بالانتداب بل هم الذين يضعونك أينما يريدون! الجواب والله! أرى أنه أولاً: لا يجوز للمسئولين أن يضعوا راتب انتداب أو مكافأة انتداب، بدون أن يذهب الرجل إلى ما وُجِّه إليه؛ لأن هذا حقيقةً فيه خيانةٌ لولي الأمر. ثانياً: إذا قُدِّر أنهم أعطوه بدون طلب، وهو يعرف أنه ما ذهب، فحينئذ إن أمكنه أن يرده ويقول: أنا لا أقبله، بدون ضرر عليه فليفعل، فإن كان لا يمكنه إلا بضرر، بمعنى أن المسئولين الذين أعطوه هذه المكافأة بدون انتداب، لو رده لأضروا به؛ فيأخذه ويتصدق به تخلصاً منه. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 11 الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لها أثر كبير في نفوس العصاة السؤال زرنا شباباً على الرصيف، وتحدثنا معهم وذكرناهم؛ لكنَّ واحداً منهم استمر يشرب الدخان ولم يطفئ السيجارة ما العمل؟ وكذلك هل يجوز أن أقول لشخص كان جالساً معي أذكِّره -وأحسستُ أنه يريد شرب الدخان- اذهب ثم ارجع؟ الجواب أقول: عملكم بالطواف على ما ذكرتَ من الأرصفة لدعوة الشباب؛ عمل طيب وتؤجرون عليه، فإن استُجِيْب لكم فالمنة لله على الجميع، وإن لم يُسْتَجَب لكم؛ فقد أديتم ما وجب عليكم، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [النور:54] ، فإذا جلستم إليهم، وتحدثتم بهدوء ولِينِ جانِب، فظني -والله أعلم- أنه لن يتقدم أحد ليفعل المنكر أمامكم، لو لم يمنعه من ذلك إلا الحياء والخجل. لكن لو فُرِض أن بعضهم أصر إلاَّ أن يفعل المنكر؛ فانصرِفوا واتصلوا بهذا الشخص على انفراد مرة ثانية، وخوفوه وعظوه لعل الله أن يهديه. وكذلك إذا كان معك صاحب لك، ورأيته يتأهب ليفعل منكراً؛ فانصحه وخوفه بالله، ولا تيئس، فالذي لا يهتدي في هذه المرة يهتدي المرة الثانية. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 12 كفارة الحلف بالطلاق السؤال فضيلة الشيخ! هناك رجل يسأل أنه طلق زوجته، فقال: عليَّ الطلاق -لزوجته- إن أصبح كلامكِ صحيحاً؛ لأبيعن السيارة وأشتري بثمنها لك ذهباً، ولكن ثبت أن كلامها كان صحيحاً، والرجل لا يستطيع أن يبيع السيارة، ما رأيك في هذا؟ أولاً: نقول له: الحلف بغير الله لا يجوز، فعليه أن يتقي الله عز وجل، ويتوب إلى الله من هذا، ويطعم عشرة مساكين، وتنتهي القضية، ولا يعود لذلك. السائل: جزاكم الله خيراًَ. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 13 حكم طاعة ولي الأمر السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لأحد أئمة المساجد منع الجلوس بعد صلاة الفجر إلى الشروق وقال: هذا الأمر من الأوقاف، فهل يجوز هذا؟ الجواب والله! سمعنا هذا، سمعنا أنه جاء تعميم بأنه إذا انتهت الجماعة تغلق الأبواب. الحمد لله، نقول: سمعنا وأطعنا. وإن كان أحد يحب أن يقرأ، ويذكر الله؛ ففي بيته، أو إذا كان يمكن أن يلتزم لهم بأن يغلق باب المسجد إذا خرج ووافقوا على ذلك؛ فطيب. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 14 حكم الحركة في الجمعة والإمام يخطب السؤال فضيلة الشيخ! هل يقاس إغلاق المكيف، وإغلاق جرس الساعة، وإغلاق الباب أثناء خطبة الجمعة على حديث: (مَن مَسَّ الحصى فقد لغا) ؟ الجواب لا، إذا كان هذا يشوش، وقام الإنسان يغلقه؛ فهو على أجر وعلى خير، بخلاف من مس الحصى، والمراد بالحصى: أن مسجد النبي عليه الصلاة والسلام مفروش بالحصباء، وهي: الحجارة الصغيرة، فبعض الناس -مثلاً- يعبث بهذا، إما يمسحه بيده مثلاً، أو يأخذ حصيات يقلبها، أو ما أشبه ذلك، وهذا لغوٌ لا فائدة منه، أما إنسانٌ مثلاً شَوَّش عليه المكيف أو سمع صوتاً، فأراد أن يغلقه، كما يوجد الآن في (البياجر) بعضها لها صوت رفيع يشوِّش على من حوله، فهذا ليس من اللغو، بل هذا من إزالة المؤذي. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 15 جهاد الدفع لا يشترط فيه وضوح الراية السؤال فضيلة الشيخ! إذا حضر المسلم صف القتال بين أهل الكفر -يعني: اليهود والنصارى والمشركين- وبين من يمثل الإسلام، ولكن الذين يمثلون الإسلام من الفرقة الضالة. فما موقف هذا الرجل المسلم من هذا القتال؟ الجواب إذا حضر الصف لا بد أن يقاتل. ولو كان من الفرقة الضالة. لأنه يقاتل للإسلام، وليس للفرقة الضالة، فيجب عليه أن يثبت، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45] . ويقول عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] . وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من موبقات الذنوب. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 16 حكم بيع المدرسين بعض السلع للطلاب في المدرسة السؤال بعض المدرسين أو المدرسات في بعض المدارس يجيئون ببضائع لأنفسهم، ويبيعونها داخل المدرسة للطلاب أو الطالبات، فما أدري ما حكم المال الذي يحصلون عليه! الجواب والله! الظاهر لي أنه ممنوع، وإذا صار ممنوعاً فلا يحل لهم هذا، لا يجوز أن يجيئوا بأشياء ممنوعة؛ لأن المدرسة للحكومة، فإذا منعت من إدخال شيء إليها؛ وجب الامتناع، ثم إن هذا الذي يبيع هل سيبيع برخص؟ لا، بغلاء. طَيِّبٌ! هذا ليس بائعاً بثمن المثل، ولا برخص، ولا استأذن، فليس فيه إشكال أنه حرام، فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود، وما أخذه من الكسب قبل أن يعلم بالتحريم؛ فهو معفو عنه. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 17 حكم المبايعة لولي الأمر مع عدم وجود خليفة السؤال فضيلة الشيخ! هناك من يحاول أن يشكك في أمر البيعة لولاة أمرنا بأمور منها: - أن البيعة لا تكون إلا للإمام الأعظم. - أو بقوله: أنا لم أبايع. - أو بقوله: أن البيعة فقط للملِك وليس لإخوته. فما قولك؟ الجواب لا شك أن هذا من جنس ما أشرنا إليه في أول سؤال سُئِلنا إياه، وأنَّ هذا خاطئ، وإذا مات صاحبه فإنه يموت ميتة جاهلية؛ لأنه سيموت وليس في رقبته بيعة لأحد. والقواعد العامة في الشريعة الإسلامية أن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] فإذا لم يوجد خليفةٌ للمسلمين عموماً فمن كان ولي أمر في منطقة فهو ولي أمرها، وإلا لو قلنا بهذا الرأي الضال؛ لكان الناس الآن ليس لهم خليفة، ولكان كل الناس يموتون ميتة جاهلية، ومن يقول بهذا؟! الأمة الإسلامية تفرقت من عهد الصحابة، تعلمون أن عبد الله بن الزبير في مكة، وبنو أمية في الشام، وكذلك في اليمن أناس، وفي مصر أناس، وما زال المسلمون يعتقدون أن البيعة لمن له السلطة في المكان الذي هو فيه، ويبايعونه ويدعونه بأمير المؤمنين، ولا أحد ينكر ذلك. فهذا شاق لعصا المسلمين من جهة عدم التزامه بالبيعة، ومن جهة أنه خالف إجماع المسلمين من عهد قديم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي) ، هذه واحدة. الثانية: يقول: إنه لم يبايع. وهذه في الحقيقة دعوة جاهل من أجهل عباد الله، الصحابة رضي الله عنهم لما بايعوا أبا بكر، هل كل عجوز وكل شيخ وكل يافع جاء وبايع، أم بايعه أهل الحل والعقد؟ فإذا بايع أهل الحل والعقد أميراً على البلاد؛ فقد تمت البيعة، وصار أميراً تجب طاعته. والثالث: أنهم ما بايعوا للملِك، ما الذي أدراهم أنهم ما بايعوا للملك، الناس بايعوا للملك، أنا حضرتُ البيعة لـ خالد رحمة الله عليه، وللملك فهد وبايعنا، صحيح ما جاء كل صغير وكبير يبايعونه، إنما بايع أهل الحل والعقد فقط. ثم إنه إذا بويع الإنسان بالإمرة على بلد من البلاد، ثم جعل له ولي عهد؛ فهو ولي عهدٍ مِن بعدِه، إذا انتهت ولاية الأول صار هذا الثاني -بدون مبايعة- ولي أمر، ولا يصلح الناس إلا هذا، لو قلنا: إن ولي العهد ليس له ولاية عهد حتى يبايَع من جديد، صار فيه فوضى؛ لكن مثل هذه الآراء يلقيها الشيطان في قلوب بعض الناس؛ من أجل أن يفرق جماعة المسلمين، ويحصل التحريش الذي بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الشيطان قد أَيِسَ أن يُعْبَد في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) . فبلِّغ هذا الأخ نصيحتي إياه، أن يتقي الله عز وجل، وأن يعتقد أنه الآن في ظل أميرٍ ذي ولاية عليه، حتى لا يموت بعد ذلك ميتة جاهلية. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 18 التقيد بالألفاظ المشروعة في خطبة الجمعة السؤال هل للخطيب أن يتشهد بصيغة الجمع يقول: نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله، وإذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم هل يكفي المستمع أن يؤمِّن؟ الجواب أما الأول: فالأحسن أن يتشهَّد بالوارد، والوارد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، في خطبة الحاجة: (الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله) فجعل الضمائر الأولى بصيغة الجمع، والثانية بصيغة الإفراد، قال العلماء: ووجهه: أن الشهادة بالتوحيد، الأنسب أن يكون الفعل أيضاً موحَّداً حتى تكون الصيغة والمعنى متفقَين؛ لكن لو قال: نشهد؛ فلا أرى في هذا بأساً، بل يُرْشَد إرشاداً ويوجه، فيقال: الأفضل أن تقول: أشهد. أما الفقرة الثانية: وهي أنا لو سمعنا شخصاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: آمين، يكفى؛ لأن هذا الشخص الذي قال صلى الله عليه وسلم، إنما يدعو بالصلاة للرسول عليه الصلاة والسلام كما لو قال: اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين -مثلاًَ- قلنا: آمين، يكفي، فكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 19 من يقيم في بلد غير بلده لمن يعطي بيعته السؤال فضيلة الشيخ! ماذا يجب على مقيم يقيم في بلدة معينة ولها حاكم معين؟ هل له البيعة للحاكم في البلدة هذه أم لحاكم بلدته؟ الجواب هو -بارك الله فيك- الآن -مثلاً- لو قدرنا أن إنساناً في السعودية، فلا يمكن أن يبايع أميراً في أي مدينة من المدن، مع وجود الحاكم العام. وكذلك أيضاً في بقية البلاد الإسلامية، ما دام هناك حاكمٌ عامٌ؛ فإنه لا بيعة لأحدٍ سواه، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن نفي ببيعة الأول فالأول، وأن من جاء يريد أن يشق العصا فإننا نقتله؛ لأنه مفسد. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 20 الخصومات يرجع فيها إلى القضاء لا إلى المفتي السؤال فضيلة الشيخ! زوجان وقع بينهما طلاق لا رجعة فيه، وبينهما ولد وبنت، وعمر البنت حين وقع الطلاق اثنتا عشرة سنة، والولد ثمانِ عشرة سنة تقريباً، فإلى مَن يذهبون؟ إلى الأب؟ أو إلى الأم؟ وبينهما خصومة إلى الآن! الجواب هذه -بارك الله فيك- ترجع للقاضي، المسائل التي فيها خصومة من الحكمة ألا يُفْتِي فيها أحد؛ لأنه قد يُفْتِي بحسب ما سمعه من الخصم، ويكون عند خصمه ما يدفع به الحجة؛ ولأنه إذا أفتى فربما يأخذ الخصم هذه الفتيا من أجل أن يحتج بها على القاضي إذا جلسوا بين يديه، مع أن المفتي لم يعلم عن دفع هذه الحجة. فأنا أشير على إخواني طلبة العلم بأنه إذا استفتاهم أحد في مسائل فيها خصومة أن يقولوا: هذه أمرها إلى القضاة، لئلا يوقعوا الناس في شر وبلاء. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 21 حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقتها نتيجة الانشغال بسفر أو غيره السؤال عن رجل أدى زكاة الفطر، في اليوم السادس والعشرين من رمضان بسب سفره؟ الجواب يقول أهل العلم: إن الإنسان إذا فعل العبادة المؤقتة قبل وقتها؛ فإنها لا تصح؛ لكن ليس معنى قولهم: لا تصح؛ أنه ليس فيها ثواب، إذا كان الإنسان فعل ذلك جاهلاً؛ فإنه يثاب عليها، لكن يلزمه أن يفعلها في الوقت. فهؤلاء القوم الذين دفعوا فطرتهم في السادس والعشرين، نقول لهم: يعيدونها الآن، يدفعونها الآن قضاءً، نظيرُ ذلك لو أن أحداً ظن أن وقت الظهر قد دخل؛ فصلى الظهر قبل الوقت، ثم تبين الأمر؛ فإنه يصلي الظهر في وقتها، وتكون صلاته الأولى نافلة يثاب عليها. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 22 حكم جهر المرأة في الصلاة الجهرية في حالة وجود أجانب أو عدم وجودهم السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للمرأة في الصلاة الجهرية، هل تجهر مثل الرجال إذا لم يكن حولها رجال أجانب، ولا يسمع صوتها أحد أم أنها تسر في الجهرية والسرية؟ حفظكم الله. الجواب نعم، المرأة لا تجهر في الصلاة، لا في الصلاة الجهرية ولا في السرية، حتى وإن لم يكن عندها أحد، لأنها مأمورة بخفض الصوت، وربما يقال: إذا لم يكن عندها أحد وكان جهرها بالقراءة أنشط لها، كما لو كان ذلك في التهجد في الليل، ربما يقال: إنه لا بأس به؛ لأنه ليس فيه محظور. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 23 فكرة ترقيع الإسلام في العقيدة والمنهج السؤال ما حكم فكرة ترقيع الإسلام، ومعناها: أن يعتقد الشخص عقيدة سلفية؛ لأنه درس وتخرج على منهج سلفي من كلية الدعوة، أو كلية الشريعة، أو كلية الحديث -مثلاً- لأنه درس دراسة سلفية؛ ولكنه عندما يأتي إلى الدعوة يقول: لا هذا المنهج لا ينفعنا، بل ننهج نهجاً آخر: إخوانياً أو تبليغياً أو غير ذلك، فإنه لا يضرنا لأننا سلفيون عقيدةً، أما منهجاً ودعوة؛ فلا يصلح، فهل كان السلف الصالح يفرقون بين العقيدة، ومنهج الدعوة؟ بارك الله فيكم. الجواب المنهج -بارك الله فيك- مبني على العقيدة، فمن كانت عقيدته سليمة؛ فسيكون منهجه سليماً بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر: (افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثلما أنا عليه وأصحابي) ، فقوله: (على مثلما أنا عليه وأصحابي) يعني في العقيدة والمنهج والعمل وكل شيء، ولا يمكن أن يختلف هذا وهذا، فمثلاً الإخوانيون والتبليغيون والإصلاحيون وغيرهم، إذا كان منهجهم لا يخالف الشريعة؛ فلا بأس به، وإذا كان يخالف الشريعة؛ فإنه لا بد أن يصدر عن عقيدة؛ لأن كل عمل له نية، فإذا اتخذ إنسان منهجاً مخالفاً لمنهج الرسول عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين؛ فمعناه: أنَّ عقيدته غير سليمة، وإلاَّ متى سلمت العقيدة سلم المنهج. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أقول: إن من البلاء الذي حل بالأمة، ولا سيما في الوقت الحاضر، التفرق والتشتت، هذا ينهج منهج فلان، وهذا ينهج منهج فلان، وليتهم يدعُ بعضُهم بعضاً، بل تجد كل واحد يضلل الثاني، وربما يكفره في أمور ليست ضلالاً، وليست كفراً، وهذه بلوى ضُرِبَت بها الصحوة الإسلامية التي كنا نؤمل فيها خيراً قبل سنوات قليلة، الآن أصبح كثير من الشباب متفرقين، ربما يُبْغِض هذا الأخ الشاب الذي يريد الحق مثلما يريده، أشد مما يُبْغِض الإنسان الفاسق، نسأل الله العافية، كل هذا لا شك أنه من وحي الشيطان، وأوامره، فالواجب علينا أن يأتلف بعضُنا إلى بعض وأن نجلس ونبحث، من كان على حق نصرناه، ومن كان على باطل بيَّناه له؛ لكن إذا قال: أنا لا أعرف إلا هذا وهذا اجتهادي، وله مسوغ في اللغة العربية، وفي الشرع؛ فإننا لا نضلله، والحمد لله الأمر واسع. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 24 حكم التوكيل في إخراج زكاة الفطر السؤال ذكرتم في تقديم زكاة الفطر أنه يُثاب عليها إذا قدَّمها، ولكنها لا تجزئه. فبعض الإخوان هنا يرسل زكاته إلى خارج البلاد، مثلاً: في السعودية، يرسلها إلى السودان، فهل في هذه الحالة يجزئ عنه؟ الجواب إذا أخرج الإنسان زكاة الفطر يعني: أرسلها إلى شخص وقال: أدِّها عني، فهذا الشخص -أي: وكيله- يُبْقيها عنده إلى أن يبقى يوم أو يومان على العيد ثم يخرجها، ولا بأس بارك الله فيكم. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 25 الجمع بين حديث (النهي عن الاغتسال بفضل المرأة والعكس) وحديث (اغتسال النبي مع زوجته ميمونة) السؤال جاء في حديثٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل والرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعاً) ، وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم (اغتسل بفضل ميمونة) ، فكيف الجمع بين هذين الحديثين؟ أحسن الله إليك. الجواب الجمع بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ السببَ، قال: (لا يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولا المرأة بفضل الرجل، وليغترفا جميعاً) ومعلوم أنهما إذا اغترفا جميعاً سوف يغتسلان جميعاً، ولهذا كان هدي الرسول الفعلي كهديه القولي، أن الرجل يغتسل هو وزوجته من إناءٍ واحدٍ؛ لأن هذا أبلغ في الألفة والمودة، وليس هناك عورة يجب اتقاؤها بين الرجل وامرأته؛ لهذا الرسول قال: لا يفعل كذا، وليفعل كذا، لو أطلق صار بين الحديثين شيء من التعارض؛ لكن لما قال: (وليغترفا جميعاً) كأنه نهانا عن التفرق أن يغتسل كل واحد منا على حِدَة، وأمرنا أن نجتمع على الماء. تقول عائشة: (إنها كانت تغتسل مع النبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، تختلف أيدينا فيه) هذا هو المشروع، وليس معنى ذلك أنه لو تقدمت المرأة في غسلها بدون اتفاق بينهما على التقدم والتأخر؛ فإن الرجل يُنهى أن يغتسل بعد هذا، لا، ليس فيه نهي، الرسول عليه الصلاة والسلام اغتسل بفضل ميمونة، حتى إنه اغتسل بفضل إحدى زوجاته وقد كانت جنباً، قال: (إن الماء لا يجْنب) ، فهذه الحكمة، ربما بعض الناس يأنف أن يكون هو وزوجته في الحمام يغتسلان جميعاً! فنقول: ليس فيها أنفة، إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أشد الناس حياءً؛ يفعل ذلك مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فما المانع؟ فالنهي المراد به: الإرشاد إلى حال أخرى وهي: أن يغترفا جميعاً. السائل: ونوم الجُنُب بغير وضوء! الشيخ: نوم الجنب بدون وضوء، يرى بعض العلماء أنه حرام؛ لأن الرسول قال: (إذا توضأ فليرقد) ، والمشهور من المذهب عندنا أنه مكروه، وهذا هو الأقرب؛ لكن أحياناً يكون -مثلاً- في أيام الشتاء والبرد شديد، ويشق عليه أن يغتسل ثم يرجع فينام، أو يتوضأ ثم يرجع فينام، فالذي أرى أنه إن شاء الله ليس فيه بأس. السائل: لكن الوضوء لا يكلفه شيئاً. الشيخ: لا تدري، ربما يكلفه وربما إذا صار الإنسان في برد، وليس عنده إلا ماء بارد فقد يكلفه. بارك الله فيكم. إلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى. ونسأل الله تعالى أن يثيبكم على حضوركم؛ لأن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة) . جعلنا الله وإياكم من أهل مَنِّه وكرمه. الجزء: 128 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [129] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) ، تحدث الشيخ في مطلع السورة أن القرآن نزل بالعربية ومع ذلك أعجز الفصحاء والبلغاء من العرب، وهنا أقسم الله بالقرآن؛ لأنه كلامه، وكلامه صفة من صفاته، وقد ذكر أهل العلم أنه يجوز الإقسام بالصفة بالإضافة إلى ما ذكره الله من وصف الكافرين الذين تعودوا على التكذيب للرسل، وكذلك تعجبهم على ذلك وعجبهم هنا عجب استغراب واستنكار، وكذلك إنكارهم للبعث، فرد عليهم سبحانه أن الإنسان يبلى في الأرض إذا مات، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما تنقص الأرض منهم، وذلك محفوظ في الكتاب عنده سبحانه وتعالى، ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائة، من اللقاءات التي يُعَبَّر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو يوم الحادي عشر من شهر صفر من عام (1417هـ) . نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا ولكم في أعمالنا وأقوالنا، إنه على كل شيء قدير. نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] حيث انتهينا ولله الحمد من تفسير سورة الحجرات. أولاً: البسملة:- سبق الكلام عليها، وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء كل سورة، إلا سورة براءة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا أمامها بسملة، ولكنهم جعلوا فاصلاً بينها وبين آخر سورة الأنفال. وليس هناك ذكر يُذْكَر بدلاً عن البسملة كما يوجد في هوامش بعض المصاحف، حيث كُتِب: (أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) . وهذا لا شك أنه كلام بدعي لا أصل له ولا صحة له. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ق والقرآن المجيد) يقول الله عز وجل، بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] (ق) : حرف من الحروف الهجائية التي يتركب منها الكلام العربي، وهي كسائر الحروف ليس لها معنىً في حد ذاتها، ومن المعلوم أن القرآن نزل باللسان العربي، وإذا كانت هذه الحروف ليس لها معنىً باللسان العربي، فهي كذلك ليس لها معنىً في كتاب الله عز وجل من حيث المعنى الذاتي لها. وأما بالنسبة للمغزى العظيم الكبير فهو أن هذا القرآن -الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم- لم يأت بشيء جديد من حروف ليس يعرفونها، بل أتى بالحروف التي يعرفونها، ومع ذلك عجزوا على أن يأتوا بمثله، فدل ذلك على أنه من كلام العزيز الحميد جل وعلا، ولهذا لا تكاد تجد سورة ابتُدئت بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن. هنا قال عز وجل: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (الواو) حرف قَسَم، أقسم الله تعالى بالقرآن؛ لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء، وإقسامه هنا بالقرآن إقسامٌ بكلامه، وكلام الله تعالى من صفاته. وقد ذَكَر أهل العلم رحمهم الله أنه يجوز الإقسام بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته، وأما آياته فلا يُقْسَم بها إلا إذا قصد الإنسان بالآيات كلماته كالقرآن الكريم، والتوراة، والإنجيل، وما أشبه ذلك، وأما الآيات الكونية كالشمس والقمر فلا يجوز لنا أن نقسم بها، أما الله عز وجل فله أن يقسم بما شاء. {وَالْقُرْآنِ} [ق:1] مأخوذ من قرأ إذا تلا، أو من قرى إذا جمع، ومنه: القرية؛ لأن الناس يجتمعون فيها، والقرآن يتضمن المعنيين: - فهو متلو. - وهو مجموع أيضاً. {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] أي: ذو المجد، وهي العظمة والسلطان المطلق، فالقرآن له عظمته العظيمة، مهيمنٌ مسيطر على جميع الكتب السابقة، حاكم عليها، ليس محكوماً عليه. وهو أيضاً مجيد به، يمجد ويعلو ويظهر مَن تمسك به، وهذا كقوله تعالى {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (بل عجبوا أن جاءهم منذر) قال تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:2] هنا لا يتراءى للإنسان التالي جواب القسم، فاختلف العلماء رحمهم الله في مثل ذلك هل له جواب أو جوابه يُعْرَف من السياق، أو يُعْرَف من المقسَم به؟ فيه أقوال متعددة للعلماء، وأظهر ما يكون أن نقول: إن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب للقسم؛ لأنه معروف من عظمة المقسَم عليه، فكأنه أقسم بالقرآن على صحة القرآن. فالقرآن المجيد لكونه مجيداً كان دليلاً على أنه حق، وأنه منزل من عند الله عز وجل، وحينئذ لا يحتاج القسم إلى جواب، لأن الجواب في ضمن القسَم. {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:2] {عَجِبُوا} (الواو) تعود على المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام الذين كذبوا رسالته، كذبوا بالقرآن كذبوا بالبعث كذبوا باليوم الآخر، ولهذا {عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق:2] ، عجبوا عجب استغراب واستنكار، وإنما قلنا ذلك لأن العجب: - تارة يُراد به: الاستنكار والتكذيب. - وتارة يُراد به: الاستحسان فقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) ، المراد بالعجب هنا الاستحسان. وقوله هنا: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} المراد به: الاستنكار والتكذيب، {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} ليس بعيداً عنهم، هو منهم، نسباً، وحسباً، ومسكناً، يعرفونه، ومع ذلك قالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أئذا متنا وكنا تراباً) قال تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} لما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرهم بأن الناس سوف يبعثون، وسوف يجازَون ويحاسبون تعجبوا! كيف هذا؟! أيحيا الإنسان بعد أن كان رفاتاً؟! {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} (إذا) من المعروف أنها ظرفية، وكل ظرف يحتاج إلى عامل، والعامل هنا محذوف دل عليه ما بعده، والتقدير: أئذا متنا وكنا تراباً نُرْجَع ونبعث؟! ثم قال: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} ولهذا يحسن عند التلاوة أن تقف على قوله: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} لأن قوله: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} جملة استئنافية، لا علاقة لها من حيث الإعراب بما قبلها. (أئذا) الاستفهام هنا بمعنى الإنكار والتكذيب، كأنهم يقولون: لا يمكن أن نرجع ونبعث بعد أن كنا تراباً وعظاماً! ولكن بيَّن الله عز وجل أنه قادر على ذلك، فلما قالوا: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} ومرادهم بالبُعْد هنا: الاستحالة، هم يرون أن ذلك مستحيل، وربما تلطف بعضهم وقال: {ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} فهم تارة ينكرون إنكاراً مطلقاً ويقولون: هذا محال! وتارة يقولون: هذا بعيد. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) قال الله تعالى مبيناً قدرته على ذلك: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:4] الأرض تأكل الإنسان إذا مات، فالله تعالى يعلم ما تنقص الأرض منه، من أجزاء بدنه، ذرةً بعد ذرة، ولو أكلته الأرض. وقوله: {مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} قد يفيد أنها لا تأكل كل الجسم، وفي ذلك تفصيل. أما الأنبياء فإن الأرض لا تأكلهم ما داموا في قبورهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) . وأما غيرهم فقد يبقى الجسم مدة طويلة لا تأكله الأرض إلى ما شاء الله، وقد تأكله الأرض؛ لكن إذا أكلته الأرض فإنه يبقى عَجْبُ الذَّنَب، وعَجْبُ الذَّنْب: هو عبارة عن جزء يسير من العظم في أسفل الظهر، هذا يبقى بإذن الله، لا تأكله الأرض، كأنه يكون نواة للجسم عند بعثه يوم القيامة، فإن منه يُخْلَق الآدمي في قبره، فإذا تَمَّ، نُفِخ في الصور، ثُمَّ قاموا من قبورهم لله عز وجل. {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} وإذا كان الله تعالى عالماً بما نقصت الأرض فهو قادر على أن يرد هذا الذي نقصته الأرض عند البعث. {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4] عند الله تعالى كتاب حفيظ، أي: حافظ لكل شيء، قال الله تعالى: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:9-12] . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) قال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (بَلْ) هنا: للإضراب الانتقالي، وليست للإضراب الإبطالي؛ لأن الأول ثابت، والثاني زائد عليه، وهذا هو الفرق بين (بَلْ) التي لإضراب الإبطال، وبين (بَلْ) التي لإضراب الانتقال، فصارت (بَلْ) للإضراب دائمة؛ لكن إن كانت تبطل الأول فسموها: إضراب إبطال، وإن كانت لا تبطله فهي: إضراب انتقال، كأنه انتقل من موضوع إلى آخر. {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} ولكن قلوبهم موقنة، إلا أن ألسنتهم تكذب، كما قال تعالى عن آل فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) [النمل:14] . {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (لَمَّا) هنا: بمعنى حين، فهي ظرف، وليست حرفاً. {لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} (الفاء) هنا: للتعقيب والسببية، والمعنى: فهم لما كذبوا بالحق في أمرٍ مختلط، اختلط عليهم الأمر والعياذ بالله، وهذا كقوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام:110] لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] هؤلاء لما كذبوا صاروا في أمر مريج، التبس عليهم الأمر، وترددوا في أمرهم. وهكذا كل إنسان يَرُدُّ الحق أول مرة فليعلم أنه سيُبتلى بالشك والريب في قبول الحق في المستقبل. ولهذا يجب علينا من حين أن نسمع أن هذا الشيء حق أن نقول: سمعنا وأطعنا، خلافاً لبعض الناس الآن: تقول له: أمر الرسول بهذا. يقول: لكن! الأمر للإيجاب أو للاستحباب؟! سبحان الله! افعل ما أمرك به سواء على الوجوب أو على الاستحباب. فإذا ترددتَ؛ لأن معنى قوله: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟! معناه: إذا كان للاستحباب فأنا في حل منه، وإذا كان للوجوب فعلته، هذا خطأ، قل: سمعنا وأطعنا، ثم إذا وقعت المخالفة فحينئذ ربما يكون السؤال عنه: هل هو واجب أو مستحب، ربما يكون وجيهاً، أما قبل ذلك فلا. قد يقول قائل: هل هو واجب أو مستحب؛ لأن هناك فرقاً بين الواجب والمستحب أيهما أحب إلى الله؟ الواجب أحب إلى الله، فأنا أفعله من أجل إذا اعتقدتُ أنه واجب أثاب عليه ثواب واجب، وإذا اعتقدتُ أنه سنة أثاب عليه ثواب سنة. قلنا: نعم، هذا أفضل، لكن ثواب انقيادك للحق لأول مرة وبكل سهولة وبدون سؤال أفضل من كونك تعتقده واجباً أو مستحباً، وإذا كان الله قد أوجبه عليك أثابك ثواب الواجب، وإن كنت لا تدري، فالانقياد وتمام الانقياد أفضل بكثير من كوني أعتقد هذا واجباً أو مستحباً. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 8 حكم التفجيرات داخل البلاد الإسلامية السؤال فضيلة الشيخ، لا يخفى عليكم حادث التفجير الذي سبق وأن وقع في العليا، وحدث فيه إزهاق للأرواح من المعاهَدين وغير ذلك، والذي حدث من أحداث الأسنان وسفهاء الأحلام، وأنكم تعلمون عِظَم هذا الفعل وما فيه من مخالفةٍ لأمر الله، وأمر رسوله وعدم الأخذ بالأدلة الشرعية، وتسفيه لآراء العلماء والراسخين في العلم، ومن مشاقة ومحاربة لولي الأمر، والآن وقد حدث تفجير جديد في الخبر، فهل من كلمة لتبيين دين الله تعالى في ذلك، والتحذير من هذا المنزلَق الخطير الذي سلكه فئة من الشباب وهم قلة ولله الحمد، وهو مستمد من فعل الخوارج وهم قد لا يعلمون أنهم يفعلون ذلك، وأن فعلهم فعل الخوارج؟ فهل من تبيين لدين الله سبحانه وتعالى؟ الجواب والله لا شك أن هذا العمل عمل لا يرضاه أحد، كل عاقل، فضلاً عن المؤمن لا يرضاه؛ لأنه خلاف الكتاب والسنة، ولأن فيه إساءة إلى الإسلام في الداخل والخارج؛ لأن كل الذين يسمعون بهذا الخبر، لا يضيفونه إلا إلى المتمسكين بالإسلام، ثم يقولون: هؤلاء هم المسلمون، هذه أخلاق الإسلام، والإسلام منها بريء. فهؤلاء في الحقيقة أساءوا قبل كل شيء إلى الإسلام، ونسأل الله تعالى أن يجازيهم بعدله بالنسبة لهذه الإساءة العظيمة. ثانياً: أنهم أساءوا إلى إخوة لهم من الملتزمين؛ لأنه إذا تصوَّر الناس حتى المسلمون أن هذا يقع ممن يدَّعي أنه مسلم وأنه يغار للإسلام فسوف يَكْرَه مَن هذه أخلاقه، وسوف يظن أن هذه أخلاق كل ملتزم. ومن المعلوم أن هذا لا يمثل أحداً من الملتزمين إطلاقاً؛ لأن الملتزم حقيقة هو الذي يلتزم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. ولا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى أمر بوفاء العهود وأمر بوفاء العقود، وقال: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] . ولا يخفى علينا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة) . ولا يخفى علينا أيضاً أنه قال عليه الصلاة والسلام: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . ولا يخفى علينا أن الائتمان أو التأمين والإجارة يكون حتى من واحد من المسلمين، وإن لم يكن ولي أمر، ولو كانت امرأة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) ، فكيف إذا كان هذا الأمان من ولاة الأمور؟! فهذا هو عين المحادة لله ورسوله وعين المشاقة لله ورسوله. ثالثاً: لو قدرنا على أسوء تقدير أن الدولة التي ينتمي إليها هؤلاء الذين قتلوا دولة معادية للإسلام فما ذنب هؤلاء؟! هؤلاء الذين جاءوا بأمر حكومتهم ولم يأتوا بأمرهم، قد يكون بعضهم جاء عن كره، ولا يريد الاعتداء. ثم ما ذنب المسلمين الساكنين هناك؟! فقد قتل من المسلمين من هذه البلاد عدة وأصيب عدة من هؤلاء، من أطفال، وعجائز، وشيوخ، في مأمنهم، في ليلهم، عند الرقاد على فرشهم. ولهذا تعتبر هذه جريمة من أبشع الجرائم، ولكن بحول الله {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] سوف يُعْثَر عليهم إن شاء الله ويأخذون جزاءهم. لكن الواجب على طلاب العلم أن يبينوا أن هذا المنهج منهج خبيث، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفوا عن دماء المشركين، وأن هؤلاء إما جاهلون، وإما سفهاء، وإما حاقدون. فهم جاهلون: لأنهم لا يعرفون الشرع، الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى دِينٍ في العهد هو دين الإسلام والحمد لله. وهم سفهاء أيضاً: لأنه سوف يترتب على هذه الحادثة من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، يعني: ليست هذه وسيلة إصلاح، حتى يقولوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] بل هم المفسدون في الواقع. أو حاقدون على هذه البلاد وأهلها، لأننا لا نعلم والحمد لله بلاداً تنفذ من الإسلام مثلما تنفذه هذه البلاد. الآن البلاد الإسلامية أليس فيها القبور تُعْبَد من دون الله؟! أليس فيها بيوت الدعارة؟! أليس فيها الزنا؟! أليس فيها اللواط؟! أليس فيها الخمر علناً في الأسواق؟! أليس حكامها يصرِّحون بأنهم يحكمون بالقوانين لا بالكتاب والسنة؟! فماذا يريدون؟! ماذا يريدون من فعلهم هذا؟! أيريدون الإصلاح؟! والله ما هم بمصلحين، إنهم لمفسدون؛ ولكن علينا أن نعرف كيف يذهب الطيش والغَيْرة -التي هي غُبْرة وليست غَيْرة- إلى هذا الحد؟! ولا شك أن هذا إساءة أيضاً في المرتبة الرابعة أو الخامسة إلى هذه البلاد وأهلها وترويع الآمنين. كل إنسان يتعجب! كيف يقع هذا في هذا البلد الأمين. ولكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخزي هؤلاء، وأن يُطْلِع ولاة الأمور عليهم، وعلى من خطط لهذه الجرائم، حتى يحكموا فيهم بحكم الله عز وجل. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 9 حكم تصرف الأم بهدايا طفلها المولود السؤال الهدايا التي تُقَدَّم إلى الأطفال حديثي الولادة هل للأم التصرف فيها بإهداء أو بيع أو نحوه؟ الجواب الهدايا التي تُهدى للمولود من أول ما يولد هي ملك له، والأم ليس لها ولاية على ولدها مع وجود أبيه، وعلى هذا فلا يحل لها أن تتصرف فيها إلا بإذن أبيه، أما إذا أذن فلا بأس، وسواء كان المولود بنتاً أو ابناً، الحق في المال للأب لا للأم. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 10 حكم طلاق الغضبان السؤال أنا يا شيخ أعمل في الرياض وزوجتي هنا، فذهبتُ أنا وزوجتي إلى الرياض إلى أخي فآذتني زوجة أخي، وتلفَّظَت عليَّ بكلمات قبيحة فقلت: ارجعي، انظري! فلانة طالق؛ لأن زوجتي خالة المرأة هذه، فأريد أن أخوف المرأة هذه لكي ترجع وتكف أذاها عني، فرجَّعَتْ كلاماً ثانياً عليَّ وتلفظت عليَّ ففقدت شعوري خِفْتُ أني أضرب المرأة هذه، أو يحصل مني مساً بها، فقلت: انظري! هي طالق. الشيخ: خالتها؟ السائل: إي نعم، انهارت أعصابي، وأنا يا شيخ ما نيتي الطلاق، نيتي أن أكف أذى المرأة هذه عني؛ لأن امرأتي خالة المرأة هذه؟ الشيخ: طلاقك هو طلاقك الأخير لَمَّا أغضبتكَ المرأة. السائل: نعم. الشيخ: طلقَّت الطلاق الأخير وأنت في شدة غضب ما تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ، ولكن بعدما أغضبتني المرأة هذه استرجعَت و. الشيخ: المهم: أجب عن سؤالي فقط! السائل: سمعاً. الشيخ: هل أنت في تلك الساعة لا تملك نفسك؟ السائل: نعم يا شيخ. الجواب إذاً ليس عليك طلاق، المرأة زوجتك وليس عليك طلاق؛ لكني أشير عليك ألا تتسرع في الطلاق. السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ. الشيخ: الأمر ينقضي بدون تسرع. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: وهذه المرأة التي تقول: إنها تؤذيكم، إن كنت تستطيع أن تنصحها فهذا المطلوب، وإلا فزوجها ينصحها أو أبوها أو ما أشبه ذلك. السائل: جزاك الله خيراً يا شيخ. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 11 حكم إمامة المصروع للناس السؤال فضيلة الشيخ، هل يجوز للإنسان المصروع أن يؤم الناس؟ الجواب الإنسان المصروع له أن يؤم الناس، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله) ، لكن إذا كانت نوبات الصرع تعوده بكثرة فالأَولى ألا يفعل؛ لئلا يقع ذلك وهو يصلي فيحصُل في ذلك التشويش على الناس، ثم هو أيضاً يخجل ويفشل أمام الناس. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 12 حكم التصرف بالمال الزائد المتبرع به عن مطلوبه السؤال يا شيخ، هناك شخص يجمع تبرعات في مقر عمله، ويذهب بها إلى مركز خيري في نفس مقر العمل من أشخاص محدودين في ورقة. الشيخ: يعني: قليلي ذات اليد. السائل: في ورقة، العدد، معينين. الشيخ: نعم. السائل: وما زاد عنهم يتصرف به هو، يعطيه لمحتاجين يعرفهم. الشيخ: يعني: يجمع التبرع لأناس. السائل: لأناس في هذا المركز. الشيخ: لأناس في المركز. السائل: نعم. الشيخ: هل هو يجمع من الناس أو يجمع للناس؟ السائل: لا، بل يجمع من الناس. الشيخ: من زملائك؟ السائل: نعم، للمركز الخيري، وأسماؤهم محدودة أَمرُّ عليهم شهرياً. الشيخ: في المركز الخيري. السائل: نعم، في نفس مقر العمل، وأَمرُّ عليهم شهرياً أجمع من عندهم، وما زاد عن التبرعات هذه أتصرف بها أنا لأناس أعرفهم محتاجين. الشيخ: أنت تجمع لماذا؟ السائل: للمركز الخيري. الجواب المركز الخيري لو كان عنده ملايين ليس ذلك بِزائدٍ عليه، فالمركز الخيري يتحمل كل شيء. السائل: لا، يزيدون عن الورقة التي معي. الشيخ: يعني: كأن المركز الخيري يعطيك ورقة ويقول: اجمع لنا هذا القدر؟ السائل: نعم. الشيخ: وتجمع من زملائك ويزيد؟ السائل: يزيد، نعم. الشيخ: لكن! الزائد لا تأخذه، إذا بلغتَ الحد الذي حدد لك المركز الخيري، مثلاً قال لك: عشرة آلاف، نريد عشرة آلاف اجمع لنا عشرة آلاف جزاك الله خيراً، جمعتَ عشرة آلاف من عشرة أشخاص، لا تأخذ من الحادي عشر أبداً. السائل: لا، أنا لا آخذ؛ لكن هو متبرعٌ؟ الشيخ: ولو تبرَّع، هل أنت مُحَدَّدٌ لك؟ قيل لك: اجمع عشرة آلاف للمركز الخيري، عرفتَ أو لا؟ السائل: نعم. الشيخ: تجيء مثلاً تجمع عشرة آلاف من عشرة أشخاص، الزملاء الذين عندك عشرون شخصاً، لا تأخذ من الباقين، عرفتَ؟ السائل: لكن المجال مفتوح! الشيخ: يا مُحِب، أنت الآن تجمع ليس للتبرع مطلقاً، وإنما تجمع للتبرع لمركز خيري، جمعت المطلوب، الباقي ماذا نريد أن تقول لهم؟ تريد أن تقول: أعطيكم الورقة هذه، عندي جمع تبرُّع؟ إذا قلتَ هذا معناه: أنك أخذت للمركز الخيري والمركز الخيري ليس محتاجاً. على كل حال إذا حدد لك المركز الخيري قدراً معيناً ثم جمعته من الذين عندك فلا تأخذ زيادة، هذا الجواب. السائل: لكن المركز الخيري ما حدَّد لي؟ الشيخ: سبحان الله! يا جماعة! أنت تقول لي: حدد لي. السائل: أنا بنفسي مُحَدِّدٌ في الورقة. الشيخ: انظر بارك الله فيك، إذا كان المركز الخيري يقول: هذه الورقة اجمع لنا المبلغ ولم يحدد، اجمع حتى ولو جمعت مائة ألف، وأعطها المركز الخيري، لا تتصرف بها أنت؛ لأنها للمركز الخيري، ليس لك عليها حق، وإذا حدد لك وبلغت المحدد لا تزِدْ، هذا الجواب. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 13 حكم الزواج من امرأة رضعت من زوجة الأخ مرتين السؤال يا شيخ، عفا الله عنك، أنا تزوجت امرأة، والمرأة هذه قد أرضَعَتْها امرأةُ أخي مرتين. الشيخ: مرتان فقط؟ السائل: مرتان فقط يا شيخ. الشيخ: ما تزيد؟ السائل: أبداً. الجواب هي حلال لك. السائل: بارك الله فيك، وأحسن الله إليك. الشيخ: لأن الرضاع الذي يُحَرِّم هو: خمس رضعات، فالواحدة والثنتان والثلاث والأربع كلها ليست بشيء. السائل: بارك الله فيك، وأحسن الله إليك. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 14 حكم تحية المسجد في وقت النهي السؤال فضيلة الشيخ، هل يُنْكَر على رجل دخل المسجد ولم يؤدِّ تحية المسجد في وقت النهي؟ وما الأصل في ذلك؟ الجواب هذه المسألة فيها خلاف، فإذا دخل إنسان وجلس لا تُنْكِر عليه؛ لأن غالب الناس في هذه البلاد يعرفون أن وقت النهي ليس فيه تحية المسجد، فلا تُنْكِر. لكن إن كنت ترى أن الرجل سيقبل منك، فإذا انتهى من الصلاة قل: يا أخي -مثلاً- إني سمعت أن تحية المسجد ليس عليها نهي، فقط ولا تزِد على هذا. السائل: ليس عليها نهي؟ الشيخ: الصحيح أنه ليس عليها نهي، وأنها تُصَلَّى في كل وقت تدخل فيه إلى المسجد. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 15 حكم لبس (الشماغ) و (الغتر) السؤال عفا الله عنك يا شيخ، الآن مسألة لبس (الشماغ) أو (الغترة) ما حكمه في الشرع؟ الشيخ: ماذا تريد أن تقول؟ السائل: لأنه كثر الكلام على المسألة، شخص يقول: ليس لها داعٍ؛ لأنها تسبب الحر في الرأس! الشيخ: يعني: يريدنا أن نُصَلِّع؟! السائل: لا، يقول: لا نحتاج أن نلبس (شماغ) . الشيخ: ماذا؟ السائل: يقول: لا نحتاج أن نلبس شماغ، ولا أدري ما هو الرد على هذا السؤال؟! الجواب قل له: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف:32] هذه الآية، ثم قل له آية أخرى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 16 حكم التصرف بالمال الزائد عما أوصى به الموصي السؤال فضيلة الشيخ! إن لي جداً توفي وله بيت يؤجَّر بريالين، أوصى بها أضحية، وقد ثُمِّن هذا البيت ونُمِّي المال حتى أصبح الآن قرابة المائة والخمسين ألفاً، ما بين أسهم في شركة الكهرباء، وأراضٍ ومبالغ سائلة، فما رأيكم فضيلة الشيخ هل يمكن صرف الوصية في الأضحية وبقية المبلغ في وجوه البر المختلفة؟ أم ماذا أصنع بها لا سيما وأني محتار؟ الجواب لكن هل الوصية معك الآن لننظر إليها؟ السائل: لا؛ لكن هي قديمة، يعني: ربما الجد الرابع أو الخامس. الشيخ: لا بد أن ننظر إليها، بعدما ننظر الورقة إن شاء الله نعلق، واكتب لي صيغة السؤال من أجل أن نفتيك على حسب السؤال. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 17 كيفية الخطبة بسورة (ق) السؤال كيف تكون الخطبة بسورة ق؟ هل تقرأ أم يُفَسَّر معناها؟ الجواب كان النبي عليه الصلاة والسلام يخطب بسورة (ق) ، وكان يقول في خطبته: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها) وهذا يدل على أنه لا يقتصر على السورة فقط، وأنه يذكر معها أشياء. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 18 حكم المرأة إذا سها الإمام وهي خلف في الصلاة السؤال رجل يصلي بعائلته في البيت، فإذا سها في الصلاة هل المرأة تسبح أو تصفق؟ الشيخ: يعني: هل المرأة تجهر بالتسبيح؟ السائل: نعم. الجواب الظاهر أن المرأة لا تجهر بالتسبيح، لا في المسجد ولا في بيتها؛ لأن النساء لسن من ذوي الجهر بالعبادات، حتى التلبية التي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرفع الناس أصواتهم بها، لا تجهر بها المرأة، ولو لم يكن عندها أحد، ولو كانت في خيمتها فإنها لا تجهر بالتلبية، إلا بقدر ما تسمع رفيقتها فقط. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 19 حكم إمامة المسافر للناس الجمعة السؤال بالنسبة للمسافر هل يؤم الناس في الجمعة؟ الجواب نعم، لا حرج في ذلك لحديث: (يؤم القومَ أَقْرَؤُهُم لكتاب الله تعالى) إلا إذا كان إمام مسجد فهو صاحب السلطان فيه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) وأما إذا لم يكن إمام مسجد فأَقْرَأُ القومِ هو أحقهم بالإمامة حتى وإن كان صغيراً، عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه كان صغيراً وكان أَقْرَأَ قومه؛ لأنه يتلقى القرآن ممن يمرون به من الصحابة، فقدَّموه وله ست أو سبع سنين، تصوَّروا! قدَّموه يصلي بقبيلته، لم يصل بواحد أو اثنين أو ثلاثة، بل قبيلتِه كلها، وكان عليه ثوب قصير، إذا سجد ربما تبدو عورته، فخرجت امرأةٌ من الحي ذات يوم وقالت: [غَطُّوا عنا است صاحبِكم] ، الإست ليس هو الفرج، الإست: هو الدُّبُر، يقول: [فاشتروا لي ثوباً -بدل ما كان عليه- فما فرحتُ بعد الإسلام فرحي بذلك الثوب] لأنه صبي صغير، وابن ست سنين وسبع سنين كل شيء يفرح به. فالمهم: عليك بهذا الحديث: (يؤم القومَ أَقْرَؤُهُم لكتاب الله تعالى) ويستثنى من ذلك إمام المسجد؛ لأن إمام المسجد سلطان في المسجد، وكذلك السلطان الأعظم رئيس البلاد لو حضر المسجد، يكون أحق من غيره. لكن البلاء كل البلاء أن الناس الآن يتدافعون الإمامة: صلِّ يا فلان. فيقول: لا، أنت صلِّ. يا أخي، احمد ربك إذا قيل لك: صلِّ، وأنت أحق القوم بالإمامة، احمد الله؛ لأن عباد الرحمن {يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] الجزء: 129 ¦ الصفحة: 20 كيفية طهر المرأة بعد الولادة السؤال فضيلة الشيخ! كيف تطهُر المرأة إذا كانت لأول مرة تلد، ومضى عليها بعد الولادة ثلاثين يوماً، والدم لا يزال مستمراً، ثم أتى بعدها مباشرة صفرةٌ، واستمرت حتى اليوم الخمسين، فكيف تطهُر؟ الجواب هذه المرأة نرى أنها إذا انقطع الدم عنها تغتسل وتصلي وتصوم، ولو كان قبل أربعين، ولو كان معها صفرة، لحديث أم عطية رضي الله عنها: (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) هكذا لفظ البخاري. فلو أنها تطهرت وصلت لكان خيراً لها؛ لكن إن أعادت ما سبق فهذا حسن، وإن لم تعد فلا شيء عليها. السائل: في السؤال بقية، في رسالتكم: في دماء النساء، لعله يكون فرق بين الحيض والنفاس، أنه إذا انقطع الدم في الحيض ثم عادت الصفرة في وقت الحيض فهو يعتبر حيضاً، النفاس هل هو مقيَّد بوقت أربعين يوماً أو أنه أكثر أو أقل؟ الشيخ: الصحيح أن النفاس إلى ستين يوماً هذا الصحيح، لكن إذا انقطع قبل الستين أو قبل الأربعين أو قبل العشرين، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، ولا بأس. السائل: ولو كان بعد الدم الصفرة مباشرة بدون أي طهر؟ الشيخ: إي نعم، هذا ما رأيناه أخيراً؛ لأن هذا أريح للنساء، وبعض النساء يقلن لنا: إن الصفرة تبقى معهن أكثر الشهر، وبعضهن يقلن: الصفرة تستمر إلى الحيضة الثانية. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 21 حكم بيع كتب الوقف إذا تعطلت منفعتها السؤال بيع كتب الوقف إذا تعطلت المنفعة، سواء بقِدَم الكتاب، أو خروج كتاب محقق أفضل أو تَمَزُّق الكتاب حيث يباع الكتاب هذا ويُشترى كتاب آخر أفضل منه، سواء تحقيقاً أو طباعة أو إلى آخره، هل هذا يجوز؟ الجواب أما إذا تعطلت منفعة الكتاب الموقوف بحيث تَمَزَّق أو صار ورقه بالياً، ولا يمكن القراءة به فلا بأس أن يباع ويشترى بدله. وأما إذا كان باقياً يمكن الانتفاع به، فإن اشترى أحد بدله خيراً منه على أن أجر هذا الوقف الأخير للأول فلا بأس أيضاً؛ لأنه أبدل الوقف بأحسن منه، أما إذا كان يريد أن يلغي الوقف الأول ويجعل الأجر له فهذا لا يجوز؛ لأنه عدوان على صاحبه، عرفتَ الآن؟ السائل: كيف يعني؟ الشيخ: الآن أقول: إذا عُدِم الانتفاع بالوقف لِتَمَزُّق الورق، أو لكونه قد بلي وخلق، هذا يباع ويشترى بدله، حتى لو فرضنا أننا لم نجد مثله، إنما وجدنا كتاباً آخر يقوم مقامه، أو بعض مقامه فلا بأس، أما إذا كان يمكن الانتفاع به، لكن ظهرت طبعة جديدة أحسن ورقاً أو عليها تعليقات، فإنه لا يجوز أن يُبْدَل هذا بهذا، إلا إذا كان الذي يريد أن يجعل الطبعة الأخيرة ثوابها للأول فلا بأس. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 22 الكلام على قول الشاعر: "دع الأيام تفعل ما تشاء" السؤال عفا الله عنك يا شيخ، قول الشاعر: دع الأيام تفعل ما تشاءُ وطِب نفساً إذا حكم القضاءُ هل فيه شيء يا شيخ؟ الجواب نعم، لا شك أن فيه شيئاً في الشطر الأول؛ لأن الأيام ليست تفعل، إنما الذي يفعل هو: الله عز وجل؛ لكن قد يُعَبَّر بالزمن عن الفاعل وهو الله عز وجل، ومن ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) فقد يريد الشاعر بقوله: دع الأيام تفعل ما تشاءُ يريد بذلك الرب عز وجل، بمعنى أنه يقول: ارضَ بقضاء الله كما بيَّن ذلك في الشطر الثاني: وطب نفساً إذا حكم القضاءُ فعلى كل حال: الشاعر له وجهة نظر في الشطر الأول، أما الشطر الثاني فلا غبار عليه؛ لكننا نقول: لا ينبغي للإنسان أن يقول هكذا، وأن يضيف الحوادث إلى زمنها. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 23 حكم من اغتسل من جنابة وصلى وفي ثوبه أثر الجنابة السؤال فضيلة الشيخ! رجل احتلم واغتسل وصلى في نفس الملابس التي احتلم فيها فهل عليه شيء؟ الجواب ليس عليه شيء، إذا احتلم الرجل وصلى في ثوبه الذي احتلم فيه وفيه أثر من الجنابة فليس عليه شيء؛ لأن الجنابة وهو الماء الدافق طاهر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل رَطْبَه ويَفْرُك يابسَه، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنتُ أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فركاً -لا غسلاً- فيصلي فيه) ولو كان نجساً لوجب أن يُغْسَل. ولكن بالمناسبة: ينبغي للإنسان إذا أراد أن ينام أن يستنجي بالماء، أو يستجمر استجماراً شرعياً، حتى إذا خرج الماء الدافق لم يصادف محلاً نجساً؛ لأنه لو لم يستجمر استجماراً شرعياً بل تيبَّس بمسحة أو مسحتين، ثم ظهر الماء الدافق صادف محلاً نجساً وتنجس به وحينئذ يحتاج إلى غَسل. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 24 توجيهات في مسألة تأخير الإقامة السؤال عن ظاهرة التبكير بالإقامة، حتى أصبحت مصادر المدح في المسجد صاحب التبكير، وقد أدى ذلك إلى هجر المصاحف بسبب السرعة؟ الجواب أولاً: أنه قد وُزِّع من قبل المسئولين عن الأوقاف جدول يبيِّن المدة التي بين الأذان والإقامة، وولاة الأمور طاعتهم واجبة في غير معصية الله، والوزارة لها وجهة نظر في تحديد المدة؛ لئلا تختلف المساجد؛ لأنها لو اختلفت ثم مررتَ بشخص قد فتح دكانه أو وقف في السوق مع صاحبه وقلتَ: صَلِّ، وكانت المساجد مختلفة سيقول لك: صليتُ في المسجد الفلاني، ولا تستطيع أن تقول: لا؛ لأن الإنسان مؤتَمَنٌ على دينه، فإذا توحدت الإقامة، كما يتوحد الأذان ما بقي لأحد حجة، هذه وجهة نظر الوزارة. فإذا قدرنا أن هذا النظام نظام توجيهي وليس إلزامي، فإن الإمام لا ينبغي له أن يستعجل في الإقامة في الصلاة التي لها راتبة قبلها، مثل: صلاة الفجر، وصلاة الظهر؛ لأن الناس يحتاجون إلى أن يكون هناك وقت، يتوضئون ويصلون الراتبة، فليلاحظ هذا. كذلك أيضاً يلاحظ أن الفجر في أيام الصيف وقِصَر الليل؛ لأن الناس ربما لا يكفيهم النوم القليل، فلا يقومون إلا بعد الأذان فيحتاجون إلى أن يُنْتَظر قليلاً. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 25 حكم رد الشتيمة على من شتم بالمثل السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم رد الشتيمة على من شتم بمثلما قال؛ مستدلاً بالآية: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشورى:40] ؟ الجواب إن دين الإسلام دين العدل، يقول الله عز وجل في أمور الخير: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء:86] . ويقول عز وجل في ضد ذلك: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة:194] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه، قالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) . وهذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يرد على ظالِمِه بمثل ما ظلَمَه فيه، لكن لا يعتدي، فإن عفا وأصلح فأجره على الله. لكن هنا مسألة: لو قذفه فإنه لا يرد عليه بقذف، لو أن المعتدي قال له: يا زانٍ أو يا لوطي، فإنه لا يَرُد عليه بمثل ذلك، وهذه مسألة يجب التنبه لها، أما لو قال: لعنك الله، فليقل: لعنك الله أنت، أو أخزاك الله، يقول: أخزاك الله أنت. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 26 ضابط جمع الصلاة في السفر والحضر السؤال فضيلة الشيخ! ما الأصل في جمع الصلاة الرباعية في السفر؟ الشيخ: جمعها أو قصرها؟ السائل: جمعها. الجواب ما تُحْصَر في الرباعية؛ لأن الجمع يكون في الرباعية ويكون في الثلاثية، كالمغرب مع العشاء، والجمع أوسع من القصر من وجه، وأضيق منه من وجه: الجمع يكون كلما شَقَّ عليك أن تصلي كل صلاة في وقتها فاجمع، سواء كنت في الحضر أو في السفر، ولهذا يجوز الجمع في المطر وأنت في البلد، ويجوز الجمع للمرض وأنت في البلد. وأما القصر فلا يجوز إلا في السفر؛ لكن في السفر القصر سنة على كل حال، حتى لو أنك ماكث، والجمع ليس بسنة في السفر إلا إذا جدَّ به السير فيَجْمَع. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 27 حكم رفع السبابة عند الاحتضار السؤال من المعلوم أن البخاري رحمه الله روى حديثاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عند احتضاره رفع يده أو إصبعه -هكذا جاء في رواية عائشة رضي الله عنها- ثم قال: في الرفيق الأعلى ثلاثاً، ثم قضي عليه عليه الصلاة والسلام) هل تصلح هذه الرواية دليلاً لما يفعله بعض الناس عند احتضارهم، أيُفْعَل به ذلك، وهو أنهم يرفعون أصابعهم السبابة ليتشهدوا، فيكون آخر كلامهم من هذه الدنيا الشهادة، أي: يشيرون بأصابعهم السبابة لأجل ذلك؟ الجواب إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه للشهادة للدعاء، ورفع الإصبع عند الشهادة يحتاج إلى ثبوت عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن عند الدعاء يُرفع الإصبع أو ترفع اليد. فالرسول عليه الصلاة والسلام رفع يده مشيراً إلى الرفيق الأعلى؛ لأنه دعا، قال: (اللهم في الرفيق الأعلى) . الجزء: 129 ¦ الصفحة: 28 المذاهب الأربعة ليست من الفرق الثلاث والسبعين السؤال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) هل يدخل في هذا الوعيد من يتحصن بمذهب معين، مثل: المذاهب الأربعة؟ الجواب لا يدخل في هذا، مراد الرسول عليه الصلاة والسلام بثلاث وسبعين فرقة في الذين يضللون الفرق، والمذاهب الأربعة لا يضلل بعضهم بعضاً. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 29 حكم من حلف على شيء وألزم نفسه بصيام ثم رجع إليه السؤال قالت امرأة بعد أن بعُدَت عن أهلها خمس سنوات: والله لئن رجعتُ إلى أهلي لأصومن شهرين، فما حدَّدت مدى رجوعها، فحصل ظرف اضطراري إلى أن تسافر إلى أهلها فسافَرَت، فماذا عليها؟ الجواب حسب نيتها، إذا كان من نيتها أنها متى رجعت إلى أهلها على وجه الاختيار والطمأنينة صامت الشهرين وليس عليها صيام إذا رجعت إلى أهلها للضرورة. وإن قصدت الرجوع مطلقاً فعليها أن تصوم شهرين. ثم إن كانت اشترطت بنيتها، أو بلفظها أنها متتابعة، فهي متتابعة، وإن لم تشترط أنها متتابعة فتصوم ستين يوماً ولو متفرقة. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 129 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [130] يوجه القرآن عقول الكفار والمشركين إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وما زخرت به من آيات دالة على حكمة الخالق القادر على كل شيء، ذلك كله لمن كان ذا بصر وبصيرة، فيعرف لله حقه وقدره ويؤمن به، ونجد ذلك واضحاً في تفسير أوائل سورة (ق) والتي كان للشيخ معها وقفات مباركة. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثلاثون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) ، والتي تتم كل خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر صفر عام (1417هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالاستمرار في تفسير سورة ق، وقد وصلنا إلى قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق:4-5] . الجزء: 130 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخهم عز وجل، لماذا لم ينظروا في هذا؟! لماذا لم ينظروا إلى السماء، وما فيها من عجائب القدرة الدالة على أن الله تعالى قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون؟! وقوله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ} يشمل نظر البصر، ونظر البصيرة، نظر البصر يكون بالعين، ونظر البصيرة يكون بالقلب، وهو: التفكر. وقوله: {إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} قد يقول قائل: إن كلمة (فوقهم) لا فائدة منها؛ لأن السماء معروفة أنها فوق؛ ولكن نقول: إن النص على كونها فوقهم إشارة إلى عظمة هذه السماء، وأنها مع علوها وارتفاعها وسعتها وعظمتها تدل على كمال خالقها وقدرته جل وعلا. {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} بناها الله عز وجل بقوة، وجعلها قوية، فقال جل وعلا: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] أي: قوية، وقال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات:47] ، أي: بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] . وهذا البناء لا نعلم كيف بناه الله عز وجل؛ لكننا نعلم أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، خلق الأرض في أربعة أيام، والسماء في يومين، كما قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:12] . وقوله: {وَزَيَّنَّاهَا} أي: حسَّنَّا منظرها بما خلق الله تعالى فيها من النجوم العظيمة المنيرة المنتظمة في سيرها، وهذه النجوم قال قتادة رحمه الله -وهو من أئمة التابعين-: [خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينةً للسماء. وعلامات يُهتَدى بها. ورجوماً للشياطين. فمن ابتغى فيها شيئاً سوى ذلك فقد أضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به] يشير إلى ما ينتحله المنجمون من الاستدلال بحركات هذه النجوم على الحوادث الأرضية، حتى إنهم يبنون سعادة الشخص وشقاءه على هذه النجوم، مثلاً: يقولون: إذا وُلِد في النجم الفلاني فهو سعيد، وإذا ولد في النجم الفلاني فهو شقي، وهذا لا أثر له، أي أن تحركات النجوم في السماء ليس لها أثر فيما يحدث في الأرض. ثم قال تعالى: {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} يعني: ليس في السماء من فروج، أي: مِن فُطور وتشقُّق، بل هي مبنية محكمة قوية. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:7] هذه ثلاثة أمور: أولاً: الأرض مدها الله عز وجل: مع أنها بالنسبة للسماء صغيرة جداً؛ لكنها ممدودة للخلق مسطحة لهم، كما قال تعالى: {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:20] . ثانياً: ألقينا فيها رواسي: أي: جبالاً ثابتات لا تزعزعها الرياح فهي راسية وكذلك أيضاً مُرسية للأرض. {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: من كل زوج سارٍّ لناظره، والمراد بالزوج هو الصنف، أي: أن ما ينبت في الأرض أصناف متعددة متنوعة حتى أنك ترى البقعة من الأرض وهي صغيرة تشتمل على أنواع من هذه الأصناف تختلف في ألوانها وتختلف في أحجامها، وتختلف في ملمسها ما بين شديدة وليِّنة إلى غير ذلك من الاختلافات العظيمة، بل إنها تختلف حتى في مذاقها إذا كانت من ذوات الثمر، كما قال تعالى: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] فمَن القادر على هذا؟! إنه الله تعالى القادر على أن يخلق هذه الأشياء التي فيها من كل زوج بهيج مع أنها في مكان واحد، وتُسقى بماء واحد، والأرض أيضاً واحدة. مَن يقدر على هذا؟! إنك تأتي الأرض المعشبة التي أنبت الله تعالى فيها من أصناف النبات فتتعجب، ترى هذه -مثلاً- زهرتها صفراء، وهذه بيضاء، وهذه بنفسجية، وهذه منفتحة، وهذه منظمة، إلى غير ذلك من الآيات العظيمة، فهذا أكبر دليل على أن الله قادر على إحياء الموتى الذي أنكره هؤلاء المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:3] . فالقادر على خلق هذه المخلوقات العظيمة قادر على إحياء الموتى، ثم يقال: مَن الذي خلق الإنسان؟ هو الله، وإعادة الخلق أهون من ابتدائه كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] فإذا كنتم -أيها المشركون- تقرون بأن الله هو الخالق وأنه هو الذي خلقكم وأوجدكم فلماذا تنكرون أن يعيدكم الله، مع أن أمره {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ؟! الجزء: 130 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] أي: أن الله تعالى حثنا على أن ننظر إلى السماء وإلى الأرض وما يحدث فيهما. {تَبْصِرَةً} أي: لأجل التبصرة والذكرى، قال العلماء: الفرق بين التبصرة والذكرى؛ أن التبصرة مستمرة، والذكرى عند النسيان، فهذه الآيات تُذَكِّرك إذا نسيتَ وتبصِّرك إذا جهلت، وقد يقال: إن الفرق بينهما أن التبصرة في مقابل الجهل، والذكرى في مقابل النسيان، وكلا القولين حق. المهم أنك إذا نظرت إلى السماء وإلى الأرض وما فيها مما أودعه الله عز وجل من النبات؛ فإنك سوف تبصر بقلبك وتذكر أيضاً إذا نسيت، ولكن لمن هذه التبصرة والذكرى؟ {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] : ليست لكل إنسان، ما أكثر ما ينظر الكفار في الآيات! ولكن {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] إنما الذي ينتفع بها هم من قال الله عنهم: {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:8] أي: رجَّاع إلى الله عزَّ وجلَّ. نسأل الله أن يعيدنا وإياكم عوداً حميداً، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 130 ¦ الصفحة: 6 سيد قطب في الميزان السؤال سيد قطب: رجل ظهر على العالم الإسلامي بفكر، واختلف فيه الناس بين ممجد وقادح قدحاً شديداً جداً، فنود أن يبين شيخنا لنا بياناً وافياً عن هذا الموضوع، وكيف يكون موقف المسلم نحو الرجل؛ لأن سيداً له أثر في العالم الإسلامي، وله آثار من كتب ومؤلفات فنريد بياناً من فضيلتكم؟ الجواب بارك الله فيكم! لا أرى أن يكون النزاع والخصومة بين الشباب المسلم في رجل معين، لا سيد قطب ولا غير سيد قطب، بل النزاع يكون في الحكم الشرعي، فمثلاً: نعرض قولاً من الأقوال لـ قطب أو لغير قطب، ونقول: هل هذا القول حق أو باطل؟ ثم نمحصه إن كان حقاً قبلناه وإن كان باطلاً رددناه، أما أن تكون الخصومة والنزاع بين الشباب، والأخذ والرد في رجل معين فهذا غلط وخطأ عظيم. فـ سيد قطب ليس معصوماً، ومَن فوقه من العلماء ليسوا معصومين، ومَن دونه من العلماء ليسوا معصومين، وكل شخص يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيجب قبول قوله على كل حال. فلذلك أنا أنهى الشباب أن يكون مدار نزاعهم وخصوماتهم على شخص معين أياً كان؛ لأنه إذا كانت الخصومات على هذا النحو فربما يُبْطل الخصم حقاً قاله هذا الشخص، وربما يَنْصُر باطلاً قاله هذا الشخص، وهذا خطر عظيم؛ لأنه إذا تعصب الإنسان للشخص وتعصب آخر ضده، فالذي يتعصب ضده سوف يقول عنه ما لم يقله، أو يؤول كلامه، أو ما أشبه ذلك، والثاني ربما يُنْكِر عنه ما قاله، أو يوجه ما قاله من الباطل. فأنا أقول: لا نتكلم في الأشخاص، ولا نتعصب لأشخاص، وسيد قطب انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، والله تعالى حسيبه، وكذلك غيره من أهل العلم. أما الحق فيجب قبوله سواء جاء من سيد قطب أو من غيره، والباطل يجب رده سواء كان من سيد قطب أو من غيره، ويجب التحذير من أي باطل كُتِب أو سُمِع سواء من هذا أو من هذا، من أي إنسان. هذه نصيحتي لإخواننا، ولا ينبغي أن يكون الحديث والمخاصمة والأخذ والرد في شخص بعينه. أما سيد قطب فرأيي في آثاره أنه مثل غيره، فيه حق وباطل، ليس أحد معصوماً، ولكن ليست آثاره مثلاً كآثار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فبينهما كما بين السماء والأرض، فآثار الرجل الأول هي عبارة عن أشياء أدبية وثقافية عامة، وليس عنده كما عند الشيخ الألباني في التحقيق والعلم. ولذلك أنا أرى أن الحق يؤخذ من كل إنسان، والباطل يُرَد من كل إنسان، وأنه لا ينبغي لنا بل ولا يجوز لنا أن نجعل مدار الخصومة والنزاع والتفرق والائتلاف هو أسماء الرجال. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 7 أهمية تكرار النصيحة لمن يشهد الصلاة مع الجماعة السؤال إذا كان إنسان يعرف رجالاًَ لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، ويعلم أنهم قد نُصِحُوا من غيره، فهل تبرأ ذمته بذلك؟ الجواب لا تبرأ ذمته، إذا علمت أن شخصاً يرتكب محرماً أو يترك واجباً، وقد نصح من غيرك ولم يوفَّق لموافقة، فيجب عليك أن تنصحه؛ لأنه ربما يقبل منك ولا يقبل من الآخر، وربما يكون الذي نصحه أولاً أتاه بعنف، وأنت تأتيه برفق، وقبول الرفق واضح، فيقبل من الثاني ولا يقبل من الأول. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 8 حكم التقيئ في دورة المياه السؤال إذا استفرغ الإنسان -أعزكم الله- وظهر في هذا الاستفراغ بعض الأطعمة الواضحة فهل له أن يجعل ذلك في دورة المياه؟ الجواب نعم، القيء إذا خرج من المعدة فهو نجس عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء، وعلى هذا فلا بأس أن يتقيأ في دورة المياه، وإن كان يوجد جرم الطعام؛ لكنه نجس على قول جمهور العلماء، وعلى قولٍ بأنه طاهر ليس له حرمة، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذا في مقام الذم فقال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فجعل هذا شيئاً قبيحاً. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 9 حكم قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام السؤال هل تجب على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام؟ وما صحة حديث: (قراءة الإمام قراءة لمن خلفه) ؟ الجواب نعم، هذه مسألة اختلف فيها العلماء على أقوال متعددة نذكر منها رءوس الأقوال وهي: القول الأول: أنه لا قراءة على المأموم مطلقاًً، لا في السرية ولا في الجهرية، استدلالاً بهذا الحديث الذي أشرت إليه: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) . القول الثاني: أنها تجب مطلقاً في السرية والجهرية؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم انفتل ذات يوم من صلاة الصبح، فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . القول الثالث: وسط بين القولين يقول: إذا كانت الصلاة جهرية فقراءة الإمام قراءة لمن خلفه، ولهذا يؤمنون على قراءته الفاتحة، إذا أكمل قالوا: آمين معه، وهذا يدل على أن قراءته قراءة لهم، وأما إذا كانت الصلاة سرية؛ فأنه لابد من قراءة الفاتحة على المأموم. والذي يظهر لي أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة السرية والجهرية إلا في حال واحدة، وهي إذا دخل الإنسان وقد ركع الإمام، فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الركعة، وكذلك لو دخل قبل الركوع ولكن لم يتمكن من إتمام الفاتحة حتى ركع الإمام فإنه يركع وتسقط عنه في هذه الحال. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 10 درجة حديث: (لا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً) السؤال ما صحة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً إلا أن يضربه بسوط أو عصا) ؟ الجواب هذا حديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: إنه تجوز إمامة الفاسق، مثلاً: لو تقدم إنسان قد حلق لحيته، وصلى بنا فإن الصلاة صحيحة؛ لكن لا شك أنه كلما كان الإمام أتقى فهو أَولى. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 11 حكم إبقاء التلفاز في البيت تجنباً للمشاكل الأسرية السؤال أنا متزوج وعندي أربعة أطفال، وعندي تليفزيون داخل البيت، وهناك فيديو أدخلته عليَّ الزوجة، وأنا ما أريد إدخاله، مَنَعْتُه، ومرة أخرى دخل الفيديو وأنا ما أدري، فجئت وأولادي كلهم، وفيه رجل يقبل امرأة، فأخذت هذا الفيديو وكسرتُه وضربتها وقلت: والله! إذا خرجت من البيت بدون أذني فأنت حرام علي، فما رأيك يا شيخ؟! فقد جاءها إخوتها وأخذوها من البيت بدون علمي. الجواب نسأل الله أن يصلحها ويصلح بها. أولاً: إذا كان إخوتها أخذوها بغير اختيارها فلا شيء عليها، وإن كانوا قد أخذوها باختيارها عليك كفارة يمين، تطعم عشرة مساكين وتحل لك، ما دمتَ قلتَ: أنتِ عليَّ حرام فقط، ولم تقل: كظهر أمي؛ لأن هذا التحريم قد بيَّن الله سبحانه وتعالى حكمه في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:1-2] فجعل الله التحريم يميناً، أعرفتَ؟ أما بالنسبة للتلفاز والفيديو فإذا أمكن ألا يدخل البيت فهو أحسن بلا شك، وإذا لم يمكن وترتب على منعه مفاسد كبيرة فليبق في البيت؛ ولكن لا يُفْتَح إلا على الأخبار والأشياء النافعة. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 12 حكم طفل رضع من أم أبيه السؤال إنسان له أخ وله زوجة، عند الولادة توفيت هذه الزوجة وأنجبت ولداً، وجدة الولد الرضيع أم أبيه عجوز كبيرة، لها فوق الستين، عند وفاة أم الولد أرضَعَتْ هذا الولد سنتين ودَرَّت اللبن، فالأخ الثاني له بنات فما حكم البنات بالنسبة لهذا الولد؟ الجواب الأم العجوز لما أرضعت الطفل صارت أماً له، وإذا كانت أماً له صار أخاً لأولادها الذكور والإناث، فأولاد الإناث يكون هو خالهم، وأولاد الذكور يكون هو عمهم، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] وهذه أرضعت ودَرَّ لبنُها عليه، فرضع منها. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 13 حكم الاستعانة بالسحرة لحل مشكلة رجل ابتلاه الله بالزنا واللواط، وحكم السفر إلى الخارج السؤال رجل مسلم ابتلاه الله بالزنا واللواط بعد أن سافر ورجع من خارج البلاد، ويتوقع أهله بأنه قد عُمِل له سحر، فهل يجوز لهم الاستعانة بالسحرة لحل مشكلته؟ الجواب لعل هذا مرضاً، وليس بلازم أن يكون سحراً؛ لأن بعض الناس والعياذ بالله يُبتلى بمحبة الزنا وإن كان عند امرأة، ومحبة اللواط وإن كان عنده امرأة، أليس لوطٌ قال لقومه: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] ؟! فنحن ما نتيقن أنه سحر، وربما أنه لما رأى تلك المجتمعات الفاسدة ابتُلِي بها، وهذا يدلنا على أنه يجب الحذر من السفر إلى مثل هذه البلاد، وأنه لا يجوز للإنسان أن يسافر إليها إلا عند الضرورة كمريض وما أشبه ذلك. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 14 وراثة المرتد السؤال قلتم فيما سبق: أن تارك الصلاة إذا مات على ذلك لا يوْرَث؛ ولكن عندما اطلعتم على قول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقول: إنه يوْرَث توقفتم في المسألة، فما القول فيها؟ الجواب القول ما قلناه: أنه إذا مات لا يوْرَث، وإذا مات قريبُه لا يرِثُه؛ لكن شيخ الإسلام رحمه الله عنده قاعدة أن المرتد يوْرَث ولا يَرِث. أما أنا فأرى أن المرتد لا يَرِث ولا يوْرَث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (لا يَرِث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فإذا مات تارك الصلاة وهو كافر كيف نوَرِّث قريبَه منه؟! فالصواب أنه العموم، وأن المسلم لا يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم، سواء كان كفره أصلياً أو كان ردة. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 15 معنى قول الإمام أحمد في حديث النزول والرؤية: (نؤمن بها ونصدق بها بلا كيف ولا معنى) السؤال ما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله في حديث النزول وأحاديث الرؤية وغيرها: نؤمن بها، ونصدق بها بلا كيف ولا معنى، ولا نرد شيئاً منها؟ الجواب أما قوله: بلا كيف، أي: لا نكيفه، لا نقول: ينزل على صفة كذا وكذا؛ لأن الكيف مجهول. وأما قوله: ولا معنى، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: مراده بذلك: معنى أهل التأويل الذين يؤولونها، أي: أننا لا نأتي لها بمعنى يخالف ظاهرها، وهذا حق، يعني: ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في مراد الإمام أحمد صحيح بلا شك؛ لأن الإمام أحمد كغيره من أهل السنة يؤمنون بالمعاني التي تدل عليها هذه الكلمات. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 16 حديث تعلق الجار برقبة جاره يوم القيامة السؤال هل صحيح أن الجار يتعلق برقبة (الجار يوم القيامة فيقول: يا رب! رآني على منكر فلم ينهني عنه، فيقول الله عز وجل: ادخلا النار) ؟ الجواب والله! هذا الحديث لا أدري عن صحته؛ لكن كل إنسان يرى أخاه على منكر سواء كان جاراً له أم لا، إذا لم ينهه فإنه غير ناصح له؛ لأن من تمام النصيحة لإخوانك المسلمين إذا رأيتهم على منكر أن تبيِّن لهم المنكر وتحذرهم منه، وأما السكوت فغلط، لكن هناك منكرات ظاهرة بيِّنة لكل أحد، فهل يلزمني كلما رأيت رجلاً متلبساً بها أن أنكر عليه، حلق اللحية -مثلاً- مشتهر عند الناس الآن، الكل يعرف أنه حرام، هل يلزمني كلما مر بي رجل أو مررتُ برجل حالق لحيته أن أنكر عليه، هذه فيه صعوبة؛ لأن هذا معروف، وكذلك شرب الدخان، وأما المنكرات التي ليست ظاهرة وليست معروفة، فهذه يجب عليَّ إذا رأيتُ أحداً تلبس بها أن أنكر عليه. وأما القسم الأول وهو المنكرات المشهورة المعروفة فهذه تقيَّد بالاستطاعة، لو أنك جلست معه على طعام أو شراب أو ما أشبه ذلك، حينئذ يوجه بالنصيحة، وإن كان من الأمور المشهورة، أما إن مر بك في السوق، فتجيء وتوقِّفه وتقول: تعال، هذا منكر، فهذا لا يلزمك. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 17 حكم التصرف بالمال العام في مستحقاته السؤال يُصرف بترول للسيارات في الدوائر الحكومية ويزيد من البنزين، ونتصرف فيه في إصلاح السيارات، وقد قست على ذلك، واتصلت بالمسئول المفوض صاحب الصلاحية بشأن الماء الذي يُصرف رَدَّين مثلاً، فقال: لا توجد مشكلة تشتري أربعة ردود بقيمة الردين، فهل يجوز لي أن أتصرف في البنزين لكي أصلح به سيارات الحكومة، ميكانيكا وكهرباء وما شابه ذلك؟ الجواب إذا كان المسئولون يعلمون أن هذا العوض للبنزين أكثر مما يتحمله العمل، وفي بعض الأشهر يزيد وبعض الأشهر لا يزيد البنزين فإذا زاد يقولون: لا بأس أن تصرفه في إصلاح السيارة فهذا طيب، وجزاك الله خيراً، أما أنه إذا زاد تأخذه لنفسك، هذا هو الممنوع. وإذا سألتهم عن الماء قالوا: لا بأس فهذا عمل طيب، وأنت تريد الإصلاح بذلك. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 18 حكم بيع الذهب الذي فيه فصوص نقدا ً السؤال يوجد في بعض الذهب فصوص فما حكم شرائه إذا كان المشتري راضياً، مع العلم أنه يوزن على أنه ذهب، وعند البيع يُخصم من سعره، وهو لا يشتريها بذهب لكن بدراهم؟ الجواب لا بأس بذلك؛ لكن هنا يحسن أن يبيَّن له قدر الفص. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 19 كيفية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء عليهم السلام السؤال ذكر بعض أهل العلم أن قوله عليه الصلاة والسلام: (عُرِضَت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط. ) إلى آخره، أن ذلك كان في ليلة الإسراء، يؤيده ما رواه الترمذي عن ابن عباس قال: (لله لَمَّا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيَّين) وذكر آخرون من أهل العلم أن ذلك كان في المنام، فكيف الجمع؟ وما هو الراجح؟ الجواب الحديث محتمل يعني قوله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَت علي الأمم) هل هو في المنام أو في اليقظة ليلة المعراج، فإذا ورد حديث صحيح يبيِّن أنه كان في ليلة المعراج فإنه يجب الأخذ به، وذلك بناءً على القاعدة المعروفة والتي دل عليها القرآن وهي رد المتشابه إلى المُحْكَم، ومنه: إذا كان النص يحتمل معنيين، ثم جاء نص آخر يعيِّن أحد المعنيَين، فإنه يجب اتباع النص الثاني، فإذا صح هذا الحديث الذي ذكرتَه أنه كان ليلة المعراج فليؤخذ به. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 20 حكم جمع العصر إلى الظهر في السفر مع التيقن الوصول قبل العصر السؤال سافرنا من عفيف إلى القصيم وفي الطريق حان وقت صلاة الظهر، وأردنا أن نجمع الظهر مع العصر علماً أننا على يقين بأننا سنكون وقت العصر في القصيم، فهل يصح الجمع مع العلم أننا من أهل عفيف؟ الجواب لا بأس أن تجمعوا، حتى لو علمتم أنكم تصلون إلى القصيم؛ لأن القصيم ليس بلدكم، بل حتى لو رجعتم -مثلاً- وجاء وقت صلاة الظهر وأردتم أن تجمعوا إليها العصر، وأنتم تعلمون أنكم ستصلون إلى بلدكم قبل العصر فلا بأس. لكن في هذه الحال يعني: إذا كنت تعلم أنك ستصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية الأفضل ألا تجمع؛ لكن لو جمعت فلا بأس. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 21 حكم القول في الصفات باعتبار الأصل أم باعتبار الآحاد السؤال قولنا في صفة الكلام باعتبار الأصل ذاتية وباعتبار الآحاد فعلية، هل ينطبق ذلك على بقية الصفات أو بعضها، كالمجيء والإتيان والسمع والبصر بمعنى هل نقول: إنها ذاتية باعتبار الأصل، وفعلية باعتبار الآحاد؟ وما الضابط في ذلك؟ الجواب لا، أولاً: صفات الله عز وجل تنقسم إلى: - صفات خبرية. - صفات معنوية. الصفات الخبرية: مثل الوجه، واليد، والعين، والساق، والقدم، هذه لم يزل الله تعالى ولا يزال متصفاً بها. الصفات المعنوية: منها ما يتجدد أفرادُه، ومنها ما لا يتجدد، فالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، هذه لا تتجدد أفرادها، ولم يزل ولا يزال عليماً بكل شيء، ولم يزل ولا يزال قادراً على كل شيء، ولم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً، هذه لا يمكن أن نقول: إنها صفة فعلية، لا في أصلها ولا في آحادها. هناك صفات قسم ثالث: صفات معنوية لكنها فعلية باعتبار تجدد آحادها. فالكلام مثلاً تتجدد آحاده، تكليم الله لموسى كان في وقت موسى، وتكليم الله تعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام كان في وقت محمد، أي أن الكلام الثاني ليس هو الكلام الأول، فهنا أفراده تتجدد، ولهذا نقول: هو صفة ذاتية باعتبار أصله أي: باعتبار أن الله لم يزل ولا يزل متكلماً، وباعتبار أفراده وآحاده يكون صفة فعلية، أما النزول إلى السماء الدنيا فإنها صفة فعلية فقط، لأنه ينزل إلى السماء الدنيا، والسماء الدنيا مخلوقة حادثة بعد أن لم تكن، فيكون النزول صفة فعلية فقط، لكن جنس الفعل وأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً، هذه صفة ذاتية. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 22 حكم قتل النمل إذا كان مؤذيا ً السؤال ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (لا يُقْتَل أربع. وذكر منها: النمل) والنمل أحياناً يؤذي في البيوت، يعني: يدخل الغرف وتتكون جماعات، هل يجوز لنا قتله بالسم وغيره؟ الجواب نعم. (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن قتل أربعة من الدواب: النملة، والنحلة، والهدد، والصُّرَد) وحرم الله تعالى قتل النفس المسلمة، فإذا آذى المسلم بقطع الطريق أو نحوه مما يُبِيْحُ قَتْلَه أُبِيْحَ قَتْلُه، ولهذا لو أن إنساناً هجم عليك يريد أخذ مالك فلا تعطه مالك، فإن قاتلك فقاتله، ويحل لك أن تقتله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يريد أخذ المال، قال: (لا تعطه، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قاتلني؟ قال: إن قاتلك فقاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) فالمؤذي يجوز قتله. فإذا كان هذا النمل لا يندفع آذاه إلا بقتله، فاقتله ولا حرج عليك؛ لكن هناك وسيلة قبل أن يقتل وهي أن تصب على بيوته شيئاً من الجاز، فإننا جربنا هذا ورأيناه إذا صُبَّ على بيته شيء من الجاز فإنه يرتحل، ولا يبقى، فإذا أمكن ذلك فهو أحسن، وإذا لم يمكن فلا بأس بقتله. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 23 معنى حديث: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته: (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن) ؟ الجواب لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه: أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يُصنع به؟ يُجلد، لا نقول: نأتي به، نقرأ عليه القرآن، ونحذره من الزنا، وما أشبه ذلك، نجلده؛ لأن هذا يردعه وأمثالَه عن العودة إليه، فالمعنى صحيح، أن الله تعالى يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن؛ لكن لفظ الحديث لا يحضرني الآن. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 24 حكم الحجز يوم الجمعة في المسجد السؤال ما حكم الحجز يوم الجمعة في المسجد؟ الجواب الحجز في المكان جائز بشرط: أن يكون الرجل في المسجد؛ كأن يكون حجز في الصف الأول وذهب في طرف المسجد من أجل أن يقرأ وحده لئلا يشوش عليه الناس. وبشرط آخر: أنه إذا أراد الوصول إلى مكانه في الصف الأول، فإنه يلزمه أن يتقدم إلى مكانه؛ لأنه لو تأخر لزم من ذلك أن يتخطى رقاب الناس، إلا إذا كان في المسجد باب في المقدَّم يمكنه أن يخرج من المسجد ويرجع إلى الباب من جهة الباب، فهذا لا بأس أن ينتظر حتى تطيب نفسه ثم يخرج من المسجد ويذهب إلى مكانه. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 25 حكم الطلاق بالنية السؤال فضيلة الشيخ! لو أن إنساناً نوى الطلاق هل يقع الطلاق؟ الجواب إذا نوى الطلاق فإنه لا يقع الطلاق، بل لو حدَّث نفسه أنه يطلق؛ فإنه لا يقع الطلاق، لو قال: سأكتب ورقة طلاق امرأتي الآن، ثم أتى بالقرطاس والقلم؛ ولكنه عدل عن هذا، فلا طلاق، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمل، أو تتكلم) وهذه نعمة من الله، هذا بالنسبة للإنسان العادي الذي هو متزن. أما بالنسبة للإنسان الموسوس فهذا لا يقع طلاقه ولو تلفظ بالطلاق؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- يُبْتلى بالوسواس في أهله، فتجده يُطَلِّق زوجته غصباً عليه، حتى إنه لو فتش المصحف أو الكتاب ليقرأ قال له الشيطان: إنك قلتَ: إن فتشتُ الكتاب فامرأتي طالق، حتى إنه يوسوس إليه في كل شيء، وهذا لا يقع طلاقه حتى لو كتبه بيده ونطق به بلسانه، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق في إغلاق) والإغلاق معناه: أنه يغلق على الإنسان حتى يفعل الشيء بدون إرادة. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 26 حكم صلاة الجماعة في السفر في المنزل السؤال بالنسبة لصلاة الجماعة في السفر هل تصح في المنزل إذا كنا جماعة؟ الجواب إذا كنتم جماعة في مكان بعيد عن المساجد فلا بأس، وإن كنتم في مكان قريب فأنتم وأهل البلد سواء؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار) وقوله للرجل الذي استأذنه أن يدع الجماعة قال: (تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب) وكذلك الجمعة إذا كنتم في بلد وأقيمت الجمعة وجب عليكم حضور الجمعة؛ لعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] . الجزء: 130 ¦ الصفحة: 27 الرد على الجبرية المستدلين بحديث: (أن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره،) السؤال ورد في الحديث الذي معناه: (إن الله لما خلق آدم مسح مسحة فقال: هؤلاء للنار، ثم مسح مسحة أخرى فقال: هؤلاء للجنة) كيف يكون الرد على الجبرية إذا استدلوا بهذا الحديث؟ الجواب بالنسبة لهذا الحديث اختلف العلماء في صحته هل هو صحيح: (إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره، وأخرج منه ذريته وقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي) فيه كلام طويل عريض للعلماء، وليس فيه حجة للجبرية؛ وذلك لأن الإنسان يفعل ما يريد باختياره، وهل أحد منا يعلم أنه من أهل النار أو من أهل الجنة؟ لا أحد يعلم، فإذا كان لا يعلم؛ فلماذا أقدم على فعل أهل النار، لماذا لم يقدر نفسه أنه من أهل الجنة ويعمل بعمل أهل الجنة؟! فلا حجة للجبرية في كل النصوص التي تدل على أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لأننا نقول للإنسان العاصي، أو الذي يقول: إنه مجبر: ما دليلك على أن الله تعالى خلقك من أهل النار؟! لا أحد يستطيع أن يعرف؛ لأن القدر سر مكتوم لا يُعْلَم إلا إذا وَقَع: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:34] فلا حجة للجبرية في النصوص الدالة على أن كل شيء مكتوب ومقدر. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 28 الخطأ في رمي الجمار السؤال في الحج السابق كنت في منى، فجاءتنا زحمة، ومن غير شعور حذفت الجمار في الأولى التي هي واحد وعشرون حصاة، ثم قَفَّيْتُ السبع الثانية، وأفتيتم وأنتم في منى لي أنه لا بأس إن أخذت الحجر من حول الجمرات، وحذفت بها في الثنتين الباقيات، أنا في نفسي لا أدري ماذا قلتَ لي، عندما حذفت فيها واحداً وعشرين، هل جائزة كلها؟ أنت قلت: لا بأس، تأخذ من الحجر من حول الجمرات وتحذف بها. الجواب المهم أن الجمار -بارك الله فيك- حصى من أي مكان أخذتها خذها حتى من عند الحوض لا مانع. لكن الواحد والعشرين في الأولى ما لك منها إلا سبع. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 29 حكم عمل النصارى في جزيرة العرب السؤال جوار مسجدنا يوجد عمال نصارى يعملون في ورشة وصاحب هذه الورشة لا يأخذ بالنصيحة بأن يجلي هؤلاء العمال عن المسجد، وأن هذه الورشة بجوار المسجد، وإذا حدثت والدي عن هذا -رغم أن والدي زميل له وصديق- قال لي والدي: إنه في الشرع يجوز الإتيان بالعمال، وحجة والدي يقول: لأني كنت عند أحد المشايخ ورأيت عاملاً كافراً، وقال لي الشيخ: الذي لديه عامل كافر فإنه في الشرع يجوز فما رأيكم في هذا؟ وما دوري في هذا؟ جزاكم الله خيراً. الجواب نعم، أما جلب غير المسلمين إلى هذه البلاد فلا أشك أنه خلاف الأولى، وأن الأولى ألا يأتي لهذه البلاد إلا رجال مسلمون، ونساء مسلمات، وقد قال الله تعالى {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] لكن لا نقول: إنه حرام، الحرام أن يأتي الكافر يسكن في الجزيرة، هذا هو الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، لكن إذا جاءوا عمالاً أو تجاراً فلا بأس، وكذلك إذا جاءوا خداماً لأنهم تبع لأسيادهم، ولهذا كان الذي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلامٌ مجوسيٌّ في المدينة للمغيرة بن شعبة، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودي في المدينة أيضاً. فهؤلاء العمال الذين هم نصارى عند المسجد إذا كان يحصل منهم أذية للمسجد بحيث يشتغلون والناس يصلون فإنه يجب منعهم، وأما إذا لم يكن منهم أذية فلا يجوز أن نمنعهم؛ لأننا لو منعناهم تضرر الذي أتى بهم. وخلاصة الجواب: أن نقول: متى أمكن أن تأتي بعمال مسلمين فهو الأَولى، وإذا لم يمكن فلا حرج أن يأتي هؤلاء العمال ويعملوا؛ لكن إن تأذى بهم المسجد أو أهله، فإنهم يُمْنَعون. الله يوفقنا وإياكم للخير والحمد لله رب العالمين. الجزء: 130 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [131] تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن بدعية الاحتفال بالمولد النبوي؛ مبيناً فساد الدوافع التي من أجلها يقام المولد وبطلانها، ومضيفاً إليها ذكر مفاسد البدع وخطرها. ثم انتقل رحمه الله إلى الإجابة عن الأسئلة التي احتوت على جزء كبير فيما يتعلق بالمولد. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 1 دوافع إقامة المولد والرد عليها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس، الثالث من شهر ربيع الأول عام (1417هـ) وهو يوم اللقاء الأسبوعي، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع. في هذا اللقاء نود أن نتكلم عن مسألة اجتاحت العالم الإسلامي، وهي لا أصل لها، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا في عمل الصحابة والتابعين، ألا وهي: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم. فإن هذا الاحتفال قد عم وطم، واعتقده بعض الناس ديناً وشريعة، بل ربما ظنه بعض الناس أنه من أوجب الواجبات، وأنه لا تتم محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا به. ونحن نبيِّن إن شاء الله تعالى في هذا اللقاء أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في اليوم الثاني عشر من هذا الشهر ليس له أصل، لا في التاريخ، ولا في الشرع. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 2 بطلان المولد من الناحية التاريخية أما التاريخ: فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في اليوم الثاني عشر، بل إن بعض المحققين من علماء الفلك أَكَّدوا أن مولده كان في يوم التاسع من هذا الشهر، واختلف العلماء المؤرخون القدامى على نحو سبعة أقوال أو ستة أقوال في تعيين يوم مولده. هذا من الناحية التاريخية. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 3 بطلان المولد من الناحية الشرعية أما من الناحية الشرعية: فيقال: إن الذين يقيمون هذا الاحتفال: - إما أن يكون الحامل لهم محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. - وإما أن يكون الحامل لهم مضاهاة النصارى في الاحتفال بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. - وإما أن تكون هذه عادة درجوا عليها. فأما الاحتمال الأول: وهو أن يكون الحامل لهم على ذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنحن نقول: إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن، بل يجب على كل مؤمن أن يقدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبة كل بشر؛ وأن يقدم محبته على محبة نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين، ولا يتم الإيمان إلا بذلك. ولكن ميزان المحبة الحقيقية هو: الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نشرع في دينه ما لم يشرعه. لأننا لو تقدمنا بين يديه لأسأنا الأدب، وإساءةُ الأدب يعني: عدم المبالاة بِمَن يكون أمام الشخص. ولو شرعنا في دينه ما لم يشرعه لكان في هذا قدح في تبليغه للأمة عليه الصلاة والسلام. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 4 مفاسد البدع ونحن نتكلم الآن عن البدع من حيث هي، ومنها: الاحتفال بالمولد. أي إنسان يحدث بدعة فإننا نقول له: إنك واقع في معصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وفيما حذر عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وهذه مفسدة عظيمة. - ومن مفاسد البِدَع: أنها نوع من الشرك، كما قال الله تبارك وتعالى، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] . ولا يخفى أن الشرك لا يُغْفَر، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، وظاهر الآية الكريمة: أن الشرك لا يُغْفَر ولو كان أصغر. - ومن مفاسد البدع: أن فيها صداً عن سبيل الله؛ لأن الإنسان يشتغل بها عن العبادة الثابتة حقاً، فما ابتَدَع قومٌ بدعة إلا أضاعوا من السنة ما هو مثلها، أو أعظم منها. - ومن مفاسد البدع: أنها تستلزم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يبلغ ما أرسل به، أو كان جاهلاً به، ووجه ذلك: أننا إذا بحثنا في القرآن والسنة لم نجد هذه البدعة، فإما أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام غير عالم بها، وهذا قدح فيه عليه الصلاة والسلام وإما أن يكون عالماً لكن لم يبلغها الناس، وهذا قدح فيه أيضاً، في أنه لم يبلغ ما أرسل إليه. - ومن مفاسد البدع: أنها تنافي قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ؛ لأن مقتضى المبتدع: أن الدين لم يَكْمُل؛ لأننا لا نجد هذه البدعة في دين الله، وإذا كانت من دين الله على زعم هذا المبتدع، وهي لم توجد فيه فإن الدين على زعمه لم يَكْمُل، وهذه مصادمة عظيمة؛ لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] . - ومن مفاسد البدع: أن مبتدعها نَزَّل نفسه منزلة الرسول؛ لأنه لا أحد يشرع للخلق ما يقرب إلى الله تعالى إلا مَن أرسله الله عز وجل، ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فهذا الذي ابتدع كأنه بلسان الحال يقول: إنه يُشَرِّع للناس ما يقرب إلى الله، وهذه تعني أنه مشارك للرسول صلى الله عليه وسلم في الرسالة. - ومن مفاسد البدع: أنها قول على الله بلا علم، وهذا محرم بإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] . ولها مفاسد أخرى لو تأملها الإنسان لوجدها تزيد على هذا بكثير؛ لكنَّا نقتصر على ذلك. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 5 أقسام الناس المحتفلين بالمولد نعود إلى أصل الكلام وهو: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: إن الذين يحتفلون بذلك لا تخلو حالهم من ثلاث حالات: - إما أن يكون محبة للرسول عليه الصلاة والسلام. - أو مضاهاة للنصارى. - أو لأنه أمرٌ معتاد مَشَوا عليه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 6 شبهة من يقيمون المولد محبة لرسول الله والرد عليهم الذين يحتفلون بالمولد إذا كان محبةً للرسول عليه الصلاة والسلام فنقول: لا شك أن محبة الرسول واجبة، بل يجب تقديم محبته على محبة النفس والناس أجمعين؛ لكن هل من محبته أن نتقدم بين يديه وأن نشرع في دينه ما ليس منه؟ كلا، يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] . ويقول الله تبارك وتعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158] . فلازم المحبة الصادقة: أن لا يتقدم الإنسان بين يدي الرسول فيدخل في دينه ما ليس منه. ثم نقول ثانياً: هل أنت أيها المحتفل بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام أشد حباً لرسول الله من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفقهاء الصحابة وعامتهم وأئمة التابعين مِن بعدهم وتابعي التابعين؟! إن قال: نعم، فهو من أكذب الناس، وإن قال: لا، نقول: يسعك ما وسعهم، فهل أقاموا احتفالاً للرسول عليه الصلاة والسلام؟! أبداً لم يُقَمْ هذا الاحتفال إلا في القرن الرابع الهجري، فما بال الأمة الإسلامية لم تقمه قبل ذلك؟! أهي جاهلة به، أم مخالفة عن علم، أم هي ناقصة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم نقول ثالثاً: إذا كان ذلك بدعوى أنك تحيي ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول له: ألا يكفيك ما تحيا به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عباداتك؟! كل عبادة هي إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل عبادة شرطها: 1- الإخلاص. 2- المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام. فإذا شعرت وأنت تتعبد لله تعالى بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة، فإن هذه ذكرى للرسول عليه الصلاة والسلام. لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس اليوم يتعبدون لله بالعبادات على أن هذا هو الأمر الجاري، وقَلَّ مَن يتنبه إلى أنه يصلي إخلاصاً لله ومتابعةً لرسول الله، أو يتطهر لذلك، أو ما أشبهه، وإلا فكل إنسان يشعر حين العبادة بالإخلاص والمتابعة للرسول، فإن عبادته إحياء لذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم نقول: إن الله شرع لعباده ما تكون به ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو خير من هذا الذي تريد، خير وأعم وأشمل. فالمسلمون في كل صلاة مفروضة يُعْلِنون إعلاناً بأعلى ما يكون من الصوت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، في كل أذان، وليس يقتصر على ليلة من العام، بل كل العام، بل كل يوم، والمسلمون في كل صلاة يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فهذا كافٍ في إحياء ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذا -أعني: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتقيد بسنته- أكبر دليل على محبته، وكلما كان الإنسان للرسول أتبع، كان له أحب، وكلما كان أحب فهو له أتبع. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 7 من يقيمون المولد مضاهاة للنصارى والرد عليهم الثاني: أن يفعلوا ذلك مضاهاة للنصارى: فنقول: إن ثبت أن النصارى قد شُرِع لَهُم أن يَحتفلوا بِمَولد نبيهم عيسى عليه الصلاة والسلام فقد ورد شرعنا بِخِلافه، فهل نأخذ بشريعة النصارى؟ أم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام؟! الجواب الثاني بلا شك. إذا قُدِّر على الفرض الذي قد يكون محالاً: أنه من المشروع للنصارى أن يحتفلوا بميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام، فإن شريعتنا لم تَرِد بالاحتفال بمولد رسولنا صلى الله عليه وسلم، فكيف تتأسى بالنصارى في احتفالهم بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ولا تتأسى بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفقهاء الصحابة وعامتهم وأئمة المسلمين مِن بعدِهم؟! ليس هذا إلا جهل وسفه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 8 من يقيمون المولد على سبيل العادة والرد عليهم وأما إذا كان الاحتفال على سبيل العادة وهو الاحتمال الثالث؛ أنها عادة مشى الناس عليها: فإننا نقول: العبادات لا تنقلب عادات باستمرار الناس عليها، ولو أننا أخذنا بذلك لكانت صلاتنا وصيامنا وحجنا وزكاتنا كلها عادات، ولا أحد يقول بهذا. ولو فتحنا هذا الباب لكنا نسمي هذه العبادات العظيمة: تقاليد وعادات، وما أشبه ذلك، ونسلب عنها معنى العبادة وروحها. ثم نقول: هل العادات يَحِلُّ فيها أن يَذْكُر الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نهى عنه هو عليه الصلاة والسلام؟ الجواب لا، فهو عليه الصلاة والسلام نهى عن البدع وقال: (كل بدعة ضلالة) ونهى عن الغلو فيه. والذي بَلَغَنا أن هؤلاء الذين يحتفلون بعيد المولد، أنهم يذكرون من الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصل إلى حد الشرك، فنسمع أنهم يرددون ما قاله البوصيري في قصيدته، فيرددون: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العَمِمِ إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل: يا زلة القَدَمِ حتى قال: فإن من جودك الدنيا وضرتهاومن علومك علم اللوح والقَلَمِ إذا كانت الدنيا وضرتها -وهي: الآخرة- من جود الرسول فماذا يبقى لله؟! لا يبقى لله شيء! ومع ذلك ليست الدنيا والآخرة هي جود الرسول بل هي من جوده، وهناك جود آخر فوق الدنيا والآخرة. ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ من علومه: علم اللوح والقلم، والله عز وجل يقول لرسوله: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50] وهذه الجملة تعني: أنه يقول: إنما أنا عبد أتبع ما يوحَى إلي، وهؤلاء يرددون: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقَلَمِ وبلغنا أيضاً: أنه يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد، ويحصل التصفيق، وترنَّمات بأصوات مغرية، مثيرة للشهوة، موجبة للفتنة. وبَلَغَنا عنهم -يعني: عن بعضهم، والمراد: الجنس، ليس هو كل واحد بعينه- ما يُعَدُّ سفهاً في العقل، كما هو ضرر في الدين، بلغنا أنهم في أثناء هذه السَّكرة؛ ولا أعني سكرة الخمر؛ ولكنها سكرة الفكر، في هذه السكرة يقومون: عليك السلام، عليك السلام، يقولون: إن الرسول حضر ودخل عليهم، ولو كانوا في أقصى المشرق أو أقصى المغرب، قام من قبره في المدينة، وأتى إليهم، وسلم عليهم، وهذا لا شك أنه سفه، هل أحد يبعث قبل يوم القيامة؟! الجواب: ليس هناك أحد يبعث من هذه الأمة قبل يوم القيامة، إلا أن يكون كرامة لسبب من الأسباب ويزول، أما أن يبعث الرسول عليه الصلاة والسلام ويأتي إلى هؤلاء، وإذا قدَّرنا أن في الأمة الإسلامية عشرات الآلاف يَحتفلون بهذا، في عدة أماكن، والليلة واحدة، كيف يدور الرسول عليه الصلاة والسلام على هؤلاء؟! أقول ذلك ليتبين أن مثل هذه الاحتفالات كما أنها مخالفة للشرع فإنها مخالفة للعقل، ضلال في الدين، وسفه في العقول. أقول هذا لا لأنها موجودة عندنا في المملكة العربية السعودية -والحمد لله- على وجه ظاهر كما توجد في البلاد الأخرى؛ ولكن ليتبين لطالب العلم حكم هذه المسألة، ولتقوم الحجة عليه -أي: على طالب العلم- بأن يعلنها صريحة لقومه بأن هذا ليس من شريعة الله. يعني: يخاطب الناس ويقول: أنتم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإذا كان لا إله إلا الله فالحكم لمن؟ لله، وإذا كان محمد رسول الله فالشريعة شريعة رسول الله، فليس لنا أن نحكم بشيء إلا ما حكم الله به، ولا أن نتبع بشراً إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. هذا ما أحببت أن يكون موضوع درسنا في هذا اللقاء. وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 131 ¦ الصفحة: 10 حكم تنازل البائع عن جزء من الثمن للموكل بالبيع السؤال ما حكم هذا البيع: رجل دفع سلعة لرجل آخر وقال: ائتني في هذه السلعة بالمبلغ الفلاني -بمبلغ كذا مقدراً- وما زاد فهو لك، فما حكم هذا البيع؟ الجواب هذا لا بأس به، يعني: لا حرج أن يوكل الإنسان شخصاً يبيع له سلعة، يقول: بعها بمائة وما زاد فهو لك. لكن إذا كان الوكيل يعلم أن الشيء قد زاد، وأن تقدير الثمن من صاحب السلعة بناءً على ثمن سابق، على قيمة سابقة، فيجب عليه أن ينبهه، ويقول: إن الأشياء قد زادت، وأنها تساوي الآن مائتين، هذه قيمتها في السوق، فإذا أخبره بالواقع وقال: بعها بمائتين فما زاد فهو لك، أو بمائة فما زاد فهو لك، فلا بأس؛ لا الإنسان أحياناً يكون جاهلاً بالسعر، ويظن أن هذه السلعة لا تساوي أكثر من مائة، أو تزيد قليلاً فيقول لوكيله: خذها بعها بمائة وما زاد فهو لك، فهذا جائز؛ لكن -كما قلت- إذا كان السعر زائداً فيجب أن ينبه صاحب السلعة، ويقول: إن السعر قد زاد، فإذا قال: ليس عندي مانع، الله يرزقك، ما زاد فهو لك، فحينئذ لا بأس به. أحب أن يكون موضوع الأسئلة ما يتعلق بالاحتفال بالمولد؛ لأن منكم من يعرف في بلاده أكثر مما أعرفه أنا، فإن لم يكن عندكم أسئلة فلا بأس بالأسئلة الثانية، لكن هذا موضوع مهم حساس ينبغي لنا -أعني: مسألة المولد- أن نعرف أحوال الناس فيه ونطبقه على الشرع. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 11 حكم مشاهدة الاحتفال بالمولد عبر وسائل الإعلام السؤال يا شيخنا، ذكرتم أنه لا يوجد -والحمد لله- عندنا هذا الاحتفال؛ ولكن كثير من العوام يشاهدون الدشوش الخارجية فينظرون إليها ويتأثرون، لكن السؤال هنا بالنسبة للخطيب نلاحظ الخطباء قد يذكرون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا من دون أن يتعرضوا للمولد، فعندما تأتي إليه تقول: يا أخي أنت الآن كأنك تشيد بالأمر، فيقول: لا، أنا لا أقصد هذا؟ الجواب نعم، هذا سؤال يتضمن سؤالين في الواقع: الأول: أن المسلمين الذين لا يقيمون هذا الاحتفال يشاهدونه عبر وسائل الإعلام، وربما تنقل وسائل الإعلام المبثوثة مثل هذا ويَشِيْعُ بين الناس، فنقول: إذا رأيت مثل هذا في التلفاز أو عبر قنوات الدشوش، فأغلق التلفاز؛ لأن البدعة بدعة، ويُخْشَى أن تؤثر على قلبك فتصدق بها، وهذا خطر. أما الشق الثاني من السؤال: فهو أن بعض الناس في ربيع الأول يذكر حال العرب قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وحالهم بعد بعثته وكيف أتى الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أشبه ذلك، وهذا ليس من الاحتفال بالمولد؛ لأن الخطيب يذكره في خطبة مشروعة، ليس يُجَدِّد خطبة أو يُحْدِث اجتماعاً، بل الخطبة مشروعة، فذكر ما يناسب المكان أو الزمان لا أرى فيه بأساً، لكن البأس أنك تُحْدِث شيئاً لم يكن، أما هذا فالخطبة مشروعة في كل جمعة، وذكر ما يناسب الزمان أو المكان لا يُعَدُّ بدعة. السائل: يعني: يذكر يا شيخ. الشيخ: لا بأس يذكر -مثلاً كما أشرتُ إليه- حال الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحالهم بعد بعثته، وكيف بُعِث عليه الصلاة والسلام. السائل: ولا مانع من ذلك؟ الشيخ: نعم. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 12 توضيح لسبب جمع لفظة (السبيل) المضافة إلى الله سبحانه وتعالى السؤال ذكر الله تعالى لفظة السبيل في القرآن بصيغة الإفراد، كقوله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] ؛ لأن السبيل الموصل إلى الله تبارك وتعالى واحد، وهو: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] . ولكن ذكر في مواطن أخرى في القرآن الكريم لفظة السبيل بصيغة الجمع، كقوله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] ، وقوله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [إبراهيم:12] فكيف نحل هذه الإشكالية يا شيخ؟ الجواب السبيل المضاف إلى الله تعالى تارة يكون مفرداً، وتارة يكون جمعاً؛ لكن إذا كان جمعاً، فإنه لا بد أن يكون مضافاً إلى الله، وأما إذا كان غير مضاف إلى الله فهو سبل الضلال، يُفْرَد السبيل المضاف إلى الله تعالى؛ لأنه واحد سبيل واحد يوصل إلى الله، وهو الإسلام، وتُجْمَع سبل الضلال؛ لأنها متفرقة هذا نصراني، وهذا يهودي، وهذا شيوعي، وهذا بعثي، وهذا ملحدُ، إلى آخره، فهي سبل متفرقة، وكلها ضلال، وما جمعه الله تعالى من السبيل المضاف إليه، فإنما يجمعه لتنوع العبادات التي هي سبيل الله عز وجل؛ هذه صلاة، وهذه زكاة، وهذا صيام، وهذا حج، وهذا جهاد، وهذا أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهذه دعوة إلى الله عز وجل، فصار جمعه له وجه، وإفراده له وجه آخر. أما سبل الضلال فإنها متفرقة فلا تكون إلا مجموعة. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 13 حكم تأجيل الصداق إلى الفراق السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس يطلبون تأخير الصداق؛ ولكن بشرط الطلاق! يعني: إذا حصل الطلاق يدفع المؤخر، فما حكم ذلك؟ الجواب نعم، صيغة السؤال المفهومة المعلومة: أن بعض الناس يجعل الصداق شطرين: 1- شطراً مقدماً عند العقد أو قبل العقد. 2- شطراً آخر مؤجلاً، ويجعل أمد الأجل الفراق. ونحن نقول: الصداق حق للمرأة، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] إن شاءت قالت: لا بد أن يكون مقدماً، هذا واحد وإن شاءت أجَّلته، إما بأجل معلوم كأن تقول مثلاً: كل سنة تعطيني كذا وكذا، وإما بأجل مُطْلَق، ويصح هنا الأجل المطلق، قال العلماء: والأجل المطلق يحل بالفرقة، إما بموت، أو طلاق. فالصداق المؤجل وإن لم يذكر له أجل معين يَحِل إذا حصلت الفرقة بموت أو طلاق أو فسخ أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز؛ لأنه حق لها. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 14 زكاة الدين السؤال فضيلة الشيخ: شخص لديه محل بيع، ويشتري البضائع من شركة بالدين، فتكون هذه البضائع، أحياناً يبيع هذه البضائع على الناس أيضاً بالدَّين، وحال عليه الحول فكيف يخرج زكاة هذا المحل؟ الجواب أما الدَّين الذي له على الناس، فإن كان على أناس أغنياء يستطيع أن يقول: أعطني ديني، فيعطيه، فإن الزكاة واجبة عليه، يزكيه كل سنة؛ لكن إن شاء زكاه مع ماله وإن شاء انتظر حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى، هذا إذا كان الدين على غني. أما إذا كان على فقير فلا زكاة فيه حتى تقبضه، وإذا قبضته زكه لسنة واحدة، ولو مضى عليه سنوات كثيرة. وأما بالنسبة للدَّين الذي عليه، فالقول الراجح: أنه لا يمنع وجوب الزكاة، وأن من بيده ألف درهم وعليه ألف درهم يزكي الألف التي في يده؛ لأنه مالك لها، وعمومات الكتاب والسنة تدل على أنه متى وُجِد هذا النصاب في يد إنسان وجب عليه أن يزكيه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 15 حكم الإجازة في يوم المولد النبوي وحكم استيفاء الدين ناقصاً أو زائداً السؤال فضيلة الشيخ، بعض الدول الإسلامية تعطل في يوم المولد النبوي، لكن السؤال: رواتب بعض الموظفين تحال على بنك الرياض وأظن مِن طريقة البنك أنه إذا كان أقل من خمسين هللة يتركها عنده، وإذا كان أكثر من خمسين جبرها ريالاً، فما حكم ذلك؟ وما حكم ترك هذه الهللات عند البنك مثل بنك الرياض، وهل هو تعاون على الإثم والعدوان؟ الجواب لكن سؤالك خليط. السائل: لا، هذه فقط معلومة. الشيخ: معلومة؛ ولكنها خطأ، أي: إثبات عطلة بمناسبة عيد المولد خطأ عظيم؛ لأن معنى ذلك إثبات هذه البدعة بين الناس صغيرهم وكبيرهم، حتى يعتقدوها عيداً فيه عطلة كما يُعَطَّل لعيد الأضحى وعيد الفطر. أما بالنسبة لما ذكرت من أنك تحال على بنك أو غير بنك فإن بقي كَسْرٌ يتجاوز النصف وأعطاك كاملاً وإن بقي كَسْرٌ دون النصف سمحت به أنت، هذا لا بأس به؛ لأنه من باب الاستيفاء، ولا بأس أن الإنسان يستوفي أقل من حقه أو يوفىّ أكثر مما عليه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 16 حكم الجلوس لسماع الاحتفال بالمولد النبوي السؤال فضيلة الشيخ: لقد ذكرتَ أن الاحتفال بالمولد بدعة، فما حكم من يجلس في المساجد مع محدثه، يعني: يتكلم عن نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم ومولده؟ جزاكم الله خيراً الجواب كل من شارك أحداً في بدعة فإن عليه إثمه، ولا يجوز للإنسان أن يشارك هؤلاء في احتفالاتهم؛ لأنها بدعة، كيف يرضى الإنسان أن يجلس مع قوم على بدعة وصَفَها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها ضلالة؟! الجزء: 131 ¦ الصفحة: 17 حكم ترقيق الحاجبين ببعض الأصباغ السؤال فضيلة الشيخ، يوجد بعض الأصباغ والألوان توضع على الحاجبين حتى تبدو رقيقة، وتبقى هذه مدة شهر تقريباً، فهل هذا في حكم النَّمْص؟ الجواب لا، يعني: تلوين الشعر بغير السواد لمن ابيضَّ شعره لا بأس به، هذا هو الأصل؛ لأن الأصل في غير العبادات الحِل، وليس هذا من النَّمْص؛ لكنه من ترقيق الشعر. كما أن بعض الناس يختار أن يكون شعره جعداً ويَطَّلَيه بما يقوي الشعر. السائل: الحاجبان يا شيخ، يرققها باستخدام بعض الألوان عليها حتى تبدو رقيقة، ولا يقص شعر الحاجبين؛ ولكن يضعها عليه ويلوِّن البشرة! الشيخ: ليس فيه بأس؛ لكن المسألة: هل هذا جائز في حق الرجال أم لا؟ الرجل لا ينبغي له أن يتجمل بما تتجمل به المرأة، أما المرأة فلا بأس. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 18 ما يصل نفعه إلى الميت السؤال يا شيخ! إذا جعل أبناء الميت للميت صدقة جارية، أو علماً ينتفع به، هل ينفع هذا الميت وإن لم يوصِ بهذا لعدم قدرته عليه؟ الجواب نعم، إذا جعل أولياء الميت صدقة للميت نفعه ذلك، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استأذنه أن يجعل مخرافه في المدينة -أي: نخله الذي يُخْرف- صدقة لأمِّه فأذن له، وسأله رجل فقال: (يا رسول الله! إن أمي افتُلِتَت نفسُها، وأظنها لو تكلمت لتصدقت -افتُلِتَت نفسها أي: ماتت بغتة- أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) ، فلا بأس. أما العلم النافع فكيف يكون هذا، يمكن هذا بشراء الكتب ويجعلها صدقة لوالده، فيكون علماً نافعاً. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 19 حكم من تزوج بمن رضعت معه مرة واحدة السؤال يا شيخ! امرأة أرضعت بنتاً وولداً، وهي أجنبية عنهما، وهما من أُمَّين مختلفتين وعلى حسب تقديرها قالت: بأنها أرضعتهما رضعة واحدة، فهل يجوز الجمع بينهما في الزواج؟ الجواب نعم، يجب أن نعلم أنه لا بد في الرضاع من خمس رضعات، وما دونها لا أثر له، فلو ارتضعت طفلتان من امرأة مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث مرات أو أربع مرات، لم تكونا أختين، وعلى هذا فيجوز الجمع بينهما. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 20 حكم من مات وترك بعض الصور السؤال بعد وفاة الوالد بقيت بعض الصور الفوتوغرافية التي تخصه مع بعض أفراد العائلة، وتلفاز، فهل إذا تركت يبقى في ذمته شيء، علماً أنه يكره هذه الأشياء؟ الجواب أما الميت فلا يلحقه شيء ما دام أنه يكره ذلك؛ لكن يلحقهم هم، وأبلغهم أنه لا بد عليهم أن يحرقوها إحراقاً تاماً؛ لأن بقاءها يجدد ذكر الميت والحزن عليه، والذي ينبغي للإنسان أن ينسى المصيبة. السائل: بقي التلفاز في البيت! الشيخ: لا، أنا فهمت أنها صورة تلفاز. السائل: الاثنين. الشيخ: الاثنين؟ السائل: نعم. الشيخ: لا، التلفاز ليس عليه منه، ما دام كارهاً له؛ لكن لماذا لم يمنعه في حياته؟ السائل: يُسَوِّف، وكان مريضاً، قال: إن شاء الله إذا تعافيتُ أخرجه. الشيخ: إذا تعافى يُطَلِّعُه؟ السائل: إن شاء الله. الشيخ: لا، هذا مُسَوِّف، لا شك أن عليه إثماً منه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 21 حكم الأكل من المزرعة بدون أذن المالك السؤال ما مدى صحة من يقول: إنه يجوز لأي إنسان أن يأكل من ثمار مزرعة من دون أن يستأذن من مالكها، محتجاً بحديث جابر عند الإمام مسلم: (ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو دابة أو شيء إلا كانت له به صدقة) ؟ الجواب نعم، هذا الحديث الذي ذكرت فيه الترغيب في غرس النخل والزرع، أما بالنسبة لمن أكل فإن له الرخصة أن يأكل بفمه فقط غير متخذ خُبْنَة، بشرط أن لا يكون عليه حارس، ولا حاجز، أي: لو مررت بنخل ليس عنده حارس وليس فيه حاجز من جدار أو شبك فلك أن تأكل بفمك فقط دون أن تتخذ خُبْنَة؛ إلا إذا علمنا أن صاحب هذا البستان بعينه لا يسمح، مثل: أن يكون قد كتب لوحاً: ممنوع الأكل، فهنا لا تأكل. فصار الإنسان إذا مر ببستان عليه حاجز يأكل، أو مر ببستان عليه حارس فلا يأكل، أو مر ببستان عليه لوحات مكتوب فيها: ممنوع الأكل فإنه لا يأكل، أو مر ببستان ليس عليه حاجز ولا حارس، ولا لوحات منع، فله أن يأكل؛ لكن يأكل بفمه فقط، دون أن يتخذ خُبْنَة، أي: ما يأخذ معه، يأكل فقط بفمه. السائل: يا شيخ! إذا كان عليه حاجز وحارس وعلمنا رضاه؟ الشيخ: لا بأس، إذا علمنا رضاه؛ لكن نقول: إن علمنا رضاه، فالحارس لماذا؟ السائل: حاجز فقط. الشيخ: هنا لا بأس؛ لأنه ربما يضع الحاجز لئلا تدخل المواشي والإبل، وما أشبه ذلك. السائل: لا تدخل المواشي. الشيخ: المدار كله على رضا المالِك. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 22 مدى صحة القول بأن عمر بن عبد العزيز كان صوفيا ً السؤال هل الصوفية يتبعون الخليفة عمر بن عبد العزيز؟ الجواب لا. أبداً. السائل: أحد الإخوان يقول: إن عمر بن عبد العزيز كان صوفياًَ؟ الشيخ: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، نقول: هات الدليل! السائل: يقولون: كان يلبس الصوف! الشيخ: هذا ليس بصحيح، وقل لهؤلاء: أنتم لا تلبسوا الصوف، وهل كل مَن لبس الصوف هو صوفي؟! ثم إن الصوفية تطورت، يعني: يوجد من السلف من فيه تصوف لا شك؛ لكنها ليست الصوفية الغالية الآن، الآن الصوفية تطورت إلى أن بلغت إلى القول بوحدة الوجود والعياذ بالله، حتى كان الواحد منهم يقول: ليس هناك أحد، كل الكون هو الله عز وجل، ويقول أحدهم: ليس في الجُبَّة إلا الله، فيقول: هو الجبة، الجبة: أليس هو لابِسٌ جُبَّتَه؟! يقول: ليس في الجُبَّة إلا الله، وبعضهم يحصل له هوس، يقول: أنصب خيمتي على جهنم -هكذا نقل عنهم شيخ الإسلام وهو ثقة- ويقول بعضهم: سبحاني سبحاني، أنا الله، فـ الصوفية ليست هينة، بل تطورت. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 23 حكم نصب خيمة أمام خيام المبتدعة لصرف الناس عن البدعة السؤال من المعروف عندنا أن في ليلة المولد أو قبلها بأيام ينصبون الخيام، وكذلك في كل طائفة من الطرق الصوفية عندهم خيمة، فيذكرون الله ويتراقصون وما إلى ذلك، ثم أن هناك أيضاً خيمة لـ أهل السنة يعني: يتكلمون فيها، وبيان الأمر والنهي يعني: أنه لا بد من طاعة الله وتوحيد الله عز وجل وما إلى ذلك، فهل لهم أن ينصبوا الخيمة في هذا المكان مع أنها وسط خيام الصوفية وغير ذلك، هذا بالنسبة للخيمة نفسها؟ الجواب فهمتُ كلامك الآن، أنت تريد أن تقول: إن عندكم أناساً مبتدعين، بدعتهم غليظة جداً، وأناساً غير مبتدعين، بل هم ملتزمون بالسنة؛ لكن ينصبون خيامهم عند خيام هؤلاء لجذب الناس، أو لحماية الناس عن البدع الغليظة التي يفعلها هؤلاء، فهذه المسألة تَجاذَبَها شيئان: الشيء الأول: بدعة، وهذا يقتضي أن تُمْنَع، وأنه لا يجوز لـ أهل السنة أن ينصبوا خياماً لهذه البدعة. الثاني: حماية عن بدعة أعظم، وحينئذ نقول: لا بأس؛ لأن صد الناس عما هو أعظم بما هو أخف من الأمور المطلوبة شرعاً؛ لقوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] ولأن أهل السنة لو لم يفعلوا ذلك لشنَّع عليهم هؤلاء، وأقاموا عليهم العامة، وقالوا: هؤلاء لا يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام، والعوام هوام، لا تعرفهم. فإذا قالوا: نحن نفعل ذلك لنذكر الناس بأحوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وغزواته وجهاده ودعوته بدون غُلُو؛ لنحميهم عن البدع الكبيرة التي قد تخرجهم من الدين، ولندفع عن أنفسنا التهمة التي يجعلونها علينا، فينفِّرون الناس من الحق بهذا. أقول: لعل هذا إن شاء الله من الأمور المباحة إذا لم يمكن الطريقة الأخرى وهي: أن لا نشاركهم في خيامهم، فإن أمكنت هذه بدون ضرر فهذا هو المطلوب. السائل: هل يحق لغيرهم -يعني: لغير الآمرين- أن يذهبوا إلى هذه الخيمة؟ مع العلم أن هذه بدعة وكذا؟ الشيخ: لا يذهبوا، نحن نتكلم عن نصب الخيمة، وأما غيرهم فلا يذهبوا؛ لكن من رأوه ذاهباً إلى الخيام التي فيها المفسدة الكبيرة يدعونه. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 24 الفرق بين البدعة والمعصية من حيث الوزر السؤال أيهما أعظم: المعصية، أم البدعة؟ وهؤلاء مثلاً الذين يتخذون بعض الوسائل البدعية في الدعوة للتخفيف وصد الناس عن بعض المعاصي؟ الجواب البدعة معصية وزيادة، وهي من حيث أثرها وكونها تقدماً بين يدي الله ورسوله أشد، حتى إن بعض أهل العلم قال: إنه لا توبة لمبتدع؛ لأن البدعة تنتشر وردها صعب بعد انتشارها، لا سيما وأن البدعة غالباً تُغَلَّف بأمر عاطفي، وأنتم تعرفون أن عاطفة المسلمين بالنسبة لله ورسوله شديدة جداً، فقد تكون البدعة أكبر وقد تكون المعصية أكبر حسب الحال، لكن لو تساوتا من حيث الوزن، فآثار البدعة أشد وأضر على المسلمين. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 25 حكم عقد الاستصناع السؤال رجل لديه محل لبيع الأثاث، ثم إنه قد يأتيه المشتري فيطلب تفصيل مجلس فيحتاج أن يذهب إلى مدينة أخرى ليفصل له، ثم يتفق معه على الثمن وربما قبض العربون قبل أن يذهب إلى التفصيل! فما رأيك؟ الجواب نعم، هذا لا بأس به؛ لأنه لم يبع عليه شيئاً معيناً، إنما اتفق معه على استصناع شيء معين، فالصواب: أنه لا بأس به، وليس فيه مانع، ويكون هذا ثابتاً في ذمته ويعمل بمقتضى العقد. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 26 المسافة التي تقصر فيها الصلاة السؤال بعض الناس إذا خرج إلى البر قصر الصلاة ويقول: إن الصحابة اختلفوا وفَهِمَ من قوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] قال: تعريفه في اللغة: البروز، والخروج، فمتى ما خرجتُ سوف أقصر الصلاة، ومن أراد أن يمنعني فعليه بالدليل! الجواب لا شك أن الأصل أن الضرب في الأرض يبيح القصر، وأنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه حدد ذلك بمسافة معينة أو بزمن معين؛ لكن الرسول ثبت عنه أنه كان يخرج إلى قباء وهو خارج المدينة ومع ذلك لا يقصر. وعلى هذا فالمرجع إلى ما يتعارفه الناس، إذا قالوا: هذا سفر فهو سفر، فيفرَّق الآن بين المسافة القصيرة مع الزمن القصير، والمسافة الطويلة مع الزمن القصير، والزمن القصير مع المسافة الطويلة، فالأحوال أربع: - إما أن تكون المسافة قصيرة والزمن قصير. - أو المسافة طويلة والزمن طويل. - أو المسافة طويلة والزمن قصير. - أو المسافة قصيرة والزمن طويل. إذا كانت المسافة قصيرة والزمن قصير فليس بسفر، فلو ذهب إنسان يتمشى إلى ضواحي البلد ويريد أن يرجع في آخر النهار هذا غير مسافر، لا يسمى سفراً لا في اللغة ولا في الشرع، ودليلنا على هذا: أن الرسول كان يخرج إلى قباء وهو منفصل عن المدينة، وفي عهد الرسول بينهما مسافة، ويخرج أيضاً إلى العوالي في المدينة ولا يترخص برخص السفر. أما لو خرج إلى مسافة قصيرة لكنه يريد أن يبقى فيه مدة طويلة، فهذا مسافر. ولو سافر إلى بلد بعيد ويريد أن يرجع في يومه كأن يسافر إلى الرياض من القصيم وهو يريد أن يرجع، فهذا مسافر، وذلك لطول المسافة. فإذا صار طول مسافة أو طول زمن، أو طول مسافة وزمن، فهو مسافر، وإذا كان قصر مسافة مع قصر زمن، فهذا ليس بِمُسافر. الجزء: 131 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [132] شرح الشيخ في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) ، فتكلم عن إنزال المطر من السماء، والحكمة من ذلك، وعن إنبات الجنات والبساتين وحب الحصيد، وعن النخيل وشرفها بين الأشجار، ثم ذكر الحكمة من ذلك كله وأنها لكي تكون رزقاً للعباد، ثم تكلم عن قوم نوح وفرعون، وكيف أن الله تعالى عاقبهم بسبب تكذيبهم لرسلهم، ثم ذكر الحكمة من ذكر قصص الأولين، ثم أجاب على الأسئلة. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائة من (لقاء الباب المفتوح) والذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، ما لم يكن هناك مانع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول سنة (1417هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما تيسر من الكلام على آيات من سورة (ق) وهي قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:10-11] . الجزء: 132 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) يقول تعالى: {وَنَزَّلْنَا} [ق:11] ، لأن المطر ينزل شيئاً فشيئاً، وربما يُعَبر عنه بـ (أَنْزَلَ) ؛ لأنه تجري به الأودية والشعاب. وقوله: {مِنْ السَّمَاءِ} [ق:9] ، أي: من العلو؛ لأن هذا المطر ينزل من السحاب، وليس من السماء التي هي السقف المحفوظ؛ بدليل قوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة:164] إذاً هو ينزل من العلو، والحكمة في إنزاله من العلو ليشمل قمم الجبال، ومراتع الإبل، والسهل، والأودية؛ لأنه لو جاء يمشي سيحاً على الأرض ما وصل إلى قمم الجبال، ولكن الله عز وجل جعله من فوق. وقوله: {مَاءً مُبَارَكاً} [ق:9] من بركته أن الله ينبت {بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] (الجنات) هي: البساتين كثيرة الأشجار، وسُمِّيَت البساتين كثيرة الأشجار جنات لأنها تَجِنُّ، أي: تستر ما تحتها، وكل بستان ذو شجر ملتف بعضه إلى بعض يسمى: جنة. وأما قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] أي: الزروع التي تُحصد، فذكر الله هنا الأشجار والزروع، فمن الأشجار تُجَذُّ الثمار، ومن الزروع تُحْصَد الحبوب. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد) قال تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] ، خص الله النخل بأنها أشرف الأشجار، ولهذا شُبِّه بها المؤمن، حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن من الشجر شجرة مَثَلُها مَثَل المؤمن. قال ابن عمر رضي الله عنهما: فذهب الناس يخوضون في شجر البوادي -كل يقول: هي الشجرة الفلانية- يقول ابن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة؛ لكني كنت أصغر القوم -أي: أنه استحيا أن يتكلم وهو أصغرهم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة) ، وهي الشجرة المذكورة في قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24] ، فلهذا خصها هنا بالذكر، فقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:10] أي: عاليات. {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:10] أي: منضود، فالطلع في شماريخه تجده منضوداً من أحسن ما يكون من النضد، ومع ذلك تجد هذه الثمرات تُسقى بالشمراخ الدقيق اللين مع أنه قد يكون فيه أحياناً فوق ثلاثين حبة أو أكثر. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج) قال تعالى: {رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:11] ، أي: فعلنا ذلك؛ أنزلنا من السماء ماءً {فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق:9-10] فَعَلْنا ذلك {رِزْقاً لِلْعِبَادِ} [ق:11] أي: عطاءً وفضلاً للعباد، والعباد هنا يشمل العباد المؤمنين والعباد الكافرين؛ لأن الكافر عبد لله، كما قال الله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] ، والمراد هنا: العبودية الكونية القدرية، أما العبودية الشرعية فلا يكون عبداً لله إلا من كان ممتثلاً لأمره، مجتنباً لنهيه، مصدقاً بخبره. إذاً: (لِلْعِبَادِ) يشمل الكفار والمؤمنين. {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} [ق:11] :- {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} أي: بالماء الذي نزلناه من السماء. {بَلْدَةً مَيْتاً} البلدة لما كانت مؤنثة اللفظ مذكرة المعنى؛ صح أن توصف بوصف مذكر {بَلْدَةً مَيْتاً} أي: بلداً ميتاً، أحياه بهذا الماء الذي نزل من السماء كيف إحياؤه؟ تجد الأرض هامدة خاشعة ليس فيها نبات، فإذا أنزل الله المطر عجَّت بالنبات واخضرت وازدهرت، فهذه حياة بعد الموت. {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11] ، أي: مثل ذلك الإحياءِ خروج الناس من قبورهم لله عز وجل، وإنما ذكر الله تعالى الخروج؛ لأن من عباد الله من أنكر ذلك {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] ، وحجتهم أن قالوا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] ، كيف تحيي العظام بعد أن رمت وصارت تراباً؟! هذا مستنكر عندهم وبعيد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى بين أنه ليس ببعيد، وأنه كما يشاهدون الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا، إذاً فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها بنزول المطر قادر على إحياء الأموات بعد موتها، وهذا قياس جلي واضح. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود) قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [ق:12-14] :- ذكر الله هؤلاء المكذبين لفائدتين: الفائدة الأولى: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس أول رسول كُذِّب، بل قد كُذِّبَت الرسل من قبله، كما قال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43] فقيل: إنه شاعر، وقيل: إنه مجنون، وقيل: إنه كاهن، وقد قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] . هذه فائدة لذكر قصص الأمم السابقة، وهي تسلية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان إذا رأى غيره قد أصيب بمثل مصيبته، يتسلى بلا شك، وتهون عليه المصيبة. الفائدة الثانية: تحذير المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في آخر ما ذكر: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:14] ، أي: حق عليهم وعيد الله بالعذاب، وقد قال عز وجل: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت:40] أي: كل واحد من هذه الأمم جُوْزِي بمثل ذنبه فعوقب بمثل ذنبه. {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} ، قوم نوح كذبوا نوحاً عليه الصلاة والسلام وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، تسعمائة وخمسون سنة وهو يدعوهم إلى الله عز وجل؛ ولكن لم يستفيدوا من ذلك شيئاً، كلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم -أي: غطوا- واستكبروا استكباراً، وبقي فيهم هذه المدة، وقد قال الله تعالى في النهاية: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] . {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} أصحاب الرس: قوم جاءهم نبيهم ولكنهم قتلوه بالرس، وهي البئر، أي: حفروا بئراً ودفنوه، هذا قول، والقول الثاني: أصحاب الرس: قوم حول ماء، وليسوا بالكثرة الكاثرة، ومع هذا كذبوا رسولهم. {وَثَمُوْدُ} وهم قوم صالح في بلاد الحِجر المعروفة، كذبوا صالحاً وقالوا: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:77] وهذا تحدٍّ، فماذا فعل الله بهم؟ أرسل عليهم صيحة ورجفة، {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود:67] . الجزء: 132 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وعاد وفرعون وإخوان لوط) قال تعالى: {وَعَادٌ} [ق:13] ، كذلك أيضاً عاد أرسل الله إليهم هوداً فكذبوه، فأهلكهم الله عز وجل بالريح، أرسل الله {عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41-42] . وكانوا يفتخرون بقوتهم يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فأراهم الله عز وجل قوته، وأهلكهم بالريح اللطيفة التي لا يُرَى لها جسم ومع ذلك دمرتهم تدميراً. {وَفِرْعَوْنَ} [ق:13] الذي أرسل الله إليه نبيه موسى عليه السلام، وكان معروفاً بالجبروت والعناد والاستكبار، حتى إنه استخف قومه، وقال لهم: إنه رب، قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فأطاعوه، فجاءهم موسى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات؛ ولكنهم كذبوا، وأراهم الله تعالى آية، كانوا يفتخرون بما يضاد ما جاء به موسى وهو السحر، فجمعوا لموسى عليه الصلاة والسلام كل السحرة في مصر، واجتمعوا وألقَوا الحبال والعِصِي، وألقوا عليها السحر فصار الناس يشاهدون هذه الحبال والعصي وكأنها حيات وثعابين، ورُهِبَ الناسُ، كما قال تعالى: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، عندما شاهد أن كل الجو حوله ثعابين تريد أن تلتهم ما تقابله، فأوحى الله تعالى إِلَى مُوسَى {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} [الأعراف:117] ، فألقى العصا فالتهمت جميع هذه الحيات، وهذا من آيات الله، إذ إن الحية -كما هو معروف- ليست بذاك الكِبَر، لكن تأكل هذا وكأنه يذهب بخاراً إذا أكلت هذه الحبال والعصي، السحرة رأوا أمراً أدهشهم، ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا. ومع ذلك إيماناً تاماً، أُلْقِيَ السحرة ساجدين، وتأمل قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] ولم يقل: سجدوا، كأن هذا شيء اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار، لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون، وقال: {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} [الشعراء:54-55] فهَمَّ بأن يهجم على موسى ومن معه من المؤمنين، فأمر الله موسى أن يخرج من مصر إلى جهة المشرق نحو البحر الأحمر؛ فامتثل أمر الله، خرج من مصر إلى هذه الناحية، فتبعهم فرعون بجنوده على حنق يريد أن يقضي على موسى وقومه، فلما وصلوا إلى البحر قال قوم موسى له: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا} [الشعراء:61-62] أي: لن نُدرَك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] ، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر الذي عرضه مسافات طويلة، فضرب البحر فانفلق البحر اثنتي عشرة طريقاً، وصارت قطع الماء كأنها الجبال، وصارت هذه الطرق التي كانت رَيَّاً من الماء وطيناً زلَقاً صارت طريقاً يَبَساً بإذن الله في لحظة، فدخل موسى وقومه عابرين من إفريقيا إلى آسيا، من طريق البحر، فلما تكاملوا داخلين وخارجين إلى الناحية الشرقية دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا في الدخول أمر الله البحر فانطبق عليهم. فلما أدرك فرعون الغرق أعلن: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] ، وتأمل أنه لم يقل: (آمنت بالله) قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، لماذا؟ إذلالاً لنفسه؛ حيث كان ينكر على بني إسرائيل، ويهاجمهم، فأصبح عند الموت يقر بأنه تبع لهم، وأنه من أذنابهم، بمعني: أنه يمشي خلفهم، ولكن ماذا قيل له؟: {آلْآنَ} [يونس:91] تؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنك من المسلمين، {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:91] فلم تُقبل توبته؛ لأنه لم يتب إلا حين حضره الموت، والتوبة بعد حضور الموت لا تنفع، كما قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] ، لا تنفع التوبة إذا حضر الموت، نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بتوبة قبل الموت. ولكن الله قال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ لا بروحك، الروح فارقت البدن؛ لكن البدن بقي طافياً على الماء، لماذا؟ بيَّن الله الحكمة: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ؛ لأن بني إسرائيل قد أرعبهم فرعون، فلو لم يتبين لهم أنه غرق بنفسه لكانت أوهامهم تذهب كل مذهب لعله لم يغرق! لعله يخرج علينا من ناحية أخرى! فأقر الله أعين بني إسرائيل بأن شاهدوا جسمه غارقاً في الماء: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] . الجزء: 132 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 132 ¦ الصفحة: 8 الإقسام على الله عز وجل السؤال نريد ضابط الإقسام على الله عز وجل المذكور في الحديث، وهل يجوز على إطلاقه؟ الجواب الإقسام على الله إنما يكون من يقين المرء وإيمانه وتصديقه وتعلقه بالله، وليس كل من أقسم على الله يبره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) ، والإقسام الذي يكون الحامل عليه الإعجاب بالنفس وبالعمل لا يمكن أن يبره الله أبداً، بل بالعكس، ولهذا قيل للذي رأى المسرف على نفسه وقال: والله لا يغفر الله لفلان، قال الله له: (من ذا الذي يتألَّى علي ألا أغفر لفلان، قد غفرتُ له وأبطلتُ عملك) . الجزء: 132 ¦ الصفحة: 9 وقت صلاة الجمعة السؤال بالنسبة لصلاة الجمعة هل يصح أن تؤدى قبل الزوال؟ الجواب نعم، إذا صلى إمامك في بلدك فصلِّ، حتى لو صلى قبل الفجر فصلِّ، أنت تعرف الآن الجمعة، كل الناس لا يؤدونها إلا بعد الزوال؛ لأن جمهور العلماء على أنها لا تؤدَّى إلا بعد الزوال، ولا أعلم أحداً خالف وأداها قبل الزوال، أما أهل العلم فقد اختلفوا في دخول وقتها: - فمنهم من قال: يدخل وقت الجمعة من حين ارتفاع الشمس قيد رمح، بمعنى: أن دخول وقت صلاة الجمعة كدخول وقت صلاة العيد إلى صلاة العصر. - وبعضهم قال: إن وقت صلاة الجمعة يدخل بعد الساعة الخامسة، أي: في الساعة السادسة، أي: قبل الزوال بساعة. - وبعضهم قال: لا يدخل إلا بعد الزوال، كصلاة الظهر. فالمسألة فيها خلاف؛ لكن نحن -والحمد لله- محكومون بحكومة تَتَّبِع الشرع، ولا ينبغي للإنسان أن يشذ عن الناس، وقد صدر من هيئة كبار العلماء في المملكة المنع مِن أن يتقدم أحد من أئمة الجمعة قبل الزوال؛ اتباعاً لأكثر أهل العلم، ولتتفق الكلمة، ولئلا يتقدم أحد فيصلي قبل الزوال، ثم يكون هذا فسحة للمتخلف عن الجمعة إذا أُمِر قال: صليتُ في المسجد الفلاني، هل عرفتَ خلاف العلماء؟! أما من الناحية العملية: فالواجب على الأئمة أن يتبعوا ما يأمرهم به ولي الأمر؛ لأن هذا من الأمور المباحة، ما هو حرام، وأنا قلت: لو صلى إمامك قبل الفجر من باب الفرض، وإلا ليس هناك أَحَد يريد أن يصلي الجمعة قبل الفجر؛ لكن الإنسان يتبع ما تأمره به ولاة الأمر. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 10 حكم التعامل مع من اختلطت أمواله بالحلال والحرام السؤال هل يجوز التعامل بالبيع والشراء مع رجل اختلطت أمواله بالحلال والحرام؟ وهل يدخل ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات. ) ؟ الجواب نعم، يجوز للإنسان أن يعامل مَن في ماله حلال وحرام بالبيع والشراء، فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وهم معروفون بأنهم يأكلون الربا والسحت، اشترى منهم، بل مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، وما أحسن -وباعتبار أنك طالب علم- أن تراجع شرح ابن رجب رحمه الله على الأربعين النووية عند حديث النعمان بن بشير: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن) فقد ذكر ما تطيب به نفسك إن شاء الله، حتى إن ابن مسعود رضي الله عنه قال: [من اكتسب مالاً محرماً ثم انتقل منه إلى غيره بطريق شرعي فلا إثم عليه، له مهنؤه وعلى الأول مغرمه أو مأثمه] ، إلا شيئاً تعرفه بعينه أنه حرام، مثل: أن يبيع عليك السارق ما سرقه، وأنت تعرف أن هذا هو المسروق، هذا لا تشتريه. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 11 المجلات الخليعة ضررها وإنكارها السؤال فضيلة الشيخ! يُعرض في الأسواق التجارية وفي المحلات وفي البقالات صور مجلات من المجلات الوافدة، فيها صور نساء ظاهرة للعيان في الخارج والداخل، فهل يحق للإنسان أن يمزق هذه الصور للحديث: (من رأى منكم منكراً. ) ؟ وما أدري ما الهدف من إدخال هذه المجلات؟ ولماذا لَمْ تُمْنَع؟ الجواب المجلات التي أشرتَ إليها لا شك أنها تكدر الخاطر، وتولِّد الأسف والحزن أن يَرِد إلى بلادنا مثل هذه المجلات الفاسدة المفسدة، وكذلك أيضاً يوجَد في المجلات الواردة إلينا من الأفكار المناقضة للدين تماماً وللأخلاق، التي ربما يكون إفسادها أكثر من إفساد صورة خليعة. وأما مسألة تغييرها باليد فإنه يحدث أو يحصل به مفاسد أكبر من بقائها، وهي أيضاً لن تزول، لو مزقتها اشترى بدلها، ويحصل مفاسد، وأنت تعرف الآن -مثلاً- لو أن أحداً أقدم هذا الإقدام وليس له السلطة من قبل ولي الأمر لكان في ذلك مفسدة ليس عليه هو فقط بل على كل الدعاة، ولأخذ الناس صورة سيئة عن الدعاة، ولهذا يجب أن يكون الإنسان حكيماً، فإذا كان تغيير المنكر يترتب عليه ما هو أنكر منه وأضر، على أنه لا يتغير، فليدعه، ويشكو إلى الله عز وجل، ويسأل الله عز وجل أن يرحم العباد، فيترك ويُخَاطب المسئولين. السائل: لا يُغَيِّر؟ الشيخ: لا يُغَيِّر؛ لأنه غير قادر، ولهذا جاء من الحكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمر الله به بدون شرط {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] ولكن التغيير بشرط (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه) ، ففَرَّق الشرع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين تغيير المنكر، فأنت ليس عليك إثم؛ لكن انصح هذا الرجل، مُرْه بالمعروف، انهه عن المنكر، حذِّره، وقل: إن ما اكتسبته من هذه المجلات حرام عليك، وإذا تغذى بدنك به فالنار أولى به، وما أشبه ذلك من المواعظ المعروفة. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 12 حكم العمل في مكان يوجد فيه نساء السؤال إذا كان الرجل في بلده يصعب عليه أن يعمل في مكان لا يوجد فيه نساء، حيث إن هذا البلد يكثر فيه عمل النساء، فما الحكم هل يعمل؛ لأن المجالات التي فيها النساء أكثر مجالات معظم الدوائر، أم يترك؟ الجواب إذا كان يمكنه أن يعمل في مكان ليس فيه نساء فليدَع هذا المكان الذي فيه النساء ويعمل فيه، وإذا كان لا يمكنه وهو محتاج إلى العمل فليعمل وليحرص على البُعد عن النساء وليغض بصره {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ولو كنا -مثلاً- في بلد النساء تخرج متبرجة متطيبة، فهل نقول: لا تخرج للصلاة؛ لأن السوق ممتلئ من هؤلاء النساء؟ لا، هل نقول: لا تخرج تأتي بحوائج البيت؟ لا، فإذا احتجت إلى العمل في هذا المكان الذي فيه النساء ولم تجد غيره وأنت في حاجة إلى المال، فاعمل واحرص على البُعد عن النساء وغض البصر. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 13 حكم الصلاة منفرداً خلف الصف الذي لم يكتمل السؤال فضيلة الشيخ: إذا صلى خلف الصف رجل والصف الأول لم يكتمل، فما حكم صلاته مع أنه جاهل؟ الجواب الصحيح: أنه إذا صلى خلف الصف منفرداً ولم يكن الصف قد كَمُل الذي أمامه أن صلاته باطلة، وأن عليه الإعادة ولو كان جاهلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، ولم يقل: هل كنت تعلم أم لا؟ الجزء: 132 ¦ الصفحة: 14 حكم بناء المقابر بالطوب والأسمنت وغيره السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الدفن في قبور مبنية من الطوب والأسمنت والحديد المسلح؟ الجواب لا أظن أحداً يبني القبور بالطوب والإسمنت إلا للضرورة، فالبلاد الساحلية ربما إذا حفرت القبور نزل الماء فيها ولم يتمكنوا من قبر الرجل أو المرأة فيها إلا بهذا البناء الذي ذكرت، فإذا كان هناك ضرورة فلا بأس، وأما مع عدم الضرورة فلا يجوز؛ لما في ذلك من إضاعة المال، ولأن العلماء رحمهم الله قالوا: يكره أن يكون في القبر ما مسته النار، وبناءً على ذلك حتى لو فرضنا أن القبر ليس فيه طوب ووضعوا بدلاً من اللبِن طوباً، فهذا يُكْرَه عند العلماء؛ لأن الطوب مما مسته النار. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 15 العدل بين الأولاد وحكم تنفيذ الوصية لأحد الأولاد السؤال فضيلة الشيخ: هل يلزم إذا اشتريتَ لولدك شيئاً أن تعطي الآخر مثله؟ كذلك رجل أوصى أن يُشْتَرى لابنه سيارة بعد وفاته، فهل تُنَفَّذ هذه الوصية؟ الجواب أما الأول وهو العطاء في الحياة، فيجب العدل بين الأولاد، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] هذا إذا كان العطاء تبرعاً، أما إذا كان العطاء لسد حاجة فهذا يُعْطِي كل إنسان ما يحتاجه، فمثلاً: إذا كان عنده ولدان: أحدهما يدرس، فيحتاج إلى كتب إلى أقلام إلى دواة إلى غيرها، فيعطيه ولا يعطي الآخر الذي لا يدرس. يحتاج أحدهما إلى معالجة، يعالجه، ولا يعطي الآخر مثلما صرف في دواء هذا الولد وعلاجه. كذلك النساء، فالمرأة تحتاج إلى حلي في آذانها وفي رقبتها وفي رأسها، والولد لا يحتاج مثل هذا، فتشتري للأنثى ولا تشتري للولد هذه بالنسبة للنفقة. كذلك أيضاً: أحد الأولاد يحتاج إلى الزواج، زَوَّجْتَه، والآخر صغير لم يصل إلى حد الزواج فلا تعطه. وأما الوصية بعد الموت فهي حرام مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) . الجزء: 132 ¦ الصفحة: 16 تعليق على كتاب مدارج السالكين لابن القيم السؤال فضيلة الشيخ، هل لكم ملحوظات على كتاب مدارج السالكين لـ ابن القيم؟ الجواب ابن القيم رحمه الله أكبر من أن يكون لي وأمثالي ملحوظات عليه، وإن كان غير معصوم؛ لكن الكتاب كما تعرف هو شرح لـ منازل السائرين، وأصل الكتاب المشروح فيه بعض الملحوظات، ففيه ما يومئ إلى شيء كبير في علم الدين، وإن كان ابن القيم رحمه الله اعتذر عنه، وبيَّن أنه بريء مما يتبادر من كلامه، وما من إنسان إلا ويؤخذ من قوله ويُترك، وأنا لم أقرأ الكتاب من أوله إلى آخره؛ لكن أقرأ بعض المواضيع منه؛ لأن بعض المواضيع لا يمكن أن تجدها في كتاب، وبعض الهفوات لا أحد يسلم منها. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 17 حكم من أسر بالفاتحة في الصلاة الجهرية السؤال فضيلة الشيخ، إمام يصلي بمأمومين والصلاة جهرية، وفي أثناء الفاتحة تذكر أنها جهرية، هل يعيد الفاتحة من جديد أم يستأنف؟ الشيخ: معناه أنه أسر بالقراءة أولاً. السائل: نعم، أسَرَّ. الشيخ: ثم ذكر؟ السائل: ثم ذكر أثناء الفاتحة. الجواب لا حرج عليه، إن شاء ابتدأ من الأول لأجل أن يقرأ القراءة جهراً كما هو السنة، ويكون عوده هنا من أجل فعل السنة، لا لمجرد التكرار، وإن شاء ابتدأ مما وقف عليه؛ لكن لو بدأ لكان أحسن للناس من أجل أن يسمعوا الفاتحة كلها. السائل: هل يلزمه سجود سهو؟ الشيخ: لا يسجد سجود سهو. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 18 مقدار اللقطة التي تؤخذ وتعرف السؤال ما هو الحد الأعلى فيما يجوز التقاطه من اللقطة المالية في هذا الزمان؟ الشيخ: هل تريد الذي يُملك بالالتقاط، أو الذي يجوز التقاطه؟ السائل: الذي يُمْلَك بالالتقاط. الجواب وذلك لأن بينهما فرق؛ فالذي يجوز التقاطه التقطه ولو بلغ الملايين، لكن الذي يُمْلَك بالالتقاط يختلف باختلاف الأحوال، باختلاف الناس، ففي زمن مضى كان الدرهم الواحد عند الناس غالياً تتبعه الهمة، وفي عصرنا الآن يمكن عشرة ريالات لا يهم، لو ضاعت من الإنسان عشرة ريالات لن يبحث عنها، اللهم إلا إذا كان في مكان قريب، وكان -أيضاً- بالأول لما كانت الدراهم متوفرة بأيدي الناس والسيولة -كما يقولون- متوفرة أيضاً لو ضاع منه خمسون ريالاً لا يهمه؛ لكن الآن بدأت تشح الدراهم، وربما نقول: الثلاثون ريالاً تتبعها همة أوساط الناس، فيجب أن تعرفها. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 19 كيف يصلي المغرب من أتى والناس يصلون العشاء؟ السؤال شخص مسافر قَدِمَ ووجد شخصاً يصلي العشاء قصراً، هل يدخل معه بنية صلاة المغرب ويأتي بركعة ثالثة؟ وكذلك صلاة الظهر خلف من يصلي العصر؟ أحسن الله إليك. الجواب أنا أريد أن أبيِّن لك أولاً القول الراجح: إذا أتيت وأنت لم تصلِّ المغرب ووجدتهم يصلون العشاء فادخل معهم بنية المغرب، ولكل امرئ ما نوى، ثم إن كنت دخلت من أول ركعة فستتم صلاتُك قبل أن يقوم الإمام إلى الرابعة، انفصل عنه واقرأ التشهد وسلم، ثم ادخل معه فيما بقي من صلاتك، هذا أرجح ما يكون من الأقوال. القول الثاني: أن تدخل معه بنية العشاء، وإذا انتهيت تصلي المغرب، وهنا فات عليك الترتيب من أجل إدراك الجماعة. القول الثالث: لا تدخل لا بنية المغرب ولا بنية العشاء، وصلِّ المغرب وحدك ثم ادخل معهم فيما بقي من صلاة العشاء. لكن القول الأول هو أرجح الأقوال، وإنما ذكرتُ الأقوال -وأنا لا أحب أن أذكر الأقوال إذا كان هناك قول راجح- لئلا تسمعوا فتوى بخلاف ما رجحناه. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 20 حكم شراء محلات الشر والفساد وتغييرها إلى محلات نافعة السؤال قيام بعض الناس الذين يحبون نشر الخير بشراء بعض المحلات التي تنشر الشر؛ كالتسجيلات الغنائية وخلافها، وتحويلها إلى محلات لنشر الخير، هل هذا العمل سائغ أو يكتفى بالدعوة فقط؟ الجواب إذا كان عند الإنسان قدرة أن يشتري هذا المحل الذي ينشر الشر والفساد ليحوله إلى محل خيِّر طيِّب، فهذا من أفضل الأعمال؛ لأن مصلحة هذا متعدية، ولكن يُشْكِل على هذا أنك ربما تشتريه ثم يذهب ويفتح محلاً آخر، فإذا علمت أن هذا الرجل ممن يريد الشر، ولن ينكفَّ إذا اشتريت محله، بل سيأخذ دراهمك ويفتح بها محلاً آخر فلا فائدة من شرائه، وهذا يختلف، ربما يكون البلد لا يسمح بافتتاح محل جديد ينشر الرذيلة، حينئذ لا شك أنه ينفع، إذا اشتريته أنت وحولته إلى محل خيِّر طيِّب، لكن إذا كان الباب مفتوحاً لكل من أراد أن يفتح يفتح ما شاء، فهي مشكلة، قد تصرف هذه الدراهم تريد الخير؛ لكن لن يحصل لك ما تريد، فصرفها في محل آخر أنفع لك وللمسلمين أفضل. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 21 حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية السؤال فضيلة الشيخ، ما حكم تأجير المحلات على المشاغل النسائية؟ الجواب لا أرى في هذا بأساً؛ لأن المشاغل النسائية ليس فيها بأس، إلا إذا علمنا أن هذا الرجل ممن عُرِف بأنه يخيط للنساء ما لا يتلاءم مع اللباس الإسلامي؛ فحينئذ لا تعطِه، ونظير ذلك أيضاً، التسجيلات، والحلاَّق، وكذلك خياط الرجال ربما يخيط للناس ما لا يجوز، مما كان إسبالاً فالمهم كل إنسان تعرف أنه يستأجر منك هذا المحل ليفعل به المحرم فإنه حرام عليك أن تؤجره؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه. السائل: إذا كان فيه قص لشعر النساء بما يسمى الكوافير في نفس المحل؟ الشيخ: إذا علمت أنه استأجره لهذا فلا تؤجره. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 22 حكم الأذان قبل دخول الوقت كما في بعض التقاويم السؤال سمعنا أن التقاويم الموجودة الآن فيها تقديم خمس دقائق بالنسبة لصلاة الفجر أو غيرها، فما النصيحة في هذا؟ الجواب التقويم الموجود الآن -تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق بالنسبة للفجر فقط، أما غير الفجر فليس فيه شيء، اختلاف يسير إما دقيقة أو دقيقتين، ولهذا نرى أن الأئمة يجب أن يلاحظوا هذا في أذان الفجر، يتأخروا خمس دقائق، وهم إذا تأخروا خمس دقائق لا يضر، فلو قدرنا أن التقويم على الفجر تماماً، وتأخر الإنسان خمس دقائق لا يضر؛ لكن لو تقدَّم دقيقة ضَرَّ؛ لأنك لو قلت في الأذان: الله أكبر قبل دخول الوقت لم يصح الأذان، فلو أن إنساناً يرقب الشمس عند الغروب، وأذَّن وقد بقي على قرص الشمس مثل الهلال، فإن أذانه لا يصح؛ لأنه كان قبل الوقت، فكيف إذا كان يؤذن قبل الوقت بخمس دقائق، وتجد بعض الناس -مثلاً- ينتظر متى يؤذن ثم يصلي مباشرة، إما إنسان مريض، أو إنسان فيه نوم، أو امرأة محصورة تنتظر متى يؤذن، فالمهم على المؤذنين أن يتأخروا خمس دقائق في أذان الفجر. السائل: وإذا خشي يا شيخ من كلام الناس مثلاً؟ الشيخ: خمس دقائق لا يكون هناك كلام؛ لأنه لا يأتي أولهم يؤذن وآخرهم، الآن بين المؤذنين بعضهم عشر دقائق، ثم يا أخي! الشيء الذي تفعله لله لا تخشى من غيره، أنت تفعله لله لا تخشى من غيره. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 23 حكم بيع واقتناء المجلات الإسلامية التي فيها صور السؤال المجلات الإسلامية التي فيها صور ما حكم بيعها؟ الجواب المجلات الإسلامية التي فيها الصور من تمام الإيمان ألا يجعل الإنسان مجلته كلها صوراً، هناك مجلات معروفة مجلات صور، مجلات أزياء، هذه لا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا اقتناؤها، وهناك مجلات المقصود فيها ما فيها من أخبار والكلمات لكن يوجد -مثلاًَ- صورة المتكلم، أو صورة الكاتب، أو صورة مشهد، هذه ليست حراماً، ولكن هل يجوز أن تقتنيها أو لا بد أن تطمس على وجه كل أحد، الظاهر أنه لا يجب أن تطمس على وجه كل أحد؛ لأنه غير مقصود, والإنسان الذي يشتري -مثلاً- صحيفة من الصحائف فهذا لا يريد الصورة إطلاقاً، ففرق بين مجلات أو صحف أُعِدَّت للتصوير، وبين مجلات أعدت لغير التصوير، لكن فيها صور: الأولى: حرام بيعها، وشراؤها، واقتناؤها. والثانية: لا يحرم ذلك. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 24 حكم مقاطعة الجيران والأقارب الذين يمتلكون الدشوش السؤال هل يجوز مقاطعة الجيران والأقارب الذين في بيوتهم دش من الزيارة وغيرها؟ الجواب لا تجوز مقاطعتهم، بل تجب صلتهم؛ لأن النصوص في وجوب صلة الرحم عامة، بل إن الله تعالى قال في الوالدين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] ، فهذان الوالدان، أبوك وأمك، كلاهما مشرك وقد بذلا الجهد في أن تشرك بالله، ففعلوا الشرك بالله ودعَوا إلى الشرك بالله، ومع ذلك يقول الله: {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] . وصلة الرحم ليس فيها نص واحد، يقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا الأرحام ما لم يفعلوا المعصية) فالواجب صلتهم. نعم لو علمنا أننا إذا قاطعناهم تابوا إلى الله من هذا، فهنا نقاطعهم دواءً، حتى يتوبوا، كذلك لو أتينا إليهم وهم قد فتحوا الجهاز على الدشوش ثم نهيناهم عن ذلك لم يبالوا بنا، وأبقَوا الجهاز يشتغل فهنا لا تذهب إليهم؛ لأنك إن ذهبت شاركتهم في المعصية. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 25 حكم الصلاة خلف إمام يلحن السؤال الإمام المكلف بالصلاة بالناس، مكلف من وزارة الأوقاف، ويخطئ كثيراً في التلاوة. الشيخ: وهو إمام راتب. السائل: نعم، إمام راتب، ويخطئ كثيراً في التلاوة، فهل للحافظ الذي خلفه أن يرده مع كثرة الخطأ أم ماذا يفعل؟ وما حكم الصلاة خلفه؟ الجواب الواجب إن كان إماماً راتباً وهو يخطئ في القرآن أن تبلغ الجهات المسئولة عنه؛ لأنه لا يحل للجهات المسئولة أن تجعل إماماً راتباً وهو لا يحسن القراءة، فوظيفة المأمومين هنا أن يبلغوا. السائل: يا شيخ، بلغنا ولا فائدة الشيخ: هل اللحن يحيل المعنى؟ السائل: يخفض مرفوعاً ويرفع منصوباً وهكذا. الشيخ: إن كان لا يحيل المعنى فصلوا خلفه لا بأس، وإن كان يحيل المعنى فلا تصلوا خلفه، اطلبوا مسجداً آخر. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 26 التقويم يشمل جميع البلدان السؤال الخمس دقائق هذه التي قبل الفجر، في كل البلدان أم فقط هنا؟ الجواب في كل البلدان؛ لأن التقويم مبني على أساس كل البلدان، سواء في القصيم، أو مكة، أو في جدة، أو في أي مكان. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 27 حكم مطالبة الزوجة بسكن منفرد عن سكن الأهل السؤال هل يجوز للزوجة أن تشترط على الزوج السكنى بمفردها بعد أن كانت تسكن مع والدته ووالده؟ الشيخ: أن تشترط أو تطلب؟ السائل: تطلب أو تشترط. الشيخ: لا، بينهما فرق، أن تشترط، هذا عند العقد. السائل: أن تطلب -أحسن الله إليك- وهل له أن يحقق طلبها؟ الجواب إذا كانت الزوجة اشترطت عند العقد ألا يُسْكِنَها مع أهله والتزم بالشرط وجب عليه الوفاء بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) ، وإذا لم تشترط هذا وجرت عادة الناس أن يُسْكِنَها مع أهله فليس لها الحق في المطالبة، إذا كان هذا هو العرف، أما إذا كانت في بلد جرى العرف بأن الزوج لا يُسْكِن الزوجة مع أهله فالمعروف كالمشروط، فمثلاً: نحن عندنا الآن جرت العادة أن الزوج يسكن زوجته مع أهله؛ لكن هناك طائفة كبيرة من المجتمع يعرف الناس أنهم إذا تزوجوا سوف يجعلون لها مسكناً خاصاً، فيكون هذا كالمشروط. بقينا فيما إذا لم يكن هناك شرط ولا عرف وسكَّنها مع أهله، فلها أن تطلب الانفراد إذا لم يمكن العيش مع أهله؛ لأنه أحياناً يسيء الأهل إلى الزوجة إساءة بالغة، لا سيما إذا رأوا أن الزوج يحبها، تجدهم يسيئون إليها وينفرونها من البقاء معهم، فهؤلاء لا شك أن للزوجة أن تطلب الانفراد. السائل: لكن البر بالوالدين؛ لأنهما يتأثران. الشيخ: الحمد لله، يقول لوالديه: أحْسِنا العشرة مع الزوجة، وأنا سوف أجلس، وإذا لم تحسنا العشرة فهل تبقى المسكينة في نار طيلة حياتها؟! ثم إذا خرج بها وانفرد يمكنه أن يبر والديه، يأتي إليهما في الصباح والمساء، وعند الحاجة يبقى عندهما يوماً وليلة، حسب الحال. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 28 حكم طاعة الوالدين في المسائل الخلافية السؤال تعرفون -حفظكم الله- أن كثيراً من المسائل الخلافية التي في كتب أهل العلم رحمهم الله يكثر أحياناً فيها الخلاف وربما يصعُب التحقيق فيها السؤال: قد تطلب الوالدة أو الوالد بعض الأمور التي فيها خلاف بين أهل العلم من ابنهما، فماذا يصنع الابن في أمر قد لا يرجحه وهو طالب علم؟ الشيخ: مثاله؟ السائل: الأمثلة على ذلك كثيرة، كاللحوم المستوردة مثلاً، التي جرى فيها الخلاف في جواز أكلها وعدم الأكل، ومثل زيارة القبور. الشيخ: الوالدان يقولان: هات من هذا اللحم، أو يقولان: لا تأتِ به؟ السائل: يقولان: ائت لنا منه. الشيخ: وهو لا يريد. السائل: نعم. الجواب هذه سهلة، هذه ليست مشكلة، يقول: مقصودكما أكل اللحم، نأتي لكما بلحم. السائل: لا، يريد هذا النوع. الشيخ: لا يخالف، يأتي بثانٍ. السائل: لا، يريد النوع الذي جرى فيه خلاف. الشيخ: لا يخالف، النوع الذي جرى فيه الخلاف الذي يرد إلى البلاد من الخارج، إذا قال الوالدان: نحن نريده، يقول: أنتما تريدان اللحم نأتي لكما بدله. السائل: لا يريدان بدله. الشيخ: وهل إذا أتى باللحم العادي من الدجاج الوطني هل يمتنعان من الأكل؟ السائل: لا يمتنعان لكن يريدان هذا وذاك، تارة يريدان ذاك، وتارة الذي يحصل يحصل. الشيخ: تأتي لهما بلحم غنم، ما فيه مشكلة. السائل: لو جرى على هذا لا بأس، لكن أحياناً يريدان هذا، يرغبان مرة في هذا ومرة يريدان هذا. الشيخ: الإنسان الحكيم يستطيع أن يتخلص من هذا؛ لكن عندنا مسألة زيارة القبور فإذا كان الولد يرى أن المرأة لا يحل لها أن تزور المقبرة وطلبت أمه أن تزور، فلا يذهب بها؛ لأن الله قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] ، فيُقاس عليه كل معصية طلبها الأب أو الأم فلا يطاعا، (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، لكن هناك أشياء -كما ذكرتَ- يمكن أن يختلف الولد والوالدان فيه، فهنا لا بأس أن يعطيهما ما فيه الخلاف لكنه بنفسه لا يفعله. السائل: هو لم يفعله، لكن يريد إرضاء أمه. الشيخ: يعطيها الأم وحدها، أما هو فلا يصنعه. السائل: لأنه جائز في حقها؟ الشيخ: نعم؛ لأنه جائز في حقها، وهنا مشكلة غير هذه، هناك شخص يقول: إن أباه يرى حل الدخان، وهو يرى التحريم، فيقول له أبوه: اذهب يا بني، هذه عشرة ريالات اشترِ بها دخاناً، هذه مشكلة؛ لأنه يرى أنه حرام والأب يرى أنه حلال. السائل: هذه ليست كبيرة. الشيخ: لا، هذه من أصعبها، ثم قد يكون الأب ليس عنده مال ويقول: اشترِ لي من مالك. السائل: ومثلها القات أحسن الله إليك؟ الشيخ: نعم، ومثل ذلك القات عند أهل اليمن. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 29 وصف الله سبحانه وتعالى بالسكوت؟ السؤال فضيلة الشيخ، جاء في الحديث: (وسكت عن أشياء رحمة بكم) فهل يوصف الله بالسكوت؟ الجواب من الذي قال هذا الكلام؟ السائل: قاله النبي صلى الله عليه وسلم. الشيخ: الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول قال: (وسكت عن أشياء) فهل يمكن أن أحداً يسأل: هل يجوز أن نقول: إن الله يسكتُ؟ لا يجوز يا أخي. السائل: إذا لا يوصف بالسكوت. الشيخ: يوصف. السائل: يوصف يا شيخ؟ الشيخ: نعم، على ظاهره، (سكت عن أشياء -أي: لم يحرمها- رحمة بكم) ، وقطعاًَ إذا كان سكت عن أشياء لم يحرمها أنه لم يتكلم بها، لكن السكوت من حيث هو بالمعنى اللغوي يطلق على عدم الكلام، ويطلق على عدم إسماع الكلام، ومن ذلك قول أبي هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟) فوصف الرسول بالسكوت مع أنه يقول: ما تقول؟ فالسكوت من حيث اللغة العربية يطلق على هذا وهذا. أما بالنسبة لله إذا سكت معناه: يتكلم على مَن؟ إذا سكت عن أشياء لم يحرمها فهو ساكت عنها. وبالمناسبة هذه أنا أود من إخواني طلبة العلم ألا يتعمقوا فيما يتعلق بالصفات، يأخذ الأحاديث والقرآن على ظاهره ولا يسأل؛ لأن ما يتعلق بصفة الله من دين الله، فإذا كان الصحابة لم يسألوا عنها فليَسَعنا ما وسعهم، ولهذا قال الإمام مالك للذي سأل عن الاستواء، وقال: كيف استوى؟ قال له: ما أراك إلا مبتدعاً، وقال: السؤال عن هذا بدعة. السائل: هل يثبت الحديث؟ الشيخ: إذا ثبت. والنووي ذكره في الأربعين النووية. السائل: أليس متكلَّمٌ فيه؟ الشيخ: متكلَّمٌ فيه؛ لكن عندما أثبته يكفي. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 132 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [133] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن نصائح وتوجيهات أسداها لطلاب العلم، حتى يكون علمهم هذا مقبولاً عند الله عز وجل، ويزيد من رفع درجاتهم في الجنة، ثم ختم ذلك بتفسير بعض آيات من سورة (ق) بين فيها أحوال الأمم الذين كذبوا الرسل وعاندوهم، وكيف كانت عاقبتهم والعياذ بالله. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 1 نصائح وتوجيهات لطلاب العلم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس التاسع والعشرون من شهر ربيع الثاني عام (1417هـ) . وبما أن الناس يستقبلون الدراسة النظامية في الأسبوع القادم فإننا نوجه إخواننا إلى الأمور التالية: الجزء: 133 ¦ الصفحة: 2 أهمية الإخلاص لطلاب العلم الأمر الأول: إخلاص النية في طلب العلم: وذلك أن طلب العلم من العبادات، والعبادات لا بد فيها من أمرين: الأول: الإخلاص لله سبحانه وتعالى. الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والإخلاص في طلب العلم يكون بأمور: الأمر الأول: أن ينوي العبد بطلب العلم امتثال أمر الله؛ لأن الله تعالى أمر بالعلم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] قال البخاري رحمه الله في ترجمة هذه الآية: بابٌ العلم قبل القول والعمل، ثم ساق الآية. ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الله تعالى؛ لأن طلب العلم من أكبر وسائل حفظ الشريعة، فالشريعة كما تحفظ في الكتب المؤلفة كذلك تحفظ بطلب العلم الذي يتضمن معرفة الشريعة. ثالثاً: أن ينوي بطلب العلم الدفاع عن الشريعة وحمايتها من أعدائها، وذلك أن الشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر أعداء يصرحون بالعداوة، وأعداء لا يصرحون بالعداوة؛ ولكنهم يبطنون العداوة، وهؤلاء الأعداء أشد أثراً من النوع الأول؛ لأن النوع الأول يظهر العداوة ويمكن للإنسان أن يتحرز منه ويعرف ما عنده من الأمور التي يمكن إزالة الشبهة فيها؛ لكن المشكل إذا كان يبطن العداوة بظاهرِ صَدِيق أو بثوبِ صَدِيق، هذا لا يمكنك أن تعرف ما عنده حتى تجلوَه، ولا يمكن أن تعرف ما عنده حتى تحترز منه، فالشريعة الإسلامية لها أعداء يتربصون بها الدوائر، إما في العقيدة، وإما في الأخلاق، وإما في الأفكار السيئة أو غير ذلك، فلا بد أن ينوي الإنسان بطلب العلم حماية الشريعة والذود عنها من أعدائها. ومن ذلك أيضاً: أن ينوي الإنسان بطلب العلم رفع الجهل عن نفسه؛ لأن الأصل في الإنسان الجهل، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] ولا يمكن رفع الجهل عن النفس إلا بالتعلم، ولهذا تشعر الآن أنك إذا جلستَ مجلس علم أدركتَ في هذا المجلس ما ليس عندك سابقاً، اقرأ مثلاً كتاباً، تقرؤه من أوله تحصل على علم؛ لكن آخره لا تدري ما فيه، حتى تأتي إليه؛ لذلك يكون في طلب العلم رفع الجهل عن النفس. ومن ذلك أيضاً: أن تنوي رفع الجهل عن غيرك؛ لأن الناس محتاجون إلى طلب العلم ومحتاجون إلى علماء يبصِّرونهم ويدلُّونهم على شريعة الله، ويحثونهم عليها، ويرهِّبونهم مما يخالفها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحَّت نيته، قالوا: كيف تصح النية؟ قال: ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 3 أهمية الدعوة إلى الله عز وجل لطلاب العلم لا بد لطالب العلم بعد ذلك: من أن يكون داعياً إلى الله عز وجل، والدعوة غير التعليم، المعلم يجلس على كرسيه من جاءه علمه، أو يجلس في مكانه في المسجد من جاء علمه؛ لكن الداعية هو الذي يخرج ليعلم الناس، لا بد أن يكون داعية، الداعية هو الذي يتجول في القرى والمدن، ويدعو إلى الله عز وجل، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في أيام الموسم قبل أن يهاجر ويدعوهم إلى الله، فالداعية إلى الله تعالى لا بد له من حركة، ثم يجب عليه أن يتجنب ما يكون سبباً للتشويش والخوض فيه، وفي رأيه، فمثلاً إذا كان عنده أشياء تخالف ما عليه الناس فلا يبثها بين الناس، حتى يتمكن ويكون له قيمة، يؤخذ بقوله؛ لأنه إذا كان صغيراً وأتى بما يجهله الناس ولا يعرفونه صار عرضة للكلام والقيل والقال، وربما لا يُقْبَل منه شيء بعد ذلك. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 4 لزوم العمل بالعلم وثماره كذلك يجب على طالب العلم أن يكون عاملاً بما علم؛ لأن هذه هي ثمرة العلم، أيُّ ثمرة للعلم إذا علمت ولم تعمل؟! لا شيء، بل إن هذا الذي علم ولم يعمل أشد ضرراً على الأمة من رجل جاهل؛ لأنه سيكون قدوة، والناس أكثر ما يأخذون هو: الاقتداء والتأسي بفعل العالِم، فإذا كان هذا العالِم يبث الشرع في عباد الله ويدعو إليه لكن لا يَعْمَل به لم يثق الناس بعلمه ولا بدعوته، وهو مع ذلك من أول من تُسَعَّر بهم النار يوم القيامة نسأل الله العافية. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 5 حاجة الداعية إلى الحكمة في الدعوة ومما يجب أيضاً على طالب العلم: أن يكون عند دعوته إلى الله عز وجل ذا بصيرة وحكمة بحيث يُنَزِّل الأشياء منازلها، قد يأتي قوماً يكون الخير في دعوتهم أن يرغبهم في الخير، ولا يذكر الوعيد، وقد يكون معه في قوم الخير أن يذكر لهم الوعيد حتى يتوبوا إلى الله ويرجعوا مما هم عليه، فلكل مقام مقال. فإذا استعمل الإنسان الحكمة في دعوته إلى الله عز وجل صار له أثر كبير بالغ. وليُعْلَم أن الإنسان كلما عمل بعلمه زاده الله علماً، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] . وفي الأثر: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) . وقيل: العلم يهتف بالعملْ فإن أجابه وإلا ارتحلْ نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما فيه الخير الصلاح، وأن يجعلنا قادة هدى وإصلاح، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 6 تفسير آيات من سور (ق) الجزء: 133 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وإخوان لوط) أما ما نريد أن نتكلم عليه من التفسير فإنه سبق أن وصلنا إلى قول الله تعالى: {وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:13-14] . قوله: (وَإِخْوَانُ لُوطٍ) أي قوم لوط، أُرسل إليهم لوط عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كانوا -والعياذ بالله- يأتون الذكران ويدَعُون النساء، أي: أن الواحد يجامع الذكر ويَدَع النساء، كما قال لهم عليه الصلاة والسلام: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] دعاهم إلى الله عز وجل وأنذرهم وخوفهم من هذا الفعل الرذيل؛ ولكنهم أصروا عليه، فأرسل الله: {عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً} [الذاريات:33-34] أي: مُعَلَّمَة، كل حجارة عليها العَلَم، أي: علامة على مَن تنزل عليه وتصعقه. وهذه الخصلة الرذيلة من أقبح الخصال، ولهذا كان حدها في الشريعة الإسلامية القتل؛ لأنها أعظم من الزنا، لأن الزاني إذا كان لم يتزوج من قبل فإنه يُجلد مائة جلدة ويُغَرَّب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته فإنه يرجم حتى يموت، أما اللواط فإن حده القتل بكل حال، فلو لاط شخص بالغ بآخر بالغ باختيار منهما، فإنه يجب أن يُقتل الفاعل والمفعول به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الصحابة أجمعوا على قتله؛ لكنهم اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: يحرَّق بالنار؛ لعظم جرمه والعياذ بالله. وقال آخرون: يُرجم بالحجارة. وقال آخرون: يُلقى من أعلى مكان في البلد ويُتْبَع بالحجارة. والشاهد أنه رحمه الله نقل إجماع الصحابة على قتله، وإجماع الصحابة حجة، فيكون مؤيِّداً للحديث: (مَن وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) . ولأن هذه الفاحشة الكبرى -والعياذ بالله- فاحشة مفسِدة للمجتمع؛ لأن المجتمع الرجالي يصبح مجتمعاً نسائياً، وهو أيضاً لا يمكن التحرز منه، الزنا يمكن التحرز منه إذا رؤيت امرأة مع رجل في محل ريبة، فإنه يمكن مناقشتهما؛ لكن إذا رؤي ذكر مع ذكر كيف يمكن أن نناقشهما، والأصل أن الرجل مع الرجل يجتمع ولا يتفرق؛ لهذا كان القول بوجوب قتلهما هو الحق. أما قوم لوط فقد عرفتم أن الله تعالى أرسل عليهم حجارة من سجيل مسومة فدمرهم تدميراً، حتى جعل عالي قريتهم سافلها. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وأصحاب الأيكة) ثم قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [ق:14] أي: الشجرة، أرسل الله تعالى إليهم شعيباً فدعاهم إلى الله، وذكرهم به، وحذرهم من بخس المكيال والميزان؛ لكنهم -والعياذ بالله- بقوا على كفرهم وعنادهم: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] وهذا العذاب يقال: إن الله تعالى أرسل عليهم حراً شديداً، فلم يجدوا مفراً منه؛ إلا أنه أُرْسِلَت غمامة واسعة باردة فصاروا يتدافعون إلى ظلها يتظللون بها، فأنزل الله عليهم ناراً فأحرقتهم، وفي هذا يقول تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:189] . الجزء: 133 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وقوم تبع كلٌ كذب الرسل) قال تعالى: {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [ق:14] أيضاً ممن كذبوا الرسل، وهم أصحاب تبع، وهو ملك من ملوك اليمن أرسل الله إليهم رسولاً فكذبوه، ولم ينقادوا له. فيقول عز وجل: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [ق:14] أي: أن هذه الأمم الذين حكى الله عنهم الإشارة، بل أشار الله تعالى إلى قصصهم، كلهم كذبوا الرسل فحق عليهم وعد الله بعذابه وانتقامه. نسأل الله لنا ولكم الهداية والعافية، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 133 ¦ الصفحة: 11 استحباب الدخول في الصلاة مع الإمام في المسجد لمن كان قد صلاها بنية النفل السؤال فضيلة الشيخ: رجال صلوا في مساجدهم ثم ذهبوا إلى مسجد آخر لشهود جنازة، التي هي صلاة العصر، فعندما أتوا إلى المسجد الذي فيه الجنازة وجدوا جماعة المسجد يصلون، فمنهم من جلس، ومنهم من دخل مع الإمام، وصلى صلاة العصر، ومنهم من صلى تحية المسجد منفرداً، فما الحكم في ذلك؟ الجواب الصواب مع الذين دخلوا مع الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجلين رآهما لم يصليا معه صلاة الفجر فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا، قالا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا، فقال: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) . فالصواب مع الذين دخلوا مع الإمام، ولكن إذا دخلوا مع الإمام من أول الصلاة فالأمر ظاهر يتابعونه حتى يسلِّموا معه، وإن دخلوا معه في الركعة الثانية أَتَمُّوا الرابعة خفيفة، وإن دخلوا معه في الركعة الثالثة سلَّموا معه؛ لأنهم حينئذ يكونوا قد صلوا ركعتين فيسلمون مع الإمام لئلا تفوتهم صلاة الجنازة. السائل: والذي صلى منفرداً تحية المسجد! الشيخ: الذي صلى منفرداً تحية المسجد، هذا لم يعلم، ونحن قلنا: الصواب مع الإمام. السائل: الواجب عليه أن يدخل مع الإمام، أو يصلي لوحده؟ الشيخ: قلت لك: إن الصواب مع الذين دخلوا مع الإمام، وأتيتُ لك بالحديث. السائل: يعني: هذا الصواب. الشيخ: وأما الواجب فليس واجب على أحد شيئاً، فلو وقفوا ينتظرون سلامه ثم صلوا معه صلاة الجنازة فلا إثم عليهم. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 12 ما يجب وما يستحب في إجابة دعوة الوليمة السؤال إجابة الدعوة واجبة وهي دعوة وليمة العرس، فمنهم من يعيِّن يقول: لا تنس، يعني: بالعين مباشرة، ومنهم من يوصي شخصاً آخر إلى شخص آخر يقول: اتصل بفلان حتى يأتي إلى وليمة العرس، ومنها كذلك بطاقة الدعوة، فهل كلها واجبة أو بعضها مستحب؟ الجواب يقول العلماء رحمهم الله: إنه تجب إجابة دعوة العرس في أول مرة، أي أول وليمة إذا عيَّنه سواء بنفسه، أو بوكيله، أو ببطاقة يرسلها إليه، بشرط ألا يكون في الوليمة منكر، فإن كان فيها منكر ففيه تفصيل، إن كان إذا حضر أمكنه منع المنكر وجب عليه الحضور، وإن كان لا يستطيع فإنه لا يجوز له أن يحضر. أما البطاقات التي توزع هكذا عموماً دون أن يعرف أنها أرسلت إليه بعينه، فالظاهر أنها لا تجب الدعوة؛ لأن كثيراً من الناس يرسلوا البطاقات إلى الشخص من باب المجاملة فقط، أو الإعلان بأن لديه وليمة عرس؛ لكن إذا عرفت أنه إنما أرسل إليك هذه البطاقة يريد أن تحضر لقرابة بينك وبينه أو لصداقة، فالواجب أن تحضر. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 13 استحباب دفن المرأة رجل بَعُدَ عهده بالجماع السؤال بالنسبة للمرأة هل في حقها أن يدفنها أي شخص أم ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد دفن إحدى بناته: (مَن منكم لم يقارف هذه الليلة) فهل ينطبق عليه هذا؟ الجواب المرأة يضعها في قبرها أي رجل من الرجال، سواء كان من محارمها أو من غير محارمها؛ لكن الأفضل من محارمها، إلا إذا علمنا أن أحداً من الناس لم يجامع تلك الليلة كرجل نعلم أنه ليس له زوجة، أو نعلم أنه قد تجاوز سن الشهوة، فقد قال العلماء رحمهم الله: إن من بَعُدَ عهده بالجماع أولى ممن قَرُب. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 14 معنى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) السؤال قوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] ورد تفسير لـ سيد قطب رحمه الله في قوله: أي إنما دعوتي لكم لأجل قرابتي فيكم، وذكر تفسير ابن عباس؛ ولكنه قال: أنا إلى هذا أميل. الشيخ: ما هو تفسير ابن عباس؟ السائل: تفسير ابن عباس قال: كفوا عني أذاكم لقرابتي فيكم، فهل نأخذ بقول المعاصر أم نأخذ بقول ابن عباس؟ الشيخ: قول المعاصر يقول ماذا؟ السائل: يقول: إنما دعوتي إليكم لأجل هذه القرابة. الجواب الآية فيها عدة أقوال: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: لكن المودة في القربى، فما معنى المودة في القربى؟ هل المعنى: إلا أن تودوني لقرابتي؟ وهذا فيه نظر؛ لأن الواجب أن الرسول عليه الصلاة والسلام يُحَبُّ أول ما يُحَبُّ من أجل دعوته إلى الحق، دون القرابة. والقول الثاني: إلا أن تودوا قرابتي، فيكون المعنى: لا أسألكم أجراً إلا أن تودوا قرابتي؛ لأن قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم حق على الأمة، إذا كانوا مؤمنين لقرابتهم من الرسول عليه الصلاة والسلام. وقيل: المعنى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: لكن مودتي إياكم لقرابتكم أوجبت أن أدعوكم، وكلها محتَمِلة؛ لكن الظاهر والله أعلم أن معنى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: إلا المودة التي تكون للأقارب بعضهم مع بعض، فكيف يليق بكم أن تعادوني مع أن القرابة من حيث هي قرابة تقتضي المودة. السائل: يا شيخ، إلى من نذهب؟ إلى قول المعاصر في مقابلة قول الصحابي أو ننظر فيه؟ الشيخ: لا. الواجب النظر في معنى الآية؛ لكن لا شك أن قول الصحابة رضي الله عنهم يرجع إليه في التفسير أكثر من غيرهم؛ لكنهم ليسوا معصومين. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 15 حكم من أحرم للحج ثم حصل بينه وبين المسئول خلاف فرجع وترك الحج السؤال يا شيخ! حججتُ السنة هذه التي فاتت مع حملة، فحصل بيني وبين صاحب الحملة نقاش وأنا كنت محرماً ورجعت، وأحللت إحرامي. الشيخ: ثُمَّ ماذا! السائل: ثم رجعت إلى بلدي. الشيخ: وتركتَ الحج؟ السائل: إي نعم. الجواب اعلم أنك الآن تعتبر محرماً، فعليك أن تبادر بخلع الثياب، ولبس ثياب الإحرام، وتذهب إلى مكة، وتأتي بالعمرة، تطوف وتسعى وتقصر، ثم عليك أن تحج من العام القادم. السائل: هذا فقط؟ الشيخ: اصبر، وعليك الهدي؛ لأنك تحللت بلا عذر، فالآن جزاك الله خيراً بادر الآن. السائل: أنا فعلتُ عمرة على هذا يا شيخ في هذا الصيف، رجعت وأحللت إحرامي ولبست المخيط، ثم جئت في الصيف هذا وأخذتُ عمرة قبل شهر تقريباً! الشيخ: لكن هل نويتها للعمرة الماضية؟ السائل: لا. الشيخ: هذا محل نظر، عليك أن تحج العام القادم وعليك الهدي. السائل: فقط؟ والأهل؟ الشيخ: الأهل مثلك، إذا كانوا تحللوا بعد. السائل: لا، لا، قصدي يعني: ما فيه. الشيخ: ما فيه إلا أنك جاهل. يا أخي! أنا أنصحك أنت ومن يسمع إذا وقعت لكم مشكلة فاسألوا العلماء من حينها، فلو أنك في ذلك الوقت سألت العلماء هل يجوز لك أن تتحلل لمجرد الخصومة بينك وبين صاحبك لكانت المسألة سهلة، فنصيحتي لك ولغيرك أنه إذا وقعت إشكالات في العبادة أن تبادر بالسؤال عنها. السائل: يجب عليَّ الآن عمرة. الشيخ: انتهت العمرة، إن شاء الله نرجو أن يكون ما حصل كافياً؛ ولكن عليك أن تحج من العام القادم وتُهدي. السائل: طَيِّبٌ! والأهل ليس عليهم شيء؟ الشيخ: أنت جاهل، وإذا كان الإنسان جاهلاً فلا شيء عليه. السائل: لا، الآن في الوقت الحاضر! الشيخ: لا، الآن خلاص انتهى. السائل: لأني أنا سألت شخصاً وفعلتها. الشيخ: انتهت، إذاًَ ما بقي عليك شيء، عليك أن تتوب وألا تعود، نعم. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 16 حكم إجابة الدعوة إذا دعا الشخص أكثر من واحد السؤال أيهما أولى: تلبية دعوة القريب أو البعيد إذا تعارضتا؟ الجواب إذا دعاك اثنان فأجب أسبقهما دعوة، سواء كان هو القريب أو البعيد؛ فإن كانت الدعوة واحدة فأجب أقربهما إليك باباً. لكن لو دعاك أحد من أقاربك كأخيك وعمك وخالك، ودعاك رجل أجنبي وخفتَ إن أجبت الأجنبي أن يكون بينك وبين قريبك قطيعة فماذا تصنع؟ في هذه الحال نقول: اطلب السماح من الرجل الأجنبي الذي دعاك، وبيِّن له السبب، قل له: والله دعاني مثلاً خالي، أو عمي، أو أخي، فأرجو أن تسمح لي؛ لئلا يقع في قلبه شيء، وعلى الذي دعاك أولاً في مثل هذه الحالة أن يسمح لك لِمَا في ذلك من درء المفسدة. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 17 حكم التداوي بالأعشاب والأدوية وكتابة الآيات على الورق السؤال امرأة كلما حملت أسقطت الحمل، فذهبت إلى امرأة مشهورة بالعلاج؛ تعطي علاج السقط فقالت: أنت فيك زلق، وأعطتها أدوية وأعشاباً وقالت لها: في ثاني أيام الحيض تضعينه في الجمر، ثم الدخان هذا تسلطينه على الفرج، ويدخل إلى الفرج. الشيخ: الدخان؟ السائل: إي نعم، يعني: هل يعتبر هذا من باب الشعوذة وكذا؟ الجواب والله علي أي أساس؟ هذه المرأة التي وصفت للمرأة التي تسقط حملها وصفت لها الدواء، هل عندها برهان في ذلك؟ السائل: لا أدري، هي أعطتها عدة أدوية. الشيخ: هي لو كانت المسألة أكلاً أو شرباً لكانت أهون. السائل: بعضها يؤكل وبعضها يشرب. الشيخ: لا بأس، بعضها يؤكل وبعضها تضعه في ماء وتشرب، هذه ما فيها إشكال؛ لكن ما هي العلاقة بين الدخان الذي يدخل إلى الفرج وبين بقاء الحمل؟! السائل: هذا الذي أشكوه. الشيخ: نعم، أرى ألا تستعمل الأخير، الدخان هذا لا تستعمله، على أن الإسقاط قد يكون سببه ضعف المرأة، وقد يكون سببه كثرة العمل، وقد يكون سببه أنها تَسْقُط مثلاً -يعني: تعثر- وقد يكون سببه أنها تخصر بطنها، المهم تتوقى الأسباب الظاهرة التي توجب إسقاط الحمل، ولها أن تشرب الأدوية التي وصَفَت؛ لكن مسألة التبخير هذه لا نراها. السائل: ما يسمونها بالعزيمة هذه، تَكْتُب آيات بالعُصْفُر الظاهر، هل تشربها؟ الشيخ: ما فيه بأس، إن كتبتها على إناء ثم شربت. السائل: نعم، الورقة؟ الشيخ: لا بأس، ما فيه شيء، هذا ورد عن السلف إذا كانت آيات من القرآن أو أحاديث نبوية. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 18 حكم قراءة القصص التي فيها شيء من الكذب السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة القصص المسلية التي يكون فيها شيء من الكذب، هل يدخل هذا في باب الكذب؟ الجواب القصص التي تتضمن الكذب حرام؛ لأنها كذب، وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توعد من حدَّث فكذب ليضحك به القوم، فقال: (ويل له، ثم ويل له) . الجزء: 133 ¦ الصفحة: 19 حكم من اعتمر ولم يحلق أو يقصر السؤال ذهبت أنا وأولادي للعمرة ولم نقصر ولم نحلق ما هي الطريقة؟ الشيخ: ما حَلقْتُم ولا قَصَّرْتُم؟ السائل: ما حَلقْنا ولا قَصَّرْنا، عمرة! الشيخ: وأحللتم؟ السائل: أحللنا ثم ما قَصَّرْنا، لأنني قلت: هي عبارة عن عمرة، التقصير ليس لازم، أنا جئت من الكويت، طال عمرك. الشيخ: طَيِّبٌ! اذبحوا فدية في مكة، ووزعوها على الفقراء. السائل: فدية، كيف يعني؟ الشيخ: الآن وكل إنساناً في مكة، قل: اشترِِ لي ذبيحة واذبحها وفرقها على الفقراء. السائل: كل واحد عليه ذبيحة أو كلنا علينا فدية واحدة؟ الشيخ: كل واحد عليه ذبيحة، وكما سمعتَ قبل قليل، نصيحتي: أن الإنسان إذا أخل بشيء فليسأل عنه فوراً ولا يتأخر. السائل: أنا اعتقدت أن العمرة ما فيها حلق، جهلاً مني. الشيخ: على كل حال هذا هو الواجب، إن شاء الله تعالى يقبل. السائل: يصلح أن أوصي عليها، وأدفعها؟ الشيخ: يجوز أن توصي عليها. السائل: أوصي عليها. الشيخ: توصي عليها إنساناً، وإن كنتَ تريد أن تذهب أنت فهو طيب، تأخذ عمرة وتفدي. السائل: ألا يوجد أحدٌ أوصيه عندكم هنا جزاكم الله خيراً أنا من الكويت. الشيخ: والله فيه، يعني: إذا أعطيتنا (400) ريال. السائل: المبلغ عندنا. الشيخ: أعطنا (400) ريال وإن شاء الله نجد أحداً. السائل: كل فرد له (400) ؟ الشيخ: كل فرد (400) . السائل: جزاك الله خيراً. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 20 حكم الإمام إذا تأخر عن الصلاة فأتى المسجد فوجدهم قد صلوا السؤال هناك أحد الأئمة جاء إلى المسجد فتأخر عليهم، فصلوا، وعندما جاء وجدهم قد أكملوا الصلاة، فهل يصلون معه أم ماذا؟ الجواب ليس عليهم إعادة الصلاة؛ لأنهم صلوا صلاة صحيحة، أما لو صلوا قبل أن يأتي موعد الإقامة فهنا قد نقول: إنه يلزمهم الإعادة؛ لأنهم تعدوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه) لكن ما دام الوقت قد فات وتأخر عليهم فإن صلاتهم صحيحة؛ لكن في المستقبل إذا تأخر الإمام فالذي ينبغي أن يراجَع، يُذْهَب إليه في بيته ويقال: احضر، كما كان الصحابة رضي الله عنهم إذا تأخر النبي عليه الصلاة والسلام جاءوا إلى بيته، وقالوا: الصلاة يا رسول الله، ثم يخرج ويصلي. أما كونه إذا تأخر خمس دقائق، أو عشر دقائق صلوا، فهذا يَحْصل فيه فوضى، والإمام الراتب له حق في إمامته في هذا المسجد. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 21 الحكمة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان السؤال فضيلة الشيخ: بعض النصارى يسألون في الدعاء أحياناً حول سؤال المغزى والحكم من عودة عيسى عليه السلام أو نزوله قبل يوم القيامة إلى الأرض، فيجيب الدعاة أحياناً بأشياء ثابتة وأشياء بعيدة، فما قول السادة العلماء -جزاكم الله خيراً- في هذا الأمر حتى يتبين للدعاة؟ الشيخ: يعني: النصارى يقولون: لماذا ينزل عيسى؟ السائل: نعم، ما هي الحكمة من نزوله؟ فيجيب بعضهم بشيء مُثْبَت، وشيء بعيد. الشيخ: ما الذي أجابوا به؟ السائل: البعض منهم أجاب: أن ذلك إقامة حجة عليهم لما بدلوا به دين الله عز وجل. الشيخ: على النصارى يعني؟ السائل: إي نعم، هذه بعض الإجابات وكثير منها أيضاً؛ لكنها بعيدة، يأتي بأشياء من عقله دون دليل؟ الجواب أما كونه إقامة حجة عليهم فالحجة قائمة عليهم وإن لم ينزل، وهذا لو عُلِّل به لقلنا أيضاً: موسى ينزل من أجل إقامة الحجة على اليهود، وإن كان موسى قد مات، وعيسى لم يمت. لكن الحكمة والله أعلم هو: إظهار فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقرير نبوته، حيث إن هذا النبي الذي ينزل يحكم بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى وإن كان يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، فهذه ليست شريعة جديدة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حكاها مقرراً لها، فتكون من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم. فالظاهر أن الحكمة من ذلك هو إظهار شرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن الأنبياء يجب عليهم أن يتبعوه فيريهم الله ذلك في الدنيا قبل الآخرة، ويدل لهذا أنه في الشفاعة يأتي الناس إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى، ثم إلى عيسى، كل الخمسة الأولون آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، الأربعة هؤلاء كلهم يعتذرون بحجة، أما عيسى فلا يعتذر بحجة، وإنما يقول: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكون الله يلهم الناس أن يذهبوا إلى عيسى مع أنه لن يشفع، ولم يذكر خطيئة، المقصود منه: إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم على الأنبياء السابقين. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 22 حكم الذهاب إلى بعض البلدان لأجل الزواج بنية الطلاق السؤال فضيلة الشيخ: سمعتُ بعض الشباب في هذه الإجازة يقولون: نحن لا نقدر على الزواج، ونريد أن نذهب إلى بعض البلدان ونتزوج بنية الطلاق، فما حكم فعلهم؟ الجواب ما شاء الله، هؤلاء ذهبوا للزنا، فإذا فعلوا ذلك فهم زناة؛ لأن الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق من أهل العلم إنما أرادوا الرجل الغريب الذي ذهب لغير هذا القصد، ذهب لتجارة، أو لطلب علم، أو لعلاج وبقوا هناك، فهنا اختلف العلماء: هل له أن يتزوج بنية الطلاق أم لا يجوز؟ فمنهم من جوَّزه، ومنهم من منعه، وأما أن يذهب لهذا الغرض فلا شك أن هذا زنا، وأنه لا يقول به أحد من الناس أبداً، ولو أن هؤلاء اتقوا الله لجعل لهم فرجاً ومخرجاً، لو أنهم فعلوا ما أرشدهم إليه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) لكان خيراً. هؤلاء ذهبوا بتذكرة ورجعوا بتذكرة، ونزلوا فنادق هناك قد تكون من أغلى الفنادق وأكثرها ثمناً، وتزوجوا على شيء، ثم سيعودون، فهم في الحقيقة ذهبوا للزنا، فعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يتقوا الله تعالى، وأن يسترشدوا بإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم، بلغهم هذا عني، جزاك الله خيراً. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 23 حكم مناداة أبوي الزوجة بيا عم ويا عمة، ويا خال ويا خالة السؤال فضيلة الشيخ: حفظك الله، هل صحيح أنه لا يجوز للزوج أن يقول لأبي زوجته: يا خال، ولأم زوجته: يا خالة؟ وكذلك الزوجة؟ الجواب هو إذا كان من باب الإكرام فلا بأس، مثل: أن يقول: يا عم حين مخاطبته إياه، أو يا خال، أو يا عمة، أو يا خالة، حين المخاطبة، هذا من باب الإكرام ولا بأس به، وأما إذا وصفهم (بخال أو عم) فهذا لم يرد في القرآن ولا في السنة أن أبا الزوجة عم أو خال أو أن أم الزوجة عمة أو خالة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء) الأعراب يسمون العشاء العتمة؛ لأنهم يعتمون بالإبل، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نسميها بالعشاء؛ لأن هذا هو الذي جاء في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] فأرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الكلمات لا تطلق إلا على معناها الشرعي. وكثيراً ما يأتي إليك إنسان يسأل يقول: قال خالي، وقالت عمتي، فيتوهم المسئول أنهم أخوال وأعمام من النسب. فالمهم أن الجواب: إذا كان ذلك حين المخاطبة يقول لأبي زوجته: يا خال، أو يا عم، فلا بأس، أما إذا كان حين التحدث والإخبار عنه فإن ذلك لا ينبغي؛ لكن التحريم شيء صعب. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 24 حكم تسمية فاحشة قوم لوط باللواط السؤال فضيلة الشيخ: أحسن الله إليكم، يقول البعض: إن تسمية الفاحشة التي قام بها قوم لوط لا ينبغي أن تسمى باللواط؛ لأن فيها تعريضاً باسم هذا النبي فما هو توجيهكم لهذا الكلام؟ الجواب هذا ليس بصحيح؛ لأن العلماء رحمهم الله يقولون هذا، يقولون: اللوطي، ويقولون: اللواط، وحتى جعلوا قول القائل للشخص: يا لوطي من باب القذف الذي يجلد فيه القائل ثمانين جلدة إلا أن يقيم بيِّنَة، أو يُقِر ويعترف الموصوف بهذه الصفة. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 25 حكم أكل الصقنقور السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم أكل ما يسمى بالصقنقور؟ الشيخ: الصقنقور إيش هو هذا؟ السائل: دابة تكون في الرمل! الجواب الظاهر أنها من الحشرات المحرمة؛ لأنها مستخبثة، وهي كما ذكر الأخ دويبة تندس في الرمل، ليس لها جحر معلوم، إذا لحقها الإنسان اندست في الرمل، ولهذا يسميها بعضهم: الدِّسَّيْسَة؛ لأنها تندس في الرمل، هذه من المحرمات؛ لكن يجب أن نعلم أن فيما أحل الله تعالى لنا غنىً عنها، فلو قال قائل: ما هو الدليل على التحريم؟ لا يستطيع الإنسان أن يأتي بدليل على تحريمها بعينها، فربما يقول قائل: الأصل الحل، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة:29] فيقال: من باب الورع واجتناب الشبهات وأن تتركها إلى ما أحل الله لك على وجه لا شبهة فيه ولا إشكال، نقول: بدلاً من هذا اطلب ضباً وكله؛ لأن الضب حلال. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 26 حكم من خرج من بلده مسافراً فصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم رجع إلى بلده ولم يتم السفر السؤال رجل ذهب من مدينة مسافراً ثم وقف وجمع الظهر والعصر قصراً، ثم جاءه شيء طارئ أو كذا فرجع، فهل تسقط عنه صلاة العصر؟ الجواب لا يلزمه؛ لأنه صلى صلاة مأموراً بها، مأذوناً فيها، وكل إنسان يفعل عبادة مأذوناً فيها فإنه لا يلزمه الإعادة؛ لأن الله تعالى لا يوجب على العبد صلاتين أو عبادتين؟ ولو فرضنا أنه جمع جمع تقديم، خرج قبل صلاة الظهر ودخل وقت الظهر فصلى الظهر والعصر جمع تقديم على أنه سيواصل السفر، ثم بدا له فرجع، فجاء وقت العصر وهو في بلده هل يعيد الصلاة؟ الجواب: لا يعيد الصلاة؛ لأن ذمته برئت بصلاته الأولى، حيث إنه صلى صلاة مأذوناً فيها. السائل: هل يصلي مع الجماعة نافلة؟ الشيخ: ليس بلازم، إن حضر المسجد صلى مع الجماعة. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 27 حكم الأكل والشرب عند أخ كسبه من حرام السؤال لو أن الإنسان له أخ حلاق السائل: إي نعم، وفي عُرْف البلد أنه إذا عُلِِم أنه لا يحلق اللحية لا يذهب إليه أحد فهل لو حلق اللحية ودخل هذا المال البيت، والكل يأكل من هذا المال، يكون فيه إثم؟ الجواب يقول: إن له أخاً يكسب المال من عمل محرم وهو حلق اللحية، كذا؟ السائل: نعم. الشيخ: طَيِّبٌ! فهل يجوز للأخ أن يذهب إلى أخيه هذا ويأكل من طعامه ويشرب من شرابه؟ الجواب: نعم. له أن يذهب إليه، ويأكل من طعامه، ويشرب من شرابه، إلا إذا كان في هجره مصلحة بأن كان إذا لم يجبه إلى دعوته تاب الرجل وترك المحرم، فليفعل، ولا يذهب إليه، أما إن كان لن يترك المحرم سواء حضر أو لم يحضر فلا حرج أن يذهب إليه ويأكل من طعامه وشرابه، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية اليهود ودعوتهم، فأهدت إليه امرأة يهودية عام خيبر شاة؛ ولكنها شاة مسمومة تريد أن تقتله إلا أن الله تعالى حماه من ذلك وعصمه، ودعاه يهودي في المدينة إلى طعام خبز شعير وإهالة سنخة، فأجاب وأكل، والمعروف عن اليهود أنهم أكَّالون للسحت أخَّاذون للربا. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 28 استحباب أن يدفن المرأة رجل لم يجامع خاص بالمرأة دون الرجل السؤال هل يختص الرجل كما تختص الأنثى بإدخالها في القبر أن يكون الذي لم يجامع أفضل أن يدخل الرجل؟ الجواب هذا هو الظاهر؛ لكن قصدك مثلاً إذا جيء برجل ليُدْفَن؟ السائل: نعم. الشيخ: لا يختص؛ لأن هذا إنما ورد في المرأة فقط. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 29 حكم نقل الوقف من بلد إلى آخر السؤال ما حكم نقل الوقف من بلد إلى بلد آخر؟ الجواب هذا يرجع إلى المحكمة، يعني: لا بد أن تصل إلى المحكمة ويُنْظَر المصلحة. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 30 استخدام السواك عند المضمضة أثناء الوضوء السؤال بالنسبة للسواك عند الوضوء، في أي مكان يستخدم هل هو قبل الوضوء أو أثناء الوضوء؟ الجواب السواك في الوضوء سنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) قال أهل العلم: ومحله عند المضمضة؛ لأن المضمضة هي التي يكون بها تطهير الفم، فيكون عند المضمضة، فإن لم يتيسر له ذلك فبعد الوضوء، والأمر في هذا واسع. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 31 حكم السفر إلى بلاد أخرى لأجل المعصية السؤال كثير من الناس بمناسبة هذه العطلة الصيفية يسافر إلى الدول العربية لغرض السياحة هو وأهله، فما حكم السفر علماً أنهم يخالطون كثيراً من الكبائر وبعض المعاصي، مثل: الأغاني، والزنا، والخمور، بعض الدول يُحْتَجُّ بأنها قريبة جداً، علماً أن وجود هذه المنكرات منتشرة جداً؟ الجواب الذي يسافر إلى البلاد الأخرى عربية كانت أو غير عربية لقصد فعل المحرم لا شك أنه عاصٍ لله من حين أن يسافر من بيته إلى أن يرجع إليه. وقد قال أكثر أهل العلم: إنه في هذه الحال إذا سافر لأجل هذا الغرض فإنه لا يترخص برخص السفر، فلا يقصر، ولا يجمع، ولا يمسح على جواربه ثلاثة أيام؛ لأنه عاص بسفره، والعصيان منافٍ للرخصة، أما إذا كان لغير هذا الغرض لكنه سيشاهد ذلك ويسمعه فقد يتوقف الإنسان في تحريم السفر؛ إلا أننا نقول: ليس هذا من كمال العقل وكمال التدبير والتصرف أن يذهب إلى هذه البلاد وينفق النفقات الكثيرة الطائلة التي قد يغني عُشْرُها فيما لو سافر إلى الحرمين مكة والمدينة وإلى مصائف هذه البلاد -بلاد المملكة العربية السعودية - ثم إن الغالب أنه لا يخلو من الجلوس إلى قوم يمارسون المحرم، إما بالأغاني أو شرب الدخان أو غير ذلك، ثم إنَّا نسمع أن بعض البلاد فيها شبه عُرْي بالنسبة للباس النساء وهذا يؤثر على طبيعة النساء اللاتي يشاهدن هذا، فنصيحتي لكل مؤمن بالله واليوم الآخر: ألا يسافر إلى مثل هذه البلاد التي لا يزداد بها إيماناً ولا تقىً، وينفق فيها النفقات الكثيرة الطائلة. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 32 حكم تحديد النسل السؤال ما رأيك في تنظيم أو تحديد النسل؟ الجواب رأيي أن هذا ليس إلى الإنسان بل هو إلى الله عز وجل، فأما تحديد النسل بمعنى أن الإنسان حين يولد له عدد معين من الأولاد يستعمل ما يقطع الحمل نهائياً، فهذا حرام، نص عليه أهل العلم. وأما ما يسمى بالتنظيم فهذا إن دعت الحاجة إليه مثل أن تكون المرأة ضعيفة أو مريضة لا تتحمل الحمل فهذه تُعْطَى ما يمنع الحمل في وقته، وفي حينه، ويختلف باختلاف النساء، وباختلاف حال المرأة نفسها أيضاً، قد تكون في سنة من السنوات قادرة على الحمل بسهولة وبدون مرض أو ضرر، وقد تكون بالعكس. ثم إننا نقول لمن أراد أو ادعى التنظيم: هل الأمر بيدك بالنسبة للموجودين أن يبقوا أحياءً؟ كل شخص يقول: لا، ربما تصيبهم مصيبة تقضي عليهم جميعاً في سنة واحدة، فأين التنظيم؟! ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث الأمة على تزوُّج الودود الولود -أي: كثيرة الولادة- لأجل تكثير نسل الأمة الإسلامية، وكثرة الأمة لا شك أنه من عزتها وقوتها. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 33 زوج بنت البنت يكون محرماً لجدتها السؤال فضيلة الشيخ! امرأة تسأل وتقول: هل زوج بنت بنتها يكون مَحْرَماً لها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. الجواب نعم، زوج بنت البنت محرماً للجدة؛ لأن من تزوج امرأة صار محرماً لأمها وجدتها من قِبَل أبيها وجدتها من قِبَل أمها وجداتها وإن علت. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 34 السنة في مكان أداء صلاة الجنازة السؤال فضيلة الشيخ! صلاة الجنازة الأفضل أن تكون في المصلى أم في المسجد؟ الجواب الأفضل ما هو الأيسر، ولم نعلم الآن أن هناك مصليات خاصة للجنائز فيما بلغنا، ربما يكون بعض البلاد للجنائز مصلىً خاصاً، لا أدري. السائل: القصد: السنة يا شيخَ؟ الشيخ: لا، السنة: الأيسر على الناس؛ لأن كثرة العدد والمشيعين أفضل بالنسبة للمكان. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 35 أحوال العفو عن القاتل السؤال فضيلة الشيخ: نسمع من آونة إلى أخرى -خاصة في الصحف- عملية العفو عند القتل، يعني: في آخر دقيقة، فما هو الأجر، نرجو كلمة في هذا الموضوع؟ الشيخ: كيف يعني؟ السائل: حينما يكون القصاص على رجل قاتل، في آخر لحظة يعفو ولي المقتول، أريد أن توردوا لنا جزاء ذلك؟ الجواب لا شك أن العفو أفضل، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237] ولكن العفو لا بد أن يكون مقروناً بالإصلاح، بمعنى أنك إذا عفوت صار في هذا إصلاح للأمة، أما لو كان سوى ذلك فلا تعفو، فمثلاً: لو قدرنا أن هذا القاتل كان قتل عن إجرام، وعن حب للاغتيالات، وأننا لو عفونا عنه اليوم لذهب يقتل آخر في اليوم الثاني، أو لتجرأ آخرون على ما تجرأ عليه من القتل، فهنا لا ينبغي العفو، بل الأخذ بالحزم، والحمد لله الإنسان الذي لا يموت اليوم يموت غداً، وقتل هذا القاتل يكون كفارة له بالنسبة لأولياء المقتول، وإذا كان قد تاب إلى الله توبة نصوحاً كان أيضاً كفارة له بالنسبة لحق الله عز وجل، ويبقى حق المقتول؛ لأن القاتل عمداً يتعلق بجرمه ثلاثة حقوق: 1- حق الله عز وجل. 2- وحق المقتول. 3- وحق أولياء المقتول. فإذا تاب إلى الله وندم وسلَّم نفسه لأولياء المقتول فقد سقط عنه حقان، وبقي حق المقتول. فمن العلماء من يقول: إن المقتول لا بد أن يأخذ بحقه يوم القيامة، حتى لو تاب القاتل. ومن العلماء من يقول: إنه إذا تاب توبة نصوحاً وعلم الله منه ذلك فإن الله يتحمل مظلمة المقتول ويؤديها عن القاتل. وهذا عندي هو الأقرب؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68-70] فالآية عامة، تدل على أنه إذا تاب سقط عنه كل ما يتعلق بهذا القتل. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 36 القصر يكون إما بالكمية أو بالكيفية والكمية السؤال قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] ما هو التحقيق في المراد بالقصر؟ هل هو قصر الكمية أو الكيفية؟ لا سيما أن السياق في صلاة الخوف؟ الجواب الصحيح: أنه عام لهذا وهذا، لكن بلا خوف بالكمية فقط. السائل: بلا خوف؟ الشيخ: بلا خوف، ومع الخوف بالكمية والكيفية. السائل: كيف يجاب على حديث عائشة: (أن الصلاة شرعت ركعتان، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) هي الأصل ركعتان فكيف نعبر عنها بالقصر؟ الشيخ: نعم، لأنه لما كان المسلمون أكثرهم غير مسافرين، كلهم يتمون، فبيَّن الله عز وجل أنهم إذا سافروا وضربوا في الأرض فليس عليهم جناح أن يقصروا من الصلاة، ثم إن نفي الجناح لا يعني أن المشروع هو القصر، كما قال الله تعالى في الصفا والمروة: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] لأنهم كانوا يتحرجون من الطواف بهما، فبُيِّنَ لهم أنه لا جناح عليهم بالطواف بهما، والطواف بهما من شعائر الله، كذلك أيضاً لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة؛ لأنهم تحرجوا من ذلك، فبيَّن الله عز وجل أنه لا جناح، ثم يُنْظَر إلى حكمه، فنجد أنه سنة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى في مثل هذا اليوم. الجزء: 133 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [134] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير بعض آيات سورة (ق) ، حيث بين الله عز وجل شبه بعض الملاحدة الذين ينكرون البعث، ثم انتقل إلى بيان معرفة الإنسان بنفسه وأنه ضعيف يعلم ما تحدث به نفسه، فما من لفظ يلفظه خيراً أو شراً إلا وملائكة الرحمن يكتبونه، ثم ختم ذلك بإجابات متنوعة تعليماً وتوجيهاً للمسلمين وإرشاداً ونصحاً لهم. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والثلاثون بعد المائة من (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس السابع من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما تيسر من الكلام على سورة: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] . الجزء: 134 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفعيينا بالخلق الأول) يقول الله عز وجل: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] : الاستفهام هنا: للنفي. و (عَيِيْنا) بمعنى: تعبنا. والخلق الأول هو: ابتداء الخلائق. يعني: هل نحن عجزنا عن ابتداء الخلائق حتى نعجز عن إعادة الخلائق؟! من المعلوم أن الجواب لا، كما قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] أي: لم يتعب بذلك. فإذا كان جل وعلا لم يتعب بالخلق الأول، فإن إعادة الخلق أهون من ابتدائه، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:27] وهذا استدلال عقلي يراد به إقناع هؤلاء الجاحدين لإعادة الخلق، فإن الذين كفروا زعموا أن لن يبعثوا وأنه لا بعث، وأنكروا هذا، واستدلوا لذلك بدليل واهٍ جداً فقالوا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] فقال الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] ثم ساق الأدلة العقلية الدالة على أن الله تعالى قادر على أن يحيي العظام وهي رميم. قال تعالى: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] : أي: هم مقرون بأننا لم نعيَ بالخلق الأول وأننا أوجدناه؛ لكن: {هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] لهذا حسن الإضراب هنا، حيث قال: {بَلْ هُمْ} [ق:15] أي: أن هذا عجب من حالهم، كيف يقرون بأول الخلق ثم ينكرون البعث بعد الموت؟! {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} : أي: في شك وتردد من خلق. {مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} : وهو: إعادة الخلق. وإني أسألكم الآن: هل القادر على ابتداء الخلق يكون قادراًَ على إعادته من باب أولى؟ الجواب: نعم، وهذا دليل عقلي لا يمكن لأي إنسان أن يفر منه. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه) ثم قال عز وجل مستدلاً على قدرته على البعث: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] أي: ابتدأنا خلقه، فأوجدناه، وجعلنا له عقلاً وسمعاً وبصراً وتفكيراً وحديثاً للنفس. {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} أي: ونحن نعلم ما توسوس به نفسه، أي: ما تحدثه به نفسه دون أن ينطق به، فالله تعالى عالم به، بل إن الله عالم بما سيحدث به نفسه في المستقبل، والإنسان نفسه لا يعلم ماذا يحدث به نفسه في المستقبل. انظر الآن ما يوسوس به الإنسان نفسه في الحاضر يعلمه الإنسان، أليس كذلك؟ والله تعالى يعلمه، ونقول: بل الله يعلم ما سوف توسوس به نفسه في المستقبل، والإنسان لا يعرف، أي: أن الله يعلم ما ستوسوس به نفسُك غداً وبعد غد وإلى أن تموت وأنت لا تعلم. إذا كان الله يعلم ما توسوس به النفس فما الذي يوجب لنا هذا العلم؟ يوجب لنا مراقبة الله سبحانه وتعالى، وألا نحدث أنفسنا بما يغضبه، وبما يكرهه علينا أن يكون حديث نفوسنا كله بما يرضيه، لأنه يعلم ذلك، أفلا يليق بنا أن نستحي من ربنا عز وجل أن توسوس نفوسنا بما لا يرضاه. قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] . {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] (حبل الوريد) هو الأوداج، وهما: العرقان العظيمان المحيطان بالحلقوم، يُسمى: الوريد، ويسمى: الودج، وجمعه: أوداج، ويُضْرَب المثل بهما في القرب، يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] أي شيء أقرب إليه؟ أقرب شيء إلى قلبك هو: حبل الوريد هذا، أقرب من المخ، وأقرب من كل شيء فيه الحياة هما: الوريدان. وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] هل المراد قرب ذاته جل وعلا أو المراد قرب ملائكته؟ الصحيح: أن المراد: قرب ملائكته، ووجه ذلك: أن قرب الله تعالى صفة عالية لا يليق أن تكون شاملة لكل إنسان؛ لأننا لو قلنا: إن المراد قرب ذات الله؛ لكان قريباً من الكافر، وقريباً من المؤمن لماذا يلزم ذلك؟ لأن الله قال: {خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} [ق:16] أيَّ إنسان خلق؟ المؤمن والكافر: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق:16] أي: إلى هذا الإنسان الذي خلقناه من حبل الوريد. فإذا قلنا: الآية الشاملة، وقلنا: إن القرب هنا القرب الذاتي: صار الله قريباً بذاته مِن الكافر. وهذا غير لائق، بل الكافر عدو لله عز وجل. لكن الراجح: ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن المراد بالقرب هنا قرب الملائكة، أي: أقرب إليه بملائكتنا، ثم استدل بقوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق:17] فـ (إِذْ) بمعنى: حين، وهي متعلقة بأقرب، أي: أقرب إليه في هذه الحال حين {يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] . فإن قال قائل: كيف يضيف الله المسند إليه والمراد به الملائكة؟ ألهذا نظير؟ قلنا: نعم، له نظير، يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16-18] (قرأناه) : المراد بذلك؟ جبريل، ونَسَبَ الله فِعْل جبريل إلى نفسه؛ لأنه رسوله، كذلك الملائكة نسب الله قربهم إليه؛ لأنهم رسله، كما قال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} . {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] . وما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو الصواب. فإن قال قائل: وهل الله تعالى قريب من المؤمن على كل حال؟ قلنا: بل في بعض الأحوال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) فهذا قرب في حال الدعاء، مصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] كذلك هو قريب من المؤمن في حال السجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) . وعلى هذا فيكون الله تعالى قريباً من المؤمن حال عبادته لربه، وحال دعائه لربه. أما القرب العام: فإن المراد به القرب بالملائكة، على القول الراجح. وقوله: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق:17] هما ملَكان، بيَّن الله مكانهما من العبد، فقال: {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] . {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ} [ق:17] ولم يقل: على اليمين وعلى الشمال؛ لأنهما ليسا على الكتفين بل هما في مكان قريب أقرب من حبل الوريد. ولكن قد يقول قائل ملحد: أنا ألتمس حولي لا ألمس أحداً، أين القاعد؟ أين القعيد؟! فنقول: هذا من علم الغيب الذي لا تدركه عقولنا، وعلينا أن نصدق به، ونؤمن به كما لو لمسناه بأيدينا، أو شاهدناه بأعيننا، أو غير ذلك من أدوات الحواس، علينا أن نؤمن بذلك؛ لأنه قول الله عز وجل. فنقول: {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] : قاعد، مستقر، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، هذا المكتوب الذي بأيدي الملائكة عرضة للمحو والإثبات؛ لقول الله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] أي: أصل أم الكتاب هو: اللوح المحفوظ، مكتوب فيه ما يستقر عليه العبد، لكن ما كان قابلاً للمحو والإثبات فهو الذي في أيدي الملائكة، قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] انظر! حسنة تذهب السيئة، تمحوها بعد أن كُتِبَت، وهذا باعتبار ما في أيدي الملائكة، أما أم الكتاب الأصل فمكتوب فيها ما يستقر عليه العبد. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستقر على الإيمان والثبات في الدنيا والآخرة. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] {مَا يَلْفِظُ} (ما) : نافية، و (قول) : مجرورة بـ (مِنْ) الزائدة إعراباً، المفيدة معنىً، وأصلها بدون زيادة: ما يلفظ قولاً؛ لكن تأتي حروف الجر أحياناً زائدة في الإعراب لكنها تفيد معنى التوكيد، ولهذا النفي إذا اقترن المنفي بِمِنْ الزائدة أو بـ (الباء) الزائدة، مثل: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] فإنه أوكد في العموم من النفي المجرد من حرف الجر الزائد. {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} إذا جعلنا (مِنْ) زائدة إعراباً مفيدة معنى فما فائدة معناها؟ التوكيد على العموم، أي: أيُّ قولٍ يلفظه الإنسان: {لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] سبحان الله! {رَقِيبٌ} [ق:18] يراقب ليلاً ونهاراً لا ينفك عن الإنسان: {عَتِيدٌ} [ق:18] حاضر، لا يمكن أن يغيب ويوكل غيره، هو قاعد مراقب حاضر لا يفوته شيء: {مِنْ قَوْلٍ} [ق:18] أي قول؟ كل القول؛ لأن (مِنْ) هذه زائدة، و (قَوْل) نكرة في سياق النفي لبيان العموم، أيُّ قولٍ يقوله. وظاهر الآية الكريمة: أن القول مهما كان يُكتب سواءً كان خيراً أم شراً أم لغواً، لكن المحاسبة على ما كان خيراً أو شراً، ولا يلزم من الكتابة أن يحاسَب الإنسان عليها، وهذا ظاهر اللفظ، وهو أحد القولين لأهل العلم. ومن العلماء من يقول: إنه لا يكتُب إلا الحسنات والسيئات فقط، أما اللغو فلغو لا يُكتب، فأيُّ القولين أولى؟ الأول أولى وهو: العموم، أما النتيجة فواحدة؛ لأنه حتى على القول بأن الكاتب يكتُب كل شيء، يقولون: إنه لا يحاسَب إلا على الحسنات والسيئات. لكن كوننا نقول بالعموم هو المطابق لظاهر الآية، ثم هو الذي فيه الدليل على أن الملكَين لا يفوتان ولا يتركان شيئاً، مما يدل على كمال عنايتهما بما ينطق به الإنسان. وبناءً على ذلك يجب علينا أن نحترز غاية الاحتراز من أقوال اللسان، فكم زلة لسانية أوجبت الهلاك والعياذ بالله، قال أبو هريرة رضي الله عنه في الرجل الذي قال: (والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) قال: [إنه تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته] نسأل الله العافية. احذر لسانك أن تقول فتُبتلى إن البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطقِ احذر آفات اللسان، إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حفظ اللسان مِلاك الأمر كله، فقال عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل: (أفلا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا -لا تطلقه، لا تتكلم- قال: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال له: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتِهم) فالمؤمن يجب أن يحذر لسانه، فإنه آفة عظيمة. ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . وحينئذ نعرف أن الصمت مفضل على الكلام؛ لأن الكلام قد لا يدري الإنسان أخير هو أم شر. ثم إني أقول لكم: الكلمة إذا أطلقتها وخرجت من فمك فهي كالرصاصة تطلقها على ولدك، هل يمكنك أن تمنع الرصاصة إذا خرجت من فوهة البندقية؟ لا، خلاص انطلقت، تفسد أو تصلح، كذلك الكلمة، فالعاقل يمنع لسانه ولا يتكلم إلا بالخير، والخير إما في ذات المتكلَّم به، وإما في غيره: قد يكون الكلام ليس خيراً بنفسه لكنه خير من جهة آثاره، قد يتكلم الإنسان بكلام لغو في مجلس، والكلام ليس أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، وليس إثماً ووِزراً؛ لكن يتكلم من أجل أن يفتح الباب للحاضرين؛ لأنه أحياناً تستولي على المجلس الهيبة ولا يتكلم أحد، فيبقى الناس كأنهم في غَمْ، فيتكلم من أجل أن يفتح الباب للناس، وتنشرح صدورهم، ويحصل تبادل الكلام الذي قد يكون نافعاً، نقول: هذا الكلام الذي تكلمه وفتح به باب الكلام وأزال عن الناس الغمة يُعتبر خيراً لغيره، وهذا داخل -إن شاء الله- في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حفظ ألسنتنا وجوارحنا عما يغضبه، وأن نستعملها فيما يرضيه، إنه على كل شي قدير. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 134 ¦ الصفحة: 6 الحكمة والتروي عند الإفتاء السؤال فضيلة الشيخ! هناك مجموعة من الموظفين تخصصاتهم فنية، اقتضت مصلحة العمل بتوليتهم أعمالاً إدارية في غير مكانهم الأول، ساعات العمل فيه أقل من المطلوب منهم لو كانوا في عملهم السابق، وهذا معروف على مستوى الوزارة، ويوم الخميس يتناوب عليه مجموعتان بموافقة مديرهم المباشر، ويُعَلَّل هذا بقلة العمل في هذا اليوم، فهل هذا الوضع جائز؟ علماً أن لهذا العمل الإداري بدلات لا يأخذونها بسبب اختلاف مسمى الوظيفة؟ الجواب هذا سؤال مهم، ولكن الذي يوجه السؤال هو المسئول عن المصلحة؛ لأني أرى أنه ليس من المصلحة أن يأتي موظف تحت مدير أو رئيس ويسأل عن عمل يعمله المدير أو الرئيس قد يكون مخالفاً للنظام ومخالفاً للأمانة، فمثل هذا ينبغي ألا يجاب؛ لأنه ليس بيده شيء، حتى لو أجبته هل يمكن أن يغير الوضع ما دام المدير مُصِرَّاً على ما يريد؟! لا يمكن أن يغير الوضع، بل ربما يزيد الأمر شدة، ربما يكون هذا الجواب ممن وُجِّه إليه السؤال، يتخذه السائل سلاحاً على هذا المدير لتشويه سمعته وحصول البلبلة، وأنا لست أقصد شخصاً بعينه، فالسائل هو مشكور على سؤاله؛ لكني أقصد على سبيل العموم، أنه لا ينبغي للمفتي أن يفتي في مثل هذه المسائل؛ لأنها لا تخدم المصلحة إطلاقاً، مَن الذي يتولى السؤال لو كان يريد السؤال؟ الرئيس أو المدير الذي يستطيع أن يغيِّر، أما فرد من أفراد هذه المجموعة يسأل، إذا قيل: هذا حرام، ولا يجوز، هذا خيانة، والراتب حرام، وما أشبه ذلك ما هي الفائدة؟! لا فائدة في الواقع. ولهذا أنا أشكر إخواني الشباب الذين يجدون في أعمالهم مخالَفة ثم يسألون عنها، نشكرهم؛ لكن لا أرى أن يجاب عليها؛ لأن ذلك لا يخدم المصلحة. ثم أنصح أيضاً القائمين على الأعمال أن يتقوا الله عز وجل وأن يمشوا على ما رسم لهم من فوق، وإذا رأوا المصلحة في خلافه فليقدموا تقريراً ومشورة إلى مَن فوقهم لتعديل الوضع؛ إلاَّ أن يُمَكَّنوا من ذلك ويقال: أنتم مؤتَمَنون، وأنتم أحرار على ما ترون من توجيه وتغيير اختصاصات الموظفين فهذا شيء آخر. ثم إن مثل هذه الأسئلة أيضاً أحب من إخواني الشباب الحريصين أن يكون السؤال سراً بينهم وبين المسئولين؛ لأننا لا نحب أن تنتشر المعايب في جهات العمل والمؤسسات. السائل: طَيِّبٌ! يا شيخ، يمكن أن يقع شراًَ؟ الشيخ: إذا قلتُ لك بجواب هذا السؤال، فهذا هو الجواب ولا يمكن. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 7 ضابط العرف في الإسراف وخروج المرأة إلى السوق السؤال فضيلة الشيخ: أشكل علينا كون العرف مرجعاً لضبط بعض الأفعال، وبالذات شراء الألبسة وخروج المرأة، ووجدنا من يشتري الثوب بستمائة ريال أو أكثر أو أقل، ويحتج بالعرف، وهل يعارض هذا ما جاء في السنة من الحث على التقلل والنهي عن التبذير وجزاكم الله خيراً؟ الجواب نعم. العرف مرجع حيث لا يوجد في الشرع تحديد، أما إذا حُدَّ في الشرع فالشرع حاكم على العرف وليس العرف حاكماً على الشرع، وفي نَظْم القواعد: كل ما أتى ولَمْ يُحَدَّدِ بالشرع كالحرز فبالعرف احْدُدِ والله تعالى قد أحال على العرف في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] . {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] . {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] . والأمثلة في هذا كثيرة. ولكن إذا خرج الإنسان عن النطاق الذي ينبغي أن يكون عليه صار مسرفاً، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] . فالناس الآن ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: 1- قسم طبقة عليا. 2- قسم طبقة دنيا. 3- قسم متوسط. فلو أراد أصحاب الطبقة الدنيا أن يلبسوا ما تلبسه الوسطى، أو يأكلوا ما تأكله الوسطى، أو يركبوا ما تركبه الوسطى قلنا: هذا إسراف، يُنْهَون عنه. ولو أراد أهل الطبقة الوسطى أن يلبسوا ما يلبسه الطبقة العليا، أو يركبوا ما يركبونه، أو يأكلوا ما يأكلونه، لقلنا: هذا إسراف. ولو أراد أهل الطبقة العليا أن يلبسوا ويشربوا ويأكلوا ويسكنوا ما يكون للطبقة السفلى قلنا: هذا بخل؛ إلا إذا أراد التواضع، بحيث يريد ألا يظهر أمام إخوانه الفقراء إذا كان مثلاً أكثر الحي فقراء فيحب ألا يظهر أمامهم على وجه تنكسر قلوبهم فهذا يكون خيراً، وفيه ورد الحديث في ثواب مَن ترك أعلى اللباس تواضعاً، أفهمتَ الآن؟ السائل: نعم بالنسبة للخروج يا شيخ! الشيخ: يعني: إلى الأسواق؟ السائل: ينبغي ألا تخرج بناءً على العرف السائد. الشيخ: لا، أما خروج المرأة فلا شك أن العرف والحياء والشيمة والدين كلها تقتضي أن تكون المرأة في بيتها، وبيوتهن خير لهن، هذا عام، ولا تخرج إلا لحاجة؛ وذلك أن المرأة وإن كانت خرجت غير متطيبة وغير متبرجة وهي نزيهة وسليمة وعفيفة تُبْتَلى، يوجد في الأسواق فسَّاق ليس لهم هم إلا ملاحقة النساء والعياذ بالله، ومغازلتهن، وإلقاء الأوراق وأرقام الهواتف عليهن، وما أشبه ذلك، مع أنهن نزيهات، فلهذا نقول: خير مكان للمرأة أن تبقى في بيتها، وهي في الواقع مسئولة عن نفسها، ووليها أيضاً مسئول عنها، حتى كثير من الرجال -نسأل الله لنا ولهم الهداية- قد أطلقوا العنان للنساء، تخرج المرأة متى شاءت، تتسكع في الأسواق وفي المتاجر ولا يبالي ولا يسأل، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء الأمانة. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 8 تحقيق الأخوة والتعارف بين المسلمين مصلحة عظيمة السؤال نحن عائلة كبيرة، نخرج سنوياً إلى البر، ويصير فيه بعض المنكرات مثل: الغناء، والغيبة، والدخان، ونخرج معهم وندخل قبل ما تحدث هذه المنكرات، يعني: قبل ما يكون فيه غناء للرجال بالدف، والنساء كذلك؟ الشيخ: يعني: قصدك اجتماع تعارف. السائل: نعم، اجتماع سنوي يا شيخ. الجواب المهم أنه اجتماع تعارف، المقصود به التعارف والتآلف، إذا كان. السائل: وعادة أخذناها سنوياً. الشيخ: أقول: ما فيه خلاف، إذا كان هذا للتعارف والتآلف، ودراسة أحوال العائلة، مَن يحتاج ومَن لا يحتاج فهذا طيب، وإذا جاء المنكر فإنه لا يَسَع الإنسان إلا أن يفارق، أفهمتَ؟ أما إن كان مجرد خروج نزهة وليس فيه مصلحة فهذا من إضاعة الوقت ولا حاجة، أما كونه يتكرر فما دام أنه غير مقيد بشهر معين فلا بأس به. السائل: إذا كانت العائلة كبيرة جداً، والمنكرات هذه سبق وأن أنكرنا عليها ولكن لا استجابة. الشيخ: أنت ذكرتَ في سؤالك بارك الله فيك أنكم تجتمعون وإذا جاء المنكر الذي ترونه منكراً فارقتهم؟ السائل: بعض الإخوان، والبقية يجلسون. الشيخ: على كل حال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] الذي يجلس مع أهل المنكر كفاعل المنكر. السائل: ولكن بالنسبة لنا يجوز أن نقاطعهم يا شيخ، مثلاًَ: لا نخرج؟ الشيخ: كما قلتُ لك: ما دام فيه مصلحة لا تقاطعهم. السائل: لا توجد مصلحة. الشيخ: أما قلتَ أنتَ أنه يجري التعارف والتآلف؟! هذه مصلحة عظيمة، الآن لو تسأل بني العم: كم لعمك لم يأتِ؟ قال: لا أدري، يمكن لو سألت أخاك: كم له لم يأت؟ لقال: لا أدري، هذا تقاطع، كون الناس لا يعرف بعضهم بعضاً ليس بطيب، فأنا من رأيي أنه يخرج وإن كان له كلمة ووجاهة بين القوم فبإمكانه إذا رأى المنكر أن يقول: يا جماعة! اتقوا الله، وينصحهم، ولعل الله أن يهديهم على يده، وأما إذا كان من عامتهم يخرج مثلاً ويشاركهم في الغداء أو نحوه ويعرض مشكلاتهم إن كان عنده مشكلات وينصرف. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 9 جواز قراءة الإمام من المصحف إذا احتاج إلى ذلك السؤال فضيلة الشيخ: إمام مسجد مُعظم جماعته من الذين لا يحفظون ما يقرؤه في الصلاة ويحتاج من يستفتح عليه أحياناً فلا يجد، فهل يجوز له وضع مصحف في جيبه يقرأ به؟ الجواب لا بأس، يجوز للإنسان الإمام والمأموم، المأموم قد لا يحتاج إليه، لكن الإمام والمنفرد يجوز أن يقرأ من المصحف، ولا سيما في السور الطوال مثلاً إذا قال: أنا فجر يوم الجمعة السنة أن يقرأ الإنسان فيه بـ {الم} سورة السجدة، في الركعة الأولى، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الإنسان:1] في الركعة الثانية وهو لا يحفظها نقول: اقرأ من المصحف ولا حرج؛ لأن هذا مروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تفعله في صلاة الليل. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 10 حكم رجل نسي السجود الثاني ثم ذكره بعدما قضى الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: لو أن إنساناً نسي السجود الثاني، وبَعْدَما قضى الصلاة تذكر أنه بقي عليه سجود ماذا يفعل؟ هل يعيد الصلاة؟ الجواب نعم، إذا نسي السجدة الثانية في آخر ركعة وسلم وتذكر، نقول: عد إلى الصلاة وانوِ أنك الآن جلست للدعاء بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، ثم سلم، ثم اسجد سجدتين بعد السلام. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 11 الدليل على صلاة ركعتين بعد الطواف السؤال ما دليل تنفُّل الطواف؟ الجواب تنفُّل الطواف لا أعلم له دليلاً إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً أنه لما طاف طواف القدوم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى خلفه ركعتين، فالعلماء يرحمهم الله ألحقوا بذلك جميع الأطوفة كطواف الإفاضة، وطواف الوداع، والطواف المستحب، ولكني لا أعلم دليلاً خاصاً أن كل طواف يُصلى ركعتان بعده. السائل: الأصل الدليل في الطواف! الشيخ: هذا هو الأصل، فقد: ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه بعد طواف القدوم في حجة الوداع تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى ركعتين، هذا ثابت في صحيح مسلم، فالعلماء ألحقوا به جميع الأطوفة، وإلا فإننا يحضرني الآن أن الرسول كان كلما طاف صلى ركعتين، لا في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، بل لو قال قائل: إن طواف الإفاضة ظاهره حديث جابر أنه لم يصلِّ؛ لأنه ذكر أنه طاف، وأنه أتى زمزم وشرب منه، وذكر الحديث؛ لكن في حديث جابر أنه صلى بـ مكة الظهر، فيمكن أن يكون صلى بعد الطواف واكتفى بالفريضة عن النافلة، والله أعلم. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 12 الرد على من جوز النظر إلى المرأة السؤال فضيلة الشيخ: رجل متبوع، ويرأس جماعة إسلامية كبيرة يقول لأتباعة: إن النظر إلى المرأة يجوز، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] أن حرف (مِنْ) هنا تبعيضية أي: غضوا بعض أبصاركم، وأطيلوا النظر إلى المرأة، فإذا جاءت أو حصلت الشهوة فغضوا من أبصاركم، فهل يجوز مثل هذا القول؟ الجواب هذه مسألة خلافية، والخلاف فيها مشهور، والصحيح: أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، ولذلك أدلة مذكورة في موضعها، ويحسُن أن تراجع الكتب المؤلفة في هذا، ومن أوسعها كتاب: عودة إلى الحجاب ففيه بحوث جيدة طيبة، والمؤمن إذا فكَّر وجد أن أدعى ما يكون شهوة هو كشف الوجه، أشد من كشف الرجلين، وأشد من كشف اليدين، والإنسان لا ينبغي أن يعتبر بنفسه، قد يكون الإنسان ليس له شهوة قوية فلا يتأثر برؤية وجه المرأة، وقد يكون شاباً له شهوة قوية يتأثر بوجه المرأة، ولو لم تكن جميلة، والعبرة بالأعم، وأما قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} فإنما جاءت (مِنْ) لأسباب: منها: أن نظر الفجأة لا يضر. ومنها: أنه يجوز للرجل أن ينظر إلى مخطوبته، وهي لا تحل له. ومنها: أن ينظر لمن أراد أن يشهد عليها. ومنها: أن يعاملها ولا يعْرِفها إلا بالوجه. أو ما أشبه ذلك مما ذكره أهل العلم مما يباح به النظر. ويكفي في البعضية أن تخرج صورة واحدة من الصور. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 13 حكم سفر الخادمة مع أهل البيت بدون محرم السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم سفر الخادمة مع الأسرة التي تعمل عندها لا سيما إذا لم يكن لها محرم أتت معهم؟ الجواب أما إذا كان معها محرم فلا إشكال فيه، وإذا لم يكن معها محرم فنحن نرى أنه لا بد أن تأتي الخادمة بمحرم، رأَيْنا ذلك وإن كنا في الأول نتساهل فيه؛ لأننا سمعنا حوادث مزعجة مروعة في مجيء الخادمة بدون محرم يحميها، ولا سيما في بيت فيه شباب مراهقون، فإنه يحصل الوقوع في الفاحشة العظمى والعياذ بالله؛ لكن إذا قُدِّر أن الناس ابتلوا بهذه الخادمة، وسافروا ولم يكن في البيت من هو مأمون تبقى عنده فإن سفرها معهم أمر متعيَّن؛ لأن بقاءها ضرر وفتنة، فلا بأس في هذه الحال أن تسافر معهم للضرورة. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 14 توجيه حديث الأعرابي في قوله في الصلوات الخمس: (هل علي غيرها) السؤال فضيلة الشيخ: جاء في الصحيحين من حديث طلحة في حديث الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع) هل يؤخذ من هذا الحديث أن يكون صارفاً لعدم وجوب غير الصلوات الخمس؟ الجواب لا، هذا الحديث يدل على أنه ليس هناك صلوات، أي: تجب كل يوم إلا هذه الصلوات الخمس، وأما الصلوات المقرونة بأسبابها فهذه ينظر فيها، من العلماء من قال: إن هذه الصلوات المقرونة بأسبابها وإن وجد فيها قرائن تدل على الوجوب، فإن هذه القرائن ممنوعة؛ لحديث الأعرابي: (هل عليَّ غيرها) . ومن قال: إن التي لها سبب ينظر في سياق دليلها هل يقتضي الوجوب أم لا؟ فمثلاً: صلاة الكسوف جمهور العلماء يرون أنها ليست بواجبة، لا على الأعيان ولا على الكفاية، ويستدلون بحديث الأعرابي. ومن العلماء من يقول: هي واجبة، وعلى الأقل واجبة على الكفاية؛ لأن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يفزع ويجمع الناس على إمام واحد في مصلى الجمعة، ويطيل هذه الصلاة العظيمة، وتُعرض عليه الجنة والنار، ويأمر عليه الصلاة والسلام بالصلاة، بل أمر بالفزع إلى الصلاة: (افزعوا إلى الصلاة) فكأنه عدو يحتاج إلى أن يفزع الناس منه، وأخبر أن الله يخوف العباد، فماذا يقول القائل: لو أنه خسف القمر أو كسفت الشمس والناس كل في بيعه وشرائه ومنامه، والرسول يقول: (يخوف الله بهما عباده) فيواجهون هذه الآية المخوفة بكل برودة، هل هذا لائق بالعبد؟! ليس بلائق. ولهذا: كان أصح أقوال العلماء في هذه المسألة: أن صلاة الكسوف واجبة، إما على الأعيان، وإما على الكفاية. نقول: الحديث يدل على أنه ليس هناك صلاة واجبة تُكَرَّر كل يوم وليلة إلا الصلوات الخمس والجمعة بدلاً عنهما، نعم يستدل به على أن الوتر ليس بواجب، وإن كان قد قال به بعض العلماء؛ لأنه من الصلوات الدورية. أما ما كان لها سبب فعلى حسب الدليل الوارد في الصلاة في هذا السبب. السائل: لو أقيمت الجمعة مستقلة؛ لأنها قَصْرٌ على المسافر؟ الشيخ: الجمعة لا يصليها المسافر، في البر لا يصليها؛ لكن لو كان في بلد تقام فيه الجمعة لا بد أن يحضر. السائل: يضطر أنه يخرج عن صاحبه! الشيخ: حتى ولو لم يستقل، أليس الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] ؟! نقول لهذا المسافر: هل أنت مؤمن؟! سيقول ماذا؟ السائل: نعم. الشيخ: نقول له: اسعَ. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 15 وجوب إتمام الصلاة لمن انقطع سفره بوصوله إلى بلده السؤال مثلاً أنا سافرت من الرياض إلى القصيم ومكثت يوماً أو يومين في القصيم ورجعت إلى الرياض ووجبت علي صلاة الظهر في نصف الطريق، نويت أن أؤخرها مع العصر، هل إذا وصلت منطقتي، أصلي ركعتين أو أربع ركعات؟ الشيخ: وأنت من أهل الرياض؟ السائل: نعم. الجواب إذا وصل الإنسان إلى بلده وهو لم يصلِّ الصلاة التي دخل وقتها وهو مسافر فعليه أن يتمها؛ لأنه قطع السفر، والعكس بالعكس لو أن الإنسان دخل عليه الوقت وهو في بلده ثم سافر قبل أن يصلي فإنه يقصرها، كرجل أُذِّن الظهر وهو في البلد ثم سافر قبل أن يصلي فنقول: صلِّ الظهر في السفر ركعتين. السائل: مثلاً أذن الظهر وأنا في البلد! الشيخ: يصلي ركعتين، إذا خرج من بلده قبل أن يصلي يصلي ركعتين. السائل: حتى ولو أذن الظهر وهو في البلد؟ الشيخ: ولو أذن الظهر وهو في البلد، العبرة بفعل الصلاة، لا بوقتها. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 16 حكم إخراج الرجل بما معه من الحقائب والفلوس والملابس عند أداء العمرة السؤال فضيلة الشيخ: بعض العوام من الرجال والنساء حينما يأتون إلى المواقيت للعمرة يقولون: إذا أراد أن يدخل بشيء إلى مكة يدخل ويحرم به معه، مثل: حقيبة أو فلوس، فما قولك في هذا؟ السائل: إذا أراد أن يعتمر، وجاء الميقات فهو يريد أن يدخل معه بحقيبة إلى مكة، أو فلوس، يحرم بها معه؟ الجواب هذا غلط يعني معناه: أنه يقول: لا بد إذا أراد أن يعقد الإحرام لا بد أن تكون أغراضه التي سيدخل بها مكة معه. السائل: معه في نفس الإحرام! الشيخ: لا. هذا غلط، هذا عامِيٌّ جلد، ليس له أصل إطلاقاً. السائل: من البدع. الشيخ: لا، غلط هذا، ليس ببدعة، هذا شخص جاهل، نقول: حتى لو فرضنا أن الإنسان أحرم بدون نعال ثم بعد ذلك لبس النعال ما فيه شيء. أما قول بعض العوام: لا بد أن تحرم في نعالك، ولا تفسخها حتى تنتهي من الإحرام، أي: لا تغيِّرها! هذا غلط، كل هذا غلط، تغيِّر ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى يجوز الإحرام بها، تغيِّر النعال، تلبس النعال وإن كنتَ حين الإحرام غير لابس لهما، والطيب إذا لم تتطيب قبل الإحرام فلا تتطيب بعد الإحرام. السائل: مثل النساء، إذا أرادت تأخذ غطاءً لازم أنها تحرم بها معها! الشيخ: لا، ليس بصحيح. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 17 حكم ضرب النساء للدف في غير الأعراس السؤال حكم ضرب الدف للنساء في غير العرس؟ الجواب إذا كان لسبب فلا بأس؛ لأن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (إني نذرتُ إن ردك الله سالماً أن أضرب بالدف بين يديك، فقال لها: أوفي بنذرِكِ) . أما مجرد اللهو فهذا لا يجوز؛ لكن إذا كان لسبب كقدوم غائب مثلاً أو ما أشبه ذلك فلا حرج. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 18 سنية رفع الذكر بعد الصلاة المكتوبة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة المكتوبة؟ الشيخ: سنة، إلا إذا كان إلى جنبك رجل يتم وتخشى إن رفعت الصوت أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك. السائل: والدليل يا شيخ؟ الشيخ: الدليل حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري قال: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أعرف انقضاء صلاتي بذلك) . الجزء: 134 ¦ الصفحة: 19 سجود السهو عن شك أو زيادة يكون بعد التسليمتين السؤال فضيلة الشيخ: في سجود السهو للزيادة هل بعد التسليمتين أو بعد التسليمة الأولى؟ الجواب سجود السهو إذا كان بعد السلام سواء كان عن زيادة أو عن شك مع ترجح أحد الأمرين؛ لأن سجود السهو بعد السلام يكون عن أمرين: إذا زاد أو شك وترجح عنده أحد الأمرين وبنى عليه. السائل: لكن بعد التسليمة الأولى أو بعد التسليمتين؟ الشيخ: انتظر أنا قصدي التعقيب على قولك: إذا كان عن زيادة؛ لأُبَيِّن أنه يكون: - عن زيادة. - عن شك مع ترجح أحد الطرفين. فيكون سجود السهو، بعد التسليمتين جميعاً؛ لأن الإنسان لا يفرغ من صلاته إلا بالتسليمتين. السائل: في السفر هل من الأفضل أن المسافر يقصر ويجمع أو يقصر قصراً؟ الشيخ: المسافر السنة أن يقصر حتى يرجع إلى بلده ما لم يصلِّ خلف إمام يتم، فإن صلى خلف إمام يتم وجب عليه الإتمام. أما الجمع فإن جدَّ به السير فالجمع أفضل، وإن كان نازلاً فترك الجمع أفضل، وإن جمع فلا بأس. السائل: بعض المسافرين يجمعون أربعاً أربعاً! الشيخ: لا، هذا غلط، الجمع أربعاً أربعاً إذا كان الإنسان غير مسافر. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 20 رجوع المهر على ولي المرأة إذا غش الزوج فيها السؤال امرأة تُصْرَع بسبب الجن، وأخبرها بعض المشايخ الذين قرءوا عليها أن هذا الجني عاشق وسيذهب بإذن الله بعد الزواج، فخطبها رجل وأخفى عليه أهلها مرضها ليس غشاً إنما استناداً على كلام ذلك الشيخ؛ ولكن تفاجئوا باستمرار الصرع معها فطلقها زوجها بسبب صرعها. السؤال: هل يرجع المهر إلى الزوج أم لا؟ وإن كان يعاد هل يعاد كله أم نصفه؟ الجواب هم لا شك أنهم غشوا الرجل وخدعوه، ويَرْجِع بالمهر على من غرَّر، والذي باشر تغريره هو الولي، فيرجع بِه على ولي المرأة، سواء كان أباها أو أخاها، وأما المرأة فلا يؤخذ من مهرها شيء. السائل: وليها الأب يعني؟ الشيخ: وليها قد يكون أبوها إن زوَّجها، وقد يكون الذي زوجها أخوها، المهم أن الزوجة مهرها عندها لا يؤخذ منه شيء؛ لأنها ما غرته، الذي غر الزوج وليُّها حيث عقد له ولم يشترط ذلك في العقد؛ لكن أشير عليه ألا يأخذ شيئاً، ولا يثير المشاكل جبراً لخاطر هذه المرأة المصابة؛ لكن إن أراد أن يأخذ بحقه فله الحق أن يرجع على وليها. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 21 حكم المحاماة في الإسلام السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم المحاماة في الإسلام؟ الجواب المحاماة في الإسلام إذا كان الإنسان يريد إحقاق الحق وإبطال الباطل فهي خير ومأمور بها، لما فيها من إزالة الظلم عن المظلوم، ومعاونة صاحب الحق على حقه. وأما إذا كان الإنسان يحامي بالباطل بأن يكون كلامه هو المنتصِر فهذا حرام، فهي ترجع إلى نية المحامي. الجزء: 134 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [135] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة (ق) مبيناً من خلالها معنى سكرة الموت، وأن هذا الموت مهما طال عمر الشخص فإنه ملاقيه ومدركه ولا مفر منه ولا محيد عنه. وعلى كل حال ففي الآيات تحذير من التهاون بالأعمال الصالحة والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) . وقبل أن نبتدئ في هذا اللقاء أود أن أنبه إلى أن الأسبوع القادم ليس فيه لقاء لأن عندي شغل. ونبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير سورة ق. والآية هي قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:19-21] . الجزء: 135 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت) قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق:19] :- السكرة هنا هي: تغطية العقل، كالإغماء ونحوه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للموت سكرات) وعلى هذا فيكون قوله: {سَكْرَةُ الْمَوْتِ} : مفرداً مضافاً، فيشمل الواحدة أو أكثر. وقوله: {بِالْحَقِّ} : أي: أن الموت حق كما جاء في الحديث: (الموت حق، والجنة حق، والنار حق) ، فهي تأتي بالحق، وتأتي أيضاً بحق اليقين؛ فإن الإنسان عند الموت يشاهِد ما تُوُعِّد به وما وُعِدَ به؛ لأنه إن كان مؤمناً بُشِّر بالجنة، وإن كان كافراً بُشِّر بالنار، أعاذنا الله وإياكم منها. {ذَلِكَ} أي: الموت. {مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} اختلف المفسرون في (مَا) هل هي نافية، فيكون المعنى: ذلك الذي لا تحيد منه، ولا تنفك منه، أم أنها موصولة والمعنى: ذلك الذي كنت تحيد منه؛ ولكن لا مفر منه. فعلى الأول: يكون معنى الآية: ذلك الذي لا تحيدون منه، بل لابد منه، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] ، وتأمل يا أخي: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} ولم يقل: فإنه مدرككم، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك، إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع، لو كنت فاراً من شيء وهو يقابلك، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته، ولهذا قال: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} . في الآية الثانية: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:78] ؛ لأنه ذكر في هذه الآية الثانية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال. هنا يقول: {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] يعني: ذلك الذي لا محيد لك عنه. المعنى الثاني في (مَا) : أن تكون موصولة، إي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك قد وصلك وأدركك. وعلى كل حال ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) ثم قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:20] :- النافخ في الصور هو: ملك وكَّلَه الله تعالى به يسمى: إسرافيل، والنفخ في الصور نفختان: الأولى: نفخة الصعق: فيسبقها فزع، ثم صعق. والثانية: نفخة البعث: وبينهما أربعون، وقد سئل أبو هريرة راوي الحديث: ما المراد بالأربعين؟ فقال: [أَبَيْتُ] أي: إني لا أدري ما المراد بالأربعين التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم. المهم أن المراد بقوله هنا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} النفخة الثانية، بدليل قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} ، وهذا يعني أنه بهذه النفخة صار يوم القيامة الذي هو يوم الوعيد. فإن قال قائل: يوم القيامة يوم وعيد ويوم وعد، وعيد لمن؟ للكفار، ووعد لمن؟ للمؤمنين. فلماذا ذكر الله تعالى هنا الوعيد دون الوعد؟ لأن السورة كلها مبدوءة بتكذيب المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام فناسَبَ أن يُغَلَّب فيها جانب الوعيد {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ. } [ق:1-2] إلى آخره، فكان من الحكمة أن يُذْكَر الوعيد دون الوعد، ومع ذلك فقد ذكر الله تعالى أصحاب الجنة فيما بعد؛ لأن القرآن مَثانٍ. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) ثم قال تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] :- {وَجَاءَتْ} يعني: يوم القيامة. {كُلُّ نَفْسٍ} أي: كل إنسان، وكل بشر، ويحتمل أن يكون المعنى: كل نفس من بني الإنسان ومن الجن أيضاً ممن يُلزمون بالشرائع؛ لأننا إن نظرنا إلى السياق وهو قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] قلنا: المراد بالنفس هنا: نفس الإنسان، وإذا نظرنا إلى أن الشرائع تلزم الجن كما تلزم الإنس، وأن الجن يحشرون يوم القيامة ويدخل مؤمنهم الجنة وكافرهم النار قلنا: إن هذا عام، فالله أعلم بما أراد. {مَعَهَا سَائِقٌ} يسوقها. {وَشَهِيدٌ} يشهد عليها بما عملت؛ لأن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام قد وكلوا بكتابة أعمال بني آدم، من خير وشر، وكما سبق أنهم يكتبون كل شيء من الخير، والشر، واللغو، لكن لا يحاسَب الإنسان إلا على الخير أو الشر. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا) ثم قال تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) [ق:22] :- {كُنْتَ} الخطاب للإنسان، وفيه ما يسمى بالالتفات، والالتفات معناه: أن ينتقل الإنسان في أسلوبه، من خطاب إلى غَيبة أو من غَيبة إلى خطاب، أو من تكلُّم إلى غَيبة، المهم أن تختلف الضمائر، وفائدة ذلك الالتفات: أنه يشد ذهن السامع، فبينما الكلام على نسق واحد إذا به يختلف. انظر إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ) [المائدة:12] وبعده {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) [المائدة:12] ولم يقل: وبعث. وانظر إلى الفاتحة التي نقرأها كل يوم في كل ركعة من صلواتنا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:1-3] بعده؟ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5] ولم يقل: إياه نعبد، وسياق الآيات للغائب، الحمد لله ليس هو للمخاطب، فما قلتَ: الحمد لك يا رب. فالمهم أن الالتفات أسلوب من أساليب اللغة العربية وفائدته: شد ذهن السامع لما يلقى إليه من الكلام. {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) ، وكما تعلمون أن الجملة هنا مؤكدة بثلاث مؤكدات؛ {لَقَدْ كُنْتَ} ، وهي كثيرة الوقوع في القرآن دائماً: (لقد كنتَ) (لقد كان) (لقد جاء) هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بثلاث مؤكدات: الأول: القَسَم. والثاني: اللام. والثالث: قد. إذاً التقدير: والله! لقد كنت في غفلة من هذا، وهنا نطرح سؤالاً: أليس خبر الله تعالى حقاً وصدقاً سواء أُكِّد أم لم يؤكد؟ بلى ولاشك؛ لكن ما دام القرآن نزل باللسان العربي، فإنه لابد أن يكون التأكيد في موضعه وعدم التوكيد في موضعه؛ لأن المقصود أن يكون هذا القرآن في أعلى مراتب البلاغة. {لَقَدْ كُنْتَ} [ق:22] أي: أيها الإنسان. {فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] أي: كنتَ غافلاً عن هذا اليوم، ساهٍ في الدنيا، كأنك خُلِقْتَ لها. {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق:22] يعني: هذا اليوم كُشِف الغطاء وبان الخفي واتضح كل شيء. {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق:22] أي: قوي بعد أن كان في الدنيا أعشى أعمى غافلاً؛ لكن يوم القيامة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران:30] يتبيَّن كل شيء. نسأل الله تعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة والعاقبة، وأن يحشرنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 135 ¦ الصفحة: 7 حكم وسائل الدعوة السؤال فضيلة الشيخ! ما هو القول الصحيح في وسائل الدعوة هل هي توقيفية أو اجتهادية؟ الجواب نعم، القول الصحيح في مسائل الدعوة أنها توقيفية، لا يُدعى إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لكن إذا احتيج إلى التأليف والتقريب فلا بأس أن يستعمل الإنسان ما يكون به تأليف القلوب وتقريبها، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بالقرآن والسنة، ومع ذلك يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لأجل أن يقربهم. فإذا قدر أن هناك شيئاً مباحاً يُستعمل للتقريب والتأليف فلا بأس به؛ لكن بشرط أن تكون الركيزة الأولى هي: الكتاب والسنة وطريق السلف الصالح. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 8 تسويق المنتجات التابعة للرافضة السؤال ما حكم تسويق بعض المنتجات لبعض الشركات التي أصحابها من الرافضة، مع أنه موجود في السوق بعض المنتجات البديلة عنها. كالمياه ونحوها؟ وجزاك الله خيراً. الجواب الذي نرى أنه إذا أمكن أن يكون التسويق من أهل السنة البعيدين عن البدع، فلا شك أنه خير وأحسن كما أنه أيضاً إذا وُجِدَت مثلاً سلعة من صنع الكفار وسلعة من صنع المسلمين، فإن الأولى أن يأخذ الإنسان بصنع المسلمين بلا شك، لكن قد تتميز الصنعة الأخرى بجودة وأناقة وما أشبه ذلك، فلا حرج على الإنسان أن يأخذ منها، ولهذا مثلاً يوجد الآن سخانات بمصنع سعودي ويوجد أيضاً مكيفات بمصنع سعودي وغيرها، هذه نقول: الأولى أن تكون هي التي تسوَّق وهي التي تُشْتَرى قبل كل شيء؛ إلا إذا تميز غيرها عنها بميزة، فالإنسان يريد ما فيه مصلحته. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 9 حكم تحويل دورة المياه إلى مصلى السؤال السلام عليكم. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله. السائل: فضيلة الشيخ، هل يجوز. الشيخ: السلام هنا غير مشروع؛ لأنك حاضر من أول الدرس. السائل: فضيلة الشيخ، هل يجوز تحويل دورات المياه -أعزكم الله- إلى مصلى. الشيخ: يعني: يصلي في حمام؟ السائل: لا، وإنما بعد تغييرها، يعني: هدّها وردمها وتغييرها. الشيخ: أنا سأسألك: لماذا لا تجوز الصلاة في المراحيض؟ السائل: لأنه مكان نجس. الشيخ: لأنه نجس، وإذا أزيل وطُهِّر، فتجوز الصلاة؟ السائل: تجوز. الشيخ: الآن الأرض إذا كانت نجسة وطهرتها بالماء، ألا تجوز الصلاة عليها؟ فالأعرابي الذي جاء وبال في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يُصَبَّ على بوله ماء، ثم طَهُر ويُصَلَّى فيه، كما أن القبور لو نُبِشَت وجُعِل مكانها مسجداً جازت الصلاة فيها، ألم تعلم أن المسجد النبوي كان فيه قبور للمشركين، ثم نُبِشَت وجعل مسجداً نبوياً، الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام؟! أفهمتَ؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً: الحكم يدور مع علته، الآن يوجد تطهير المياه بمواد كيماوية، كتطهير المياه النجسة، والمجاري، هذه إذا ألقي عليها المواد الكيماوية وطهُرت صارت طاهرة، ليس فيها شيء، وخذها عندك قاعدة شرعية: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) . الجزء: 135 ¦ الصفحة: 10 حكم لبس البنطال للمرأة السؤال فضيلة الشيخ! لقد كثر لبس الناس للبنطال وخاصة في الأسواق، فما حكم لبسه للمرأة سواء في بيتها عند زوجها، أو عند النساء، أو في الأسواق؟ وهل فيه مشابهة للرجال؟ وفقكم الله. الجواب والله هذه المسألة أصبحت مشكلة، أنا أرى أنها تُمْنَع من لبس البنطلون مطلقاً حتى عند زوجها، لما فيه من التشبه، ولِمَا يُخْشَى منه من المحظور في المستقبل؛ لأنه ربما في يوم من الأيام تَلْبَس النساء البناطيل الضيقة ثم تنتقل من بناطيل ضيقة إلى بناطيل ملونة بلون الجسم، فإذا كانت ضيقة ولونها لون الجسم أصبحت المرأة كأنها عارية، والحمد لله الآن المجلات والصحف تبين أن هذا حرام؛ لكن مع الأسف، يوجد فتوى نقلتها الجزيرة عن الشيخ عبد العزيز بن باز أنه حرام، وفتوى عن الشيخ ابن جبرين أنه حرام، وفتوى عن اللجنة الدائمة أنه حرام، وفتوى مني أيضاً أنه حرام، وأنا لا أدري أين يذهب الناس الآن، إذا كان هؤلاء علماؤهم يقولون بالتحريم وهم يصرون إلا أن يفعلوا، من يقود الأمة؟! إذا لم يقد الأمةَ علماؤها فمن الذي يقودها؟! الجهال؟! أو الأهواء؟! أو هؤلاء الذين يريدونها علينا ليفسدوا علينا أخلاقنا، كما أفسدوا على كثير من الأمم؟! أنا لا أدري. الواجب على طلبة العلم أن يشنوا حملة على مثل هذه الألبسة، وأن يبينوا للناس أن المرأة ليست صورة بلاستيك يُنْظَر إليها فقط وليست هي أحسن دمية يُنْظر إليها! المرأة كالرجل إلا أنها تخالفه في مسألة التجمل لزوجها، وما أشبه ذلك مما جعله الله تعالى وسيلة إلى أن يتصل زوجها بها، حتى يكثر النسل وتكثر الأمة، فالآن أعطيتك أربعة، كلهم يقولون: إنه حرام. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 11 الأحكام الوضعية ونقد لمصطلح التكاليف الشرعية السؤال أرجو توضيح الأحكام الشرعية الوضعية للضابط والتكليف؟ الجواب على كل حال: الواجب، والسنة، والمباح، والمكروه، والحرام، هذه تسمى عندهم: أحكام تكليفية. والسبب، والشرط، والمانع، والركن، والواجب، والفاسد، والصحيح، والباطل، هذه تسمى عندهم: أحكام وضعية. ثم إن كلمة أحكام تكليفية هذه منتقدة أيضاً، فليس في الكتاب والسنة كلمة تكليف إلا منفياً لا مثبتاً، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ولهذا ينبغي أن نقول بدل تكليفية: أحكام أُمِر بها أو نُهِي عنها، حتى نوافق الكتاب والسنة، أما تكليفية إذ سمعتَ تكليفية فمعناها: أن الإنسان يكلف، ليس هو مكلفاً والحمد لله، الإنسان يعطى على قدر طاقته، ولهذا لما أنزل الله تعالى قوله: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:284] جاء الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام وجثوا على ركبهم، وقالوا: (يا رسول الله! ما لنا طاقة بهذا، أن يحاسبنا الله على ما في أنفسنا سواء أبديناه أو أخفيناه ما نطيق هذا، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: لا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا وعصينا، قولوا: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) [البقرة:285] فقالوا: سمعنا وأطعنا، لما انقادوا واستسلموا أنزل الله الآية التي بعدها ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [البقرة:286] قال الله: نعم، ((رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)) [البقرة:286] قال الله: نعم، ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) [البقرة:286] قال الله: نعم) . فانظر إلى أن الله عز وجل لا يكلف أحداً إلا ما يطيق، فما يطيق فهو مكلف به، بمعنى أنه مأمور به أو منهي عنه. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 12 حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا السؤال فضيلة الشيخ! إذا علم الوارث أن مورثه يأكل الربا هل يجوز له أخذ نصيبه من الميراث؟ الجواب يعني: إذا علمنا أن الميت كان يتعامل بالربا فهل يجوز لورثته أن يأخذوا نصيبهم من التركة؟ نقول: نعم يجوز، والإثم على نفس الميت؛ إلا إذا كان الربا لم يقبض حتى الآن فهنا نقول للورثة: اقبضوا الربا ممن هو عليه، ولكن لا تأكلوه، وتصدقوا به، أو اجعلوه في المساجد، أو في الطرق، أو في أعمال خير، أما ما قُبِص فالقابض هو الميت والإثم عليه، وما لم يُقْبَض لا يحل للورثة أن يقبضوه لأنفسهم بل يقبضوه لأجل أن يصرفوه في أعمال الخير، قد يقول قائل: لماذا يقبضونه -مثلاً- وهو ربا؟ نقول: لأن هذا المرابي الذي دفع الربا قد أقدم عليه ورضي به وعامل به فلا نجمع له بين أن ينتفع بالمال هذه المدة وينتفع أيضاً بالربا، نقول: هاته، فنأخذه ونعطيه، ونجعله في المصالح العامة. وإن رأوا أن من المصلحة ترك الربا كما لو كان فقيراً فلا يأخذونه أصلاً. أفهمتَ الآن؟ الجزء: 135 ¦ الصفحة: 13 حكم الإبراء من العيب السؤال فضيلة الشيخ: بعض الباعة أو البائعين للأجهزة الكهربائية بالذات يبيع للمشتري الجهاز، وإذا وُجِد فيه خلل بعد أخذه إلى المنزل ولو كان رئيسياً، بل حتى ولو كان معطلاً لا يعمل، فإنه يرفض أن يعيده أو يستبدله، ويحيل على شركة صيانة مرتبط بها هو لصيانته، فهل يحق له ذلك؟ بارك الله فيك. الجواب نعم، هذه مسألة ترجع إلى الإبراء من العيب، والإبراء من العيب جائز، يعني: إذا قال البائع للمشتري: أنا لا أعرف عن السلعة، وأنا بريء من كل عيب فيها، فقال المشتري: نعم، لزمه الشرط، فإذا وجد فيها أي عيب فإنه لا يستحق الرد، ولا يمكن ردها على البائع، وللبائع أن يمتنع وليس في ذمته شيء. وأما إذا كان البائع يعلم العيب في السلعة لكن أراد أن يخدع المشتري وقال له: أنا لا أبيع عليك إلا هذا الهيكل، ولست ملزماً به، فهذا حرام ولا يجوز، هذا هو القول الراجح في هذه المسألة. وبعض العلماء يقول: إن أبرأه بعد العقد برئ حتى لو كان البائع عالماً وإن أبرأه قبل العقد، فإنه لا يبرأ سواء كان البائع جاهلاً أو عالماً. والصواب الذي ورد عن الصحابة رضي الله عنهم -كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية - هو: الأول، وهو أنه إذا كان البائع عالماً بالعيب لكن خدع المشتري وكتمه وجعل الأمر ملتبساً عليه فإن المشتري إذا وجد عيباً له الرد، وأما إذا كان لا يعلم فلا بأس أن يبرئه منه. والظاهر: أن الآلات هذه أنها لا تُعْلَم، تَرِد للباعة ويبيعونها هكذا؛ لكن ينبغي للمشتري أن يكون حذراً حازماً فيقول للبائع: جربها الآن أمامي حتى لا يبقى إشكال في المسألة. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 14 حكم قول: قال الله على لسان نبيه كذا ونحوه وقول الشاعر: لعمري السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز قول: قال الله على لسان نبيه نوح أو حكاية؟ وهل يجوز قول الشعراء: لَعَمْرِي؟ الجواب نعم، أما قول القائل: قال الله تعالى على لسان نوح فلا بأس به، أو على لسان موسى فلا بأس به؛ لأن المعنى أنه نقل ما قاله موسى أو ما قاله نوح، ولا بأس به، والله عز وجل ينقل عن الرسل وعن غير الرسل، نقل عن الرسل، وعن فرعون، وعن المكذبين للرسل. وأما قول: لَعَمْرِي فكذلك أيضاً لا بأس بها، وهي واردة عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة أيضاً، وليس هذا قسماً لكنها بمعنى القسم، القسم أن يأتي بالواو فيقول وعَمْرِي، أو وحياتي، أو ما أشبه ذلك، أما لَعَمْرِي فلا بأس به. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 15 حكم من كان مرحاض بيته باتجاه القبلة السؤال فضيلة الشيخ! استأجرتُ منزلاً واتجاه المرحاض إلى القبلة، فماذا أصنع؟ الجواب أليس بينك وبينه جدار؟ السائل: بلى. الشيخ: ليس فيه شيء، خذوا هذه القاعدة يا إخوان! (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ، كل الأرض مسجد إلا ما جاء الحديث بالنهي عنه؛ لكنه لما قالوا: إنه يُكره أن يكون أمامه مرحاض أو بيت قضاء الحاجة أو ما أشبه ذلك، كراهةً وليس حراماً. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 16 ضرورة التزام الأحكام الشرعية بعد البلوغ السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض الناس إذا حدثته عن سلوك الطريق المستقيم قال لك: إن الدين في القلب وليس في الأشكال ويقول: بأن الرجل لا يلتزم أو يسلك الطريق المستقيم إلا بعد بلوغ الأربعين ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلا بعد الأربعين! الشيخ: لا إله إلا الله! السائل: فما قولكم يا شيخ؟! الجواب قولنا: نوافقه في قوله: إن التقوى في القلب، والإيمان في القلب؛ لكننا نقول له: إن الذي قال: (التقوى هاهنا) وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، هو الذي قال: (إنها إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) ، ففساد الظاهر عنوان على فساد الباطن، ثم إن كان هذا الفساد مخرجاً عن الإسلام كان الباطن خارجاً عن الإسلام، وإن لم يكن مخرجاً ففي القلب مرض لكنه لا يبلغ حد الكفر. فنحن نجيبه بما استدل به، نقول: أنت قلت: التقوى هاهنا ونحن نقول: الذي قال: (التقوى هاهنا) هو الذي قال: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) . ففساد الظاهر دليل على أن الباطن فيه بلاء، أفهمتَ؟ الفقرة الثانية ماذا يقول؟ السائل: إنه لا يسلك الطريق المستقيم إلا بعد بلوغه الأربعين. الشيخ: وأما هذا فنقول: هذا خطأ عظيم، نعم تمام الأربعين فيه كمال قوة العقل والبدن، وأما التكليف فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) فالحد هو البلوغ، فمتى ما بلغ الإنسان وكان عاقلاً أُلْزِم ما يُلْزِم به من له أربعون سنة ومن له خمسون سنة ومن له دون ذلك؛ لكن يستحسن في مثل هذا يُرْفَع إلى ولاة الأمور حتى يستتيبوه فإن تاب، وإلا عاملوه بما يقتضيه هذا الكلام، فهذا الكلام خطير جداً. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 17 كيفية الجمع بين حديثي: (لا عدوى ولا طيرة) و (فر من المجذوم) السؤال فضيلة الشيخ! كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟ الجواب إي نعم، أولاً: يجب بارك الله فيكم! أن تأخذوا قاعدة مهمة وهي: (أنه لا يمكن التناقض في القرآن أبداً) وإذا مر بك آيتان تظن أنهما متناقضتان فاعلم أن ذلك إما لقصور فهمك، أو لقصور علمك، فتوقَّف ولا تحكم بالتناقض حتى تسأل العلماء، هذا بالنسبة للتناقض. وكذلك أيضاً صحيح السنة لا يمكن أن يتناقض حديثان عن الرسول عليه الصلاة والسلام أبداً، فإذا مر بك ما تظن أنه متناقض فإنما ذلك لقصور فهمك وقصور علمك وعليك أن تتريث حتى تسأل من هو أعلم منك. وبين القرآن والسنة الصحيحة أيضاً لا يمكن التناقض؛ لأنه كله حق، والحق لا يتناقض. هذه القواعد الثلاث اعرفوها تماماً. فنقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) يدل بظاهره على أن المجذوم قد يعدي، وهو كذلك، فالجذام مرض معدٍ، وهناك أمراض كثيرة معروفة بأنها تعدي، فصاحب المرض المعدي لا تجالسه، اتركه، ولهذا قال العلماء: يجب على ولي الأمر أن يحصر الجذماء -الذين أصيبوا بالجذام- في مكان خاص لا يتصل الناس بهم ولا يتصلون بالناس، خوفاً من العدوى. لكن قول الرسول: (لا عدوى ولا طيرة) هذا نفي لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية من أن العدوى لابد أن تكون، وأنها فاعلة على كل حال، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (لا عدوى ولا طيرة) أورد عليه أعرابيٌّ إشكالاً فقال: (يا رسول الله! الإبل تكون في الرمل كالظباء -يعني: ليس فيها أي شيء- فيخالطها الأجرب فتجرب -وهذه ماذا؟ هذه عدوى- فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: مَن أعدى الأول؟) معناها مَن الذي جعل الجرب في الأول بدون أن يخالط الجرباء؟ إنه الله، فالذي نقل العدوى من هذا المريض إلى الصحيح هو الله عز وجل وليس هي العدوى نفسها. فالنفي: لتأثير العدوى بنفسها. والإثبات: لإثبات أن العدوى من الله عز وجل. ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد مُمْرِض على مُصِحٍّ) وهذه أعم، يعني: أن من له إبل مريضة أو غنم مريضة فلا يوردها على الصحيحة؛ لأن ذلك من أسباب انتقال المرض إلى الصحيح، فهمتَ الآن؟ النفي معناه: يعني: العدوى لا تؤثر بنفسها كما يعتقده أهل الجاهلية. والأمر بالفرار من المجذوم وكذلك كل مريض مرضه معدٍ من باب توقي الأسباب الضارة. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 18 حكم قول: احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم السؤال فضيلة الشيخ! هنالك قول شائع وهو دعاء يرد في الكتب، كتب مَن يسمَّون بالأدباء، وفي المجلات والصحف يقول: (اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم) فهل يجوز مثل هذا القول؟ الجواب هذا قول لا يجوز، لو قال: (اللهم احمني من كل من أراد بي سوءاً) صَحَّ، أما احمني من أصدقائي وأنا أتكفل بأعدائي فهذا معناه أنه معجب بنفسه، وأنه قادر على دفع الأعداء، ثم إن صورة الدعاء هذه صورة مخالفة للواقع، مَن الذي يُخاف منهم حقيقةً: الأصدقاء والأعداء؟ الأعداء لا شك، فلذلك نرى أن هذا الدعاء لا يصح ولا يستقيم. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 19 حكم شراء الدجاج المستورد السؤال بالنسبة للدجاج المستورد كثر الكلام عنه، فإذا اضطر الإنسان إلى الشراء من المطاعم، هل يجوز له أن يسأل أو يشتري دون سؤال؟ الجواب والله! الأفضل أن يأكل بدون سؤال. ودليل ذلك أنه ثبت في صحيح البخاري رحمه الله أن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنه قوماً يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا! فقال: سَمُّوا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) يعني: إسلامهم قريب، قد يجهلون كثيراً من أحكام الإسلام ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (سَمُّوا أنتم وكلوا) ولم يأمر بالسؤال، بل ظاهر الحديث أن المشروع ألا نسألهم، ولو أننا أتعبنا أنفسنا في مثل ذلك لقلنا: حتى اللحم الذي عندنا الآن المذبوح يحتاج إلى نظر، مَن الذي ذبحه؟ قد يكون مِمَّن لا يصلي، قد يكون مِمَّن عنده بدعة مكفرة لا يحل ذبحه، فلهذا إذا وُضِع بين يديك لحم في بلد إسلامي فالأصل أنه مذبوح على طريقة الإسلام؛ كُلْ؛ لكن سمِّ الله كما قال الرسول: (سَمُّوا أنتم وكلوا) . الجزء: 135 ¦ الصفحة: 20 كيفية توبة المستهزئ السؤال فضيلة الشيخ! هناك من يستهزئ بهذا الدين، فكيف أكسب قلبه للدخول في هذا الدين؟ الجواب يعني: كيف يتوب؟ يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، الكفر مهما عظم فإنه إذا تاب الإنسان منه تاب الله عليه؛ لقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] أيُّ ذنب يعمله الإنسان ثم يتوب إلى الله توبة نصوحاً فإن الله يمحوه، بل قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} إلى قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] . فنقول لهذا: تُبْ إلى الله عز وجل، واعمل عملاً صالحاً، وأيقن وآمن حتى يُمْحَى عنك كل ما عملتَ، وهو سهل إذا يسره الله للعبد، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للتوبة النصوح، نعم. السائل: يقول: كيف أكسب قلبه، حتى أؤثر عليه؟ الشيخ: لا، الذي فهمته أنه يقول: هو كيف يتوب. أنت تريد أن هذا الذي استهتر بالدين كيف يتوب أو تريد إذا أراد أحد أن يدعوه؟ السائل: يدعوه. الشيخ: سهلة، أنت ليس عليك إلا البلاغ، ادعُه للإسلام وقل: هذا حرام عليك، وهذا كفر، والاستهزاء بالدين كفر، والاستهتار بالدين كفر أيضاً، ثم ادعه للإسلام، إن اهتدى فهو لك وله، وإن لم يهتدِ فهو لك وعليه. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 21 ما يقال في سجود السهو والتلاوة السؤال فضيلة الشيخ! ماذا يقال في سجود السهو وسجود التلاوة؟ الجواب يقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، فيقال -مثلاً- (سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات) (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) . وفي سجود التلاوة: (اللهم لك سجدت وبك آمنت وعليك توكلت، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين) (اللهم اكتب لي بها أجراً وحط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوُد) . الجزء: 135 ¦ الصفحة: 22 بيان كفارة اليمين السؤال فضيلة الشيخ! عليَّ كفارة يمين هل أعطيها أربعة أشخاص؟ الجواب هل لليمين كفارة توزع على الفقراء؟! أسألك! السائل: إطعام عشرة مساكين. الشيخ: إطعام عشرة مساكين بارك الله فيك، هل الأربعة يكونون عشرة؟! السائل: لا، يا شيخ! الشيخ: إذاً: أطعم عشرة مساكين. السائل: بمعنى لابد من إطعامهم يا شيخ؟! الشيخ: لابد من إطعام عشرة، وأنا أحببت أن يكون الجواب على صفة السؤال لك حتى يرسخ في ذهنك، إذا قيد الله الشيء بقيد لابد أن نتبع هذا القيد، فمثلاً يقول: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:89] ولم يقل: طعام عشرة مساكين، لو قال: طعام عشرة مساكين، كان يكفي أن أتصدق بما يكفي للعشرة، لكن قال: {إِطْعَامُ} ، يعني: أن تطعم عشرة مساكين، كما قال في الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:4] معناه: لابد أن أطعم ستين مسكيناً بالعدد، أفهمتَ؟ السائل: يعني: ما يكفي بالمقدار؟ الشيخ: لا، لا، لا، ليس بالمقدار، لو كان الله أراد المقدار لقال: فكفارته طعام عشرة مساكين، قال: {إِطْعَامُ} فهمتَ؟ لكن كيف تطعمهم؟ هل تعطيهم شيئاً يابساً وهم يطبخونه، وإلاَّ تطبخ وتدعوهم؟ نقول: الأمر واسع، إن شئت فاطبخ غداء أو عشاء لهم وادعهم إليه، وإن شئت فأعطهم إياه يطبخونه هم، وإذا أردت أن تعطيهم إياه ليطبخوه فمقداره حوالي كيلو من الأرز لكل مسكين، ويحسُن أن تجعل معه لحماً ليكون إداماً له. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 23 مدى صحة حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) السؤال فضيلة الشيخ! ما حال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) ؟ الجواب لا، ليس بصحيح؛ لكن قضاء الحوائج بلا شك أنه يختلف، أحياناً يكون الأفضل للإنسان أن يعلن الحاجة ليقتدي به الناس، وأحياناً يكون الأفضل أن يخفيها، لا سيما في مثل زماننا هذا الذي كثر فيه الحساد، وكثر فيه من يعتدون على الناس، ربما لو أبديتَ حاجتك للناس نكَّدوها عليك. فعلى كل حال الإنسان ينظر للمصلحة، إن شاء أخفى، وإن شاء بيَّن، حسب ما تقتضيه المصلحة. والحمد لله رب العالمين. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 135 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [136] في ظلال تفسير آيات من سورة (ق) كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ حيث تناول صفات أهل جهنم المذكورة في الآيات وحالهم عند دخولها والاختصام الذي يحصل بين القرين وذلك الكافر، ثم فصل الحكم بينهما يوم القيامة. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء السادس والثلاثون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثامن والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1417هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام على تفسير كلام الله عز وجل، الذي هو أشرف الكلام وأفضله وأنفعه للقلوب، فإن الله سبحانه وتعالى نزَّل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليبين للناس ما نزل إليهم، وقد بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً كافياً، لكنه قد يخفى على بعض الناس إما لقصور علمه، أو لضعف فهمه، أو لغير ذلك من الأسباب المعروفة. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد) يقول الله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:23] : قرين الإنسان هو: الملَك الموكَّل به ليحفظ عنه أعماله؛ لأن الله تعالى وكل بأعمال بني آدم عناية بهم، وكل بهم ملائكة، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:17] ، وهذا من عناية الله بك أيها الإنسان! أنْ وكَّل بك هؤلاء الملائكة يعلمون ما تفعل ويكتبونه، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه. يقول: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي: حاضر، ويحضر للإنسان. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) فيقال: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24] : قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} قد يُشكل على طالب العلم؛ لأنه قال: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} القرين مفرد وهنا {أَلْقِيَا} فيها ألف التثنية، فكيف صح أن يخاطَب الواحد بخطاب الاثنين؟! اختلف المفسرون في الجواب عن هذا: فقال بعضهم: {أَلْقِيَا} ثنيت الجملة أو اتصل بها ضمير التثنية بناءً على تكرار الفعل فيكون قوله: ((أَلْقِيَا)) مثل قوله: ألقِ ألقِ، فالتكرار إذاً للفعل لا للفاعل، هذا قول. القول الثاني: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} إما أن يكون مفرداً مضافاً، والمعروف أن المفرد المضاف يكون للعموم، فيشمل كل ما ثبت من قرين، وعلى هذا فيكون {وَقَالَ قَرِينُهُ} أي: الملَكان الموكَّلان به. فإذا قال قائل: أروني دليلاً أو شاهداً على أن المفرد يكون لأكثر من واحد. قلنا: مرحباً، يقول الله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] وهل نعمة الله واحدة؟! لا؛ لأن الله تعالى قال: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20] ؛ لكن نعمة الله مفرد مضاف فيكون شاملاً لكل نعمة. ويمكن أن يقول قائل: إن قوله: {وَقَالَ قَرِينُهُ} هو: واحد من الملكَين، ولا شك أنه يجوز أن يتكلم واحد من الاثنين باسم الاثنين. وعلى كل حال فيكون قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} على بابه، أي: أن الضمير هنا ضمير تثنية الفاعل. {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [ق:24-26] ستة أوصاف: {كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} : و (كَفَّار) أما أن يقال: إنها صيغة مبالغة؛ لأن هذا الكافر قد فعل أنواعاً من الكفر، فإذا جمعت الأنواع صارت كثيرة. وقد يقال: إن هذه الصيغة ليست صيغة مبالغة وإنما هي صيغة نسبة، كما يقال: نجار وحداد وما أشبه ذلك ممن يُنسب إلى هذه الحرفة، فيكون المعنى كَفَّار أي: كافر؛ لكن قد تمكن الكفر في قلبه والعياذ بالله. {عَنِيدٍ} أي: معاند للحق، لا يقبل مهما عُرِض له الحق بصورة شيقة بينة واضحة لا يقبل. الوصف الثالث: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} يمنع الخير، فيمنع الدعوة إلى الله، ويمنع بذل أمواله فيما يرضي الله، ويمنع كل خير؛ لأن قوله: {لِلْخَيْرِ} لفظ عام يشمل كل خير، وقوله: {مَنَّاعٍ} كأنه يلتمس كل خير فيمنعه، فتكون هذه الصيغة صيغة مبالغة. {مُعْتَدٍ} أي: يعتدي على غيره، يعني: ليته يمنع غيره من الخير، بل يعتدي عليه، انظروا -مثلاً- إلى كفار قريش، ماذا صنعوا مع الرسول؟! منعوه من الخير واعتدوا عليه. {مُرِيبٍ} أي: واقع في الريبة والشك والقلق، وكذلك أيضاً يشكك غيره فيدخل في قلبه الريبة، فكلمة مريب تقتضي وصف الإنسان بها وحمل هذا الوصف إلى غيره. الوصف السادس: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وما أوسع هذه الكلمة! وإذا كانت هذه الكلمة وصفاً للكَفَّار العنيد، فالمعنى: أنه يعبد مع الله غيره، وكلنا يعلم أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره، فيعبدون اللات والعزى ومناة وهُبل، وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله، يركعون لها، ويسجدون لها، ويحبونها كما يحبون الله، ويخافون منها كما يخافون من الله، نسأل الله العافية. هذا إذا جعلنا {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} وصفاً لهذا الكافر العنيد، أما إذا جعلناها أشمل من ذلك فإنها تعم كل إنسان تعبَّد لغير الله، وتذلَّل لغير الله، حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها، حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها، والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) عبد الدينار هذا: تاجر الذهب، عبد الدرهم: تاجر الفضة، تعس عبد الخميصة: تاجر الثياب؛ لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش، تعس عبد الخميلة: تاجر الفرش، أو ليس بتاجر؟ لا يتجر بهذه الأشياء؛ ولكنه مشغول بها عن طاعة الله، {إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط) فسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عن طاعة الله سماه عبداً لها. أيضاً في القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسع من هذا أيضاً قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان:43] فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هدى ربه فهو قد اتخذه إلهاً، ولهذا يمكننا أن نقول: إن جميع المعاصي داخلة في الشرك بهذا المعنى، حيث أنه قدمها على مرضاة الله تعالى وطاعته فجعل هذا شريكاً لله عز وجل في تعبده له، واتباعه إياه. فالشرك أمره عظيم وخطره جسيم حتى الرجل إذا تصدق بدرهم وهو يلاحظ لعل الناس يرونه ليمدحوه ويقولون: إنه رجل كريم، يعتبر مشركاً مرائياً، والرياء شرك، أخوف ما خاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته الشرك الخفي، وهو: الرياء. فعلى هذا نقول: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [ق:26] : إن أردت أنها وصفاً خاصاً بالكَفَّار العنيد فإنها تختص بمن يعبد الصنم والوثن، وإن أردتها بالعموم فهي تشمل كل من اشتغل بغير الله عن طاعة الله، وعرفتم الأمثلة والأدلة على ما ذكرنا. قال الله تعالى: {فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:26] وهو عذاب النار، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منها بمنه وكرمه. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد) قال تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] :- هو يدَّعي أن قرينه هو الذي أطغاه، وهو الذي صده عن سبيل الله، فيقول قرينه: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} ما أمرته أن يكفر ولا أن يكون عنيداً، ولا أن يكون معتدياً، ولا أن يكون مريباً، ولا أن يكون مشركاً مع الله أحداً، ما فعلتُ هذا. {وَلَكِنْ كَانَ} أي: هذا الكافر، {فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} عن الحق، حينئذ لدينا خصمان: - الكافر العنيد. - والقرين. الكافر العنيد يدعي أن القرين هو الذي أغواه وأطغاه، والقرين ينكر ذلك. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد) قال الله عز وجل: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق:28] الخصومة منقطعة؛ لأن الحجة قائمة ولا عذر لأحد. {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] :- أي: أوعدتكم على المخالفة فلا حجة لكم. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] :- يعني لا أحد يستطيع أن يبدل قولي؛ لأن الحكم لله عز وجل وحده، فإذا كان الله تعالى قد وعد أو أوعد فهو صادق في وعده سبحانه وتعالى، وأما الإيعاد فقد يغفر ما شاء من الذنوب إلا الشرك. {وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} يعني: لستُ أظلم أحداً، وكلمة (ظلاَّم) لا تظن أنها صيغة مبالغة وأن المعنى أني لست كثير الظلم، بل هي من باب النسبة أي: لست بذي ظلم، والدليل على أنه يتعين أن يكون هذا المعنى قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] . ويقول عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً} [طه:112] . ويقول عز وجل: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] . والآيات كثيرة في أن الله لا يظلم، بل إننا إذا تأملنا وجدنا أن فضل الله وإحسانه أكثر من عدله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] ، جزاء حسنة عشرة أمثالها، لو أردنا نأخذ بالعدل لكانت سيئة بالسيئة والحسنة بالحسنة، لكن فضل الله زائد على عدله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يجزي بالفضل والإحسان لمن كان محسناً، وبالعدل بدون زيادة لمن كان مسيئاً {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} . ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذه السورة. نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يجعل علمنا دالاً لنا على مرضاته، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 136 ¦ الصفحة: 8 حكم المسابقات والجوائز التي تعدها بعض المحطات البترولية السؤال فضيلة الشيخ! بعض المحطات البترولية تضع كروتاً من فئة عشرة وعشرين على قدر البنزين الذي يعبي به الشخص، فلما تصل مثلاً إلى مائة وخمسين لتراً أو ألف وخمسمائة أو مائتين وخمسين تجمع هذه الكروت ثم يأتي صاحب الكرت لتغسيل سيارته مجاناً أو تغيير زيته مجاناً، فما رأيك في هذا؟ الجواب رأينا أننا نعطيكم -بارك الله فيكم- قاعدة: كل شيء فيه إما أن الإنسان يسلم وإن خسر أو يغنم فهذا لا بأس به؛ لأنه إما خير يأتيه والخير مطلوب، وأما الغرم ما عليه هو، فمثلاً: إذا قال صاحب المحطة: من عبأ كذا وكذا لتراً، فأنا أغسل له السيارة مجاناً وهو يبيع البنزين كسائر الناس ولا يزيد، فإذا عبأ الإنسان منه هذا القدر فإنه لم يخسر شيئاً، لكنه ربح لأن سيارته تنظَّف وتغسل، إذاً فهذا العقد صحيح. لكن بعض الناس يقول: إن هذا فيه قطع رزق للمحطات الأخرى التي لم تضع هذه الجائزة. فنقول: المحطات الأخرى ما تُمْنَع، إذا كان هذا يغسل بعد مائتي لتر يقول الثاني: أنا أغسل بعد مائة وتسعين لتراً، وحينئذ لا يضره، نعم لو فُرِض أن الناس في هذه الحال تسابقوا إلى هذه الجائزة وضر بعضهم بعضاً فحينئذ لولي الأمر أن يتدخل في الموضوع ويمنع، أما إذا صار الأمر عادياً فلا بأس به. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 9 حكم أخذ زوجة الكفيل نقوداً من خادمة مسلمة دون حق السائل: يا فضيلة الشيخ! خادمة مسلمة بقي من انتهاء مدتها شهر، فأراد كفيلها إرسالها فأعطاها راتب الشهر الذي لم تشتغله، فأخذت زوجة الكفيل منها مائة ريال؛ لأنها في نظر الزوجة لا تستحقها بسبب عنادها ومكابرتها وعدم طاعة أوامر الزوجة في بعض الأحيان فخافت الزوجة من الإثم بعد ذهاب الخادمة! أفيدونا جزاكم الله خيراً. الشيخ: يعني: الخادمة سافرت! السائل: إي نعم. الشيخ: أقول: إن عمل الزوجة وأخذها من الدراهم التي أعطى زوجها للخادمة خطأ عظيم، فعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، وإذا كانت تعرف عنوان الخادمة فلترسل إليها ما أخذته، يجب وجوباً، وإذا كانت لا تعرف فلتتصدق به، تنويه عن الخادمة إذا كانت مسلمة، وإن كانت كافرة تتصدق به تخلصاً منه. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 10 حكم القصر والجمع للصلاة عند القدوم إلى الأهل يومي الخميس والجمعة السائل: فضيلة الشيخ! هل الأفضل لي إذا قدِمْتُ للأهل الخميس والجمعة أن أقصر أو أتم؟ وهل الجمع جائز؟ الشيخ: لأهلك؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا قدم الإنسان إلى أهله الخميس والجمعة فإنه انتهى سفره، فعليه أن يتم الصلاة، ولا يحل له أن يجمع. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 11 حكم تأخر المأموم عن إمامه بركن أو واجب السائل: فضيلة الشيخ! ما حكم المأموم إذا تأخر عن إمامه بركن؟ يعني: مثلاً الإمام سجد وعندما قام الإمام سجد المأموم! الشيخ: العلماء -بارك الله فيك- يقولون: إن تعمد التأخر حتى سجد الإمام وقام بطلت صلاته؛ لأنه إمامه سبقه بركن تام، وإن كان لم يتعمد مثل: أن يكون غفل، أو ما سمع الصوت؛ صوت الإمام، فإنه يأتي بالركن الذي فاته، ويتابع الإمام. وعلى هذا فإذا قام الإمام من السجود إلى القيام وهو غافل نقول: اسجد وتابع الإمام. السائل: وما حكم إذا ترك واجباً من الواجبات، مثل: التسبيح، سبحان ربي الأعلى! الشيخ: مثلاً لو سجد متابعاً مع الإمام؛ لكن نسي أن يقول: سبحان ربي الأعلى في السجود نقول بارك الله فيك: في هذه الحال يجب عليك سجود السهو، إلا إذا كنتَ داخلاً مع الإمام من أول الصلاة فإن الإمام يتحمل عنك السجود ولا تسجد. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 12 الأسباب المعينة على حفظ القرآن السؤال فضيلة الشيخ! ما هي الأسباب المعينة على حفظ القرآن؟ الجواب أهم شيء -بارك الله فيكم- بالنسبة لحفظ القرآن أو غيره من المتون: أن يحفظها الإنسان وهو صغير؛ لأن الحفظ في الصغر أسرع وأثبت. ثم شيء آخر: أن يتفرغ لما يريد حفظه، بمعنى لا يشتغل بغيره. ثالثاً: أن يتعهد ما حفظ؛ لأن بعض الناس يحفظ ولكنه لا يتعاهد ما مضى ثم ينساه، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعاهد القرآن وقال: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده! لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . هذه ثلاثة أشياء هي من أهم الأمور المعينة على حفظ القرآن. واعلم أن الناس يختلفون في سرعة الحفظ وسرعة النسيان اختلافاً عظيماً، وخيرهم سريع الحفظ بطيء النسيان. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 13 حال من كان مسافراً فصلى المغرب جماعة ثم أراد أن يصلي العشاء السائل: فضيلة الشيخ! جماعة سافروا فوجبت عليهم صلاة المغرب، فتوقفوا لأداء صلاة المغرب في مسجد، فصلوا مع جماعة المسجد صلاة المغرب فبعد أن قضوا صلاة المغرب ذهبوا إلى مؤخرة المسجد فوجدوا أناساً يصلون صلاة المغرب، فتفرق هؤلاء الجماعة إلى ثلاث جماعات: جماعتان دخلتا مع الإمام، وأناس صلوا العشاء ركعتين، فالذين دخلوا. الشيخ: والثالثة؟ أنت قلت: ثلاث. السائل: إي نعم، ثلاث. الشيخ: ثلاث فئات، الفئة الأولى. السائل: الفئة الأولى: خرجوا وصلوا ركعتين على العشاء، والفئتين الثانية والثالثة دخلوا مع الإمام، فبعضهم أكمل أربع ركعات، وبعضهم حينما جلس الإمام للتشهد الأول بعد الركعتين جلس، فانتظر الإمام حتى سلم فسلم معه، فهل عمل هؤلاء صحيح؟ الشيخ: هؤلاء كلهم على صواب. أما الذين انفردوا وصلوا العشاء وحدهم فهم على صواب لأن بعض أهل العلم يقول: لا يمكن أن يصلي إنسان العشاء خلف من يصلي المغرب، وأنه لو صلى العشاء خلف من يصلي المغرب بطلت صلاته، هؤلاء صحت صلاتهم. الآخرون الذين لما قام الإمام إلى الثالثة وهم قد نووا القصر يقولون: نحن نعتقد أن هذه الركعة ثالثة غير مشروعة لنا، فجلسوا إما أن يسلموا وحدهم وإما أن ينتظروا الإمام أيضاً على صواب. والثالثة: الذين قالوا: ما دام الإمام يصلي يجب علينا متابعته ثم إذا سلم قضينا الرابعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأهل مكة ركعتين كان يقول: (أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سَفُر) فإذا صلى الركعتين وسلم قاموا فأتموا، وهذا كان في غزوة الفتح. فالكل إن شاء الله على صواب. لكن الذي أرى في مثل هذه الحال ألا تتفرق الأمة، وأن يدخلوا مع الناس في صلاة المغرب والأحوط في حقهم أن يتابعوا الإمام في الثلاث ثم إذا سلم أتموا لأنفسهم، هذا أحوط الأقوال الثلاث. السائل: حتى الذي جلس وصلى ركعتين لا تبطل صلاته؟ الشيخ: لا، ما عليه ذنب. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 14 حكم هجر الجيران الذين لا يصلون مطلقاً وإبلاغ الإمام عنهم السائل: ما رأي فضيلتكم في رجل له جيران مقصرون في الصلاة بل بعضهم لا يشهد الصلاة لا ظهراً ولا عصراً ولا فجراً ولا مغرباً، نصحهم وأرسل لهم بعض الإخوان ورفضوا دخولهم البيت، وتوقف الشخص هذا من زيارتهم؛ لأنهم قريبون عنده، جيران قريبون، فما رأي فضيلتكم في هجر هذا الشخص؟ الشيخ: أرى أنه أحسن صنعاً في كونه ينصحهم، ويتابع النصيحة وإن اهتدوا فهذا المطلوب، وإن لم يهتدوا فليس عليه من إثمهم شيء. يبقى النظر حق الجار هل يسقط لكون جاره عاصياً؟ لا يسقط، الجار له حق ولو كان عاصياً حتى لو كان كافراً، له حق الجوار، ولكن لو قدرنا أنه بهجره إياهم تصلح أحوالهم وصار الهجر دواءً فهذا طيب لا بأس، لكن كما ترى اليوم الهجر لا يزيد العاصي إلا شدة وكراهية لصاحبه، يعني نحن نسمع وجربنا أنه ما ينفع الهجر الآن، لو كان الناس إذا هُجِر العاصي عاد كحال كعب بن مالك وصاحبيه، لقلنا: لا بأس، لكن الأمر بالعكس، فأرى أن يعطيهم حقهم وألا يفرط في دعوتهم يدعوهم مرة بعد مرة ولا يكثر عليهم فيضجروا. السائل: وما موقف الإمام من هؤلاء؟ الشيخ: الإمام أيضاً نفس الشيء، الإمام يدعوهم بالتي هي أحسن دون أن يكون علناً أمام جماعة، مثلاً يذهب إلى أحدهم في البيت أو يدعوه إلى بيته، والناس اليوم مع الأسف لا ينفع معهم إلا اللين غالباً، إلا إنسان ذو سلطة وإمرة هذا يجب أن يستعمل إما اللين أو الشدة حسب ما تقتضيه الحال. السائل: إذا طلبت الهيئة من الإمام إعلامهم بتشكيل الأسماء الذين لا يصلون بعد أن تم نصحهم مرتين، أو ثلاثاً، أو عشراً، ولا زالوا مستمرين في عدم الصلاة، خمس صلوات! الشيخ: أن أرى أن الإمام إذا طُلب منه من جهة رسمية أن يكتب أسماء المتخلفين بعد أن ينصحهم أرى أنه يجب عليه أن يفعل؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، والحمد لله إن الله خفف عليه، ما قلنا: لابد أنت تذهب إلى بيوتهم وتطلعهم، ما نقول هذا، أدنى الواجب أن تخبر من له الأمر. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 15 حكم من فاتته الركعة الأولى من صلاة الخسوف السائل: فضيلة الشيخ! رجل فاتته الركعة الأولى من صلاة الخسوف فهل يلزمه الإتيان بالركعة الثانية؟ الشيخ: الركعة الأولى؟ السائل: إي نعم. الشيخ: يعني: يبني عليها. السائل: يبني عليها، الركوع الأول فاته! الشيخ: يجب عليه أن يأتي بالركعة الثانية؛ لأنه لما دخل مع الإمام التزم بصلاة الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فهذا الإنسان مخير قبل أن يدخل إن شاء دخل وحصل الأجر، وشارك الناس في فرض الكفاية، وإن لم يشأ لم يدخل، لكن إذا دخل التزم وتوجه إليه الخطاب الذي سمعت من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) اللهم إلا أن يكون له عذر مثل أن احتبس بوله أو ريح أو ما أشبه ذلك يضطر إلى أن يقطع الصلاة فيقطعها ولا إثم عليه. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 16 حكم ترك المطلوبات الشرعية ندبا ً السؤال قال في اختصار كتاب الاعتصام للشاطبي: فتارك المطلوبات الشرعية ندباً أو وجوباً هل يسمى مبتدعاً أو لا؟ ف الجواب أن تارك المطلوبات على ضربين: أحدهما: أن يتركها لغير التدين إما كسلاً أو تضييعاً أو ما أشبه ذلك من الدواعي النفسية، فهذا الضرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية -وهنا السؤال يا شيخ- وإن كان في ندب فليس بمعصية إذا كان الترك جزئياً، وإن كان كلياً فمعصية حسب ما تبينت الأصول؟ الجواب: لا، هو على كل حال كلمة: (إن كان كلياً فمعصية) فيه نظر؛ لكن كأنه والله أعلم أخذه من قول الإمام أحمد رحمه الله: (من ترك الوتر فهو رجل سوء ينبغي ألا تقبل له شهادة) مع أن الوتر سنة على ما ذهب إليه الإمام أحمد، وكذلك قال أصحاب الإمام أحمد: من ترك الرواتب وإن كانت ليست بواجبة فإنها لا تقبل شهادته، وما قال من التفصيل جيد، يعني مثلاًَ: إذا ترك الإنسان المسنون تعبداً، يعني يتعبد لله بتركه صار مبتدعاً؛ لأن الترك بنية كالفعل، وأما إذا تركه تضييعاً أو تكاسلاً أو تهاوناً أو يقول: الواجب هو الواجب وغير الواجب فليس بواجب فلا شيء عليه، سواءً كان كلياً أو جزئياً. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 17 حكم استخدام العدسات الملونة للنساء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم العدسات الملونة للنساء؟ الجواب العدسات الملونة أولاً: لابد من مراجعة الطبيب، هل هذا يضر على العين أو لا يضر، هذا قبل كل شيء. ثانياً: إذا تقرر إنها لا تضر، نَظَرْنا إذا كانت هذه العدسات تجعل العين كعيون الحيوان فهذه لا تجوز؛ لأن التشبه بالحيوان مذموم، وأما إذا كان أنها تعطي جمالاً فهذا لا بأس به؛ لأن الأصل الإباحة. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 18 حكم الاكتفاء بعبادة واحدة إذا اتفقت عبادتان في الهيئة السؤال إذا اتفقت عبادتان في الهيئة واختلفت مسألة الإيجاب، كغسل يوم الجمعة وغسل الجنابة أو كمن أخر سنة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلى الركعتين التي ترد في السنة إذا طلعت الشمس حتى تصير قيد رمح، فما حكم أن يجمعهما في فعل واحد. الجواب هذا سؤال مهم إذا اجتمعت عبادتان فهل يُكتفى بإحداهما عن الأخرى؟ إن كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تجزئ عن الأخرى، لابد من فعل الثنتين جميعاً، وإذا كانت غير مقصودة بذاتها، وإنما المقصود حصول هذا الفعل بأي وصف وصفناه، اكتُفي بواحدة عن الأخرى، فمثلاً الغسل يوم الجمعة عن جنابة ومن أجل الجمعة نقول: المقصود بغسل يوم الجمعة هو: الطهارة والتنظف، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة الذين يأتون من العوالي ومن أمكنة بعيدة ويكون فيهم العرق والرائحة قال: (لو أنكم تطهرتم يومكم هذا) فهنا المقصود والتطيب لكن بأمر الرسول به صار عبادة. نقول الآن: إذا نوى بغسل الجنابة كفى عن غسل الجمعة، كما تكفي الفريضة عن تحية المسجد، وإذا نوى غسل الجمعة لم يجزئ عن الجنابة؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وغسل الجنابة عن حدث، ولهذا لو تعمد ترك غسل الجمعة وصلى الجمعة صحت صلاته، لكن لو تعمد ترك غسل الجنابة أو لم يتعمد وصلى الجمعة وهو عليه الجنابة فإن صلاته لا تصح. أما مسألة سنة الفجر مع سنة الإشراق أو سنة الضحى فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى؛ لأن سنة الضحى مقصودة بذاتها، ولهذا لو كان على الإنسان مثلاً راتبة الظهر الأولى أربع ركعات في تسليمتين لو أنه فاته ذلك في الأول، جاء والإمام يصلي وأراد أن يقضيها، هل يصلي ركعتين عن الأربع؟ فهذا التفصيل هو الذي في الشرح، إذا كانت العبادة مقصودة بذاتها فلابد من فعلها ولا تجزئ الأخرى عنها، وإذا كان المقصود حصول ذلك الفعل على أي وصف كان اكتُفي بواحدة عن الأخرى، لكن يُكتفى بالكبيرة عن الصغيرة، ولا يكتفى بالصغيرة عن الكبيرة. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة خلف إمام لا يستطيع السجود على جبهته السؤال فضيلة الشيخ، إمام يصلي قائماً ولكنه لا يستطيع السجود على جبهته، فهل يسجد المأمومون أم يفعلون مثله؟ الجواب هذا سؤال مهم وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإمام: (إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) فهل إذا عجز عن السجود -أعني: الإمام- هل يُطلب من المأمومين ألا يسجدوا؟ الجواب: يرى بعض العلماء أن الإمام إذا عجز عن ركن سوى القيام فإنه لا يجوز للقادر عليه أن يأتَمَّ به، يعني هذا الإمام إن عجز عن السجود لا يجوز للآخرين الذين يستطيعون السجود أن يأتموا به، بل يبحثوا عن إمام آخر، وبناءً على هذا القول هل يَرِد هذا السؤال أم لا؟ لا يَرِد هذا السؤال؛ لأنهم أصلاً ليسوا مصليين معه؛ لكن الصحيح أنه يصح أن يأتم المأموم القادر على الركن بالعاجز عنه، ففي هذه الحال نقول: إذا سجد الإمام فهو يجب عليه أن يسجد إلى قريب من الأرض، بحيث لا يتضرر، وعلى المأمومين أن يسجدوا على الأرض، لا يتابعونه في هذا، فإذا قال قائل: ما الفرق بين القيام والسجود؟ قلنا: الفرق بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام، لما صلى بأصحابه قاعداً وهم قيام أشار إليهم إن اجلسوا ثم بيَّن لهم الحكمة قال: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم على ملوكها) لأنه إن صار الإمام قاعداً والناس كلهم وراءه قيام، صاروا كأنهم قائمون عليه، والقيام على الرجل منهيٌّ عنه إلا إذا كان فيه مصلحة. إذاً: نقول: على القول الراجح: عليهم أن يسجدوا على الأرض وهو يسجد إلى قرب الأرض إلى الحد الذي يمكن أن يصل إليه. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 20 حكم إعطاء زيادة عند قضاء الدين من غير اشتراط في البداية السؤال فضيلة الشيخ! إذا أخذت من إنسان مثلاً خمسمائة ريال سلفاً، فبعد مدة أرجعتها له ستمائة ريال من نفسي أنا زدت له مائة ريال وهو ما طلب مني هذا، هل يدخل في الربا أو ما يدخل في الربا؟ الجواب نقول: ليس من الربا؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (خيركم أحسنكم قضاءً) وكما أنه يجوز أن أعطيه أحسن مما استقرضتُ منه في الوصف فكذلك أزيَد في العدل ولا فرق، يعني لو أنك استسلفتَ منه صاع أرز من الأرز الوسط، ثم أعطيتَه صاع أرز من الأرز الجيد، يجوز أو لا؟ يجوز. إذاً: لو أعطيته صاعاً ونصف ما هناك مانع، بشرط ألا يكون مشروطاً عند القرض، فإن كان مشروطاً عند القرض، فلا يجوز. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 21 حكم تعليم الخدم والسائقين والعمال أمور الدين من قبل كفلائهم السائل: هناك خادمة مسلمة غير متعلمة تصلي جميع الفرائض من غير إتقان وكان عليها من العام الماضي بعض القضاء فإذا أمِرَت بصيام وقضاء لم تفهم شيئاً، علماً بأن كفيلها جلب لها بعض الأشرطة الدينية التي تعلِّمها كيفية الصلاة والصيام وغيرها من الفرائض، وسَمِعَتْها فلم تَفْهَمْها فهل على كفيلها إثم أم لا؟ وهل برئت ذمته؟ الشيخ: والله هو الواجب على الكفلاء بالنسبة للقادمين من الخدم وغير الخدم، كالسائقين والعمال، الواجب عليهم أن يدعوهم إلى الإسلام؛ لأن الله تعالى أمر بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذ بن جبل أن يدعو أهل اليمن إلى الإسلام، وأمر علي بن أبي طالب أن يدعو أهل خيبر إلى الإسلام، فالكفلاء يجب عليهم أن يدعوا مَن عندَهم من غير المسلمين إلى الإسلام، بقدر المستطاع، وإذا كانوا يعلمونها كيف تطبخ، كيف تغسل الإناء، كيف تفرش المكان، لماذا لا يعلمونها الصلاة والطهارة؟! أيهما أنفع للإنسان؟! الأنفع أن نعلمها أمور الدين، تنتفع هي، وينتفع هو، وربما أن الله يهدي على يديها هي أيضاً من أهلها. ثم أنت تقول أنها لا تفهم؟ السائل: نعم؟ الشيخ: سبحان الله! لا تفهم؟! أليست تفهم الطبخ والأشياء التي لا تعرفها في بلادها، تفهم لكن الناس يقصرون، إذا كلمها مرة أو مرتين أو ثلاث وإذا ما عرفت، قال: ما فيها خير، أو يجيب مثلاً نظيرتها من التي كانت جاءت من قبل، وإلاَّ أول ما تجيء هناك صعوبة، حتى يعني ما تعرف شيئاً إلا بالإشارة. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. وإلى اللقاء الآخر إن شاء الله تعالى، وجزاكم الله خيراً، وأبشروا بالخير فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . نسأل الله تعالى أن يسهل لنا ولكم طريقاً إلى الجنة، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 22 حكم الجمع بين نيتين في غسل واحد السؤال إذا نوى الغسلين: الجمعة والجنابة في غسل واحد، فهل يجزئ ذلك؟ الجواب يحصل به ويجوز ذلك. الجزء: 136 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [137] في هذا اللقاء تفسير لآيات من سورة (ق) تتضمن وصف جهنم وامتلائها بالكافرين، كما تتضمن وصف الجنة وتقريبها للمتقين، وبعض صفات هؤلاء المتقين، وفوائد متفرقة في اللغة والعقيدة. وفي هذا اللقاء أيضاً فتاوى وفوائد فقهية تضمنتها فقرة الأسئلة. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) . الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثلاثون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) . الجزء: 137 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد) . نبدأ فيه كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل ونحن في سورة ق، عند قوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] : (يوم) هذه ظرف زمان، والظروف الزمانية والمكانية، وكذلك حروف الجر، لابد لها من متعلَّق، أي: لابد لها من فعل أو ما كان بمعنى الفعل تتعلق به. فما هو متعلَّق قوله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} ؟ نقول: هو محذوف، والتقدير: اذكر يوم نقول لجهنم، وليُعلم أنه يوجد في اللغة العربية كلمات تُحذَف، بل ربما جمل تحذف وذلك فيما إذا دل عليها السياق، فهنا الكلمة التي تتعلق بها كلمة (يوم) محذوفة بتقدير: اذكر يوم نقول لجهنم: هل امتلأتِ وتقول: هل من مزيد. يسألها الله عز وجل: {هَلْ امْتَلأْتِ} : وهو يعلم سبحانه وتعالى أنها امتلأت أو لم تمتلئ؛ لأنه لا يخفى علي شيء؛ لكنه يسألها: هل امتلأت ليقرر لها ما وعدها سبحانه وتعالى فإن الله يقول: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119] . فيسألها: {هَلْ امْتَلأْتِ} : يعني: هل حصل ما وعد الله به؛ لأن الله تكفل بأن يملأ الجنة ويملأ النار. فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} : (هل) هنا أداة استفهام، وهي حرف، (هل) هي استفهام طلب أم استفهام نفي؟ انتبهوا للفرق، هل هي استفهام طلب بمعنى أنها تطلب الزيادة؟ أو استفهام نفي بمعنى أنها تقول: لا مزيد على ما فيَّ؟ في هذا للعلماء قولان: القول الأول: أن المعنى {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي: لا مزيد على ما فيَّ، و (هل) تأتي لاستفهام النفي كما في قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر:3] أي: ما من خالق، وعلى هذا فتكون النار امتلأت، إذا قالت: لا مزيد على ذلك فالمعنى أنها امتلأت. القول الثاني: (هل) للطلب: أي تطلب الزيادة. وإذا اختلف العلماء في التفسير أو غير التفسير فالمرجع إلى ما قاله الله ورسوله، فلننظر أي القولين أولى بالصواب؟ ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تزال جهنم يُلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة عليها قدمه، أو قال: عليها رجله، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط) . فأي القولين أولى بالصواب؟ أنها استفهام طلب، أي تطلب الزيادة ولكن رحمة الله سبقت غضبه يضع عز وجل عليها رجله على الوجه الذي أراد، ثم ينزوي بعضها، ينضم بعضها إلى بعض وتتضايق وتقول: لا مزيد على ذلك، أو تطلب ثم ينتهي الموقف. فحقت كلمة الله أنه ملأ جهنم من الجِنة والناس أجمعين. في الحديث الذي سقته إثبات القَدَم أو الرِّجل لله عز وجل، فهل هو قَدَم حقيقة أم قَدَم بمعنى المقدِّم يعني يضع الرب عز وجل من يقدمهم إلى النار حتى يملأها؟ وهل الرِّجل حقيقة أو الرِّجل بمعنى الطائفة لأنه يقال: رِجل من جراد مثل طائفة من جراد، أيهما أولى؟ الأول يعني: أن المراد رجل حقيقة لله عز وجل، إلا أنها لا تشبه أرجل المخلوقين بأي وجه من الوجوه، نعلم علم اليقين أنها ليست مثل أرجل المخلوقين، من أين علمنا أنها ليست مثل أرجل المخلوقين؟ من أين علمنا أن رجل الله لا تشبه ولا تماثل أرجل المخلوقين؟ مِن قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . والمقصود من قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} هو: تحذير الناس؛ لأن كل واحد منا لا يدري أيكون من حطب جهنم أم يكون ممن نجا منها، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. ) . قال عز وجل: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:31] : أي: قُرِّبت للمتقين مكاناً غير بعيد {هَذَا} [ق:32] :ما تشاهدون من قرب الجنة. {مَا تُوعَدُونَ} أي: هذا الذي توعدون. فإن الله تعالى قد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنة، وصدق وعده عز وجل، ولكن لمن؟ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] : الأواب: صيغة مبالغة من آب يئوب بمعنى: رجع، أي لكل أواب إلى الله أي: رجاع إليه. {حَفِيْظٍ} : أي حفيظ بما أمره الله به، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عبد الله بن عباس: (احفظ الله يحفظك) المعنى: أنه حفيظ لأوامر الله، لا يضيعها ولا يقابلها بكسل وتوانٍ، بل هو نشيط فيها وإذا أذنب في ترك واجب أو فعل محرم، تجده يرجع إلى الله، {لِكُلِّ أَوَّابٍ} : فهو أواب رجاع إلى الله تعالى من المعاصي إلى الطاعات، وكذلك حفيظ: حافظ لما أمر الله به، محافظ عليه قائم به، {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] . الجزء: 137 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) . قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] : (مَنْ) هذه بدل مما سبقها. {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ} : أي: خافه عن علم وبصيرة؛ لأن الخشية لا تكون إلا بعلم، والدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] ، فهي خشية، أي: خوف ورهبة وتعظيم لله عز وجل؛ لأنها صادرة عن علم، وقوله: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} : لها معنيان: المعنى الأول: أنه خشي الرحمن مع أنه لم يره؛ لكن رأى آياته الدالة عليه. والمعنى الثاني: خشيه بالغيب، أي: بغيبته عن الناس، يخشى الله وهو غائب عن الناس؛ لأن من الناس من يخشى الله إذا كان بين الناس، وأما إذا انفرد فإنه لا يخشى الله، مثل من؟ المرائي، المنافق، إذا كان مع الناس تجده من أحسن الناس خشية، وإذا انفرد لا يخشى الله. كذلك أيضاً من الناس من يكون عنده خشية ظاهرية لكن القلب ليس خاشياً لله عز وجل، فيكون بالغيب أي: بما غاب عن الناس، سواء عمله في مكان خاص، أو ما غاب عن الناس في قلبه، فإن خشية القلب هي الأصل. {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} : أي: جاء يوم القيامة بقلب منيب أي رجَّاع إلى الله عز وجل، أي أنه مات وهو منيب إلى الله، فهو كقوله: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] المعنى: أنه بقي على الإنابة والرجوع إلى الله عز وجل إلى أن مات، إلى أن لقي الله؛ لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود) . ثم قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34] : ادخلوها أمر، هل هو أمر إلزام أم أمر إكرام؟ أمر إكرام؛ لأن الآخرة ما فيها تكليف وإلزام، بل إما إكرام وإما إهانة، فقوله تعالى في المجرمين: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [الزمر:72] ، هذا أمر إهانة. وقوله للمؤمنين هنا: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} : هذا أمر إكرام. وقوله: {بِسَلامٍ} : (الباء) هنا للمصاحبة، المعنى: دخولاً مصحوباً بسلام، سلام من ماذا؟ سلام من كل آفة، أصحاب الجنة سالمون من الأمراض، وسالمون من الهرم، وسالمون من الموت، وسالمون من الغل، وسالمون من الحسد، وسالمون من كل شيء، كل شيء تُذكر فيه السلامة فأهل الجنة سالمون. {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ} : أي: هذا اليوم. {يَوْمُ الْخُلُودِ} : أي: اليوم الذي لا هلاك بعده، خلود دائم سرمدي لا نهاية له. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) . قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} [ق:35] : أي: لهؤلاء المتقين، ما يشاءون فيها أي: في الجنة. {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} : أي: مزيد على ما يتمنون ويشاءون؛ لأن الإنسان بحكمه مخلوق يعجز عن أن يستقصي كل شيء، وتنقطع أمنيته بحيث لا يدري ما يتمنى؛ لكن هؤلاء أهل الجنة كل ما يشتهون فيها فإنه موجود. طَيِّبٌ! لو اشتهى الإنسان ثمرة معينة كرمان أو عنب أو ما أشبه ذلك، هل يجدها؟ يجدها، في أي وقت؟ في أي وقت، كل شيء يشتهيه الإنسان ويطلبه فإنه موجود لا يمتنع، بل قال الله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} أي: نعطيهم فوق ما يشتهون ويتمنون، ومن الزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل. ولهذا استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم بهذه الآية على إثبات رؤية الله عز وجل، وقال: إن هذه الآية: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] . نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم، وأن يرزقنا النظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 137 ¦ الصفحة: 8 حرمة الصلاة إلى القبور السؤال ما رأيكم في الصلاة في المساجد التي يكون فيها بين الإمام وبين القبلة قبور وبينه وبين القبور حوائل، إما أن يكون جداراً أو أن تكون هناك مسافة بعيدة؟ الجواب نعم، إذا صلى الإنسان في مسجد أمامه مقبرة، فإن كان هناك فاصل؛ شارع مثلاً أو جدار تام، بحيث يكون المصلون لا يشاهدون المقبرة فلا بأس بذلك، أما إذا كان قريباً يلي المسجد مباشرة، وليس فيه جدار أو فيه جدار قصير، بحيث يشاهد المصلون هذه القبور فإنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها) . السائل: أحسن الله إليكم؛ لكن أوضح لك الصورة، هو المسجد والفناء؛ وفناء المسجد واحد، ثم مكان الصلاة مسقف، فبين الجدار في فناء المسجد بينه وبين الإمام، ويكون هناك جدار هل يعتبر هذا خطيراً؟ الشيخ: فناء المسجد في سور المسجد؟ السائل: نعم، في سور المسجد. الشيخ: في سور المسجد! السائل: نعم. الشيخ: معناه: أن المقبرة تلي المسجد مباشرة. السائل: نعم. الشيخ: لا يجوز هذا، لابد أن يخرجوا من هذا الفناء سوراً، يحوطون به المسجد. السائل: أحسن الله إليكم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 9 حكم صلاة النساء جماعة في غير المسجد السؤال فضيلة الشيخ! هل الأفضل في حق النساء إذا كنَّ في بيت واحد مثلاً أداء الصلاة جماعة وأن تؤمهن امرأة، أم الأفضل أن تصلي كل واحدة منهن على انفراد؟ وإذا كانت الجماعة أفضل في حقهن، فهل يجوز لإمامة النساء أن تجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية أم لا؟ جزاكم الله خيراً. الجواب صلاة النساء جماعة في بيوتهن فيها خلاف بين العلماء منهم من يقول: إنها سنة، ومنهم من يقول: ليست بسنة، والأظهر أنها ليست بسنة، لكن إن فعلنها أحياناً فلا بأس كما يوجد الآن في مدارس البنات تجتمع المعلمات ويصلين جماعة، هذا لا بأس به أحياناً، وإذا قُدِّر أن الصلاة كانت في الليل فلا حرج أن تجهر إذا لم يسمعها أحد من الرجال. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 10 صفة الاستغفار وفضله السؤال فضيلة الشيخ! ما هي صفة الاستغفار؟ وما هو فضل الاستغفار؟ الشيخ: أظنك من عنيزة. السائل: لا، من الرس. السائل: صفة الاستغفار، وفضل الاستغفار؛ لأن أحد الإخوة أُنكر عليه الدعاء بـ (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه) ، (أستغفرك من كل ذنب عظيم) قال: لا، لا يوجد من كل ذنب عظيم! الجواب الاستغفار أن يقول الإنسان: (اللهم اغفر لي) أو يقول: (استغفر الله وأتوب إليه) أو يقول سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) . ولا حرج على الإنسان أن يزيد شيئاً لكن لا بقصد التعبد لله بذلك، ولكن من باب الدعاء مفتوح، مثل: أستغفر الله وأتوب إليه من كل ذنب وما أشبه ذلك، وقد كان الخطباء يقولون على المنابر أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حرج أن تقول: اللهم اغفر لي، أو أستغفر الله من كل ذنب عظيم، أو ما أشبه ذلك، ليس فيه بأس، نعم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 11 ضوابط في التعامل مع الخادمات السؤال فضيلة الشيخ! توجد عندنا في البيت خادمة وقلت أنا للأهل -يعني: الوالدين- حاولوا أن تخرجوها من البيت. الشيخ: نعم، ترجعونها! السائل: نعم، قالوا لي هم: لا نقدر، وهي على قدر من الجمال، فهل يوم أن ردوا عليَّ وقالوا لي: لا نقدر، أو أعجبك أو بكيفك، هل تنتهي مسئوليتي أنا هكذا، أم أطلب منهم شيئاً؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك! الخادمة لا نرى أنها تأتي بلا مَحْرَم، لابد من محرم، وإذا لم يكن لها محرم، فالواجب أن يطلبوا محرمها أو يردوها. ثانياً: إذا كانت لا تتحجب عند الرجال، فالواجب أن تجبر على الحجاب أي: تغطي وجهها، لابد من هذا. ثالثاً: إذا كان الإنسان يخشى على نفسه منها لكونها شابة أو جميلة، أو ما أشبه ذلك، فالواجب أن تُبْعَد عن البيت؛ لأننا لو قدرنا أن الأب سَلِم من شرها فالأبناء قد لا يسلمون من شرها، وإذا خشي الإنسان على نفسه خشية مباشرة حقيقةً، فالواجب عليه إذا كان عنده قدرة وأبى أهله أن يردوها أن ينفرد ببيت وحده؛ لأن المسألة ليست هينة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يوسوس له في يوم من الأيام أو ليلة من الليالي أن يفعل معها الفاحشة، فأنت أولاً قل لهم: إن هذا خطر علي، وعلى خُلُقي وديني فإن أبيتم إلا أن تَبْقَى فلابد من أن يأتي محرمها معها، وإن أبيتم ذلك فاسمحوا لي أن أنفرد بسكن وحدي، إذا كان عندك قدرة، نعم. السائل: لو طلبتُ منها شيئاً، أو أخذتُ شيئاً فلتستر وجهها، لكنهم لا يقولون لها. الشيخ: أنت يا أخي! أنت قل لها، إذا جاءت وهي كاشفة إليك قل لها: غطي وجهك. السائل: يمكن أن أتكلم معها؟! الشيخ: نعم، تقدر أن تقول لها: غطي وجهك، واحرص على أن لا يكون بينك وبينها كلام لين، أو ما أشبه ذلك، وأضمر في نفسك أنك تكره وجودها في البيت. السائل: بعض الأحيان كلموها على هذا، قالوا: تتحجبي أو تمشي، ألا يكون هذا قطعاً لرزقها؟ الشيخ: لا، لا، أبداً، لا يكون قطع رزق، هذا اتقاء شر. السائل: جزاك الله خيراً. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 12 استشعار معاني الذكر في الصلاة السؤال يا شيخ! استشعار الذكر في الصلاة وفي قراءة القرآن أحياناً الإنسان يستشعر الألفاظ ومعانيها، وأحياناً يفوت عليه الكثير، يعني ما رأيك في الصلاة؟ الجواب الإنسان لا شك إذا كان يصلي أنه أحياناً يستحضر ما يقرأه، ويستحضر ما يدعو به، ويستحضر الذكر، وأحياناً يغفل ويمشي على العادة، ولا يدري إلا وهو واصل إلى السلام، فنقول: إن أمكن أن يستحضر ما يقول وما يفعل فهو أفضل، وإن لم يمكن فصلاته صحيحة؛ لكنها ناقصة، نعم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 13 ضابط إجزاء الغسل عن الوضوء السؤال فضيلة الشيخ! إذا عم الشخص بدنه بالماء غسلاً للجمعة أو لنظافة، هل يجزئه عن الوضوء؟ الجواب لا، إذا اغتسل للجمعة فلا يجزئه عن الوضوء، والنظافة لا تجزئ عن الوضوء، وذلك لأن غسل الجمعة والنظافة ليسا عن حدث، والوضوء إنما يكون عن الحدث. السائل: الحدث الأكبر؟ الشيخ: الحدث الأكبر يجزِئ، يعني: لو اغتسل الإنسان وعليه جنابة أجزأ عن الوضوء؛ لكن لابد من المضمضة والاستنشاق. السائل: وغير الجنابة لا يجزئ؟ الشيخ: لا، ربما يجزئ عن المرأة الحائض، المهم إذا كان الغسل عن حدث أجزأ عن الوضوء، وإذا لم يكن عن حدث لم يجزئ، هذا هو الضابط. السائل: أحسن الله إليك. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 14 حكم اشتراك المسلمين مع النصارى في الاحتفالات السؤال أنا مواطن من سوريا، محافظة درعا، مدينة إزرع، لي سؤال وطلب. سؤالي: في بلدنا (مدينة إزرع) تقسم إلى قسمين: قسم نصارى، وقسم مسلمين، هناك قسم من المسلمين يتعاملون مع النصارى يشاركونهم في الأفراح والأحزان، ويأكلون من أكلهم، ويشربون من شربهم، وهم كذلك، وقسم يرفض، فما هو حكم الإسلام في هذه القضية؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك! أنا وأمثالي لا يوجه إليهم السؤال بلفظ ما هو حكم الإسلام؛ لأننا غير معصومين، فيقال مثلاً: ما هو حكم الإسلام في نظرك أو ما تقول في كذا. ثانياً: بالنسبة للمشاركة مع هؤلاء إن كانت الأفراح دينية فإنه يحرم علينا أن نشاركهم في أفراحهم كعيد الميلاد أو غيره؛ لأن مشاركتنا إياهم في هذه الأفراح تتضمن الرضا بما هم عليه من الكفر وهذا خطر على الإنسان، يقول ابن القيم رحمه الله: هذا إن لم يكن كفراً فهو أشد من الرضا بشرب الخمر والمسكرات وغيرها، فالمسألة خطيرة جداً. أما إذا كانت أفراحاً عادية أو أفراحاً عامة وطنية وإن كانت بدعة فهي لا تصل إلى هذا الحد. وإذا كانوا لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا فقد قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8] ، فأمرنا عز وجل يعني: رخَّص لنا أن نعاملهم بالبر والإحسان أو بالعدل، {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} : هذا إحسان، {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} : هذا عدل، وعليه: فإنه ينهانا أن نضرهم ما داموا لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا. أما مشاركتهم هم لنا في أعيادنا، فنحن أعيادنا شرعية، لا حرج عليهم أن يشاركونا فيها، لأنها شرعية مرضية عند الله عز وجل، ولذلك يهنئوننا في أعيادنا ولا نهنئهم في أعيادهم. السائل: المطلب سيدي! رزقني الله خمسة أطباء (أبنائي) ومدرس شريعة وحقوق، ومدرِّسة أدب عربي وأتيتُ إلى هذه البلاد العامرة بعون الله تعالى محرماً مع إحدى بناتي، وهي الطبيبة في مستوصف البركة الذي سيُحدَث حديثاً قُرب الساعة، وتطبيقاً لقوله تعالى: وإن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. الشيخ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ} [إبراهيم:7] . السائل: الحمد لله وضعتُ نفسي في خدمة بناء المساجد، وكان هناك خلاف بيننا في ذلك البلد على قطعة أرض فاصلة بيننا وبين النصارى، هم أرادوا أن يبنوا كنيسة ونحن أردنا أن نبني مسجداً، ويوجد في بلدنا إزرع كنيستان من قبل الميلاد، يؤمهما السواح من كافة البلاد الغربية، ويقدِّمون لهما كل التبرعات، وقد قمنا نحن بحركة بعون الله تعالى وأيَّدَنا فيها الله بنصره، ورحمه الله الدكتور عبد المجيد الطرابلسي وزير الأوقاف بـ دمشق الذي توفي منذ ثلاثة أشهر أو أكثر، وقدَّم لنا ترخيصاً في بناء مسجد سُمِّي مسجد الإمام علي بن أبي طالب، صَبَبْنا القواعد ورفعنا قسماً من الأعمدة، ووقفنا عند هذا الحد، ولم نجد أيَّ مساعدة، حضرتُ إلى هنا ومعي القرارات من الوزير والأوقاف، وبطاقات التبرع، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يقدم لنا العون إن شاء الله، والله على ما أقول شهيد؟ الجواب: بارك الله فيك! اللهم يسِّر، لا شك أن المشاركة في عمارة المساجد من أفضل القرب إلى الله عز وجل، وقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة:18] ، وهذه تشمل العمارة الحسية والمعنوية، لكن تعلم بارك الله فيك أننا هنا محكومون بوازرة الشئون الإسلامية، وزارة الشئون الإسلامية إذا أعطتكم تزكية في هذا الأمر فإن شاء الله سنساعدك. السائل: أنا لا أعرف،. الشيخ: إن شاء الله أنت كلما ازددت يوماً في هذه البلاد ستعرف أكثر إن شاء الله تعالى، نعم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 15 الدعاء للميت أفضل من حج النافلة عنه السؤال فضيلة الشيخ! هل لي أن أحج أو أعتمر عن جد لي متوفىً. الشيخ: عماذا؟ السائل: عن جد لي متوفىً؟ مع العلم أن له من الأبناء الكثير؟ الشيخ: فريضة أم نافلة؟ لا، نافلة. الجواب نافلة، أولاً: بارك الله فيكم تعلمون أن الأموات إذا ماتوا انقطعت أعمالهم، لا يأتيهم عمل صالح إطلاقاً، إلا على حسب ما جاءت به الشريعة، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، وانتبه إلى كلمة (يدعو له) ، مع أن الحديث في الأعمال وجريان الأعمال بعد الموت، يقول: ينقطع إلا من ثلاث: صدقة جارية، يعني: هو يضعها، أو علم ينتفع به: يكون عالماً معلماً للخلق ينتفع الناس بعلمه، الثالث: أو ولد صالح يدعو له، فلماذا عدل النبي عليه الصلاة والسلام عن العمل للميت -والحديث في سياق العمل- إلى الدعاء؟ لماذا؟ لأنه يريد من الأمة أن تكون أعمالهم الصالحة لهم أنفسهم، فهم سوف يحتاجون إلى العمل كما احتاج إليه هذا الميت، فاجعل العمل الصالح لنفسك واهتدِ بهدى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ادعُ لجدِّك يكفي عن الحج والعمرة، وهو أفضل من الحج والعمرة أيضاً، عرفتَ؟ لكن ما جاءت به السنة لا بأس به، مثل: الصدقة عن الميت، جاءت به السنة، فإن سعد بن عبادة رضي الله عنه أراد أن يجعل بستاناً له صدقة لأمه فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم. وكذلك الرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتُلِتَت نفسُها - أي: ماتت بغتة- وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) . كذلك ورد حج الفريضة عن الميت، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم) . فما جاءت به السنة افعله، بالنسبة للعمل للأموات، وما لم تأتِ به السنة فاعدل عنه إلى ما وجهك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الدعاء. فأوصيك الآن أن تجعل العمرة لنفسك والحج لنفسك وأنت تدعو لجدك ولأبيك وأمك أيضاً في المواقف التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، كـ عرفة، وصبيحة ليلة مزدلفة، وكذلك عند رمي الجمرات، وفي الطواف، وفي السعي، فهذا خير لك، نعم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 16 حكم بقاء طالب العلم لتعليم أهل بلده السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيكم في طالب علم التحق بهيئة تدريس. ؟! الشيخ: ماذا؟ السائل: التحق مثلاً بمكان يَدْرُس فيه، مثل: مكان يكون فيه طالب علم. الشيخ: يَدْرُس وإلاَّ يُدَرِّس؟ السائل: لا، يَدْرُس، وهو من منطقة يحتاجون إليه، شبه احتياج؛ لأنه طُلِب في نفس الهيئة هذه مدرِّساً، كأن يكون مثلاً معيداً في الجامعة أو كذا، فما رأيكم يا شيخ! في هذا؟ الشيخ: هل يأتي إلى الجامعة أم يبقى في بلده؟ السائل: بلده تحتاج إليه أشد الاحتياج! الشيخ: طَيِّبٌ! هل إذا بقي في بلده يتمكن من الاستمرار في الدراسة الجامعية؟ السائل: نعم. الشيخ: طَيِّبٌ! أرى أن يبقى في بلده. السائل: ما يوجد مثلاً خانة جامعية في البلد التي هو فيها؟ الشيخ: لا، لا، قصدي ما يمكن ينتسب؟ السائل: ممكن؛ لكن يا شيخ! مثلاً إذا انتسب ويُحضِّر الماجستير والدكتوراه يلزم أن يكون في الجامعة أو لا؟ الشيخ: على كل حال يمكن الجامعة تحتاجه له سنة أو سنتين أو ثلاث، ثم يرجع إلى بلده؛ لكن مادام البلد محتاجاً إليه فيكون بقاؤه في البلد فرض عين؛ لأنه لابد أن يكون في الأمة الإسلامية من يعلمها دينها، فيكون بقاؤه في البلد فرض عين، إذا قدرنا أنه راح وبقي هؤلاء العامة ليس لهم مرشد، فأرى أنه يبقى ويحاول أن يستمر في دراسته ولو عن طريق الانتساب، نعم. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 17 تفصيل حكم البيع بالتقسيط السؤال فضيلة الشيخ! قمت أنا وشخص آخر بدفع مبلغ من المال قدره: ثلاثمائة ألف ريال ونقوم بشراء سيارات جديدة ونضعها في معرض وبعد ذلك إذا جاءنا المشتري نبيعها بالتقسيط، سمعنا من أهل البلدة التي نسكن فيها أنهم عملوا نفس العمل، وأنهم استفتوك، وأنك ما أجزت الشيء هذا؟ الجواب نعم، أولاً: بارك الله فيك! بيع التقسيط تارة يأتي إليك الإنسان يقول: أنا أريد سيارة، فتقول: ما عندي سيارات، اذهب إلى المعرض واختَر أي سيارة وأنا أشتريها باسمي وأنقل النقود إلى المعرض، ثم أبيعها عليك مقسطة بثمن زائد، فهمتَ هذه؟ هذه حرام، لا إشكال فيها: أولاً: لأن الدائن باع ما لا يملك. ثانياً: أنه لم يشترِ هذه السيارة إلا من أجل الربا، وهو أن يبيعها له بثمن زائد، ولولا الربا ما اشتراها، لو جاء وقال: جزاك الله خيراً، سلفني واشترِ السيارة لي، وأنا أعطيك لاحقاً، ما رضي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) هذه واحدة. ثانياً: يكون عند الإنسان السيارات موجودة داخلة في ملكه، وقد اشتراها شراء صحيحاً، يأتي إليه ناس يقولون: نريد منك أن تبيع لنا بالتقسيط، هذه لها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أنه يريد أن يشتري بالتقسيط سيارة ليستعملها، إما لنفسه وإما للأجرة، هذا جائز ولا إشكال فيه. ثانياً: يشتري السيارة بالتقسيط ليذهب إلى بلد آخر يبيعها بأكثر. المدين الذي احتاج السيارة يقول: إنا سأشتري منك السيارة هذه بالتقسيط بخمسين ألفاً! وهي تساوي أربعين ألفاً، فيأخذها منه ثم يذهب ليبيعها في بلد آخر السعر فيه أكثر، يبيعها بخمسين نقداً، هذا أيضاً لا بأس به؛ لأن هذا نوع من التجارة. الثالث، أو الصورة الثالثة: أن يشتريها منك من أجل الدراهم، دراهمها فقط، يشتريها منك ويذهب فوراً ليبيعها، ربَّحت أو خسَّرت؛ لأنه لا يريد إلا الدراهم، هذه المسألة تسمى عند العلماء مسألة التورك؛ فمن العلماء من قال: تجوز للحاجة، الإنسان إذا احتاج لزواج أو لبناء بيت أو ما أشبه ذلك، لا بأس. ومن العلماء من قال: لا تجوز مطلقاً، وممن قال: لا تجوز مطلقاً: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: مسألة التورك هذه حيلة؛ لأن المشتري بدلاً من أن يقول أعطني دراهماً أربعين ألفاً خمسين ألفاً إلى سنة يقول: بِعْ عليَّ هذه السيارة وهو يعرف هو والبائع أيضاً أنه لا يريد إلا الدراهم، فيقول شيخ الإسلام: (إنما الأعمال بالنيات) . لكن عندي أنا في الصورة الثالثة هذه تفصيل، وأن الإنسان إذا اضطر إلى ذلك ولم يجد من يقرضه، يعني: من يسلفه، ولم يجد من يبيع عليه سَلَماً فلا بأس، أفهمتَ الآن؟ السائل: نعم؛ لكن يا شيخ! نحن نشتري وندفع المال سواء نقداً أو شيكاً، ونضع السيارة في المعرض، هل نستمر أم نتوقف؟! الشيخ: طَيِّبٌ! تضعها في المعرض، أنا أجيء أشتري منك؟ السائل: أي شخص مثلاً له رغبة في الشراء والبيع وأنا لا أدري هل هو يريد أن يبيعها أم يريدها لنفسه، فما العمل؟ الشيخ: لكن إذا علمتَ أنه إنما أراد أن يشتريها منك لأجل أن يبيعها فوراً من أجل الدراهم، فلا تبع له لكن إذا جاءك إنسان لا تدري هل يريد أن يكدها أم يريد أن يتجر بها في مكان آخر، أم يريد أن يبيعها الآن ويأخذ قروشها، فلا بأس بأن تبيع له، لكن تعرف أن هذا الرجل فقير ما راح يتكسب؛ ولكن يريد يأخذها منك ويبيعها مباشرة، هذا لا شك أن الورع ترك هذه المعاملة. السائل: طَيِّبٌ! نتركها يا شيخ! نترك عملية التقسيط هذه كلها؟ الشيخ: لا، لا، إذا جاءك إنسان محتاج لسيارة، ليعمل بها، أو يذهب بها لعمله، لمدرسته، لسفره أو إنسان يريد أن يترزق الله عليها، هذا بِع له فلا مانع. السائل: أغلب المشترين يشترون من أجل الورق؟ الشيخ: إذا كان أغلب المشترين هكذا فأنا أشير عليك أن تتركه، لهذا اتركه. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 18 كيفية قضاء الوتر في النهار السؤال فضيلة الشيخ! هل يُقضى من النهار صلاة الليل والوتر معاً، أم صلاة الليل فقط بدون وتر؟ الشيخ: كيف؟ السائل: هل يُقضى من النهار صلاة الليل مع الوتر، الركعة؟ الشيخ: يعني لو نام ولم يتهجد ولم يوتر. السائل: نعم. الشيخ: ما عادت وتراًَ، كم تصلي في الليل؟ السائل: ثلاث ركعات. الشيخ: ثلاث ركعات؟ السائل: نعم. الجواب تصلي في النهار أربع ركعات، يعني أن الإنسان إذا نام عما كان يصليه في الليل، صلاه في النهار؛ لكن بدلاً من أن يجعله وتراً يجعله شفعاً، لحديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غالبه نوم أو وَجَع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) . السائل: طَيِّبٌ! بالنسبة للركعة هذه الرابعة! الشيخ: ركعة، ركعتين. السائل: هل يعتبر وتراً؛ لكن زاد عليه ركعة؟ الشيخ: لا، لا، ما هو بوتر الآن، الآن صار شفعاً؛ لكن يعتبر أن الإنسان ينبغي له إذا عمل عملاً أن يثبته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) . السائل: المقصود يا شيخ! الركعة الزائدة هذه الركعتان، هل تعتبر كالوتر؟ الشيخ: هي نائبة مناب الوتر؛ لكنه لا يوتر؛ لأن الوتر انتهى وقته بطلوع الفجر، فيعتبر هاتين الركعتين قضاءً. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 19 حكم توزيع أعمال البيت بين النساء ومدى مسئوليتهن عن ذلك السائل: فضيلة الشيخ! الشيخ: نعم. السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأفيدك بأن السلام غير مشروع في هذه الحال. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: لأن الصحابة يسألون الرسول في مجالسهم ولا يقولون: السلام عليكم ورحمة الله؛ إلا إنسان قدم وسلم فلا بأس، تفضَّل. السائل: هناك تقسيم لبعض النسوة في المنزل. الشيخ: أيش؟ السائل: تقسيم لبعض النسوة في المنزل، بحيث تكون واحدة من النسوة مسئولة عن البيت، جميع أمور البيت، من ضمن المسئوليات: المحافظة على الأطفال، وفي مرة من المرات ذهب أحد الأطفال وطاح في بركة ماء، ومات، ماذا يلزم هذه المرأة؟ الجواب لا يلزمها شيء، ما دامت ما فرطت. السائل: لا، غصباًَ عليها. الشيخ: لا يلزمها شيء، يعني: هذا الصبي هو الذي قتل نفسه. السائل: جزاكم الله خيراً. الشيخ: وقد جرت العادة أن الأطفال يروحون في البيت ويأتون، لا أحد يمسك بهم دائماً، فلا بأس، يعني: ليس عليها شيء؛ لكن هؤلاء النساء زوجات أم أهل البيت. السائل: فيهن زوجات، وفيهن من أهل البيت. الشيخ: لا، قصدي زوجات، يجب أن يعدل بينهن، لا يخلِّي واحدة عليها الطبخ والنفخ والغسيل، وهذه ما عليها إلا تقديم العشاء أو الغداء. السائل: يعني لا يلزمها صوم يا شيخ؟! الشيخ: هاه؟! السائل: لا يلزمها الصوم؟ الشيخ: أنت فهمتَ كلامي الأخير؟ السائل: نعم. الشيخ: الزوجتان لازم تعدل بينهما. السائل: إن شاء الله، إن شاء الله. الشيخ: أما المسألة الأولى أخبرتك أنه لا صوم فيها، وليس عليها كفارة. السائل: هي صائمة ثلاثة أيام إلى الآن؟ الشيخ: إذا شاءت تفطر، فما عليها شيء. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: إلا إذا كانت ترىالبركة أمامها، وتركت الصبي، وراحت عنه وخلته. السائل: أنت أفتيت طال عمرك، هي قالت: أنك أفتيت بالصوم وصامت، لكن قلت أنا: لا، الظاهر أن فيها شك، فأتأكد بنفسي، وقد جئت لأتأكد. الشيخ: المهم الذي أرى أن ما عليها شيء، الشيء على من فرط وتعدى، فهل المرأة ترى البركة أمامها وأبقت الطفل وذهبت؟ السائل: لا. الشيخ: انتهى، ما فرطت. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: كما لو مثلاً قدرنا أن الطفل هذا فتح الباب، وخرج إلى الشارع، ودعسته السيارة، يكون المسئول الذي دعسه لا أهل البيت. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين. الجزء: 137 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [138] في هذا اللقاء تفسير للآيات الأخيرة من سورة (ق) وما اشتملت عليه من بيان إهلاك الأمم السابقة، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسبيح بحمد الله في مواطن معينة. وبالإضافة إلى ذلك ورد وصف لبعض مشاهد يوم القيامة، وإجابات وافية مفصلة عن أسئلة الحاضرين. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة (ق) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثلاثون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثاني عشر من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) . الجزء: 138 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة من الكلام في تفسير آيات من كتاب الله، وكنا قد بدأنا بسورة ق حتى انتهينا إلى قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [ق:36] :- لما كانت قريش تكذب النبي عليه الصلاة والسلام وتنكر البعث وتقول: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون:82] حذَّرهم الله عز وجل أن يقع بهم ما وقع لمن سبق من الأمم، فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} [مريم:74] أي: كثيراً من القرون أهلكناهم، و (القرن) هنا بمعنى: القرون، كما قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الإسراء:17] . فأممٌ كثيرة أهلكها الله عز وجل لما كذبت الرسل. {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} : أي بحثوا في البلاد، يريدون المفر والملجأ من عذاب الله، ولكن لم يجدوا مفراً، ولهذا قال: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} : أي: لا محيص لهم، {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ:51-52] . فما أصاب القوم الذين كذبوا الرسل أولاً يصيب هؤلاء ثانياً؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] . الجزء: 138 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) قال عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] :- {إِنَّ فِي ذَلِكَ} : أي: ما سبق من الآيات العظيمة، ومنها ما قص الله تعالى أو ما أشار الله به في هذه الآيات الكريمة من إهلاك الأمم السابقة فيه ذكرى لنوعين من الناس: الأول: (من كان له قلب) ، أي: من كان له لب وعقل يهتدي به بالتدبر. (أو ألقى السمع وهو شهيد) أي: استمع إلى غيره ممن يعظه وهو حاضر القلب. فبيَّن الله تعالى أن الذكرى تكون لصنفين من الناس: الأول: من له عقل ووعي يتدبر ويتأمل في نفسه ويعرف. والثاني: من يستمع إلى غيره؛ لكن بشرط أن يكون شهيداً، أي: حاضر القلب. وأما من كان لا يستمع للموعظة، أو يستمع بغير قلب حاضر، أو ليس له عقل يتدبر به، فإنه لا ينتفع بهذه الذكرى لأنه غافل، ميت القلب. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] :- هذه ثلاث مخلوقات عظيمة بيَّن الله عز وجل أنه خلقها في ستة أيام، وأكد هذا الخبر بثلاثة مؤكدات: القَسَم. واللام. وقد. لأن تقدير الآية: والله لقد خلقنا السماوات والأرض. فالسماوات معلومة لنا جميعاً وهي: سبع سماوات طباقاً. والأرض هي هذه الأرض التي نحن عليها، وهي سبع أرضين كما جاءت به السنة صريحاً، وكما هو ظاهر في القرآن في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] . {وَمَا بَيْنَهُمَا} : أي: بين السماء والأرض، والذي بين السماء والأرض مخلوقات عظيمة، يدل على عظمها أن الله جعلها عديلة لخلق السماوات وخلق الأرض، فهي مخلوقات عظيمة. والآن كلما تقدم العلم في الفلك ظهر من آيات الله عز وجل فيما بين السماء والأرض ما لم يكن معلوماً لكثير من الناس من قبل. {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} : أولها: الأحد، وآخرها: الجمعة، ولو شاء عز وجل لخلقها بلحظة؛ لأن أمره {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ؛ لكنه جل وعلا يخلق الأشياء بأسباب ومقدمات تتكامل شيئاً فشيئاً حتى تتم، كما أنه لو شاء لخلق الجنين في بطن أمه بلحظة، لكنه يخلقه أطواراً حتى يتكامل، كذلك السماوات والأرض وما بينهما لو شاء لخلقها بلحظة لكنه عز وجل يخلق الأشياء تتكامل شيئاً فشيئاً. وقال بعض العلماء: وفيه فائدة أخرى وهي: أن يعلم عباده التأني في الأمور، وألا يأخذوا الأمور بسرعة؛ لأن المهم هو الإتقان وليس الإعجال والإسراع. {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} ، أي: ما مسنا من تعب وإعياء، وهذا كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] ، فهو عز وجل خلق هذه السماوات العظيمة والأرضين وما بينها بدون تعب ولا إعياء، وإنما انتفى عنه التعب جل وعلا لكمال قوته وقدرته، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] . الجزء: 138 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون) قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق:39] :- أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصبر على ما يقولون، وقد قال عز وجل في آية أخرى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف:35] . {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] . {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} : وهم يقولون: إن محمداً كذاب، وساحر، وشاعر، وكاهن، ومجنون، وإنه لا بعث، وإن كانوا يقرون بالرب عز وجل وأنه خالق السماوات والأرض؛ لكن لا يقرون بأمور الغيب المستقبلة، فأمره الله أن يصبر على ما يقولون، والصبر على ما يقولون يتضمن شيئين: الأول: عدم التضجر مما يقول هؤلاء، وأن يتحمل ما يقوله أعداؤه فيه وفيما جاء به. والثاني: أن يمضي في الدعوة إلى الله، وألا يتقاعس. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] :- سبح تسبيحاً مقروناً بالحمد في هذين الوقتين: قبل طلوع الشمس. وقبل الغروب. قال أكثر المفسرين: المراد بذلك صلاة الفجر، وصلاة العصر، وهما أفضل الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى البَرْدَين دخل الجنة) والبردان هما: الفجر، وفيه بردوة الليل، والعصر، وفيه برودة النهار. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) فالصلاة التي قبل طلوع الشمس هي الفجر، والصلاة التي قبل غروبها هي العصر، وفيه دليل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب دخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم. وأفضلهما العصر؛ لأن الله تعالى خصها بالذكر حين أمر بالمحافظة على الصلوات، فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] وهي: العصر كما فسرها بذلك أعلم الخلق بكتاب الله وهو: الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} : المراد صلاة الفجر. {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] : المراد صلاة العصر. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) قال تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق:40] : أيضاً سبح الله من الليل و (مِنْ) هنا للتبعيض، يعني: سبحه أيضاً من الليل جزءاً من الليل، ويدخل في ذلك صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويدخل في ذلك أيضاً التهجد. {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] أي: وسبح الله أدبار السجود، أي: أدبار الصلوات، وهل المراد بالتسبيح أدبار الصلوات هنا هل المراد النوافل التي تصلَّى بعد الصلوات كراتبة الظهر بعدها، وراتبة المغرب بعدها، وراتبة العشاء بعدها، أم المراد التسبيح الخاص، الذي هو سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيه قولان للمفسرين؛ ولكن لو قيل بهذا وهذا لكان له وجه. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب) قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41-42] :- أي: انتظر لهذا النداء الذي يكون عند النفخ في الصور، وحشر الناس. {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ} : أي: اليوم، يوم الخروج من القبور. {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} . {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} [ق:43] :- إنا -يقول الله عن نفسه- (إنا نحن) تعظيماً لها. {نُحْيِي وَنُمِيتُ} : أي: نحيي بعد الموت ونميت بعد الحياة، فهو سبحانه قادر على الإحياء بعد الموت وعلى الموت بعد الإحياء. {وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} أي: المرجع. {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً} [ق:44] أي: مصيرهم إلينا في ذلك الوقت. {تَشَقَّقُ الأَرْضُ} أي: تتفتح. {عَنْهُمْ} أي: عن هؤلاء في قبورهم، تتشقق كما تتشقق الأرض عند طلوع النبات. {سِرَاعاً} أي: يأتون سراعاً إلى المحشر. {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44] :- أي: سهل علينا؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات:19] . نعم، يقول في كتابه: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] . ويقول: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] . وهذا يدل على يُسْر ذلك على الله عز وجل. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} [ق:45] :- وهذا وعيد لهؤلاء الذين يقولون في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يقولون، أخبر الله هنا أنه لا يخفى عليه حالهم وأنه يعلم ما يقولون. ثم قال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] :- أي: لستَ عليهم بذي جبروت، فتجبرهم على أن يسلموا ويؤمنوا بك، ولهذا قال في آية أخرى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] . {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] :- أي: عِظْ بالقرآن الكريم {مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} أي: من يخاف وعيدي بالعذاب؛ لأن هؤلاء هم الذين ينتفعون بالتذكر في القرآن، القرآن يُذَكَّر به جميع الناس، لكن لا ينتفع به إلا من يخاف الله عز وجل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتذكرين لكتابه المتعظين بآياته. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 138 ¦ الصفحة: 10 حكم تقسيم الشرك إلى بدائي وحضاري السؤال فضيلة الشيخ! هناك سؤال وهو أننا نقرأ في بعض الكتب: أن هناك من قسَّم الشرك إلى نوعين: شرك بدائي. وشرك حضاري. وقالوا في الشرك البدائي: أنه شرك القبور والأصنام والأوثان. وأن الشرك الحضاري هو: الذي وقع فيه الناس الآن من عبادة الشهوات، وحب الرئاسة، والحكم بغير ما أنزل الله، وهكذا، فما هو رأيكم في هذا التقسيم الجديد؟ الجواب رأينا أن هذا تقسيم مبتدَع، لم يقسمه الأوائل من سلف هذه الأمة، وإنما قال سلف الأمة: إن الشرك نوعان: أصغر، وأكبر. وجلي وخفي. فالشرك الأكبر هو: المخرج عن الملة، والشرك الأصغر أو الخفي: ما لا يُخرج من الملة. هذا هو التقسيم الصحيح الذي عليه سلف الأمة؛ ولكن ما ذكره من كون محبة الرئاسة والمال والجاه نوعاً من الشرك صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) فجعل الذين تعلقت قلوبهم بهذا وصار ذلك أكبر همهم جعل ذلك نوعاً من العبادة. أما أن نضرب بما ذكره سلفنا بل بما جاءت به النصوص أيضاً؛ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسُئِل عنه قال: الرياء) . فعلى كل حال التقسيم الذي ذكرتَ مبتدَع ولا يؤخذ به؛ لكن القول بأن الإنسان الذي ينهمك في الدنيا، ويرضى لحصولها، ويسخط لفواتها، قد وقع في نوع من الشرك؛ لأن الرسول سمى هذا عبداً لها. السائل: وهل يدخل تحت ذلك عبادة الشهوات. الشيخ: نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 11 خطر التعميم في محاربة العلم الموروث السؤال فضيلة الشيخ! هناك الآن كثير من الندوات والمحاضرات تلقى وأغلبها في الخارج حقيقة تركِّز على ما يسمى كسر أغلال العلم الموروث، ونقد موسَّع دون تفصيل في هذا الأمر، يأخذون بعض الأمور مثل وجود إسرائيليات أو وجود مثل هذا في بعض ما نُقل عن السلف رحمهم الله ويعممون على الإطلاق، يقولون: إن هذا العلم الموروث هو أغلال أمام التقدم الحضاري، وعندنا الآن مشروع حضاري كبير يجب أن نتقدم، ونلحق الركب، وهكذا، فهل من توضيح لهذه المسألة؟ الجواب لا شك أن العلم الموروث إن قصدوا به التعميم فمقتضى تعميهم هذا أن ننبذ كتاب الله وراء ظهورنا، وأن ننبذ ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورنا، لأنه كله علم موروث، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العلماء ورثة الأنبياء) إذا كانوا يريدون هذا، فلا شك أنهم -إن لم نقل: إنهم خارجون من الإسلام مرتدون عنه- فهم إلى ذلك أقرب من الإيمان، {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران:167] . وإن أرادوا ما وُرث عن بني إسرائيل من القصص التي يكذبها حال مَن نسبت إليه فهذا حق ونحن معهم، مثلاً من قال: إن قصة داود عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21] إن داود عليه الصلاة والسلام عشق امرأة أحد الجنود وأنه أمره أن يذهب ليقاتل لعله يُقْتَل فيأخذ امرأته، هذا لا شك أنه كذب، ولا يليق بداوُد عليه الصلاة والسلام، فهو من بني إسرائيل، التي يجب علينا أن نقطع بكذبها، و {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص:23] أي: امرأة، هذا أيضاً كذب لا شك. فمثل هذه القصص نكذبها، ومثل قصة سليمان وأن الجني أخذ خاتمه، وما أشبه ذلك، كل هذا نكذبه، ونحن معهم في نبذه. وأما الحق الموروث فإننا ننبذ من ينبذه، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 12 سنة ترتيل القرآن وتدبره في صلاة المنفرد السؤال إذا كان الإنسان في صلاة منفرداً سواء كانت هذه الصلاة نافلة أو فرضاً، فهل يجب عليه أن يقرأ سورة الفاتحة وما تيسر من القرآن بترتيل وتدبر وخشوع، وما هي السنة في ذلك؟ الجواب السنة في قراءة القرآن للمصلي أن يقف عند كل آية، وأن يمد ما ينبغي مده، فقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مداً يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:1-3] يمد، ويقف عند كل آية، هذا هو الأفضل والمشهور؛ لكنه ليس بواجب، لو لم يقف الإنسان عند كل آية ولو لم يمد فلا بأس. لكن الأفضل هو هذا، وإذا كان الإنسان وحده، فليقرأ كما شاء بتطويل وترتيل وإسراع لا يخل بالحروف والحركات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) أما إذا كان إماماً فلا يجوز أن يطول بهم على وجه يخالف السنة. السائل: وإذا كانت قراءة عادية؟ الشيخ: لا بأس، لا مانع أبداً، المهم ألا تسقط شيئاً من الحروف، وألا تغير شيئاً من الحركات. السائل: جزاك الله خيراً. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 13 الوزغ مأمور بقتله وهو من الطوافين السؤال فضيلة الشيخ! هل (الوزغ) من الطوافين قياساً على الهرة؟ الجواب الوزغ لا شك أنه من الطوافين؛ لكن الوزغ مأمور بقتله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الأوزاغ، وأن من قتله في أول مرة فله كذا وكذا من الأجر، مائة حسنة، والثانية خمسين، فهو مما أُمِر بقتله، وكيف لا نحرص على قتله وهو ينفخ النار على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. فأحثُّك على أنك إذا وجدت وزغاً أن تقتله، وأن تبادر، وقد كان عند عائشة رضي الله عنها رمح، أعدته لقتل الأوزاغ. السائل: حديث: الحسنات أهو صحيح؟ الشيخ: يعني: بمائة. السائل: صحيح. الشيخ: نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 14 حكم التحية بلفظ: سلمك الله السؤال هل يجوز الرد على من سلَّم بقول: سلمك الله؟ الشيخ: يعني: يقتصر على هذه؟ السائل: نعم. الجواب لا، إذا سلم عليك أحد قل: عليك السلام، لابد من هذا، أما سلمك الله فهذه لم تَرِد هذه الصيغة، وأيضاً عليك السلام صيغة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار، ولهذا قال أهل العلم: إن قول الملائكة لإبراهيم: سلاماً، وقوله: سلامٌ إن رده أكمل من سلامهم؛ لأن قوله: سلامٌ جملة اسمية، وسلاماً جملة فعلية، والجملة الاسمية أدل على الثبوت والاستمرار من الجملة الفعلية، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 15 حكم القراءة من المصحف في صلاة الفريضة السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز القراءة من المصحف أثناء صلاة الفريضة؟ الشيخ: متى؟ السائل: في صلاة الفريضة. الجواب نعم، يجوز للإنسان أن يقرأ من المصحف وهو يصلي، سواء صلاة فريضة أو نافلة؛ لكن عند الحاجة، أما إذا لم يكن حاجة فلا؛ لأنه إذا قرأ في المصحف سوف يفوت بعض السنن، سوف يفوت وضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام وسوف يحدث منه حركة في تقليب الأوراق وفي حمل المصحف ووضعه، وسوف يشتغل بصره بتتبع الكلمات والحروف عن النظر إلى موضع السجود، أو عن النظر الثابت سواء عند موضع السجود أو غيره، فتجد بصرَه يتردد وهذه حركة للبصر، إي نعم. المهم خلاصة الجواب: أنه لا بأس أن يقرأ في المصحف عند الحاجة، سواء في الفريضة أو في النافلة، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 16 صلاة العصر هي أفضل الصلوات السؤال ذكرتَ أن صلاة العصر هي أفضل الصلوات المكتوبة، وقول الله سبحانه وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ألا يدل على أن صلاة الفجر قد تكون أفضل يا شيخ؟! الجواب لا يدل على هذا؛ لأن هذا قرآن الفجر مشهود وكذلك أيضاً العصر؛ لكن العصر لم يذكر لها قرآناها؛ لأن قراءتها أقل من الفجر؛ ولأنها ليست جهراً، وإلا حتى العصر تجتمع فيها الملائكة: ملائكة الليل، وملائكة النهار، كما تجتمع في صلاة الفجر؛ لكن السر والله أعلم أنه لما كانت صلاة الفجر تختص بتطويل القراءة وبكونها جهراً، عَبَّر الله عنها بالقرآن، فقال: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ، ولم يكن ذلك في صلاة العصر، وكما ذكرتُ لكم أن الله قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] والصلاة الوسطى هي صلاة العصر فسرها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 17 الحيوانات النجسة والحيوانات الطاهرة السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للحيوانات المحرمة هل هي نجسة، وماذا يجب على مَن لَمَسها بيده أو بثوبه؟ الجواب الحيوانات المحرمة قسمان: قسم ليس له دم، كالعقرب، والخنفساء، والجعلان، وما أشبهها، هذه ليست نجسة لا في الحياة ولا في الممات، ودليل ذلك: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من وقع الذباب في شرابه أن يغمسه ثم لينزعه ثم ليشربه، ومن المعلوم أنه إذا غُمِس في ماء حار فسوف يموت، فأخذ العلماء من هذا أن كل حيوان ليس له دم يسيل فهو ليس بنجس في الحياة وبعد الممات. - أما الذي له دم يسيل فهو طاهر في الحياة نجس بعد الممات، كالفأرة والوَزَغ وأشباه ذلك، هذا طاهر في الحياة لا بعد الممات، لكنَّ الطوافين منه الذي يكثر ترددهم على الناس سهَّل الله فيه للعباد، فجعله طاهراً في الحياة مثل الهرة والفأرة وما أشبه ذلك، هذه تكون طاهرة في الحياة ونجسة بعد الموت، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة إذا وقعت في السمن أن تلقى وما حولها؟ النجس من الحيوان بعضه نجس نجاسة مغلظة، كالكلب نجاسته مغلظة، إذا شرب في الإناء فإنه يجب أن يُغسل سبع مرات، إحداها بالتراب. فالخلاصة الآن: كل حيوان محرم الأكل فإنه نجس في الحياة وبعد الممات، إلا ما ليس له دم يسيل فهذا طاهر في الحياة وبعد الممات، وما كان له دم يسيل فهو نجس في الحياة وبعد الممات، إلا الطواف الذي يكثر تردده على الناس فهو طاهر في حياته نجس في موته. السائل: إذا لمستُ الكلب؟ الشيخ: عرفتَ التفصيل الآن؟ السائل: الطهارة بالنسبة لمن لمسه! الشيخ: هو ما كان نجساً فلا تلمسه وأنت رطب، إذا لمستَه وأنت رطب أو هو رطب فلابد من غسل يدك. السائل: وإذا كان ناشفاً يا شيخ؟! الشيخ: لا يضر، إذا كان ناشفاً لا يضر. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 18 التوكل المشروع والتوكل الممنوع السؤال فضيلة الشيخ! وبعد: ما الحكم لمن قال لإنسان وهو يبعثه في حاجة ما: اذهب فإني أتكل على الله ثم عليك في قضاء حاجتي هذه؛ لأنا سمعنا من بعض أهل العلم أن هذا الكلام كفر صريح مخرج من الملة، ثم ما الفرق بين هذا القول وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: ما شاء الله، وشاء فلان؛ ولكن قل: ما شاء الله ثم شاء فلان) ؟ جزاكم الله خيراً. الجواب التوكل نوعان: النوع الأول: توكل بمعنى التفويض والتسليم، هذا لا يجوز إلا لله، وهذا النوع يعتقد المتوكل أنه دون المتوكَّل عليه، أنه دونه بكثير، وهذا لا يصح إلا لله. النوع الثاني: توكل بمعنى الاعتماد على الشخص مع الاعتقاد بأنه دونك في الرتبة، وأنك تستطيع أن تفسخ وكالته، وأن تعتمد على غيره، هذا لا بأس به، فإذا قلت: اذهب فأنت وكيلي، أو فأنا موكلك فلا بأس بهذا، وليس هذا عبادة. أما التوكل الذي هو عبادة مثل أن يتوكل الإنسان مثلاً على ميت، أو على إنسان غائب؛ فهذا شرك. السائل: يا شيخ! المقصود به قضاء الحوائج، فيقول: أنا أوكل وكالة شريعة! ما فيه شيء أبداً. الشيخ: فيقول: أتوكل على الله ثم عليك. ما فيها شيء، الرسول قال: (إذا أتاك وكيلي فأعطه كذا وكذا، فإن طلب منك علامة فضع يدك على ترقوته) . لأن بعض أهل العلم يفرق بين (ثُمَّ) في المشيئة وفي التوكل؟ لكن التفريق في التوكل هل هو عبادة وتفويض وتسليم مطلق؟ هذا لا يصح إلا لله، هل المراد وكلتك بمعنى جعلتك نائباً عني في هذا الشيء؟ هذا هو. فهذا لا بأس به. بارك الله فيك. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 19 حديث من بايع النبي على صلاتين فقط السؤال يا شيخ! ورد في مسند أحمد أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على أن لا يصلي إلا صلاتين، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول محقق الكتاب: إسناده جيد، نود توجيه الحديث، بارك الله فيك! الجواب هذا بارك الله فيك! اختلف العلماء في صحته وضعفه، فأما من قال: إنه ضعيف فقد كفانا همه، وأما من قال: إنه جيد أو حسن فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في ذلك في حديث آخر قال: (إنهم إذا أسلموا صلوا) ، فقَبِل منه هذا؛ لأنه يعلم أنه إذا أسلم حقيقة فسوف يصلي. وهل يقال لمن كان في زماننا هذا، من أراد أن يدخل الإسلام بهذا الشرط؟ والله قد أتوقف فيه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (إذا أسلم فسيصلي) قد يكون هذا من علم الغيب الذي أطلع الله رسوله عليه، أما نحن فلا، ولذلك (أمر النبي معاذاً أن يدعوهم إلى خمس صلوات فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة) ، وهذا يدل على أنه لابد أن نقول: خمس صلوات، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 20 الجمع بين وجوب القصر ووجوب الجماعة في السفر السؤال فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً، بالنسبة لصلاة المسافر، نحن نعلم أن صلاة المسافر ليس لها مسافة معينة ولا مدة معينة، وأن الصحيح أن كل ما يطلق عليه سفر يجوز لصاحبه أن يقصر الصلاة، وأن أكثر أهل العلم أوجب عليه القصر ولم يجعله رخصة يُتِم أو يقصر بل أوجبه عليه، فكيف نجمع بين إيجاب القصر على المسافر، وإيجاب أن يصلي مع الجماعة، هذا أولاً. ثانياً: إذا كان هذا المسافر يستطيع أن يصلي مع جماعة من المسافرين ويقصرون الصلاة فهل يجب عليه أن يصلي مع جماعة المسجد أم يصلي مع الرفقة التي معه؟ الشيخ: أما قولك: إن أكثر العلماء أوجبوا عليه القصر فهذا ليس بصحيح، بل أكثر العلماء على عدم وجوب القصر، والمسألة فيها خلاف معروف مشهور، والذي يظهر بعد التأمل: أن القصر ليس بواجب، ودليل ذلك: ما يكاد يكون إجماعاً من الصحابة حيث إن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه كان يقصُر الصلاة في منى في أيام الحج وفي آخر خلافته صار يُتِم، فأنكر عليه ذلك مَن أنكر من الصحابة، ومنهم: عبد الله بن مسعود، حتى إنه لما بلغه أن عثمان أتَمَّ قال: [إنا لله وإنا إليه راجعون] ، واستدل لإنكاره هذا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقصُرون الصلاة، ثم كان يصلي هو خلف عثمان ويُتِم، وكذلك الصحابة يصلون خلفه ويتمون، وسئل عن ذلك فقال: [إن الخلاف شر] ، ولو كان الصحابة يرون أنه واجب -أي: القصر- ما أتموا خلف عثمان؛ لأن من رأى أنه واجب قال: إذا زاد على ركعتين بطلت صلاته، ولا يمكن أن يصلوا خلف عثمان صلاة باطلة؛ لأن هذا محرم، فكنتُ أقول في الأول: إن القصر واجب، استناداً إلى حديث عائشة: (أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر وزِيْدَت في صلاة الحضر) ؛ لكن من فعل الصحابة رضي الله عنهم يترجح أن القصر ليس بواجب؛ ولكنه سنة مؤكدة لا شك، وإذا قلنا: إنه سنة مؤكدة فإننا نقول: إذا ائتم المسافر بمقيم وجب عليه أن يتم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) . ولقول ابن عباس حين سئل عن الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً قال: [تلك هي السنة] . ويبقى هل يجب عليه أن يصلي مع الجماعة أم لا؟ نقول: يجب عليه أن يصلي مع الجماعة لعموم الأدلة الدالة على أن من سمع النداء وجب عليه أن يحضر، وأن يجيب؛ لكن لو فاتته الصلاة أو كان في مكان بعيد يشق عليه أن يذهب إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة فإنه يصلي صلاة مسافر، وإذا كانوا جماعة أقاموا الجماعة، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 21 حكم الإمساك بالميكرفون أثناء الصلاة للحاجة السؤال نحن نصلي أحياناً بمجموعة كبيرة من الطلاب، ونضطر إلى مسك الميكرفون باليد سجوداً وركوعاً وقياماً، فهل في هذا بأس؟ الجواب ليس فيه بأس؛ لكن لماذا لا تشتروا سماعة؟ هناك سماعة صغيرة يستطيع الإنسان أن يجعلها في جيبه ويصلي. السائل: صوتها عالٍ؛ لكن أحياناً قد أضطر إلى إبعادها. الشيخ: المهم على كل حال: أن هذا لا بأس به؛ لأن هذه حركة يسيرة لمصلحة المأمومين، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام ما يشابه ذلك، فإنه لما صُنِع له المنبر صار يصلي عليه فكان يقوم على الدرج يصلي قائماً ويركع فإذا أراد السجود نزل من المنبر وسجد، وقال: (إنما فعلتُ هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) فقوله: (لتأتموا بي) نظير من أمسك بيده الميكرفون أو مكبر الصوت من أجل أن يأتم به مَن خلفَه، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 22 حكم تسمية (عباد عثمان) السؤال فضيلة الشيخ، رجل يقال له: عبَّاد عثمان العبَّاد، ما رأيك في هذا الاسم؟ الشيخ: يعني عبَّاد بن عثمان. السائل: نعم. الجواب ما فيها شيء، أنت تظن أن (عبَّاداً) مضاف و (عثمان) مضاف إليه؟ يعني: أنه يعبد عثمان؟ السائل: نعم. الشيخ: لا، مراده: عبَّاد بن عثمان، لكن جاءتنا هذه اللغة ما ندري من أين جاءت! كنا لا نعرف إلا عبَّاد بن، محمد بن، علي بن، لكن جاءتنا هذه اللغة الأعجمية، وهي: حذف (ابن) ، وصار الناس يقولون مثلاً: علي بن عبد الله: على عبد الله، محمد بن عبد الله: محمد عبد الله، ونسأل الله أن لا يأتي إلينا بإضافة الزوجة إلى زوجها، كما يقولون في زوجة الرجل: فلانة فلان ويتركون الأب، صار أبوها زوجها. السائل: حاصل الآن. الشيخ: حاصل عند غير السعوديين، الحمد لله؛ لكن أنا أقول: نسأل الله أن يحمينا، أخشى أنه لما جاءنا داء حذف (ابن) يأتينا بعده الداء الآخر. السائل: إلى أين يستمر في (ابن) ؟ الشيخ: أبداً، يستمر حتى يصل إلى القبيلة، مثلاً: محمد بن علي بن خالد بن عبد الله بن عباس إلى آخر شيء حتى يصل إلى القبيلة، ويؤتى باسم القبيلة، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 23 التكلف في بيان المناسبة بين الآيات والسور السؤال صنف بعض أهل العلم في كتب التفسير ما يسمى بربط الآيات والسور، وصنفوا مصنفات اختصت بذلك فقط، وبعضهم من تكلف في هذا الربط مع أن الآيات كما نعلم نزلت في أزمنة وأحداث مختلفة، وقد تكون متباعدة، وقد يكون هذا الربط فيه تكلف وفيه من الربط البعيد، فما القول في ذلك؟ الجواب القول في هذا أن الأمر تجد هؤلاء الذين تكلموا في ذلك يتكلفون المناسبة بين الآية والتي تليها، وهذا لا شك أنه من التكلف، نحن نقول: ترتيب الآيات بأمر النبي عليه الصلاة والسلام فهو توقيفي، وهل كل شيء جاءت به الشريعة نعرف معناه، ونعرف حكمته، انظر إلى قوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] كيف جاءت بين آية العِدَد، أكثر الناس لا يفهم معناها، فالله عز وجل حكيم قد تأتي الآية وبينها وبين التي قبلها من البُعْد في المناسبة ما يحتار له الإنسان. فالذي نرى أن يقول الإنسان في ترتيب كلام الله عز وجل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ، وألا يتكلف ذكر المناسبات؛ لكن هناك شيء واضح، مثلاً: لما ذكر الله عز وجل قصة الثلاثة الذين خلفوا وصدقهم قال بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] ، فبعض الآيات المناسبة فيها واضحة، وبعضها فيها تكلف، فينبغي العدول عنه، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 24 المسح على الخفين لمن تيمم أثناء لبسهما السؤال عفا الله عنك! من تطهر ولبس الخفين ثم سافر وصار يتطهر بالتيمم وهو لم يمسح قبل يومين، ثم وجد الماء ومسح، فمتى تبتدئ مدة المسح؟ الجواب نعم، هذا الرجل إذا تطهر وسافر قبل أن يمسح، أم بعد أن مسح؟ السائل: لا، قبل أن يمسح. الشيخ: قبل أن يمسح، نقول: الآن ما دام طهارته بالتيمم فإنه لا يحسب له؛ لكن إذا وجد الماء فالاحتياط في حقه إذا كان قد تم له ثلاثة أيام، الاحتياط أن يغسل قدميه، وإن ابتدأ المسح من أول مرة وجد الماء فلا شيء عليه؛ لكن الاحتياط هو الذي تطمئن له النفس، أن يقال له: إذا تمت ثلاثة أيام من الحدث الذي تيمَّمْتَ بعده فاخلع الخفين واغسل القدمين، نعم. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 25 حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! هل تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما هي السنة في ذلك؟ وهل فعل عبد الله بن عمر اجتهاداً منه أم هو مبني على السنة؟ الجواب شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه لا يسن أن الإنسان يأتي إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام إذا قَدِم من السفر أو يودعه إذا رجع، أو يأتي إليه بعد كل صلاة، ويقول: إن فعل ابن عمر هذا اجتهاد منه، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم. لكن نحن نقول: نتخذ مسلكاً وسطاً، نقول: أما كثرة زيارته وأنت في المدينة فهي غلط، ولا شك أنها إلى البدعة أقرب منها إلى السلامة. وأما إذا قدمتَ وذهبت إلى قبره تزوره فإنه يدخل في عموم قوله: (زوروا القبور) ؛ لكن المخالف يقول: إن هذا لم يزر قبر النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن قبر النبي محجوب، بثلاثة جدران، فهو وإن ذهب ووقف عنده لم يكن زائراً له، فيكون هذا العمل عبثاً. إنما أنا أرى والذي أنا أفعله: أن نذهب ونسلم عليه ونصلي عليه عند القدوم وعند الرجوع من السفر. وأما كل مرة نصلي، نذهب ونسلم عليه، فهذا إلى البدعة أقرب منه إلى السلامة -ما هو إلى السنة- إلى السلامة، يعني يُخْشَى أن يكون هذا الرجل مبتدعاً؛ لأنه لم يكن من عهد السلف الصالح. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 26 قول المعلم لتلميذه: يا أخ فلان السؤال فضيلة الشيخ! أعمل معلماً ولي تلاميذ صغار أناديهم بكلمة: يا أخ فلان! هل في ذلك بأس؟ الشيخ: أيش؟ السائل: أعمل معلماً، ولي تلاميذ صغار في الصف الأول الابتدائي، أناديهم بكلمة: أخ فلان، وأخ فلان، وأخ فلان، فهل في ذلك بأس؟ الجواب ليس فيه بأس؛ لأنهم إخوة لك في الإيمان. السائل: بعض الزملاء يقولون. الشيخ: لكني أرى أن تقول: يا بُنَي! السائل: يا بُنَي! الشيخ: أو يا ابْنِي، أحسن. السائل: جزاك الله خيراً. الشيخ: حتى يتعود الصغير على توقير الكبير؛ لأنك إذا قلت له: يا أخي! فهم منك أنك وإياه في مستوىً واحد، والذي ينبغي أن نربي أبناءنا على احترام الكبير الاحترام اللائق به. السائل: جزاك الله خيراً. الجزء: 138 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [139] تناول الشيخ في مطلع تفسيره لسورة الذاريات للكلام عن البسملة، ثم شرع في الدخول في تفسير الآيات موضحاً ومبيناً الفوائد المستنبطة والدلائل والإشارات الخفية التي تضمنتها الآيات ثم أردف ذلك بالجواب عن أسئلة المستمعين. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثلاثون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير القرآن الكريم، وقد انتهينا إلى آخر سورة (ق) ونبتدئ الآن بمعونة الله وتوفيقه بسورة الذاريات. قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1-2] إلى آخره. اعلم أولاً: أن البسملة آية من كتاب الله؛ لكنها آية لا تحسب من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، ولذلك نقول: إن الفاتحة أول آياتها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] كما جاء ذلك صريحاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:1] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) [الفاتحة:2] قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ((مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) [الفاتحة:3] قال: مجدني عبدي، وإذا قال: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:4] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:5] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) . وبناءً على ذلك لو قرأ الفاتحة بدون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأن البسملة ليست آية من الفاتحة، وتجدون في المصحف أنها معدودة من آياته، فهي رقم (1) ؛ لكن هذا مبني على قول ضعيف، والصواب أن آياتها سبع: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:1-7] سبع آيات. يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات:1-4] : أقسم الله تعالى بهذه المخلوقات؛ لأنها دالة على عظمته تبارك وتعالى، ولما فيها من المصالح والمنافع. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والذاريات ذرواً) أما قوله: {وَالذَّارِيَاتِ} [الذاريات:1] : فالذاريات هي: الرياح تذروا التراب وغير التراب، قال الله تبارك وتعالى: {فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45] أي: تفرقه، وفي أمكنة متعددة. وأقسم الله بالذاريات لما فيها من المصالح الكثيرة، ففي تصريفها حكمة بالغة، فمنها الرياح الدافئة، ومنها الرياح الباردة، على حسب ما تقتضيه حكمة الله عز وجل؛ ولأنها أيضاً -أعني الرياح- تثير سحاباًَ، فيسقي به الله الأرض، ولأنها تسير السفن، ففيما سبق كانت السفن تجري على الرياح، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [يونس:22] . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فالحاملات وقراً) قال تعالى: {فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:2] : المراد بها: السحاب، تحمل المياه مُوَقَّرة، أي: مُثْقَلَة محمَّلة، قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد:12] ، فهي ثقيلة محمَّلة بمياه عظيمة -بحار- ولذلك تنظر الأرض فتجد الأرض أنهاراً بإذن الله عز وجل. إذاً: الذاريات: الرياح، والحاملات: السحاب، والارتباط بينهما ظاهر؛ لأن الرياح هي التي تثير السحاب، وأيضاً هي التي تلقح السحاب بالماء، قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} [الحجر:22] . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فالجاريات يسراً) قال تعالى: {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} [الذاريات:3] (الجاريات) هن السفن. (يُسْراً) أي: بسهولة، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] أي: في السفينة، هذه السفن تجري ميسَّرة بإذن الله عز وجل بما يسره الله تعالى من الرياح الطيبة. {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} هي: السفن، تجري بإذن الله عز وجل ميسرة مسهلة، وكلما كانت الريح مناسبة كان سيرها أيسر. جاءت السفن الآن -النارية- التي لا تحتاج إلى الرياح، فصارت أيسر وأيسر، تجدها قرى كاملة تمخر عباب الماء، وتسير بسهولة. الارتباط بين هذه الثلاثة: أن السحب تحمل الأمطار فتنزل إلى الأرض ويكون فيها الرزق للمواشي والآدميين. الجاريات يعني: السفن، هي أيضاً تحمل الأرزاق من جهة إلى جهة، لا يمكن أن تصل مثلاً الأرزاق من جهة إلى جهة أخرى بينها وبينها بحر إلا عن طريق السفن. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فالمقسمات أمراً) قال تعالى: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات:4] وهم الملائكة، وجَمَعَهُم لأنه يجوز جمع المؤنث باعتبار الجماعات، أي: فالجماعات المقسمات. (أمراً) التي تقسم الأمر أي: شئون الخلق، ويحتمل أن يكون أمراً أي: بأمر الله، والمعنى صحيح على كلا التقديرين، فإن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقسمون -ما يريد الله عز وجل من أرزاق الخلق وغيرها- بأمر الله عز وجل، هذه أربع جمل: الأولى: الذاريات. الثانية: الحاملات. الثالثة: الجاريات. الرابعة: المقسمات. كل هذه مُقْسَم بها. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إنما توعدون لصادق) المُقْسَم عليه: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات:5] : أي: ما وعدكم الله تعالى فهو وعد صادق، والصادق هو: المطابق للواقع؛ وذلك لأن الخبر نوعان: نوع يخالف الواقع، وهذا يسمى: كذباً. ونوع يطابق الواقع، وهذا يسمى: صدقاً، سواء كان المخبر عنه ماضياً أو مستقبلاً. فأقسم الله عز وجل بهذه المخلوقات العظيمة على أن ما يوعَد صادق، فلابد أن يقع، إذا وقع ما نوعَد وهو: البعث يوم القيامة يتلوه الجزاء. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وإن الدين لواقع) ولهذا قال: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:6] : (الدِّين) يعني: الجزاء، وتعلمون أن الدين يطلق أحياناً بمعنى الجزاء، وأحياناً بمعنى العمل، ففي قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] المراد به العمل، وفي قوله تبارك وتعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17-18] المراد به الجزاء. هنا {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} أي: الجزاء لابد أن يقع؛ لأن الله على كل شيء قدير، وقد مر في سورة (ق) أن الله تعالى قال: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44] . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (والسماء ذات الحبك) ثم قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات:7] :- (السماء) معروفة. {ذَاتِ} بمعنى: صاحبة. {الْحُبُكِ} أي: الطرق أنها من حسنها كأنها ذات طرق محبوكة متقنة، كما ترون ذلك في جبال الرمل، جبال الرمل تجدها مضلعة، الهواء مع كثرته عليها تكون مضلعة، إذاً: السماء كذلك، {ذَاتِ الْحُبُكِ} . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إنكم لفي قول مختلف) قال تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات:8] : {إِنَّكُمْ} الخطاب للكافرين. {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} أي: يختلف بعضه عن بعض، كيف ذلك؟ بعض الكفار قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: إنه مجنون، هذا قول. وبعضهم قالوا: إنه ساحر، هذا قول. وبعضهم قالوا: إنه كاهن، هذا قول. وبعضهم قالوا: إنه شاعر، هذا قول. وبعضهم قالوا: إنه كذاب، هذا قول. فهم مختلفون في النبي صلى الله عليه وسلم، واختلاف الأقوال يدل على كذبها وفسادها، كلما رأيت قولاً مختلفاً متناقضاً، فاعلم أنه باطل وليس بصحيح؛ لأن الحق لا يمكن أن يتناقض، فهؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام اختلفوا على ما سمعتم، {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (يؤفك عنه من أفك) قال تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:9] : {يُؤْفَكُ} بمعنى: يُصْرَف. {عَنْهُ} قيل: إن الضمير يعود على الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: يُصْرَف عن الرسول صلى الله عليه وسلم مَن صُرِف من الناس. وقيل: إن الضمير يعود على القول، وعلى هذا القول تكون (عَنْ) بمعنى (الباء) ، أي: يؤفك بهذا القول مَنْ أُفِكَ، يُصْرَف بهذا القول عن الحق مَن صُرِف، وهما -أي: المعنيان- متلازمان، والأقرب: أن الضمير في قوله: {عَنْهُ} يعود على القول؛ لأنه أقرب مذكور، {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ} أي: عن هذا القول، أي: بسببه {مَنْ أُفِكَ} أي: مَن صُرِف عن الحق؛ وذلك لأن من البيان سحراً، إذا جاءك رجل بليغ فصيح وصار يورد عليك الشبهات والشكوك، ألست تنخدع بقوله؟ بلى. هؤلاء المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام عندهم فصاحة، عندهم بلاغة، عندهم تمويه، دجل، فيصرفون الناس، وقوله: مَن صُرِف {مَنْ أُفِكَ} هل المراد: مَن قدر الله عليه أن يُصْرَف؟ أو المراد: {مَنْ أُفِكَ} أي: من صرفه هؤلاء المختلفون؟ هما متلازمان أيضاً، فإن هؤلاء الذين يضلون الناس لا يمكن أن يضلوهم إلا بإذن الله عز وجل، (من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده فلا مضل له) فهم الذين يأفِكون الناس، أي: يصرفونهم سبباً -هم السبب- لكن المقدر للصرف هو الله عز وجل. ولكن اعلم -أخي المسلم- أنه لا يمكن أن يصرف عن الحق إلا من علم الله منه أنه ليس أهلاً للحق -نسأل الله لنا ولكم السلامة- ولهذا قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] وكذلك الله أعلم حيث يجعل رسالته في الذين يمتثلونها ويؤمنون بها، ويدل على هذا الذي قلنا قول الله تبارك وتعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] ؛ ولكن احذر إذا رأيت ضالاً أن تقول: هذا ليس أهلاً للهداية؛ لأن هناك فرق بين القول بالعموم، والقول بالتعيين. القول بالتعيين حرام؛ لأنك قد ترى شخصاً ضالاً، وتقول: هذا لا يهتدي، وإذا به يهديه الله عز وجل، والعكس بالعكس ربما ترى شخصاً مستقيماً تقول: هذا لا يمكن أن يضل، فإذا به يضله الله، المهم: إياك أن تشهد لمعين، لكن حقيقة أنك إذا رأيت ضالاً متمرداً مستكبراً عن الحق، فإنك بقلبك تستبعد أن الله يهديه؛ لكن لا تقل: إن الله لا يهديه! ألم يبلغكم أن رجلاً كان مجتهداً في العبادة، وهناك آخر مُسْرِف على نفسه، فكان يمر به هذا الرجل وينصحه ولكن ذاك يقول: إنك لا تحول بيني وبين ربي، دعني وربي، فقال المجتهد بالعبادة ذات يوم: والله لا يغفر الله لك، أو قال: والله لا يدخلك الله الجنة، فقال الله تعالى: (من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) نسأل الله العافية، لهذا لا تعجب بنفسك، ولا تيأس من رحمة الله، لا فيما يتعلق بك، ولا فيما يتعلق بغيرك، فإن الله على كل شيء قدير. لكن نعلم على سبيل العموم أن الإنسان إذا لم يكن أهلاً للهداية، فإنه لن يهتدي، فإذا رأينا هذا الشخص منحرفاً مستكبراً، معانداً فلا شك أنه يغلب على ظننا أنه ليس أهلاً للهداية؛ لكن ليس لنا أن ننطق بذلك، يحرم علينا أن ننطق، ويُخشى أن يقال لنا كما قيل لهذا الرجل: (قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) . وهنا نقطة مهمة وهي: الفرق بين التعيين والإطلاق، مثلاً نحن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة؛ صح أم لا؟ نعم. لكن إذا رأينا شخصاً مستقيماً يصلي ويزكي ويصوم ويحج ويتصدق ويحسن ويبر والديه ويصل رحمه، هل نشهد بأنه في الجنة؟ لا. التعيين شيء، والإجمال شيء آخر، حسن! رأينا رجلاً كافراً ملحداً مُسَلَّطاً على المسلمين يمزق كتاب الله ويدوسه برجليه ويستهزئ بالله ورسوله هل نقول: هذا من أهل النار؟ لا، بل نقول: مَن فعل هذا فهو من أهل النار، والتعيين لا تعين؛ لأنه من الجائز في آخر لحظة أن الله يمن عليه ويهديه، فأنت لا تدري. لذلك يجب عليكم أن تفرقوا بين التعيين والإطلاق، أو التعيين والإجمال. مات رجل ونحن نعرف أنه مات على النصرانية حسب ما يبدو لنا من حاله، هل نشهد له بالنار، لا نشهد؛ لأنه أولاً إن كان من أهل النار فسيدخل ولو لم نشهد، وإن لم يكن من أهل النار فشهادتنا شهادة بغير علم، فمثل هذه المسائل لا داعي لها، يعني: لو قال قائل: مات رجل من الروس من الملحدين منهم، مات رجل من الأمريكان من الملحدين منهم، من اليهود من الملحدين، العنه واشهد له بالنار، نقول: ما يمكن، نحن نقول: من مات على هذا فهو من أهل النار، من مات على هذا لعناه، أما الشخص المعين فلا، ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة قالوا: لا نشهد لأحد بالجنة أو بالنار، إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 139 ¦ الصفحة: 12 مسائل تتعلق بالفتيات الصغيرات السؤال فضيلة الشيخ! سؤالي هو: عن البنت الصغيرة التي لم تحض، ماذا يكون الحكم بالنسبة لها في الثلاث حالات التالية: بالنسبة لغطاء الوجه خارج المنزل؟ ولبس ما اشتهر من البنطلون بأي شكل من الأشكال، أو أي حال، أو سبب؟ وكذلك الاختمار عند الصلاة؟ الجواب نعم. هذا الأخ ذكي، جمع ثلاثة أسئلة في سؤال واحد، عفا الله عنا وعنه. البنت الصغيرة التي دون السبع هذه لا حكم لعورتها، يعني تكشف وجهها، وتلبس الثوب القصير، ولا بأس، وإن كنا نرى ألا تعود لبس الثوب القصير؛ لأنها إذا لبست الثوب القصير خفَّ حياؤها إذا كَبُرَت؛ لكن مَن جاوزت ذلك فإن النساء يختلفن، مِن النساء مَن يكون شبابها طيباً، ولحمتها كبيرة حتى ترى مَن لها عشر سنوات تقول: هذه بالغة، فمتى تعلق النظر بها -بقطع النظر عن سنها- وجب عليها أن تحتجب. وأما لبس البنطلون: فإنه حرام؛ لأنه من باب التشبه بالرجال، ولأنه يكون ذريعة إلى الدخول في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نساء كاسيات عاريات، وهن من أهل النار) . وأما بالنسبة للصلاة: فالصلاة لها أن تكشف رأسها ووجهها وقدميها وكفيها، ما لم تبلغ، فإذا بلغت فقد قال العلماء رحمهم الله: يجب عليها أن تستر جميع بدنها إلا الوجه، وأَلْحَقَ بعضُ العلماء بالوجه: الكفين، والقدمين، هذا إذا بلغت، أما قبلُ فإن عورتها كعورة الرجل على ما ذكره الفقهاء رحمهم الله. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 13 الأشرطة التي فيها قرآن لا يثبت لها حكم المصحف في المس السؤال فضيلة الشيخ! هل الأشرطة التي تحمل بعض سور القرآن الكريم، وربما تحمل القرآن كاملاً هل يكون لها من الاحترام مثل القرآن -أي: المصحف- من حيث وضعها في بعض الأماكن، وربما ترمى في الأرض أو السيارة ونحو ذلك؟ وكذلك لمسها وحملها هل يشترط له طهارة أم لا؟ وأيضاً الأشرطة التي فيها ذكر غير القرآن هل لها نفس الحكم أم لا؟ أفتونا مأجورين. الجواب الأشرطة التي فيها القرآن لا يثبت لها حكم القرآن من حيث المس، فلك أن تمسها بغير وضوء؛ لكن كونها تُلْقَى في الزبل، والإنسان يعلم أن فيها قرآناً، النفس تنفر من هذا لا شك، ولا ينبغي. أما الأشرطة التي فيها الذكر فهي أقل شأناً من ذلك؛ لأنك تعلم أن ما كُتب فيه الذكر لا يُعطى حكم المصحف؛ لكن مهما عظَّمت كلام الله وذكر الله فهو خير لك. ثم هناك جهاز يَمْحو جميع الذي في الشريط، ممكن الإنسان يشتريه، وإذا استغنى عن الأشرطة هذه سحبها عليه وانمحت بالمرة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 14 حكم استقدام السائق والخادمة السؤال فضيلة الشيخ! ما هو حكم الشرع بالنسبة لاستقدام السائق والخادمة؟ أرجو التفصيل! الجواب أولاً: أنا أنهاك أن تقول لشخص: ما حكم الشرع؛ لأن الشخص قد يخطئ ويصيب، ويقول: هذا حكم الشرع وليس حكم الشرع، إلا إذا قيَّدتَ قلت: ما حكم الشرع في نظرك، لا بأس، أو ماذا ترى في كذا. استقدام الخادم والخادمة لا شك أنه من الترف، ويقولون: إن في الترف التلف؛ إلا عند الحاجة، إذا دعت الحاجة فلا بأس باستقدامهما؛ لكن يكون كلٌّ منهما مسلماً. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 15 حكم استقدام الخادمات الكافرات السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم استجلاب الخادمات الكافرات داخل المملكة العربية السعودية؟ الجواب هذا أجبنا عليه. السائل: الكافرات! الشيخ: قلنا: لا تستقدم إلا خادمة مسلمة، وأيضاً معها محرمها، إلا عند الضرورة، إذا لم تجد مسلمة وكنت مضطراً إلى الخادمة فأتِ بها مع محرمها؛ لأن الخادمة الكافرة في الحقيقة أولاً كيف الإنسان يُبْقِي عنده في بيته من كان عدواً له ولله؟! كيف يرضى بهذا؟! ثانياً: بلغني أن بعض الخادمات من نصحهن إذا أصبحن قلن للصبيان الصغار: قولوا: المسيح ابن الله، قولوا: يا مسيح! يا ربنا المسيح، وما أشبه ذلك، هي جاءت بهذا اجتهاداً منها؛ لأنه دينها، فيُخْشَى من مثل هؤلاء النساء أن يُضْلِلْنَ العائلة. ثم إنها إذا كانت عندك في البيت وأذَّن المؤذن، وقام الناس يصلون، وهي لم تصلِ، ثق بأن شأن الصلاة سوف يخف في قلوب النشء، ويقولون: الصلاة مَن شاء صلى ومَن شاء لم يصلِّ. ففي استجلاب الخدم الكافرات محاذير كثيرة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 16 حكم التوكيل في الإمامة السؤال فضيلة الشيخ! إمام مسجد استلم المسجد، ثم وكَّل واحداً، يعني: هو يستلم الراتب، ويتقاسَمون الراتب، هل يجوز هذا؟ الجواب إمام استلم المسجد، وأقام من يصلي عنه! السائل: نعم. الشيخ: من يصلي عنه بالراتب أو ببعض الراتب أرى أن هذا لا يجوز، إذا كان هذا الذي أقامه مقامه إذا كان أهلاً للإمامة فليتقدم هو بنفسه ويكون إماماً، إذا لم يكن أهلاً للإمامة إما لصغر سنة، أو لكون النظام لا يوظِّف مثله فلا يجوز أن يتستر عليه. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 17 طهارة القيء السؤال ما حكم القيء؟ الشيخ: من أي ناحية؟ السائل: من ناحية نجاسته! الجواب القيء ليس بنجس. السائل: سواء الصغير أو الكبير! الشيخ: سواء من الصغير أو من الكبير؛ إلا إذا وجدتَ دليلاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام فخذ به؛ لأن القيء كما تعلم يكثُر وقوعه من الناس؛ فإذا لم نجد في القرآن ولا في السنة أنه نجس فليس بنجس، كما أنه لا ينقض الوضوء أيضاً. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 18 حكم سفر المرأة مع السائق إذا كان معها نساء السؤال ما حكم سفر المعلمة لوظيفة في قرية من قرى المنطقة التابعة لتخرج مع السائق التابع لنقل المعلمات، ومعه والدته أو زوجته أو أخته، ومع مجموعة من المعلمات؟ الجواب خروج المرأة مع السائق إذا كان معها نساء، وليس سفراً بل لضواحي البلد أو أبعد من ذلك؛ لكنها ترجع في يومها فلا حرج في ذلك؛ لأن الممنوع واحد من أمرين: إما السفر. وإما الخلوة. وهنا لا سفر، ولا خلوة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 19 حكم تأخير السنة الراتبة عن وقتها السؤال فضيلة الشيخ! السلام عليكم، ما حكم تأخير السنة الراتبة إلى وقت آخر، يعني: عندما يخرج وقت الظهر، يبدأ بالسنة الراتبة في وقت العصر، أو المغرب إلى العشاء؟ الجواب أعطيك قاعدة تنتفع بها إن شاء الله: كل عبادة مؤقتة إذا أخرها الإنسان عن وقتها بلا عذر فإنها لا تقبل منه، سواء فرضاً أو نفلاً، والرواتب مؤقتات أم غير مؤقتات. السائل: مؤقتات. الشيخ: مؤقتات، إذا أخرتها عن وقتها لغير عذر فلن تقبل منك، وإن أخرتها لعذر فمتى زال العذر فصلِّها، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 20 حكم التدريس في المعاهد التي تتعامل مع البنوك السؤال فضيلة الشيخ! بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، عظم الله لك الأجر يا شيخ! ووفقنا وإياك إن شاء الله وجميع الحاضرين والسامعين، في الحقيقة هناك ملاحظة قبل السؤال حاولت أنا كثيراً من الرياض أن أتصل بالهاتف، فلم أستطع وبعض الزملاء، فأرجو إذا يمكن أنه يُطال فترة الاتصال بالهاتف حتى يتمكن الناس من خارج المنطقة من الاتصال. فلكم النظر إن شاء الله فيما بعد في هذا. سؤالي هو: سؤال لي ولبعض الزملاء في العمل، وهو متعلق بالعمل، نحن دكاترة في الجامعة ندرس مادة الإدارة والتسويق وخلافها، وطُلِب منا التعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي، والمؤسسة يتبعها معهد اسمه (المعهد المصرفي) يدرس في هذا المعهد طلاب أو موظفون؛ موظفو البنوك التجارية، يقوم بتمويل المعهد: المؤسسة مع المعهد، بالإضافة أن هناك رسوم للدراسة تقدم للموظفين يدفعها البنك عنهم، طُلِب منا في الجامعة التعاون مع المعهد، هذا للتدريس. فسؤالنا هو: عن حكم التدريس في مثل هذا المعهد؟ مع العلم أن التدريس هذا طبعاً لا يتعلق بالنواحي المالية أو الربوية، وإنما يتعلق بالنواحي الإدارية. ويدور السؤال حول الرسوم التي تدفع من البنوك أيضاً، تشترك فيها المؤسسة -مؤسسة النقد العربي السعودي- بالإضافة إلى الرسوم التي يأخذونها من البنوك. فسؤالنا هو: عن وظيفتنا نحن في مثل هذا المعهد، كتعاون معهم في التدريس! وجزاكم الله خيراً. الجواب هل تتعاونون على إثم وعدوان؟ السائل: هو هذا الذي نسأل عنه يا شيخ! الشيخ: أسألك أنا! أنا ما أعلم، هل يقولون: ائتوا علمونا الربا، وكيف نستغله، وكيف نحصل عليه؟ السائل: ذكرتُ لك يا شيخ! أنه في جانبين: في النواحي الإدارية، نعلمهم كيف يديرون العمل، وكيف يتعاملون مع الناس، يعني: لا نعلمهم النواحي الربوية وكيف يديرون عملية الربا؛ لكن السؤال هو: أنه سوف تتقاضى الأجر، يعني: الأجر أتى أصلاً من دفع رسوم الدراسة! الشيخ: ليس فيه شيء؛ لأن دفع رسوم الدراسة ليس ظلماً ولا إكراهاً، بل هو باختيار الدارس، أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً، مأخوذ عن طيب نفس منهم. السائل: فهل هذا يعني أننا نفصل بين ما إذا كانت تدرسهم المعاملات الربوية والنواحي المالية، وتدرسهم شيئاً آخر يتعلق بالوظيفة؟ الشيخ: حتى تدريس المصارف الربوية أو العقود الربوية، إذا كنتَ تدرسها من أجل أن تبين حرمتها، وأن هذا لا يجوز فهذا طيب، يعني: فيه بيان حق. السائل: لكن حتى لو كنتُ أعرف أن الشخص هذا أنا سوف أدرسه النواحي الربوية، نأخذ الجانب الآخر؛ ولكن أعرف أنه سوف يطبقها، وسوف يتعامل فيها حتى وإن بينت له؟ الشيخ: لا. إذا علمتَ أنه سيطبقها لا تعلمه، كل عمل مباح تعرف أن صاحبه -أو يغلب على ظنك أن صاحبه- يستعمله في المحرم لا تفعل. السائل: وإذا كان من نواحٍ غير ربوية. الشيخ: ما فيها شيء، ما أرى فيها شيئاً. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 21 حكم إعطاء الزكاة للغرماء السؤال فضيلة الشيخ! امرأة تأتيها زكوات، وتعرف بعض الفقراء المدينين لها، هل تأخذ هذه الزكاة تقاضياً لحقها؟ الجواب هذا لا يجوز، لا يجوز -إذا أعطي الإنسان زكاة- لا يجوز أن يخص بها غرماءه الذين يطلبهم؛ لأن هذه محاباة؛ لكن إذا كان صادقاً فليقل للذي أعطاه الزكاة: يا فلان! أعطيتني الزكاة أوزعها، وأنا أطلب فلاناً وفلاناً كذا وكذا، هل تسمح أن آخذ الزكاة عن هؤلاء؟ إذا قال: نعم. لا بأس، أما بدون أن يخبره، فلا يجوز أن يعطي غرماءه شيئاً منها؛ لأن هذه محاباة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 22 حكم سنة الوضوء لمن توضأ قبيل المغرب السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم سنة الوضوء، لمن توضأ قبيل المغرب؟ الجواب سنة الوضوء، إذا توضأ الإنسان قبل المغرب فإنه يصلي سنة الوضوء؛ لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن كل صلاة لها سبب، فإنها تُفْعَل ولو في وقت النهي، وأن النهي إنما هو عن الصلاة التي لا سبب لها، خذوا هذه، كل صلاة لها سبب صلِّها ولو في وقت النهي، مثل: سنة الوضوء، وغيرها. ! السائل: وتحية المسجد. الشيخ: وتحية المسجد. السائل: وصلاة الكسوف. الشيخ: وصلاة الكسوف. السائل: وصلاة الاستخارة. الشيخ: وصلاة الاستخارة إذا كان يفوت الشيء قبل زوال وقت النهي، فالمهم أن كل صلاة لها سبب فلا نهي عنها. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 23 حكم الاستنشاق والمضمضة في الغسل السؤال رجل اغتسل من جنابة، ثم لم يتمضمض ولم يستنشق، هل يصح منه ذلك؟ الجواب هذا لا يصح الغسل، المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء والغسل، ولابد منهما، أما الوضوء فليس واجباً في الغسل، يعني: لو أن الإنسان تمضمض واستنشق وانغمس في بركة ناوياً رفع الجنابة فلا حرج عليه، يصلي ولا حرج؛ لأن الله جعل للجنب طهارة خاصة، ماذا قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء، فدل هذا على أن فرض الجنب أن يتطهر وإن لم يرتب، وإن لم يتوضأ. السائل: والاستنشاق؟ الشيخ: لابد من المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 24 حكم امرأة زُوِّجت بإذن ولي الأمر البعيد مع وجود القريب وإقراره بعد ذلك السؤال امرأة زُوِّجَت بولي الأمر البعيد مع وجود القريب، وبعد ذلك أقر، ما حكم هذا الزواج؟ الجواب يعني: القريب أقر النكاح؟ السائل: أقر النكاح، سواء كان في الأسبوع الأول أو بعد مضي سنين عديدة، يترتب عليه سؤال آخر قصير، مثلاً: إذا كان هذا هو لا بأس عند المذهب، هل إذا كان الصحيح أنه ما يجوز، مثلاً الشخص يفتي بعدم جواز ذلك؟ الشيخ: هو على كل حال: المشهور عند فقهاء الحنابلة أن هذا لا يصح، يعني: لا يصح تزويج البعيد مع وجود القريب، ولو أذن له بعد ذلك، وعلى هذا فيجب إعادة العقد، وما حصل من ذرية قبل ذلك فهي للرجل، كما أنه للمرأة. ولكن القول الراجح: أنه إذا أقر الولي القريب عقد الولي البعيد فإن النكاح صحيح. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 25 حكم أيمان الكفار من حيث القبول وعدمه السؤال فضيلة الشيخ! هل تُقبَل أيمان الكفار عموماً؟ أم لا تُقبَل إلا من أهل الكتاب فقط؟ الجواب قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) وهذا عام، والخصومات يستوي فيها الكافر والمسلم، والكتابي وغير الكتابي، ولهذا حتى لو فرضنا رجلان: أحدهما مسلم، والثاني كافر، جاءا يختصمان إلى قاضٍ، لا يجوز أن يقدم المسلم على الكافر، بل يجعلهما جميعاً بين يديه، حتى في الدخول، ما يقول للمسلم: ادخل قبل الكافر، يجعل الدخول موكولاً إليهما، إن دخل هذا قبل هذا ما عليه منه، فالجلوس لابد أن يجلسهما أمامه على حد سواء، في النظر إليهما، في بسط الوجه، يجب أن يكون سواءً أيضاً؛ لأن هذا حكم، والحكم يجب فيه العدل، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] . الجزء: 139 ¦ الصفحة: 26 من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم قبل النوم السؤال يا فضيلة الشيخ! كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبل النوم أن ينفث في كفيه، فما أدري، يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، وسورة الناس، والفلق؟ ما أدري ما هي الصفة؟ الجواب الصفة أنه يقول هكذا بيديه، يعني: يضم بعضها إلى بعض، ثم ينفث فيهما، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1] ، ويمسح بهما وجهه، وما استطاع من بدنه. ثلاث مرات مع بعضها! السائل: مع بعضها! الشيخ: نعم. السائل: والنفث قبل يا شيخ؟ الشيخ: النفث قبل أو بعد، ظاهر الحديث أن النفث يكون قبل؛ لكن الأمر واسع إن شاء الله. السائل: كلها ثلاث مرات. الشيخ: كلها ثلاث مرات، تقرأ ثلاث مرات مع المسح. السائل: المسح ثلاث مرات يعني! الشيخ: إي نعم، يتبعه قراءة. السائل: أي: النفث ثلاث مرات! الشيخ: النفث ثلاث مرات، والقراءة ثلاث مرات. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 27 الحث على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام مثل هذه الدولة التي وقعت بين المسلمين وهي: دولة اليهود، فيما نرى أن يوجه لها كلام إرشاد إذا كانوا يقبلون الإرشاد، في كيف يسلمون مثلاً؟ وكيف كذا؟ وعسى أن يسلموا ويسلم الجميع، كما قال الله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28] ! بارك الله فيكم! وعن طريق الإذاعات، وإذا كانوا يقبلون الإرشاد يدخل إليهم مرشدون، وفلسطين عندهم تقصير كثير، والمسلمون عندنا تقصير في أرضنا، والكمال لله سبحانه؟ الجواب أما المسألة الأولى: فلا شك أنه واجب على المسلمين أن يدعو عباد الله إلى دين الله، من اليهود والنصارى وغيرهم، قال الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ؛ ولكن هذا الواجب في الواقع قد أضاعه المسلمون، إما عجزاً منهم، أو يأساً، أو غير ذلك من الأسباب التي نعلم بعضها أو لا نعلمها، ونسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية عزها وكرامتها حتى تستطيع أن تدعو الناس إلى دين الله أو إلى الخضوع لدين الله؛ لأن الواجب أن نقاتلهم إلى أن يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 28 كيفية التصرف بالمصاحف التالفة السؤال عندي سؤال عن كيفية التصرف بالتالف من المصاحف في البيوت وفي المساجد كيف نعمل بهما؟ أرشدكم الله لجميع المسلمين. المصاحف التالفة تُحْرَق كما فعل الصحابة رضي الله عنهم حين أحرقوا المصاحف الزائدة عن مصحف عثمان، تُحْرَق وتُدْفَن في مكان نظيف. السائل: أو يُحفر لها حفرة بدون حرق! الشيخ: لا. أحسن تحرق؛ لأنه ربما إذا حفرت حفرة تُنْبَش فيما بعد. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 29 حكم قضاء الصلاة على من أغمي عليه السؤال ما حكم من أُغْمِي عليه لمدة أربعة أيام وزيادة بسبب جلطة، وبعدها أفاق وعادت عليه الجلطة هذه، فيسأل هل يقضي ما فاته من الصلاة أم ماذا يفعل؟ الجواب الصحيح أنه لا قضاء على المغمى عليه إذا كان بغير اختياره. السائل: يعني: حتى ولو كان ببنج؟ الشيخ: لا. أنا قلت لك: بغير اختياره، من أجل أن تعرف أنه إذا أغمي عليه باختياره فعليه القضاء، والبنج يغمى عليه باختياره؛ يعني لو بُنِّج الإنسان ولم يصحُ من البنج إلا بعد يوم أو يومين فعليه القضاء؛ لكن إذا كان بغير اختياره، مثل -كما قلتَ- جلطة أو صدمة، أو سقوط من جدار أو نحوه، فلا قضاء عليه، إلا الصوم، الصوم لابد أن يقضيه، حتى وإن كان مغمىً عليه؛ لأن الصوم ليس كالصلاة تتكرر كل يوم، ولهذا أمرت الحائض بقضاء الصوم ولم تؤمر بقضاء الصلاة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 30 معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مررت بقبر الكافر فبشره بالنار) السؤال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتَ بقبر الكافر فبشره بالنار) ماذا يؤخذ من هذا الحديث؟ الجواب مراد الرسول عليه الصلاة والسلام، الذين دُفِنوا في حياته؛ لأن غالبهم قامت عليهم الحجة. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 31 حكم مؤذن منع وكيل الإمام من الصلاة بالناس وقدَّم غيره السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من وكله الإمام بالمسجد للصلاة بهم، وعندما حضر الوكيل للصلاة منعه المؤذن للصلاة، وأقام رجلاً آخر، وعلة المؤذن في ذلك قلة علم الموكَّل؟ الجواب هذه في الواقع جناية من المؤذن، المؤذن ليس له دخل في الإمامة إطلاقاً، الإمامة أمرها إلى الإمام، وليس أحد من الناس يعجز عن أن يؤم الناس، القراءة الفاتحة وما تيسر، كل يقرؤها الحمد لله. فأرى أن هذا المؤذن -هداه الله عما يستقبل، وعفا عما سلف- أنه أخطأ، وتجرأ على حق الإمام، وليس له الحق أن يقيم الآخر. وعلى رأي بعض العلماء تكون صلاتهم باطلة، وصلاة الذي أمهم باطلة؛ لأنه ليس إماماً راتباً، ولا نائباً عن الإمام الراتب؛ لكن نرى أن الإمامة صحيحة إن شاء الله، قصدي أن الصلاة صحيحة، وأن الفعل محرم. ثم هذا الذي أقام المؤذن كان يجب عليه أن يقول: لا. لا أصلي ووكيل الإمام موجود؛ لأن وكيل الإمام قائمٌ مقام الإمام، فبلِّغ هذا المؤذن أن يتوب إلى الله ويستغفر الله، وألا يعود لمثلها. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 32 حكم تأخير ما حقه التقديم في سجود السهو السؤال يا شيخ! السلام عليكم. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله. السائل: رجل ترك التشهد الأول سهواً في صلاة الظهر، فسجد للسهو بعد السلام، هل فيه بأسٌ؟ الجواب إذا ترك التشهد الأول فمحل السجود قبل السلام، كما جاءت به السنة. ولكن إذا أخره إلى ما بعد السلام نسياناً فلا بأس، وعمداً يكون آثماً عند بعض العلماء، وعند أكثر العلماء لا يكون آثماً؛ لأن كونه قبل السلام أو بعده عند أكثر العلماء على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الوجوب. أما ابن تيمية شيخ الإسلام رحمه الله فيقول: ما ورد قبل السلام يجب أن يكون قبل السلام، وما ورد بعد السلام يجب أن يكون بعد السلام، فانتبهوا لذلك! وعلى رأي شيخ الإسلام يجب على الإمام أن يدرس سجود السهو، دراسة وافية، ويعرف الذي يكون قبل السلام والذي بعد السلام. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 33 حكم صلاة المسافرين جماعة مع وجود الجماعات في المساجد السؤال فضيلة الشيخ! نحن في مناطق ساحلية ويتوافد إلى المنطقة كثير من المتنزهين ممن يقصرون الصلاة ويجمعون، ونحن في الهيئة رجال الحسبة يُشْكِل علينا ذلك؛ حيث يتوافد الكثير، ويتجمعون وقت الصلاة، وإذا ما كُلِّموا في ذلك يقولون: نحن في سفر، ونحن في رخصة، مع أن الصلاة تقام، والمساجد تصلي؛ لكنهم يتجمعون، وربما يختلط علينا بعض أصحاب المنطقة من المقيمين، فما توجيهكم في ذلك؟ الشيخ: المساجد قريبة؟ السائل: يستطيعون أن يصلوا فيها يا شيخ. الجواب هؤلاء يُبَيَّن لهم أن الواجب عليهم أن يصلوا مع الجماعة، فإن قالوا مثلاً: نحن لا نستطيع، معنا عوائل، وإذا ذهبنا عن العوائل ما ندري عنهم، نَخشى عليهم من الضياع أو غير الضياع، فلا بأس، والإنسان مؤتَمَن على دينه. فما دام قوله محتملاً، ويمكن أن يكون صحيحاً فدعوه. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. أعادنا الله وإياكم على خير، وجعلنا وإياكم من المتعاونين على البر والتقوى، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 139 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [140] بدأ الشيخ لقاءه ب تفسير آيات من سورة الذاريات من قوله تعالى: (قتل الخراصون) وبين أن معنى (قتل) أي: (أهلك) والخراصون هم المرتابون والشاكون، وعقب بتفسير ما وصفوا به وهو أنهم في غمرة من الجهل قد أحيطوا به من كل جانب وهم غافلون. وبين معنى قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين) وفرق بين هذا السؤال وسؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن سؤالهم سؤال استبعاد وإنكار وسؤال جبريل للتعليم سؤال استفهام واستخبار. ثم رد الله عليهم بأن يوم الدين هو يوم القيامة حين يفتنون في النار، يقال: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها، فيعذبون عذاباً حسياً ومعنوياً. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر جمادى الثانية عام (1417هـ) ، وبه يكون اللقاء الأسبوعي الذي يتم كل يوم خميس. نسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه. هذه هي الحلقة الأربعون بعد المائة، بل هذا هو اللقاء الأربعون بعد المائة نفتتحه كالعادة بتفسير بعض آيات من القرآن، حيث إننا سبق أن تكلمنا على أول سورة الذاريات. قال الله تبارك وتعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:1-9] كل هذا تقدم الكلام عليه. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قتل الخراصون) قال جل وعلا: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10-11] :- (قُتِلَ) : كثيرٌ من المفسرين يفسرها بـ (لُعِنَ) ، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله؛ ولكن الصحيح أنَّ قُتِلَ بمعنى: أُهْلِكَ؛ لأنه لا داعي إلى أن نصرفها عن ظاهرها، وظاهرها صحيح مستقيم، فمعنى قُتِلَ: أُهْلِكَ. و (الْخَرَّاصُونَ) : جمع خرَّاص، وهو: الذي يتكلم بالظن والتخمين والارتياب والشك؛ لأنه منغمر في الجهل والسهو والغفلة. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذين هم في غمرة ساهون) ولهذا وصفهم بقوله: {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} : أي: في غمرة من الجهل، قد أحاط بهم الجهل من كل جانب. {سَاهُونَ} غافلون، لا يحاولون أن يُقْبِلوا على ما أنزل الله على رسله عليهم الصلاة والسلام. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يسألون أيان يوم الدين) ومن جهل المشركين أنهم {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات:12] سؤال استبعادٍ وإنكارٍ، لو كانوا يسألون سؤال استعلامٍ واستخبارٍ لعُذِروا، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أخبرني عن الساعة) ، لكن هل قاله استبعاداً وإنكاراً؟ لا، بل استفهاماً واستخباراً، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) . لكن أولئك الخراصون، {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أي: متى هو، استبعاداً، ولهذا قال الله عنهم في سورة (ق) : {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:2-3] يعني: أنُرْجَع بعد أن كنا تراباً، هذا رجع بعيد. فهم يسألون عن يوم القيامة لا سؤال استفهام واستخبار؛ ليستيقنوا؛ ولكن سؤال استبعاد وإنكار. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (يوم هم على النار يفتنون) قال الله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] هذا الجواب، أي: يوم القيامة {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} وعلى هذا فـ (يوم) هنا ظرفٌ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقدير: يوم القيامة يوم هم على النار يفتنون. ومعنى {عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] أي: يُعْرَضون عليها فيحترقون بها، يعني: الفتنة بمعنى الاحتراق؛ ولكنَّها عُدِّيت بـ (على) لأنها ضُمِّنت معنى العرض، أي: يعرضون على النار فيحترقون بها، هذا يوم الدين {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} . الجزء: 140 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون) قال تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} [الذاريات:14] :- {ذُوقُوا} هذه جملة مقولٍ لقولٍ محذوفٍ، التقدير: يقال لهم: ذوقوا فتنتكم. و {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} هذا أمر إهانةٍ وإذلالٍ، أي: ذوقوا احتراقكم في النار التي كنتم تنكرونها. {هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} لأنهم يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48] فيستعجلون بالقيامة استبعاداً لها، كما قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18] فيقال لهؤلاء: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ، ويقال لهم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:15-16] . أنا أسألكم الآن: يفتنون على النار فيحترقون بها ويقال: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} ماذا تفهمون من هذا؟ أتفهمون أن في هذا عذاباً بدنياً وقلبياً؟ نعم؛ لأن الاحتراق عذابٌ بدنيٌ، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} . {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} هذا توبيخٌ وإهانةٌ وإذلالٌ يكون به العذاب القلبي، فيُجمع لهم -والعياذ بالله- بين العذاب البدني، والعذاب القلبي، فتجده في أعلى ما يكون من الحسرة، فيتحسرون ويقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] . ثم كان القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه المعاني الشرعية والخبرية، إذا ذكر الشيء ذكر ضده. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون) لما ذكر عذاب هؤلاء المكذبين الخراصين، قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} . {الْمُتَّقِينَ} هم: الذين اتقوا الله، وأنتم ترون أن التقوى تَرِد في القرآن الكريم على وجوه متعددة، بالوصف تارة، وبالفعل تارة، وبالأمر تارة، وتارة تكون مضافةً إلى الله، وتارة تكون مضافةً إلى العقوبة، وغير ذلك، مما يدل على أن التقوى شأنها عظيم في الإسلام، وليست التقوى قولاً يقال باللسان، بل هي قولٌ يتبعُه فعلٌ وتطبيقٌ. فإن سألتم: ما هي التقوى؟ قلنا: التقوى كلمتان: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه. على علمٍ وبرهانٍ واحتسابٍ وخوفٍ. تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تعلم أن الله أمر به، تفعل ما أمر الله به؛ لأنك تحتسب ثوابه، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرةٍ. تترك ما نهى الله عنه؛ لأنك تعلم أن الله نهى عنه، تترك ما نهى الله عنه خوفاً من عقاب الله؛ لأنك موقن بالعذاب، هذه هي التقوى. يقول عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي: مستقرون في جناتٍ وعيونٍ، والجنات جمع جنةٍ، وأنتم يمر بكم في القرآن (جنة) مفرداً، و (جنات) جمعاً، فهل هي جناتٌ متعددةٌ؟ أم هي جنةٌ واحدةٌ؟ هي جناتٌ متعددةٌ، لكن ذُكِرَت بلفظ المفرد من باب ذكر الجنس، وإلاَّ فهي جناتٌ، انظروا إلى آخر سورة الرحمن، ذكر الله أربع جناتٍ، قال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ، ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنتان من ذهبٍ آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضةٍ آنيتهما وما فيهما) . إذاً فالجنات متعددةٌ. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 140 ¦ الصفحة: 9 حكم السلام على الجالسين في حلقة العلم السؤال فضيلة الشيخ! نقل عنكم أنكم أفتيتم بأن الداخل على حلقة بها شيخ يلقي درسه، فإنه لا يسلم، بل يجلس، وذلك خوفاً من أن يشوش عليهم، فهل هذا صحيح؟ الجواب ذكر العلماء رحمهم الله أنه إذا دخل على قوم جلسوا مجلس ذكر؛ فإنه لا يسلم؛ لئلا يشوش عليهم، وإذا كان من العادة أنه لا يُشَوَّش، وأن الطلاب جرت عادتهم أنهم يسلمون كلما دخلوا فلا بأس، إلاَّ أن يكثر الداخلون، فهنا لا شك أنه لو بقي الشيخ مشتغلاًَ بالرد على السلام، وهم يدخلون واحداً واحداً، وإذا قدرنا أنهم خمسون نفراً كم يبقى؟ نصف الدرس وهو يقول: عليكم السلام عليكم السلام، وإن كان ذاك يقول: السلام عليكم فسيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإن كان يقول: صبَّحك الله بالخير، فسيقول: صبحك الله بالخير، ثم يمضي الدرس في الرد. فعلى كل حال: كل مقام له مقال، إذا كانت الجلسة يعني: جلسة عادية كجلستنا هذه -مثلاً- وليس فيها إشغال فلا بأس، أما إذا كان فيه إشغال، كلما دخل رجل وسلَّم رددنا عليه السلام؛ فلا شك أنه لا ينبغي. أنا قلتُ: كجلستنا هذه؛ لكنها سقط لسان؛ لأن جلستنا هذه جلسة علم ليست جلسة قهوة وشاي. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 10 تحريم قراءة القرآن الكريم بغير اللغة العربية السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قراءة القرآن بغير اللغة العربية في الصلاة وخارجها، لمن لا يمكن أن يتكلم باللغة العربية؟ وهل يحصل له الأجر إذا قرأ بغير العربية؟ أفتونا مأجورين. الجواب يحرم على الإنسان أن يقرأ القرآن بغير اللغة العربية، وأظن أنه لا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنه إذا قرأه بغير العربية لم يكن قرآناً، وقد قال الله تعالى عن القرآن: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195] ، وإذا قرأه بغير العربية لم يحصل الإعجاز بلا شك، وإذا قرأه بغير العربية، سوف يتغير الترتيب؛ لأن المعروف في غير العربية أنه إذا اجتمع مضافٌ ومضافٌ إليه، يقدم المضاف إليه قبل المضاف، أو صفةٌ وموصوفٌ تُقدم الصفة، وما أشبه ذلك، فلهذا لا يحل أن يقرأ القرآن بغير العربية. وعلى هذا: فمن لا يحسن العربية، وأراد أن يصلي يقول الذكر الذي ورد فيمن لم يستطع القراءة، تسبيح، وتكبير، وتهليل، وتحميد، فإن عجز عن هذا باللغة العربية؛ فلا بأس أن يقرأ الذكر بغير اللغة العربية؛ لأنه ليس قرآناً. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 11 عدم جواز قول: (بسمة أمي هي سر وجودي) السؤال فضيلة الشيخ! هناك أناشيد للأطفال: (بسمة أمي هي سر وجودي) . فما رأيكم فيها؟ الجواب هذا كذب، ولا يجوز للإنسان أن يقولها، وليس لأحد صفة للوجود، وهذه كلمة صوفية، منكَرة، الذي أوجد الخلق هو الله. والعجب: أنه يقول: بسمة أمي أنها سر وجودي، يعني: هي التي وُجِدْتُ بها، وهذا كذبٌ ولا شك، وفي بطن أمه لا يرى بسمة أمه، ولا يعرف عنها شيئاً، فلذلك يجب إنكارها. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 12 حكم من يعمل في المستشفيات ويضطر للمخالطة أو الملامسة أو الخلوة السؤال فضيلة الشيخ! نحن طلبة في المعهد الصحي، من ضمن منهجنا التطبيقي العملي في المستشفيات، والذي يضطرنا إلى ملازمة النساء من الممرضات، والاستفادة منهنَّ في مجال التمريض، ومحادثتهنَّ وسؤالهنَّ، وقد يكنَّ غير مسلماتٍ، وقد تحصل الخلوة بهنَّ في بعض الأحيان، فما رأي فضيلتكم؟ الجواب أرى أن هذا إذا دعت الضرورة إليه، ولم يكن لكم من هذا بُدٌ، فاتقوا الله ما استطعتم، ولا تكثروا محادثتهنَّ، إلا فيما دعت إليه الضرورة، وغضُّوا البصر عنهنَّ بقدر ما يمكن، ونسأل الله تعالى، أن يأتي باليوم الذي ينفرد فيه الرجال بعلومهم، والنساء بعلومهن. أما في مسألة الخلوة؛ فلا يجوز إطلاقاً، ولكن كيف يخلو بها وعندهما المريض؟! إلاَّ إذا كان المريض لا يشعر! السائل: في بعض الأوقات إذا جئت أضحك أو أسلم. الشيخ: لا. لا تضحك، أتضحك لامرأةٍ أجنبيةٍ منك؟! أبداً؛ لكن لا ترها وجه عبوسٍ ولا وجه طلاقةٍ، وكن طبيعياً للضرورة، وهي إذا رأت أنك ستخبر عنها لو أنها أخلت بما يجب عليها فلن تخل بالواجب، خصوصاً الأجنبية التي تعرف أنها إذا أخلت بالواجب فستسفر. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 13 حكم من أنكر نسبة ولده إليه السؤال فضيلة الشيخ! شخصٌ يدَّعي هو وأمه نسبةً لأبيه، والأب ينفي هذا الابن، فهل إجراء تحاليل في المستشفى بين الأب والابن تثبت نسبة الابن للأب؟ الجواب والله يا أخي! هذه ترجع للقاضي، المسألة ليست هينة، فإذا ادعى أنه ليس ولدها، فإما أن يقذفها بالزنا، وإما أن يدعي أنها مبضوعة بشبهة، وعلى كل حال، فلابد من إجراء الملاعنة بينه وبين الزوجة. السائل: وإجراء التحاليل في المستشفى؟ الشيخ: لا ينفع أبداً، لا بُدَّ من الذهاب إلى المحكمة، فهذه لا يمكن أن يحلها إلاَّ قاضٍ شرعي، وأولاً: أن يقال للزوج: ليس لك الحق في أن تتبرأ من الابن، حتى لو فُرِض أنه خالف لونه لونك، أو خالف رسم وجهه رسم وجهك، لا يجوز أن تتهم المرأة بهذا، ودليل ذلك، أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسوداً! . ) كأنه يريد أن يسأل ما السبب! وقد يكون في نفس الرجل حرجٌ من زوجته، أو اتهام، فيحتمل أنه سأل الرسول لأجل أن يبين له وجه ذلك، ويحتمل أنه سأل الرسول لأنه شاك في زوجته، وعلى كل تقدير، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له مبرهناً أن ذلك ممكنٌ ومطَمْئِناً قلبه قال: (هل لك من إبل -لأن الرجل كان بدوياً فيما يظهر- قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق -والأورق الذي فيه شعرة بيضاء، وشعرة سوداء مختلطة كأنه الوَرِق أي: الفضة- قال: نعم، قال: من أين أتى؟ -كيف تقول: هي حمر، وهذا أورق؟ - قال: لعله نزعه عرق -يعني: ربما يكون أحد آبائه وأمهاته السابقات بهذا اللون- قال: فابنك هذا لعله نزع عرق) ، فاطمأن الرجل. فقل لهذا الزوج -إن كنت تعرفه- فليتق الله، ولا يتهم الزوجة بهذا، والولد ولده، والحمد لله، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) أي: لو تنازع الزاني والزوج في الولد، وقال الزوج: هو ولدي، وقال العاهر: هو ولدي، فالولد للفراش. السائل: لكن يا شيخ! القاضي لا يستند إلى هذه التحاليل؟ الشيخ: نتهم القاضي، ما الذي يحولهم عليه؟ لكن أولاً الخطوة الأولى: أن تقول للرجل هذا: اتق الله، ولا تتهم الزوجة، والولد ولدك، وليس فيه إشكال، فإن أصر على أن ينفيه، فلابد من الرجوع إلى المحكمة. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 14 فضيلة الصف الأول السؤال فضيلة الشيخ! إذا دخل الرجل المسجد يوم الجمعة، فهل يتم الصف الأول إذا كان طويلاً أم يدنو من الإمام؟ الجواب لا، الأفضل أن يتم الأول، في الجمعة أو في غيرها، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلاَّ أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني: لو لم يجدوا طريقاً إلى الصف الأول إلاَّ بالقرعة لفعلوا ذلك، وذلك لكثرة ثوابه، وتكميل الأول فالأول أيضاً هو السنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: كيف ذاك يا رسول الله؟! قال: يتراصون ويُتِمُّون الأول فالأول، أو قال: يُكمِّلون الأول فالأول) . الجزء: 140 ¦ الصفحة: 15 جواز الجمع بين زوجتين الأولى حرة والثانية أمة السؤال فضيلة الشيخ! ذكر ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتاب الكافي: في كتاب النكاح باب القَسْم، أن الرجل إذا تزوج حرة وأمَة، فليجعل للحرة ليلتين وللأمَة ليلة، فكيف يجمع مع الحرة أمَةً مع أن أكثر أهل العلم ذكر أنه لا يكون ذلك إلاَّ بشرطين: خشية العنت. وعدم الطول للحرة؟ الجواب هذا يمكن، فربما تكون الحرة لا تكفيه، وإذا كانت لا تكفيه، فلابُدَّ أن يتزوج بأخرى، وإذا لم يجد حرة ووجد أمَة فذاك جائز. لكن كونه يجعل للأمَة ليلة وللحرة ليلتين فيه نظر؛ لأنه لمَّا تزوجها وأبيح له أن يتزوجها، وجَبَ عليه أن يسوي بينهما، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل) وهذا الحديث عام، (كان له امرأتان) ، وهذا له امرأتان، فيجب أن يعدل بينهما. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 16 عدم جواز إدخال الواسطة لإلغاء المخالفة المرورية السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم استخدام الواسطة؛ لإلغاء المخالفة المرورية؟ الجواب لا يجوز إدخال الواسطة من أجل التخلُّص من غرامة مرورية أو غيرها، وذلك لأن الدولة إنما وَضَعت هذه العقوبات لإصلاح المجتمع، فليس الغرض من ذلك أن تؤخذ دراهم من شخص، بل الغرض إصلاح المجتمع، وأنت تعرف الآن أن كثيراً من الناس لا يردعه الوازع الديني، وإنَّما تردعه السلطة والخوف. فلا يجوز له أن يستخدم واسطة في إلغاء ما يجب عليه من مخالفة مرورية أو غيرها، ولا يجوز -أيضاً- لأحد أن يتوسط في ذلك. فعليك -جزاك الله خيراً- أن تنصح من علمته هكذا، وتقول له أن يحمد الله على ذلك، وهذه الغرامة قد تكون تأديباً له. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 17 الأولى استواء الصفوف من ناحيتي الإمام السؤال فضيلة الشيخ! بعض الأحيان الجهة اليمنى من الصف في الصلاة تكون أكثر من الجهة اليسرى، فيقوم الإمام بتعديل الصف، ما رأيكم في هذا؟ الجواب رأيي أن هذا صواب، فأحياناً يأتي المأمومون ويصفون في يمين الصف ويطول، وتجد اليمين فيه ثلاثون رجلاً واليسار فيه خمسة، ستة، هذا لا ينبغي، وله أن يعدله؛ وذلك لأن اليمين أفضل من اليسار مع التساوي أو التقارب، كرجل أو رجلين مثلاً أما مع التباين العظيم فلا، ويدل لهذا، أنه كان في أول الأمر إذا كانوا ثلاثة صار واحد على اليمين، وواحد على اليسار، في أول الأمر، ثم نُسِخ هذا، وصار الثلاثة يتقدمهم إمامهم، فدل ذلك على أن اليمين ليس أفضل بكل حال، ولو كان أفضل بكل حال لقلنا: إذا كانوا ثلاثةً يكون كلا الرجلين عن يمين الإمام. ثم إن الأحاديث الدالة على الترغيب في الدنو من الإمام -أيضاً- تؤيد ذلك، فلهذا لا حرج على الإمام أن ينبه الناس، ويقول: إذا كان الصف الأيمن طويلاً؛ فائتوا في اليسار، هذا إذا قلنا: بأن حديث: (وسِّطوا الإمام) ضعيف، كما هو معروف عند أهل الحديث، أما إذا كان صحيحاً؛ فالأمر واضح أنه يوسط الإمام. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 18 لا يجوز تفريق المسلمين إلى جماعات وأحزاب السؤال فضيلة الشيخ، عندنا في الجامعة عدة جماعاتٍ، وكل جماعةٍ تحاول اجتذاب أكبر عددٍ من المستجدين، فالذي يذهب إلى جماعةٍ، تنشأ بينه وبين الجماعات الأخرى نوع من العداوة، حتى إن الواحد يمر وما يسلم، أو ما يسلمون عليه، فماذا يفعل الشخص حتى يبرأ لدينه، ولا تنشأ بينه وبين إخوانه المسلمين عداوة؟ الجواب أولاً: نقول: يجب أن تُزال هذه الفرقة، وأن يكون المؤمن أخاً لأخيه المؤمن، لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره. فالواجب على كبار الذين في الجامعة من الأساتذة، أو المدير، أو من عرفاء الفصول، أن يحاولوا إزالة هذا التفرق قبل كل شيء، فإن حصل فبها ونعمت، وإن لم يحصل فاعتزلوا الفرق كلها، لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. لكن لو فرضنا أن هناك -مثلاً- طائفة انحرافها واضح، وهناك طائفة استقامتها واضحة، فمعلوم أن الإنسان يختار الثانية على الأولى. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 19 شروط إباحة التمثيل السؤال فضيلة الشيخ، ما هي الشروط التي وضعها فضيلتكم للتمثيل؛ ليكون مباحاً؟ الجواب الشروط: أولاً: أن لا يكون فيه كذب: فإن كان فيه كذب؛ فإنه لا يجوز. ثانياً: أن لا يُمثلَ من له حق الاحترام: كالصحابة رضي الله عنهم، وأئمة المسلمين، وما أشبه ذلك. الشرط الثالث: أن يكون في ذلك مصلحة: كمعالجة مسائل اجتماعية، وما أشبه ذلك. الشرط الرابع: أن لا يقوم بدور المرأة وهو رجل، أو تقوم المرأة بدور الرجل. والخامس: أن لا يكون فيه دور حيوان: بأن يقوم بعض الممثلين بدور شاة، أو بعير، أو بقرة، أو كلب، أو ما أشبه ذلك. السادس: أن لا يقوم بدور كافر: كأن يقوم أحد الممثلين بدور أبي جهل -مثلاً- أو بدور أبي لهب، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا ربما يوقع في قلبه شيئاً، أو ربما يقع في قلبه شيء، وربما يُعَيَّر به أيضاً بين الناس، فيقال: يا أبا جهل، يا أبا لهب، وما أشبه ذلك. المهم: الضابط العام: أن لا يتضمن التمثيل شيئاً محرماً لأي سبب، قد يكون من جنس ما مثلنا به، وقد تكون هناك أشياءٌ غابت عنا أيضاً. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 20 حكم مجالسة من يفعل المنكر السؤال فضيلة الشيخ، إنسانٌ رأى شخصاً على منكر، فأنكر عليه، وهذا الشخص لابد أن يعاشره مثل: أبيه، وأخيه، أو عمه، فهل إذا -مثلاً- ما انتهى ذاك عن المنكر تبرأ ذمة هذا الشخص، وله -مثلاً- مجالسته مع كرهه للشيء الذي يفعله؟ الجواب أما مجالسته مع فعل المنكر فلا تجوز، حتى لو كان أباك أو أمك، وأما مجالسته على غير هذا المنكر فلا بأس، إلا إذا كان في هجره مصلحة، بحيث يتوب عما كان عليه، فليهجر حتى الجلوس معه؛ لكنَّ الإحسان من دون مجالسة للوالدين والأقارب لابد منها، أفهمت؟؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن الوالد -مثلاً- يشرب الدخان، وقال: لابد أن تجلس معي، وهو يشرب لا تجلس معه، لمعصيته؛ لكن إذا كان لا يشرب فلك أن تجلس معه وتحادثه، ولو كنت تعرف أنه يفعل منكراً من شرب دخان أو غير الدخان. السائل: لكن هل تبرأ ذمته من يوم نَصَحَه؟ الشيخ: إي نعم! تبرأ ذمته، قال الله للرسول عليه الصلاة والسلام: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22] . الجزء: 140 ¦ الصفحة: 21 كيفية قضاء دين من مات وعليه ديون مؤجلة السؤال فضيلة الشيخ! هناك رجل توفي وكان عليه ديون مؤجلة، فهل هذه الديون المؤجلة تقسم من التركة قبل الإرث، أم أنها تبقى في ذمته، حتى تسدد على حسب الأقساط السنوية؟ الجواب على كل حال: إذا كان الدين مؤجلاً، فإنه إذا مات الميت يحل الدين، ويُلْغى الأجل، إلا إذا وثَّق الورثة برهن يُحْرز يكفي أو ضامن مليء. فمثلاً: إذا مات وعليه دين للبنك العقاري في بيته الذي هو ساكن فيه، فنقول: إن كان هناك أقساط حلت عليه قبل أن يموت، ولم يسددها، فالواجب أن يسددها الورثة فوراً، أو يبيعوا البيت فيسددوها، وإن كان قد أدى الأقساط التي حلت في حياته، وبقيَت الأقساط التي تحل فيما بعد فالميت بريء من ذلك، وتتعلق الديون بالبيت المرهون للبنك، هل هذا واضح؟ السائل: وهل للورثة أن يسددوا الديون على حسب الأقساط السنوية مثلاً؟ الشيخ: لا بأس بهذا؛ لأن فيه رهناً؛ لكن لو فرضنا أن إنساناً قد استقرض من شخص مائة ألف -مثلاً- أو اشترى منه سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة، فهنا نقول للورثة: إما أن تأتوا برهن، وإلا حلت الدراهم، أو تأتوا بضامن يضمن، وهو غني مليء. السائل: إذاً بالنسبة للديون التي عليه وحلت، تكون في ذمته؛ لكن المتبقية كيف يكون تسديدها؟ أنا قلت لك: المتبقية أصلاً ما يمكن تبقى، لنفرض: مسألة العقار عرفتَ الآن حكمها، أما غير العقار فمثلاً: إنسان اشترى سيارةً من شخص مؤجلةً خمسين ألفاً، كل شهر ألفين ريال، أفهمتَ؟ وأدى ما حل قبل أن يموت، لما مات قدرنا الباقي في قيمتها ثلاثين ألفاً من خمسين، نقول للورثة: إما أن تسددوها الآن من تركته، وإما أن تأتوا برهن للذي باع السيارة، تأتون برهن يكفيه، أي: يساوي ثلاثين ألفاً أو أكثر، وإما أن تأتوا بشخص يكون ضامناً ضمان غرامة؛ لأجل أن يؤمِّن البائع حقه، أما أن تبقى -هكذا- مؤجلة في ذمة أناس لا ندري متى يقضونها، هذا لا يمكن. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 22 عند اختلاف العلماء يؤخذ بالقول الأيسر إن كان موافقاً للحق السؤال فضيلة الشيخ! في حالة اختلاف العلماء في الأقوال الفقهية، هل نأخذ بالذي يقول الأشد إبراءً للذمة أم نأخذ بالذي يقول بالأسهل عملاً بالحديث: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خُيِّر بين أمرين، أخذ بأسهلهما) ؟ الجواب أرأيت لو كان إنسان مريضاً واختلف عليه طبيبان، أحدهما قال: خذ هذا العلاج، والثاني قال: خذ هذا العلاج، من يأخذ بقوله؟ السائل: بالأقوى في الطب. الشيخ: نعم، بالأوثق، الأوثق عنده علمٌ وفهمٌ. هكذا أيضاً المسائل الدينية، إذا اختلف عندك عالمان، فالذي ترى أنه أقرب إلى الصواب خذ به، سواء كان أشد أو أيسر. فإن تساووا عندك أو لا تدري، فمن العلماء من يقول: خذ بالأحوط، وهو الأشد. ومنهم من يقول: خذ بالأيسر. ومنهم من قال: أنت مخير، حتى لو عملت بقول هذا العالم اليوم، وبقول العالم الثاني غداً فلا بأس في ذلك. لكن الأقرب عندي أنك تأخذ بالأيسر، إلاَّ إذا وجدت قلبك يميل إلى القول الأشد فخذ به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسك) . الجزء: 140 ¦ الصفحة: 23 حكم من لم يكمل صلاته خلف إمامه عند سجود الإمام للسهو السؤال رجل صلى، وفاتته من الرباعية ولما قام ليقضيها سجد الإمام السهو، أو تكلم هو والمأمومون، وقد قام هذا الذي فاتته ركعة ليأتي بالركعة، فسجد الإمام فكيف يفعل؟ هل يرجع؟ الجواب أُعطيك قاعدةً: إذا كان سجود الإمام بعد السلام؛ فقم من حين أن يسلم، ولا تسجد معه؛ لأن صلاته تمت، ولا يمكنك أن تتابعه فيها؛ لأنك لو تابعته لوجب أن تسلم ولا يمكنك أن تسلم قبل انتهاء الصلاة، وعلى هذا فقم وأكمل صلاتك، ثم إن كان سهو الإمام الذي سجد من أجله قبل أن تدخل معه، فليس عليك شيء، وإن كان سهو الإمام بعد أن دخلت معه، فهنا إذا انتهيت من الصلاة وسلَّمت فاسجد سجدتين. فخذ هذه القاعدة، أي مسألة ترد عليك طبِّقها على هذا. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 24 الأفضل في السنة الراتبة أن تصلى في البيت السؤال فضيلة الشيخ! أيهما أفضل في الأجر: التبكير إلى المسجد وحضور الصف الأول، أم صلاة السنة الراتبة في البيت، وبذلك يفوت الصف الأول؟ الجواب الذي يظهر لي أن الأفضل أن تصلي في البيت؛ لأن مخاطبتك بالراتبة قبل مخاطبتك بالصف، ويُبدأ بالأول فالأول، فصلِّ الراتبة ثم اذهب إلى المسجد، وكن حيثما تجد المكان. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 25 مصارف الزكاة السؤال هل يجوز للمرأة أن تعطي من زكاتها زوجَها وولدَها إذا كان عليه ديون؟ الجواب إي نعم! يجوز للزوجة أن تعطي من زكاتها في قضاء دين زوجها، ويجوز للإنسان أن يعطي من زكاته في قضاء دين ولده، إلاَّ إذا كان الولد قد استدان من أجل النفقة، والأب غني، فلا يجوز أن يقضي دينه من زكاته؛ لأنه مطالب بالإنفاق عليه، فلو أننا قلنا: يجوز أن تعطيه من زكاتك، لَمَاطَلَ في النفقة من أجل أن يعطيه من الزكاة. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 26 جواز أخذ الزكوات ممن يتعاملون بطرق غير شرعية السؤال أحسن الله إليك! -يا شيخ- ما حكم قبول -يا شيخ- الزكوات من بعض البنوك الربوية؟ -فذلك في منطقتنا- بعض جمعيات البر تقبل الزكوات من بعض البنوك الربوية. الجواب لا بأس بقبول الإنسان الزكاة أو التبرعات من البنوك الربوية؛ لأنه أخذها بحق، والإثم على البنك إذا كان اكتسبه بربا، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَبِل الهدية من اليهود، وأجاب دعوة اليهود، ومعلومٌ أن اليهود يأكلون الربا، ويكسبون الأموال بالسحت، وكذلك أيضاً عامَلَ اليهود في خيبر، أي: أعطاهم من النخل والزرع، على أن لهم النصف وللمسلمين النصف، ومعلوم أنهم يكتسبون من الربا. فلذلك خذ قاعدةً مفيدةً: كل من اكتسب شيئاً بطريق مباح، فليس عليه إثم من اكتسبه بطريق محرم؛ لأن هذا محرم لكسبه، فيكون حراماً على من كسبه بغير حق، إلاَّ إذا علمت أن هذا المال مال فلان، مثل: إنسانٌ سارقٌ سرق شاة وأتى بها إليك يهديها لك، هذا لا يجوز أن تقبلها منه؛ لأنك تعرف أن هذه الشاة شاة فلان، لكن ما كان محرماً من أجل الكسب، فإن مَن أخذه بحق فهو حلال له، فهمتَ القاعدة هذه؟ فهذه القاعدة طبِّق عليها كل شيء، كل ما ورد عليك طبقه عليها، من اكتسب شيئاً محرماً -أي: بطريق محرم- ثم أخذه الإنسان منه بطريق مباح فلا بأس. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 27 عدم جواز مس العورة السؤال فضيلة الشيخ، قرأتُ في كتابٍ اسمه: محرمات استهان بها الإنسان، لفضيلة الشيخ محمد صالح المنجد، تصحيح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ويقول فيه: (وكل عورةٍ لا يجوز النظر إليها، لا يجوز مسها ولو من وراء حائل) ، وفي المدرسة درستُ الفقه، ويقال فيه: يجوز مس العورة بشرط: أن يكون من وراء حائل، فماذا أصدق الكتاب أم المدرسة؟ الجواب ليس بينهما تناقضٌ -بارك الله فيك- الذي قرأتَ في الكتاب كتاب المدرسة يريد عورة نفسه، أي: أن الإنسان لو مس عورته بحائل؛ فإنه لا ينتقض الوضوء. أما الأول: -وهو الذي في كتاب المنجد - إذا نظر الإنسان إلى عورة غيره، فهذا لا يجوز له النظر إلى عورة غيره إلا واحداً فقط، وهو الزوج مع زوجته، فيجوز لها أن تنظر إلى عورة زوجها، ويجوز لزوجها أن ينظر إلى عورتها، ويجوز له مس عورتها، ويجوز لها مس عورته؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] . وفي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه ما فيه من الضعف: (احفظ عورتك إلا من زوجك، أو ما ملكت يمينك) إذاً: القولان لا يتعارضان. جزاكم الله خيراً. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. نسأل الله تعالى أن ينفع به، ويجزيكم الثواب الجزيل، وأبشروا بالخير، فإن (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة) وكلنا نود أن نصل إلى الجنة بأي طريق، وهذا الذي يسلك الطريق الحسي أو المعنوي في التماس العلم فإن الله يسهل له به طريقاً إلى الجنة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 140 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [141] يبدأ الشيخ مطلع كل لقاء بتفسير بعض الآيات من كتاب الله عز وجل، وفي هذا اللقاء فسر آيات من سورة الذاريات من قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) إلى قوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . ثم ختم لقاءه بالإجابة عن الأسئلة التي وردت إليه. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الثالث من شهر رجب عام 1417هـ لنبدأ هذا اللقاء بما هو العادة بتفسير آية من كتاب الله عز وجل. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون) قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] فهذه الجملة خبرية، مؤكدة (بإن) {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} [الذاريات:15] والمتقون: هم الذين اتقوا عذاب الله عز وجل بطاعته -بامتثال أمره واجتناب نهيه- {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الذاريات:15] جنات جمع جنة، وجمعت باعتبار أنواعها وأصنافها، وقد جاءت في القرآن مفردة مثل قوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف:72] وجاءت -أيضاً- مجموعة فهي مفردة باعتبار الجنس، ومجموعة باعتبار النوع، و (عيون) : جمع عين وهي: الأنهار الجارية، وقد ذكر الله تعالى أنها أربعة أنواع: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] . الجزء: 141 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين) قال تعالى: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الذاريات:16] قوله: آخذين: هذه حال من الضمير المستتر بالخبر، أي: حال كونهم آخذين ما آتاهم ربهم، أي: ما أعطاهم من النعيم، وهذه الآية كالآية التي في سورة الطور: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطور:18] أي: ما أعطاهم الله من النعيم في هذه الجنات، ثم بين السبب الذي وصلوا به إلى هذا فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:16] . {كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} : أي: في الدنيا {مُحْسِنِينَ} أي: قائمين بطاعة الله على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل -وقد سبق- بل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا الإحسان في العبادة، أما الإحسان في معاملته للخلق، فإن أجمع ما يقال فيه، ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان يحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر، وليأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) ، هذا هو الإحسان إلى الناس: أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من حسن خلق وطلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، إلى غير ذلك مما هو معروف، فهؤلاء المحسنون في عبادة الله، محسنون إلى عباد الله، كانوا قبل ذلك، أي: قبل أن يأخذوا ما آتاهم الله من النعيم محسنين. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) ثم فصل نوعاً من هذا الإحسان فقال: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] (ما) قيل: إنها زائدة في اللفظ، لكنها ليست زائدة في المعنى، وأن التقدير: كانوا قليلاً يهجعون، أي: لا ينامون إلا قليلاً، وماذا يصنعون في هذه اليقظة؟ يصنعون ما ذكره الله في سورة المزمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] . هم لا يسهرون على اللهو واللغو أو يستيقظون على مثله، ولكنهم يقل نومهم للتفرغ لطاعة الله عز وجل. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون) قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] (الأسحار) جمع سحر وهو آخر الليل، (هم يستغفرون) الله، أي: يسألون الله المغفرة، وهذا من حسن عملهم وعدم إعجابهم بأنفسهم، وكونهم يشعرون بأنهم وإن اجتهدوا فهم مقصرون فيستغفرون الله بعد فعل الطاعة، جبراً لما حصل فيها من خلل، وأنتم تعلمون أنه يشرع في نهاية العبادات أن يستغفر الإنسان ربه مما قد يكون فيها من خلل، فبعد الصلاة يستغفر الإنسان ربه ثلاثاً، وبعد الحج قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198-199] . فهم يسألون المغفرة بعد تهجدهم وقيامهم وسهرهم في طاعة الله، خوفاً من أن يكون هناك تقصير وهذا مما يدل على معرفتهم بأنفسهم وأنهم يرون أنفسهم مقصرين، خلافاً لما يفعله بعض الناس اليوم إذا تعبد لله بأدنى عبادة شمخ بنفسه وأدل على الله تعالى بها، وظن أنه من عباد الله الصالحين، صحيح أن الإنسان ينبغي أن يرجو ربه إذا أنعم عليه بالطاعة أن الله يقبلها، لكن كونه يرى أنه قد أتم كل شيء، هذا يخشى عليه أن يحبط عمله وهو لا يشعر. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) قال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:19] في أموالهم كلها، سواء الأموال الزكوية أو غير الزكوية فيها حق للسائل والمحروم، إذا أتاهم سائل أعطوه، إذا رأوا محروماً -أي: ممنوعاً من الرزق وهو الفقير- أعطوه، فمالهم قد أعدوه لما يرضي الله عز وجل من السؤال والمحرومين، وغير ذلك من الإنفاق، المهم من الإنفاق المشروع، إذاً هم يقومون بطاعة الله، تهجد في الليل واستغفار وبذل للمال، لكن من غير سرف ولا مخيلة. ونقتصر على هذا؛ حتى نتفرغ للأسئلة؛ ولأنه سنبدأ في آيات جديدة ليست من الموضوع الذي نحن بصدده. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 141 ¦ الصفحة: 8 معنى قوله تعالى: (وبالأسحار هم يستغفرون) السؤال قوله: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] هل هو في صلب الصلاة أو من بعد انتهائهم من الصلاة؟ الجواب بعد انتهائهم من الصلاة، هكذا قال أهل العلم، أن بعد الانتهاء من الصلاة يخشون أن يكون فيها نقص فيستغفرون الله. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 9 الدليل على أن السكان الأصليين لهم حقوق أكثر من الوافدين السؤال هل هناك في الشريعة الإسلامية أدلة تقوي قول الذين يقولون: إنه ينبغي أن يكون المسلمون الذين يعيشون في مكان ما، هم من المستوطنين فيه منذ زمن، أو أنهم سكان أصليون تعطى لهم حقوق أكثر من المسلمين الوافدين، هل هناك أدلة على ذلك، وما حكم من يفعل ذلك؟ الجواب ليس هناك إلا حديث معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله كتب عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فبدأ بفقرائهم؛ لأنهم أحق من غيرهم، لكونهم من الجيران، ولتعلق نفوسهم بأموال الأغنياء عندهم، هذا ما أعلمه في هذه المسألة. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 10 دعاء ضعيف يقال قبل النوم السؤال هذه المرأة تسأل عن دعاء قبل النوم تقول: إنها سمعته في التلفاز قبل صلاة الجمعة، ويقال: إنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونص هذا الدعاء: من قرأ الفاتحة أربع مرات كأنه تصدق بأربعة آلاف درهم، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كأنه طاف بالكعبة، ومن قال: أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله العظيم عشر مرات ضمن الله له الجنة، فهل هذا الدعاء صحيح أم لا؟ الجواب ليس بصحيح وليتها تبين لنا الحلقة التي ذكر فيها هذا الدعاء في تلفاز المملكة؛ لأننا لا نأخذ من الإذاعة ومن تلفاز المملكة ما ليس بصحيح، فهذا الحديث ليس له أصل ولا تعمل به، وأريد أن تحدد لي الحلقة ومن هو المتكلم. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 11 المعاشرة بين الزوجين تكون بالمعروف السؤال هذه امرأة تذكر أنها متزوجة وذكرت أن لها كثيراً من الأولاد، وتقول: زوجها تزوج قبلي وبعدي وأن عمرها فوق الأربعين وتقول: زوجي سيئ المعاملة وأخلاقه شرسة، ويعاملني أسوء المعاملة، يقصر في حقوقي، ولا يلبي لي أي طلب، ولو كان تافهاً، وإذا أتى إلى فراشي يقول لي: إني أجامعك ليس محبة فيك وإنما خوفاً من الله، وتقول: إني كرهته واشمأزت نفسي منه، وإذا أتى يريدني دفعته، وحتى الأكل لا يريدني أن أخالطه فيه فهل عليّ إثم في ذلك، وهل هو عليه إثم فيما يفعل أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا شك أن الواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وما وصفت عن زوجها ليس من العشرة بالمعروف ولها أن تمنعه حقه عليها، كما أنه منع حقها عليه، ولكني أشير عليها بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج من الله عز وجل، وكل شيء له مدة، هذا ما أراه بالنسبة له، أما إذا أرادت أن تحقق وأن تأخذ حقها منه، فكما قلت: من ضيع حق زوجته فلها أن تضيع من حقه بقدر ما ضيع من حقها؛ لأن الله قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] . الجزء: 141 ¦ الصفحة: 12 حكم دفع إيجار مبنى الجمعية الخيرية من الزكاة السؤال الجمعية الخيرية تجمع أموال زكاة وتوزعها على الفقراء والمساكين وهي الآن في بناية لي فهل لها أن تدفع إيجار المبنى من أموال الزكاة؟ الجواب أموال الزكاة لا يجوز أن يدفع منها، ثم الواجب على هذه الجمعية أن تفعل كما فعل غيرها أن تجعل بنداً خاصاً للزكاة، وبنداً للصدقات، وبنداً للأعمال الخيرية العامة، المهم أنها لابد أن تميز الزكاة عن غيرها. السائل: ما وجدنا يا شيخ! من أموال الصدقات أو التبرعات الأخرى ما يفي سداد الإيجار؟ الشيخ: إذا لم تجد تطلب من شخص معين أجرة هذا المكان. السائل: والعاملين في الجمعية هل يعطون من أموال الزكاة؟ الشيخ: العاملين إذا كانوا منصوبين من قبل الدولة. السائل: لكن من الجمعية محاسب راتبه ما يكفيه؟ الشيخ: لا يمكن إلا من جهة الدولة؛ لأن العاملين عليها هم العاملين من قبل الدولة، من قبل ولي الأمر، ولهذا جاء حرف الجر عليها، ولم يقل فيها، إشارة إلى أنه لابد أن تكون لهم ولاية، ولا ولاية لهم إلا إذا أنابهم ولي الأمر منابهم. السائل: يا شيخ! هو محاسب في الجمعية وراتبه لا يكفي؟ الشيخ: الجمعية تبين لي من كلامك أنها ضعيفة، وأن اعتمادها الأصلي على الزكوات، إذاً تترك المجال لغيرها، الزكوات الآن جعلت لها مورد معين، ومصدر معين، ومصرف معين. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 13 حكم قضاء ما على المدمن للمخدرات لصاحب المخدرات السؤال هناك شاب كان مسرفاً على نفسه، وكان يستعمل المخدرات فهو مديون الآن لأصحاب المخدرات، هل يسددهم قيمة ما أخذه من المخدرات أم لا؟ الجواب أنا أرى أنه بارك الله فيك! يُعطي قيمة ما أخذ منهم إلى بيت المال، ولا يردها عليهم، وأما كونه لا يردها عليهم؛ لأنه ثمن شيء محرم، وأما كونه يعود إلى بيت المال، لئلا يجمع بين العوض والمعوض، لو قلنا: لا تعطيه، بمعنى أنه أخذ العوض سابقاً من هذه المخدرات نسأل الله العافية وأمسك قيمتها، فنقول: القيمة التي اشتريتها لابد أن تعطيها بيت المال، وأما هم فلا يستحقون شيئاً؛ لأنهم أصل كسبهم مال حرام. السائل: إذا تصدق به يا شيخ؟! الشيخ: لا ينفع، لأنه إذا ردوه إلى بيت المال وقال لهم القاضي تصدقوا به، لا بأس. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 14 حكم تزوير بعض الأوراق للهروب من الضرائب السؤال هناك بعض دور النشر يُطلب منها كتب خصوصاً الكتب الإسلامية ترسل إلى موزعين مسلمين يوزعونها بشكل تجاري -طبعاً- في بلاد الكفر للأقليات المسلمة الموجودة في بلاد الكفر، ولكن حين دخول هذه البضاعة التي هي الكتب يفرض عليها ضرائب عالية جداً إذا عُلم أنها للتجارة، فيطلب الموزعون من دار النشر أن ترسل فاتورة أخرى مكتوب عليها أقل من القيمة التجارية الأولى -قيمة الثمن الأصلي- بحد معين الذي هو أدنى من الحد الذي تفرض عليه الضرائب وبالتالي يتجنبون دفع ضرائب كبيرة على تلك البضاعة، فيسألون هل هذا يجوز إرسال الفاتورة الثانية التي هي ليست حقيقية إنما لتعرض لأصحاب الجمارك في تلك الديار، حتى لا يدفعوا الضرائب الباهضة عليهم؟ الجواب هل سيعاملون الزبائن بمقتضى السعر المخفض؟ لا. السعر هذا الذي على الفاتورة الثانية لا يتعدى اثنين بالمائة من القيمة الحقيقية- أي: لا بأس ما في مانع، غاية ما فيه أنهم أسروا ثمناً وأعلنوا ثمناً دفعاً للظلم عن أنفسهم ولا بأس بذلك. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 15 حكم العباءة إذا لم تكن مطرزة وكانت ضيقة وشفافة السؤال هناك عباءة لها أكمام تشابه ما تسمى بالفرنسية ولا يكون فيها تطريز، وبعضهم يقول: هذه ليست فرنسية، وتكون بعض الأحيان ضيقة، بالإضافة إلى نقاب يكون عليها غطاء، لكن لون البشرة يكون واضحاً من خلف الغطاء، ما رأي فضيلتكم؟ الجواب أرى أنه يجب أن يكون غطاء الوجه غطاءً صفيقاً يستر الوجه، لا بد من هذا، أما مسألة العباءة فإذا كانت لا تصف حجم البدن فلا بأس بها، على أنني أكره كل جديد من هذا النوع؛ لأن النساء إذا كانت تتلقف كل موضة تأتي فسوف تتوسع، فاليوم يمكن يصلون عباءات واسعة وفضفاضة، وبعدئذ تكون ضيقة، ثم بعد مدة ليست بعيدة، تترك العباءة نهائياً، ولا أدري ماذا سيكون، ولهذا أرى أنه يجب على الرجال الذين هم أولياء النساء، أن يلاحظوا هذه المسألة وألا يترك العنان للنساء تشتري ما شاءت وتلبس ما شاءت، فالمهم أن غطاء الوجه لابد أن يكون صفيقاً، كل غطاء يتبين فيه لون البشرة فإنه ليس بغطاء في الحقيقة، وبالنسبة للعباءة فلا شك أن العباءة الأولى التي ليس لها أكمام والتي تستر المرأة كلها ولا يتبين منها شيء هي خير من هذه، لكن التحريم يحتاج إلى شيء بين، أي: يحتاج إلى دليل واضح. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 16 حكم الدعاء على شخص بأن يهلكه الله السؤال إذا دعا شخص وقال: اللهم إن كان في سابق علمك إن هذا الشخص من أهل النار، اللهم أهلكه واقتله ولا تبقه، وإن كان في سابق علمك أنه من أهل الجنة اللهم أبقه؟ الجواب هذا غلط عظيم، ولا يجوز الدعاء بهذا، بل الواجب أن تدعو لإخوانك بالهداية، وكونه في سابق علم الله، لا تعترض عليه أنت؛ لأن الله تعالى إذا دعوت له بالهداية، فإن كان الله قد قدر أنه غير مهتدي فإنه سيبقى غير مهتدي، وإن كان قد قدر أنه سيهتدي صرت أنت من سبب الخير، من أسباب هدايته؛ لأن الله يجيب دعوة الداع إذا دعاه. فأما هذا الدعاء الذي ذكرت فهو دعاء بدعي، ما كان الرسول يقول به ولا السلف وفيه نوع من الاعتراض على القضاء والقدر. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 17 حديث: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) السؤال مجموعة أشخاص أودعوا مالاً عند شخص، فأتوا يطلبون منه هذا المال، فأنكر، فقاموا وتحيلوا عليه حيلة من أجل أن يستخلصون مالهم -كيف؟ - أرسلهم يأتون بجهاز، ويشترون له حاجة، ويقولون: الجهاز حصلناه مثلاً بخمسمائة ريال وهو في الحقيقة بمائة أو حصلوا عليه هدية وأعطوه من أجل أن يحصلوا على هذا المال. الجواب المهم سأعطيك حديثاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أد الأمانة إلى من أتمنك ولا تخن من خانك) . فإذا كان قد جحد حقهم ولم يمكن إقامة البينة عليه عند القاضي، فإنهم سيجدونه في وقت يكون أنفع لهم من الحياة الدنيا، وأما التحيل فلا يجوز. نعم. لو تحيلوا عليه أن يقر، مثل أن يعدوه يقولون: أنت إذا أقررت ربما نعفو عنك، أو ما أشبه ذلك، لا يعدونه وعداً جازماً، ربما نعفو عنك أو ربما تتسهل أمورك، أو ما أشبه ذلك فإذا أقر فحينئذٍ يلزم الحق. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 18 ترك الحلف بالطلاق وكفارة الأيمان السؤال قريب لي كان بينه وبين زوجته مشاكل كبيرة، فعند نصحي له؛ لأنه قريب لي بعد ما نصحته قال لي: تعرف الباب؟ قلت: نعم. أعرف الباب، يعني: المقصود طردني من البيت، ونحن في بيت أبيه ليس بيته هو، أنا سكت وكأن لم يكن شيئاً، ولكن بعد فترة من الزمان تبين لي من ثانٍ أنه قال لي: إني لم أفهم قصده ولم أفهم من كلامه شيء، فقلت لهذا الشخص وأنا في حالة غضب: أنا أتيت أنصحه وبالأخير يرد علي بالكلام هذا، وأنا ساكت أريد الأجر من الله سبحانه وتعالى، فالغضب هذا حلفت بالطلاق وأنا ندمان عليه قلت لعيالي: أنا لا أدخل بيته هو، ما هو بيت أبيه، إلا أن هذه المشكلة بينه وبين زوجته انتهت ورجع إلى زوجته، وأنا ندمان على هذا الفعل حتى أنه قريب لي، لا بد في يوم من الأيام أني أدخل بيته؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك! أنصحك ألا تحلف بالطلاق -قلتها بغير قصد- (من كان حالفاً - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فليحلف بالله أو ليصمت) ، وأما حل مشكلتك التي وقعت فيها الآن، فمع التوبة أخرج كفارة يمين، بأن تطعم عشرة مساكين عشرة كيلو من الرز، لكل مسكين كيلو ونرجو من الله أن يعفو عنك. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 19 السلم وشروطه السؤال عندنا نوع من المعاملة المالية تشبه السلم، يأتي التاجر أو صاحب المال فيعطي الفلاح مبلغاً مثلاً ألف ريال ويقول له: إذا حصدت البر أو الأرز أعطني به براً، لكنه إذا جاء يشتري منه يشتري بسعر يوم الحصاد؛ لأنه لو اشترى بسعر يوم الدفع يكون فيه ظلم على صاحب المال؛ لأنه سيكون في هذا الوقت السلعة غالية جداً، فإذا جاء الحصاد وراجت السلعة رخص ثمنها ثم هم في الغالب لا يحدد كم بهذا الألف لا يحدد الكمية المضبوطة التي يشتري منه فهل هذا صحيح؟ الجواب هذا سلم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلم في شيء فليسم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) فلابد أن يعين الأجل وأن يعين الكيل والوزن والنوع والوصف رديء أو جيد، ولابد أن يكون تقدير الثمن وقت الإسلاف، يجوز بسعره بأقل أو أكثر المهم أن يتفقوا على القيمة في ذلك الوقت. السائل: المخالفة الوحيدة هنا عدم الاتفاق على الكيل؟ الشيخ: لا، الكيل على قدر القيمة، لابد أن يقدروا القيمة، في وقت دفع المال يقدرون القيمة بما شاء، حتى لو فرضنا أن الصاع يساوي عشرة وقدره بإحدى عشر، أو باثني عشر، أو بثلاثة عشر، أو بستة، أو سبعة هم أحرار. السائل: هذا في الغالب التاجر يقول: أنا لا أشتري بسعر اليوم؟ الشيخ: بكم تشتري؟ السائل: يريد أن يشتري بسعر الحصاد؟ الشيخ: سعر الحصاد مجهول. السائل: يتغير يوماً بعد يوم. الشيخ: لا يجوز، هم إذا قدروا الثمن التاجر يحتاط لنفسه ويرفعه قليلاً، وقد ينزله قليلاً، وبدل ما يكون الصاع بعشرة يقول: بثمانية، أيضاً يجب أن يعلم أن النقد ما هو مثل المؤجل، لابد أن يكون أنقص من السعر الآجل. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 20 التفصيل فيمن دخل المسجد والإمام ساجد أو في التشهد السؤال في دخول المسجد وإدراك الإمام ساجداً سواء في الركعة الأولى أو في الركعة الأخيرة، البعض ينتظر حتى يرفع الإمام، والبعض يسجد، ويحصل بعض النقاش من الجماعة؟ الجواب إذا كان يخشى أن تكون هذه الركعة الأخيرة فلينتظر؛ لأنها إذا كانت الركعة الأخيرة ودخل معهم لم يدرك الجماعة، أما إذا كان لا يدري، أو يعلم أنها ليست الركعة الأخيرة؛ لأنه سمع الإقامة من قبل فهنا يدخل معهم، ويبادر بالدخول ليحصل على الأجر. أولاً: ليكون ممتثلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا) . وثانياً: يحصل له أجر السجود، والتسبيح في السجود وزيادة الزمن في العبادة، فصار فيه التفصيل. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 21 حكم بيع العظم وشرائه السؤال هل يجوز لنا الانتفاع من العظم؛ لأنه في بلادنا يباع ويشترى؟ الجواب يرى بعض العلماء أنه لا بأس ببيعه؛ لأن العظم يقولون: لا تحله الحياة، فلا يدخل في الميتة، ولكن أكثر العلماء يقولون: أنه تحله الحياة، وأنه يعتبر ميتاً، وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم نهى عن بيع الميتة، إلا الجلد إذا دبغ فإنه يكون طاهراً، ويباع وينتفع به، فالاحتياط ألا يتبايعوا، لكن لعل علماءكم هناك يفتون بالقول الثاني الذي يقول: إنه ليس بميتة؛ لأنه لم تحله الحياة. وأما ما يقال: إن الجنب الأيسر حرام والجنب الأيمن حلال فهذا لا أصل له، إما أن تكون كلها حلال أو حرام. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 22 حديث: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم) السؤال (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً) -صحيح- والإشكال عندي في رواية يعفر الثامنة بالتراب (ثامنهن بالتراب) ؟ وفي رواية (سبعاً) ؟ الجواب هو ضمن السابعة، لكن إذا أضفت سبع غسلات بالماء والتراب كم صار؟ ثمان، ليس معناه أنك تغسله بالماء ثمان مرات، بالماء سبع، لكن إذا أضفت إليه التراب صار ثمان، فلا منافاة بين الروايتين؛ لأن كلاهما صحيحة وكلتاهما لا تنافي الأخرى. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 23 حكم المال الذي يحصل عليه السمسار السؤال إذا أراد رجل أن يبيع بيته فإنه يذهب إلى سمسار حتى يبيع هذا البيت ويحدد له السعر ويقول: نصيبك إن بعت البيت بكذا جزء من هذا السعر أو من هذا المال، فيذهب هذا السمسار ويتفق مع مشترٍ ويزيد له في السعر وتكون هذه الزيادة له، فبهذا يحصل على هذه الزيادة ومن البائع أيضاً هل هذه المعاملة جائزة؟ الجواب إن كان صاحب البيت قال له: بعه بعشرة آلاف، ولك (10%) أو (5%) أو (1%) حسب ما يتفقون، فهنا إذا باعه بأكثر من عشرة آلاف الزيادة لصاحب البيت، وليس للسمسار إلا نصيبه الذي قدر، (10%) أو أقل أو أكثر، أما إذا قال: بعه بعشرة آلف وما زاد فلك، ووافق فلا بأس، لو باعه بأكثر من عشرة آلاف الزيادة تكون له. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 24 سنة الإشراق هي سنة الضحى السؤال سنة الإشراق هل هي سنة الضحى؟ الجواب سنة الإشراق هي سنة الضحى، لكن إن أديتها مبكراً من حين أشرقت الشمس وارتفعت قيد رمح فهي صلاة الإشراق، وإن كان في آخر الوقت أو في وسط الوقت فإنها صلاة الضحى، لكنها هي صلاة الضحى؛ لأن أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 25 حكم استدبار الخطيب للقبلة في خطبة الجمعة السؤال في خطبة الجمعة يجب على الخطيب أن يستدبر القبلة؟ الجواب الأفضل أنه يستقبل المأمومين، لكن وجوباً ليس بواجب. السائل: هل هناك عبادة يجب أن يستدبر المرء فيها القبلة؟ الشيخ: ليس هناك عبادة يجب أن تستدبر فيها القبلة، وقلت لك هذه ليست بوجوب وإنما هي الأصل لكن أحياناً يجب على الإنسان أن يستدبر القبلة أو أن يستقبل القبلة، أو تكون عن يمينه أو شماله حسب ما وردت به النصوص، ولا أذكر مثالاً الآن، لكنها هي تنقسم إلى كل جهات الأرض استدبار واستقبال وعن جنوب وعن يمين وعن الشمال. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 26 البدع كلها ضلال السؤال ما هي البدعة الحسنة والبدعة السيئة؟ الجواب ليس هناك بدعة حسنة أبداً، وكيف يمكن أن يكون هناك بدعة حسنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) . السائل: يستدلون بكلام عمر؟ الشيخ: دعك من كلام عمر، هل تجد كلاماً أبلغ من كلام رسول الله؟ لا تجد، وهل تجد أحداً أعلم من الرسول بالشريعة؟ لا. وهل تجد أحداً أنصح من الرسول؟ لا. إذاً يقول: (كل بدعة ضلالة) وأما قول عمر: [نعمت البدعة هي] حينما أقاموا قيام رمضان على إمام واحد، فالمراد البدعة بعد أن تركت؛ لأنك تعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان ثلاث ليال ثم تخلى، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم) فكونه يقيم بالناس ثلاث ليال ويتأخر في الرابعة خوفاً من أن تفرض، يقال: إن هذا الخوف الذي خافه الرسول انتفى بموته عليه الصلاة والسلام فما بقي خوف لكن في عهد أبي بكر كانت المدة قصيرة خلافته سنتان وشهران وأيام، وصار الناس باقون على ما كانوا عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، يصلي الرجل وحده ومعه الرجلان والثلاثة، وكذلك في أول خلافة عمر، ثم إنه رضي الله عنه أمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة على إمام واحد، فخرج يوماً وهم يصلون فقال: [نعمت البدعة هذه] فهي بدعة باعتبار أنها تركت، ثم جددت، بدعة مجددة. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 27 حكم صلاة ركعتين بعد الوتر السؤال بالنسبة للركعتين الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد الوتر آخر الليل؟ الجواب كان يصلي أحياناً ركعتين جالساً بعد الوتر لكنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فمن قدم قوله على فعله قال: لا نقتدي بالركعتين هذه؛ لأنه إذا تعارض قول الرسول وفعله، قدمنا قوله، وعلى هذا فلا نصليها، ومن قال أنهما ركعتان تابعتان للوتر والرسول لا يفعلهما دائماً، قال: إنه لا بأس بفعلهما أحياناً ولهذا جعلهما النبي عليه الصلاة والسلام دون الوتر، الوتر يوتر قائماً وهذا يصلي ركعتين قاعداً، حتى تكون للوتر بمنزلة الراتبة لصلاة الفريضة، فالإنسان إذا فعلهما أحياناً فلا بأس، وإن تركهما فلا بأس. السائل: وإذا صلى ركعتين هل يصلي ركعتين قبل صلاة الفجر؟ الشيخ: الركعتان التي قبل صلاة الفجر هذه راتبة الفجر ليس لها دخل في الوتر، ولا تكون إلا بعد طلوع الفجر، والركعتان اللتان بعد الوتر قاعداً هذه قبل الفجر. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 28 الجمع والقصر في السفر السؤال سافرت من بلد إلى بلد آخر، وبقي على البلد هذا مثلاً خمسة عشر كيلو وأدركت الوقت، هل يحق لي أن أجمع؟ الجواب ما في مانع، اجمع واقصر. السائل: لما أصل مثلاً إلى البيت الذي أسكن فيه يبقى عليها مثلاً نصف ساعة أو ربع ساعة؟ الشيخ: ما في مانع أنت أديت الواجب الذي عليك وانتهى. السائل: والعكس إذا قدمت إلى البلاد التي أنا فيها؟ الشيخ: إذا قدمت إلى بلدك ما في بأس أيضاً، لكن إذا كان البلد الذي ستقدم عليه هو بلدك، فلا تجمع، اقصر ولا تجمع. السائل: ما أدري هل أدرك الوقت أم لا؟ الشيخ: المهم أنا قلت: إذا كنت تعرف أنه ما بقي على البلد عادة إلا نصف ساعة، والوقت باقي ساعتين كنا نقول: الآن لا تجمع؛ لأنك سوف تصل مبكراً وتصلي الصلاة بوقتها، ولو جمعتها فلا بأس، لكن الأفضل ألا تجمع. وإلى هنا ينتهي هذه اللقاء وإلى لقاء آخر إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 141 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [142] في هذا اللقاء فسر الشيخ آياتٍ من سورة الذاريات وهي قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) فتحدث عن الآيات وأنها جاءت نكرة لتشمل كل آية في الأرض، وفسر قوله تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وقال: إن آيات النفس ليس في تركيب الجسم فحسب بل حتى في تقلبات الأحوال، وفسر كذلك قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) . الجزء: 142 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر رجب عام 1417هـ. نبدأ فيه كالعادة في تفسير ما تيسر مما وقفنا عليه في سورة الذاريات. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين) قال الله تبارك وتعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] . (وفي الأرض آيات للموقنين) لم يبين الله عز وجل هذه الآيات بل جاءت مُنَكَرة ليشمل كل آية في الأرض، سواء كانت الآيات فيما يحدث فيها من الحوادث، أو كانت في نفس طبيعة وتركيب الأرض، فإن فيها آياتٍ عظيمة، في الأرض آيات من حيث التركيب، كما قال الله عز وجل: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد:4] فتجد الحجر الواحد يشتمل على عدة معادن، وهو حجر واحد، وترى أحياناً في الجبال {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27] . وتجد فيها الأرض اللينة، والرخوة، والصلبة إلى غير ذلك مما يعرفه علماء الجيولوجيا من الآيات العظيمة، فيها آيات من جهة الحوادث التي تحدث فيها، من الزلازل والبراكين وغيرها، فيها آيات -أيضاً- من جهة طبيعة الجو من حر وبرد، ورياح عاصفة، ورياح باردة، ورياح دافئة وغير ذلك مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك قدرة الله عز وجل من جهة، وعرف حكمته ورحمته -أيضاً- من جهة أخرى؛ لأن آيات الله سبحانه وتعالى يتبصر بها الإنسان لا من حيث القدرة والعظمة بل حتى من حيث الحكمة والرحمة؛ لأن كل شيء تجده مناسباً لمكانه وزمانه، وكل شيء تجده من آثار رحمة الله تبارك وتعالى. المهم أن كلمة (آيات) نجد أنها نكرة عامة لكل ما يحدث في الأرض من آيات، ولكل ما فيها من طبيعتها وتركيبها وغير ذلك. (آياتٌ للموقنين) أي: لمن أيقن بوجود الله عز وجل وعظمته وجلاله، أما من شك -والعياذ بالله- فإنه لن ينتفع بهذه الآيات، بل قد تكون هذه الآيات ضرراً عليه، فإن الآيات الكونية أو الشرعية قد تكون خيراً للإنسان وقد تكون شراً، واستمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [التوبة:124] أي: من القرآن {فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124-125] . كذلك الآيات الكونية، من الناس من ينتفع بها ويستدل بها على ما فيها من آيات الله عز وجل، ومن الناس من يكون بالعكس يؤدي ما يجده من الآيات إلى الإلحاد والعياذ بالله، ولهذا قال: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] أي: ليس لكل إنسان بل للموقن، أما الشاك والمتردد والكافر فإنه لن ينتفع بهذه الآيات. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وفي الآيات التي بعدها {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] أيضاً في أنفسكم آيات {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] و (آيات) محذوفة هنا، ولهذا نقول في الإعراب: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: (وفي أنفسكم آيات) والحكمة -والله أعلم- ونحن بعلمنا القاصر نظن أن الله حذف هذه الآيات؛ لأنها أمس بالإنسان من الأرض، وأدخل بالإنسان من الأرض؛ لأنها هي في نفسه (في أنفسكم آيات) . آيات النفس ليس في تركيب الجسم فحسب، وليس فيما أودعه الله تعالى من القوى فحسب، بل حتى في تقلبات الأحوال، الإنسان تجده يتقلب من سرور إلى حزن، ومن غم إلى فرح، وتقلبات عجيبة عظيمة، حتى إن الإنسان في لحظة يجد نفسه متغيراً بدون سبب، يكون منشرح الصدر واسع البال مسروراً، وإذا به يغتم بدون سبب، أحياناً بالعكس، هذا بالنسبة للأحوال النفسية. كذلك -أيضاً- بالنسبة للإنسان بالأحوال الإيمانية، وهي أعظم وأخطر، تجد الإنسان في بعض الأحيان يكون عنده من اليقين ما كأنه يشاهد أمور الغيب مشاهدة حسية، كأنما يرى العرش، وكأنما يرى السماوات، أو يرى الملائكة، أو يرى كل ما أخبر الله به من أمور الغيب، وفي بعض الأحيان يقل هذا اليقين لأسباب قد تكون معلومة وقد تكون غير معلومة، لكن من الأسباب المعلومة قلة الطاعة، فإن قلة الطاعة من أسباب ضعف اليقين، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] . وهناك -أيضاً- أسباب لا يدري الإنسان ما هي، ومنها: اللهو والغفلة، ولهذا قال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام: [إنا إذا كنا عندك وذكرت الجنة والنار فكأنما نراها رأي العين، فإذا ذهبنا إلى أهلينا وعافسنا الأولاد والأهل -أو كما قالوا- نسينا] وهكذا الإنسان كلما التهى قل يقينه وإيمانه، ومن ثم نهى الشرع عن الألعاب واللهو الباطل الذي يزداد به الإنسان بعداً عن طاعة الله، وعن التفكير في آيات الله. أيضاً في النفس فيها آيات في نفوس الناس، من الناس من تجده هيناً ليناً طليق الوجه مسروراً كل من رآه سُر في وجهه، وكل من جلس إليه زال عنه الغم والهم، ومن الناس من هو بالعكس قطوب عبوس بمجرد ما تراه لو كنت مسروراً لأتاك الحزن والسوء، هذه -أيضاً- من آيات النفس وهي كثيرة جداً، ومن أراد المزيد من هذا والاطلاع على قدرة الله تعالى فيما في أنفسنا من الآيات فعليه بمطالعة كلام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة، يجد العجب العجاب، وكذلك -أيضاً- في كتابه الصغير وهو كبير في المعنى وهو التبيان في أقسام القرآن، ذكر من ذلك العجب العجاب. {أَفَلا تُبْصِرُونَ} الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، كأن الله عز وجل يقول: ابصروا في أنفسكم، تبصروا، تأملوا، تفكروا، فإذا لم تعرفوا هذه الآيات فأنتم لا تبصرون، فيكون الاستفهام هنا للتوبيخ والإنكار، ألا نتبصر، وهي دعوة من الله عز وجل لعباده أن يتبصروا في الآيات، إذا لم تتبصر في الآيات فاعلم أنك محروم، قال الله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] . إذاً إذا لم تتعظ بالآيات فاعلم أنك محروم وأن إيمانك ناقص {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] فعليك يا أخي! أن تتفكر، في آيات الله الكونية وما في هذا الكون العظيم من آيات الله الدالة على عظمته وسلطانه ورحمته وحكمته، وكذلك في آيات الله الشرعية ومن فتح الله عليه في الآيات الشرعية ينتفع بها أكثر مما ينتفع بالآيات الكونية، إذا تأمل ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات والأفعال والأحكام ازداد إيماناً بالله عز وجل، وعرف بذلك الحكمة والرحمة، إذا تأمل فيما أخبر الله به عن اليوم الآخر وما يكون فيه من ثواب وعقاب وجزاء وحساب -أيضاً- ازداد إيماناً بالله، وكلما تأمل الإنسان في آيات الله الشرعية ازداد إيمانه، وبعض الناس الموفقين يكون ازدياد إيمانه بالآيات الشرعية أكثر من ازدياد إيمانه بالآيات الكونية، أما الإنسان الذي يفتح الله عليه في هذا وهذا فيا حبذا. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22] السماء فيها رزق، فما رزقنا هذا؟ ذهب كثير من العلماء أن المراد بالرزق هنا المطر؛ لأن الله تعالى قال: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر:13] . فقال في السماء: (رزقكم) أي: المطر، وسمي المطر رزقاً؛ لأنه سبب للرزق، إذا أنزل الله المطر أخرجت الأرض الماء والمرعى متاعاً لنا ولأنعامنا، وهذا رزق، كم من أناس يكون رزقهم على ما ينزل من المطر، من الزروع والحشيش والمياه وغيرها، بل إن الله تعالى قال: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة:68-69] . هل أحد يستطيع أن ينزل من المزن ماءً؟ لا يمكن. هل أحد يستطيع أن يخلق في المزن ماءً؟ لا يمكن. الله عز وجل هو الذي يتولى ذلك، هذا هو مادة الرزق، لولا الماء لهلكنا، وتأمل قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:69-70] . لم يقل: لو نشاء لم ننزل، مع أنه لو شاء لم ينزل، لكن قال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] أي: لو نشاء أنزلناه، لكن جعلناه أجاجاً مالحاً لا يمكن أن يُشرب، وحسرة الإنسان على ماء بين يديه ولكن لا يستطيعه ولا يستسيغه أشد من حسرته على ماء مفقود؛ لأن الماء الموجود الذي لا تنتفع به ولا تستطيع شربه أشد حسرة من الماء المفقود، ولهذا ذكرنا الله هذه الحالة، أرأيتم الآن هذا المطر العذب الزلال اللذيذ صار أجاجاً مالحاً كيف تكون الحال؟ صعبة جداً، ولهذا قال: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:70] . يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذاريات:22] إذاً الرزق هو المطر، كما في الآية الكريمة: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} [غافر:13] . ويمكن أن نقول: إن الرزق الذي في السماء أعم من ذلك، فقد يقال: إن في السماء رزقنا من المطر، وما كتب الله لنا في اللوح المحفوظ من المصالح والمنافع الجسدية من أموال وبنين وغير ذلك، فيكون هذا القول أشمل وأعم. واعلم أنه ينبغي أن يراعي المستدل بالقرآن والسنة قاعدة وهي: إذا فسرنا النص القرآني أو النبوي بمعنى أقل وفسرناه بمعنى أعم، فأيهما نأخذ؟ نأخذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، اللهم إلا إذا دل دليل على أنه خاص فهذا يتبع فيه الدليل، لكن عندما لا يدل الدليل خذ بالأعم؛ لأن الأعم يدخل فيه الأخص ولا عكس، فهنا إذا قلنا: المراد بالرزق ما هو أعم من المطر، فالجواب صحيح، فيدخل فيه المطر والشمس والقمر وغيره. وقوله: {وَمَا تُوعَدُونَ} أي: وفيه الذي توعدون، فما الذي نوعد؟ الذي نوعد الجنة، والجنة في السماء وليست في الأرض، ولهذا قال الله في قصة آدم: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا} [البقرة:38] والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل، فالجنة في السماء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنة درجات، وأن أعلاها الفردوس، وأنه أعلاها وأوسطها، وهو إشارة إلى أن الجنات مثل القبة، أعلاها هو وسطها، قال: (ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن) إذاً هي أعلى شيء، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ساكنيها، إنه على كل شيء قدير، فالذي نوعد هو الجنة، فالرزق في السماء، والجنة التي نُوعدها في الآخرة في السماء. إذاً نحن أهل الأرض مرتقبون إلى السماء في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي السماء رزقنا في الدنيا، وفيها ما نوعد في الآخرة وهي الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 142 ¦ الصفحة: 6 الرد على من يقول: إن الله معنا بذاته في الأرض السؤال أخذت كتاباً من مكتبة المدرسة يقول فيه صاحبه: إنه يرد على فضيلتكم في قضية قديمة مطبوعة، يقول: إنكم تقولون: معية الله للخلق معية ذاتية، أرجو الفصل في هذه القضية، وهل يقرأ هذا الكتاب أم لا يقرأ؟ الجواب نحن تكلمنا على مسألة المعية وقلنا: إن المعية معية حقيقية، أنه سبحانه وتعالى نفسه مع خلقه لكن ليس في الأرض، وذكرنا أدلة على ذلك، منها سياق الآيات الكريمة، مثل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] . الضمائر هذه كلها تعود إلى الله، فإذاً هو ذات، لكن لا يعني ذلك ما ذهبت إليه الجهمية الذين يقولون: إن الله في الأرض، فهذا نرى أنه ضلال وكفر، وأن من اعتقده في ربه فهو كافر، لكننا نقول: هو معنا وهو في السماء، فهو معنا حقيقة وهو في السماء، ولا منافاة. فإذا قال قائل: كيف يكون معنا وهو في السماء؟ جوابنا على هذا من عدة وجوه. الوجه الأول: أن الله قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] وقال: هو في السماء، ومادام أنه قال: هو معنا وهو في السماء نؤمن بهذا وهذا، ولا يمكن أن يخبر الله بشيء ثم يخبر بضده مما يناقضه أبداً، والأمور الغيبية ولاسيما فيما يتعلق بذات الله، لا يجوز للإنسان أن يسأل كيف ولم؛ لأنه مهما كان لا يمكنه أن يدرك هذا. الوجه الثاني: أنه لا منافاة بين العلو والمعية، قد يكون الشيء معك وهو بعيد عنك، ولهذا العرب كان من كلامهم أنهم يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والقطب معنا، وما أشبه ذلك، ومن المعلوم لكل أحد أن موضع القمر وموضع القطب في السماء، وتطلق العرب عليه أنه معها، ولا يرون هذا منافياً لهذا، وإذا كان لا منافاة في العلو والمعية في حق المخلوق ففي حق الخالق من باب أولى. الوجه الثالث: على فرض أن هذا لا يتصور في المخلوق، أن يكون بعيداً عنك وتقول: إنه معك، على فرض شيء غير واقعي، نقول: على فرض أن ذلك لا يقع بالنسبة للمخلوق فهو واقع بالنسبة للخالق؛ لأن الله تعالى محيط بكل شيء السماوات السبع والأرضين السبع في كفه عز وجل كخردلة ما هي بشيء، يوم القيامة يطوي الله سبحانه وتعالى السماء كطي السجل للكتب، الكاتب إذا طوى الورقة سهل عليه، ما هي صعب، ويقول عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً} [الزمر:67] كل الأرض بما فيها من بحار وأنهار وأشجار وغيرها {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] كل السموات السبع التي لا يعلم قدرها إلا الله عز وجل (مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالله عز وجل محيط بكل شيء، لكن أن نقول كما قالت الجهمية: إنه معنا في الأرض هذا كلام باطل، فنحن نقول: إن الله معنا حقاً، وكما قاله غيرنا كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ولكننا لا نقول: إنه معنا هنا في الأرض، ونقول: من قال ذلك فهو ضال وكاذب، لكن بعض الناس فهم من هذا فهماً خطأً ونحن بريئون منه والحمد لله، من أول عقيدتنا إلى أن نلقى الله عز وجل، أن نقول: إن الله معنا في الأرض هذا لا نقول به إطلاقاً، ففهم بعض الناس هذا الفهم وإذا فهم هذا فلا شك أن هذا منكر يجب إنكاره، فهو إذا كانت نيته حسنة لا يلام على هذا، وإن كان سيئاً فالله يتولى السرائر. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 7 من اغتسل غسلاً مسنوناً دون نية رفع الحدث لا يرتفع الحدث عنه السؤال إذا نوى الإنسان غسلاً مسنوناً وعمم جسمه بالماء بدون وضوء وبدون نية رفع الحدث، هل يرتفع الحدث عنه؟ الجواب الذي أرى أنه لا يرتفع الحدث، إذا نوى غسلاً مسنوناً لا يرتفع الحدث؛ لأنه لم ينوِ رفع الحدث، مثل ما لو اغتسل من غسل الميت، إذا غسل الميت يسن له أن يغتسل، فإنه لا يجزئ عن الحدث، وإذا كان لا يجزئ عن الجنابة، فلا يجزئ -أيضاً- عن الوضوء، لا بد له أن يتوضأ، كما أن غسل الجمعة -وهو واجب فيما أرى- لا يجزئ عن الوضوء؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث وإنما للتطهر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو تطهرتم يومكم هذا) فهو لا يجزئ عن الوضوء، فالذي يجزئ عن الوضوء هو غسل الجنابة فقط. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 8 الرد على من يقول: لا يجوز دعوة غير المسلمين بغير اللغة العربية السؤال سمعت أحد المشايخ يقول: إنه لا يجوز دعوة غير المسلمين بغير اللغة العربية، واستدل بكتاب الرسالة للإمام الشافعي رحمة الله عليه، أنه قال رحمه الله: إن اللغة العربية لا تكون تابعة بل هي متبوعة، وإنه لا يجوز أن يتكلم بغير اللغة العربية في الدعوة بحرف واحد، فما تقولون في هذا بارك الله فيكم؟ الجواب نقول: استدلاله بقول الشافعي في غير محله؛ لأن قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، هذا إذا سلمنا أن الشافعي قاله، وأنا لا أدري، لكن إذا سلمنا وأن هذا الرجل متأكد نقول: قول الشافعي لا يحتج به، وإنما يحتج له، والشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة يقولون: إذا وجدتم كلامنا مخالفاً لكلام الله وكلام رسوله فاضربوا به عرض الحائط. ثانياً: لا يمكن دعوة من لا يفهم اللغة العربية إلا بلغته بنص القرآن، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ومعلوم أن العربية سابقة، منذ زمن إسماعيل والعربية موجودة، ومع ذلك يرسل الله الرسل بلغة قومهم؛ لأنه لا يمكن أن يفهم الإنسان لغة عربية إلا إذا كان من أهلها، أو قد تعلمها. فالصواب أنه يجب أن يتعلم الإنسان لغة من يريد أن يدعوهم إلى الإسلام إذا لم يوجد غيرها، فتعلم اللغة التي يدعى بها إلى الإسلام إذا أردنا أن ندعو من لا يعرف العربية فرض كفاية، كما أن الدعوة إلى الإسلام فرض كفاية، الذي يعرف اللغة العربية لا ندعوه بغيرها، والذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس إذا تكلموا برطانة الأعاجم، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية، ولذلك -مع الأسف الشديد- الآن عندنا هنا في السعودية التي هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: باي باي، ما معنى باي باي؟ معناها: مع السلامة في الإنجليزي، كيف نذهب إلى هذا؟ ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية، يعني: في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما معناه، وما الذي فيه؟ ولا يدري ما هذا المتجر؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد، ويقف ويعرف ما في الدكان، لماذا؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته، أما نحن فلا، وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع، من عندك ممن يفهم من اللغة الإنجليزية، أي: ولا (1%) من السكان، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة! هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة، وإلا كان يهجر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية، كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب، والله أنت ما فتحت دكانك لنا، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه، ولو أننا قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية، لكن الناس الحقيقة أن قلوبهم موتى إلا من شاء الله، وأنا أرى أنه يجب على المسئولين وإن كنت أحب ألا أقول هكذا أن يدوروا على هذه الدكاكين والمتاجر ويقولوا: أدنى ما نقول لكم: إذا غير العرب فيكم كثيرون أقل ما يجب عليكم أن تكتبوها باللغة العربية فوق، وباللغة غير العربية تحت، ثم نقول: إذا كان هذا البلد أكثر الأجانب الذين هم غير العرب، أكثرهم باكستانيين، هل يليق أن نكتبها باللغة الإنجليزية أم باللغة الباكستانية، إذا أردنا أن نكوّن لغة غير العربية، اللغة الباكستانية. الآن هؤلاء يكتبون إذا كان أكثر الذي في البلد من العمال باكستانيين -مثلاً- وكتب باللغة الإنجليزية وترك العربية والباكستانية، بقي الآن لا يعرف لا العرب ولا الباكستانيين، كل هذه من أجل إضاعة الشخصية في كثير من الناس، بهرتهم هذه الحضارة في الدول العالمية، فظنوا أنها هي منطلق التقدم. المهم على كل حال هذه جاءت استطراداً، والكلام على من دعا قوماً غير عرب يجب أن يدعوهم بلغتهم وإلا فلن يستفيدوا. السائل: الدعوة توقيفية؟ الشيخ: الدعوة توقيفية لكن الوسائل؟ وهل يمكن الآن أن أجلس بين عشرة من غير العرب وأتكلم بأرقى الفصاحة والبيان باللغة العربية ماذا يفهمون؟ لا شيء، فهل يقال: إن هذه دعوة إلى الله؟! ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود من أجل أن يرد عليهم كتاباتهم ويقرأ كتاباتهم، أمره أن يتعلم ذلك، ثم إنه قال لـ أم خالد: سنة سنة، لما جاءت إلى الحبشة ووجد عليها ثوباً أظنه جديداً قال: سنة سنة، أي: حسن حسن، الرسول تكلم بغير العربية، مع أنه ليس في مقام دعوة، لكن بعض الناس يتكلم عن جهل، وهنا أسأل: أيهما أشد خطراً على الإسلام، الجهل البسيط أم الجهل المركب؟ الجهل المركب؛ لأن الجاهل جهلاً مركباً يظن أنه عالم، وهو جاهل فيتكلم بما لا يعرف، والجاهل جهلاً بسيطاً لا يتكلم، عارف بنفسه، يقول: لا أدري، فنصيحتي لهذا الأخ أن تبلغه سلامي وتقول له: عليه أن يتأمل في الأدلة ويتقي الله، ولا يتكلم بما لا يعرف إنه مسئول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] . الجزء: 142 ¦ الصفحة: 9 حكم التعامل مع البنوك في إيداع النقود من أجل تصديق الشيكات السؤال ما رأيك في التعامل مع بنك الرياض، وذلك في إيداع النقود من أجل تصديق الشيكات؟ الجواب ما معنى تصديق الشيكات. السائل: إيداع على شأن تصديق شيك. الشيخ: من أجل أن تسحب منه؟ السائل: لا. وإنما من أجل أن تأخذ الشيك منه وتعطيه شخصاً آخر مصدق ويوضع حساب الشخص هذا. الشيخ: المهم لا تأخذ ربا ولا شيئاً، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فلا. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 10 حكم الرقية بالقرآن بطرق لم ترد عن السلف السؤال يوجد الآن في هذا العصر طرق في الرقية بالقرآن قد لا تكون معروفة عند السلف رضي الله تعالى عنهم مما ألبس حكمها على كثير من طلبة العلم فضلاً عن العوام، ولذا نود لو كان هناك كتاب يتكلم عن حكم هذه المسائل، أسأل عن طريقتين هذا المجلس، الطريقة الأولى: يفعلها بعض الناس أنه يضع عباءة سوداء على المعيون، ثم يقرأ عليه القرآن، ثم يقول الذي أعانك هو فلان بن فلان، أو يقول: صورته كذا وكذا من أوصافه. والطريقة الثانية: أن بعضهم يمسك بيد المعيون ثم يقرأ القرآن، ثم يقول: تخيل في مخيلتك شخصاً ثم يتخيل، فيقول: هذا هو الذي أعينك، فما الحكم في هذه الطريقة؟ الجواب كلتا الطريقتين لا أعرف لهما أصلاً عن السلف الصالح، والشيء الذي ليس له أصل في هذه الأمور يوجب الشك، والأصل المنع، حتى يقوم دليل على أن ذلك مفيداً، وما دمنا لا ندري فإننا نقول: الطريقة الثانية من تتهم من تظن؟ ما الفائدة من هذا؟ لأنه ربما يقول هذا المصاب: أنا أتهم فلاناً لسوء تفاهم معه أو لأحقاد بينه وبينه، وهو ليس كذلك، ثم يبني هذا القارئ على ما ظنه، فالذي أرى أن نتجنب مثل هؤلاء، لا يذهب إليهم ولا يؤبه بقولهم. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 11 الحكمة في إنكار المنكر السؤال هناك يا شيخ بعض الحريصين على الدعوة ولكنه يجد حرجاً من ناحية إنكار المنكر، خصوصاً الأقارب أو بعض الفسقة من المسلمين، أي: من ناحية أنه يقول: هل يجب عليّ إنكار المنكر كلما رأيت هذا الشخص الذي يقع في المنكر مثل أن تكون في مجلس وعامتهم من الحداثيين والمسبلين، فهل يلزم أن ينكر المنكر هذا، ولو أنكر يقول: إنه يحصل بيني وبينهم بعض الوحشة، وأنا أريد فسح قلوبهم وأؤجل الإنكار إلى وقت، فهل هذا صائغ أم يجب عليه أن ينكر المنكر؟ الشيخ: أقول إن الله تعالى رسم لنا الطريق، فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] . فهل من الحكمة أنك كلما رأيت إنساناً على معصية تنصحه -مثلاً- حلق اللحية، شرب الدخان، ربما لا تجده على شرب الدخان، لكن إذا رآك لن يشرب، لكن حلق اللحية تعرف هذا الرجل حلق لحيته، نصحته أول مرة، ثم مضى شهر أو شهران ووجدته حالق اللحية، وبعد شهر أو شهرين يمكن أكرر، هل كلما رأيته أنصحه؟ هذا ليس من الحكمة؛ لأنه سوف يمل ويتعب، فأنت حين ترى أن للموعظة مكاناً عظه، ولهذا يجب أن نتذكر دائماً قول الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] . فهذا الشرط لا بد من اعتباره، أحياناً الذكرى لا تنفع بل تضر، والمقصود إصلاح الخلق لا إطفاء الغيرة، الإنسان في قلبه غيرة، ويكره كل معصية، لكن هل المقصود أنك تطفئ غيرتك بالإنكار أو تصلح غيرك بالإنكار؟ الجواب الثاني ولهذا نجد الطب الحسي، تجد -مثلاً- الطبيب يباشر هذا المريض المنتن الريح، الكريه المنظر، لكن من أجل المصلحة، تجد أنه يشق شرح الخبيث من أجل المصلحة، فأنت انظر إلى المصلحة، فنحن لا نستطيع أن نحدد؛ لأن الناس يختلفون، لكن إذا كانت المصلحة في الدعوة والإنكار فافعل، وإلا فاسكت إلى وقت آخر، ولهذا أول ما أمر الرسول بالإنذار قال الله له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] ثم بدأت الدعوة تتوسع حتى انتهت بعد أن هاجر الرسول إلى قتال الأعداء. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 12 الرد على من يقول: دينكم هذا دين خامس السؤال الاستهزاء على نوعين: أحدهما: الاستهزاء الصريح الذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرآئنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء أو نحو ذلك من أقول المستهزئين، كقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، وقول الآخر: دينكم أخرق، وقول الآخر إذا رأى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدين. من باب السخرية بهم وما أشبه ذلك، مما لا يحصى إلا بكلفة مما هو أعظم من قول من نزلت فيهم الآية؟ الجواب لهؤلاء الذين يقولون: الدين الخامس يمكن بعضهم يعبر بهذا المذهب الخامس؛ لأنه يقول: أنتم الوهابية، المذاهب أربعة، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وأنتم مذهب خامس، يعني: للتعبير بالدين الخامس هذا لا يعبر به إلا العوام؛ لأنه ليس ديناً مستقلاً، لكن مذهب -على زعمهم- مستقل وهذا كذب، هذا إنما أذاعه أعداء الدعوة إلى التوحيد تشويهاً له، قالوا: محمد عبد الوهاب أتى بمذهب خامس خرج عن إجماع الأمة؛ لأنهم يعتقدون أن ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة فهو إجماع، وهم أخطئوا، محمد عبد الوهاب رحمه الله مذهبه حنبلي وكتبه في العقيدة والتوحيد والفقه كلها مبنية على أصول الإمام أحمد رحمه الله. ولم يأتِ بمذهب خامس، ولكن أنت تعرف أن الأعداء يشوهون الدعوة والداعي، أعداء الرسل ماذا قالوا؟ قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات:15] فطعنوا في الدعوة، وقالوا في الداعي: إنه {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4] فطعنوا في الداعي. كذلك هؤلاء طعنوا فيما يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من التوحيد، وشوهوا السمعة لسببين: السبب الأول: تنفير العوام من التمسك به. السبب الثاني: استساغة حرب هذا الرجل ومن أخذ بطريقته، أنه أتى ببدع من مذاهب المسلمين فاستحق أن يحارب ويقاتل، وكل هذا كذب على محمد بن عبد الوهاب. على كل حال، حتى الساخرين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر -أيضاً- قد يتوقف الإنسان في كونه كفراً؛ لأن الإنسان ربما يسخر بالآمر دون الأمر، وبالناهي دون النهي، وأضرب لكم مثلاً: لو جاء إنسان من العلماء المعتبرين هنا في البلاد، ونهاك عن شيء، وجاء إنسان آخر من الذين لا يعرفون ونهاك، هل تكون قيمة النهي من الرجلين سواء؟ لا. تحترم الأول، والثاني ربما لا تحترمه ليس أنك لم تحترم المنكر لكن لأنك لا تأبه بهذا الناهي ولا تأخذ عنه. الآن يأتينا طالب علم صغير يرفع ثوبه إلى نصف الساق، وتجد بعض العوام يسخرون به ويرونه أخطأ، ويأتي إنسان من العلماء المعتبرين الموثوق بهم يجعل ثوبه إلى نصف الساق هل يسخرون به؟ لا. إذاً ليست السخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا كالسخرية بمحمد وأصحابه، بينهما فرق عظيم؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام معصوم، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زمننا غير معصومين، لكن الذي يسخر بالمعروف نفسه، هذا الذي يكون كافراً، أما بالآمر به فلا يمكن أن نطلق عليه الكفر؛ لأنه قد يسخر بالرجل دون ما دعى إليه، وهذه مسألة يجب أن نتفطن لها، وأن نعلم الفرق بين السخرية بالرسول وأصحابه، والسخرية بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هنا. فيقال للساخر: هل أنت تسخر بالمعروف الذي أمروا به كما لو أمروك بالصلاة مع الجماعة وقلت: ما هذا؟ هذا تأخر، هذا تقهقر، يريدون أن نرجع إلى العصور الوسطى وما أشبه ذلك، فهذا كفر، أم أنه يسخر بالرجل نفسه؟ فالرجل نفسه قد يكون الإنسان غير قابل له، والله أعلم. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 13 دعاء دخول الحمام يكون قبل الدخول السؤال هل إذا دخلت الحمام سميت؟ الشيخ: لا. التسمية قبل الدخول، تقول: باسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث. السائل: إذا نسيت؟ الشيخ: إذا نسيت قد أقول ولا أجزم بذلك: اخرج وسم وادخل، لأجل ألا تفوتك التسمية ولا تسم داخل الحمام. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 14 جواز التوكيل في رمي الجمار للأم التي تخاف على ابنها السؤال امرأة حجت ولم ترم الجمار وهي قادرة، إلا أنه معها طفل له شهران؟ الشيخ: ولا تأمن عليه. السائل: ليس معها إلا محرمها ومعها امرأة ثانية. الشيخ: لكن لا تأمن أن تضع الطفل عند المرأة الثانية وتذهب ترمي. السائل: لأنهم جماعة سوف يرمون سوياً والله أعلم. الشيخ: على كل حال إذا تركت ذلك خوفاً على ابنها أو عجزاً ووكلت فلا بأس. السائل: وإذا أرادت أن تذبح؟ الشيخ: إن أرادت أن تذبح هدياً في مكة، فدية توزع على الفقراء فجزاها الله خيراً، وإن كان واجباً عليها أدت الواجب، وإن كان غير واجب فهو تطوع {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:158] . والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. الجزء: 142 ¦ الصفحة: 15 لقاء الباب المفتوح [143] يستمر الشيخ رحمه الله كما في مطلع كل لقاء في تفسير بعض الآيات، وفي هذا اللقاء فسر قوله تعالى: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فبين أن الله سبحانه وتعالى أقسم بنفسه بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق، وقال: يحتمل أن يكون الضمير عائد للقرآن، ويحتمل أن يكون عائد للنبي صلى الله عليه وسلم، وفسر أيضاً قوله تعالى في سورة الذاريات: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ) إلى قوله تعالى: (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) . الجزء: 143 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر رجب عام 1417هـ. نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من تفسير القرآن الكريم؛ لأني أحب دائماً أن يكون للمسلمين صلة في معرفة معاني كلام الله، فإن الله تعالى أنزل القرآن لهذا فقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وتدبر الآيات -أي: تفهم معانيها، والتذكر: هو: الاتعاظ والعمل والتصديق. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق) انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] (الفاء) عاطفة، و (الواو) للقسم، و (رب السماء والأرض) هو الله عز وجل، أقسم بنفسه تبارك وتعالى بمقتضى ربوبيته بالسماء والأرض أن ما يوعدون حق؛ لأنه قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ} [الذاريات:22-23] أي: ما توعدون، ويحتمل أن يكون الضمير عائدٌ إلى القرآن، ويحتمل -أيضاً- أنه عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمعاني الثلاثة كلها متلازمة، وقوله: (إنه لحق) أي: ثابت؛ لأن الحق والباطل متقابلان، فالباطل هو: الزائل الضائع، والحق هو: الثابت الذي فيه الفائدة والخير والصلاح. وقوله: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] أي: كما أن الإنسان يتيقن نطقه فإن هذا القرآن حق، ومن المعلوم أن كل أحد منا لا ينكر نطقه، وإذا نطق تيقن أنه نطق، إذاً هذا القرآن كلام الله عز وجل حق، مثلما أن نطقنا حق. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:24] . هل أتاك الخطاب؟ ليس للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل له ولكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، كأنه قال: (هل أتاك) أيها المخاطب (حديث ضيف إبراهيم المكرمين) ؟ والاستفهام هنا للتشويق، كما أنه في بعض الأحيان يكون للتخويف، فيكون للتشويق، فقوله هنا: {هَلْ أَتَاكَ} [الذاريات:24] كأنه يشوقك إلى أن تسمع هذا الحديث، ونظيره في التشويق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] ليس المراد بمثل هذا الاستفهام أنه يستفهم: هل يدلنا؛ لأنه لا يريد أن يستفهم لنفسه، ولكن أراد أن يشوق المخاطبين إلى ذلك. ويكون الاستفهام للتهديد، والإنذار، والتخويف في مثل قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] ثم قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2-3] . فإذا قال قائل: أي شيء يدلنا على أن الاستفهام للتشويق أو للتهديد أو للاستخبار أو ما أشبه ذلك؟ نقول: الذي يدلنا على هذا السياق وقرائن الأحوال، والعاقل يفهم هذا وهذا. {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ} أي: خبر {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} وضيف هنا مفرد لكنه يسع فيه الجماعة والواحد، وهم جماعة ملائكة كرام عليهم الصلاة والسلام، (ضيف إبراهيم) أي: الذين نزلوا ضيوفاً عنده، و (إبراهيم) هو الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أبو العرب وأبو بني إسرائيل، كما قال الله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] وهو الذي أمرنا الله تعالى أن نتبع ملته، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123] . ولهذا ادعت اليهود أن إبراهيم يهودي، والنصارى ادعو أنه نصراني، ولكن الله تعالى كذبهم في ذلك، فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] . الجزء: 143 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً) يقول عز وجل: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً} [الذاريات:25] يحتمل أن (إذ دخلوا) متعلق بقوله: (المكرمين) أي: الذين أكرمهم حين دخولهم عليه، ويحتمل أنها مفهوم لفعل محذوف، والتقدير: اذكر إذ دخلوا على إبراهيم {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات:25] . {فَقَالُوا سَلاماً} أي: نسلم سلاماً، وعليه فسلاماً مصدر عامله محذوف والتقدير: نسلم {قَالَ سَلامٌ} (سلامٌ) : مبتدأ خبرها محذوف، والتقدير: عليكم سلام، وعلى هذا فيكون التسليم هنا ابتداءه بالجملة الفعلية، وجوابه أو رده بالجملة الاسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن رد إبراهيم أكمل من تسليم الملائكة؛ لأن تسليم الملائكة جاء بالصيغة الفعلية، ورد إبراهيم جاء بالصيغة الاسمية. {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} قوم: خبر مبدل المحذوف، والتقدير: أنتم قوم، وإنما قال: إنهم قوم؛ لأنهم في صورة البشر، وقوله: {مُنْكَرُونَ} أي: غير معروفين، كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:70] . في هذه الآية شاهد لحذف المبتدأ وحذف الخبر، أين الشاهد لحذف الخبر؟ (سلامٌ) والشاهد لحذف المبتدأ (قوم) لأن التقدير: أنتم قومٌ. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فراغ إلى أهله) قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] (راغ) انسل بخفية وسرعة، وذلك لحسن ضيافته، لم يقل: انتظروا آتي لكم بالطعام، ولم يقم متباطئاً كأنما يدفع دفعاً، إنما قام بسرعة منسلاً لئلا يقوموا إذا رأوه ذهب إلى أهله، فكأنه أخفى الأمر عنهم، (إلى أهله) أي: أهل بيته، {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] وفي آية أخرى: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] أي: مشوي. واللحم إذا شوي يكون أطعم وألذ؛ لأن طعمه يبقى فيه، لا يمتزج بالماء، بخلاف إذا ما طبخ، إذا طبخ يمتزج طعمه بالماء فتقل لذاذته، لكن إذا كان مشوياً صار أطيب وأحسن {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26] أي: إنه عليه الصلاة والسلام لا يتخير للضيوف البهائم العجفاء الهزيلة، وإنما يتخير لهم البهائم السمينة؛ لأنها ألذ وأطرى وأنفع، واختيار العجل: إما أن يكون عليه الصلاة والسلام من عادته أن يكرم الناس بهذا، أو أنه يكرم الضيوف بحسب ما تقتضيه الحال، فإذا كانوا كثيرين أتى بالعجل، وإذا كانوا أقل أتى بالغنم، وما أشبه ذلك، حسب عادة الكرماء. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فقربه إليهم قال ألا تأكلون) قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] . (قربه إليهم) أي: لم يجعله بعيداً ويقول: قوموا إلى طعامكم، بل خدمهم حتى جعله بين أيديهم، قربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ ولم يقل: كلوا، وإنما عرض عليهم عرضاً؛ لأن هذا أبلغ في الإكرام، انتبهوا لهذا والعرض أخف وألطف من الأمر، إذ أنه لو قال: كلوا كان يحتمل أنه أراد أن يستعلي عليهم ويوجه الأمر إليهم، لكن {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] تعرفون الفرق بين العبارتين في الرفق، أيهما أرق وأرفق؟ ألا تأكلون، هل الآن قرب الطعام إليهم، هل نقول: إن السنة والأفضل أن الإنسان إذا دعا ضيوفاً أو أتاه ضيوف أن يقربه إليهم في مجلس الجلوس؟ أو نقول هذا يختلف باختلاف الأحوال؟ الثاني هو الأفضل؛ لأن عموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) يدل على أنك تكرمهم بما جرت به العادة في إكرامهم به، عندنا الآن إذا عزمت أصحابك وأصدقاءك وهم قلة فلا يعدون تقديم الطعام -مثلاً- في المجلس إهانة؛ لأنهم إخوانك وأصدقاءك، الأدب بينكم متسامح فيه، لكن لو نزل بك ضيف أو دعوت ضيفاً ليس بينك وبينه الصلة التي يسقط بها كما يقال الأدب، فإنه في عرفنا الآن ليس من إكرامه أن تقدم الطعام في محل الجلوس اللهم إلا لضرورة إذا لم يكن عندك مكان، الآن الإكرام أن تجعل الطعام في مكان ثم إذا أردت أن يأكلوا تقول: تفضلوا، ألا تتفضلون أو نغير المجلس، أو ما أشبه ذلك من الكلمات المتداولة، فالمهم أن قوله تبارك وتعالى عن إبراهيم: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] . ينبغي أن يجعل هذا حسب عادة الناس، إذا كان من الإكرام أن تأتي بالطعام إلى محل جلوسهم فأت به، وإذا كان من الإكرام أن تجعله في مكان آخر فافعل، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) . الجزء: 143 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 143 ¦ الصفحة: 8 نصيحة للمرأة أثناء الولادة السؤال فضيلة الشيخ! ما نصيحتكم للمرأة عند الولادة وماذا تقرأ من القرآن؟ الجواب أنا لا أرى نصيحة نوجهها للتي أخذها الطلق إلا أن تعلق قلبها بالله عز وجل وتلجأ إليه، وتسأله التنفيس لها ولا سيما إذا اشتد بها الطلق، أما أن تقرأ شيئاً معيناً فلا حاجة، لكن عند عسر الولادة يمكن للإنسان أن يكتب في إناء الآيات التي تدل على تنفس الأشياء، مثل {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:1-2] . ومثل قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد:8] ومثل قوله: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت:47] وما أشبه ذلك وتسقى إياها، ويمسح ما أسفل بطنها، فهذا يسهل الولادة. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 9 حكم أبناء الكفار الذين يتوفون قبل البلوغ السؤال بماذا نطلق على أبناء الكفار الذين توفوا قبل البلوغ، هل هم مسلمون أم كفار؟ الجواب حكمهم حكم آبائهم، إذا كان الأبوان كافرين، فحكمهم حكم آبائهم في الدنيا، بمعنى: أننا لا نغسلهم ولا نكفنهم ولا نصلي عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، أما في الآخرة فأمرهم إلى الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الله أعلم بما كانوا عاملين) والذي يهمنا نحن هو أحكام الدنيا ماذا نصنع بهم؟ أما أحكام الآخرة فهي عند الله عز وجل، وقد ذكر كثير من العلماء رحمهم الله أن هؤلاء الأطفال وكذلك من لم تبلغهم الدعوة النبوية أنهم يمتحنون يوم القيامة، يأمرهم الله تعالى بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 10 حكم دفن الميت في بلد غير الذي توفي فيه السؤال هل يجور للمرأة التي توفاها الله سبحانه وتعالى أن تسافر مع رجل أجنبي بدون محرم؟ وسمعنا أنكم تقولون: الوفاة يوم الجمعة ليس من علامات حسن الخاتمة، هل هذا صحيح؟ الشيخ: نعم. أما جانب السؤال الأول فلا أدري ما معناه. السائل: جسد المرأة التي توفيت -مثلاً- هنا في عنيزة وأرسلت إلى الرياض مع رجل أجنبي ليس محرماً لها أقصد الجثة؟ الشيخ: أولاً لا ينبغي أن ينقل الميت عن الأرض التي مات فيها، بل الأفضل أن يدفن في مكانه وأرض الله تعالى كلها سواء، اللهم إلا أن يكون في بلد الكفر وليس فيه مقابر للمسلمين فهنا ينقل إلى بلد إسلامي ويدفن مع المسلمين، وأما في البلاد الإسلامية يدفن الإنسان في مكانه، ولهذا قال العلماء: يكره أن ينقل الميت إلى مكان آخر، هذا بالنسبة لنقل الجثة، وأما بالنسبة للموت يوم الجمعة أو يوم الإثنين فهذا ليس فيه فضيلة؛ لأن الإنسان إنما يثاب على أمر له فيه فضيلة، أي: له فيه عمل، وهل الإنسان إذا تمكن أن يؤجل الموت إذا جاءه يوم الخميس إلى يوم الجمعة؟ لا يمكن، فالشيء الذي ليس للإنسان فيه عمل هذا ليس فيه ثواب، وليس فيه عقاب، لكن إن وردت أحاديث تدل على فضيلة الموت يوم الإثنين مثلاً، فنقول بها، أما إذا لم يرد فالأصل أن ما ليس للإنسان فيه اختيار ليس فيه ثواب ولا عقاب. وأما قول أبي بكر حينما كان مريضاً فكان يود أن يموت يوم الإثنين في مرضه ولم يمت، فهذا حباً منه أن يموت في اليوم الذي مات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 11 الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) السؤال كيف يمكن أن نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] والخشوع في الصلاة؟ الجواب الجمع بينهما أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) خاص، وقوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] عام، ما ذكر الله تعالى في الصلاة ولا في غير الصلاة، فيكون هذا العموم مخصوصاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ونقول للمأموم مع إمام يجهر بصلاته: اقرأ فاتحة الكتاب فقط، والباقي يجب عليك الإنصات، وكل أحد يعلم أن النصوص العامة قد يلحقها تخصيص، ولهذا جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ذات يوم صلاة الفجر ثم انصرف وقال للصحابة: مالي أنازع القرآن؟ ثم قال لهم: إذا سمعتم الإمام فلا تقرءوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . وهذا في صلاة الفجر وهي صلاة جهرية. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 12 حكم موافقة الزوج لزوجته على أن تعمل بشرط إسقاط النفقة السؤال هناك فتوى نريد أن نتأكد منها، فتوى امرأة أرادت النكاح وشرطت على زوجها أن تعمل، وشرط عليها الزوج ألا تفعل، ثم سمح لها أن تعمل لكن لا ينفق عليها، ما المعنى أنك أجزت هذا؟ الجواب إذا شرطت أن تعمل في التدريس وغيرها من الوظائف ورضي الزوج بذلك فلا بأس، وأيضاً اشترط عليها النفقة، فكذلك لا بأس بها؛ لأن النفقة حق لها، فإذا أسقطتها فلا حرج عليها. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 13 حكم من أراد السفر في وقت أحد فروض الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! أنا من خارج مدينة عنيزة، أريد السفر إلى الرياض، ونويت السفر قبل أن أتم هل يحق لي أن أسافر وأؤخر صلاة الظهر مع العصر جمع تأخير؟ الجواب إذا كنت مقيماً هنا. السائل: دخل وقت الظهر فقط؟ الشيخ: لا بأس إذا صليت مع الجماعة، فصلِّ العصر قصراً، واستمر. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 14 حكم تجزئة الزكاة السؤال هل يجوز لي أن أجزئ القدر الواجب لزكاة الذهب، بأن أدفع الآن خمسمائة وبعد شهرين مثلاً خمسمائة أخرى إذا حال الحول، وهل -أيضاً- لا بد من الحول، وهل إذا زاد على الحول يعتبر آثماً أم لا؟ الجواب تجزئة الزكاة إذا كانت تقديماً فلا بأس، مثل أن يكون حوله يتم في رمضان، وبدأ يزكي من جمادى فهذا لا بأس به؛ لأن غاية ما فيه أنه قدم بعض الزكاة، وتقديم بعض الزكاة جائز كتقديم جميع الزكاة، أما في التأخير فلا يجوز، إذا حلت الزكاة أن يؤخر بعضها ويقسطه؛ لأن الزكاة يجب دفعها على الفور مرة واحدة، إلا أن يعفى عن عشرة أيام، شهر نصف شهر، وكذلك لو فرضنا أن الفقراء عنده قليل، ولو دفع إليهم جميعاً أفسدوها، فيريد أن يقسطها عليهم لمصلحتهم، فلا بأس؛ لأن هذا لمصلحة المعطي. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 15 حكم ألعاب الأطفال التي على شكل تمثال السؤال ما حكم اقتناء لعب الأطفال التي على شكل تمثال من حصان أو حمار أو طير أو غير ذلك؟ الجواب الألعاب التي يلعب بها الصبيان نتسامح فيها قليلاً؛ لأن عائشة رضي الله عنها كان عندها لعب بنات تلعب بها، ويسامح للصغار ما لا يسامح للكبار، لكن الأفضل في هذه الحالة أن يشتري لهم لعبة من هذه اللعب التي بدأت تصدر حديثاً، وهي ألعاب من القطن أو من الإسفنج على شكل آدمي على شكل حصان أو على شكل بعير، إلا أنها ليست بينة، أي: ما فيها أنف بارزة ولا شفتان ولا شيء من الأشياء البارزة، يتلهى بها الصبي وهو أحسن وأحوط. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 16 حكم إغلاق الميكرفونات الخارجية في المساجد أثناء الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! صدر في منطقتنا قرار أو تعميم من الأوقاف بإطفاء مكبرات الصوت الخارجية، ولكن الأئمة وجدوا معارضة من الجماعة، وكثير من الجماعة يعارضون، فالآن هم في ورطة فما الحل فضيلة الشيخ؟ الجواب أما الأئمة فعليهم أن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول وأولي الأمر منهم، وما داموا أمروا بذلك فيجب عليهم التنفيذ، ولا يهتمون بالناس، ثم الذي يطالب بأن تفتح الميكرفونات الخارجية فقد أخطأ؛ وذلك لأن هذه الميكرفونات الخارجية تشوش على من حولهم من المصلين ومن حولهم من المساجد، ويحصل في هذا أذى، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا حين خرج إلى أصحابه يوماً أو ليلة، فوجدهم يجهرون بالصلاة، فقال: (لا يؤذين بعضكم بعضاً بالقراءة) فجعل ذلك إيذاء، وقال: (لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة) والأذية في هذا مؤكدة ولا إشكال فيها، حتى سمعنا أن في بعض المساجد القريبة بعضهم من بعض إذا كانت قراءة المسجد الآخر أحسن من قراءة إمامهم صاروا ينصتون لها ويتابعونها حتى أني سمعت أن بعضهم قرأ إمام المسجد المجاور: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] قال هو: آمين!!! ولذلك يتبين الأذية التامة في هذا، فالصواب بلا شك أنها تقفل حتى وإن لم تأمر بذلك وزارة الأوقاف لما في ذلك من الأذية، وما سمعنا بهذا إلا أخيراً، وأي فائدة من رفع القراءة في الصلاة على المنائر، ما الفائدة إلا أنها تشوش على المساجد التي حولها وتشوش على المصلين في البيوت، في البيوت نساء يصلين تشوش عليهن، كذلك -أيضاً- في أيام الصيف تزعج الصبيان النائمين في السطوح أو في الأحواش، ولا شك أن قفلها هو الصواب، وأن الذي يفتحها ويتأذى الناس به أنه مخالف للنبي عليه الصلاة والسلام. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 17 الحق من أسماء الله الحسنى السؤال هل كلمة (الحق) من أسماء الله الحسنى؟ الشيخ: نعم. قال الله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج:6] . {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] . الجزء: 143 ¦ الصفحة: 18 حكم مراجعة الزوجة المطلقة هزالا ً السؤال كتاب الطلاق هو كتاب المعاملات؛ لأننا وجدنا كلاماً للإمام النووي في المجموع أنه قال: إن الفقهاء يختلف اصطلاحهم عن الأصوليين، فإن الأصوليين مثلاً قالوا: الشك ما تراوح بين أمرين -معروف تقسيم الأصوليين- أما تقسيم الفقهاء فإنهم يرون كما تعلمون أن الشك ولو كان في غلبة الظن يعتبر شكاً عندهم، ولكن هل يعمل بهذا -مثلاً- في كتاب الطلاق، وهل من قال -مثلاً-: رجعت كاذباً فهل تعتبر هذه رجعة؟ الجواب أولاً: ما ثبت بيقين لا يرفع بالظن، هذه قاعدة: ولهذا لما شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد في بطنه شيئاً ويخشى أنه أحدث قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فاليقين لا يزول بالظن، لا يزول اليقين إلا باليقين، وعلى هذا فمن علق طلاق امرأته على شيء، وشك هل حصل هذا الشيء أم لم يحصل فلا طلاق عليه حتى لو غلب على ظنه أنه حصل فلا طلاق عليه. أما مسألة التفريق بين الظن والشك: فمعلوم أن الأصوليين يقسمون الإدراك إلى خمسة أقسام: علم وظن وشك وتردد وجهل. وأما الفقهاء فهم يقولون: إما يقين فقط، واليقين والظن لا يزول به اليقين، وهذه قاعدة مهمة. السائل: إذا قال: راجعت قالها الرجل كاذباً ليس بصادق فيها واعترف بهذا؟ الشيخ: ادعى بهذا أنه راجع زوجته وأنكرت الزوجة؟ السائل: بل أنكر هو نفسه قال: قلت ذلك كاذباً، فهل هذه تعتبر رجعة أو لا تعتبر؟ الشيخ: تعرف أن الإقرار الذي يتعلق به حق الغير أن الإنسان إذا رجع عنه لا يقبل في حق الغير، فلو أنه قال: إنه راجع زوجته ثم لما ادعت عليه أن ينفق عليها وغير ذلك قال: أما ما راجعتها وإني كنت راجعتها كاذباً، فهذا لا يسقط حقها من النفقة؛ لأن هذا يتعلق به حق الغير، أما إذا كان إقراراً لا يتعلق به حق الغير فهذا له أن يرجع فيه. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 19 حكم قضاء صلاة من كان في غيبوبة السؤال رجل حدث له حادث وصار في غيبوبة لمدة شهر تقريباً وعافاه الله ويسأل: هل يقضي الصلوات؟ الشيخ: إذا حصل على الإنسان حادث وأغمي عليه مدة طويلة أو قصيرة فإنه لا يقضي الصلاة؛ وذلك لأنه غاب عقله بغير اختياره، بخلاف الإنسان إذا بنج، وغاب عقله لمدة يومين أو ثلاثة، فعليه أن يقضي، والفرق بينهما أن الذي بنج غاب عقله بسبب منه، وأما الذي أغمي عليه بسبب الحادث أو بشدة المرض فإنه لا يقضي؛ لأن هذا حصل بغير اختياره، هذا هو القول الراجح والصحيح، لكن لو صادف هذا في أيام رمضان، فعليه أن يقضي الصوم، والفرق بين الصوم والصلاة ظاهر، كالفرق بينهما في حال الحيض، فالمرأة تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 20 سبب تأخر نشر كتب الشيخ ابن عثيمين السؤال الكتب التي خرجت سمعنا أنها توقفت مثل شرح الزاد؟ الجواب ما توقفت لكن غالب الكتب التي خرجت لي أخيراً الأولى التي طبعت وكانت محررة من قبلي ما فيها إشكال لكن الأخيرة صار بعض الإخوة لحبهم نشر العلم والمبادرة فيه، صاروا يأخذونها من الأشرطة، والأشرطة كما تعلمون أشرطة درس، الدرس يكون فيه التقديم والتأخير واللحن وربما يسهو الإنسان مثلاً، ربما يسبق لسانه إلى شيء فصاروا يأخذونها من الأشرطة ثم يفرغونها ثم يأتون إلينا ويقولون: ائذن لنا بالطبع، ونثق ببعضهم لعلمه وخبرته لكن كما يقولون: (لا يحك ظهرك إلا ظفرك) مهما كان الإنسان لا بد أن يكون هناك خلل ولكن هذه الكتب مثلاً على رأسها الممتع شرح زاد المستقنع وهو من أفيدها فيما أعلم؛ لأن فيه أشياء قد لا تجدونها في كتب السابقين مما حدث أخيراً، هذا الآن نصححه؛ لأن فيه أشياء محذوفة مهمة لكن الذين قاموا على طبعه رأوا في رأيهم أنها لا تحتاج إلى ذكر فنحن نلحقها الآن، وكذلك القول المفيد شرح كتاب التوحيد فيه بعض النواقص وقد تم والحمد لله الآن تصحيحه حتى يطبع كما طبع شرح العقيدة الواسطية، هذه أهم الكتب، أما الأشياء الصغيرة مثل شرح الآجرومية أو شرح الورقات فهذه أمرها سهل، لكن المهم هذه الكتب العظيمة التي تتعلق بالعقائد أو تتعلق بالفقه، هذه مهمة. السائل: الكتب هذه نحرقها بعدين وإلا كيف؟ الشيخ: لا تحرقها عليك أن تشتري الطبعة الجديدة، وانظر الناقص على الكتاب ويبقى كتابك عندك. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 21 علاج الوساوس التي تعرض للإنسان السؤال هل الإنسان مؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان؟ الجواب الإنسان لا يؤاخذ على ما يجد في نفسه من وساوس الشيطان أبداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وقد شكى الصحابة رضي الله عنهم ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينتهوا من هذه الوساوس، والإنسان إذا انقاد للوساوس فإنه على خطر، ولكن يجب أن يقول لنفسه: هل أنا أعتقد هذه الوساوس؟ الجواب: لا يعتقدها أبداً بل يحاربها غاية المحاربة، إذاً يجب أن تعرض عنها، مادامت غير مستقرة في نفسك، يعلم لو أن أحداً من الناس قالها لقاتله عليها، إذاً يعرض عنها ولا تضره ويمضي في حاله، لو شك في الطلاق أو شك في الوضوء أو في الصلاة، أو فيما هو أعظم من ذلك فلينته عن هذا ويعرض ولا تضره هذه الوساوس، وهذا من نعمة الله عز وجل أن الله جعل لنا سعة ومخرجاً من هذه الوساوس. ثم إني أقول لك: إن هذه الوساوس إنما تعرض لمن عنده يقين وإيمان راسخ، لأجل أن يتزحزح عن يقينه إلى الشك، والشيطان لا يأتي إلى الإنسان الذي قلبه خراب؛ لأنه منتهٍ، ولهذا قيل لـ ابن عباس: إن اليهود يقولون: نحن لا نوسوس في صلاتنا والمسلمون يوسوسون فقال: [صدقوا لا يوسوسون في صلاتهم، وما يصنع الشيطان بقلب خرب] يقبلون على صلاتهم ولكنها غير مقبولة عند الله، ولا يمكن أن يفكر بغير الصلاة التي فيها ولا يوسوس ولكنه خرب، أما المؤمن راسخ الإيمان فهو الذي يتسلط عليه الشيطان. ولذلك اضبط نفسك الآن عندما يأتيك الشيطان في الصلاة ثم تذكرت وأقبلت على صلاتك، يفتح لك باباً ثانياً، وإذا ضبطت نفسك وانتبهت فتح عليك باباً ثالثاً، وهو معك دائماً في صلاتك إذا كفيت نفسك عن هذه الوساوس فتح لك باباً آخر، إلى أن تخرج من الصلاة، لكن احرص على أن يكون أول الصلاة وآخر الصلاة مضبوطاً، فلعل الله أن يغفر لك ما بينهما كما جاء في الحديث: (من استغفر الله في أول النهار وآخره غفر الله له ما بينهما) نسأل الله أن يعيننا وإياكم. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 22 حكم الجلوس على جلود السباع من النمور وغيرها السؤال بالنسبة لجلود السباع من النمور وغيرها من الحيوانات، هل يجوز الجلوس عليها أو وضعها في السيارة على مقعدة السيارة أو على طبلونها أمام السائق؟ الشيخ: أما إذا كان على وجه لا يتعدى فلا بأس مثل طبلون السيارة لا يتعدى، أما الجلوس فلا؛ لأن الجلوس لا يخلو الإنسان من عرق أو ماء أو ما أشبه ذلك، والقول الراجح أنه لا يطهر بالدبغ إلا جلد ما كان مأكولاً في الحياة، هذا يطهر بالدبغ، فلو ماتت شاة وأخذنا جلدها ودبغناه وجعلناه قربة فهو طاهر لا يؤثر على الماء، وكذلك لو دبغناه وجعلناه في مكان يجلسون عليه لا بأس، لكن ما يحرم أكله لا يطهر جلده بالدبغ، هذا هو القول الراجح، والمسألة فيها خلاف طويل عريض. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 23 أمور تساعد على الاتزان وسرعة الفهم السؤال ما الأمور التي تساعد طالب العلم خاصة والمسلم عامة على الثقل والاتزان، أي: ترك الأمور العملية تساعد على ذلك، وما الأمور التي تساعده على فهم النصوص وما أشبه ذلك؟ الجواب أما مسألة الفهم فهو يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل عهد إليكم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: ما عهد إلينا بشيء إلا فهماً يؤتيه الله تعالى عبداً في كتابه وإلا ما في هذه الصحيفة] فقوله: (فهماً) يدل على أن الفهم يختلف الناس فيه اختلافاً كبيراً وهو كذلك، من الناس من يقرأ آية من كتاب الله يستخرج منها أحكاماً كثيرة، ومنهم من يقرأها ولا يستخرج منها شيئاً، وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال الأنصار له: يا أمير المؤمنين! كيف تحضر عبد الله بن عباس وهو من صغار الناس وتدع أبناءنا؟ فسكت وجمعهم يوماً من الأيام، وقال لهم: [ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1-3] . ما تقولون فيها أنتم؟ فسروها بظاهرها قالوا: أمر الله نبيه أنه إذا جاءه النصر والفتح أن يستغفر الله وأن يسبح بحمده، فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: أقول: إنه أجل رسول الله، أي: أن الله قال له: إذا حصل هذا فما بقي عليك شيء، ما بقي إلا أن تختم عمرك بالاستغفار والتسبيح، قال عمر: والله ما فهمت منها إلا هذا] . فالفهم لا يمكن أن يضبط، لكن لا شك أن الإنسان إذا مارس التدبر والتفهم فإن فهمه يزيد؛ لأن هذه غريزة، والغريزة تزاد بالكسب، كل الغرائز تزداد بالكسب. أما مسألة التأني وانضباط العمل والقول، فهذه -أيضاً- تحصل بالمرونة وهي أيضاً طبيعة ومكتسبة، بعض الناس بطبيعته تجده مطمئناً حتى كأنه يدلع الكلام تدليعاً، حتى إذا جاء يخاطبك، تقول: لماذا لا يتكلم هذا بسرعة؟ وبعض الناس بالعكس فيهم خفة في مقاله وفعاله وعقله، فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن كل هذه الأمور تحصل بالممارسة والاكتساب، يمرن الإنسان نفسه إذا استعجل يوماً من الأيام يفكر ويقول: كيف ما أتأنى؟ لماذا أتكلم؟ ثم إذا دار الأمر في فعل من الأفعال بين تركه وفعله فغلب جانب الترك؛ لأنك إذا تركت فأنت. فما تقتضي الحاجة التعجل فيه فهذا شيء آخر. السؤال: لباس الشهرة المنهي عنه هل هو مختص بالنوعية أو يشمل الكيفية؟ وإذا كان يشمل الكيفية فما رأيكم فيمن يقصر ثوبه أو يطيله فيخرج عن العادة؟ الشيخ: الشهرة عام في النوعية والكيفية، والعلو والسفول، حتى إن الغني إذا لبس ما يلبسه الفقير صار شهرة، لو أن إنساناً غنياً خرج إلينا بعباءة مرقعة وثوب مرقع، ثوب وسخ وليس له أزرة، هذا شهرة، أليس كذلك؟ أليس الناس ينظرون إليه ويقولون: انظروا؟ وكذلك بالعكس، ولهذا جاء في الحديث: (أنه نهى عن لباس الشهرتين) أي: نزولاً وعلواً. وكذلك -أيضاً- في الكيفية، لكن إذا قدرنا أن الكيفية من السنة، وكان هذا الرجل ممن يقتدى به، أي: إمام من بين الناس، لا ينكر فعله بل يقتدى به، فهنا نقول: طبق السنة، وأما إذا كان فعله سيكون شهرة وربما يكون سبباً في الاشمئزاز منه والنفور عنه ففي الأمر سعة والحمد لله، والرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنتهى الكعبين، فكله فيه سعة، والصحابة كانوا يفعلون هذا أيضاً، ينزلونها عن نصف الساق فالأمر واسع والحمد لله، ولا يخفى علينا جميعاً أن أبا بكر لما حدث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه أو إزاره خيلاء فلا ينظر الله إليه، قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يستطيل عليّ إلا أني أتعاهده قال: إنك لست مما يصنع ذلك خيلاء) . ونحن إذا تأملنا وجدنا أن إزار أبي بكر إذا استرخى عليه نزل علمنا أنه نزل عن نصف الساق؛ لأنه لو كان إلى نصف الساق ثم نزل إلى الأرض انكشفت العورة وهذا مما يجعل الإنسان أن يكون في سعة من هذا الأمر. فالمهم أن الشهرة تختلف باختلاف الشخص إذا كان إماماً يقتدى به، وأن الناس إذا رأوه -مثلاً- لبس هذا الشيء من اللباس قالوا: هذا هو السنة وافعلوه، هذا حسن، ولكل مقام مقال. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ورزقاً طيباً واسعاً. الجزء: 143 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [144] هذا اللقاء تفسير لقوله تعالى: (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً. ) إلى قوله تعالى: (قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) وفيه بيان سبب خوف إبراهيم من ضيوفه، وذكر أيضاً أن الغلام الحليم غير الغلام العليم، وبين أن الحكيم له معنيان: حكيم من الحكمة، وحكيم من الحكم. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو المجلس الرابع والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع إلا ما شاء الله، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر رجب من عام (1417هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:24-28] . الجزء: 144 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف) من هنا نبدأ من قوله: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [الذاريات:28] أي: أحس في نفسه بخيفة منهم، وسبب تلك الخيفة أنه عليه الصلاة والسلام لما قدم إليهم الطعام لم يأكلوا منه {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} لأن العادة أن الضيف يأكل مما قدم له المضيف، لكن هؤلاء الملائكة لم يأكلوا؛ لأن الملائكة صم أي ليس لهم أجواف كما جاء ذلك مأثوراً عن السلف، ولهذا لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ} [الذاريات:28] طمأنوه قالوا: لا تخف لما رأوا على وجهه من علامة الإنكار والخوف، وكل إنسان يعرف ذلك ويعرف هل هو في سرور؟ هل هو في انشراح؟ هل هو خائف؟ هل هو مطمئن؟ لأن هذا أمر معلوم بالفطرة، ولا يحتاج إلى كبير فراسة. قال تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28] (البشارة) هي الإخبار بما يسُر، أي: أخبروه بما يسره وهو الغلام العليم، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام قد بلغ من الكبر عتياً قبل أن يولد له، لا هو ولا امرأته، بشروه بهذا الغلام وبشروه بأنه عليم، أي: سيكون داعٍ؛ لأن الله تعالى جعله من الأنبياء، والأنبياء هم أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وهذا الغلام العليم غير الغلام الحليم؛ لأن في القرآن أن إبراهيم بشر بغلام عليم في آيتين من كتاب الله، وبشر بغلام حليم في آية واحدة، وهما غلامان، أما الغلام الحليم فإنه إسماعيل أبو العرب، وأما الغلام العليم فإنه إسحاق أبو بني إسرائيل، ولذلك تجد قصتهما مختلفة. ولقد أبعد عن الصواب من قال: إن الغلام الحليم هو الغلام العليم، بل هو نص صريح في سورة الصافات أنهما غلامان مختلفان؛ لأن الله تعالى لما ذكر قصة الذبيح في سورة الصافات قال بعدها: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:112] فكيف يبشر بمن أمر بذبحه وكان عنده وبلغ معه السعي؟ كل هذا مما يدل على أن القول بأن الغلام الحليم غير الغلام العليم، بشروه بغلام عليم وهذه بشارة كما ترون، بشارة تضمنت شيئين وإن شئتم فقولوا: ثلاثة أشياء: أولاً: بأنه سيأتيه مولود يصل إلى أن يكون غلاماً. ثانياً: أن هذا المولود ذَكَرٌ لقوله: غلام. ثالثاً: أنه عليم، أي ذو علم، وكل هذه البشارات عظيمة، كل واحدة تكفي أن تكون بشارة. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فأقبلت امرأته في صرة) قال تعالى: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [الذاريات:29] من امرأته هذه؟ هي: سارة، أم إسحاق، أقبلت لما سمعت البشرى في صرة، أي: في صيحة! سروراًً؛ أو ندماً وحزناً؟ الجواب أنها أتت بصرة سروراً؛ لأنها جاءتها هذه البشرى بعد أن تقدمت بها السن، تصيح وكأنها -والله أعلم- تقول: غلام! غلام! أي: ضربت وجهها بيدها كالمتعجبة كما يصنع الناس إلى اليوم، إذا أتاهم خبر فلان مات، الله أكبر وضرب على وجهه. {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات:29] (عجوز) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أنا عجوز عقيم، فكأنها تعجبت أن تحصل لها البشرى بهذا الغلام العليم بعد أن تقدمت بها السن، وعقمت من الولد ولكنهم بينوا لها السبب الوحيد الذي به وجد هذا الولد، فقالوا: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ} [الذاريات:30] أي: مثلما قلنا وبشرنا به، قال الله عز وجل. وانظر إلى قوله: {قَالَ رَبُّكِ} [الذاريات:30] حيث أضاف الربوبية هنا إلى هذه المرأة العجوزة الكبيرة إشارة إلى أن هذا من عناية الله بها؛ لأن إضافة الربوبية إلى الشخص المعين، تكون ربوبية خاصة، وانتبهوا إلى الفرق: الربوبية العامة لكل أحد، الله رب كل شيء، الخاصة ليست لأحد إلا لمن كان خاصاً بالله، وأتلو عليكم هذه الآية {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:47-48] . الربوبية العامة، (رب العالمين) ، والربوبية الخاصة: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء:48] هنا قالوا لها: (قال ربك) ، من باب الربوبية الخاصة، التي تقتضي عناية خاصة، {قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:30] عز وجل، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} ، أنت تجعل (هو) هنا: مبتدأ. و (الحكيم) : خبر. أو تجعل (هو) ضمير فصل. و (الحكيم) خبر؟ لك الخيار، إن شئت فقل: (الحكيم) : خبر. و (هو) ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وإن شئت فقل: (هو) مبتدأ و (الحكيم) خبر (هو) ، والجملة خبر إن، وهنا قدَّم (الحكيم) على (العليم) لأن المقام يقتضي هنا تقديم الحكمة على العلم. الحكمة هنا في شيئين: أولاً تأخير الولادة بالنسبة لهذه المرأة، إن الله لم يؤخر ولادتها إلى أن تبلغ العجز إلا لحكمة، وهي كونها ولدت بعد أن أيست واعتقدت أنها عقيم، فها هنا حكمتان حكمة سابقة، وحكمة لاحقة ومن ثم قدَّم اسم (الحكيم) على اسم (العليم) وأنتم تشاهدون أن القرآن الكريم إذا جمع الله بين هذين الاسمين الكريمين: (العليم والحكيم) يقدم غالباً العليم، لكن هنا قدم الحكيم؛ لأن المقام يقتضي ذلك {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} . وهنا أسأل: ما معنى الحكيم؟ أكثر الناس يظنون أن معنى الحكيم أنه المتصف بالحكمة، والحكمة هي: وضع الشيء في مواضعه، ولكن الواقع أن الحكيم له معنيان: حكيم من الحكمة، وحكيم من الحكم، فالله عز وجل حكيم من الحكمة؛ لأن الله تعالى هو الحكم بين العباد والحاكم في العباد، هو حاكمٌ فيهم وهو الحكم بينهم، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وهذا الاستفهام للتقرير، أي: أن الله تعالى أحكم الحاكمين، وأرجو الانتباه هنا قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} [المائدة:50] في سورة المائدة، وفي سورة التين: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] . كلاهما في محله المناسب، ففي سورة المائدة ذكر الله {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {. الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] {. الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] وتتابعت الآيات حتى قال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] فكأن المقام مقام مفاضلة بين الأحكام، وبين أن حكم الله أحسن الأحكام، لكن في سورة التين المقام مقام سلطة وقوة والله أحكم الحاكمين، أي: أن حكمه نافذ وسلطته تامة، ولا أحد يعارض حكمه أبداً مهما قويت شوكته. وانظر إلى قول الله تعالى عن عاد: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] أي: لا أحد أشد منا قوة، فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] وعذبهم بألطف الأشياء، عذبهم بالريح، الهواء اللطيف التي لا تحس به ملمساً وإن كان قوياً، يدفع كل شيء وهو أقوى من الماء كما هو معروف، وهذا الهواء اللطيف أهلك فيه هؤلاء القوم الذين يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] أهلكم به. الحاصل أن الله أحكم الحاكمين حكمه نافذ صادر عن قوة وسلطان، ثم إن أحكم الحاكمين تتضمن -أيضاً- حسن الحكم. إذاً الحكيم في قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:30] يتضمن معنين معنىً من الحكم، ومعنىً من الحكمة، انتهينا من الحكمة صار حكم الله عز وجل يتضمن أنه الحاكم في العباد وأنه الحاكم بين العباد، وأن حكمه أحسن الأحكام، وأنه تعالى أحكم الحاكمين. أيضاً لله تعالى الحكمة البالغة، ولا شيء من الأفعال القائمة في الوجود أحكم من حكمة الله، وإذا آمنت بهذا أيها المؤمن! سهل عليك أمور كثيرة تشكل على كثير من الناس، منها بعض الأحكام الشرعية لا يدرك الناس حكمتها، فهل نقول: إذا لم يجد الحكمة أنه لا حكمة لها، أو نقول: إن لها حكمة لكن عقولنا قاصرة؟ الثاني، وإذا آمنا هذا الإيمان اطمأننا إلى كثير من الأمور الشرعية التي تخفى علينا حكمتها، هل نحن ندرك الحكمة في كون الصلوات خمساً؟ لا. أو أنها سبعة عشر ركعة؟ لا. وأشياء كثيرة من الأمور الشرعية، لا يدرك الإنسان حكمتها، لكن إذا آمنت أن الله حكيم، آمنت بأن لهذه الأشياء حكمة تقتضيه. كذلك في الأمور القدرية: قد يرسل الله سبحانه وتعالى عذاباً يشمل الصالح والطالح، وقد يرسل الله عذاباً على قوم لا تتوقع أن يرسل لهم العذاب، فهل تقول: ما الحكمة؟ أو تقول: إن الله عز وجل لابد أن يكون تقديره لهذا عن حكمة، ولذلك أقول لكم: إن الواجب علينا فيما أمر الله به من الشرائع وفيما قضاه من الأقدار أن نستسلم غاية التسليم، وألا نعترض هذا بعقولنا. واستمعوا إلى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] هذه واحدة {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:65] الثانية، والثالثة: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] . أقسم الله عز وجل أنه لا يمكن أحد يؤمن إلا بهذه الشروط الثلاثة، هي: الأول: أن يحكموك فيما شجر بينهم. والثاني: ألا يجدوا في صدورهم حرجاً بمعنى: ألا تضيق صدورهم بحكم الله. الثالث: أن يسلموا تسليماً، أكد هذا المصدر أي: تسليماً تاماً، لا يتهاون الإنسان ويتباطأ في تنفيذ حكم الله، فإذا وجدت من نفسك عيباً يتعلق بهذه الأمور الثلاثة فصحح إيمانك، إذا رأيت أنك تود أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله صحح إيمانك، وإذا رأيت من قلبك أنك لا تريد إلا حكم الله ورسوله لكن يضيق صدرك لحكم الله ورسوله، وأنت تحدث نفسك أنك لا يمكن أن تتحاكم إلى غير الله ورسوله، لكن يضيق صدرك، إذا كان لا يضيق صدرك لا تحاكم إلى غير الله ورسوله وأنت منشرح الصدر بحكم الله ورسوله، لكن تتباطأ وتتهاون فأنت ناقص الإيمان، اقرأ قول الله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] . لما لم يؤمنوا به أول مرة ولم يقبلوه من أول مرة صارت -والعياذ بالله- قلوبهم متقلبة، وتركهم الله في طغيانهم يعمهون، ولهذا يجب عليك أيها المؤمن! أن تبادر بانقياد تام لحكم الله تعالى القدري. نرجو الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق والسداد إنه على كل شيء قدير. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 144 ¦ الصفحة: 5 الأخلاق من مضمون الرسالة وأساسياتها السؤال ما رأي فضيلتكم في مقالة: الأخلاق الإسلامية ليست من مسائل الاعتقاد؟ الجواب الأخلاق الإسلامية لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وإذا كان بعث لذلك صارت الأخلاق من مضمون الرسالة، ومن أساسياتها، بل قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (البر حسن الخلق) وليعلم أن كل حكم شرعي يفعله الإنسان امتثالاً لأمر الله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عقيدة، بمعنى: بأنك لا تفعله إلا معتقداً أنه قربة وأنك ممتثل فيه لأمر الله، متبع فيه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولولا هذه العقيدة ما كان العمل شيئاً إطلاقاً، والقول بأن الدين عقائد وأحكام إذا أريد أنها أحكام مجردة عن العقيدة فهذا خطأ، أليس من شرط كل عبادة أن تكون خالصة لله، موافقة لشريعة الله؟ بلى. إذاً: هذه حقيقة، لكن العقيدة قد تكون عقيدة إيمانية بحتة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وقد تكون عملاً بالشريعة وهي لابد أن تكون مصحوبة بعقيدة، ولا شك أن الأخلاق ومكارم الأخلاق من الدين الإسلامي، وأن الإنسان كلما تخلق بها متبعاً بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عبادة عظيمة. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 6 من تزوج امرأة ودخل بها حرم عليه أصلها وفرعها وإن نزل السؤال رجل تزوج امرأة ولها أولاد فتزوج الأولاد وأنجبوا بنات، فهل يكون زوج أمهم محرماً لبناتهم؟ الجواب نعم. يكون محرماً لهن؛ لأن القاعدة -بارك الله فيكم- أن الإنسان إذا تزوج امرأة ودخل بها صار جميع ذريتها داخلين في قوله {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء:23] والقاعدة: أن الإنسان إذا تزوج امرأة ودخل بها، حرم عليه أصلها وفرعها وإن نزل، سواء كانوا بنات أبناء، أم بنات بنات، التزموا بهذه القاعدة، كذلك أصلها أي: أمها وجداتها من قبل الأم، أو من قبل الأب، وهي كذلك مثله إذا تزوجت رجلاً صار أبناؤه وأبناء أبناء أبنائه وأبناء بناته وأجداده من قبل الأم أو الأب وأبوه -أيضاً- من محارمها. فلدينا أربع شعب، أصول الزوج وفروع الزوج، وأصول الزوجة وفروع الزوجة، هؤلاء الشعب بمجرد العقد يثبت التحريم، كيف التحريم؟ يحرم على الزوجة أصول زوجها وفروع زوجها، ويحرم على الزوج أصول زوجته وفروع زوجته إلا أنه يشترط في فروع الزوجة أن يكون قد دخل بها، أي: قد جامعها، خذوا هذه القاعدة من أجل أن تستريحوا؛ لأن بعض الناس قد يخطئوا فيها حتى من طلبة العلم، لكن هذه هي القاعدة، وإذا قيل: أصول وفروع في هذا المقام في تحريم النكاح فإنه يشمل الأصول من جهة الأب والأصول من جهة الأم، والفروع من جهة الأبناء، والفروع من جهة البنات، ولو طلقها أو مات عنها. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 7 حكم هجر الوالدين إذا كان في مصلحة شرعية السؤال هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟ الجواب نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك، ولماذا لا تنصحهما أولاً؟ السائل: لأنهما تركا الصلاة؟ الجواب: ترك الصلاة كفر، لكن على كل حال ألح عليهما. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 8 حكم من ترك ركعة من الصلاة ثم تذكر بعد خروج الوقت السؤال جماعة صلوا العصر ثلاث ركعات فقط ولم يعلموا ولم يتيقنوا إلا في صلاة العشاء، لكن هناك شخص دخل معهم وظن أنه فاتته ركعة، فلما سلم الإمام قام وأكمل الرابعة فما حكم صلاته وصلاتهم؟ الجواب أما الذي أتم أربعاً فصلاته صحيحة، وأما الجماعة الذين سلموا عن ثلاث فيجب عليهم قضاء الصلاة جماعة، الذي يمكنه، والذي لا يمكنه جماعة ليس بواجب عليه الصلاة جماعة وإنما تجزئ انفراداً؛ لأن هذه مقضية وليست مؤداة، ويبلغون إما أن يكتب إعلان عند باب المسجد بأن من صلى معنا العصر الفلاني فعليه إعادة الصلاة. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 9 نصيحة لمن انتشر عندهم التنصير وحكم مشاركتهم في أعيادهم والتشبه بهم السؤال لقد تزايد المد التنصيري عندنا في الكويت حتى أصبحت كثيراً من الأسر المسلمة تحتفل بأعياد النصارى، وقام بعض الشباب بتقليد النصارى بلباسهم وزيهم وتعليق بعضهم للصليب على صدورهم، فما هو توجيهكم لنا علماً بأننا في بلد يسمح أحياناً بحرية الأديان؟ الجواب النصيحة في آية من كتاب الله وهي قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] هذه الآية تكفي لكل مؤمن، ثم إني أحذرهم من تقليد هؤلاء النصارى بقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] فعليهم ألا يقتفوا بهذا، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) ولتضرب لهم الأمثال بما فعل النصارى بالمسلمين سواء في العصر الحاضر أو العصور السابقة، وكيف يتولونهم وهم يفعلون بالمسلمين ما يفعلون، بل كيف يتولونهم وهم أعداء الله ورسوله؟! فالإنسان المؤمن حقيقة لا يمكن أن يقلد هؤلاء. أما احتفالهم بأعيادهم فقد قال ابن القيم رحمه الله: إن هذا إن سلم من الكفر ففعله من أكبر المعاصي، وأشد من إقرارهم على شرب الخمر؛ لأنهم يحتفلون بهذه الأعياد على أنها أعياد شرعية عندهم، وهي أعياد كفرية لا يجوز للمسلمين أن يحتفلوا بها، ولا أن يرفعوا بها رأساً. قد يقولون مثلاً: ألسنا نهنئكم على عيدكم في الفطر والأضحى؟ فنقول: بلى. لكن عيدنا عيد شرعي مرضي عند الله، وعيدكم عيد كفري مسخوط عند الله، ونحن وأنتم بشر متعبدون بشريعة الله، وكان الواجب عليكم أن تحتفلوا بعيدنا وأن تدخلوا في ديننا، فضلاً عن أن تحتفلوا بعيدكم، أما نحن فمحرم علينا أن ندخل في دينكم ومحرم علينا أن نحتفل بشرائعكم وشعائركم، وعليكم -أيها الإخوة- أنتم في بلادكم أن تكافحوا هذه الفكرة السيئة وأن تتصدوا للرد عليها، ولكن ليس بعنف؛ لأن العنف لا يولد إلا العنف، فعليكم بالرفق وبيان الحكم الشرعي على وجه هادئ يحصل به المقصود. بارك الله فيكم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 144 ¦ الصفحة: 10 لقاء الباب المفتوح [145] كان من المفترض أن يكون في هذا اللقاء تفسير لبعض الآيات كما هي عادة الشيخ في جميع اللقاءات ولكن بسبب مروره على قوله تعالى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) فرأى أن يتكلم على آداب السلام، فذكر منها: وجوب رد التحية على من ألقي عليه السلام، وأن يكون مع السلام شيء من انبساط الوجه وانشراح الصدر، وغيرها من الآداب التي يستحب أن تكون مصاحبة للسلام. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 1 آداب السلام في الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والأربعون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا هو الخميس الثاني من شهر شعبان عام (1417هـ) . نستفتح هذا اللقاء في الكلام على ما تيسر من تفسير سورة الذاريات، انتهينا إلى قول الله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الذاريات:31] لكني رأيت أن أتكلم على آداب السلام حيث أن الملائكة قالوا: سلاماً، فقال إبراهيم: سلامٌ، وذكرنا فيما سبق أن رد إبراهيم أحسن من ابتداء الملائكة؛ لأن رد إبراهيم جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار، بخلاف سلام الملائكة. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 2 رد التحية واعلم أن رد التحية واجب؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] فقال: إذا حييتم ولم يذكر من يحيينا، فيشمل أي إنسان يحيينا فإننا نحييه، نرد عليه أحسن من تحيته أو مثلها، كما قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] فبدأ بالأحسن؛ لأنه هو الأفضل (أو ردوها) أي: ردوا مثلها، ويشمل هذا ما إذا سلم علينا أحد من اليهود، أو النصارى، أو البوذيين أو غيرهم نرد عليهم، لكننا لا نبدأ اليهود والنصارى بالسلام لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك. ثم إن السلام يقال هكذا: السلام عليكم، هذا هو المشروع، وأما أهلاً وسهلاً ومرحباً وكيف حالك؛ وما أشبهها فهذا ليس بمشروع، المشروع أن تبدأ أولاً بالسلام، ولهذا كان في حديث المعراج حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالأنبياء فيسلم عليهم قال: فرد عليه السلام وقال: مرحباً بالنبي الصالح، فابدأ أولاً بقولك: السلام عليكم، الجواب يكون مثل ذلك وأحسن، يقول: عليكم السلام، أو وعليكم السلام ورحمة الله، أو عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كل هذا من المشروع. نرى كثيراً من الناس إذا سلم عليه، يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول مرحباً بأبي فلان، وهذا لا يجزئ، يعني لو قال: أهلاً وسهلاً مدى الدهر فإنه لا يجزئ؛ لأن الله يقول: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ومعلوم أن الذي يقول: السلام عليك يدعو لك بالسلام من كل نقص ومن كل عاهة، ومن كل مرض في القلب أو البدن، ولا يكفي أن يقول: مرحباً وأهلاً، بل لابد أن تقول: عليك السلام، أو وعليكم السلام، وإن زدت ورحمة الله وبركاته كان أحسن. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 3 تسليم الصغير على الكبير ثانياً: من المطلوب منه أن يسلم؟ جاءت السنة ببيان ذلك: يسلم الصغير على الكبير؛ لأن حق الكبير على الصغير أعظم من حق الصغير على الكبير، فيبدأ الصغير بالسلام على الكبير، ولكن إذا قدر أنه لم يسلم، فهل الكبير يدع السلام لأن الحق له، أو يسلم لئلا تفوت السنة؟ و الجواب يسلم، لئلا تفوت السنة، فكون الإنسان يقول: أنا صاحب الحق لماذا لم يسلم عليّ؟ هذا خطأ، صحيح أنك صاحب الحق، وأن المشروع أن يسلم هو عليك، لكن إذا لم يفعل فسلم أنت. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 4 تسليم الماشي على القاعد يسلم أيضاً الماشي على القاعد، فإذا مر شخص بإنسان قاعد فليسلم عليه، ولو كان أصغر منه سناً أو قدراً، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم وفي ذلك فائدة عظيمة، منها التواضع، أن الإنسان يضع نفسه إذا سلم على من هو دونه، ومنها الرحمة؛ لأن سلامك على الصغار، نوع من الرحمة، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن (الراحمين يرحمهم الله عز وجل) ومنها: تعويد السلام لهؤلاء الصبيان، يعني: أن الصبي يعرف أن شعار المسلمين أن يسلم بعضهم على بعض فيأخذ من هذا أدباً وخلقاً، ينتفع به في شبابه وبعد هرمه. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 5 تسليم القليل على الكثير ثالثاً: يسلم الكثير على القليل، أو القليل على الكثير؟ القليل، كالصغير مع الكبير، يسلم القليل على الكثير، أي: إذا تقابل جماعة خمسة وستة، من يسلم؟ الخمسة يسلمون على الستة؛ لأن الستة فيهم زيادة له حق -الزائد له حق- فيسلم القليل على الكثير، وإذا لم يفعلوا فليسلم الكثير على القليل لئلا تفوت السنة بينهم. كذلك أيضاً الراكب والماشي تقابل رجلان أحدهما يمشي والثاني راكب في سيارته أو على بعيره، من الذين يسلم؟ يسلم الراكب على الماشي؛ لأن الراكب له علو فيسلم على الماشي؛ لأن السنة جاءت بهذا، الصاعد على النازل؟ أو النازل على الصاعد؟ الصاعد على النازل، لو أن اثنين التقيا في درجة سلم فإن الصاعد هو الذي يسلم على النازل. وإذا لم تأت السنة ممن عليه أن يبدأ بها، فليبدأ بها الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) قال: خيرهما، فدل ذلك على أن من بدأ غيره بالسلام فهو خير، وهو كذلك؛ لأنك أنت إذا سلمت حصلت على عشر حسنات، ثم إذا رد صاحبك حصل على عشر حسنات، وما هو السبب الذي جعله يحصل العشر الحسنات؟ السبب البادئ، لولا أنك سلمت مارد فتكون أنت متسبباً لهذا الذي عمل عملاً صالحاً فلك أجره، ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً، قالوا: أيهما أفضل: ابتداء السلام، أو رد السلام؟ ابتداء السلام، أفضل، ثم أوردوا إشكالاً قالوا: كيف تكون السنة أفضل من الواجب، والقاعدة الشرعية: أن الواجب أفضل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه) . أجابوا عن ذلك قالوا: هذا الإشكال جوابه أن هذا الواجب كان مبنياً على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب لمن أتى بها، ثواب أجره الخاص، وثواب أجر الراد الواجب. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 6 رفع السلام بصوت مسموع كذلك -أيضاً- السلام ينبغي أن يكون بصوت مسموع، بعض الناس يلاقيك ويسلم، لكن تشك هل سلم أم لا؟ لأنه لم يرفع صوته وهذا غلط، ارفع الصوت على وجه يدل على أنك فرح بهذا الأخ الذي قابلك، أو الذي سلمت عليه لا بصوت مزعج، ولا بخافتٍ لا يسمع، على عكس ذلك بعض الناس يسلم بصوت مزعج، والدين وسط بين الغالي والجافي، فنقول: سلم سلاماً مسموعاً يسمعه أخوك، ويكون بأدب واحترام. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 7 انبساط الوجه وانشراح الصدر ومن آداب السلام -أيضاً- أن يكون المسلِّم منبسط الوجه منشرح الصدر، فإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، فإن طلاقة الوجه، وانشراح الصدر، والابتسامة في وجه أخيك لا شك أنها من الأمور المطلوبة؛ لما فيها من إدخال السرور على إخوانك، وإدخال السرور على إخوانك من الأمور المستحبة التي تؤجر عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) كل معروف فإنه صدقة. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 8 أنواع السلام المحمول وكيفية الرد عليه وإذا ورد عليك السلام محمولاً، فإن كان الحامل له شخصاً وقال: فلان يسلم عليك، فقل: عليك وعليه السلام، وإن شئت فقل: عليه السلام أي: على الذي حمَّله، أما إذا كان محمولاً في كتابه، أي: إنسان كتب لك كتاباً وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإن كنت تريد أن تجيبه بكتاب فرد عليه الجواب، مثلاً كتب إليك إنسان كتاباً، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عند الجواب تكتب ج/ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قرأت كتابك وفهمت ما فيه والجواب كذا وكذا، أكثر الناس لا يهتمون الآن بهذا، تجده يكتب الجواب ويقول في ابتدائه السلام عليكم ورحمة الله، هذا حسن، لكن الذي سلم عليكم يريد جواباً، قل: ج/ جواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وصلني كتابك أو قرأت كتابك وفهمت ما فيه، وهذا جوابه، وتجيبه بما سألك، فهذا إذا كان السلام مكتوباً فجوابه بالكتابة. حسن إذا كان لا يحتاج إلى جواب، مثل أن يكون شخص كتب إليك كتاباً يخبرك بخبر لا يحتاج إلى جواب، فهنا إذا قرأت الكتاب فقل: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، لا أقول وجوباً؛ لأن صاحبك لن يسمع، لكن على سبيل الاستحباب، رجل دعا لك بظهر الغيب فادع له أنت بظهر الغيب، وإلى هنا ينتهي الكلام على السلام وإن شاء الله تعالى نكمل تفسير ما تيسر من سورة الذاريات. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 145 ¦ الصفحة: 10 حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر السؤال ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر، ومن صلى في مسجد فيه قبر هل يعيد الصلاة؟ الجواب ينظر في هذا إذا كان المسجد مبنياً على القبر فالصلاة فيه لا تصح؛ لأن هذا المسجد محرم ويجب هدمه، وإذا كان المسجد سابق ودفن فيه ميت، فينظر إذا كان القبر في جهة القبلة، فإنه لا يُصلى في هذا المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور) وأما إذا كان على يمين مستقبل القبلة أو يساره أو خلف ظهره، فلا بأس، ولكن يجب على أهل الميت الذي دفن في هذا المسجد أن ينبشوه، وأن يدفنوه مع الناس. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 11 حكم رد السلام على الكافر السؤال هل رد السلام على الكافر واجب ويأثم تاركه؟ الجواب رد السلام على الكافر واجب، لقوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء:86] وهذا هو الحكمة والله أعلم، لأن الله قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} ولم يقل: إذا حيا بعضكم بعضاً، ولم يقل إذا حياكم إخوانكم، فقال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ} فيجب الرد، لكن هل إذا قال المسلِّم، مرحباً بفلان، أهلاً بفلان هل يجب الرد؟ ظاهر القرآن الكريم أنه يجب الرد؛ لأن هذا يسمى تحية عرفاً وإن كانت التحية الفضلى أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولكن مادام الناس قد تعارفوا بينهم أن قول أهلاً، مرحباً، حياكم الله؛ تحية، فإن ظاهر القرآن الكريم يقتضي أن ترد عليه. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 12 صوت المرأة ليس بعورة السؤال سمعنا في برنامج الفتاوى الذي يذاع بالراديو أصوات نساء يسألن ولكنها المرة الأولى التي يظهر فيها صوت المرأة عبر إذاعة القرآن الكريم، ونعلم أن سماحتكم من الحريصين والحمد لله على الخير، فنريد أن توضحوا لنا ولمن قد يلتبس عليه الأمر في ذلك، هل صوت المرأة عورة، وما حكم إذاعته بعد تسجيله، وقد ترون أن من الأفضل أن يعود طرح الأسئلة كما كان سابقاً عن طريق مذيع البرنامج؟ الجواب على هذا بأن أقول: صوت المرأة ليس بعورة، بنص القرآن، قال الله تبارك تعالى لأمهات المؤمنين، زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فقوله: فلا تخضعن بالقول؛ إذنٌ بالكلام مع الرجال، وأن المرأة لا بأس أن يسمع صوتها الرجل، لكن بدون خضوع، وكذلك كانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في مجلسه، تأتي المرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه وتسأله، والرجال حاضرون، فلا بأس أن يسمع الرجل صوت المرأة. لكن يبقى هل الذين يستمعون إلى صوت المرأة يتمتعون بهذا الصوت أو يتلذذون به؟ يكون المسئول هو الرجل الذي يتمتع بأصوات النساء أو يتلذذ بها، أما صوت المرأة من حيث هو فليس فيه شيء إطلاقاً، ثم إن غالب النساء التي يسألن في هذا البرنامج يسألن مسائل فقهية، أو عن تفسير آية، أو ما أشبه ذلك، شيء لا يمت إلى الفتنة بصلة، وإلا فنحن إن شاء الله تعالى من أحرص الناس على تحاشي ما يكون فيه الفتنة. وأما قول السائل: كما كان سابقاً ما أعرف أنه كان سابقاً، لعله يريد هو نور على الدرب، نور على الدرب يكتب بأوراق، رسائل تأتي إلى الإذاعة وتعرض على المشايخ ولا حاجة أن نقول: إن المرأة تُسمع المذيع ثم المذيع ينقل سؤالها إلينا؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يستغرق وقتاً أكثر فتقل الأسئلة في هذا البرنامج، البرنامج كانوا يريدونه عشر دقائق فقط، فطلبنا منهم أن يكون ثلث ساعة؛ لأنه أوسع للناس، واليوم اتصلوا بنا وقالوا أنهم جعلوه ثلث ساعة، وهو الإذاعة الساعة الخامسة إلا ثلثاً بعد العصر، من كل أحد وكل أربعاء، وستكون إذاعته في رمضان كل يوم عند الإفطار. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 13 الواجب على المرأة إذا حجت وهي حائض السائل: امرأة حجت نيابة، وفي اليوم التاسع يوم عرفة نزل بها الحيض ولم تبلغ محرمها، وعملت جميع مناسك الحج وهي حائض بما فيه الطواف، ثم وادعت وهي حائض، وعندما وصلت لم تخبر محرمها ومر على ذلك أربع سنوات مع أنها أرملة، فما حكم هذا الحج؟ الجواب حكم هذه أن حجها لم يتم، وباقٍ عليها الآن طواف الإفاضة؛ لأنه ركن ولا يتم الحج إلا به، فعليها الآن أن تذهب إلى مكة، وتحرم بعمرة، وتطوف، وتسعى، وتقصر للعمرة، ثم تأتي بطواف الحج السابق، وإلا فإنها باقية على ما بقي من إحرامها وآثمة بالنسبة للنيابة التي أخذتها؛ لأنها إلى الآن لم تتمها، وهي متعلقة بذمتها، فبلغها أن تذهب إلى مكة فوراً قبل رمضان، يعني: من اليوم إذا أمكن ويذهب معها محرمها. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 14 حكم مناقشة الطالبات للأستاذ السؤال بحكم أني مدرس في كلية البنات فأنا أدرسهن عن طريق إما المصورة -التلفزيون- أو الإذاعة، وطبعاً وفي أثناء الدرس يعقبه حوار بيني وبين الطالبات فما رأي الدين؟ الجواب والله رأي الدين صعب أنك توجه رأي الدين لي أنا؛ لأني أنا لست معصوماً ومثل هذا التعبير لا تلقيه على أي أحد من العلماء، أي أحد من العلماء لا يمكن أن يتكلم باسم الدين؛ لأنه ليس معصوماً، لكن قل في نظرك لا بأس، قيد. أما الجواب: فرأيي أنه لا بأس به أن الطالبة تحاور الأستاذ لكن إذا علمت أنها تمادت في البحث على وجه لا فائدة منه فاقطع الحوار، وأما إذا كانت لغرض فالنساء كن يحاورن الرسول عليه الصلاة والسلام، خطب يوم العيد ثم ذهب إلى النساء ووعظهن وذكرهن وقال: (إنكن أكثر أهل النار، قلن: بم يا رسول الله؟) فحاورنه، وكذلك أيضاً لما أخبر: (ما من امرأة يموت لها ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا كان ستراً لها من النار، قلنا: يا رسول الله! واثنان؟ قال: واثنان، قلنا: يا رسول الله! وواحد) فهذا لا بأس به؛ لأنه كوننا نشدد في موضوع المرأة من جانب ويأتي الناس -والعياذ بالله- يتحللون في حق المرأة من جانب آخر، كما يبدر من السفهاء الموجودين في بلادنا وغير بلادنا ممن يريدون أن يلحقوا المرأة بالرجل، هذا لا شك أنه منكر وأنه لا يقره أحد. لكن كوننا نشدد حتى نقول: لا يسمع صوتها، وهو صوت ولا محذور فيه إطلاقاً؛ فليس بصحيح، فأرى أنه لا بأس أن تحاورها، وأن تبين لها وتكشف لها؛ لكن إذا رأيت منها استدراجاً في كلام لا فائدة منه فاقطع الكلام. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 15 سبب تخصيص الله للبنين في قوله تعالى: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) السؤال في قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] . قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} في قوله: {وَبَنِينَ} هل هذه النعمة تستلزم صلاح الذرية؟ الجواب هو أن نوح عليه الصلاة والسلام وعد قومه أنهم إن استغفروا الله أرسل عليهم السماء مدراراً، وأمدهم بأموال وبنين، وجعل لهم جنات وجعل لهم أنهاراً، وإنما خص هنا البنين دون البنات؛ لأن غالب ما يفتخر به الناس هم الأبناء، دون البنات، والنسل إذا جاء فإنما ينسب إلى الأجداد من جهة البنين لا من جهة البنات، فلهذا قال: {وَبَنِينَ} ولا يلزم من هذا أن يكونوا كافرين أو مؤمنين، المهم أن ظاهر ما تريده نفوسهم المال والبنين والبساتين وغيرها {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} . ولكن هنا سؤال، يقال: هل إذا أراد الإنسان بالعمل ثواب الدنيا والآخرة، بمعنى أنه عمل عملاً صالحاً واستغفر ربه ليمده الله عز وجل بما ذكر نوح عليه الصلاة والسلام مع رجاء ثواب الآخرة، هل ينقص هذا من أجره؟ الجواب: لا ينقص؛ لأنه لو كان ينقص من الأجر لكان الله تعالى لم يرغب عباده بذلك، لكن لا شك أن هذه الأشياء تحمل الإنسان على التقدم بالعمل الصالح، ومن ذلك التطبيق الفعلي للرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان يجعل للقاتل المجاهد في سبيل الله سلب القتيل أي: إذا قتل رجلاً من الكفار يكون له سلبه وهو: ما عليه من الثياب، وما أشبه ذلك، لكن لا شك أن الإنسان يجب عليه أن يغلب جانب الآخرة على جانب الدنيا، وجانب الدنيا ما هو إلا حافز فقط. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 16 امرأة نامت بالقرب من طفلتها فاستيقظت وقد ماتت الطفلة السؤال والدتي تزوجت قبل ثلاثين عاماً أو يزيد، كان عمرها بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة، ولدت لها طفلة -بنت- فلما بلغت أربعة عشر يوماً تقريباً كانت نائمة فلما أصبحت وجدتها ميتة قد تلونت، أو انقلب لونها إلى الأزرق وكأنها ماتت مخنوقة وهي تشك وتقول: هي السبب -الوالدة- علماً بأن الطفلة ولدت على ثمانية أشهر ويقال: أن ابن الثمان الأشهر قد لا يعيش كثيراً والله أعلم، نريد الحكم جزاكم الله خيراً؟ الجواب الحكم لا شيء على الوالدة؛ لأنها لم تتيقن أنها ماتت بسببها، فإذا لم تتيقن فالأصل براءة ذمتها، حتى في الشك، حتى لو غلب على ظنها أنها هي التي قتلتها ما عليها شيء، لابد من اليقين؛ لأن الأصل براءة الذمة، ومادامت أيضاً ولدت في هذه الأشهر الثمانية، وفيه كما ذكرت الغالب أنها لا تعيش، لكن هذا لا يهمنا، ولكن الذي يهمنا الأصل براءة الوالدة، وأن الطفلة ماتت بقضاء الله وقدره. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 17 كيفية قراءة الفاتحة بخشوع ويقين في الصلاة الجهرية السؤال في الصلاة الجهرية كيف نقرأ الفاتحة بخشوع ويقين؟ الجواب أولاً انصت للإمام بخشوع ويقين، وأمِّن إذا انتهى من قوله ولا الضالين، ثانياً: إذا انتهى من قراءة الفاتحة اقرأها أنت، فما دام ساكتاً فيمكن أن يكون لديك خشوع، وإن قرأ فأنت مأمور بقراءتها سواء بخشوع أو بغير خشوع، افعل ما أمرت به واقرأها ولو كان الإمام يقرأ، ثم إن حصل لك خشوع فهذا المطلوب، وإن لم يحصل كما هو الغالب الآن؛ لأن أكثر المساجد تصلي بالميكرفون ولا يحصل خشوع، فأنت اقرأها امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقال عليه الصلاة والسلام: (حين انفتل من صلاة الفجر وأخبره الصحابة أنهم كانوا يقرءون قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . الجزء: 145 ¦ الصفحة: 18 حكم العمل مع رجل يكسب المال بالتحيل السؤال هناك عامل يعمل مع رجل وهذا الرجل يكسب المال بالتحيل فما حكم راتب العامل؟ الجواب العامل يعمل عند رجل يكسب المال على وجه محرم، لكنه يوفي عمله ليس عليه شيء، إلا إذا كان يعمل في أمر يساعد ذاك على المحرم فلا يجوز. السائل: يعمل ويعينه على ذلك العمل؟ الشيخ: إذاً يسفره، لا يعمل إطلاقاً؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، لكن لو فرض أن الكفيل له مزرعة وهو يكسب مالاً بغير حق، وهذا يعمل في المزرعة ما له دخل في كسبه، فلا بأس، أما إذا كان يساعده على اكتساب المال على وجه محرم؛ فإنه لا يجوز إطلاقاً أن يبقى عنده، من الآن بلغه الراتب الذي سبق معفو عنه، لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] لكن في المستقبل بعد أن يعلم الحكم الشرعي لا يجوز أن يبقى. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 19 معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) أنها هي الآية الجامعة السؤال ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] أنها هي الآية الجامعة ال. ؟ الجواب الجامعة، أي: أنها جمعت كل شيء، وأن الإنسان إذا عمل خيراً قل أو كثر فإنه مثاب عليه؛ لأنهم لما سألوه عن الحمر، هل فيها من أجر قال: (أنه أنزل عليّ هذه الآية الجامعة) معناه: أي خير تعملوه في أي شيء، فإنكم مأجورون عليه، حتى الإنسان إذا أطعم أهله بنية صار له أجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك) . الجزء: 145 ¦ الصفحة: 20 جواز الفتيا في الأشياء الظاهرة السؤال نحن مدرسون يوجه إلينا بعض الأسئلة، فنجيب الطلاب بما نعلم فهل هذا من الفتيا والجرأة على الله عز وجل؟ الجواب إذا كان بما تعلم أنه الحق، فليس فيه جرأة. السائل: كأننا صرنا في مقام المفتي نجيبهم؟ الشيخ: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (بلغوا عني ولو آية) الكلام على أنك هل أنت متيقن وإلا لا. السائل: إذا كان الحكم ظاهراً وبيناً؟ الشيخ: مثلاً لو سألك طالب وقال: ما تقول في الزنا؟ تقول حرام، هذا ما فيه إشكال، لكن يسألك عن مسألة لا يعرفها إلا طالب العلم، وتظن أنت أو يخيل لك أنها جائزة، وأنها حرام، وتفتي بهذا، فهذا لا يجوز، لكن الشيء الظاهر ظاهر. السائل: الإشكال أن يخفى الحكم في الوقت الحاضر، قد يكون يعلم الحكم ولا يتقين منه لنسيان الدليل مثلاً؟ الشيخ: لا. ينتظر يقول للطالب: انتظر حتى أبحث أو حتى أسأل؛ لأنه مادام الكلمة في نفسك ما عليك شيء، لكن إذا خرجت ما عدت تملكها. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 21 حكم قول القائل: سلام عليكم دون الإتيان بالألف واللام في كلمة سلام السؤال مر علينا الكلام عن السلام وهناك بعض الألفاظ تؤخذ من السلام، بدلاً من أن يقول السلام عليكم، يحذف الألف واللام، يقول: سلام عليكم، أو يكون الجواب أيضاً: سلام ورحمة الله، دون أن يقول: وعليكم السلام؟ الجواب لا بأس إذا قال: سلام عليكم أتى بها منكرة، فلا بأس، لكن التعريف أفضل السلام عليكم، وكذلك سلام ورحمة الله وبركاته، يريد وعليكم السلام لا بأس، يجوز حذف الخبر ويجوز حذف المبتدأ، إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: سلام حذف ماذا؟ حذف الخبر، أي: عليكم سلام. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 22 حكم قول القائل إذا دخل بيتاً وليس فيه أحد: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السؤال إذا دخل أحد بيتاً وليس فيه أحد هل يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وهل في هذا دليل صحيح؟ الجواب لا أعلم عن هذا، الله تعالى يقول: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27] أما إذا لم يكن فيها أحد فلا أعلم في ذلك شيء. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 23 السلام بالإشارة السؤال هل الإشارة تكون مقام العبارة في السلام كالاقتصار على رفع اليد؟ الجواب لا يجوز أن يقتصر الإنسان على الإشارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولكن إذا كان الإنسان بعيداً أو كان أصم فاجمع بين الإشارة والعبارة، وأما أن تقتصر على الإشارة فلا، فهنا ثلاث حالات: الأولى: أن تقتصر على الإشارة فقط، فهذا لا يجوز. الثانية: العبارة فقط، وهذا جائز وهو الأصل. الثالث: أن تجمع بين الإشارة والعبارة وهذا إذا كان هناك سبب، ككون الإنسان بعيداً أو كونه لا يسمع اجمع بين الإشارة والعبارة، وأما إبلاغ السلام لمن أوصاك به، فإن تحملت ذلك وقلت حين قال: سلم لي على فلان قلت: نعم إن شاء الله، فإنه يجب عليك أن تبلغ، ولكن في مثل هذه الحال، إذا قال لك سلم لي على فلان، تقول: إن شاء الله، ما لم أنس، قيد، من أجل ألا تخرج بإثم، وإلا قال العلماء: إذا التزم الإبلاغ وجب عليه الإبلاغ. السائل: عندنا كثير من الناس يقولون: نبلغك السلام وننسى أحياناً الشيخ: عليهم جميعاً السلام. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 24 السلام على المبتدع السؤال المبتدع هل نسلم عليه؟ الجواب المبتدع إن كان داعياً لبدعته وكان في هجره مصلحة لا تسلم عليه، وأما إذا لم يكن في هجره مصلحة فسلم، صاحب البدعة إذا هجرته اتخذك عدواً وأثار الناس عليك، ولا فائدة من هجره، ولكن إذا كان في هجره فائدة بأن كان الرجل كبيراً في قومه وله منزلته، وصار هذا المبتدع إذا هجره هذا الرجل سوف يهتم بهذا؛ فلا بأس، وهذه قاعدة عامة، كل من كان على معصية ليست بكفر فلا يجوز هجره إلا إذا كان في ذلك مصلحة. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 25 الرد على من يقول: تفرق المسلمين أمر لابد منه السؤال بعض الناس يقولون: تفرق المسلمين أمر لابد منه، ويستدلون بقول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119] أن يكون لام التعليل، الله سبحانه وتعالى خلقهم على هذه، هل هذا صحيح؟ الجواب هذا غلط عظيم، الأصل في المسلمين الاجتماع وعدم التفرق، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] هذا هو الأصل، أما استدلاله بالآية، فإن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:118] الناس عموماً، لو شاء الله لجمعهم على الهدى فكانوا أمة واحدة {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:118-119] فإنهم لا يختلفون، وهل المسلمون ممن رحم الله؟ الجواب: نعم. إذاً فلن يكون بينهم اختلاف، وأما قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:119] فهو تعليل للناس عموماً، أي: ومن أجل هذا الاختلاف خلقهم، لولا هذا الاختلاف لم تجد النار أحداً، ولكان خلق النار ما منه فائدة، والله عز وجل قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] . هذه المقالة غلط، لكن لا شك أن الناس يختلفون في العلم، يختلفون في الفهم ويختلفون في التقوى، فإذا اختلفوا في هذا لابد أن يختلف رأيهم، لكن هل اختلاف الرأي بأن يقول هذا الرجل: الوضوء من لحم الإبل واجب، وهذا يقول: ليس بواجب، هل هذا يؤدي إلى اختلاف القلوب؟ يجب ألا يؤدي إلى اختلاف القلوب، لكن مشكلتنا الآن أن كثيراً من الناس إذا خالفته في مثل هذه الأمور خالفك بقلبه، حتى في الأمور التي دون ذلك، تجده -مثلاً- يكرهك إذا كنت تقدم ركبتيك قبل يديك في السجود؛ لأنه يرى أنك تقدم اليدين، مع أن القول الراجح هو تقديم الركبتين، كذلك -أيضاً- يكرهك إذا جعلت يديك على صدرك في حال القيام بعد الركوع؛ لأنه يرى أنها لا تجعل، مع أن الصحيح أنها تجعل، مع أن المسألة كلها اجتهادية وفيها مساغ للاجتهاد، والواجب أنك إذا خالفك إنسان لمقتضى الدليل عنده، الواجب أن تزداد محبتك له، أي: كونه خالفك وهو يعلم أنك تكره أن يخالفك من أجل قيام الدليل عنده، يدل على تمسكه بما يراه دليلاً، وهذا مما يوجب زيادة المحبة لهذا الرجل، هكذا الحق، أما أن أتخذ من مثل هذا الخلاف عداوة وبغضاء فهذا لا شك أنه منهي عنه. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 26 حكم السلام على من يجلسون وقت الصلاة على الأرصفة السؤال نجد أناساً من البلد لا ندري هل هم مسلمون أم كفار، مع أن القرينة أن الناس يتجهون إلى المساجد، وهم جالسون على الشوارع والأرصفة، هل نسلم عليهم؟ الجواب هؤلاء لا تسلم عليهم ماداموا جالسين والناس يصلون، الغالب أن هؤلاء كفار، لكن مرهم أن يصلوا وإذا قالوا: إنهم غير مسلمين، تقول لهم: ابتعد عن المسجد لا يمكن أن يرخص للكافر أن يبقى أمام المساجد، والمسلمون يدخلون يصلون وهو باقٍ؛ لأن هذا تحدٍ لشعور المسلمين، فيقال: اذهب إلى غرفتك أو تجول في الأسواق لا تأتِ هنا وتجلس عند المسجد. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 27 حكم دعوة النساء كاشفات الوجه السؤال في أمر الدعوة إلى الله في دولة مسلمة، الداعين يقومون بأمر الدعوة للنساء من دون أن يكون هنالك حجاب، لكن النساء كن لابسات زياً إسلامياً، أو أقرب إلى الزي الإسلامي تماماً، فينكر عليهم؛ ونحن نقوم بهذا الأمر لمتطلبات منها: ربما القوم لم يأتهم داعية من قبل فيكون إذا ضرب الحجاب أو يكون الآن ليس له وقت، أو لا يستوعبون الكلام كما ينبغي، وهل الأمر بالحجاب في الآية أن يكون الحجاب الذي يكون بينك وبين النساء أم أن المرأة نفسها إذا لبست الحجاب، يكون كافياً وفقكم الله؟ الجواب الواجب على الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل وأن يجعل الحسنات الصافية غامرة للسيئات التي هي أقل منها، فكونه يأتي إلى النساء ويدعوهن إلى الله عز وجل، ويبين ما يجب من أركان الإسلام، والإخلاص، والمتابعة، والصلاة، خير من كونه يدعهن؛ لأنهن كاشفات الوجوه، نقول: اذهب وادعهن ولو كن كاشفات الوجوه، وغض البصر ما استطعت، ثم بعد أن يتقرر الإيمان في قلوبهن، وتتبين منزلتك عندهن، مرهن بتغطية الوجه، والحجاب ليس معناه أن يكون بينك وبين المرأة ساتر، الحجاب إذا غطت وجهها كفى. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 28 صلاة الراتبة في السفر السؤال قلنا بالأمس: إن راتبة الجمعة لا تلزم المسافر. الجواب لأن الراتبة أصلاً غير لازمة لا جمعة ولا غير جمعة، قلنا: يمكن أن يقال لمن صلى الجمعة من المسافرين: صل الراتبة، ويمكن أن نقول: لا تصل الراتبة، أي: إن صلى فلا بأس، وإن ترك فلا بأس. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 29 الواجب على المسافر إذا سمع نداء الجمعة السؤال هل إذا سمع المسافر النداء تلزمه الجمعة؟ الجواب هذا أمر وجوب، هذا أمر واجب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9] . السائل: والراتبة يا شيخ؟! الشيخ: لا. ليس هناك علاقة بين الراتبة وحضور الجماعة، يعني: يقول مثلاً: لازم على من حضر الجماعة أن يصلي راتبة، ومن لم يحضر لا يصل راتبة؟! لا. انتهى هذا اللقاء وإلى اللقاء القادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 145 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [146] في هذا اللقاء فسر الشيخ بعض الآيات من سورة الذاريات ومنها قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام والمرسلين الذين أرسلهم الله إليه: (قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) فتكلم عن اللواط وأنه جريمة كبيرة يستحق فاعلها والمفعول به القتل، وفي نهاية الآيات ذكر الفرق بين الإسلام والإيمان ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والأربعون بعد المائة من لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا اليوم الخميس التاسع من شهر شعبان عام 1417هـ، نتكلم فيه بما يسر الله عز وجل من التفسير في سورة الذاريات. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قال فما خطبكم أيها المرسلون) انتهينا إلى قوله الله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الذاريات:31-32] . القائل: ما خطبكم؟ هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أي: ما شأنكم أيها المرسلون؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات:32-33] . (أرسلنا) أي: أرسلنا الله عز وجل؛ لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحداً من الملائكة إلا خالقهم تبارك وتعالى، إلى قوم مجرمين، أي: ذوي جرم عظيم، ألا وهو اللواط -والعياذ بالله- فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:166] . وهذه الفاحشة، فاحشة نكراء لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها الإعدام للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كانا محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنا، فهو أهون عقوبة؛ لأن الزنا من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً -وهو: الذي قد تزوج وجامع- عقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت، أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) . ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به؛ لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم، وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة على قتل اللوطي فاعلاً كان أو مفعولاً به، لكنهم اختلفوا كيف يقتل، منهم من أحرق ومنهم من قال: يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال: يلقى من أعلى شاهق في البلد، يعني: من مكان مرتفع أعلى ما يكون في البلد، ثم يتبع بالحجارة حتى يموت. فالمهم أنهم متفقون على قتله، ولا شك أن قتله هو الحكمة؛ لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال، صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به لا ينساه حتى يموت. ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء؛ لأن هذه الفاحشة -والعياذ بالله- إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها؛ لأنه مرض فتاك سارٍ، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان؛ كان ذلك عين الإصلاح، ثم اللواط، -والعياذ بالله- لا يمكن التحرز منه؛ لأنه بين ذكرين، لا يمكن لأي إنسان أن يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما؛ لكن الزنا يمكن، رجل مع امرأة تستنكره أو تتهمه وتتكلم معه، ولذلك كان عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوثق ما يكون للحكمة، بل الرحمة أيضاً، هي رحمة بالفاعلين، باللائط والملوط به، حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما، ورحمة للمجتمع، تكون عقوبتهما نكالاً، حتى لا يفسد المجتمع، لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} . وجرمهم -والعياذ بالله- ما سبقوا إليه، كما قال لهم نبيهم: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] أرسلوا {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:33-34] حجارة من طين، لكنه ليس الطين الذي يتفتت، بل الطين الصلب العظيم، الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره، لا يردها عظم ولا لحم، لقوتها وشدتها وصلابتها والعياذ بالله، وهي معلمة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (مسومة عند ربك للمسرفين) قال تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] المتجاوزين حدودهم، ومعنى (مسومة) أي: معلمة عند الله، أي: عليها علامة؛ لأن كل شيء عند الله بمقدار، لا تظن أن الأمور التي يقدرها الله عز وجل تأتي هكذا صدفة، بل هي بمقدار حتى تباعد ما بين النجوم الآن وتفاوت ما بينها من الكبر والإضاءة بمقدار، لم يكن هكذا فلتة أو جاء صدفة، كل شيء مقدر بالشعرة أو أدق، كل شيء عند الله بمقدار، لابد أن هذه الحجارة معلمة عند الله، وهي معلمة بمعنى أن هذه مكتوب عليها مثلاً: حجارة عقوبة، أو مسومة حتى بالنسبة لمن تقع عليه؟ الجواب الثاني أدق، أي: هذه الحجارة لفلان، وهذه الحجارة لفلان {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} . أي: للمتجاوزين حدودهم، ولا شك أن اللواط مجاوزة للحد وإسراف والعياذ بالله. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين) قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:35] أخرجناهم، أي: أمرناهم أمراً قدرياً فخرجوا، قال الله للوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود:81] أخرج الله من كان فيها من المؤمنين، من هم؟ لوط وأهله إلا امرأته، ولهذا قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36] . بيت واحد! قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله، وإلى ترك هذه الفاحشة فلم يتبعه أحد حتى أهل بيته، فيهم من لم يؤمن بلوط، فانتبه يا أخي الداعية! لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المائة إلا عشرة، هذه نعمة، الرسل عليهم الصلاة والسلام، يبقون في أممهم دهوراً كثيرة، ولا يتبعهم إلا القليل، لوط عليه الصلاة والسلام من اتبعه من القرية؟ لا أحد، من اتبعه من أهله؟ اتبعه من أهله من اتبعه وتخلف عن دعوته من تخلف ولهذا قال: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . وهنا يتساءل الإنسان في نفسه! كيف قال: (أخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين بالآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليل على أن الإيمان والإسلام شيئ واحد. وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نجوا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته لا تتظاهر بالكفر، تتظاهر بأنها مسلمة، ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10] ليس معنى خانتاهما بالفاحشة؛ بل خانتاهما بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: إنه مجتمع مسلم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي، إذاً نقول {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، إنما قال: من المسلمين؛ لأن امرأته ليست مؤمنة ولكنها مسلمة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم) قال تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الذاريات:37] {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً} أي: علامة، فما العلامة؟ أهي علامة حسية أم علامة معنوية؟ أم علامتان معنوية وحسية، أقول لكم قاعدة مفيدة في التفسير: إذا احتملت الآية أكثر من معنى لا مرجح لأحدهما للآخر ولا منافاة بينهما وجب حملها على المعنيين جميعاً، هذه الآية نقول: آية، الآية هذه حسية ومعنوية، أما الحسية فما يشاهد من مكان قريتهم، التي تسمى بحيرة لوط، فإن هذا كان موضع القرية، كلٌ يمر به ويراه ويشاهده، كما قال تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:137-138] . آية معنوية: كل من قرأ قصتهم في جميع ما ورد فيه من السور الكريمة اعتبر واتعظ وخاف، هذه آية معنوية، لكن من الذي ينتبه لهذه الآيات، من يخافون العذاب الأليم {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} أما المنكرون الذين قست قلوبهم، فإنهم لم ينتفعوا بالآيات، قال الله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتفعين بالآيات، انتهى الكلام على قصة إبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام، ويأتي بقية الكلام على آخر السورة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 146 ¦ الصفحة: 7 لا يجزئ الغسل المستحب عن الوضوء الواجب السؤال الأَغسال المستحبة إن لم تكن على صفة غسل الجنابة تجزئ عن الوضوء؟ الجواب بارك الله فيك! الأَغسال المستحبة على اسمها مستحبة، والوضوء واجب، ولا يغني المستحب عن الواجب، فالأغسال المستحبة لا تجزئ عن الوضوء، بل لابد أن يتوضأ ثم يغتسل، أو يغتسل ثم يتوضأ. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 8 الواجب على المأموم الذي لا يتيح له إمامه إكمال الفاتحة السؤال إذا كبر الإمام للركوع والإنسان لم يكمل الفاتحة، هل يكملها ولو أدى ذلك إلى عدم متابعة الركوع؟ الجواب إذا كان الإمام قد عُلم أنه لا يطمئن في صلاته ولا يقوم مقاماً يتمكن فيه المأموم من إتمام الفاتحة، فالواجب ألا تصلي معه أصلاً؛ لأن هذا لا تجوز الصلاة معه، لأنك بين أمرين: إما أن تتابعه وتترك الركن وإما أن تفعل الركن وتفوتك المتابعة، وإننا نحذر هؤلاء الأئمة من مثل هذا الأمر، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم على الإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يجب، والطمأنينة واجبة، فهؤلاء الأئمة لا يصح أن يكونوا أئمة للمسلمين، ويجب عزلهم عن الإمامة إذا كانوا أئمة موظفين، ويجب على المسئولين عن الأئمة أن يطوفوا بالمساجد ومن وجدوه على هذه الحال ولم يقم بواجب الإمامة أزاحوه عنه؛ لأن هذه عادة سيئة فأقول: إذا كان من عادة هذا الإمام أن يسرع هذه السرعة التي لا يتمكن المأموم معها من قراءة الفاتحة، فالواجب على أهل المسجد أن يطالبوا بإزالته وإزاحته وإبعاده، ومن علم منه ذلك فلا يدخل معه أصلاً، يذهب إلى مسجد آخر، لكن قد يكون الإنسان ما يدري عن الإمام فدخل معه، وركع قبل أن تتم، فنقول: أتم الفاتحة ثم تابعه في الركوع، وإذا رأيت أنه سيبقى هكذا ففارقه ولو في أثناء الصلاة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 9 حكم الملابس التي يصيبها المذي السؤال إذا كان الإنسان شديد الشهوة بحيث يكون كثير المذي، هل يلزمه أن يخلع كل ملابسة كلما أصابه مذي حيث أنه أحياناً لا يعلم المكان؟ الجواب المذي هو الذي يأتي عقب الشهوة، وقد أصيب به علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كان رجلاً مذاءً فأمر المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمه، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ) فلابد من أن تغسل ذكرك وتتوضأ، أما من جهة الملابس فنجاسته أخف من نجاسة البول، يكتفى فيها بالنضح، بمعنى أن تصب عليه الماء وإن لم يتقاطر وإن لم تغسله، كبول الغلام الصغير الذكر إذا لم يأكل الطعام وما زال يتغذى على اللبن، فهذا إذا بال على مكان يكفي أن يصب عليه الماء فقط، وإن لم يتقاطر. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة التي ليس فيها فائدة السؤال هل ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات؟ الجواب ما رأيك إذا قلت أن ملك الموت موكل بقبض أرواح الحيوانات أو غير موكل، ما الفائدة من هذا؟!! هل سأل الصحابة عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أحرص منا على العلم، والرسول أقدر منا على الإجابة، ومع ذلك ما سألوا، إنما قال الله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:11] موكل بقبض أرواح بني آدم، أما غير أرواح بني آدم لم يثبت، الله أعلم. ولكننا أهم شيء في جواب هذا السؤال أن الإنسان لا يتنطع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) فلا تسأل عن شيء ليس فيه فائدة، والله لو كانت فيه فائدة بعلمنا أن ملك الموت يقبض أرواح الحيوانات الأخرى لبينها الله سبحانه وتعالى إما في القرآن أو السنة، أو أن الله يقيض من يسأل الرسول عن هذا، ولهذا كان الصحابة يفرحون أن يأتي أعرابي من البادية يسأل عن شيء ربما يستحون أن يسألوا الرسول عنه، الحاصل يا أخي أنت ومن يسمع أقول: إن التعمق في هذه الأمور خطأ؛ لأن الرسول قال: (هلك المتنطعون) ما قالها مرة: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) ثلاث مرات، في مثل هذه الأمور الغيبية خذ ما ثبت ودع ما لم يذكر. وهذا كما يقول في مثل هذه الأمور يكون فيما يتعلق بصفات الله أو أعظم، وأولى ألا نتكلم فيها، خلافاً لبعض الطلبة الذين يقولون: إنا نريد أن نحرر مسائل العقيدة، فيسألون عن أشياء في العقيدة لم يسأل عنها الصحابة ولا بينت في الكتاب والسنة، وهذا أيضاً مما يجب الحذر منه، ولعلكم تعلمون ما جرى لـ مالك رضي الله عنه حين سأله السائل، وقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى؟ ماذا صنع مالك؟ مالك أطرق برأسه، عجز أن يقيم رأسه من شدة ما وقع عليه، وقام يتصبب عرقاً، ثم رفع رأسه، وقال: يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهو إمام من الأئمة، فعلينا يا إخواني! أن نأخذ من مسائل الغيب ما ثبت عندنا، والباقي نسكت عنه، لو كلفنا به أو كان لنا مصلحة في معرفته لبينه الله، قال الله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] فالرسول ما ترك شيئاً نحتاجه إلا بينه. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 11 إذا خلع الإنسان ما مسحه فلا يعيد المسح حتى يتوضأ ويغسل قدميه السؤال فضيلة الشيخ! إذا توضأ شخص ثم لبس الشراب ولبس الجزمات ومسح على الجزمات، ولما أتت الصلاة خلع الجزمات، فهل هذا ينقض الوضوء أم لا؟ الجواب لا. الوضوء لا ينتقض إذا خلع الإنسان ما مسح من الجوارب التي هي الشراب أو الجزمات فإن الوضوء لا ينتقض، لكن أعطيك قاعدة أرجو من الله أن أكون فيها موفقاً للصواب: إذا خلعت ما مسحته فلا تعد المسح بعد ذلك حتى تتوضأ وتغسل قدميك، الآن مسحت على الجزمات ثم خلعتها عند الصلاة، إذا أردت أن تتوضأ مرة ثانية، لازم تخلع الشراب؛ لأن القاعدة الآن اجعلوها أمامكم: إذا خلع الإنسان ما مسح من الجوارب، أو الجزمات، فالوضوء لا ينتقض لكن لا يمكن أن يلبسها إلا على طهارة، أي: لا يمكن أن يلبسها مرة ثانية، حتى يتوضأ. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 12 حكم تقبيل النساء المحارم السؤال ما حكم تقبيل النساء المحارم كالأم والأخت؟ الجواب تقبيل الزوجة معروف أنه من الأمور المطلوبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل نساءه وهو صائم، فتقبيل المرأة من الأمور المطلوبة التي هي الزوجة أما تقبيل المحارم فإن كانت الأم، أو الأخت الكبيرة أو الجدة، أو البنت، فهذا لا بأس به، وقد قبل أبو بكر ابنته عائشة رضي الله عنها على خدها. وأما غيرهن من المحارم غير الأصول والفروع، فالأولى ألا يقبلها إلا إذا كانت أختاً كبيرة، فهنا يقبلها على جبهتها، أو على رأسها، أما يقبل أخته الشابة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فليتجنب هذا لا يقبلها، وأبلغ من ذلك في التحذير منه أن يقبل محارمه من الرضاع؛ لأن المحارم من الرضاع أقل هيبة عند الإنسان من المحارم من النسب، ولهذا يجب الحذر من أختك من الرضاع أن تقبلها، لاسيما إن كانت شابة جميلة، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. الخلاصة: تقبيل الزوجة مطلوب، وتقبيل غيرها من المحارم إن كان من الأصول أو الفروع فلا بأس به، وإن كان من غيرهن فالحذر من ذلك أولى. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 13 الصف مع الصغار صف صحيح تنعقد به الصلاة السؤال الصلاة بين الطفلين الصغيرين كصلاة المنفرد؟ الجواب إذا قام مع الإنسان طفل أو طفلان خلف الصف فليس بمنفرد؛ لأنه ثبت من حديث أنس بن مالك (أنه قام وراء النبي صلى الله عليه وسلم هو ويتيم معه) واليتيم لم يبلغ، فالصواب أن الصف مع الصغار صف صحيح تنعقد به الصلاة، كما أنه يجوز أن الصغير الذي لم يبلغ أن يكون إماماً لك، وهو أولى منك إذا كان أقرأ منك، يعني: إنسان له أربعون سنة وصبي له عشر سنوات، لكنه يحفظ القرآن، أو يحفظ أكثر القرآن حفظاً جيداً، والرجل الكبير لا يحفظ شيئاً، أيهما أولى بالإمامة؟ الصغير وإن لم يبلغ، لأن عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنين، أي: صار إماماً لهم وله ست أو سبع سنوات، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أقرأ قومه؛ لأنه صغير ما عنده أشغال تلهيه فكان يتلقى الركبان الذين يركبون من المدينة فيتعلم منهم القرآن، فجعلوه إماماً، امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ويقول: إنه كان عليه قميص أو إزار قصير، وكان إذا سجد ارتفع الثوب، حتى يقرب من السوءة -ينكشف- فخرجت امرأة من الحي ذات يوم وهو ساجد وثوبه مرتفع، لكنه ما ظهرت عورته، فقالت من المبالغة: غطوا عنا إست قارئكم، الإست: هو الدبر وليس فرج المرأة، فلما قالت هذا، كأن القوم فهموا أن المرأة تلمزهم، تقول: كيف يكون قارئكم وما تكسونه ثوباً؟ فاشتروا له ثوباً فكسوه إياه، قال: فما فرحت بعد الإسلام مثل فرحي بهذا الثوب، الله أكبر. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 14 سماع القرآن قبل النوم، أو وقت المذاكرة، أو وقت الانشغال السؤال بعض الناس يسمع القرآن قبل النوم، أو مثلاً وقت مذاكرة أو انشغال بالأشغال فهل هذا من الآداب وما حكمه؟ الجواب هذا ليس من الآداب، ليس من الآداب أن يتلى كتاب الله ولو بواسطة الشريط وأنت متغافل عنه، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:20] فلذلك نقول: إن كنت متفرغاً لاستماعه فاستمع، وإن كنت مشغولاً فلا تفتحه، ولهذا نرى أن من الخطأ الذي يريد صاحبه به خيراً ما نسمعه عند الاتصال بالهاتف، فيقول: مثلاً انتظر، فتسمع القرآن، كأن القرآن جاء لمعنى في غيره، حرف جاء لمعنى، من أجل أن يجعل الناس ينتظرون، القرآن أكرم وأشرف من أن تجعله شيئاً ينتظر لغيره، ولولا أن نية هؤلاء نية طيبة، لقلنا: إنهم آثمون، على العكس من ذلك هناك أناس إذا اتصلت بهم وقلت أريد كذا، أريد فلاناً أسمعوك موسيقى، أستغفر الله! أي: كأنهم يريدون أن يوجهوا الناس إلى سماع المحرم، وليس لهم عذر إذا قالوا: هكذا صنعت، نعم. الكفار لا يرون بهذا بأساً؛ لأن الكفر في الحقيقة أعظم من هذا، والحمد لله، هذا لا يمكن أن يشتغل إلا باتصال الكهرباء به، أليس كذلك! ممكن تفصل، افتح الآلة واقطع الشريط الذي يتصل بالموسيقى وينتهي، إذاً ماذا أضع؟ أقول: ضع كلمة انتظر، كلمة مطابقة للواقع ومفيدة للسامع، بعد ثلاثين ثانية أو شبهها انتظر، وهكذا. الشيء الذي من غير القرآن قد يكون مفيداً لماذا؟ لأنه ربما يأتي حكم مسألة ثم يبدأ الاتصال قبل تمام الشروط، فيفهمها السامع على أنها ليس لها شروط، فيحصل ضرر، كذلك الحكم، الحكم ربما يحصل اتصال قبل تمام الحكمة، ويكون آخرها متعلقاً بأولها، كلمة انتظر ما لها أي إثم مفيدة. بعض الناس يقول لي: لا ينام إلا على سماع القرآن، إذا كان كذلك فلا بأس إذا كان مضطجعاً ينتظر النوم ما عنده شغل، فيستمع هذا لا بأس به، ومن استعان بسماع كلام الله، على ما يريد الإنسان من الأمور المباحة، لا بأس ليس هناك مانع. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 15 حرمة الاستعانة بالسحرة السؤال شخص كان في منطقة ثم استعان بساحر حتى ينتقل إلى منطقة أخرى ليقرب من والديه ليبرهما؛ لأنه لم يستطع أن ينقل إلى تلك المنطقة بطريقة نظامية وله ست سنوات منذ أن استعان بذلك الساحر، فما حكم رواتبه التي استلمها طوال هذه السنين؟ الجواب هذا حرام عليه والعياذ بالله، وقد يؤدي إلى الكفر؛ لأن الساحر سيستعين بالشياطين، والشياطين في الغالب لا تعين أحداً إلا بواسطة الشرك، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، وإذا تاب إلى الله مما صنع فقد قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275] . وأحب أن يدع هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى؛ لأن هذه في الحقيقة وظيفة مترتبة على شيء غير مأذون فيه، لكن ليس فيها ظلم لأحد فيما نظن، فلا نقول: يجب عليه أن يتخلى عنها، لكن أنا أحب أن يتخلى عنها، وأرى أن ذلك إن شاء الله تعالى من تمام توبته، ولعل الله أن يثبته إذا علم منه صدق النية والتوبة إلى الله. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 16 حرمة سماع الموسيقى سواء كانت ترمز إلى شيء ديني أو غير ذلك السؤال هذه لفتة إلى إشارتكم السابقة وهي معلومة من فضيلتكم أن ما يسجل على مكينات التسجيل يأتي عادة مسجل من الخارج، والموسيقى أو الأشياء التي توضع غالبها -والعياذ بالله- يحوي موسيقى خاصة باحتفالات الكريسمس، الذي يسمونه عيد ميلاد عيسى عليه السلام أو كما يقولون: فهذه مشهورة جداً في بلادهم، ويضعوها مسجلة جاهزة مجرد أنك فقط أنك تضع الزر وتأتي، وكثير من الناس يستعملون هذه الأشياء ولا يدرون حقيقة ما يدور؟ الجواب صحيح، نحن نقول: حتى وإن لم تكن رمزاً إلى شيء ديني، هي بذاتها محرمة، الموسيقى التي نسمعها عند انتظار المكالمة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 17 حكم امرأة شكّت هل جاءها الحيض قبل الأذان أم بعده السؤال إذا دخل وقت الصلاة وذهبت المرأة دورة المياه للاستنجاء فرأت دم الحيض فلا تدري هل نزل هذا الدم قبل الأذان أو بعد الأذان فماذا يجب عليها؟ الجواب الأصل أنه لم ينزل، وعلى هذا فإذا طهرت تقضي الصلاة التي دخل وقتها، إلا إذا كانت من حين سمعت الأذان ذهبت بسرعة ورأت الدم فالغالب أنه يكون هذا قبل الوقت، وإذا كان قبل الوقت لم تجب عليها الصلاة. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 18 كل شخص مفارق لوطنه فحكمه حكم المسافر السؤال رجل له أعمال في مصر وله أعمال في السعودية وله أعمال في فرنسا، وبدلاً من أن ينزل في شقة في فندق مستأجر شقة ينزل فيها إذا أراد العمل، فيسأل: إذا ذهب إلى فرنسا ونزل في هذه الشقة يعتبر إقامة له، أو يجوز له الجمع والقصر؟ الجواب يا أخي! الإنسان مادام مفارقاً لوطنه فهو مسافر حتى لو بقي في البلاد الأخرى شهراً أو شهرين، لكن إن كان في بلاد إسلامية وجب عليه أن يحضر وأن يصلي مع المسلمين تماماً بدون قصر، لكن إذا فاتت يصلي ركعتين، وإن كان في بلد غير إسلامية ليس فيها جماعة يصلي ركعتين حتى يرجع. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 19 مسألة ضع وتعجل في بيع التقسيط السؤال شركة تعمل في بناء الشقق، وتبيعها بالقسط وبالنقد، يسأل: إذا اشترى رجل شقة من هذه الشقق بالقسط بالنسبة القسط لمدة عشر سنوات، ودفع ثلاثة أقساط وأراد أن يدفع باقي الأقساط جملة واحدة فهل له الحق في نسبة خصم؟ الجواب ليس له الحق، يعني: من اشترى سلعة بأقساط لمدة خمس سنوات، ثم يسر الله عليه وتمكن من الوفاء في خلال سنتين، فهل له الحق أن يطالب البائع بالتنزيل أم لا؟ نقول: ليس له الحق، لكن إذا وافق البائع وقال: أنا أقبل منك التعجيل مع الإسقاط فالصحيح أنه لا بأس به؛ لأن هذا فيه مصلحة للدائن والمدين وليس فيه ظلم ولا ربا. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 20 الرد على من يقول بجواز فوائد البنوك السؤال هناك فتوى من سماحة الشيخ سيد طنطاوي في مصر بجواز فوائد البنوك، فيقول: الشيخ استند على رأي فقهي يقول: إن هناك رأيان في مسألة البنوك رأي يحدد الفائدة مقدماً ورأي لا يحدد فائدته، فهو بنى فتواه على الرأي الذي يحدد الفائدة مقدماً فيسأل الإخوة هل هذا رأي معتبر له سند في الشرع أو أنه اجتهاد من الشيخ؟ الجواب الذي نرى أنه ليس له مستند من الشرع وأنه غلط؛ لأن الربا هو الزيادة، سواء كانت الزيادة فيها مصلحة للجميع أو لا، بعض إخواننا من العلماء المعاصرين، يقولون: إن الربا الاستثماري فيه مصلحة، للآخذ والمعطي، الآخذ مصلحته أنه يزيد ماله يعطي ألفاً ويأخذ ألفاً ومائتين، والمعطي للربا يستفيد أنه يأخذ هذا المال ويشتري به معدات، أو إنشاء مشروع أو ما أشبه ذلك، فيقولون: هذا فيه فائدة للطرفين والشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لتكثير المصالح وتحصيلها، والربا أصله مبني على الظلم لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] . هذه نظرية ما نقول فيها شيء، لكن إذا كانت تخالف النص، وجب إبطالها؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم النظريات مع مخالفة النص، وإلا لاستقام لإبليس دعواه أنه خلق من نار وآدم من طين، على أن الطين خير من النار، حتى أصل قياس إبليس خطأ، أقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام أُتي إليه بتمر جيد، فقال: (من أين هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بالصاعين من الردي والصاعين بالثلاثة) . أسألك أنت أيها السائل، هل فيها ظلم؟ أعطيتك صاعين رديئين قيمتهما عشرة دراهم، وأعطيتني صاعاً جيداً قيمته عشرة دراهم، فيها ظلم؟ الظاهر والباطن ما فيه ظلم، هذا لو بعته بالسوق أخذت عشرة، والاثنين لو بعتهم بالسوق أخذت عشرة ما في ظلم، ومع ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (أوه عين الربا رده) ، فقال: هذا عين الربا، وقال: (رده) وقال: (أوه) أتوجع من هذا العمل، ومع ذلك ليس فيه ظلم وفيه مصلحة، فأبطله الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (هو عين الربا) بهذا نعرف أن الفتوى التي أشرت إليها وما قاله بعض المعاصرين فتوى غلط، ليست بصحيحة، والربا الاستغلالي الظلمي، والاستثمار المصلحي؛ كلاهما حرام، نسأل الله أن يحمينا وإياكم ويدلنا على الحق، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 146 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [147] صيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويثبت بدخول الهلال أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، والصيام هو التعبد لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بترك المفطرات من الأكل والشرب والجماع وغير ذلك، والمقصود من الصيام حقيقة هو: تقوى الله عز وجل، ومما يدخل في صيام رمضان القيام والاعتكاف، فالقيام مندوب شرعاً والاعتكاف سنة وكلاهما فيهما الأجر العظيم من الله سبحانه. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 1 مسائل تتعلق بشهر رمضان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والأربعون بعد المائة الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو اليوم السادس عشر من شهر شعبان عام (1417هـ) . ونظراً لأنه لم يبق علينا إلا لقاء واحد بعد هذا اللقاء فإننا نرى أن يكون كلامنا في هذا اللقاء فيما يتعلق بشهر رمضان، ونتممه إن شاء الله في اللقاء القادم. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 2 فرضية الصيام نقول: إن شهر رمضان فيه ثلاث عبادات مشروعات: الأولى: الصيام، وهي أعظمها، والثانية: القيام، والثالثة: الاعتكاف. فأما الصيام فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين؛ لأنه أحد أركان الإسلام التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) وهذه الخمس كما يتراءى لبعض الناس أنها ست، ولكنها خمس؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واحدة؛ لأنهما ركنا كل عبادة، وشرطا كل عبادة، فلا عبادة صحيحة إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإخلاص لله، تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة للرسول، تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 3 حكم من أنكر صيام رمضان فصيام رمضان أحد أركان الإسلام، فمرتبته في الإسلام عظيمة وهو فرض بإجماع المسلمين، ولهذا قال العلماء: من كان عائشاً بين المسلمين وأنكر فريضة صوم رمضان كان كافراً مرتداً ولو صام؛ لأنه أنكر فرضاً مجمعاً عليه معلوم بالضرورة من دين الإسلام. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 4 متى يثبت دخول رمضان صيام رمضان يثبت برؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وهو أعني الصيام: التعبد لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بترك المفطرات من الأكل والشرب والجماع وغيره. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 5 المقصود من الصيام والمقصود من الصيام حقيقة هو تقوى الله عز وجل، بدلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تجبرون، أو لعلكم تتمرنون على تحمل الجوع والعطش وكف النفس عن الشهوات، قال: لعلكم تتقون. والتقوى: فعل أوامر الله وترك نواهيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل؛ فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه) هذا هو المقصود حقيقةً بالصوم، لكنه الآن في مفهوم كثير من المسلمين هو الإمساك عن المفطرات، ولذلك تجد بعضهم لا يهمه في نهار رمضان إلا أن يقطع أوقاته في النوم تارة، وباللهو تارة أخرى، ولا تجد عليه علامات الصوم، وليس يوم صومه مخالفاً ليوم فطره، بل هما سواء عند كثير من الناس. وهذا هو الذي أفقد الأمة الإسلامية روح عباداتها وشعائرها حتى أصبح المسلمون الآن في كثير من الأحيان وفي كثير من شعوبهم وأفرادهم يأتون هذه العبادات وكأنها شعار قومي، لا كأنها عبادة دينية، كأنها عادة مشوا عليها، وكان عليها آباؤهم وأجدادهم، ولذلك فقدت المعاني العظيمة التي تترتب على هذه العبادات الجليلة. فمثلاً الصلاة تنهى عن الفحشاء يومياً، أكثر الناس ينصرف من صلاته ولم يتأثر إطلاقاً، لم يتأثر بكراهة الفحشاء والمنكر، مع أن صلاته لو كانت على الحق وعلى ما ينبغي لوجد من نفسه أنه إذا خرج منها كان كارهاً للفحشاء والمنكر؛ لأنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، كذلك الصيام، الناس يصومون الآن شهراً كاملاً، لو كانوا كما أراد الله منهم أن يتقوا الله ويدعو قول الزور والعمل به والجهل، لكان شهراً كاملاً يعني: نصف سدس السنة لا يمكن أن يخرج إلا وقد تربوا تربية تامة على طاعة الله وتقوى الله، لكن من منا إذا خرج رمضان وجد من نفسه استقامة وحسن عمل أكثر مما كان في شعبان، أكثر الناس إذا انتهى رمضان فرحوا فرح شهوة بانتهاء الصوم، فكأنهم فرحوا بخروجه ولم يفرحوا من خروجهم من ذنوبهم. ولذلك يجب علينا أن نعرف الحكمة العظيمة من الصوم، وأن نصوم كما أراد الله منا، وكما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نصوم عن معاصي الله، إلى طاعة الله عز وجل، الصوم كما ذكرنا لكم هو: التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصوم، لابد أن تلاحظ أنك في عبادة. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 6 مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات، فالسحور -مثلاً- من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: (تسحروا) وبيّن أن في تسحرنا مخالفة لليهود والنصارى، حيث قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور) . ثم إن نبينا وإمامنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ويتسحر معه الصحابة، كما قال زيد بن ثابت: (تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة) . فإذاً نقصد بسحورنا أولاً: امتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه واحدة. ثانياً: مخالفة اليهود والنصارى. ثالثاً: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قلت لكم: إن الرسول كان يتسحر ويتسحر المسلمون معه، فهذه ثلاثة أشياء كلها عبادة، ثم إننا نقول أيضاً: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن في السحور بركة) أين البركة؟ كله بركة: عبادة، واقتداء بالرسول، ومخالفة لأصحاب الجحيم، وعون على الصوم، وإعطاء للنفوس حقها، حيث أنها ستقبل على وقت تمسك فيه، فتنال حضها من الأكل والشرب لتتقوى به على طاعة الله عز وجل، هذه مقدمة الصوم. المؤخر الذي يلحق الصوم: الفطر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعجل بالإفطار فقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) لكن بعد تيقن غروب الشمس أو غلبة الظن في غروبها إذا لم يمكن اليقين. إذاً السحور: عبادة، والفطور: عبادة، وليكن على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، أولاً: التمر الأفضل منه الرطب، ثم التمر غير الرطب، ثم الماء إذا لم يجد. فضلاً عما يقع في الصيام من الصبر الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] . الصيام فيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. صبر على طاعة الله؛ لأن الإنسان يتحمل الصوم ويصبر عليه، ويكف نفسه وبذلك يكون صابراً عن معصية الله، الصوم يلحق الإنسان فيه: جوع، وعطش، وهبوط نفس، وكسل ولاسيما في الأيام الطويلة الحارة، فتجتمع فيه أنواع الصبر، ولهذا جاءت تسمية شهر رمضان بشهر الصبر؛ لأن فيه أنواع الصبر الثلاثة، فهو خير. ثم إن الواجب علينا، أن نفكر إذا كان الله تعالى نهانا عن شهواتنا، الجسدية -البدنية- من أكل وشرب وجماع، فلننهى أنفسنا عن الشهوات المعنوية، كثير من الناس نسأل الله العافية، يشتهي المعاصي، يشتهي الكذب، الغيبة، السب، الشتم، فهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن الشهوات الجسدية ثم نبيح لأنفسنا الشهوات المعنوية؟ الجواب لا. أبداً ليس من الحكمة، ولهذا نقول: إن المعاصي كترك صلاة الجماعة -مثلاً- ممن تجب عليه وكالغش، وكالكذب، والغيبة وما أشبهها؛ إنها تنقص صومه، حتى لو فرضنا أن الإنسان من حين صام إلى أن أفطر وهو في المسجد يقرأ ويصلي ويسبح ويهلل ولكنه يفعل هذه المعاصي فإنها سوف تنقص الصوم لا شك في هذا؛ لأنه لم يأت بالحكمة التي من أجلها شرع الصوم. إن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية يتقي به الإنسان معصية الله عز وجل، (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) يعني: لا يفعل الإثم ولا يصخب بالكلام (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) أرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا ينتصر لنفسه بل يقول: إني امرؤ صائم، فلو أن أحداً سبك وقال لك: يا حمار! يا كلب! أنت بليد! أنت فيك كذا! وأنت صائم لا ترد عليه، مع أنك لو رددت عليه لكان جائزاً وجزاء السيئة سيئة مثلها لكن في الصيام لا. لا ترد عليه ولكن لا تظهر بمظهر العاجز عن مقابلته وقل: إني صائم، وفي قولك: إني صائم فائدتان: الفائدة الأولى: توبيخه. الفائدة الثانية: أن بك قدرة على الرد عليه ومقابلته لكن يمنعك الصيام. كل هذا يدل على أن الصوم ليس حبس النفس عن الشهوات الجسدية بل هو بمعنى أعمق، وأبلغ، وأتم. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 7 حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً نتعرض في هذه المسألة لمسائل منها مثلاً: لو أن الإنسان أكل حين سمع صوت مؤذن، والمؤذن عادة يؤذن إذا غابت الشمس، ثم تبين أن المؤذن أخطأ وأن الشمس لم تغرب فهل يلزمه القضاء؟ الجواب لا يلزم، ليس عليه قضاء، لكن إذا رأى الشمس يجب أن يمسك، حتى الذي في فمه يجب أن يلفظها لكن ما كان قبل أن يعلم فإنه لا شيء عليه، الدليل قول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وهذا خطأ لكن بغير قصد، فقال الله تعالى في الآيات الكريمة: قد فعلت، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم في عهد نبيهم عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم غيم، ظناً منهم أن الشمس قد غربت ثم طلعت الشمس ولم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام اقضوا يوماً مكانه، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمر به كان من الشريعة، والشريعة لا يمكن أن يترك منها شيء، لابد أن تنقل. رجل آخر نسي أنه صائم فأكل أو شرب ماذا نقول له؟! أعليه قضاء؟! ليس عليه قضاء، لكن إذا ذكر توقف وجوباً، الدليل على أنه لا قضاء عليه هو: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وهذه يا إخواني آية من كتاب الله لم يقلها فلان الفلاني، ثم آية أقرها الله عز وجل هي دعاء من المؤمنين لكن أقرها الله وأعطاهم دعاءهم، قال: قد فعلت، وفيه حديث في نفس المسألة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) فلم ينسبها إليه بل نسبها إلى الله؛ لأنه بغير قصد. إذاً كل من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً أو جاهلاً ليس عليه شيء للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) هذا النسيان، الجهل: تقول أسماء بنت أبي بكر والحديث في صحيح البخاري: (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) وهذا نص صريح. فإذاً نأخذ قاعدة: من فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو جاهلاً فصيامه صحيح أياً كان، حتى لو أن الرجل -مثلاً- كان معه أهله وظن أن الفجر لم يطلع فجامع أهله ثم تبين أنه قد طلع فليس عليه شيء لا قضاء، ولا كفارة، ولا إثم، هذا ما يتعلق بالصوم. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 8 القيام في شهر رمضان أما ما يتعلق بالقيام: فقيام رمضان مندوب مشروع، قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنب) وينبغي أن يكون جماعة في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم) ويكون: بإحدى عشرة ركعة أو بثلاثة عشرة ركعة هذا هو الأفضل؛ لأن هذا هو الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: [ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً] فالجميع أحد عشر ركعة. لكن قولها: (يصلي أربعاً) هل معناه يجمعها في سلام واحد؟ الجواب لا. لأنه قد ثبت في حديثها نفسه أنه كان يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وعلى هذا فيكون قولها يصلي أربعاً أي: يجمعها ثم يستريح، ولهذا أتت بثم الدالة على التراخي، خلافاً لما توهمه بعض الناس من أنه يصلي أربعاً جميعاً، وأربعاً جميعاً، وثلاثاً جميعاً، وهذا خطأ في الفهم سببه أن بعض الناس ينظر إلى النصوص بعين أعور من جانب دون آخر، لا يجمع بين النصوص، يجمع أطراف النصوص، يحمل هذا على هذا، فظنوا أنها أربعاً مقرونة، وهذا غلط. والمهم من هذا القيام أن يحرص الإنسان عليه ويصليه مع الإمام حتى ينصرف إمامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) فضل من الله عز وجل تبقى مع الإمام حتى ينصرف يكتب لك قيام ليلة كاملة حتى في ليالي الشتاء وحتى وأنت على فراشك، يعني الصحابة، قالوا: [لو نفلتنا بقية ليلتنا] يعني: لو أنك أقمت بنا بقية الليل، قال: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأفضل على الإنسان أن يخفف على نفسه، فأنت تبقى مع الإمام حتى ينصرف ويكتب لك قيام ليلة كاملة ليس هناك حاجة أن تكلف نفسك القيام بعد هذا. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 9 مشروعية الاعتكاف في رمضان أما الاعتكاف فإنه سنة ولكن ليس في رمضان كله بل في العشر الأواخر منه فقط؛ لأن المقصود بالاعتكاف: التعبد في لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، هذا هو المقصود تحرياً لليلة القدر، ودليل أن الاعتكاف من أجل التحري لليلة القدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يتحرى ليلة القدر؛ لأن ليلة القدر في رمضان ثم الأوسط وعند إكماله أي: الأوسط قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر كلها وترك الاعتكاف في العشر الأوسط وفي العشر الأول، ولم يعتكف في غير رمضان أبداً إلا سنة واحدة تأخر عن الاعتكاف في رمضان بسبب ثم قضاه في شوال. فهمنا الآن أن الاعتكاف مشروع متى؟ في العشر الأواخر من رمضان فقط وليس مشروعاً كل وقت، وبه عرفنا خطأ قول بعض الفقهاء الذين يقولون: إنه ينبغي للإنسان إذا جاء إلى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه في المسجد، فإن هذا القول لا أساس له من الصحة، بل لو شئنا لقلنا إنه بدعة، والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتكف قط إلا في العشر الأواخر من رمضان (ولما التزم بعض الصحابة ألا يتزوج والثاني قال: أنا أقوم ولا أنام، والثالث قال: أنا أصوم ولا أفطر أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء وأن من رغب عن سنتي فليس مني) فمن رغب عن سنة الرسول واعتكف في غير رمضان قلنا: إنك مبتدع، الزم سنة الرسول، لو كان خيراً لكان الرسول أول من يفعله. ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة حث على التقدم، قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنه) وذكر بقية الحديث، هل قال لمن تقدم يوم الجمعة: انو الاعتكاف لتحصل على فائدتين: على التقدم إلى المسجد، والاعتكاف؟ أبداً ما قاله، وهل تظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن نية الاعتكاف مما يقرب إلى الله في هذا الحال ولم يبلغها؟ معاذ الله! وحاشاه من ذلك. إذاً لو كانت نية الاعتكاف عند المقام في المسجد مشروعاً ومحبوباً إلى الله لوجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغه عباد الله لقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] ولهذا نقول لمن قال: إذا دخلت المسجد تنوي الاعتكاف، نقول: هات برهانك، أين الدليل على هذا؟ بل الدليل على خلافه، هذا كلام مختصر على الصيام والقيام والاعتكاف. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يصوم رمضان ويقومه أيماناً واحتساباً، وأن يهيىء لنا من أمرنا رشداً إنه على كل شيء قدير. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 147 ¦ الصفحة: 11 حمل الطفل في الصلاة وعليه نجاسة السؤال امرأة تسأل وتقول إنها حملت الطفل والطفل عليه نجاسة، ما حكم صلاتها، وهي متأكدة أن عليه نجاسة؛ لأنه كان يصيح فحملته؟ الجواب لا يجوز، لكن هذه إذا كانت جاهلة لا تدري أنه حرام ليس عليها شيء. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 12 محاسبة الإنسان على ما أسره من الذنوب لا على حديث النفس السؤال كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره) هل يحاسب الإنسان على ما أسر في نفسه؟ الجواب يحاسب على ما أسره عن الناس من الذنوب، أما حديث النفس فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه معفو عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) لكن سره الذي أسره على الناس من الذنوب هو الذي يحاسب عليه. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 13 الرد على من يقول: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة السؤال ما قولكم في قول بعض العلماء: إنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: في الحرم، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، هل في هذا دليل وهل صح هذا القول؟ الجواب هذا فرد من أفراد المسألة التي قلت لكم قبل قليل وهي: النظر إلى بعض النصوص دون بعض، هذه العلة، أولاً: حديث كما تعرف أن ابن مسعود رضي الله عنه قال لـ حذيفة: [لعلهم حفظوا ونسوا] يعني: كأن ابن مسعود رضي الله عنه طعن في فهم حذيفة رضي الله عنه. ثانياً: أن لا اعتكاف يعني: لا اعتكاف كامل كما في قوله: (لا صلاة بحضرة الطعام) أي: لا صلاة كاملة. ثالثاً: كيف يقول الله عز وجل: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] خطاب للأمة ثم نقول: هذا الخطاب العظيم القرآني يختص بثلاثة أماكن من بقع الأرض، أيهما أكثر العالم الذين يعتكفون في المساجد الثلاثة أو بغيرها؟ نعم. الثاني بلا شك، كيف ننزل الآية على شيء خاص مع أنه عام لكل الناس فهذا من الفهم الخطأ، وإن كان قد قال به بعض العلماء السابقين لكن كلاً يأخذ من قوله ويترك، فالاعتكاف مشروع في كل مسجد. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 14 كيفية تأدية الراتبة في حالة الجمع بين صلاتين السؤال هل تؤدى السنن الراتبة القبلية والبعدية في حالة الجمع بين الصلاتين كالظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإذا كانت تؤدى فكيفية تأدية هذه الراتبة هل تكون بعد الصلوات أو قبلها؟ الجواب أما السنة القبلية فلا يوجد في سنة قبلية في المجموعة، ما فيها إشكال صلها قبل، يعني: مثلاً إنسان مريض أو جمع الناس من أجل المطر فأخر الظهر إلى العصر يصلي الراتبة أولاً أربع ركعات في، ثم إذا فرغ من صلاة العصر صلى الراتبة البعدية التي للظهر، يجمع بين المغرب والعشاء ثم إذا فرغ صلى راتبة المغرب أولاً ثم راتبة العشاء وتزاد بعد المجموعة. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 15 جواز الإيجار للكافر السؤال إذا كان الإنسان لديه منزل أعطي من قبل عمله وهذا البيت مؤجر على شركة، والشركة تؤجر أحياناً مسلماً وأحياناً كافراً فهل يجوز أن يأخذ الإيجار علماً أن هذا البيت الآن الموجود فيه كافر؟ الجواب لكن هل الدولة أعطته البيت هل أعطته إياه ليسكنه. السائل: نعم. يعني: أليس هناك مانع أن أؤجر الشركة حتى إذا كانت تؤجر كافر؟ الجواب: الكافر لابد أن يكون هنا بحسب عمله. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 16 حكم اتخاذ الحيوانات المحنطة السؤال اتخاذ الحيوانات المحنطة من تصوير ما ينهى عنه؟ الجواب اتخاذ الحيوانات المحنطة ليس من التصوير المنهي عنه؛ لأنك إنما اتخذت ما خلقه الله، أليس من مخلوقات الله؟ لكن يبقى النظر إذا كانت مما لا يؤكل فهي نجسة لا يجوز اقتناؤها، وإذا كانت مما يؤكل ولم تذكى ذكاة شرعية فهي أيضاً نجسة لا يجوز اقتناؤها، أما إذا كانت مما يؤكل ولكنك ذكيتها ثم حنطتها فلا بأس، وإذا كان يبذل فيها أموالاً كثيرة يكون هذا من إضاعة المال. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 17 حكم اللحوم التي تأتي من الخارج السؤال اختلط في أسواقنا في الكويت الدجاج المذبوح وفق الطريقة الإسلامية وغيره، فهل يشرع لمن حل ضيفاً أو زار مطعماً أن يسأل عن نوعية الدجاجة طريقة ذبحه علماً بأن غير الشرعي هو الغالب؟ الجواب أولاً بارك الله فيك! ما الذي أدراك أن غير الشرعي هو الغالب؟ السائل: لجان. الشيخ: اللجان بارك الله فيك! رأت مصنعاً يفعل هذا لكن آلاف المصانع تصنع غير هذا، ولا أعتقد أن دولة مسلمة تسمح لدخول بلادها بالميتات التي يأكلها الشعب ما أظن هذا، ثم إن السؤال هذا من باب التعمق؛ لأننا لو فرضنا أن اللازم تسأل قلنا: هل هو مذبوح بالطريقة الإسلامية أم هو بغير ذلك؟ يجب أن نسأل هل الذابح يصلي أم لا يصلي؟ بعض الجزارين لا يصلي هل يلزمك أن تسأل؟ مذبوح عندك بـ الكويت ذبحه أهل الكويت، أليس في الجزارين من لا يصلي؟ هل يلزمك أن تسأل هل الذابح يصلي أم لا؟ لأنه إذا كان لا يصلي لا تجوز الذبيحة يلزمك أو لا يلزمك؟ إذا أجبتني الآن لو تجد دجاجة مذبوحة في الكويت هل عندك إشكال أنك تأكلها أو لا تأكلها أو تأكلها وفيها إشكال؟ كلا. أنا قصدي أننا لو أردنا التشدد لكن الله سامحنا عنه قلنا: من الذي ذبحها هل يصلي وإلا ما يصلي؟ ثم إذا قالوا: يصلي، ما لكها ربما نصاب هل هي مسروقة وإلا مشتراة بشراء حلال، إذا قالوا: مشتراه من حلال، طيبة الثمن: هو مسروق وإلا حلال؟ وهلم جرا، لكن من نعمة الله أن ما لا تعلمه معفو عنه، حديث عائشة رضي الله عنها تقول: (إن قوماً أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالوا: إنه يأتينا قوم بلحم ولا ندري أسموا الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا) أنت مطالب أن تسمي عند الأكل، وما قبل ذلك ما عليك شيء. السائل: بعض المجلات تقول: إنها زارت بعض المسالخ فرأوهم لا يذكرون الله عند الذبح. الشيخ: تلك المجلات يا أخي يقولون شيئاً ونحن نقول: هم صادقون إن شاء الله تعالى، لكن كم أتوا على مصنع، هل أتوا على كل المصانع؟ بالنسبة للسعودية هيئة كبار العلماء جاءوا بأناس من وزارة التجارة وأظن وزارة البلدية ما أدري لكن سألوهم فقالوا: أبداً كل الذي في السعودية عليه مراقبة. السائل: وهل نقبل شهادة من يشهد في هذا الباب؟ الشيخ: أبداً ما نقبل أي شهادة إلا من قال هذا الكرتون وهذه الدجاج السبع والثمان الذي فيه أشهد أنها مذبوحة على غير الطريقة الإسلامية، هذا واحد، شيء آخر: بعض العلماء الأقدمين ليسوا المتأخرين العصريين الذين يتساهلون في الأمور، يقولون: إن ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً مذكى فهو حلال وإن ذكوه بالخنق؛ لأن الله تعالى قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة:5] فما اعتقدوه طعام فهو حلال لنا؛ لأنه أضاف الطعام إلى جهة مخصوصة فما اعتقدوه طعام فهو طعام حلال لنا، يعني: على رأي هؤلاء ما حاجة خلو أهل الكتاب يذبحونه على خنق أو على أي صفة أرادوا ما دام قال: طعام الذين أوتوا الكتاب وهم يعتقدون أنه طعام حلال فهو حلال لنا، أنا قلت لك هذا من أجل تخفيف الوطء على قلبك لست مقراً لهذا، أنا ما أقر هذا، نقول: الذي يذبح بغير ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فهو حرام، لكن قصدي أن تخففوا الوطء على أنفسكم فأولاً: لا ندري هل هذا مما صعق أم لا؟ لأنه الرءوس تأتينا مقطعة، ثم إذا علمنا أن هذه بعينها ذبحت على غير وجه شرعي، أو قتلت على غير وجه شرعي، نقول: إن بعض العلماء يقول: إن ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً فهو حلال حتى وإن ذبحوه على غير الطريقة الإسلامية، والخلاف هذا مشهور في كتب الأقدمين ليس المعاصرين، المهم سم الله وكل ولا تقل: هل هذا مما ذبح هنا أو مما ذبح هناك؟ لا تسل. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 18 الحامل المطلقة ثلاثا ً السؤال هل المطلقة ثلاثاً وهي حامل لها أجرة مصاريف مراجعة المستشفى وشراء الأدوية وبعد الولادة، هل تستحق حقاً آخر غير حق الرضاعة مثل أجر السكن للمولود؟ الجواب المطلقة ثلاث طلقات هذه ليس على زوجها نفقة لها هي، لكن ينفق عليها من أجل الحمل، وعلى هذا فما احتاجت إلى الإنفاق على الحمل فيجب على زوجها أن يأتي به، بعد الوضع يكون الإنفاق على الحمل خاصة يعني: أجرة الرضاع -حليب- وأيضاً ثياب الصبي، وما شابه ذلك، كل ذلك، لكن طعام الأم بعد الوضع ليس عليه، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6] . الجزء: 147 ¦ الصفحة: 19 حكم مصافحة كل من في المجلس السؤال إذا دخل شخص على أناس وهم جلوس وسلم عليهم هل يستحب أو يسن له أن يصافحهم؟ الجواب والله لا أعلم سنة واقعة في هذا، السنة فيما أعلم أن الإنسان إذا دخل سلم وجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يصافح، وأنا بحثت مع أناس كثيرين، قالوا: ما نعلم فيها سنة وطلبت من بعض الشباب أن يبحثها وينظر هل ورد عن الرسول هذا أم لا؟ فلم يجد شيئاً وأنا أقول: من وجد شيئاً فليتحفنا به؛ لأننا إلى الآن نعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يرد حرف صحيح ولا ضعيف فيما أعلم أنه يمر على الجالسين يصافحهم. السائل: حديث: (إذا التقى المسلمان) ؟ الشيخ: هذه في الملاقاة (إذا التقى المسلمان) لا يدخل في هذا، هذا وارد عليهم ولم يلقهم ولا يصافح ولا شيء إن كان هناك مكان جلس فيه، وإن لم يكن هناك مكان جلس حيث ينتهي به المجلس. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 20 التقويم ومدى صحته السؤال أصدر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بأن تقويم أم القرى في أذان الفجر مطابق تماماً لطلوع الفجر في الرياض فهل ينطبق في جميع مدن المملكة؟ الجواب والله ما أدري لو تسألونه؟ لأنه هو الذي أصدر البيان والمسألة بسيطة، الفرق على ما نرى خمس دقائق فقط وإذا تأخر خمس دقائق فليس هناك فرق، وإن قال: من تولى قارها فليتول حارها وبذمته وهي أهم شيء الصلاة في مسألة الفجر، أما مسألة الصيام فلو تقدم خمس دقائق ما في فرق. السائل: إذا تأخر عن التقويم خمس دقائق في الصيام؟ الشيخ: يعني: إذا قلنا أن التقويم صحيح وأمسك على التقويم وقلنا: إن الصواب أنه في خمس دقائق متقدمة ما يضر شيء المهم هو الصلاة، والصلاة إذا تأخر الإنسان خمس دقائق احتياطاً لا يضر. السائل: المشكلة التأخر في الصيام -في الإمساك- المؤذنون يتأخرون عشر دقائق الآن أو ربع ساعة عن التقويم؟ الشيخ: شيء صدر من مفتي المملكة ما لنا دخل ولا نقول في مخالفته شيء أبداً، لكن نقول: بالنسبة للصلاة خاص يحتاط الإنسان خمس دقائق يتأخر ما في شيء. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 21 قاعدة فقهية في العموم واستغراقه جميع أفراده السؤال عندي إشكال في الاستدلال وهو حفظنا منك أو حفظتنا جزاك الله خيراً القاعدة الفقهية المشهورة أنه: إذا جاء النص عاماً أو اللفظ عاماً، ثم فرع ببعض أفراده فهل يحمل هذا اللفظ ويخصص في هذا الفرد، أم أنه يؤخذ بالعموم ويجعل هذا الفرد كمثال؟ اخترت أنت يا شيخ! الثاني أليس كذلك؟ الجواب هذا إذا وافق حكم العام. السائل: لكن في حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أحدكم أين باتت يد) اعتبرت بهذا القيد أين باتت يده وخصصته في نوم الليل مع أن اللفظ استيقظ عام؟ الشيخ: بارك الله فيك! هذا سؤال جيد، وقد يكون فيه إشكال، نسأل الآن: هل الصحابة رضي الله عنهم أكثر نومهم في الليل أو في النهار؟ أكثر في الليل، فإذا كان هذا التعليم موافق للأكثر حمل عليه، يعني: هنا يوجد قرينة وإلا كلامك صحيح وينطبق على القاعدة لكن فيه قرينة، القرينة للمعلوم خصص لكن إذا كان الصحيح -مثلاً- قول جابر رضي الله عنه: (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) عندنا لفظ عام ولفظ خاص في كل ما لم يقسم، هذا عام يعم حتى السيارة إذا باع شريكك لك الشفعة فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق هذا خاص بالأرض هي التي فيها الحدود والطرق فهل نقول: إن الشفعة لا تكون إلا في شركة الأرض، أم في كل شيء؟ هذا مما ينبني على القاعدة. بارك الله فيكم ورزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 147 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [148] الزكاة هي أحد أركان الإسلام، وتأتي في الأهمية بعد الصلاة، والقارئ للقرآن يرى أنه لا يأتي ذكر الصلاة في آية إلا ويأتي بعدها ذكر الزكاة، مما يدل على أهميتها والتحذير من التهاون في أدائها، وقد اختلف العلماء في حكم مانعها بخلاً مع الإقرار بفرضيتها هل يكون كافراً أم لا؟ والزكاة تجب في الأموال النامية في الغالب، وقد لا تجب في الأموال الراكدة على حسب ما جاء في النصوص، وأما مصارف الزكاة فقد جاء ذكرها في القرآن الكريم مفصلة مبينة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 1 أحكام تتعلق بالزكاة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والأربعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث والعشرون من شهر شعبان عام (1417هـ) وسيكون هذا آخر لقاء في هذا الشهر وتستأنف اللقاءات بعد إفطار الناس من صيام الست في شوال. وعدنا أن نتكلم في هذا اللقاء عن الزكاة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 2 فرضية الزكاة وفضلها وحكم مانعها الزكاة هي أحد أركان الإسلام، وهي الركن الثالث من أركانه، وهي أوكد أركان الإسلام بعد الصلاة، وفي بذلها مصالح عظيمة دينية ودنيوية، وفي منعها والبخل بها عواقب وخيمة دينية ودنيوية، وقد أجمع العلماء على فرضيتها وإن كانوا اختلفوا في بعض الأشياء، لكن في الجملة أجمعوا على فرضيتها وأن من جحد فرضها وهو مقيم في بلاد المسلمين فإنه كافر مرتد خارج عن الإسلام؛ وذلك لأن فرضيتها مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) . وقد اختلف العلماء فيمن منعها بخلاً مع إقراره بفرضيتها هل يكون كافراً أم لا؟ فمنهم من قال: إنه يكون كافراً واستدلوا بقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7] واستدلوا بذلك أيضاً بأن الزكاة أحد أركان الإسلام والركن بمنزلة العمود للبناء فإذا سقط سقط البناء، لكن القول الراجح: أن من منعها بخلاً لا يكفر لكنه معرض للوعيد الشديد والعياذ بالله. أما الآية وهي قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7] فالمراد بالزكاة هنا تزكية النفس وهو الإسلام والتوحيد، أما الدليل على عدم كفره فهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته) وذكر الحديث، وكذلك قوله: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها -أو قال: حقها- إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأوقد عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار) ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهر، يعني: قوله: (يرى سبيله إما إلى الجنة) يدل على أنه ليس بكافر وإلا لم يكن له سبيل إلى الجنة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 3 الأموال التي تجب فيها الزكاة والزكاة تجب في الأموال النامية في الغالب، وقد لا تجب في الأموال النامية وتجب في الأموال الراكدة على حسب ما جاء في النصوص، فمثلاً مما تجب فيه الزكاة: - الذهب والفضة على كل حال سواء كانت نقداً كالدنانير والدراهم أو كانت حُلياً أو كانت قطعاً من الذهب أو قطعاً من الفضة، المهم أن الزكاة واجبة في الذهب والفضة على كل حال، وأما غيرهما من المعادن الثمينة فلا زكاة فيها إلا أن تكون للتجارة. - ومما تجب فيه الزكاة عروض التجارة يعني: الأموال التي يعدها الإنسان للتجارة والتكسب، لا تسأل أي نوع من المال يريده مالكه للتكسب فهو عروض تجارة فيدخل في ذلك العقارات والأراضي والسيارات والحراثات والساعات والأقمشة والأواني كل شيء تعده للتجارة فإن فيه زكاة، ووجه ذلك أن الغرض من التجارة ما هو؟ هل الغرض نفس السلعة أو قيمتها وربحها؟ الثاني لا شك، ولهذا يشتري الإنسان السلعة في الصباح ويبيعها في المساء إذا وجد ربحاً، بخلاف الشيء الذي اقتناه الإنسان لنفسه كبيته وعقاراته التي يؤجرها هذه أراد أن تبقى لا يريد أن يبيعها لذلك نقول: عروض التجارة تجب فيها الزكاة في أي مال؟! في كل الأموال سواء كان أي نوع من الأموال يقسطه الإنسان للتجارة فهو عروض تجارة، فما مقدار الزكاة في الذهب والفضة وعروض التجارة؟ مقدار الزكاة ربع العشر يعني: واحد من أربعين بشرط أن يبلغ النصاب: - نصاب الذهب عشرون مثقالاً. - نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً. - نصاب الذهب في المعايير الموجودة الآن خمسة وثمانون جراماً. - ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جراماً فما دون ذلك ليس فيه زكاة. ولا يُضم الذهب إلى الفضة في النصاب، بمعنى: لو كان عند الإنسان نصف نصاب من ذهب ونصف نصاب من فضة فإننا لا نكمل ببعضهم البعض الآخر نقول: لا زكاة عليك؛ لأنك لا تملك نصاباً من الذهب ولا نصاباً من الفضة، إذاًَ: لا زكاة عليه. وقال بعض العلماء: إنه يضم الذهب للفضة في تكميل النصاب، فإذا كان عنده نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة وجبت عليه الزكاة، ولكن القول هذا مرفوض ولا يصح؛ لأنه كما لا يضم الشعير إلى الحنطة في تكميل النصاب فلا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، والنبي عليه الصلاة والسلام فرق بينهما، قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد) . وعليه فلو كان عند الإنسان نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة هل عليه الزكاة؟ عليه في الذهب زكاة وليس عليه في الفضة زكاة، أما قيمة العروض فتضم إليك؛ لأن المقصود من العروض القيمة، فمثلاً إذا كان عند الإنسان عروض تجارة يساوي نصف نصاب من الفضة وعنده نصف نصاب من الفضة خالص هل تجب عليه الزكاة؟ عليه الزكاة، لماذا؟ لأن عروض التجارة المقصود بها قيمتها أما عينها لا يريدها الإنسان. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 4 زكاة الديون بقي من الأموال الزكوية: الديون، الديون تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- ديون عند شخص غني باذل، لو قلت له: أعطني حقي، قال: تفضل. 2- وديون عند شخص غني لكنه مماطل، كلما جئته يقول: غداً غداً غداً. 3- عند فقير. القسم الأول: أما الديون التي عند غني باذل ففيها الزكاة ولا إشكال فيه؛ لأنها كأنها في صندوقه ما دام ليس بينك وبينها إلا أن تقول: يا فلان! اعطني حقي فهي كالتي في الصندوق ليس بينك وبينها إلا أن تفتح الصندوق وتأخذ الدراهم، فتجب فيها الزكاة. لكن هل يجب إخراج زكاتها مع مال صاحب الدين أو إذا قبضها زكى لما مضى؟ يقول العلماء: أنت في رخصة إن شئت ضُمها إلى مالك وأخرج زكاتها مع مالك، وإن شئت أخرها حتى تقبضها ثم تزكيها فيما مضى. القسم الثاني: ديون على غني مماطل، يعني: هو غني عنده أموال كثيرة يستطيع أن يوفي لكنه مماطل، هذا فيه تفصيل: إن كان لا يمكنك مطالبته فهو كالفقير، وإن كان يمكنك مطالبته فهو كالغني الباذل، وإذا كان المال الذي لك عند أمير لا يمكنك أن تطالبه وهو غني، فهذا كالذي على الفقير؛ لأنك لا تستطيع الانتفاع بمالك. أو عند إنسان شرير تخشى إن كررت الطلب أن يؤذيك في أهلك أو في بيتك أو في عرضك أو ما أشبه ذلك، فهذا أيضاً كالدين الذي على فقير؛ لأنه لا يمكنك مطالبته. وأما إذا كان يمكنك مطالبته وهو غني مماطل لكن يمكنك مطالبته ترفعه إلى القاضي وتستخرج حقك منه، فهذا تجب فيه الزكاة؛ لأنك تستطيع أن تطالبه وأن يؤتيك حقك، ثم إن شئت زكِّه مع مالك وإن شئت أخره حتى تقبضه وتزكيه لما مضى. القسم الثالث: الدين الذي على فقير، هذا لا زكاة فيه! لماذا؟! لأنه لا يمكنك أن تطالبه ولا أن تطلبه حتى قول: اعطني حقي حرام عليك وهو فقير لقول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] هذا ليس فيه زكاة؛ لأنك لا هو في مالك ولا هو في حكم مالك لا تستطيع أن تنتفع به إطلاقاً، ممنوع من هذا شرعاً، وإذا قبضته هل تزكِّه لما مضى أو لا؟ نقول: لا تزكيه فيما مضى؛ لأن كل ما مضى ليس فيه زكاة أصلاً، لكن هل تزكي لسنة قبضه أو تنتظر حتى يتم عليه الحول؟ فيه خلاف بين العلماء منهم من قال: ابتدئ به حولاً جديداً وانتظر إذا تم الحول زكه، ومنهم من يقول: لا. زكه الآن زكاة سنة واحدة ثم استمر في زكاته في المستقبل إن بقي عندك، هذا القول أحوط وأحسن، فمثلاًَ إذا كان الإنسان عنده عشرة آلاف في ذمة فقير ثم قبضها بعد عشر سنوات هل يزكيها لعشر سنوات؟ لا. إنما يزكيها سنة واحدة، يؤدي زكاة عشرة آلاف الآن حين قبضه ثم إن بقيت عنده حتى يتم عليها سنة زكاها وإن أنفقها ذهبت. وبعض أهل العلم يقول: لا. لا يجب عليه زكاة هذا المال، انتظر حتى تتم سنة عندك ثم زكِّ، لكن القول الأول أحوط، وإذا كان أحوط فالأخذ بالاحتياط أولى. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 5 واجب المسلم تجاه الزكاة إن الزكاة في الحقيقة يجب أن يشعر الإنسان أنها ليست غرماً بل هي غنيمة، كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة، وإذا أنفقت من مالك شيئاً فإن الله وعدك أن يخلفه عليك {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] إما أن يخلف الله عليك شيئاً محسوساً فتكون المائة مائتين، وإما أن يخلف الله عليك شيئاً غير محسوس بل يبارك لك في هذا المال ويقيه الآفات. المهم أن الإنفاق لله عز وجل كله خير، أما زكاة الماشية وزكاة الحبوب فالظاهر أن الوقت قصير ندع الكلام عليهما، وأظن أن أكثركم ليس عنده ماشية ولا بساتين. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 6 مصارف الزكاة هناك شيء مهم أيضاً: إذا وجبت الزكاة فمن نعطيها؟ أنعطيها من نشاء؟ لا. الزكاة تولى الله تعالى بيان مصارفها بنفسه جل وعلا، فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60] فمن أدى الزكاة في غير أهلها لم تجزئه ولم تبرأ بذلك ذمته، كالذي يصلي قبل الوقت لا تجزئه الصلاة. الفقراء والمساكين يعطون لحاجتهم وضابط ذلك على ما قاله الفقهاء: ألا يكون عند الإنسان ما يكفيه وعائلته لمدة سنة -فمثلاً- إذا قدرنا أن هذا الفقير أو أن هذا الرجل ينفق في السنة اثني عشر ألفاً، كل شهر ألف ريال وعنده ستة آلاف أيكون فقيراً؟ نعم يكون فقيراً نعطيه ستة آلاف فقط حتى يصبح وعنده ما يكفيه لعائلته لمدة سنة. إنسان عنده راتب ثلاثة آلاف ريال في الشهر، لكنه ينفق كل شهر أربعة آلاف هل نعطيه أو لا؟ نعطيه، كم نعطيه؟ نعطيه اثني عشر ألفاً يعني: ثلاثة آلاف وهو ينفق أربعة آلاف، إذاً: لابد أن نكمل له، نعطيه أربعة آلاف كل شهر وثلاثة عنده وألف من عندنا وهلم جرا. الغارمون ومفردها غارم وهو: الذي عليه دين ولا يستطيع وفاءه ليس عنده دراهم نقدية سائلة، وليس عنده عقارات، وليس عنده صنعة، المهم أنه لا يستطيع أن يوفي دينه، هذا يوفى دينه من الزكاة ولنا في ذلك طريقان: - الطريق الأول: أن نعطيه وهو يسدد. - والطريق الثاني: أن نسدد عنه، يعني: نذهب إلى الذي يطلبه ونعطيه، أيهما أولى؟ فيه تفصيل: إذا علمنا أن الرجل أمين وحريص على إبراء ذمته، وأننا إذا أعطيناه أوفى، فالأفضل أن نعطيه هو ويسدد؛ لأن في ذلك ستراً عليه وإبعاداً للرياء عن المعطي، وأما إذا علمنا أن الرجل مفسد للمال لو أعطيناه يقضي الدين يشتري به أشياء لا داعي لها، فهذا لا نعطيه وإنما يذهب إلى دائنه ويوفى عنه حتى وإن لم يعلم؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] ولم يقل: وللغارمين، فلما لم يذكر اللام علمنا أنه لا يشترط تمليك المدين لقضاء دينه، فنذهب إلى الدائن ونقول: تطلب فلان ألف ريال هذه ألف ريال وننويها من الزكاة، وفي هذه الحال يجب أن نخرج الغريم فنقول: إنا أوفينا عنك، لماذا؟ لأن الدائن ربما ينسى ويطالب الغريم بالدين، وهو قد سدد ولأجل أن يطمئن الغريم بأن الله قضى دينه. واعلم أنه متى وجدت الأوصاف في شخص من الناس فهو أهل للزكاة، سواء كان قريباً أم بعيداً، حتى أخوك أو ابنك أو أبوك أي شخص توجد فيه الأوصاف فهو مستحق، إلا إذا كان هذا الذي فيه الأوصاف ممن يجب عليك أن تنفق عليه فهنا لا تعطه لحاجته، مثل إنسان عنده أب هو في بيت وأبوه في بيت، أبوه يحتاج وهو غني واسع الغنى، هل يعطيه من زكاته؟ لا. لماذا؟ يجب عليه أن ينفق على أبيه ولا يحل له أن يعطيه من زكاته؛ لأنه لو أعطى من زكاته وفر على نفسه النفقة. حسناً! إنسان عنده مال كثير وأبوه أموره ماشية لا يحتاج إلى إنفاق، لكن عليه دين هل يقضي دين أبيه؟ يقضي دين أبيه، لماذا؟ لأنه لا يجب على الابن قضاء دين أبيه، فهو -إذاً- لا يوفر ماله، وإذا قدر أن هناك مدين آخر غير أبيه فأبوه أحق في قضاء دينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على القريب صدقة وصلة) . لعلنا نكتفي بهذا القدر لنأخذ شيئاً يسيراً من الأسئلة في خلال ما بقي من الوقت، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما علمنا لنا حجة يوم نلقاه. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 148 ¦ الصفحة: 8 من لبس خفاً على خف قد مسح على الأسفل فليمسح على الأعلى السؤال إذا لبس المسلم الجورب -الشراب- ثم مسح عليها ثم لبس شراباً آخر فعندما جاء وقت الصلاة الثانية مسح على الشراب، وقد لبسها على طهارة، ثم صلى، فهل يعيد صلاته؟ الجواب لا يعيد صلاته، الصحيح أن هذا جائز، أي: إذا لبس خفاً على خف قد مسح الأسفل فليمسح على الأعلى، لكن في خلال مدة المسح ابتداء من المسح الأول. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 9 زكاة الأراضي السؤال بالنسبة لزكاة الأراضي يعني: اشترى رجل أرضاً ولم يزكها لمدة سنوات ثلاث أو أربع سنوات، وقام بإدخالها بعد الشراء إلى البلدية لتقسمها لعدة قطع، وأخذت الأرض مدة أربع أو خمس سنوات ولم تنته حتى الآن؛ فهل يجب عليها زكاة المدة السابقة أم يدفع مرة واحدة عند البيع؟ الشيخ: هل اشتراها للتجارة؟ السائل: اشتراها للتجارة، ولكن كان يعتقد بناءً على فتوى بعض العلماء على أن الأراضي ليس عليها زكاة، ثم طالت المدة في انتهاء معاملة الأرض هذه، ولا يستطيع بيعها على قطع قطع حتى تنتهي. الشيخ: ولا بيعها جميعاً. السائل: لا يستطيع بيعها قطعة واحدة لكن الشركاء كانوا قد اشتروا الأرض لتقطيعها عدة قطع. الشيخ: يعني: انتقلت من ملكه. السائل: لا ما زالت في ملكه. الشيخ: هم شركاء. السائل: الشركاء يعني: هم سجلوا باسم شخص واحد أحد الشركاء. الشيخ: أولاً: بارك الله فيك، إذا كان قد استفتى شخصاً بأنه لا زكاة فيها وهذا الشخص عمدة في علمه ودينه فلا زكاة عليه؛ لأن الله قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وأما إذا كان يعتقد أن الزكاة واجبة فعليه الزكاة إلا في السنوات التي يمنع من التصرف فيها فلا زكاة عليها؛ لأن هذه تشبه الديون على غير المعسر، لكن القول الراجح كما علمت أن عروض التجارة فيها زكاة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 10 حكم صلة الأرحام إذا كان لديهم بعض المنكرات السؤال هل يجوز للمسلم عندما يزور أرحامه وأقاربه أن يجلس في مجالسهم التي تعج بالمنكرات من تلفاز والقنوات الفضائية، وشرب دخان، ولعب الورق المحرم، وحلق لحى وإسبال ثياب وغيبة وكذب إلى آخره فهو إن واصلهم كان حال ما ذكرت، وإن ترك كانت قطيعة رحم، فماذا يعمل علماً بأنه يعلم أنه لا يوجد من يسد مكانه من النصح والتذكير بالله أفيدونا في ضوء هذا السؤال؟ جزاكم الله خيراً. الجواب أما مشاركته لهم في الإثم فلا تجوز؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يفسد نفسه لإصلاح غيره، وقد قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140] لكن من المعلوم أنهم لن يبقوا عاكفين على هذه المنكرات سيكون لهم فراغ وقت عشاء أو وقت غداء يستطيع أن يذهب إليهم في هذا الوقت ويصلهم. إلا إذا جاء إليهم في حال تلبسهم بهذه المنكرات من أجل النصيحة فلا بأس أن يأتي من أجل النصيحة ويقول: انظر هذا وانظر هذا، وأما تمثيلك بحلق اللحية والإسبال: حلق اللحى والإسبال إن كان حين الحلق هذا لا يجوز، أما إذا كان قد حلق وراح فهذا مثل رائحة الدخان في فم شاربه، لو فرضنا أن إنساناً يشرب الدخان وأتيت تزوره بعد أن أكمل ولم يبق إلا الرائحة هل نقول: إنك الآن مشارك له في الإثم؟ لا. هذا نفس الشيء حلق اللحية وإسبال الثوب، أما حين يفعل المحرم فلا تجلس إلا إذا كان القصد النصيحة فهذا لا بأس. السائل: كل المجلس دائماً انشغال. الشيخ: على كل حال صلة الرحم إذا كانوا لا يمكن أن يوجدوا إلا على هذا المنكر لا تصلهم، صلهم بالهاتف أو بالكتابة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 11 حكم الزكاة إذا صرفت في غير مصارفها السؤال بالنسبة لرجل يخرج زكاته سنوياً لكنه يخرجها لمن لا يستحقها هل تجزئه هذه الزكاة؟ الجواب لا تجزئه، من أدى الزكاة إلى من ليس أهلاًَ فهو كالذي لم يزك إلا إذا غلب على ظنه أنه أهل، ثم تبين بعد ذلك أنه ليس بأهل فتجزئه. السائل: كان يخرجها إلى فقير لكن هذا الفقير الآن أصبح ميسور الحال؟ الشيخ: لا يجوز أن يستمر ما دام يعرف أنه زال فقره. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 12 من كان في هجره مصلحة فإنه يهجر السؤال رجل ابتلي بملاحقة النساء في الأسواق والنظر إليهن، وله معاصي ظاهرة كالدش والدخان فعلم به أحد إخوانه فأخبر من حوله من الشباب فهجروه خمس سنوات فلم يكلموه وينصحوه ويحذروه عن هذا العمل مع أنه ولله الحمد تاب إلى الله ويسأل الله الثبات، أما إخوانه فقد استمروا في هجره ويخاف ألا يثبت في الهداية فإنهم يعينون الشيطان عليه فما توجيهكم نحو من جاهر بالمعصية؟ الجواب أقول من جاهر بالمعصية التي دون الكفر فإن كان في هجره مصلحة وجب هجره، بمعنى: أننا إذا هجرناه استقام فيجب أن نهجره، وإن لم يكن في هجره مصلحة حرم أن نهجره؛ لأنه مؤمن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فينظر هذا الرجل الآن حسب ما جاء في السؤال أنه استقام وزال عن الوصف الذي رأوا أنه يستوجب الهجر فعليهم الآن أن يكرموه وأن يفرحوا بهدايته وأن يعينوه على ذلك، أما هو فعليه أن يثبت على ما هداه الله إليه ولا يلتفت لهؤلاء سواء هجروه أو واصلوه لا يهمه، هو إنما تاب لله لا لعباده، فعليه أن يصبر، وليعلم أن العاقبة للمتقين. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 13 صورة من صور الربا السؤال أنا صاحب تجارة فأبيع بضاعتي على مؤسسات أو شركات أو جمعيات ثم أحصل هذه الفلوس بعد عدة أشهر، خمسة أشهر أو ستة أشهر وأحياناً تطول هذه المدة حتى تتجمد فلوسي عند هذه الشركات، يقوم البنك -أحياناً بنوك إسلامية عندنا- بدفع هذه الفلوس حالاً ناقص قيمة الفائدة مثلاً المائة دينار يعطيني البنك خمسة وتسعين ديناراً يدفعها حالاً والبنك يحصلها من التاجر هذا في المستقبل، فأنا استفدت منها أني أخذت فلوسي حالاً بدل أن تبقى عندهم ستة أشهر بهذه الطريقة؟ الشيخ: والبنك استفاد الزيادة؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه فيها محذوران: المحذور الأول: هو الربا؛ لأن البنك أعطاك خمسة وتسعين بمائة وهذا رباً صريح، وهناك أيضاً ربا الفضل وربا النسيئة يعني: ربا الزيادة وربا التأخير؛ لأن البنك سيتأخر قبضه لهذا العوض. المحذور الثاني: أنه بيع ما ليس عندك وما ليس في قبضتك؛ لأنك بعت ما في الذمة على هذا البنك، بعتها الآن على هذه الشركة ما الذي في ذمتها؟ دنانير مثلاً، بعت الدنانير للبنك قبل أن تقبضه وقبل أن تكون بملكك ففيها محذوران، فإن كان الأمر قد مضى فالواجب التوبة إلى الله عز وجل وألا ترجع لمثل تلك المعاملة، وإن كان لم يكن فالواجب عليك ألا تدخل في مثل هذا. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 14 حكم المتيمم إذا شرع في الصلاة ثم رأى الماء السؤال جماعة في البر عندما تيمموا وأرادوا أن يصلوا أتاهم رجل بماء بعد أن أقيمت الصلاة؟ الجواب هذه فيها خلاف بين العلماء، إذا وجد الماء بعد أن شرع الإنسان في الصلاة فهل يلزمه قطعها واستعمال الماء أو يمضي في ذلك قولان من العلماء، والاحتياط أن يقطع الصلاة ويتوضأ الماء. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 15 حكم الصلاة خلف صاحب البدعة السؤال عندنا إمام صاحب بدع، ولكونه أشعرياً أو صوفياً هل تصح صلاتنا خلفه؟ الجواب كل من صحت صلاته صحت إمامته إلا المرأة بالرجل، فحالق اللحية، مسبل الثوب، شارب الدخان، المبتدع بدعة لا تكفره؛ كل هؤلاء تصح الصلاة خلفهم، إلا أن يكون في الصلاة خلفهم إغراء لهم على الإقامة على ما هم عليه بحيث يقولون: ما شاء الله فلان يصلي خلفنا نحن على صواب، فهنا لا تصلِّ خلفه، أما إذا كان يعني: من عامة الناس الذي لا يهم الإمام أن يصلي خلف هؤلاء فليصل خلفه فهمتم القاعدة الآن: كل من صحت صلاته صحت إمامته إلا المرأة بالرجل. حسناً! الصبي بالبالغ تصح صلاته، لكن إذا كان صاحب بدعة أو فسوق وخشيت أنك إذا صليت خلفه حصل له إغراء وإعجاب بنفسه وأنه على صواب، أو أن الناس أيضاً يغترون فلا تصلِ خلفه. السائل: إذا كانت راتبة؟ الجواب: أياً كان راتبة أو غير راتبة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 16 حكم الزكاة في الرواتب الشهرية السؤال موظف يستلم راتباً مقدراً وليس عنده دخل سوى هذا الراتب هل عليه زكاة؟ الجواب إذا تم الحول عليه زكاة، أما إذا كان -مثلاً- ألف ريال وهو ينفق في الشهر ألف ريال هذا ما عليه زكاة؛ لأنه قطعاً كما سينفق ألف ريال في شهر محرم سينفقه قبل أن يدخل شهر صفر وشهر صفر قبل ربيع، فيبقى ليس عنده شيء، أما إذا كان يبقى عنده شيء فعليه الزكاة، لكن كيف يزكي هذه الرواتب؟ هناك طريقان: الطريق الأول: أن يقول -مثلاً-: دخل علي في شهر محرم خمسمائة ريال، وفي شهر صفر خمسمائة ريال أؤدي زكاة خمسمائة ريال في شهر محرم، وزكاة خمسمائة ريال في شهر صفر وهذا لا شك أن فيه صعوبة، كون الإنسان يحصي ما دخل عليه في الأشهر وينتظر تمام الحول فيه صعوبة، فنرى أن الإنسان يجعل له شهراً معيناً وهو الشهر الذي أخذ فيه الراتب ويجعله وقت زكاة. فمتى؟ إذا كان أخذه في محرم، إذا جاء محرم في السنة الثانية ينظر ماذا عنده، إذا كان عنده -مثلاً- خمسة آلاف ريال يزكي خمسة آلاف ريال، حتى راتب شهر ذي الحجة القريب فيه زكاة يعني: هذا أريح. حسناً! شهر ذي الحجة ما تم حوله ما في بأس أن يخرج الإنسان الزكاة قبل تمام الحول. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 17 هل الغسل يجزي عن الوضوء؟ السؤال إذا اغتسل الإنسان الجمعة أو تبرداً ونوى الوضوء يكون له الوضوء مع أنه غسل أعضاءه مرتبة؟ الجواب إذا غسلها مرتبة صار وضوءاً، أما إن عمم على بدنه بدون ترتيب فإن كان عن جنابة، أو عن حيض في المرأة أجزأه عن الوضوء، وإن كان تبرداً أو للجمعة لم يجزئ؛ لأن هذا عن غير حدث. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 18 الجمع في المطر بسبب المشقة لا لذات المطر السؤال هل الجمع في المطر من أجل المشقة أم لذات المطر؟ الجواب من أجل المشقة، والدليل على هذا أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم (جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) يعني: ألا يشق عليها، المسألة تدل على أنه للمشقة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 19 قضاء الدين عن الميت لا يجزئ السؤال قضاء الدين من الزكاة عن الميت، ما القول الراجح في هذه المسألة؟ الجواب القول الراجح أن قضاء الدين عن الميت لا يجزئ، وقد حكاه ابن عبد البر وأبو عبيد إجماع العلماء أنهم أجمعوا على أنه لا يجزئ، لكن نقل الإجماع فيه نظر؛ لأن فيه خلافاً، إلا أن هذا الخلاف ضعيف والدليل على عدم إجزائه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يؤتى بالرجل يصلي عليه وعليه الدين فلا يصلي مع أن عنده أموالاً زكوية في الغالب، ولما فتح الله عليه وأفاء الله عليه من أموال المشركين وكثر المال عنده صار إذا قدم إليه ميت وعليه دين يقضي دينه، يقول: (الدين علي وإلي) فالصواب أنه لا يجزئ، ثم إن فيه ضرراً على الأحياء؛ لأن عاطفة الناس على الأموات أقوى من عاطفتهم على الأحياء، فلو فتحنا هذا الباب لكان الإنسان يراجع حسابات أجداده وجداته من قبل أبيه وأمه هل عليهم دين ثم يذهب يقضيها، وكذلك -أيضاً- الآباء والأمهات والإخوان الذين ماتوا قريباً وعليهم ديون، يذهب يراجع الحسابات ويقضيها، ويبقى الأحياء الذين على وجوههم ذل الدين غير مقضي عنهم الدين، فالقول أنها تجزئ مخالف لظاهر النصوص من وجه، ولما تقتضيه مصلحة الأحياء من وجه آخر، وهؤلاء الأموات إذا كانوا أخذوا أموال الناس يريدون أداءها فإن الله يؤدي عنهم كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً فيه محذور ثالث: إذا علم الورثة أن دين مورثهم سيقضى، وليس مشهوراً بالغنى ربما يكتمون التركة ويقولون: إنه لم يخلف شيئاً من أجل أن يقضى دينه وتبقى التركة لهم، ففيه محذورات يعني: لو تأملها الإنسان وجدها أكثر من هذا. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 20 معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال حديث الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت إلى أن قال الرجل: أجعل لك كل صلاتي، قال صلى الله عليه وسلم: إذاً! تكفى همك. ) أرجو توضيح هذا؟ الجواب هناك احتمالان: الاحتمال الأول: وإليه ذهب شيخ الإسلام فيما أظن أن الرسول كان يعلم له دعاءً معيناً، فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعل دعاءً معيناً كله للرسول عليه الصلاة والسلام. والوجه الثاني: أن يقال: المراد أنك تشرك النبي عليه الصلاة والسلام في كل دعاء تدعوه، وإلا فإن من المعلوم أن الإنسان لو أخذ بظاهر الحديث لكان لا يقل: رب اغفر لي، ولا يقل: اللهم ارحمني، ولا يقل اللهم ارزقني بل يقول: اللهم صل على محمد ويكفى الهم، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة، الإنسان مأمور أن يدعو لنفسه في السجود وفي الجلسة بين السجدتين وفي دعاء الاستفتاح على أحد الوجوه التي وردت فيه، فهذا يحمل على المعنيين إما أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أنه يدعو بدعاء معين فأراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يجعله للرسول وإما أن يشركه معه في دعائه فكأنه قال صلاتي كلها يعني: كلما دعوت لنفسي صليت عليك. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 21 حكم قراءة القرآن مع وجود اللبان في الفم، وحكم صلاة من أكل الكراث السؤال شوهد رجل يقرأ القرآن وفي فمه العلكة ما الحكم في ذلك، كما أنه يأكل الكراث بعد صلاة العشاء ويقول: إن المدة طويلة وإني أستخدم المعجون والفرشاة قبل صلاة الفجر وأخفف الرائحة، وإني آكلها للتداوي؛ لأن الطبيب قال: إنها تنظف الأمعاء؟ أفدنا جزاك الله خير. - أولاً: ما أظنه يقيم الحروف إذا قرأ وهو يعلك؛ لأن مخارج الحروف سوف تكون مشغولة بالعلك، ومعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن إلا إذا أظهر حروفه حسب القدرة، فإذا أراد أن يقرأ القرآن فليدع العلك. وأما مسألة الكراث كونه يأكل قبل أن ينام ويذهب رائحته قبل أن يقوم: فالحكم يدور بما وجد إن كان أثر الرائحة باقياً يؤثر على من حوله؛ فإنه لا يجوز أن يدخل المسجد، بل يجب عليه أن يصلي في بيته دفعاً لأذاه لا ترخيصاً له، يعني: بعض الناس يقول: إذا قلنا لآكل الكراث والبصل وما أشبهها من الأنواع صلِّ في بيتك أن هذا ترخيص له وتسهيل، نقول: لا، بل هو دفع لأذاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقربن مساجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) فهذا لا شك أنه يؤذي الملائكة، وإن كان من المأمومين آذى المصلين الذين عن يمينه ويساره، لكن قد قيل لي: أنه يوجد معجونات وأشياء تزيل الرائحة لا أدري. إذا كان يأكله للتداوي فلا حرج عليه، ولكن لا يصلي مع الجماعة حتى يزول يعني: لو قال قائل ربما يجيء أحد يقول: أنا لا أصلي الجماعة؛ لأني أكلت الكراث لكي لا أصلي، قلنا: هذا حرام، أليس السفر في رمضان جائزاً وسيفطر في رمضان وهو فرض ركن من أركان الإسلام، لكن لو سافر من أجل أن يفطر حرم عليه السفر والفطر. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 22 صلاة الجمعة للمسافر السؤال إنني أخرج للنزهة كل يوم خميس وجمعة بحيث أنني أتجاوز (300كم) وذلك لغرض الصيد لمدة ثلاثة شهور متتالية في السنة والأماكن التي أتواجد فيها ليس بها جمعة، فهل ينطبق علي ما ورد في الحديث من الوعيد لمن ترك الجمعة ثلاث مرات متتالية؟ الجواب إذا كان الأمر كما قال ذكر -مثلاً- يخرج يوم الخميس ويبقى يومين هناك فهو مسافر بلا شك، والمسافر ليس عليه جمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه) فإذا كان يخرج للنزهة في هذه الأيام تهاوناً بالجمعة حق عليه هذا الوعيد، إلا أن يعفو الله عنه، وأما إذا كان يخرج لغرض صحيح كالصيد فلا حرج عليه ولا يعد هذا تارك للجمعة تهاوناً؛ لأن الجمعة لا تجب عليه في حال السفر، ولكن يبقى أن يقول: هل له رخصة أن يخرج للصيد مع منع الحكومة من ذلك؟ لا. ما دام المنع باقياً فإنه لا يحل له مخالفة الحكومة ولا يجوز له أن يصطاد، لكن إذا كان في الوقت الذي ترخص فيه بالصيد هذا لا بأس به كما سمعت في الجواب. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 23 حكم تصوير ذوات الأرواح في كاميرا الفيديو السؤال ما حكم تصوير ذوات الأرواح في كاميرا الفيديو؟ الجواب إذا كان لحاجة أو مصلحة فلا بأس، فالحاجة مثل أن يريد الإنسان إثبات واقع من الوقائع ويصورها بالفيديو، والمصلحة مثل أن يصور أشياء مفيد لأبنائه بدلاً عن التلفزيون؛ لأن كثيراً من الناس صاروا يستعملون الفيديو فيصورون أشياء تلهي الصغار وتمنعهم من النظر إلى التلفزيون وما فيه من البلاء، أما لغير ذلك فإنها مضيعة للمال ومضيعة للوقت. مضيعة للمال؛ لأن الأشرطة هذه لها قيمة ثم عرضها على الشاشة أيضاً له قيمة، تأخذ من الكهرباء، ثم إنها مضيعة للوقت أيضاً، وعلى هذا إذا كان في مصلحة دينية صار أمراً مطلوباً كما لو أردنا أن نصور محاضراً يحاضر في أمر شرعي يوجه الناس ويرشدهم هذا أمر طيب. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 24 المصلى في البيت أو العمل ليس له حكم المسجد السؤال إذا كان للمرأة مكان خاص بالبيت تنظفه ولا يدخله الأطفال لكي تصلي فيه، فهل يكون في حكم المسجد؟ مثلاً عند الدخول هل تصلي ركعتين أو الاعتكاف؟ الجواب المصلى سواء في البيت أو في الدائرة الحكومية أو في دائرة الشركة أو غير ذلك ليس له حكم المسجد بل هو مصلى كما يعد الإنسان -مثلاً- سجادة يصلي عليها فليس لها حكم المسجد. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 25 فوات تكبيرة الإحرام إذا فاتت المتابعة السؤال متى تفوت تكبيرة الإحرام؟ الجواب تفوت إذا فاتت المتابعة، مثلاً قال: الله أكبر وتأخرت زمناً تنقطع به المتابعة لهذه التكبيرة، وعلى هذا لا نقول: إنه إذا شرع في الفاتحة أنه فاتتك التكبيرة؟ لا. لأن الإنسان مأمور أن يتابع فوراً، إذاً تفوت تكبيرة الإحرام إذا تأخر المتابع زمناً تنقطع به المتابعة. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 26 الدين الذي على المعسر ليس عليه زكاة السؤال رجل استلف من أخيه ثلاثة آلاف ريال منذ ثلاث سنوات، ولا يعتقد أنه سوف يسدد المبلغ؛ لأنه معسر هل عليها زكاة؟ الجواب لا. ليس عليها زكاة ما دام معسراً فإنه ليس عليه زكاة حتى يقبضه، وإذا قبضه زكاه سنة واحدة فقط، ثم إن بقى عنده حتى تدور عليه السنة زكاه للسنة الثانية وهلم جرا، وإن أنفقه قبل أن تأتي السنة الثانية فلا زكاة عليه. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 27 تغيير النية في الوضوء لا يبطل الوضوء السؤال رجل خرج من بيته متطهراً وعندما وصل إلى المسجد أراد أن يغير نيته للوضوء، ومع ذلك دخل المسجد فهل تغيير النية في الوضوء -يا شيخ- يبطل الوضوء هناك؟ الجواب أسألك: رجل صلى الظهر ولما سلم قال: أشهدكم أني أبطلت صلاتي تبطل أو لا تبطل؟ ما تبطل. كذلك الوضوء إذا انتهى الإنسان من العبادة فإنه لا يمكن أن يبطلها؛ لأنه لا يبطل العبادات إلا الردة والعياذ بالله إذا مات على ردته، خذ هذه قاعدة: في أثناء العبادة تبطل العبادة إذا نوى الخروج منها إلا الحج والعمرة، فإن نوى الإنسان الخروج منهما فإنه يبقى على إحرامه حتى يتمه. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 28 جواز إقامة مصلى في مركز صحي مع قرب المسجد منه السؤال أنا أعمل في مركز صحي ونصلي داخل المركز على العلم أن المسجد قريب منا، فهل علينا إثم في ذلك؟ الجواب والله! بقاءكم في المركز أحسن؛ لأنه ربما يأتي إنسان على وجه المفاجئة فلا يجد أحداً فلا حرج عليكم أن تصلوا في مكانكم خصوصاً وأن بعض العلماء كالمشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الصلاة في المسجد أفضل وليست واجبة، ولكني أرى أنها واجبة في المسجد إلا أن هؤلاء الذين أشغالهم تأتي مفاجئة كالأطباء والممرضين، وكذلك الدفاع المدني وما أشبه ذلك إذا صلوا في مكانهم لا حرج عليهم. السائل: يا شيخ! أنا مدير المركز لو صليت خارجاً ما علي إثم؟ الشيخ: أنت لو خرجت مشكلة؛ لأنهم ربما يخرجون ولا يرجعون. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 29 أشهر الحج السؤال ما هي أشهر الحج؟ الجواب أشهر الحج -بارك الله فيك- كما قال الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وأشهر جمع شهر؟ والجمع أقله ثلاثة، والثلاثة: شوال، وذو القعدة، وهناك من يقول: عشرة ذي الحجة. ولذلك نرى أنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة إلى آخر الشهر فلا بأس لكن لا يخرج شهر ذي الحجة إلا وقد أدى الطواف والسعي. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 30 حكم أكل البصل للمسافرين السؤال إذا اتفق أشخاص مسافرون على أكل البصل هل يجوز؟ الجواب نعم. لا بأس، لكن بعض العلماء يقول: إنهم إذا أكلوا بصلاً لا يصلون جماعة؛ لأنه يكره لآكل البصل أن يحضر الجماعة وهذا فيه نظر، والصحيح أنهم يأكلون البصل ويصلون الجماعة لكن لا يأتون للمساجد لئلا تتأذى الملائكة من ذلك. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 31 من أدعية الاستفتاح السؤال كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو بدعاء قبل دعاء الاستفتاح فما هو الدليل؟ الجواب حديث أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنية فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ماذا تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) هذا نوع من أدعية الاستفتاح. النوع الثاني: {سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك} . وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء وإلى لقاء قادم ألحقنا الله وإياكم خيراً وجعلنا ممن يصومون ويقومون رمضان إيماناً واحتساباً. الجزء: 148 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [149] إن الله عز وجل لم يجعل لعمل المؤمن انقطاعاً إلا الموت، لهذا جعل الله مواسم للخير لتكون تنشيطاً على العمل الصالح والإقبال إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، ويجب ألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم؛ لأن الله لم يجعل الأعمال الصالحة مقيدة بهذه المواسم، فمثلاً: الصيام يكون في رمضان فريضة وفي غير رمضان نفلاً وغيرها من العبادات. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 1 أعمال صالحة لا تنتهي بالمواسم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والأربعون بعد المائة من لقاءات (الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر شوال عام 1417هـ. نسأل الله أن يجعل هذه اللقاءات مباركة لنا ولإخواننا المسلمين. بمناسبة انتهاء شهر الصيام والفراغ النفسي الذي يعتري كل إنسان كان مجتهداً في شهر رمضان أود أن أذكر الإخوان بأن عمل المؤمن لا يتقيد بالمواسم -أي: بمواسم الخيرات- كشهر رمضان وعشر ذي الحجة وما أشبهها، بل هو باقٍ مستمر إلى أن يموت الإنسان، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ، ولقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ، فلم يجعل الله تعالى لعمل المؤمن أمداً إلا الموت، ولهذا يجب علينا أن نجعل هذه المواسم تنشيطاً لنا على العمل الصالح والإقبال على الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة المقربة إليه، وألا تفتر هممنا عن فعل الطاعات بانتهاء هذه المواسم. وأنا أذكر لكم نماذج تدل على أن أعمال المسلم لا تنتهي بالمواسم. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 2 الصيام الصيام -مثلاً- لا ينتهي بانتهاء رمضان الصيام مشروع كل وقت، وأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهناك ألوان أخرى من الصيام، منها: صيام الستة الأيام من شوال، فإن (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) فإذا صام الإنسان رمضان كله أداءً أو أداءً وقضاء إن كان عليه قضاء ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله) وثبت عنه أنه قال: (صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) وقال في صيام عاشوراء وهو العاشر من شهر محرم: (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) وأمر بصيام يوم قبله أو يوم بعده. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم) . الجزء: 149 ¦ الصفحة: 3 القيام كذلك القيام لم ينته بانتهاء رمضان، القيام مشروع كل ليلة، فقد قال الله عز وجل في وصف أهل الجنة: {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17-18] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل:20] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له وذلك كل ليلة) . إذاً: فقيام الليل لم ينته بانتهاء قيام رمضان، بل هو مستمر دائم في كل ليلة، فينبغي للإنسان أن يجعل لنفسه حضاً من آخر الليل يقوم فيه ولو نصف ساعة حسب ما يتيسر له، وإذا قام الليل فليستمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) ثم إنه لا يحقر شيئاً من العمل الصالح، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) وليختم صلاة الليل بالوتر، فإن كان يرجو آخر الليل فليوتر آخره، وإن كان لا يرجو فليوتر أوله قبل أن ينام. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 4 النفقات والصدقات النفقات والصدقات لا تزال أيضاً مشروعة لم تنته بانتهاء رمضان، فإن من الصدقات أن ينفق الإنسان على أهله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك) أي: في فمها. فالصدقات والنفقات لم تزل مشروعة في كل وقت، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه ما من مسلم يتصدق بما يعادل تمرة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذه الله تعالى بيمينه فيربيها له كما يربي أحدنا فلوه -أي: صغار خيله- حتى تكون مثل الجبل) وأخبر: (أن سبعة يظلهم الله في ظله -ومنهم:- رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) . الجزء: 149 ¦ الصفحة: 5 العمرة كذلك العمرة في رمضان وفي غيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) فلا تختص برمضان بل هي في أشهر الحج أفضل منها في رمضان عند كثير من العلماء، واحتجوا لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعتمر في رمضان قط وإنما كانت عمره في أشهر الحج، فعمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة، وعمرته مع حجه كذلك -أيضاً- في ذي الحجة وإحرامها في آخر ذي القعدة. فالحاصل بارك الله فيكم أن الأعمال الصالحة لا تنقضي بانتهاء المواسم، بل المواسم ما هي إلا بيان لفضل الله عز وجل ورحمته لعباده وتنشيطه للإنسان بعودته إلى الله عز وجل وقيامه بطاعته، وينبغي أن يتخذ من ذلك قوةً ونشاطاً على العمل في المستقبل. أسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من عباده الصالحين الموفقين لكل خير إنه على كل شيء قدير. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 149 ¦ الصفحة: 7 توجيه لقادة وأفراد الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة السؤال الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، سماحة الوالد الكريم الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستأذنكم فنحمد الله تعالى إليكم على نعمه وندعوه تعالى بدوام العافية وقوة العزيمة وأن يزيدكم الله عز وجل من فضله وهداه ويبارك في عمركم وينفع العباد والبلاد بجهودكم وجهادكم، يا شيخنا الجليل! نحمد الله تعالى بأن أعاننا بتوفيقه ورعايته لشد الرحال إليكم من البلد الشقيق الأردن وبلغنا مجلسكم ومنزلكم في هذه البلدة الطيبة، حاملين لكم كما حملناها لنخبة من مشايخنا الأفاضل في هذه المملكة الطيبة عبر شهر رمضان مروراً بـ المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ثم جدة والرياض أمانة نحمد الله تعالى أن وفقنا بفضله لتبليغها لهم، ثم الحمد له سبحانه أن أعاننا على حط الرحال في منزلكم هذا وفي وقت انعقاد مجلسكم العلمي الأسبوعي المعهود في يوم الخميس، ولقد قدر الله تعالى أن يوافق وقت وصولي إليكم بتسليمكم هذه الأمانة التي أحملها بين يدي الآن موعد انعقاد مجلسكم هذا مع أبنائكم الطلبة، وأرجو وألح في الرجاء يشاركني في ذلك إخوانكم وأبناؤكم في الأردن يا والدنا الفاضل وأبناءه الحضور! أيها الإخوة الأحبة! زادنا الله وإياكم حرصاً على الخير وزودنا جميعاً البر والتقوى إني لأرجو أن استأذنكم وهو رجاء إخوانكم في الأردن الذي حملوني هذه الأمانة أن أقرأها على مسامعكم وهي سؤالان أطرحهما على فضيلة الوالد الكريم. يا سماحة الوالد! لقد وفق الله تعالى صهر فضيلة والدنا الشيخ الألباني الأستاذ نظام سلام سكجها وهو صاحب المكتبة الإسلامية حيث وجه هذه الدعوة وهذه المذكرة إلى خمسة وخمسين عالماً من علماء المسلمين في الأردن وخارج الأردن وقد خص هذه المملكة بنخبة طيبة من مشايخنا أن يخصوهم كذلك بهذه المذكرة، وأنتم ولله الحمد بعد أن لاقينا في المدينة وفي جدة وفي الرياض نخبة وعلى رأسهم سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز الذين رحبوا وقدموا بعض توجيهاتهم حيث بعون الله سيتم طبع الكتاب بعنوان: نصائح وتوجيهات علماء المسلمين للجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم، وهو كتاب نرجو الله تعالى أن يتوج بكلمة ونصيحة وتوجيه منكم وقد أجاب علماؤنا في الرياض على هذه الأسئلة وهذا هو السؤال الأول: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ، وقال عز وجل: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] ، وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، يا سماحة الوالد! على ضوء هذا الهدي الرباني الجليل وذلك التوجيه النبوي الشريف، وبحكم تجربتكم ومسيرتكم الطويلة في ميدان الدعوة والميدان الإسلامي: هل لنا أن نحظى بتوجيهاتكم واقتراحاتكم كما تفضل إخوانكم علماء المملكة إلى قادة وأفراد الجماعات والأحزاب الإسلامية العاملة في الوطن الإسلامي الكبير، وذلك من أجل ولو ببداية خطوة أولى تبدأ بها على الدرب والمسيرة نحو لم الصدع واجتماع الكلمة وتوحيد الجهود فيما بينها أملاً في العمل الجاد المنظم للغاية الواحدة المرجوة وهي: رضوان الله تعالى ونصرة دينه وإعلاء كلمته، وللوقوف صفاً واحداً أمام المتربصين لهذه الأمة -أمة التوحيد- وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. الجواب أما السؤال الأول: فهو الجماعات المتفرقة المتحزبة التي طفحت على سطح الماء في هذه الآونة الأخيرة، بينما كان الشباب قبل سنوات اتجاههم سليم لا يعتقد أحدهم أن الآخر مضاد لله، أو أنه في جانب وهو في جانب، لكن بدأت في الآونة الأخيرة ما نزغ الشيطان بين شبابنا من التحزب والتحمس لطائفة معينة أو لشخص معين، حتى صار الولاء والبراء موقوفاً على من يحب هذا الشخص أو لا يحبه، ولا شك أن هذه وصمة عظيمة ومرض فتاك يذيب الأمة ويمزق شملها ويفرق شبابها، فنصيحتي لأبنائي الشباب وإخواني: أن يدعوا هذا التحزب وأن يدعوا تصنيف الناس وألا يهتموا بالشخص المعين، ويجعلوا الولاء والبراء موقوفاً على الموالاة أو البراءة منه، وأن يأخذوا بالحق أينما كان ويدعوا الباطل أينما كان، ومن أخطأ من العلماء فخطؤه على نفسه، ومن أصاب فإصابته لنفسه ولغيره. ولا يجوز إطلاقاً أن نعتقد أن أحداً معصوماً من الخطأ في دين الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا نمتحن الناس الآن ونقول: ما تقول في كذا؟ ما تقول في الرجل الفلاني؟ ما تقول في الطائفة الفلانية؟ أكان الرسول عليه الصلاة والسلام يمتحن الناس بهذا؟ أم كان الصحابة يمتحنون الناس بهذا؟ إن هذا من شأن الشعب الضالة التي تريد أن تفرق الناس حتى لا يكون جبلاً راسياً أمام التحديات التي نسمعها كل يوم ونشاهدها في الصحف والمجلات ممن يحاربون هذا الدين وأهل الدين. إذا تفرق الشباب الذي يقول: إنه يعتني بالإسلام ويغار للإسلام، إذا تفرقوا فمن الذي يجادل عن الإسلام ومن الذي يحاج هؤلاء المبطلين؟ أقول: أيها الشباب! ألم تعلموا أن هذا التفرق قرة عين الملحدين من العلمانيين وغيرهم؛ لأنهم يقولون: كفينا بغيرنا، لو أن أحداً من هؤلاء الملحدين، بل لو أن أمة من هؤلاء الملحدين أرادوا أن يفرقوا شباب الإسلام هذا التفريق وهذا التمزيق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً لو خلصت النية وصلح العمل، أما الآن فالشباب في وضع يؤسف له، لهذا أنا أناشدهم الله عز وجل أن يكفوا عن هذا التحزب، وأن يكونوا أمة واحدة، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] وألا يهتم الإنسان بالتحزب لفلان أو لفلان، أو للطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية فلينظر طريقه وليشق طريقه إلى الله، وهذه التحزبات وهذه المجادلات لا شك أنها تصد الإنسان عن دين الله، لو فتشت عن قلوب هؤلاء الذين يغالون في بعض الأشخاص، ويعتقدون فيهم العصمة، وإذا وقع الخطأ منهم قالوا: لعلهم رجعوا عن هذا الخطأ؛ لأن الأخطاء التي تقع من بعض الناس إن كانت تحتمل التأويل أولوها على المعنى الصحيح، وإن كانت لا تحتمل قالوا: رجع عنه، وهذا غلط، ما عليهم من هذا الرجل الذي أخطأ خطؤه على نفسه، والله هو الذي يحاسبه. على الإنسان أن ينظر طريقه إلى الله عز وجل كيف يعبد الله؟ وكيف يصل إلى دار كرامته؟ وليس له شأن في الناس. هذا باعتبار السؤال الأول. أرى أنه يجب أن يتحد الهدف ويتحد العمل وألا يكون همنا التعصب لحزب أو طائفة أو شخص، ليكن همنا الوصول إلى شريعة الله عز وجل وأن نتحد عليها ونتفق عليها. هذه واحدة. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 8 معالم ومميزات العلماء ودورهم في نشر العلم والدعوة أما السؤال الثاني: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبيا) رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح. لا يخفى على سماحتكم ما للعلم وأهل العلم من المنزلة والدرجات عند الله تعالى ثم عند الناس وقد بين سبحانه أن العلم بمثابة مفتاح للإيمان به تعالى والسبيل القويم إلى معرفته وتوحيده وعبادته لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] ، على ضوء ما تقدم نرجو من سماحتكم في هذا السؤال الثاني وقد من الله عليكم من نعمة العلم والبصيرة ولا نزكي أحداً على الله، نرجو منكم بياناً يوضح لنا المعالم والأمارات التي بها يتميز هذا الصنف من العلماء نعني: العلماء العاملين الذين عناهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بهذا الوصف الجليل (بأنهم ورثة الأنبياء) والذين يصلحون أن يكونوا الأسوة الحسنة في حياة الناس؟ الجواب أما بالنسبة للعلماء وهو السؤال الثاني، فالعلماء لا شك أن عليهم دوراً كبيراً في نشر العلم وفي الدعوة إلى الله وفي العمل المبني على شريعة الله؛ لأن العلماء هم قادة الشعوب في الحقيقة، والشعوب التي تنقاد للعلماء هي الشعوب الراضية المطمئنة، أما الشعوب التي لا تخضع إلا للسلطة فهذه لا شك أنها سوف تمارس المخالفات في الخفاء؛ لأن السلطة مهما بلغت في مخابراتها ومباحثها فلن تستطيع أن تستولي على العقول، لكن القيادة الدينية هي التي تستولي على العقول، وإذا استولت على العقول صلحت الجوارح. فالعلماء عليهم دور عظيم أولاً في طلب العلم من منابعه الصحيحة وهي: الكتاب والسنة وعمل الصحابة والسلف الصالح، لا من رأي فلان وفلان من المتأخرين أو المتحمسين حماساً أهوج. ثانياً: عليهم أن يكونوا أول عامل بعلمه بقدر المستطاع؛ لأنهم إذا علموا بالحق ولم يعملوا به كان علمهم حجة عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) وليس من العقل ولا من الشرع أن يعلم الإنسان بالشيء أنه حرام فيفعله أو أنه واجب فيتركه، فعليهم بعد طلب العلم من مظانه ومنابعه عليهم أن يعملوا به. الثالث: أن ينشروه بين الناس بقدر المستطاع سواء في حِلق الدراسة أو في فصول الدراسة أو في المساجد على عامة الناس أو في الصحف أو في الإذاعة، المهم جميع وسائل نقل العلم يجب على العالم أن يسلكها بقدر استطاعته؛ لأن الله أخذ على الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس ولا يكتموه. الرابع: أن يدعو إلى الله على بصيرة، والدعوة إلى الله على بصيرة تكون من وجهين: الوجه الأول: بصيرة في الشريعة بألا يدعو الله على جهل؛ لأن من دعا عباد الله إلى شريعة الله وهو يجهلها فإنه يفسد أكثر مما يصلح، لابد أن يكون لديه بصيرة في شريعة الله حتى يدعو إليها، على بصيرة في كيفية الدعوة؛ وذلك بسلوك الحكمة؛ لأن المقصود الوصول إلى الحق لا الانتقام ولا الانتصار للنفس. وكثير من الإخوة الدعاة الغيورين تجده لا يستعمل الحكمة في الدعوة بل تحمله الغيرة على العنف وكأنه يريد أن ينتقم من هذا المخالف سواء كان مخالفته جهلاً أو عناداً أو يريد الانتصار لنفسه ولقوله، وهذا غلط؛ لأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] لا إلى هواي ورأيي وقولي، اجعل همك أن تدعو إلى الله عز وجل وإلى سبيل الله، وحينئذٍِ لابد أن تكون على بصيرة في كيفية الدعوة إلى الله. ثم إني أقول لكم: الداعي إلى الله أليس يريد أن يصلح المدعو؟ إذا كان كذلك فلابد أن يسلك السبيل التي تكون وسيلة إلى إصلاحه، ومن المعلوم أنك لو رأيت مخالفاً وانتهرته وغضبت عليه أن هذا لا يزيده إلا نفوراً منك ومما تدعو إليه، ولكن لو أتيته بالتي هي أحسن بأسلوب سهل لين يسير أدركت مطلوبك، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأنه لابد أن يصيبك شيء ولو بالضغط النفسي، قد لا يصيبك قول يجرحك أو فعل يؤلمك لكن الضغط النفسي اصبر عليه، قد ترى أنك لا تستطيع أن تصبر؛ لأنك ترى هذا الرجل على محرم فتعجز عن الصبر وتعنف وتغضب، لكن هذا ليس من طريق الحكمة، اصبر نفسك واضغط عليها والغرض إصلاح المدعو، وقد جربنا هذا وجربه غيرنا أن من دعا بعنف وغيرة زائدة لم يحصل على المقصود، ومن دعا باللين واللطف والتيسير حصل مقصوده. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 9 كيفية معاملة العلماء للطلبة وعامة الناس والعكس وهناك السؤال الثالث: إذا سمحتم وإذا سمح الإخوان الأسئلة الثلاثة التي طرحناها على المشايخ وأجابوا عنها وتختارون أي سؤال، ونرجو أن يكون لكم الوقت للإجابة على ذلك. السؤال الثالث والأخير: يا سماحة الوالد! عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا، وفي رواية: ويوقر كبيرنا) وكما جاء عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: [أنزلوا الناس منازلهم] ولا شك أن العلماء كما أشرنا في السؤال السابق هم أجدر الناس بالتقدير والتفضيل والاحترام؛ وذلك لشرف العلم الذي يحملونه للخلق، ومن هذا المنطلق نرجو من سماحتكم تقديم نصائحكم وإرشاداتكم لأبنائكم الشباب الناشئ من طلبة العلم وخاصة للمتحمسين منهم للدين والدعوة على ما فيهم من غيرة وحرص على العلم والفقه، فكيف يرى سماحتكم السبيل القويم والمعالجة الناجعة التي يمكن وصفها لهذا الصنف من الشباب المتحمس لتظل موافقه مع علماء الأمة وأهل الاجتهاد مواقف التوقير والاحترام لا مواقف التجريح والاتهام، وكذلك نرجو منكم بيان واجب الطرف الآخر؛ أعني: آباءنا العلماء ورجال الدعوة الكبار إزاء أبنائهم من هذا الشباب، وذلك حتى تتم الموازنة الواردة في الحديث الشريف الآنف الذكر بين رحمة الكبير للصغير مع توقير الصغير للكبير. انتهى نص الأسئلة ونرجو توجيهاتكم، وهذا تفويض من الإخوة في الأردن؟ الجواب أما السؤال الثالث وهو: معاملة العلماء للشباب أو لعامة الناس، فيجب أن تكون المعاملة باللطف واللين والتواضع، وأن يضع الإنسان نفسه أمام الحق ويتواضع لله عز وجل، وكذلك لا يحتقر الخلق، لا يقول: هذا شاب صغير وأنا شيخ كبير، لا ألتفت إليه ولا أنظر إليه ولا أصغي لهذا، هذا غلط كبير، كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرفع الخلق شأناً عند الله كان يمازح الصغير، ويسلم على الصغار، ويحمل الصغار وهو يصلي عليه الصلاة والسلام. فالتواضع لا شك أن له تأثيراً بالغاً في جذب الناس إلى الإسلام. ويجب على الشباب -أيضاً- أن يعاملوا من يكبرهم في العلم والسن والقدر أن يعاملوه بما يستحق لا أن يخاطبوه مخاطبة الند للند، بل يخاطبونه بالاحترام والتوقير والتبجيل، حتى يحصل الوئام بين الشباب والكبار، أما مع التفرق فلا شك أنه ضرر عظيم أن يكون الشباب في جانب وأهل العلم والعقل في جانب آخر. هذا ما يتعلق بهذه الأسئلة. ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون قد أوفينا بعض الشيء. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 10 من دعي إلى وليمة وهو صائم السؤال امرأة صامت يوم الإثنين والخميس تطوعاً، فذهبت إلى وليمة فلما حضرت قالت: لعلي أفطر معهم، هذا في التطوع وكذلك في القضاء، فما الحكم؟ الجواب أما القضاء فلا يجوز للإنسان أن يفطر إذا دعي إلى وليمة فليحضر، ويحضر المائدة ولا يأكل، وأما التطوع فينظر إذا كان في إفطاره وأكله جبر لقلب الداعي فليفطر، وإذا كان الداعي لا يبالي فالأفضل ألا يفطر وإن أفطر فلا بأس. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 11 قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية السؤال امرأة عليها قضاء شهر رمضان أفطرت ستة أيام، فهل يجب التتابع أم تصوم يوماً وتفطر يوماً؟ الشيخ: قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع ولا الفورية، ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لا تقضي ما عليها من رمضان إلا في شعبان، لكن الأفضل أن يبادر ويتابع؛ لأن ذلك أسرع في إبراء ذمته، ولأجل أن يدرك صيام ستة أيام من شوال. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 12 حكم من ترك قضاء صيام رمضان جهلا ً السؤال فضيلة الشيخ! امرأة ولدت في رمضان فلم تصمه منذ عشرين عاماً جهلاً منها؟ الجواب يجب عليها أن تصوم الآن وليس عليها سوى الصيام، هذه المرأة النفساء التي لم تصم كل الشهر جهلاً منها نقول: ليس عليها إثم، لكن الآن تطالب بالصوم وليس عليها كفارة. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 13 أدلة عدم وجوب تحية المسجد السؤال ذكرتم -حفظكم الله- أنكم كنتم ترون وجوب تحية المسجد، ثم رجعتم عن ذلك، فما هي الأدلة الصارفة للوجوب؟ الجواب الأدلة الصارفة للوجوب: أن الخطيب يوم الجمعة يأتي ويحضر ولا يصلي تحية المسجد، هذه واحدة. وكذلك أيضاً: ظاهر حديث الثلاثة الذين أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في حلقة أحدهم جلس، والثاني صار خلفهم، والثالث أدبر، فإنها لا تجب. وكذلك: قصة كعب بن مالك لما دخل المسجد بعد توبة الله عليه ليس فيه أنه صلى تحية المسجد. على أنه يحتمل أن هؤلاء الثلاثة وكعب بن مالك لم يكونوا على وضوء، ولكن قضية الخطيب واضحة، هذا الذي جعلني أتراجع عن الإيجاب؛ لأن الإيجاب ليس معناه ألا نأمر الإنسان بصلاة الركعتين، لكن معناه ألا نؤثمه إذا ترك، فنحن نأمره بإلحاح ألا يجلس حتى يصلي ركعتين سواء في وقت النهي أو غير وقت النهي، لكن كوننا نؤثمه إذا لم يفعل، هذا يحتاج إلى دليل تطمئن إليه النفس. السائل: هل يكون -خاصاً بالخطيب- هذا الاستدلال؟ الشيخ: لا يمكن، الأصل عدم الخصوصية، بل يدل على أنها مؤكدة لكنها لا تجب فالمهم أن التأثيم بالترك يحتاج إلى دليل. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 14 المسلم ليس مكلفاً بمسائل الغيب السؤال جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لكل إنسان قرينان) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فأين هذان القرينان في رمضان، وأين هما إذا دخلا الحرم؟ الجواب هذه -يا أخي- من مسائل الغيب، ومسائل الغيب ما لنا فيها أكثر مما سمعنا، فإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من أمور الغيب أخذنا به ولا نقول: كيف يكون كذلك؟ أو لم كان كذلك؟ هذه مسائل من مسائل الغيب. وأنا أنصحكم وأنصح من يسمع كلامي هذا: ألا يتعرض لمسائل الغيب بـ (كيف) ولا (لِمَ) ، بل يقول: آمنا بالله وصدقنا بما قال، والحمد لله نحن لسنا مكلفين. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 15 الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات السؤال امرأة أرضعت طفلاً قبل فترة تقرب من ثلاثين أو أربعين سنة في الليل ولا يدرى كم عدد الرضعات، وبعد الصباح أرضعته مرة أخرى، فما الحكم؟ الجواب إننا سنعطيك قاعدة مبنية على أن: (الرضاع لا يحرم إلا إذا كان خمس رضعات معلومات) كما جاء في حديث عائشة: (نسخن بخمس رضعات معلومات) يحرمن، فإذا شكت المرضعة هل أرضعت هذا الطفل أو لا، فلا عبرة بالرضاع، وهل شكت هل أرضعته خمساً أو أقل فلا عبرة في ذلك، لكن لو شكت أرضعته خمساً أو ستاً ما تقول؟ أسألك. السائل: تأخذ بالخمس. الشيخ: ويكون الرضاع محرماً، لكن لو شكت أرضعته أربعاً أو خمساً؟ السائل: لا تأخذ الأقل. الشيخ: أحسنت. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 16 حكم فرقعة الأصابع بعد الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! فرقعة الأصابع بعد الصلاة، ما الحكم فيها؟ الجواب فرقعة الأصابع لا بأس به، إذا انتهت الصلاة يبقى العمل الذي ليس من أعمال الصلاة فهذا ما هو عليه على الأصل، ولهذا لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وسلم من ركعتين شبك بين أصابعه، مع أن تشبيك الأصابع في الصلاة وحال انتظار الصلاة غير مستحب بل هو مكروه. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 17 كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا السؤال إنه يسوْؤُنا كثيراً ما نشاهده من بيوت الربا، فهل لو قام الإنسان وقام شخص بتوزيع أشرطة تحذر من الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنك، هل هذه لائقة؟ الجواب لا شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب أمر مطلوب، ولكن يبقى النظر: هل لا يكون في هذا عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لأمر يكون ضرراً عليه وعلى غيره، فأنت إذا تمكنت من أن تنصح العمال في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 18 حكم صيام شخص نوى الصيام من الظهر ولم يتناول مفطراً من الفجر السؤال فيما يتعلق في صيام الست من شوال، شخص لم يتناول شيئاً من المفطرات حتى الظهر -مثلاً- ولم ينو الصيام إلا بعد الظهر، فهل هذا يعتبر جائزاً ويعتبر صومه صحيحاً يا شيخ؟! الشيخ: ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) ، وماذا قال؟ (إنما الأعمال بالنيات) حسناً، طبق الآن هذين الحديثين على رجل نوى الصيام عند الظهر وهو لم يفعل مفطراً من قبل، ونوى أن يكون هذا أول يوم من الست يصوم بعده كم يوماً؟ السائل: خمسة أيام. الشيخ: كم صام في الحقيقة بناءً على الحديثين؟ السائل: خمسة أيام ونصف يوم. الشيخ: هل يصدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال؟ السائل: لا. الشيخ: انتهى الجواب. إذاً: هذا اليوم الذي نوى صيامه يكون نفلاً مطلقاً يؤجر عليه الإنسان إن شاء من حين نوى، ويصوم بعده ستة أيام. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 19 حكم امرأة نفست في شهر رمضان كاملاً وتريد أن تصوم الست من شوال السؤال امرأة نفساء نفست في شهر رمضان كاملاً، فتريد أن تصوم الست من شوال، فإذا قضت في شوال رمضان فهل لها أن تقضي الست الأيام من شوال في شعبان؟ الجواب إي نعم. إذا قضت ما عليها من رمضان فلتواصل، ولو لم تصم إلا في ذي القعدة. السائل: تقضي الست يا شيخ؟! الشيخ: إي نعم؛ الست من شوال لكن تعذر صيام الست من شوال؛ لأنها ما صامت رمضان. السائل: تقضيه في غير شهر شوال. الشيخ: إي نعم؛ في غير شوال، أليست ذي القعدة من شوال؟!! السائل: لا ليست من شوال. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 20 حكم الطواف في سطح الحرم السؤال رجل طاف في سطح الحرم وفي أثناء الطواف نزل في المسعى ولم يكن ذلك عن شدة زحام، كان هناك زحام ولكن كان يطيقه، ولكنه نزل وطاف في المسعى عدة أشواط، فما حكم طوافه هذا وهو طواف الوداع في الحج؟ الجواب حكم طوافه هذا أنه لم يصح؛ لأنه طاف خارج المسجد، وإذا طاف خارج المسجد لم يصدق عليه أنه طاف بالبيت، والله عز وجل يقول: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج:29] ، إذا طاف خارج المسجد صار طاف بماذا؟ بالمسجد لا بالبيت؛ لأنه حال بينه وبين البيت جدار المسجد. فعلى هذا يكون طوافه غير صحيح، وإذا كان طواف الوداع فقد ترك واجباً، والمشهور عند العلماء: أن من ترك واجباً فعليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 21 كيفية التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد السؤال كيف التفريق بين الجنس والنوع والعين والعدد؟ وكيف يجتمع الحرمة والوجوب في العدد؟ وكيف نفرق بين النوع والعدد؟ الجواب الجنس، مثلاً: كلمة صلاة جنس تشمل الفرض والنفل، الفرض نوع من الصلاة، الظهر عين فرض، يعني: عيناه، مثلاً نقول: الحب جنس يشمل كل الحبوب من ذرة بر أو شعير أو عدس أو أي شيء، القمح نوع من هذا الجنس، الحنطة نوع أخص، وهكذا، يعني: الشيء العام الذي يدخل تحته أنواع هذا نسميه جنساً، والنوع الذي يدخل تحته أفراداً نسميه نوعاً، والفرق واضح تشخصه بعينه. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 22 تعدد أجر صلاة الجنازة على عدد الجنائز السؤال في الحرم تتعدد الجنائز فهل يتعدد الأجر الذي أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ الجواب إذا تعددت الجنائز في صلاة واحدة هل يأخذ الإنسان أجر عدد هذه الجنائز؟ الظاهر: نعم. لأنه يصدق عليه أنه صلى على جنازتين أو ثلاث أو أربع فيأخذ الأجر، لكن كيف ينوي؟ ينوي الصلاة على واحدة أو على الجميع؟ ينوي الصلاة على الجميع، وإذا كان معه أطفال فالطفل له دعاء خاص إذا انتهى من الدعاء للكبار دعا للأطفال، وإذا كان رجل وامرأة دعا لهما بصيغة التثنية فيقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا رجلين يقول: اللهم اغفر لهما، وكذلك إذا كانا انثيين يقول: اللهم اغفر لهما، أما إذا كانوا جماعة نساء يقول: اللهم اغفر لهن، جماعة ذكور يقول: اللهم اغفر لهم، ذكور وإناث يقول: اللهم اغفر لهم، فيفصل ضمير الذكور على ضمير الإناث. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 23 حكم من أغمي عليه عدة أيام في رمضان السؤال رجل أغمي عليه في شهر رمضان لمدة عشرة أيام، هل يقضي هذه الأيام؟ الجواب إذا أغمي على الإنسان في شهر رمضان فإنه يقضي الأيام التي أغمي عليه فيها؛ لأنه لم يحصل منه نية، لكن إذا أغمي عليه في أثناء النهار صح صومه. السائل: إذا أغمي عليه الشهر كله؟ الشيخ: يلزمه قضاء الشهر كله؛ لأن هذا ليس مجنوناً، الجنون لو جن الإنسان في شهر رمضان فإنه لا يلزمه القضاء؛ لأن المجنون ليس عليه صوم بخلاف المغمى عليه. عندنا الآن: جنون، وإغماء، ونوم. لو نام الإنسان في رمضان ثلاثة أيام ما استيقظ فصومه صحيح، ولا يلزمه القضاء. ولو أغمي عليه لزمه القضاء. ولو جن لم يلزمه القضاء. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 24 المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع السؤال مر بنا في درس الحرم في حديث ابن عمر: (مره فليراجعها) في الطلاق في الحيض، والخلاف بين شيخ الإسلام والجمهور، وقلتم: إن كلام شيخ الإسلام أقعد والجمهور يعني أحوط وأسد للذريعة، لكن الذي أشكل عليَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها) كلمة المراجعة ألا تكون بعد الطلاق؟ الجواب لا. المراجعة قد تكون بمعنى الرجوع كما في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة:230] ومعلوم أن رجوعها للزوج الأول بعد الزوجة الثانية ليس مراجعة اصطلاحية بل هي مراجعة لغوية أي: فليرجع إليها، فيكون معنى: فليراجعها: يردها إلى عصمته. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 25 ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب السؤال نريد مثالاً أو أمثلة على القاعدة التي تقول: ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب؟ الجواب مثلاً: الإنسان إذا ملك نصاباً يجب عليه أن يزكي، فهل نقول: يلزمك أن تتجر حتى تملك نصاباً؟ لا يلزمك. إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج، فهل نقول: يجب عليك أن تسعى في ملك زاد وراحلة؟ لا. والأمثلة كثيرة جداً، وهذان مثالان، لكن إذا وجب الشيء فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مثلاً: وجبت عليه الزكاة فيجب عليه أن يرسلها إلى مستحقيها، لا نقول: انتظر حتى يأتيك الفقير، بل نقول: يجب عليك أنت بنفسك أن توصلها إلى الفقير. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 26 حكم من خرج خارج البلد ولا يسمع صوت المؤذن إلا عبر مكبر الصوت السؤال شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ونزلوا في مكان بعيد من البلد لكنهم ما زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك البلد؟ الجواب لا تلزمهم، يعني: إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ولولا وجود مكبر الصوت فلا تلزمهم، وأما إذا كانوا قريبين من البلد بحيث لو كان المؤذنون يؤذنون بغير مكبر لسمعوه فإنه يلزمهم. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 27 الواجب على من ميز حق الفقراء عن أمواله قبل أن يوصله إلى ذويه السؤال رجل عنده مال زكوي ولما حال عليه الحول ميز حق الفقراء عن أمواله، ثم قبل أن يوصله إلى ذويه، ماذا يجب عليه؟ الجواب يجب عليه أن يضمنها؛ لأن هذا الذي عزله لم يملكه الفقراء، ولهذا لو عزل الزكاة لنفرض أن عنده أربعون شاة عزل منها شاة للزكاة ثم بدا له أن يخرج غيرها فلا بأس؛ لأنها ملكه، فإذا تلفت هذه الشاة يجب عليه إخراج الزكاة شاة أخرى. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 28 صيغة الدعاء للطفل في الصلاة عليه السؤال صيغة الدعاء على الطفل وهو في صلاة الميت هل تفرق بينه وبين الطفل غير البالغ، وما هي الصيغة مثلاً؟ الجواب الطفل: المراد به من لم يبلغ. السائل: وما هي الصيغة؟ الشيخ: الصيغة: أن تدعو له ولوالديه تقول مثلاً: (اللهم اجعله فرطاً لوالديه، وذخراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم) هكذا قال الفقهاء وهو دعاء طيب، وإن كان بعضه لم يكن مأثوراً، لكنه دعاء طيب! الجزء: 149 ¦ الصفحة: 29 الصيام في حال الطهر صحيح السؤال امرأة طَهُرت في رمضان وصامت يومين ورجع الدم في رمضان، فما حكم صيام هذين اليومين؟ الجواب هذا الدم الذي رجع هل هو دم الحيض الذي تعرفه؟ السائل: هي نفست من قبل رمضان ولدت قبل رمضان. الشيخ: ولدت وإلا حاضت؟ السائل: لا، بل نفاس. الشيخ: نفاس ثم؟ السائل: ثم صامت رمضان يومين وبعدها رجع الدم مرة ثانية. الشيخ: هل هذا الدم هو دم حيض الذي تعرفه؟ السائل: والله ما أدري. الشيخ: تسأل إذا كان دم الحيض فهي حائض، لكن صوم اليومين في حال الطهر صحيح. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 30 الدَّين لا يمنع من إخراج الزكاة السؤال إنسان لديه محل بيع قطع الغيار -مثلاً- وعليه ديون لهذا المحل وأقساط، هل تجب فيه زكاة عليه؟ الجواب الصحيح أن عليه الزكاة إذا كان الإنسان عنده تجارة وهو مدين بها، فالصواب: أن الزكاة واجبة عليه؛ لأن الدين لا يمنع وجوب الزكاة لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول: من عليه دين فلا زكاة عليه، والتعليل: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً لها، تعليل في مقابلة النص، فيقال: هذا التعليل لا يخصص أدلة وجوب الزكاة، ثم من الذي قال: إن الزكاة مواساة، قد يقول قائل: إن الزكاة عبادة لله عز وجل هذا أهم ما فيها، فالإنسان حين يخرجها وإن كان يريد أن ينفع الفقراء لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو أهم عنده، بل الأهم أنه يتعبد لله تعالى بإخراج ما يحب من الأموال طاعة لله عز وجل، فالقول: بأن الزكاة مواساة وأن المدين ليس أهلاً للمواساة، وأن من عليه دين وعنده مال زكوي لا يزكي، قول ضعيف، الصواب: أن من عليه دين تجب عليه الزكاة لعموم الأدلة، والتعليل بأنها مواساة كما رأيت فيه نظر؛ لأن الزكاة عبادة يخرج الإنسان أحب شيء إليه لمحبة الله عز وجل له، قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] وقال: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ)) يعني: المال {لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] ومع ذلك يخرجه طيبة بها نفسه؛ لأن الله أمره بذلك. السائل: عليه ديون لهذا المحل. الشيخ: لا بأس يخرج الزكاة، والديون يستعين الله عز وجل على قضائها ويسأله قضاءها. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 31 الرد على من يقول: إن ابن عمر وأبا هريرة يجيزان الأخذ من اللحية عن القبضة السؤال كيف نرد على من استدل بفعل ابن عمر وأبي هريرة على الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة؟ الجواب أخذها ابن عمر متى؟ السائل: فيما ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ من لحيته. الشيخ: متى؟ السائل: في الحج. الشيخ: الذين استدلوا بفعل ابن عمر مع الأسف توسعوا وقالوا: خذوا في الحج وغيره، والاستدلال يجب أن يكون مطابقاً للدليل. السائل: وكيف بقية الصحابة؟ الشيخ: من بقيتهم؟ السائل: أبو هريرة. الشيخ: تثبت هذا عنه؟ السائل: ورد في مصنف ابن أبي شيبة. الشيخ: ومصنف ابن أبي شيبة ما أكثر الضعيف فيه. ولنتنزل معك إلى أبعد الحدود، نقول: صح عن ابن عمر أنه يأخذ من لحيته في الحج وغير الحج، وعن أبي هريرة وعن فلان وفلان من الصحابة. فعندنا قول إمامهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعفوا اللحى) وهل قال: ولكم أن تأخذوا ما زاد على القبضة؟ السائل: لا. الشيخ: بماذا تحاجج ربك يوم القيامة؟ والله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] بماذا تقول؟ تقول: والله أنا سمعت من ابن عمر أو غيره من الصحابة فعل هذا، ما تستطيع. فمثل هذه المسائل إذا جاء فيها نص فلا تسأل، ابن عباس رضي الله عنه قال: [توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر] وأين ابن عمر من عمر وأين أبو هريرة من أبي بكر، ومع ذلك أنكر ابن عباس على من يعارض قول الله وقول رسوله بقول هذين الإمامين اللذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر) وقال: (إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا) . خذ هذه قاعدة عندك: لا تعارض قول الرسول بقول أحد ولا بفعل أحد، لكن اعتذر عن ابن عمر وأبي هريرة في مخالفتهما ظاهر النص، اعتذر عنهما بأن هذا اجتهاد، فيعذران فيه كما عذر عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة في منى، وهذه دعها قاعدة عندك: أي إنسان يخالف القرآن أو السنة فاعتذر عنه ولا تحتج بقوله ولا بفعله. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 149 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [150] هذا اللقاء عبارة عن تفسير لبعض آيات سورة الذاريات، ومن هذه الآيات قصة موسى عليه السلام مع فرعون وكيف أن الله أرسله إلى فرعون بالآيات لكي تكون دليلاً على صدقه عليه السلام، ولكن فرعون كما قال تعالى: (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ومن الآيات أيضاً قصة قوم عاد وكيف أن الله أهلكهم بسبب إعراضهم بالرياح العقيم التي ما تذر شيئاً أتت عليه إلا جعلته كالرميم. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للخمسين بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الموافق للعشرين من شهر شوال عام (1417هـ) . الجزء: 150 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين) نبتدئ بما اعتدنا البداءة به من تفسير كلام الله عز وجل، حيث انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:38-39] أي: في موسى آيات من آيات الله عز وجل حين أرسله الله تعالى إلى فرعون، وفرعون علم جنس على كل من حكم مصر وهو كافر، وموسى هو ابن عمران أفضل أنبياء بني إسرائيل وهو في المرتبة الثالثة من الفضل بالنسبة لأولي العزم الخمسة، فإن أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح وعيسى. أرسله الله تعالى بسلطان مبين، أي: بحجة بينة في نفسها مبينة لغيرها، فالآيات التي جاء بها الأنبياء بينات واضحات لكل ذي عدل وإنصاف، وهي -أيضاً- مبينة لصدق ما جاءت به الرسل، ولهذا اعلم أنه كلما جاء في القرآن المبين كلمة (مبين) فهي بمعنى مبين في ذاته مبين لغيره، إلا ما دل السياق على أن المراد البين في ذاته. {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} من الآيات العظيمة التي جاء بها موسى العصا، عصا موسى التي كان يستعملها فيتوكأ عليها عند الحاجة، ويهش بها على غنمه أوراق الشجر عند رعيها، وله فيها حاجات أخرى، كما قال الله لموسى عليه الصلاة والسلام لما سأله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17-18] فهي آية في كونه إذا وضعها على الأرض صارت ثعباناً مبيناً، أي: حية عظيمة تخيف من رآها، ولهذا رهب منها موسى عليه الصلاة والسلام حين ألقاها وولى هارباً، فناداه الله عز وجل: {لا تَخَفْ} [النمل:10] . ومنها: أنه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء في الحال، بيضاء بدون سوء، أي: بدون عيب، ليست بيضاء برص، ولكنها بيضاء مخالفة للون جلده في الحال، حقيقة لا تخييلاً. وقال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:101] المهم أنه أتى إلى فرعون بسلطان مبين وحجة دامغة بالغة لكنه -والعياذ بالله- (تولى بركنه) أي: بقوته وسلطانه وجنده، أعرض عن موسى استكباراً وجحوداً وظلماً وعدواناً، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] . الجزء: 150 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون) قال تعالى: {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:39] يعني: أنه اتهم موسى عليه السلام بأنه ساحر؛ لأنه أتى بآيات تشبه ما يصنعه السحرة، عصا من خشب توضع في الأرض وتكون ثعباناً مبيناً، يد تدخل في الجيب فتخرج بيضاء في الحال، هذا يشبه السحر. (أو مجنون) قال: إنه مجنون؛ وذلك لكونه يدعي أن الله وحده خالق السماوات والأرض، وهو الرب وهو الإله؛ لأنهم كانوا لا يعرفون الإله إلا فرعون، فإذا جاء شخص يقول: هو الله رب العالمين، وأن فرعون ليس إلهاً ولا رباً، فإنهم يرمونه بالجنون، هذا مجنون خرج عما نعلم وخرج عما نعهد. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الذاريات:40] أي: طرحناهم فيه، واليم هو: البحر، والبحر الذي هلك فيه فرعون هو البحر الأحمر الذي بين آسيا وأفريقيا، وذلك أن فرعون جمع جنوده وحشدهم وأراد أن يقضي على موسى وقومه، فخرج موسى وقومه من مصر متجهين إلى الشرق، ولكن حال بينهم وبين مرادهم البحر، فلما وصلوا إلى البحر كان البحر بين أيديهم وفرعون وقومه خلفهم، فقالوا لموسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] أي: هلكنا؛ لأن فرعون خلفنا والبحر أمامنا فكيف النجاة؟ فقال: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وهذه معية خاصة تقتضي النصر والتأييد، وقوله: (سيهدين) ولم يقل: سوف يهدين، قال: سيهدين إشارة إلى قرب هذا الحصر وأنه سيزول قريباً، وهذا هو الذي حصل، أوحى الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق اثنتي عشرة طريقاً في الحال، ويبس في الحال، وصار صالحاً للمشي عليه في الحال، كما قال عز وجل: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} [طه:77] . فعبر موسى وقومه من هذه الطرق العظيمة التي كان الماء بينها كالجبال، ولما انتهوا خارجين كان فرعون في أثرهم وانتهوا داخلين، فأمر الله عز وجل بقدرته وسلطانه البحر أن يعود إلى ما كان عليه، فانطبق على فرعون وقومه فهلكوا عن آخرهم والحمد لله، ولهذا قال: {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات:40] أي: فرعون فعل ما يلام عليه، ولا شك أن رده للرسالة الإلهية وادعاءه أنه الرب وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وما أشبه ذلك من الكلمات التي لا شك أنها كلمات يلام عليها؛ لأنه قد تبين له الحق، ولكنه عاند وأبى أن ينقاد للحق، كما قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ} أي: يا فرعون {مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102] . الجزء: 150 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم) قال تعالى: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] أي: وفي عاد آيات {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات:41] عاد في جنوب الجزيرة العربية، وكانوا قوماً أشداء، حتى إنهم قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] فأصابهم القحط والجدب، فجعلوا يترقبون المطر، فأرسل الله عليهم الريح العظيمة الشديدة. {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] قال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:24] أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم التي ليس فيها ثمرة ولم تحمل ماءً، كالمرأة العقيم التي لا تلد هذه، كذلك ريح عقيمة لا تحمل سحاباً ولا مطراً، هذه الريح العقيم هي الريح الغربية، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (نصرت بالصَبا وأهلكت عاد بالدبور) أي: بالريح الغربية. أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] كل شيء تأتي عليه تجعله كالرميم هامداً، حتى إنها تأخذ الرجل -والعياذ بالله- إلى فوق ثم ترده إلى الأرض، فأصبحوا {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة} [الحاقة:7] . {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] هلكوا عن آخرهم. تأمل الآية! قوم عتاد أقوياء أشداء هلكوا بهذه الريح اللطيفة التي لا ترى لها جسماً وإنما تحس بها بدون أن ترى شيئاً، ومع ذلك قضت عليهم بأمر الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] فهذا فيه آية من آيات الله عز وجل. أرسل الله عليهم هذه الريح فأهلكتهم عن آخرهم، ففيهم آيات. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 150 ¦ الصفحة: 7 حكم منع المستأجر من وضع التلفاز في البيت السؤال بالنسبة لرجل يملك داراً وفيها شقق للإيجار، وبعض المؤجرين يطلب وضع جهاز التلفاز، فهل له أن يمنع هذا المؤجر أن يضع هذا الجهاز أم لا؟ الجواب إذا كان العقد على مدة معينة فإنه لا يستطيع أن يمنعه حتى تنتهي المدة، فإذا انتهت المدة قال له: إما أن ترفعه وإما نلغي عقد الإيجار، وهو في هذه الحال -أي: فيما إذا وضعه المستأجر لمدة الإجارة- ليس عليه إثم؛ لأنه لم يؤجر البيت لأجل هذا. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 8 حكم الطواف في سطح المسجد الحرام السؤال في موسم الحج يطوف الناس في سطح المسجد الحرام وهو يضيق من قبل المسعى إلى ستة أمتار، فيضطر الناس للخروج إلى سطح المسعى، فهل في ذلك مانع؟ وما التعليل وما الدليل؟ الجواب المسعى ليس من المسجد الحرام بل هو خارجه، ولهذا يجوز للمرأة الحائض أن تنتظر أهلها في المسعى، لكنها لا تدخل المسجد، ولا يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يخرج إلى المسعى؛ لأن المسعى خارج المسجد، فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز الطواف في سطح المسعى؛ لأنه خارج المسجد، لكن لو حصل ضرورة كالزحام الشديد الذي لا يتمكن الإنسان معه من أن يستمر في سعيه وطوافه فأرجو ألا يكون به بأس؛ لأن جهة المسعى في السطح ضيقة، فقد يأتي الناس -مثلاً- وهم قد ملئوا ما قبلها، فإذا جاءوا منها ضاقت عليهم، فيضطر الإنسان إلى أن ينزل إلى سطح المسعى، أقول: في هذا ضرورة أرجو ألا يكون فيه بأس. أما الدليل على أنه لا يجوز الطواف في المسعى أو خارج المسجد الحرام فإن الله تعالى قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] وإذا طاف الإنسان من وراء المسجد فقد طاف بالمسجد لا بالبيت، فلا يصح طوافه. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 9 جواز إمامة المسافر للمصلين المقيمين إذا كان أقرأهم وليس فيهم إمام راتب السؤال إذا كان هناك مقيمون ومسافر فهل يتقدم المسافر ويصلي بهم؛ لأنه أولاهم بالإمامة؟ وإذا صلى بهم فهل يقصر الصلاة، مع العلم بأنه قد يحصل تشويش عليهم؛ لأن أكثرهم عامة أو طلاب مدرسة مثلاً؟ الجواب إذا كان أقرأهم وليس فيهم إمام راتب فهو أولى بالإمامة، ويصلي ركعتين ويسلم، ويخبرهم من قبل بأنه سوف يصلي ركعتين؛ لأنه مسافر، وكونه يشوش عليهم إنما يقع هذا التشويش من الجهل بالسنة، ولو كانت هذه السنة معروفة معلومة للناس ما حصل التشويش، فكونه يصلي ركعتين ويسلم ويخبرهم من قبل أنه مسافر وأنه سيصلي ركعتين هذا فيه نشر للسنة. السائل: طلاب صغار. الشيخ: ولو كانوا طلاباً صغاراً، إذا كانوا طلاباً صغاراً وخشي أن يفهموا شيئاً آخر فلا بأس أن يقول للمقيم: صلِ أنت. السائل: ولو كان فاسقاً؟ الشيخ: لا إله إلا الله! ولو كان فاسقاً، الفاسق صلاته صحيحة، ومن كانت صلاته صحيحة فإن إمامته تصح. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 10 قضاء الدين عن المدين من الزكاة السؤال بالنسبة لصاحب الدين إذا تقدم لطلب الزكاة، فهل ينظر إلى سبب هذا الدين إذا كان لغير ضرورة أو لغير حاجة سداده؟ الجواب ينظر لهذا الدين إذا كان سببه شيئاً محرماً فهذا يقال له: تب ونقضي دينك، وأما إذا كان سببه مباحاً فلا بأس أن يقضى دينه من الزكاة. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 11 بدعة إضافة توحيد الحاكمية إلى قسم رابع من أقسام التوحيد السؤال ما تقول فيمن أضاف للتوحيد قسماً رابعاً وسماه توحيد الحاكمية؟ الجواب نقول: إنه ضال وجاهل؛ لأن توحيد الحاكمية هو توحيد الله عز وجل، فالحاكم هو الله عز وجل، فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع كما قاله العلماء: توحيد الربوبية فإن توحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية؛ لأن توحيد الربوبية هو توحيد الحكم والخلق والتدبير لله عز وجل، وهذا قول محدث منكر، وكيف توحيد الحاكمية ما يمكن أن توحد هذه؟ هل معناه: أن يكون حاكم الدنيا كلها واحد أم ماذا؟ فهذا قول محدث مبتدع منكر ينكر على صاحبه، ويقال له: إن أردت الحكم فالحكم لله وحده، وهو داخل في توحيد الربوبية؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر للأمور كلها، فهذه بدعة وضلالة. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 12 اشتراط إذن ولي الأمر في الجهاد السؤال ما حكم القول بجواز الجهاد بعدم وجود الإمام أو تخاذله أو تكاسله؟ الجواب هذا غير صحيح، الجهاد ماضٍ في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ولكن الجهاد يجب أن يكون مدبراً من قبل ولي الأمر؛ لأنه إذا كان غير مدبر من قبل ولي الأمر صارت فيه فوضى وصار كل طائفة تفتخر على الأخرى بأنها هي التي فعلت كذا وفعلت كذا، وبالتالي ربما لا تحمد العاقبة، كما جرى في أفغانستان مثلاً، فإن الناس بلا شك ساعدوا الأفغانيين مساعدة عظيمة بالغة وكانت النتيجة ما تسمعون الآن. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 13 حكم الصوم عن الميت أو الإطعام السؤال أدرك جدتي رمضان وهي امرأة عجوز لا تقدر على الصوم، وأبي كان يتساهل في هذا الأمر من ناحية إطعام يوم محل هذا الفطر الذي تفطر أمه وتوفيت جدتي، ووالدي لجهلٍ أو لتقصير ترك هذا الأمر، فماذا يجب عليه الآن؟ وهل لو أخرجت أنا الإطعام عنه يسقط عنه هذا الإثم؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك الإطعام ليس على أبيك إذ لا يلزم الزوج أن يطعم عن صيام زوجته. السائل: هي أمه. الشيخ: ولا أمه أيضاً ولا كفارتها، مسائل العبادات تجب على كل إنسان بنفسه ليست من جنس النفقات، النفقات صحيح أنها تجب على من تجب عليه النفقة حسب الشروط المعروفة عند العلماء، لكن الواجب الذي يتعلق بالعبادة على نفس المكلف. على كل حال: إذا أحب الآن هو أو أحد إخوته أن يطعم عنها عن كل يوم مسكيناً فهذا جيد. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 14 حكم استثمار أموال الزكاة والصدقات في المؤسسات الخيرية السؤال هل يجوز استثمار أموال الزكاة والصدقات بالنسبة للجان الدعوية؟ الجواب أما الزكاة فلا يجوز؛ لأنها لدفع حاجة الفقير الحاضر، وهو إذا استثمرها ربما يحلو للفقراء الموجودين ويستغل هذا الفقراء الذين لم يوجدوا الآن، وهي لدفع حاجة الفقراء الحاضرين، فلا يجوز استثمار الزكاة في مشاريع. أما الصدقات فنعم، ربما نقول: إذا كانت الصدقات فائضة عن حاجة أهل البلد ورأى أن يستثمرها فهذا جيد، بشرط ألا يحرم الموجودين الآن، فإذا قال قائل في الزكاة: وإذا كان أهل البلد لا يحتاجونها؟ قلنا: اعطها البلاد الأخرى من بلاد المسلمين في الشرق أو في الغرب، أما الصدقة فهي أوسع. فحاصل الجواب الآن وهو جواب مهم؛ لأن بعض أهل الخير الذين يتولون مثل هذه الجمعيات يتصرفون تصرفاً بحسن نية لكنه غير صالح: الزكاة لا يجوز أن ينشأ فيها أشياء استثمارية؛ لأنها وجدت في حاجة الفقير الحاضر، فإن كان البلد ليس فيه فقراء نقلت إلى أقرب البلاد إليهم. أما الصدقة فهي أوسع، فيمكن أن يقال: إذا كان أهل البلد ليسوا محتاجين إليها فلا مانع أن ينشأ فيها أشياء استثمارية. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 15 حكم اتخاذ آنية الذهب والفضة للزينة السؤال قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) هل الذي يتخذ الفضة للزينة هل يدخل تحت هذا الوعيد؟ وهل هو محرم؟ الجواب هذه فيها خلاف بين العلماء: من العلماء من يقول: إن اتخاذ آنية الذهب والفضة حرام سواء استعملت أو لم تستعمل، سواء استعملت في الأكل أو الشرب أم في غيرهما. ولكن الصحيح: إنما يحرم استعمالها في الأكل والشرب فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الأكل والشرب، والنهي تخصيص؛ لعموم قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] فإذا كان كل ما في الأرض فهو لنا ننتفع به حيث لا نهي فيه فإنه يدخل في ذلك اتخاذه للزينة أو استعمالها مثلاً في غير الأكل والشرب، كما أذن استعمالها في حفظ بعض الأدوية وحفظ الدراهم وما أشبه ذلك، هذا هو الصحيح، وإذا كان الرسول إنما نهى عن الأكل والشرب فسكوته عن بقية الانتفاع يدل على الجواز. هذا هو الذي يترجح عندي والمسألة فيها خلاف بين العلماء. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 16 حكم نتف المرأة شعر وجهها السؤال هل يعد نتف شعر وجه المرأة من النمص؟ الجواب نعم. النمص: هو نتف شعر الوجه. السائل: الوجه كاملاً؟ الشيخ: مطلقاً الوجه من الأذن إلى الأذن ومن منحى الجبهة إلى أسفل. السائل: ونتف الساقين والذراعين؟ الشيخ: لا يدخل في هذا؛ لأنها ليست من النمص المعروف عند العرب، لكن مع ذلك نقول: إزالة الشعر من الساقين والذراعين وما أشبه ذلك إن كان لحاجة مثل: أن يكون الشعر كثيراً مشوهاً فلا بأس، وإلا فإن الأفضل التحرز منه. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 17 كيفية التعامل مع أهل الفرق الضالة السؤال كيف يكون التعامل مع أهل الفرق الضالة والجماعات وأفرادها؟ الجواب من جهة السلام أم من جهة البيع والشراء؟ السائل: من جهة السلام. الشيخ: من جهة السلام سلم على كل إنسان إلا الكافر فلا تبدأه بالسلام، لكن إذا سلم عليك فيجب أن ترد عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نرد على أهل الكتاب اليهود والنصارى، أما إذا كان في هجره مصلحة كرجل فاسق إذا هجرناه ارتدع عن معصيته وتاب إلى الله فهنا نهجره؛ لأن في ذلك مصلحة، كما أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهجر كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع حين تخلفوا عن غزوة تبوك، لكن كان في هجرهم مصلحة، أما إذا كان في هجرنا لهذا الرجل الفاسق مضرة كما لو كان هجرنا إياه يوجب أن يتمادى في معصيته وأن يكرهنا وألا يقبل منا صرفاً ولا عدلاً فهنا لا يجوز الهجر؛ لأن هذا الفاسق مهما عظم فسقه فهو مؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وهو مؤمن وأخ لنا، ولاحظوا هذه المسألة! فإن بعض الناس من شدة غيرتهم على دين الله لا يعتقدون أخوة بينهم وبين الفساق، وهذا من الغلط العظيم، هذا الرأي تشم منه رائحة مذهب الخوارج، العصاة مهما بلغت معصيتهم فهم إخواننا، علينا أن ننصحهم فإن كان في هجرهم مصلحة بحيث يتركون المعصية فالهجر هنا إما مستحب أو واجب، وإن لم يكن فيه مصلحة فلا تهجره سلم عليه. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 18 حكم الصلاة خلف الأئمة التيجانيين السؤال حكم الصلاة خلف أئمة تيجانيين مع علمي أن أكثرهم لا يعلمون أن العقائد التيجانية منكرة؟ الجواب بارك الله فيك أولاً: بين لي ما هي عقائد التيجانية حتى أخبرك عن الجواب؟ السائل: أكثر عقائدهم في الاعتقادات في مشايخهم. الشيخ: بين لي. السائل: منهم من يعتقد يا شيخ! أن التيجاني يحل في جلسة حلقة وهم جالسون، وأنه يأتي في وقت معين ويحضر في هذه الحلقة، والتيجاني يحضر الرسول صلى الله عليه وسلم في حلقته، هذا من بعض عقائدهم. الشيخ: لكن هذه العقيدة هل هي عقيدة حقيقة؟ السائل: نعم؟ الشيخ: هل هي عقيدة حقيقة لو سألت هذا الرجل قلت: الآن تعتقد أن التيجاني أو أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم معك أين هو؟ السائل: عندما تسألهم يحتارون ولا يجيبون. الشيخ: إذاً يا أخي! بين لهم هذا الكلام، بين لهم أن هذه خيالات، وأنا أعتقد أنك إذا بينت لهم هذا فما أسهل أن يرجعوا عن هذه العقيدة الفاسدة المبنية على الخيال. السائل: والصلاة؟ الشيخ: الصلاة إذا عاندوا وقالوا: أبداً إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إلينا، وإن التيجاني يأتي إلينا ودعوة الرسول له دعوة التيجاني، فهؤلاء كفار لا تصلي خلفهم. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 19 حكم التحاكم إلى الأحكام الوضعية السؤال بالنسبة للأحكام الوضعية، هناك بلدان كثيرة تحكم بهذه الأحكام كما هو معروف، السؤال: معروف أن الإنسان مكره، قد يكره على القبول بحكم وضعي، لكن الحال فيمن له حقوق عند الناس ضرب وأخذ ماله وغير ذلك فهو حتى يحصل على هذا المال يحتاج إلى أن يتحاكم إلى الحكم الوضعي، وقد يكون في هذا الحكم الوضعي ما هو مخالف -وهو كثير- للأحكام الشرعية، فهل هناك إطلاق للتحاكم؟ الجواب إذا لم نجد محكمة تحكم بالشريعة وصارت حقوقه من المال ستضيع فإننا نتحاكم إليهم لا على أن حكمهم شرع ولكن نجعلهم بمنزلة الشُرط نستخرج بهم حقوقنا، لاحظ هذا القيد: (لا يتحاكم إليهم على أن حكمهم شرع ولكن كأنهم شُرط يأخذون حقوقه) فلا بأس أن يتحاكم إليهم لاستخراج حقه، ولكن لو حكموا له بباطل شرعاً فإنه لا يجوز أن يأخذ به؛ لأنه لا يمكن أن يضيع حقوق الناس بحجة أن هؤلاء يحكمون بالقانون ولا يجد تحاكماً إلى الله ورسوله، يقول: أنا لا أتحاكم إليهم على أن قولهم فصل وحكم، لكن أتحاكم إليهم على أنهم شُرط يخرجون حقي أو أستخرج بهم حقي. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 20 حكم إفراد يوم السبت بالصيام السؤال ما حكم إفراد يوم السبت بالصيام؟ وما توجيهكم للحديث الوارد في النهي؟ الجواب ما هو الحديث؟ السائل: معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إفراد صيام يوم السبت في غير الواجب. الشيخ: الحديث: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب -أي: أعواد العنب. يأكلها فليفعل) لكن هذا الحديث ليس في الصحيحين ولا في أحدهما، والحديث الثابت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى أمهات المؤمنين فوجدها صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) فهذا الحديث يدل على أن صيام يوم السبت جائز، والحديث الذي أشرت إليه رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن لا يماثل هذا في الصحة، وإذا لم يماثله في الصحة فإن من القواعد المقررة في مصطلح الحديث: أن يكون شاذاً؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه، والشاذ لا يعمل به، هذا وجه، وسلكه بعض العلماء، وقال: هذا الحديث شاذ لا يعمل به. ومنهم من ضعفه سنداً، يعني: الذين يقولون بشذوذه ضعفوه متناً ومنهم من ضعفه سنداً، وقال: لا يصح، وطعن في بعض رواته، ومنهم من قال: إنه منسوخ، ومنهم من جمع بينه وبين حديث جواز الصوم بيوم السبت فقال: إن أفرده وصامه لأنه يوم السبت فهذا هو المنهي عنه، وإن صامه تبعاً لغيره أو لمناسبة تقتضي تخصيص هذا اليوم فلا بأس، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهذا لا شك أنه جمع حسن بين الحديثين. فنقول: لا تفرد يوم السبت بصوم، لكن إن صمته مع غيره فلا بأس، أو صمته لأنه يوم يسن صومه مثل أن يوافق يوم عرفة أو يوافق يوم الخامس عشر من الشهر وأنت تصوم أيام البيض أو يوافق يوم عاشوراء فإنه لا بأس به، وهذا القول أحسن الأقوال التي سمعتم، فليكن هو المعتمد، أي: يكره أن يصوم يوم السبت؛ لأنه يوم السبت، أما إذا صامه لسبب آخر فلا بأس، وكذلك لو لم يفرده بأن صام قبله يوماً أو بعده يوماً فإنه لا بأس به. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 21 حكم السرقة من أموال النصارى التي تُصرف لبناء الكنائس السؤال هذا رجل نصراني في إحدى دول أفريقيا كان النصارى يمدونه بالأموال وكان يبني الكنائس بمئات الآلاف من الدولارات، ثم أسلم قبل ثلاثة أشهر، وكان قبل إسلامه يسرق من هذه الأموال حتى بلغت أموالاً طائلة عنده، وهو الآن بعد إسلامه يسأل: هل يبني بهذه الأموال التي سرقها مساجد أم لا؟ الجواب نقول: ابن بها مساجد؛ لأنه أخذها على وجه غير شرعي فليصرفها في نظيرها الشرعي، والكنائس -كما تعلمون- متعبدات النصارى والمساجد متعبدات المسلمين، وصرفها في مساجد المسلمين خير من صرفها في معابد النصارى. فنقول له: ابن بها مساجد للمسلمين واسأل الله الثبات على الإسلام. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 22 حكم مس المحدث للمصحف السؤال هل الوضوء شرط لمس المصحف؟ الجواب لا يجوز للإنسان أن يمس المصحف إلا بوضوء، لكن له أن يقرأ في المصحف بأن يضع على يديه حائلاً يحول بينه وبين مباشرة المصحف ويقرأ ما لم يكن جنباً، فإن الجنب يحرم عليه أن يقرأ القرآن لا في حال الوضوء ولا في غيره. السائل: ولو كان مضطراً يا شيخ؟ الشيخ: ما في اضطرار ما هي الضرورة؟ السائل: أحياناً لا يجد ماءً يتوضأ به. الشيخ: أنا قلت لك: ضع شماغك بينك وبين المصحف واقرأ، هل هذا ممكن أم غير ممكن؟ السائل: ممكن. الشيخ: وأين الضرورة؟ ليس هناك ضرورة. السائل: الدليل؟ الشيخ: الدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) أي: طاهر من الحدث؛ لأن الله تعالى قال في سورة المائدة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:6] والقول بأن الطاهر هو المسلم ضعيف؛ لأننا لم نجد في كتاب الله تعالى ولا في سنه رسوله صلى الله عليه وسلم التعبير عن المسلم بالطاهر، لكن يخبر بأن المسلم لا ينجس صحيح، لكن الطاهر هو المتطهر كما قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222] فيكون حمل الحديث على المعهود في لغة القرآن والسنة أولى من حمله على وجه بعيد، ثم هو أفضل بالاتفاق، حتى الذين يقولون: يجوز أن يمسه بلا حائل هم يتفقون مع الآخرين بأن الأفضل ألا يمسه إلا على طهارة، فأنت الآن إذا لم تمسه إلا على طهارة صار ذلك أفضل لك بالاتفاق، وأبرأ لذمتك عند من يقول: إنه لا بد من الوضوء عند مس المصحف. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 23 حكم من ترددت نيته في صوم القضاء بين الإفطار أو إكمال الصوم السائل: ما حكم من ترددت نيته في صوم القضاء بين الإفطار أو إكمال الصوم؟ الشيخ: لكنه صائم؟ السائل: أمسك بعد الفجر. الشيخ: بعد الفجر وإلا قبل؟ السائل: بعد الفجر. الشيخ: ما نوى إلا بعد الفجر. السائل: إي نعم. الشيخ: الأخ صومه غير صحيح ما دام أنه ما نوى إلا بعد الفجر. السائل: هل يقلبه نقلاً؟ الشيخ: هذا على قول من يقول: إنه لا يصح النفل قبل أداء القضاء، لا يصح أن يقلبه نفلاً، وعلى القول الثاني يصح، لكنه لا يعتبر من الأيام الست؛ لأن الأيام الست لا تكون إلا بعد قضاء رمضان، أما من صام ونوى الصيام قبل الفجر واستمر وفي أثناء النهار تردد هل يتم أو يقطع. السائل: هذا في القضاء يا شيخ؟ الشيخ: قضاء أو غير القضاء، في رمضان لا يمكن أن يتردد؛ لأنه لا بد أن يبقى، لكن في القضاء فهذا لا يبطل صومه على القول الصحيح؛ وذلك لأن نيته الأولى جازمة والتردد لا يقضي على المجزوم به، ومن العلماء من قال: إذا تردد في أثناء اليوم هل يتم أو لا بطل صومه، والصحيح أنه لا يبطل، بخلاف الذي لم ينو إلا بعد طلوع الفجر فهذا لا يمكن أن يصح قضاؤه. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 24 حكم الاهتزاز أثناء قراءة القرآن السائل: أرى كثيراً ممن يقرءون القرآن وخاصة في حلقات القرآن يهزون أو يتحركون حركة، ما حكم هذا الهز؟ الجواب هذا إن جاء تلقائياً فهذا ما فيه بأس؛ لأن بعض الناس يستعين -مثلاً- بالهز على التلاوة، وإن جاء تعبدياً فإنه لا يجوز وهو بدعة، ومع ذلك نحن نحث الذين يهتزون تلقائياً أن يعودوا أنفسهم على ترك الهز؛ لأنه قد يقتدي بهم غيرهم ويظن أن هذا أمر مشروع. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 25 حكم تأجير الذهب والفضة السؤال ما حكم تأجير الذهب والفضة كحلي النساء للزواجات؟ الجواب لا بأس به، لا حرج للإنسان أن يؤجر الحلي من الذهب والفضة لامرأة تلبسه يوماً أو يومين أو ساعة أو ساعتين؛ لأن المنافع هنا مباحة، وكل نفع مباح يجوز عقد الإجارة عليه. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 26 حكم الاحتفاظ بالصور للذكرى أو تعليقها السؤال كثير من الناس يتوسعون الآن في الصور الشمسية التي لها ظل، فبعضهم للذكرى والبعض للتعليق، فنريد إلقاء الضوء على هذا الأمر جزاكم الله خيراً؟ الجواب أنا أرى أن الاحتفاظ بالصور للذكرى حرام؛ لأنه يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة) وأن تعليقها أشد حرمة؛ لأن تعليقها يوحي بتعظيمها، ولهذا تجد الذين يعظمون آباءهم أو إخوانهم أو مشايخهم يضعون صورهم معلقة في أماكن جلوسهم، وهذا حرام لا شك فيه. أما الذي يقتنيها لحاجة، إنسان -مثلاً- عنده بطاقة شخصية أو قيادة الرخصة أو يتوقع أن يحتاج هذه الصورة في المستقبل فهذا لا بأس به. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 27 بناء المساجد أفضل من بناء البيوت للأئمة والمؤذنين السؤال نرى كثرة المساجد الآن ولله الحمد لكن في بعض المساجد لا يوجد فيها بيوت للمؤذن والإمام، أيهما أفضل: وضع دراهم في عمارة مساجد أخرى أو في هذه البيوت؟ الجواب الأفضل أن توضع الدراهم في عمارة مساجد أخرى، فمثلاً: إنسان عنده مليون ريال وأنفق على هذا المسجد سبعمائة ألف، وبقي عنده ثلاثمائة ألف، يقول: هل الأفضل أن أضعها في مسجد آخر أو أبني بها بيتاً أو بيتين للإمام والمؤذن؟ نقول: الأفضل أن تضعها في مساجد أخرى خصوصاً إذا كنت وكيلاً بأن أعطيت دراهم لبناء المساجد فإنه لا يجوز لك أن تصرفها في بناء بيتين للإمام والمؤذن؛ لأنك وكيل. السائل: ولو كانت بحاجة؟ الشيخ: أبداً ما في حاجة، المسجد سيقوم سواء كان للإمام والمؤذن بيت أم لم يكن، صحيح أنه يعين على وجود الإمام والمؤذن لكن ليس بحاجة. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 28 اختلاف العلماء في وجوب إخراج صدقة الفطرة السؤال قلتم أثناء الإجابة على صيام العاجز أنه هو المسئول عن الإطعام عن نفسه، إذاً لماذا يخرج عنه صدقة الفطرة من كان مسئولاً عن مئونته كالزوج عن زوجته؟ الجواب أولاً: هذا ليس إجماعاً، فإن كثيراً من العلماء ومنهم الشوكاني رحمه الله يقول: إن كل إنسان مخاطب عن فطرته، فالزوج لا يلزمه فطرة زوجته ولا فطرة ابنه ولا بقية عائلته، ومنهم من يقول: إن هذا مستثنى؛ لأن الصحابة كانوا يخرجون عن أنفسهم وعمن يمونون فيكون هذا مستثنى، ولأن هذا أقرب ما يكون إلى النفقة التي يقوم بها عائل البيت، لكني أميل إلى الأول وأقول: إن جريان العادة وهي أن كل إنسان مخاطب عن نفسه بحيث لو أن صاحب البيت قال: لا أخرج عنكم وهم قادرون أن يخرجوا عن أنفسهم لكني أقول: ما دامت العادة الآن جارية بأن الرجل يخرج عن نفسه وعائلته نمشي على هذه العادة. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 29 تصوير الآدمي من خلفه السؤال بالنسبة لتصوير الآدمي من قفاه، ما رأي فضيلتكم يا شيخ؟ الجواب من أجل ماذا؟ السائل: بعضهم يا شيخ يصور للذكرى. الشيخ: ذكرى ليس من قفاه، تذكره من قفاه؟! السائل: لا يا شيخ! أحسن الله إليك، في بعض الأسفار يا شيخ! يكون شخص مسافر فيصور للذكرى. الشيخ: لا يا أخي لا يصلح هذا، كيف هذا؟ أنا لا أتصور هذا، إنسان تصوره من ورائه لا تدري من هذا. السائل: وجد هذا يا شيخ. الشيخ: أنا أرى أنها سفه ولا نفتي بشيء سفه، وإذا قدر أنها وجدت فليست بصورة، يعني: هذه مثل الظل، مثل إنسان يمشي في الشمس يكون له ظل. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 30 حكم الأكل أو الشرب وقت أذان الفجر في رمضان السؤال ما حكم من شرب الماء في رمضان والمؤذن يؤذن؟ الجواب هذا ينظر إذا كان المؤذن لا يؤذن إلا إذا رأى الفجر وجب عليه أن يمسك من حين أن يسمع، لكن روى الإمام أحمد في مسنده بسند جيد: (أن الإناء إذا كان في يد الإنسان فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه) . وأما إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم فالأمر في هذا واسع؛ لأن هؤلاء المؤذنين لو قلت لهم: تشهدون أن الفجر طالع؟ قالوا: لا نشهد، وتجدهم في المغرب يؤذنون على التوقيت، وأخبرني الثقات أنهم سمعوا المؤذنين يؤذنون والشمس لم تغرب؛ لأنهم لا يشاهدون الفجر ولا يشاهدون الشمس، وحسب علمنا الآن أن المؤذنين لا يؤذنون على الفجر إنما يؤذنون على ما بأيديهم من التقويم، فالأمر في هذا واسع، إذا شرب وهو يؤذن أو أكل شيئاً وهو يؤذن ليس به بأس. السائل: يقضي احتياطاً يا شيخ. الشيخ: والله لا أدري، الاحتياط إنما يكون إذا كان له أصل. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 31 فضل صيام يوم الإثنين السؤال هل ورد حديث يا شيخ على فضل صيام يوم الإثنين؟ الجواب نعم. (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) ، وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه) . الجزء: 150 ¦ الصفحة: 32 سبب نصب (الطير) في قوله تعالى: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) السؤال ما توجيه القراءة نحوياً، قول الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10] على نصب الطير؟ الجواب توجيهها أن الطير هنا معطوفة على محل المنادى: يا جبالُ؛ لأن (جبال) هنا منادى، تقول: مبنية على الضم في محل نصب، فمحلها النصب، فعطفت هذه على جبال باعتبار المحل لا باعتبار اللفظ. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 33 صوم الست من شوال لا يكون إلا بعد إتمام صوم رمضان السؤال نقل عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني] فهل يفهم من ذلك أنها كانت لا تصوم الست، أو هناك توجيه؟ الشيخ: صوم الست هذا أمر لا إشكال فيه، لا يمكن أن تكون مشروعة إلا إذا أتم الإنسان رمضان، والحديث: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) وقوله: (ثم أتبعه) يقتضي أن يكون رمضان قد تم، فكما أن الإنسان لا يصح منه راتبة الظهر البعدية قبلها كذلك أيضاً أيام الست؛ لأن أيام الست بمنزلة الراتبة بعد الفريضة فلا يصح، لكن قل لي: هل يدل على أنها لا تصوم يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو أيام البيض؟ لا ندري، الله أعلم، قد تصومها وقد لا تصومها، إن صامتها فليس بغريب؛ لأن القضاء وقته موسع والنفل قبل الفرض موسع جائز، وإن لم تصمها فهو -أيضاً- ليس بغريب على فقهها؛ لأن الفقه يقتضي أن يبدأ الإنسان بالواجب قبل التطوع، وقد قال أبوها أبو بكر رضي الله عنه: [إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة] . فعلى كل حال: صيامها النفل قبل القضاء أمر محتمل، لكن صيام الست قبل القضاء أمر مقطوع به بأنها لم تصمها؛ لأن عائشة رضي الله عنها أفقه منا ونحن نفقه من هذا الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أن الست تابعة لرمضان، فلا يمكن أن تصام قبل إتمامه. قد يقول قائل: أليس الرسول يصوم في أيام البيض أو يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أو يصوم يوم الإثنين والخميس، لماذا لم تصم معه؟ فيقال: ألا يمكن أن يكون وقت صوم الرسول عليه الصلاة والسلام حائضاً؟ يمكن، ولهذه الأمور المحتملة لا تكون دليلاً. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 34 تقدير الصلاة والصوم في الأوقات التي تكون الأيام كلها نهارا ً السؤال بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في شمال الكرة الأرضية وما يحصل لهم بالنسبة للأوقات النهار في الصيف يكون طويلاً الجواب هل أنت تسكن هناك؟ السائل: لا يا شيخ أنا ذهبت إلى هناك. الشيخ: وسكنت معهم. السائل: لا سألوني. الشيخ: كم بقيت عندهم من ساعة؟ السائل: أنا بقيت أسبوعين. الشيخ: ماذا تصنع؟ السائل: أنا ما ذهبت إلى المنطقة نفسها إلا أني كنت في جنوبها. الشيخ: أنت قلت ذهبت إليهم الآن. السائل: لا. سألوني الذين يعيشون هناك والتقيت بهم في الجنوب في نفس البلد. الشيخ: وماذا قلت؟ السائل: لم أفتهم، أنا أعلم يا شيخ فتواكم وهي: أن يقدروا له قدره. الشيخ: أنا ما سألت عن فتواي. السائل: لم أفتهم. الشيخ: قلت: لا أدري. السائل: لكن أذكر الفتوى وهي: اقدروا له قدره، إلا أني ما استطعت تحديد هذا القدر. الشيخ: على كل حال لا شك أنهم يقدروا له قدره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حدث عن الدجال قال: (إن أول يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا اقدروا له قدره) . فعلى هذا نقول لهؤلاء: اقدروا قدره، ثم ما هو القدر؟ بعض العلماء يقول: يقدر نصف نصف، يعني: أربعة وعشرين ساعة تعتبر يوماً وليلة فيها خمس صلوات، وبعضهم يقول: ينظر إلى أقرب مكان لهم فيه ليل ونهار فيأخذون به، وبعضهم يقول: يرجع في ذلك إلى توقيت مكة؛ لأن الله سماها أم القرى فهي الأم والمرجع، وما دام تعذر العمل في المنطقة فإنه يرجع إلى الأصل وهي الأم. وأقرب قول عندي من هذه الأقوال الثلاثة: أن يعتبروا بما حولهم ويمشون عليه، أما الصوم إذا قدر أنه يحدث عندهم مشقة وأنهم لا يتحملون فيفطرون ويقضون الصوم في أيامٍ أخر. الجزء: 150 ¦ الصفحة: 35 لقاء الباب المفتوح [151] في هذا اللقاء كانت الآيات الأولى التي فسرها الشيخ تتحدث عن قوم صالح، وكيف أن الله أهلكهم بسبب إعراضهم وعقرهم للناقة مع تحذير نبي الله لهم ألا يمسوها بسوء، فلما عقروها قال الله لهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ومن الآيات كذلك قصة نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، ثم فسر قوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) . الجزء: 151 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والخمسون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر ذي القعدة عام 1417هـ. نفتتح هذا اللقاء كجاري العادة بالكلام على شيء من تفسير كلام الله عز وجل. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين) انتهينا فيما سبق إلى قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات:43] ثمود: هم الذين أرسل الله إليهم نبيه صالحاً عليه الصلاة والسلام، فوعظهم، وذكرهم، وجعل لهم آية وهي الناقة التي شرفها الله تعالى بإضافتها إلى نفسه الكريمة، حيث قال تبارك وتعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] أي: احذروا ناقة الله أن تعبثوا فيها أو تنكروها، وهذه الناقة لها بئر تشرب منه يسمى: بئر الناقة، ولهم {شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] يشربونه، فالناقة تشرب يوماً وهم يشربون يوماً، وهذه الناقة ذكروا أنه ما جاء أحد يستقي من هذا البئر في يومها الذي تشرب منه إلا أخذ بدل شربها شيئاً من لبنها بقدر ما شربه، فالله أعلم هل هذا هو الواقع أو يختلف، لكن على كل حال فهذه الناقة لا شك أنها ناقة ليست كسائر النوق إذ أنها آية من آيات الله عز وجل، لكنهم كذبوا وأبوا وتوعدهم صالح عليه الصلاة والسلام أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، ولكنهم ما زالوا على كفرهم وإنكارهم، ولهذا قالوا: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} [الذاريات:43] . وديارهم معروفة الآن موجودة في مكان يسمى الحجر، ويسمى الآن ديار ثمود، وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك لكنه عليه الصلاة والسلام أسرع حين مر من هذه الديار وقنع رأسه ونهى أمته أن يدخلوا إلى هذه الأماكن -أماكن المعذبين- إلا أن يكونوا باكين، قال: (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها أن يصيبكم ما أصابهم) وقوله: (يصيبكم ما أصابهم) لا يلزم منه أن يراد به ما أصابهم من العذاب الحسي، قد يكون المراد ما أصابهم من العذاب الحسي وما أصابهم من الإعراض والكفر، فلو قال قائل: إنه يوجد أناس يذهبون إلى هذه الأماكن وهم غير باكين ولم يصابوا بشيء. نقول: الجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يؤكد أن يصابوا بهذا، ولكنه قال: خوفاً أو خشية أن يصابوا بما أصاب هؤلاء. الوجه الثاني: أن نقول: لا يتعين أن يكون المراد بذلك أن يؤخذوا بما أخذ به هؤلاء من العقوبة الحسية الظاهرة وهي الرجفة والصيحة التي أماتتهم عن آخرهم، قد يكون المراد بذلك مرض القلب الذي هو الاستكبار والإعراض ورد الحق. {إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ} هذا الحين هو ثلاثة أيام. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فعتوا عن أمر ربهم) قال تعالى: {فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الذاريات:44] ولم يرجعوا عن غيهم، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات:44] الصاعقة التي صعقتهم هي رجفة وصيحة، (وهم ينظرون) أي: ينظر بعضهم إلى بعض يتهاوون ويتساقطون أمواتاً. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فما استطاعوا من قيام) قال تعالى: {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات:45] أي: ما استطاعوا أن يقوموا، (وما كانوا منتصرين) أي: لم يتمكن بعضهم أن ينصر بعضاً بل كلهم هلكوا عن آخرهم. وهكذا يفعل الله سبحانه وتعالى بمن كذب رسله عليهم الصلاة والسلام، إلا أن العذاب المستأصل رفع عن هذه الأمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه سبحانه وتعالى ألا يأخذهم بسنة عامة -أي: بعقوبة عامة- لكن ابتلوا بشيء آخر وهو أن يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، والأمر كذلك وقع؛ فإن هذه الأمة لم تصب بعذاب عام كما أصيبت الأمم من قبلها، ولكن أصيبت بأن جعل الله بأسهم بينهم منذ زمن الخلفاء الراشدين كما اختلفوا على عثمان وعلى علي رضي الله عنهما وحصلت الفتن تتوالى إلى يومنا هذا. ثم هذه الأمة التي جعل بأسها بينها ليست هي أمة الإجابة فقط، بل أمة الإجابة وأمة الدعوة، ولهذا نقول: ما حصل من الفتن والبلاء في الأرض مشارقها ومغاربها من الكفار وغير الكفار فإنما هو نتيجة للمعاصي، وهي عقوبة هذه الأمة أن الله يذيق بعضهم بأس بعض. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا) قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الذاريات:46] أي: اذكر قوم نوح من قبل وهم أول أمة أرسل إليهم الرسول، ولكنهم كذبوا، وهذا الرسول نوح عليه الصلاة والسلام بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، ويذكرهم، ويعظهم، ولكنهم -والعياذ بالله- لم يؤمنوا {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] حتى إنه عليه الصلاة والسلام يقول: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] (جعلوا أصابعهم في آذانهم) لئلا يسمعوا ما يقول، (واستغشوا ثيابهم) أي: تغطوا بها لئلا يبصروه -نسأل الله العافية- وهذا غاية ما يكون من البغضاء لما يقول وما يفعل، {وَأَصَرُّوا} [نوح:7] على باطلهم {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] . فكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] ودعا ربه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11-12] ولهذا -والله أعلم- سيكون عليهم نصيب من عذاب المكذبين؛ لأنهم هم أول أمة كذبت الرسل (ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) كما أن من قتل نفساً فإن على ابن آدم الذي قتل أخاه كفلاً ونصيباً من عذاب القاتل إلى يوم القيامة. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) قال عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] (السماء) مفعول لفعل محذوف تقديره: وبنينا السماء، وقوله: (بأيدٍ) أي: بقوة، كما قال الله عز وجل: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] فالأيدي هنا أي: القوة وليست جمع يد كما يظنه بعض الناس، بل هي مصدر (آد يئيد أيداً) كما يقال: باع يبيع بيعاً، (بنيناها بأيد) أي: بقوة، والإنسان إذا تأمل وتفكر في السماوات عرف أنها قوية شديدة عظيمة، وأن قوتها تدل على قوة بانيها عز وجل، (وإنا لموسعون) أي: لموسعون لأرجائها، ولهذا كانت السماوات أكبر بكثير من الأرض وهي محيطة بالأرض من كل جانب، وعلى هذا فتكون أوسع من الأرض وليست الأرض بالنسبة للسماء إلا شيئاً يسيراً. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [الذاريات:48] أي: فرشناها لأهلها، جعلناها لهم كالفراش يأوون إليها ويتمتعون بها، لم يجعلها الله تعالى صعبة ولا سهلة بل هي متوسطة، لو كانت لينة رخوة ما تمكن أحد من البقاء عليها، ولو كانت صعبة ما تمكن أحد من الانتفاع بها، ولكنها كانت كما وصفها الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] . ثم قال: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48] أثنى تبارك وتعالى على نفسه أن جعل هذه الأرض مهاداً للناس يتمتعون بها على ما تقتضيه مصالحهم. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 151 ¦ الصفحة: 9 حكم ترك زيارة الرحم بسبب ما لديهم من منكرات السؤال شخص له أقارب وهو يزورهم صلة للرحم، ويوجد في بيوت هؤلاء الأقارب بعض المنكرات المنتشرة في هذا الزمان، وهذه المنكرات لا تغلق بحضوره ولا بعدم حضوره، فماذا تنصحونه أن يفعل لكي يبقي على هذه الصلة -صلة الرحم-؟ الجواب لا شك أن صلة الرحم من الفروض العينية، أي: يجب على كل إنسان أن يصل رحمه؛ لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع) ولكن إذا كان هذا الرجل له أقارب يمارسون الأشياء المنكرة بحضوره وغير حضوره فعليه أن يذهب إليهم ثم ينصحهم ويخوفهم بالله، ويذكرهم أيام الله ويذكرهم نعم الله، فإن اهتدوا فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتدوا فهو معذور بعدم الذهاب إليهم، ويكفي أن يتكلم معهم بالهاتف أو يراسلهم بالكتابة، وإنما كان معذوراً؛ لأنه إذا ذهب إليهم فلا بد أن يجلس معهم على منكر، فإن من جالس قوماً على منكر وهو قادر على أن يفارقهم كان عليه من الإثم مثل ما عليهم؛ لقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] وهو معذور في هذه الحالة، لكنه يمكنه أن يصلهم بالهاتف أو بالكتابة. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 10 شروط وجوب الزكاة في العروض السؤال رجل كان يبيع ويشتري في الأراضي ثم توفي وبقي ورثته من بعده عاماً كاملاً لحصر تركته ولم يبيعوا منها شيئاً، فهل تجب فيها الزكاة للعام الذي أعقب وفاته؟ الجواب ننظر إلى هؤلاء الورثة: هل هم نووا بذلك التجارة؟ إذا كانوا نووا بذلك التجارة فعليهم زكاة أبيهم، أما إذا لم ينووا بذلك التجارة فليس عليهم زكاة؛ لأن من شرط وجوب الزكاة في العروض أن ينوي الإنسان التجارة بها، أما إذا كانوا ينتظرون متى تقسم ثم يبيعون وكل شخص يأخذ نصيبه فليس عليهم زكاة. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 11 حكم من تأخر عن رمي الجمرات إلى بعد الغروب السؤال رفقة خرجوا من منى متعجلين خارجين إلا أنهم رجعوا على الأرجل فرموا الجمرات، فمنهم من رمى قبل غروب الشمس، ومنهم من رمى بعد غروب الشمس، فماذا على المتأخرين؟ الجواب الظاهر أنه لا شيء على الجميع؛ لأن هؤلاء خرجوا من منى قبل غروب الشمس لكنهم رجعوا ورموا، وهل الذين تأخروا إلى الغروب تأخروا باختيارهم أو نظراً للزحام؟ السائل: للزحام. الشيخ: إذاً ليس عليهم شيء، لأنهم تأخروا بغير اختيارهم. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 12 الخلاف بين الزوجين وكيفية علاج ذلك السؤال امرأة صار بينها وبين زوجها خلاف نتيجة تأثير بعض أقاربها عليها وهو كثير ما يقع بين الزوجين، ولكن من شدة التأثر والتأثير قطعت المعاشرة الزوجية وتمادت فيها حتى صارت تحتجب عنه تماماً ولا تظهر عليه أو تقابله، فما توجيهكم بذلك؟ الشيخ: أولاً: نحذر الأقارب أن يتدخلوا في شئون الزوجين إلا بطلب من الزوجين، إذا طلب الزوجان أن يتدخل الأقارب من أجل الإصلاح فهذا شيء آخر، والإصلاح خير، أما بدون إصلاح فإنه لا يحل للأقارب أن يتدخلوا في شئون الزوجين لا سيما إذا كانوا لا يريدون الإصلاح؛ لأن بعض الأقارب -والعياذ بالله- يحاولون أن ينتصروا لابنتهم مثلاً، أو إذا كانوا من قبل الزوج يحاولون أن ينتصروا لابنهم، فتجدهم يؤججون نار الغضب والغيض من الزوجة لزوجها أو من الزوج لزوجته، ولا شك أن هذا حرام وهو من كبائر الذنوب؛ لأنه محاولة للتفريق بين المرء وزوجه، وهذا من عمل السحرة، كما قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] ولا يحل لهم أن يتدخلوا. أما بالنسبة للقضية المعينة التي سألت عنها، فنقول: الآن هو بالخيار إن شاء طلقها وتركها {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] هكذا قال الله عز وجل، وإن شاء طلب من القاضي حكمين ينظران في الوضع، فإن رأيا البقاء بالشروط التي يريانها مفيدة فليكن، وإن رأيا التفريق بعوض أو بدون عوض فالحكم إليه، لكن إذا كنت تعرفهم فحاول الإصلاح بينهما. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 13 حكم التوكيل في رمي الجمرات السؤال أنا رجل أعطيت حجة قبل سنتين، وقبل أن أمشي إلى الحج حصل لي حادث مما أدى إلى كسر في رجلي وإحدى يدي فمنعني من الحج، فبقيت الحجة عندي خلال السنتين هذه، وصاحبها علم بما حصل لي ورفض أن يأخذها فامتنعت سنتين عن الحج وهذ السنة -إن شاء الله- نويت الحج فيها ومعي بقية المال، فهل يجوز لي أن أوكل على رجم الجمرة لشدة الزحام؟ وهل المال الذي بقي عندي سنتين عليه زكاة أم لا، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً نسأل: هل صاحب المال أذن لك أن تحج به الآن؟ السائل: نعم. لأني في وقت ما حصل لي الحادث قلت له: هذا الذي وقع وهذه نقودك، فقال: النقود عند صاحبها واضع بها كيف ما تريد ولقد حرصت على أن صاحبها يوكل فرفض أن يأخذها ولم أجد من يأخذها؟ الشيخ: إذاً إن شاء الله تحج هذا العام. السائل: نويت إن شاء الله. الشيخ: والإشكال في الرمي، والزحام ما هو مستمر أربعة وعشرين ساعة، الزحام غالباً ما يكون في آخر النهار في أيام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر) إن تأخرت، وفي الليل لا سيما بعد منتصف الليل يخف الزحام، ولا يحل لإنسان أن يوكل على رمي الجمرات وهو قادر على المزاحمة أو عاجز ويمكنه أن يرمي في الليل، أما إذا كنت لا تستطيع أن ترمي لا في الليل ولا في النهار لمرض أو نحوه فهنا لا بأس أن توكل من يرمي عنك. السائل: هل المال عليه زكاة خلال المدة التي مكث فيها عندي هذا المبلغ؟ الشيخ: الزكاة واقعة على صاحبها؛ لأنها ملك له لو شاء لأخذها منك وتصرف فيها، فبلغه هو أن يؤدي زكاتها. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 14 الواجب على من اعتمر وترك شوطا ً السؤال رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص؟ الشيخ: كيف نقصه؟ السائل: لم يتم السعي عمره تقريباً أربعة عشر عاماً. الشيخ: يعني: لم يبلغ؟ السائل: لا. هو بالغ، فماذا عليه؟ الشيخ: كيف لم يكمل السعي هل أنقص شوطاً أم ماذا؟ السائل: أنقص شوطاً. الشيخ: العمرة في رمضان؟ السائل: نعم. في رمضان. الشيخ: أبلغه الآن أنه على إحرام وأنه يجب أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام من بلده التي هو فيها فوراً ويذهب إلى مكة ويبدأ السعي من جديد؛ لأنه إلى الآن في عمرته فعليه أن يخلع الثياب العادية ويلبس ثياب الإحرام وألا يتطيب وألا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 15 حكم ترك الأبناء لمرافقة أبيهم في المستشفى السؤال مرض رجل وله ابنان موظفان ومتزوجان مع العلم أن له أبناء لهم أعمال حرة، واحتاج إلى مرافقته في المستشفى، ولم يتمكن أحد الأبناء من مرافقته، فجعلوا عاملاً يكون عنده يواسيه، والأب ما زال يدعو عليهم هل برأت ذمتهم بجعل عامل؟ وهل يلحقهم من دعائه شيء، أفتونا مأجورين؟ الجواب هل هؤلاء مشغولون بشغل يمنعهم من الحضور إلى أبيهم؟ إذا كان عندهم ما يمنعهم عن الحضور مع أبيهم فهم معذورون، مثل أن يكونوا موظفين، فالموظف لا يستطيع أن يأتي في وقت العمل، أما إذا كانوا غير معذورين ولا يضرهم شيء إذا حضروا فهم آثمون، ويخشى أن دعاء أبيهم يلحقهم؛ لأنه ليس رأفة العامل كرأفة الابن، ثم ليس استئناس أبيهم المريض إلى العامل كاستئناسه إليهم، فبلغهم أنه إذا لم يكن هناك عذر شرعي يمنعهم من مرافقة أبيهم فعليهم أن يرافقوه وإلا فليتحذروا العقوبة. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 16 حكم التقديم لطلب منحة من الأراضي التي توزعها البلدية مع عدم توفر الشروط في المقدم السؤال هذه السائلة تقول: إنها تقدمت إلى البلدية بطلب منحة من الأراضي التي توزعها البلدية ومن ضمن شروط التقديم: أن الذي يملك عقاراً أو له منحة من قبل لا يحق له التقديم، وهي تقول: أنا لي عقار قد اشتريته بمالي الخاص، فهل يحق لها أن تأخذ هذه المنحة من البلدية؟ أو هل يحق للأب أن يأخذ الأرض ويعمر عليها ويبيعها؟ الجواب ما دام من الشروط: ألا يملك الإنسان بيتاً وهي قد ملكت فلا يحل لها أن تقدم بطلب أرض، وتدع الأرض لمن يحتاجها؛ لأن كلمة: (ألا يكون لها بيت تسكن) عام، سواء كانت أخذته بمنحة سابقة، أو كانت اشترته، أو كانت ورثته، المهم بلغها: أنها إن كانت قدمت شيئاً فلتسحب التقديم، وإن كانت لم تقدم فلتمتنع عنه. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 17 حكم إعطاء الأم زكاتها لأبنائها السؤال ما حكم إعطاء الأم زكاتها لأبنائها؟ الجواب الأم إذا أعطت زكاتها لأبنائها إن كان عندها مال واسع يمكنها أن تنفق على أولادها فإنه لا يحل لها أن تعطي أولادها شيئاً، يجب عليها أن تنفق عليهم من مالها، أو كان لهم أب يقوم بالكفاية فلا يحل لها -أيضاً- أن تعطي أبناءها من الزكاة؛ لأنهم مستغنون بأبيهم، وإن كان مالها قليلاً لا يتسع للإنفاق عليهم وليس عندهم مال يجب إنفاقه عليهم فلا بأس أن تعطيهم، كذلك إذا كانت تريد أن تعطيهم لقضاء ديون عليهم فلا بأس أن تقضي دينهم من زكاتها؛ لأن الأب لا يلزمه أن يقضي الدين عن ابنه، فإذا قضى الدين عن ابنه من زكاته فلا بأس، أو قضت المرأة الدين عن ابنها من زكاتها فلا بأس. السائل: يعني: هل يجوز يا شيخ؟ الشيخ: يجوز لكن بشرط ألا يجب عليها نفقتهم، فإن وجبت عليها نفقتهم أو كان عندهم من ينفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 18 حكم تعليق إعلانات الحج والعمرة داخل المسجد السؤال ما حكم تعليق بعض الإعلانات للحج والعمرة داخل المساجد؟ الجواب لا يجوز أن تعلق الإعلانات للحج والعمرة داخل المسجد؛ لأن غالب الذين يأخذون هذه الرحلات يقصدون الكسب المالي فيكون هذا نوعاً من التجارة، لكن بدلاً من أن تكون في المسجد تكون عند باب المسجد من الخارج. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 19 حكم الإزار إذا كان على الكعبين السؤال إذا كان الإزار على الكعبين هل يعتبر مسبلاً؟ الجواب إذا كان الإزار على الكعبين أو القميص على الكعبين أو المشلح على الكعبين أو السروال على الكعبين فإنه لا يعد إسبالاً، الإسبال ما كان أسفل من الكعبين، كما جاء في الحديث: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) . الجزء: 151 ¦ الصفحة: 20 حكم استخدام التبرعات العينية التي تصل الحلقات الخيرية استخداماً شخصياً السؤال بالنسبة للتبرعات العينية التي تصل الحلقات الخيرية، مثل: مستلزمات الرحلات من الخيام وغيرها، هل يجوز لي أن أستخدمها استخداماً شخصياً كأن أخرج بها مع الأهل مثلاً؟ الجواب الأشياء التي تبرع بها لشيء معين لا يجوز صرفها في غيرها إلا إذا تعطل هذا الشيء المعين فتبذل في مثله، وعلى هذا فالخيام والأواني والغاز وشبهه مما يكون للأعمال الخيرية لا يجوز للإنسان أن يستخدمه لمصلحته الخاصة، هذا عدوان على هذه الجهة من وجه، وأيضاً عدوان على الذين تبرعوا؛ لأن الإنسان إذا تبرع فإن هذا الذي أخذ التبرع يعتبر وكيلاً عنه، والوكيل لا يتصرف في غير ما وكل به، إذا كانت الجهة هذه لا تحتاجها ولا تتضرر هذه الأشياء باستعمالها ورأى من المصلحة أن يؤجرها بأجرة تامة ليست رمزية فلا بأس. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 21 حكم الجلوس مع من يشربون الدخان السؤال رجل والده وإخوانه يشربون الدخان، وإذا ذهب ليسلم عليهم يشربون الدخان أمامه، فهل يقعد معهم أو يذهب؟ الجواب هم أبناؤه؟ السائل: هم إخوانه وأبوه. الشيخ: أولاً: يجب على هذا الذي له أب وإخوان يشربون الدخان إذا ذهب إليهم أن ينصحهم ويعظهم ويرشدهم ويبين لهم مضار الدخان الدينية والجسمية والمالية، فإن انتهوا فهذا المطلوب، وإن لم ينتهوا فعليه أن يصلهم لكن إذا كانوا يشربون أمامه فإنهم إذا شرعوا في الشرب يجب عليه أن يقوم من مكانه؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يجلس مع أهل المعصية إلا إذا كان يرغب أن يناله ما ينالهم من العقوبة. السائل: حتى لو كان والده يقول له: اجلس. الشيخ: ولو كان والده، الوالد لا يطاع في معصية الله، كما قال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:14-15] . الجزء: 151 ¦ الصفحة: 22 حكم الاستمناء والواجب على من استمنى في نهار رمضان السؤال شاب استمنى في نهار رمضان، فماذا يجب عليه؟ الشيخ: أولاً: يجب أن تعلم أن الاستمناء محرم سواء كان باليد أو بالتمرغ على الفراش أو بأي وسيلة؛ لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7] ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حث الشباب على النكاح، فقال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ولم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء آخر مع أنه أهون من الصوم وأدعى للقبول ومع ذلك لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان جائزاً لأرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه أشد الناس رأفة بأمته، فعلى هذا الذي فعل أن يتوب إلى الله من الاستمناء نفسه، ثم عليه أن يتوب توبة أخرى من كونه فعل ذلك في نهار رمضان، ومن تمام توبته في المسألة الثانية أن يقضي اليوم الذي فعل فيه هذا الاستمناء. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 23 حكم الاستقراض من البنك الربوي بدون فائدة السؤال هناك رجل يريد أن يتدين من بنك ربوي بشرط دون زيادة؟ الجواب يعني يستقرض منه. السائل: نعم، فما حكمه؟ الشيخ: لا بأس، يجوز للإنسان أن يستقرض من البنك الربوي بدون ربا، ويجوز أن يشتري منه سلعة إذا كان عنده سلع يبيعها، ويجوز أن يبيع عليه أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل اليهود واشترى منهم، وقبل هديتهم، وأجاب دعوتهم وأكل، مع أن المعروف أن اليهود كانوا يتعاملون بالربا ويأكلون السحت، والقاعدة عندي: أن ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط أما على غيره فإنه حلال إذا أخذ بطريق حلال، ما حرم لكسبه فهو حرام على من؟ السائل: على الكاسب. الشيخ: فإذا أخذ من هذا الكاسب بطريق حلال فليس بحرام، أما ما حرم لعينه كشيء مغصوب تعرف أن هذا الشيء مغصوب أو مسروق فإنه لا يحل لك أن تقبله ولا تشتريه، وكذلك ما حرم لعينه على سبيل العموم كالخمر والدخان وما أشبه ذلك فلا يجوز أن تقبله ولا تشتريه. إذاً: الجواب على سؤالك ماذا كان؟ السائل: يجوز. الشيخ: يجوز أن يستقرض من البنك بدون ربا. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 24 حكم ترك الجمع بين الصلاتين بسبب المطر لمن لا يرى الجمع السؤال إذا جمع إمام المسجد صلاة العصر مع صلاة الظهر لوجود المطر الشديد، فهل يجوز لمن لم ير الجمع بأن يخرج من المسجد؟ وماذا يفعل المصلي في راتبة الظهر؟ الجواب إذا جمع الإمام بين الظهر والعصر في المطر وكان في المأمومين من لا يرى ذلك فليصل معهم بنية النافلة؛ لأن صلاته بنية النافلة أجر وثواب وموافقة للأصحاب، وخروجه يتضمن الشقاق والاختلاف، وأن يكون فعله هذا سبباً لتسلط الألسن عليه، ورحم الله امرأً كف الغيبة عن نفسه. فنقول إذاً: يصلي معهم بنية النافلة، أما من جمع بين الظهر والعصر لمرض أو سفر أو مطر أو لأي سبب مبيح فإنه يصلي راتبة الظهر البعدية بعد صلاة العصر ولا حرج عليه، وهذا مستثنى، لكن لا يصلي غيرها؛ لأنه عندما صلى العصر ولو كان في وقت الظهر دخل وقت النهي في حقه. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 25 حكم أبناء تزوج أبوهم امرأة ثم طلقها قبل أن يخلو بها أو يمسها السؤال رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يحصل خلوة ولا مساس، فما الحكم بالنسبة للأولاد؟ الجواب أولاد؟!! السائل: أولاد الرجل من امرأة ثانية. الشيخ: الحكم أن الزوجة المطلقة هذه محرم لهم؛ لأنهم من محارمها، بمعنى: أنه يجوز السفر بها والخلوة وأن تكشف لهم، إلا إذا وجد سبب يقتضي المنع؛ لأنه ربما يكون هناك فتنة لو خلا بها أحد الأولاد فإنها امرأة أبيهم التي لم يدخل بها، لا يكون عندهم من الإحساس والغيرة ما يمنعهم من مواقعة المحظور، وإلا فالأصل أن الرجل إذا عقد على امرأة وطلقها قبل الخلوة والدخول فإنها تحرم عليه هو ولا تكشف له وجهها، لكن بالنسبة لأولاده -أي: لأبنائه- فهم من محارمها وتكشف لهم ما لم يخش الفتنة. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 26 حكم استئذان الإمام العام للجهاد السؤال إمام عندنا خطب يوم الجمعة وقال: لا يشترط في الجهاد إمام عام ومن قال هذا فقد جانب الصواب؟ الجواب لا بد من الإمام لكن ما هو إمام عام، الإمام العام: إمام يكون على كل الأمة، وهذا شيء مضى من زمان، والأمة متفرقة حتى في عهد الصحابة كانت الأمة متفرقة، لكن الإمام الخاص الذي ينتمي إليه هذا المجاهد لا بد أن يأذن له وأن يساعده، أما الجهادات التي تكون من فئات، فهذه تبين الآن أن نتيجتها ليست على المطلوب، ولا يحتاج أن أمثل لكم؛ لأن الأمر واضح عندكم أن هذه تشبه العصابات، ولهذا حصل من الشر والفساد بعد ذلك ما هو معلوم الآن، حتى صار الذين يقاتل من أجلهم صاروا هم بين أنفسهم يقتتلون. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 27 جواز أكل البصل والثوم في غير أوقات الصلاة السؤال أحد المشايخ يقول: عجبت من أناس يقولون أذكار الصباح والمساء وهم يأكلون الثوم والبصل؟ الجواب أين وجه العجب؟ السائل: يعني: تذهب عنهم الملائكة وتتأذى منهم. الشيخ: هذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الملائكة تتأذى من آكل البصل، أو إنها تفر منه، لكنه نهى من أكل بصلاً أو ثوماً أن يدخل المسجد وقال: (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) والمراد: الملائكة الذين في المساجد الذين يعمرونها، ولو كان الرسول قال: كل من أكل ثوماً أو بصلاً فرت منه الملائكة وتأذت منه، لكان هذا يقتضي أن يكون حراماً كما قلنا: إن اقتناء الصور حرام؛ لأن الإنسان إذا اقتنى الصور فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، ولهذا لما فتح الناس خيبر ووقعوا في أكل البصل، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم كرهها فقالوا: إنها حرمت، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس لي تحريم ما أحل الله) فأباحها لهم. ولهذا نقول: إن أكل البصل والثوم والكراث وما أشبهها من النوابت التي لها رائحة ليس حراماً، لكن من أكلها فلا يقرب المسجد؛ لأن الملائكة تتأذى منه، نعم. لو فرض أن إنساناً أكلها ليجعلها وسيلة لترك الجماعة الواجبة عليه صارت حينئذ حراماً؛ لأنه تحيل على إسقاط الواجب، وهذا كما قال أهل العلم رحمهم الله: إن الإنسان لو سافر في رمضان من أجل أن يفطر صار السفر حراماً والفطر حراماً، يلزمه أن يصوم حتى في السفر؛ لأنه سافر تحيلاً على إسقاط الواجب، والتحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطه، كما أن التحيل على تحليل المحرمات لا يجعلها حلالاً. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 28 الواجب على من جامع زوجته مكرهة في نهار رمضان السؤال رجل جامع زوجته عشر مرات في رمضان خلال الثلاث السنوات؟ الجواب في يوم واحد؟ السائل: لا. متفرقة خلال ثلاثة أعوام دون رضا زوجته الشيخ: يعني: الزوجة مكرهة؟ السائل: إي نعم. ماذا عليه؟ الشيخ: أما الزوجة فلا شيء عليها ما دامت لا تستطيع المقاومة، أو أنها قاومت وعجزت فلا شيء عليها. وأما هو فعليه لكل فعلة كفارة، إذا كان عشر مرات أولاً إعتاق عشر رقاب، فإن لم يجد صام شهرين لكل فعلة وهي عشر مرات فيلزمه صيام عشرين شهراً، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً لكل فعلة أي: ستمائة، لكن لا يلزم أن يطعم الستمائة يمكن يكرر على الستين الإطعام عشر مرات. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 29 سبب قراءة سورة يس على المحتظر لا على الميت السؤال لماذا ذكر العلماء عند قراءة سورة يس تكون على المحتظر ولا تكون على الميت، مع أن ظاهر الحديث أنها على الميت؟ الشيخ: أولاً: اعلم أن الحديث هذا فيه مقال: فمن العلماء من ضعفه وقال: إنه لا يصح، ولهذا كفينا إياه. وأما على القول بأن الحديث حسن وأن العمل به جائز، فقالوا: إن المحتظر يستفيد من قراءتها أكثر مما يستفيد إذا مات، ويكون: (على موتاكم) أي: على الذين حضرهم الموت، وهذا له وجهة نظر؛ لأنه لم يعهد من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ على الموتى بعد ما يدفنون أو قبل أن يغسلوا، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالإسراع بالميت. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 30 حكم تأخير صرف المعاش الذي يكون عن طريق الشيكات السؤال رواتب المدرسين في القصيم تأتي عن طريق شيكات من أحد البنوك الربوية، فيعني لو كان المدرس عنده ظروف وأجل الصرف لأسبوع أو أقل أو أكثر هل عليه شيء؟ أو لا بد أن يبادر بسحبه؟ الجواب ليس عليه شيء، كل إنسان يحول على البنك فإنه لا يلزمه بأن يبادر بأخذه؛ لأننا لم نعلم أحداً يقول: من كان له حق على الشخص الذي يتعامل بالربا فيجب أن يبادر بأخذ حقه، فله أن ينقله، متى احتاجه أخذه. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 31 حكم القضاء من مال الزكاة لمن عليه دين ربوي السؤال من لزمه دين ربوي تعامل مع بنك ربوي ثم أفلس، فهل يعطى من الزكاة؟ الجواب من الذي أفلس؟ السائل: المستدين. الشيخ: نعم. يعطى من الزكاة؛ لأنه مدين داخل في قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:60] أما بمقدار رأس المال فلا إشكال فيه، وأما بالزيادة الربوية فإن كنا في بلد لو رفع الأمر إليه لألغى هذه الزيادة قلنا: لا تساعدوه؛ لأن بإمكان هذا الغارم أن يتخلص منها، وإن كنا في بلد يحكم بهذه الزيادة الربوية فمعناه: أنه لا بد لهذا المدين من إيفائه فيعطى لإيفائه، ولا يقال: إن هذا معونة على الإثم والعدوان؛ لأن الإثم في الأصل على آخذ الربا أو على معطي الربا؟ الأصل على الآخذ؛ لأنه الظالم، أما هذا فمظلوم، فالآن نريد أن نخلصه من هذا الظلم. ولكن رأيي في الموضوع: أنه إذا تعاقد طرفان على مسألة ربوية سواء في البنوك أو غيرها برضاهما جميعاً فإننا لا نعطي آخذ الربا الزيادة الربوية، ولا نعفي معطي الربا من أخذها، نأخذها ونجعلها في بيت المال؛ لأن كل أحد من هذين قد عصى الله سبحانه وتعالى فلا نمكنه من أن يستمر في معصيته. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 32 حكم الزواج بنية الطلاق السؤال هل يجوز للرجل أن يتزوج المرأة بنية الطلاق وقت الضرورة؟ الجواب أسألك الآن: لو كان لك بنت وأراد شخص ما أن يتزوجها بنية الطلاق هل تزوجه؟ السائل: لا أعرف الحكم في هذا. الشيخ: لا أريد الحكم، إنسان تعرف أنه يريد أن يتزوج بنتك ما دام في هذا البلد، ومن ثم يطلقها تزوجه أو لا تزوجه؟ السائل: لا أزوجه. الشيخ: لا تزوجه، إذاً إذا أضمر هذه النية يكون قد غش البنت وأهلها، وتعرف أن الغش حرام، هو صحيح فيه رفق بالمتزوج أن يحصن فرجه وأن يسلم من الزنا، لكن فيه ضرر على البنت وأهلها، فيكون هذا العقد متضمناً للغش والغش حرام، لكن لماذا لم يتزوج زواجاً بنية مطلقة؟ وهو إذا تزوج بنية مطلقة ثم بدا له أن يطلقها لكونه رجع إلى بلده أو لأنها لم تعجبه فالأمر واسع. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 33 التفريط في صلاة الجماعة وعلاج ذلك السؤال لي صديق لا يصلي معي جماعة في المسجد بعض الفروض، وذلك بسبب تفريط في النوم حيث يغيب عن صلاة الجماعة في صلاة الفجر وفي صلاة العصر في الأغلب، وهو لا يعمل بالأسباب التي تساعده على الاستيقاظ من النوم، حيث أنه يغلق باب حجرته على نفسه، وبعد مناصحة له يقول: إنه لا يتعمد النوم، مع أن نومه زائد عن الحد الطبيعي، والسؤال يا شيخ: هل نستمر في مناصحة هذا الصديق، أم نبتعد عنه ونهجره مدة معينة لكي يرتدع؟ وهل هذا الصديق يعتبر جليساً طيباً مع وجود صفات كثيرة من التحلي ببعض الأخلاق الحميدة وشيم الرجال أم يعتبر جليس سوء ويجب الابتعاد عنه؟ ونلاحظ يا شيخ ألا يمر يوم على هذا الرجل إلا وقد أضاع فرضاً أو فرضين أو ثلاثة؟ الجواب لا شك أن هذا الرجل ممن قال الله فيهم: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة:102] بل فقد الوصف الأول حيث وأنه لم يعترف بالذنب؛ لأنه يقول: إنني نائم والنائم لا مؤاخذة عليه، لكن يجب أن يتخذ الوسائل التي يستيقظ بها من ساعة منبهة أو من صديق له يقول إذا حان الوقت يضرب عليه التليفون أو لأهله، أما كونه يغلق الباب على نفسه وهو يعلم أنه لن يستيقظ فهذا متعمد لترك الجماعة، وقوله: إني نائم ليس بعذر؛ لأن عنده من يوقظه، فأنتم استمروا في مجالسته مع النصح وقولوا له: إن لم تفعل فإننا سوف نهجرك، هددوه بهذه العقوبة فربما يكون عند التهديد مستقيماً إن شاء الله. السائل: يا شيخ عنده منبه ساعة في حجرته، هل يعني أن نعذره في هذا، يقول: أنا عندي شيء يسعدني لكن أريد أن أغلق الباب على نفسي. الشيخ: القضية الخاصة ربما يريد أن يغلق الباب على نفسه؛ لأن عنده الصبيان. السائل: لا. هو سكن الجامعة يا شيخ. الشيخ: يعني ما عنده أحد يزعجه. السائل: ليس معه رفيق في نفس الحجرة، وعنده منبه لكنه يغلق الباب. الشيخ: إذا كان عنده منبه لماذا لم ينتبه؟ السائل: لا يستيقظ عليه؛ لأنه ثقيل النوم. الشيخ: إذا كان ما يستيقظ عليه فمعناه: وجوده كالعدم. السائل: نعم. الشيخ: إذا كان لا يستيقظ على هذا المنبه -يعني: وجوده كالعدم- فلا بد أن يفتح الباب، أو يعطي صاحباً له مفتاح الباب ويغلق على نفسه، ثم إذا جاء صاحبه فتح عليه الباب. وقل له: إن فعل هذا -أي: أعطى صاحبه مفتاحاً وأغلق الباب- فلينزع المفتاح من القفل؛ لأنه إن بقي لم يستطيع أحد أن يفتح. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 34 حكم قطع آذان الماعز والكي بقصد الزينة ورفع السعر السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما يفعله رعاة الغنم عندما يقومون بقطع آذان الماعز وكي قرونه بقصد الزينة وقصده رفع السعر، علماً بأن الكي والقطع يؤذي الحيوان، فما رأي الشرع في هذا؟ الجواب أولاً: في هذا السؤال ملحوظتان: الملحوظة الأولى: إلقاء السلام؛ لأننا لا نعلم أن الصحابة إذا أرادوا أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم يلقون عليه السلام إلا إذا دخلوا ليحضروا. الملحوظة الثانية: قولك: ما حكم الشرع في هذا؟ لأني لا أود أن يوجه السؤال لشخص يمكن يخطئ ويمكن يصيب، فيقال: ما رأي الشرع؛ لأنه إذا أجاب بخطأ صار الشرع خطأً. أما بالنسبة لقطع الآذان فكان أهل الجاهلية يقطعون آذان البهائم لعقيدة وهي: أن هذه البهيمة -مثلاً- إذا ركبت كذا وكذا مدة من السنين قطعوا آذانها إشارة إلى أنها محترمة لا يجوز أكلها، أو إذا حملت هذه الناقة عدة بطون كذلك فعلوا بها، أو إذا أضرب الجمل مدة معينة فعلوا به كذلك، وهذه لا شك عقيدة باطلة ولا تعتمد، أحياناً يكون قطع الآذان من أجل زيادة الثمن كما نسمع الآن أن بعض البهائم المقطعة آذانها تبلغ قيمتها عشرة آلاف، وأنا أرى أن هذا من السفه بالنسبة للمشتري، هذه البهيمة -مثلاً- التي تساوي مائتين قطع آذانها يجعلونها بخمسة آلاف أو ستة آلاف هل زادت بقطع الآذان؟ لا. هي هي طبيعتها ولبنها وكلها سواء، لذلك نرى أن هذا في الواقع من السفه، لكن بالنسبة لقطع الأذن من حيث هو لا بأس به إلا أنه يشترط أن يبنجها عند القطع لئلا تتألم بشيء ليس ضرورياً، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون كانوا يسيمون إبل الصدقة -يكوونها بالنار- ولا شك أنها ستتألم، وربما يتعفن الجرح وتتأذى أكثر. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 35 حكم من دخل مسجداً ولم يصل المغرب ووجدهم يصلون العشاء السؤال سافرنا من المدينة إلى القصيم وأخرنا صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، وأدركنا ركعتين من صلاة العشاء في إحدى القرى، فهل نجعلها نافلة ونعيد صلاة المغرب من الأول جماعة؟ الجواب إذا دخل الإنسان المسجد وهو لم يصل صلاة المغرب ووجدهم يصلون صلاة العشاء وأدرك معهم ركعتين فليجعلها مغرباً -ينوي المغرب- فإذا سلم الإمام يقضي واحدة، وإذا دخل معهم في الثانية من صلاة العشاء وسلم الإمام يسلم معه؛ لأنه صلى ثلاثاً، وإذا دخل معهم من أول الصلاة وهو ينوي صلاة المغرب فإنه إذا قام الإمام إلى الرابعة لا يمكن أن يتابعه، فإذا تابعه بطلت صلاته، بل يجلس ويقرأ التشهد ويكمل ويسلم، ثم يقوم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء ويتمها أربعاً؛ لأن المسافر إذا صلى مع إمام وهو يصلي أربعاً وجب عليه أن يتم أربعاً. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 36 حكم لبس الساعة المطلية بالذهب أو بصفار يشبه الذهب السؤال ما حكم لبس الساعة المطلية بالذهب أو بصفار يشبه الذهب؟ الشيخ: أما بالنسبة للمرأة فلا بأس بها إذا لم تكن ساعة رجالية، لكن الرجال إن كانت مطلية بطلاء يشبه الذهب وليس ذهباً فلا بأس بها، ولكننا ننصح بعدم لبسها؛ لأن من رآها يظنها ذهباً وحينئذ إن كان الرجل قدوة اقتدى به الناس وقالوا: الذهب لا بأس به، وإن كان غير قدوة صار شماتة للناس وصاروا يتكلمون فيه، والحمد لله يوجد ساعات غير مطلية بهذا النوع كثيرة، وأما إذا كانت مطلية بالذهب نظرنا إذا كان الذهب له سمك فهذا لا يجوز إطلاقاً، وإن كان مجرد لون فهو جائز لكن ننصح بعدم ذلك للعلة التي ذكرناها. وإلى اللقاء إن شاء الله في الأسبوع القادم، وفقنا الله وإياكم للعلم النافع، والعمل الصالح، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 151 ¦ الصفحة: 37 لقاء الباب المفتوح [152] الحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض عين بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه فهو كافر، وقد فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة، وحج النبي عليه الصلاة والسلام في السنة العاشرة من الهجرة، ويجب على كل من أراد الحج أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحج كحجه عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم) فأمرنا أن نقتدي به في حجه عليه الصلاة والسلام. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 1 صفة حج النبي عليه الصلاة والسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام (1417هـ) . وبما أننا على أبواب الحج فإننا سنجعل بدلاً عن التفسير كلاماً في الحج. فنقول وبالله التوفيق: أولاً: الحج مرتبته من الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) . وهو فرض بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً؛ لأن وجوبه مما علم بالضرورة من دين الإسلام، ومن تركه متهاوناً فإنه على خطر؛ لأن من العلماء من قال: إذا ترك الحج تهاوناً فإنه يكفر؛ لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وعلى هذا فالإنسان على خطر إذا تركه. وقد فرض الله تعالى الحج في السنة التاسعة للهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، فخرج من المدينة في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، ووصل إلى مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وكان معه الهدي عليه الصلاة والسلام فأحرم قارناً -أي: بالحج والعمرة جميعاً- قال: لبيك حجاً وعمرة. وأما من معه من المسلمين فانقسموا إلى ثلاثة أقسام: 1- منهم: من كان قد ساق الهدي فأحرم قارناً كالنبي صلى الله عليه وسلم. 2- ومنهم: من لم يسق الهدي فحج مفرداً. 3- ومنهم: من تمتع. فصاروا على ثلاثة أقسام: منهم من أحرم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، ومنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة وحج. وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت فبدأ بالطواف، فطاف سبعة أشواط مبتدئاً بالحجر، وفي هذا الطواف رمل ثلاثة أشواط -أي: أسرع في مشيه- ومشى أربعة أشواط، وفي هذا الطواف اضطبع بردائه فجعل وسطه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر من ابتداء الطواف إلى انتهائه. ثم تقدم بعد الطواف إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] وصلى ركعتين قرأ فيهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في الركعة الأولى، وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مع الفاتحة. ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] (أبدأ بما بدأ الله به) فصعد على الصفا حتى رأى الكعبة فرفع يديه يدعو ويكبر ويهلل، وكان من ذكره في هذا المكان أن قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثالثة، ثم انحدر متجهاً إلى المروة. وفي طريقه مر بالوادي مجرى السيل وهو نازل، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى عليه الصلاة والسلام -أي: ركض ركضاً شديداً- حتى صعد، ثم مشى إلى المروة، والوادي ليس موجوداً الآن؛ لأن السيول صرفت يميناً وشمالاً لكن موجود فيه علامة ذلك وهي العمود الأخضر من ابتداء أركان الوادي إلى انتهائه، صعد على المروة واتجه إلى القبلة وقال ما قاله على الصفا حتى أتم سبعة أشواط مبتدئاً بـ الصفا ومنتهياً بـ المروة، فكان أول ابتدائه من الصفا وآخر شوط على المروة. ثم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوا نسكهم عمرة، وأن يقصروا ويحلوا من إحرامهم الحل التام حتى النساء، ثم خرج من مكة ونزل في الأبطح بظاهر مكة حتى كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فخرج إلى منى وأحرم من حل من عمرته من مكانه، ثم توجه إلى منى في ضحى يوم الثامن ونزل فيها، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع. ولما طلعت الشمس سار إلى عرفة ونزل بمكان قبل عرفة يقال له: نمرة، حتى زالت الشمس، ثم ركب ناقته بعد ذلك -بعد زوال الشمس- ونزل في بطن الوادي وادي هرنة وخطب الناس خطبة عظيمة بليغة، ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام وصلى العصر جمعاً وقصراً، ثم ركب حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه عليه الصلاة والسلام عند الصخرات عند جبل عرفات، وعليه الآن علم قائم منصوب، وقف هناك إلى أن غربت الشمس، وكان على بعيره عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى يبتهل إليه؛ لأن خير الدعاء دعاء يوم عرفة. ولما غابت الشمس واستحكم غروبها دفع متجهاً إلى مزدلفة، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالسكينة، وكلما أتى جبلاً من الجبال -يعني: أتى شيئاً مرتفعاً -أرخى لناقته الزمام حتى تصعد، وكلما وجد فجوة أسرع، وفي أثناء الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة بن زيد وكان رديفه على ناقته: (الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك) أي: في مزدلفة، وصل إلى مزدلفة بعد دخول وقت العشاء فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم اضطجع في محل نزوله حتى تبين الصبح. فلما تبين الصبح صلى الفجر بأذان وإقامة، ولم يذكر في هذه الليلة أنه أوتر ولا أنه صلى سنة الفجر، لكن المعروف من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وكذلك لا يدع ركعتي الفجر حضراً ولا سفراً، وبناءً على هذا العموم نقول: إن الوتر مشروع ليلة مزدلفة وكذلك سنة صلاة الفجر. ثم ركب بعد أن صلى الفجر حتى أتى المشعر الحرام، فوقف عنده ودعا ووحد الله وكبره إلى أن أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى على راحلته، ووقف عند الجمرة وأمر ابن عباس أن يلتقط له سبع حصيات فقط أخذهن بيده صلوات الله وسلامه عليه، وجعل يوترهن ويقول: (بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين) فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة. ثم انصرف إلى المنحر فنحر وكان أهدى مائة بعير فنحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين بعيراً، وأعطى علي بن أبي طالب الباقية فنحرها، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بلحومها وجلالها -يعني: حتى جلالها التي كانت مغطاة بها الظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به- وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها. ثم حلق عليه الصلاة والسلام رأسه وحل من إحرامه التحلل الأول، فتطيب صلى الله عليه وسلم ونزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فطاف سبعة أشواط وليس فيها رمل ولا اضطباع؛ لأن الرمل والاضطباع لمن هم في الطواف الأول، ولم يسع بين الصفا والمروة؛ لأنه كان سعى بعد طواف القدوم، والقارن والمفرد إذا سعيا بعد طواف القدوم فإنهما لا يعيدان السعي، وصلى بـ مكة الظهر. ثم خرج إلى منى وبقي فيها ليلة الحادي عشر، وفي اليوم الحادي عشر بعد الزوال ذهب ماشياً إلى الجمرات فرمى الجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً ووقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله، ودعا دعاءً طويلاً ثم انصرف، ثم اتجه إلى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً حتى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه إلى الله ودعا دعاء طويلاً، ثم رمى جمرة العقبة وانصرف إلى رحله. وفي يوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر، وفي اليوم الثالث عشر فعل كذلك مثلما فعل في اليومين قبله؛ لأنه تأخر، وكان رميه صلى الله عليه وسلم في الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر، ولهذا لما رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال نزل إلى مكة وصلى الظهر في الأبطح في المحصف، وبات تلك الليلة -ليلة الرابع عشر- هناك، وفي آخر الليل أمر بالرحيل، فارتحل إلى المسجد الحرام وطاف بالبيت طواف الوداع وصلى الفجر بعد ذلك، ثم رجع قافلاً إلى المدينة. هذا هو خلاصة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ولنا في هذا وقفات: الجزء: 152 ¦ الصفحة: 2 أعمال أيام الحج الموقف الأول: أيام الحج تبين أنها ستة أيام، وهي: اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 3 أعمال اليوم الثامن من أيام الحج فماذا نفعل في اليوم الأول -الثامن-؟ يحرم الحجاج المحلون بالحج ضحى اليوم الثامن وينزلون في منى ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، هذه أعمال اليوم الثامن وليلة التاسع. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 4 أعمال اليوم التاسع من أيام الحج في اليوم التاسع ينصرف الحجاج من منى إلى عرفة وينزلون إذا تيسر لهم في نمرة، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يستمروا في سيرهم إلى عرفة فيصلون فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع يكون جمع تقديم؛ من أجل أن يتسع الوقت للدعاء، ويتفرق الناس في مواقفهم، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع جمع تقديم في يوم عرفة لهذا السبب؛ أولاً: ليطول وقت الوقوف، وثانياً: ليتفرق الناس في مواقفهم؛ لأنهم لو تفرقوا قبل أن يصلوا العصر ما اجتمعوا على صلاة، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمع تقديم، ثم إن الموقف الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو متعين أو كل عرفة موقف؟ استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فأنت إذا وقفت في مكانك أديت السنة، ولا سيما في وقتنا الحاضر مع شدة الزحام والضياع الكثير لمن ذهب ليقف في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الأفضل أن يبقى في مكانه. ثم اعلم أنك لو ذهبت إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم فأنت على خطر من الضياع ومن الجوع والعطش، ولن يتسنى لك أن تقف في ذلك الموقف إلى أن تغرب الشمس؛ لأنك لا بد أن تعود إلى رحلك قبل غروب الشمس وإلا لضعت بين هذه السيارات وفات الخشوع الذي يطلب من الإنسان في مثل هذه المشاعر، فالأفضل إذاً أن تقف في مكانك درءاً لهذه المفاسد أو لهذه المضارب. في يوم عرفة يقف الناس في عرفة -بعد الصلاتين الظهر والعصر جمع تقديم- إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس، ودليل ذلك: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: (خذوا عني مناسككم) وهذا أمر أن نتأسى به. ثانياً: لو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك أيسر وأرفق بالأمة حيث يدفعون نهاراً، وقد كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ونحن إذا قلنا: إن الأيسر أن تدفع في النهار وقد امتنع منه الرسول صلى الله عليه وسلم نعلم أنه إثم؛ لأن من هديه أن يختار الأيسر ما لم يكن إثماً. ثالثاً: أننا لو دفعنا قبل الغروب لكان في ذلك مشابهة بالمشركين ومخالفة لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشركين يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس، إذا كانت الشمس على رءوس الجبال كالعمائم على رءوس الرجال دفعوا. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 5 أعمال اليوم العاشر من أيام الحج في ليلة العيد ينزل الحجاج في مزدلفة فهل لهم أن يدفعوا قبل أن يصلوا الفجر؟ نقول: نعم. النساء والضعفاء الأفضل أن يتقدموا في الدفع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم، والإنسان لا ينبغي له أن يعدل عن الرخصة لا سيما في وقتنا الحاضر مع الزحام، فإن الأولى أن يدفع النساء والصغار ومن لا يحتمل مزاحمة الناس في آخر الليل من أجل أن يرموا الجمرة قبل زحمة الناس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للنساء والصغار أن يدفعوا من آخر الليل. في مزدلفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الفجر عند المشعر الحرام، لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] وهل لا بد أن يكون الوقوف هناك -أي: عند المشعر الذي هو محل المسجد اليوم-؟ لا. ليس من الضرورة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر وقال: (وقفت هاهنا وجامة كلها موقف) وجامة هي في مزدلفة. في يوم العيد وبعد الوصول إلى منى فهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ما يأتي: أولاً: رمى، ثم نحر، ثم حلق وحل، ثم نزل وطاف، وهذا هو الأفضل أن الإنسان يرتبها هكذا، الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي لمن كان متمتعاً أو مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، هذه الأنساك الخمسة أو الأربعة لو أن الإنسان قدم بعضها على بعض فهل عليه من حرج؟ الجواب لا. اسمع الجواب من الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان لا يسأل في ذلك اليوم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) حتى قال له سائل من الناس: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) وهذا من رحمة الله عز وجل أن جعل فسحة للناس في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض حتى لا يجتمعوا على شيء واحد؛ لأن الناس إذا اجتمعوا كلهم على الرمي أو كلهم على الطواف أو كلهم على النحر لحصل في ذلك مشقة، لكن إذا فسح الأمر فصار هذا يذهب إلى مكة ويطوف، وهذا يذهب إلى المنحر وينحر، وهذا يذهب إلى المرمى ويرمي، حصل في ذلك توسعة. ورد في بعض الأسئلة التي وردت على الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم أن السائل يقول: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا. وورد في بعضها الإطلاق، فهل نأخذ بهذا القيد ونقول: إنه لا يجوز اختلاف الترتيب إلا لإنسان لم يشعر؟ الجواب: لا. لا نقيد هذا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (افعل ولا حرج) وهذا شيء في المستقبل، لو قال: لا حرج عليك لقلنا: ربما يكون هذا الجواب مبنياً على السؤال، وأنه لا حرج على الإنسان إذا قدم بعضها على بعض في عدم الشعور، لكن لما قال: افعل ولا حرج. و (افعل) كما يعرف الناس أنها للمستقبل، علمنا أن الترتيب ليس بواجب، ولهذا لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصحح ما وقع ويمنع مما يستقبل قال لـ أبي بكرة حينما ركع قبل أن يصل الصف: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولو كان هذا الترتيب واجباً لقال للسائل: لا حرج ولا تعد. على كل حال: المتأمل للسنة في هذا يتبين له أن الأمر واسع، وأنه لا حرج أن يقدم الإنسان بعضها على بعض، سواء كان لعذر أو لغير عذر. إذاً في يوم العيد يفعل الحاج كم نسكاً؟ خمسة، إذا كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وأربعة إن كان مفرداً أو قارناً وسعى مع طواف القدوم؛ لأنه في هذه الحال يسقط عنه السعي. هذا في يوم العيد. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 6 أعمال اليوم الحادي عشر من أيام الحج في اليوم الحادي عشر ليلة الحادي عشر الناس نازلون في منى والنزول في منى واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كالسقاة والرعاة أن يدعوا المبيت في منى، رخص لعمه العباس أن ينزل إلى مكة ليتولى السقاية -سقاية الناس من زمزم- وهذه مصلحة عامة، ورخص للرعاة -رعاة إبل الحجيج- ألا يبيتوا في منى ويبيتوا في مراعيهم؛ لأنهم يشتغلون في مصلحة عامة، فدل هذا على أن غيرهم ليس له رخصة، وتهاون بعض الناس في المبيت بـ منى لا وجه له إطلاقاً، فمن أراد السنة والحج المبرور فليتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. في اليوم الحادي عشر يرمي الناس الجمرات بعد الزوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد الزوال، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولولا أن الرمي قبل الزوال لا يصح لرخص للضعفاء والنساء أن يرموا قبل الزوال كما رخص لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس في يوم العيد، ولو كان جائزاً -أعني: الرمي قبل الزوال- لفعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرمي قبل الزوال أيسر على الناس من الرمي بعد الزوال. إذاً الرمي بعد الزوال معناه: انتظار اشتداد الحر، وهذا يشق على الناس، فلو كان الرمي في الصباح جائزاً لكان أيسر على الأمة، فلما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظر حتى الزوال علمنا أن الرمي قبل الزوال ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . ويدلك على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين -أي: ينتظر حتى تزول الشمس- ومن حين تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر، فكأنه ينتظر -كما يقولون- بفارغ الصبر أن تزول الشمس حتى يرمي. ولا يغرنك ترخيص بعض العلماء المبني على غير قاعدة شرعية، ولو أننا أردنا أن نأخذ ترخيصاً مطلقاً لقلنا: كل أيام التشريق محل ذكر لله عز وجل، فارم في أي وقت شئت، لكن هذه أمور محددة {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] من ذكر الله في الأيام المعدودات رمي الجمرات، هل نأخذ بإطلاق الآية ونقول: متى شئت فارم؟ الجواب لا، لأن الأمر بالذكر هنا مطلق بينته السنة فلا تغتر، لكن إذا قال قائل: إذا قلتم: إنه لا يكون الرمي إلا بعد الزوال والحجاج يبلغون مليون وخمسمائة ألف كيف يتسنى أن يرمي هؤلاء فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، هذا صعب جداً؛ لأنك لو قسمت هذا العدد على هذا الزمن لوجدت أنه لا بد أن يرمي في الدقيقة كذا وكذا من المائة، أو نحو ذلك؟ نقول: الأمر واسع والحمد لله، يمكن أن ترمي بعد غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر من اليوم الثاني، والرمي بعد الغروب إن كان أداءً فهو أداء؛ لأن كثيراً من العلماء يقول: إن الرمي في أيام التشريق من الزوال إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، وإذا قلنا بأنه لا يمتد إلى الليل وأنه ينتهي بغروب الشمس قلنا: الرمي بعد غروب الشمس يكون قضاءً، فالحاج عجز أن يرمي في وقت الأداء، فليرم في وقت القضاء، والأمر واسع والحمد لله. فإن قال قائل: النهار تبع لليل، وأنت إذا قلت: ترمي اليوم الحادي عشر في ليلة الثاني عشر جعلت الليل تابعاً للنهار والحال أن النهار تابع لليل؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أليس الناس في عرفة يقفون من الزوال إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فليلة النحر الآن تابعة لليوم التاسع وهي ليلة العاشر فلا غرابة في هذا. إذاً في اليوم الحادي عشر ماذا نصنع؟ نرمي الجمرات الثلاث، مرتبة كما سمعتم: الأولى ثم الوسطى ثم العقبة. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 7 أعمال اليوم الثاني عشر من أيام الحج في ليلة الثاني عشر: يبيت الحجاج في منى، وعرفتم أن البيتوتة في منى واجبة، وأنه لا يجوز التهاون بها، وفي اليوم الثاني عشر نرمي الجمرات كما رميناها في الحادي عشر، ثم من أراد أن يتعجل فلينصرف من منى ومن أراد أن يتأخر فليبق؛ لأن الله خير، فقال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] وأيهما أفضل؟ التأخير أفضل؛ لأن الله أثنى على المتأخرين فقال: {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر، والتأسي به خير، ولأن في التأخر زيادة عمل صالح كالبيتوتة ورمي الجمرات. إذا انتهى الحج وأراد الإنسان أن يرجع إلى بلده فلا بد أن يطوف للوداع بدون سعي وبدون إحرام سبعة أشواط، ثم ينصرف فوراً إلى بلده ويكون طواف الوداع آخر شيء، وعلى هذا فمن طاف للوداع ثم خرج ورمى ومشى من منى فإن طوافه في غير محله، ويكون كالذي لم يطف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد أمر أن يكون طواف الوداع آخر شيء، ويسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: (إن صفية قد طافت طواف الإفاضة وكانت حائضاً، قال: فلتنفر) أي: ولا وداع عليها، ولحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف إلا أنه خفف عن الحائض) قال العلماء رحمهم الله: لو أخر طواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد فطافه عند السفر أجزأه عن طواف الوداع، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد، أي: لو دخلت المسجد وصليت الفريضة الرباعية أو الثلاثية أو الثنائية أجزأتك عن تحية المسجد، كذلك طواف الإفاضة فريضة، وهو أوكد من طواف الوداع، إذا طفته عند السفر أجزأك عن طواف الوداع، ولكن ماذا تنوي؟ نقول: النية هنا لها ثلاث صور: 1- إما أن ينوي طواف الوداع وحده. 2- أو طواف الإفاضة وحده. 3- أو ينويهما جميعاً. إذا نوى طواف الوداع وحده لم يجزئه عن طواف الإفاضة؛ لأنه لا يجزئ الأدنى عن الأعلى، وقد ذكرت لكم: أن طواف الإفاضة أعلى من طواف الوداع؛ بدليل: أن طواف الوداع يسقط عن الحائض وطواف الإفاضة لا يسقط. وإذا نوى طواف الإفاضة وحده أجزأ عن طواف الوداع، وإذا نواهما جميعاً حصلا له جميعاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) . الجزء: 152 ¦ الصفحة: 8 مسائل عند العامة في الحج يقولون: إن من عليه قضاء رمضان ولم يصم فلا حج له! وهذا غير صحيح لأنه لا علاقة بين قضاء رمضان والحج. ويقول بعضهم: من لم يعق عنه فلا حج له، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأنه لا علاقة بين الحج والعقيقة. ويقول بعضهم: إذا كانت المرأة حائضاً ولم تطف طواف الإفاضة لبست حفاظة على فرجها وطافت وهي حائض، وهذا لا صحة له؛ لأن هذا لو كان جائزاً؛ لقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صفية: لتستذفر بثوب وتطوف كما قال لـ أسماء بنت عميس حين ولدت في ذي الحليفة وأرسلت إليه: كيف أصنع يعني: في الإحرام؟ قال: (اغتسلي واستذفري بثوب وأحرمي) ولكن ماذا نفعل إذا كانت المرأة حائضاً ولم تطف طواف الإفاضة وأهلها سيسافرون ماذا تصنع؟ نقول: إن كانت في بلاد السعودية فأمرها سهل لها طريقان: إما أن تبقى هي ومحرمها في مكة حتى تطهر وتطوف، وهذا -والحمد لله- سهل ممكن أن تبقى هي ومحرمها، وإذا طهرت وطافت سافرا بأي وسيلة بطائرة بسيارة النقل الجماعي بسيارة خصوصية بأي وسيلة؛ لأنه سهل في المملكة. أو أنها تسافر إلى مكان عملها وتبقى على التحلل الثاني؛ لأنها لم تحل إلا التحلل الأول فلا يحل لزوجها أن يستمتع بها ولا يعقد عليها النكاح، فإذا طهرت عادت إلى مكة وطافت طواف الإفاضة، إلا أنه في هذه الحال ينبغي أن تحرم بعمرة من الميقات وتطوف وتسعى وتقصر للعمرة ثم تأتي بطواف الإفاضة، هذا إذا كانت في البلاد السعودية. وإذا كانت في الخارج فهنا نختار ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنها تتلجم تتحفظ -بأن تضع شيئاً على فرجها يمنع من تسرب الدم إلى المسجد- وتطوف ولو كانت حائضاً؛ وذلك للضرورة؛ لأن من لم تكن في المملكة يشق عليها الرجوع ويشق عليها أن تبقى مع محرمها متخلفة عن القافلة، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] فالضرورات تبيح المحظورات، فإذا كان طواف الحائض حراماً واضطرت إلى ذلك فإنها تفعل ما يخشى منه المحظور، وهو أن تتحفظ -تضع خرقة على فرجها حتى تمنع تسرب الدم إلى المسجد- وتطوف. ولعل ما قلناه الآن فيه الكفاية والله الموفق. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 152 ¦ الصفحة: 10 حكم من ترك واجباً من واجبات الحج ناسياً أو جاهلاً السؤال رجل أخذ عمرة ثم نسي أن يحلق شعره، فلبس المخيط، وعندما تذكر حلق شعره وهو لابس المخيط؟ الجواب جاهلاً. السائل: جاهلاً. الشيخ: لا شيء عليه؛ لأنه غاية ما يقال: إنه لبس المخيط قبل أن يحل من إحرامه وهو ناسٍ وجاهل فليس عليه شيء. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 11 حكم من استأجر محلاً لمدة معينة ثم باع صاحب المحل محله قبل انتهاء المدة السؤال استأجرت محل تجارة من شخص بعقد لمدة ثلاث سنوات، وبعد سنة من استئجاري للمحل قام ببيع المحل والمشتري يريد المحل حقه؟ الجواب يريد أن تخرج؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه بارك الله فيك لا يحلها إلا القاضي أو المصالحة بينكما، إما أن تصالحه وإما القاضي. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 12 حج الزوجة ليس واجباً على زوجها السؤال فضيلة الشيخ! أنا عندي زوجتين وكلهن لم يستطعن الحج مع أهلهن، فهل واجب علي حجهن في الوقت هذا؟ الجواب حج الزوجة ليس واجباً على زوجها إلا إذا كان مشروطاً عليه في عقد النكاح. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 13 الوعيد الذي يلحق صاحب الدش السؤال في فتاوى الدش هناك بعض طلاب العلم يقولون: إن أي شخص يركب هذا الجهاز لا يدخل الجنة، وإنما أفتوا بذلك اجتناباً للفتنة، فنريد توضيح المسألة؟ الجواب هذا بارك الله فيك ما فيه إشكال، نصوص الوعيد تبقى على عمومها لكن ما تطبق على كل شخص بعينه؛ لأننا ما نعلم قد يعفو الله عنه، فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله على رعاية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) هذا الحديث عام، فإذا وجدنا شخصاً قد ولاه الله على رعية ومات وهو غاش لها دخل في هذا الوعيد، لكن لا نشهد له بعينه بأن نقول: محمد يحرم عليه الجنة؛ لأنه غاش للرعية، هذا ليس فيه إشكال، لكن نظراً لأن العامة لا يفهمون الفرق بين التعيين والتعميم كتبنا بدل: حرم الله عليه الجنة، يخشى أن يلحقه الوعيد أو كلمة نحوها فقط، وإلا فالحديث عام وينطبق على هذا؛ لأننا لو سألنا أي أحد من الناس: هل الرجل استرعاه الله على رعيته على أهله؟ السائل: نعم. الشيخ: لا شك، هل من النصيحة والأمانة أن يجلب لهم هذا الدش أو يمكنهم منه مع قدرته على منعه؟ السائل: نعم. الشيخ: من الأمانة؟ السائل: من الأمانة أنه لا يدخله البيت. الشيخ: إذاً ليس من الأمانة، يكون غاشاً أو غير غاش؟ السائل: غاشاً. الشيخ: إذا مات يصدق الحديث، لكن لا تشهد لشخص بعينه، الآن -مثلاً- يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) وجدنا رجلاً يجر ثوبه خيلاء هل نشهد له بعينه أن الله لا ينظر إليه؟ السائل: لا نشهد بعينه. الشيخ: لكن نقول: أنت داخل في العموم، أما بعينه فلا يجوز أن نشهد؛ لأنه ربما يتوب الله عليه، أو يكون له حسنات تغمر السيئات، أو يستغفر له، أو يشفع له من يصلون عليه؛ لأنه: (ما من رجل مسلم يموت ويقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) . الآن مثلاً المؤمن الذي يعمل الصالحات في الجنة أم في النار؟ السائل: في الجنة. الشيخ: رجل نعلم أنه مؤمن يعمل الصالحات هل نشهد له بعينه في الجنة؟ لا. فيجب أن يعرف الناس الفرق بين التعميم وبين التعيين. رجل قتل في الساحة في الجهاد في سبيل الله على يد العدو (من قتل في سبيل الله فهو شهيد) هل نقول: هذا الرجل المقتول شهيد؟ الجواب: لا. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 14 التفصيل في جماعة التبليغ السؤال تعلمون أن جماعة التبليغ نشأت في بيئة بعيدة عن العلم الشرعي وقلة العلماء -علماء أهل السنة- كما هي عندنا ولله الحمد، ولكن هناك ثلاث نقاط أريد أن أسأل فضيلتكم عنها: هذه الجماعة يا شيخ لها أصول أسست عليها وهي أربعة أصول. الشيخ: ستة. السائل: لا. الأصول التي أسست عليها غير الأصول الستة، وما إلى ذلك من البدع والشركيات. الشيخ: بينها لنا من أجل أن يكون الجواب مبنياً على السؤال. السائل: ثم الشيخ: بين الأصول الأربعة أو الستة. السائل: يعني: الأصول الشيخ: أنا لا أستطيع أن أجيب إلا عن شيء. السائل: طرق يا شيخ الشيخ: ما هي الطرق؟ السائل: طرق صوفية أربع. الشيخ: ما هي؟ السائل: الطريقة السهرورودية والنقشبندية والقادرية الشيخ: ألم تعلم أن هذه الطرق من كانوا عندنا في المملكة لا يعرفون عنها شيئاً. السائل: أنا ما أسأل يا شيخ! عن الذين في المملكة بل عن هذه الجماعة بشكل عام، ثم إن هناك الصفات الست التي هي أصل منهجهم في الدعوة في إقامة حلق الذكر وما إلى ذلك، كذلك الكتاب الذي يعتمدون عليه خصوصاً خارج المملكة والجزيرة كتاب تبليغ النصاب، وفيه من البدع والشركيات التي ذكرها أهل العلم، كذلك هناك في معرض كلام سابق لكم عنهم يا شيخ! قلتم: بأنه ينقصهم العلم، فإذا كان العلم ينقصهم فإن أساس الدعوة وقبول العمل كما هو أساس قبول العبادة معدوم، كذلك يا شيخ! فيمن يخرج معهم قلتم: بأنه لا ينبغي أن يخرج إلا طالب علم يصحح ويتعلم ويعلم، هذه الجماعة يخرج معهم أناس ليس معهم من العلم شيء وقد يواجهون من البدع والشرك والشبه خصوصاً أنهم يدعون الكفار، نريد تعليقاً على هذه النقاط يا شيخ؟ الشيخ: بارك الله فيك، أما أنا نظري لهذه الفئة الذين في خارج البلاد ما أدري عنها وإن كنا نسمع من بعض الإخوة الذين ذهبوا من طلاب العلم وسمعوا خطبهم يقولون: ما رأينا شيئاً، بل هم يقولون: نحن نحملكم أيها السعوديون المسئولية أن تدلونا على ما يوافق الشرع، حدثني عن ذلك ثقتان من أهل بريدة ذهبوا واستمعوا إلى خطبهم، لكن مع ذلك نصيحتي: ألا يذهب أحد من إخواننا في المملكة إلى تلك البلاد؛ لأنهم مع قلة علمهم وفصاحة أولئك قد ينخدعون، فلذلك أرى أن تكون الدعوة هنا وأن يتلقوا أصول دعوتهم من العلماء عندنا، العلماء محاط فيهم؛ لأننا رأينا لهم تأثيراً بالغاً -الحق يجب أن يقال والباطل يجب أن يقال ويبين بطلانه- كم من فاسق هداه الله على أيديهم، بل كم من كافر اهتدى إلى الإسلام على أيديهم؛ لأن دعوتهم مبنية على السماحة والإيثار وطلاقة الوجه؛ وهذا من أساس الدعوة، لكن كونه يقول مثلاً: لا تأخذوا إلا بهذه الصفات دون ما سواها لا شك أن هذا من أكبر الأخطاء، فإذا قالوا: نحن نؤمن بهذه الصفات دون غيرها، قلنا: هذا خطأ عظيم وهذه الصفات ما هي إلا شعرة في جلد الثور، وأما إذا قالوا: لا. نحن نقول: هذه الصفات ولكن نقر غيرها. نقول: يجب أن تضيفوا إليها ما جاء في الكتاب والسنة، ولهذا أتمنى أن يكون أساس دعوتهم مبني على حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء جبريل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ثم قال: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) فلو أن أحداً من أهل العلم أسس قواعد تضاد الصفات السبع التي يقولون لكان في هذا خيراً كثيراً. السائل: يبقى الكافر الذي أسلم على أيديهم بشهادتين يعلمونه فقط -وأنا ممن خرجت إلى بنجلاديش وحضرت- يعلمونه فقط آداب النوم كيف يأكل وكيف يشرب. الشيخ: هذا حسن، لكن هل يقول: لا تتعلم غيرها؟ ألم تعلم أن هذه الآداب كثير من طلاب العلم عندنا لا يفقهونها، ومن عرفها لا يطبقها السائل: كافر يا شيخ! ما عنده من العلم شيء في أصول ديننا يا شيخ! وأركان الدين الإسلامي. الشيخ: نحن نعلمهم شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، معناها ولوازمها وبقية أركان الإسلام مثلما قال الرسول لـ معاذ: (أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله) . السائل: هم لا يعلمون هؤلاء. الشيخ: لا. يجب أن يعلموهم، هذا من جملة جهلهم، ولهذا أقول لطلاب العلم: ينبغي أن يخرجوا معهم ليبصروهم. السائل: فقط طلاب العلم يا شيخ؟ الشيخ: وأنا لا أرى أن يذهبوا إلى خارج البلاد. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 15 حكم المبيت في منى السؤال هل يلزم المبيت في منى النوم؟ الجواب لا. البقاء يكفي، وأيضاً يكفي البقاء معظم الليل ولا يلزم أن ينام كل الليل، يعني: صار الليل عشر ساعات وبقي ست ساعات كفى، لكن الأفضل أن يبقى جميع الوقت، وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس يقول: إن منى ضاقت ولا يجد بها مكاناً. فنقول: إذا لم يجد فيها مكاناً فلينزل عند آخر خيمة حتى يكون مع الناس، كما أن الرجل إذا لم يجد في المسجد مكاناً أين يصلي يذهب إلى بيته أم ماذا يصنع؟ يصلي مع الصفوف إذا اتصلت ولو في الطريق. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 16 حكم حج من عليه دين إذا وجد من يحججه السؤال رجل عليه دين فوجد من يحججه فهل له أن يحج؟ الجواب يعني معناه: إنسان عليه دين وإنسان يريد أن يتبرع ويعطيه مالاً يحج به كذا؟ السائل: نعم. الشيخ: ولا ينقصه للدين شيء، أي: لا يكون هذا عامل يعمل ولو فقيه ينفع أهل الدين، يعني: افرض أن هذا عامل عليه دين -مثلاً- عشرة آلاف وهو يعمل في حرفة يكسب كل يوم -مثلاً- خمسمائة ريال؛ إذا ذهب يحج يبقى على الأقل عشرة أيام كم يفوته من المكسب؟ السائل: خمسة آلاف. الشيخ: هل هذا الرجل عاطل يقول: سواء سافرت إلى الحج أو بقيت أنا لن أكسب شيئاً، فهذا نقول: لا مانع، خذ من صاحبك وحج به؛ بشرط ألا يخشى فيما بعد أن هذا الذي تبرع له بالمال يمن عليه، وكلما صار شيء قال: هذا جزائي حينما حججت بك، فهذا لا يلزمه أن يحج. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 17 حكم من حج متمتعاً ونسي التقصير السؤال بعض الحجاج يكون متمتعاً ويدخل في أعمال الحج ولم يقصر، هل يكون في هذه الحالة متمتعاً؟ الشيخ: أليس قد حل بعد السعي؟ السائل: بلى. الجواب حل الآن وهو متمتع وربما أنه يجهل وجوب الحلق، نعم نقول: هو متمتع (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولكن يبقى الآن أنه لا يمكنه أن يحلق؛ لأنه دخل في الإحرام، فالأحوط فيما أرى أنه يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء عن الحلق، بالإضافة إلى هدي التمتع. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 18 حكم امرأة أقرضت زوجها مالاً وقالت له: إن حججت عني سامحتك السؤال والدتي أقرضت والدي سبعة آلاف ريال وقالت له: إن حججت لي وأخذت ما يكفيك سامحتك في البقية، فهل هذا جائز؟ الشيخ: فريضة أم نافلة؟ السائل: لا. نافلة. الشيخ: والله لا بأس، لكني أرى ألا تفعل إن كانت تريد أن تحسن إليه تسامحه بلا شيء. السائل: هو اقترض منها هذا المال؟ الشيخ: أنا فاهم لكنه الآن لا يستطيع أن يوفي؟ السائل: نعم. لا يستطيع. الشيخ: إذا سامحته جزاها الله خيراً، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) . السائل: لكن لا يحج؟ الشيخ: والله لا أرى الاستنابة في حج النافلة، في نفسي منها شيء؛ لأننا نقول للإنسان: إما أن تحج أنت بنفسك ولا تدع أحداً يحج عنك، أنت الآن ما استفدت، الحاج يستفيد في طوافه وسعيه ووقوفه وأنت الآن كأنك أعطيتها دراهم لشخص بسلعة اشتريتها، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه: لا تصح الاستنابة في النفل مطلقاً. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 152 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [153] هكذا تمر السنوات، فيذهب عمر الإنسان مثل بساط يسحب من تحت رجليه سريعاً، ولكن بهدوء ودون إعلان، فيدرك الإنسان حينئذ أنه قد انتهى وذهب كما يذهب بياض الصفحة تحت سواد المداد. ولكن! ها هي فرصة المحاسبة والمعاتبة، والمراجعة والتوبة، لا زالت ماثلة يتحدث عنها هذا اللقاء، وعن أهمية الحرص على العلم، والاجتهاد في تحسين الخلق. يشمل هذا اللقاء -إضافة لما سبق- على إجابات قيمة لتساؤلات الحاضرين. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 1 نهاية العام دعوة للمحاسبة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والخمسون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الأول من شهر محرم عام (1418هـ) نفتتح به هذا العام الجديد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عاماً مباركاً علينا وعلى المسلمين، وأن يجعله عام أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، وتعاون على البر والتقوى، وتناهٍ عن الإثم والعدوان، إنه على كل شيء قدير. من المعلوم أن العام المنصرم مر بأحداثه المؤلمة والسارة والنافعة والضارة وكلٌ سوف يراه الإنسان، كما قال الله تبارك الله وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:6-8] . ومن المعلوم أن التاجر في نهاية عام تجارته ينظر في جداول عمله، وما ربح وما خسر في عامه المنصرم، حتى يستدرك ما فات، ويصلح ما فسد، وإذا كان هذا في تجارة الدنيا، فإن تجارة الآخرة يجب أن تكون أهم وأعظم في قلب الإنسان؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11] ، ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9] . الجزء: 153 ¦ الصفحة: 2 التوبة ثمرة للمراجعة والمحاسبة إذا نظر الإنسان في ديوان عمله في العام المنصرم فإما أن يعثر على واجب أهمله وتهاون به، فعليه أن يستدركه؛ لأن الاستدراك مع التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه يصلح ما فسد، ومن كان مجترأً على معاصي الله عز وجل -والإنسان غير معصوم- فإن باب التوبة مفتوح، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ، فقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وهذا في حق التائبين، فإن الإنسان إذا تاب مهما كان ذنبه فإن الله تعالى يغفره له. وقد ذكر الله أعظم الذنوب في حقه وحقوق عباده، وبين أن التوبة منها تجعل السيئات حسنات، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] وهذه من أعظم الذنوب الأول: {لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} أي: لا يشركون به فالشرك أعظم الذنوب في حق الله عز وجل، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} وقتل النفس التي حرم الله أعظم العدوان على ابن آدم؛ ولهذا كان أول ما يقضى في الناس يوم القيامة بالدماء، والثالث: {وَلا يَزْنُونَ} والزنا من أعظم الجرم في حقوق الإنسان في تدنيس عرضه، هذه الأصول الثلاثة قال الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68-70] وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان إذا أذنب وتاب إلى الله وآمن وعمل عملاً صالحاً صارت سيئاته السابقة حسنات فضلاً من الله ونعمة، والحمد لله رب العالمين. فالمهم أن هذا نظرنا في عامنا المنصرم، فما هو نظرنا نحو عامنا الجديد. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 3 الأعمال بالخواتيم إن الإنسان العاقل يجب عليه أن يعتبر ما يستقبل فيما مضى، فالعام المنصرم مضى وكأنه ساعة من نهار، كأنه لحظة من اللحظات، وهكذا العام المستقبل سوف يكون كصاحبه، سيمضى سريعاً، فعلينا أن نعقد العزم والجد والاجتهاد على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا في العمل الصالح واجتناب المحرم عسى أن نستدرك ما فات، وبقية عمر المؤمن لا قيمة له، والأعمال بالخواتيم. ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) حتى لا يبقى عليه وينتهي أجله، وليس المعنى: حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، يعني: أن عمله سوف يدنيه من الجنة، المعنى: حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع بالنسبة لأجله، ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، أما لو عمل بعمل أهل الجنة حقيقة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع من حيث العمل، فإن الله تعالى لن يخيب سعيه (ومن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً) . ومحال في حكمة الله ورحمته أن يخذل شخصاً أمضى عمره في طاعة الله حتى لا يبقى إلا ذراع، لكن هذا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، يعني: من حيث الأجل لكنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس -أعوذ بالله- وهو من أهل النار، نسأل الله العافية. ويشهد لهذا الحديث الثابت عند البخاري وغيره: (أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة وكان رجلاً شجاعاً مقداماً يغبطه الصحابة وينظرون إليه نظر إجلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام: هذا من أهل النار، فعظم ذلك على الصحابة -لماذا؟ لأنه رجل شجاع مقدام لا يدع شاذة للعدو ولا فاذة إلا قضى عليها، فإذا كان هذا من أهل النار وهو بهذه المثابة في الجهاد؛ فكيف بمن دونه- فقال أحدهم: والله! لألزمنه -يعني: لأكونن قريناً له حتى أنظر ماذا يكون الرجل؟ . ماذا تكون حاله؟ - يقول: فأصيب بسهم، فجزع -وكأنه والله أعلم جزع لأنه رجل مقدام شجاع، والشجاع لا يرضى أن يهزم- جزع فسل سيفه ثم وضعه على صدره واتكأ عليه حتى طلع من ظهره -والعياذ بالله- فقتل نفسه -وقاتل نفسه في النار- فرجع الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وبم؟ قال: إن الرجل الذي قلت: إنه من أهل النار فعل كيت وكيت، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) . أصلح الله لنا ولكم السرائر والظواهر، فالعمل على السريرة على سريرة القلب، طهر القلب؛ تطهر الجوارح! والقلب هو الذي يبتلى يوم القيامة كما قال الله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:8-9] فعليك -يا أخي المسلم- بتطهير قلبك وتنقيته من الشك والشرك، والنفاق والحقد على المسلمين، والبغضاء والعداوة، حتى يطهر ظاهرك وباطنك. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 4 استقبال العام بطلب العلم علينا أن نستقبل هذا العام الجديد بالاجتهاد بالعمل الصالح المقرب إلى الله تبارك وتعالى، إخلاصاً لله، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما طلب العلم فإن طلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، بل هو جهاد في سبيل الله، بل هو أفضل من الجهاد في سبيل الله عند كثير من العلماء؛ لأن الناس محتاجون إلى العلم أكثر من احتياجهم إلى الجهاد إذ أن الجهاد في معالجة إصلاح الغير، وطلب العلم في إصلاح النفس وإصلاح الغير. فالجهاد في سبيل الله محتاج إلى العلم، وليس العلم محتاجاً إلى الجهاد في سبيل الله، ولذلك فضل كثير من العلماء المحققين طلب العلم على الجهاد في سبيل الله، وإن كان القول الراجح عندي أن في ذلك تفصيلاً بالنسبة لأعيان الناس: فمن الناس من نقول الجهاد في حقه أفضل، ومن الناس من نقول: إن طلب العلم في حقه أفضل، فإذا وجدنا رجلاً مستعداً للعلم حفظاً وفهماً وجلداً ومتابعة، وهو دون ذلك في الجهاد في سبيل الله، قلنا له: العلم في حقك أفضل، وإذا كان آخر شجاعاً مقداماً نشيطاً قوياً وليس بذاك في الحفظ والفهم قلنا له: الجهاد في حقك أفضل، فالتفضيل في العبادات وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يراعيها: التفضيل في العبادات من حيث هي، والتفضيل في العبادات من حيث الأعيان الذين يقومون بها، هذا يجب أن يعرف الإنسان الفرق، ونحن نقول: التفضيل المطلق هو أن العلم أفضل بلا شك، يعني: طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله، لكن من حيث الأعيان فيه التفصيل الذي ذكرته لكم، نقول لهذا الشخص: الأفضل أن تبقى في طلب العلم، وللآخر أن تذهب في الجهاد في سبيل الله. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 5 استقبال العام بإصلاح الخُلق مع الناس علينا أيضاً أن نستقبل هذا العام الجديد بإصلاح الخلق مع الناس أن نلقى الناس بوجه بشوش أن نفشي السلام بيننا ابتداءً ورداً خلافاً لبعض الناس الآن تجدهم من طلاب العلم لكن لا يفشون السلام، يلاقي الإنسان صاحبه وزميله في الدراسة سواء في الكلية أو في المسجد لا يسلم عليه إلا أن يشاء الله، يلاقي إخوانه في السوق لا يسلم عليهم إلا أن يشاء الله، ولهذا اشتهر عند بعض الناس عند بعض العوام -والعوام هوام-: أن طلاب العلم جفاة لا يسلمون وإذا سلم عليهم يردون بآنافهم ولا يسمعهم المسلِّم، كل هذا من غرور الشيطان، فالذي ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون لإخواننا المسلمين أحبة متآلفين. وإفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ -ثم أجاب نفسه فقال:- أفشوا السلام بينكم) أظهروه أعلنوه، ثم المسلِّم ماذا يأتي له من الأجر؟ التسليمة الواحدة عشر حسنات، عشر حسنات باقيات لك في يوم تحتاج إليها لا تجد زيادة في حسناتك، وأنت أحوج ما تكون إليها، تجدها عند الله تبارك وتعالى، لو قيل للناس: كل إنسان يسلم نعطيه درهماً، ماذا يكون؟ يفشون السلام أم لا؟ يفشون السلام، بل يترددون على الجالس عدة مرات لأجل أن يحصلوا على زيادة دراهم، مع أن الدراهم إما فانية وإلا مفني عنها، الإنسان لن يعمر والدراهم لن تعمر لابد من مفارقة إما من أصحاب الأموال وإما من الأموال نفسها، ولهذا وبخ الله عز وجل من يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] . فعلينا أيها الإخوة أن نستقبل عامنا بحسن الخلق مع الناس، فإن حسن الخلق من أفضل الأعمال حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ويتعين أن يكون حسن الخلق في الدعوة إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله ليس لمجرد الإصلاح بينك وبين غيرك، أو جلب الألفة بينك وبين غيرك، لكنها لإقامة دين الله، فلا ينبغي أن نجفو في الدعوة إلى الله، بل ندعو باللطف واللين وتحمل الأذى، بل وتحمل المخالفة من المدعوين، بمعنى: أننا لا ينبغي أن نطلب أو نأمل الحصول على المطلوب في أول وهلة، كم بقي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في مكة؟ ثلاثة عشر سنة يدعوهم إلى الله عز وجل بالتي هي أحسن بالموعظة الحسنة، بكل ما يستطيع من الوصول به إلى تحقيق مراده عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ربه سبحانه وتعالى وهو أعلم وأحكم ينزل عليه الأحكام فترة فترة، لم يجد من أركان الإسلام في مكة إلا ركنان فقط هما: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني: الصلاة، الباقي كله جاء في المدينة، الزكاة وإن قيل: إن أصلها فرض في مكة لكن الإنسان كان فيها مخيراً، في المدينة فرضت الأنصبة وبينت وبين المقدار وبين أهل الزكاة، لكن هذه التربية من الله عز وجل يجب أن نأخذها محل اعتبار وألا نريد من الناس أن يصلحوا بين عشية وضحاها، هذا شيء مستحيل تأباه حكمة الله عز وجل. إذاً علينا أن نلاطف الناس في الدعوة إلى الله عز وجل، ونتحمل منهم الأذى، ونتحمل منهم البقاء على بعض المعاصي، رجاء إحسانها في المستقبل. يوجد من الدعاة من عنده غيرة عظيمة، لكن لا يحسن أن يدعو الناس مع كبح هذه الغيرة، بمعنى: أنه إذا رأى شخصاً على منكر لم يملك نفسه من غيرته أن يعنف عليه بالإنكار، وهذا خطأ ليس بصحيح، عندما تجد إنساناً يشرب سيجارة مثلاً هل تصيح به تقول له: ويلك! هذا حرام هذا حرام، أنت مصر على معصية فأنت من الفاسقين، جانبت العدل، هل هذا لائق؟ لا، أمهله دعه ثم تكلم معه بيسر، أخي! ماذا تنفعك هذه؟ هل فيها منفعة؟ هل فيها مضرة؟ حتى يأخذ عن اقتناع، واعلم أن من وافقك عن قهر وسلطان فإنه لن ينتفع في الغالب، إذا صد عنك أو صددت عنه عاد لما هو عليه، لكن إذا وافقك عن اقتناع فهذا هو المقصود وهذا الذي يحصل به المراد. فعليكم -أيها الأخوة- باللطف في الدعوة إلى الله، وأن تقابلوا الناس بصدر رحب. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 153 ¦ الصفحة: 7 حكم بناء المساجد الصغيرة بجوار المنازل السؤال نخبرك أننا نحبك في الله، ثم إن السؤال الملاحظ عندنا في منطقة الباحة وبعض القرى، أن الذي يبني له بيتاً -في بعض الأحيان- يجعل له مسجداً صغيراً بجوار البيت، وقد تقتصر الصلاة في هذا المسجد عليه وعلى أهله وما يكون له جيران، والمساجد الكبيرة والعتيقة تبقى مهجورة إلا من قلة من الناس، ما توجيه فضيلتكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب أقول -بارك الله فيك-: لا يجوز للإنسان أن يبني مسجداً في بيت قريب من المسجد العام؛ لأن في هذا إضراراً بالمسجد العام سواء أراده الإنسان أم لم يرده، يعني: كثير من الناس لا يريد الإضرار بالمسجد العام لكن يريد الراحة له ولأهله، ولكن هذا حرام، ولهذا قال أهل العلم رحمهم الله: يحرم بناء مسجد بقربه، وإذا بناه وجب هدمه. ولذلك فنحن نحذر أولاً إخواننا من بناء هذه المساجد لما فيها من تفريق المسلمين، وإذا كان كل واحد يبني حول مزرعته أو حول بيته مسجداً، تفرق المسلمون بلا شك، فالواجب عليهم أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يتقوا الله تعالى في إخوانهم وألا يفرقوا المؤمنين، هذا بالنسبة لمن أراد أن يبني. أما بالنسبة للجهات المسئولة فيجب أن تخبر الجهات المسئولة بما حدث حتى تتولى هي بنفسها ما يجب فعله شرعاً. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 8 المتمتع لا يقدم سعي الحج على الوقوف بعرفة ومزدلفة السؤال رجل أتى للحج متمتعاً وأدى العمرة ثم ذهب إلى جدة وفي اليوم الثامن أتى إلى مكة وطاف بقصد أن يسقط عنه السعي يوم العيد، هل يسقط عنه أم لا؟ الجواب المتمتع من المعلوم أنه يحل بالعمرة يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا كان يوم الثامن أحرم بالحج، وخرج إلى منى ولا ينفعه إذا سعى قبل ذلك؛ لأن سعي الحج لا يجوز تقديمه على الوقوف بـ عرفة ومزدلفة إلا إذا كان قارناً أو مفرداً وسعى بعد طواف القدوم، وعلى هذا فقل للرجل الذي فعل هذا، قل له الآن يتجنب أهله إن كان عنده أهل، ويجب عليه أن يسافر إلى مكة ويأتي بالسعي؛ لأنه سعى في غير وقته، والأفضل أن يحرم بعمرة إذا وصل إلى الميقات ويطوف ويسعى ويقصر ثم يأتي بسعي الحج، أبلغه بهذا يا أخي! الجزء: 153 ¦ الصفحة: 9 حكم هدية البائع للمشتري السؤال هل يجوز لصاحب المحل إذا اشترى بضاعة وأتت مع البضاعة هدية أو جائزة أن يتصرف في هذه الهدية والجائزة ببيع أو بنحو ذلك، وسواء كانت البضاعة مفردة أو جملة؟ الجواب نقول: إذا أهدى البائع إلى المشتري هدية فإنها ملكه، يملكها، إلا إذا كان المشتري وكيلاً لشركة أو لجهة حكومية، فإن هذه الهدية تشبه الرشوة لأنه من المعلوم أن هذا الوكيل إذا أهدي إليه الهدية سوف يفضل هذا البائع على غيره، وربما تكون سلعته أقل أو أغلى لكن يخنعه هذه الهدية فتجده يتجنب غيره ويأتي ويشتري من هذا. أما إذا كان الرجل يشتري لنفسه ويبيع من الناس فأهدى إليه البائع ما أهدى فهذا لا بأس به. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 10 حكم المأموم إذا نسي الفاتحة السؤال إذا صلى مأموم مع الإمام ولم يقرأ الفاتحة ناسياً، هل يعيد المأموم الركعة أم ماذا يفعل؟ الجواب الذي نرى أنه يعيد الركعة، المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة نسياناً مع الإمام فإنه يعيد الركعة؛ لأن الفاتحة لا تسقط عن المأموم إلا إذا أدرك الإمام راكعاً. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 11 جواز المسح على الجوارب السؤال سمعنا فتوى بالمسح على الجوارب أنك لا تشترط أن الجورب يكون صفيقاً، ثم سمعنا من بعض الإخوان الفضلاء أنك رجعت عن هذه الفتوى، نريد الحق في هذا بارك الله فيك؟ الجواب الحق فيما عندي أني ما رجعت وأني لا أزال أفتي أنه لا بأس أن الإنسان يمسح على الجورب الخفيف. السائل: ولو كان شفافاً؟ الشيخ: ولو كان شفافاً، لأنه ليس فيه دليل على اشتراط أن تكون ساترة، ومن ثم اختلف العلماء الذين يقولون بالاشتراط فقالوا: لو كانت هي لا يدخل من بينها الماء لكن لصفائها تصف ما وراءها كما لو كان بلاستيك في الوقت الحاضر، فبعض العلماء يقول: لا يجوز المسح عليها، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه، وبعضهم يقول: جائز، وهذا مذهب الشافعية وكلهم ما عندهم دليل واضح، الشافعية يقولون: جائز لأن الماء لا يمكن أن يصل من ورائها، فلا يكون فرضه الغسل في هذه الحال وهؤلاء يقولون: لا يصح المسح عليها لأنها تصف البشرة، وكل منهم فيما نرى أنه لا دليل له وأنه يجوز المسح على الجوارب الخفيفة والصفيقة. السائل: ولو كان فيها تمزق؟ الشيخ: ولو كان فيها تمزق. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 12 بدعة تلقين الميت في قبره السؤال بعض الناس عندما يموت الميت ويوضع في قبره وينتهى من دفنه يعود إليه أحد أقاربه شقيقه ويقول له: يا فلان بن فلان! إن الله ربك والإسلام دينك ومحمد نبيك! ويسمى تلقين الميت، ما رأيكم في هذا؟ الشيخ: رأينا أن هذا بدعة، وأنه لا يغني من الحق شيئاً، والضال ضال وإن لقن، وهاهو الدجال إذا بعث فإن من كان في قلبه نفاق -والعياذ بالله- وإن كان يعرف أخباره سوف يتبعه، لكن الثابت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولم يقل لقنوه، فتلقين الميت بعد دفنه بدعة. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 13 الزيادة في صرف النقود المعدنية بالورقية السؤال بالنسبة لصرف النقود بعض الناس يعني يصرف المائة بمائة وبعضهم ينقص عن المائة شيئاً ولا يرى في ذلك بأساً، ما توجيهكم؟ الشيخ: يعني النقود المعدنية. السائل: المعدنية بالورقية نعم. الجواب صرف النقود المعدنية بالورقية مع التفاضل جائز لاختلاف الجنس، لكن لابد من التقابض في المجلس، يعني يقول: خذ وأعطني. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 14 الأمانة في كتابة تقارير الأعمال السؤال أنا موظف في الحكومة ولدينا شركات صيانة ونظافة فيكون هناك نقص في العمالة، وإذا لم نكتب النقص في التقرير الشهري تعطينا الشركة مبلغاً من المال نستفيد منه في شراء ورق التصوير والأقلام والظروف فما رأيك في ذلك؟ الجواب على كل حال نقول: هؤلاء الذين لا يكتبون النقص هم في الحقيقة ظلموا أنفسهم وظلموا الشركة وظلموا الحكومة وخانوا الأمانة، الواجب أن يكتبوا للحكومة الواقع ويقولون: حصل نقص كذا وكذا، ومسألة لوازم المكتب إن وفرته الحكومة وإلا يقولون نتوقف، أعطونا وإلا نتوقف. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 15 أقسام الهم بالسيئة السؤال وردت بعض النصوص الشرعية تدل على أن من هم بالسيئة ولم يعملها تكتب له حسنة، ونصوصاً أخرى: من هم بالسيئة ولم يعملها لا تكتب له. فكيف التوفيق؟ الجواب الهم بالسيئة في الواقع له أقسام: القسم الأول: أن يهم بالسيئة ويعمل لها ولكن يحال بينه وبينها، فهذا يكتب عليه وزره، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) . القسم الثاني: أن يهم بها ثم يدعها لله عز وجل، فهذا تكتب له حسنة، لأنه في الحديث الذي أشرت إليه قال الله تعالى: (إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي. القسم الثالث: أن يهم بها ثم يدعها لا خوفاً من الله ولا عزوفاً عنها فهذا لا له ولا عليه، فالميزان بالقسط لأن الرجل لم يتركها لله حتى يؤجر ولم يحرص عليها حتى يأثم، فهذا لا شيء عليه وليس له شيء. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 16 الصلاة خلف الفاسق السؤال وقعت في بلادنا مشكلة وهي أن إمام وخطيب المسجد أتهم امرأة بالزنا وتم تشكيل لجنة عند شيخ القرية، وثبت أن هذه المرأة بريئة وأن الشخص كاذب، ودفع غرامة مالية مقدارها ثلاثة آلاف جنيه مقابل اتهامه لهذه المرأة، ويقول: الإشكال هل يصلى خلف هذا الإمام الذي أتهم هذه المرأة؟ الشيخ: هذا في أي مكان هو؟ السائل: في خارج البلاد في البلاد المجاورة التي لا تحكم بالشريعة. الشيخ: طيب يرجع إلى العلماء هناك يسألهم. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 17 حكم استخدام أجهزة ترديد الصدى في المسجد السؤال يوجد في بعض المساجد الأجهزة الترديد (الصدى) فهل هذا يجوز؟ الشيخ: هذا يسأل يقول: عن الصدى في المساجد. أرى: أنها لا تجوز، فإن كانت تستوجب ترديد الحرف، فعدم الجواز فيها أمر قطعي عندي؛ لأن ترديد الحرف يعني زيادة في كلام الله عز وجل، وقد كره الإمام أحمد وغيره من العلماء قراءة الكسائي لشدة الإدغام فيها أو لطول المد فيها؛ لأن هذا يقتضي أن يكون هناك زيادة على كلام الله عز وجل، لكن إذا كانت لا توجب ترديد الحرف فأرى أيضاً المنع فيها لكني لا أجزم به جزماً بيناً؛ وذلك لأنه ليس المقصود من القرآن الكريم أن يكون كنغمات الأغاني والطبول، المقصود أن يقرأه الإنسان بخشوع، وربما يكون قراءته بدون مكبر الصوت أدعى للخشوع كما هو المشاهد غالباً، وأما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزيين الأصوات بالقرآن فالمراد الأصوات التي خلق الله الإنسان عليها، لا بأن يأتي بآلة، لكن إن اضطر للآلة لأننا لا نحرمها بل نقول هي من فضل الله لو كان المسجد واسعاً يحتاج صوتك فيه إلى تكبير فلا بأس كما هو معروف الآن في المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيره من مساجد المسلمين، أما هذا الصوت الذي يسمى الصدى فهو إن كان يلزم منه ترديد الحرف فهو حرام ولا إشكال فيه لما فيه من الزيادة على القرآن، وإن كان لا يتضمن ذلك فأنا أيضاً أرى منعه. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 18 حكم من حلف على استضافة شخص السؤال سائل يقول: أنه جاءه رجل وحلف أن يعشيه وحلف أيضاً أن يذبح يعني قال: والله لأذبحن لك الذبيحة لكن تركه وسافر فماذا عليه في ذلك؟ الجواب أولاً نحن ننهى إخواننا عن التسرع في الأيمان ,إلزام الناس بعشاء أو قهوة أو ما أشبه ذلك، وإذا رأوا إكرام أخيهم فبدون يمين، ثم إن حلفوا فليقرنوها بكلمة إن شاء الله؛ لأن من قال: إن شاء الله في يمينه فلا يحنث، ثم ننصح إخواننا أيضاً الذين حلف عليهم أن يبروا قسم هذا الرجل؛ لأن من حق المسلم على أخيه أن يبر قسمه وألا يحنثه، لكن إذا حصل العناد من هؤلاء وهؤلاء فالحالف أولاً هو الذي عليه الكفارة يعني: إذا حنث وذهب المحلوف عليه فعلى الحالف الكفارة، وعلى ضيوفهم أن يبقوا، ولكنهم إذا ذهبوا وتركوهم فعلى الحالف أن يكفر كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 19 ذكر القصص المثيرة على المنابر السؤال نسمع من بعض الدعاة أو الخطباء إذا تناولوا بعض المواضيع مثل موضوع مثلاً الدش والتحذير منه يورد مثلاً قصة مثيرة مثلاً: أن رجل فعل ببنته الزنا أو أخاً فعل بأخته الزنا، فهل مثل إيراد مثل هذه القصص وإن كانت فعلاً حصلت إيرادها للناس أو تسمعها المجتمع هل في ذلك شيء؟ الجواب أنا أرى ألا تذكر هذه القصص المشينة سواء في الدش أو في غير الدش؛ لأن الإنسان إذا سمعها سوف يتصور أن هذه المسألة عامة، يعني وهذه المسألة خاصة، لكن يمكن في مجلس من المجالس أن يذكرها الإنسان لبيان مضارها ببيان الدش، أما بصفة عامة على المنبر فهذه فيها نظر، ثم إن الحاضرين قد يكونون من غير البلد فيتصور واحد منهم أن هذا في البلد نفسه ويحصل في هذا سوء سمعة، فأرى ألا تذكر ويكتفى بذلك بالحديث الصحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) فيقال لصاحب العائلة الذي يتمكن من منع دخول بيته الدش يقال: هل استرعاه الله على رعية؟ الجواب: نعم لا شك. وهل هو إذا قدر على منع هذا الدش ولم يمنعه، مع مشاهدته الفظائع فيه هل يعتبر غاشاً لأهله أم لا؟ يعتبر غاشاً لأهله، إذاً: يصدق عليه الحديث: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) يدخل في هذا الحديث بلا شك، ولكن هل نشهد لهذا الرجل بعينه؟ هذا هو الممنوع؛ لأن نصوص الوعيد لا تطبق على كل شخص بعينه، كما أن نصوص الوعد لا تطبق على كل شخص بعينه، ألسنا نعلم أن من قتل في سبيل الله فهو شهيد؟! فلو قتل رجل في المعركة بين المسلمين والكفار هل نقول: فلان شهيد بعينه؟ لا، لأن التعيين غير التعميم. فهذا الرجل الذي أبقى الدش وهو قادر على منعه أو هو بنفسه جلبه للبيت إذا مات فهو غاش لرعيته، لا أحد يشكل عليه هذا الأمر، فيدخل في عموم الحديث، لكن الممنوع أن تشهد له بعينه فتقول مثلاً لجيرانك إذا مات أبوهم وهو قد أدخل الدش تقول: أبوكم محرم عليه الجنة، حرام هذا؛ لأن العلماء يقولون: من مذهب أهل السنة والجماعة ألا نشهد لشخص معين بجنة ولا نار إلا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 20 خطأ مفهوم حرمان من نام أول النهار من رزقه السؤال اشتهر عند العوام أن من ينام بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس أنه قد حرم الرزق، ويستدلون لذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بارك الله لأمتي في بكورها) فهل هذا له أصل؟ الجواب هذا ليس له أصل؛ لأن أول النهار لا شك أنه خيره وبركته، وهذا شيء مشاهد، لكن كون الإنسان يحرم الرزق هذا غير صحيح، اللهم إلا رزقاً يكون في أول النهار وينام هذا عنه فيحرم إياه بطبيعة الحال، وأما أن يقال: من نام بعد صلاة الفجر فإنه يحرم الرزق فهذا ليس بصحيح. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 21 اللعاب لا يفطر الصائم السؤال بالنسبة للريق أو اللعاب هل يفطر الصائم؟ الشيخ: الريق لا يفطر الصائم بالإجماع ولا يمكن أن يقول أحد أنه يفطر، لكن جمع الريق وابتلاعه هو الذي بعض العلماء قال: إنه يفطر، والصحيح أيضاً أنه لا يفطر؛ لأنك لم تدخل لجوفك طعاماً ولا شراباً، هذا حصل ريق حصل من الجوف ورجع إليه، ولهذا كان القول الراجح أيضاً: أن النخامة لا تفطر حتى لو وصلت إلى الفم وابتلعها الإنسان فإنه لا تفطر، لكن الإنسان لا يبتلعها فإن أهل العلم حرموا ذلك؛ لأنه شيء مستقذر ولا ينبغي للإنسان أن يبتلعه، لكن لو تمضمض من أجل العطش هل يفطر؟ إن ابتلع الماء أفطر بلا إشكال، وإذا لم يبتلعه فإنه لا يفطر. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 22 مشروعية الخطبتين في العيد السؤال ما هي السنة في خطبة العيد هل هي خطبتان أم واحدة، نرجو التفصيل في ذلك؟ الجواب المشهور عند العلماء من الحنابلة: أنها خطبتان خطبة العيد أولى وثانية، ولو اقتصر الإنسان على واحدة بدون إحداث فتنة فلا بأس، فإن خاف من فتنة بأن يتفلت الناس ويصير كل واحد يعرف حكم مسألة يذهب إليها فهنا يقتصر على ما كان الناس يعتادونه؛ لئلا يفتتح الباب على الناس. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 23 الذين يعذرون في المبيت خارج منى السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم عذر ناساً في المبيت خارج منى كالسقاة وغيرهم، لكن ما يقاس عليهم في الوقت الحاضر؟ وهل أصحاب التجارة يعذرون؟ الجواب إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام كما تعرف، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت في منى؛ لأنهم يرعون رواحل الحجيج، فيشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء وجنود المرور وجنود الإطفاء وما أشبه ذلك هؤلاء ليس عليهم المبيت لأن الناس في حاجة إليهم، وأما من به عذر خاص كالمريض والممرض له وما أشبه ذلك فهل يلحقوا بهؤلاء؟ على قولين للعلماء: بعضهم يقول إنهم يلحقون لوجود العذر، وبعضهم يقول إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص وعذر أولئك عام، والذي يظهر لي: أنهم يلحقون بهؤلاء، أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء كإنسان مريض أحتاج أن يرقد في المستشفى هاتين الليلتين إحدى عشر واثنا عشر فلا حرج عليه ولا فدية؛ لأن هذا عذر، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص للعباس مع إمكانه أن ينيب أحداً من أهل مكة الذين لم يحجوا يدل على أن مسألة المبيت أمرها خفيف، يعني: ليس وجوبها بذاك الوجوب المحتم حتى إن الإمام أحمد رحمه الله رأى أن من ترك ليلة من ليالي منى فإنه لا فدية عليه وإنما عليه أن يتصدق بشيء، يعني: عشرة ريالات خمسة ريالات حسب الحال. السائل: أصحاب التجارة؟ الشيخ: لا أصحاب التجارة هذه مصالح خاصة، وليست عذراً، لكن ممكن أن يقال: أصحاب الأفران الذين يحتاج الناس إليهم قد يلحقون بهؤلاء. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 24 حكم ختان الإناث السؤال حديث أم هانئ في اختتان الإناث، ما صحته وما حكم ذلك أحسن الله إليكم؟ الجواب الصحيح أن اختتان الإناث سنة وليس بواجب بخلاف الذكور والفرق ظاهر؛ لأن القلفة التي في ذكر الذكر لو بقيت لأضرت به عند البول وعند الجماع إذا كبر، أما الأنثى فغاية ما فيها أنه قيل إنها تخفض من شهوتها إذا ختنت، وهذا لا يقتضي أن يكون الأمر واجباً. فالصواب: أن ختان الإناث سنة وليس بواجب. السائل: والحديث الوارد في ذلك؟ الشيخ: أحاديث ختان المرأة ليست قوية. وإلى اللقاء إن شاء الله في يوم آخر، والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 153 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [154] في ظلال تفسير سورة الذاريات كان هذا اللقاء المفتوح مع الشيخ حيث تناول فيه تفسير بعض الآيات المتحدثة عن السماء والأرض وأنواع الخلق وأقسام البشر ودعوة الناس إلى التوبة والرجوع إلى الله وعدم الإشراك بالله وجعل إلهاً آخر معه. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والخمسون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل أسبوع في يوم الخميس وهو اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا اليوم الخميس هو التاسع من شهر محرم (1418هـ) حسب التقويم، وهو الثامن حسب الطريقة الشرعية التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام وهي أن الهلال إذا لم يمر علينا الثلاثين من الشهر الماضي فإنه محكم بتمام الشهر ثلاثين يوماً. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) نبدأ هذا اللقاء بالكلام على آيات في سورة الذاريات من قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ففي هذه الآية يخبر الله تعالى أنه بنى السماء بأيد، أي: بقوة كما قال تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ:12] والأيد هنا ليست جمع يد كما يتوهمه بعض الناس ويظنون أن المراد أن الله بنى السماء بأيد أي: بيديه عز وجل، ذلك لأن الأيد هنا مصدر آد يئيد بمعنى: قوي، ولهذا لم يضف الله تعالى هذه الكلمة إلى نفسه الكريمة كما أضافها إلى نفسه الكريمة في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس:71] فمن فسر الأيد هنا بالقوة فإنه لا يقال: إنه من أهل التأويل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، بل هو من التأويل الصحيح. {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي: لموسعون أرجاءها؛ لأنها واسعة عظيمة محيطة بالأرض من كل جانب. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} [الذاريات:48] أي: جعلناها لأهلها بمنزلة الفراش اللين المريح، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48] أثنى على نفسه تبارك وتعالى بذلك؛ لأنه أهل للثناء، وقد جعلها الله تبارك وتعالى لأهل الأرض على مستوىً نافعٍ للعباد فليست بالقاسية التي يعجز الناس عن الانتفاع بها، وليست باللينة التي لا يستقرون عليها، بل هي مناسبة تماماً لهم، على أن فيها اختلافاً بالليونة وبالصعوبة لكن هذا لا يمنع الانتفاع بها. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49] خلق الله تبارك وتعالى من كل شيء زوجين متقابلين حتى تتم الحال وتصلح باجتماع بعضهما إلى بعض، فالحيوان كله من إنسان وغيره كله يكون من زوجين: ذكر وأنثى كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] إلا أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله بيده من غير أم ولا أب، وزوجه حواء خلقت من أب بلا أم، وعيسى بن مريم خلق من أم بلا أب، ولهذا ينقسم البشر إلى أربعة أقسام: الأول: من خلق بلا أم ولا أب وهو آدم. الثاني: من خلق من أب بلا أم وهي حواء. الثالث: من خلق من أم بلا أب وهو عيسى. الرابع: بقية البشر خلقوا من ذكر وأنثى. من كل شيء خلق الله زوجين: اليبوسة والرطوبة، والحرارة والبرودة، واللين والقسوة، وغير ذلك مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك حكمة الله سبحانه وتعالى. ((لعلكم تذكرون)) أي: بينا ذلك لكم لأجل أن تتذكروا وتتعظوا بآيات الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان كلما كان أعلم بآيات الله الكونية أو الشرعية كان أكثر اتعاظاً واعتباراً، ولهذا حث الله على النظر في الآيات الكونية فقال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] ، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم:8] ومدح الله تعالى الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض في قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191] لهذا ينبغي للإنسان أن يتعظ ويتذكر ويتدبر آيات الله سبحانه وتعالى الكونية والشرعية. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] هذا كأنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، أي: قل لهم: فروا إلى الله ((إني لكم منه)) أي: من الله ((نذير مبين)) والفرار إلى الله يكون بالقيام بطاعته واجتناب نواهيه، لأنه لا ينقذك من عذاب الله إلا أن تقوم بطاعة الله، فكأن الإنسان إذا قام بطاعة الله عز وجل كأنه فر من عدو، أرأيت لو أن سيلاً عرماً يهدر أقبل عليك أكنت تقف أمامه؟ لا تقف أمامه، بل تهرب منه وتفر منه، كذلك لو أن حريقاً ملتهباً أقبل إليك فإنك لن تقف بل تفر، كذلك نار جهنم أشد وأعظم وأولى بالفرار منها ولهذا قال: (ففروا إلى الله) أي: من عذاب الله (إني لكم منه نذير) أي: منذر (مبين) أي: مظهر لما أنذروا به ومبين له. فهو عليه الصلاة والسلام نذير من الله تعالى لعباده ينذر من خالف أمره بالعذاب، ومع هذا هو صلى الله عليه وسلم بشير، يبشر من آمن وأطاع بالجنة والسعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] لكن الله تبارك وتعالى يذكر الإنذار فقط في مقام التهديد والوعيد، وهذه السورة كما ترون كلها فيها ذكر للأمم السابقين وما حل بهم من العقوبة بمخالفتهم أمر الله تبارك وتعالى. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين) قال تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الذاريات:51] أي: لا تجعلوا معه معبوداً تعبدونه. {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:51] والمعبود أنواع وأصناف: فمن الناس من يعبد الشمس، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد النجوم، ومنهم من يعبد الحيوان، ومنهم من يعبد الشجر، ومنهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد المال؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط) فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الذي ليس له هم إلا المال فإنه عابد له حقيقة وإن كان لا يركع ولا يسجد له، لكن تعلقه في قلبه به واهتمامه به وكونه يرضى لحصوله ويسخط لمنعه لا شك أنه قد استولى على قلبه استيلاءً تاماً، لكن المعبود تختلف عبادته في الحكم؛ فإن كان يصرف له شيئاً من العبادة فهذا شرك أكبر، وإن كان لا يصرف له شيئاً من العبادة ولكنه يتعلق به القلب تعلقاً كاملاً حتى إنه ليدع الواجبات ويقع في المحرمات من أجل الحصول عليه، فهذه عبادة لا تخرج من الدين لكنها حقاً عبادة. (إني لكم منه نذير مبين) كرر ذلك لأهمية الموضوع. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ والانتفاع بما سمعنا من آيات الله تعالى، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 154 ¦ الصفحة: 8 حكم عمل عقد صوري من أجل الحصول على هاتف السائل: يشترط عند إدخال الهاتف عقد إيجار أو الصك، وبعض الناس يكون ليس له بيت أصلاً، وبعض الناس يكون ساكن عند أبيه أو كذا، ولكنه يذهب إلى محل العقار ويضع عقداً على لا شيء. الشيخ: صورياً. السائل: صورياً حتى يعطيه الهاتف ويدخلونه عنده، وهذا يفعله بعض طلبة العلم وبعض الإخوان، فهل هذا جائز؟ الشيخ: جوابنا على هذا: أن هذا حرام ولا يجوز، وهو من الكذب والخيانة؛ وهو من الكذب لأنه كذب حيث ادعى أنه مستأجر، وهو من الخيانة لأنه خان الدولة ولبس عليهم، ثم إن الدولة إذا أعطت الرجل الذي لا يستحق حسب النظام حرمت رجلاً آخر يستحق حسب النظام فيكون في هذا أيضاً مفسدة ثالثة وهي: منع من هو أحق منه من الاستفادة من هذه الخدمة. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 9 حكم الزكاة في مال الوقف المعين السائل: هل في مال الوقف على معين زكاة مثل: من أوصى بشيء بعد موته وعين أشياء تصرف من مغله والبقية في أعمال البر؟ عفا الله عنك. الشيخ: نقول: الوقف إذا كان عقاراً فإنه لا زكاة فيه؛ لأن هذا الوقف ليس ملكه تاماً، ولذلك لا يجوز للموقوف عليه أن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة، بل ولا الرهن، وهذا لا إشكال فيه، لكن بقي إذا كان الوقف على جهة بر وله مغل كثير فهل في مغله زكاة؟ و الجواب لا ليس فيه زكاة لأنه ليس له مالك معين، ومن شروط وجوب الزكاة: أن يكون للمال مالك معين. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 10 حكم مخالفة العادات المضرة والتي ليس لها سبب شرعي السائل: فيما يتعلق ببعض العادات المنتشرة بين الناس والتي يلحق بسببها أعباء اقتصادية فمثلاً: المرأة بعد ولادتها يقدم لها زوجها هدية قد تتجاوز عشرة آلاف ريال فيما يسمى بأطلاعة، فما رأيك -يا شيخ- في هذا مع العلم أن الشخص قد يتلقى لوماً عنيفاً بسبب مخالفته لتلك العادات؟ الشيخ: جوابنا على هذا: أنه لا ينبغي أن يعتاد الناس هذه الأشياء التي لا موجب لها شرعاً وهي كما ذكر السائل نفقات باهضة، ولعل هذا الذي ذكره السائل في بعض البلاد؛ لأن بلادنا لا نعلم فيها هذا الشيء، لكن لعل بعض البلاد يفعلون هذا فننصحهم ألا يرهقوا أنفسهم بهذه النفقات التي ليس لها سبب شرعي. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 11 حكم ضمان من أتلف شيئاً موقوفاً السائل: لو أتلف شخص شيئاً موقوفاً لله سبحانه وتعالى فهل يلزمه ضمانه أو تكفيه التوبة لأن حقوق الله مبنية على المسامحة؟ الشيخ: نعم يلزمه ضمانه، فمثلاً: لو فرض أن هناك إناء موقوفاً لمن ينتفع به، أو هناك برادة ماء في مسجد لمن ينتفع بها، فجاء شخص وأتلف ذلك فإن عليه الضمان بلا شك، وهو أيضاً آثم يجب عليه أن يتوب إلى الله مما صنع، ويضمن الشيء بمثله إذا كان مثلياً، وبقيمته إن كان متقاوماً. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 12 حكم قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة لمن دخل مع الإمام في الصلاة الرباعية وهو في الركعة الثالثة السائل: إذا دخل الرجل مع الإمام في الصلاة الرباعية وفي الركعة الثالثة هل تعتبر له الأولى ويقرأ فيها ما تيسر من القرآن أم ماذا يفعل؟ الشيخ: نعم يقرأ؛ لأن هذا الذي دخل في الركعة الثالثة صارت الثالثة له هي الأولى فيستفتح ويقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها ما تيسر إذا تمكن من ذلك قبل أن يركع الإمام. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 13 حكم السلام والمصافحة بين الكافر والمسلم السائل: إذا لقي المسلم الكافر هل يجوز أن يسلم عليه؟ وإذا سلم عليه الكافر هل يجب عليه الرد؟ الشيخ: إذا تلاقى مسلم مع كافر فإنه لا يسلم عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام) . وإذا سلم الكافر على المسلم فإنه يجب عليه الرد، لكن إذا كان المسلم لا يدري هل قال الكافر: السام عليك يعني: الموت، أو قال: السلام عليك، فإنه يقول: وعليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتاب يسلمون يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) . أما إذا قال المُسَلِّم الكافر: السلام عليك بلفظ صريح بين، فلا حرج أن يقول: عليك السلام، لكن لا يزيد، يعني مثلاً: سلم الكافر وقال: السلام عليك، وقلت: وعليك السلام، أو قلت: وعليكم، لا تزد تقل: أهلاً مرحباً؛ لأن هذا يجعله يفخر بنفسه. السائل: والمصافحة؟ الشيخ: أما المصافحة فإن مد يده إليك فامدد يدك إليه وإلا فلا تبدؤهم بالمصافحة. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 14 حكم شراء رقم التليفون السائل: ما حكم شراء رقم التلفون؟ الشيخ: هذا يرجع إلى الوزارة إذا كانت تسمح بذلك إما مطلقاً وإما بشروط فعلى ما تقول الوزارة. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 15 حكم من أحرم بالعمرة لابساً السراويل نسياناً السائل: شخصاً أحرم بالعمرة لا بساً السراويل ناسياً ما حكمه؟ الشيخ: أنه ليس عليه شيء؛ لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . وسأقول لك قاعدة مفيدة في هذا: (جميع المحرمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه) فلو تكلم الإنسان وهو يصلي ناسياً فصلاته صحيحة، ولو أكل وهو صائم ناسياً فصيامه صحيح، وجميع المحرمات سواء كانت في العبادات أو خارج العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا شيء عليه لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 16 الحصول على ثواب تكفير السنة كاملة لمن أفرد عاشوراء بالصوم فقط السائل: من أفرد عاشوراء بالصوم فقط هل يحصل على ثواب تكفير السنة كاملة؟ الشيخ: نعم له أجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن صوم عاشوراء فقال: (يكفر السنة التي قبلها) ولكن ننصحه ألا يفرد صوم عاشوراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) ، وقال: (لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) يعني: مع العاشر، وتوفي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدركها. قال العلماء: وصيام عاشوراء أقسام: القسم الأول: أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فهذا أحسن شيء. القسم الثاني: أن يصوم العاشر والحادي عشر، وهذا فيه الكفاية مطابق لما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) . القسم الثالث: أن يصوم التاسع والعاشر، وهذا أفضل، يعني: لو قال قائل: أصوم العاشر والحادي عشر أو التاسع والعاشر؟ قلنا: التاسع والعاشر أفضل، وهذه كلها جائزة وليس فيها كراهة. القسم الرابع: وهو أن يفرده بالصوم، فهذا كرهه بعض العلماء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) . الجزء: 154 ¦ الصفحة: 17 حكم من وجد هديه مذبوحاً ومأخوذاً بعد رجوعه من رمي جمرة العقبة فذبح آخر السائل: رجل معه الهدي في سيارته فذهب لرمي جمرة العقبة فلما رجع وجد هديه مذبوحاً ومأخوذاً؟ الشيخ: مذبوحاً؟ السائل: نعم ومأخوذاً بعد ذبحه لأنه وجد رأسه وأمعاءه، فذبح آخر مكانه فهل عمله هذا صحيح؟ الشيخ: نعم يجزئه، لأنه عينه على أنه هديه فذبح بعد التعيين وذبح الغاصب على القول الراجح تحل به الذبيحة، وعلى هذا فيكون شراءه للهدي بعد ذلك يكون على سبيل التطوع وجزاه الله خيراً، يعني: لو لم يذبح الهدي بدمه أجزأه لأنه ذُبح، أما لو أُخذ ولا يدري هل ذُبح أم لا، فلابد أن يذبح بدله. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 18 من سافر يوم عاشوراء فأفطر وكان قد نوى أن يصوم من قبل السفر السائل: شخص في نيته صيام يوم عاشوراء لكن طرأ له سفر في هذا اليوم ورجع بعد ذلك، فهل يكتب له صيام هذا اليوم أم لا؟ مع العلم أنه ينوي كذلك صيام يوم قبله أو يوم بعده؟ وهل العبرة -يا فضيلة الشيخ- الرؤية الشرعية أم التقويم؟ الشيخ: هو إذا كان قد نوى أن يصوم يوم عاشوراء ولكنه طرأ عليه سفر نقول: صم وأنت مسافر ما المانع؟ فإذا كان يقول: لا أستطيع أن أصوم وأنا مسافر، قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) ونرجو الله تبارك وتعالى أن يكتب له الأجر. وأما سؤالك: هل العبرة بالتقويم أو العبرة بالطريق الشرعي؟ فالعبرة بالطريق الشرعي في العبادات حتى لو أن التقويم -مثلاً- على أن اليوم هو التاسع؛ لكنه ما رؤي ليلة الثلاثين من ذي الحجة يعني: ما رؤي الهلال فلا عبرة بالتقويم، ولهذا نقول: هذه السنة عاشوراء هو يوم السبت وتاسوعاء هو يوم الجمعة. وإنني أقول لكم: أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم السبت إلا فيما افترض علينا، قال: (فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنبه أو لحاء شجر فليمضغه) وهذا الحديث اختلف العلماء رحمهم الله في ثبوته وفي معناه: فمن العلماء من قال: إنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: النهي عن صوم يوم السبت، وممن قال بذلك: الإمام مالك رحمه الله، قال: هذا حديث كذب، فكذبه مالك. ومن العلماء من قال: إنه لا يصل إلى درجة الكذب لكنه ضعيف لشذوذه، ووجه الشذوذ أن هناك أحاديث كثيرة تدل على صيام يوم السبت، منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لإحدى نسائه وهي جويرية وكانت قد صامت يوم الجمعة قال لها: (أصمت أمسِ؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) . ومنها: أن قوماً تنازعوا في صيام يوم السبت فأرسلوا إلى أم سلمة رضي الله عنها يسألونها، فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من صوم يوم السبت والأحد) . الحديث الأول أخرجه البخاري وغيره، والثاني في السنن، فيكون الحديث الذي فيه النهي في مقابلة هذه الأحاديث المثبتة لصوم يوم السبت يكون شاذاً والشاذ من أقسام الضعيف لا يعمل به. ومن العلماء من قال: إنه يمكن الجمع بينهما فيقال: من قصد صيام يوم السبت لأنه يوم السبت؛ فهذا منهي عنه، ووجه النهي: أن يوم السبت هو يوم عيد اليهود، ويوم العيد في العادة يكون يوم ترك للعمل؛ لأن الأعياد لا يعمل فيها، والصائم في الغالب يحتاج إلى الراحة وترك العمل، فيكون في هذا نوع مشابهة لليهود، لكن هذا التعليل في الحقيقة عليل لأنه يرد عليه يوم الأحد فإنه عيد للنصارى ومع ذلك لم ينه عن صومه. والإمام أحمد رحمه الله ضعف هذا الحديث، حيث ذكر أن يحيى بن سعيد كان يتقيه وكان يأبى أن يحدث به، وكون الإمام أحمد ذكر هذا عن يحيى بن سعيد يدل على أن الحديث ضعيف عنده. فالآن عندنا طرق: 1/ حكم مالك عليه بأنه كذب. 2/ الحكم عليه بأنه شاذ وضعيف. 3/ ذكره أبو داود وهو أنه منسوخ، لكن هذا الثالث يتوقف فيه الإنسان؛ لأنه ليس هناك دليل على النسخ، والنسخ يحتاج علم بالتاريخ. وأقرب ما يقال في ذلك: إن إفراده بالصوم مكروه، يعني: أن تصوم يوم السبت لأنه يوم السبت هذا مكروه، أما إذا صادف أنه يوم عاشوراء أو يوم عرفة أو صادف عادة لك بحيث تكون ممن يصوم يوماً ويدع يوماً ووافق يوم السبت يوم صومك، فلا بأس فيه، أو صادف يوم السبت أيام البيض، أو أيام الست من شوال، أو قرنت معه غيره كالجمعة أو الأحد، فكل هذا لا بأس به. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 19 حكم إكرام الحجاج وذبح الذبائح عند قدومهم من مكة إلى بلادهم السؤال ظاهرة تنتشر في القرى خاصة بعد عودة الحجاج من مكة. الشيخ: السنة هذه؟ السائل: كل سنة تقريباً يعملون ولائم يسمونها ذبيحة للحجاج أو فرحة بالحجاج أو سلامة الحجاج، وقد تكون هذه اللحوم من لحوم الأضاحي أو لحوم ذبائح جديدة، ويصاحبها نوع من التبذير، فما رأي فضيلتكم من الناحية الشرعية ومن الناحية الاجتماعية؟ الشيخ: هذا لا بأس به، لا بأس بإكرام الحجاج عند قدومهم؛ لأن هذا يدل على الاحتفاء بهم ويشجعهم أيضاً على الحج، لكن التبذير الذي أشرت إليه والإسراف هو الذي ينهى عنه؛ لأن الإسراف منهي عنه سواء بهذه المناسبة أو غيرها قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام:141] ، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] لكن إذا كانت وليمة مناسبة على قدر الحاضرين أو تزيد قليلاً فهذا لا بأس به من الناحية الشرعية ومن الناحية الاجتماعية، وهذا لعله يكون في القرى أما في المدن فهو مفقود، ونرى كثيراً من الناس يأتون من الحج ولا يقام لهم ولائم لكن في القرى الصغيرة هذه قد توجد ولا بأس به، وأهل القرى عندهم كرم ولا يحب أحدهم أن يُقَصِّر على الآخر. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 20 حكم تعليق نزول المطر أو مجيء الخير بقدوم فلان السائل: إذا قدم شخص على قوم ثم جاءهم المطر أو خير قالوا: هذا بسبب مجيء فلان إلينا أو ببركة مجيء فلان إلينا، فما حكم هذا؟ الشيخ: حكم هذا أنه قول بلا علم، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] . لكن لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حضنه من حضنه كعمه أنزل الله له بركة، ولكن هذا يظهر أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، أما غيره فلا ينبغي أن تنسب الحوادث الفلكية إلى شخص معين؛ لأننا لو أخذنا بهذه القاعدة ثم جاء إنسان وحصل في مجيئه عواصف من الرياح أو قواصف من الصواعق هل نقول: هذا من شؤم فلان؟ لا، لا يجوز أن نقول هكذا، لكن لو أنه صادف أن شخصاً قدم البلد وجاء المطر فلا حرج أن نقول: هذا من نعمة الله عز وجل أنه لقدومك حصل المطر، لكن لابد لقدومك، ففرق بين من يجعل قدومه هو السبب للمطر وبين من يرى أن هذا من نعمة الله عز وجل أن أنزل المطر لقدومه. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 21 حكم إطلاق لقب (الحَكَم) على من يحكم بين لاعبي الكرة السائل: ورد في حديث أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم وذكر أن قومه كانوا إذا اختلفوا احتكموا إليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحكم) ثم نهوه عن ذلك ولقبوه بـ أبي شريح، لكن الآن يطلق على من يحكم بين اللعابين الذين يلعبون كرة يطلق عليه الحكم، فما حكم ذلك، هل هو محرم أو جائز؟ الشيخ: لا، هذا لا بأس به، مثل قول الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] لكن قضية أبي شريح فإنهم كانوا يكنونه أبا الحكم كناية مستقرة مستمرة من أجل هذا العمل، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يدفع ذرائع الشرك وأن يكنيه بأكبر أولاده وهو شريح. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 22 حكم فتح محل للكوافير السائل: أخت تريد أن تفتح محلاً بما يسمى كوافيرة أو مزينة، ولكن تريد أن تعرف الضوابط الشرعية الملزمة لها والمحظورات؟ بارك الله فيك الشيخ: أعرض علي الأشياء التي تفعل في هذا من أجل أن نعرف ما هو جائز أو ليس بجائز؟ الجزء: 154 ¦ الصفحة: 23 حكم من صلى خلف مسافر يتم السائل: إذا صلى مسافر بمسافر فأتم الإمام فماذا على المأموم هل يجب عليه أن يتم أو يقصر؟ الشيخ: يعني الإمام مسافر وأتم؟ السائل: إي نعم. الشيخ: يلزم المأموم أن يتم تبعاً لإمامه، يعني: إذا صلى المسافر وراء إمام يتم لزمه الإتمام سواء كان هذا الإمام مسافراً أو مقيماً لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ، وقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: عن الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ قال: [تلك هي السنة] . الجزء: 154 ¦ الصفحة: 24 حكم من نوى جمع التأخير ووصل قبل دخول وقت الثانية السائل: يقول السائل: إذا كان الشخص مسافراً وكان يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وحضر إلى بلده قبل دخول وقت العشاء فهل يصلي المغرب أم ينتظر إلى وقت العشاء؟ الشيخ: إذا كان مسافراً وأخر صلاة المغرب ليجمعها مع العشاء جمع تأخير ولكنه وصل إلى بلده قبل دخول وقت العشاء، فالواجب عليه أن يصلي المغرب في وقتها لأنه لوصوله إلى بلده انقطع السفر وزال المبيح للجمع، فيجب عليه أن يبادر فيصلي المغرب قبل خروج وقتها، وإذا دخل وقت العشاء صلاها. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 25 حكم سؤال الله أن يتقبل العمل الصالح السائل: لا يزال الناس يقولون ومنهم العلماء إذا عملوا عملاً صالحاً: نسأل الله القبول، ولو أنهم عند أنفسهم أتموا شروط قبوله، فما هي موانع القبول ما دام كذلك؟ الشيخ: إذا عمل الإنسان عملاً صالحاً وسأل الله القبول فهذا من تمامه، ألم تعلم أن إبراهيم وإسماعيل كانا يبنيان الكعبة ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127] ونحن نعلم أن عملهما عمل صالح مبني على نية صالحة ومع ذلك يسألان الله القبول. السائل: يعني يا شيخ! بعضهم يصل إلى درجة أنه يخشى ألا يقبل منه، فهل هناك موانع الشيخ: نعم يخشى ألا يقبل منه؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ولا يدري عن نفسه هل هو متقٍ أم لا، والإنسان ربما يكون في قلبه شيء يسير من الرياء يحبط العمل، المهم أنه لا بأس أن يدعو الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً أن يسأل الله القبول. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 26 حكم تأخير إخراج الوصية وتقسيم الإرث حتى يرتفع سعر العقار السائل: والدي توفي وترك عقاراً ووصى بالثلث، فهل يقوم الورثة بالقسمة وإخراج الثلث أو يتأخرون لأنه قد يرتفع سعر العقار؟ الشيخ: لا إذا أوصى بثلث ماله فإنه يجب تقويم ما خلفه من حين موته ولا يجوز التأخير، وكونهم يؤخرون رجاء أن ترتفع أسعار العقارات هذا غلط؛ لأنه قد يظن الإنسان أن العقارات تزيد ثم هي تنقص، فالواجب إحصاء التركة من حين الموت حتى يعرف ما الذي فيه الوصية. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 27 حكم ذبح الأغنام المريضة بقصد حرمان الشيطان مع عدم أكلها السائل: بعض الناس أصحاب الأغنام إذا مرضت أحد أغنامه أو أحد الشياه وأيس في شفائها يقوم بذبحها ويقول: نحرمها الشيطان ويذبحها ولا يأكلها، فما رأيك في ذلك؟ الشيخ: رأينا أن الإنسان إذا كان عنده شاة أو بعير أو بقرة وأيس منها إن كانت مريضة فلا بأس أن يقتلها ويدعها، وإن كانت غير مريضة فالواجب عليه أن يذبحها ويتصدق بها، وقولي: إنها غير مريضة يعني مثل أن تسقط من عالي وتنكسر رقبتها ويبادر بذبحها فهذه يجب عليه أن يذبحها ذكاة شرعية وأما قوله: لا ندعها للشيطان، فهذا شيء معروف عند العامة ولكن لا أعلم له أصلاً. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 28 حكم مجالسة من لا يصلي أبدا ً السائل يقول: إذا كان يوجد شخص لا يصلي ويؤمر بالصلاة فهل تجوز مجالسته وجيرته؟ الشيخ: يؤمر بالصلاة ولا يصلي؟ السائل: نعم. هل يجالس ويزار. الشيخ: الرجل الذي لا يصلي أبداً لا في المسجد ولا في البيت ينصح ويخوف بالله فإن اهتدى فهذا هو المطلوب؛ وإن لم يهتدِ وجب رفعه إلى ولاة الأمور حتى يلزموه بالصلاة ويستتيبوه فإن تاب وإلا وجب قتله؛ لأنه مرتد والعياذ بالله. أما بالنسبة لمعاملته فينبغي أن نهجره وألا ندعوه ولا نجيب دعوته؛ لأنه مرتد. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 29 حكم من نذر بصوم وأراد تغييره بصدقة السائل: ما حكم النذر، من قال: لو حصل لي كذا وكذا فعلي صوم شهر، وحصل الشيء الذي يريد وحاول أن يغير هذا الشهر، فهل يتصدق؟ الشيخ: لا، يجب أن يصوم الشهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) وهذا النذر شكر لله عز وجل على النعمة التي حصلت له، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر لأن الإنسان ينذر دائماً ثم يندم ويشق عليه أن يوفي بنذره فيأثم، ألم تر إلى قول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ. } [التوبة:75-77] والعياذ بالله، فالنذر أصلاً منهي عنه ومكروه، وإذا كان نذر طاعة وجب على الإنسان أن يوفي به. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 154 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [155] لقد من الله عز وجل على عباده في خلقه لهم وأنه ما خلقهم إلا لحكمة وغاية ومقصد ألا وهو: عبادة الله عز وجل من غير إشراك به سبحانه، ولذلك ذكرهم بدوام نعمه عليهم، وأنه هو الذي رزقهم حتى يلتفتوا إليه فيشكروه، فقال: (ما أريد منهم من رزق. ) ثم أتبع ذلك محذراً لهم بأنهم إن عصوه فإن بطشه شديد، وعذابه أليم، فقال: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) . الجزء: 155 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والخمسون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل خميس، والتي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) وهذا اللقاء هو يوم الخميس السادس عشر من شهر محرم عام (1418هـ) . الجزء: 155 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) نبتدئ هذا اللقاء بتفسير آخر سورة الذاريات من قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أي: ما أوجدتهم بعد العدم إلا لهذه الحكمة العظيمة وهي عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له كما سنبين، واللام في قوله: (ليعبدون) للتعليل لكن هذا التعليل تعليل شرعي أي: لأجل أن يعبدوني، حيث أمرهم فيمتثلوا أمره، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً؛ لأنه لو كان تعليلاً قدرياً للزم أن يعبده جميع الجن والإنس، لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، فالجن عالم غيبي خلقوا من نار؛ لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف:50] . وسموا جناً؛ لأنهم مستترون عن الأعين حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون ومنهم غير مسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والنبيين، وأما الجن فليس منهم الرسل، نعم منهم نذر مبلغون الرسالات من الإنس كما في قول الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا، ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا: {قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:29-30] إلى آخر الآية. وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعاتهم ولا أن يضروه بمعاصيهم ولا أن يطعموه ولهذا قال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57] يعني: ما أطلب منهم رزقاً أي: عطاءً أنتفع به ولا أن يطعمون أنتفع بإطعامهم، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام:14] فهو سبحانه وتعالى له الغنى والجود والكرم، وهو غني عما سواه. إذاً! لو سألنا: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ العبادة، يعني: ما خلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا لأن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخلق لهم ما في الأرض، نحن مخلوقون للعبادة وما في الأرض مخلوق لنا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، ما الذي خلق لهم؟ ما في الأرض، عما خلقوا له وهو العبادة، وهذا من السفه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم عن شيء خلقوا من أجله. فما هي العبادة؟ العبادة نقول: إنها تطلق على المعنى الأول التعبد يعني: فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة، والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وكل ما يقرب إلى الله، فهو اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، كل ما يقرب إلى الله من قول أو فعل فإنه عبادة. فإذاً العبادة تطلق على معنيين: المعنى الأول: التعبد الذي هو فعل العبد. والمعنى الثاني: المتعبد به الذي هو العبادة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) قال تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:57-58] (هو الرزاق) أي: هو صاحب العطاء الذي يعطي، فالرزق بمعنى العطاء ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء:8] أي: أعطوهم، وكلمة (الرزاق) أبلغ من كلمة الرازق؛ لأن الرزاق صيغة مبالغة تدل على كثرة الرزق والمرزوق، فرزق الله تعالى كثير باعتبار كثرة المرزوقين، كل دابة في الأرض على الله رزقها من إنسان وحيوان، من طائر وزاحف، من صغير وكبير. هل يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات التي على الأرض؟ لا يمكن، لو قلت لك: احص العوالم التي في الأرض؟ ما استطعت فضلاً عن أفرادها، كل فرد منها فإن الله تعالى متكفل برزقه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، من يحصي المرزوقين؟! لا أحد يحصيهم، أيضاً هو كثير بأن نعمة الواحد باعتبار الواحد منهم، كم لله عليكم من رزق؟!! كثير لا يحصى، رزق الله لك دابٌ عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحةً، ومالاً، وولداً، وأمناً، وأشياء لا تحصى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] ولهذا جاء اسم الرزاق بالتشديد الدال على الكثرة. وقوله: (ذو القوة) أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها كما قال الشاعر الجاهلي يقول: أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب هذا وهو جاهلي، فقوة الله عز وجل لا تضاهيها قوة، قوته عز وجل لا يعتريها ضعف بخلاف قوة المخلوق، المخلوق قوته تنتهي إلى ضعف كما قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] أما الرب عز وجل فإن قوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه، ولما قالت عاد: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] ، ماذا قال الله؟ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] وصدق الله عز وجل. وقوله: (المتين) يعني: الشديد، فهو شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النور:2] هذه شدة لا تأخذكم بهما رأفة، الله عز وجل أرحم الراحمين ومع ذلك يوصينا بل ينهانا أن تأخذنا الرأفة في الزانية والزاني {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور:2] وهذا دليل على القوة. من قوته عز وجل: أنه سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهل تعب؟ لا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} [الأحقاف:33] . ومن قوته وقدرته: أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] ، والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا له القوة البالغة التي لا يمكن أن يضاهيها أي قوة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 155 ¦ الصفحة: 5 حكم التصوير الفوتوغرافي السؤال ما حكم التصوير بالكاميرا الفوتغرافية؟ الجواب التصوير بالكاميرا الفوتغرافية إذا كان لحاجة مثل: تابعية، أو رخصة القيادة لا بأس به؛ لأن الناس في حاجة لهذا، أما إذا صور لأجل أن يحتفظ به للذكرى فهذا لا يجوز؛ لأن اقتناء الصور للذكرى محرم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) . الجزء: 155 ¦ الصفحة: 6 نصيحة للشباب حول الثبات على الدين السؤال في الآونة الأخيرة كثيراً ما نرى ونسمع عن حالات انتكاس نسأل الله الثبات لنا ولكم فما هي في نظركم الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة، وما هي المقومات المعينة على الثبات، نرجو التوضيح؟ الجواب الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة، والانتكاسة والحمد لله ليست كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة، منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم وإيمان بالله عز وجل. فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة؛ لأن القيادة المتهورة توقعه في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل، ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين؛ لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فلقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟ ما آمنوا، قال الله عنهم: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] هل في إمكانه أن يصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟ هذا ليس بالإمكان، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!! فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر إلى العواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟ والحمد لله لا ينهال عليها أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، ويأسف لهذا الشيء. فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يكسر، لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء أول ما ينصب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟ لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحه يخاطب مباشرة، لكن المجامع والمساجد والمحافل الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون. لنضرب مثلاً في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول: لماذا مكنتهم من ممارسة الربا؟ الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسئول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع التي هي البنوك؟ الناس، أحذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة؛ لأن الذي يقوم هذه البنوك من هم؟ الشعب، هم الذين يقومونه، فإذا رأى أصحاب البنوك الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلس وتضطر إلى السحب، والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً: أن البنوك ليست حراماً، لماذا؟ قالوا: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب فيكّون مصنعاً ويكّون مزرعة ويكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم، والله عز وجل نهانا عن الربا وقال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] وهذا ما فيه ظلم. يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء شخص آخر يقول لك: من قال إن هذه الأوراق فيها ربا؟ هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟ نعم ما تدخل فليست ذهباً ولا فضةً، وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص الفقهاء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، وهي تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا، لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا بل نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم فيه ظلم، هذا ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُتي إليه بتمر جيد فقال: (ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: أوه -يعني توجع- عين الربا! عين الربا!) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟ ما فيها ظلم لماذا؟ لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين فليس هناك ظلم، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَوَّهْ! عين الربا) فبطلت حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم. أيضاً: الذي يقول: هذه الأوراق ليست ذهباً ولا فضة؟ نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن (البدل له حكم المبدل) فبطلت هذه الحجة أيضاً. لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرءون الكتب، ولها من يقرءون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا فهناك أشياء أخرى أيضاً. ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية يجيز الغناء والمعازف؟!! هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم فما هو موقف الناس؟ ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع الزنا والخمر والحرير للرجال؛ لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقاربة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علم أنها حرام ما في إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره، لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح. لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستون ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط، والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر بلاشك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط. أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة: منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس له هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله. ثانياً: الإكثار من العبادة. الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] والذنوب سبب للانحراف، الذنب يأتي بالذنب، والصغير يأتي بالكبير، ولهذا قال بعض العلماء: المعاصي بريد الكفر. يعني: ينزلها الإنسان منزلة منزلة حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله. ثالثاً: مصاحبة الأخيار. أن الإنسان يصاحب أهل الخير وأهل العلم والإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح بحامل المسك إما أن يحذيك يعني: يعطيك مجاناً، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وعكس ذلك جليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة. الرابع مما يوجب الثبات: أن ينظر الإنسان ماذا يحصل له من الثبات على الأمر وماذا يحص الجزء: 155 ¦ الصفحة: 7 إذا نسي الإمام التشهد الأول وقام ثم رجع السؤال في صلاة العشاء سها الإمام وقام إلى الركعة الثالثة دون الجلوس في التشهد الأول؛ فسبح من وراءه؛ فجلس ورجع إلى التشهد الأول، قبل السلام سجد سجود السهو وسلم ثم قام أحد من الموجودين فقال: إن كان يعلم هذا الحكم فصلاته باطلة، وإن كان لا يعلم فلا أدري حكمه، لكن أرى أن نعيد الصلاة. ؟ الجواب أما إعادتكم إياها بناءً على أن هذا واجب عليكم فلكم الأجر إن شاء الله، وأما الصواب: فإن الإنسان إذا قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً لا يجوز له أن يرجع، فإن رجع متعمداً بطلت صلاته، أما إذا كان جاهلاً فلا تبطل، فالإنسان إذا ترك التشهد الأول واستتم قائماً نقول: لا ترجع، استمر في صلاتك وكملها ثم اسجد للسهو قبل السلام. أما إذا ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع ويكمل. السائل: حتى ولو لم يقرأ؟ الشيخ: سواء قرأ أو لم يقرأ لا يرجع، إذا استتم قائماً لا يرجع، هذا في التشهد الأول لكن لو نسي سجدة وقام فهذا يرجع ولو قرأ الفاتحة ولو ركع لابد أن يرجع لما ترك، مثلاً لو قام من السجدة الأولى ثم قرأ الفاتحة ثم ركع وذكر أنه ما سجد إلا مرة نقول: اجلس فوراً وقل: رب اغفر لي وارحمني، ثم اسجد ثم كمل الصلاة ثم اسجد للسهو بعد السلام. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 8 حكم من نام بعد الظهر ثم قام فصلى العصر ظاناً أنه قد خرج الوقت السؤال شخص نام وقت الظهر، فلما قام من نومه ظن أن صلاة العصر انتهت وصلى في البيت، فعلم أن صلاة العصر لم تنته فهل في هذه الحالة يذهب ويصلي في المسجد؟ الجواب هذا يقول: إنه استيقظ فظن أن الناس قد صلوا العصر فصلى العصر، ثم تبين له أن الناس لم يصلوا، فهذا لا يلزمه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع الناس، لأنه أدى الصلاة وبرئت ذمته. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 9 قراءة سورة الإخلاص في سنة المغرب السؤال هل ثبت حديث في قراءة سورة الإخلاص في السنة الراتبة لصلاة المغرب؟ الجواب ما ثبت لكنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في سنة المغرب بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فإذا قرأ بها فهو خير؛ لأن الحديث إن ثبت فهو ثابت، وإن لم يثبت فنظيره سنة الفجر يقرأ فيها بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] . ولأن الإنسان يرجو الثواب إن كان صحيحاً فذاك المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فلا حرج عليه. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 10 حكم صلاة من لبس ثياباً شفافة السؤال من شروط الصلاة ستر العورة، فهل نلزم من لبس ثوباً شفافاً أن يعيد الصلاة ونقول له: صلاتك باطلة؟ الجواب نعم. من شروط الصلاة ستر العورة؛ لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فإذا لبس ثوباً لا يمنع من بيان البشرة فإنه كالعاري تماماً، فهذا الثوب حرام عليه لا يجوز، ولا أظن أحداً يلبس ثوباً كاملاً يصف البشرة، لكن يقع أن بعض الناس يلبس سروالاً قصيراً يعني: لا يصل إلى الركبة، ويلبس فوقه ثوباً شفافاً، هذا نقول: لا تصح صلاته، وإذا فعل ذلك أوجبنا عليه أن يعيد الصلاة؛ لأنه لم يمتثل أمر الله عز وجل لقوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ، وقد ذكر بعض أهل العلم الإجماع على أن من صلى عرياناً وهو قادر على أن يستر عورته فصلاته باطلة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 11 حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة لمن فاتته في المسجد السؤال ما حكم الصلاة على الجنازة في المقبرة إذا فاتته في المسجد؟ الجواب لا بأس، يجوز للإنسان إذا فاتته صلاة الجنازة في المسجد أن يصلي عليها في المقبرة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 12 تحريم الكذب في الطرائف والنكت السؤال هل يجوز الكذب في الطرائف؟ الجواب لا يجوز الكذب في الطرائف كما يقولون؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل بسند حسن أنه قال: (ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ثم ويل له!) وهذا يدل على أنه لا يجوز؛ لأن الوعيد بويل من أدلة تحريم العمل. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 13 عموم النهي عن تخطي رقاب الناس في المسجد السؤال ورد النهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة والإمام يخطب فهل يعم النهي غير الجمعة؟ الجواب نعم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فرأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال: (اجلس فقد آذيت) فجعل العلة في الأمر بالجلوس الإيذاء، وهذا يشمل الجمعة وغير الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: اجلس فإنه يوم الجمعة، قال: (اجلس فقد آذيت) إذاً: فمتى حصل الإيذاء فإن الإنسان ينهى عن تخطي الرقاب، لكن بعض العلماء رحمهم الله يقول: من لم يجد فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فله أن يتخطى. أفهمت؟ مثلاً: الإنسان وجد في الصف الأول فرجة ما فيها أحد فله أن يتخطى ليصل إلى هذه الفرجة، وعللوا ذلك رحمهم الله: بأن هؤلاء هم الذين جنوا على أنفسهم؛ لأنهم مأمورون بأن يسدوا الخلل، فإذا لم يسدوه فهم الذين جنوا على أنفسهم، لكن في نفسي من هذا شيء في الواقع؛ لأن الرجل الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم يتخطى ما أظن أنه يتخطى إلا لفرجة يصل إليها، لا أظنه يتخطى لأجل ينظر هل هناك مكان، فالظاهر أن النهي عن التخطي عام سواء كان هناك فرجة أم لم يكن. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 14 مسألة التورق في البيع السؤال ما حكم شراء السيارة بالتقسيط مع عدم الحاجة إلى ذلك؟ الشيخ: يعني: إنسان يريد أن يشتري سيارة لأنها أحسن من سيارته التي عنده؟ السائل: نعم. عنده المبلغ لكنه يشتريها بالتقسيط. الشيخ: لماذا؟ السائل: يعني: بحاجة إلى هذا المبلغ. الشيخ: يريد أن يشتري السيارة ويبيع؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه تسمى عند العلماء مسألة التورق: أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها وينتفع بثمنها، وهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية حرام لا تجوز بأي حال من الأحوال، وهي أيضاً في نظري بالنسبة لسؤالك إذا كان لا يحتاج إليها حرام أيضاً، لماذا يستدين ويشغل ذمته بالدين وهو لا يحتاج إليها؟! الجزء: 155 ¦ الصفحة: 15 سترة الإمام سترة للمأموم أثناء الصلاة السؤال نعلم بأن سترة الإمام سترة للمأموم، فإذا انتهى الإمام من صلاته وقام المأموم يقضي فهل تستمر سترة الإمام سترة للمأمومين، أو يكون الإمام سترة للمأموم بعد انفراده؟ الجواب المأموم لما سلم الإمام صار منفرداً فلا تكون سترة الإمام سترة له حتى الإمام الآن ليس بإمام؛ لأنه انصرف وذهب عن مكانه، لكن هل يشرع للمأموم بعد ذلك إذا قام يقضي ما فاته أن يتخذ سترة؟ الذي يظهر لي: أنه لا يشرع، وأن الصحابة رضي الله عنهم إذا فاتهم شيء قضوا بدون أن يتخذوا سترة، ثم لو قلنا: بأنه يستحب أن يتخذ سترة، أو يجب على قول من يرى وجوب السترة، فإن الغالب أنه يحتاج إلى مشي وإلى حركة لا نستبيحها إلا بدليل بين، فالظاهر أن المأموم يقال له: سترة الإمام انتهت معك وأنت لا تتخذ سترة؛ لأنه لم يرد اتخاذ السترة في أثناء الصلاة، وإنما تتخذ السترة قبل البدء في الصلاة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 16 حكم التفات المؤذن عن اليمين والشمال عند الحيعلتين السؤال ما حكم التفات المؤذن في الأذان حين يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؟ الجواب يرى بعض العلماء أن تلتفت يميناً أو شمالاً في كل جملة، تقول: حي على الصلاة على اليمين، حي على الصلاة على اليسار، حتى يسمع من على يمينك ومن على يسارك، وتقول: حي على الفلاح عن يمينك، حي على الفلاح عن اليسار، والأدلة في ذلك محتملة، لهذا الوجه وللوجه المعمول به الآن وهو أن تقول: حي على الصلاة مرتين على اليمين، وحي على الفلاح مرتين على اليسار، والعمل على هذا الآن، والنصوص الواردة محتملة، فالذي أرى أنه لا بأس أن تتخذ هذا وهذا، هذا بالنسبة للمؤذن بدون مكبر الصوت، أما الآن فلا حاجة للالتفات؛ لأنك إذا التفت الآن فربما يكون في الالتفات ضرر، لأنه اللاقطة لا تكون أمامك فيضعف الصوت، فالذي أرى في مسألة مكبر الصوت الآن أنه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً لا في حي على الصلاة ولا في حي على الفلاح، ويكون الالتفات الآن بالنسبة للسماعات، فينبغي أنه يجعل مثلاً في المنارة سماعة على اليمين وسماعة على الشمال. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 17 استحباب اختيار الموضوعات المناسبة للواقع في خطبة الجمعة السؤال بالنسبة لبعض الخطباء إذا خطبوا يجعلون للخطب مناسبات، فمثلاً إذا جاء موسم الإسراء والمعراج يخطبون فيه ويبينون بعض الفوائد ويعرجون على بيان بعض البدع والأخطاء التي تقع في هذا اليوم، فما حكمه؟ الجواب هذا جيد يعني: كون الإنسان يجعل الخطبة مناسبة لما حدث، هذا طيب، وهذا هو الغالب على خطب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا إذا وقعت حادثة تحتاج إلى خطبة قام وخطب حتى يبلغ الجمهور. كون الإنسان يراعي الأحوال ويخطب في المناسبات هذا طيب، مثلاً في رمضان يتحدث عن الصيام، وفي الحج يتحدث عن الحج، وفي ربيع الأول عن الهجرة، يعني: ينظر المناسبات، هذا لا بأس به، وهو دليل على أن الخطيب فقيه وحكيم، لكن هنا مسألة بعض الأئمة يفعلونها إذا خطب خطبة قرأ في الصلاة الآيات المناسبة لها هذا هو الذي يقال: إنه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملازماً لقراءة سبح والغاشية أو الجمعة والمنافقون، ولم يكن يراعي موضوع الخطبة. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 18 حكم التسمي بعزيز وشهيد السؤال هل يجوز التسمي بعزيز وشهيد؟ الجواب أما عزيز فكنت أرى أنه ليس فيه بأس؛ لأن الذين يسمون عزيز لا يقصدون العزة، لكن اطلعت على حديث في النهي عن اسم عزيز، وأما شهيد فالشهيد كما تعرف مفرد شاهد، والله تعالى قد أثبت الشهادة للناس فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] لكني أخشى إذا سمي بشهيد أن ينصرف الذهن أول ما ينصرف إلى شهادة الله عز وجل، فإنه شهيد على عباده، فتجنب هذين الاسمين لا شك أنه أولى، والأسماء والحمد لله كثيرة، الذي يريد أن يعرف الأسماء يرجع إلى الإصابة في معرفة الصحابة لـ ابن حجر وعنده اسم عبد الله بالمئات، يعني: تضيق على الإنسان الأمر إلا أن يأتي بمثل هذه الأشياء وهو من المؤسف، الآن الناس يبحثون عن أي شاب يسمون به حتى يسمون أفنان، وأظن أيضاً أغصان وما أشبه ذلك، وشخص سموه: نكتل، قال: هذا موجود في القرآن: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ} [يوسف:63] فظنوا أن (نكتل) بدل من (أخانا) وهي (نكتل) هذه فعل مضارع مجزوم لكن الجهل. الحمد لله عندك الأسماء كثيرة: عبد الله، عبد الرحمن وهي أحب الأسماء إلى الله، وأسماء الأنبياء: كمحمد، وموسى، وعيسى، ويوسف، وما أشبه ذلك. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 19 حكم الجزم بالشهادة لمن مات بسبب الحريق السؤال الغريق ومن مات بسبب الحريق هل هم شهداء؟ الجواب أولاً: أقول: كل من مات بحريق وهو مسلم فإنه من الشهداء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحريق شهيد) لكن ما نقول: فلان شهيد؛ لأنه مات بالحرق، ما ندري، لكن على سبيل العموم نقول: كل من مات بالحريق فإنه شهيد، وإذا كان من رجال الإطفاء كان أشد ثواباً؛ لأن هذا الرجل الذي مات بالإطفاء جمع بين أمرين: بين الحريق وبين الدفاع عن إخوانه، فهو في الحقيقة اكتسب أجرين: أجر الدفاع عن إخوانه المسلمين، وأجر شهادة الحريق، لكن لاحظوا أننا لا نشهد لشخص بعينه، يعني: مثلاً إنسان أحرقته النار أمامنا نقول: الحريق شهيد، لكن ما نقول: هذا الرجل شهيد، وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه لهذه المسألة وقال: (باب: لا يقال فلان شهيد) ثم استدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله) فقال: والله أعلم، إذا كان الله يعلم بمن يُكلم في سبيله؛ إذاً: لا نشهد على أحد، لكن نقول على العموم: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، فيفرق بين العموم وبين الخصوص. وبحلول أذان الظهر ينتهي هذا المجلس، وإلى اللقاء في المجلس القادم إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 155 ¦ الصفحة: 20 لقاء الباب المفتوح [156] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير آخر سورة الذاريات، وبين فيها حال الرسل مع أقوامهم، وكيف كانوا يبتلون ويرمون بالعظائم من قبل أقوامهم، ثم أتبع الله عز وجل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر قومه ويقيم الحجة عليهم، ويتولى ويعرض عنهم، ثم بين الله عظم منته على عباده من رزق ومعيشة لأجل أن يعبدوه، ولكن الظالمين يتمادون في غيهم وطغيانهم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الذاريات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء السادس والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث والعشرون من شهر محرم عام 1418هـ. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول) نستدرك فيه بعض الآيات بل كل الآيات التي نسيناها في الدرس السابق وهي قوله تبارك وتعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] أي: أن الأمر الذي حصل لك يا محمد! حصل لمن قبلك، فقوله: (كذلك) خبر مبتدأ محذوف التقدير: الأمر كذلك، يعني: أن أمر الأمم السابقة كأمر هؤلاء الذين كذبوك يا محمد! وفسر هذه الكذبة بقوله: {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي: ما أتاهم رسول إلا قالوا كذا، (ومن) في قوله: (من رسول) زائدة من حيث الإعراب في قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} [المائدة:19] المعنى: ما جاءنا بشير ونذير، لكن تزاد الحروف في بعض الجمل للتأكيد. فـ (ما أتى الذين من قبلهم من رسول) أي: ما أتاهم رسول إلا وصفوه بهذين الوصفين: (إلا قالوا ساحر أو مجنون) ساحر باعتبار تأثيره وبيانه وبلاغته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من البيان لسحراً) . (أو مجنون) أي: أو قالوا مجنون باعتبار تصرفاته؛ لأن هذا التصرف في نظر هؤلاء المكذبين جنون نسأل الله العافية، وفي هذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الإنسان إذا علم أن غيره أصابه ما أصابه تسلى بذلك وهان عليه الأمر، ولهذا قالت الخنساء وهي ترثي أخاها صخراً قالت في رثاءٍ لها: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي وقد دل لذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] لأن الإنسان إذا شاركه غيره في العذاب هان عليه، لكن يوم القيامة لا ينفع الإنسان أن يشاركه غيره في عقوبته، المهم أن في هذه الجملة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام تسلية له حتى لا يحزن، فإن ما أصابه قد أصاب غيره، وفيها أيضاً دليل على أن المكذبين للرسل طريقتهم واحدة ولو تباعدت أزمانهم وأقطارهم، لأن المجرم أخو المجرم فالطريقة واحدة. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} [الذاريات:53] أي: بهذا القول: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] أي: هل هؤلاء المكذبين للرسل الذين اتفقوا على وصفهم الرسل بأنهم سحرة ومجانين هل هم تواصوا بذلك؟ أي: هل كل واحد من هذه الأمم كتب وصية إلى الأمم اللاحقة أن قولوا لأنبيائكم: إنكم سحرة ومجانين؟ الجواب لا، ولهذا قال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53] وهذا إضراب إبطال، أي: ما حصل تواصل، ولكن تواردت الخواطر؛ لأن الهدف واحد وهو تكذيب الرسل فاتفقت الكلمة، وفي قوله: (طاغون) وصف بأن هؤلاء طغاة معتدون، وهذا من أعظم الطغيان -والعياذ بالله- أن يصفوا دعاة الحق بأنهم سحرة ومجانين. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم) قال الله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [الذاريات:54] أي: أعرض عن هؤلاء ولا تهتم بهم. {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات:54] أي: لا أحد يلومك؛ لأنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وصبرت وصابرت، فلقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصابر على أذى قريش وامتهانهم إياه، ولكنه كانت له العاقبة ولله الحمد، ولهذا قال: (تول عنهم) بمعنى: أنك لا تتعب نفسك فيهم، ولا تهلك نفسك فيهم، فأنت في هذه الحال لا تلام على ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قام بما يجب عليه. وفي قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذريات:54] فيها أمران: الأمر الأول: عذر النبي عليه الصلاة والسلام وإقامة العذر له، والأمر الثاني: تهديد هؤلاء المكذبين أن الله تعالى يهددهم بتولي الرسول عنهم؛ لأنهم لا خير فيهم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ثم قال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] (ذكر) أي: ذكر الناس بآيات الله بشرائعه بأيامه، شرائعه: ما أوجب الله على العباد، أيامه: عقابه تبارك وتعالى للمكذبين وإثابته للطائعين، لكن أطلق الله الذكر وقال: (ذكر) ولم يقل: ذكر المؤمنين، لكن بين أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون قال: {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} لأن المؤمن إذا ذكر فهو كما وصفه الله عز وجل، {إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان:73] بل يقبلونها بكل رحابة صدر وبكل طمأنينة، وفي الآية دليل على وجوب التذكير على كل حال، وفيها أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون، وأن من لا ينتفع بالذكرى فهو ليس بمؤمن، إما فاقد الإيمان وإما ناقص الإيمان، وهنا فتش عن نفسك إذا ذُكِّرْتَ بآيات الله وخُوِّفْتَ من الله عز وجل هل أنت تتذكر أو يبقى قلبك كما هو قاسياً؟ إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك ولا تلومن إلا نفسك، عليك أن ترجع إلى الله عز وجل حتى تنتفع بالذكرى. وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه. أما قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] * {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57] * {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] فقد سبق الكلام عليها في اللقاء السابق. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم) ثم قال الله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات:59] الذين ظلموا بالكفر لهم ذنوب مثل ذنوب أصحابهم، والذنوب في الأصل هو الدلو أو ما يستقى به، وشاهد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أريقوا على بوله ذنوباً من ماء) والمعنى: هؤلاء الظالمون لهم نصيب مثل نصيب من سبقهم: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي: نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم. وانظر كيف سمى الله تعالى السابقين بأزمان بعيدة أصحاباً لهؤلاء؛ وذلك لاتفاقهم في التكذيب، ورمي الرسل بما لا يستحقون، فهم أصحاب في الواقع وإن تباعدت الأزمان والأماكن، (فلا يستعجلون) النون هنا مكسورة على أنها نون الوقاية، وحذف الضمير الياء وأصله: فلا يستعجلوني، فحذفت الياء تخفيفاً، ولهذا لا يشكل على الإنسان فيقول: كيف كانت النون مع (لا) ناهية؟ و الجواب أن نقول: إن هذه النون ليست نون الإعراب ولكنها نون الوقاية، فالفعل -إذاً- مجزوم، والنون للوقاية والياء التي هي المفعول به محذوفة، وفي قوله: (فلا يستعجلون) تهديد واضح أن هؤلاء سيأتيهم العذاب لا محالة ولكن لا يستعجلون الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يملي للظالم ويمهله حتى إذا أخذه لم يفلته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وتلا قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) [هود:102] ) . الجزء: 156 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الذاريات:60] (ويل) بمعنى الوعيد والعذاب، يعني: أنه يتوعدهم عز وجل من هذا اليوم الذي يوعدون وهو يوم القيامة؛ لأنهم سيجدون ما أرسل إليهم حقاً وسيجدون الذل والعار، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] ، {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه:102] فيكون من بين هذا العالم نسأل الله العافية على هذا الوجه، ولهذا قال: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الذاريات:60] وسيكون هذا اليوم يوماً عسيراً عليهم؛ لأنهم كفرة والعياذ بالله. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 156 ¦ الصفحة: 9 المؤمنون عند شروطهم السؤال هناك شخص لديه محل قطع غيار أتى إليه شخص آخر أخذ قطعة منه يريد أن يصلحها في سيارته فأرجع هذا بعد الاستعمال، قال صاحب المحل: أنا ما أقبل القطعة هذه؛ لأنها ملطخة بالزيت وكذا، على أساس أنه لا يأتي شخص آخر فيخسر؟ الشيخ: يعني اشترى منه قطعة غيار ثم ركبها في السيارة؟ السائل: لا. هو أرجعها على أساس أنها ما تركب وهي الأصل أنها تركب، صاحب المحل رفض أن يأخذ القطعة. فيقول: إن هذا دعا عليه بسبب أنه ما قبل القطعة وأعطوه مقابلاً فهو يسأل يقول: هل ظلمته أو كذا؟ الشيخ: هل بينهم شرط أنه إذا اشترى هذه القطعة على أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها عليه؟ السائل: لا أدري. الشيخ: إذا كان بينهم شرط على أنها إن ركبت في السيارة أخذها وإلا ردها فله الحق أن يردها، وصاحب المحل ليس له حق ألا يقبل الرد؛ بل يجب عليه أن يقبل الرد. أما إذا لم يكن بينهما شرط بل هو -أي صاحب السيارة- رأى هذه القطعة أنها تركب على سيارته فاشتراها بدون شرط، فهنا لصاحب الدكان الذي باعها أن يرفض الرد. السائل: صاحب المحل سيخسر القطعة الآن. الشيخ: يخسر أو لا يخسر السائل: أخذها على أنها تركب فيه، أخذ شخص قبله نفس القطعة وبعده وكلها ركبت ما رجعوا الشيخ: على كل حال جوابي واضح، والتطبيق عليك أنت، ما دام أنه أخذها على أنه يريد أن يركبها في السيارة فإن ركبت وإلا ردها فليس لصاحب القطعة الذي باعها أن يمتنع من قبولها، وإن كان لم يشترط فهي له ولا يلزم صاحب الدكان الذي باعها بقبولها، لكن خير من هذا أن يصطلحا يقول: خذها وأن أضمن النقص إن كان فيها نقص. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 10 حكم تقليد بعض الأئمة في القراءة السؤال ما حكم تقليد بعض الأئمة في القراءة؟ الجواب لا بأس بهذا إذا كان المقلد حسن الصوت وحسن الأداء فإن هذا لا بأس به. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 11 جواز الدخول مع الإمام بنية النافلة لمن صلى الفرض السؤال شخص صلى صلاة الفريضة رباعية وذهب إلى مسجد آخر يريد الصلاة على الجنازة فوجد الإمام في الركعة الثالثة من صلاة الفريضة أي: على انتهاء الصلاة هل يدخل معهم على أنها نافلة؟ الشيخ: إي نعم، هذا يسأل يقول: إنه حضر إلى مسجد آخر بعد أن صلى الفريضة ووجدهم قد صلوا ركعتين ودخل معهم في الركعتين الباقيتين ونواها نفلاً، فهل يجوز؟ نقول: نعم يجوز. السائل: وإن دخل من أول الصلاة؟ الشيخ: وإن دخل من أول الصلاة يجوز ويتبعهم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 12 جواز قتل الذباب والبعوض بالآلة الكهربائية السؤال ما حكم استعمال الآلة في قتل الذباب والبعوض بالكهرباء؟ الجواب لا بأس بها، يسأل عن استعمال الآلة التي تُعلَّق لقتل الذباب والبعوض؟ فنقول: لا بأس بها؛ لأن هذا ليس تعذيباً بالنار وإنما هو بالصعق، ثم لو فرض أنها نار ولم يتمكن من دفع أذاها إلا بذلك فلا بأس. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 13 نصيحة في البدء بحفظ القرآن قبل المتون السؤال هل ترى لطالب العلم أن يركز على حفظ القرآن حتى يحفظه، أو يطلب العلم ويحفظ المتون ولو لم يحفظ من القرآن إلا قليلاً؟ الجواب أنا أرى أن الأولى أن يحفظ القرآن لاشك، القرآن هو أصل العلم، فحفظ القرآن أولى، لكن بإمكانه أن يجمع بينهما فيما أظن إذا لم يكن هناك أشغال أخرى، يجعل أول النهار لحفظ القرآن، وآخر النهار لمراجعة بعض المتون، ويتمكن من هذا وهذا، وإذا لم يستطع فالقرآن أولى، نحن لا نفضل شيئاً على القرآن إطلاقاً. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 14 جواز تقبيل الأخ لأخته في الجبهة وكراهته في الخد والفم السؤال ما حكم معانقة الأخت لأخيها أو تقبيل الأخ لأخته؟ الجواب يعني يسأل: هل يجوز أن يقبل الإنسان أخته شقيقة كانت أو لأب أو لأم؟ نقول: الأصل الجواز، لكن لا ينبغي أن يقبلها على الخد أو على الفم، وإنما يقبلها على الجبهة أو على الرأس أو تقبله أيضاً على الجبهة أو على الرأس، أما الخد أو الفم فقد كرهه أهل العلم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 15 شرح حديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة) السؤال أرجو شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها) وهل هو في الصحيحين؟ الجواب نعم هذا حديث ثابت في الصحيحين أو أحدهما، شرح الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) سبب ذلك: أنه قدم أناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وهم فقراء فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء رجل ومعه صرة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فيكون معنى الحديث: من ابتدأ العمل بسنة ولنضرب لهذا مثلاً في وقتنا: لو فرضنا أن رجلاً من أهل العلم ذكر الناس بشيء لم يكونوا يعرفونه وهو من السنة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقام أحدهم فعمل به وصار هو أول من قام نقول: هذا الرجل سن سنة حسنة، والمعنى: أنه عمل بسنة أول من عمل بها هو؛ فصار سن سنة حسنة للعمل بها أول من عمل، هذا أمر. المعنى الثاني: (من سن في الإسلام سنة حسنة) بمعنى: أن السنة اندثرت ونسيها الناس فقام رجل فعمل بها فسنها للناس، هذا أيضاً سن سنة حسنة، ودليل هذا: أن عمر رضي الله عنه لما أمر الناس أن يجتمعوا في قيام رمضان على إمام واحد قال: [نعمت البدعة هذه] فسماها بدعة وهي سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، لكن هي سنة باعتبار أنها تركت وهجرت ثم ابتدأها عمر رضي الله عنه. وأما أن يسن شيئاً من العبادات غير مشروع ويقول: هذه سنة حسنة كما يوجد في بعض الطوائف كطوائف أهل البدع فلا، لا يمكن أبداً أن يكون هذا حسناً، ولهذا زعم بعض أهل البدع الذين سنوا عبادات ما أنزل الله بها من سلطان، زعموا أن هذه سنة حسنة، فيقال: لا يمكن أن تكون حسنة وهي بدعة أبداً، كل بدعة ضلالة. إذاً صار معنى: (من سن سنة حسنة) . إذا هو بدأ بها أو أول من عمل بها بعد الدعوة إليها. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 16 حد عورة المرأة مع المرأة السؤال ما هو حد عورة المرأة مع المرأة هل يجوز أن تكون فتحة لخروج الساق أو الصدر أو العضد؟ الجواب العجب أن هذا سؤال كثر في الناس هذه الأيام، أنا لا أدري هل يريدون من النساء أن تبقى لا تلبس إلا ما يستر ما بين الركبة والسرة؟!! لعلهم يريدون هذا هم أو أهل الشر، إذا قلنا: إن عورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورة الرجل بالنسبة للرجل صارت العورة ما بين السرة والركبة، فهل يريدون هؤلاء السائلون أو النساء السائلات أن تخرج المرأة إلى أختها ليس عليها إلا سروال من السرة إلى الركبة؟!! لهذا يجب العدول عن هذا السؤال، ويجب أن يقال: المرأة يجب أن تلبس ثياباً من الكعب إلى الكف هذا الواجب كما كانت نساء الصحابة يفعلن هذا في بيوتهن، وإذا أرادت أن تخرج جعلت لها ذيلاً في ثوبها يعني: طرفاً من ثوبها يمشي على الأرض حتى لا تتبين قدماها، هكذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: لباس المرأة، إن النساء يلبسن في بيوتهن من الكف إلى الكعب، وإذا خرجن صارت المرأة تلبس ثوباً يسحب من ورائها حتى لا يرى قدمها، ومعاذ الله أن نقول: إن نساء المسلمات يجوز أن يخرجن بين النساء ليس عليها إلا ما يستر ما بين السرة والركبة، معاذ الله أن نقول هذا، لكن لو فرض أن امرأة عليها ثياب ساترة وافية واسعة ثم رفعت ثوبها من أجل أن تعمل عملاً يعني: فساعدت أمها مثلاً على عمل ما فيه بأس، أو رفعت ثوبها لتمر من على ماء أو ما أشبه ذلك فلا بأس، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام أخواتها فلا بأس، أما أن يكون اللباس نقول للمرأة: أن تلبس ما بين السرة والركبة، لا أحد يقول بهذا. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 17 حكم قطع صلاة النافلة لمن دعته أمه وهو يصلي السؤال قرأت لأحد الإخوة قولاً: أنه يجيز للأم نداء ولدها في صلاة النافلة وقال: له شاهد من حديث الراهب الذي دعته أمه في الصلاة فلم يجبها فدعت عليه فاستجاب الله دعاءها، فما هو الصحيح في هذا؟ بارك الله فيك. الجواب الصحيح في هذا أنه إذا دعت الأم ولدها وهو يصلي فإن كانت دعوتها إياه لضرورة وجب عليه أن يقطع صلاته، وإن مضى فيها فهو آثم، أو كان يعلم أن هذه الأم لو لم يجبها لغضبت عليه ورأت ذلك عقوقاً منه، فهذا أيضاً يجب عليه أن يقطع صلاته، وهذه هي قصة الرجل الذي في الحديث؛ لأن أمه غضبت عليه بدليل أنها دعت عليه. أما إذا علم أن أمه إذا علمت أنه في صلاة فإنها سوف ترضى بذلك أي: بعدم كلامه إياها فإنه لا يجب عليه أن يقطع صلاة النافلة. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 18 حكم شراء السلعة مع بقاء بعض النقود عند البائع وحكم ذلك في الصرف السؤال إذا ذهب شخص إلى البقالة واشترى شيئاً، ثم أعطاه من الثمن، فقال صاحب الدكان: ليس عندي صرف فترك الثمن معه، أو إذا أعطاه الثمن وقال: ليس عندي صرف وترك الدراهم هذه عند صاحب الدكان، فهل هذا جائز؟ الجواب يعني رجل اشترى حاجة من الدكان بثمانين ريالاً ومعه ورقة فئة مائة ريال وقال لصاحب الدكان: رد عليَّ عشرين، قال: ليس عندي شيء، فلا بأس أن يجعل المائة عنده ثم يرجع في وقت آخر فيأخذ العشرين. السائل: إذا أرجع المائة الريال؟ الشيخ: لا حاجة لأن يرجع المائة لماذا يرجعها؟ السائل: إذا رضي البائع بأن يبقى المبلغ عند المشتري. الشيخ: لا بأس هذه ما فيها إشكال، إذا قال: لا يلزمك أن تنقدني الثمن متى جئت فأت به فلا بأس، لكن إذا قال صاحب الدكان: أنا ما أعطيك إلا أن تعطيني ثمن البضاعة، نقول: أعطه المائة الريال ويبقى عنده عشرون ريالاً بخلاف الصرف، فلو أتيت إلى الصراف وقلت: هذه المائة ريال أعطني فيها من فئة عشرة، قال: ما عندي إلا تسع ورقات فئة عشرة، ما يجوز هذا الصرف، لابد أن يعطيك المائة كلها وإلا ابحث عن غيره. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 19 القصر في السفر لا يحتاج إلى نية السؤال الشخص إذا كان مسافراً ودخل مسجداً في الطريق ولا يدري هل المصلون يتمون الصلاة أم يصلون قصراً، هل ينوي القصر أم الإتمام؟ الجواب الصلاة في السفر لا تحتاج إلى نية، لو أن إنساناً مثلاً هو مسافر وحان وقت صلاة الظهر فقام يصلي، في أثناء الصلاة قال: والله! ما أدري هل نويت أني أقصر أم لا؟ نقول: لا حاجة له، الأصل في صلاة المسافر أنها مقصورة لا تحتاج إلى نية، فامض وصلِّ قصراً، كذلك إذا دخل المسجد -كما في السؤال- ووجد المصلين وهو من مساجد الطرق التي على الخطوط، فإن الظاهر أنهم يقصرون، فيدخل ويصلي ركعتين. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 20 حكم من انتقض وضوءه أثناء الطواف السؤال لو انتقض الوضوء في أثناء الطواف فما الحكم؟ الجواب إذا انتقض وضوء الطائف فإن الواجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعود ويستأنف الطواف من جديد، هذا ما عليه جمهور العلماء؛ لأن من شرط الطواف الطهارة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا انتقض الوضوء وهو يطوف فإنه يستمر في طوافه ولا يلزمه الوضوء؛ لأن الطواف ليس من شرطه الوضوء، وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الصحيح؛ لأنه ليس هناك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الطواف تشترط له الطهارة، غاية ما فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد أن يطوف توضأ ثم طاف، وهذا فعل والفعل لا يدل على الوجوب، كذلك أيضاً في حديث عائشة لما حاضت قال: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) وهذا لأنها حائض، والحيض يلوث المسجد في الغالب، وأيضاً الحائض لا تمكث في المسجد، وكذلك الجنب لا يمكث في المسجد، ومثله أيضاً حديث صفية أنها حاضت بعد الحج فقال: (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فانفروا) فهو دليل على أنه لو كانت حائضاً ما طافت، فيقال: الحيض غير الحدث الأصغر، لو كان الطهارة واجبة في الطواف لكان الرسول بينها للناس، لأن كثيراً من الناس قد لا يكونوا متوضئين، فالأصل عدم الوجوب، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام وهو الصحيح وهو الذي نفتي به، لكنه لا شك أن كون الإنسان يطوف على طهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة، لكن أحياناً يقع شيء لا يستطيع الإنسان -يشق عليه مثل أيام الزحام البالغ- أن يتوضأ إذا أحدث في الطواف، لو قلنا: اذهب وتوضأ، ذهب وتوضأ ثم رجع ماذا يصنع؟ يستأنف أو يبني على ما قد سبق؟ مداخلة: يستأنف. الشيخ: طيب استأنف، في أثناء الطواف أيضاً أحدث، لأن في بطنه غازات مثلاً نقول: اذهب وتوضأ ثم ارجع وابتدأ الطواف؟ قلنا: نعم يفعل، ذهب وجاء ورجع ثم أحدث، وإلى متى؟ لأن الوضوء في أيام الزحمة شاق جداً، أولاً: متى يتهيأ للإنسان أن يخرج؟ ثم إذا خرج متى يجد مكان الوضوء خالياً؟ ثم إذا توضأ ورجع متى يحصل له أن يدخل؟ فكونه موجباً على عباد الله شيئاً ليس فيه دليل واضح من الكتاب والسنة مع هذه المشقة العظيمة، الحقيقة أنه يجد الإنسان نفسه غير مرتاحٍ أن يوجب على عباد الله مثل هذا الشيء بدون دليل واضح، نعم لو كان الأمر سهلاً مثل أيام غير المواسم يخرج ويتوضأ ويرجع ويعيد الطواف هذا أمر سهل، نقول: الأحوط أنك تفعل هذا. على كل حال: الذي نرى ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يشترط الوضوء للطواف. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 21 حكم ختان البنت الصغيرة السؤال فضيلة الشيخ: أخوكم من حائل، سؤالي ينفصل إلى شقين: الشق الأول: ما هو حكم الشيعة وما موقفهم يوم القيامة؟ الشق الثاني: ما هو حكم ختان البنات هل تروه من السنة أم لا؟ جزاكم الله خيراً؟ الجواب أما السؤال الأول فلا نجيب عليه؛ لأن أمرهم واضح من عقائدهم وأفعالهم. وأما الثاني: فالصحيح أن ختان المرأة سنة وليس بواجب، وأما ختان الذكر فإنه واجب؛ لأن ختان الذكر يترتب عليه من النظافة ما لا يترتب على ختان المرأة؛ لأن الذكر ختانه بقطع القلفة التي فوق الحشفة، وهذه إذا بقيت يحدث منها أمراض، واحتقان البول بينها وبين الحشفة، وهذا يؤدي إلى تلوث الإنسان بالبول، وإلى مفاسد كثيرة، حتى عند الزواج إذا تزوج الواحد من هؤلاء يجد صعوبة عظيمة عند الجماع له ولزوجته، فكان لا شك أن ختان الذكور واجب، وأما الإناث فالصحيح أنه سنة وليس بواجب. وعلى كل فيجب أن يكون الخاتن حاذقاً يعرف محل الختان ومقداره حتى لا يؤدي إلى التجاوز والتهاون. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 22 الإقامة إذا حددت بعمل أو زمن فإن صاحبها في حكم المسافر السؤال إذا كان الإنسان مقيماً في مدينة غير مدينته ويريد أن يقيم فيها لمدة سنتين وعندهم منزلين في المدينتين ويتردد على مدينته الأولى في الإجازات، ففي أي المدينتين يأخذ حكم المسافر؟ الشيخ: هل هو في المدينة الثانية ينوي الإقامة المطلقة وإلا إقامة محددة؟ السائل: على ما أعتقد محددة. الشيخ: إذا كانت محددة فهو مسافر، كل إقامة محددة لعمل أو زمن فإنها في حكم السفر، خذ هذه القاعدة: الإقامة المحددة بعمل مثل أن ينتدب الإنسان لعمل من الأعمال على أنه متى خلص رجع فهو مسافر لو بقى عشر سنوات، مثل: أن ينتدب قاضٍ إلى جهة من الجهات ويقال: اذهب حتى نجد قاضياً يحل محلك، فهذا مسافر لو بقي عشر سنوات، وهذا محدد بماذا بعمل وإلا زمان؟ بعمل، الإقامة المحددة بزمن مثل أن يقال للشخص: اذهب وادرس في هذا المكان لمدة سنة أو سنتين فهذا أيضاً محدد، فلا فرق بين التحديد بعمل أو التحديد بزمن، كل منهما لا يريد الإقامة المطلقة ولا يريد الاستيطان فهو مسافر، لكن بعض أهل العلم يقولون: إن المحدد إذا تجاوز أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام، وبعضهم يقول: خمسة عشر يوماً، وبعضهم يقول: تسعة عشر يوماً، ولكن كلها أقوال متضاربة ليس بعضها أولى بالقبول من بعض، وليس لكل واحد منها دليل صحيح صريح، فلذلك نرجع إلى الأصل هو أن السفر مفارقة الوطن فمتى فارقه الإنسان على وجه مطلق غير مقيد ونوى الإقامة المطلقة في البلد الثاني فقد انقطع حكم السفر في حقه، ومتى كان مقيداً بزمن أو عمل فهو مسافر، وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى وبسطه بسطاً تاماً في باب: صلاة الجمعة من مجموع الفتاوى الذي جمعه ابن قاسم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 23 حكم الاستنجاد بالأخ الغائب إذا قصد التخويف السؤال يقع بين الشخصين جدال فيقوم هذا المغلوب فينادي أخاه أو أباه وهو يعلم أنه لا يسمع قصده التخويف فقط، هل هذا يدخل في الاستغاثة؟ الجواب يعني يكون بين اثنين مخاصمة ويستنجد أحدهما بأخيه أو أبيه أو صديقه، يعلم أنه لا يسمعه، أخوه أو أبوه لا يسمع؟ السائل: لا يسمع من السمع يعني. الشيخ: هل هو الذي لا يسمع؟ السائل: لا يسمع هذا لأنه بعيد عنه وإنما مراده التخويف للآخر. الشيخ: لا. هذا ليس من الاستغاثة المحرمة، أولاً: إذا كان هذا الذي استغاث به قريباً فلا بأس كما جاء في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15] فأجابه موسى، وهذا يدل على الاستغاثة فيما يقدر عليه المخلوق جائز. أما لو استغاث ميتاً فهذا شرك أكبر؛ لأن الميت لا يستطيع أن يغيثه، وكذلك لو استغاث بغائب يريد إغاثته إياه هذا أيضاً لا يجوز، لكن لو استغاث لا على أنه يريد أن يغيثه لكن يخوف خصمه فلا بأس بذلك، إذا كان بحق، لأنه ربما تكون الخصومة ومع أخيه الحق فلا يجوز أن يخوفه في باطل، يعني مثلاً: تخاصم وإياه وجعل ينادي: يا أخي! يا أخي! يا أخي تعال، وهو ما هو موجود، وهو ما قصده أن أخاه ينجيه لكن قصده من أجل ذاك يخاف؛ لأنه ربما إذا سمع أن وراءه أحد يهرب إذا كان لصاً أو معتدياً. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 24 التفصيل فيمن أدرك الإمام في الركعة الأخيرة أو في التشهد السؤال هل الأولى للشخص إذا دخل المسجد والإمام في الركعة الأخيرة أو في التشهد الأخير أن يدخل مع الإمام أو ينتظر حتى يأتي أحد فيصلي معه؟ الجواب هذا فيه تفصيل: إذا جاء إلى المسجد وهو في التشهد الأخير إن كان معه أحد يعني حوله أحد سيصلي معه انتظر، وإذا لم يكن حوله أحد فليدخل مع الإمام؛ لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدم الإدراك. أما إذا كان سيدرك ركعة كاملة فلا ينتظر أحداً؛ لأنه (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . الجزء: 156 ¦ الصفحة: 25 قول: (رضيت بالله رباً. ) يكون بعد نطق المؤذن بالشهادتين السؤال متى يقال هذا الذكر: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً) هل يقال بعد الشهادتين في الأذان، أم بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له؟ الجواب قول متابعي المؤذن: (رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً) هذه تكون بعد الشهادتين، أي: قبل أن يقول المؤذن: حي على الصلاة، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، وتابعه السامع فإنه يقول بعد ذلك: رضيت بالله رباً مقابل أشهد أن لا إله إلا الله، وبمحمد رسولاً مقابل أشهد أن محمداً رسول الله، وبالإسلام ديناً مقابل الجملتين جميعاً؛ لأن الإسلام مبني على الإخلاص الذي يدل عليه أشهد أن لا إله إلا الله، وعلى المتابعة التي يدل عليها قوله: أشهد أن محمداً رسول الله. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 26 حكم الصلح مع أهل البدع في عدم التكلم في آيات الصفات السؤال بعض إخواننا الدعاة إلى الله عز وجل في البلاد رأوا أن من المصلحة أنهم يتفقون مع الصوفية في عدم الكلام في المحاضرات أو في الخطب في الاستواء مثلاً أو الاستغاثة وغيرها من الأشياء، واستدلوا باتفاق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، فهل الاستدلال صحيح يا شيخ؟ ما توجيهكم؟ الجواب لا هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ، المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً، وهذا الذي تذكر يعني الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان، لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 27 معنى قوله تعالى: (ووجد الله عنده فوفاه حسابه) السؤال ما معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:39] الجملة الأخيرة: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} ؟ الجواب المعنى: أن هؤلاء أعمالهم كسراب بقيعة، فهذا السراب يراه الظمآن فيظنه ماءً، وإذا ظنه ماءً سوف يسرع إليه ويظن أن النجاة فيه فيسرع، فإذا وصل فإذا هو بسراب أبعد وحينئذٍ يهلك أكثر، ومعنى: (ووجد الله عنده) أي: بحضور أجله، هذا المراد بالعندية، وليس أن الله تعالى في نفس المكان؛ لأن الله مستوٍ على العرش عالٍ على الخلق، لكن المعنى: أنه (وجد الله عنده) بمعنى: حضر أجله فوفاه حسابه. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 28 وجه الجمع بين قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقوله: (فذكر إن نفعت الذكرى) السؤال قلنا: عند قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وجوب التذكير على كل حال، وماذا يقال -يا شيخ- في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] ؟ الجواب هذا خاص، فهناك تذكير تذكر شخصاً معيناً هذا يذكره إن نفعت الذكرى، أما إذا علمنا أنه متمرد ويعرف الحق ولكنه معاند فلا، وأما إذا كان عموماً فهو عام يذكر على كل حال، هذا إذا قلنا: (إن) الشرطية يراد بها: حقيقة الشرط، أما إذا قلنا بالقول الآخر: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9] المعنى: سواء نفعت أم لم تنفع، مثلما يقال للإنسان: علم هذا إن كان ينفعه العلم، المعنى: كرر عليه التعليم، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية أنه يقصد بالشرط الاستمرار، فالعلماء لهم فيها قولان: فهذه الشرط شرط مقصود بمعنى: ذكر إن رأيت في الذكرى منفعة وإلا فلا، فحينئذٍ نحملها على الخصوص لشخص معين أو طائفة معينة. أما إذا قلنا: (إن) هنا بمعنى: إن نفعت أو لم تنفع يعني معناه: إن هؤلاء كان لا توجد فائدة ذكرت أو لم تذكر، فلا يقتضي التخصيص. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 29 عذاب القبر متعلق بالروح وقد يتصل بالبدن السؤال أشكل عليَّ مسألة استدلال أهل السنة بردهم على المعتزلة في مسألة عذاب القبر ونعيمه، فإنهم يستدلون مثلاً في المنام، فإن الإنسان في نومه يحصل له كذا، فردوا على المعتزلة، يا شيخ! حفظك الله! إنني أرى -والله أعلم- أن هناك فرقاً بين المنام وبين عذاب القبر: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] يعني: كيف استدل أهل السنة في ردهم على المعتزلة في المنام خاصة؟ الجواب استدلوا على أن هذا ممكن، ممكن أن يجد الإنسان عذاباً ونعيماً وهو لم يتغير، لأن أولئك قالوا: كيف نحن نثبت عذاب القبر ونحن نجد الرجل إذا دفناه اليوم جئنا من بكرة ووجدناه على ما هو عليه؟ نقول: لا يلزم أن يتغير الجسم، العذاب في القبر الأصل أنه على الروح لكن قد تتصل بالبدن، كذلك الرؤيا في المنام هي للروح في الواقع لكن مع ذلك ربما يتألم الجسم ولهذا تجد الإنسان إذا رأى ما يكره في منامه تجده يضطرب ويتقلب ويقول: هذه الليلة نومي ما هو جيد، بل ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الروح: أنه أحياناً يجد الإنسان إذا رأى في المنام أنه قد ضرب أو ما أشبه ذلك يجد أثر الضرب على بدنه، فهذا مثال تقريبي وإلا ما في شك أن هناك فرقاً بين المنام وبين الموت، يعني: ما يجده الميت من سرور ونعيم أو عذاب وعقوبة أشد وأشد مما يراه النائم. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 30 قصر الصلاة في السفر سنة وليس بواجب السؤال ذكرتم حكم قصر الصلاة في السفر أنه واجب في شريط لكم، ثم ذكرتم في الشرح الممتع ترجيح القول بالسنية، فما الراجح لديكم الآن؟ وما الدليل على ذلك؟ الجواب الراجح أن قصر الصلاة في السفر ليس بواجب، وأن قول عائشة: [كانت ركعتين، فزيد في صلاة الحضر ثم أقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى] ليس دليل على أنها مفروضة، ولكن دليل على أنها لم تزد، ويرجح هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما أتم عثمان في منى صلوا خلفه، وهذا كالإجماع منهم على أن القصر ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً ما جاز أن يصلوا خلفه أربعاً، فهذا هو الذي ترجح لنا أخيراً: أنه سنة مؤكدة وليس بواجب. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 31 حكم رجل مسافر تزوج امرأة مقيمة فأكرهها على الجماع في نهار رمضان السؤال شخص تزوج قبل رمضان بثلاثة أيام وكان مغترباً عن وطنه، فلما أعرس وجاء عليه رمضان صام يوماً واحداً وأفطر بقية الشهر وكان يجامع زوجته في نهار رمضان، وزوجته كانت مكرهة على ذلك ورفضت ولكنه أكرهها يعني: على ذلك؟ الشيخ: هي مسافرة؟ السائل: لا هي مقيمة في البلد. الشيخ: في بلدها؟ السائل: في بلدها وهو كان مسافراً. الشيخ: وهو مسافر؟ السائل: نعم. الشيخ: أما بالنسبة له هو فليس عليه شيء يعني: ليس عليه كفارة؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر، ولهذا يجب التنبه لهذه المسألة أن بعض الناس في العمرة مثلاً يذهب إلى مكة هو وأهله يبقون الشهر كله أو نصفه أو ما شاء الله ثم يجامعها في النهار وهو صائم نقول: هذا ليس عليه إلا قضاء اليوم فقط، ويجوز أن يجامعها؛ لأنه مسافر، وهذه نقطة يجب التنبه لها؛ لأن بعض الإخوان نسمع أنهم أفتوا أن من جامع زوجته وهو في العمرة أن عليه الكفارة وهذا غلط، ليس عليه شيء إلا قضاء اليوم. بالنسبة لمسألتك أنت نقول: إنه حرام عليه أن يكره زوجته على الجماع؛ لأنه أفسد صومها، فهو آثم من هذه الناحية، أما زوجته فإذا كانت مكرهة لا تستطيع الدفاع فليس عليها شيء لا قضاء ولا كفارة، فصار الرجل عليه القضاء وليس عليه كفارة، أما بالنسبة للمرأة فليس عليها قضاء ولا كفارة إن كانت مكرهة بحيث لا تستطيع الدفاع، وفي ظني أنها تستطيع الدفاع كيف؟ ألا تأتي إليه، ما دامت تعرف أنها متى أتت إليه يجامعها لا تأتي إليه هي في بيتها. السائل: البيت واحد يا شيخ! الشيخ: البيت واحد لكن تستطيع أن تروح في مكان آخر إلا إذا كان ما عندهم أحد في البيت. السائل: ما عندهما أحد. الشيخ: ولا يمكن أن تتخلص منه؟ على كل حال: الإكراه معناه: أن يأتي على الإنسان شيء لا يستطيع دفعه، فمتى ثبت أنها مكرهة فليس عليها قضاء ولا كفارة. السائل: هو عليه كفارة أو القضاء فقط؟ الشيخ: عليه القضاء فقط، وعليه الإثم بالنسبة لإكراه المرأة فليتب إلى الله من ذلك وليستحلها هي. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 156 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [157] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن تفسير أول سورة الطور، وبين معاني القسم وفوائده والمراد من ذلك، ثم بيَّن كيف سيكون وقوع العذاب من رب العالمين، بحيث لا يستطيع رده ولا دفعه أحد من البشر، ثم ختم ذلك بإجابات عن أسئلة متنوعة. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر محرم عام (1418هـ) ، نتكلم فيه على ما تيسر من كلام الله عز وجل العزيز الحميد، وقد ختمنا سورة الذاريات فلنبدأ بسورة الطور. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والطور) قال الله تبارك وتعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) البسملة آية من كتاب الله نزلت في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة فإنها لم تنزل للفصل بينها وبين سورة الأنفال، ولهذا لم تكتب في المصحف، وليست من السورة التي افتتحت بها، فهي ليست من الفاتحة خلافاً لما نشاهده في المصاحف أنها حسبت من الفاتحة باعتبار التوقيت. والصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأن أول آية في سورة الفاتحة هي قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ويدل لهذا السنة القولية والعملية: أما القولية فما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) . وأما السنة العملية: فهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في صلاة الليل لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويجهر بالفاتحة، وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة، وهذا هو القول الراجح. يقول الله تبارك وتعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:1-6] . هذه أشياء أقسم الله بها، أولها: الطور؛ وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، فإن الله تعالى كلمه أول ما كلمه على جبل الطور، فكان لهذا الجبل من الشرف والفضل ما سبق به غيره من الجبال، ولهذا أطلق كثير من العلماء أنه -أي: جبل الطور - أفضل الجبال وأشرفها، وعلى هذا يكون أشرف وأفضل من جبل حراء الذي ابتدأ فيه الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا ظاهر إطلاق كثير من العلماء، ولكن في هذا الإطلاق نظر؛ لأن حراء كلم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن كلمه جبريل مرسلاً من عند الله، فمنه ابتدأت أفضل الرسالات على أفضل الرسل، وأيضاً حراء داخل الحرم المكي؛ لأنه من الحرم الذي لا يحل صيده، ولا قطع شجره، وبقعة الحرم أفضل البقاع، ويمكن أن يحمل إطلاق كثير من العلماء على هذا فيقال: إلا جبل حراء. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وكتاب مسطور) قال تعالى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:2-3] الكتاب المسطور في الرَّق، اختلف فيه العلماء، وهذا الخلاف ينبني على كلمة رَق، هل الرَّق كل ما يكتب فيه من جلد وورق وعظم وحجر وغير ذلك؟ أو هو خاص بما يكتب فيه من جلود ونحوها؟ إن قلنا بالأول صار المراد بالكتاب عدة أشياء منها: اللوح المحفوظ، ومنها: الكتب التي بأيدي الملائكة، ومنها: القرآن الكريم، ومنها: التوراة، فيشمل عدة كتب، إذا قلنا: أن الرَّق هو كل ما يكتب فيه. وإذا قلنا: أن الرَّق هو الورق وشبهه ما يكتب فيه عادة، فاللوح المحفوظ ليس معنا فلا يدخل في هذا، وإنما المراد به إما التوراة وإما القرآن، فالذين قالوا: إنه التوراة رجحوا قولهم: بأنه قرن بـ الطور، وهو الذي كلم منه موسى عليه الصلاة والسلام، فكان الكتاب المسطور هو التوراة الذي جاء به موسى. ومن قال: إن المراد به القرآن الكريم رجح ذلك بأن الله ذكر الطور الذي أوحي منه إلى موسى والكتاب الذي هو القرآن أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الله تبارك وتعالى ذكر أشرف الرسالات في بني إسرائيل إيماءً إليها بذكر الطور وذكر أشرف الرسالات التي بعث بها من بني إسماعيل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيتعين أن يكون المراد بالكتاب المسطور القرآن الكريم. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (في رق منشور) قال تعالى: {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور:3] الرَّق: هو ما يكتب فيه من جلد ونحوه، وقيل: كل ما يكتب عليه حتى الحجر؛ لأنهم كانوا من قبل يكتبون القرآن على الأحجار وعلى ظهور العظام وعلى عسب النخل؛ لأن الورق ليس موجوداً بكثرة. وقوله: (منشور) صفة لكتاب، ويحتمل أن تكون صفة لرَقّ، والمعنى واحد، والمراد بالمنشور: المفرق الذي يكون في أيدي كل قارئ، وهذا يصدق تماماً على القرآن الكريم، فإنه -ولله الحمد- بين يدي كل قارئ، حتى الصغار من المسلمين يقرءونه. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والبيت المعمور) قال تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:4] هذا هو الثالث مما أقسم الله به في هذه الآيات، وهو بيت في السماء السابعة يقال له: الطراح أو الصراح لعلوه، هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه، فأخبروني بناءً على هذا كم عدد الملائكة؟ مداخلة: الله أعلم. الشيخ: لا يحصيهم إلا الله، من يحصي الأيام؟! ثم من يحصي سبعين ألفاً؟! كل يوم يدخلون هذا البيت المعمور ولا يعودون إليه. وقيل: إن المراد بالبيت المعمور: بيت الله في الأرض؛ وهو الكعبة؛ لأنه معمور بالطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود، فهل يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً؟ نحن نحب أن نذكر قاعدة في التفسير وهي أن (الآية إذا احتملت معنيين على السواء وليس بينهما منافاة وجب أن تحمل على كلٍ منهما) ؛ لأن المتكلم بها -وهو الله جل وعلا- عالم بما تحتمله من المعاني، وإذا لم يبين أن المراد أحد المعاني فإنه يجب أن تحمل على كل ما تحتمله من المعاني، أي: المعاني الصحيحة وليست المعاني الباطلة، فلننظر الآن هل هناك منافاة بين أن يكون المقسم به الكعبة أو البيت المعمور في السماء؟ الذي يظهر أن لا منافاة؛ لأن كلا البيتين معظم، ذاك معظم في أهل السماء، وهذا معظم في أهل الأرض، ولا مانع، فالصواب: أن الآية شاملة لهذا وهذا، إلا إذا وجدت قرينة ترجح أن المراد به البيت المعمور في السماء. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (والسقف المرفوع) قال تعالى: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور:5] أقسم الله بالسقف المرفوع وهو السماء، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ} [الرعد:2] ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء:32] فالسماء سقف وهي مرفوعة، إذاً فالسقف المرفوع هو السماء، وسماه الله سقفاً لأنه قد غمر جميع الأرض من جميع الجوانب كما يغمر السقف الحجرة من جميع الجوانب، وإنما أقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من الآيات العظيمة من نجوم وشمس وقمر وإحكام وإتقان، قال الله عز وجل: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك:3-4] يعني: مرة بعد مرة: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4] وأخبر أنه ليس في السماء من فروج، ليس فيها تشقق، ليس فيها عيب، ليس فيها تصدع، لا تبلى على طول المدة فهي جديرة بأن يقسم الله بها. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (والبحر المسجور) قال تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6] كلمة (البحر) قيل: إن المراد به البحر الذي عليه عرش الرحمن عز وجل كما قال تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود:7] . وقيل: المراد به البحر الذي في الأرض؛ لأنه مشاهد، المعلوم الذي فيه من آيات الله ما يبهر العقول. والصحيح: أن المراد به بحر الأرض؛ لأن (أل) في البحر للعهد الذهني، أي: البحر المعهود الذي تعرفونه، فأقسم الله به لما فيه من آياته العظيمة: من أسماك، وأمواج، وغير هذا مما نعلمه ومما لا نعلمه، ومن أعظم ما فيه من آيات الله ما أشار إليه تعالى في قوله: (المسجور) أي: الممنوع، ومنه سجر الكلب يعني: في اللغة ليس المعنى هنا، في اللغة يقال: سجرت الكلب يعني: ربطته حتى لا يهرب، البحر المسجور: الممنوع بقدرة الله عز وجل. إننا نعلم جميعاً أن الأرض كروية، وهذا البحر لو نظرنا إليه بمقتضى الطبيعة لكان يفيض على الأرض؛ لأنه لا يوجد جدران تمنع، والأرض كروية مثل الكرة، فلو نظرنا إلى هذا البحر بمقتضى الطبيعة لقلنا: لابد أن يفيض على الأرض فيغرقها، ولكن الله تبارك وتعالى أمسكه بقدرته سبحانه وتعالى، فهو مسجور -أي: ممنوع- من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها، وهذه آية من آيات الله، صب -مثلاً- فوق كرة من الكرات ماءً أين يذهب؟ يغمرها يميناً وشمالاً، لكن هذا البحر لا يمكن أن يفيض على الأرض بقدرة الله سبحانه وتعالى، وانظر إلى الحكمة أحياناً تأتي أيام المد والجزر نفس البحر يمتد امتداداً عظيماً لعدة أمتار وربما أميال، ثم ينحسر من الذي مده ولو شاء لبقي ممتداً فتغرق الأرض فمن الذي رده؟ إنه الله، ولهذا كان هذا البحر جديراً بأن يقسم الله به. في البحر آيات عظيمة يقال: إنه ما من شيء على البر من حيوان وأشجار إلا وله نظير في البحر، بل أزيد؛ لأن البحر بالنسبة لليابس يمثل نحو (70%) كبير جداً، ففيه من الأشياء ما ليس في البر، يعني: توجد سمكة على شكل إنسان، وعلى شكل ذئب، وعلى شكل طبلة، وعلى شكل حية، وعلى شكل عقرب، وفيه أشياء لا نرى لها نظيراً في البر، هذه من آيات الله عز وجل. والبحر المسجور، إذاً أعظم آية في البحر هو أنه مسجور أي: ممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها. وقيل المراد بالمسجور هو الذي سيسجر أي: يوقد كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: أوقدت، فهذان قولان، البحر المسجور يعني القول الأول: الممنوع، والبحر المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وهذا متى يكون؟ يوم القيامة، هذا الماء الذي نشاهده الآن والذي لو سقطت فيه جمرة أو مر على جمرة لأطفأها؛ يوم القيامة يكون ناراً، يسجر هذا الماء ويكون ناراً، هذا من آيات الله عز وجل، هذان قولان: الأول: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض فيغرق أهلها. الثاني: المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، وذلك يوم القيامة. هل يمكن أن نقول: إن المراد به المعنيان جميعاً؟ نعم، لأنه لا منافاة بين هذا وهذا، فكلاهما من آيات الله عز وجل، يعني: أنه سواء قلنا: المسجور الممنوع من أن يفيض على الأرض، أو المسجور الذي سيسجر أي: يوقد، فكل هذا من آيات الله. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] هذا هو جواب القسم، والجملة هنا مؤكدة بمؤكدين بل بثلاثة: القسم المتعدد، واللام في قوله: (لواقع) ، و (إن) في قوله: (إن عذاب ربك) هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم بخمسة أشياء، وإذا كان قسماً بخمسة أشياء صار كأنه أقسم عليها خمس مرات. والثاني: بأن. والثالث: باللام. {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} أي: لابد أن يقع عذاب الله الذي وعد به، هذه -والله- جملة عظيمة مؤثرة، لكنها لا تؤثر إلا على قلب لين كالزبد أو أشد. أما القلب القاسي فلا يهتم بها، تمر عليه وكأنها ثلجة، كان عمر رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية يمرض حتى يعاد من شدة ما يقع على قلبه من التأثر حتى يعاد، إذا كان واقعاً وليس له دافع أليس الجدير بنا أن نخاف؟!! بلى والله، هذا هو الجدير. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (ما له من دافع) قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} أي: لابد أن يقع، ولكن هل هذا التأكيد بالنسبة لعذاب المؤمنين أو لعذاب الكافرين؟ لننظر، قال الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:1-3] ضم هذه الآية إلى الآية التي في الطور تجد أن قوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:7-8] على الكافرين، فعذاب الله على الكافرين ليس له دافع، لا أحد يدفعه، لا قبل وقوعه ولا بعد وقوعه، ولهذا لا تنفعهم الشفاعة فيرفع عنهم العذاب. أما عذاب الله للمؤمن فإن الأصل أنه واقع، كل ذنب توعد الله عليه بالعذاب فالأصل أنه واقع، لكنه مع ذلك قد يرفع بفضل من الله عز وجل، قد يرفع بالشفاعة، قد يرفع بأعمال صالحة تغمر الأعمال السيئة، ألم تر أن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) فيرتفع عنه العذاب. وعلى هذا نقول: عذاب الله واقع على الكافرين لا محالة، ولا دافع له، أما على عصاة المؤمنين فإن الأصل الوقوع، ما الذي يمنع وقد أنذر الله العباد وخوفهم وبين لهم؟ لكن مع ذلك قد يرتفع بأسباب متعددة. قال تعالى: {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:8] (ما) نافية، و (دافع) مبتدأ مؤخر دخلت عليه (من) الزائدة للتوكيد، أي: ما من أحد ولو عظمت منزلته وقوته يدفع عذاب الله عز وجل أبداً، لا يمنعه ولا يرفعه؛ لأن (دافع) تشمل المنع والرفع؛ تشمل المنع قبل الوقوع والرفع بعد الوقوع، لا أحد يدفع عذاب الله، لا يمنعه أن ينزل ولا يرفعه إذا نزل، وإنما ذلك إلى الله وحده. نسأل الله تعالى أن يعاملنا وإياكم بعفوه، وأن يغفر لنا ما سلف من ذنوبنا وما حضر إنه على كل شيء قدير. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 157 ¦ الصفحة: 11 كيفية تحصين الأب أولاده بالأذكار الشرعية السؤال كيف يحصن الأب أولاده بالأوراد الشرعية، هل يكون ذلك صباحاً ومساءً؟ وهل يكون بالمسح أو بالنفث؟ الجواب أما من جهة الأولاد الصغار فهو يعوذهم بالمعوذتين عند النوم أو عند إقبال الليل أو عند إقبال النهار، أما الكبار فهم بأنفسهم يتولون هذا فيعلمهم ويرشدهم، والإنسان من جملة الدعاء الذي يدعو به الإنسان صباحاً ومساءً: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي) هذا نوع من التعويذ. السائل: هل يكون بالمسح أو بالنفث؟ الشيخ: لا. بالنفخ فقط. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 12 عدم جواز فتح الرسائل إلا بإذن صاحبها السؤال إذا وجد شخص رسالة لزميله أتت من البريد وفتحها وقرأها فهل عليه إثم؟ الشيخ: وهي موجهة له؟ السائل: لا. موجهة لزميله. الشيخ: لا. إذا وجد الإنسان رسالة موجهة لصديق له أو زميل له فإنه لا يحل له أن يفتحها إلا إذا كان قد قال له: إذا أتتك الرسالة باسمي فلك أن تفتحها. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 13 التعوذ والسؤال والتسبيح عند قراءة القرآن يكون في صلاة الليل دون الفريضة السؤال بعض المأمومين إذا قرأ الإمام آية عذاب يتعوذ، فهل هذا صحيح؟ الجواب التعوذ عند آية العذاب، والسؤال عند آية الرحمة، والتسبيح عند آية التسبيح، هذا سنة في صلاة الليل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. في الفريضة ظاهر السنة أنه لا يتعوذ ولا يسأل ولا يسبح إذا مر بما يقتضي ذلك، هذا بالنسبة للإمام، لكن لو فعل فقد قال فقهاؤنا رحمهم الله: إنه لا بأس به. المأموم إذا كان لا يمنع من استماع قراءة إمامه فلا بأس، وأظن كلمة واحدة لا تمنع، لو قال: سبحانه، أسأل الله من فضله، لا تمنعه من الاستماع، فلا بأس أن يقول هذا، وإن أنصت فهو أفضل. السائل: هل يرفع إصبعه؟ الشيخ: لا. رفع الإصبع حركة لا داعي لها. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 14 الفرق بين قول القلب وعمله السؤال فضيلة الشيخ: تكرر في كلام العلماء قول القلب وعمل القلب، ما الفرق بينهما؟ وما صفاته؟ الجواب يقول العلماء: الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، وبعضهم يقول: عمل القلب واللسان والجوارح. الفرق بين قول القلب وعمل القلب: فقول القلب: إقراره وإيمانه بالشيء، وعمله: حركته بمعنى: المحبة الخوف الرجاء وما أشبه ذلك، هذه لا تسمى قول القلب وإنما تسمى عمل القلب، لكن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هذا يسمى قول القلب، هذا هو الفرق بين قول القلب وعمل القلب. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 15 استحباب الإتمام لمن صلى خلف الإمام نفلا ً السؤال إذا أتى الإنسان مسجد جماعة وقد أقيمت الصلاة وهو قد صلى الفرض وأدرك ركعتين معهم، هل يلزمه الإتمام أم يكتفي بركعتين ويسلم؟ الجواب إذا لم يكن هناك مانع يمنع من الإتمام فالأفضل أن يتم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . أما إذا كان يخشى أن يفوته ما جاء من أجله كمن جاء ليصلي على جنازة وأدرك مع الإمام ركعتين فهنا يسلم مع الإمام؛ لأنه يجوز التنفل بركعتين، وهو إنما حضر للصلاة على الجنازة، وصلاته على الجنازة أفضل من إتمامه؛ لأن الصلاة على الجنازة أولاً فرض كفاية فيكون مشاركاً للمصلين في الفرضية والفرض أفضل من النفل، فيسلم مع الإمام من أجل أن يدرك الصلاة على الجنازة. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 16 التوفيق بين قوله تعالى: (في يوم كان مقداره ألف سنة) وقوله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) السؤال ورد في سورة السجدة قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) [السجدة:5] ، وفي سورة المعارج قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] فما التوفيق بين الآيتين؟ الجواب أما آية السجدة فإن الله يقول: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:5] هذا في الدنيا {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة:5] وذلك أنه قد جاء في الحديث: (بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وأن كثف السماء خمسمائة سنة) . فعلى هذا ألفاً. أما في سورة المعارج فإن ذلك في الآخرة، ولهذا يظهر لي أن قوله تبارك وتعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] متعلق بقوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ} [المعارج:1-2] أي: أن هذا العذاب الواقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وليس متعلقاً بقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] بل تعرج الملائكة والروح إليه في الدنيا حسب ما جاء في سورة: (ألم تنزيل) السجدة، هذا الذي يظهر لي. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 17 الصحيح أن البيت المعمور فوق الكعبة وفي السماء السابعة السؤال هل صحيح أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة في السماء السابعة؟ الجواب نعم. البيت المعمور في السماء السابعة، وهو كما جاء في الحديث: (بحيال الكعبة) وحيال الكعبة هل معناه أنه فوقها؟ وهذا ليس بغريب، والله على كل شيء قدير، أو المعنى: (بحيال الكعبة) بإزائها بمعنى: أنه كما تعمر الكعبة من أهل الأرض يعمر البيت المعمور من أهل السماء، الذي يهمنا أن البيت المعمور في السماء السابعة، وأنه يدخله في اليوم سبعون ألف ملك، هذا أهم شيء. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 18 حكم الصلاة في الثوب الشفاف السؤال ما حكم الصلاة بثوب شفاف؟ الجواب الصلاة بالثوب الشفاف إن كان تحته سراويل تستر ما بين السرة والركبة فلا بأس، وإن لم يكن تحته شيء فلا يجوز أن يلبسه في الصلاة أو غير الصلاة؛ لأنه لا بد من ستر العورة، وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] والثوب الشفاف وإن لبسه الإنسان لم يتخذ الزينة، ما الفائدة إذا كان شفافاً وجوده كعدمه. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 19 معنى قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) السؤال ما تفسير قول الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ؟ الجواب (وما رميت) يعني: ما رميت وجوههم بهذه الحصى التي أرسلتها عليهم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، فالرمي الأول بمعنى: الإصابة، (ولكن الله رمى) : أصابهم، فرمى تكررت كم مرة؟ مداخلة: ثلاث مرات. الشيخ: (وما رميت) الأول بمعنى: أصبت وجوههم، (إذ رميت) يعني: أرسلت الحصى، هذا فعل الرسول، (ولكن الله رمى) أصابهم، لأنه من المعلوم أن الرسول إذا أرسل حصيات على قوم بعيدين عنه أنه جرت العادة أنه لا تصل هذه الحصى إلى وجوههم أو التراب لكن الله هو الذي أوصلها. مداخلة: هل تحمل على الفعل؟ الشيخ: لا. أصلاً إذا فسرناها بما ذكرنا فلا إشكال أن الرمي يطلق على الإصابة، ويطلق على الفعل، فقوله: (ما رميت) المنفي هنا الإصابة: (إذ رميت) المثبت إرسال الحصى أو التراب: (ولكن الله رمى) الإصابة، ولا إشكال. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 20 التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله عز وجل من المصائب السؤال يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فكثير من المصائب تحدث للإنسان ويصبح في حيرة هل هذا من نفسه بتقصير في أخذه بالأسباب، أو أن شيئاً مقدراً من الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله لا يختار إلا الخير، فكيف يمكن التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله سبحانه وتعالى؟ الجواب أولاً: لي ملاحظة على كلمة: الحق، نحن نؤمن بأن الله تعالى هو الحق المبين وأنه سبحانه وتعالى من أسمائه الحق، لكن كوننا نقول: يقول الحق، قال الحق، وما أشبه ذلك دائماً مع أن استعمالها في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة يقولون: قال الله، وكلمة (الله) تعطي معنىً غير الحق، تعطي أنه وحده الإله وما سواه باطل، وهو الإله الحق، لذلك ينبغي لنا أن نقول: قول الله تعالى، أو قال الله تعالى، أو ما أشبه ذلك، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أتدرون ماذا قال ربكم) ويقول: (قال الله تعالى) وما أشبه ذلك، هذا الأمر الأول، وما سمعته في اطلاعاتي على كلام السابقين أنهم يعبرون عن الله بالحق فيقولون: قال الحق إلا في المتأخرين هم الذين يكثرون من قولها، وكذلك يكثرون كلمة المصطفى يعنون به الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه مصطفى وأنه أصلاً مصطفى، لكن كوننا نقول: رسول الله، أو قال النبي، أو قال الرسول أفضل؛ لأن هذا هو المستعمل في عرف السلف وكلامهم. أما السؤال عن الآية: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] فهذا كقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] فالمصائب بأسباب الأعمال، لكن المصيبة قد تكون خاصة وقد تكون عامة، والسبب قد يكون خاصاً وقد يكون عاماً، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] الإنسان قد يشعر بأنه ليس عليه خطيئة لأنه قليل الخطايا، ولأنه إذا أخطأ استغفر، فيقول: من أين أتت هذه المصيبة؟ نقول: هناك شركاء لك قد تكون أعمالهم سبباً لإصابتك: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] . ثانياً: كونك ترى نفسك أنك لست مخطئاً هذه سبب المصيبة؛ لأن الإنسان إذا اعتقد هذه العقيدة صار معجباً بنفسه مدلاً على ربه يقول: يا رب! أنا ما فعلت ما يوجب المصيبة أو العقوبة، واعتقاد الإنسان أنه معصوم هو محل الخطأ، يعني: من ادعى العصمة فهو الزال الذي لم يعصم، لأن الإنسان يجب أن يعرف نفسه فأينا لم يخطئ، قد يقول قائل: أليست المصائب تصيب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: بلى تصيب النبي صلى الله عليه وسلم لكن المصائب بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم لزيادة علو مرتبته؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه قد نال من كل وصف جميل أعلاه، وأقول: من كل وصف جميل يتصف بالمخلوق أعلاه، الصبر يحتاج إلى شيء يصبر عليه، فلهذا أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالأذى في دعوته أليس كذلك أصيب بدعوته؟ مداخلة: نعم. الشيخ: كيف أصيب؟ ردوا دعوته، وكذبوه وقالوا: ساحر، كذاب، شاعر، مجنون، ألقوا عليه السلى وهو ساجد عند الكعبة، هذه أذية عظيمة فصبر، أيضاً الأمراض التي تصيبه أكثر مما يصيبنا مرتين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم) بل عند مفارقته الدنيا في حال احتضاره عليه الصلاة والسلام أصابه من شدة الموت ما لم يصب غيره عليه الصلاة والسلام لماذا؟ حتى ينال أعلى مرتبة في الصبر على أقدار الله وعلى شرائع الله. فصار الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من المصائب التي نعتقد أنها أصابته من أجل أن تكمل درجة الصبر في حقه حتى يكون صابراً شاكراً، فقد -والله نال- أعلى درجة الشاكرين حتى إنه يقوم في الليل حتى تتورم قدماه ويتفطر ساقه، وقيل له في ذلك، قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) فنال أعلى درجة الصبر، وأعلى درجة الشكر صلوات الله وسلامه عليه. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 21 حكم الصلاة وقراءة القرآن في البقيع وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم السؤال ما حكم قراءة القرآن والصلاة عند مقبرة البقيع وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب لا تقرأ القرآن لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في البقيع، ولا عند قبور الناس، لا تقرأ القرآن هذا بدعة، لكن سلم إذا وصلت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قل: (السلام عليك يا رسول الله! ورحمة الله وبركاته) هذا أحسن صيغة في السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمها أمته في الصلاة (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) فقط وانصرف، وإن قلت: (أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة) فهذا حسن. وفي البقيع تقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم) وتنصرف، وإن شئت أن تسلم على قبر عثمان رضي الله عنه وهو معروف فهذا حسن؛ لأن عثمان ثالث الخلفاء الراشدين في هذه الأمة. إذاً: لا يُقرأ قرآن عند القبر؛ لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا قبر عثمان، ولا في البقيع، ولا في أحد، ولا في أي مقبرة. مداخلة: يا شيخ والصلاة. الشيخ: لا. الصلاة في المقبرة حرام ولا تصح، وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ستصلي في المسجد ما تصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنت تنوي أنك تصلي في المسجد النبوي. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 22 حكم السلام على أهل المقابر لمن كان ماراً بهم السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز السلام على المقبرة إذا كان على السيارة أو على غير ذلك؟ الجواب يعني: هل المار في المقبرة يسلم أم لا؟ إن كانت المقبرة مكشوفة ليس عليها جدار فلا بأس أن تسلم، وإن كانت مستورة بجدار فلا تسلم؛ لأنه لا معنى لذلك، إذ أن المار بالسور وبينه وبين القبور جدار كالذي في بيته ولا فرق، لهذا نقول: إن مررت بمقبرة مكشوفة فلا بأس أن تسلم، وإن مررت بمقبرة مسورة فلا تسلم، ولهذا لولا أن الشهداء في أحد قد فتحت منافذ في الباب وأظنه مشبك، يقف الإنسان فيه ويشاهد القبور لقلنا: لا تسلم عليهم؛ لأنهم محجوبون عنك، والسلام على المقبرة وبينك وبينها جدار كالسلام عليهم لو كنت في بيتك، ولا أحد يقول: قف في بيتك وسلم على أهل المقابر. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 23 حكم التصنت بالجهاز التجسسي على الأولاد والخادمة من أجل تربيتهم والحفاظ عليهم السؤال توجد الآن أجهزة في السوق تساعد الإنسان على التصنت على الهاتف، على العموم أنه بإمكان الإنسان أن يدخل على المتحدثين فيسمع كلامهما، واستخدمها بعض الناس استخداماً فيما يراه أنه استخدام طيب لمعرفة من يتصل بأبنائه حتى يعرف أين سيكون مثلاً مجيئهم الليلة أو ذهابهم هذه الليلة مع من، ومن سيزورهم؟ وما الحديث الذي سيدور بينهم؟ وعلى هذا الأساس يحدد نوع تربيته لأبنائه، أو معرفة من يتصل بالخادمة إذا كانت في البيت، أو بمن تتصل، فهل يجوز لمثل هذا إذا كانت نيته صالحة؟ أولاً: بارك الله فيك الذي أعرف أن هذا النوع من الأجهزة ممنوع. السائل: لا. بل يباع الآن. الشيخ: الآن؟ السائل: نعم. الشيخ: علناً؟ السائل: على هيئة مسجل يضعه في بيته على هاتفه هو فقط، إذا اتصل أحد عليَّ وأنا في البيت بإمكانه أن يسمع من يتصل بي. الشيخ: لكن قصدي هل هو مسموح؟ السائل: مسموح، يا شيخ! مسجل عادي. الشيخ: أما إذا تصنت على الناس فهذا حرام لا إشكال فيه؛ لأن هذا من باب التطلع على أسرار الناس، وخيانة الأمانة، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: إذا حدثك الإنسان والتفت لينظر هل حوله أحد، فإن ذلك من الأمانة، فلا يجوز لك أن تفضي بسره إلى أحد، فكيف بالذي يتلقف أو يخطف أقوال الناس، هذا لا شك في تحريمه سواء علم وكتم أو علم وأعلن. أما الذي يأخذه ليتصنت مثلاً على أولاده أين ذهبوا وأين راحوا، أو على الخادمة أو على أهله، فهذا إن كان هناك قرينة فساد واضحة يريد أن يتحقق منها فلا بأس، وإلا فإنه من التجسس والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التجسس، وكم من إنسان تجسس وسمع ما يكره أو رأى ما يكره ثم لا يمكنه أن يغير شيئاً فيزداد لذلك محنة إلى محنته، ويزداد أيضاً كراهة لمن سمعه أو رآه إذا كان يتجسس بالعين وهو في غنىً عن ذلك، حتى إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحدثني أحد عن أحد بشيء فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) انظر إلى التربية، كن سليم الصدر، وربما يهدي الله هذا الرجل ويستقيم، لكن إذا كرهته لمعصية عرفتها منه، ربما لا تزول هذه الكراهة ولو استقام. ثم إن الإنسان إذا سمع أو رأى من شخص ما يكره يظهر أثر ذلك عليه في رؤيته إياه، وفي نظره إليه، وفي وجهه إذا لاقاه، فيشمئز كل واحد من الآخر، وتحصل العداوة والبغضاء. فالمهم أني أرى أن السلامة من هذا الجهاز الذي يتجسس على الناس أولى بكل حال. السائل: هناك فرق بين الناس الآخرين والأولاد الشيخ: اسمع يا رجل الكلام، أن السلامة أولى منه بلا شك، فإن دعت الحاجة إليه في أولاده أو أهله فلا بأس بهذا، ومع ذلك أفضل ألا يفعل؛ لأنه أولاً: النفس البشرية طبيعتها أنها تتنقل فربما يأتي يوم من الأيام يقول: هاه أريد أتجسس على الشرطة على كذا على كذا على كذا، وهذا مثل السحر يصير في البدن من حيث لا يشعر الإنسان، كذلك هذا يصير في القلب من حيث لا يشعر، فالسلامة من هذا الجهاز أرى أنها أولى بكل حال. وهذا الأخ موسى بعد رجوعه من أهله جزاه الله خيراً يشير إلى أن الوقت قد انتهى. فسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وإلى اللقاء القادم إن شاء الله إلا إذا رأيتم أننا نلغي الجلسة القادمة نظراً للامتحان؟ مداخلات: ما يؤثر. الشيخ: إذاً: الأمور تمشي على ما هي عليه بإذن الله. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 24 نتيجة الاستخارة هي ما يقدره الله عز وجل من الأسباب أو ميل الشخص إلى شيء ما السؤال شروط عقد النية عند صلاة الاستخارة، يعني: أنا جربت شخصياً أكثر من مرة لما أصلي استخارة لكن ما كنت أدرك أي الأمرين فاستخير؟ الجواب إذا استخار الإنسان في شيء ثم لم يتبين له الأمر فليعد الاستخارة مرة أخرى وثالثة ورابعة، ثم إذا قدر الله له الشيء علم أن هذا هو الخير، إذا قدر الله له الشيء سواء مال إليه الآن أو مال إليه بعد علم أنه هو الخير. بارك الله فيكم. الجزء: 157 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [158] في ظلال تفسير آيات من سورة الطور كان لقاء الشيخ حيث تناول كثيراً من مواقف يوم القيامة وأحداثها بدءاً من سير الجبال ومور السماء، وتعريجاً على أحوال أهل جهنم وتوبيخهم وإهانتهم. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الثامن والخمسون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع من شهر صفر عام (1418هـ) . الجزء: 158 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يوم تمور السماء موراً) نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، حيث انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور:9-11] . هذه الجملة بل هذه المفردة: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ} متعلقة بقوله: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] أي: أن العذاب يقع في ذلك اليوم يوم تمور السماء موراً، وتسير الجبال سيراً، فويل يومئذٍ للمكذبين. قوله: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} قد يظن ظان أن المصدر هنا (موراً) لمجرد التوكيد، ولكنه ليس كذلك بل هو لبيان تعظيم هذا الموقف، والمور بمعنى: الاضطراب، أي: أن السماء تضطرب وتتشقق وتتفتح وتختلف عما هي اليوم عليه كما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:1-5] ولا إنسان يتصور أو يعلم حقيقة ذلك اليوم، ولكننا نعلم المعنى بما أخبر الله به عنه أما الحقيقة فهي شيء فوق ما نتصوره الآن. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وتسير الجبال سيراً) قال تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} [الطور:10] أي: تسير سيراً عظيماً، وذلك أن الجبال تكون هباءً منثوراً، وتتطاير كما تتطاير الغيوم، وتسير سيراً عظيماً هائلاً لشدة هول ذلك اليوم، وهذه الآية تدل على أن قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88] لأن هذه الآية هي نفس هذه الآية التي في الطور من حيث المعنى، فيكون قوله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] أي: يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها: بأن ذلك في الدنيا، وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرف الكلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم. وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين؛ لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل إما من القرآن نفسه وإما من السنة وإما من تفسير الصحابة، أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) . والمهم أن هذا التفسير أعني أن قوله: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] يراد به في الدنيا تفسير باطل، لا يجوز الاعتماد عليه ولا المعول عليه، أما كون الأرض تدور أو لا تدور؟ فهذا يعلم من دليل آخر إما بحسب الواقع، وإما بالقرآن وإما بالسنة، ولا يجوز أبداً أن نحمل القرآن معاني لا يدل عليها من أجل أن يؤيد نظرية أو أمراً واقعاً لكنه لا يدل عليه اللفظ؛ لأن هذا أمر خطير جداً. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فويل يومئذ للمكذبين) قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور:11] (ويلٌ) كلمة وعيد وتهديد، وإن كان قد روي أنها وادٍ في جهنم، لكن الصواب أنها كلمة تهديد ووعيد، {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} المكذبين لله ورسله، الجاحدين لما قامت الأدلة على ثبوته، فإنهم سيجدون في ذلك اليوم من العذاب والنكال ما لا يخطر لهم على بال. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (الذين هم في خوض يلعبون) قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [الطور:12] (الذين هم) في الدنيا (في خوض) أي: في كلام باطل (يلعبون) أي: لا يقولون الجد ولا يعملون بالجد وإنما أعمالهم كلها لعب ولغو، ولذلك تجد أعمارهم ليس فيها بركة، تمر بهم الليالي والأيام لا يستفيدون شيئاً. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً) قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] هذه متعلقة بما سبق أيضاً (ويدعون) بمعنى: يدفعون بعنف وشدة، {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} ؛ لأنهم والعياذ بالله تمثل لهم النار كأنها سراب أي: كأنها حوض نهر وهم على أشد ما يكون من العطش، فيذهبون إليها سراعاً يريدون أن يشربوا منها حتى يزول عنهم العطش، فإذا بلغوها وإذا هي النار والعياذ بالله، فكأنهم -والله أعلم- يتوقفون لئلا يتساقطوا فيها فيدعون إليها دعاً أي: يدفعون بعنف وشدة فيتساقطون فيها، أجارنا الله وإياكم من ذلك. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (هذه النار التي كنتم بها تكذبون) يقال لهم: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:14] كانوا في الدنيا يقولون: لا بعث ولا جزاء ولا عقوبة ولا نار وإنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع ولا بعث، فيقال: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} في الدنيا يكذبون بها ويقولون: لا نار ولا بعث ولا جزاء، فيوبخون على هذا الإنكار يوم القيامة، وما أشد حسرتهم إذا وبخوا على أمر كان في إمكانهم أن يتخلوا عنه ولكنهم الآن لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، يقولون: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] قال الله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] حتى لو ردوا إلى الدنيا عادوا وكذبوا فلن يستقيموا على أمر الله، لكن يقولون هذا تمنياً ويقول العوام: التمني رأس مال المفاليس. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) قال تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] أي: أفهذا الذي ترون اليوم سحر كما كنتم تقولون ذلك في الدنيا حيث يقولون: إن ما جاءت به الرسل سحر، ويصفون الرسول بأنه ساحر، فيقال: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] يعني: لا تبصرون بعين البصيرة، بل أنتم عميٌ عن الحق والعياذ بالله. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) قال تعالى: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16] اصلوها أي: احترقوا بها، والأمر هنا للإهانة كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان:49-50] فانظر إلى هؤلاء كيف تتهكم فيهم الملائكة وتذلهم وتخزيهم -والعياذ بالله- وتهينهم، {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} أي: أن الصبر وعدمه سواء عليكم، ومعنى هذا: أنه لن يفرج عنكم سواء صبرتم أم لم تصبروا، مع أنهم في الدنيا إذا أصيب الإنسان بشيء وصبر فإنه يفرج عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) . {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: ما تجزون إلا ما عملتموه فلم تظلموا شيئاً. ثم ذكر الله تعالى جزاء المؤمنين، فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:17-19] إلى آخر الآيات، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله مستقبلاً. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 158 ¦ الصفحة: 11 حكم إقامة الجمعيات التي يعملها المدرسون أو الموظفون في أماكن أعمالهم السؤال هذه الجمعيات المصغرة التي يعملها المدرسون في مدارسهم أو الموظفون في إداراتهم نرى فيها وهي معروفة لدى الجميع طبعاً! الشيخ: لا، عرِّفها، يمكن أنا أعرفها، ولعل غيري لا يعرفها. السائل: نعم، يا شيخ! يشترك فيها الموظفون وعددهم -نفرض أنهم- عشرون شخصاً وكل منهم يدفع ألفي ريال كل شهر فيأخذونها بالتناوب الشيخ: يدفعونها لمن؟ السائل: يدفعونها لأحدهم، وهكذا بالتناوب الشيخ: صار عنده عشرون ألفاً، ألفين من جهته وثمانية عشر ألفاً من جهة الآخرين. السائل: نعم، ويأخذونها بالتناوب، ولكن نرى أن في هذا الجمعية يشترطون شرط أن يقرض لكي يقترض، فهل في هذا الشرط سيئ؟ الشيخ: أبداً هذا ليس فيه شيء وهو من الوفاء بالعهد؛ لأنهم مثلاً إذا جمعوا عشرين ألفاً أو ثمانية عشر ألفاً وأعطوها فلاناً فلابد أن يوفوا. السائل: ولو أن واحداً منهم مثلاً قال: أنا ليس عندي ولكن أريد أن تقرضوني، ما أقرضوه. الشيخ: هذا معلوم، يعني المصلحة مشتركة. السائل: ألا يجوز في المصلحة. الجواب لا، لا، أبداً؛ لأن هذه المصلحة للجميع، والمصلحة الممنوعة إذا كان الذي ينتفع هو المقرض وحده، أما إذا كان من الجانبين فلا بأس، ومن ذلك أي: إذا كان إنسان عنده أرض -أرضه هو- فجاءه مزارع وقال: أريد أن أزرعها بشرط أن تقرضني لشراء البذر وأجرة عمال وما أشبه ذلك فقال: نعم، فلا بأس بهذا؛ لأنه هنا انتفع الزارع وانتفع صاحب الأرض ولا بأس بهذا، الممنوع أن يكون الانتفاع للمقرض وحده؛ لأنه في هذه الحال هو الذي يأخذ الربا، إذا أقرض مثلاً عشرة آلاف واشترط شرطاً آخراً يستفيد منه صار كأنه أقرض عشرة وأخذ عشرة وزيادة فحينئذ يكون ربا، أما إذا كان لمصلحة الطرفين فلا بأس بذلك، وقد ذكر هذا أعني: أنه إذا كان قرضاً لمصلحة الطرفين؛ ذكر هذا ابن القيم رحمه الله في كتابه تهذيب سنن أبي داود. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 12 حكم نسيان الإمام لقراءة البسملة السؤال إذا نسي الإمام قراءة البسملة فماذا عليه؟ الجواب إذا نسي الإمام قراءة البسملة في الصلاة أو المأموم أو المنفرد أو تعمدوا تركها فلا بأس، لأن البسملة ليست من الفاتحة، البسملة آية مستقلة يؤتى بها في افتتاح كل سورة إلا سورة براءة. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 13 حكم من صلى مسافراً خلف مقيم وبقيت له ركعتان وسلم معه السؤال إنسان مسافر صلى مع مقيم ولكنه قصر؛ لأن الإمام بقي له ركعتان فقصر وسلم مع الإمام، فما حكم صلاته؟ وهل يقضيها إذا كانت باطلة؟ الجواب نعم، صلاته غير صحيحة، وعليه أن يعيدها إتماماً؛ لأنه وجبت في ذمته تامة، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا عام في السفر وغير السفر، وسئل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] فبلغ جزاك الله خيراً من فعل هذا أن يعيدها أربعاً حتى تبرأ ذمته، لأنه سيقضي صلاة وجبت عليه أربعاً فيجب أن يصلي أربعاً. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 14 موضع قول: (آمين) في الصلاة السؤال حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو تأمين المؤمِّنين في سورة الفاتحة، مثلاً قال الإمام: ولا الضالين، والمأموم طبعاً يقول: آمين، فما أدري الإمام يقول: آمين، ثم يرد وراءه المأمومون: آمين، أو إذا قال: ولا الضالين، قالوا: آمين؟ الشيخ: إذا قال: ولا الضالين، قالوا: آمين. السائل: مع أن الشيخ الألباني يقول: لا هذا مخالف. الجواب أولاً: بارك الله فيك! نحن لا نسمح لأي واحد أن يذكر لنا شخصاً معيناً من العلماء. وإنما لك أن تقول: قال بعض العلماء، أما فلان وفلان لا تذكرونه عندنا أبداً لا نريد. لكن إذا كان أبو هريرة رضي الله عنه الذي روى: (إذا أمن الإمام فأمنوا) هو الذي روى: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) وعلى هذا يكون معنى قوله: إذا أمن، أي: إذا بلغ موضع التأمين وهو قوله: (ولا الضالين) أو إذا أمن أي: إذا شرع في التأمين فأمنوا، وليس المعنى إذا انتهى من التأمين فأمنوا، فالحديث يفسر بعضه بعضاً، إذا كان هذا الحديث روي: (إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين) عرفنا معنى قوله: (إذا أمن فأمنوا) أن المراد: إذا بلغ موضع التأمين أو إذا شرع في التأمين فأمنوا معه. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 15 حكم الطواف لمن دخل مكة بغير إحرام السؤال هل يلزم طواف الوداع لمن دخل مكة بغير إحرام؟ الجواب لا، لا يلزم طواف الوداع لمن دخل مكة بغير إحرام، وإنما يلزم من دخل مكة بإحرام، بحج أو بعمرة، هذا ما لم يكن انصرف من عمرته فور انتهائه منها، فإن انصرف من عمرته فور انتهائه منها بمعنى: أنه طاف وسعى وقصر أو حلق ثم ركب سيارته راجعاً فهذا ليس عليه طواف الوداع، أي: أنه يكتفى بالطواف الأول. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 16 تفسير قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة) السؤال في قوله: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] قال البعض متسائلاً في كتاب له: لماذا لم يقل الله عز وجل: إن الإنسان هو الكاذب وهو الخاطئ، بل أشار إلى ناصية كاذبة خاطئة، ثم بعد ذلك ذهب إلى أبحاث علمية فيسلوجية. إلى آخره، وقال: إن العلماء اكتشفوا أن مقدمة الرأس هي مركز الهم ومركز العمل، بل أنها مركز للتفكير العدواني، فربطوا بين هذا وهذا الاستنتاج وخرجوا بأن هذا دليل، فما وجه الاستدلال في هذا إن كان بعيداً أو كان قريباً بارك الله فيك؟ الجواب قال الله عز وجل: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] أي: ناصية هذا المجرم المعتدي {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16] لأن العادة أنه يمسك الإنسان بناصيته، ثم يؤخذ بجريمته، ولا يبعد أن الناصية هي محل الإقدام؛ لأنها هي مقدم الرأس والرأس هو محل التفكير والتصور، فلا يبعد أن الله أراد هذا المعنى، وإن كان في ظني والله أعلم: أن الناس في ذلك العهد لا يعلمون بهذا الشيء، لكن لا مانع إذا شهد الحس والأمر الواقع لمعنىً صحيح يقاربه القرآن، أقول: لا مانع من أن نقول أنه دال عليه. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 17 حكم من أمَّ الناس في إقامتهم وهو مسافر السؤال رجل مسافر أم جماعة مقيمين، ماذا يفعل وهو في داخل البلد يقصر الصلاة أم يتم؟ الجواب السنة أن يقصر الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأهل مكة عام الفتح فكان يصلي بهم ركعتين ويقول: (أتموا فإنا قوم سفر) أي: مسافرون، فيصلي ركعتين ويقول لهم قبل أن يشرع في الصلاة: إني سأصلي ركعتين وإذا سلمت فأتموا، وينبغي للإنسان أن يفعل هذا لأن هذه السنة ميتة الآن، يعني: لو فعلها إنسان وكان ممن لا يشار إليه بالعلم فإن الناس سيصرخون في وجهه ويخطئونه، وإن كان ممن يشار إليه بالعلم ويعلمون أنه فعل ذلك عن علم فإنهم سينتفعون بهذا ويعرفون السنة، كما كان الناس في الأول ينكرون سجود السهو بعد السلام ويرونه مبطلاً للصلاة، فلما عرف الناس ذلك وصار الأئمة يفعلونه صار أمراً مألوفاً عند الناس ولا يستنكر، فالسنن الميتة ينبغي لطلاب العلم الذين يعتنى بقولهم وفعلهم أن يحيوها فإن: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . الجزء: 158 ¦ الصفحة: 18 حكم أخذ شيء من شعر الميت أو ظفره عند تغسيله السؤال اختلف العلماء -رحمهم الله- في أخذ شيء من شعر أو ظفر الميت عند تغسيله، فما رأي فضيلتكم في هذه المسألة؟ الجواب الذي أرى أنه يؤخذ إذا كان فيه وسخ؛ لأن الأظفار إذا كان فيها وسخ فنقش الوسخ هذا صعب، فتقص الأظفار فترمى أو تدفن، وأما العانة فلا؛ لأنها تستلزم كشف العورة، ولا داعي إلى ذلك، أما الإبط فيؤخذ لأنه غالباً يكون فيه رائحة كريهة، والذي ينبغي أن ينظف الميت تنظيفاً تاماً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء اللائي يغسلن ابنته: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال: (اغسلوه بماء وسدر) لأن في السدر زيادة تنظيف. السائل: لكن بالنسبة لشعر الإبط، فإن ذلك مؤلم للميت؟ الشيخ: الميت ميت لا يحس بهذا، ويمكن أن يقص قصاً، لكن كما قلت: يؤخذ منها إذا كان فيهن أذية لأن بقائهن على هذا الطول يصير فيهن أذية. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 19 حكم نزع تركيبة الأسنان من أجل الوضوء السؤال شخص يسأل: أنه مركب أسنان في بعض أسنانه ويمكنه نزعها؛ لأنها لم تغرس غرساً، لكنه يشق عليه ذلك، فهل في هذا بأس من ناحية الوضوء أي: في المضمضة؟ الجواب لا يلزمه أن يخلعها عند المضمضة؛ لأنها يسيرة، ولأنه يكفي إدارة الماء في الفم، ولأن الغالب أن الماء يدخل لأن الماء كما تعرفون لطيف يدخل من بين هذه الأسنان المركبة واللثة، لكن لو نزعها خصوصاً في الجنابة فهو أحسن. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 20 حكم صلاة من جلس ينتظر الإقامة فعالج ذلك بالنوم السؤال بعض الأولاد فوق سن العاشرة عندما يأتي لصلاة الفجر ويجلس ينتظر الإقامة يعالج النوم وأحياناً ينام، ثم أحياناً ينام أثناء جلوس التشهد، فهل يؤمر بإعادة الصلاة عندما يعود إلى البيت أم تكفيه صلاته؟ الجواب قل: وحال السجود أيضاً. السائل: نعم. الشيخ: ما دام هذا الرجل -سواء كان شاباً أو غير شاب- لو أحدث يحس من نفسه؛ فصلاته صحيحة ولا يعيدها، كذلك إذا كان يتكلم بالتسبيح والتكبير والقرآن وإن كان يتكلم ولكنه لا يدركها جيداً فإنه لا بأس تكفيه. أما إذا غاب شعوره تماماً وصار يجلس مثلاً بين السجدتين أو يجلس للتشهد ولكنه لا يدري أقال شيئاً أم لم يقل، فهذا ينبغي له بل يجب عليه أن يعيد الصلاة، وهنا مسألة: وهي أن العلماء يقولون: إذا كان فيه نعاس شديد لا يدرك معه إتمام الصلاة مع الجماعة فليصل وحده ولينم؛ لأن هذا أشد من حضور الطعام، وإذا كان الإنسان إذا حضر الطعام فإنه لا بأس أن يجلس عليه ويأكل حتى يشبع ولو فاتته الجماعة فهذا من باب أولى، ولا شك أن القياس واضح، فإذا كان الإنسان فيه نوم شديد يقول: إذا ذهبت إلى المسجد ما بقيت أعرف ماذا أقول، لكن إن صليت الآن أدركت الصلاة، نقول: صل الآن ونم. السائل: حتى لو كانت الأيام مستمرة. الشيخ: لا ما تكون هذه مستمرة إلا إنساناً لا يبالي، والمهم أن يدرك الصلاة أن يدركها بقلبه ويعييها بقلبه. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 21 علاقة المرأة برضا وسخط الزوج السؤال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتت المرأة وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة) منطوق الحديث أن المرأة إذا ماتت وزوجها راضٍ عنها تدخل الجنة، هل مقصود الحديث: أن المرأة إذا ماتت وزوجها ساخط عليها لا تدخل الجنة هل هذا صحيح؟ الجواب أولاً: لا أعرف هذا الحديث، لكن إذا كان هذا الحديث صحيحاً فالمعنى: أن كون المرأة تعاشر زوجها بالمعروف حتى يكون راضياً عليها هو من أسباب دخول الجنة، والسبب قد يتخلف لوجود مانع، وهذه مسألة يجب علينا أن نعرفها، أحياناً ترد النصوص في الوعد والترغيب بأن من فعل كذا دخل الجنة، وما أشبه ذلك، فالمعنى: أن هذا سبب والسبب قد يتخلف لوجود مانع يمنع، فمثلاً: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) يعني: منعه منها، لكن قد يكون هناك مانع يمنع من نفوذ هذا الوعيد، وهو أن يغفر الله له، لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وحينئذ لا يستحق هذا الوعيد، فيجب علينا أن نعرف الفرق بين كون الشيء سبباً قد يتخلف لوجود مانع. فنقول: إن صح هذا الحديث فالمعنى: أن كون المرأة تموت وزوجها راضٍ عنها هذا سبب من أسباب دخول الجنة وقد لا تدخل الجنة لوجود شيء آخر يمنع، لكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المرأة إذا باتت وزوجها ساخط عليها فإن الله سبحانه وتعالى يكون ساخطاً عليها) . الجزء: 158 ¦ الصفحة: 22 حكم كتابة (ص) أو (صلعم) بدلاً عن صلى الله عليه وسلم السؤال ما حكم كتابة (ص) أو (صلعم) إذا كان الكاتب مستعجلاً في الكتابة، وما حكمه إذا كان غير مستعجل؟ الجواب يعني: بعض الناس إذا كتب قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي ثم يكتب (ص) يرمز إلى صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم يكتب (صلعم) كل هذا حرمان يحرمه العبد: أولاً: أنه إذا كتب صلى الله عليه وسلم فقد كتب دعاءً يكتب له به عشر حسنات، وإذا رمز لم يحصل على هذا الدعاء. ثم إنه إذا رمز (ص) وجاء إنسان يقرأ ولا يعرف الاصطلاح ماذا يقول؟ يقول: قال النبي صاد، وهذا غلط عظيم، أو يقول: قال النبي صلعم، فيجعل صلعم اسم من أسماء الرسول. على كل حال: العلماء كرهوا ذلك، وقالوا: إما أن يكتب صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، وإما أن يدعها والقارئ هو الذي يصلي، وأما أن يكتب الرمز (ص) أو (صلعم) فهذا مكروه. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 23 حكم التأمين على الأموال والتجارات والسيارات السؤال ظهر حديثاً ما يعرف بالتأمين، التأمين على الأموال والتجارات والسيارات، وظهرت شركات في هذا، ويؤمنون على السيارات بمعنى: إذا صار للسيارة حادث يضمنون ثمنها ويضمنون لو صار هناك قتلى نتيجة الحادث فيدفعون الدية، فما توجيهكم حيث يسمونه بالتأمين التعاوني من باب التعاون، فما توجيهكم في هذا جزاكم الله خيراً؟ الجواب حسب ما ذكرت نرى أن هذا محرم، يعني: أن يدفع صاحب السيارة كل شهر كذا وكذا أو كل سنة كذا وكذا للشركة، وتقوم الشركة بضمان الحادث الذي ينتج من هذه السيارة، نرى أن هذا حراماً، وأنه من الميسر الذي قرنه الله بعبادة الأصنام وشرب الخمور قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] ووجه ذلك: أن هذا المؤمِّن إذا دفع كل شهر خمسمائة ريال، كان عليه في السنة ستة آلاف ريال، ربما يحصل حادث في هذه السنة غرم بسببه عشرين ألف ريالاً، وربما لا يحدث شيء، فإن كان الأول يعني: حدث حادث غرم فيه عشرين ألف ريالاً صار المؤمَّن الذي دفع التأمين غانماً والشركة غارمة، وإن كان العكس بأن مضت السنة ولم يحدث حادث كانت الشركة غانمة والمؤمِّن غارم، وهذا هو الميسر تماماً، فهو حرام، فلا يجوز للإنسان أن يتعاطاه، ولا تغتر -أيها الإنسان- بعمل الناس فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] . فنصيحتي لإخواني: أن يقاطعوا هذه التأمينات، وأما قولهم: إنه تأمين تعاوني، فهذا أكذب ما يكون، هل يمكن لأي إنسان لم يدخل في هذا التأمين أن يستفيد من هذه الجمعية؟ أبداً ما يستفيد، بل هو تأمين فيه ميسر وقمار. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 24 حكم زيارة النساء لقبر شخص مات ولم يحضروا موته السؤال ما حكم زيارة القبور للنساء إذا كانوا مثلاً في بلد وابنهم في بلد ثم مات ولم يروه، أو لم يحضروا موته، ثم ذهبوا ليزوروه في المقبرة، والأم خاصة حساسة، فإذا كانت هذه الأم تكثر النياحة وتقلل العبادة إذا لم ترى ابنها، فما حكم الزيارة لها؟ وما حكم زيارة القبور للنساء عموماً؟ الجواب زيارة النساء للقبور عموماً محرمة بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وهذه المرأة التي بقيت حزينة لفقد ابنها لكونها لم تشهد جنازته إنما حصل لها ذلك من الشيطان، وهي إذا ذهبت مثلاً وزارت ابنها فهل سترى ابنها؟ لا تراه، إذاً ما الفائدة، وإذا كان المقصود أن تدعو، قلنا لها: يحصل لك الدعاء وأنت في بيتك، لكن الشيطان يئزها ويقلقها حتى تذهب إلى القبر. ثم إذا ذهبت إلى القبر ما أراها تزداد إلا حزناً وتعلقاً بالقبر، وربما تكرر الزيارة من أجل ذلك. لهذا نوجه النصيحة إلى هذه الأم ونقول لها: احتسبي واصبري، فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى، وأكثري من الدعاء لابنك، وقولي ما قالته أم سلمة رضي الله عنها: [اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها] فإنه ما من عبد يقول ذلك إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها. نعم لو أن المرأة مرت مع المقبرة ووقفت ودعت لهم فهذا لا بأس به، أما أن تخرج من بيتها لقصد زيارة المقبرة أو زيارة قبر خاص فإنه حرام بل من كبائر الذنوب. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 25 دعاء دخول السوق السؤال هل ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء عند دخول السوق؟ الجواب ورد حديث أن الإنسان إذا دخل السوق قال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) لكنه ضعيف. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 26 التوفيق بين قول الله تعالى: (وسيرت الجبال فكانت سراباً) وقوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة) السؤال قول الله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] ، وفي آية النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88] كيف التوفيق بينهما؟ الجواب وردت نصوص في اليوم الآخر مختلفة في هذا وفي غيره، حتى في بني آدم ورد أنهم يحشرون زرقاً يعني: المجرمين منهم، وورد: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] كل هذا لا تعارض بينها؛ لأن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة فتتغير الأحوال وتتنقل وتختلف، وإذا كنا نرى أن الجو يختلف في الدنيا بين عشية وضحاها، وبين يوم وآخر، وبين أسبوع وأسبوع، وبين شهر وشهر، وبين السنة أولها وآخرها، فإن الجبال والأحوال يوم القيامة تتغير من شيء إلى آخر، ولذلك نقول كل النصوص في يوم القيامة التي ظاهرها التعارض ليس فيها تعارض، بل تحمل على تغيير الأحوال، يعني: يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 27 حكم استعمال السبحة لضبط العد في الأوراد السؤال كثر السؤال عن استعمال السبحة لإعانة المسبح في ضبط العد، لكثرة ضبط الأوراد في السنة، فبعض الناس يرى أن ضبط العدد يصعب عليه خاصة الكبار فهل لهم أن يستعملون السبحة؟ الجواب استعمال السبحة في التسبيح لا بأس به، لكنه في الأصابع أفضل كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) والإنسان إذا تعود شيئاً اعتاد عليه والذين لم يكونوا يعرفون السبحة أو الذين كانوا لا يعرفون التسبيح بالسبحة لا يهمهم أن يحصوا العدد ولو كان ألفاً، والذين اعتادوا أن يحصوا العدد بالسبحة هم الذين يضيعون إذا لم يستعملوها فالمسألة على العادة، وإذا كان الأفضل أن يحسب الإنسان العدد بأصابعه فالأفضل أن يعود نفسه على ذلك، وإن كان قد يشق عليه في أول الأمر لكن في النهاية سيكون أمراً سهلاً، هذا إذا تجرد استعمال المسبحة عن الرياء؛ لأن بعض الناس يتخذ ذلك رياءً ليقال: هذا رجل كثير التسبيح، أو يتخذ سبحة معينة يستدل بها على أن هذا الرجل شيخ وأنه من العارفين بالله كما يوجد عند بعض الصوفية، تجد الإنسان عنده سبحة من رقبته إلى عانته كأنما يقول للناس: يا أيها الناس! انظروا إلى عدد التسبيح الذي أسبحه، أو يدعو الناس إلى أن يكرموه ويتخذوه ولياً، هذا لا شك أنه إذا اقترن بها شيء يجعلها محرماً صارت محرماً، لكن مجرد العدد وأنه إذا انتهى منها أدخلها في جيبه نقول: الأفضل أن تعقد بالأنامل. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 28 علاقة القلب بالتفكير وكذلك (الدماغ) السائل: الجمع بين ما قيل: إن الرأس هو محل التصور والتفكير وبين قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج:46] ؟ الشيخ: الجمع في هذا سهل، فالمتأخرون يقولون: المراد بالقلب هنا قلب التفكير وليس قلب مضخة الدم، وأن القلب الذي في الصدر ما هو إلا آلة ضخ للدم فقط وليس له عمل أي شيء، فيحملون القلوب في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله) على أن المراد بالقلب قلب التفكير وهذا في الدماغ، والمعروف في الدماغ أنه إذا اختل اختل التفكير واختل العمل، والإمام أحمد قال: العقل في القلب وله اتصال بالدماغ. وبعض المتأخرين يقول: التفكير والتصور هذا في الدماغ. ثم الدماغ للقلب بمنزلة السكرتير للرئيس، يعني: يتصور الأشياء ويكتب ما يقرر ثم يرسله إلى القلب والقلب هو الذي ينفذ ويأمر أو ينهي، ولهذا شبه أبو هريرة القلب بالملك والأعضاء بالجنود، وهذا القول هو أقرب ما يكون؛ لأنه لا يمكن أن نحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة) على أن المراد القلب المعني، الرسول فسر وبين ووضح: (مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) . السائل: ما هي الخلاصة؟ الشيخ: الخلاصة: أن محل التفكير الدماغ، ومحل التدبير القلب. فالفهم يكون في الرأس ويكون في القلب. الجزء: 158 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [159] تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن النكاح، فذكر حكمه وشروط عقد النكاح، ثم انتقل الشيخ إلى عدة المرأة المفارقة سواءً قبل الدخول والخلوة أو بعده، وفضلاً عما سبق ذكر الشيخ الطلاق الجائز وغير الجائز، ثم أضاف إلى ذلك مسألة فقهية تتعلق بالنكاح وهي وجوب اغتسال الزوجين بعد الجماع سواءً أنزل أم لم ينزل، وأحكاماً أخرى تتعلق بالعشرة الزوجية. ثم انتقل الشيخ بعد ذلك للإجابة عن الأسئلة التي تركز معظمها على النكاح. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 1 مسائل تتعلق بالنكاح الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والخمسون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس الرابع عشر من شهر صفر عام (1418هـ) . ولعلنا نتكلم عن موضوع مهم يكثر وقوعه في أيام الإجازة ألا وهو النكاح. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 2 حكم النكاح النكاح سنة من سنن المرسلين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (وأنا أتزوج النساء) ، وقال: (حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) . وقال الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فهو -إذاً- من سنن المرسلين الذين ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وهو واجب على الشاب القادر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وهذا يدل على أن المراد بالشباب الذين وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم الخطاب هم ذوو الشهوة بقوله: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فإذا كان الشاب ذا شهوة، وكان قادراً عليه وجب عليه أن يتزوج لما في ذلك من المصالح العظيمة، أما إذا كان شاباً ليس له شهوة أو شهوته ضعيفة لا تحمله على النكاح، أو كان عنده شهوة قوية لكن ليس عنده ما يستطيع أن يتزوج به من مهر ونفقات وغيرها فإنه لا يجب عليه، لكن ماذا يصنع؟ أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصوم قال: (عليه بالصوم فإنه له وجاء) ؛ لأن الصوم عبادة يشتغل به الإنسان عما يتعلق بالنكاح والشهوة؛ ولأن الصوم يضعف مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان فيحصل به العفاف. فإن لم يستطع الصوم فقد قال الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] يعني: يتصبر، ومن يتصبر يصبره الله عز وجل، وإذا كان الله تعالى قد وعد: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] أي: إلى أن يغنيهم الله من فضله، حتى هنا للغاية لكنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهم فرجاً ومخرجاً إذا استعفوا. فإن لم يصبر وعجز وخاف على نفسه من الزنا، فلا حرج عليه أن يتناول ما يهدئ الشهوة من الأدوية ونحوها حتى لا يقع في الحرام. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 3 شروط عقد النكاح ثم إن النكاح عقد عظيم خطير له شروط في ابتدائه وشروط في انتهائه ويترتب عليه أمور عظيمة، فمما يترتب عليه الصلة بين الناس، فإن الإنسان إذا تزوج من قوم صار كأنه قريبهم، ولهذا جعل الله المصاهرة قسيماً للنسب وللقرابة فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [الفرقان:54] ولذلك ترى الرجل لا يعرف هؤلاء القوم إلا بالذكر، فيتزوج منهم فيكون كأنه واحد منهم، حتى إنه يجري بينه وبين زوجته الميراث ويجري بينه وبين قرابتها من المحرمية ما هو معروف، ولذلك كان عقداً خطيراً مهماً، ومما ينبغي أن يتكلم في موضوع النكاح: أولاً: لابد في النكاح من شروط، من أهمها: الرضا، فلا يمكن أن يجبر الرجل على أن يتزوج امرأة معينة، ولا تجبر المرأة على أن تتزوج رجلاً معيناً بل لابد من الرضا، وبذلك يتبين جهل بعض العامة الذين يجبرون شبابهم على أن يتزوجوا بقريباتهم، فمثلاً يقول الرجل لابنه: لابد أن تتزوج بنت عمك، ويجبره على هذا إما بالقوة الحسية وإما بالقوة المعنوية بحيث يخجله لو خالفه، وهذا حرام عليه، حرام على الأب أن يجبر الولد على أن يتزوج ببنت عمه أو غيرها من النساء؛ لأن هذه مسائل خاصة بالإنسان نفسه. ولا يجب على الابن أن يطيع أباه في ذلك، يعني: لو قال الأب: تزوج بنت عمك، وقال الابن: لا أريدها، فإنه لا يجوز للأب أن يجبره ولا يلزم الابن أن يطيعه، فإذا قال الابن: إن لم أطعه غضب عليَّ وهجرني وقاطعني فماذا أصنع؟ نقول: إذا فعل الأب هذا فالذنب عليه، وأنت ليس عليك شيء، بل هو الجاني وهو المعتدي وأنت يجب عليك أن تقوم ببره ولو جفاك ولو هجرك. كذلك بعض الناس يجبر ابنته أن تتزوج من شخص معين، وهذا أيضاً لا يجوز، لا يجوز أن يجبرها ولو أجبرها فإن النكاح لا يصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر) بل نص على البكر والأب، فقال عليه الصلاة والسلام: (البكر يستأمرها أبوها) . وما جرت به عادة بعض الناس من أنه يدخر ابنته لابن أخيه، حتى إنه يخطبها الخطاب ذوو الكفاءة في الدين والخلق ولكن يقول: أنا أريدها لابن عمها، هذا حرام ولا يجوز أن يحتكرها لابن أخيه، بل يجب عليه إذا خطبها من هو كفء في دينه وخلقه ورضيت به أن يزوجها ولا يمنعها؛ لأن هذا أمانة وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] فإن أجبرها بالقوة على أن تتزوج ابن أخيه أو غيره فالنكاح غير صحيح؛ لأنه نكاح عصي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وخولف فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود باطل، فالمرأة لا تحل للزوج الذي زوجت به وهي كارهة له، ولا يجوز إبقاء النكاح بينهما، لكن لو رضيت البنت بعد أن تم الزواج فهل رضاها ينسحب على العقد السابق ونقول: إن النكاح الآن صحيح؛ لأنها أجازته، أو لابد من تجديد العقد؟ الاحتياط أن يجدد العقد مرة أخرى، فيطلب من الزوج أن يبتعد عنها ويحضر شاهدان ويعقد له ويعود عليها بهذا العقد الجديد الاحتياطي. ثانياً: ومن المهم في عقد النكاح الولي، فالمرأة لا تزوج نفسها حتى لو كانت من أعقل النساء، وحتى لو كانت ثيباً فإنها لا تزوج نفسها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهذا نفي للصحة، يعني: لا يصح نكاح إلا بولي، ويشير إلى هذا قول الله تبارك وتعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] وهذا يدل على أن الولي له تأثير في عقد النكاح وعدمه، فلابد من أن يكون النكاح بولي، والولي: هو من يتولى أمرها من العصبات، فلا مدخل لذوي الأرحام في عقد النكاح، ولا لمن أدلى بأنثى في عقد النكاح، مثلاً: الأب ولي، والابن ولي، والأخ الشقيق ولي، والأخ لأب ولي، والعم الشقيق ولي، والعم لأب ولي، وابن العم الشقيق ولي، وابن العم لأب ولي، المهم أنهم من العصبات، أما الأخ من الأم فليس بولي؛ لأنه يدلي بأنثى، وعلى هذا إذا وجد امرأة لها أخ من أم ولها ابن عم بعيد فالذي يزوجها ابن عمها البعيد، أما العم لأم يعني: أخا أبيها من الأم هل له الولاية؟ لا؛ لأنه مدلٍ بأنثى، ويخطأ بعض الناس حيث يظن أن الجد من قبل الأم ولي أو أن الخال ولي أو أن الأخ من الأم ولي أو ما أشبه ذلك، هؤلاء ليس لهم ولاية النكاح إطلاقاً. فالولي إذاً: من كان من عصباتها، لا من أدلى بأنثى. ولكن يجب على الولي أن يتقي الله عز وجل في من ولاه الله عليها، فإذا خطبها من هو كفء زوجها إذا رضيت، وإذا خطبها من ليس بكفأ لم يزوجها حتى لو رضيت هي بهذا الرجل وهو ليس كفئاً بدينه، فإنه لا يجوز لوليها أن يزوجها؛ لأنه مسئول عنها، فلو خطبها من لا يصلي لا يزوجه، ولو خطبها من كان معروفاً بالفجور وبشرب الخمر وبالحشيش لا يزوجها، حتى لو رضيت هي وقالت: أنها تريد هذا الرجل فإنه لا يزوجها، لو قالت: لا تريد أن تتزوج بغيره هل يزوجها؟ لا، لا يزوجها، حتى لو ماتت وهي لم تتزوج فليس عليه إثم؛ لأن هذه أمانة يجب عليه أن يختار من هو كفء في دينه وخلقه؛ لأنه مؤتمن على هذه المرأة. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 4 من أحكام العدة ومما يتعلق بالنكاح: العدة، والمرأة إذا فارقها زوجها لابد عليها من عدة، إلا إذا كان لم يدخل بها ولم يخل بها، كرجل تزوج امرأة وهي في بلد ثم طلقها قبل أن يخلو بها، فهذه ليس عليها عدة، كقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] . إذاً: العدة إذا طلقت المرأة قبل الدخول والخلوة ليست واجبة، ويجوز أن تتزوج رجلاً آخر، لكن لو مات عنها قبل أن يدخل بها ويخلو بها فعليها العدة، كرجل عقد على امرأة ثم مات قبل أن يدخل بها وقبل أن يخلو بها فعليها العدة؛ لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:234] ولم يشترط الله تبارك وتعالى دخولاً ولا غيره بخلاف الطلاق، فالطلاق بين الله تعالى أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فليس عليها عدة. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 5 من أحكام الطلاق ومما يتعلق بالطلاق أنه لا يجوز للرجل أن يطلق امرأته إلا في ثلاثة أحوال، ولنذكر الممنوع والباقي هو حلال: لا يجوز أن يطلقها في طهرٍ جامعها فيه، إلا إن تبين حملها. ولا يجوز أن يطلقها وهي حائض ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق:1] إلى قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] فما معنى قوله: (فطلقوهن لعدتهن) ؟ بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو الطلاق للعدة، إذا طلقها وهي حائض قبل أن يدخل بها ويخلو بها يكون حلالاً؛ لأنه ليس عليها عدة أصلاً، والله يقول: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] وهذه ليس عليها عدة. وإن طلقها وهي صغيرة بعد أن دخل بها، وهي لا تحيض. فهذا جائز؛ لأن هذه عدتها بالأشهر، فمن حين أن يطلق تشرع بالعدة، والله عز وجل يقول: ((فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)) [الطلاق:1] والمرأة الصغيرة التي لم يأتها الحيض بعد، عدتها ثلاثة أشهر تبدأ من حين الطلاق، ولهذا قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] . إنسان عنده امرأة قد بلغت سن اليأس، يعني: أنها انقطع حيضها فطلقها بعد الجماع. فهذا جائز يا إخوان؛ لأنه من حين أن يطلقها تبدأ في العدة وعدتها ليست بالحيض ولكنها بالأشهر وقد شرعت فيه من حين الطلاق. إنسان جامع زوجته وهي حامل وطلقها بعد الجماع فهذا جائز. لأنها تشرع في العدة من حين الطلاق، إذ أن عدتها من الفراق إلى أن تضع الحمل، والله عز وجل يقول: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] لكن إذا طلقها في الحيض لم يطلقها للعدة؛ لأن هذه الحيضة التي طلقها فيها لا تحسب من الحيض التي هي ثلاثة قروء. وإن طلقها في طهر جامعها فيه، لا يدري هل حملت من هذا الوطء فتكون عدتها بوضع الحمل، أو لم تحمل فتكون عدتها بالحيض. لذلك إذا طلقها في طهر جامعها فيه لم يطلقها لعدة معلومة، لا يفرق، إن نشأ بها حمل من هذا الطلاق فعدتها بالحمل، إن لم ينشأ فعدتها بالحيض، فنحن الآن في شك فهو لم يطلقها لعدة متيقنة. والخلاصة هي: أن الطلاق قبل الدخول والخلوة جائز بكل حال سواء حائض أو غير حائض، وطلاق الحامل جائز بكل حال، وطلاق الطاهر في طهر لم يجامعها فيه جائز، وطلاق الحائض حرام، وطلاق الطاهر التي جامعها في طهرها حرام، فإن تبين حملها طلقها لأنها تكون حاملاً. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 6 من أحكام الغسل ومما يتعلق بالنكاح: أنه إذا حصل بين الزوجين جماع وجب عليهما جميعاً الغسل سواء حصل إنزال أم لم يحصل، وهذه تخفى على كثير من الناس، كثير من الناس يظنون أنه لا يجب الغسل إلا إذا أنزل، وأنه لو جامع المرأة ولم ينزل فليس عليهما غسل، وهذا خطأ. هذا كان في أول الإسلام، لكنه بعد ذلك نسخ وصار يجب على الإنسان إذا جامع المرأة أن يغتسل هو وهي أيضاً، دليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) وهذا نص صريح في وجوب الغسل من الجماع بدون إنزال. ويجب الغسل أيضاً في حال أخرى وهي ما إذا أنزل سواء جامع أم لم يجامع، فلو قبل زوجته وأنزل وجب عليه الغسل، والمرأة كذلك يجب عليها إن أنزلت وإلا فلا، فصار الغسل واجباً بواحد من أمرين هما: الجماع أو الإنزال، فإن حصل جماع وإنزال يجب الغسل، لكن هل يجب غسل واحد أو اثنان؟ الجواب واحد؛ لأن الفعل واحد، بل لو جامع ولم يغتسل ثم جامع مرة أخرى ولم يغتسل ثم جامع ثالثة ولم يغتسل كم يجب عليه من الغسل؟ الجواب: واحد؛ لأن الأحداث وإن تعددت يكفي فيها طهر واحد، ولهذا لو أن الإنسان بال وتغوط وخرج منه ريح وأكل لحم إبل ونام نوماً عميقاً، خمسة أشياء، فإن عليه وضوءاً واحداً. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 7 التوارث بين الزوجين ومما يجب بعقد النكاح: التوارث بين الزوجين، فإذا ماتت الزوجة عن زوجها وليس لها أولاد لا منه ولا من غيره فله نصف مالها، وإن مات هو عنها وليس له أولاد منها ولا من غيرها فلها الربع، ويثبت هذا الميراث وإن لم يدخل بها. مثال: لو أن رجلاً تزوج امرأة وعنده دراهم كثيرة ثم مات قبل أن يدخل عليها أو يخلو بها أترثه؟ نعم ترثه، ويثبت لها المهر كاملاً وعليها العدة كما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في بَرْوَع بنت واشق. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 8 المعاشرة بالمعروف ومما يتعلق بالنكاح وهو مهم جداً: أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، لقول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فيجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف وأن تقوم بحقه بقدر الاستطاعة، ويجب على الزوج كذلك أن يعاشر زوجته بالمعروف وأن يتقي الله فيها كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع في أكبر مجمع إسلامي قال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فأوصى بالناس، وقال: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعواني: جمع عانية والعانية هي الأسيرة يعني: بمنزلة الأسير. فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها وكون أمرها بيده، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف. ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة إما لتقصيرها في حقه أو لقصور في عقلها وذكائها وما أشبه ذلك، فكيف يعامل هذه المرأة؟ نقول: هذا موجود في القرآن وفي السنة، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وهذا هو الواقع، قد يكره الإنسان زوجته لسبب ثم يصبر فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً، تنقلب الكراهة إلى محبة، والسآمة إلى راحة وهكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) يعني: لا يبغضها ولا يكرهها (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) انظر المقابلة، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة، (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا؟ لا، أبداً، لا يتم مرادك في هذه الدنيا، وإن تم في شيء نقص في شيء، حتى الأيام يقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي: ويوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ وجرب هذا تجد، لا تبقى الدنيا على حال واحد، ومن الأمثال السائرة: (دوام الحال من المحال) . فإذا كرهت من زوجك شيئاً فقابله بما يرضيك حتى تقتنع، وكذلك يقال للمرأة: هذا الذي قدر لك من الرجال فاصبري واحتسبي ويجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، فإن تعذر الصبر فإننا نحاول الإصلاح كما قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] هذا إذا كان الشقاق بين الطرفين. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 9 من أحكام الخلع أما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الزوج فإن لها أن تطالب بالفسخ إذا كانت لا تستطيع إطلاقاً، ولكن لابد أن تعطي الزوج ما خسر من المهر، ودليل هذا: امرأة ثابت بن قيس بن شماس، وتعرفون منزلة ثابت بن قيس بن شماس، حيث إنه من خطباء الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان خطيباً مصقعاً، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله عنه، لكن امرأته كرهته كراهة عظيمة فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت له: (يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين -يعني: خلقه طيب ودينه مستقيم لا أعيب عليه- ولكني أكره الكفر في الإسلام -الكفر يعني كفر العشير ليس هو كفر الدين، يعني: أخشى ألا أقوم بواجبه- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم -حديقته: مهر أعطاها إياه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ثابت زوجها: اقبل الحديقة وطلقها، ففعل) هذا الأمر هل هو للإرشاد أو للإلزام؟ يرى بعض العلماء أنه للإرشاد، ويرى آخرون أنه للإلزام إذا لم يستقم الحال بينهما؛ لأنهما إذا بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وإذا كان بينهما أولاد وحصلت الخصومة بينهما عند الأولاد صار هذا أنكد وأنكد، لكن إذا تفرقا فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] يجعل الله له فرجاً ولها فرجاً، فيرى بعض العلماء أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ثابت: (اقبض الحديقة وطلقها) للإلزام؛ وذلك إذا لم يمكن استقامة الحال بينهما، لأن المقصود من الزواج ما ذكره الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] فإذا انتفى هذا المقصود فلا فائدة، يبقى كل منهما نكداً حتى ربما يشتغل بهذا النكد عن طاعة الله، يكون همه وتفكيره كله راجع إلى ما بينه وبين أهله وكذلك المرأة، فالفراق هنا خير من البقاء. والحقيقة أن أحكام النكاح كثيرة لكن لقرب الوقت نقتصر على ما ذكرنا، ولعله يتيسر لنا جلسة أخرى إن شاء الله تعالى نكمل الباقي؛ لأنه مهم، وكثير من الناس تخفى عليه أحكام وكثير من الناس عنده عنجهية لا يبالي بإضاعة الحقوق لا بالنسبة للزوجة ولا بالنسبة للزوج. نسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة، وأن يجعلنا ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 159 ¦ الصفحة: 11 حكم من منع ابنته من الزواج السؤال بعض الآباء يمنعون بناتهم من الزواج خاصة إذا كان لهن رواتب، فمثلاً كان عنده ثلاث بنات كل واحدة راتبها سبعة آلاف هو يعتبر هذا ربحاً عظيماً ويمنع بنته ويرد الخاطبين، فما نصيحتكم لهؤلاء الآباء؟ الجواب أولاً: نقول إن هذا حرام عليه، ولا يحل له أن يمنع ابنته أن تتزوج بشخص كفء إن رضيته، لكن إذا فعل قلنا: الحمد لله اجلس، وننتقل إلى الولي الآخر فمثلاً: إذا كان لها أخ وأبى الأب أن يزوجها نظراً إلى أنه سيستولي على راتبها، يزوجها أخوها ولو مع وجود الأب، والأب إذا تكرر منه الرد أي: رد الأكفاء صار بذلك فاسقاً لا تقبل شهادته ولا تقبل إمامته في الناس أي: لا يصلي بالناس على رأي بعض العلماء، ولا يصح أن يكون ولياً؛ لأنه كان فاسقاً لإصراره على المعصية. ويقال لهذا الأب: هذا الراتب الذي تأخذه البنت لك أن تتملك منه حتى ولو تزوجت؛ لأن الأب له أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يضره أو تتعلق به حاجة الابن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) فأنت زوجها وخذ من راتبها ما تريد إذا لم يكن عليها ضرر. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 12 حكم الخلع قبل الدخول مع بيان مقدار الفدية السؤال رجل عقد على امرأة ولم يدخل بها وهي كانت راضية عند العقد، وبعد ذلك وقبل دخوله طلبت من وليها أن يأمره أن يطلقها فوافق الزوج على أن يعطيه مائة ألف ريال، فما الحكم وهو لم يعطها شيئاً؟ الجواب هذا يسمى خلعاً فله أن يخالعها ولو قبل الدخول، لكن كونه يطلب هذه الفدية لا شك أنه أخطأ في ذلك، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يجوز للزوج أن يطلب فدية من الزوجة إلا بمقدار ما أعطاها فأقل، فمثلاً: إذا كان أصدقها مائة ألف وطلب مائة ألف فهذا يجوز؛ لأنه لم يأتها ضرر، لكن لو أصدقها ألفاً وطلب ألفين فمن العلماء من يقول: إنه لا يحل له ذلك، ولا يعطى ألفين، لا يعطى إلا مقدار ما أعطى فقط، وهذا يرجع إلى اختلافهم في قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229] هل المعنى: فيما افتدت به مطلقاً، أو فيما افتدت به من المهر الذي أعطاها؟ وينبغي أن يرجع في ذلك إلى رأي القاضي الذي يتولى هذه المسألة، فإذا رأى من المصلحة أن يفرق بينهما ولا يعطى الزوج إلا ما أعطى فليفعل لقول النبي عليه الصلاة والسلام لامرأة ثابت: (أتردين عليه حديقته؟) الجزء: 159 ¦ الصفحة: 13 حكم اشتراط المرأة أن تكون العصمة بيدها السؤال نسمع عند بعض عقود الزواج أن المرأة تطلب أن تكون العصمة بيدها أو أن يكون أمرها بيدها، فما حكم هذا؟ الشيخ: يعني: أنها تطلق نفسها متى شاءت؟ السائل: نعم. الشيخ: لا يصح هذا. السائل: وما حكم العقد -يا شيخ- لو رضي الزوج؟ الشيخ: العقد صحيح والشرط غير صحيح، لكن يجب على العاقد (المأذون) قبل أن يعقد يقول: هذا شرط غير صحيح، لكن لها الخيار في مسألة أخرى -مثاله- لو قالت له: إذا لم يطب لي المقام عند أهلك فلي الخيار، أو إذا لم تكن أخلاقك على ما ينبغي فلي الخيار، فهذه مسألة اختلف فيها العلماء: فمن العلماء من يقول: إنه لا بأس به، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. ومنهم من يقول: لا يصح، لأن المرأة قريبة بعيدة، لو ينتهرها زوجها مرة واحدة قالت: أريد أن أختار لنفسي، فإنها لا تصبر ولا تتحمل، لو أحسنت لإحداهن الدهر كله ثم وجَدَت منك إساءة واحدة قالت: لم أر منك خيراً قط. لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام لا بأس به؛ لأنه شرط لا ينافي مقتضى العقد، ولمشترطه غرض صحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) . السائل: يا شيخ! لا يظهر فرق؟ الشيخ: لا، هناك فرق إذا قالت: الطلاق بيدها يعني: تطلق متى شاءت ولو بدون سبب. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 14 توضيح لقاعدة العذر بالجهل السؤال هل هناك قاعدة أو قواعد للعذر بالجهل فيما فعله الإنسان محرماً؟ الجواب إي نعم القاعدة هي: أن كل إنسان جاهل يفعل محرماً أو يترك الواجب فلا شيء عليه، إلا إذا كان منه تفريط في السؤال، مثل أن يقال له: هذا الشيء واجب افعله، فيقول: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] ويتهاون في السؤال، فهنا لا نعذره بالجهل لأنه فرط في أنه لم يتعلم. أما إذا كان إنساناً في بادية بعيداً عن العلم ولا يعرف شيئاً فهذا يعذر بجهله سواء في الواجب أو المحرم، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاء الرجل وصلى صلاة لا يطمئن فيها أمره أن يعيد الصلاة وقال: إنك لم تصل، لكنه لم يأمره بإعادة الصلوات الماضية مع أنه كان يصلي صلاة لا تصح، وكذلك المستحاضة التي كانت لا تصلي مدة استحاضتها تظن أن هذا حيض لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصلاة. فالحاصل: أن الجهل عذر، لكن قد لا يكون عذراً إذا فرط في السؤال فلم يسأل مع قيام الشبهة عنده. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 15 حكم الأولاد من نكاح فاسد السؤال إذا أجبرت المرأة على الزواج وقلنا: بأن النكاح فاسد، فما حكم الأولاد؟ الجواب الأولاد إذا كان الزوج يعلم أن النكاح فاسد فجماعه حرام وأولاده ليسوا له؛ لأنه يعتقد أنهم نشئوا من حرام، وأما إذا كان الزوج لا يدري عن هذا فإن أولاده يلحقون به لأنهم من وطء شبهة. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 16 حكم التوسع في وليمة الأعراس السؤال بعض الأولياء يتوسع في وليمة النكاح الذي يشمل أكبر عدداً من الأقارب وإذا طلب منه أن يختصر في الدعوة، قال: قد يعتب البعض علينا في عدم دعوته فيتوسع ويذهب إلى صالات الأفراح وكذا، فكيف يوجه مثل هؤلاء؟ الجواب والله لا شك أن التوسع في ولائم العرس يدخل في باب الإسراف أحياناً، فالأولى أن يقتصر على وليمة ليست بتلك الكثرة، ولهذا تجد الناس في ولائم العرس يستأجرون قصور الأفراح بثمانية آلاف ريال أو عشرة آلاف ريال وربما أكثر، وهذا يرهق الزوج والزوجة وهو ضياع للمال، فلو أن الناس اقتصروا على وليمة واحدة أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) إذا اقتصروا على شاة أو شاتين وجمعوا الجيران والأقارب في البيت كالعادة الأولى لكان هذا أحسن وأبرك، وقد جاء في الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة) . الجزء: 159 ¦ الصفحة: 17 حكم شرب البيرة الخالية من الكحول السؤال ما حكم شرب البيرة الخالية من الكحول؟ الجواب شرب البيرة جائز، والبيرة التي في بلدنا السعودية كلها قد اختبرت وليس فيها مادة مسكرة، فإذا شربها الإنسان فإنه داخل في عموم قول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] وأنت إذا شككت في شيء هل هو حلال أو حرام فهو حلال، إذا شككت في مطعوم أو مشروب أو ملبوس أنه حرام أو حلال فاجعله حلالاً، حتى يقوم الدليل على أنه حرام. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 18 حكم من سُلب عقله وهو تارك للصلاة السؤال رجل مسرف على نفسه بالفسوق والعصيان ومن ذلك تركه للصلاة بالكلية، ثم قدر الله أن سلب منه نعمة العقل، ثم مات على ذلك، فما حكمه في الدارين؟ الجواب إذا كان تاركاً للصلاة فتارك الصلاة كافر، فإذا سلب العقل فهو باقٍ على كفره، وأما المعصية فالمعصية لا تخرج من الإسلام، يعني: لو كان مسرفاً على نفسه في المعاصي في الزنا وفي شرب الخمر وفي السرقة وفي غيرها من المعاصي التي لا توصل إلى الكفر ثم جن بعد ذلك ومات على جنونه فهو فاسق يصلى عليه ويدعى له بالرحمة، ويدفن مع المسلمين. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 19 حكم اشتراط المرأة عند العقد ألا يتزوج عليها السؤال هل يحق للمرأة أن تشترط عند العقد ألا يتزوج عليها؟ الجواب نعم يجوز للمرأة عند العقد أن تشترط ألا يتزوج عليها؛ لأنه ليس في ذلك الشرط ضرر على أحد، وفيه منفعة لها، أما منفعتها فظاهر، وأما أنه لا ضرر فيه على أحد؛ فلأن الرجل ليس له زوجة، ولهذا لو اشترطت أن يطلق زوجته التي معه فهذا الشرط حرام ولاغ. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 20 حكم مناداة الوالد بكنيته السؤال هل يجوز أن تنادي والدك بكنيته يا أبا فلان أي: بابنه الأكبر وهو أخوه الأكبر، وكذا أثناء المحداثة، علماً أن الوالد لا يكره ذلك بل قد يرغبه وهو متعارف عليه؟ الجواب لا بأس به، يعني: لا بأس أن ينادي الولد أباه باسمه أو كنيته ما لم ير أن أباه يكره هذا، فإذا كان يكره هذا فلا، أو يخالف عادة الناس ويناديه أمام الناس، لأنه ربما يكون الأب لا يكره هذا الشيء لكن عادة الناس أنه لا ينادي الناس باسمه أو كنيته فحينئذ نقول: لا تناديه أمام الناس باسمه أو كنيته؛ لأن هذا عيب عند الناس، أظن أنك لو ناديت أباك مثلاً في السوق عند الناس واسمه عبد الله تقول: يا عبد الله أو يا أبا فلان، الظاهر الناس يعيبون هذا، فإذا كان أمام الناس لا تناديه باسمه ولا بكنيته وإن كان لا يكره، لأنه عيب عند الناس، ويعدون هذا إهانة لأبيه حتى إني سمعت رجلاً يقول: والله! لو ناداني ابني باسمي لأعطيته كفاً، وهو الضرب بالكف. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 21 حكم عقد الابن لأمه مع وجود أبيها السؤال امرأة عقد لها ابنها مع وجود أبيها، ما حكم هذا العقد؟ الجواب ننظر أيهما أولى أن يزوج المرأة أبوها أو ابنها؟ الجواب: أبوها هو الذي يزوجها، فإذا زوجها ابنها مع وجود الأب فإن كان الأب في مكان بعيد لا يمكن مراجعته فلا حرج، أو كان الأب منعها أن يزوجها من هذا الشخص الذي رضيته وهو كفء في دينه وخلقه فلا بأس أن يزوجها ابنها، أما إذا كان الأب حاضراً ولم يمتنع فالعقد غير صحيح وتجب إعادته. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 22 حكم التسمية بـ (رينان) السؤال هل هناك محذور شرعي من أن يسمي الإنسان ابنته بـ (رينان) ؟ الشيخ: الأصل في التسمية الجواز، لكن (رينان) ما هو معناها؟ السائل: بعض مراجع اللغة كلسان العرب ومجمل مقاييس اللغة كأنهم يومئون إلى أنه اسم نوع من الطيب يقولون مفرده: الرندة. الشيخ: الرندة ليست هي مفردة لرينان، لو كانت الرينة يمكن ذلك. على كل حال انظر إذا لم يوجد في الأسامي إلا هذا فأنا أبيحه لك، أما إذا مازال في المسألة إشكال فيترك. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 23 حكم تمطيط الأذان والترديد بعده السؤال عندنا في الحي شخص يؤذن مثل أذان الحرم بتمطيطه، فبعض طلبة العلم قالوا: إنه ما يجوز الترديد خلفه يعني متابعة الأذان معه، فما حكم الأذان؟ وما حكم الترديد بعده؟ الجواب والله! لا أستطيع أن أقول لك شيئاً، لو قلت لك: هذا أذان غير صحيح معناه أننا أبطلنا أذان الحرمين، وإن قلت: إنه صحيح فأنا لا أستطيع أيضاً؛ لأن العلماء يقولون رحمهم الله: يكره التلحين في الأذان كراهة فقط، ولم يقولوا أن هذا يبطل الأذان، وعليه فنقول: تابعه ولا حرج عليك. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 24 حكم نتف الشعر المخالف للون اللحية السؤال شد اللحية ونتف ما يكون غريباً من الشعر فيها، أي يكون لونه مخالفاً للون اللحية كأن تكون لحية حمراء؟ الشيخ: قل الشيب أيضاً. السائل: أو الشيب. الشيخ: لا يجوز نتفه. السائل: طيب لحيته شقراء مثلاً ويكون فيها مثلاً شعر أسود أو أبيض أو غير الشيب. الشيخ: خلقة؟ السائل: أي: يكون مثلاً لوناً مغايراً للون الشيخ: يعني أن الله جعل لونها مثلاً أشقر؟ السائل: نعم. الشيخ: لا بأس، يبقى أشقر. السائل: لا. أقصد يا شيخ! لحيته مثلاً سوداء وظهر فيها بعض الشعرات حمر فلو أزالها مثلاً. الشيخ: هذا لا يجوز هذا من النمص؛ النمص نتف شعر الوجه، فكيف إذا كانت لحية؟!! ثم إذا نتف هذه الشعرة الحمراء وظهرت الشعرة الحمراء مرة ثانية إذا نتفها ظهرت ثانية وثالثة ورابعة؛ لأنه ربما يعاقب ويخرج من هذا الشعر كثير ثم عاد ما يبقى له لحية إطلاقاً، اتركها على ما هي عليه، واعلم أنك ربما تخجل أول ما تطلع في لحيتك لكن بعدئذ يستقر الوضع. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 159 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [160] تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الحديد، وقد اشتملت هذه الآيات على معانٍ عديدة، منها: صفة المتقين ومالهم من النعيم المقيم في الجنة، بالإضافة إلى سرورهم بما أعطاهم الله، مع وجود السلامة من الشرور، فهم في الجنة يتنعمون ويأكلون ويشربون، وسبب ذلك تكريم الله سبحانه وتعالى لهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال الصالحة. ثم انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة التي تعلقت بمواضيع شتى. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الحادي والعشرون من شهر صفر عام (1418هـ) . ونبتدئ به كالعادة بما تيسر من الكلام على آيات من كتاب الله عز وجل. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونعيم) انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] هذه الجملة خبرية مؤكدة بـ (إن) ، وسوف أشرح لكم التوكيد: إذا قلت مثلاً: العلم نافع، هذه جملة خبرية خالية من التوكيد، فإذا قلت: إن العلم نافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكد واحد وهو (إن) فإذا قلت: إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بمؤكدين: (إن، واللام) فإذا قلت: والله إن العلم لنافع، فهذه جملة خبرية مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي: (القسم، وإن، واللام) والتوكيد أسلوب من أساليب اللغة العربية مستعمل عند العرب، وهذا القرآن نزل بلغة العرب، ففي الواقع أن خبر الله عز وجل لا يحتاج إلى توكيد؛ لأنه أصدق القول، فالله عز وجل إذا أخبر بخبر فإنه لا يحتاج إلى أن يؤكد؛ لأن خبر الله صدق، لكن لما كان القرآن العظيم نزل بلسانٍ عربي صار جارياً على ما كان يعرفه العرب في لغتهم. وهنا أكد الله عز وجل هذه الجملة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] بـ (إن) أي: بمؤكد واحد. قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] المتقون: هم الذين قاموا بطاعة الله امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه. إذاً التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فالذي يصلي امتثالاً لأمر الله نقول: هو متقٍ بصلاته، والذي يدع الزنا نقول: هو متقٍ بترك الزنا. وإنما سمي ذلك تقوى؛ لأنه وقاية من عذاب الله، فإن الإنسان إذا قام بطاعة الله فقد اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل، هؤلاء المتقون يقول الله عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] و (جنات) جمع جنة وهي: الدار التي أعدها الله تعالى للمتقين في الآخرة، بدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] نحن قلنا: التي أعدها الله تعالى لعباده في الدار الآخرة فهل يمكن أن تكون في الدنيا؟ نقول: أما بالنسبة لدخول الجنة التي هي الجنة فهذا لا يمكن في الدنيا، أما بالنسبة لكون الإنسان يأتيه من نعيم الجنة ما يأتيه، فهذا يمكن، وذلك في القبر إذا سئل الإنسان: عن ربه ودينه ونبيه، فأجاب بالصواب فإنه يفرش له فراش من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، ويفسح له في قبره مد البصر. إذاً (جنات) جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله للمتقين في الآخرة، وجمعها؛ لأنها أنواع ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن أربعة أنواع: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] إذاً هذه أربع، وتختلف هذه الجنان الأربع فيما جاء في وصفها في سورة الرحمن، يقول عز وجل: {فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] (نعيم) أي: نعيم البدن ونعيم القلب، فهم في سرور دائم، وهم في صحة دائمة، وهم في حياة دائمة، فجميع أنواع النعيم كاملة لهم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فاكهين بما آتاهم ربهم) قال تعالى: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} [الطور:18] (فاكهين) الفاكه: هو المسرور، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:31] أي: مسرورين. (بما آتاهم ربهم) أي: بما أعطاهم ربهم من النعيم. {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الطور:18] فحصلوا على السلامة من الشرور بوقاية الجحيم، وعلى تمام السرور في جنات النعيم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئاً) قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] (كلوا) نعربه على أنه فعل أمر، وهذا الأمر أمر تكريم لا أمر تكليف؟ فالأمر هنا للتكريم، أي: يقال لهم: كلوا واشربوا، كلوا من كل ما في الجنة من النعيم، {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] ، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وفيها من كل النعيم. واشربوا مما فيها من أنهار، وأنهار الجنة أربعة ذكرها الله تعالى في سورة القتال، وهي في قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] . هذه أربعة: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] معنى: (غير آسن) أي: غير متغير، المياه في الدنيا إذا لم يأتها ما يمدها وبقيت راكدة لا بد أن تتغير فتكون آسنةً، لكن ماء الجنة لا يتغير (غير آسن) . {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] اللبن في الدنيا إذا بقي يتغير ويفسد، لكن في الآخرة لا. {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] خمر الدنيا فيه رائحة كريهة، ثم فيه أنه يقلب العاقل إلى مجنون، وفيه أيضاً الصداع، وخراب المعدة، لكن في الجنة لا، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] وقد قال الله تعالى في سورة الصافات: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] . {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً} [الطور:19] الهنيء: هو الذي لا يكون له عاقبة سيئة، ولا تبعة من تجاوز أو إسراف. {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] أي: بسبب ما كنتم تعملون، فالباء هنا للسببية وليست الباء للعوض أقول هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) وهنا قال: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19] فجعل الله تعالى ذلك بسبب العمل، فقال بعض العلماء: كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) مع أن الله يقول: (بما كنتم تعملون) ؟!! والجواب على هذا الإشكال أن يقال: الباء تأتي للسببية وتأتي للبدلية، فإذا قيل: دخل الرجل الجنة بعمله، فالمعنى: السببية، وإذا قيل: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) فالمعنى: البدلية، وأضرب مثلاً يبين هذا: بعتك الثوب بدرهم، الباء للبدلية، لأن الدرهم صار عوضاً عن الثوب هذه للبدلية، وإذا قلت: أدبت الولد بعبثه، هذه للسببية، إذاً كلنا لن يدخل الجنة بعمله، لأن الله سبحانه وتعالى لو حاسبنا على عملنا ما قابل عملنا نعمة من نعم الله، النفس الآن الذي هو من ضرورة الحياة، يخرج منك ويدخل بدون تعب ومشقة، وكم يتنفس الإنسان في الدقيقة؟ كثيراً، ولو أننا حوسبنا على أعمالنا بالمعاوضة والمبادلة لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع العمل، ونحن الآن لا نحس بنعمة النفس، لكن لو أصيب أحد منا بكتم النفس لوجد أن النفس من أكبر نعم الله، لذلك نقول: إن الباء في قوله: (بما كنتم تعملون) للسببية وليست للبدلية. وفي قوله: (بما كنتم تعملون) شمول لكل العمل: عمل الجوارح والقلب واللسان، فالجوارح هي: الأفعال كالركوع والسجود، والأقوال: كالأذكار، والقلوب: كالخوف والرجاء والتوكل وما أشبه ذلك، فكل هذه تسمى أعمالنا. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 160 ¦ الصفحة: 6 حكم لفظة (فلان عليه حق) ونحوها السؤال نسمع كثيراً في المجالس كلمة: فلان عليه حق وأنت عليك حق، فما توجيهكم؟ الشيخ: يعني غرامة. السائل: أو نحوها. الشيخ: هذا لا شك أنه محرم إلا لسبب شرعي، كوننا نلزم إنساناً ونغرمه مالاً أو وليمة أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز إلا بسبب شرعي؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] . الجزء: 160 ¦ الصفحة: 7 حكم تخصيص زيارة القبور يوم الجمعة السؤال ما حكم تخصيص زيارة القبور يوم الجمعة، وهل هناك مزية عن غيره؟ الجواب تخصيص زيارة القبور بيوم الجمعة ليس عليه دليل، وزيارة المقابر تكون في كل وقت، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار المقبرة في الليل ودعا لأهل القبور. ولو قال قائل: ينبغي لكل إنسان حصل منه غفلة عن ذكر الموت أن يذهب ويزور المقبرة، ويكون هذا هو السبب في الزيارة، لو قيل بهذا لكان له وجه، والدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر بالموت) وحقيقة أن الإنسان إذا ذهب إلى القبور وزارها فلا بد أن يتذكر الموت ويتذكر الآخرة؛ لأنه يرى هذا القبر كان بالأمس صاحب القبر معه على وجه الأرض يأكل ويشرب ويتمتع ويذهب ويجيء والآن هو مرتهن بعمله، فيتذكر الإنسان، ثم هل يستبعد أن يكون كهذا الرجل؟ أبداً لا بعد في هذا، الإنسان ربما يخرج إلى المسجد ولا يرجع إلى بيته إلا محمولاً، وربما ينام ولا يقوم إلا جنازة، وهذا شيء مشاهد. حكى لنا بعض الإخوة في الأسبوع الماضي أنه كان رجل قد دعا أصحابه إلى وليمة، فحضروا إلى الوليمة بعد صلاة العشاء، وفي نفس المكان والناس ينتظرون العشاء أحس بدوران في نفسه فحملوه إلى المستشفى فمات هناك فوراً، هل أحد يستبعد أن يناله مثل ما نال هذا الرجل؟ أبداً، فإذاً أنت يا أخي زرت المقبرة تذكر هؤلاء الذين كانوا معك يأكلون ويشربون ويتمتعون ويتكلمون ويضحكون وينامون ويذهبون ويجيئون، والآن هم مرتهنون بأعمالهم، لا يستطيعون أن يزيدوا حسنة من حسناتهم ولا أن يدفعوا سيئة من سيئاتهم، فلو قال قائل: إنه ينبغي للإنسان كلما رأى من نفسه قسوة وغفلة أن يذهب إلى المقابر ويزورها لم يكن هذا بعيداً، لكن إذا زارها ماذا يقول؟ يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) . الجزء: 160 ¦ الصفحة: 8 حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقت الصلاة السؤال خرج شخص من بيته بعد إقامة الصلاة، وفي طريقه إلى المسجد وجد مجموعة من الناس لم يذهبوا إلى المسجد وشباباً يلعبون بالكرة، فهل يجوز أن ينشغل عن الركعة الأولى بسبب أمرهم جميعاً بالصلاة، أم يكتفي بكلمات يسيرة حتى يدرك الركعة؟ الجواب نقول: إذا كان يأمل أن الله ينفعهم به، فلا بأس أن يبقى معهم ولو فاتته الركعة الأولى أو الثانية، ذلك لأن إدراكه الركعة الأولى أو الثانية أمر مطلوب ولا شك، لكنه سنة، وأما بقاؤه مع هؤلاء يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فهو واجب، هذا إن رجا أن ينفعهم الله به، أما إذا كان آيساً منهم، يعرف أن هؤلاء لا يسمعون ما يقول فليذهب وليرجع إليهم بعد الصلاة ويأمرهم وينهاهم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 9 حكم لفظة: أسألك بحق الذي جعل النعمة بين يديك السؤال ما حكم قول الشخص: أسألك بحق الذي جعل النعمة بين يديك؟ الشيخ: الظاهر لي أن هذا من جنس الاستشفاع بالله على خلقه وأنه لا يجوز؛ لأنه لا يجوز أن تجعل الله واسطة بينك وبين الإنسان، ثم من ناحية أخرى فيه إحراج للمخاطب: كيف تسأله هذا السؤال؟ وإحراج الناس لا ينبغي، ومثل هذا في نفسك: لو أن إنساناً أتاك وأحرجك في أمر تحب ألا يطلع عليه هل تكون مسروراً بهذا؟!! لا تكون. إذاً يا أخي عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به. السائل: هل يأخذ حكم: أسألك بالله؟ الشيخ: لا يأخذ هذا، وأيضاً: أسألك بالله ليس متفقاً على أن المعنى أن تجعل الله واسطة، بل بعضهم يقول: أسألك بالله، أي: أسألك بالحق الذي أوجب الله عليك: أن تعطيني -مثلاً- من هذا الزكاة إذا كان من أهل الزكاة وما أشبه ذلك. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 10 معنى النمص وموضعه وحكمه السؤال هل النمص خاص بالوجه أو غيره؟ الجواب أكثر أهل اللغة يقولون: إن النمص نتف شعر الوجه، وعلى هذا التعريف يكون خاصاً بالوجه، والنمص من كبائر الذنوب؛ لأن النامصة والمتنمصة كلتاهما ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 11 حكم قراءة المجلات والجرائد السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز قراءة المجلات والجرائد؟ الجواب إذا كان فيه مصلحة فلا بأس، وإذا كان فيه مضرة فهو حرام، وإذا لم يكن مصلحة ولا مضرة فهو لغو، فهذه أقسام ثلاثة: إذا كان فيه مصلحة، مثل: أن تكون هذه المجلة أو الجريدة تتكلم عن أشياء مفيدة إما فتاوي تعرض فيها، أو مقالات طيبة، أو ما أشبه ذلك فهذا طيب، ما لم يشغله عما هو أهم. وإذا كانت فيها مضرة، مثل: أن تكون هذه الجريدة مملوءة بالصور الخليعة الفاتنة، أو تكون هذه الجريدة أو المجلة معروفة بأفكار سيئة، فإن مطالعتها حرام. وإذا كان ليس فيها هذا ولا هذا فمطالعتها لغو وإضاعة للوقت. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 12 حكم قتل الصيد وأولاده عنده السؤال ما حكم قتل الصيد وأولاده عنده؟ الجواب لماذا لا تأخذ أولاده معه؟ السائل: مثلاً بيض. الشيخ: اقتله ولو كانت البيض عنده. السائل: جائز؟ الشيخ: جائز، أما الأول فلا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن تذبح الشاة وأختها تنظر إليها) وهذه هي الشاة مع أختها فكيف بالأم مع أولادها؟!! وقد ذكروا قصة قرأتها قديماً يقولون: إن رجلاً ذبح ولد بعير عندها، فجعلت البعير تتمرغ على ولدها مذبوحاً أو منحوراً حتى ماتت من شدة وجدها، فأصيب هذا الرجل بالجنون والعياذ بالله، وصار يخرج إلى البر هائماً، وفي أثناء خروجه إلى البر وجد حمَّرة وهو طائر معروف قد سقط عشها تحت الشجرة وفيه أولادها، وهي تحوم تريد أن تحمل الأولاد لتجعلهم في مأمن في الشجرة، فعجزت وهي مازالت تحوم على أولادها وتصرخ، هذا الرجل المجنون تصرف بغير عقل أخذ الأولاد بعشهم ووضعهم على غصن في الشجرة ومكنهم من الشجرة، فنزل الطائر على أولاده مسروراً فرد الله عليه عقله، سبحان الله!! لأنه أحسن إليها ولو كان بغير قصد أثابه الله عز وجل، لأن النفع المتعدي يؤجر الإنسان عليه ولو كان بغير قصد، وهذه المسألة ينبغي لطالب العلم أن يتنبه لها، الإنسان يزرع زرعاً ويغرس غرساً فينتفع منه الطيور، هل هو أراد نفع الطيور في الأصل، أو أراد أن ينتفع هو؟ أراد أن ينتفع هو، لكن انتفاع الطيور به والهوام يؤجر عليه. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 13 حكم الغش في مادة الإنجليزي السؤال ما حكم الغش في مادة الإنجليزي؟ الجواب مادة الإنجليزي في المدارس مادة معتمدة ليس الإنسان فيها مخيراً، وإذا كانت معتمدة فإن الشهادة لم تمنح الطالب حتى يكون قد أجاب في جميع المواد، فإذا غش فقد غش نفسه، والغش حرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) . الجزء: 160 ¦ الصفحة: 14 حكم من أخر الصلاة لعذر حتى دخل وقت الصلاة الأخرى السؤال رجل لم يصل العصر لعذر حتى دخل وقت المغرب، فهل يصليها مع المغرب أم يؤخرها إلى صلاة العصر القادمة؟ الجواب إذا فاتت الإنسان الصلاة لعذر، فالواجب عليه أن يصليها حين يزول العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فنقول: إذا أخر صلاة العصر حتى خرج وقتها لعذر، فليصلها إذا زال العذر، إذا زال العذر بعد غروب الشمس فهل يبدأ بالمغرب ثم العصر أو بالعصر ثم المغرب؟ نقول: يبدأ بالعصر ثم المغرب مراعاة للترتيب، إلا أن يضيق وقت الصلاة الحاضرة فيقدم الصلاة الحاضرة. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 15 حكم مقولة: (يا صديق يا رفيق) للأعاجم السؤال كلمة دارجة على أفواه المواطنين موجهه للأعاجم، مثل: يا صديق، يا رفيق، هل فيها شيء؟ الشيخ: والله هذه كلمة الآن اصطلحوا عليها ولا يريدون معناها، فتجده يقول: يا صديق، وهو ما رآه ولم يعرفه، أو يا رفيق وهو ما رآه ولم يعرفه، فصارت الكلمة الآن موضوعة لتدل على أن هذا ليس بمعروف عند الرجل فلا أرى بها بأساً، إلا إذا كان الرجل كافراً فلا ينبغي أن يقال له: يا صديق. السائل: هذه تطلق على الأعاجم فهل يوجد لها بديل أفضل؟ الشيخ: لا. إذا كان كافراً فلا ينبغي أن يقول له: يا صديق أو يا رفيق، لماذا لا يقول: يا رجل، يا ولد، يا هذا؟ إذا قال هذا بصوت مرتفع سوف يلتفت على كل حال، ويسلم من كلمة صديق التي ربما يكون المخاطب بها كافراً. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 16 حكم من قدر لنفسه شيئاً معيناً على شريكه في الشركة السؤال فضيلة الشيخ! إنا نحبك في الله. الشيخ: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أحباب الله. السائل: الله يجزيك خيراً اثنان اشتركا في محل بنسبة سبعة أسهم إلى تسعة أسهم، وحصل بينهما خلاف، فأحدهم قال للآخر: تستلم إدارة المحل مقابل أن تعطيني ثلاثة آلاف في الشهر، الذي هو صاحب السبعة الأسهم، أو أعطيك أربعة آلاف وخمسمائة صافي تأخذها وتكون خارج المحل، هل يجوز هذا؟ الشيخ: أما الأول فلا يجوز له أن يقدر له شيئاً معيناً في الشهر؛ لأنه ربما يربح هذا الشيء وربما لا يربح، فلا يجوز؛ لأن هذا من الميسر. أما إذا اتفقوا على أن يصفوا المحل الآن، وينظروا كم قيمته ثم يقول: أنا أعطيك قيمة نصيبك منه فلا بأس. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 17 حكم تغشيش المدرس للطالب في الامتحان السؤال كنا في الامتحان فجاءنا المدرس وأخبرنا بإجابة سؤال، فما أدري هل هذا يدخل في الغش أم لا؟ الجواب إذا جاءك المدرس وأنت في الامتحانات وأخبرك بالجواب فالواجب عليك أن ترفع أمره إلى الإدارة من أجل أن تؤدبه؛ لأن هذا في الحقيقة أضاع الأمانة التي حملها، ولكن هل يجوز لك أن تأخذ بما قال؟ إن كنت تدري أن هذا الجواب من الأصل فلا بأس وليس فيه إشكال؛ لأنك اعتمدت على معلوماتك، وإن كنت لا تدري فأنا أتردد في هذا، قد أقول: إنه جائز؛ لأن هذا رزق ساقه الله إليك، وقد أقول: إنه ليس بجائز؛ لأنه مبني على غش، فهذه أتوقف فيها، لكن المهم أن هذا الرجل يجب أن يرفع أمره إلى الإدارة ليأخذ جزاءه، كيف يعتمد على هؤلاء التلاميذ ثم يذهب يعطيهم. السائل: يا شيخ، إذا رفعناه إلى الإدارة سوف نضره، والتلاميذ كذلك هم المتضررون. الشيخ: يضره هو، هذا هو ما نريد. السائل: والطلاب يتضررون. الشيخ: لا يضرونه، لماذا؟ السائل: هذا حصل عندنا يا شيخ. الشيخ: لا يضر أبداً، المشكلة إذا أنكر الأستاذ. السائل: إذا علمت أن فيه مضرة لي. الشيخ: إذا علمت أنه يضرك لا يلزمك أن ترفعه (لا ضرر ولا ضرار) لكن إذا لم يترك التغشيش لابد أن ترفعه؛ لأن هذا الذي يغششك يغشش غيرك، ثم أي فائدة من الامتحانات إذا كان الأساتذة يغششون! الجزء: 160 ¦ الصفحة: 18 معنى الآب في قوله تعالى: (وفاكهة وأبا) السؤال ما معنى قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس:31] ما هو الأب؟ الجواب بعض العلماء يقولون: الأب كل ما ترعاه الإبل أو البقر أو الغنم، لأن الله تعالى قال: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ} هذه الفاكهة {وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس:31-32] هذا الأب. وبعضهم خصه بالقت، وهو الذي يسمونه البرسيم. والأقرب العموم، أنه عام لكل ما ترعاه الإبل أو الغنم أو البقر. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 19 معنى قول الإمام أحمد: (من ادعى الإجماع فهو كاذب) السؤال نقلت عن الإمام أحمد عبارة: من ادعى الإجماع فهو كاذب. فما معنى هذه العبارة؟ الجواب يحتمل أنه أراد من ادعى الإجماع فهو كاذب من أهل البدع؛ لأن أهل البدع يقولون مثلاً: الله منزه عن كذا بالإجماع، فيموهون على الناس: تارة يقولون بالإجماع، وتارة يقولون: في قول أهل التحقيق، وتارة يقولون: في الأرجح وما أشبه ذلك، هذا مراد الإمام أحمد. وقال بعضهم: إن الإمام أحمد أراد من ادعى الإجماع بعد انقضاء القرون الثلاثة؛ لأن الناس بعد انقضاء القرون الثلاثة تفرقوا في المكان وتفرقوا في الأفكار والآراء فتشتت الآراء والأماكن وبعدت، فما الذي أدرى هذا الرجل أن واحداً في الأندلس وافق واحداً في أقصى شرق آسيا، ما الذي أعلمه لا سيما أنه في ذلك الوقت ليس هناك مواصلات، فلا شك أن الإجماع حجة وأنه ممكن، لكنه في غير الأصول الثابتة في الشريعة يعز وجوده وتبعد الإحاطة به. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 20 من أساليب الدعوة إلى الله السؤال الدعوة هل هي خروج للعامة، أم الاكتفاء بالأشرطة والكتيبات؟ الجواب الدعوة أساليبها كثيرة: - تارة تكون بخروج الإنسان بنفسه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى القبائل في مواسم الحج ويدعو الناس إلى دين الله، وكما خرج إلى أهل الطائف والقصة مشهورة معلومة. - وتارة يكون بالأشرطة وبالكتيبات وبالمطويات كما يعرفونها، فالمهم أن وسائل الدعوة كثيرة. ثم ما الذي يقدم منها؟ نقول: للأنفع والأصلح، تارة يكون الأنفع للإنسان نفسه أن يذهب ويدعو، وتارة يبقى في بلده للتعلم ويرسل الكتيبات والأشرطة وغير ذلك، وتارة يكون ليس أهلاً للدعوة بنفسه، لكن عنده مال فيشتري من هذه الأشرطة والكتيبات ويوزعها ويكون هو مشاركاً للذي ألفها. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 21 حكم الزكاة في الزيتون السؤال مزرعة فيها زيتون، هل عليهم زكاة أم لا، حيث مصروفاتها أكثر من إيراداتها؟ الجواب الزيتون فيه خلاف: بعض العلماء يقول: إن فيه زكاة؛ لأنه ثمرة فيزكي. وبعضهم يقول: ليس فيه زكاة، وأن الزكاة إنما هي بالعنب والتمر فقط. وبعضهم يقول: إن العنب نوعان: نوع يتخذ منه الزبيب ففيه الزكاة، ونوع لا يتخذ منه الزبيب فلا زكاة فيه لأنه فاكهة. وهذه المسألة فيها خلاف طويل عريض بين العلماء، لكني أقول: إذا كان هذا الرجل يقول: إن الإنفاق عليه أكثر من ثمرتها فما الفائدة منها حينئذ؟ لماذا لا يجثه ويغرس بدله ما يكون مثمراً نافعاً؟ الجزء: 160 ¦ الصفحة: 22 حكم إحراق الحشائش وغيرها للمصلحة السؤال في بعض المزارع الذي عنده رشاشات عندما ينتهي من الزرع يحرقه فهل يجوز هذا؟ الشيخ: لماذا؟ السائل: بعض المزارع عندهم محوري ورشاش، فهو عندما ينتهي من الزرع يحرقه وهو مسافة كبيرة من الزرع وفيه من الدواب. الشيخ: لماذا أحرقه؟ السائل: يحرقه ليتخلص من بعض الشجر وبعض الحشائش والنوابت. الشيخ: هذا لا بأس به، يعني: بعض الفلاحين إذا انتهى الموسم أحرق الأرض بما فيها من الأشجار والنوابت، يقول: من أجل أن يقضي على الحشائش الضارة وهذا لا بأس به، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرق نخل بني النضير، مع أن النخل لا يخلو من أفراخ الطيور أو غيرها، فهل هذا الرجل أحرقها ليقتل ما فيها من الحشرات؟ الجواب لا. أحرقها ليتخلص مما يؤذيه من الحشائش والنوابت، وهذا ما قصده، فلا بأس به، ويجب أن تعلم الفرق بين المقصود وبين التابع، مثلاً في القتال: لا يجوز أن نقتل الصغار، ولا النساء، ولا الشيوخ، لكن لو اضطررنا أن نرمي هذه القرية بالمدافع فسوف تقتل النساء والأطفال والشيوخ، ولكن هذا يكون تبعاً. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 23 حكم لبس العمامة السؤال لبس العمامة هل هي سنة ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: لا، لباس العمامة ليس بسنة، لكنه عادة، والسنة لكل إنسان أن يلبس ما يلبسه الناس ما لم يكن محرماً بذاته، وإنما قلنا هذا؛ لأنه لو لبس خلاف ما يعتاده الناس لكان ذلك شهرة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لباس الشهرة، فإذا كنا في بلد يلبسون العمائم لبسنا العمائم، وإذا كنا في بلد لا يلبسونها لم نلبسها، وأظن أن بلاد المسلمين اليوم تختلف، ففي بعض البلاد الأكثر فيها لبس العمائم، وفي بعض البلاد بالعكس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس العمامة؛ لأنها معتادة في عهده، ولهذا لم يأمر بها بل نهى عن لباس الشهرة مفيداً إلى أن السنة في اللباس أن يتبع الإنسان ما كان الناس يعتادونه، إلا أن يكون محرماً، فلو فرضنا أن الناس صاروا يعتادون لباس الحرير وهم رجال قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم، ولو كنا في بلد اعتاد الرجال أن يلبسوا اللباس النازل عن الكعبين قلنا: هذا حرام ولا نوافقهم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 24 صفة ضمة القبر للعبد المؤمن والفاجر السؤال هل ضمة القبر للعبد الفاجر كضمتها للعبد المؤمن الموحد العاصي؟ الشيخ: لا. ضمة القبر للمؤمن إذا صح الحديث فيها فإنها ضمة رحمة وحنان كضم الأم الحنون ابنها إلى صدرها، وأما ضم القبر للفاجر فإنه -والعياذ بالله- يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، أي: حتى يدخل بعضها ببعض من شدة الضيق، أعاذنا الله وإياكم من هذا. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 25 مشروعية خضب اللحية بالحناء السؤال تغيير اللحية هل هو سنة؟ الشيخ: تغيير بياض اللحية سنة إلا إذا كان بسواد فهو حرام، أما بالحناء أو الحناء مع الكتم أو بشيء يغير اللون فقط فهو سنة. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 26 بيان السنة الكفائية والسنة العينية السؤال هل تنقسم السنة: إلى سنة كفائية وسنة عينية، نرجو ضرب مثال على ذلك؟ الجواب ابتداء السلام سنة كفائية، فلو كنا جماعة ومررنا بشخص وسلم واحد منا كفى؛ لأنه سنة كفائية، أما سنة العين فأكثر السنن سنن أعيان كالتثليث في الوضوء، والغسل على الصفة المشروعة، وزيادة التسبيح في الصلاة، هذه كلها سنة عين. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 27 الواجب تجاه أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال هناك أناس يقولون: إن نسبهم ينتمي إلى آل البيت مثلاً: فلان بن فلان بن فلان إلى الزهراء أو إلى علي بن أبي طالب، فما واجبنا نحوهم سواء الصالح أو الطالح منهم؟ الجواب على كل حال إذا صح الانتساب فهم من آل البيت، ولكني أسألكم الآن: آل البيت لهم حق قرابة النبي صلى الله عليه وسلم لا شك في ذلك، لكن إذا كانوا فساقاً أو كفاراً فليس لهم حق على غيرهم من المسلمين المستقيمين، فهناك من هو أولى منهم، لكن إذا كانوا مثل غيرهم فهم أحق؛ لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 28 حكم تحية المسجد السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) الأمر هنا هل هو للوجوب أم للندب؟ الشيخ: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ السائل: نعم. الشيخ: أو للوجوب؟ السائل: للوجوب أو للتحريم؟ الشيخ: لا، هل هو للتحريم أو لا؟ لأنه قال: لا يجلس نهي، فهل هذا النهي للتحريم، وإذا كان للتحريم صارت الركعتان من الواجب. اختلف فيها العلماء، وأكثر العلماء على أن تحية المسجد سنة. وبعضهم يرى أنها واجبة. والقول بالوجوب قوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فدخل رجل المسجد فجلس، فقال له: (أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما) فكون الرسول صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وأمره أن يقوم فيصلي، مع أنه إذا صلى سوف ينشغل بالصلاة عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب ولا اشتغال عن واجب إلا بواجب، فالقول بهذا قوي. لكن بعض الأشياء قد تضعف القول بالوجوب، كدخول الإمام يوم الجمعة، فإنه يصعد إلى المنبر ولا يصلي. وكدخول الإنسان المسجد الحرام للطواف فإنه يطوف ولا يصلي. وكذلك أيضاً قضايا ظاهرها عدم الوجوب، مثل: قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تاب الله عليه، فجاء فدخل المسجد فقام الناس يهنئونه، وظاهر القصة أنه لم يصل ركعتين. فهذا مما يضعف القول بالوجوب؛ لأن القول بالوجوب ليس اسماً مجرداً لواجب أو غير واجب، القول بالوجوب يقتضي أن من جلس ولم يصل فهو آثم، وثبوت الإثم مع الاحتمال يتوقف فيه الإنسان. لكني أنا أقول لكم أيها الإخوة نصيحة عامة: إذا ورد النهي فاجتنبه ولا تسأل: هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وإذا ورد الأمر فاتبعه ولا تسأل: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ فالصحابة رضي الله عنهم إذا كانوا أمرهم الرسول بشيء لا يقولون: يا رسول الله هل قصدت الوجوب أو الاستحباب، يفعلون مباشرة، والحقيقة أن الإنسان متهم إذا سمع أمر الله، ورسوله ثم قال: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ يا أخي! أنت مأمور أن تفعل، إذا سمع النهي يقول: هل هو للكراهة أو للتحريم؟ أنت مأمور أن تترك، نعم إذا تورط الإنسان ولم يفعل المأمور ولم يترك المنهي عنه، إذا تورط حينئذ نبحث: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ أما قبل ذلك فنصيحتي لكل مؤمن إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول: سمعنا وأطعنا ويفعل، وإذا سمع النهي أن يقول: سمعنا وأطعنا ويترك، ولا يخاطر بنفسه، وأشد الناس انقياداً لأمر الله ورسوله هم أقوى الناس إيماناً، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51] فاطلب الفلاح، ثم إنك إذا فعلت المأمور سواء كان واجباً أو غير واجب طاعة لله ولرسوله ازداد قلبك إشراقاً وإيمانك قوة وصرت مع شرائع الله أمراً ونهياً، لكن إذا صرت تتعنت هل هو واجب أو غير واجب! فهذا أمر لا ينبغي، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على الطاعة. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 29 حكم أخذ العوض على المسابقات بالسيارات والدراجات السؤال يوجد في بلادنا سباق السيارات أو الدراجات على جميع المشتركين أن يدفعوا مبلغاً معيناً ويكون للفائزين جوائز، فهل يجوز هذا أو يعتبر من القمار، جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا يسأل يقول: يوجد في بلادهم مسابقة على السيارات والدراجات ويشترك الجميع بعوض. جوابنا على هذا: أنه لا يجوز أخذ العوض على هذه المسابقات، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) والسبَق بفتح الباء: هو العوض المأخوذ على المسابقة فلا يجوز. نعم. لو فرض أن هذه السيارات سيارات جهاد، وهذه الدرجات درجات جهاد، فحينئذٍ نقول: لا بأس؛ لأنها تشبه الخيل والإبل، أما لو أن شخصاً من الناس أخرج جائزة للفائز في السباق فهذا لا بأس به؛ لأنه هنا لا ضرر على المتسابقين، إما أن يسلموا وإما أن يغنموا وليس فيه مقامرة، لكن هل نقول للرجل الذي أخرج الجائزة: إن إخراجك الجائزة حرام أو حلال؟ هنا ينظر ماذا يترتب على هذه المسابقة، إن لم يترتب عليها محظور فبذل المكافأة جائز، وإن ترتب عليها محظور فبذل المكافأة عليها حرام. فلو فرضنا أن هذه المسابقة للدراجات والسيارات تؤدي إلى التهور والعبث فهنا لا يجوز أن نشجعهم ونعطيهم مكافأة، لأن بعض الشباب الذي لا يقدر الأمور تجده يلعب بالسيارات إما بالتفحيط كما يسمى وإما بالدوران، وإما بغير ذلك فهؤلاء لا يشجعون على أعمالهم. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 30 كيفية صلاة الكسوف السؤال نريد كيفية صلاة الكسوف وعدد ركعاتها، وشخص صلى بالناس ركعتين وقرأ فيها سورة الإخلاص والمعوذتين؟ الجواب أولاً: سبب صلاة الكسوف هو كسوف الشمس والقمر، وكسوف الشمس والقمر أمر خارج عن العادة لإنذار الناس وتخويفهم، ولما كان أمراً خارجاً عن العادة، شرع الله تعالى صلاة لها خارجة عن العادة، قلت هذا من أجل أن تعرف حكمة الله عز وجل في كون الشرائع مناسبة للوقائع. وصلاة الكسوف يبدأ الإنسان فيها بتكبيرة الإحرام، وقبل هذا ينادى على المنائر: الصلاة جامعة، ويجتمع الناس في مسجد واحد ليس في كل مسجد بل في مسجد واحد وهو الجامع، هذا هو الأفضل، ثم يكبر الإمام ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة -مثلاً- البقرة أو آل عمران أو السور الطوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، حتى إن بعض الصحابة سقط مغشياً عليه من طول القيام، ثم يركع بعد هذا ركوعاً طويلاً، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ سورة طويلة لكنها دون الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً لكنه دون الأول، ثم يرفع، ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد بمقدار ركوعه، ثم يسجد ويطيل السجود كالركوع، ثم يجلس بين السجدتين ويطيل الجلوس كالسجود، ثم يسجد الثانية ويطيل، هذه هي الركعة الأولى، والركعة الثانية مثلها إلا أنها دونها في كل ما يفعل، ثم يسلم، وينبغي أن يعظ الناس ويذكرهم بعد الصلاة؛ لأن هذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي صفة صلاة الكسوف الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك ولو كان مرفوعاً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه غير صحيح -يعني: غير صحيح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم- وإلا فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام ركع ثلاث ركعات لكنه شاذ، وإنما حكمنا بشذوذه؛ لأن الكسوف لم يقع في عهد الرسول إلا مرة واحدة خسفت الشمس في يوم تسعة وعشرين من شوال عام عشرة من الهجرة، في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وصادف ذلك يوم موت إبراهيم بن محمد على أبيه الصلاة والسلام وعليه الرضوان، في ذلك اليوم خسفت الشمس خسوفاً كلياً حتى وصفها الصحابة: بأنها قطعة نحاس أو شبه ذلك. والكسوف الكلي يتأخر انجلاؤه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصرف حتى انجلت الشمس، ونقدر صلاته والله أعلم بثلاث ساعات وهو قائم عليه الصلاة والسلام. في هذا المقام عرضت عليه الجنة والنار عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة فتقدم ليأخذ منها قطفاً من عنب لكنه لم يشأ ذلك؛ لأن نعيم الجنة يكون في الآخرة، وعرضت عليه النار فتأخر خوفاً من لفحها، وحصل أمور عظيمة وخطب خطبة عظيمة، ولهذا نقول: يجب على المسلمين أن يهتموا بهذا الحدث العظيم، ونسمع في بعض البلاد الإسلامية أنه يمر الكسوف أو الخسوف وكأنه يوم كبقية الأيام وبعضهم لا يصلي، وسمعت أن بعضهم يخرج إلى البر ومعه الدفوف ليضرب بها ويغني، ولا أدري ماذا يقولون في غناهم! السائل: عندهم دعاء يقولون: لا إله إلا الله لا إله إلا الله. الشيخ: كل هذه من البدع، فهذه هي صلاة الكسوف، وهي أفضل ما يكون من الصفات، ولكن يجوز أن يزيد ركوعاً ثالثاً لكل ركعة؛ لأنه ورد عن بعض الصحابة، لكن الأفضل ما جاءت به السنة. السائل: الإعلان إذا كان الكسوف بعد يوم. الشيخ: أرى أنه لا ينبغي الإعلان عن ذلك؛ لأنه إذا أعلن عنه خف وزنه عند الناس، وصار كأنه أمر معتاد، فلو أنه ترك حتى يتبين للناس، ثم إن الإعلان عنه أوجد مشكلة أخرى، يعلنون عن الكسوف ويكون كسوفاً جزئياً صغيراً لا يتبين، فبعض الناس يتعجل ويصلي، كما حدث قبل سنة أو سنتين أعلن عن الكسوف لكنه ما بان، وإذا أعلن عنه ولكنه لم يبن فإنها لا تجوز الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصلوا) . والكسوف عند أهل الفلك أحياناً يراد به الظل بمعنى: أن النور يخف لكنه يتبين. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 160 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [161] ورد وصف الجنة في سورة الطور في آيات بينت النعيم والسرور، والمآكل والمشارب والغلمان والجواري، وتقابل أهل الجنة على أسرتهم في حبور، وتذكرهم لما سلف من الأمور. بعد ذلك -كعادة هذه السلسلة من اللقاءات- فقرة مطولة خاصة بالأسئلة، جاءت فيها كثير من الفتاوى العامة، والفوائد الهامة، والنقاش العلمي المؤصل. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والستون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، والتي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر ربيع الأول عام 1418هـ. نبتدئ بما كنا نبتدئ به من الكلام على شيءٍ من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في سورة الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:17-19] . الجزء: 161 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (متكئين على سرر مصفوفة) ثم قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} [الطور:20] (متكئين) حال، أي: حال كونهم متكئين، والمتكئ تدل هيئته على أنه في سرور وانشراح وطمأنينة؛ لأن الاتكاء يدل على ذلك. (والسرر) جمع سرير وهي: الكراسي الفخمة المهيأة أحسن تهيئة للجالس عليها. (مصفوفة) أي: مصفوف بعضها إلى بعض، يصفها الخدم والولدان. {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الطور:20] أي: قرناهم بحورٍ عين، والحور جمع حوراء، والعين جمع عيناء، والأصل الحور والبياض وأما العيناء فهي التي كانت جميلة العين في سوادها وبياضها، فهن حسان الوجوه حسان الأعين. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً هي الذرية الصغار، فيقول الله عز وجل: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] أي: جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم. وأما الكبار الذين تزوجوا فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة، لا يلحقون بآبائهم؛ لأن لهم ذرية فهم في مقرهم، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم فإنهم يرقون إلى آبائهم، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء، ولهذا قال: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] (ألتناهم) يعني: نقصناهم، يعني: أن ذريتهم تلحق بهم ولا يقال اخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية، بل يقول: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} . {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] هذه قاعدة عامة في جميع العاملين: أن كل واحد فإنه رهين بعمله لا ينقص منه شيء، أما الزيادة فهي فضل من الله تبارك وتعالى على من شاء من عباده. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون) قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور:22] أمدهم الله تعالى أي: أعطاهم عطاءً مستمراً إلى الأمد وإلى الأبد (بفاكهة) وهي ما يتفكه به من المأكولات. {وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي: مما يشتهونه ويستلذونه، وقد بين الله تبارك وتعالى نوع هذا اللحم بأنه لحم طير، وهو أشهى ما يكون من اللحم وأضرؤه وأمرؤه. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم) قال تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً} [أي: أن أهل الجنة (يتنازعون) ينازع بعضهم بعضاً على سبيل المداعبة، وعلى سبيل الأنس والانشراح، {كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [والمراد بالكأس كأس الخمر، ومعنى: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [أنه لا يحصل بها ما يحصل من خمر الدنيا، فإن خمر الدنيا يحصل به السكر والهذيان، ولكن خمر الآخرة ليس فيه لغوٌ ولا تأثيم، أي: لا يلغو بعضهم على بعض، ولا يتكلمون بالهذيان، ولا يعتدي بعضهم على بعض. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ويطوف عليهم غلمان لهم) قال تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} [الطور:24] أي: يتردد على أهل الجنة وهم على سررهم متكئين {غِلْمَانٌ لَهُمْ} [الطور:24] أي: غلمان مهيئون لهم بالخدمة التامة المريحة {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24] أي: محفوظ عن الرياح والغبار وعن غير ذلك مما يفسده. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:25] أي: صار بعضهم يسائل بعضاً لكن على وجه الأدب، يتكلم معه وهو مقابلٌ له لوجهه، فلا يصعر خده له ولا يستدبره بل يتكلم معه بأدبٍ ومقابلة تامة، (قَالُوا) أي: قال بعضهم لبعض، ((إِنَّا كُنَّا قَبْلُ)) أي: في الدنيا ((فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)) [الطور:26] أي: خائفين من عذاب الله، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] (مَنَّ) أي: أنعم علينا بنعمة عظيمة (ووقانا عذاب السموم) أي: عذاب النار، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ} [الطور:28] أي: قبل أن أصل إلى هذا المقر وذلك في الدنيا {نَدْعُوهُ} [الطور:28] أي: نعبده ونسأله؛ لأن الدعاء يطلق على معنيين: على العبادة، وعلى السؤال. - فمن إطلاقه على العبادة قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] . - وأما الدعاء بمعنى السؤال ففي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] . فقولهم: (إنا كنا من قبل ندعوه) يشمل دعاء العبادة: كالصلاة والصدقة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام كل هذا دعاء وإن كان هو عبادة، لكن لو سألت العابد: لماذا تعبد الله؟ لقال: أرجو رحمته وأخاف عذابه، فيكون هذا لهذه العبادة بمعنى الدعاء، كذلك ندعوه دعاء مسألة لا يسألون إلا الله ولا يلجئون إلا إلى الله؛ لأنهم يعلمون أنهم مفتقرون إليه، وأنه هو القادر على كل شيء. {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28] (البر) أي: الواسع الإحسان والرحمة، ومن ذلك البرية للمكان الخالي من الأبنية، والمعنى: أنه جل وعلا واسع العطاء والإحسان والجود. (الرحيم) أي: ذو الرحمة البالغة، يرحم بها من يشاء من عباده تبارك وتعالى. ففي هذه الآيات بيان نعيم أهل الجنة، وفيها أيضاً لمَّا ذكر عذاب أهل النار ذكر نعيم أهل الجنة؛ لأن هذا القرآن الكريم مثان تثنى فيه المعاني، إذا ذكر فيه الخير ذكر فيه الشر، وإذا ذكر فيه نعيم المتقين ذكر فيه جحيم الكافرين، وهكذا حتى يكون الإنسان قارئ القرآن بين الخوف والرجاء، إن قرأ آيات النعيم رجا، وإن قرأ آيات العذاب خاف، فيعبد الله تبارك وتعالى بهذا وهذا. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنات، الناجين من الدركات إنه على كل شيء قدير. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 161 ¦ الصفحة: 9 حكم الذبيحة بنجاح الابن في الدراسة السؤال فضيلة الشيخ! سؤالي حول نجاح الطلبة، إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن وشكراً لله عز وجل؟ الجواب لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 10 أهمية الإحرام عند المرور بأحد المواقيت السؤال فضيلة الشيخ! رجل يريد العمرة والسفر في الطائرة ويحب أن يبقى هناك ستة أيام ثم يعود إلى ميقات ذي السيل، فيحرم منه وينزل إلى مكة ويعتمر فهل في ذلك من بأس حفظكم الله؟ الجواب نعم في هذا من بأس، لا يحل لإنسان أراد العمرة أن يمر بميقات ويتجاوزه بلا إحرام، سواء كان ميقاته أو ميقات غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت وقال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة) وإني أنصح إخواني المسلمين الذين ابتلوا بمثل هذه الحال إذا كانوا ذاهبين يريدون العمرة فلماذا لا يجعلون مرادهم الأصلي الذي هو قربة إلى الله عز وجل هو الأول؟! فيحرمون بالعمرة من الميقات ويذهبون إلى مكة ويؤدون العمرة ويرجعون إلى جدة والمسألة لا تساوي ثلاث أو أربع ساعات، لكن الشيطان يثبط الإنسان عن الخير، هذا الذي ذهب من بيته إلى مكة يريد العمرة له أجر من حين ينطلق من بيته إلى أن يرجع، لكن الشيطان يحرمه، يجعل المراد الأول هو جدة الزيارة، فيحرمه من العمرة، ولا يكون له أجر العمرة إلا من الميقات الذي يحرم منه، لذلك أوجه أولاً توجيه إرشاداً إخواننا المسلمين الذين يكون لهم شئون في جدة وهم يريدون العمرة أن يبدءوا بالعمرة أولاً حتى يكون لهم الأجر من حين ينطلقوا من بيوتهم إلى أن يرجعوا. ثانياً: لا يحل لإنسان إذا مر بالميقات وهو يريد الحج والعمرة أن يدع الإحرام منه، فإن قدر أنهم تجاوز الميقات قلنا لهم: ارجعوا إلى الميقات الذي تجاوزتم وأحرموا منه، فإذا كانوا مثلاً بميقات أهل المدينة وبقوا في جدة وانتهى شغلهم نقول: ارجعوا إلى ميقات أهل المدينة ولا يحل لكم أن تحرموا من السيل وإن كان السيل هو ميقات أهل نجد الأصلي، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام جعل الفرعي إذا مر به كالأصلي يجب عليه أن يحرم منه، فإن قدر أنه فعل وذهبوا إلى السيل وأحرموا منه فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة لزمه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 11 الفرق بين الشح والبخل السؤال ما هو الشح؟ وما الفرق بينه وبين البخل؟ الجواب الشح والبخل متقاربان، لكن الشح يكون بخلاً مع طمع فيما ليس عنده، البخيل يمنع ما عنده، والشحيح يمنع ما عنده ويطلب ما عند غيره، فهو كالنار تريد أن تلتهم، هذا هو الفرق. السائل: والله يا شيخ نريد توضيحاً للشح جزاك الله خيراً. الشيخ: الشح أن الإنسان يمنع مما عنده فلا يخرج الصدقة ولا النفقة الواجبة ومع ذلك هو يطلب ما عند الآخرين، تجده يلهث وراء الدنيا، أما البخيل ربما لا يهمه يأتي المال أو يذهب، لكنه لا يؤدي ما يجب عليه، فالشح أشد ذماً وقبحاً من البخل. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 12 حكم إجابة الدعوة إلى حفلة فيها منكرات السؤال فضيلة الشيخ! حضور دعوات الزواج للمرأة المسلمة إذا كان يحتوي هذا الزواج على ألبسة سافرة من إخراج الظهر والصدر والساق وجزءٍ من الفخذ، فإذا أنكرت سخر منها ونبذت، وإذا باركت وانصرفت نيل من عرضها، فهل يجوز عدم الإجابة وإن كانت معينة بالدعوة وبالذات، والزواجات تكون في وقتٍ واحد ويصرف لها من الأموال استعداداً ومن الوقت، فهل يجوز لها البقاء في بيتها وعدم إجابة هذه الدعوات؟ الجواب سأعطيك قاعدة في دعوة الزواجات وغيرها: إذا كان هناك منكر فإن كان المجيب إذا حضر يستطيع أن يغير المنكر وجب عليه الحضور لتغيير المنكر، وإن كان لا يستطيع حرم عليه الحضور، وعلى هذا فإذا دعيت المرأة إلى زفافٍ يشتمل على منكر من ضربٍ بطبل أو زير أو بأناشيد سخيفة أو كانت الألبسة فيها ألبسة محرمة، فإنه لا يجوز لها أن تذهب، بمعنى: أنه يجب عليها أن تبقى في بيتها ولا تجيب هذه الدعوة. قد يقول قائل: إذا كان هذا الزفاف لقريب كأخٍ وابنٍ وما أشبه ذلك؟ نقول: ولو كان لأقرب قريب، يقال له: هل أنت على استعداد ألا تقوم بهذا المحرم فعلى العين والرأس، هل أنت ستبقى على محرم فلن أشاركك فيه، ولو أن الناس فعلوا هذا لحسم كثيرٌ من مداخل الشر، لكن الناس بعضهم يجامل في هذا الشيء المحرم، يقول: هذا قريب هذا أخ هذا ابن هذا خال هذا عم، فيقال: رضا الله فوق كل رضا، والناس لو قاطعوا هذه الزواجات التي تشتمل على المحرم لترك الناس هذا المحرم. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 13 حكم طاعة ولي الأمر وضوابطها السؤال ما هو الضابط في طاعة ولي الأمر؟ الجواب الضابط في طاعة ولي الأمر في غير معصية الله أنه إذا أمر بمعصية فإنه لا يطاع، لو قال مثلاً: لا تصلوا مع الجماعة لا تصلوا إلا بعد خروج الوقت احلقوا لحاكم اشربوا الخمر، وما أشبه ذلك، يقال: لا سمع ولا طاعة، ويجب على كل من أمر بمعصية من ولي الأمر أن يردها؛ لأن الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (قضاء الله أحق) حكمه أحق أن يتبع. أما الشيء الذي ليس فيه معصية فيجب على الإنسان أن يطيع ولي الأمر وجوباً، وطاعة ولي الأمر في ذلك طاعة لله عز وجل؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ولو قلنا: إن الإنسان لا يجب عليه أن يطيع ولي الأمر إلا فيما أمر الله به لصار الأمر فوضى، وأما الوزراء والأمراء والمدراء والرؤساء فهم نواب عن ولي الأمر، فأمرهم كأمر ولي الأمر يطاعون في غير معصية الله. السائل: إذا أمر ولي الأمر بهدم جدار البيت، فهل يطاع؟ الشيخ: إذا كان الجدار معيباً فتهدمه وإن لم يأمرك، فإنه يجب عليك أن تكف الأذية والخطر عن المسلمين، اهدم الجدار، فإن لم تهدمه وسقط على أحد فأنت ضامن. أما مسألة الزراعة أمام البيت: فإن كانت الزراعة في نفس البيت لم يجب عليك طاعته؛ لأن داخل بيتك من خصائصك، وإن كانت خارج البيت كعلى الرصيف مثلاً فالظاهر أنه يجب عليك طاعته؛ لأن هذا من المصالح العامة إذا أراد ولي الأمر أن يكون مظهر البلد مظهراً واحداً. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 14 حضور الزواج وتجنب المنكرات السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان زواج أخ فيه غناء نساء وأريد أن أذهب، فإذا جاء وقت الغناء خرجنا، فهل يجوز؟ الجواب لا بأس، فمثلاً: إذا كان القريب في زفاف في ليلة زفافه منكر وتخشى من قطيعة الرحم وتذهب فإذا جاء المنكر خرجت فهذا لا بأس به. السائل: يجوز أنه يحضر الزواج ويبارك له؟ الشيخ: يجوز أن يحضر الزواج ويبارك، وإذا جاء المنكر خرجت. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 15 حكم مد التكبيرة عند الانتقال إلى التشهد السؤال فضيلة الشيخ! سمعنا أنك تقول: لا يجوز مد التكبيرة في التشهد الأول والتشهد الأخير، هل هذا صحيح؟ الشيخ: من أين سمعته؟ السائل: من شخص قال لي ذلك. الشيخ: تقول: حدثني من أثق به أم من لا أدري عنه؟ السائل: من لا أثق به. الشيخ: على كل حال هذا غير صحيح، نحن لا نقول: إنه لا يجوز، لكن نقول: إنه لا يشرع؛ لأنني لا أعلم أنه ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ميز بين تكبيرة الجلوس وتكبيرة القيام. نعم، بعض العلماء قال: الانتقال الطويل يمد فيه التكبير، والانتقال الطويل عندنا في موضعين: الموضع الأول: النزول إلى السجود. والموضع الثاني: القيام إلى الوقوف، ومع هذا فإنما قاله استحساناً، لا عن دليل. فالذي أرى: أن السنة أن يكون التكبير سواءً، وهذه السنة فيها فائدة للمأمومين، وهي: أن كل شخص يشد نفسه ليحترز من السهو؛ لأن التكبير إذا كان التكبير وكان المأموم غافلاً ربما يكبر الإمام جالساً وهو يقوم، أو قائماً والمأموم يجلس، لكن لو كانت التكبيرات متميزة مشى على هذه التكبيرات كالاسطوانة. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 16 ضابط الإنكار في المسائل الاجتهادية السؤال فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في الإنكار وعدمه في المسائل الاجتهادية؟ الجواب الضابط: أن المسائل العلمية ينكر فيها؛ لأنها أمور غيبية لا يجوز أن يتعدى فيها الإنسان النص، وأما العملية فما خالف نصاً صريحاً لا يحتمل التأويل أنكر، وما خالف دليلاً يحتمل التأويل فإنه لا ينكر، هذا هو الضابط، ولهذا ننكر على الذين يحرفون الكلم عن مواضعه في أسماء الله وصفاته أو في اليوم الآخر؛ لأن هذه أمور علمية لا يمكن يدخلها أشياء، علمية خبرية محضة. أما الأمور الاجتهادية فينظر أيضاً: إذا كان النص واضحاً أنكر عليه، وإن كان غير واضح يحتمل التأويل فإنه لا ينكر عليه، مثال ذلك: رجلان أكلا لحم إبل أحدهما يرى أنه ناقض والثاني يرى أنه غير ناقض، هذه المسألة عملية اجتهادية، فلا ينكر أحدهما على الآخر، فلو قام الذي أكل وهو يرى أنه لا ينقض الوضوء وصلى أمامه اعتقد هذه الصلاة باطلة في نظري لكن بالنسبة له غير باطلة، ولهذا يجوز أن يكون الرجل إماماً لي، أصلي خلفه وأنا أعتقد أن صلاته في نظري باطلة لكنها في نظره صحيحة. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 17 حكم التورية وتمييزها عن الكذب السؤال ما هي التورية وما الفرق بينها وبين الكذب؟ الجواب التورية: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره. والكذب صريح في أنه تكلم بخلاف الواقع. السائل: السامع ربما يفهم شيئاً آخر. الشيخ: لا يهم، هذا هو بعد التورية أن يفهم السامع من خطابك خلاف ما تريد، التورية قد يحتاج الإنسان إليها، إذا حلفك إنسان ظالم عن وديعة عندك لفلان، تعرف الوديعة؟ نعم، إنسان وضع عندك دراهم قال: خذ هذه عندك وديعة، اطلع عليها شخص من المباحث وجاء إليك وقال: أعطني الوديعة التي عندك لفلان، هل هي عندك الآن؟ تقول: ليست عندي؟ فقال: احلف، فتحلف وتقول: والله مال فلانٍ عندي وديعة، يجوز، ماذا يفهم؟ يفهم أن ما عندك شيء، لكنك تريد أن (ما) اسم موصول فيكون إثبات أو نفي؟ السائل: إثبات. الشيخ: هذه هي التورية. السائل: هل فيها ضابط يستخدم في موضعه؟ الشيخ: نعم هناك ضابط، أما الظالم فلا تصح توريته ولا تحل، والحكم فيها أنها على حسب ما يعتقده خصمه، ولهذا جاء في الحديث: (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) فإذا قال الظالم بهذا التأويل لم ينفعه، والمظلوم ينفعه، ومن ليس بظالم ولا مظلوم من العلماء من قال: إن التورية جائزة، ومنهم من قال: إنها غير جائزة، والراجح أنها غير جائزة، وأن الإنسان يجب أن يكون صريحاً؛ لأن الإنسان إذا اعتاد التورية ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظهر من كلامه اتهمه الناس بالكذب، وأساءوا فيه الظن، لكن إذا كان مظلوماً فهذه حاجة، والظلم قليل بالنسبة للحوادث، فإذا جاء إنسان يطلبك مائة ريال حقاً في ذمتك له مائة ريال، وتخاصمتما عند القاضي، فقلت: والله ما عندي له مائة ريال، هذا نفي أمام القاضي إذا أردت أنه إثبات فقد وريت لكن وريت وأنت ظالم، يعني: لو نويت: والله الذي عندي له مائة ريال كنت ظالماً فلا تنفعك التورية. والخلاصة: التورية للمظلوم جائزة، وللظالم غير جائزة، ولمن ليس ظالماً ولا مظلوماً على خلافٍ بين العلماء والراجح أنها حرام. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 18 حكم قراءة المأموم الفاتحة السؤال ما حكم قراءة المأموم بالفاتحة في الصلاة الجهرية؟ الجواب الذي أرى أن قراءة المأموم الفاتحة واجبة في الجهرية والسرية، ولا تسقط إلا لمن لم يدرك الوقوف الذي يتمكن فيه من قراءتها، مثل: أن يدخل مع الإمام والإمام راكع، هنا تسقط عنه، أو يدخل مع الإمام وهو قريب الركوع فلا يقرأ إلا آية ثم يركع الإمام، هذا تسقط عنه. وأما من كان مع الإمام من أول الصلاة فلا بد أن يقرأها في السرية والجهرية. السائل: فضيلة الشيخ الإمام لا يدع الوقت للقراءة. الشيخ: إذا كان الإمام لا يدع وقتاً للقراءة فاقرأ وهو يقرأ ولا يضر؛ لأن هذا مستثنى. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 19 حرمة النظر إلى السماء في الصلاة السؤال هل النظر إلى السماء في الصلاة مبطل لها، وما وجه صحة ذكر بعض الأصحاب وذكره صاحب الإنصاف: أنه يجوز النظر إلى السماء عند التجشؤ؟ الجواب رفع البصر إلى السماء في الصلاة والإنسان يصلي ثبت النهي عنه والتشديد فيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من أن يخطف البصر ولا يرجع إلى فاعله -أي: إلى رافع بصره إلى السماء- وهذا الحديث يدل على أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة محرم، وإذا طبقناه على القواعد المعروفة عند الفقهاء لزم من ذلك أن تكون صلاته باطلة؛ لأن هذا منهيٌ عنه في الصلاة بخصوصها، والشيء المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها، وإلى هذا ذهبت الظاهرية وقالوا: إن رفع البصر إلى السماء في الصلاة مبطلٌ لها، وقولهم ليس بعيداً من الصحة؛ لأن النهي صريح. وأما استثناء بعض العلماء ذلك عند التجشؤ فإنما فعلوا هذا قالوا: لأن المتجشي تخرج منه رائحة كريهة في الغالب، فينبغي أن يرفع وجهه لئلا يؤذي من حوله من المصلين، لكن هذا الاستثناء فيه نظر. أولاً: أن المتجشي في الصف وجهه ليس إلى اليمين ولا إلى الشمال، إنما إلى الأمام فلن يؤذي أحداً. الثاني: إذا رفع وجهه إلى السماء عند التجشي قد يكون قصيراً فيؤذي الطوال، وما أكثر الطوال الذين يكونون عند القصار في الصلاة، فعلى كل حال هذا الاستثناء لما لم يكن عليه دليلٌ من الشرع صار منخرماً غير مطرد. فالصواب: أن رفع البصر إلى السماء محرم في حال الصلاة، لكن البطلان قد يتردد الإنسان فيه، والقول بالبطلان قويٌ جداً. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 20 حكم جمع المرأة لشعر رأسها السؤال ما تفعله بعض النساء من جمع لشعر رءوسهن على شكل كرة في مؤخرة الرأس، هل يدخل في الوعيد: (نساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت) ؟ الجواب أما جمع المرأة رأسها للشغل ثم بعد ذلك ترده فهذا لا بأس؛ لأنها لا تفعل هذا زينة ولا تجملاً لكن للحاجة. وأما رفعه وجمعه على سبيل التزين، فإن كان إلى فوق فهو داخلٌ في النهي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رءوسهن كأسنمة البخت) والسنام يكون فوق، وإن كان على الرقبة فليس داخلاً، لكنه يحذر منه إذا كانت المرأة تريد أن تخرج إلى السوق، فإنها إذا خرجت إلى السوق وجمعته على رقبتها برز من وراء العباءة فلفت النظر، فتنهى عنه إذا أرادت الخروج إلى السوق. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 21 توضيح حول أخوة الأنبياء لأقوامهم السؤال في سورة الشعراء عندما ذكر الله فيها قوم نوح وصالح، قال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} [الشعراء:105-106] وبعدهم قوم عاد: أخوهم هود، وبعدهم قوم صالح وقوم لوط ولم يذكر في قصة أصحاب الظلة أن شعيباً أخوهم، فما السبب؟ الجواب وفي آية أخرى في الأعراف: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [الأعراف:85] وسبب ذلك: أن أصحاب الأيكة غير قومه؛ فلهذا لم يقل: "أخاهم" أما الآخرون فهم إلى أقوامهم، فقيل: (أخاهم) ؛ أي: في النسب وليس في الدين، هذا هو الفرق. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 22 مناداة الأجانب بـ (يا محمد) السؤال اعتاد الناس أن يقولوا لأصحاب المحلات من العمالة الوافدة يسمونهم بمحمد، أبداً ما. يا محمد أعطني كذا وكذا، أحياناً ربما يكون غير مسلم، ما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب الذي أعرفه أن العمالة الأجنبية يقولون: يا صديق يا رفيق. السائل: الناس الآن قد غيروا الناس. الشيخ: ماذا يقولون الآن؟ السائل: يقولون: يا محمد، مباشرة في الغالب يقولونها. الشيخ: أصحيح؟! أنا عندي خيرٌ من هذا أن يقول: يا عبد الله؛ لأنهم كلهم عباد لله، حتى الكافر عبد لله، فلو أنها غيرت إلى يا عبد الله لكان أحسن. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 23 بيان حكم زكاة حلي المرأة السؤال هل في حلي المرأة من زكاة؟ الجواب القول الراجح من أقوال العلماء: أن حلي المرأة المستعمل والمعد والمتخذ للحاجة متى احتاجت باعت منه وأنفقت والمعد للأجرة كل ذلك تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة، بل لخصوص الأدلة في ذلك، فإنه في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -يعني: سوارين- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ فقالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ -يعني: إن لم تخرجي الزكاة- فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقالت: هما لله ورسوله) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي. والحافظ ابن حجر لا أحد يجهل منزلته في علم الحديث، وقال الشيخ ابن باز في هذا الحديث: إن إسناده صحيح، وهو مؤيد بالعموم كما في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار) إلى آخر الحديث. والمرأة التي عندها حلي من الذهب هي صاحبة ذهب، فمقتضى هذا الإطلاق والعموم دخولها في هذا الوعيد، وأما من قال: إنه لا زكاة في ذلك، وأن هذا كالثياب إذا أعد للاستعمال فلا زكاة فيه، فهذا يسميه العلماء القياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار، لا يؤخذ به، وأما ما استدلوا به من أثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في الحلي زكاة) فهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو لا يصح من حيث المعنى؛ لأن بعض الحلي فيه زكاة بالاتفاق. فالصواب: أن الواجب على المرأة أن تخرج زكاة حليها إذا بلغ النصاب كل سنة تقومه وتخرج ربع العشر -أي: (2. 5%) - ثم إن كان عندها مال أخرجت من ماله، وإن لم يكن عندها وأخرج عنها زوجها أو أحدٌ من أقاربها فلا بأس، وإن لم يكن ذلك باعت من الحلي بقدر الزكاة وأخرجت الزكاة. قد يقول قائل: إذا ألزمناها بأن تبيع من الحلي ينفد الحلي ولا يبقى عندها شيء، فالجواب على ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن الحلي إذا نقص عن النصاب ولو شعيرة فليس فيه زكاة (خمسة وثمانون جراماً) هذا هو النصاب، و (أربعة وثمانون جراماً) لا زكاة فيها، الحمد لله يكفيها أربعة وثمانون جراماً. ثانياً: لنقول: ولينفذ كل المال فأي فرق بين الحلي وبين الدراهم، إذا كان عند الإنسان دراهم وقلنا: أخرج زكاتها كل سنة وصارت الزكاة تنقصها تنقصها تنقصها، حتى لو فرضنا ذهبت الدراهم كلها أي فرق بين هذا وهذا؟ ثم إننا نبشر المرأة التي تخرج زكاتها أنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما نقص صدقة من مال) وأن الله تعالى ربما ينزل لها البركة في هذا الحلي، فيمنعه من الآفات والضياع، وإلا فقد تبتلى المرأة بضياع حليها أو سرقته أو تعيره لأحدٍ وينكر أو ما أشبه ذلك. ثم إذا أدت الصدقات عن هذا الحلي فإنه سيكون ظلاً لها يوم القيامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) فالحمد لله هي غانمة وليست بغارمة، هي قد أبرأت ذمتها بيقين إذا أدت الزكاة وأصبحت مستريحة. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 24 حكم العقيقة وأثر تأخيرها السؤال ما رأيكم فيمن يؤخر العقيقة حتى أن شخصاً حكى لي أن عنده ثلاثة أبناء قال: لم أعق عنهم حتى الآن، وسوف أذبح عنهم وأوزعها، فما معنى قول: (المولود مرتهن بعقيقته) أو نحو ذلك حفظكم الله ورعاكم؟ الجواب الصحيح: أن العقيقة ليست واجبة وأنها سنة مؤكدة، ولا ينبغي للإنسان تركها، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا لم يجد فليستقرض ويخلف الله عليه إنه أحيا سنة، لكن قول الإمام أحمد: فليستقرض، مقيدٌ بما إذا كان يرجو الوفاء، كإنسان حلت عليه العقيقة وهو ما عنده دراهم، لكن يعرف أنه في آخر الشهر سيأتيه الراتب، هذا نقول: استقرض وادفع العقيقة في وقتها في اليوم السابع. أما الإنسان الذي لا يرجو الوفاء فلا يستقرض؛ لأن العقيقة سنة، والدين واجب قضاؤه. أما من أخرها بلا عذر وكانت نيته أن يفعل لكنه تهاون فهذا -إن شاء الله- يؤجر عليها، لكن أجرها أقل من ذبحها في وقتها، وهو اليوم السابع من ولادته، فإذا ولد الإنسان في يوم الأربعاء تكون العقيقة يوم الثلاثاء، وهذه قاعدة: في اليوم الذي قبل ولادته تكون العقيقة، وإن ولد يوم الأربعاء فالعقيقة يوم الثلاثاء، وإن ولد يوم الثلاثاء فالعقيقة يوم الإثنين، وإن ولد يوم الإثنين فالعقيقة يوم الأحد، وهذا مجرب. أما التوزيع فالأصل أن يوزعها ويدعو إليها، يوزع البعض على الفقراء وعلى الجيران ويدعو حتى يظهر السنة وتتبين السنة. السائل: ما معنى: (مرتهن بعقيقته) ؟ الشيخ: معنى: (مرتهن بعقيقته) قال بعض أهل العلم: إنه مرتهن لا يشفع لوالديه يوم القيامة، ولكن ابن القيم ضعف هذا القول وقال: (مرتهن) أي: يكون منحبساً منقبضاً قد يكون فيه كثير من المصالح؛ لأن المرتهن هو الشيء المحبوس، كما لو رهنت مثلاً السيارة عند الدائن أي: انحبست عنك مصلحتها. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 25 حديث ضمة القبر السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للقبر ضمة لو نجا منها أحد لنجى منها سعد بن معاذ) ؟ الجواب هذا الحديث مشهور عند العلماء، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤمن ضمة رحمة وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها. أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا، أما المنافق أو المرتد أعاذنا الله وإياكم من هذا فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن. السائل: لماذا خصص سعد بن معاذ في الحديث؟ الشيخ: لأن سعد بن معاذ أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه اهتز عرش الله تعالى لموته، كما قال حسان بن ثابت: وما اهتز عرش الله من أجل هالكٍ سمعنا بها إلا لـ سعد أبي عمر وسعد بن معاذ -رضي الله عنه- له مقاماتٌ عظيمة، فإنه كان سيد الأوس، وكان بنو قريظة حلفاءه، ولما استسلم بنو قريظة على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ظناً منهم أن يكون سعد بن معاذ مثل رأس المنافقين عبد الله بن أبي الذي أمَّن حلفاءهم اليهود، قالوا: ننظر سعد بن معاذ، وكان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- قد أصيب في أكحله في غزوة الخندق، فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب؛ لأنه غالٍ عند النبي عليه الصلاة والسلام، فقال سعد -رضي الله عنه-: [اللهم لا تقبض روحي حتى تقر عيني ببني قريظة] رضي الله عنه، فلما رضوا بحكمه -أعني: اليهود- أرسل النبي عليه الصلاة والسلام إليه وجيء به من المسجد النبوي على حمار، ولما أقبل قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه من الحمار، ثم جلس للمحاكمة، فلما جلس والنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة عن يمينه وبني قريظة عن يساره قال: حكم نافذ على هؤلاء؟ يشير إلى بني قريظة قالوا: نعم حكمك نافذ، فقال: وعلى هؤلاء؟ ويشير وهو قد غض بصره احتراماً للرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، فقال: أحكم بأن تقتل مقاتلتهم، وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم، حكم صارم مع أنهم حلفاؤه، لكنه حكم بما يرضي الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ونفذ فيهم هذا الحكم، وقتلهم في المدينة، قتل نحو سبعمائة رجل من اليهود، ثم بعد ذلك انبعث الدم من العرق لـ سعد بن معاذ وتوفي، سبحان الله! استجاب الله دعاءه فلم يمت حتى أقر الله عينه ببني قريظة ورجعوا إلى حكمه، فلهذا قال إن صح الحديث: (لو نجا منها أحدٌ لنجى منها سعد بن معاذ) ، وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 161 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [162] حينما أشرق نور الإسلام، لم تستسغه خفافيش الظلام، فمضى كفار قريش يتهمون الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون، ويفترون عليه ويكذبون، ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون. وفي ذلك نزلت آيات من سورة الطور، تفند هذه الشبهات، وتوثق تاريخ سطوع دعوة، وإشراقة دين، وفي هذا اللقاء يفسر الشيخ هذه الآيات بأسلوب علمي مؤصل، وبيان شرعي مفصل، ثم يتبع ذلك بإجابات قيمة على أسئلة يطرحها الحاضرون. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والستون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام (1418هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به اللقاءات السابقة، بالكلام بما تيسر في تفسير الآيات الكريمة التي انتهينا إليها في سورة الطور. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فذكر فما أنت مذكر) قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر) والمذكر محذوف، والتقدير: ذكر الناس، أو إن شئت فقل: ذكر من أرسلت إليهم من الجن والإنس. {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} أي: بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك من الوحي لست بكاهن ولا مجنون؛ والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئيٌ من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيبٍ عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه؛ لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع. فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة؛ لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلامٍ مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع. المهم أنهم يقولون عنه صلى الله عليه وسلم: إنه كاهن، فنفى الله ذلك، ثم قالوا: إنه مجنون يأتي بما لا يعرف، فكذبهم الله فقال: {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] هذه الجملة منفية مؤكدة بالباء الزائدة إعراباً المفيدة معنىً، (بكاهن) أصلها: فما أنت بنعمة ربك كاهناً ولا مجنوناً، لكن زيدت الباء توكيداً للنفي. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) ثم قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} [الطور:30] أي: بل أيقولون، و (أم) هذه تسمى عند المعربين منقطعة، لا عاطفة؛ لأن (بل) تأتي عاطفة وتأتي منقطعة، فهنا جاءت منقطعة، والتقدير: بل أيقولون شاعر، والاستفهام للتوبيخ والإنكار عليهم، وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} [الطور:30] (الشاعر) : هو الذي يأتي بكلامٍ مقفى، ويتضمن شعره أحياناً حكماً، ولهذا جاء في الحديث: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة) فيقولون: إن محمداً شاعر. {نَتَرَبَّصُ بِهِ} [الطور:30] أي: ننتظر به، {رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] أي: حوادث الدهر وقوارعه فيهلك كما هلك الشعراء من قبله ولا يكون له أثر، انظروا -والعياذ بالله- كيف يترقبون موت الرسول عليه الصلاة والسلام، يقولون: هذا شاعر من جنس الشعراء يهلك وينتهي أمره. وقوله: {رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور:30] قيل: إن المنون هو الدهر، وقيل إن المنون هو: الموت، وهما متلازمان، والمراد بذلك حوادث الدهر المهلكة المبيدة. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) قال تعالى: {قُلْ} [الطور:31] في جوابهم {تَرَبَّصُوا} [الطور:31] والأمر هنا للتهديد والتحدي، أي: تربصوا بهذا الشاعر ريب المنون، وانظروا هل يموت وتموت دعوته، أم أنكم أنتم تموتون وتموت معارضتكم؟ إذاً (تربصوا) فعل الأمر للتحدي والتهديد أيضاً، {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] أي: فأنا منتظر أيضاً، انتظروا أنتم وأنا أنتظر لمن تكون العاقبة، وصارت العاقبة -والحمد لله- للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [الطور:31] . الجزء: 162 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا) قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ} [الطور:32] (أم) هنا منقطعة، و (أم) المنقطعة تقدر بـ (بل) والهمزة، المعنى: بل أتأمرهم، وهذا انتقال من الأول إلى الثاني، أتأمرهم (أحلامهم) أي: عقولهم بهذا، فيقولون: إنه مجنون إنه كاهن إنه شاعر، هل عقولهم تأمرهم بهذا؟ الجواب {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] ، أي: بل لا تأمرهم عقولهم بهذا، وكثيرٌ منهم يعلم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حق لكن غلبتهم الكبرياء -والعياذ بالله- فأنكروا وكذبوا، ولهذا قال: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32] ، أي: معتدون ظالمون، وأصل الطغيان مجاوزة الحد، كما في قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ} [الحاقة:11] أي: زاد وارتفع عن عادته، {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:11] . الجزء: 162 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون) قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} [الطور:33] هذا أيضاً افتراء آخر، و (أم) هنا منقطعة بمعنى: (بل) والهمزة، والمعنى: بل أيقولون تقوله، أي: اختلقه وكذب به، يعني قسم منهم قالوا: محمد تقول هذا القرآن واختلقه من عنده، وبعضهم يقول: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103] ، {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} [الطور:33] أي: بل هم لا يؤمنون، ولو آمنوا لعلموا أن القرآن لا يمكن أن يتقوله بشر؛ لأن كلام الله عز وجل لا يشبهه أي كلام. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) ثم تحداهم، فقال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] أي: إذا كنت أنت تقولته فأنت مثلهم، بشر تتكلم كما يتكلمون، وتخطب كما يخطبون، وتقول كما يقولون، فإذا كنت متقولاً له وهو من عندك فليأتوا بحديث مثله؛ لأن البشر يمكن أن يأتوا بكلامٍ يشبه كلام البشر الآخر، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم تقوله فهاتوا مثله، (فليأتوا) واللام هنا للأمر، والمقصود به التحدي والتعجيز، {بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} وهذا غاية التحدي، عجزوا وما استطاعوا أن يأتوا بحديثٍ مثله مع أنهم أمراء البلاغة وسلاطين الفصاحة لكنهم عجزوا، فماذا يدل عجزهم عليه؟ يدل على أن القرآن ليس من كلام البشر بل هو من كلام الله عز وجل، ولهذا قال: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ومع قوة المعارضة وقوة البلاغة والفصاحة عجزوا أن يأتوا بحديثٍ مثله، وما استطاعوا، فدل ذلك على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتقوله، ولم يستطع أن يأتي بمثله. وفي قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} كلمة: (حديث) نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، لكن جاء في آية أخرى أن الله قال: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وجاء في آية أخرى الإخبار بأنه لن يستطيع أحدٌ أن يعارض القرآن، فقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء:88] حتى ولو تعاونوا؟! ولهذا قال: {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] تبين الآن بطلان قولهم: إنه تقوله؛ لأن الله تحداهم أن يأتوا بمثله ولكنهم عجزوا، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] أي: إن كانوا صادقين في دعواهم أنك تقولته فليأتوا بحديثٍ مثله. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) ثم قال الله تعالى مستدلاً بربوبيته على ألوهيته: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] (أم) نقول فيها ما سبق، بمعنى: بل والهمزة، بل أخلقوا من غير شيء، أي: من غير خالق، {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} و الجواب لا، لا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون، أما كونهم لم يخلقوا من غير خالق فلأن القاعدة العقلية الحسية التي أجمع عليها العلماء: أن كل مُحْدَث لا بد له من مُحْدِث. هذه قاعدة اتفق عليها العقلاء، فإذا كان كل حادثٍ لا بد له من محدث نظرنا في أنفسنا: نحن حادثون أليس كذلك؟ قال الله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] الواحد منا الذي عمره عشرون سنة، هو قبل اثنين وعشرين سنة ليس شيئاً مذكوراً، ولا يعرف ولا يدرى عنه، إذاً نحن حادثون، كل حادث لا بد له من محدث، فهل أنتم خلقتم من غير محدث؟ الجواب: لا، هذا جواب عقلي لا ينكر، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ الجواب: لا؛ لأنهم قبل أن يوجدوا كانوا عدماً، وكيف يمكن للعدم أن يخلق؟ لا يمكن هذا، فإذا تبين أنهم لم يخلقوا من غير خالق، وأنهم لم يخلقوا أنفسهم تبين أن لهم خالقاً قادراً على إيجادهم، من هو؟ الله عز وجل، لا يستطيع أحدٌ منهم أن يقول: إن الذي خلقني أبي أو أمي، فإذا لم يكن كذلك تعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، وإذا كان لهم خالق وهم مخلوقون مربوبون مدبرون فالواجب أن يخضعوا لهذا الخالق وأن يعبدوه وحده كما أنه هو الخالق وحده. هذه الآية سمعها جبير بن مطعم وكان قد قدم إلى المدينة وهو مشرك، قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الفداء لأسرى بدر، أظنه لا يخفى على كثيرٍ منكم أن بدراً انتصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والحمد لله وانتصارهم انتصار لنا، قتلوا من قريش سبعين رجلاً وأسروا سبعين رجلاً وجاءوا بهم إلى المدينة، وانقسموا إلى أقسام: منهم من أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ومنَّ عليه، ومنهم من فداه بمال، ومنهم من فداه بأسير إن كان هناك أسير لا أدري، ومنهم من فداه بتعليم أهل المدينة الكتابة. جبير بن مطعم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام يطلب فداء أسرى بدر؛ لأنه من صميم قريش والأسرى أيضاً من قريش، ويظهر لي والله أعلم: أن جبيراً سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له) لأنكم تعرفون قصة جبير حين رجع النبي عليه الصلاة والسلام من الطائف أجاره، وصار يمشي معه من حين دخل مكة إلى أن وصل إلى الكعبة، وأمر أبناءه وهم متقلدو السيوف أن يقف كل واحد منهم على ركن من أركان الكعبة حتى لا يعتدي أحد على الرسول، فهو أحسن إلى النبي عليه الصلاة والسلام. هذا الإحسان قال النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أوفى الناس عليه الصلاة والسلام بكرمه، قال: (لو كان المطعم بن عدي حياً لكلمني في هؤلاء النتنى) من هم النتنى؟ الأسرى، ووصفهم لأنهم نتنى لأن المشركين نجس، والنتن: هو الرائحة الكريهة. وجبير بن المطعم بن عدي لعله سمع بهذه المقالة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب فداء الأسرى، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقرأ في المغرب بسورة الطور لما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] قال جبير: كاد قلبي يطير؛ لأن هذه حجة ملزمة لا يمكن أن يتخلص منها أحد، قال: ووقر الإيمان في قلبي، معناه أنه دخل الإيمان في قلبه، سبحان الله! انظر تأثير القرآن الكريم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما دعاه في تلك الساعة لكن سمع هذه الآية العجيبة العظيمة فكاد قلبه يطير، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] . الجواب بكل سهولة: لا في الأمرين، لا خلقوا من غير شيء، ولا هم الخالقون، بل لهم خالق وهو الله سبحانه وتعالى، ولا أحد يمكن أن ينكر هاتين المقدمتين، كلها حجة قطعية تدمغ كل كافر؛ لأنه إذا قال: نعم وله خالق خلقه قلنا: إذاً لماذا لا تعبده لأنك عبدٌ له مملوكٌ له؟ الجزء: 162 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) قال تعالى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور:36] انتقل من الأدنى إلى الأعلى، خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، انتقل من الأدنى إلى الأعلى، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور:36] الجواب لا؛ لأن (أم) هنا مثل سابقاتها، بل أخلقوا السماوات والأرض، والجواب: لا، هم يقرون بهذا، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] يقرون بهذا، لكن مع ذلك لا يعترفون بالرسالة، ولهذا قال: {بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:36] أي: ليس عندهم إيقان في خلق السماوات والأرض أن الذي خلقهم هو الله؛ لأنه لو كان عندهم يقين لحملهم هذا اليقين على تصديق النبي صلى الله عليه وسلم والإقرار برسالته. ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على ما تبقى من هذه الإلزامات العظيمة التي ألزم الله بها قريشاً كل هذا من أجل إقامة الحجة عليهم، ولو شاء سبحانه وتعالى لعاقبهم بدون أن تكون هذه المجادلة أو هذه المناقشة. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 162 ¦ الصفحة: 11 حكم استعمال الكافر للخدمة في البيت وخارجه السؤال فضيلة الشيخ! أحد جيراني عنده أسرة كبيرة، له أولاد بعضهم متزوجون وهم مقيمون في بيتٍ واحد وزوجته وأولاده وزوجاتهن، وعنده عامل يشتغل داخل البيت وخارجه، وعند مناصحته يحتج عليَّ بأنه لا يستطيع إحضار خادمة خوفاً عليها من الأولاد، علماً بأن هذا العامل كافر، وأخيراً طلب مني أن أسألك عن هذه المسألة ويقول: سوف آخذ بفتوى الشيخ ابن عثيمين فبماذا تفتونه جزاكم الله خيراً؟ الجواب أقول: لولا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن علي بن أبي طالب طلب من المقداد بن الأسود أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه الرسول، لولا هذا ما أجبتك، ما الذي يحول بينه وبيني؟ السائل: أنا أخذت كلامي معه فقال: خذ فتوى من الشيخ. الشيخ: على كل حال قل له: إني سألته وإنه يقول: يأتي بخادمة معها محرم، تكون الخادمة الأنثى في البيت والرجل المحرم لقضاء حاجاته هو، إما سائق وإما أن يأتي بالحاجات من السوق أو ما أشبه ذلك، هذا أسلم لدينه ولعرضه، ثم إذا أراد أن يأتي بخادمة على ما وصفته أنا الآن فلتكن مسلمة، وزوجها سيكون مسلماً إذا كانت الزوجة مسلمة؛ لأن الكفار أعداء الله ورسوله وأعداؤنا أيضاً لا نأمنهم، ولهذا لما كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب يطلب منه أن يجعل كاتباً نصرانياً يحصي بيت المال ويمدحه أبو موسى، أو خالد بن الوليد، لا أذكره الآن، أرسل إليه عمر قال: لا توله؛ لأن الله قال: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران:118] فأرسل إليه مرة ثانية وقال: هذا الرجل جيد ولا نجد مثله، فكتب إليه عمر: مات النصراني والسلام. كلمة واحدة، ما معنى: مات النصراني؟ أي: قدر أنه مات، هل تعطل أعمالنا؟ فالكفار لا يؤمَنون في الواقع. وقل له: إنه يسلم عليك ويقول: جزاه الله خيراً يأتي بخادمة مسلمة للبيت ومعها محرمها ليعمل في السوق. السائل: ماذا عن الخادم الذي عنده. الشيخ: الحمد لله ليست مشكلة يرحل إلى بلاده. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 12 الضابط في إحضار الأطفال إلى المسجد السؤال فضيلة الشيخ! بعض الناس اعتاد إحضار أولاده الصغار إلى المسجد الذين في سن أربع سنوات أو أقل أو أكثر مما يشوشون على المصلين، فما هو الضابط في إحضار الأولاد إلى المسجد حفظكم الله؟ الجواب الضابط المميز يحضر إلى المسجد والصبيان يختلفون في التمييز، بعضهم يميز لخمس سنوات، وبعضهم لست وبعضهم لسبع وهو الغالب، ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع، ثم مع ذلك لو أتى بالكبار وحصل منهم تشويش يكلم ويقال: إما أن تحفظ أولادك وإما أن تراقبهم أنت بنفسك. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 13 التقول على الله بلا علم أعظم من الشرك السؤال على ماذا يحمل كلام ابن القيم: إن التقول على الله بلا علم أعظم من الشرك، هل يحمل على الشرك الأصغر؟ الجواب يحمل على الشرك الأكبر؛ لأن ابن القيم رحمه الله يرى أن قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] يرى أنها من باب البدء بالأسهل فالأسهل والأخف فالأخف، لأن القول على الله بلا علم خطره عظيم يُضِل به أناساً، أرأيت أئمة أهل البدع لو كان هذا الإمام مشركاً فضرره على نفسه ومات وانتهى، لكن إذا كان صاحب بدعة يقول على الله ما لا يعلم ضل به أمماً، ولهذا كان القول على الله بلا علم أعظم من الشرك من هذه الناحية. السائل: فتواه أعظم من الشرك؟ الشيخ: إي نعم؛ لأنه تضمن الكذب على الله وإضلال عباد الله، ومسألة الكفر هذه تحتاج إلى تفصيل. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 14 ضلال من يطعن في خلافة أحد الخلفاء الراشدين السؤال ما رأيكم فيمن يسقط خلافة عثمان رضي الله عنه ويقول: إن خلافة علي امتداد طبيعي لخلافة الشيخين قبله؟ الجواب هذا أهون من الذي يقول: إن خلافة علي امتداد لسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: إن الذي يطعن في خلافة واحدٍ من الأربعة أضل من حمار أهله. كيف يتفق المسلمون على خلافة عثمان ويبايعه علي رضي الله عنه بدون إكراه، ونقول: إن خلافته ساقطة، الحقيقة أن الذي يطعن فيه قد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وعاب المهاجرين والأنصار. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 15 حكم إبطال السحر بالسحر والاتصال بالجن الصالحين السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم إبطال السحر بالسحر؟ وما الحكم إذا أخبر الكاهن علم الغيب النسبي، مثلاً: سرق شيئاً وأخبر به الكاهن، بعض الناس يعرفون وبعض الناس لا يعرفون؟ الجواب أما الأول وهو حل السحر بالسحر فلا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى انتشار السحر، إذ أن الإنسان الذي يحل السحر بالسحر لا بد أن يعطى على هذا جائزة وأموال كثيرة، فيفضي إلى تعلم الناس السحر من أجل أن ينقضوه، وهذه مفسدة عظيمة، لو قدر أن المسحور مات فالضرر هنا فردي، لكن كثرة السحرة ضرر عظيم على الأمة، فلا يجوز أن ينقض السحر بالسحر، لكن بعض العلماء قال: إذا كان هناك ضرورة بحيث ندرس كل حالةٍ وحدها فقد يرخص في ذلك، وعلل هذا بأن السحر ضرر وإزالة الضرر لا بأس به. ولهذا سئل ابن المسيب رحمه الله: عن رجلٍ لا يستطيع أن يجامع زوجته فيه سحر، هل يؤخذ عنه أو ينشط؟ قال: لا بأس إنما يريدان بذلك الإصلاح، نقله الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، لكننا لا نفتي بذلك كما قلت لك في هذا ضرر عظيم، وربما يتفق السحرة فيقوم أحدهم بالسحر، والآخر بفكه، وبينهم اتفاق. الكاهن كما قلت لك قبل قليل سمعت ماذا قلنا عن مغيبات المستقبل، أما الذي يخبر عن شيء وقع لكنه غائبٌ عنه فهذا يسمى عرافاً، لكنه ينظر ما السبب أنه علم بمكان المسروق، أو أن الذي سرق فلان ما هو السبب؟ يقول مثلاً: إن عنده جنياً؛ فليخبرنا: ما علاقة هذا الرجل الذي أخبره الجني؟ ينظر إذا كان علاقته علاقة طيبة بمعنى: أن هذا الجني صالح وأن الإنسي قد أحسن إليه في علم أو نصيحة أو أعجبه وصار الجني يخدمه، فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله: أن ذلك لا بأس به، وأن الاستعانة بالجني على غير ظلمٍ وبطريقة مشروعة لا بأس به، وذكر قصةً عن السلف الصالح. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 16 كيفية صلاة المغرب في جماعة يصلون العشاء السؤال بالنسبة لصلاة المغرب للمسافر، مثلاً: أنا مسافر، ودخلت مسجداً يصلى فيه العشاء، وأنا لم أصل المغرب بعد، فكيف أدخل معهم في الصلاة بنية المغرب وهم سيصلون أربع ركعات؟ الجواب لا إشكال في هذا، إذا حضرت الجماعة وهم يصلون العشاء وأنت لم تصلِّ المغرب ادخل معهم بنية المغرب، ثم إن أدركتهم في الركعة الثانية فما بعدها فلا مضار، سلم معهم، وإن أدركتهم في الركعة الثالثة فأت بركعة بعد السلام، لكن إذا كنت أدركتهم في الركعة الأولى فإذ قام الإمام إلى الرابعة اجلس وانو الانفراد واقرأ التحيات وسلم، ثم ادخل معهم فيما بقي في صلاة العشاء. السائل: أسلم والإمام لم يسلم. الشيخ: إي نعم؛ لأنك انفردت بعذر، وصلاتك لا يمكن أن تزيد على ثلاث. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 17 حكم البيعة لأمراء التنظيمات السؤال ما حكم البيعة لأميرٍ بيعته منفصلة عن بيعة ولي الأمر العام كأن يكون هناك تنظيم في بلد إسلامي؛ فيقوم أفراده في البيعة إلى مسئول هذا التنظيم على السمع والطاعة فما حكم الشريعة؟ الجواب هذه حرام، ولا يحل أن يبايع أحدٌ في مكانٍ فيه بيعة إسلامية، نعم. لو أمروه تأميراً لا على أنها بيعة على السمع والطاعة في كل شيء، هذا مأمورٌ به في السفر، إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم، حتى إذا اختلف الاثنان يكون الحكم إليه. السائل: أما في داخل البلد فلا بيعة؟ الشيخ: في داخل البلد ليست مشروعة، وكذلك نفس البيعة: إني بايعتك، هذا ممنوع مطلقاً حتى في السفر. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 18 نفي نبوة لقمان والخضر السؤال لقمان والخضر هل هم أنبياء أم رجال صالحون؟ الجواب ما رأيك لو قلت: إنهم أنبياء هل تتبعهم؟ السائل: لا. الشيخ: طيب، ولو قلت: إنهم غير أنبياء هل يضرهم شيئاً إن كانوا غير أنبياء؟ السائل: لا. إذاً ما الفائدة من هذا البحث؟ لقمان آتاه الله الحكمة بلا شك، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12] لكن هل صرح الله بأنه نبي؟ وهل ذكر الله له أقواماً؟ لا، والخضر كذلك، آتاه الله علماً لا يعلمه موسى؛ ليبين لموسى أن قوله: لا أعلم أحداً في الأرض أعلم مني، أو ينبغي للإنسان أن يعرف قدر نفسه فيه، فهيأ الله له الخضر؛ والخضر أعلمه الله عز وجل بما استقبل بما قص الله علينا وليس بنبي، فالذي يظهر أن لقمان ليس نبياً، وأن الخضر ليس نبياً، كما أنه أيضاً -أي: الخضر خاصة- قد مات في زمنه ولم يوجد إلى الآن، وبعض الناس المساكين يقولون: الخضر موجود الآن، ويدعون أنه قد يحضر الجلسات العلمية، ويدعون أيضاً بعضهم مثلما ادعت الرافضة: أن علياً هو صوت الرعد في السحاب يدعون كذلك، لكن الحمد لله الذي هدانا لما اختلف فيه من الحق بإذنه. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 19 شبهة حول تواتر القرآن السؤال فضيلة الشيخ! جاء في صحيح مسلم: [جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعون] ، كيف نرد على قول المستشرقين: إن القرآن غير متواتر بهذا الحصر؟ الجواب هم جمعوه لكن الذين في عهدهم أقروه، وأنا قد أكل جمع كتاب لشخص معين وإن كان الناس يعرفونه، ما أتوا بشيءٍ ينكره الناس كل الناس أقروا بما جمع. السائل: بهذا الحصر هم يستدلون؟ الشيخ: لا ليس معناه أنهم عندما جمعوه انفردوا بعلمه، هم لم ينفردوا بعلمه لكن جمعوه مثلما لو وكلت إنساناً يكتب لي مثلاً: زاد المستقنع أو وكلت أربعة هل معناه أن الآخرين لم يعلموا بذلك؟ السائل: لا. الشيخ: أبداً، أبو بكر رضي الله عنه هل هو من الأربعين الذين جمعوه؟ السائل: ليس من الأربعين. الشيخ: وهل تظن أنه يخفى عليه شيء ذكره هؤلاء الأربعون؟ السائل: لا. الشيخ: هو عارف، واضح؟ السائل: نعم واضح. الشيخ: الحمد لله. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 20 تحية المسجد لا تؤدى إلا داخل المسجد السؤال جاء رجل يوم الجمعة والإمام يخطب والمسجد ممتلئ فصلى مع الناس في خارج المسجد فهل يجلس أم يستمع الخطبة؟ الجواب يجلس. السائل: لا يصلي ركعتين؟! الشيخ: لا. ليس هو في المسجد الآن. السائل: الصرح منفصل يعني. الشيخ: تصلح الصلاة، أي: يصلح اتباعهم، لكن لا يقال: هذا مسجد، الرسول لم يقل: من أتى جماعة فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، بل قال: (إذا دخل أحدكم المسجد) . السائل: سائر أحكام الجمعة إذا تكلم في الصرح؟ الشيخ: لا يتكلم حتى لو كان يمشي في السوق ولم يصل المسجد وهو قاصدٌ هذا المسجد لا يجوز له أن يتكلم والإمام يخطب. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 21 إدراك جزء من الجماعة خير من تركها السؤال أنا أدركت التحيات مع الجماعة ولم أدرك ركعة كاملة، فهل أنا مدرك للجماعة؟ الجواب إذا كان معك أحد وتريد أن تصلي صلاة الجماعة من أولها فنعم، وإذا لم يكن معك أحد فادخل معهم ولو في التشهد؛ لأن إدراك بعض الصلاة خيرٌ من تركها جميعاً. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 22 الجمع بين قوله تعالى: (وهم فيها لا يسمعون) وقوله: (سمعوا لها شهيقاً) السؤال كيف يجمع بين قول الله عز وجل: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء:100] ، وقوله تعالى: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:7] ؟ الشيخ: ما هو الإشكال؟ السائل: كيف نوفق بين الآيتين؟ الشيخ: لا يسمعون كلام الناس من خارجها، لكن يسمعون شهيقها -والعياذ بالله-. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 23 قضاء الفائتة مقدم على أداء الحاضرة السؤال رجل فاتته صلاة العصر، وأقيمت المغرب ماذا يجب عليه؟ الجواب يدخل معهم في صلاة المغرب وإذا سلم الإمام أتى بالرابعة. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 24 قصر الصلاة لمن له منزلان بعد وصوله إلى أحدهما السؤال رجل سافر من دولة إلى دولة أخرى، والدولة المسافر إليها يملك فيها بيتاً، فهل يتم الصلاة أو يقصر؟ الشيخ: لكن هل هو يسكن في هذه مثلاً شهرين ثلاثة، وفي الأخرى شهرين ثلاثة، أم ماذا؟ السائل: يسافر إليها في الإجازة الصيفية. الشيخ: يأتي خلال الصيف؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً لا يقصر؛ لأن هذا له منزلان في الواقع. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 25 اشتراط الولي في عقد النكاح السؤال مسألة تساهل فيها بعض مشايخ بلادنا، وهي مسألة عقد النكاح بلا ولي، فما الحكم في هذه المسألة مع أدلة الكتاب والسنة؟ وهؤلاء المشايخ يستدلون بأعذارٍ يقولون: إن الولي لا نستطيع أن نخبره إذا كانت المرأة في بلدٍ غير بلد الولي، ويقولون: كيف نحصل عليه بالهاتف إذا كانت البلد بعيدة في القرى، وإذا حصل العقد بهذا الشكل وأجاز الولي بعد الخلوة أو الدخول هل يمضي هذا العقد أو بعقدٍ جديد؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك اعلم أن بعض العلماء يقول: إذا كانت المرأة عاقلة بالغة فلها أن تزوج نفسها، ولا تحتاج إلى ولي، فلعل العلماء عندكم يرون هذا الرأي. السائل: ما هو الصحيح؟ الشيخ: الصحيح: أنه لا يصح النكاح إلا بولي، وإذا كان الولي غائباً تنتقل الولاية إلى من بعده، فمثلاً: إذا كان أبوها غائباً ولها عم قلنا لعمها: زوجها، إذا لم يكن لها أقارب زوجها القاضي، وإذا لم يوجد قاضٍ يزوجها الأمير في قريتها، وإذا لم يوجد، فتوكل من تراه أهلاً لذلك. السائل: وإذا مضى على هذا العقد غير الصحيح قلنا: إنه لا يصح، هل يؤثر في الإثم مثلاً إذا جاء الولد؟ الشيخ: إذا كان الزوج حينما دخل على زوجته التي تزوجت بلا ولي يعتقد أن النكاح صحيح فالولد ولده، لكنه إذا تبين له بعد ذلك أن النكاح غير صحيح يعاد العقد فقط. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 26 طلب العلم عبر الأشرطة والكتب السؤال كيف يطلب العلم الشخص المرتبط بوظيفة في منطقة لا يوجد فيها علماء؟ وهل اقتناء الشريط الإسلامي من دروس العلماء الموثوق بهم يغني عن هذا الشيء؟ الجواب لا شك أنه يغني، الإنسان الذي لا يستطيع أن يصل إلى العلماء وليس عنده علماء يستطيع أن يستفيد من الأشرطة، والكتابات ممن يثق بعلمهم وأمانتهم، وقد قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43] . الجزء: 162 ¦ الصفحة: 27 حكم القصر لمن نوى الإقامة أكثر من شهر السؤال رجل نوى الإقامة أكثر من شهر فهل يقصر أم يتم، يصلي الصلاة سنن الراتبة أم لا؟ الجواب إذا كان الإنسان نزل بلداً لغرضٍ مقصود، متى انتهى غرضه رجع إلى بلده، فهو مسافر، ولو بقي عشر سنوات؛ لأنه لم ينو الإقامة، وسواء عرف أن هذا الغرض ينتهي بمدة أم لا، فمثلاً: إنسان مريض قدم إلى بلد للعلاج، وهو يعرف أن علاجه لا يكفيه يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين أيقصر أم لا؟ يقصر. إنسان آخر قدم إلى البلد للدراسة، المريض قد يبرأ قبل المدة التي قدرها، لكن هذا إنسان قدم للدراسة يعلم أنه لا يمكن أن يغادر البلد قبل أن تنتهي الدراسة بأربع سنوات، لكن بعدما تنتهي الدراسة يرجع إلى بلده، وهو يقول في قرارة نفسه: لو أعطوني الشهادة بعد عشرة أيام فسأرجع، إذاً لم يتخذ هذا قراراً ولا وطناً فله أن يقصر، وهذه المسألة مسألة عظيمة وكبيرة وفيها خلاف بين العلماء كبير يزيد على عشرين رأياً، وقد قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ولو رجعنا إلى كتاب الله لا نجد تحديداً لمدة أبداً، {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] والضارب للأرض قد تطول مدته وقد تقصر، {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] آخرون تجار، التاجر إذا نزل بلداً هل يعرف أنه ينقضي في يومين أو ثلاثة أو ربما يعرف أنه لن ينقضي إلا مدة شهر؟ هو كذلك، لا يعرف أنه ينقضي إلا بشهر، فهو ضاربٌ في الأرض. ثم الرسول عليه الصلاة والسلام هل قال للأمة يوماً من الأيام: من أراد منكم الإقامة أكثر من أربعة أيام أو خمسة أيام أو خمسة عشر يوماً، أو تسعة عشر يوماً، فليتم؟ لا. هذه السنة بين أيدينا ما قال ذلك، بل هو عليه الصلاة والسلام أقام مدداً متفاوتة: أقام في مكة كم؟ في حجة الوداع كم؟ قدم مكة يوم أربعة وخرج منها صباح أربعة عشرة، كم أقام؟ عشرة أيام؛ ولهذا سئل أنس بن مالك: (كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع، قال: أقمنا بها عشراً) كم أقام في عام الفتح؟ تسعة عشر يوماً، أقام في تبوك عشرين يوماً، ولم يقل للناس: من أقام هذه المدة فليقصر ومن زاد فليتم، بل هو عليه الصلاة والسلام قدم مكة في اليوم الرابع، وجعل يقصر الصلاة، إلى أن رجع إلى المدينة، هل قال للناس: من قدم قبل اليوم الرابع فليتم؟ أبداً ما قال، وهو يعلم صلوات الله وسلامه عليه أن الحجاج يقدمون قبل اليوم الرابع، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] متى تبدأ الأشهر؟ من شوال -من عيد الفطر- فهو عليه الصلاة والسلام يعلم أن الناس يقدمون قبل اليوم الرابع ولم يقل للحجاج: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فليتم، والأصل بقاء السفر وأن يبقى الشيء على ما كان عليه حتى يقوم دليل واضح على أن الحكم انقطع، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة كلاماً جيداً في الفتاوى في باب صلاة الجمعة، وبين أن القول بأنه محدد بأيام لا دليل عليه. وأنا أقول: إن الدليل على خلاف؛ لأنه لو كانت المدة محددة بأربعة أيام لقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة: من قدم منكم قبل اليوم الرابع فعليه أن يتم. المهم: أن الإنسان إذا قدم إلى بلد يريد علماً أو تجارة أو زيارة قريب فهو مسافر ولو طالت المدة يترخص برخص السفر كلها. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 28 حكم صلاة المسبل السؤال نقل أو شاع عنكم القول: بأن المسبل لا تقبل له صلاة وإن صلى مائة صلاة، فهل هذا صحيح؟ الجواب هذا فيه خلاف بين العلماء مبني على أصل وهو: هل الذي يصلي في ثوبٍ محرم عليه هل تبطل صلاته أم لا؟ - فمن العلماء من قال: إنها تبطل؛ لأنه اشترط في الثوب التي تستر به العورة أن يكون مباحاً، وهذا محرم. - ومنهم من قال: إنها تصح؛ لأن هذا التحريم لا تفسد به الصلاة، إذ أن إسبال الثوب حرام في الصلاة وخارج الصلاة، فلما لم يكن مختصاً بها لم يكن مبطلاً لها، وهذا القول هو الأصح، إلا إن صح الحديث في أن المسبل يجب عليه إعادة الصلاة فإذا صح فلا قول لأحدٍ بعده. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 29 حكم دفع أموال الإفطار في رمضان إلى الإفطار في غيره السؤال ما حكم دفع المال لإفطار الصائم في رمضان إلى إفطار صائم في غير رمضان؟ الجواب إذا كان الذي تبرع بالمال لإفطار الصائم يريد الصائم في رمضان، فلا يجوز أن يدفع هذا المال في صوم نفل حتى لو كان في صوم قضاء لرمضان، فالظاهر لي بأنه لا يجوز؛ لأن العرف والعادة أن من تبرع لإفطار الصوام في رمضان أنه يريد في شهر رمضان فقط. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 30 تأثير مس فرج الطفل على الوضوء السؤال هل غسل فرج الطفل ينقض الوضوء؟ الجواب لا، يعني: مس عورة الطفل لا ينقض الوضوء، بل مس عورة الإنسان البالغ لا ينقض الوضوء، إلا إذا كان لشهوة، وبهذا نجمع بين حديث طلق بن علي وبسرة بنت صفوان: فإن حديث طلق بن علي (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال: لا، إنما هو بضعة منك) ، وحديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ) . نقول: إذا كان لشهوة وجب الوضوء، وإذا كان لغير شهوة لم يجب، ويوحي إلى هذا التفصيل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هو بضعه منك) فإذا مسسته كما تمس مثلاً بقية الأعضاء، ومعلوم أن الإنسان لا يمس غير الذكر لا يمسها للشهوة أبداً، أليس كذلك؟ طيب نقول: إذا مسسته كما تمس سائر الأعضاء بدون شهوة فإنه لا وضوء عليك، وإن مسسته بشهوة فعليك الوضوء؛ لأنه ربما يخرج شيءٌ منك مع الشهوة من حيث لا تشعر. والخلاصة: أن مس ذكر الكبير والصغير لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة، والذي يغسل فرج الصبي قطعاً ليس عنده شهوة. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وإلى لقاء قادمٍ إن شاء الله. الجزء: 162 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [163] في صراع بين الحق والباطل وبأسلوب استذكاري وتوبيخي لأهل الشرك، استطاع القرآن أن يستفز المشركين وأن يدحضهم بالحجة الدامغة وبالبرهان الساطع، ويتجلى هذا التوبيخ والتقريع في الآيات الأخيرة من سورة الطور والتي كان للشيخ معها هذا البيان والتفسير. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الطور الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر ربيع الأول عام 1418هـ. نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما يسر الله عز وجل على تفسير بقية سورة الطور. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون) قال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:37] (أم) هنا بمعنى بل والهمزة، أي: بل أعندهم خزائن رزق الله عز وجل حتى يمنعوا من شاءوا ويعطوا من شاءوا؟ و الجواب لا، ليس عندهم ذلك ولا يملكون شيئاً من ذلك، بل الذي يملك الرزق عطاءً ومنعاً هو الله تبارك وتعالى، ولما نفى أن يكون عندهم خزائن الله قال: {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور:37] أي: بل أهم الذين لهم السيطرة والغلبة والسلطان والكلمة؟ الجواب: لا، فإذا لم يكن لهم شيء من هذا صاروا مربوبين وصاروا أذلاء أمام قوة الله عز وجل. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أم لهم سلم يستمعون فيه) ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطور:38] أي: بل ألهم سلم يستمعون فيه؟ والسلم: هو المصعد والمرقى، والمعنى: هل لهم سلم يصعدون فيه إلى السماء يستمعون ما يقال في السماء؟ الجواب لا، فإن ادعوا ذلك {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [الطور:38] أي: بحجة بينة ظاهرة على أنه استمع ما يقال في السماء. والجواب: لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً. اللهم إلا الكهنة الذين لهم رئيٌ من الجن، يستمع إلى ما يقال في السماء ثم يكذب مائة كذبة عما سمع، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعها من السماء. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أم له البنات ولكم البنون) ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور:39] وهذا أيضاً بمعنى (بل) والاستفهام الذي للتوبيخ والإنكار، أي: أيكون لله البنات ولهم البنون؟ لأنهم ادعوا أن جنود الله تعالى بنات، وأن لهم البنين، ومعلوم أن من له البنين غالبٌ على من له البنات؛ لأن جنده رجال ذكور أقوى وأحزم وأقدم من النساء، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} [الزخرف:19] كما قال الله تعالى عنهم ذلك، قال: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19] أي: لم يشهدوا خلقهم حتى يقولوا: إنهم بنات، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] أي: شهادتهم هذه التي هي زور وكذب (ويسألون) . المهم أن هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام من قريش قالوا: لهم البنون ولله البنات، قال الله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل:57] والذي يشتهونه هو الذكور، حتى إن أحدهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل:58] أي: مملوءٌ غيظاً وغماً {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} يختبأ من القوم {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:59] ثم يتردد {أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل:59] أي: على ذل وهوان، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59] يغمسه فيه، وهذه الموؤودة {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:59] . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون) قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [الطور:40] أي: بل أتسألهم أجراً، والاستفهام هنا للنفي، وكل (أم) هناك استفهامها للنفي والتوبيخ، أي: هل أنت يا محمد حين دعوتهم إلى الله عز وجل هل أنت تقول: أعطوني أجراً مثقلاً كبيراً لا يستطيعونه حتى يردوك؟ الجواب لا، قال الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86] لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأي أحد: أعطني أجراً على دعوتي إياك، بل هو صلى الله عليه وسلم يبذل المال ليؤلف القلوب، كما أعطى المؤلفة قلوبهم من الأموال شيئاً عظيماً، وليس يطلب من أحدٍ أي عوض على ما جاء به من الرسالة. استدل بعض أهل العلم على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ أجراً على تعليم العلم، بمعنى: أجرة، يقول الإنسان: لا أعلمك إلا بكذا وكذا، لكن هذا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) قال تعالى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور:41] ما غاب عن الناس ويحفظونه؟ و الجواب لا، ليس عندهم علم الغيب، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يعلم شيئاً من الغيب، يكون الشيء في داره لا يعلمه، حتى إنه دخل ذات يومٍ والبرمة على النار تغلي باللحم ولم يعلم ما هو، وحتى أن أبا هريرة كان معه فانخنس منه ولم يعلم لأي شيءٍ ذهب. فالحاصل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يعلم الغيب، فمن دونه من باب أولى، وقد أمره الله تعالى أن يعلن بأنه لا يعلم الغيب، فقال تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] وهنا يقول لهؤلاء المكذبين: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [الطور:41] ؟ والجواب: لا. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون) ثم قال: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} [الطور:42] أي: أيريد هؤلاء أن يكيدوا لك يا محمد بإبطال دعوتك وإهلاكك وإماتتك؟ الجواب نعم، ولكن كيدهم ليس بشيءٍ بالنسبة إلى كيد الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وقد كادوا له أعظم كيد، فإنهم اجتمعوا ماذا يصنعون بمحمد، لما رأوا دعوته انتشرت وأنه لا قبل لهم بردها، اجتمعوا وتشاوروا وذكروا ثلاثة آراء: الحبس والقتل والإخراج. {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} أي: يحبسوك، {أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] استقر رأيهم على القتل، لكن من يستطيع أن يقتله؛ لأن بني هاشم سوف يطالبون بدمه، قالوا: يجتمع عشرة شبان من قبائل متفرقة من العرب، ويعطى كل واحدٍ منهم سيفاً صارماً ويضربون محمداً ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل، فتعجز بنو هاشم عن المطالبة بدمه، ففعلوا ذلك ولكنهم مكروا ومكر الله والله خير الماكرين، أنجاه الله منهم، ثم أذن له أن يهاجر فهاجر إلى المدينة. {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور:42] الجملة هنا جملة اسمية، معرفٌ طرفاها، مفصولة بضمير الفصل، مما يدل على التوكيد والحصر، يعني: فالكيد لمن؟ للذين كفروا. وهنا سؤال يقول: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور:42] لم يقل: أم يريدون كيداً فهم المكيدون، فماذا يسمى هذا الأسلوب عند علماء البلاغة؟ يسمى الإظهار في موضع الإضمار، معناه: بدل أن يقال: فهم المكيدون، قال الله تعالى: ((فالذين كفروا)) ولهذا فائدة بل أكثر، إذا قال: فالذين كفروا معناه: أن هؤلاء كفار، إذا قال: (الذين كفروا) معناه: أن من كان كافراً فإنه هو المكيد وإن كان غير هؤلاء، فهاتان فائدتان معنويتان. الفائدة الثالثة: تنبيه المخاطب؛ لأن الكلام إذا كان على نسقٍ واحد ربما ينسجم الإنسان ويغفل، لكن إذا جاء شيء يخرج الكلام عن النسق انتبه. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون) ثم قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] أي: بل ألهم إله غير الله؟ الجواب حقيقة لا، وادعاءً نعم، لهم آلهة غير الله يعبدونها، الات والعزى ومناة وهبل، وغيرها من الأصنام المعروفة عند العرب، ولهذا قال: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] فنزه الله سبحانه وتعالى نفسه عما يشرك به هؤلاء؛ ليبين أن هذه الأصنام باطلة، وأن الله منزه عن كل شريك، {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [الطور:43] ؟ الجواب: حقيقة لا، وباطلاً نعم، هم يعبدون غير الله ويقولون: إنها آلهة، ويقولون للرسول عليه الصلاة والسلام: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ولهذا قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:43] . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وإن يروا كسفاً من السماء) قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور:44] أي: لو نزل عليهم العذاب، والكسف هو العذاب كما قالوا: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ} [الشعراء:187] الكسف معناه: قطع العذاب، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} وهذا يدل على أنهم يرون أنهم على حق وأنهم غير مستحقين للعذاب وأن هذا الكسف النازل قطع العذاب، ما هي إلا سحب متراكمة، وهذا كقول عادٍ حين رأوا الرياح مقبلة عليهم: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] لأن هؤلاء المكذبين -والعياذ بالله- معاندون يرون أنهم على حق، وأنهم غير مستحقين للعذاب، فإذا رأوا العذاب قالوا: هذا شيء عادي ولن نهابه ولن نخافه. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) قال الله تعالى: {فَذَرْهُمْ} [المعارج:42] اتركهم {يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} [المعارج:42] يخوضوا بأقوالهم، ويلعبوا بأفعالهم، ويلهوا في الدنيا، ويرون أنهم على حق {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [الطور:45] وهو يوم موتهم، اترك هؤلاء فإن مآلهم إلى الموت وإن فروا، وهم إذا لاقوا يومهم الذي يوعدون عرفوا أنهم على باطل، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم على الحق. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً) قال تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الطور:46] فإذا جاءهم الموت ما أغنى عنهم كيدهم شيئاً؛ لأنهم في قبضة الله، وقد انتهى استعتابهم، وليس أمامهم إلا العذاب. {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور:47] (وإن للذين ظلموا) والمراد بهم الكفار، قال الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] . {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} أي: دون عذاب الموت؛ وهو ما أصيبوا به من الجدب والقحط والخوف والحروب وغير ذلك مما كان قبل الموت، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور:47] بل أكثرهم في غفلة عن هذا، ولا يظنون أن ذلك من العذاب في شيء. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك) قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور:48] (واصبر) النداء لمحمد عليه الصلاة والسلام، والصبر: هو حبس النفس عما لا ينبغي فعله، وقوله: (لحكم ربك) يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، أي: اصبر لما حكم به ربك من وجوب إبلاغ الرسالة وإن أصابك ما يصيبك، اصبر لحكم ربك الكوني القدري؛ وهو ما يقدره الله تعالى عليك من هؤلاء السفهاء، من السخرية والعدوان والظلم، ولقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم كما أوذي إخوانه من المرسلين أوذي إيذاءً عظيماً، جعل سلى الجزور على ظهره وهو ساجدٌ تحت الكعبة، في آمن مكان، رمي بالحجارة حين خرج إلى أهل الطائف حتى أدموا عقبه صلوات الله وسلامه عليه، ولم يفق إلا وهو في قرن الثعالب، يلقون القاذورات والأنتان على عتبة بيته عليه الصلاة والسلام ويقول: أي جوارٍ هذا؟!! وهذا من امتثال أمر الله، حيث قال الله له: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور:48] أي: فإننا نراك بأعيننا ونراقبك ونلاحظك ونعتني بك، وهذا كما يقول القائل لمن أشفق عليه وأحبه: أنت في عيني، ومن المعلوم أن مثل هذا الأسلوب لا يعني أن مخاطبه حالٌ في عينه، بل المعنى: أنت مني على رقابة وحماية. وفي هذه الآية: إثبات صفة العين لله عز وجل وهي حقيقة، لكنها لا تماثل أعين الخلق أبداً؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 13 تفسير قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) [الطور:48-49] (سبح بحمد ربك) أي قل: سبحان الله وبحمده، حين تقوم من مجلسك، أو حين تقوم من منامك، المهم هي عامل؛ ولهذا كان كفارة المجلس أن يقول الإنسان: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) فينبغي للإنسان كلما قام من مجلس أن يختم مجلسه بهذا: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) . {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور:49] وسبح ربك من الليل، لا كل الليل بل (من) وهي هنا للتبعيض، ولهذا لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بأقوامٍ من أصحابه قال أحدهم: (أنا أقوم ولا أنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأقوم وأنام، ومن رغب عن سنتي فليس مني) ولذلك يكره للإنسان أن يقوم الليل كله، حتى لو كان فيه قوة ونشاط فلا يقوم الليل كله، إلا في العشر الأواخر من رمضان؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحيي ليلها كله. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي: وقت إدبارها، وهل المراد إدبار ضوئها بانتشار نور الشمس، أو إدبار ذواتها عند الغروب؟ الجواب هذا وهذا، والمراد بذلك صلاة الفجر؛ لأن صلاة الفجر بها تدبر النجوم، وصلاة الفجر وصلاة العصر هما أفضل الصلوات الخمس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها فافعلوا) والمراد بالصلاة قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل غروبها صلاة العصر. وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة) والبردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر، فصلاة الفجر صلاة الليل، وصلاة العصر صلاة النهار. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وبهذا انتهى الكلام بما يسر الله عز وجل على سورة الطور. نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ويهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 14 الأسئلة الجزء: 163 ¦ الصفحة: 15 حكم الأطفال إذا شربوا من لبن مجمع من الأمهات السؤال في الجمهوريات الإسلامية أيام الحكم الشيوعي كانت الأمهات تلدن في المستشفيات، فكانوا يجمعون لبن الأمهات ويغلونه ثم يشربونه الأطفال حتى تنتهي مدة البقاء في المستشفى، يعني: ربما أهل البلد كلهم إخوة من الرضاعة، فما تقولون في هذا؟ الجواب هذه مشكلة ومعضلة أيضاً في نفس الوقت، يقول: إنه لما كانت هذه الجمهوريات الإسلامية تحت الحكم الشيوعي الظالم كانوا يجمعون ألبان الأمهات ويغلونه ثم يسقون الأطفال، ولا يبالون، ليسوا يحررون مثلاً من شرب هذا اللبن حتى يعرف كما هو حسب كلام الأخ، فكيف يكون الحال؟ نقول: من تيقن أنه شرب من هذا اللبن صارت جميع النساء اللاتي شاركن في هذا اللبن أمهات له، ومن لم يتيقن فالأصل البراءة، وعلى هذا فاخطب من أي مكان من هذا البلد وليس عليك شيء؛ لأنه لا يمكن أن تتيقن أن هذه البنت مثلاً شربت من لبنٍ شربت منه أنت. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 16 حكم وضع السواك في الفم لغير حاجة التسوك السؤال بعض الناس يضع المسواك في فمه سواء جالساً أو ماشياً أو راكباً وهو لا يتسوك، فقط يضعه في فمه فما حكم هذا العمل؟ الجواب هذا غير سنة، السنة التسوك، أما وضع السواك في الفم بدون أن يحركه ما فائدته؟ الجزء: 163 ¦ الصفحة: 17 علة عدم صوم الرسول كصوم داود السؤال حديث: (أفضل الصيام صيام داود) فلماذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يختر هذا لنفسه؟ الجواب الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) أنت تعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام عليه مسئوليات كثيرة ومتنوعة، فهو يقدم ما كان الناس إليه أحوج، ولهذا يحث على اتباع الجنائز وتمر به الجنائز ولا يتبعها، فالرسول عليه الصلاة والسلام ينظر دائماً في أحواله إلى ما هو أنفع للعباد، كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وكان يقوم حتى يقال: لا ينام، وينام حتى يقال: لا يقوم، فهو يتبع المصلحة، ولهذا ينبغي الإنسان في سيره إلى الله عز وجل أن يتبع ما فيه المصلحة ما عدا الأمور الواجبة، فالواجبة لا بد منها، وأما بقية التطوع من صلاةٍ أو صدقة أو حجٍ أو عمرة فينظر ما هو أنفع، ربما يكون الأنفع للإنسان أن يصلي، وربما يكون الأفضل أن يأخذ كتاباً يطالعه. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 18 حكم كفارة الظهار قبل الطلاق البائن السؤال ما حكم من طلق طلاقاً بائناً بعدما ظاهر، فهل تبقى عليه كفارة الظهار؟ كأن يقول مثلاً: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ثم يطلقها الطلقة الأخيرة بعد فترة؟ الجواب تبين منه، وليس عليه كفارة ظهار؛ لأنه ما عاد، لأن معنى قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3] يعني: الجماع. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 19 حكم قضاء صلاة التطوع السؤال بالنسبة لصلاة التطوع إذا كان الشخص يصلي لصلاة الضحى أربع ركعات ففاتته يوماً من الأيام هل يقضيها؟ الجواب الظاهر لي أن النوافل غير الرواتب وغير الوتر أنها لا تقضى، يعني: أنه لا يقضى من النوافل إلا ما جاءت به السنة. وأقل سنة الضحى ركعتان، تبتدئ من حين ترتفع الشمس قيد رمح، وتنتهي بقبيل الزوال، وأفضلها ما كان في آخر الوقت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 20 حكم قراءة الفاتحة قبل الاعتدال في القيام عند القيام إلى الركعة السؤال فضيلة الشيخ: نرى بعض الناس وهو يصلي إذا قام من الركعة الأولى بدأ في قراءة الفاتحة قبل أن يعتدل قائماً، وخاصة كبار السن، هل تعتبر صلاته صحيحة حيث أنه قرأ جزءاً من الفاتحة وهو غير قائم؟ الجواب الفاتحة يجب أن يقرأها الإنسان وهو قائم؛ لأنها ذكر قيام، فإذا ابتدأ بها أثناء نهوضه فإنها لا تجزئه؛ لأنه قادر على القيام، وإذا كان قادراً على القيام فإنه يجب أن تكون قراءة الفاتحة وهو قائم، أما إذا كان كبير السن ولا يستطيع إلا هذا، ويخشى إن ترك الابتداء بها حتى يتم قائماً أن تفوته الركعة مع الإمام فهنا يكون معذوراً، فلا بأس أن يشرع بها حين ينهض. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 21 الرد على من يقول: إن المسلم لا يكفر بذنب ما لم يستحله السؤال ما رأيكم في قول من يقول: إن عقيدة أهل السنة في قاعدة: إن المسلم لا يكفر بذنبٍ ما لم يستحله أنها على إطلاقها، وأنه لا يوجد ذنبٌ يكفر صاحبه ويخرجه عن الملة ولو كان سجوداً لقبر -مثلاً- أو الطواف به أو الاستهزاء بدين الإسلام ونحو ذلك من الذنوب؟ الجواب نرى أن أسباب الكفر متعددة، منها: أن يعتقد جواز السجود لغير الله وإن لم يسجد فهو كافر، ومنها: أن يسخر بالإسلام ولو هازلاً فإنه كافر، وهذا دل عليه القرآن: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] . ونرى أن من الأفعال ما هو كفر يحاسب عليه الإنسان محاسبة الكافر، ويعامل في الدنيا معاملة الكافر، وفي الآخرة حسابه على الله، فلو رأينا رجلاً سجد لصنم حكمنا بكفره، وقلنا: إنه كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، حتى لو قال: أنا ما أردت السجود -سجود الذل والخضوع- لكن أردت سجود التحية مثلاً، نقول: نحن لا يهمنا هذا، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) . كذلك أيضاً من الأعمال ما تركه كفر؛ كالصلاة مثلاً، الصلاة من تركها حكمنا بكفره عيناً، ولا نقول: من ترك الصلاة عموماً فهو كافر، نقولها كذلك، لكن أيضاً إذا رأينا شخصاً لا يصلي حكمنا بكفره واستحلال دمه، إلا أن يتوب ويرجع إلى الله. فالمهم أن هذه القاعدة التي ذكرت ليس على إطلاقها؛ لأننا لو قلنا: إنه لا كفر إلا باستحلال ما بقي كفرٌ عملي، ولأن الاستحلال بنفسه كفر، إذا استحل الإنسان شيئاً مجمعاً على تحريمه فهو كافر سواء فعله أم لم يفعله، فلو أن أحداً استحل الزنا مثلاً أو استحل الربا في غير مواضع الخلاف لقلنا: هذا كافر. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 22 مدى صحة أحاديث في فضيلة صلاة الإشراق السؤال فضيلة الشيخ: وردت أحاديث في فضيلة صلاة الإشراق، ما مدى صحة هذه الأحاديث؟ وإن لم تصح هل هي سنة؟ الجواب العلماء اختلفوا في سنة الضحى هل هي سنة أو بدعة أو فيها التفصيل؟ وأقرب الأقوال: أن فيها التفصيل: وهو أن من اعتاد أن يقوم من الليل لا يواظب عليه، ومن لم يعتد القيام فإنه يواظب، هذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله. لكني أقول: إنه جاء في الحديث: (أنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، كل يومٍ تطلع فيه الشمس، وأنه يجزئ ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) فمن أجل هذا الحديث أرى: أنه ينبغي على الإنسان أن يحافظ على ركعتي الضحى؛ لأنها تقع مجزئة عن جميع الصدقات التي تجب عليه، كل يوم تطلع الشمس على كل عضوٍ منك صدقة، مجبر عليها، والأعضاء ثلاثمائة وستون عضواً يجب عليك ثلاثمائة وستون صدقة، لكن ليست صدقة المال فقط، كل قولٍ يقرب إلى الله فهو صدقة، كل فعلٍ يقرب إلى الله فهو صدقة، التسبيحة صدقة، والتكبيرة صدقة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، إعانة الراكب في ركوبه صدقة، لكن يجزئ عن ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى، فمن أجل هذا الحديث أرى أن يواظب عليها لأجل أن تقع هاتان الركعتان مكفرتان عن كل الصدقات. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 23 حكم من ترك الصلاة بسبب مرض ألم به السؤال كيف يقضي من فاتته صلاة يومين بسبب مرض ومتى يكون القضاء؟ الجواب هذا المرض إما أن يكون قد غاب عقله -أي: أغمي عليه- فهذا لا قضاء عليه، لأنه مغمى عليه فاقد العقل، وليس كالنائم الذي إذا أيقظته استيقظ. وأما إذا كان عقله معه؛ فلا يحل له أن يؤخر الصلاة، يصلي على حسب حاله ولو بالنية، حتى لو -فرضنا- أنه لا يستطيع أن يتحرك؛ فعليه أن ينوي بقلبه التكبير والقراءة والركوع والسجود، لكن بعض المرضى لضيق أنفسهم وكونهم في حرج، تجده إذا قيل له: صلِ، قال: إذا عافني الله صليت، هذا غلط، خطر عظيم جداً، لو مات على هذا يخشى أن يكون كافراً، ولهذا يجب على الممرضين الذين يمرضون أقاربهم إذا قالوا هذا أن يحذروهم، يقول: صل ولو بالنية، ما دام العقل ثابتاً هل يمكن أن يفقد الإنسان النية؟ لا يمكن أن يفقدها ولا لسانه، لو قدر أنه عجز عن الإيماء برأسه والإيماء بعينه نقول: النية مفتوحة، لكن على كل حال: إذا قدرنا أنه فعل ذلك ظناً منه أنه لا بأس، أو كما يفعل بعض المرضى تكون ثيابه متنجسة ويقول: لا أستطيع أن ألبس ثوباً طاهراً ولا أغسل النجاسة، أنتظر حتى يعافيني الله وأتطهر، نقول: هذا أيضاً حرام، صل ولو بالثوب النجس؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] بقدر ما يستطيع، إن قدر على الطهارة تطهر، وإن لم يقدر فإنها تسقط عنه. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 24 حكم من أنكر تلبس الجن بالإنس السؤال ما حكم من ينكر تلبس الجني بالإنسي؟ الجواب هذا من المعتزلة؛ المعتزلة يرون أنه لا يمكن أن يتلبس الجني بالإنسي، لكن هذا قول يكذبه القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى في المرابين: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وأوتي عليه الصلاة والسلام بمصروعٍ فقرأ عليه، وأمر الجني أن يخرج منه. وأما الواقع فهو مشاهد أن الجني يتلبس بالإنسي ويؤثر عليه يمرضه ويخيفه ويزعجه ويقلق فكره، حسب تسلط الجني على الإنسي، وإنني بهذه المناسبة أود أن يستعمل المسلمون شيئين: الشيء الأول: الاعتماد على الله عز وجل، وأن يعتقدوا أن توكلهم على الله فوق قوة الجن، وأن الجن أذلاء أمام ذكر الله، كما قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) [الناس:4] الذي يخنس عن ذكر الله. الشيء الثاني: أن يكثروا من الأوراد التي تحميهم وتحفظهم، كقراءة آية الكرسي، فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح. أما أن ينخنعوا أمام هذه الوساوس والهواجيس فإن ذلك سيزيده، والشيطان ربما يجس قلب الإنسان، فإذا رآه جباناً خواراً تسلط عليه، وإن رآه سوى ذلك أبعد عنه، أليس الشيطان يفر من عمر بن الخطاب ويخاف، وإذا سلك طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر؛ لأنه قوي القلب، ونحن نعلم أن أبا بكر مثله أو أقوى، ونعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام فوق ذلك. على كل حال: أنا أوصي إخواني بهذين الأمرين: الاعتماد على الله، واعتقاد أن الجن أذلة، وأن الإنس أكرم عند الله منهم، وكذلك استعمال الأوراد الواقية حصن حصين، أنت لو أحسست بخوف ألست تستأجر الحراس عند بيتك وفي ممشاك؟ بلى، إذاً استعمل الحراسة التي لا طاقة للبشر بها، وهي: ذكر الأوراد التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 25 حكم من دفع مائة ريال ودفعت شركته مائة وخمسين ريالاً من أجل بيت يتملكه بعد خمس عشرة سنة السؤال فضيلة الشيخ: أنا أمتلك منزلاً الآن من الشركة، وأدفع شهرياً مائة ريال للصيانة، والشركة تدفع مائة وخمسين ريالاً، علماً أن البيت لا يمكن أن أمتلكه إلا بعد خمس عشرة سنة، فما رأي فضيلتكم في هذا؟ الجواب مادام البيت على نفقة الشركة، وهي تقول: يكفيني منك مائة ريال وهي تدفع مائة وخمسين ريالاً والبيت بيتها، فليس عليك شيء ولك أن تستمر على ذلك. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 26 حكم القراءة السريعة على المريض السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم القراءة السريعة على المريض بحيث تكون الآيات متصلة لا تقطع؟ الجواب لا يجوز لأي إنسان سواء يقرأ لنفسه أو على المرضى أن يقرأ القرآن إلا مبيناً حروفه؛ لأنه إذا لم يبين حروفه فقد افترى على الله كذباً: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الأنعام:93] ؟ فإذا قرأ مثلاً: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس:1] وصار يتمتم بها هل يقال: إنه قرأها؟ لا، وإن قال: إني قرأتها، فمعناه أنه افترى على الله كذباً؛ فإن الله لم ينزلها هكذا، فتحرم القراءة التي يكون فيها إسقاط حرف من الحروف، حتى ولو كان الحرف مشدداً فأهمل الشدة فإن هذا حرام، لو قال: (الحمد لله ربِ العالمين) هذا حرام، لماذا؟ هل أنزله الله هكذا، ربِ العالمين؟ إذاً افترى على الله كذباً، فالمسألة خطيرة يا إخواني. نسمع بعض القراء الذين يحبون أن يحفظوا القرآن ويكملوه يفعلون هذا، يهذونه هذ الشعر، ثم يريد أن يصل إلى آخر السورة أو إلى آخر الجزء ولا يهمه أقام الحروف أو لا، وهذا محرم، فالواجب إبانة الحروف. أما التجويد فليس بواجب، التجويد تحسين اللفظ، إن حسنه الإنسان فهذا خير، وإن لم يحسنه فلا، والإنسان مطلوبٌ أن يحسن قراءته بالقرآن كما قال أبو موسى -رضي الله عنه- حين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه استمع إلى قراءته، فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) لأن الله أعطى داود صوتاً رخيماً عظيماً، حتى إن الجبال تسبح معه، والطيور تقف صواف تستمع إلى قراءته من حسنها وجمالها، قال: (أسمعتني يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيراً) أي: حسنته أكثر، فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن، أما أن التجويد يجب فلا، المقصود إقامة الحروف كما هي بحركاتها وسكناتها، والتجويد ما هو إلا تحسين، على أن بعض المجودين يغالون ويزيدون، أحياناً يزيد في المد وأحياناً في الغنة، حتى إنك تتعجب كيف نزل القرآن هكذا؟!! الجزء: 163 ¦ الصفحة: 27 حكم من أخرج زيادة عن الزكاة الواجبة عليه السؤال فضيلة الشيخ: رجل عنده عقار أراد أن يزكي فأخرج عن كل ألف مائة ريال، وبعد أن أخرجها وانتهى قيل له: أخرج عن كل ألف ريال خمساً وعشرين ريالاً، فما حكم ذلك؟ الجواب حكم ذلك ما زاد فهو صدقة له، أي: إذا أخرج الإنسان زيادة عن الزكاة يظن أن ذلك الواجب عليه فإنه صدقة، وربما يثيبه الله عز وجل ثواب الواجب، وثواب الواجب أكثر من ثواب التطوع، الآن هو أخرج مائة عن الألف والتطوع خمسة وسبعون ريالاً لو تطوع بها صدقة أثيب عليها، لكن إذا أخرجها على أنها زكاة صارت إثابته عليها أكثر، لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) لكن قل: لو نوى بهذه الخمسة والسبعين ريالاً عن ثلاث سنوات قادمة أيجزئ أم لا؟ لا يجزئ، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . الجزء: 163 ¦ الصفحة: 28 حكم صيام يوم السبت منفرداً أو مجتمعاً مع غيره السؤال استدل بعض أهل العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم السبت إلا في المكتوب عليكم) على أن الصيام يوم السبت لا يجوز سواء مفرداً أم مجمعاً مع غيره، فما صحة هذا القول؟ الجواب هذا القول ليس بصحيح، أولاً: أن هذا الحديث ضعفه كثيرٌ من العلماء، قال الإمام مالك فيما نقله عنه أبو داود، قال: إنه كذب، والإمام مالك رحمه الله منزلته في الحديث معلومة فهو من أئمة الحديث وحفاظ الحديث، قال: إنه كذب، وأبو داود ثقة. القول الثاني: أنه شاذ فيكون ضعيفاً، يعني: لا نقول كذب لكنه ضعيف، والشاذ لا يعمل به، ووجه شذوذه: أنه مخالف لما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمة يوم الجمعة قال: (أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) فقوله: (أتصومين غداً) يدل على جواز صيام يوم السبت، وهذا يعارض الحديث الذي أشار إليه السائل، حيث قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أو عود عنب فليمضغه) لأن مقتضى هذا الحديث أنه لا يصام مع الجمعة، مقتضى الحديث هو النهي، والحديث الصحيح صريح بأنه يجوز صيامه مع يوم الجمعة، فيكون شاذاً؛ لأن الشاذ مخالفة الثقة للثقات، والشاذ لا يجوز العمل به. القول الثالث: أنه منسوخ، وهذا يعني: أن الحديث صحيح لكنه منسوخ، لكن هذا القول يحتاج إلى معرفة التاريخ: هل هذا النهي قبل الأذن أم بعده؟ ولا علم لنا بذلك، ومن المعلوم أنه لا بد من العلم بتأخر الناس إذا قلنا: إنه منسوخ، وحينئذٍ فأحسن ما يقال فيه: إنه إن أفرده لأنه يوم السبت فهذا منهي عنه وإلا فلا، على أنه ورد في السنن من حديث أم سلمة: (أن أكثر ما كان يصوم الرسول عليه الصلاة والسلام يوم السبت ويوم الأحد) مع أنهما عيدان للكفار والعيد من المعروف أن من شعائره ألا يصام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومهما مخالفة لليهود والنصارى، ذكره أهل العلم في معارضة هذا الحديث الضعيف الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت. فالحاصل: أننا لو تحملنا كثيراً وقلنا بقبول هذا الحديث وهو النهي عن صوم يوم السبت، فإننا لا نقبله إلا بشرط أن يكون الذي صامه من أجل أنه يوم السبت، وبناءً على ذلك لو صادف يوم السبت يوم عرفة وصامه وحده فليس في ذلك بأس؛ لأنه إنما صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم السبت، كذلك لو صادف يوم السبت العاشر من محرم، فإنه يصومه، لكن ينبغي أن يصوم يوماً قبله ويوماً بعده مخالفة لليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقط. كذلك لو صادف عادته كالذي يصوم يوماً ويفطر يوماً، وصادف يوم جمعة وصومه يوم السبت وفطره يوم الأحد، هذا لا بأس به أيضاً؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت لكنه صامه لأنه صادف عادته. خذها بارك الله فيك وبثها في قومك، فإن كثيراً من الناس اغتر بكلام بعض المعاصرين في هذا الحديث. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 29 حكم الزكاة في أرض ينوي صاحبها بيعها السؤال توجد أرض لا تستعمل لها عشر سنوات أو خمس عشرة سنة تقريباً وصاحبها ينوي إن أتت له بقيمة سوف يبيعها، فهل عليه زكاة في هذا؟ الجواب إذا كان هذا الرجل الذي عنده أرضٌ ينتظر أن يشتريها أحد إذا كان من أهل الأراضي الذين يتجرون بها فعليه زكاتها، ولو بقيت سنوات، أما إذا كانت أرضاً عنده قد استغنى عنها ويريد أن يبيعها، لكن لم يأته زبون ليشتريها فليس عليها زكاة. الأراضي والأواني والفرش وما أشبه ذلك من عروض التجارة ليس فيها زكاة إلا أن ينويها للتجارة. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 30 حكم التوقف في تكفير من فعل مكفراً بجهل السؤال من حكم من توقف في عدم تكفير الجاهل إذا فعل مكفراً، مع العلم أن بعض العلماء أفتى بكفره وبعضهم أفتى بمعذرته في الجهل، فهل هذا يعتبر ضالاً؟ الجواب الله المستعان! هذا هو المهتدي، كل من توقف في حكم مسألة لعدم اتضاح الدليل عنده إما لكونه مجتهداً فنظر في الأدلة فوجد فيها في ظنه التعارض، أو لأنه عامي واختلف العلماء عنده في هذه المسألة فتوقف، فهذا هو الحق، وهذا هو الإيمان، لأن الله تعالى قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلو أنه حكم بكفره وهو لا يدري ما الدليل، فقد قال ما ليس له به علم، ولو حكم بانتفاء كفره وهو يعلم الدليل، فقد قال ما ليس له فيه علم، لكن ماذا يكون الواقع إذا كان قد اختلف الناس في هذا الحكم؟ فهل أصل بقاء إسلام المسلم أو كفر المسلم؟ الأصل بقاء إسلام المسلم، ولهذا تعتبر هذه المسألة خطيرة، والمسألة ليست بذاك الشيء الهين أن تقول لشخص: إنه كافر، المسألة ليست نطقاً باللسان، المسألة يترتب عليها أنك إذا حكمت بكفره حكمت باستحلال دمه وماله، وتحريم زوجته عليه، وأن ماله الذي بيده ليس له، وأنه إن كان أميراً لا تجب طاعته إلى غير ذلك من الأحكام التي تترتب على الردة وهي كثيرة. ثم من أنت حتى تحكم على عباد الله بأنهم كفار والله تعالى لم يحكم بذلك، من أنت؟!! أليس الواحد منا لو قال: هذا حرام والله لم يحرمه لقلنا: إنك مفترٍ على الله؟ فكيف لو قال: هذا كفر وليس بكفر، وكيف لو قال: هذا كافر وهو عند الله ليس بكافر، ولهذا كان هذا المذهب -تكفير من لم يقم الدليل على كفره- هو مذهب الخوارج تماماً الذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: (أنهم يقرءون القرآن ولا يتجاوز حناجرهم، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأن في قتلهم أجر إلى يوم القيامة) فالمسألة خطيرة جداً، ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله قبل كل شيء، وألا يحكم بأن هذا كفر حتى يتبين، ولا بأن هذا كافر حتى تنطبق عليه شروط التكفير. أما أن يقول الإنسان: كافر كافر كافر، كيف هذا؟!! هذا هو مذهب الخوارج تماماً، الخوارج كانوا مع علي على معاوية ولما جرى الصلح بين علي ومعاوية، انقلبوا وقاتلوا علياً، لكن الحمد لله دمرهم الله عز وجل، وقتلهم علي -رضي الله عنه، وجزاه الله عن أمة الإسلام خيراً- قتلهم قتلاً ذريعاً والعياذ بالله. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا التزام حدوده في حكمه على عباده، إنه على كل شيء قدير. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 163 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [164] طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة، بل قد يعدل الجهاد في سبيل الله إن لم تكن منفعته أعم من الجهاد، وفي ضوء هذا الموضوع كان للشيخ هذه الكلمات الطيبة في فضل طلب العلم الشرعي وما ينبغي أن يتحلى به طالب العلم من أخلاق ومزايا تميزه عن غيره من الناس. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 1 فضل طلب العلم الشرعي على الأعمال الصالحة الأخرى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والستون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) وبه نفتتح اللقاءات هذا العام، بعد انقطاع اللقاءات في أيام الإجازة. وبما أن هذا هو وقت ابتداء تلقي المتعلمين علومهم فإنه ينبغي أن نتكلم عما يتعلق بهذا الموضوع. فنقول: لا شك أن طلب العلم الشرعي من أفضل الأعمال الصالحة، بل هو معادلٌ للجهاد في سبيل الله، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فبين الله عز وجل أن المؤمنين لا يمكن أن ينفروا جميعاً للجهاد في سبيل الله؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعطل المنافع الأخرى التي لا بد للإسلام من القيام بها، وبهذا نعرف أن الجهاد لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحدٍ من المسلمين، كما ادعاه بعض المعاصرين الذين يقولون: إن الجهاد فرض عين على كل مسلم، وهذا خطأ مخالفٌ للقرآن؛ لأن الله قال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة:122] أي: لا يمكن هذا، ثم أرشد أن ينفر بعضهم ويقعد بعضهم ليتفقه القاعدون في دين الله وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لكن الجهاد يكون فرض عين في مسائل معينة خاصة. فطلب العلم الشرعي لا شك أنه معادل للجهاد في سبيل الله. واختلف العلماء أيهما أفضل: العلم أو الجهاد؟ ولا شك أن منفعة العلم أعم من منفعة الجهاد؛ لأن منفعة الجهاد إذا تحققت فإنما هي في جزءٍ معين من الأرض، لكن العلم ينتفع به كل الناس، فالعلم من حيث المنفعة هو أفضل من الجهاد، لكن مع ذلك قد نقول لبعض الناس: الجهاد في حقهم أفضل، ونقول لآخرين: العلم في حقهم أفضل، ويظهر هذا بالمثال: فإذا كان هناك رجل شجاع قوي عالمٌ بأساليب الحرب، ولكنه في طلب العلم رديء الحفظ صعب عليه والفهم قليل، فهذا نقول: الجهاد في حقه أفضل لأنه أنفع. وآخر ليس بذاك في الشجاعة ومعرفة أساليب الحرب، لكنه قوي في الحفظ، قوي في الفهم، قوي في الحجة، قوي في الإقناع، فهذا نقول: طلب العلم في حقه أفضل. إذاً الخطوط التي نفهمها الآن: طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله. أيهما أفضل؟ يختلف هذا باختلاف الناس، فبعض الناس نقول له: الجهاد في حقك أفضل، وبعض الناس نقول له: العلم في حقك أفضل، حسب ما يقتضيه الحال. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 2 حاجة العلم إلى التربية النفسية والخلقية والبدنية العلم يحتاج إلى تربية نفسية، وتربية خلقية، وتربية بدنية. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 3 طلب العلم لله وحده التربية النفسية: هو أن يطلب العلم لله، لا للرياء، ولا للسمعة، ولا ليصرف وجوه الناس إليه، ولا لينال عرضاً من الدنيا، وإنما يطلب العلم لله عز وجل؛ لأن العلم عبادة من أفضل العبادات، فلا يجوز أن يصرف لغير الله، ولهذا جاء في الحديث: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) -نعوذ بالله- فلا بد من الإخلاص لله عز وجل في طلب العلم، ويتحقق الإخلاص بأمور: الأول: أن ينوي بذلك التقرب إلى الله، وأنه ما من سطرٍ يقرؤه حفظاً أو فهماً إلا وهو يقربه إلى الله عز وجل، حتى تكون مراجعته للكتب ومباحثته مع أصحابه وتأمله في نفسه، تكون عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل. ثانياً: أن ينوي بطلب العلم حفظ شريعة الإسلام. لأن حفظ الشريعة يكون إما بالكتب وإما بالرجال؛ لأن العلم إما مكتوب وإما محفوظ، فينوي بطلب العلم حفظ الشريعة؛ لأن الشريعة لا تحفظ إلا برجالها. الأمر الثالث: أن ينوي حماية الشريعة والدفاع عنها. لأن الشريعة لها أعداء؛ أعداء باسم الإسلام، وأعداء باسم الكفر، فمن أعدائها باسم الإسلام: أصحاب البدع؛ لأنهم يدعون إلى بدعهم باسم الإسلام، ويرون أن ما هم عليه هو الإسلام، وربما يضللون غيرهم ويقولون: إن هؤلاء ضالون؛ إما فاسقون وإما كافرون، فيجب أن نحمي الشريعة من هؤلاء وبدعهم، وهذا لا يمكن إلا بالعلم: أولاً العلم بالسنة، وثانياً: العلم بهذه البدعة وشبهاتها، لا بد أن نعلم هذه البدع وشبهاتها وعلى أي شيء ركبت، حتى نتمكن من الرد عليها، إذ لا يمكن أن ترد على شيءٍ وأنت لا تدري ما هو. ولهذا لو أن رجلاً أتى إلى مكتبة مملوءة بكتب أهل السنة، وصار يقرر البدعة في هذه المكتبة وليس عنده أحدٌ يعلم كيف يرد عليه، فهل تنفع هذه الكتب؟ لا تنفع، لا يمكن عنده أي كتاب أن يقفز ليرد عليه، لكن لو كان هناك عالم بالسنة لأمكن أن يرد على هذا ويدحر حجته. إذاً فهيأ نفسك الآن أيها الطالب لتكون بطلاً في رد الباطل. هناك أناس لا ينتسبون إلى الإسلام، أعداء للإسلام ولا ينتسبون إلى الإسلام. أيضاً نحتاج إلى فهم ما هم عليه من الباطل والرد عليهم، كل هذا داخل في إخلاص النية لله عز وجل أن ينوي الإنسان الدفاع عن شريعة الله بهذه الأمور وبغيرها أيضاً من الأساليب الأخرى التي لا تحضرنا الآن. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 4 العمل بالعلم ومما يجب على طالب العلم أن يظهر أثر العلم عليه في عبادته، وهو معاملته مع الله عز وجل، بحيث يخشى الله سبحانه وتعالى في السر والعلانية، ويكون قلبه دائماً معلقٌ بالله؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالعلماء حقيقة هم أهل الخشية لله، إذا رأيت أنه ليس عندك خشية من الله عز وجل ولا خوف منه فاتهم نفسك بأنك لست من أهل العلم، وإن حفظت ما حفظت من المتون، وإن فهمت ما فهمت من المعاني، لا بد أن يظهر أثر العلم على الإنسان في عبادته ومعاملته مع الله. أيضاً: لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، لا بد من هذا، ومن لم يكن كذلك فإن علمه وبال عليه، أعاذنا الله وإياكم من هذا. اللهم لا تجعل ما علمنا علينا وبالاً، انتبه عليك مسئولية أمام الله عز وجل، الجاهل قد يعذر بجهله لكن العالم بأي شيء يعذر؟! لا بد أن يظهر عليك أثر العلم في العبادة من خشية الله ومراقبته والتعلق به والاستعانة به والتعبد له بكثرة الطاعات، العلماء الذين هم أئمة في العلم نسمع من أخبارهم أنهم أهل عبادة أهل تهجد في الليل أهل تسبيح دائماً أهل قراءة قرآن، ففتش عن نفسك هل أنت بهذه المثابة أم لا؟ الجزء: 164 ¦ الصفحة: 5 حسن خلق طالب العلم لا بد أيضاً أن يكون للعلم أثر في خلق الإنسان، بأن يخالق الناس بخلق حسن. سماحة بشاشة انشراح صدر معونة عفو إحسان، كل ما يتعلق بمعاملة الناس بالحسنة فإنه من آثار العلم. إننا نرى الآن جحافل كثيرة تدخل الكليات والمعاهد والمدارس لا نرى عليهم أثراً في طلب العلم، إننا نرى الطلاب أنفسهم يتقابلون وهم في فصلٍ واحد لا يسلم بعضهم على بعض، نجدهم أيضاً لا يسلمون على العامة، هل هذا من خلق المسلم فضلاً عن خلق طالب العلم؟!! الجواب لا، وإذا كنتم تقولون: لا، فاعلموا أنها ستشهد عليكم جوارحكم يوم القيامة إذا لم تطبقوا، الآن يمر الإنسان بأخيه لا يسلم عليه وليس بينه وبينه إلا متر أو أقل لماذا؟ أليس كل تسليمة فيها عشر حسنات؟!! لو أن الإنسان يعطى درهماً واحداً على التسليمة لوجدته يسلم حتى في غير موضع التسليم لينال هذا الدرهم، فكيف لا يسلم في موضع التسليم لينال عشر حسنات تكون باقية ويزداد إيمانه ويحصل المحبة بينه وبين أخيه، ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) . أين نحن من هذه النصائح ونحن طلبة علم نعرفها؟!! كيف لا ننفذها؟!! سيكون هذا الحديث وغيره من أدلة الكتاب والسنة حجة علينا إذا لم نقم بما يدل عليه من التوجيه والإرشاد. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 6 محبة طالب العلم لأخيه الطالب كذلك يجب أن يكون أثر العلم ظاهراً عليه بمحبته لأخيه ما يحب لنفسه، تجد بعض الطلبة -وربما العلماء الكبار- إذا برز أخوه بشيء حاول أن يغمطه ويحقره ويتتبع عوراته حتى لا يتميز عليه، وهذا الخلق من خلق اليهود، هم الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا من جهل الإنسان؛ لأن الإنسان إذا تأمل من الذي أعطاه هذا الفضل؟ الله عز وجل، طيب اسأل الله الذي أعطاه، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32] اسأل الذي أعطاه أن يعطيك، أما أن تتمنى زوال نعمة الله عليه، أو أن تكره ما أنعم الله به عليه، فهذا من سفهك، ومن تخلقك بأخلاق إخوان القردة والخنازير اليهود، أترضى بهذا؟ لا، إذاً إذا رأيت أخاك قد منَّ الله عليه بتميز في الحفظ أو الفهم أو الحرص فقل: اللهم كما أنعمت عليه فأنعم عليَّ، ألسنا نقول في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) أي: كما مننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم بالصلاة عليهم فمنَّ على محمد وآله. فهكذا خلق طالب العلم يجب أن يكون متخلياً عن الحسد قليله وكثيره. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 164 ¦ الصفحة: 8 حكم أخذ الأجرة في أموال اليتامى السؤال يا شيخ أنا عندي أيتام لأخ لي، وعندهم أموال كثيرة، وأنا أتعب عندما أحصيها وأعدها، وهم صغار وأكبر واحد منهم عمره أربع عشرة سنة، فهل يحل لي فيها شيء أم لا يحل؟ الجواب على كل حال قال الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] وأرى أن تذهب إلى القاضي وتأخذ ولاية شرعية إن كان ما عندك شيء، وتقول للقاضي: افرض لي شهرياً نسبة من المال، حتى لا يلحقك ضرر بعد ذلك، أخشى إذا كبروا قاموا يطالبونك: أين أموالنا؟ فخذ ولاية شرعية من القاضي واجعله يفرض لك أجرة شهرية أو بالنسبة. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 9 حكم عمل القصص والمسرحيات السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم القصة القصيرة أو الطويلة وكذلك المسرحية التي يكون فيها ذهابٌ ومجيء، وقيام ونوم واستيقاظ، وهي تعتمد على الخيال هل تجوز؟ وهل يجوز للمدرس أن يكلف الطلاب بقصة قصيرة أو طويلة؟ الجواب أرى أن القصة إذا كانت تعالج مشاكل ولم تنسب لشخصٍ معين، حتى نقول: إنها كذب، أنه لا بأس بها؛ لأنها ضرب لمثال للاعتبار ليس به بأس. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 10 كيفية التعامل مع مدير العمل إذا كان كافرا ً السؤال أنا موظف في شركة ويرأسني شخص كافر، يأتي إلى العمل قبلي في الصباح، فهل لي أن أسلم عليه وأبدأه بالسلام علماً بأني إذا لم أسلم عليه قد يحصل لي ضرر، أو ما شابه ذلك؟ الجواب إذا كان رئيسك كافراً وحضر قبلك، فإذا دخلت عليه فعليك أن تقول: صباح الخير فقط، وصباح الخير تقولها لنفسك وإخوانك المسلمين، لا تنويها له، أو تقول: السلام بدون أن تقول: عليكم، وتنوي السلام عليك أنت وعلى عباد الله الصالحين، وبهذا يحصل المقصود إن شاء الله بدون ضرر. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 11 حكم اصطحاب الأطفال المؤذين دون سن السابعة إلى المسجد السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم اصطحاب الأطفال دون سن السابعة إلى المسجد إذا كانوا يحدثون إزعاجاً للمصلين؟ الجواب لا يجوز لولي أمر الصغار الذين يحدثون إزعاجاً للمصلين أو إفساداً في المسجد أن يصطحبهم، إلا أن يحميهم حماية تامة، وإذا قدر أنهم يأتون بدون إبلاغ ولي أمرهم، فإن الواجب على الإمام أو على المسئولين في المسجد أن ينبهوا ولي أمرهم حتى يمنعهم. والذين يستشهدون باصطحاب الحسن والحسين، فنقول لهم: ما حصل منهم أذية، نحن نتكلم عن الذين يحصل منهم أذية على المصلين أو على المسجد، أما إذا لم يكن أذية فتعويد الصبيان الحضور إلى المساجد لا شك أنه خير. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 12 حكم العمليات الاستشهادية ضد اليهود السؤال يا شيخ بعض العمليات الانتحارية التي في فلسطين تنظمها حركة حماس، هناك بعض العلماء أفتوا بجوازها، ما رأيكم؟ الجواب نرى أن العمليات الانتحارية التي يتيقن الإنسان أنه يموت فيها حرام، بل هي من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم، ولم يستثن شيئاً بل هو عام، ولأن الجهاد في سبيل الله المقصود به حماية الإسلام والمسلمين، وهذا المنتحر يدمر نفسه ويفقد بانتحاره عضواً من أعضاء المسلمين، ثم إنه يسبب ضرراً على الآخرين، لأن العدو لن يقتصر على قتل واحد، بل يقتل به أمماً إذا أمكن، ولأنه يحصل من التضييق على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي الذي قد يقتل عشرة أو عشرين أو ثلاثين، يحصل ضرر عظيم، كما هو الواقع الآن بالنسبة للفلسطينيين مع اليهود. وقول من يقول: إن هذا جائز ليس مبنياً على أصل، إنما هو مبني على رأي فاسد في الواقع، لأن النتيجة السيئة أضعاف أضعاف ما يحصل بهذا، ولا حجة لهم في قصة البراء بن مالك -رضي الله عنه- في غزوة اليمامة حيث أمر أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم الباب، فإن قصة البراء ليس فيها هلاك (100%) ولهذا نجا وفتح الباب ودخل الناس، فليس فيها حجة. بقي أن يقال: ماذا نقول في هؤلاء المعينين الذين أقدموا على هذا الفعل؟ نقول: هؤلاء متأولون، أو مقتدون بهؤلاء الذين أفتوهم بغير علم، ولا يلحقهم العقاب الذي أشرنا إليه؛ لأنهم كما قلت لك: متأولون أو مقتدون بهذه الفتوى، والإثم في الفتوى المخالفة للشريعة على من أفتى. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 13 كيفية صلاة الرسول قبل فرضها ليلة الإسراء والمعراج السؤال فضيلة الشيخ: ثبت أن الصلوات الخمس المفروضة فرضت على النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء والمعراج، وكذلك ثبت أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي وكذلك الصحابة قبل الإسراء والمعراج، فكيف التوفيق بين هذا؟ وكيف كانت نوعية الصلاة التي تصلى: هل هي نفس الصلاة التي فرضت ليلة المعراج أم ماذا؟ الجواب الذي نعلمه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل المعراج في الصباح والمساء بكرة وعشياً، وكيف كان يصلي؟ الله أعلم. ولا شك أنه كان يصلي إما باجتهاد أو بوحي، إن كان بوحي فهو منسوخ، وإن كان باجتهاد فقد تبين الشرع. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 14 وجوب الزكاة في أموال اليتامى السؤال هل في أموال الأيتام زكاة؟ الجواب أموال اليتامى عليها زكاة، إذا كانت من الأموال الزكوية. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 15 حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم السؤال ما حكم زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب زيارة النساء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يرى بعض العلماء أنها ليست زيارة؛ لأن بيننا وبين قبر الرسول ثلاثة جدر، وزيارة الميت: هي التي يقف الإنسان فيها على قبره، وعلى هذا فلا تعتبر زيارة، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما أعلم في قوله: إن المقبرة المحجر عليها أو التي بينك وبينها جدار لا يعتبر زيارتك لها زيارة من وراء الجدار، وبهذا أجاب بعض أهل العلم عن قول الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، قالوا: إن هذه ليست زيارة حقيقية؛ لأن بين الواقف خارج الحجرة وبين القبر ثلاثة جدر. أما عرفاً فإنها تسمى زيارة بلا شك، ويقال: المرأة زارت قبر النبي، لهذا نرى أن من الاحتياط ألا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكتفي بالسلام عليه ولو من بعد؛ لأن الله تعالى قد وكل ملائكة كراماً أمناء يتلقون السلام من الأمة يبلغونه الرسول عليه الصلاة والسلام. أما زيارة المرأة للمقابر الأخرى فهي حرام، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج) إلا إذا مرت بالمقبرة ووقفت أمام القبور ودعت فلا بأس؛ لأن هذه لم تخرج من بيتها للزيارة فلا تدخل في الحديث. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 16 حكم نسخ الأشرطة التي لها حقوق نسخها محفوظة السؤال ما حكم نسخ الأشرطة التي حقوق النسخ محفوظة؟ الجواب الذي أرى أنه إذا نسخ الإنسان لنفسه فقط لا لتجارة فلا بأس؛ لأن هذا لا يضر، أما الذي ينسخها للتجارة ويوزعها فهذا عدوان، هذا يشبه بيع المسلم على بيع أخيه، وبيع المسلم على بيع أخيه حرام. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 17 حكم من قال: (لا إله إلا الله) وهو يعمل ما يناقضها السؤال كثير من الناس يقول: أنتم تقولون: لا يجوز تكفير من يقول: لا إله إلا الله وهو يعمل ما يناقضها، ويستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) فكيف يرد عليهم هذا يا شيخ؟ الجواب يرد عليهم بنفس الحديث: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) أتظن أحداً يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ولا يعبد الله؟! لأن معنى لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله، فهل يمكن أن يكون الرجل يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ولا يصلي، وهو يعلم أن ترك الصلاة كفر؟!! هذا لا يمكن، فالحديث يرد عليهم، وإلا لكان المنافقون ما دخلوا النار؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قيده بهذا فإنا نقول: لا يمكن لإنسان يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه إلا ويصلي. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 18 حكم التعامل مع بنك له هيئة شرعية السؤال يوجد لدينا بنك إسلامي من بين كثير من البنوك الربوية الواضحة، وهذا البنك له هيئة شرعية تفتي في حل أعماله التجارية والبنكية، مع أن له معاملات تجارية واسعة، حتى طغى على كثيرٍ من البنوك، ومن هذه المعاملات: أنه يتعامل بالعقار والسيارات والأثاث والأمور البنكية المعلومة من الحوالات وغيرها، ولكن من هذه الأمور البنكية: أنه يتعامل بمعاملة بطاقة الائتمان التي تسمى بالفيزا في كل صورها، وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين الذين نثق في دينهم بحرمة هذه المعاملة، فهل يجوز لي أن أودع مالي في هذا البنك وهو أفضل الموجود، والحاجة تستدعي أن أودع المال في هذا البنك، وفي كل سنة تكون هناك أرباح على هذا المال من عموم المعاملات التجارية، فهل لي أن آخذ هذه الأرباح التي تأتي سنوية أم أتركها لهم أم أتصدق من بعضه بناء على أن الحكم للغالب، فإن غالب أعماله حلال؟ الجواب أرى أنه لا بأس أن تودع دراهمك في هذا البنك، ولا سيما أن له لجنة شرعية تطلع على أعماله، لكن ما شككت فيه فالورع أن تتصدق به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) فما دمت محتاجاً إلى أن تضع فلوسك في هذا البنك فضعها، وإذا أتاك الربح فالورع أن تتصدق بما ترى أنه من الفوائد الربوية. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 19 حكم الدعاء على الكفار بأعيانهم السؤال فضيلة الشيخ: نحن نعمل في شركة وفيها نسبة من الكفار، فهل يجوز الدعاء على أعيانهم؟ الجواب الكافر ادع الله له لا تدع الله عليه، قل: اللهم اهده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أعيان قومٍ من المشركين فنهي عن ذلك، قل: اللهم اهده، والله قادر أن يهديهم كما هو قادر على أن يعاقبه، وهدايته خير لنا من عدم هدايته، فادع الله له بالهداية، لكن لا تدعو الله له بالرحمة لو مات؛ لأنه يحرم على الإنسان أن يدعو لكافرٍ بالرحمة أو بالمغفرة إذا مات، بل من دعا لكافرٍ مات على الكفر برحمة أو مغفرة فقد خالف في هذا سبيل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ لأن الله قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ثم أجاب الله تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه، فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] . ولا يجوز أن تدعو عليهم، إلا إذا بارزوا بالكفر وعارضوا المسلمين فنعم، لكن أن تدعو عليهم بشيء يضرهم في الدنيا ليس بشيء يضرهم في الآخرة، تقول: الله يلعنهم مثلاً لا، في الدنيا لا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين آذوه، فقال: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فأصيبوا بالجدب والقحط. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 20 حكم توريث الزوجتين من مال زوجهما بعد زواجهما السؤال فضيلة الشيخ: مات إنسان عن أمٍ وزوجتين وبنين وبنات، وقد قسم المال بينهم وأخذ كل واحدٍ منهم حقه المقدر شرعاً والسؤال: أنه بعد ذلك تزوجتا الزوجتان ثم بعد ذلك حصل الورثة على مزرعة باسم الميت، فهل ترث هاتان الزوجتان اللاتي تزوجتا أرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً؟ الجواب إذا ثبت أن المزرعتين كانتا ملكاً للمتوفى فلهما نصيبهما، لهما الثمن جميعاً؛ لأن حق الزوجة من الميراث لا يسقط إذا تزوجت. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 21 حكم تأخير وقت الصلاة عن وقتها المحدد السؤال نحن ندرس في مدرسة ووقت الصلاة محدد في الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة حيث تقام الصلاة؛ صلاة العصر؛ لأننا لا نخرج من الفصول إلا الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة. الشيخ: وأين أنتم؟ السائل: في الرياض. الشيخ: يدخل الوقت الساعة الثالثة وخمس وعشرين. السائل: تخرج من الفصول الساعة الثالثة وخمس وعشرين، والوقت يكون دخل الساعة الثالثة أو أقل. الشيخ: لا ما يدخل الساعة ثلاثة في الرياض. السائل: في الشتاء يحصل يا شيخ الشيخ: المهم أنكم تصلون بعد دخول الوقت. السائل: بعد دخول الوقت نخرج من الفصول جميعاً نحو أربعمائة طالب، وبعض الطلاب يخرج من الفصول يستأذن من المدرس ويخرج من الفصل يؤدونها جماعة في غير الوقت الذي حدده المركز لخروج الطالب، فهل فعلهم هذا جائز أنهم يخرجون يصلون بغير استئذان من المدرس. الشيخ: في المساجد؟ السائل: لا يستأذنون من المدرس الشيخ: يصلون في المساجد يعني؟ السائل: في المسجد حق المركز، يخرجون جماعة في كل مسجد فيه نحو ست جماعات أو سبع، والجماعة الرسمية لم تصل؟ الجواب هذه بارك الله فيك يستدعي الجواب عليها أن يأتينا كتاب من مدير المركز حتى نبين له. السائل: مدير المركز كافر الشيخ: كافر!! السائل: إيه. الشيخ: هذا لا يمكن؛ لأنه لو قلت: إن هذا حرام مثلاً، وإن تأخير الصلاة لكثرة الجماعة والاتفاق أفضل، أي: هؤلاء يريدون أن يتعجلوا في أول الوقت هذا طيب، لكن إذا كان في تأخيرهم لآخر الوقت مصالح وهي: أولاً: عدم الشذوذ. والثاني: كثرة الجمع، فهو أفضل. السائل: خروجهم ليس للمحافظة على الوقت الشيخ: الوقت لا ينتهي بهذا، وقت العصر إلى أن يبقى على الغروب نصف الساعة تقريباً، ولا أرى خروجهم من الفصول؛ بل أرى أنهم يبقون ويصلون مع إخوانهم ويدعون الشذوذ ويقومون بالحصة الواجبة عليهم، لأن الحصة هذه واجبة عليهم. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 22 حكم رد السلام على عمالة وافدة فيهم المسلم والكافر السؤال يوجد عمالة وافدة، ولا نعرف المسلم من الكافر، فكيف نرد السلام؟ الجواب سلم على من تظن أنه مسلمٌ، فمثلاً: إذا كانت العمالة في هذه الشركة أكثرها مسلمون فسلم، وإذا كان أكثرها كفاراً فلا تسلم، لكن بعض العلماء يقول: إنك إذا قلت: صباح الخير، أو مرحباً بفلان، فهذا ليس بسلام؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تبدءوهم بالسلام) والسلام دعاء، بخلاف مرحباً بفلان، أهلاً بفلان، فهذا تحية ولكنه ليس سلاماً، فإذا خفت أن يكون مسلماً ويقع في نفسه شيء، فقل له: مرحباً بفلان، وحينئذٍ لا تقع في المعصية، حتى لو تبين أنه كافر، لكن هل تقول: هل أنت مسلم أسلم عليك، أم كافر فلا أسلم؟ لا فهذا غلط. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 23 حكم الابتسامة في وجوه الكفار لكسب مقصد دنيوي السؤال فضيلة الشيخ: نحن نعمل في شركة وفيها كفار، فهل يجوز التودد إليهم لكسب مقصد دنيوي كالابتسامة في وجوههم؟ الجواب {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] لا تواد الكافر، ألم تعلم أن إبراهيم وقومه قالوا لقومهم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] المسألة ليست هينة، ما يقع في قلبك مودة لهم. أما مداراتهم مع كراهتك في قلبك فهذا شيء آخر، أما أن تودهم وتداهنهم وتفهمهم أنهم على دين وأنه لا حرج عليهم إذا استمروا فيما هم عليه، فهذا عين المحرم. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 24 حكم ميتة السمك في غير البحر وحكم البرمائيات السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتة) هل ميتة السمك في النهر أو الحوض أو البركة طاهرة؟ وما حكم البرمائيات؟ الجواب قول الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوضوء بماء البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) يشمل كل ميتات الماء، كل شيء لا يعيش إلا في الماء فميتته طاهرة، هذا الظاهر، سواء كان في بركة أو في نهر أو في غدير أو في غير ذلك، كل شيء يعيش في الماء فإن ميتته طاهرة. السائل: البرمائية؟ الشيخ: أما الذي يعيش في البر والبحر فلا بد من ذكاته. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 25 حكم تدريس النظريات التي قد تصل إلى الكفر في المدارس السؤال هناك من يمنع إخوانه من الدراسة ويقول: إن فيها نظريات ربما تصل إلى الكفر، مثل: نزول المطر، ودوران الأرض إلى غير ذلك فبماذا نرد عليهم؟ الجواب هل الذي يقرأ الكفر وآراء الكفار يعتبر كافراً؟!! لا يعتبر، في القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان:4] هذه نظريتهم ألسنا نقرؤها في الصلاة وأنت تتعبد الله بقراءتها. فمعرفة نظرية الكفار إذا لم يؤمن بها الإنسان إذا كانت مخالفة للشريعة ليس به بأس، فنقول لهذا الرجل: جزاك الله خيراً أنت محسن لكن لا تمنع إخوانك من الدراسة، دعهم يدرسون ينفعون أنفسهم وينفعون غيرهم إذا خرجوا، الآن يا إخواننا هل يمكن لأحد مهما بلغ علمه أن ينال تدريساً في جامعة أو في مدرسة إلا بشهادة؟ لا يمكن، وإذا كان لا يمكن، فكيف نصل إلى تدريس الناس؟ كيف نصل إلى أن نوجه الناس للخير؟ إلا بالشهادة، ولذلك من طلب العلم للشهادة لأجل أن يتوصل إلى أمور قيادية من تعليمٍ أو غيره فإن نيته سليمة، ما فيها دخن. لكن دعنا نقرأها وننظر ما هي، ونعرف الباطل لنرده، ثم نحن لم ندخل المدرسة من أجل أن نقرأ نظريات عاد، إنما دخلنا لأجل أن نقرأ القرآن والحديث والتوحيد والفقه. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 26 حكم حلق جانب من اللحية من أجل المرض السؤال فضيلة الشيخ: شخص أجريت له عملية في فكه، فاضطُرَ إلى حلق جانب لحيته الأيمن فهل بعد العملية يجوز له حلق جانب لحيته الأيسر، لأن هناك تشويه؟ الجواب لا يجوز من أجل التسوية، والناس إذا عرفوا أثر العملية عذروه، هذا بالنسبة للناس، أما بالنسبة للرب عز وجل فهو عالم، فيبقيها، وإن شاء الله هذا الذي حلق اليوم لا يمضي شهر إلا وقد تكامل نموه. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 27 أفضلية الصف الأول والقرب من الخطيب يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ: أيهما أفضل إذا دخل شخص يوم الجمعة أن يجلس في الصف الأول بعيداً من الخطيب، أم يجلس في الصف الثاني قريباً من الخطيب لانتباه الخطبة والتركيز مع الخطيب؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) النداء أي: الأذان، وهذا عام، فنقول: كن في الصف الأول، وإذا كنت تحب أن تقرب من الإمام من أجل الخطبة فكثير من الناس الآن نشاهدهم يكون في الصف الأول ثم إذا جاء الخطيب قام وسرى حول المنبر واستمع، على أن الآن ولله الحمد المساجد غالبها فيها مكبرات الصوت في كل جهة يسمعه الإنسان تماماً، فالمهم أن السنة تكميل الصف الأول فالأول بكل حال. لكن هناك شيء آخر ينبغي التنبيه عليه: هل الأولى أن أحافظ على يمين الصف ولو بعدت عن الإمام، أو إذا بعد اليمين صرت مع اليسار؟ الجواب: الثاني، بعض الناس يقول: الأيمن أفضل بكل حال، ولو كان في طرف الصف، ولو كان الأيسر ما بينه وبين الإمام إلا واحد وهذا غير صحيح. الأيمن أفضل من الأيسر مع التساوي أو التقارب، أما إذا بعد الأيمن فإن الأيسر أفضل لدنوه من الإمام، ومن أجل أن يتوسط الإمام في الصف، ولا أظن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا جاءوا ودخلوا المسجد أكملوا الأيمن أولاً ثم جاءوا وبدءوا بالأيسر، ما أظن هذا، أظنهم يريدون أن يقربوا من الإمام. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 28 حكم إعطاء الحلاق أجرته في حلق اللحى السؤال فضيلة الشيخ: رجل منَّ الله عليه بالاستقامة وكان يحلق لحيته ديناً عند حلاق، وبعد ذلك طالبه الحلاق بالمال هل يعطيه أم لا؟ الجواب يعطيه ماله، الحلاق عمل وتعب ولم يجبر هذا الرجل على حلق اللحية، فيعطيه ماله نظير عمله، وقد يقال مثلاً: لا يعطيه المال ولكن يتصدق به، لكن سوف يطالبه الحلاق ويؤذيه باشتراط، خصوصاً إذا كانت الأجرة كثيرة، بأن يكون حلق في الشهر مرة، وتكون في السنة اثنتا عشرة مرة، فالسلامة أن يعطيه ويقول: هذه حرام عليك، ويكفي. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 29 حكم وصف الله بصفات فعليه مثل: الرفيق والزارع السؤال فضيلة الشيخ: ماذا يفيد قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:64] أم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق) في باب الأسماء والصفات؟ الجواب اعلم بارك الله فيك أن صفات الأفعال ليس لها حد، كل ما دل على الفعل فهو جائز، ولهذا نقول مثلاً: اعتنى الله بكذا وكذا، حث على كذا وكذا، مع أن هذا اللفظ لم يرد، لكن أفعاله ليس لها منتهى، فكل شيء يضاف إلى الله من الإخبار عن أفعاله كله صحيح، إلا إذا تضمن معنىً فاسداً فهذا يمنع منه. فلا يضر أن نقول: إن الله هو الزارع لهذا الزرع، بمعنى: أنه المنبت له، أو نقول: إن الله رفيق، مع أن الرفيق يقرب أن يكون من أسماء الله. مثلاً إذا قلت: الله أجرى الوادي، أين الفعل؟ ليس في القرآن أنه أجرى كذا، لكن هذا صحيح؛ لأن الوادي جرى بأمر الله. فالأسماء ما ورد به الشرع، والصفات قسمان: 1- صفات ذاتية ليس لنا فيها تدخل، لا نثبت إلا ما ثبت في الشرع. 2- صفات فعلية ليس لها منتهى، كل شيء في الكون فهو بفعل الله عز وجل. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 164 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [165] الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويظهر أثر الحسد واضحاً بين طلبة العلم، فتبرز الأنانية وكره الخير للآخرين، وقد استطاع الشيخ أن يفضح الحسد والحساد مع ذكر مواطنه وبواطنه. كما كان التوجيه في هذا اللقاء بإفشاء السلام بين المؤمنين وخاصة طلبة العلم. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 1 جناية الحسد على طالب العلم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم في كل خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) . نكمل في هذا اللقاء ما سبق من بيان آداب طالب العلم وقد انتهينا في آداب طالب العلم إلى أنه يجب على طالب العلم أن يتجنب الحسد، فما هو الحسد؟ المعروف في تفسيره عند كثيرٍ من العلماء أنه: تمني زوال نعمة الله على عبده، يعني: إذا أنعم الله على شخص بعلمٍ أو مال أو جاه أو ولد أو غير ذلك، تتمنى أن تزول نعمة الله عليه، هذا المشهور عند كثيرٍ من العلماء. وقال شيخ الإسلام رحمه الله: بل الحسد: كراهة نعمة الله على عبده وإن لم تتمنَ زوالها، يعني: متى كرهت أن الله أنعم على عبده فقد حسدته. والحسد آفة عظيمة، فهو من كبائر الذنوب، لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ ولأنه من خصال اليهود، كما قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54] وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] . ولأن الحسد حقيقته عدم الرضا بقدر الله عز وجل، فالذي أنعم على هذا العبد بهذه النعمة هو الله، فإذا كرهت هذه النعمة فإنك لم ترض بقضاء الله عز وجل، ولأن الحسد يأكل القلب أكلاً، ويورث الحسرة والندامة، وكلما ازدادت نعم الله على عباده ازداد الإنسان تحسراً بهذه النعمة. ويرى أنه في مقامٍ لا يمكنه معه أن يدرك المنزلة التي حازها هذا المحسود فيستحسر ويقول: أنا لن أصل إلى هذا، وحينئذٍ يتأخر كثيراً عما أنعم الله على عباده. ولأن الحسد يوقع الإنسان في همٍ وغمٍ دائماً، لأن نعم الله على عباده لا تحصى، أفكلما أنعم الله على عبده تزداد هماً وغماً؟!! إنك إن فعلت ذلك فقد قتلت نفسك. وبناءً على هذا يجب على طالب العلم أولاً وعلى غيره من المسلمين ثانياً أن يتجنب الحسد، لا في قلبه، ولا في مقاله، ولا في أفعاله: أما القلب: فحسده ما يقوم به من كراهة نعمة الله على العبد وتمنيه زوالها. وأما القول: فأن يخوض في عرض أخيه المحسود، ويستر كل نعمة أنعم الله بها عليه، فتجده مثلاً: عند ضغط الناس الجماعي عليه وعدم قبولهم منه ما يقوله في هذا المحسود، تجده يثني على المحسود ويقول: هو الرجل الكريم، الشجاع، العالم، العابد، وما أشبه ذلك، ثم يقول: ولكن كذا وكذا، وهذا يقع كثيراً فيأتي بمثلبة واحدة من مثالبه مقابل عدة مناقب لهذا، حتى ينزل من قدره، هذا عدوان بالقول على المحسود. العدوان بالفعل على المحسود: أن يحاول عدم نشر كتبه، عدم نشر أشرطته، فلا يدل عليها في المكاتب، ولا في التسجيلات، وربما يُسأل: أفي المكتبة الفلانية كتاب فلان؟ أفي التسجيلات الفلانية أشرطة فلان؟ فيقول: لا، وهو يدري أنها موجودة، لكن حسداً يحسده، وهذا لا شك أنه من العدوان في حق أخيه ولهذا جاء في الحديث: (إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ) يعني: إذا وقع في قلبك حسد إنسان فلا تبغ عليه بكتم محاسنه والعدوان عليه. فالحاصل: أن العدوان والبغي من الحاسد يزيده؛ أي: يزيد حسده إثماً ووبالاً، إذا عرفنا ذلك فإنه ينبغي لطالب العلم إذا احتاج أخوه إلى شيء من الكتب، أو المذكرات، أو الأشرطة أن يساعده في تحصيلها ما دامت عنده، ولا يستجيب لداعي الشيطان الذي يقول له: إنك إن ساعدته غلبك وتقدم عليك، فاحرص على ألا تساعده، فإن هذا من وحي الشيطان، وهو من أسباب تأخر هذا الإنسان الحاسد؛ لأن (الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فساعده (فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) . الجزء: 165 ¦ الصفحة: 2 اهتمام طالب العلم بافشاء السلام ومن المهم لطالب العلم أن يعتني بإفشاء السلام، وهذه الخصلة مع الأسف الشديد مفقودة عند كثيرٍ من طلاب العلم، فتجده يمر بأخٍ من زملائه أو غيرهم فلا يسلم، وهذه آفة عظيمة؛ لأن السلام شعار اللقاء بين المسلمين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا لقيته فسلم عليه) وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) . والعجب أنه لا يخفى على طلاب العلم أن إفشاء السلام من السنة، وأن فيه أجراً إذا قلت: السلام عليكم، فعشر حسنات، ورحمة الله عشرون، وبركاته ثلاثون، ومع ذلك نرى كثيراً من طلبة العلم يتلاقون فلا يسلم بعضهم على بعض، سواءٌ كان أصغر منه أو أكبر منه، وهذه آفة يجب على طلبة العلم أن يقضوا عليها، وليعلم طالب العلم أن الناس ينظرون إليه نظرة تقليد، ونظرة عتاب، أما نظرة التقليد: فإنهم يقلدون طالب العلم فيما يقول ويفعل ويترك. وأما العتاب: فإنهم يعتبون على طالب العلم إذا ترك ما ينبغي فعله، أو فعل ما ينبغي تركه، وربما تكون الحسنة من طالب العلم حسنات؛ لأن الناس يعظمونه بها، ويتخذونه إماماً، وربما تكون السيئة سيئات؛ لأن الناس يعتبون عليه، وينفرون منه، ويحرم من فائدة العلم. فعليك يا أخي طالب العلم! أن تتقي الله عز وجل، وأن تتأدب بآداب العلم، وأن تحرص على نشر العلم ما استطعت، وأن تدعو إلى الله على بصيرة، والله يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنه على كل شيء قدير. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 3 الأسئلة الجزء: 165 ¦ الصفحة: 4 وجه إثبات صفة الكلام لله من البسملة السؤال فضيلة الشيخ! ذكر بعض أهل العلم إثبات صفة الكلام لله من البسملة فما وجه ذلك؟ الجواب لأن بسم الله الرحمن الرحيم من كلام الله عز وجل، فإنها آية من كتاب الله، وكتاب الله عز وجل كله كلام الله، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:6] ومن المعلوم أن المراد بالآية: حتى يسمع كلام الله من قارئه، إذ من المستحيل أن يكون المراد: يسمع كلام الله من المتكلم به وهو الله عز وجل. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 5 شروط المضاربة بالأموال السؤال ما هي شروط المضاربة بالأموال؟ الجواب شروط المضاربة بالأموال: أن يكون رأس المال معلوماً، وأن يكون من النقدين المضروبين، يعني: من الدراهم والدنانير، أو أوراق العملة، وذلك لأنه لو كان سلعة فإن السلعة تختلف أقيامها، قد تكون حين العقد بألف، وحين التصفية بألفين أو بخمسمائة، فلذلك منع الفقهاء رحمهم الله أن يكون رأس المال من غير النقدين، وبناءً على كلامهم: لو أعطيت شخصاً سيارات قلت: هذه مضاربة، فإنه لا يصلح؛ لأن السيارات ربما يكون ثمنها حين العقد مائة ألف، وحين التصفية ثمانين ألف أو مائتي ألف. وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن يكون رأس مال المضاربة من غير النقدين لكن بشرط أن تقدر قيمته وقت العقد، حتى يعرف الربح من الخسارة عند تمام المضاربة، وهذا القول هو الراجح، وهو الذي عليه العمل الآن، فإن الناس يعطون أراضي مضاربة، ويعطون سيارات مضاربة، لكن لابد كما سمعت من تقدير القيمة وقت العقد. الشرط الثالث: أن يكون نصيب العامل جزءاً مشاعاً من الربح، بمعنى: أن تجعل للعامل إذا أعطيته مائة ألف يتجر بها أن تجعل له من الربح الثلث، الربع، النصف، الذي ستتفقان عليه، فإن جعلت له شيئاً معلوماً بأن قلت: خذ هذا المال اتجر به ولك مائة ريال، فإن هذا لا يصلح؛ وذلك لأنه قد لا يربح شيئاً، وقد يربح أكثر من مائة ريال بكثير، فلابد أن يكون سهمه جزءاً مشاعاً. لا بد أيضاً أن يكون معلوماً، فلا يصح أن تقول: خذ هذا المال اتجر به ولك بعض ربحه، بل لابد أن تقول: ولك نصف الربح، ربعه، ثمنه، عشره، وما أشبه ذلك. وبناءً عليه لو قلت: خذ هذا المال اتجر به في السيارات وفي الأواني وفي الأقمشة ولك ربح الأقمشة، ولي ربح السيارات والأواني، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه قد يكون الربح في هذا دون هذا، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم في المزارعة؛ أن يزارع الشخص إنساناً فيقول: لك زرع شرق الأرض ولي زرع غربها، أو لك زرع الشعير ولي زرع البر وما أشبه ذلك، هذه من شروط المضاربة. كذلك أيضاً: لو خسرت التجارة فالخسارة على رأس المال، وليس على العامل شيء، فلو أعطاه مائة ألف لمضاربةٍ ثم خسرت حتى عادت تسعين ألفاً؛ فإنه لا يجوز لرب المال أن يحمل العامل شيئاً؛ وذلك لأن الخسارة تكون على رأس المال وليس على العامل منها شيء. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 6 حكم الجمع بين الصلاة والسلام في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ! في الصلاة على نبينا هل يجب أن نجمع بين الصلاة والسلام أم تترك كل واحدة على حدة، مثلاً في صلاة التشهد نقول: اللهم صل على محمد، وما قلنا: اللهم صل وسلم، وكذلك في الحديث: (ومن صلى علي) ما قال: من صلى وسلم؟ الجواب لا يجب الجمع في الصلاة على النبي بين الصلاة والتسليم، بل للإنسان أن يفرد هذا دون هذا، ولهذا لما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ذكر السلام ولم يذكر الصلاة، لكن الجمع بينهما أفضل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] أما الوجوب فلا يجب. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 7 النهي عن إطلاق: (ملائكة الرحمة) على الممرضات السؤال فضيلة الشيخ! جريدة الرياض في أحد الأعداد السابقة القريبة كتبت في عنوان كبير: ملائكة الرحمة يفقدن الحنان، وتقصد بها الممرضات، فما قولكم في ذلك؟ الجواب قولي في هذا: أن مثل هذه العبارة محرمة، وليست النساء ملائكة إلا في قول المشركين الذين جعلوا الملائكة بنات الله، والممرضات فيهن الخير والشر كغيرهن من العاملات والعاملين، ولا يجوز أبداً أن نقول: إن الممرضات ملائكة الرحمة، ولا أن الممرضين ملائكة الرحمة. الملائكة عالم غيبي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، أو من أطلعه الله عليه، لكن أنت تعرف أن الصحفيين -نسأل الله لنا ولهم الهداية- عندهم جهلٌ كثير، يطلقون كلمات لا يعرفون معناها، أو يغفلون عنها، كما نرى في بعض الصحف يقولون: فلان حمل إلى مثواه الأخير يعني: إذا مات، وهذه الكلمة على إطلاقها تتضمن إنكار البعث؛ لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير، فيعني هذا أنه لا مثوى بعده، ومن المعلوم أن الناس سيبعثون بعد ذلك وأنهم يرجعون إلى المثوى الأخير حقيقة وهو الجنة أو النار، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى القبور سماها محل زيارة، فقال جل وعلا: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] . الجزء: 165 ¦ الصفحة: 8 عدم جواز الدعاء على رجل بسوء الخاتمة السؤال هل الدعاء على رجل بسوء الخاتمة كفر؟ الجواب لو دعوت على شخص بسوء الخاتمة فإن الداعي لا يكفر، ولكن لا يجوز للإنسان أن يدعو على أخيه المسلم بهذا الدعاء الشنيع بسوء الخاتمة؛ لأن سوء الخاتمة -والعياذ بالله- يعني: أن يموت على غير الإسلام، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: حتى يقرب أجله- فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) . الجزء: 165 ¦ الصفحة: 9 حكم زيارة النساء للقبور السؤال فضيلة الشيخ: عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) هل قصده بذلك: الزوارات كثيرة الزيارة، أم أنه يجوز الزيارة على فترات متباعدة؟ الجواب الحديث روي على وجهين: الوجه الأول: (لعن الله زائرات القبور) . والوجه الثاني: (لعن الله زوارات القبور) وكلاهما له معنىً صحيح. أما زائرات القبور فهو باعتبار كل امرأة على حده، وزوارات يعني: الجنس، ومعلوم أن الجنس إذا رجعنا إلى أفعالهن صار كثيراً. والصواب الذي لا شك فيه: أن زائرة القبور ملعونة بهذا الحديث؛ لأن الحديث صحيح، احتج به كثيرٌ من العلماء، وتكلم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بكلامٍ جيد ينبغي لطالب العلم مراجعته، وما جاء في حديث عائشة: (أن الرسول عليه الصلاة والسلام علمها ما تقول. ) فالمراد إذا خرجت المرأة لغير قصد الزيارة، ولكن إذا مرت بالمقبرة وقفت ودعت لهم بالدعاء المأثور، فهذه لا تعد زائرة؛ لأن الزائر هو الذي يمشي من بيته أو من مقره إلى المزور. ويبقى النظر في زيارة النساء قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هل يدخل في هذا أو لا؟ من العلماء من قال: إنه يدخل؛ لأن ذلك يسمى زيارةً عرفاً. ومنهم من قال: لا يدخل؛ لأن الواقف خارج الحجرة بينه وبين القبر بناء، ثلاثة جدران، فلا يمكن أن يقال: إنه زاره، ولهذا لو نظرت بالمقبرة المحوطة بالجدار، فإنه لا يقال: إنك زرت المقبرة؛ لأن بينك وبينها جدار. فلا يسمى وقوف المرأة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم زيارة قبر، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: تسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى للنساء، لكن الاحتياط ألا تزور المرأة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفيها أن تسلم عليه ولو كانت في أقصى الدنيا؛ لأن سلام الإنسان على الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغه حيثما كان. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 10 حكم الشهادة على الكافر أنه من أهل النار السؤال فضيلة الشيخ: ذكرتم أن من مات على الكفر ولم يقل يوماً من الأيام: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ أنه كافر، لكن لا نشهد له بأنه مخلد في النار، وهذا يشكل علينا؟ الجواب لا يشكل عليك بارك الله فيك! سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان؛ وكان يطعم الطعام ويقري الضيف، ويفعل ويفعل من الحسنات، هل ينفعه ذلك في الآخرة؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنه لا ينفعه. وكذلك الرجلان اللذان جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبراه: أن أمهما كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل، أينفعها ذلك؟ قال: لا. فالإحسان لا ينفع الكافر في الآخرة، بل إذا شاء الله عز وجل أن ينفعه بإحسانه آتاه ثوابه في الدنيا، أما في الآخرة فما للكافرين فيها من نصيب. أما الشهادة بالكفر ففي الدنيا نشهد على أن هذا الرجل الكافر الذي يعلن الكفر ويعتز به نشهد أنه كافر، ونشهد أنه مات على الكفر ما لم يظهر لنا أنه تاب، لكن النار لا نشهد بها له؛ لأن هذا عمل غيبي، قد يكون في آخر لحظة آمن، ما ندري، ولكن هل إذا لم نشهد له هل ينفعه ذلك ويمنعه من النار؟ لا ينفعه، هو إذا كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد، إذاً لا فائدة من أن نقول: هو في النار أو ليس في النار، إنما أحكام الدنيا نحكم بأنه كافر حتى لو قيل: إنه يحسن، وإنه يفعل ويفعل، فهذا لا ينفعه، لاسيما إذا كان يفعل باسم دين غير دين الإسلام، فتجده مثلاً: يحسن على الناس والصليب معلق في صدره، وما معنى هذا؟ هل هو يحسن من أجل أن يدعو الناس إلى النصرانية ويقول: هذا فعل النصارى، أو يحسن لله؟ ظاهر الحال الأول، وأنه في إحسانه هذا إنما يقصد تأليه النصارى، فالحمد لله نحن إذا قلنا: إنه مات على الكفر لا نترحم عليه ولا نسأل الله له المغفرة، يكفي، أما أن نقول: إنه في النار أو في غير النار، فلا، ولهذا كان من طريق أهل السنة والجماعة: أنهم لا يشهدون لمعينٍ بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم. الآن مثلاً: نحن نشهد بأن كل مؤمن في الجنة أليس كذلك؟ بلى، لكن هل يمكن أن نشهد لفلان الذي مات على الإسلام نعرف أنه مات ربما وهو يصلي، هل نقول: هو في الجنة؟ لا، لكن نرجو أن يكون من أهل الجنة. لكن إنساناً مات على الكفر، نشهد أنه كافر، لكن ما نشهد أنه في النار، وماذا تفيد شهادتنا أو عدم شهادتنا له، هو إن كان في النار فهو في النار سواء شهدنا أم لم نشهد. السائل: إذا سبق الشهادة لله لهذا الرجل الذي مات على الكفر، فهل معنى ذلك أن يتوب إلى الله ويستغفر لله. الشيخ: ربما في آخر لحظة ما نعرف، ما نعرف على كل حال: ما الفائدة الآن يعني: لماذا نلح أن نقول: هذا الرجل في النار، ليس له داعٍ. السائل: يا شيخ! ما ورد أثر أنه إذا مررتم على قبر الكافر؟ الجواب: هذا خاص بأهل الفترة من قريش؛ لأن أهل الفترة من قريش وإن كانوا قد يكون ما أنذر آباؤهم من قبل كما قال تعالى: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص:46] لكن الرسول شهد بأنهم من أهل النار. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 11 حكم إلقاء السلام على العاصي المجاهر بمعصيته السؤال فضيلة الشيخ: احتار كثير من المسلمين في مسألة إلقاء السلام من عدمه على العاصي المجاهر حال عصيانه كشرب الدخان، هل من قاعدة تبين هذه المسألة وأمثالها أفتونا مأجورين؟ الجواب نعم القاعدة: أولاً: الفسوق لا يخرج الإنسان من الإيمان، ولا يجوز هجر المؤمن أكثر من ثلاثة أيام، لكن إذا كان الهجر دواءً له، بمعنى: أنه إذا رأى أن فلاناً هجره أو أن الناس هجروه، استقام وصلحت حاله فحينئذٍ يكون الهجر محموداً. الهجر قد يكون مستحباً وقد يكون واجباً بحسب ما يترتب عليه، ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه، وأمر الناس بهجرهم لتخلفهم عن غزوة تبوك، لكن هذا الهجر نفع أم لم ينفع؟ نفع؛ لأنه زادهم لجوءاً إلى الله عز وجل وقوة إيمان، ولا يخفى علينا ما جرى من المحنة على كعب بن مالك -رضي الله عنه- حيث أتاه كتاب من ملك غسان وقال: بلغنا أن صاحبك قد قلاك، فأتنا نواسك، كأنه يشير إلى أنه إذا أتى إليه جعله من ملوك غسان، فماذا صنع؟ ما ازداد بهذا إلا إيماناً، ذهب بالورقة وأحرقها، خوفاً من أن تسول له نفسه في المستقبل أن يذهب إلى هذا الملك، وفي النهاية أنزل الله تعالى في قصتهم كتاباً يتقرب إلى الله تعالى بقراءته، ويقرأ في الصلاة: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] إلى آخره. فالمهم يا أخي! أن الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق فاهجره، وإلا لا تهجره، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان والدخان معصية وحرام والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق، سلم عليه، إذا رأيت أن هجره لا يفيد، سلم عليه ربما إذا سلمت عليه ووقفت معه وحدثته: بأن هذا حرام، وأنه لا يليق بك، ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود، لكن لو أنك لم تسلم عليه كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة. حتى لو أصر على المعصية سلم عليه وانصحه. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 12 حكم إتمام الصلاة في مواضع القصر في السفر السؤال أتينا من الطائف وقد أدينا صلاة الظهر والعصر أربعاً قبل دخول المنطقة بعشرين كيلو، وقد أفتانا بذلك رجل كان معنا فما حكم صلاتنا؟ الجواب مصيبتنا في هذا الوقت أن يفتي الإنسان بما لا يعلم، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، والمسافر لا ينقطع سفره إلا بوصوله إلى البلد حقيقة بأن يدخل البلد، ولهذا قصر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مرجعه من سفر وهو يرى الكوفة، والكوفة مقر سكناه -رضي الله عنه- كما نعلم نحن أنه قتل في الكوفة، فقصر وهو يرى الكوفة، فقيل له: يا أمير المؤمنين! هذه الكوفة، قال: إنا لم ندخلها بعد، أو كلمة نحوها، فالإنسان لو كان بينه وبين بلده مسافة عشرين متراً لكن لم يدخل البلد فله أن يترخص برخص السفر. والذي أفتاكم وصيتي له عند طريقك أن تنصحه وتقول: يا أخي! لا تتسرع في الفتوى، الفتوى خطيرة؛ لأن الفتوى إخبار المرء عن الله بأن هذا حكم الله، ولهذا نعتبر الفتوى من أخطر ما يكون، والإنسان الورع يقول: لولا أني أرى أن الفتوى تلزمني ما أفتيت؛ لأن المسألة خطيرة وليست هينة، الفتوى ليست سلعة يتجر بها الإنسان أمام الناس حتى يروه ويعظموه، الفتوى خبرٌ عن الله بأن هذا شرعه، وهذه مسئولية كبيرة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم وألحقنا بهم، كانوا يتدافعون الفتوى، اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، حتى تصل إلى الأول، كل هذا من التورع، فانصحه جزاك الله خيراً عني بألا يتسرع. أما صلاتكم إياها أربعاً فأرجو ألا يكون في ذلك بأس؛ لأن الإتمام في مواضع القصر لا يبطل الصلاة. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 13 نصيحة لطالب العلم المبتدئ السؤال فضيلة الشيخ! بماذا تنصح طالب العلم المبتدئ؟ الجواب أنصح طالب العلم المبتدئ أن يلزم شيخاً معيناً ممن يثق بعلمه وأمانته، وألا يشتت ذهنه بين فلانٍ وفلان، فما دام مقتنعاً بأن هذا الشيخ عنده من العلم والأمانة والثقة ما يعتمد عليه فليلزمه، وإذا قدر أنه لم يكن عند الشيخ علمٌ مما يحتاجه الطالب، فليطلب شيخاً آخر يدرسه في هذا العلم فقط، مثال ذلك: إذا لزمت شخصاً في علم العقيدة في علم الفقه لكن ليس عنده علم في النحو فتذهب إلى شيخٍ آخر لا تقرأ عنده علم العقيدة والفقه اقرأ عنده علم النحو، لأنك ربما يتصادم قول هذا الشيخ والشيخ الآخر فيبقى الطالب في حيرة، ويتشتت ذهنه، هذه نصيحة. النصيحة الثانية: أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره، فيبدأ بالكتب المختصرة الواضحة قبل أن يرتقي إلى الكتب التي فوقها، فإذا قدرنا أنه يريد القراءة في الفقه يقرأ كتب مختصرة في الفقه: كـ زاد المستقنع مثلاً، ولا يقرأ ما فوقه من الكتب الكبيرة؛ لأن ذلك يضيعه، كالرجل الذي يتعلم السباحة من جديد، هل يذهب إلى العميق من الماء أو لا؟ لا، يبدأ بالضحن شيئاً فشيئاً حتى يتعلم. ثالثاً: أن يحرص على أن يطبق كل ما علمه، علم أن الصلاة واجبة يصلي، علم أن بر الوالدين واجب يبر الوالدين، علم أن إلقاء السلام سنة يلقي السلام، علم أن معونة الإنسان في دابته يحمله عليها، أو يعينه على حمل المتاع علم أنه خير فيفعل؛ لأن الإنسان إذا طبق العلم ورثه الله تعالى علم ما لم يكن يعلمه من قبل، ولا طريق أفضل في كسب العلم من العمل به، واقرأ قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] لما اهتدوا بالعلم زادهم الله علماً وزادهم تقوىً، وهذه تعوز كثيراً من طلاب العلم، كثيراً من طلاب العلم أخذوا العلم نظرياً لا عملياً، فتجد عنده من قوة الحفظ والذاكرة والمجادلة والمناظرة شيئاً كثيراً لكنه في العمل مفرط، وهذا خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بالعلم فعلمه وبال عليه لا شك، لكن ربما ينزع منه، كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] ولهذا قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل يهتف بمعنى: ينادي، ينادي العمل، إن أجاب وإلا ارتحل العلم. رابعاً: أن يكون مكباً على العلم، لا يمل ولا يكل ولا يتعب، وإذا تعب استراح بقدر ما يعود إليه نشاطه؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما وهو الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل كان يتابع الناس حتى قيل: إنه يأتي في القائلة والذي يطلب منه العلم قد نام، فيتوسد رداءه وينام عند عتبة بابه ولا يوقظه، فإذا استيقظ طلب منه الحديث، فيقول له: ابن عم رسول الله تبقى عند بابي؟ قال: [إني صاحب الحاجة ولا أوقظك من منامك] ، وقيل له: بم أدركت العلم؟ قال: [أدركت العلم بلسانٍ سئول، وقلب عقول، وبدنٍ غير ملول] ويشهد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) المثابرة هذه مهمة. بعض الطلبة يكون مثل البقرة تركض بسرعة بسرعة لكن سرعان ما تعجز وتقف، بعض الطلبة ينشط أول الأمر ويتعب، فإذا به يتراجع. فمن الأمور المهمة: أن يكون الإنسان صبوراً في طلب العلم مثابراً. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 14 حكم جلسة الاستراحة السؤال فضيلة الشيخ! هل جلسة الاستراحة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة؟ الجواب ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه إذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً) الوتر من صلاته: الركعة الأولى، والركعة الثالثة، لم ينهض حتى يستوي قاعداً ويستقر، روى ذلك عنه مالك بن الحويرث، وكان مالك ممن قدم مع الوفود في السنة التاسعة من الهجرة، وفي تلك السنة -والله أعلم- قد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الضعف، فكان يجلس لأجل أن ينهض، ولهذا كان في نفس الحديث أنه كان يتكئ على يديه، مما يدل على أنه محتاجٌ إليه، والعلماء اختلفوا فيه على أقوالٍ ثلاثة: القول الأول: أنها سنة في حق القوي والضعيف؛ لأن هذا آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والقول الثاني: أنها ليست بسنة لا للقوي ولا للضعيف، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها للراحة فقط. والقول الثالث: الوسط، نقول: من كان يستطيع أن ينهض بدونها فهو الأفضل، ومن لا يستطيع إما لكبر أو ضعف أو مرض أو غير ذلك فليرح نفسه؛ لأن الإنسان مأمور بالراحة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن عمرو بن العاص لما قال: أقوم الليل كله، قال: ثم نم. فالله عز وجل يأجر الإنسان على طلب راحة بدنه، يعني: كونك تطلب راحة البدن أنت مأمور بهذا ولك أجر، فإذا كان الإنسان محتاجاً إليها لمرض أو كبر أو غير ذلك فإنه يجلس، لكن ليس كالجلسة التي كوقوع الطير على الغصن؛ ينهض سريعاً، إنما جلسة يستريح فيها بعض الشيء، ثم ينهض، هذا حكم الجلسة من حيث هي. أما بالنسبة للمأموم، فالمأموم تابعٌ لإمامه إن جلس فالسنة أن يجلس، وإن لم يجلس فالسنة ألا يجلس، حتى وإن كان المأموم يرى أن الجلسة سنة فإن الإمام إذا كان لا يجلس فلا يجلس المأموم؛ تحقيقاً للمتابعة، ولهذا أمر المأموم أن يترك التشهد الأول وهو واجب إذا نسيه الإمام. والقول الصحيح هو التفصيل في هذا: أن من احتاجها وصار يشق عليه أن يقوم من السجود إلى القيام فهنا ينبغي أن يريح نفسه، ومن لا فالأفضل أن ينهض بنشاط. وإلى هنا انتهى هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 165 ¦ الصفحة: 15 لقاء الباب المفتوح [166] يقسم الله سبحانه في أول سورة النجم بمخلوق من مخلوقاته على أن رسول الله صاحب قريش ما كان به ضلال ولا هوى ولا جهل، وإنما ينطق عن حق وعدل وعلم أوحاه الله إليه بواسطة جبريل صاحب القوة المعطاة من رب العزة والجلال. هذا ما تناوله اللقاء ثم أردف ذلك بالإجابة عن الأسئلة. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح، التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الرابع والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1418هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به لقاءاتنا وهو تفسيرٌ يسير مما تيسر من كتاب الله عز وجل. يقول الله تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} [النجم:1] . البسملة آية مستقلة من كتاب الله تعالى، ليست تبعاً للسورة التي قبلها ولا التي بعدها، لكنها آية مستقلة، ولهذا لا تحسب من آيات السور، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، وفي لفظٍ: (بأم القرآن) ورأينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بالبسملة حين يقرأ فاتحة الكتاب، وهذا يدل على أنها ليست منها؛ لأنها لو كانت منها لجهر بها كما يجهر ببقية الآيات، ثم إنه قد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله تعالى: أنثى عليَّ عبدي، وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) وهذا يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة، ولهذا لو قرأ الإنسان الفاتحة دون أن يقرأ البسملة فصلاته صحيحة؛ لأنها ليست منها، وعليه فإذا أورد علينا مُورِد سؤالاً: أليست البسملة في الفاتحة قد كتبت آية وكان رقمها واحداً؟ قلنا: بلى، ولكن هذا بناءً على قول آخر في المسألة وهو قولٌ ضعيف، فإذا قال: إذاً: تكون الفاتحة ست آيات إذا لم نعد منها البسملة؟ قلنا: ليس كذلك، بل هي سبع آياتٍ بدونها، فلنقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه الأولى، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الثانية، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الثالثة، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الرابعة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الخامسة، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} السادسة، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} السابعة، وبهذا تتناسب آيات الفاتحة لفظاً ومعنىً: أما لفظاً: فإنك إذا عددت ثلاث آيات من أولها والرابعة والخامسة وجدت أنها متقاربة في الكلمات، لكن لو جعلت: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} آية واحدة لم تكن الآيات متناسقة، بل كانت هذه الآية الطويلة بالنسبة لما قبلها، فإذا قسمناها إلى آيتين تساوت في الآيات أو تقاربت جداً. أما من حيث المعنى فنقول: آيات الفاتحة سبع، ثلاثٌ لله وثلاث للعبد، وواحدة بينهما، الثلاث الآيات التي لله، هي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:2-4] ، والآيات الثلاث التي للعبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] والآية التي بينهما هي الآية الوسطى من هذه السبع وهي: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وبهذا يتبين أنه يتعين أن تكون البسملة خارج عداد الفاتحة، وكذلك بقية السور. فإن قال قائل: لماذا لم تكتب البسملة بين الأنفال وبراءة؟ قلنا: لأنها لم تنزل بينهما بسملة، ولو نزلت لكانت محفوظة ولكتبها الصحابة رضي الله عنهم. فإن قال قائل: إذاً: لماذا يفصل بينهما؟ قلنا: لأن الصحابة رضي الله عنهما ترددوا، هل سورة البراءة بقية سورة الأنفال، أم هي سورة مستقلة؟ فلهذا جعلوا فاصلة ولم يجعلوا بسملة؛ لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والنجم إذا هوى) هنا نعود إلى الدرس قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالنجم إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1-2] (النجم) اسم جنس يراد به جميع النجوم، وقوله: (إذا هوى) له معنيان: المعنى الأول: إذا غاب، والمعنى الثاني: إذا هوى أي: إذا سقط منه شهابٌ على الشياطين التي تسترق السمع: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} هذا جواب القسم: {وَالنجم إِذَا هَوَى} المقسم به، جواب القسم يعني: المقسم عليه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (ما ضل) : أي: ما جهل، (وما غوى) أي: ما عاند؛ لأن مخالفة الحق إما أن تكون على جهل، وإما أن تكون عن غي، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] فإذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهل وانتفى عنه الغي تبين أن منهجه صلى الله عليه وسلم علم ورشد؛ علم: ضد الجهل الذي هو الضلال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} ، ورشد: ضد الغي: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] إذاً النبي عليه الصلاة والسلام كلامه حق، وشريعته حق؛ لأنها عن علمٍ ورشد، وقوله: (ما ضل صاحبكم) يخاطب قريشاً، جاء بهذا الوصف إشارة إلى أنهم يعرفونه، يعرفون نسبه، يعرفون صدقه، يعرفون أمانته، ليس شخصاً غريباً عنهم حتى يقولوا: لا نؤمن به؛ لأننا لا نعرفه، بل هو صاحبهم الذي نشأ فيهم، هذا أمر. ثانياً: أنه إذا كان صاحبهم فإن مقتضى الصحبة أن يصدقوه وينصروه، لا أن يكونوا أعداءً له، ففي قوله: (صاحبكم) -إذاً- فائدتان: الفائدة الأولى: أنه صاحبهم الذي يعرفونه، ليس مجهولاً بينهم، وليس غريباً عليهم، فكيف بالأمس يصفونه بالأمين والآن يصفونه بالكاذب الخائن؟!! الفائدة الثانية: أنه مقتضى الصحبة أن يصدقوه وأن ينصروه، لا أن يكونوا ضده، يعني: هو لم يقل: ما ضل رسول الله، ولا قال: ما ضل محمد، وإنما قال: (ما ضل صاحبكم) فالفائدة من هذا هو ما ذكرنا لكم: أن مقتضى الصحبة أن يكونوا عارفين به، ومقتضى الصحبة أن يكونوا مناصرين له. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] أي: ما يتكلم بشيءٍ صادرٍ عن الهوى بأي حالٍ من الأحوال، فما حكم بشيء من أجل الهوى، ولكنه ينطق بما أوحي إليه من القرآن، وما أوحي إليه من السنة، وما اجتهد به صلى الله عليه وسلم اجتهاداً يريد به المصلحة، فنطقه عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام: الأول: أن ينطق بالقرآن. الثاني: أن ينطق بالسنة الموحاة إليه، التي أقرها الله تعالى على لسانه. الثالث: أن ينطق باجتهاد لا يريد به إلا المصلحة. نحن ننطق عما نريد به المصلحة، وننطق عن الهوى، هل كل إنسان منا سالمٌ من الهوى؟ لا، يميل مع صاحبه، يميل مع قريبه، يميل مع الغني، يميل مع الفقير، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يتكلم عن الهوى. إذاً (ما ينطق) ثلاثة أقسام: ينطق بالوحي، أو السنة بما يوحى إليه، أو باجتهادٍ منه، يعني: لا يمكن أن ينطق عن الهوى، لمجرد الهوى، وإذا كان لا يمكن أن ينطق عن الهوى صار لا ينطق إلا بحق؛ إن كان بالقرآن فالقرآن، أو من السنة الموحاة فمن السنة، أو من السنة الاجتهادية فهو على كل حال مأجور. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى) قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] يعني: ما القرآن الكريم إلا وحي يوحى، أو وحي من الله عز وجل، من الواسطة بين الله وبين الرسول؟ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} أي: علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوحي (شديد القوى) أي: ذي القوة الشديدة، وهو جبريل عليه السلام، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:19-20] فجبريل عليه السلام قوي شديد أمين كريم، لا يمكن أبداً أن يفرط بهذا الوحي الذي نقله إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:193-194] . {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5] (شديد القوى) معناه: ذو القوى الشديدة، فهو من إضافة الصفة إلى موصوفها. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 166 ¦ الصفحة: 6 ضابط صلة الرجل لأرحامه وزيارة المرأة لأهلها السؤال كيف تكون صلة الأرحام وربما يتضايقون من كثرة الزيارة، وكيف تكون زيارة البنت المتزوجة لأهلها؟ هل هو على حريتها بحجة صلة أهلها وأرحامها مع كثرتهم، مع أن الزوج له ظروفه الخاصة من أبنائه، وخدمة والديه، وأعمال وارتباطات، وكيف يكون التوفيق بين أرحام الزوج والزوجة مع كثرتهم وتباعدهم؟ الجواب أما الفقرة الأولى من السؤال: فهو أن صلة الأرحام لم يبينها الله عز وجل، ولم تبينها السنة، لكن يرجع فيها إلى ما يتعارفه الناس، وهي تختلف باختلاف القربى، وباختلاف الزمان، وباختلاف المكان: كونها تختلف باختلاف ذي القربى: ليست صلتك لأخيك الشقيق كصلتك لأخيك من أمك، أيهما أوكد؟ الأول الشقيق، وليست صلتك لعم أبيك كصلتك لعمك، كلما كان منك أقرب فهو أولى بالصلة، هذا باعتبار القربى. باعتبار الزمان: قد يكون الزمان زمان رخاء وغنى وكل إنسان غني عن أخيه بما عنده، وقد يكون الزمان زمان فقر وحاجة، فهل صلتك للرحم في حال الغنى كصلتك للرحم في حال الفقر؟ لا، ولهذا ربما يكون لك أخوان أحدهما غني لا يحتاج إلى شيء، والثاني فقير، يجب أن تصل الفقير بالمال أكثر مما تصل الغني، إذاً هذا باختلاف الزمان والأحوال. ثالثاً بحسب المكان: صلتك للإنسان البعيد ليست كصلتك للإنسان القريب الذي عندك في البلد؛ الذي في البلد ربما نقول: يجب أن تزوره مثلاً كل أسبوع، كل نصف شهر، لكن البعيد لا يجب عليك هذا، إنما وسائل الاتصال في الوقت الحاضر والحمد لله أغنت عن كثيرٍ من التعب، إذ بالإمكان أن تصل البعيد عن طريق الهاتف، كل أسبوع مرة، أو كل أسبوعين مرة، أو كل شهر مرة، والناس الآن -والحمد لله- يعلمون هذا، يعني: ليس الواحد منا يريد أن يزوره قريبه كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر، لا، متى عرف أنه بخير ولا حاجة عليه فإنه يتصل. أما إذا كان يعرف أن أقاربه يسئمون منه من كثرة ترداده فإن المقصود بالصلة هي الإحسان، وتقارب القلوب والائتلاف، فإذا علمت أنهم يسئمون من ترددك، ويكرهونك، ولا يزيدك منهم إلا بعداً، فلا تكثر الترداد، المقصود أن تكون مطمئناً على صحتهم وعلى حاجتهم، وهذا كفاية. أما بالنسبة للزوج مع زوجته، فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف، كما قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فما جرى عرف الناس عليه فإنه يجب عليه أن يمكنها منه، فمثلاً: إذا كان من عادة الناس أن المرأة تزور أهلها كل نصف شهر، وجب عليه أن يمكنها من هذا، أو كل أسبوع وجب عليه أن يمكنها من هذا، وإذا كان أهلها في بلدٍ آخر فإنه لا يلزمه أن يسافر بها كل أسبوع أو كل نصف شهر، حسب الحال، وليعلم أن مالك المرأة هو زوجها، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم) ، عوانٍ يعني: أسيرات، وقال الله تعالى في سورة يوسف عن امرأة العزيز: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] فجعل الزوج سيداً، وهذا يتضمن أن تكون الزوجة بمنزلة الرقيقة الأمة. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 7 التفصيل في ثبوت أجر صلاة الجماعة في السفر أو المنتزهات أو الدوائر الحكومية السؤال حديث (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة) وتصلى جماعة في السفر وفي المنتزهات، وفي الدوائر، حتى في بعض المساجد تصلى عدة مرات، هل يرجى هذا الفضل لكل جماعة تقام؟ الجواب أما الصلوات التي تصلى في السفر فهي تدخل في الحديث ولا شك، وأما الصلاة في الدوائر فينظر إذا كان لا يمكنه الصلاة في المسجد لبعده، أو لخوف اختلال العمل، أو لخوف هروب بعض الموظفين؛ لأن بعض الموظفين إذا خرج لا يرجع، أو يتأخر، فحينئذٍ نقول: صلاتهم في مكاتبهم تعدل صلاتهم في المسجد لأنهم صلوا جماعة. وأما ما تعاد -أي: الصلوات المعادة في المسجد الواحد- فهذه لا يحصل بها أجر الجماعة؛ لأن الأجر إنما هو في الجماعة الأولى. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 8 حكم من تجاوز الميقات ثم أحرم وحكم صبي أحرم ولم يتم عمرته، وحكم امرأة نفاس أحرمت من حيث طهرت السؤال شاب سافر من القصيم يريد العمرة عن طريق المدينة ومعه زوجته، وكانت في عدة النفاس، واشترطت قالت: إن طهرت -وهي في آخر أيامها- سأؤدي العمرة، ولم يحرم إلا من جدة، ومعه صبي صغير لبس الإحرام ولم يؤد العمرة صبي عمره ست سنوات يقول: فماذا عليَّ؟ الجواب أما بالنسبة للصبي فلا شيء عليه؛ لأن الصبي قد رفع عنه القلم، فلو أحرم ثم بعد ذلك سئم من الإحرام وتحلل فلا حرج. وأما بالنسبة له هو، فقد خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام من الميقات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرم من أراد الحج والعمرة من الميقات، والرجل تجاوز الميقات ولم يحرم إلا في جدة، فعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً. أما بالنسبة للزوجة فلا شيء عليها ما دامت تخشى ألا تطهر إلا متأخرة، وقالت: إن طهرت أحرمت وإلا لم أحرم، فلا حرج عليها أن تحرم من حيث طهرت. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 9 ورود الأدعية العامة والخاصة في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: هل الدعاء في السجود والركوع في الفريضة أو السنة عام أم خاص؟ الجواب منه عام، ومنه خاص، فما جاءت به السنة بلفظ الخصوص فهو خاص، مثلما بين السجدتين: (رب اغفر لي وارحمني) ، ومثل دعاء الاستفتاح: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) إلى آخره. وما جاءت به السنة عاماً فهو عام، مثل: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) . أما ما لم تأت به السنة فأنت بالخيار إن شئت فعمم، وإن شئت فخصص، وإن شئت فادع الله تعالى بأمور الدنيا، وإن شئت فادع الله تعالى بأمور الآخرة، وإن شئت فادع الله بهم جميعاً، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) . الجزء: 166 ¦ الصفحة: 10 حكم خصم اللجنة الخيرية من التبرعات بمقدار (10%) للمشرفين السؤال فضيلة الشيخ: نحن لجنة خيرية يتقدم لنا المتبرعون ببناء -مثلاً- مساجد ومشاريع، فعادة نخصم من كل مشروع عشرة من مائة من قيمة المشروع، فالبعض منهم يعرف هذا الأمر والبعض الآخر ما يعرف، لكن نحن متكفلون في بناء هذه المشاريع. الشيخ: لكن العشرة في المائة مقابل ماذا؟ السائل: مقابل تنفيذ المشروع، كأجرة المراقبين الذين يقومون بالإشراف على هذه المشاريع يأخذون مبلغ ثلاثين ديناراً، أي: بقرابة ثلاثمائة وستين ريالاً يومياً على إشرافهم في هذه الدول، فهل يجوز ذلك خصم العشرة من المائة؟ وهل يجوز أخذ الثلاثمائة والستين ريالاً تقريباً للإشراف يومياً؟ الجواب أما تقدير الإشراف بثلاثمائة وزيادة، هذا حسب العادة، لكن لابد أن يكون المتبرع عنده علم بأن هذا الصندوق الخيري يلحقه تبعات، تخصم من أصل ما في الصندوق، لابد من هذا؛ لأن كثيراً من الناس يظن أن جميع ما بذله يصرف إلى المستحقين، وهنا لو تجعلون لافتة مثلاً عند باب مدخل البيت يكتب فيه بيانات الصرف، يصرف مثلاً عشرة من مائة للعاملين في الصندوق، والباقي في طرق الخير. السائل: علماً -يا شيخ- أنَّا نكتب في عقد بيننا وبين المنفذ ونعطي نسخة للمتبرع، ونكتب تحت في الأسفل: إذا بقي شيء من المشروع يعني: مبلغ بسيط، فيكون هذا صدقة لوجه الله، فبعض الإخوة هناك اعترض -حقيقة- قال: هذا أمر يحرج المتبرع أو كذا، فهل يجوز هذا الأمر؟ الشيخ: لا، لا توجد مشكلة، ولا يحرجه هذا مما يطمئنه ويعرف أن القائمين على الصندوق أمناء، إذ لو شاءوا أخذوا وسكتوا، لكن إذا بين يعني: قيل: نأخذ عشرة من مائة لمصلحة العاملين، صار الأمر واضحاً مبيناً. السائل: والمتبقي؟ الشيخ: المتبقي تسعون في المائة يصرف في أعمال الخير. السائل: أعني بعد التنفيذ أحياناً يبقى شيء بسيط من المال، فنكتب نحن في العقد: يكون هذا المتبقي من المال صدقة؟ الشيخ: أليس الصندوق الآن يجمع الأموال جميعاً؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا جاء شخص بعشرة ريالات مثلاً معناه خصم منها عشرة من المائة يعني: باقي تسعة ريالات، هذه تضاف إلى أموال الصندوق والتي قد تبلغ الملايين، معناه: ما يمكن يبقى شيء يسير، أفهمت؟ السائل: نعم. الشيخ: لأنه ليس المعنى أنه إذا جاء إنسان بعشرة ريالات نصرفها نفسها في عمل؟ لا، نجعلها في الصندوق، والصندوق فيه أموال كثيرة. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 11 حكم قتل الكافر بعد نطقه بالشهادتين السؤال هل يجوز قتل الكافر إذا نطق بالشهادتين قبل أن يشتد القتال؟ الشيخ: لا يجوز. السائل: وهل يجوز قتله إذا اشتد القتال ونطق بالشهادتين؟ الشيخ: إذا نطق بالشهادتين فإنه لا يجوز قتله إذا اشتد القتال أو لم يشتد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد قتله المشرك بعد أن قال: لا إله إلا الله، وجعل يردد على أسامة: (أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، حتى قال: إنما قالها تعوذاً) فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام وقال أسامة: [تمنيت أني لم أكن أسلمت] لكن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبقي في صف الكفار اقتلوه، لكن إذا قال هذا وخرج فهذا يدل على صدقه، فإن بقي فهو إن كان مسلماً فقد أعان الكفار على المسلمين فيحل قتله، وهو بنيته عند الله، وإن كان مشركاً وقالها بلسانه فقد استحق القتل. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 12 ضابط القصر والإتمام في السفر السؤال موظف يعمل في حفر الباطن وأهله في جدة هل يجوز له أن يقصر الصلاة إذا فاتته الصلاة في الجماعة بحجة أنه في سفر؟ الشيخ: إذا فاتته الجماعة في أي مكان؟ السائل: في المدينة التي يعمل فيها. الشيخ: هل عمله فيها على أنه مستقر؟ أو على أنه يعمل فيها لمدة شهرين ثلاثة أربعة ويرجع؟ السائل نفسه: هو يريد الرجوع إلى أهله ولكن لا يعلم مقدار المدة التي سيقضيها؟ الشيخ: معناه: أن الأصل فيه الإقامة، الأصل أن الحكومة لما وضعته في هذا المكان أنه مقيم، أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: ما يقدر الآن أن يرجع إلى بلده، إلا إذا كان يقول: أنا سأبقى سنة أو سنتين ثم أرجع إلى بلدي إما بوظيفتي وإلا أستقيل، أما إنسان يقول: أنا تبع الوظيفة ثم وضعته الحكومة في مكان فالأصل أنه باقٍ فيه، ولهذا نقول: السفراء لا يجوز أن يقصروا الصلاة؛ لأن الحكومة لما وضعتهم الأصل البقاء. السائل: يعني يأخذ حكم المقيم فيها؟ الشيخ: حكم المقيم في بلده الذي يعمل فيه. أفهمت الآن؟ يعني: لا يرد على ذهنك الآن قصة الذين يسافرون للدراسة، ولو بقوا سنة أو سنتين فهؤلاء مسافرون لا يرد على ذهنك هذا لماذا؟ لأن هؤلاء يقولون: إن مدتنا محددة ولو قيل لنا: ابقوا بعد انتهاء الدراسة يوماً واحداً ما بقينا. أما الموظف فالأصل أنه ما بقي في هذه الوظيفة إلا على وجه الدوام. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 13 وقت ابتداء صلاة الكسوف وحكم من فاتته الصلاة السؤال بالنسبة لصلاة الكسوف هل تصلى إذا بدأ الكسوف أو إذا اكتمل؟ وبالنسبة لمن فاتته صلاة الكسوف هل يصليها منفرداً نرجو التوضيح؟ الجواب يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتموه) يعني: إذا رأيتموهما كاسفين، فمتى ظهر الكسوف فهنا تشرع الصلاة، وإن لم يظهر كما لو كان الكسوف جزئياً في الشمس ولا يرى إلا بالمنظار فإنه لا يصلى؛ لأننا لم نرها كاسفة، والعبرة برؤية العين لا بالمناظير ولا بالحساب أفهمت؟ إذاً من حين ينكسر نور الشمس أو القمر حينئذٍ تكون الصلاة. وأما من فاتته فإن انجلى الكسوف فإنه لا يصلي، وإن بقي الكسوف يصلي كما يصليها الإمام. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 14 ما يحرم من الرضاعة وما لا يحرم السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: سائل يسأل ويقول: إن عمي رضع من امرأة وفي نفس الوقت رضع معه شخصٌ آخر من هذه المرأة، فهل يكون هذا الشخص الذي رضع مع عمي عماً لي من الرضاعة، وماذا يكون أولادي بالنسبة لهم من ذكورٍ وإناث؟ الجواب أولاً: يجب أن تعلموا بارك الله فيكم أن أقارب الراضع لا علاقة لهم في الرضاعة إطلاقاً، فإذا رضع الإنسان من امرأة فإن إخوانه لا يكونون أولاداً لها ولا علاقة لهم بها، أفهمتم؟ يعني مثلاً: زيد رضع من امرأة تسمى زينب، إخوة زيد ما لهم علاقة بزينب؛ لأنهم ليسوا أبناءً لها، ولا إخواناً، ولا أعماماً، ففي المثال الذي ذكرت الآن لا علاقة لإخوان الراضع بالمرأة التي أرضعته ولا بأولادها، فيجوز لأحد إخوة الراضع أن يتزوج من بنات المرأة التي أرضعت أخاهم؛ لأنه ليس لهم علاقة بها. ولكن يجب أن تعلموا أن الرضاعة لا تعتبر إلا إذا كانت خمس رضعات، لما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات) فلابد من أن تتيقن المرضعة أو من شهدت بالرضاع أن الرضاعة تمت خمس مرات، فإن قالوا: رضع ولا ندري، فلا عبرة بالرضاعة، وإن قالوا: رضع أربعاً فيها عبرة أو ما فيها عبرة؟ لا عبرة به لابد من خمس، فلو رضع ثلاثاً لا عبرة به، إذا رضع اثنتين لا عبرة به، أو واحدة لا عبرة به، لابد أن يكون خمس رضعات معلومات أيضاً كما جاء في الحديث، فالمشكوك فيهن لا عبرة بهن. السائل: بنات الشخص هذا الذي كان أخوه من الرضاعة؟ الشيخ: الذي رضع هو وإياه من امرأة، إذا رضع شخصان من امرأة صارا أخوين وصار كل واحدٍ منهما عماً لأولاد الآخر الذكور والإناث. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 15 حكم تجعيد الرأس السؤال ما حكم تجعيد الرأس؟ الجواب تجعيد الرأس لا بأس به، أن يوضع على الرأس شيء يجعله متماسكاً وصلباً قوياً، هذا لا حرج فيه؛ لأن هذا من باب التجميل وليس من باب تغيير خلق الله. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 16 حكم المسافر يصلي خلف المقيم ركعتين ولا يتم السؤال فضيلة الشيخ: مثلاً مررت وأنا مسافر بقرية أهلها مقيمون يصلون صلاة العصر، فأدركت معهم ركعتين هل يلزمني إكمال الأربع ركعات أو أكتفي بالركعتين؟ الجواب يعني: مسافر أدرك مقيمين في الركعتين الأخيرتين، هل يسلم مع الإمام فيكون صلى ركعتين، أو يقضي ما فاته؟ نقول: يقضي ما فاته وجوباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: [ما بال الرجل يصلي -يعني مسافر- ركعتين ومع الإمام أربعاً قال: تلك هي السنة] . الجزء: 166 ¦ الصفحة: 17 حكم إقامة صلاة الكسوف أكثر من مرة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم إعادة صلاة الكسوف أكثر من مرة؟ الجواب القول الراجح أنها لا تعاد؛ لأنها إنما وقعت واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الإنسان ينظر إذا كان الكسوف يسيراً وبدأ ينجلي يخفف وإلا يطيل الصلاة؟ فإن قال أنه أطال الصلاة ثم إنه سلم ولم ينجل الكسوف، قلنا له: ادع واستغفر الله، اذكر الله، كبر؛ كما جاء في الحديث. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 18 حكم لعن الكافر المعين حياً أو ميتاً السؤال ما حكم لعن الكافر المعين؟ الشيخ: حياً أو ميتاً؟ السائل: الحي. الشيخ: لا يجوز ذلك، لا يجوز لعن الكافر المعين إذا كان حياً؛ لأن الله تبارك وتعالى نهى أفضل المؤمنين أن يدعو على أعتى الكافرين في زمنه، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على أناسٍ معينين من كفار قريش متمردين، فنهاه الله عز وجل، وقال له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران:128] ، لكن بعد موته هل يلعن؟ هذا قد يقال: إنه لا يلعن بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا) . لكن إذا كان له مبدأ معين كشيوعي يدعو للشيوعية، أو نصراني يدعو للنصرانية، فهنا نبين ضلاله ونحذر منه، أما لعنه فلا فائدة منه؛ لأنه هو كافر مات على الكفر ملعون ما يحتاج ذلك. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 19 حج المرأة الحائض السؤال فضيلة الشيخ: هناك بنت حجت مع أعمامها وعندما وصلت مكة جاءتها الدورة، وكملت علينا ولم تخبرنا، وحجت وطافت ورحنا لـ عرفات ولا درينا بالكلام هذا كله، ولا طهرت إلا عند الوداع ماذا عليها؟ الجواب طواف الإفاضة ماذا صنعت فيه، يعني: طواف الحج؟ السائل: كانت قد طهرت. الشيخ: وطافت بعد طهرها؟ السائل: أي: في الطواف الأخير كانت طاهرة. الشيخ: الطواف الذي بعد عرفة كانت طاهرة؟ السائل: إي. الشيخ: الحمد لله ما فيها شيء. السائل: في الأول طافت بالبيت وليست طاهرة. الشيخ: على كل حال تجد أنها جاهلة. السائل نفسه: طبعاً -يا شيخ- هي جاهلة. الشيخ: وإذا كانت جاهلة ما عليها شيء {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ويكون حجها هذا قراناً لا متعة؛ لأن طوافها الأول غير صحيح، وسعيها المبني عليه غير صحيح، فتكون باقية على إحرامها، وإذا أحرمت في الحج معكم يوم ثمانية صارت أدخلت الحج على العمرة فتكون قاضية، والقاضي مثل المتمتع عليه هدي يذبحه يوم العيد أو ثالث أيام العيد. وقل لها: الحمد لله حجها صحيح وذمتها بريئة إن شاء الله. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 20 القاعدة الفقهية في التفريق بين البلد المسلم والبلد الكافر السؤال فضيلة الشيخ: السفر لبلاد الكفار لا يجوز إلا لضرورة، فما هو الضابط لمعرفة أن هذا البلد بلد كفار أم لا، هل على وجود المسلمين أم ماذا؟ الجواب هذا يشكل عليك يا أخي؟ ماذا تقول في أمريكا بلد كفار أو بلد إسلام؟ السائل: بلد كفار. الشيخ: مع أن فيها كثيراً من المسلمين، ماذا تقول في روسيا؟ في فرنسا؟ في بريطانيا؟ في اليابان؟ هذه واضح أنها بلاد كفر. الشيخ: وأنا أقول مثلاً في البلاد الأخرى كال باكستان وسوريا والكويت وما أشبهها، نقول: بلد إسلام. السؤال: هناك دولة إسلامية ومع ذلك لا يرفع فيها النداء للصلاة؟ الجواب: لا أدري ما أظن هذا ما أظن أنه لا يرفع فيها النداء للصلاة، ثم لو فرض أنهم منعوا من رفع الأذان فهؤلاء مكرهين، فإذا كانوا مكرهين فهو كالذي يترك الواجبات إكراهاً. السائل: ضابط القاعدة. الشيخ: القاعدة هي: ما كانت تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام، حتى لو فرض أن نفس الحكومة كافرة، وهذه البلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهي بلد إسلام. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 21 حكم إرسال إفطار الصائم من الصدقات العامة ثم تسديدها بعد ذلك السؤال فضيلة الشيخ: بعض اللجان الخيرية ترسل مشروع إفطار الصائم إلى أفريقيا قبل رمضان من الصدقات العامة، ويتم استقبال الأموال من المتبرعين إلى آخر رمضان فهل يعد هذا المتبرع أنه شارك في هذا المشروع؟ الجواب هذا المتبرع بعد انتهاء رمضان يكون تبرع لإفطار الصائم في السنة القادمة. السائل: يتم تسديد المبالغ من الصدقات العامة خلال أيام رمضان، مع العلم أن المبالغ خرجت قبل رمضان. الشيخ: يعني معناه: أنهم يستقرضون لها؟ السائل: نعم. الشيخ: أرى أنا أنه لا يجوز، ليس هناك حاجة أنهم يستقرضون لها؟!! الصدقات العامة يدخل فيها إفطار الصائم فليصرفوا من الصدقات العامة لإفطار الصائم لا على أنه قرض، بل على أنه جهة مصرفية يصح الصرف إليها. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 22 حكم الإخبار بخسوف القمر أو الشمس مسبقا ً السؤال فضيلة الشيخ: هناك من الناس من يرى بعدم الإخبار مسبقاً لخسوف القمر، كما يحصل في الوقت الحالي عبر الصحف والإذاعة فيرى بعض الناس أنه يكتبها في (الصلاة الجامعة) كي يقبل الناس على الخشوع والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؟ الشيخ: تقول: من الناس من يرى أنه لا ينبغي الإخبار للكسوف مسبقاً؟ السائل: نعم. الشيخ: ومن الناس؟ السائل: ما رأي فضيلتكم؟ الشيخ: اصبر! أنت قلت: (من الناس) أنت جئت بمن للتبعيض، فما قول البعض الآخر؟ السائل: سمعت من شخص أو شخصين. الشيخ: لكن أنت تقول: بعض الناس، أنا أريد الطرف الثاني. السائل: لا أدري. الشيخ: أجل لا تقول: من الناس. السائل: حسناً. الشيخ: على كل حال الذي نرى: أنه لا ينبغي الإخبار عن الكسوف قبل وقوعه؛ لأنه يزيل هيبته، ويصرف الخوف من الله عز وجل، ولهذا ترى الناس الآن إذا قرب وقت الكسوف تجدهم يخرجون إلى الشارع ينظرونه انكسف أو لا، كأنما يتراءون هلال العيد، وهذا لا شك أنه يزيل ما في القلوب من الخوف والرهبة. فالذي نرى: أنه لا يخبر، إذا جاء بدون خبر صار أهيب، إذا لم يدر الناس عنه إلا بالنداء: (الصلاة جامعة) يكون له قيمة ورهبة، لكن هذا من البلاء الذي ابتلي به المسلمون اليوم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 166 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [167] شرح الشيخ في مستهل هذا اللقاء آيات من سورة النجم، وهي الآيات التي تجسد لنا هيئة نزول جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي، وعظمة هذا الوحي الكريم، والشرع المطهر من قبل رب العالمين. ثم أجاب عن الأسئلة المشتملة على أبواب عديدة من أبواب الفقه والدعوة إلى الله. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والستون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تسمى اللقاء المفتوح التي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ) . الجزء: 167 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى) نبتدئ بتفسير ما انتهينا إليه من سورة النجم من قوله تبارك وتعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:4-5] أي: ما القرآن العظيم إلا وحي يوحيه الله عز وجل إلى محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك بواسطة جبريل الأمين، الذي وصفه الله تعالى في هذه الآية بقوله: {شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:5-6] (شديد القوى) يعني: أنه قوي، والمرة: الهيئة الحسنة، فهو ذو قوة وذو جمالٍ وحسن. وقد رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق، فهو الذي نزل بهذا القرآن، وهو أمين وهو قوي حتى ألقاه على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] . وقوله: (فاستوى) أي: فعلا، أو فكمل؛ لأن الاستواء في اللغة العربية تارة يذكر مطلقاً دون أن يقيد فيكون معناه: الكمال، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} [القصص:14] أي: كمل. وتارة يقيد بـ (على) فيكون معناه: العلو، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:12-13] ، فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ، وقال: {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} أي: علوتم عليه. ومنه قوله تعالى فيما وصف به نفسه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] أي: علا عليه عز وجل، والعلو خاص بالعرش، وهذا غير العلو المطلق على جميع المخلوقات. وتارة يتعدى بـ (إلى) يقال: استوى إلى كذا، فيفسر بأنه القصد والانتهاء، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] . وتارة يقيد بالواو فيكون معناه: التساوي، مثل قولهم: استوى الماء والخشبة، أي: ساواها، فقوله هنا: فاستوى يحتمل أن المعنى: استوى أي: علا؛ لأن جبريل ينزل من السماء فيلقي الوحي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يصعد إلى السماء، ويحتمل معناه: كمل ويكون كامل القوة، كامل الهيئة، كاملاً من كل وجه مما يليق بالمخلوقات. {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم:7] أي: جبريل عليه الصلاة والسلام (بالأفق الأعلى) أي: الأرفع؛ وهو أفق السماء. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وهو بالأفق الأعلى) قال تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم:8] (دنا) من النبي صلى الله عليه وسلم، (فتدلى) أي: قرب من فوق، فكان أي: جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:9] وهذا مثل يضرب للقرب، (قاب قوسين) يعني: قريباً جداً بل أدنى، فقوله: (أو أدنى) بمعنى: بل، أي: بل هو أدنى من ذلك. (فَأَوْحَى) أي: جبريل {إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:10] أي: إلى عبد الله، فالضمير في أوحى يعود على جبريل، والضمير في عبده يعود إلى الله عز وجل، أي: أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى، ولم يبين ما أوحى به تعظيماً له؛ لأن الإبهام يأتي مراداً به التفخيم والتعظيم، ومنه قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غشيهم شيءٌ عظيم. هنا (أوحى إلى عبده ما أوحى) أي: من الشيء العظيم ولا كلام أعظم من القرآن الكريم؛ لأنه كلام الله عز وجل. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 167 ¦ الصفحة: 5 وجوب التطهر بالماء مع القدرة السؤال يخرج بعض الناس من الأفاضل من أهل الدين إلى التنزه في البرية ولا يأخذون معهم من الماء إلا ما يكفي للطعام والشراب، ويتيممون للصلاة بحجة أن ذلك فيه سعة وأفضل لهم، فما حكم ذلك؟ الجواب يجب على الإنسان أن يتقي الله تعالى في نفسه فيتطهر بالماء سواء كان في الوضوء أو كان في غسل الجنابة، لكن إذا كان يشق عليه الماء إما لبعده وإما لثقل حمله، فلا حرج عليه أن يتيمم، لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة:6] . فينظر في هؤلاء: إذا كانت السيارات التي معهم صغيرة ولا يمكن أن تحمل الماء فلا بأس إذا تيمموا، وإن كانت نزهة، وأما إذا كان الأمر سهلاً عليهم، كأن يكون معهم (وايت صغير) يتابعهم فالواجب عليهم أن يحملوا الماء حتى يتطهروا به. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 6 المراد بإحصاء أسماء الله الحسنى السؤال في حديث أسماء الله الحسنى ورد قوله: (من أحصاها) ما معنى: (أحصاها) ؟ الجواب الحديث الذي ذكره أخونا في سؤاله هو قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) ومعنى: أحصاها عرفها لفظاً ومعنى، وتعبد لله بمقتضاها. فمثلاًَ: يعرف أن الله تعالى من أسمائه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الغفور الرحيم السميع البصير. إلى آخره، فيعرف أولاً الاسم، ويعرف ثانياً معنى الاسم ويثبته لله عز وجل، فالسميع معناه: أنه المتصل بالسمع، فهو سميعٌ ويسمع. الثالث: أن يتعبد لله بمقتضاه، فإذا علم أن من أسماء الله السميع، وأن السميع بمعنى: ذي السمع، فإنه يتعبد لله بمقتضى هذا، أي: أنه لا يقول قولاً يكون فيه غضب الله، وإنما يتكلم بما يرضي الله تبارك وتعالى. ولهذا لو عرفها لفظاً ولم يعرفها معنى لم يستفد، ولو عرفها لفظاً وأنكر معناها -كما تقول المعتزلة - لم يكن أحصاها، ولو عرفها لفظاً ومعنىً ولكن لم يتعبد لله بمقتضاها فإنه ليس محصياً لها، ويدل لهذه الشروط الثلاثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحصاها دخل الجنة) ودخول الجنة ليس بالأمر السهل، فلابد أن يكون هذا الإحصاء متضمناً لهذه الأمور الثلاثة: الأول: معرفة الاسم. والثاني: معرفة معناه. والثالث: العمل بمقتضاه. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 7 حكم الصلاة في مسجد فيه قبر السؤال إذا كانت الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لا تجوز فهل هذا يدل على أنها باطلة ولا تقبل، وهل هناك دليل على بطلانها إذا كانت باطلة؟ الجواب أولاً: المسجد الذي فيه قبر ينظر: هل المسجد مبني على القبر، أم أنه سابق ودفن فيه الميت؟ فأما الأول: فالصلاة فيه لا تصح؛ ذلك لأنه مكان يحرم المكث فيه ولا يصح، وأي إنسان لا يجوز له أن يصلي في بقعة محرمة عليه لا سيما فيما يتعلق بالعبادة؛ لأن المسجد المبني على القبر يؤدي إلى تعظيم صاحب القبر، فسداً لوسائل الشرك نقول: هذا حرام والمصلي آثم ولا تصح صلاته، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها بلا شك، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تصلوا إلى القبور) أي: لا تجعلوها قبلتكم، فكيف بمن صلى في مسجدٍ مبني على قبر؟! أما إذا كان المسجد سابقاً على القبر ودفن فيه الميت، فهذا إن كان الميت في جهة القبلة، فإنه لا يجوز أن يصلي إليه، بل ينحرف يميناً أو شمالاً عنه، وإن كان في غير جهة القبلة فلا بأس، لكن في هذه الحال، يجب أن ينبش الميت ويدفن في المكان الذي يدفن فيه الناس. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 8 حكم كشف الفخذ والنظر إليه السؤال فضيلة الشيخ: ما هو القول الفصل في الشرع في نظركم في كشف الفخذ والنظر إليه؟ الجواب الذي نرى: أن الفخذ من حيث هو ليس بعورة، اللهم إلا ما يوازي العورة المغلظة فهو في حكمها، أما ما نزل فإنه لا يعد من العورة، لكننا نرى أنه لا يجوز للشاب أن يكشف فخذه؛ لأن ذلك فتنة عظيمة، وبناءً على هذا نقول: إن بعض شبابنا الذين يمارسون لعب كرة القدم يجب عليهم أن يستروا ما بين السرة والركبة. وأما النظر فإذا قلنا: إنه عورة حرم النظر إليه، فمثلاً نقول: إن النظر إلى فخذ الشباب هذا حرام؛ لأنه فتنة، وأما رجل عامل رفع ثوبه للعمل وبدا أسفل فخذه فهذا ليس بحرام. ولكني لا أعتقد أن أحداً يتقصد النظر إلى هذا، فلا فائدة منه. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 9 حكم تحليل الحوادث بواسطة كلمات القرآن وحروفه السؤال فضيلة الشيخ: غفر الله لك! ما حكم الاعتداد بالذين يحسبون جمل القرآن الكريم وحروفه ويتوصلون عن طريقها إلى نتائج معينة؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل كتاب سقوط إسرائيل وتحليله بعام (2022) عن طريق حساب بعض الكلمات والآيات في سورة الإسراء. الشيخ: يعني: أنه يستنتج من حروف القرآن وكلماته حوادث. السائل: نعم. الجواب نقول: هذا حرام ولا يحل، لا يحل لإنسان أن يستنتج من القرآن الكريم شيئاً للحوادث؛ لأن هذا الاستنتاج خلاف ما درج عليه السلف الصالح، ولأنه قد يستنتج شيئاً ويكون الأمر بخلافه فيوجب الطعن في القرآن الكريم، ولأن القرآن لم ينزل لهذا، القرآن نزل ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب، لا لتحديد الحوادث التي ستأتي، ولهذا لا تجد في القرآن ما يدعوه على هذا أبداً، تجد ألفاظاً عامة: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] وأما أن نستنبط من (حم عسق) كذا وكذا من الأحداث فهذا لا يحل ولا يجوز. السائل: لكن الحاصل الآن في بعض الكتب مثل الكتاب الذي ذكرت أنه يقول: حسبت الكلمات من سورة الكهف من قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:9] إلى قوله: {ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف:25] يقول: فوجدتها ثلاثمائة وتسع كلمات، فهو يستخدم هذه الطريقة للحساب؟ الشيخ: لا. كما قلت لك: هذا غير مراد بلا شك؛ لأن الله تكلم في القرآن كلاماً يقصد به المعنى، ولا يقصد به أن يعدد حروفه وكلماته. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 10 معنى حديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) السؤال هل حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الذي في آخره: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة. إلخ) مقيد بحديث عائشة: (فيما يبدو للناس) أم هو عام؟ الجواب الحديث: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ليس معناه: أنه يصل بعمله إلى هذا المكان، بل المعنى: حتى ما يكون بينه وبين الموت إلا ذراع، والعمل هذا فيما يبدو للناس، فيكون قلبه -والعياذ بالله- منطوياً على الخبث، لكنه أمام الناس يعمل وكأنه من أولياء الله، فيجب أن يقيد هذا بذاك. السائل: أقصد يا شيخ! هل يمكن أن يكون عمله عمل صالح لكن في آخر حياته ينتكس. الشيخ: ممكن. لكن عمله من البداية ليس بصالح، ولهذا قلت لك: إنه (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني: باعتبار قرب الأجل، لا باعتبار أنه نزل منزلة عليا بعمله، فبعمله لم يتقدم ولا شعرة واحدة، لكن أجله قريب، فلا تظن أن معنى قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني: في المنزلة، بمعنى: أن عمله السابق رقاه حتى وصل إلى منزلة لم يكن بينه وبينها إلا ذراع؛ لأنه لو كان كذلك فإن الله لن يخذل مثل هذا، بل سيثبته، لكن المعنى: أنه لم يبق بينه وبينها إلا ذراع من قرب الأجل. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 11 هجر من استعاض عن السنة بدين الرافضة السؤال فضيلة الشيخ: ما تقول في شباب أرادوا دعوة الرافضة فساروا على نهجهم، هل ترى هجرهم أو مناصحتهم؟ الشيخ: أرادوا أن يدعوا الرافضة إلى السنة؟ السائل: نعم. الشيخ: كيف يريدون أن يدعوهم إلى السنة وهم يسلكون مسلكهم؟!! السائل: ما أرادوا في البداية سلوك منهجهم، ولكنهم بعد أن ساروا معهم فترة بدلوا دينهم بدين الرافضة. الشيخ: يعني: أصبحوا من الرافضة؟ السائل: نعم، يا شيخ! حتى إن منهم من يقول: أنا أعتقد في بركة الحسين، ومنهم من يقول: لو أتاني رجل أرضاه لابنتي لزوجته. الشيخ: يزوج بمن؟ السائل: برافضي. الشيخ: على كل حال هؤلاء لا شك أنهم انتكسوا -والعياذ بالله- حيث استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فعليهم أن يتوبوا إلى الله وأن يعودوا إلى رشدهم، ونحن نشهد أن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- هو وأخوه الحسن كلاهما سيدا شباب أهل الجنة، ونعترف له بفضله، ونقول: إن ما جرى عليه فإنه محنة من الله عز وجل، ولكنه صبر واحتسب حتى نال درجة الصابرين، ولكن لا يجوز إطلاقاً أن ينتقل الإنسان من الطريقة السلفية السنية إلى طريقة مبتدعة حادثة مخالفة لمذهب أهل السنة. وإن هؤلاء إذا استمروا على ما هم عليه بعد مناصحتهم فإنه يجب هجرهم. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 12 حكم ائتمام المفترض بالمتنفل السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان شخص يؤدي راتبة المغرب فدخل مع آخر ظناً منه أنه يصلي صلاة الفريضة، فهل يجهر الإمام بالقراءة؟ وهل تكون القراءة بالجهر مشروعة، والجماعة مشروعة؟ الجواب أما على رأي من يرى أنه لا يجوز أن يصلي المتنفل بالمفترض، فإنه لا يحل له أن يدخل معه؛ لأنه لو دخل معه فصلاته غير صحيحة. وأما على القول الراجح: أنه يجوز أن يكون الإمام متنفلاً والمأموم مفترضاً فلا بأس أن يدخل معه، وحينئذٍ يجهر بالقراءة من أجل أن يحصل على السنة بالنسبة لأخيه الذي دخل معه، وإن أسر فلا حرج. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 13 حكم دعاء المسلم على المسلم السؤال فضيلة الشيخ: هل للمسلم أن يدعو على أخيه المسلم بالهلاك أو عدم التوفيق، وذلك لنزاعٍ بينهما؟ الجواب أما إذا كان هذا النزاع شديداً بحيث يصل إلى القدح بصاحبه في دينه أو عرضه أو ما أشبه ذلك، فلا بأس أن يدعو عليه بدعاءٍ غليظ، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بالرجل الذي سبه عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه دعا أن يعمي الله بصره وأن يطيل عمره وأن يعرضه للفتن -والعياذ بالله- وأما إذا كان أمراً يسيراً فلا يدعو عليه إلا بمقدار مظلمته فقط. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 14 سماع الأشرطة لا يغني عن الرحلة في طلب العلم السؤال فضيلة الشيخ: هل سماع الدروس العلمية من الأشرطة تغني عن الرحلة في الطلب؟ الجواب استماع الأشرطة لا يغني عن الرحلة في الطلب؛ لأن رحلة الطلب أفضل؛ لأن الطالب يجلس إلى العالم ويتلقى منه مباشرة، ثم إنه ربما يحصل إشكال أو مراجعة فلا يحصل عليه فيما إذا استمع إلى الأشرطة، لكن لا شك أنه إذا استمع إلى الأشرطة سيستفيد، فالأشرطة خير من الترك، لكن إذا رحل في طلب العلم فهو أفضل وأنفع. السؤال: وما توجيهكم لمن هو في منطقة ليس بها علماء؟ الجواب: توجيهنا أن يستمع إلى الأشرطة، لكن أشرطة من؟ أشرطة العلماء الموثوق بعلمهم، من حيث سعة العلم ومن حيث الأمانة في أداء العلم. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة الضحى أثناء الدوام السؤال رجل يصلي صلاة الضحى وهو في دوامه الرسمي، فيخرج من المكتب لمدة ربع ساعة ثم يعود، علماً بأن المكتب لا يوجد فيه مراجعون في ذلك الوقت، فهل هذا مشروع له، وهو أنه يصلي في نفس الإدارة إلا إنه يصليها في مكتب بجوار مكتبه؟ الجواب إذا كانت صلاته لركعتي الضحى لا تستلزم نقص الواجب فلا بأس. السائل: إذا لم يكن عنده مراجعون مهمة، فهل يؤدي الصلاة؟ الشيخ: هذا المهم. إذا كان عنده معاملات فلا يجوز، وإذا كان عند مراجع فلا يجوز، وإذا منعه مراجعه فلا يجوز. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 16 حكم عقد النكاح في المسجد السؤال بعض الناس يعتقد أن عقد النكاح في المسجد مستحب، فهل ورد دليلٌ على ذلك؟ الجواب استحباب عقد النكاح في المسجد لا أعلم له أصلاً ولا دليلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا صادف أن الزوج والولي موجودان في المسجد وعقد فلا بأس؛ لأن هذا ليس من جنس البيع والشراء، ومن المعلوم أن البيع والشراء في المسجد حرام، لكن عقد النكاح ليس من البيع والشراء، فإذا عقد في المسجد فلا بأس، أما استحباب ذلك بحيث نقول: اخرجوا من البيت إلى المسجد، أو تواعدوا في المسجد ليعقد فيه، فهذا يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لذلك دليلاً. السائل: بعضهم يشابه في ذلك النصارى حيث يعقدون النكاح في الكنائس؟ الشيخ: لا، هذا ليس على بالهم إطلاقاً، حتى العلماء الذين استحبوه -استحباب علماء من علماء الشريعة- ليس لهم دليل، لكن قالوا: إن (أحب البقاع إلى الله مساجدها) وهذا بيت الله وينبغي أن يكون عقد النكاح فيه، لكن هذا التعليل إذا لم يكن فيه سنة خاصة، بحيث إن الرسول يذهب إلى المسجد ويعقد النكاح هناك فإنه لا ينبغي أن يقال: إنه مستحب. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 17 خلوة الرجل بزوجته قبل الدخول تثبت به العدة إذ حصل الطلاق السؤال إذا خرجت المرأة مع زوجها في السيارة قبل الدخول هل يعتبر خلوة شرعية؟ الشيخ: قبل الدخول أم قبل العقد؟ السائل: قبل الدخول. الشيخ: إذا ركبت المرأة مع زوجها السيارة بعد العقد وقبل الدخول فلا بأس. السائل: هل يعتبر خلوة شرعية يثبت بها طلاقها؟ الشيخ: إي نعم. يعتبر خلوة بلا شك، فإذا طلقها وجبت عليها بعد هذه الخلوة العدة وثبت لها المهر كاملاً. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 18 علاقة المرأة بزوجها أثناء العدة السؤال هذا رجل طلق امرأته وهو معاق، وممن لا يصلح أمره، فهل لامرأته أن تتكشفه وترى عورته؟ الجواب ما دامت في العدة إذا لم يكن الطلاق بائناً فهي كالزوجة، حكمها حكم الزوجة، فإذا انتهت العدة فهي كامرأة السوق، لا علاقة بينها وبينه، وكذلك لو كان الطلاق بائناً، مثل: أن يكون آخر الطلقات أو يكون على عوض أو يكون فسخاً لعيب أو ما أشبه ذلك فهذه تبين منه بمجرد الطلاق. السائل: ويكون تمريضها عليه. الشيخ: لا. إنما يمرضها أناس آخرون، أما إذا كان يمكن أن يراجع هذه المرأة يراجعها. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 19 حكم صيام القرابة لكفارة قتل الخطأ السؤال فضيلة الشيخ: إذا مات رجل وعليه صيام كفارة قتل، هل يصوم جماعة من قرابته أي: يتوزعون الصيام بينهم؟ الجواب كفارة القتل عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، ويلزم من التتابع أن يكون الصائم واحداً؛ لأنه لو صام مثلاً عشرة أنفار كل واحد ستة أيام، ما صام كل واحد شهرين متتابعين، حتى لو فرض أنهم تتابعوا، بمعنى: أنه إذا صام واحد ستة أيام بدأ الثاني باليوم السابع، وإذا أكمل ستة أيام بدأ الثالث بالثالث عشر فإنه لا ينفع؛ لأن كل واحدٍ منهم لا يصدق عليه أنه صام شهرين متتابعين، بخلاف قضاء رمضان فإنه إذا مات الميت وعليه أيام من رمضان فلا بأس أن يصومها عنه متعددون حتى لو صاموا في يومٍ واحد فلا بأس. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 20 معرفة الصحابة لحق الله على العباد والعكس السؤال فضيلة الشيخ: حديث معاذ بن جبل الذي يقول: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) هل الصحابة يعرفون حق الله على العباد وحق العباد على الله؟ الجواب يعرفونها ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام: (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً) أفهمت؟ السائل: يعني: علموا عن هذا الحديث؟ الشيخ: علموا بعد أن أخبرهم معاذاً لأن معاذاً -رضي الله عنه- لما قال الرسول: (لا تخبرهم فيتكلوا) خاف عند موته أن يكون قد كتم هذا الحديث، فساقه بلفظه، وإذا كان ساقه بلفظه فإنه لا حرج عليه، لكن لو لم يحدث الناس به لم يعلم الناس به، فيكون في ذلك كاتماً لسنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 21 معنى قوله تعالى: (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها) السؤال فضيلة الشيخ: ما معنى قول الله تعالى في سورة الأنبياء: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء:44] ؟ الجواب معنى هذه الآية الكريمة: أن الله يأتي الأرض ينقصها من أطرافها بتغلب المسلمين على الكفار، ولهذا قال بعدها: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء:44] فالله تعالى يأتي الأرض بتسليط رسله على الكافرين حتى يفتحوها أرضاً أرضاً. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 22 حكم اختلاف نية الإمام والمأموم في الفرض السؤال فضيلة الشيخ! رجل مسافر يريد أن يصلي العشاء، فدخل معه أناس يصلون المغرب فماذا يفعل؟ الجواب يصلون المغرب معه ولا بأس، ثم إن كانوا أدركوه في أول ركعة فإنهم يجلسون إذا قام إلى الرابعة ويتشهدون ويسلمون ليدركوا معه بقية صلاة العشاء، وإن كانوا دخلوا معه في الثانية سلموا معه وإن دخلوا في الثالثة قضوا بعده ركعة. السؤال: يا شيخ! رجل مسافر يريد أن يصلي العشاء ويقصر، فدخل معه أناس يصلون المغرب؟ الجواب: لا يوجد إشكال، إذا دخلوا معه وهو يصلي العشاء ركعتين فإنهم يصلون معه ركعتين ثم يقضون ركعة واحدة بعد سلامه. السائل: هو مأموم وليس إماماً. الجواب: هذا عكس سؤالك الأول، على كل حال: إذا دخل شخص مع من يصلي المغرب وهو يريد أن يصلي العشاء مقصورة فلا بأس، ثم هو في ما نرى بالخيار: إن شاء نوى الانفراد حال التشهد وأكمله وسلم، فتكون صلاة العشاء مقصورة، وإن شاء استمر مع إمامه، فإذا سلم إمامه أتى بركعة وتكون صلاة العشاء في حقه تامة. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 23 حكم المفاضلة بين أبي بكر وابن القيم السؤال فضيلة الشيخ: حصل خلاف بين أحد الإخوة فقال أحدهم: ابن القيم أعلم في علم الشرع من أبي بكر، وقال الآخر: لا؛ لأن ابن القيم أتى بعد الصحابة ولا يعلم جميع الحديث، وقال: إن أبا بكر كان ملازماً للرسول فعلم جميع الحديث، فأيهما ترجح؟ الجواب هل أحد يشك أن أبا بكر أعلم من ابن القيم ومن شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في علوم الشريعة؟!! لا أحد يشك، ولهذا كان قول أبي بكر حجة وقول ابن القيم ليس بحجة. أما العلوم الأخرى التي حدثت بعد فهذه قد تخفى على أبي بكر -رضي الله عنه- لكن لو كان فيها خير لكان أبو بكر أعلم الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. السائل: لكن قد يعلم حديثاً ما سمعه أبو بكر؟ الشيخ: وما أدرانا أنه لم يسمعه؟ السائل: قد يكون لم يعرف؟ الشيخ: كلمة (قد) هذه غير محققة. السائل: حديث معاذ الذي قال فيه: (لا تبشرهم) ؟ الشيخ: أنت تظن أن أبا بكر -رضي الله عنه- يخفى عليه شيء وهو ملازم للرسول عليه الصلاة والسلام ملازمة تامة؟ أما حديث معاذ فقد يكون الرسول أخبر معاذاً بذلك وقال: (لا تبشرهم) وقد أخبر أبا بكر به. ثم هذا كلام لغو لا يقصد به قائله إلا شراً، كيف يفاضل بين أعلم الأمة وبين من هو في القرن السابع. السائل: ليس بالفضل بل في العلم؟ الشيخ: والعلم أليس بفضل؟!! الشيخ: الخلاصة: أن هذا كلام لا يأتي إلا من سفهاء لا يعرفون قدر الصحابة ولا سيما قدر أبي بكر رضي الله عنه. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 24 حكم بيع الدش للكافر السؤال هناك رجل عنده دش، ومنَّ الله عليه بالهداية والتوبة، فهل يجوز له أن يبيع هذا الدش لكافر أو لنصراني؟ الجواب لا يجوز له هذا، ويجب عليه أن يكسره، وليس هناك طريق للتوبة إلا هذا، فإن تكسيره إياه مع أنه بذل به ثمناً يدل دلالة واضحة على أنه تائبٌ توبة نصوحاً، ويخلف الله عليه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ، كذلك إذا كسر الإنسان الشيء طاعة لله تعالى وتوبة إليه؛ فإن الله تعالى يخلفه عليه. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 25 حكم العمرة لمن عليه دين السؤال فضيلة الشيخ: رجل دخل مكة غير محرم، وقال: أريد العمرة وعليه دين، هل عليه شيء في دخول مكة غير محرم جزاك الله خيراً؟ الجواب إذا كان قد أدى الفريضة فلا شيء عليه، وإن لم يؤدها وجب عليه أن يؤدي العمرة. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 26 حكم أخذ الكفار مشورتهم السياسية من السيرة السؤال فضيلة الشيخ: ما قولك في اليهود والنصارى الذين يأخذون من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: يعني يقرءونها؟ السائل: نعم يقرءونها ويعملون بها؟ الجواب لا يمكن هذا، اللهم إلا في مسائل الحرب. السائل: في مسائل الحرب فقط. الشيخ: في مسائل الحرب والتدبير لا بأس، لكن كونهم يأخذونها في الشريعة لا يمكن هذا، إذا أخذوا بها في الشريعة صاروا مسلمين، وقلت لك: لا بأس أن يأخذوا مثلاً في الحرب والسياسة وما أشبه ذلك، كما نحن الآن يجوز أن نأخذ مثلاً من الكفار ما يتعلق بالحرب وأساليب الأسلحة وغيرها. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 27 البدء بالدعوة إلى التوحيد في مكان يكثر فيه أهل البدع السؤال شخص يدعو إلى الله عز وجل في مكان يكثر فيه أهل البدع فبدأ بفضائل الأعمال وترك التوحيد لأجل ألا يتعرض له الأعداء، هل يجوز هذا الشيء؟ الجواب هذا ينبني إذا كان المقصود بالدعوة الهداية، فإذا رأى أن من أسباب ذلك ألا يباغتهم بإنكار ما هم عليه من التوحيد وأنه عازم على أن يدعوهم، لكن أراد أن يطمئنهم بذكر الصلاة والحث عليها والزكاة والصيام والحج، ثم بعد ذلك يعرج على التوحيد، فأرجو ألا يكون بذلك بأس. أما إذا كان لا يريد أن يتكلم في التوحيد إطلاقاً يقول: لن أتكلم فيه، هذا يؤدي إلى شر، فهذا لا يجوز، لكن إذا جعل هذا سلماً للوصول إلى الدعوة للتوحيد فلا بأس. أسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير. الجزء: 167 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [168] قام الشيخ بتفسير الآيات من سورة النجم، والتي تتحدث عن معراج النبي صلى الله عليه وسلم، ونبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معراجه بروحه وجسده، وإلى أن ما رآه كان حقيقة بعينة وفؤاده الثابت، وكذا تكلم عن سدرة المنتهى وسر تسميتها بهذا الاسم. وأجاب بعد ذلك هنا على الأسئلة التي كان غالبها عن أحكام في الصلاة، وفتوى في حكم أفلام الكرتون للأطفال. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والستون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1418هـ) . نبتدئ به كما هي العادة بتفسير ما تيسر من آيات الله عز وجل في كتابه العظيم، وقبل الشروع أنبهكم أنه في الخميس القادم ليس هناك لقاء. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال الله تبارك وتعالى في سورة النجم في قصة المعراج: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] واعلم -أيها الأخ المسلم- أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسراءً ومعراجاً، فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء، والمعراج ذكره الله في سورة النجم، وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين أو سنة ونصف -اختلف المؤرخون في هذا- ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، وليس بروحه فقط. وأما قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:60] فالمراد بها رؤية العين لا رؤية المنام. يقول الله تعالى في سياق الآيات في المعراج: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] (الفؤاد) القلب، والمعنى: أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه فإنه رآه بقلبه وتيقنه وعلمه، وذلك أن العين قد ترى شيئاً فيكذبها القلب، وقد يرى القلب شيئاً فتكذبه العين، فمثلاً: الإنسان قد يرى شبحاً بعينه فيظنه فلان ابن فلان، ولكن القلب يأبى هذا؛ لأنه يعلم أن فلان ابن فلان لم يكن في هذا المكان، فهنا العين رأت والقلب كذَّب، أو بالعكس قد يتخيل الإنسان الشيء في قلبه ولكن العين تكذبه. أما ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فإنه رآه حقاً ببصره وبصيرته، ولهذا قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] بل تطابق القلب مع رؤية العين، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم كاذباً فيما رآه من الآيات العظيمة في تلك الليلة، بل هو صادق، ولكنكم تعلمون أن المشركين كذبوه، وقالوا: كيف يمكن أن يصل إلى بيت المقدس ويعرج إلى السماء في ليلة واحدة؟!! الجزء: 168 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أفتمارونه على ما يرى) قال تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:12] والاستفهام هنا للإنكار والتعجب، ومعنى (تمارونه) أي: تجادلونه بقصد الغلبة، ولهذا عداها بـ (على) دون (في) ، يعني: لم يقل: (أفتمارونه في ما يرى) ، بل قال: (على ما يرى) إشارة إلى أن الفعل ضمن معنى المغالبة، يعني: أفتجادلونه تريدون أن تغلبوه (على ما يرى) أي: على شيءٍ رآه، ولكنه عبر عن الماضي بالمضارع، إشارة إلى استحضار هذا الشيء، وأنه عليه الصلاة والسلام حين أخبر به كأنما يراه الآن؛ لأن الإنسان إذا حدث عن ماضٍ فربما يقول قائل: لعله نسي فأخطأ، لكن إذا عبر بالمضارع صار كأنه يتحدث عن شيءٍ هو يشاهده. {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} فهل المعنى على ما يرى الآن أم على ما رأى من قبل، ولكن عبر عما رأى بالمضارع؟ الجزء: 168 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى) انتبهوا لهذه النكتة العظيمة وأعني بالنكتة يعني: الحكمة البالغة؛ حيث تكون تعبيرات القرآن الكريم إذا عبر بخلاف ما يتوقع فلابد أن يكون هناك عبرة تظهر للمتأمل، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:12-13] رآه الفاعل: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمفعول به: جبريل، أي: رأى محمدٌ جبريل، (نزلة أخرى) أي: مرة أخرى حين نزل، فما هي المرة الأولى؟ المرة الأولى رأى الرسول عليه الصلاة والسلام جبريل وهو في غار حراء، رآه على خلقته التي خُلق عليها، أتدرون كيف رآه؟!! رآه وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وهذا يدل على عظمته، كل الأفق الذي حول الرسول عليه الصلاة والسلام في حراء انسد من أجنحة هذا الملك الكريم، ولهذا وصفه الله بأنه ذو قوة، {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير:20] وبأنه ذو مرة، أي: هيئة حسنة كما سبق في هذه السورة، فرآه مرة في الأرض ومرة في أفق السماء، في الأرض وهو في غار حراء، أما في السماء ففوق السماء، فتارة رآه من تحت السماء من فوق الأرض، وتارة من فوق السماء، ولهذا قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} نزلة أي: مرة أخرى. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (عند سدرة المنتهى) قال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:14] رآه عند السدرة؛ والسدرة معروفة في الأرض شجرة السدر، لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا، نبقها كقلال هجر، وأوراقها كآذان الفيلة، فهي شجرة عظيمة، وسميت شجرة سدرة المنتهى بـ (سدرة المنتهى) لأنه ينتهي إليها كل صاعدٍ من الأرض، وينتهي إليها كل نازلٍ من عند الله عز وجل، فهي منتهى من الطرفين: الطرف الأول: ما يصعد من الأرض إلى السماء ينتهي عند هذه السدرة، وما ينزل من الرب عز وجل ينتهي عند هذه السدرة، وما يصعد من الأرض ينتهي إليها فهي منتهى من الطرفين. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (عندها جنة المأوى) قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم:15] إذاً: الجنة فوق السماء السابعة؛ فإذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون؟ يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك، وأعلاها وأوسطها الفردوس -جعلنا الله وإياكم من أهلها- التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا، ولهذا قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18] وعليين مبالغة في العلو، يعني: في أعلى شيء، المهم أن الله يقول: (عندها) أي: عند هذه السدرة (جنة المأوى) المأوى يعني: المصير، ومأوى مَن؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها، وأما النار فهي مثوى الكافرين -والعياذ بالله-. وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق -الجن والإنس- إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني رحمه الله في عقيدته: وكل إنسان وكل جِنَّة في دار نار أو نعيم جَنَّة لا دار غيرهما. والقبور هل هي مثوى ومأوى؟ لا. ليست مثوى ولا للموتى أيضاً، لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث. ويذكر أن بعض الأعراب من البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً. فما معنى: ليس الزائر بمقيم؟ الزائر يزور ثم ينصرف، أيضاً القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها، قال الله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100] فالناس لابد أن يبعثوا. والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً: أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير -يعني: إلى المقبرة- عبارة غير صحيحة، لماذا؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير، ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال تعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:15-16] السدرة ما هي؟ أي سدرة هي؟ سدرة المنتهى، لأنه قال في الأول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13-14] ثم قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ} [النجم:16] و (أل) في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين أل للعهد الذكري، كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15-16] . {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ} [النجم:16] يعني: سدرة المنتهي، {مَا يَغْشَى} [النجم:16] أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم يعني: غشاها شيءٌ عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لا يستطيع أحدٌ أن يصفه) سبحان الله العظيم! {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} نظير ذلك في الإبهام للتعظيم قول الله تبارك وتعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غطاهم من ماء البحر ما غطاهم، وهو شيء عظيم، هذا أيضاً: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} أي: غشيها شيء عظيم بأمر الله عز وجل، بلحظة كن فيكون. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى) قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] بصر مَن؟! بصر النبي صلى الله عليه وسلم، (وما طغى) يقول العلماء: (زاغ) أي: انحرف يميناً وشمالاً (طغى) : أي: تجاوز أمامه، يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم، لم يلتفت يميناً وشمالاً ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه، وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام، جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يميناً وشمالاً ما هذا المنزل؟! خصوصاً إذا تغير تغيراً عظيماً في هذه اللحظة لابد أن ينظر ما الذي حدث، لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم. (ما زاغ البصر) بصر الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ما انحرف يميناً ولا شمالاً، (وما طغى) أي: ما تجاوز أمامه، بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] . الجزء: 168 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) ثم قال عز وجل: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] رأى الرسول صلى الله عليه وسلم، (لقد رأى) وأنت -أخي المسلم القارئ للقرآن- يمر بك مثل هذا التعبير دائماً، (لقد رأى) ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] إلى آخره، كثير من الأمثلة، هذه الجملة يقول العلماء: إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات: الأول: قسم مقدر. والثاني: اللام. والثالث: قد. لأن معنى (ولقد) معناه: والله! لقد، فتكون جملة مؤكدة بالقسم، واللام، وقد، والقسم مقدر لكن دل عليه السياق. (ورأى) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] الآية: هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد، وإلا لم تكن علامة لم تكن آية، فالآية لابد أن تكون خاصة بمدلولها، فليس كل علامة آية، بل هي التي تختص بمدلولها، فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبيرٌ عظيم، وقوله: (الكبرى) قيل: إنها مفعول ثان لرأى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] . وقيل: إن الكبرى صفة لآياته، والمعنى: أنه رأى من آيات الله الكبيرة. والثاني أصح وأقرب، يعني: أنه رأى من آيات الله الكبرى ما رأى، وليس ما رآه أكبر شيء، بل قد يكون هناك شيء أكبر لا نعلمه. والحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في هذا المعراج من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل، وما لا يستطيع الصبر عليه أحدٌ من البشر، نحن لو رأينا سرادقاً عظيماً لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يميناً وشمالاً، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان، وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام؛ من الحجر عند الكعبة -والحجر من الكعبة- إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين؟ شهرين، في لحظة؛ لأنه ركب على البراق، والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره، وسريع جداً، وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء؛ والسماء كم بعدها عن الأرض؟ بعيدة جداً، ثم من سماءٍ إلى سماء، وهو تتلقاه الملائكة تسأله تقول لجبريل: من معك؟ يقول: محمد، هل أرسل إليه؟ يقول: نعم، ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وبين موسى، كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام. وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد، ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش؛ لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها، وإنكار ما لا يمكن بالعقل ليس خاصاً بكفار قريش بل حتى في من ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم، أليس كذلك؟ أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئاً من صفات الله أثبتها الله لنفسه؛ لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل. قريش أنكرت هذا المعراج، أرأيتم لو كان مناماً هل تنكره قريش؟ لا تنكره؛ لأن المنامات يكون فيها مثل هذا، لكنه أمر حسي حقيقي، أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة، وحصلت كل هذه الأمور التي حصلت ثم عاد إلى الأرض، وصلى الفجر في مكة عليه الصلاة والسلام. {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} وفي هذا إشارة إلى أن آيات الله عز وجل منها الكبير ومنها ما دون ذلك، ما نقول ومنها الصغير؛ لأن الكبرى اسم تفضيل، وغلط من قال من المفسرين المتأخرين: إن الكبرى اسم فاعل بل هي اسم تفضيل؛ لأن آيات الله عز وجل إما كبيرة، وإما كبرى عظمى، فالمعراج الذي حصل لا شك أنه من الآيات الكبرى العظيمة. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 168 ¦ الصفحة: 11 حكم الاتكاء في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: يوجد في مسجدنا أناس إذا وصلوا إلى التشهد الأول أو الأخير فإنهم يتكئون على جدار صغير بجوارهم، فما حكم ذلك؟ الجواب أما الاتكاء وهو واقفٌ في الفريضة فإنه مكروه، وإذا كان لو أزيل المتكأ عليه لسقط بطلت الصلاة، أما الاتكاء وهو قاعد فإنه لا يضر؛ لأنه لو اتكأ وهو قاعد لم يتأثر حتى لو زال المتكأ عليه ما يسقط، لكن مع ذلك كونه يعتمد على نفسه أفضل وأولى. الاتكاء في حال الجلوس لا بأس به، يعني: قد يستريح الإنسان قليلاً، أما الاتكاء في حال القيام فإذا كان في الفريضة وكان اعتماداً تاماً بحيث لو أزيل ما اعتمد عليه لسقط فإن الصلاة باطلة. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 12 حكم من يقول: عندما قدم فلان أتى المطر السؤال توجد ألفاظ شركية منتشرة كمن يقول: عندما أتانا فلان أتى المطر، فهل هذه تعتبر شركاً أكبر أم شركاً أصغر؟ الجواب يقول: إن بعض الناس إذا جاء المطر وصادف مجيء المطر مجيء شخصٍ آخر قال: لما جاءنا جاء المطر، فجعل مجيء الرجل سبباً للمطر، وهذا كذب، وما أدراه أن الله أنزل المطر من أجله؟!! فهذا قال على الله بلا علم، وفي هذا نوع من الشرك؛ لأنه أضاف الشيء إلى سببٍ غير معلوم، فعليه أن يتوب إلى الله ولا يعود. السائل: هل يكون هذا شركاً أكبر أم أصغر؟ الشيخ: لا. لا يكون شركاً أكبر؛ لأنه لم يقل: هذا الرجل هو الذي جاء بالمطر. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 13 حكم مشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون السؤال فضيلة الشيخ: ما رأيك بأشرطة الفيديو التي فيها أفلام كرتون كقصص الأنبياء ومحاضرات بعض المشايخ؟ الجواب أما المحاضرات فلا بأس؛ لأن فيها مصلحة وليست هذه من الصور التي يحذر منها؛ لأنها في نفس الشريط لا ترى ولا تشاهد، وأما الأنبياء فلا يجوز أن تصور صور الأنبياء، لا في الفيديو ولا في الأوراق؛ لأنهم أشرف من أن تبتذل صورهم بين أيدي الناس. السائل: أفلام الكرتون؟ الشيخ: أفلام كرتون أرجى؛ لأن الكرتون حسب ما نعرفه تجعل الصور مشوهة، ما هي حقيقية فلا يجوز. السائل: من قصص القرآن مثل غلام الأخدود. الشيخ: هذا أيضاً غلط؛ لأنه ما الذي أدراهم أن أصحاب الأخدود على هذه الكيفية من الأجسام والصفة، الخلق يتضاعف من آدم إلى هذه الأمة، كان الناس في السابق طولهم ستون ذراعاً وعرضهم سبعة أذرع، ثم بدأ الخلق يتناقص إلى أن وقف عند هذه الأمة، وصار كما تشاهدون، فالذي أرى أن ما يمثل شيئاً لا علم للإنسان به فإنه لا يجوز عرضه. السائل: بعضهم يقول: لكي يترسخ في عقول الأطفال. الشيخ: هل أنت الآن لا تعرف قصة أصحاب الأخدود؟ السائل: بلى! الشيخ: عرفتها بواسطة هذا؟ السائل: لا. الشيخ: انتهى، إذا عرفتها أنت عرفها غيرك بدون هذه الأشياء، ثم من الذي يمثل هذا قد يكون إنساناً لا يعرف شيئاً عن قصة أصحاب الأخدود، لكن تخيله قال: هذه هي صورتهم. السائل: القصة بها أشياء ظاهرية تفهم. الشيخ: المهم أني أرى أن ما يتعلق بقصص القرآن لا يجوز تمثيله ولا يجوز عرضه على الصبيان حتى أنا في نفسي شيء من عرض قصة محمد الفاتح على الصبيان؛ لأنه إذا كان لا يعرض أمام الصبي إلا قصة هذا الرجل فسوف يظن أن هذا الرجل هو بطل الإسلام، وأنه لا بطل غيره، وهذا ليس بصحيح، ففي الإسلام أبطالٌ لا يدركهم الفاتح ولا إلى ركبهم. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 14 ضعف حديث: (لعن الشارب قبل الطالب) السؤال فضيلة الشيخ! إني أسمع أحدهم يقول: (لعن الله الشارب قبل الطالب) فما صحة هذا الحديث؟ الجواب هذا حديث كذب (لعن الله الشارب قبل الطالب) هذا لا صحة له، لكنه ليس من الأدب إذا طلب الإنسان ماءً أن يتقدم أحدٌ عليه، بل يعطى الطالب ثم الطالب يعطي الذي عن يمينه. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 15 أفضلية وضع المال في بناء المسجد دون كمالياته السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لإنفاق الأموال على عمارة المساجد هل يختلف وضع المال في الأساسات عن وضعه في الفرش والأجهزة التكميلية، وهل الأجر ينقطع بإزالة مثلاً الفرش أو غيرها؟ الجواب لا شك أن بذل الأموال في المساجد في شيء يبقى أحسن، يعني: مثلاً شراء الأرض يبقى حتى لو هدم المسجد بقيت الأرض، البناء يبقى، الفرش ما يبقى، يتمزق ويتلف، الأجهزة الأخرى كاللمبات وما أشبهها أيضاً تزول، مكبرات الصوت تخرب، فالمهم أن كل ما كان أبقى فهو أفضل. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 16 حكم ترك فرض صلاة عمدا ً السؤال فضيلة الشيخ: هناك شخصٌ لا يصلي الفجر وبقية الفروض يصليها على حسب راحته هل يعتبر كافراً أم لا؟ الجواب لا يصلي الفجر جماعة ولا وحده؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه مسألة اختلف فيها العلماء -الذي يترك صلاةً واحدة حتى يخرج وقتها بدون عذر- من العلماء من قال: إنه كافر، وإليه ذهب بعض السلف وبعض الخلف، وهو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز في وقتنا الحاضر أنه إذا ترك صلاةً واحدة بلا عذر حتى خرج وقتها فهو كافر. لكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائياً، وأن الذي يصلي يترك مع إقراره بوجوبها لا يكفر، لكن يعد من أفسق عباد الله. مثلاً: الذي يصلي ويترك، هذا إذا قلنا: لا يكفر فذنبه أعظم من الزنا وشرب الخمر وقتل النفس؛ لأنه أتى أمراً يرى بعض العلماء أنه كافر. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 17 الخليفة الراشد الخامس وهل يؤخذ بسنته السؤال فضيلة الشيخ: عمر بن عبد العزيز هل يعتبر من الخلفاء الراشدين، وهل يؤخذ بسنته؟ الجواب يرى بعض العلماء أنه من الخلفاء الراشدين، ولكن هذا من الخلفاء الراشدين في سيرته رحمه الله لكنه لا يعد في قوله وهديه كالخلفاء الأربعة؛ لأن الخلفاء الأربعة من الصحابة وقول الصحابي حجة لا سيما مثل هؤلاء الأربعة، أما هو فيعتبر قوله كقول أكابر التابعين، لكن في سيرته وهديه لا شك أنه حريصٌ على اتباع سنة الخلفاء الراشدين. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 18 حكم حلق شعر الرقبة السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز حلق الشعر الذي على الخدود والذي تحت الذقن على الرقبة؟ الجواب الشعر الذي على الرقبة تحت الذقن يجوز حلقه؛ لأنه ليس من اللحية، وأما الذي على الخدود فعلى حسب ما قال علماء اللغة من اللحية، فيحرم حلقه. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 19 جواز وضع المصحف في الجيب الأيمن السؤال هل يجوز وضع المصحف في الجيب الذي عن يميني؟ الجواب يجوز للإنسان أن يضع المصحف في جيبه الذي على صدره وفي جيبه الذي على جنبه، لكن إذا وضعه في جيبه الذي على جنبه فيلاحظ عند الجلوس ألا يكون عند مقعدته، يعني: يجعله على فخذه. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 20 حكم التسبيح بالسبحة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم التسبيح بالمسبحة؟ الجواب التسبيح بالمسبحة جائز، لكن باليد أحسن وأفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة وهن نساء يعددن بالحصى قال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) يعني: تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، أما ما يفعله بعض الناس يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر في إصبع واحدة فهذا لا أظنه من السنة، أما السنة يكون العقد بالإصبع كله؛ لأن قوله: (اعقدن بالأنامل) معروف العقد عند العرب، أنهم لا يعقدون بكل أنملة وحدها، وإنما يعقدون بالإصبع كله، فمثلاً يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر بدون أن يشير إلى المفاصل. بعض الناس يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر على كل مفصل تسبيحه أو تحميده وهذا لا أظن أنه هو السنة، السنة هكذا: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، لماذا؟ لأن الرسول قال: (اعقدن بالأنامل) والعقد عند العرب ما يكون في كل مفصل بل بالأصابع كما في حديث ابن عمر عقد ثلاثاً وخمسين أو ثلاثاً وستين. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 21 حقيقة المسيح الدجال السؤال المسيح الدجال أهو من ولد آدم؟ الجواب إي نعم، المسيح الدجال من ولد آدم لا شك فيه. السائل: وهو موجود الآن؟ الشيخ: لكنه رجل خبيث والظاهر أنه غير موجود، وأما حديث الجساسة ففي النفس منه شيء لا يظهر لي بأنه حديث صحيح لما فيه من الاضطراب وفي بعض ألفاظه نكارة. السائل: لكن يوم القيامة ورد شيء من مصيره يوم القيامة؟ الشيخ: كل كافر فهو في النار وهو من الكفار، فالأصل أنه من أهل النار، لأن عيسى عليه الصلاة والسلام هو الذي يقتله على أنه كافر. السائل: سمعنا -يا شيخ- من ينسب إليكم القول بأنه كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة تميم الداري ثم نفيتم وجوده بحديث: (أرأيتكم ليلتكم) ؟ الشيخ: لا، لا، أبداً ما قلنا هذا. السائل نفسه: غير صحيح؟ الشيخ: إي نعم، من أصله، نحن نشك في صحة حديث تميم الداري في قصة الجساسة. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 22 حكم استعمال الوقف في غير ما وقف عليه السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم استعارة بعض الأشياء من المساجد لترميم مدارس أو غيرها كاللاقط إن كان هناك؟ الجواب لا يجوز أن يستعمل الموقوف على جهة في جهة أخرى، فالذي للمساجد من اللاقطات والمصاحف والكتب وغيرها لا يجوز أن ينقل إلى مدرسة ولا إلى مسجدٍ آخر، إلا إذا تعطل المسجد فينقل إلى مسجدٍ آخر، لا إلى المدراس. السائل: يؤخذ لمدة ساعة أو ساعتين؟ الشيخ: ولا دقيقة ولا دقيقتين. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 23 حكم ترك إيقاظ النائم للفجر حتى الشروق السؤال فضيلة الشيخ: أنا أصلي بالناس في مسجد وقد أتأخر بعد صلاة الفجر بالرجوع إلى المنزل حتى أوقظ إخواني مثلاً، فإذا رجعت بعد شروق الشمس هل أوقظهم مباشرة أو أتركهم حتى يستيقظوا وبعد خروج الوقت؟ الجواب لا لا، أولاً: تقدمك في الخروج من المسجد أفضل من كونك تبقى إلى أن تطلع الشمس في المسجد، اخرج أيقظ هؤلاء. السائل: لكن قد اضطر لهذا؟ الشيخ: ولو أتاك أشخاص، لأن بقاءك لهؤلاء الأشخاص سنة، وكونك توقظ من أنت مسئولٌ عنهم واجب. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 24 حكم التأخر عن متابعة الإمام السؤال التأخر عن القيام مع الإمام في قراءة الفاتحة وخاصة عند من يقول: بأن قراءة الإمام تجزي عن قراءة المأموم ما الحكم؟ الشيخ: كيف يتأخر؟ السائل: يتأخر في مدة السجود أو في التشهد أو الجلسة، وإذا به قد شرع في قراءة الفاتحة خاصة عند من يقول: بأن قراءة الإمام تجزئ عن المأموم؟ الشيخ: التأخر عن الإمام خطأ عظيم ومخالف لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، حتى في السجود وهو يدعو لا يتأخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا كبر فكبروا) فأتى بالفاء الدالة على التعقيب، وهي أيضاً جواب الشرط. السائل: حتى في قراءة الفاتحة يا شيخ؟! الشيخ: حتى في قراءة الفاتحة ما يجوز. السائل: ما تجزئ قراءة الإمام للفاتحة عن المأمومين؟ الشيخ: ما تجزئ لابد أن يقرأ المأموم الفاتحة، لابد أن يقرأها قائماً مع القدرة على القيام، ولا يجوز أن يتخلف عنها في السجود، وإذا رأيتم أحداً على هذا فانصحوه، سواء في الفجر أو غير الفجر، قل له: أنت الآن لست مستقلاً أنت تبع إمامك، لا تتقدم عليه ولا تتأخر عليه. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 25 حكم قراءة المأموم للفاتحة في حال النهوض السؤال إذا كان المأموم بطيء النهوض ولا يكاد يقف إلا وقد ركع الإمام، هل يقرأ الفاتحة في حال النهوض، أو يصلي جالساً؟ جزاكم الله خيراً؟ الجواب لا، يقوم ويقرأ ما تيسر من الفاتحة ويكملها ولو ركع الإمام. السائل: هل يقرأ في حال نهوضه؟ الشيخ: لا يقرأ في حال نهوضه؛ لأنه قادر على القيام. السائل: قد لا يدرك إلا آيتين حتى إن الإمام ركع؟ الشيخ: لكن ألا يستطيع أن يقرأ الخمس آيات الباقية؟ السائل: لا يمكنه لأنه بطيء النهوض. الشيخ: والله! لا أدري، نتوقف فيها حتى يفتح الله علينا. السائل: ألا يصلي جالساً؟ الشيخ: ما أدري. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 26 حكم القزع السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم القزع؟ الشيخ: ما هو القزع؟ السائل: أن يحلق بعض الشعر. الشيخ: أنا أفهم يا أخي! أنا أريد هذا السائل أن يعلمني عنه؟ السائل: حلق بعض الرأس وترك البعض. الشيخ: القزع: حلق بعض الرأس وترك بعضه منهي عنه، أقل أحواله الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى غلاماً حلق بعض رأسه دون بعض، فقال: (احلقه كله أو اتركه كله) . الجزء: 168 ¦ الصفحة: 27 الرضعات التي بها يعتبر الراضعون إخوة ولو كثروا السؤال زوجة أخي أرضعت ستة أشخاص فما حكم الرضاعة؟ الشيخ: كم عدد الرضعات؟ السائل: مشبعات. الشيخ: كم هي، ما أقول: هي مشبعة أم غير مشبعة، قل: كم هي؟ السائل: أرضعتهم فترة طويلة. الشيخ: كم هي أربع أم خمس؟ السائل: خمس. الشيخ: كل واحد أرضعته خمس رضعات؟ السائل: نعم. في أوقات متفرقة وكلهم في سن واحد؟ الشيخ: يكون الجميع إخوة من الرضاعة، ويكون أولاد المرضعة إخوة لهم أيضاً. السائل: لقد أرضعت الأخريات أبناءها، فزوجتي أرضعت أيضاً ابنها، وهي أرضعت ابني. الشيخ: يكون ابنك أخاً لأولاد التي أرضعته، ويكون ابنها أخاً لأولادك سواء كانوا قبل أو بعد. السائل نفسه: والذين يأتون من بعدهم؟ الشيخ: والذين بعدهم. السائل: إخوان؟ الشيخ: أي الذين بعدهم من المرأة التي أرضعت لا الذين بعدهم من أم الراضع. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 28 (إذا وجد الماء بطل التيمم) قاعدة فقهية وليست بحديث السؤال هل: (إذا حضر الماء بطل التيمم) حديث؟ الجواب هذا ليس بحديث. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 29 حكم الاستماع إلى الكلام الفاحش السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم استماع الأناشيد الفاحشة؟ الجواب استماع الفاحش من الكلام سواء الأناشيد أو غير الأناشيد لا يجوز؛ لأن الله وصف عباد الرحمن فقال: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] كل شيء حرام لا تستمع إليه ولا تقرأه. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم يوم الخميس إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم جميعاً. الجزء: 168 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [169] شرح الشيخ من سورة النجم الآيات المتعلقة بالآلهة المزعومة مع الله، وكيف أن الله عز وجل أبان اللثام عن حقيقتها المزيفة، وكذا بيان أنها لن تشفع لهم يوم القيامة، وضرب الله المثل بالملائكة الذين عنده فكيف بهذه الأحجار؟! وأجاب بعد هذا عن أسئلة متفرقة في أبواب العبادات والمعاملات والإيمان بالغيب. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والستون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها باللقاء المفتوح، لقاءات الباب المفتوح، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل فيها الخير والبركة، وهي تتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر رجبٍ عام (1418هـ) . وقبل أن نبدأ بموضوع الدرس نزجي الشكر لله عز وجل على نعمه وفضله بهذا الغيث العميم، وهذا المطر القوي الشامل، ونسأل الله تعالى أن يجعل فيه الخير والبركة، وأن يغيث القلوب بالعلم والإيمان إنه على كل شيء قدير. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى) موضوع اللقاء في هذا اليوم هو الكلام على ما تيسر على آيات من سورة النجم، انتهينا فيما سبق إلى آيات في قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] فلما بين الله سبحانه وتعالى ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه العظيمة في الآفاق قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] ؟ وهذا الاستفهام للتحقير والانحطاط أي: انحطاط رتبة هذه الأصنام التي ذكرها الله عز وجل يعني: أخبروني بعد أن سمعتم من آيات الله الكبرى ما سمعتم أخبرونا عن شأن هذه الأصنام ما قيمتها ما مرتبتها ما عزتها، {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] ثلاثة أصنامٍ مشهورة عند العرب يعبدونها من دون الله، ويخضعون لها كما يخضعون لله، ويتقربون إليها كما يتقربون لله عز وجل، ومع ذلك هم يعتقدون أنها لا تنفعهم عند الشدة، إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، وعلموا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا رب العالمين، لكن الشيطان سَوَّلَ لهم وأملى لهم في عبادة هذه الأصنام التي يدعون أنها تقربهم من الله تعالى، كما قال الله عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] ولكنها في الحقيقة لا تقربهم إلى الله بل تبعدهم منه. {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] الثالثة بالنسبة للاثنتين قبلها، (الأخرى) يعني: المتأخرة وكأنها -والله أعلم- دون اللات والعزى في المرتبة عند العرب. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ألكم الذكر وله الأنثى) ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء المشركين: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} [النجم:21] يعني: أتجعلون لكم الذكور ولله الإناث؟! وذلك في قولهم: إن الملائكة بنات الله، وهم لم يشهدوا خلق الملائكة ولم يطلعوا على ذلك، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19] و الجواب لا، لم يشهدوا خلقهم، لكن مع ذلك ستكتب هذه الشهادة عليهم: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] نسأل الله العافية. كانوا إذا بشر أحدهم بالأنثى ماذا يصنع؟ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:58-59] ومع ذلك يجعلون لرب العالمين الذي خلق الذكر والأنثى يجعلون له البنات ويجعلون لأنفسهم البنين، هل هذه القسمة قسمة عدل أو قسمة جور؟ قسمة جور {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] يعني: تلك القسمة وهي أن يجعلوا لله البنات ولهم البنين (قسمة ضيزى) أي: جائرة مائلة عن الحق؛ لأننا لو قلنا: بأنه جائز أن يكون لله ولد، لكان الأولى أن يكون له البنون؛ لأن البنين أعلى من البنات بلا شك، وهو سبحانه وتعالى أعلى من المخلوقين، فيجب أن يكون الأعلى للأعلى والأدنى للأدنى، هذه القسمة العادلة لو كان هناك قسمة. ثم هناك قسمة أخرى دونها في العدل لكن فيها عدل: أن يجعلوا لله بناتاً ولهم بنات، ولله بنين ولهم بنين، لكن ما فعلوا هذا، جعلوا الأدنى للخالق والأعلى لهم، ولهذا قال عز وجل: {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] . الجزء: 169 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) ثم أعاد الله عز وجل بيان حقيقة هذه الأصنام المعبودة، فقال: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم:23] . (إن) هنا نافية بمعنى: ما، وهذا ضابط ينتفع به طالب العلم: أنه إذا أتت (إلا) مثبتة بعد (إن) فـ (إن) هنا تكون نافية، مثل: إن هذا إلا بشر، إن هذا إلا مجتهد، وما أشبه ذلك. فإن هنا نافية، بمعنى: ما هي إلا أسماء سميتموها، يعني: ما هذه الأصنام إلا مجرد أسماء لا حقيقة لها، أسماء سموها إلهاً ومعبوداً ولكن لا حقيقة لذلك، ما هي إلا مجرد أسماء، وهل الاسم يدل على مسماه؟ لا. لو أنك سميت الحديد خشباً ما صار خشباً، ولو سميت الخشب حديداً ما صار حديداً، ولو سميت البغل حماراً لم يكن حماراً. وهكذا، هذه الأصنام يسمونها آلهة هل تكون إلهاً؟ لا. ما هي إلا مجرد اسم، والاسم بلا مسمى لا فائدة منه، ولهذا قال: {إِنْ هِيَ} أي: ما هذه الأصنام والمسميات {إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أنتم المخاطبون الذين أدركوا زمن الرسالة والقرآن ((وآباؤكم)) يعني: الأجداد السابقين، ما هذه الأصنام إلا مجرد اسم {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (ما) نافية يعني: أن الله عز وجل لم ينزل بها دليلاً، وسمي الدليل سلطاناً؛ لأن صاحب الدليل معه سلطة يعلو بها على خصمه، ومن ليس له دليل ليس له سلطان، فالسلطان يأتي دائماً بمعنى الحجة أي: الدليل؛ لأن من معه الدليل فهو ذو سلطة على خصمه. {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ماذا تقولون في (إن) ؟ (إن يتبعون إلا الظن) نافية بمعنى: (ما) بناء على الضابط الذي ذكرته لكم، أنه إذا جاءت (إلا) مثبتة بعد (إن) فإن تكون نافية، (إن يتبعون) أي: هؤلاء وآباؤهم (إلا الظن) أي: الوهم الذي لا حقيقة له؛ لأنهم يقولون: هذه آلهة، على أي شيء اعتمدوا؟ على الوهم، فالظن هنا بمعنى الوهم، أي: ما يتبع هؤلاء لقولهم: أنها آلهة (إلا الظن) أي: الوهم والخيال الذي لا حقيقة له، {إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23] يعني: وما تميل إليه نفوسهم من الباطل. ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23] الجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المحذوف، واللام، وقد، والتعبير على هذا الوجه كثيرٌ في القرآن الكريم، وهو تأكيدٌ بثلاثة مؤكداتٍ كما قلت لكم: القسم، واللام، وقد. القسم تقديره: والله! لقد جاءهم من ربهم الهدى، واللام موجودة و (قد) موجودة، فيؤكد الله عز وجل هنا أنه قد جاءهم من ربهم الهدى، وفي قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ} لم يقل: (من الله) إشارة إلى أنه لا يجوز تلقي الشريعة إلا من عند الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الرب، والرب هو الخالق المالك المدبر. {الْهُدَى} فاعل جاء، والمراد به العلم المقابل بقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} هم يتبعون الظن والعلم جاء من عند الله {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} أي: العلم على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام الذين خُتموا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أم للإنسان ما تمنى) قال تعالى: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} [النجم:24] (أم) هنا منقطعة، لأنها تأتي منقطعة وتأتي متصلة، إذا كان هناك مقابل فهي متصلة، وإذا لم يكن مقابل فهي منقطعة، فإذا قلت: أعندك زيدٌ أم عمرو فهي متصلة، وإذا قلت في مثل هذه الآية: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} فهي بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام يعني: بل أللإنسان ما تمنى؟ والاستفهام هنا للإنكار والنفي أي: ليس للإنسان ما تمنى. كم يتمنى الإنسان من شيء ولكن لا يحصل؛ لأن هناك مدبراً وهو الله عز وجل، فليس للإنسان ما تمنى، إشارة إلى رد صنيع هؤلاء المشركين الذي يعبدون أصناماً يقولون: إنها تقربهم إلى الله، فهل لهم ذلك؟ الجواب ليس لهم ذلك، لا تقربهم. أيضاً رداً لقولهم: إن لله البنات ولهم البنين، هل لهم ذلك؟ لا. هم وإن تمنوا هذا وصار في مخيلتهم فإنه لا يحصل ذلك؛ لأن لله الآخرة والأولى، ولهذا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [النجم:25] وليس للإنسان ما تمنى، كثيراً ما يتمنى الآن في الحياة اليومية كثيراً ما يتمنى الإنسان شيئاً ولكن لا يحصل كثيراً ما يتمنى الشيء ويسعى في أسبابه ولكن لا يحصل؛ لأن الأمر بيد الله جل وعلا، ولهذا قال: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} وبدأ بالآخرة؛ لأن ملك الله عز وجل في الآخرة يظهر أكثر مما في الدنيا، الدنيا فيها ملوك ورؤساء وزعماء يرى العامة أن لهم تدبيراً، لكن في الآخرة لا يوجد هذا، {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] هكذا قال الله عز وجل. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وكم من ملك في السماوات والأرض) قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26] (كم) تكثيرية؛ لأنها تأتي تكثيرية يعني: كثيراً ما، وتأتي استفهامية، فإذا قلت لك: كم مالك؟ استفهامية، وفي قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف:4] لتكثيرها، هنا {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} يعني: كثيرٌ من الملائكة في السماوات لا تغني شفاعتهم، وهنا يقول: {كَمْ مِنْ مَلَكٍ} وما أكثر الملائكة كما قال الله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26] . {فِي السَّمَاوَاتِ} لا في الأرض، والسماوات أعلى من الأرض، إذا كان هؤلاء الملائكة الكرام الذين مقرهم السماوات -إلا من أذن له أن ينزل الأرض- إذا كانت شفاعتهم لا تنفع، فهل يمكن أن تنفع شفاعة اللات والعزى ومناة؟!! الجواب لا. يعني: كأن الله يقول لهؤلاء: ما أصنامكم هذه التي تستشفعون بها على الله، (كم من ملك) وهو أشرف من هذه الأصنام (في السماوات) وهي أشرف من الأرض (لا تغني شفاعتهم شيئاً) لو شفع ما تغني إلا بشرطين: (إلا أن يأذن الله لمن يشاء) من الملائكة أن يشفع فيشفع، (ويرضى) أن يرضى عن المشفوع له، وكذلك عن الشافع؛ لأنه لا يمكن أن يأذن للشافع إلا بعد أن يرضى عنه، ولابد أن يرضى عن المشفوع له، وإلا فلا تنفع الشفاعة كما قال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] فأصنامكم هذه لن تنفعكم ولن يقبل الله شفاعتها، فشروط الشفاعة الآن ثلاثة: الأول: رضا الله عن الشافع: بأن يكون أهلاً للشفاعة لكونه من المقربين إلى الله عز وجل. والثاني: أن يرضى عن المشفوع له: بأن يكون أهلاً لأن يشفع له، أما الكافر فما تنفعهم شفاعة الشافعين. الثالث: الإذن: لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] . فلابد من شروطٍ ثلاثة: رضا الله عن الشافع، وعن المشفوع له، وإذنه في الشفاعة. {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} وهذا فيه تيئيس هؤلاء المشركين من شفاعة آلهتهم لهم. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 169 ¦ الصفحة: 8 حكم قرض المال مع اشتراط نصف أرباحه السؤال فضيلة الشيخ: استلف رجلٌ مالاً من آخر مقابل أن يأخذ نصف الربح الذي سيصيبه المدين، فهل هذا الأمر جائز بارك الله فيكم؟ الجواب رجل استلف من شخص مالاً يتجر به على أن يكون للمقرض نصف الربح، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم: أن كل قرض جر منفعة فهو ربا، لكنْ خيرٌ من ذلك أن يقول: خذ هذا المال اتجر به ولك نصف ربحه، إذا قال قائل: ما الفرق بين هذا وهذا؟ الآن فهمنا أنه لو أقرضه عشرة آلاف ريال وقال: هذه عشرة آلاف ريال قرضاً على أن لي نصف الربح. الجواب: حرام أم حلال؟ حرام؛ لأنه قرضٌ جر نفعاً. لكن لو قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح؟ حلال، ما الفرق؟ الفرق أنه في القرض لو خسر المال تكون الخسارة على المدين؛ لأنه استقرض عشرة آلاف وثبت في ذمته عشرة آلاف، لكن في مسألة المضاربة إذا قال: خذ عشرة آلاف اتجر بها ولك نصف الربح، إذا خسر المال أو تلف يكون ذلك على المضارب الذي دفع المال. ولا تفصيل إلا هذا الذي قلته، رجل أقرض مالاً عشرة آلاف ريال وقال: اتجر به ولي نصف الربح، اتجر الرجل بالمال وخسر أو تلف، من يضمن العشرة ألف؟ نفس المقترض، سلم عشرة للذي أقرضه. المسألة الثانية: أعطاه عشرة الآلاف قال: خذ هذه عشرة آلاف مضاربة اتجر بها ولك نصف الربح، ثم إن الله قدر على هذا المال واحترق على من يكون؟ على صاحب المال، وهذا فرق واضح. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 9 حكم تأخير المسافر لصلاة دخل وقتها وهو في الحضر السؤال إذا خرج المسافر من بلده بعد دخول وقت صلاة تجمع مع ما بعدها هل له تأخيرها بعد خروج وقتها ليجمعها في وقت التي بعدها؟ الجواب إذا خرج المسافر بعد دخول وقت صلاة الظهر مثلاً، والظهر تجمع مع العصر، فله إذا خرج أن يجمع ويقصر، حتى وإن كان دخول الوقت في حال الحضر؛ لأن العبرة بفعل الصلاة لا بوقت الصلاة، هذا هو الضابط. وبناء على ذلك: لو وجبت صلاة الظهر وأنت في السفر ثم قدمت بلدك فصل أربعاً مع أنها وجبت عليك ركعتين، لكن تصلي أربعاً لأن العبرة بالفعل، ولو دخل وقت الصلاة وأنت في بلدك ثم سافرت وصليت في البر، صليت ركعتين؛ لأن العبرة بفعل الصلاة. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 10 عورة المرأة بين محارمها وفي مجتمعات النساء السؤال فضيلة الشيخ: ما هو الحد الذي يجوز للمرأة أن تخرج من يديها عند المحارم وفي مجتمعات النساء؟ الجواب الذراع والساق والرقبة والرأس والوجه كل هذا جائز، لكن ليس معنى هذا: أن تتخذ المرأة ثياباً تكون إلى الركبة أو إلى المرفق، لا، لابد أن تتخذ ثياباً ساترة واقية، لكن لو قدر أنها كشفت عن ذراعيها لشغل ما، وحولها نساء أو محارم فلا بأس، أو رفعت ثوبها لسبب وظهر ساقها وعندها محارم أو نساء فلا بأس، ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين اللباس وبين ما يمكن أن يُرى؛ اللباس لابد أن يكون لباس المرأة واقياً ساتراً حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أذن للنساء أن يرخين ثيابهن شبراً إلى الأرض من أجل أن تستتر الأقدام قالوا: يا رسول الله! إذاً: تنكشف أقدامنا، فأذن لهن أن يرخينه إلى ذراعاً، وهذا يدل على أن اللباس شيء والنظر شيء آخر. السائل: ولو ارتدت ثياباً إلى المرفق وإلى الركبة؟ الشيخ: نرى أنه لا يجوز؛ لأن المرأة يجب أن تتستر، وفتنة المرأة عظيمة، وأنا أقول لك: لو جوزنا أن تلبس المرأة إلى المرفق أمام النساء، أتدري ماذا يحدث؟ سوف يكون بعد زمنٍ قريب إلى الكتف وما أسرع النساء إلى عدم التستر، فنحن نمنع هذا من باب سد الذرائع. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 11 معنى قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله) السؤال فضيلة الشيخ: ما المراد بقول الله تعالى في سورة الأعراف: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] ؟ الشيخ: يعني: أن الشيطان يرانا ونحن لا نراه. السائل: والمراد بالقبيلة؟ الشيخ: القبيلة هذه من جنسه والمراد ذريته، والمعنى: أن نحذر من الشيطان؛ لأنه يرانا ونحن لا نراه، فربما يكون قريباً منا ونحن لا نشعر، فحذرنا الله عز وجل من ذلك أن نأخذ الحيطة في عدم الركون إلى الشيطان وأوامره. السائل: وهل يفهم من قوله: (من حيث لا ترونهم) عدم إمكانية رؤية الإنس للجن؟ الشيخ: هذا هو الأصل، لكن قد يكشفهم الله عز وجل ويراهم الناس. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 12 حكم استخدام التاريخ الميلادي السؤال فضيلة الشيخ: سؤالي يتكون من شقين: الأول: هو أن بعض الناس يقولون: لا نقدم التاريخ الميلادي على التاريخ الهجري من أجل الموالاة والمناصرة، ولكن التاريخ الميلادي أضبط من التقويم الهجري من ناحية يرونها، ويقولون: إن أغلب الدول تستخدم هذا التقويم؛ فلم نشذ ونخالفهم؟ الجواب الواقع أن التوقيت بالأهلة هو الأصل لكل البشر، هذا هو الأصل، اقرأ قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] للناس كلهم، واقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36] فما هذه الأشهر؟ الأشهر بالهلالية، ولهذا فسرها النبي عليه الصلاة والسلام أعني الأربعة، بأنها: رجب مضر، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذا هو الأصل، وهذه الشهور التي بين أيدي الناس الآن شهور وهمية، ليست مبنية على أساس، ولو كانت بروجاً لكان لها أساس، البروج واضحة في السماء ومعروفة نجومها وأوقاتها، لكن هذه الوهمية ما لها أساس إطلاقاً بدليل بعضها يكون ثمانية وعشرين، وبعضها يكون واحداً وثلاثين، ليست مبنية على الأصل. لكن إذا ابتلينا وصار لابد من ذكر التاريخ الميلادي، فلماذا نعدل عن التاريخ الهجري العربي الشرعي إلى هذا التاريخ الوهمي الذي ليس له أساس؟! بالإمكان جداً أن نؤرخ بالتاريخ العربي ثم نقول: الموافق كذا، نظراً إلى أن كثيراً من البلاد الإسلامية لما استعمرها الكفار حولوا التاريخ إلى تاريخهم استعباداً واستذلالاً للشعوب. فنقول: إذا ابتلينا وصار لابد أن نذكر التاريخ الميلادي فليكن أولاً بالعربي الهجري الشرعي ثم نقول: الموافق كذا. السائل: الشق الثاني من السؤال: وهو أن بعض الشركات تقول: نحن لا نستخدم هذا التاريخ الميلادي لأجل الموالاة ولكن الشركات العالمية التي نتعامل معها تعمل بهذا التاريخ، فلابد من أن نتعامل بهذا التقويم وإلا ففيه ضرر علينا من ناحية المواعيد والتسليم والصادر والوارد وما إلى ذلك فما الحكم؟ الجواب: الحكم سهل ألا يمكن أن نجمع بينهما تقول: اتفقت أنا وفلان على كذا وكذا في يوم الأحد الموافق كذا من الشهر الشرعي العربي، ثم تذكر الميلادي، هل هو يمكن؟ السائل: بلى، ممكن. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 13 حكم زيادة (وبركاته) في السلام السؤال فضيلة الشيخ: هل الأفضل في السلام من الصلاة زيادة (وبركاته) وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟ الجواب الحديث الوارد في هذا تكلم فيه العلماء فأنكره بعض أهل العلم كـ النووي رحمه الله وقال: إنه ضعيف، ولا يعتمد عليه ولا يزاد (وبركاته) وهذا هو الأصل: أنك لا تزيد (وبركاته) ؛ لأنها لم تصح، والأحاديث كثيرة متكاثرة على الاقتصار على (ورحمة الله) . الجزء: 169 ¦ الصفحة: 14 مذهب الإمام أحمد في الدعاء للسلطان السؤال فضيلة الشيخ: هل ثبت عن الإمام أحمد أنه قال: (إذ رأيت الرجل يدعو لولي الأمر فاعلم أنه صاحب سنة) ؟ الجواب والله! لا أدري، لكنه إن لم يكن ثابتاً عنه بالسند فهو مذهبه في الحقيقة؛ لأنه روي عنه وعن الفضيل بن عياض رحمهما الله أنهما قالا: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، فلا يبعد أن يكون هذا؛ لأن الذي لا يدعو للسلطان فيه بدعة من بدعة قبيحة، وهي: الخوارج -الخروج على الأئمة- ولو كنت ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم لدعوت للسلطان؛ لأن السلطان إذا صلح صلحت الرعية، أما بعض الناس إذا رأى من سلطانه انحرافاً وقيل: ادع الله أن يهديه، قال: لا لا هذا لن يهديه الله، ولكن أدعو الله أن يهلكه إذاً! كيف لا يهديه الله، أليس الله هدى بعض أئمة الكفر؟!! هداهم، ثم إذا قدر أن الله أهلكه كما تحب أنت الآن من الذي يتولى بعده؟ من البديل؟ الآن الشعوب العربية التي قامت على الثورة اسأل أهل البلدان: أيها أحسن: عندما كانت البلاد ملكية أو لما كانت ثورية؟ سيقولون بلسان واحد بآن واحد قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم: عندما كانت ملكية أحسن بألف مرة، وهذا شيء واضح. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 15 حكم الكلام في خطبتي العيد والاستسقاء السؤال فضيلة الشيخ: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (من مس الحصى فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له) هل ينطبق ذلك على خطبة العيد أو الاستسقاء؟ الجواب العلماء رحمهم الله يقولون: إنه لا ينطبق، تحريم الكلام خاص بخطبة الجمعة، ولا شك أن الوعيد الخاص يكون في العمل الخاص الذي رتب عليه الوعيد، لكن لا أرى أن الإنسان في خطبة العيد أو في خطبة الاستسقاء لا أرى أن يتحدث إلى أحد، نقول: إما أن تنصت وتتبع المسلمين وإما أن تنصرف، خطبة الجمعة لا يمكن الانصراف منها، وخطبة الاستسقاء والعيدين للإنسان أن ينصرف، ولهذا كان من حكمة كونهما بعد الصلاة أن الإنسان يكون بعد الصلاة حراً إن شاء بقي لاستماع الخطبة وإن شاء انصرف، بخلاف خطبة الجمعة يجب حضورها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] . الجزء: 169 ¦ الصفحة: 16 وجوب الإيمان بالغيب دون العلم بالكيف السؤال فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونبهنا كثيراً على أن السائل إذا سأل لا يحتاج إلى تقديم السلام؛ لأنه جالس معنا، والسلام إنما يكون من القادم. السؤال: يقول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] فإذا كانت الجنة عرضها كعرض السماء والأرض فأين تكون النار؟ الجواب أولاً هذا السؤال غير وارد يا أخي! لم يورده إلا يهودي على الرسول عليه الصلاة والسلام، والمسلم لا يورد هذا السؤال، المسلم إذا أخبره الله بخبر يقول: آمنا وصدقنا ولا يعترض. (عرضها السماوات والأرض) هل هو الآن أم فيما بعد؟ وإذا قدر أنه الآن فالجو واسع ما فوق السماوات فضاء لا يعلم مدى سعته إلا الله عز وجل. فأولاً: يجب علينا -أيها الإخوة- أن ما أخبر الله به من أمور الغيب أن نقول: آمنا وصدقنا، ولا نورد إيرادات؛ لأن الأمر فوق مستوى عقولنا، وهذه قاعدة في أمور الغيب المتعلقة بالله عز وجل أو بمخلوقاته، أليس الناس في يوم القيامة في صعيدٍ واحد؟ بلى. في صعيدٍ واحد، بعضهم يلجمه العرق حتى يصل إلى فمه، وبعضهم إلى كعبيه وهم في مكانٍ واحد، هل يقول قائل: كيف يصير هذا، أم يقول: آمنا وصدقنا؟ يقول: آمنا وصدقنا، فأمور الغيب أوسع من عقولنا -يا رجل- لا يصح أن تورد مثل هذا الإيراد على أمور الغيب، أمور الغيب إذا صحت في القرآن والسنة فما موقفنا منها إلا السمع والإيمان والتصديق. أما هذا اليهودي الذي أورد هذا على الرسول فقد قال له: (أين الليل إذا ذهب النهار؟) فأبطل حجته بأمرٍ محسوس. فعلى كل حال: النصيحة أكبر من هذا السؤال، وهي أن أمور الغيب لا يمكن أن يجرى عليها كلمة (لم) أبداً، ولا كلمة: (كيف) لأن الأمر فوق عقولنا، وما أنت أيها الإنسان! هل أحصيت علم كل شيء؟ أبداً، إذا ما بقي عليك إلا هذه المسألة من العلوم، تلك الساعة نتعب ونبحث عن المخرج، ولهذا لما سألوا الرسول عن الروح ماذا قال الله لهم؟ قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] أمر ما تستطيعون أن تدركوه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] سبحان الله! يعني: هل عثرتم على كل العلوم إلا علم الروح؟!! أكثر العلوم فاتتكم {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وهذا عجب! روحك التي بين جنبيك والتي لا قوام لك إلا بها لا تدري ما هي؟! نحن لا نعلم من الروح إلا ما جاءت به النصوص في القرآن والسنة وإلا فلا ندري. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 17 حكم إعادة صلاة المغرب تنفلا ً السؤال فضيلة الشيخ: شخصٌ صلى المغرب ودخل شخصٌ آخر فأراد أن يتصدق عليه فصلى معه، وبعد الصلاة قال له أحد الإخوان: لابد أن تأتي بركعة لأنك صليت وتر النهار؟ الجواب الصواب: لا، لا يأت بركعة؛ وذلك أن صلاة المغرب هذه معادة وليست صلاةٍ مستقلة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين تخلفا عن الصلاة معهم في الفجر: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) ولم يقل: إلا المغرب فاشفعوها. فالمهم أن الإنسان إذا صلى المغرب معادة فإنه لا يشفعها، وإنما يأتي بها ثلاثية. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 18 حكم مس المصحف للصغار بدون وضوء السؤال فضيلة الشيخ: وفقكم الله تعالى: هل تشترط الطهارة في مس المصحف، وكذلك قراءة القرآن خصوصاً في المدارس عند الطلاب والطالبات وفقكم الله؟ الجواب أما قراءة القرآن بلا مس فتجوز بلا وضوء، لكن الوضوء أفضل، وأما مس المصحف بدون حائل فالصحيح أنه لا يجوز ممن لم يتوضأ، لابد من الوضوء، لكن الصغار الذين دون التكليف ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجب عليهم الوضوء لعدم تكليفهم، والمقصود بقراءتهم هو التعليم دون القراءة. فأنا أقول: بالنسبة للصغار كما يقول العامة: (أكرب وجهك وأرخ يديك) يعني: مرهم بالوضوء لكن لا تشدد عليهم. وإلى هناك ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء قادمٍ إن شاء الله تبارك وتعالى. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 169 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [170] تحدث الشيخ في مطلع هذا اللقاء عن أحكام الجمع في المطر، وضابط ذلك، وانقسام الناس فيه إلى متساهل ومتشدد ومعتدل، وتطرق في آخر كلامه إلى جمع المسافر للصلاة. وعقب ذلك بدأ بالإجابة عن الأسئلة، وكانت في أبواب متفرقة من العبادات والمعاملات والأخلاق. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 1 أحكام جمع الصلاة بسبب المطر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السبعون بعد المائة الذي يتم كل يوم خميس والمسمى بلقاء الباب المفتوح، وهذا الخميس هو الثالث عشر من شهر رجب عام (1418هـ) . نتكلم فيه الآن عما أنعم الله به على هذه البلاد في هذا الأسبوع من كثرة الأمطار الغزيرة العامة -ولله الحمد- ولا شك أن كثرة الأمطار من نعم الله تبارك وتعالى التي يستحق عليها أن يشكر ولا يكفر، وأن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، هذه الأمطار لا يعلم متى تنزل إلا الله عز وجل، ولا يستطيع أحد أن ينزلها إلا الله عز وجل، ولا يستطيع أحدٌ أن ينبت الأرض بها إلا الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] . ولا شك أن هذه الأمطار قد يحصل فيها شيءٌ من الضرر على بعض الناس إما بتلف المواشي، أو بتهدم البناء، أو بفساد الزروع، وكل هذا بتقدير الله سبحانه وتعالى، فالواجب علينا إزاء هذا الذي يحصل الصبر والاحتساب، والاتعاظ والعبرة، وأن نقيس ما حصل عندنا بما يحصل في بلادٍ أخرى من الفيضانات العظيمة المدمرة تدميراً واسعاً شاملاً؛ حتى يتبين أن ما أصاب بعض الجهات من هذه الأمطار من الأذى لا ينسب إلى ما نسمعه في البلاد الأخرى، فلله الحمد والمنة. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 2 دليل الجمع في المطر إن هذه الأمطار قد يحصل بها أذىً عند أداء الصلاة مع الجماعة إما حال نزول المطر، وإما بآثاره من كثرة المناقع في الأسواق أو الوحل، وإذا حصل هذا فإن الله سبحانه وتعالى قد يسر لعباده وأباح لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فيما رواه مسلم في صحيحه: (جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير خوفٍ ولا مطر) فقوله: (ولا مطر) يدل على أن من عادته أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء للمطر؛ لما يلحق الناس من الأذى في الحضور إلى المساجد، ولكن انقسم الناس في هذا إلى ثلاثة أقسام: الجزء: 170 ¦ الصفحة: 3 أقسام الناس في الجمع في المطر قسم فرط، وقسم أفرط، وقسم معتدل. - أما الذي فرط فهو الذي لا يعتبر هذا شيئاً يبيح الجمع؛ فتجده لا يجمع حتى وإن شق الحضور إلى المسجد مشقة كبيرة، فإنه لا يجمع، حتى لو قال له أهل المسجد: اجمع بنا، لا يجمع، وهذا غلط، يخشى على هذا أن يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) لكن لا عبرة بالرجل والرجلين من جماعة المسجد، يعني مثلاً: لو كانت المشقة تكون لرجل أو رجلين أو ما أشبه ذلك دون بقية الجماعة فلا عبرة بهؤلاء، العبرة بالأكثر، وهؤلاء الأقل إذا كان يشق عليهم أن يحضروا إلى المسجد في الصلاة الثانية فلهم الرخصة أن يصلوا في بيوتهم، كما جاء في الحديث: (الصلاة في الرحال) . ومن الناس من هو على عكس هذا: فتجده يجمع بدون مشقة، حتى لو نزلت نقط يسيرة من المطر جمع، وبعضهم إذا رأى السماء ملبدة بالغيوم جمع، وهذا أيضاً محرم ولا يحل، ومن جمع لغير عذرٍ فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وسيتقلد آثام هؤلاء الذين صلوا قبل الوقت؛ لأن جمع الثانية للأولى معناه صلاتها قبل وقتها، وهذا حرام، إنما لابد من مشقة، إما من مطرٍ نازل يبل الثياب بحيث تتشرب الثياب المطر حتى تنعصر إذا عصرت، وإما بمشقة الطريق، وأما بدون مشقة فإنه لا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] وقد بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوقات هذه الصلوات، فلا يحل أن نتعدى حدود الله فنجمع بدون عذرٍ شرعي. - ومن الناس من هو معتدل مستقيم إذا رأى المشقة جمع، وإذا لم يكن ثَمَّةَ مشقة لم يجمع، فهذا الذي هو على هدى مستقيم، وهو الناصح لنفسه ولمن وراءه من الجماعة. لهذا يجب على طلبة العلم أن يبينوا للأئمة هذه المسألة بياناً واضحاً حتى لا يتجرأ أحدٌ على الجمع بدون عذر، ولا يتأخر أحدٌ عن الجمع إذا وجد عذراً. واعلم أنه لا يصح أن تجمع العصر إلى الجمعة. مثلاً لو كان يوم الجمعة والأمطار كثيرة والناس يصلون يوم الجمعة في المسجد فإنه لا يحل لهم أن يجمعوا إليها العصر؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الأمطار كانت في عهد الرسول في يوم الجمعة وغير يوم الجمعة، فإنه لما استسقى على المنبر لم ينزل من منبره حتى نزل المطر وجعل يتحادر على لحيته، ولم يجمع العصر إليها، ولا يصح أن تقاس الجمعة على غيرها؛ لأن الجمعة صلاةٌ فريدة تختلف عن الظهر اختلافاً كثيراً، ولأنه لا قياس في العبادات؛ العبادات يتمشى فيها على ما جاءت به الشريعة، ولا يمكن أن يقيس أحدٌ في العبادات فيثبت عبادة لم تكن معروفة قياساً على عبادة أخرى. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 4 أسباب الجمع في المطر أثناء السفر وغيره ثم اعلم -أيها المستمع الكريم- أن الجمع له سبب: وهو المشقة أو مظنة المشقة: المشقة كما ذكرنا في المطر. ومن ذلك أن تكون الليلة باردة ذات ريحٍ تؤلم الناس، فيجوز الجمع؛ لدعاء الحاجة إليه، ولأن المشقة في الوصول إلى المسجد في مثل هذه الحال أعظم من المشقة في الوصول إلى المسجد بالمطر. كذلك يجوز الجمع للمريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاةٍ في وقتها، سواء كان ذلك لضعفٍ في البدن، أو لعدم استمساك البول أو الغائط أو الريح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز للمستحاضة أن تجمع؛ لأنها يشق عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة، فكل من حدثه دائم فإنه يجوز له أن يجمع لمشقة الوضوء عليه لكل صلاة. ومن ذلك، أي: مما يباح له الجمع: إذا أراد الإنسان سفراً وخاف ألا يتيسر له أن يصلي الصلاة المقبلة في وقتها فله أن يجمع، مثل: أن تصادف الصلاة الثانية وهو في الطائرة أو في سيارة لا يتمكن من إيقافها أو ما أشبه ذلك فله أن يجمع لتعسر الصلاة المقبلة عليه في وقتها، والجمع -والحمد لله- واسع. ومن ذلك، أو مما يباح الجمع من أجله السفر: إذا كان الإنسان مسافراً جاز له الجمع سواء كان سائراً أو نازلاً، لكن السائر نأمره بالجمع ونقول: اجمع اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم، والنازل نقول له: الأفضل ألا تجمع، وإن جمعت فلا بأس، هذا إذا لم يكن في بلدٍ تقام فيه الصلاة جماعة، فإن كان في بلدٍ تقام فيه الصلاة جماعة وجب عليه أن يصلي مع الناس؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل في ترك الجماعة فرخص له، فلما ولى دعاه وقال: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب) وما يتوهمه بعض العوام من أن المسافر ليس عليه جماعة فهو لا أصل له، المسافر والمقيم كلٌ منهما عليه الجماعة، والدليل: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتخلف أحد من أصحابه عنه في السفر كلهم يصلوا جماعة، ولأن الله تعالى أمر في صلاة الخوف أن يصلون جماعة وهم مسافرون وخائفون، فدل ذلك على أن السفر لا يسقط الجماعة عن الناس. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 170 ¦ الصفحة: 6 أجر تدارس كتاب الله في غير المساجد السؤال فضيلة الشيخ! الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل لو اجتمع قومٌ في غير بيت من بيوت الله ويتدارسون في كتب الفقه والعقيدة والتفسير والحديث وغير ذلك فهل ينالون مثل هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى، أم أنهم أقل درجة من أولئك؟ الجواب إذا دل الكتاب والسنة على ثوابٍ معين بصفةٍ معينة فإننا لا نتعداه، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) وبيوت الله هي المساجد، فإذا اجتمع قومٌ في غير المساجد فإنه لا يكتب لهم هذا الأجر لكنهم في اجتماعهم على خير ولا شك، أما الأجر الخاص الذي رتب على هذا العمل الخاص فإنه لا يحصل إلا بالأوصاف التي اعتبرها الشارع. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 7 صحة حديث: (لو أن عبادي أطاعوني ولم يعصوني لأنزلت عليهم المطر ولم أسمعهم صوت الرعد) السؤال بالنسبة للحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى: (لو أن عبادي أطاعوني ولم يعصوني لأنزلت عليهم المطر ولم أسمعهم صوت الرعد) هل هذا الحديث صحيح؟ الجواب والله! لا أعلم هذا الحديث، لكن المعروف أن الرعد من الظواهر الطبيعية الملازمة في الغالب للغيوم، ثم إن الرعد ليس من الأشياء المخيفة حتى يكون رفعه من الجزاء والثواب، صحيحٌ أن الصواعق مخيفة وقد تكون عقاباً، فالله أعلم بصحة الحديث. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 8 حكم قضاء راتبة الظهر بعد العصر السؤال ما صحة الحديث الذي روته أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر) ؟ الجواب هذا صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن الركعتين بعد الظهر جاءه وفد فانشغل بهم ثم قضاها بعد صلاة العصر، ثم داوم عليها؛ لأن من عادته أنه إذا عمل عملاً أثبته فأثبتها عليه الصلاة والسلام، لكن غيره لا يحل له ذلك، له أن يصلي راتبة الظهر إذا فاتته بنسيان أو انشغال بعد صلاة العصر لكنه لا يداوم على هذا، فهذا وجه الحديث. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 9 وجوب صلاة الجماعة على المسافر السؤال فضيلة الشيخ: إذا وجد مجموعة من المسافرين في بلد فهل تجب عليهم الصلاة في المسجد؟ الجواب إي نعم. الجماعة إذا أقاموا في بلد تجب عليهم صلاة الجماعة، إلا إذا كان المسجد بعيداً عنهم. السائل: أقاموا يوماً أو يومين؟ الشيخ: سواء أقاموا يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين فتجب عليهم الجماعة، إلا إذا شق عليهم هذا يصلون وحدهم في مكانهم. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 10 وجوب إنكار المنكر على كل من يراه وكيفية طريقة الإنكار السؤال فضيلة الشيخ: أحسن الله إليك: هل يلزم على كل من رأى منكراً أن ينكره؟ الجواب نعم، يلزم كل من رأى منكراً أن ينكره لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) لكن كيف ينكر؟ هذا هو المهم! هل ينكر بعنف ويصيح بهذا الرجل ويسبه؟ أو يداريه وينكر عليه بالتي هي أحسن؟ هذا هو المهم، وهذا هو الذي يفوت كثيراً من الإخوة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، تجدهم يستعملون العنف وربما يكون في قلبه أنه يريد أن ينتصر لنفسه مثلاً، وهذا غلط، الواجب عند النهي عن المنكر أن تريد بذلك إصلاح أخيك، وإذا كنت تريد هذا فاسلك أيسر السبل لإصلاحه. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 11 حكم الاتفاق على عدم المزايدة في المزاد السؤال هناك ثلاثة أشخاص يذهبون للمزاد ثم يمتنع اثنان منهم عن الدخول في المزايدة حتى لا يرتفع سعر السيارة، وينصبون شخصاً منهم لشراء السيارة، وبعد أن ينتهي من شراء السيارة، يعملون عليها مزايدة حتى يأخذها واحد منهم، فإذا كان السعر الأصل مثلاً خمسة آلاف ثم بعد المزايدة وصلت ستة آلاف يأخذها الشخص الذي يرضى بهذا السعر، ثم يقسمون المبلغ الزايد الألف الريال على الثلاثة الأشخاص؟ الجواب خلاصة السؤال: إذا اتفق جماعة على ألا يتزايدوا وهذا فيه تفصيل، إذا لم يكن في السوق من يشتري هذه السلعة إلا هؤلاء فهو حرامٌ عليهم؛ لأن هذا بمنزلة الاحتكار، وإذا كانت السلعة يشتريها هم وغيرهم فلا حرج عليهم؛ لأنهم إذا لم يزيدوا زاد غيرهم وانتهت المشكلة. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 12 حكم مشاهدة المباريات الرياضية السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز النظر للمباراة في التلفزيون؟ الجواب النظر إلى المباراة في التلفزيون أنا أسألك ما الفائدة منها؟ السائل نفسه: اختلفت أنا وشخص حول المسألة فقلت له: أولاً: إضاعة الوقت وثانياً: تظهر عورات لأنهم ما يغطون إلا نصف فخوذهم، فقال: لا. بل جائز، قلت: أسأل لك ابن عثيمين. الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وإذا نهينا عن القول إلا أن يكون خيراً فالفعل من باب أولى، فالنظر للمباراة في الواقع فيها محاذير، منها: إضاعة الوقت؛ لأن المبتلى في هذا تجده ينهمك فيه حتى يضيع عليه أوقات كثيرة، وربما أضاع عليه الصلاة مع الجماعة وربما أضاع عليه الصلاة في الوقت. ثانياً: أنه ينظر إلى قومٍ كشفوا نصف أفخاذهم، والفخذ عورة عند كثيرٍ من العلماء، والذي نرى أن الشباب لا يجوز له أن يظهر شيئاً من فخذه لا سيما إذا كان مرتفعاً عن الركبة كثيراً. ثالثاً: أنه ربما يقع في قلبه تعظيم من يفضل غيره مع أنه من أفسق عباد الله أو من أكفر عباد الله، فيقع في قلبه تعظيم من لا يستحق أن يعظم، وهذا لا شك أنه محذور. رابعاً: أنه يترتب عليه إضاعة المال؛ لأن هذا الجهاز يكون على الطاقة الكهربائية ويستهلك وإن كان الاستهلاك يسيراً لكنه مادام لا فائدة فيه لا في الدين ولا في الدنيا فإنه يعتبر إضاعة مال. خامساً: أنه ربما يؤدي إلى النزاع والخصومة، فإذا كان يشجع هذا النادي أو هذا الفريق وغلب، وهناك آخر يشجع النادي الآخر أو الفريق الآخر حصل بينهم نزاع، ومطاولة في الكلام. لهذا أقول: نصيحة للشباب خصوصاً ولغيرهم عموماً: ألا يضيعوا أوقاتهم في مشاهدة هذه المباراة، وليفكروا ملياً: ماذا يحصل من مشاهدتها؟ ما الفائدة؟ ثم إن في بعض المباريات تجدهم مثلاً يتراكضون ثم يتضامون بعضهم إلى بعض، وربما يركب بعضهم على كتف الآخر وما أشبه ذلك من الأفعال التي تنافي المروءة. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 13 زكاة التمور السؤال فضيلة الشيخ! في فتوى لكم هنا في زكاة التمور عندما سئلتم: ألا يخرج زكاة كل نوعٍ منه؟ قلتم: المشهور في مذهب الحنابلة إخراج زكاة كل نوعٍ ولو شق ذلك، والصواب: أنه مع المشقة يؤخذ من النوع الوسط إذا تساوت الأنواع، إلى هنا الكلام فهم، لكن ما المقصود بقولكم: وإلا فينظر إلى القيمة ويؤخذ من أحد الأنواع بقدر القيمة؟ الشيخ: قيمة النخل كله، التمور جميعاً ويقال مثلا: قيمة الوسط كذا وكذا، يؤخذ من قيمة الوسط. السائل: يعني: نفرض مثلاً سبعين كيلو سكري، وخمسمائة كيلو نوع وسط، وألف كيلو مثلاً نوع رديء كيف الآن نقيم؟ الشيخ: مثلاً: إذا قالوا السكري نصف القيمة، والثاني ثلث القيمة، والثالث سدس القيمة، نضم بعضها إلى بعض ونخرج إما نصف العشر أو العشر حسب الواجب من الوسط، وإذا شئت شيئاً آخر فقدر القيمة عموماً ثم أخرج من القيمة نصف العشر أو العشر وهذا سهل. السائل: من القيمة كلها؟ الشيخ: من القيمة كلها. السائل: نخرجها قيمة أو نخرجها تمراً؟ الشيخ: إن أردت أن تخرجها تمراً فانظر إلى الوسط، وإن أردت فيها دراهم وهو الذي نراه أولى في الوقت الحاضر؛ لأن الناس يحبون الدراهم أكثر من التمر فأخرج من الدراهم. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 14 حكم صلاة من جلس للتشهد الأول مرتين ناسيا ً السؤال فضيلة الشيخ: صلى أحد الأشخاص صلاةً رباعية، وبعد الركعة الأولى جلس للتشهد ثم جلس بعد الثانية، ولم يسبح أحد ما حكم الصلاة؟ الشيخ: يعني: جلس مرتين؟ السائل: نعم. الشيخ: ناسياً؟ السائل: نعم. الشيخ: ليس عليه شيء، الصلاة صحيحة، لكن يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام؛ لأن هذا السهو عن زيادة، والسهو إذا كان عن زيادة فإن سجوده يكون بعد السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سهى فسلم من ركعتين من الظهر أو العصر ثم ذكروه: أتم الصلاة ثم سجد بعد السلام، ومرة صلى الظهر خمساً فلما سلم أخبر بأنه زاد فثنى رجليه وسجد سجدتين. السائل: ما حكم جلوسه للتشهد مرة ثانية؟ الشيخ: قلت: لا بأس، هو ناس غير متعمد، هذا الجلوس معفوٌ عنه؛ الجلوس الأول الذي سها فيه معفواً عنه، لكن لما كان هذا الجلوس يغير هيئة الصلاة أمر بأن يسجد سجدتين تجبر الصلاة. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 15 حكم شراء رخصة العمل وبيعها السؤال فضيلة الشيخ: يقوم بعض الأشخاص باستخراج (فيزة) تكلفه تقريباً ثلاثة آلاف ريال، ثم يقوم ببيعها بثمانية أو عشرة آلاف على شخص آخر ليحضر أخاه، فما الحكم في ذلك؟ الشيخ: أولاً: أخبر إخوانك ما معنى (فيزة) ؟ السائل: تأشيرة عمل. الشيخ: إلى الآن ما وصلنا إلى فهمها. السائل: حق الإقامة أو حق جلب العمال. الشيخ: يعني الرخصة في استقدام عامل؟ السائل: نعم. الشيخ: هذه هي (الفيزة) الرخصة يعني يأخذ رخصة من الوزارة لاستقدام عامل، ثم يبيع هذه الرخصة على أحد يستقدم عاملاً، فهذا حرامٌ ولا يجوز؛ لأننا نقول: إن كنت محتاجاً إلى هذا العامل فالفيزة بيدك، وإن لم تكن محتاجاً فرد الفيزة إلى من أخذتها منه، ولا يحل لك أن تبيعها، ولو قمنا بهذا لكان كل الناس يشترون (فيزاً) ، ويتربحون فيها، ثم هذا كذب؛ إذا أخذ فيزة على أنه يستقدم عاملاً ثم باعها صار كاذباً. لكن قل لي: لو أنه استغنى عن العامل؛ كرجل أخذ (فيزة) على أنه يريد أن يستقدم عاملاً حقيقة لكن استغنى عنه، فهل يبيعها؟ الجواب لا، وإنما يردها؛ لأنها منحت له على أن يستقدم هو بنفسه عاملاً ثم استغنى عنه فليردها؛ لأنه ربما يكون هناك أناسٌ منتظرون (للفيز) . الجزء: 170 ¦ الصفحة: 16 حكم صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي السؤال السلام عليكم! فضيلة الشيخ: هل يجوز أن يصلي الإنسان تحية المسجد في أوقات النهي؟ الجواب إذا دخل الإنسان المسجد فليصل ركعتين قبل أن يجلس في أي وقتٍ دخل؛ لأن تحية المسجد ليس عنها نهي، بل أقول: كل نفل له سبب فليس عنه نهي، صلاة الركعتين بعد الطواف جائزة في أي وقت؛ لأن لها سبباً، سنة الوضوء إذا توضأ الإنسان يسن له أن يصلي ركعتين ويحرص على ألا يحدث فيهما نفسه تجوز في كل وقت، صلاة الاستخارة في أمرٍ يفوت قبل زوال النهي تجوز في وقت النهي. المهم القاعدة: أن كل نفلٍ له سبب فليس عنه نهي. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 17 حكم من صلى إلى غير جهة القبلة السؤال فضيلة الشيخ: شخصٌ نزل في منزلٍ جديد وهو يظن أن القبلة في اتجاه معين، وقد صلى عدة صلوات وبعضها فرائض ربما فاتته في المسجد، وبعد فترة تبين له أنه ليس إلى القبلة، فما الحكم؟ الجواب إذا كان الانحراف كثيراً بحيث خرج عن الجهة فعليه إعادة الصلاة، وأما إذا كان الانحراف يسيراً فلا بأس، أي: فلا يعيد الصلاة؛ لأن الانحراف اليسير معفوٌ عنه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) . فاسأل: إذا كان الانحراف كثيراً بحيث إذا كانت القبلة عن يمينه أو عن يساره فعليه أن يعيد الصلاة، وأما إذا كان الانحراف يسيراً فإنه لا يضر. السائل: يا شيخ الفرائض فقط؟ الشيخ: الفرائض ورواتبها وكذلك الوتر، ألا تعلم أن قضاء الرواتب وقضاء الوتر سنة؛ لأن الأصل أصل. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 18 حكم قول: (لا يعلى عليه) في حق البشر السؤال فضيلة الشيخ: تعالج شخصٌ عند طبيب وبإذن الله شفي على يد هذا الطبيب، ولما سئل عنه، قال: إن هذا الطبيب لا يعلى عليه، فما الحكم في هذا القول؟ الجواب الحكم في هذا القول: أن هذا الإطلاق أعني قوله: إن هذا الطبيب لا يعلى عليه، إن أراد أنه لا يعلو عليه أحدٌ من الأطباء لمهارته وأمانته فلا بأس، وإن أراد العلو المطلق فهذا غلط؛ لأن الله تعالى فوق كل شيء. وفي ظني: أنه أراد لا يعلو عليه من الأطباء، ما أظنه يعتقد أنه لا يعلو عليه حتى الرب عز وجل. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 19 حكم قاتل نفسه السؤال فضيلة الشيخ: أشكلت علينا مسألة وهي: هل صاحب الكبيرة من أمة محمد كالذي يقتل نفسه يخلد في النار؟ الجواب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن (من قتل نفسه بحديدة أو سم فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً) نسأل الله العافية، وهذا قاله على سبيل الزجر؛ لأن قتله نفسه أعظم قتلٍ يكون، إذ أن الإنسان يجب عليه أن يدافع عن نفسه أكثر مما يدافع عن غيره، فكيف إذا انتهك حرمتها هو بنفسه؟!! فإنه يكون أشد إثماً، ويكون المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (خالداً مخلداً) المبالغة في زجره، وهي تشبه قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] . ومن هنا يتبين أن ما يفعله الانتحاريون في بعض الجهات من كونه يلبس أشياء مهلكة قنابل أو غيرها، ويكون هو أول من يموت بها يدخل في هذا الوعيد، وأنهم آثمون ومخطئون خطأً عظيماً، لكن نظراً لكونهم جهالاً وكونهم متأولين نرجو ألا يشملهم هذا الوعيد، إنما يجب علينا أن نبين للناس أن هذا عملٌ غير صالح بل هو محرم. والعجب أن بعض الناس يستدل على هذا الأمر المحرم الذي هو من كبائر الذنوب بحديث البراء بن مالك -رضي الله عنه- حينما حاصروا حديقة مسيلمة الكذاب، وكان الباب مغلقاً، فطلب من أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم، ففعلوا، ففتح لهم ودخلوا الحديقة. استدل بهذه القصة على جواز الانتحار، فهل في هذا دليل؟ ليس فيه دليل؛ لأن البراء بن مالك بقي حياً، وهذا الذي ينتحر يكون ميتاً مائة بالمائة، أما البراء بن مالك فهو لم يقتل نفسه، صحيحٌ أنه خاطر لكن هناك احتمال ألا يقتل، وهذا هو الواقع لم يقتل. ونظير قصة البراء بن مالك أن يدخل أحدٌ بشجاعة بين صفوف الكفار ويقتل ما على يمينه وشماله لكن هناك احتمال أن ينجو، أما المنتحر فإنه لا احتمال لنجاته، ولهذا يجب علينا ألا نشجع هذا بل نحذر منه. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 20 حكم جمع الصلاة بسبب مطر خفيف السؤال بالنسبة للجمع في المطر بعض الأئمة يجمعون والمطر خفيف، فهل على المأموم أن يصلي خلفهم؟ الجواب إذا جمع الإمام بدون سبب، فإن كان المأموم يرجو أن يجد جماعة في وقت العشاء فيصل معهم وينوها نافلة؛ لئلا يشق عصا الناس ويختلف الناس ويتنازعون، وإن كان لا يرجو جماعة فليصلها فرضاً وتجزؤه؛ لأن الجمع من أجل إدراك الجماعة جائز. السائل: إن وجدت مساجد قريبة وأستطيع أن أصلي، فهل أصلي معهم نافلة وأصلي هناك فرضاً؟ الشيخ: إذا كان يرجو أن يجد جماعة في وقت العشاء في مسجدٍ ثان فلينوها نافلة ويصلِّ إذا دخل الوقت مع الآخرين. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 21 حكم ترك الجماعة لأمر دنيوي قد يفوت السؤال إذا كنت أنتظر دوري في الكشف عند الطبيب أو في مراجعة وأقيمت الصلاة، والمستوصف أو الشركة لا تغلق وقت الصلاة، فإذا ذهب للصلاة قد يفوت دوري، فهل أترك الجماعة؟ الشيخ: يعني: يؤثر عليه؟ السائل: نعم. يذهب الدور. الشيخ: لا بأس هذا يعذر بترك الجماعة، هذا الذي ينتظر دوره كما قلت يعذر بترك الجماعة؛ لأنه إذا ذهب يصلي فهو أولاً سيصلي وفكره مشغول، أليس كذلك؟ وثانياً: أنه يلحقه ضرر وربما يكون جاء من مسافة بعيدة، فهنا يعذر بترك الجماعة، والإنسان إذا قُدِّم عشاؤه أو غداؤه قلنا له: اجلس وتعشَ براحة وطمأنينة ولو فاتتك الصلاة، وابن عمر رضي الله عنهما كان يتعشى في بيته وهو يسمع قراءة الإمام، مع أن عبد الله بن عمر من أشد الناس ورعاً والتزاماً بالسنة ومع ذلك يتعشى والإمام يصلي، امتثالاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) . الجزء: 170 ¦ الصفحة: 22 حكم من قتل كافراً خطأ وحكم الدية والكفارة السؤال قبل سنتين حصل معي حادث وتوفت فيه سيلانية وأظنها نصرانية، فحكمت المحكمة بسرعة فوق المعدل، غرامة خمسين ديناراً للسرعة، وغرامة للحق العام خمسين ديناراً، وصمت أنا شهرين، ولا أدري عن الدية، ولم يأت أهلها أو من يسأل عنها، فما يجب علي؟ الشيخ: لكن أنت مفرط؟ السائل: نعم، لذا حكمت المحكمة بسرعة فوق المعدل. الشيخ: ابحث عن أهلها؟ السائل: إنها سيلانية. الشيخ: نعم سيلانية ابحث عن أهلها، ارجع إلى مكتب الاستخدام وقل: من أين جاءت هذه؟ وابحث عنها. السائل: لكن القضية تتحول على تأمين السيارة. الشيخ: المهم أنت تبحث حتى توصل الدية إلى أهلها. السائل: يعني: يجب عليَّ الدية؟ الشيخ: يجب عليك الدية، ما دام أنه ثبت أنه بسبب تفريطك أو تعديك فعليك الدية. السائل: الدية -يا شيخ- تفرضها المحكمة وأنا لا أقدر أن أقدرها بنفسي. الشيخ: هم يقدرون، إذا وجدت أهلها تقدر. السائل: وصيام الشهرين هل هو صحيح؟ الشيخ: نعم صحيح. السائل: ولكنها كافرة. الشيخ: نعم. {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء:92] . الجزء: 170 ¦ الصفحة: 23 حكم السفر إلى تركيا وما شابهها من دول الإسلام السؤال السفر إلى البلاد الإسلامية مثل تركيا هل يجوز السفر إليها؟ الشيخ: لماذا هل هناك حاجة؟ الشيخ: لا بدون حاجة، للنزهة الشيخ: والله، لا أرى هذا. أولاً: أن النفقات ستكون باهضة. ثانياً: أن تلك المجتمعات فيما يسمع عنها ليس بينها وبين المجتمعات الكافرة فرق، إلا بأنه يؤذن في المناير ويصلي من يصلي ويترك الصلاة من لا يريد الصلاة. ثم المظهر العام بالنسبة للنساء وتبرجهن لا فرق بينه وبين الدول الكافرة، هكذا نسمع، وإذا كان كذلك فثق أن أهلك الذين يذهبون إلى هناك سوف يتأثرون من هذا، والصغير تنطبع في ذاكرته الصورة فلا ينساها، وإذا كان لابد من النزهة فعليك ببيت الله، الكعبة، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل على خير وعلى أجر، ولا تتكلف لا مالاً ولا تعباً بدنياً ولا غير ذلك. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 24 حكم بيع النجش السؤال لو قال رجل لآخر في مزاد السيارات: اترك هذه السيارة وخذ هذا المبلغ حتى أشتريها أنا؟ الجواب نفس الشيء فيما قلنا من قبل، لا يجوز له؛ لأن هذا كالبيع على بيع المسلم، لأنه يحول بينه وبين زيادة الثمن لصاحب السيارة. السائل: حتى لو كان الشخص الآخر لا يريد السيارة؟ الشيخ: نعم إذا كان لا يريدها لا يحل له أن يزيد، سواء أعطي عن ذلك عوضاً أم لم يعط، أي إنسان لا يريد السيارة لا يجوز أن يزيد، إلا رجلاً رأى أن الثمن قليل، وأن فيها ربحاً فزاد حتى إذا بلغت مبلغاً يرى أنه لا ربح فيه تركها هذا لا بأس. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 25 حكم الحلف على شيء مضى السؤال شخص قطع إشارة المرور، وأوقفه المرور وقال له: لماذا قطعت الإشارة؟ فحلف أنه ما قطعها، يريد أن ينجو من الغرامة، فما حكمه هل عليه كفارة أم لا؟ الجواب اليمين على شيءٍ ماض ليس فيها كفارة، لكن إما إثم إن كان كاذباً وإلا سلامة إن كان صادقاً. أنا أخبرك قاعدة تنتفع بها: كل يمينٍ على شيء ماض فيه ما فيها كفارة، لو قلت: والله! ما جاء فلان، وهو قادم فليس عليك كفارة، هذه القاعدة افهمها، هذا الرجل يقول: والله! ما قطعتها؛ شيءٌ مضى، فنقول: ليس عليه كفارة، لكن إما آثم إن كان كاذباً وإما سالماً، وفي هذا السؤال الذي ذكرت يكون آثماً؛ لأنه حلف أنه ما قطعها وهو قاطعها. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أنصح إخواننا السائقين وغيرهم عن قطع إشارة المرور؛ لأنها معصية، فإن هذه الإشارات إنما نصبت بأمر من ولي الأمر، والعلامة الحمراء يعني قف، فإذا أمرك ولي الأمر أن تقف وجب عليك أن تقف، فإذا خالفت فأنت عاص، حتى لو فرضنا أن الخط ما فيه أحد، فإنه لا يحل لك، بل تبقى حتى تعطيك الإشارة اللون المبيح للتجاوز. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 26 حكم استخدام المصحف كسترة في الصلاة السؤال يا شيخ! بالنسبة لاتخاذ المصحف سترة في المسجد خصوصاً إذا كانت الأعمدة بعيدة عن الشخص في مكان صلاته أو الجدار، هل في هذا إهانة للمصحف أو يجوز؟ الجواب أولاً -بارك الله فيك- يجب أن تعلم أن السترة غير واجبة، هي سنة وليست واجبة، فلا حاجة إلى أن نتكلف إلى هذا الحد. وثانياً: لا يجوز أن تجعل المصحف سترة لك؛ لأن هذا استخدامٌ للمصحف في غير ما وضع له، المصحف يجب على الإنسان أن يحترمه ويعظمه، مثل ذلك فيما نرى هؤلاء الذين إذا اتصلت عليهم وصار فيه انتظار سجلوا قرآناً هذا لا نراه أبداً، أن يكون تسجيل القرآن. يستخدم في الانتظار ثم إن الذي يسمعه ربما يكون مالّاً، ربما يكون غير مسلم، فلذلك إذا أردت انتظار اجعل سجل حكمة من الحكم أو ما أشبه ذلك، أو دعه حتى يتصل. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله في مثل هذا اليوم. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 170 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [171] الملائكة خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، خلقهم من نور، لكن الذين لا يؤمنون بالله يجعلون الملائكة إناثاً وهم لم يشهدوا خلقهم. وفي ضوء هذا الموضوع كان تفسير آيات من سورة النجم تناولت ما سبق الإشارة إليه، كما دعت الآيات الأخرى إلى الإعراض عمن أعرض عن ذكر الله وركن إلى الحياة الدنيا وزينتها الزائفة. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والسبعون بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم كل يوم خميس وتسمى (لقاء الباب المفتوح) وهذا الخميس هو العشرون من شهر رجب عام 1418هـ. نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به من تفسير القرآن الكريم. وإني أحثكم أيها الشباب على الحرص التام على تدبر القرآن ومعرفة معانيه؛ لأن القرآن إنما نزل ليدبر الناس آياته وليتذكروا به. قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] إذ لا فائدة بتلاوة اللفظ دون فهمٍ للمعنى، ولهذا سمى الله تبارك وتعالى الذين لا يعلمون الكتاب إلا قراءة سماهم أميين، فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة، ولذلك يجب علينا أن نتدبر القرآن، ثم بعد ذلك نعمل به؛ لأن العمل يتوقف على معرفة المعنى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة صغيرة له تسمى مقدمة التفسير قال: (إن الناس لو أرادوا أن يقرءوا كتاب الطب أو غيره لاستشرحوه قبل أن يعملوا به ويطبقوه) . أي: لطلبوا شرحه وفهم معانيه، وهذا حق. لذلك أحث إخواننا على تفهم القرآن الكريم، وإذا أشكل عليهم شيء فلا يجوز أن يقولوا في القرآن بالظن، بل يسألوا عنه؛ لأن القول بالقرآن خطير جداً، فإن من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. والمفسر للقرآن شاهدٌ على الله بأنه أراد كذا وكذا، فأعد لهذه الشهادة جواباً. لذلك أنا حريصٌ على طلابنا أن يجتهدوا في معرفة معاني القرآن، وهذا أولى بهم من أن يعرفوا معاني السنة، وكلاهما حق وكلاهما يجب فهم معانيه، لكن القرآن أهم وأوكد؛ لأن القرآن يصلك بالله مباشرة، لأنك تقرؤه على أنه كلام الله تعالى، تتفهم معنى هذا كلام الرب سبحانه وتعالى وتتدبره؛ حتى تقوم به تصديقاً للخبر وعملاً بالطلب، أمراً أو نهياً. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم:27] أكد الله هذا الخبر بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ} أكده بمؤكدين وهما: إن، واللام. ومعنى: (لا يؤمنون بالآخرة) لا يصدقون بها ولا بما فيها من الثواب والعقاب؛ إذ أن الإيمان بالآخرة لا بد أن يكون إيماناً بأن هذا اليوم سيكون، وإيماناً بكل ما ثبت من حصوله فيه ووقوعه فيه، إما في القرآن وإما في السنة، حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله قال: (إن مما يدخل في الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذاب القبر ونعيم القبر) . وصدق رحمه الله؛ لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته، انتهى من الدنيا، كأن لم يكن، فكما أنه أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً، فسيأتي عليه حينٌ من الدهر لم يكن إلا خبراً من الأخبار، كما قال الشاعر الحكيم في الدنيا: بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار أنت الآن تخبر تقول: حصل كذا وحصل كذا، وقال فلانٌ: كذا، وفي يومٍ من الأيام سوف يخبر عنك: قال فلان كذا وأنت رمل. إذاً الإيمان بالآخرة يتضمن الإيمان بوقوع اليوم الآخر وأنه لا بد كائن. ثانياً: الإيمان بما سيكون في هذا اليوم من أهوال وحساب وموازين وصراط وجنة ونار، لا بد من هذا. كذلك يدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما يكون في القبر من فتنة القبر، وهي: سؤال الملكين الميت عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هل أحد من الناس لا يؤمن بالآخرة؟! نعم أكثر الناس لا يؤمنون بالآخرة، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال في الإنسان: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:77-78] ما أحسن قوله: (ونسي خلقه) قبل أن يقول مقالة هذا الإنسان! أي: هذا الإنسان قال: (من يحيي العظام وهي رميم) ونسي خلقه، ما هو خلقه؟ أنه لم يكن شيئاً، {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] فصار عظاماً وعصباً ولحماً وصار إنساناً ينطق ويخاصم: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79] وذكر الأدلة على إمكان ذلك. المهم أن من الناس من ينكر اليوم الآخر يقول: ما في بعث! وهذا من سفه في عقله، وضلالة في دينه، وإلا فهل من الحكمة أن تخلق هذه الخليقة، وتبتلى بالأمر والنهي، ويحصل الجهاد وقتال الأعداء، واستحلال دمائهم وأموالهم ونسائهم، ثم تكون النتيجة لا شيء، هذا لا يمكن، وتأباه الحكمة أشد الإباء. إذاً (الذين لا يؤمنون بالآخرة) سفهاء عقولاً، ضلالٌ ديناً. {لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} أي: يجعلون الملائكة إناثاً كالمشركين! قالوا: الملائكة بنات الله، فسموا الملائكة بتسمية الأنثى وهي البنت؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، لو آمنوا بالعقاب ما قالوا هذا، لكنهم لا يؤمنون فيقولون ما يريدون. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] نفى أن يكون لهم بذلك علم؛ لأن هذا هو الواقع، هل شهدوا خلق الملائكة؟ لا، ولهذا قال الله في آية أخرى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف:19] ؟!! و الجواب لا، لكن: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:19] حين لا يجدون جواباً، هؤلاء الذين قالوا: الملائكة بنات الله، يقول عز وجل: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] و (علم) هنا مجرورة بحرف الجر، وحرف الجر هنا عند المعربين محمود {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] حرف جرٍ زائد، الفائدة منها: توكيد النفي، ولهذا نعطيكم قاعدة مفيدة: جميع الحروف الزائدة سواء الباء أو اللام أو غيرها فإنها تفيد التوكيد، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النجم:28] أي: لا قليل ولا كثير؛ لأنهم لم يشهدوا خلقك لهم. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} (إن) هنا بمعنى ما، والضابط أنها إذا جاءت (إلا) بعد (إن) فهي بمعنى (ما) ، (إن هذا إلا بشر) ، أي: ما هذا إلا بشر {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31] أي: ما هذا إلا ملك كريم، {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم:10] أي: ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا، {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] أي: ما هم إلا يظنون، والأمثلة على هذا كثيرة. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} أي: ما يتبعون إلا الظن، والمراد بالظن هنا الوهم الكاذب، وليس المراد بالظن هنا الراجح من أحد الاحتمالين، وانتبه لهذه النقطة: الظن يأتي بمعنى التهمة، ويأتي بمعنى رجحان الشيء، ويأتي بمعنى اليقين، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46] المراد اليقين، لا يكفي الظن في اليوم الآخر، لا بد من التيقن، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب) والتحري هنا يعني: الظن الغالب، وهنا {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] ظن الاتهام، أي: يظنون ظناً هو وهم ليس له أصل. وبعض العلماء أخذ من هذه الآية: أنه لا يجوز العمل بالظن في المسائل الفقهية وغيرها، وهذا خطأ؛ لأن كثيراً من المسائل الفقهية ظنية: إما لخفاء الدليل، أو خفاء الدلالة، وليس كل مسألة في الفقه يقول بها الإنسان على سبيل اليقين أبداً، بل بعضها يقين وبعضها ظن، والظن إذا تعذر اليقين مما أحله الله، ومن نعمة الله أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن، فليس كل ظنٍ منكراً، لكن الظن الذي ليس له أصل يبنى عليه هذا هو المنكر، فهؤلاء الذين سموا الملائكة تسمية الأنثى هل لهم بذلك علم؟ أبداً، ظن مبني على وهم، وربما يكون مبنياً على هوى، أي: أنه لم يطرأ على بالهم أنهم إناث لكن تبعوا آباءهم. {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} (وإن الظن) أي ظنٍ هذا؟ المبني على الوهم لا على القرائن، (لا يغني من الحق شيئاً) أي: لا يفيد شيئاً من الحق؛ لأنه وهم باطل، والوهم الباطل لا يمكن أن يفيد. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) ثم قال عز وجل: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم:29] (أعرض) الخطاب للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو المراد به كل من يصح أن يوجه إليه الخطاب، فعلى الأول يكون المعنى: اعرض يا محمد، وعلى الثاني: اعرض أيها الإنسان المؤمن. (عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) أي: اعرض عنه ولا تتبعه، ولا يهمنك أمره، وليس المعنى: اعرض عنه لا تنصحه، لا. لأن التذكير واجب، قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ذكر كل أحد، فمن الناس من ينتفع ومنهم من لا ينتفع، والذي ينتفع هو المؤمن، فعلى هذا نقول: معنى (اعرض) أي: لا تبالِ به ولا يهمنك أمره، ولا تتحسر من أجل توليه، بل ادع إلى سبيل الله عز وجل أياً كان، لكن من أعرض وتولى لا يهمك أمره. (اعرض عن من تولى عن ذكرنا) وهو القرآن، ويحتمل أن يكون الذكر بمعنى التذكير، أي: عن تذكيرنا، وكلا المعنيين متلازمان وصحيحان، (اعرض عن من تولى عن ذكرنا) عن القرآن، كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44] {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:69] أو أن المعنى: (عن ذكرنا) أي: عن تذكيرنا، بالمواعظ التي ينزلها الله عز وجل. {وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} اللهم أعذنا من فتنة الدنيا، أي: لا يريد الآخرة ولا يهتم بها، همه الدنيا من المركوب والملبوس والمسكون، فاتبعوا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين، لا يهتم بالآخرة، أهم شيء عنده هي الدنيا، أما ذكر الله (القرآن) أو تذكير الله فإنه متولٍ منه -والعياذ بالله- نسأل الله السلامة والعافية. {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ولكن انظر (الحياة الدنيا) وصف هذه الدنيا من الدنو وهو القرب؛ وذلك لانحطاط مرتبتها، ولسبقها على الآخرة، لأن الدار الدنيا هي أول دار ينزلها الإنسان، وهي سابقة في الزمن على الآخرة، فهي دنيا -أي: قريبة- وهي أيضاً دنيا من حيث المرتبة ليست بالشيء بالنسبة للآخرة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) اللهم اجعل لنا موضعاً فيها، خير من الدنيا وما فيها، ليست خيراً من الدنيا التي أنت فيها فقط، بل خير منها منذ أنشأت وخلقها الله إلى أن تفنى، موضع السوط الذي يكون بقدر المتر في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، إذاً هي دنيا، ولهذا إذا مات الإنسان وهو مؤمن -جعلنا الله وإياكم منهم- ثم حمل من بيته الذي يسكنه ويأوي إليه، وفيه أهله وماله وحشمه إذا خرج تقول روحه: قدموني قدموني، لماذا؟ لأن ما ستذهب إليه خيرٌ مما تخرج منه، قال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] لكن لمن؟ {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء:77] لكنها شرٌ لمن لم يتق. يذكر أن ابن حجر العسقلاني رحمه الله وقد كان رئيس القضاة في مصر، مر يوماً من الأيام في موكبه على العربة تجره البغال وحوله الجنود برجلٍ يهودي زيات -يبيع الزيت- قد تدنست ثيابه بالزيت، وشقي في طلب المعيشة، فأوقف اليهودي الموكب، وقال لـ ابن حجر: إن نبيكم يزعم أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فكيف يتفق هذا الحديث مع الواقع؟!! أنت الآن مؤمن وهو يهودي، وأيهما أشقى؟ اليهودي في هذه المسألة أشقى فكيف يتفق مع الواقع؟!! فقال: نعم، ما أنا فيه الآن بالنسبة للآخرة سجن؛ لأن الآخرة خير لمن اتقى، وما أنت فيه من الآخرة جنة؛ لأن الآخرة مالك فيها إلا النار وبئس القرار، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، انظر كيف فتح الله عليه حيث ظهر صدق كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بكل سهولة. المهم أن الآخرة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولهذا ذم الله هذا الذي أعرض عن ذكر الله ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ولنسأل: هل من أراد الحياة الدنيا تحصل له؟ الجواب لا تحصل له، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} [الإسراء:18] ليس ما يشاء بل {مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:18-19] ، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى:20] لأنه يعطى الدنيا والآخرة {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} بعضها ليس كلها {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] . الجزء: 171 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 171 ¦ الصفحة: 6 سبب تنزيل حديث: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم. ) في الخوارج السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) كيف عرفنا أن هذا الحديث في الخوارج خصوصاً مع أنهم لم يكونوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولا في عهد أبي بكر كيف يقال: إنه في الخوارج بالذات؟ الجواب يجب أن تعلم بارك الله فيك أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله تعالى على علم الغيب في كثيرٍ من الأشياء، وهذه من آياته، حيث أخبر أنهم سيخرجون وأنهم يصلون ويقرءون القرآن، وأن الواحد من الصحابة يحقر صلاته وقراءته عند قراءتهم وصلاتهم، وقال: إنهم يقرءون القرآن ويجيدونه لكن لا يتجاوز حناجرهم والعياذ بالله، يعني فقط باللفظ لكن لا يصل إلى القلوب، ولهذا قال: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) السهم إذا ضرب الرمية كالرصاصة ضربت الطير مرقت وخرجت، فهم هكذا وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام، وأولهم كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنيمة فقال له رجل: اعدل يا محمد، أو قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله -نعوذ بالله- وهذا خروج بالقول؛ لأن الخروج نوعان: خروج بالقول، وخروج بالسيف والقتال، والأول مقدمة للثاني؛ لأن الذين يخرجون بالسيف لا يخرجون هكذا فقط يحملون السلاح ويمشون، لا بد أن يقدموا مقدمات وهي أن يملئوا قلوب الشعوب بغضاً وعداءً لولاتهم وحينئذٍ يتهيأ الأمر للخروج. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 7 دلالة وصف الرسول للخوارج بكثرة الصلاة والعبادة السؤال فضيلة الشيخ: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الخوارج بصفات مخصصة مثلاً أو محددة، منها: كثرة الصلاة والعبادة، علام يدل هل هو من أجل الدنيا أم ماذا؟ الجواب وصفه إياهم بالعبادة وقراءة القرآن وغير ذلك أنه -والعياذ بالله- عندهم تشدد في الدين، لكن هذا الدين لم يصل إلى القلوب، وهذا يوجد في الذين يشتغلون بعيوب الناس ويدعون عيوبهم، تجد قلبه فارغاً من الاتصال بالله عز وجل، فقط يحوم حول العالم ما الذي حصل؟ فتجد في قلبه غيرة حارة تحترق لكن لو رجعت إليه بالنسبة للإنابة إلى الله عز وجل والاتصال بالله وجدت قلبه فارغاً، هذا هو السبب، ولهذا نحن ننهى أنفسنا قبل كل شيء ألا يكون همنا إلا الاشتغال بأحوال الناس التي لا نستطيع إن كانت على غير صواب أن نحولها إلى الصواب. وتجد أمثال هؤلاء يرون الحق باطلاً، أو يرون الحق حقاً لكنه مغمور بباطلٍ دونه بكثير، بمعنى: أنهم يعدون الأشياء التي تنتقد ويتركون الأشياء التي تحمد، فيَضِلُون ويُضِلُون وهذه مسألة خطيرة، ولا يحتاج أن أضرب الأمثلة لكم ببعض الدول العربية ماذا حصل من الشر والفتنة؛ لأنهم أتوا الأمر على غير وجهه. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 8 تقديم كفالة اليتيم في داخل البلد على خارج البلد السؤال فضيلة الشيخ: كفالة اليتيم عن طريق مكاتب الإغاثة الإسلامية خارج المملكة هل ينال الكافل أجر كفالة اليتيم حتى ولو كان اليتيم ليس عنده في الداخل، علماً بأن مكاتب الإغاثة ترسل التقارير عن حالة اليتيم الصحية والدراسية، وهذه المكاتب فروع للداخل، نفس فروعنا التي في الداخل؟ الجواب جميع الأموال التي يقصد بها وجه الله: من كفالة يتيم، وصدقة، وزكاة، كلها إذا حصلت في الداخل فهو خير؛ لأن في الداخل أمامك ويمكنك أن تشرف عليه، وتعرف كيف صرف، ولا تقل: إن الداخل في غنى وما أشبه ذلك، نحن نعلم أن في أوساط المملكة والمدن هناك غنى والحمد لله، لكن في أطراف المملكة جوع وفقر، هكذا نحدث، وعليه فالأقربون أولى بالمعروف، وكونك تشاهد الشيء بنفسك أنت هذا خير، ولهذا لما حصلت المبالغة في مثل هذه الأشياء صار بعض الناس يقول: أعطونا زكاة الفطر نوزعها هناك، أعطونا الأضحية نذبحها هناك، وهذا غلط، زكاة الفطر في البلد، الأضحية عندك وعند أهلك، ضحِ أمام عيالك حتى تظهر هذه الشعيرة العظيمة، والمقصود من الأضحية ليس اللحم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] أهم شيء في الأضحية أن تذكر اسم الله عليها وتذبحها، وأن تأكل منها، ولهذا أمر الله بالأكل منها والإطعام {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:28] فبدأ بالأكل. ولهذا نرى أن الذين يدعون الناس إلى أن يضحوا خارج البلد أنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، نعم! ادع الناس إلى البذل والصدقة للمنتظرين في الخارج من المسلمين هذا طيب ونساعد على هذا، لكن أما أن ننقل شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة إلى هناك فهذا غلط غلطٌ عظيم. أما كفالة اليتيم فإذا وجدت يتيماً فكفالته هنا أولى، وتحصل الكفالة ليس بالأكل والشرب واللباس بل حتى بالحضانة، وربما تكون الحضانة أشد اهتماماً من الأكل والشرب، فتجعله عندك في البيت مع الأولاد تدرسه وتعلمه وتلاطفه، هذه كفالة الأيتام. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 9 إهداء البقر في حجة الوداع عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم السؤال فضيلة الشيخ: أهدى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع مائة من الإبل، فهل هذه المائة له خاصة أم له ولأزواجه؟ الجواب أهدى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة من النوق، ذبح منها ثلاثاً وستين بيده، والباقي أعطاه علي بن أبي طالب يذبحه، ويوزع لحمه، وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة، فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها، تحقيقاً لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:28] وهذا عن نفسه فقط إلا أنه أشرك علي بن أبي طالب في الهدي كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث جابر، وأما نساؤه فقد أهدى عنهن بالبقر. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 10 حكم الكلام داخل دورات المياه قبل الشروع في قضاء الحاجة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الكلام داخل دورة المياه قبل الشروع في قضاء الحاجة؟ الجواب لا بأس به، خصوصاً إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأنه ليس هناك نهيٌ صريح عن هذا، إلا إذا تغوط الرجلان وجلس أحدهما إلى الآخر يتحدثان فهذا هو الذي فيه النهي، وأما مجرد الكلام داخل مكان قضاء الحاجة فليس فيه نهي. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 11 حكم رفع الرجل اليمنى أو اليسرى عند السجود السؤال بالنسبة للساجد عند السجود لو رفع رجله اليمنى أو اليسرى لحاجة هل تبطل الصلاة؟ الجواب في حال السجود يجب على الإنسان أن يسجد على سبعة أعضاء: على الجبهة والأنف وهما عضو واحد، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا يجوز أن يرفع شيئاً من هذه الأعضاء لا الأنف ولا الكف ولا القدم، لكن لو دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك وردها بسرعة فأرجو ألا يكون به بأس. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 12 حقيقة التولي عن القرآن السؤال التولي عن القرآن هل هو عدم الإيمان فقط، أم هو عدم القراءة والتدبر فيه؟ الجواب التولي عن القرآن عام يشمل التولي عن قراءته، وعن العمل به، وعن تصديق أخباره؛ لأنه عام، لكن التولي بعضه أشد من بعض، فمن تولى عنه نهائياً فهذا مرتد، ومن تولى عنه بمعنى: أنه لم يثابر على قراءته فليس بمرتد، ثم إن التولي بالكلية عن قراءته لا يمكن؛ لأنه سوف يقرأ في صلاته بأم القرآن وبما تيسر. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 13 حكم بيع الكفلاء الإقامات لمكاتب الخدمات العامة السؤال بعض الكفلاء الآن يبيعون الإقامات، يكون هناك مكاتب للخدمات العامة واسطة بينهم وبين العمال، فيبيعونها بمبلغ ضخم؟ الشيخ: صورها لي؟ السائل: مثلاً: يأتي الكفيل، فيعطي البطاقة لمكتب الخدمات العامة فيخرجون فيزة والمكتب يبيعها. الشيخ: الفيزة تعني ماذا؟ السائل: هي نفسها الإقامة. الشيخ: هل هي وسيلة الاستخدام؟ السائل: إي نعم، تبيعها ويتقاسمون مال الكفيل؟ الشيخ: أنا أرى أن النظام يجب أن يمشى عليه، والنظام في ظني لا يسمح بهذا، فإذا كان لا يمسح فهو لا يجوز، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وإذا كان الإنسان لا يطيع النظام مع أنه ليس بمعصية فإنه ليس مطيعاً لله؛ لأنه أمر بطاعة ولاة الأمور، والتحايل على المخلوق لا ينفع؛ لأنه لو تحايل على المخلوق ومشت الأمور فإن هذه حيلة لا تنفع عند الخالق، قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] . السائل: بالنسبة يا شيخ للذي يشتريها، هو مضطر يا شيخ؟ الشيخ: وماذا يحصل إذا لم يشترها؟ السائل: قد يرحل ويمنع من المكوث في البلد. الشيخ: إذن يرحل في أمان الله، أنا جئت من بلدي ارجع إلى بلدي، ربما يكون طالب علم وحصل خير ويدعو الناس إلى الخير هناك. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 14 حكم الصلاة في الخفين إذا مسح عليه قبل انتهاء المدة ولو بفترة يسيرة السؤال فضيلة الشيخ: إذا مسح الإنسان على الخفين قبل انتهاء المدة ولو بفترة يسيرة هل يصلي فيه؟ الجواب إذا مسح الإنسان على الخفين أو على الجوارب -التي هي الشراب- قبل انتهاء المدة فهو على طهارة حتى ينتقض الوضوء، بمعنى: أن تمام المدة لا ينقض الوضوء، والذين قالوا: إنه إذا انتهت المدة انتقض الوضوء ليس عندهم دليل. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 15 حكم تفسير القرآن بغير اللغة العربية السؤال بالنسبة لشخص يفسر القرآن الكريم بغير اللغة العربية، ولكن لا يحسن في النحو، هل له ذلك؟ الجواب تفسير القرآن بلغة غير العربية لا بأس به، بل لا بد منه؛ لأن غير العربي لا يفهم معنى الكلام، والله عز وجل قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] ولو أن رجلاً غير عربي تكلم أمامي ما عرفت ماذا يقول، كذلك أيضاً لو أعطينا غير العربي القرآن لا يعرف المعنى، صحيح قد يقرؤه بالعربية ويتعبد لله بذلك ويؤجر عليه ويثاب كما يثاب العربي، لكن لا يمكن أن يعمل إلا إذا عرف المعنى، فتفسيره بغير العربية لا بأس به، ولكن لا بد لمن يفسر بغير العربية من ثلاثة أمور: 1- أن يكون عالماً باللغة العربية. 2- وأن يكون عالماً بما يرادفها من اللغة الأخرى. 3- أن يكون عالماً بموضوع الترجمة. فمثلاً: إذا أراد أن يترجم آيات في التوحيد لا بد أن يعرف ما معنى التوحيد؟ وعلى أي شيءٍ دلت عليه هذه الآية، حتى لا يخطئ. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 16 حكم المسائل التي يرد فيها اختلاف بين أهل العلم بسبب الاختلاف في الحكم على الحديث السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم العبادة التي يرد فيها نصٌ مختلفٌ بين أهل العلم في تصحيحه، مثل: صلاة التسابيح، فالذين يرون ضعف الحديث الوارد فيها هل يحكمون على من يصحح الحديث ويعمل به بأنه عملٌ مبتدع أم يسكتون فلا ينكرون؛ لأن النص الوارد فيها مختلفٌ في تضعيفه؟ الجواب أولاً بارك الله فيك: يجب أن تعلم قاعدة: الأصل في العبادات الحضر والمنع، فإذا جاء حديث اختلف في تصحيحه؛ وجب المنع بعكس ما دل عليه هذا الحديث؛ لأن الأصل الحضر حتى يقوم دليل على ثبوت هذا الشيء، لا سيما مثل صلاة التسابيح؛ صلاة التسابيح أولاً: هي شاذة في هيئتها وكيفيتها. ثانياً: هي شاذة في توقيتها؛ لأنك لا تصلي كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو كل سنة أو في العمر مرة، أين العبادة التي على هذا الوجه؟!! ثالثاً: من الناحية العملية، لو أن صلاة التسبيح شرعية وثابتة كيف تخفى على الأمة حتى لا يظهر العمل بها إلا في عهد التابعين؟!! لأن أشهر من رويت عنه عبد الله بن المبارك، ثم بعد عبد الله بن المبارك هل انتشرت في الأمة الإسلامية؟ لم تنتشر، هذه أيضاً من القرائن التي يعرف بها ضعف الحديث، أن الأمة لم تعمل به. ومن ذلك حديث أم سلمة في الرجل الحاج إذا لم يطف طواف الإفاضة قبل غروب الشمس يوم النحر عاد محرماً، هذا الحديث ما عمل به أحد، اللهم إلا واحد من التابعين هو عروة بن الزبير وأناس قلة، ومثل هذا مما تتوافر الدواعي على نقله؛ لأن كثيراً من الحجاج لا يتسنى له أن يطوف طواف الإفاضة إلا بعد النزول من منى، هذا من وسائل العلم بضعف الحديث: أن الأمة تخلت عن العمل به، فصلاة التسبيح من هذا الباب، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن حديثها باطل، وإنه لم يستحبها أحد من الأئمة، الأئمة الفحول في الأمة الإسلامية ما استحبوها. أما هل يوصف هذا بالمبتدع؟ فهذا ينظر إذا كان الرجل ممن له اجتهاد فلا يمكن أن نصفه بالبدعة وهو له اجتهاد، وهذه مسألة عملية، وأما إذا كان ليس له قدرة على الاجتهاد فيقال: إنها بدعة، هي أصلها بدعة لكن هل نقول لمن عمل بها: إنه مبتدع أو هي بدعة؟ ما دامت لم تثبت فهي بدعة، فبالنسبة له هو لا أسميه مبتدعاً، لكن نفس هذه الصلاة بدعة. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 17 حكم اعتماد المؤذن على التوقيت الموجود في التقويم السؤال هل يصح للمؤذن الاعتماد في أذانه بالتوقيت الموجود على التقويم؟ الشيخ: في أي بلد؟ السائل: هنا في المملكة. الشيخ: الدولة لم تعط هذا التقويم لمجرد أن يطلع الناس عليه، إنما أعطتهم هذا التقويم ليعملوا به، لكن من يشك في وقتٍ من الأوقات فليتحر وليتأخر، الأصل عدم دخول الوقت، فمثلاً: لو شككنا في الفجر وهو الذي فيه الإشكال، فإن كثيراً من الإخوة خرجوا وراقبوا الفجر في الليالي المظلمة الصاحية، ووجدوا أن التقويم متقدم على الأقل بخمس دقائق، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: ربع ساعة، وبعضهم يقول: ثلث ساعة، فإذا كان الإنسان في شك من هذا فليتأخر ولا يضر. أما بقية الأوقات فما علمت فيها اختلافاً بين الناس، لكن قيل لي: إن بعض الناس يؤذن المغرب والشمس موجودة، ولعل هذا من أجل أن ساعته تكون مقدمة ويؤذن على الساعة وهو لم يشاهد الشمس. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 18 حكم انتظار الجماعة الثانية لمن أدرك التحيات مع الجماعة الأولى السؤال فضيلة الشيخ: إذا دخل رجل المسجد وهو يعلم أن خلفه جماعة، ووجد الإمام في التحيات هل يدخل معه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا) أم ينتظر الجماعة الثانية، وأيهما أفضل؟ الجواب الأفضل أن ينتظر الجماعة الثانية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا الذي لم يدرك إلا التشهد لم يدرك صلاة الجماعة حسب مفهوم الحديث: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهو الآن يتيقن أو يغلب على ظنه أنه سيجد جماعة. لكن يبقى النظر: هل الجماعة الثانية تأخذ أجر صلاة الجماعة سبعة وعشرين درجة؟ لا تأخذها، لكن الجماعة أفضل من الواحد، لحديث أبي بن كعب: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . السائل: لكن ما الحكم لو دخلوا مع الجماعة الأولى وقدموا أحدهم يصلي بهم؟ الشيخ: يبقى النظر هل هذا ورد عن السلف؟ ولهذا كان أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد: أن المسبوق لا يصح أن يكون إماماً ولا مأموماً، وأن المسبوقين كل واحدٍ منهما يقضي صلاته وحده. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 19 حكم نسيان الإمام قول: (الله أكبر) عند الرفع من السجود السؤال فضيلة الشيخ: لو أن الإمام رفع رأسه من السجود لكن نسي أن يقول: الله أكبر، فماذا يفعل في هذه الحالة؟ الجواب تكبيرات الصلاة ما عدا تكبيرة الإحرام واجبة، أي: أن الإنسان إذا نسيها فصلاته صحيحة، لكن يسجد للسهو قبل السلام. السائل: لكن المأمومين لا يعلمون. الشيخ: المأمومين ما عليهم منه. السائل: هل يكون أيضاً عليهم سجود؟ الشيخ: لا بد أن يسجدوا معه إذا سجد. السائل: إذا رفع رأسه من السجود ونسي أن يقول: الله أكبر، وهم ساجدون في هذه الحالة، فكيف يقوم المأمومون؟ الشيخ: أنت تسأل عن الإمام أم عن المأموم؟ السائل: عن الإمام. الشيخ: إذا نسي حتى قام فهنا ينبغي أن يجهر بعض الشيء في قراءة الفاتحة، حتى يعرفوا أنه قام، أما التكبير فقد فات محله ولا يمكن أن يقوله في غير محله. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 20 معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) هل في كل خمس صلوات يصطحبه معه إلى المسجد أم يأمره بعد الصلاة؟ الجواب لا. إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأمر أبناءنا بالصلاة لسبع، لكن لم ينهنا أن نصطحبهم دون السبع، قبل السبع لا نأمره دعه يلعب، لكن لو قال: أريد أن أذهب إلى المسجد فاذهب به معك، وعوده على ذلك. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 21 العمل إذا تعارض درسان من الدروس العلمية للمشايخ السؤال مثلاً لو كان هناك درسان من الدروس العلمية، هو مستمر في الدرس الأول، ولكن افتتح درس جديد، والآن هو يخشى مثلاً لو استمر في الدرس الأول فإن الدرس الثاني يفوته، ولا يعاد مثلاً شرحه أو مثلاً يفوته الوقت، ولا يستطيع أن يحضر الاثنين لتعارض الوقت معه أو لانشغاله بالمذاكرة، فماذا يفعل؟ الجواب هذه ليست مسألة دينية، هذه مسألة عملية، كل إنسان يعرف كيف يتصرف، والآن والحمد لله الذي يفوت على الإنسان يمكن تداركه بالتسجيلات، وأكثر الدروس تسجل الآن عندي وعند غيري. السائل: لكن يا شيخ الحضور قد يكون أفضل؟ الشيخ: لا شك أن الحضور أقوى، لكن إذا كان عنده الآن تعارض وعنده درسان، وهما في الأهمية واحد، والمدرسان كلاهما متكافئان، أي: ليس أحدهما أعلم من الآخر، أما إذا كان أحدهما أعلم من الآخر فليذهب إلى الأعلم، لأنه هو أفيد في الغالب، فهذا الذي أقوله لك، وممكن أن تجعل واحداً يسجل لك ويحتفظ بالشريط. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 22 مكان دعاء الاستخارة السؤال بعض العلماء قال: إن دعاء صلاة الاستخارة يكون داخل الصلاة في التشهد أو في السجود. فما هو الصحيح؟ الشيخ: أتحفظ حديث الاستخارة؟ السائل: نعم. الشيخ: هات معناه. السائل: إي: إذا أشكل على أحدنا الأمر فليصل ركعتين ثم ليدع. الشيخ: فليصل ركعتين ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك. الشيخ: من قائل هذا؟ السائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيخ: الرسول هل هو يعرف اللغة العربية أم لا؟ السائل: يعلم. الشيخ: هل هو يعرف أن (ثم) تدل على الترتيب أم لا يعرف؟ السائل: يعرف. الشيخ: هل قال: فليصل ثم ليقل، وهو يريد أن تكون مرتبة أم لا؟ السائل: نعم. الشيخ: أراد ذلك، إذن الجواب بعد أن يسلم، ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (فليصل ركعتين ثم ليقل) ولم يقل: ثم ليقل في الركعتين. وأنا أظن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممن يقول: إنه يقولها قبل السلام، لكن لا نوافقه على هذا، ما دام عندنا الحديث نص وأنا أقول: أظن أن شيخ الإسلام ولا أدري هل قالها هو أم لا، لكن إن كان قالها هو أو غيره، فالمرجع إلى الله ورسوله. السائل: لكن هل أرفع يديَّ؟ الشيخ: ليس هناك مانع. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 171 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [172] في لقاء من لقاءات الباب المفتوح وضمن تفسير سورة النجم، كان للشيخ هذه الوقفة مع بعض الآيات التي تحدثت عن الهداية والضلال في البشر ودخول ذلك ضمن علم الله، كما بيَّن حقيقة الثواب والعقاب يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل، وعرج على ذكر أهم صفات المحسنين وهي اجتناب الكبائر والفواحش واللمم، ووضع الفروقات بينها، وأعطاها النصيب الأوفر من الحديث في هذا اللقاء. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر رجب عام (1418هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من تفسير لكلام الله عز وجل، وإني أحثكم على الحرص على تدبر القرآن ومعرفة معناه؛ لأنه إنما أنزل لهذا، قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] . الجزء: 172 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ذلك مبلغهم من العلم) لقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم:30] في سورة النجم أي: (ذلك) والمشار إليه كونهم متولين معرضين لا يريدون إلا الحياة الدنيا، أي: ذلك منتهى بلوغ علمهم؛ لأن علمهم قاصر لا ينظرون إلى المستقبل ولا يصدقون بخبر، فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا، معرضين عن حالهم في الآخرة، {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم:30] وفي الدعاء المأثور: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) . ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلاً ومن سيضل؛ لأنه عالمٌ بما كان وما يكون، فقوله: (بمن ضل) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل، بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه؛ لأن الله سبحانه وتعالى موصوفٌ بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي، وقوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] ضد الضلال، فالناس بين فئتين: إما مهتدٍ، وإما ضال، وإنما بيّن الله سبحانه وتعالى أنه (أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) لفائدتين: الفائدة الأولى: أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادرٌ عن علم الله وبإرادته؛ إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه، لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلاً وحاشاه من ذلك. الفائدة الثانية: التحذير من الضلال والترغيب في الاهتداء، ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عملٍ صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله، وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل، فإذاً الفائدة أمران: الأولى: أنه لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى. والثانية: الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال، أي: كأنه يقول: إن ضللت فالله عالمٌ بك، وإن اهتديت فالله عالمٌ بك، فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم:30] . الجزء: 172 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي) ثم قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النجم:31] يقول علماء البلاغة: إنه إذا تقدم ما حقه التأخير فهو دليلٌ على الحصر والتخصيص، ولننظر في هذه الآية هل فيها تأخير وتقديم؟ (لله ما في السماوات وما في الأرض) (لله) خبر مقدم، و (ما في السماوات) مبتدأ مؤخر. إذاً قدم فيها ما حقه التأخير وهو الخبر؛ لأن حق الخبر أن يكون متأخراً عن المبتدأ تقول: الرجل قائمٌ، ولا تقل: قائمٌ الرجل، فالأصل أن المبتدأ على اسمه يكون هو الأول والخبر هو الثاني، لكن أحياناً يقدم الخبر لفائدة، فهنا الفائدة: (ولله ما في السماوات) والفائدة الحصر، والحصر يعني: لله لا لغيره، (ما في السماوات وما في الأرض) ولا أحد يملك ما في السماوات وما في الأرض إلا الله تبارك وتعالى، نحن نملك ما نملك من أموالنا لكن هل ملكنا عام؟ ليس عاماً، حقيبتي ليست حقيبة لك، وحقيبتك ليست حقيبةً لي، فأملاكنا ليست عامة، ثم هل نحن نملك التصرف بما هو ملكنا كما نشاء؟! لا، تصرفنا محدود حسب الشريعة، ولهذا لو تراضى اثنان في بيع الربا قلنا: إنكما لا تملكان ذلك، لو أراد الإنسان أن يحرق ماله قلنا: هذا ممنوع. إذاً ملك غير الله قاصر غير شامل، وملك غير الله قاصر حتى بالتصرف، الواحد منا لا يملك أن يتصرف في ماله كما يشاء؛ لأن تصرفنا في المال محدود حسب ما جاءت به الشريعة. إذاً الملك التام الواسع الشامل لله عز وجل، ولهذا قال: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى:49] فهو مالكٌ لذواتهما، مالكٌ لما فيهما أيضاً، وكم من ملك في السماوات؟ كم من مخلوقٍ في الأرض؟ كله ملكٌ لله عز وجل يتصرف فيه كما يشاء، حسب ما تقتضيه حكمته، وإيماننا بأن الله ملك السماوات والأرض يفيد أيضاً فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: الرضا بقضاء الله، وأن الله عز وجل لو قضى عليك مرضاً لا تعترض، ولو قضى عليك فقراً لا تعترض؛ لأنك ملكه يتصرف فيك كيف يشاء، فهو كما يتصرف في السحاب يمطر أو لا يمطر، يمضي أو لا يمضي، ويتصرف في الشمس والقمر، ويتصرف في المخلوقات، يتصرف فيك أيضاً كما يشاء، إن شاء أعطاك صحة وإن شاء سلبها، إن شاء أعطاك عقلاً وإن شاء سلبه، إن شاء أعطاك مالاً وإن شاء سلبك، أنت ملكه، فإذا آمنت بهذا رضيت بقضائه. الفائدة الثانية: الرضا بشرعه وقبول شرعه والقيام به، لأنك ملكه، قال لك: افعل افعل، قال: لا تفعل لا تفعل، أرأيت لو كان لك ملك عبد رقيق فأمرته ولكنه لم يفعل، هل تعتقد أن سيادتك تامة عليه؟ لا، أو نهيته ففعل فالسيادة ناقصة. إذاً: أنت إذا عصيت ربك إما بفعل المحرم وإما بترك الواجب؛ فإنك خرجت عن مقتضى العبودية التامة؛ لأن مقتضى العبودية التامة أن تخضع لشرعه كما أنك خاضعٌ كرهاً أو طائعاً لقضائه وقدره، وليس معنى قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الشورى:49] أن يخبرنا أنه مالك فقط، لكن من أجل أن نعتقد مقتضى هذا الملك، وما هو مقتضاه؟ الرضا بقضائه والرضا بشرعه، فهذا حقيقة الملك. {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] انظر! جاءت كلمة (ليجزي) كأن قائلاً يقول: وإذا تبين أن الملك لله فما النتيجة؟ أن الناس بين محسن وبين مسيء، كما قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن:2] إذا كانوا بين محسن ومسيء فما جزاء كل واحد؟ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} [النجم:31] (الذين أساءوا) وهم الذين خالفوا المأمور أو ارتكبوا المحذور، هذا هو الضابط، هؤلاء أساءوا، (ليجزيهم بما عملوا) السيئة بالسيئة لا تزيد، أو يعفو عز وجل عمن يستحق العفو، وهو كل من مات على غير الشرك فهو مستحق للعفو، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] المهم أنه لا يمكن أن يزيد سيئة لم يعملها الإنسان، ولهذا قال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} [النجم:31] بدون زيادة، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] ولم يقل: بما عملوا؛ لأن فضل الله أوسع من أعمالهم، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] أنت إذا فعلت حسنة تكون عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة. انظر الآن مثلاً صلاة الظهر بقي لها ثلث ساعة عندما تتوضأ وتسبغ الوضوء ثم تخرج من الصلاة لا يخرجك من بيتك إلا الصلاة فما الثمرات التي تحصل عليها؟ كل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ويحط عنك بها خطيئة، كم عدد الخطوات؟ لا يحصيها إلا الله عز وجل، مع أن المقصود شيء واحد وهو الصلاة، لكن سعيك إلى الصلاة فيه أجر، ما دمت خرجت من بيتك لا يخرجك إلا الصلاة وتأهبت في بيتك، وأسبغت الوضوء في بيتك، فأنت لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة، وهذه الخطوات لا يحصيها إلا الله. ثم إذا وصلت المسجد وصليت ما شاء الله ثم انتظرت الصلاة ولو تأخر مجيء الإمام عن صلاة الجماعة يكتب لك أجر المصلي، (لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة) أليس هذا أحسن من أعمالنا؟!! بلى، ولهذا قال: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] أي: بما هو أحسن وأكثر من عملهم، وهذا يدلك على سعة فضل الله عز وجل وإحسانه وكمال أدبه، فالمسيئون يجازيهم بالعدل أو يعفو، والمحسنون يجازيهم بالفضل. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) ثم ذكر شيئاً من صفاتهم، فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] (الذين يجتنبون) أي: يبتعدون عنه، وسمي الابتعاد اجتناباً؛ لأن الإنسان يقع في جانب والذي أبعد عنه يقع في جانبٍ آخر، فيبتعدون ولا يتصلون بكبائر الإثم والفواحش، (إلا اللمم) كبائر الإثم هي الكبيرة؛ لأن (كبائر) جمع كبيرة، والكبيرة بعض العلماء عدها، وبعض العلماء حدها، والصواب الحد، أي: أنها محدودة وليست معدودة، والذين ذكروها حداً الظاهر -والله أعلم- أنهم أرادوا المثال، فمثلاً: إذا قال الإنسان هي: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، هذه سبع، إذا قال الإنسان: هذه الكبائر، ليس معنى قوله: إنها محصورة في هذا، إذ من الممكن أن يحمل كلامه على أن ذلك على سبيل التمثيل فقط. أما الذين حدوها -أي: جعلوا لها ضابطاً- فقالوا في ضابطها: كل ذنبٍ رتب الله عليه لعنة، أو غضب، أو سخط، أو تبرأ منه، أو ما أشبه ذلك فهو كبيرة، ورأيت لبعضهم ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال: كل ذنبٍ جعلت له عقوبة خاصة إما في الدنيا أو في الآخرة فهو كبيرة، وعلى هذا فالزنا فيه عقوبة وهو الجلد أو الرجم، والسرقة كبيرة، قطع الطريق كبيرة، وعقوق الوالدين كبيرة، وهلم جراً، كلما رأيت شيئاً من الذنوب جعل الشارع له عقوبة خاصة فهو كبيرة. أما الذنب الذي نهي عنه فقط فهو صغيرة، كنظر الرجل مثلاً للأجنبية لشهوة هذا ليس كبيرة، هو صغيرة من الصغائر، لكن إن أصر الإنسان عليه وصار هذا ديدنه صار كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله. إذاً كبائر الإثم: كل ذنبٍ رتب الشارع عليه عقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأما ما حرمه وسكت ولم يذكر له عقوبة خاصة بل دخل في العموم فهذا من الصغيرة، ولكن الصغائر إذا أصر عليها صارت كبيرة من حيث الإصرار. وقوله: (والفواحش) هذه كبائر الكبائر؛ لأن الكبائر منها ما هو فاحش يستفحش ويستعظم ويستقبح بشدة، ومنها ما هو دون ذلك، فمثلاً: الزنا فاحشة، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] واللواط فاحشة أعظم من الزنا؛ لأن الله قال في الزنا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] وقال لوط لقومه: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف:80] فأتى بـ (أل) الدالة على القبح، وأنها جامعة لكل أنواع الفواحش. نكاح المحارم فاحشة، قال الله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً} [النساء:22] فهو أشد من الزنا، أي: لو زنا الإنسان بامرأة أجنبية منه، وبأم زوجته مثلاً، صار الثاني أعظم وأشد وأشنع، ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء: أن من زنا بامرأة من محارمه وإن لم يكن محصناً فإنه يرجم، يعني: الزنا بذوات المحارم ليس فيه جلد ما فيه إلا الرجم؛ لأن الله فرق بين الزنا وبين نكاح ذوات المحارم، نكاح ذوات المحارم وصفه بوصفين: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} [النساء:22] والزنا وصفه بوصف واحد وهو: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] . وجاءت السنة للتفريق بينهما -أي: بين من زنا بامرأة من محارمه أو بامرأة أجنبية- فجعلت حد الأول القتل بكل حال وإن لم يتزوج، وإن لم يكن ثيباً؛ لأن هذا أعظم -والعياذ بالله- إنسان يزني بأمه أو أخته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها، هذا فاحشة عظيمة. إذاً: (يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) قلنا: الفواحش كبائر الكبائر أعظم. لكن هل نأخذ من هذه الآية أن الكبائر تختلف والفواحش تختلف؟ نعم نأخذ من الآية أنها تختلف؛ لأن الكبائر وصف كلما كان أعظم صار أشد كبيرة، والفواحش كذلك، ولهذا سمعتم {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} [النساء:22] . {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32] {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] فرق الله مع أنها كلها فواحش لكن بعضها أعظم من بعض. {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] قيل: إنه استثناء متصل، وقيل: إنه استثناء منقطع؛ لأن اللمم الشيء القليل، فهل المعنى: إلا الشيء القليل من الكبائر، أي: أنهم يأتون الشيء القليل من الكبائر، أو المعنى: إلا الصغائر من الذنوب؟ إن قلنا بالأول فالاستثناء متصل، وإن قلنا بالثاني فالاستثناء منقطع، وتكون (إلا) بمعنى: لكن، والمعنى الثاني أقرب من حيث التقسيم؛ لأن الله ذكر الكبائر والفواحش والصغائر، وعلى هذا فيكون معنى: (إلا اللمم) أي: إلا أن هؤلاء الذين أحسنوا يأتون الصغائر، والصغائر -والحمد لله- مكفرة بالحسنات، قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصغائر تقع مكفرة إما باجتناب الكبائر، أو باجتناب الكبائر مضموماً إليها فعل هذه الحسنات العظيمة؛ الصلوات الخمس، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان. والخلاصة: أن الصغائر تكفر عن الإنسان منها إذا اجتنب الكبائر، وإذا أحسن في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان. قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] في هذه الجملة إشارة إلى قوله: (إلا اللمم) أي: أن اللمم يقع في سعة مغفرة الله عز وجل فيغفره الله، والمغفرة: هي ستر الذنب مع التجاوز عنه، أن الله يستر عليك الذنب ويتجاوزه، ولا يكفي ستر الذنب بل لا بد من تجاوزه، والدليل على هذا أمران: لغوي، وسمعي: أما اللغوي: فلأن المغفرة مشتقة من المغفر؛ والمغفر: هو ما يوضع على الرأس عند القتال ويسمى خوذة، ويسمى بيضة، يوضع على الرأس من أجل أن يتقي السهام، هذا الذي وضع على الرأس جمع بين أمرين: الوقاية والستر، فإذاً المغفرة لا بد من ستر ووقاية. أما السمعي: فهو قوله تبارك وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه وأقر قال: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) فدل هذا على أن الوقاية من الذنوب وعدم المؤاخذة من المغفرة. نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر إنه على كل شيء قدير. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 172 ¦ الصفحة: 6 كتابة أجر الخطا إلى المساجد لمن كان فيه ثم خرج ليتوضأ في البيت ثم عاد السؤال فضيلة الشيخ: هل إذا كان الشخص يقضي معظم وقته في المسجد، ثم قرب وقت الصلاة هل له أن يذهب إلى البيت ويتوضأ ويحسن الوضوء حتى يكتب له الأجر الذي ذكرتموه، أم أنه يتوضأ من الماء قريباً من المسجد؟ الجواب لا. الأحسن أن يتوضأ قبل أن يأتي إلى المسجد. السائل: إذا كان على وضوء ولكنه أحدث؟ الشيخ: مثلاً خرج بعد الشمس، ويريد أن يمكث في المسجد إلى صلاة الظهر، يتوضأ في بيته، ويخرج قاصداً صلاة الظهر، وإذا وصل المسجد سوف يتطوع بما شاء الله ثم يبقى ينتظر الصلاة إما في قراءة قرآن، وإما في صلاة، وإما في علم، ويكتب له الآن من حينما دخل المسجد إلى أن تقام الصلاة وهو في صلاة، هذا هو الأحسن. ثم إن طرأ عليه حاجة لقضاء بولٍ أو غائط يخرج ويقضي حاجته ويرجع ويبقى على أجره. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 7 حكم يسير المذي إذا أصاب الثوب السؤال فضيلة الشيخ: يقول العلماء: (ويعفى عن يسير المذي) هل يعفى عنه إذا أصاب الثوب أم إذا خرج؟ الشيخ: لا. هم قالوا: يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ. السائل: أقصد خروج المذي؟ الشيخ: المسألة فيها خلاف هل يعفى عن يسيره أم لا؟ لكن لو عفي عن يسيره فالمراد مثلاً نقطة أو نقطتان لا تضر. السائل: الحكم إذا أصاب الثوب؟ الشيخ: إذا أصاب الثوب أو الفخذ، لكن احتياطاً ينضحه ويصب عليه الماء حتى يغرقه بدون أن يعصره أو يدلكه. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 8 معنى حديث: (بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألا يسألوا الناس شيئاً) السؤال أحسن الله إليك يا شيخ: بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة: ألا يسألوا الناس شيئاً، فما معنى هذا الحديث؟ وهل هو عام أم خاص؟ وإذا كان خاصاً فما الذي يخرج منه؟ الجواب بايعهم على ألا يسألوا الناس أي شيء إلا عند الضرورة، قال الصحابي: [حتى إن أحدنا ليقع سوطه في الأرض وهو على راحلته فلا يقول لأحد: ناولني إياه، بل ينزل ويأخذه] وهذا يعم الأصل العموم، ولهذا قال بعض العلماء: إن قول القائل لأخيه: يا فلان ادع الله لنا، أو لا تنسنا من دعائك أن هذا من المسألة المذمومة؛ لأنه سأله، ولا شك أن قول الإنسان: لا تنسنا من دعائك أنه ليس من هدي السلف الصالح فيما نعلم، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا؛ لأنك أولاً: تحرم نفسك من الدعاء، والله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، لم يقل: اطلبوا من غيركم أن يدعوا لكم (ادعوني) . ثانياً: أنك تحرم نفسك من عبادة: (الدعاء هو العبادة) . ثالثاً: أنك تعلق نفسك بهذا الرجل الذي طلبت منه الدعاء. رابعاً: إنه ربما يغتر هذا الرجل وينتفخ ويقول: أنا من أنا حتى يطلب مني الناس الدعاء. نعم إن طلبت من رجل صالح ترجو إجابة الله دعاءه في شأن المسلمين عموماً لا بأس، مثل أن تأتي إلى رجل صالح تقول: الناس الآن في جدب وقحط والمطر تأخر، نعم إذا تأخر المطر سنة من السنين ادع الله لهم، هذا لا بأس به، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول لأحد: ادع الله لي، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الذين يسترقون وهم مرضى يقولون: يا فلان! اقرأ علينا، جعلهم عادمين لوصفٍ من الأوصاف التي إذا تحققت دخل الإنسان الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب. لكن إذا كان الذي تسأله هذا تعلم أنه ممنون منك، إذا قلت: يا فلان أعطني هذه الساعة أو هذا القلم وهو لا يضره لكن تعرف أنه يفرح؛ لأن بعض الناس يفرح أن يقول لفلان: يا فلان، أريد كذا وكذا، هذا لا بأس به. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 9 حكم من تذكر وهو في الصلاة أن في ثوبه نجاسة السؤال فضيلة الشيخ: إذا تذكر الإنسان وهو في الصلاة أن في ثوبه نجاسة فماذا يفعل: هل يقطع الصلاة؟ الجواب إذا تذكر الإنسان في صلاته أن على ثوبه نجاسة أو علم وكان لا يدري فليخلع هذا الثوب إذا كان عليه ما يستتر به تحته. السائل: لكن السروال يا شيخ؟ الشيخ: السروال سهل؛ لأن السروال عليه قميص أليس كذلك؟ يخلع السروال ويمضي في صلاته، أو عليه مثلاً قميص وتحته سروال وفنيلة يخلع القميص. أما إذا كان رجل ليس عليه إلا قميص واحد، وذكر أن هذا القميص نجس، أو رأى النجاسة فيه وهو لا يدري عنها من قبل، هذا لا بد أن يخرج من الصلاة، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بنعليه فخلع نعاله، فخلع الصحابة نعالهم، ولما انتهت الصلاة سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (لماذا خلعتم النعال؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) ومضى في صلاته. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 10 حال المسلم عند رؤية الغيم السؤال عند رؤية الغيم هل يسن أن يكون حالنا كحال النبي عليه الصلاة والسلام من وجله وخوفه أم يجوز أن يفرح كما ذكرت عائشة للنبي عليه الصلاة والسلام؟ الجواب انظر بارك الله فيك! التطبب ليس كالطب، والتكحل ليس كالكحل، الإنسان الذي يتكلف وقلبه خال من خوف الله، هذا ليس فيه فائدة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعته يخاف؛ لأنه أعرف الناس بالله، وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف. ومعلوم أن الرسول كان يتغير وجهه ويخرج ويدخل حتى تمطر، وقال: (ما يؤمننا أن يكون فيه عذاب فقد عذب قومٌ بالريح) وأما الإنسان الذي جرت به العادة وحسب الفطرة فإنه يفرح ويسر ويؤمن بهذا السحاب خيراً. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 11 المقصود بالأمر في قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) السؤال قول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] ما المقصود بالأمر هنا؟ الجواب المراد بالأمر هنا الأمر الكوني؛ لأن الأمر يطلق على الأمر الشرعي مثل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] ، ومثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90] {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] . ويطلق على الأمر الكوني، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] فالمراد بالأمر هنا الأمر الكوني، فإذا أراد الله تعالى أن يهلك قرية أمر مترفيها أمراً كونياً ففسقوا، وحينئذٍ يحق عليها القول فتدمر. وفي الآية: التحذير الشديد من عقوبة غير المترفين، من عقوبة الطائعين؛ لأنه قال: (أمرنا مترفيها ففسقوا) أي: المترفون، (فحق عليها القول) وهذا يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} [الإسراء:16] ومنها قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25] . وأما قول بعض العلماء عفا الله عنهم: إن المراد بالأمر في الآية الأمر الشرعي، والمعنى: أمرناهم ونهيناهم ففسقوا، فهذا مستحيل على الله عز وجل أن يأمر وينهى ليهلك، فهذا غير صحيح، بل هو يأمر وينهى ليرحم سبحانه وتعالى. فالقول: إن المراد به الأمر الشرعي قولٌ ضعيفٌ جداً، ومن تأمله عرف أنه لا يليق بالله سبحانه وتعالى أن يأمر أمةً وينهاها من أجل أن تفسق فيعذبها، فصار الغاية من الشرائع على هذا القول العذاب، والغاية من الشرائع الرحمة، المهم أنه يتعين أن يكون بالمراد هنا الأمر الكوني القدري. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 12 حكم الدين الذي تنازل عنه أهله في المحكمة السؤال فضيلة الشيخ: رجل عليه ديون كثيرة تتجاوز ثلاثمائة ألف ريال، كتب لأحد ولاة الأمر فتكفل بسداد هذا الدين على أن يتنازل أصحاب الديون عن الثلث، فمن كان له ستين ألفاً يتنازل عن عشرين ألفاً، ثم أحضروا جميعهم عند المحكمة فوقعوا بالتنازل، وبعد خروجهم من المحكمة أخذوا يأتون هذا الرجل ويسألونه عن باقي الديون، فهل برأت ذمته بتنازلهم عند المحكمة، أم عليه الوفاء لهم؟ الشيخ: لا شيء عليه. السائل: إذاً برأت ذمته؟ الشيخ: نعم. لأن هذا الرجل ما لم يجبرهم لو شاءوا لقالوا: لا، نصبر ونأخذ حقنا كاملاً، فهو لم يجبرهم، والتنازل عن الحق المؤجل أو المعجوز عنه ببعضٍ منه جائز، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (ضعوا وتعجلوا) ثم إن إفساد الأعيان للحفاظ عليها جائز، فالخضر خرق السفينة مع أنه إفساد لها؛ لكن لأجل الحفاظ عليها، فهذا العمل جائز ولا بأس به، ولكن بشرني عسى الأمر تم على هذا، بمعنى أنهم تنازلوا عن ثلثي الحق وأعطوا ثلثاً؟ السائل: واستلموا. الشيخ: الحمد لله ذلك من فضل الله. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 13 حكم قصر الصلاة لمن سافر أكثر من (90كم) السؤال فضيلة الشيخ: بعض الإخوان يخرج إلى مسافة أكثر من (90كم) فهل يقصر الصلاة مع أنه لم ينو السفر؟ الشيخ: هل هذا مسافر؟ السائل: ليس مسافراً، لكن بعض الإخوان تشكل عليهم القضية. الشيخ: لا يشكل، نحن نرى أن الذي يرجع في يومه هذا ليس بالمسافر ولو بلغ تسعين كيلو؛ لأنه لا يودع عند الذهاب، ولا يستقبل عند المجيء، فليس بمسافر، ما عده الناس سفراً فهو سفر، وما لا فلا. أما من حده بالمسافة وهو ثلاثة وثمانون كيلو فيقول: إذا جاوز (83كم) ولو رجع بساعته فهو مسافر، لكن النفس لا تطمئن لهذا، والأصل وجوب الإتمام، وإذا كان الأصل وجوب الإتمام فإنه لا يجوز العدول عنه إلى القصر إلا إلى شيء تطمئن إليه النفس؛ لأن وجوبها تامة أمر متيقن، وكونها تقصر في هذه المسافة فإنه أمر مشكوك فيه، وما هو العقل؟ أن تترك اليقين وتأتي المشكوك فيه؟ السائل: اليقين. الشيخ: إذاً الحمد لله، ما دمنا في شك من هذا وهو محل خلاف بين العلماء، والقرآن والسنة لم يقيدا ذلك بمسافة، فإننا نقول: هذا عند الناس ليس بسفر، والأصل وجوب الإتمام فليتم. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 14 حكم توكيل إمام المسجد من ينوب عنه لمدة شهر كامل السؤال إذا كان الشخص إماماً لمسجد ووكل على هذا المسجد من يصلي به شهراً كاملاً وكان للمسجد بيت، فالعرف أن يعطي مكافئة الشهر هذا للذي وكله، لكن البيت هذا هل يخرج منه شيئاً؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك لا نرى جواز تغيب الإمام عن الإمامة لمدة شهر، إلا لشيءٍ ضروري كمرض مثلاً؛ لأنه من أين يأخذ المكافئة؟ السائل: من بيت المال. الشيخ: من بيت المال الذي فيه الحق لكل واحد حتى العجوز في بيتها لها حق، فكونه يأخذ على شيءٍ لم يقم به لا يجوز أبداً، وكونه ينوب شخصاً لا يكفي، لكن إذا دعت الضرورة إلى هذا مثلاً إما لمرض أو لصحبة مريض لا بد من صحبته إياه، فإنه إن شاء أعطاه مكافئة الشهر أو أقل أو أكثر أو ما أعطاه شيئاً حسب ما يرضي صاحبه، ولكنه لا يضع في هذا المسجد إلا من يرضاه أهل المسجد. السائل: والبيت يا شيخ هل يدفع عنه الإيجار؟ الشيخ: أبداً لا يدفع عنه إيجاراً ولا شيئاً؛ لأن النائب راضٍ بأي شيء يعطيه إياه. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 15 دفع توهم التعارض بين حديثين عن يد الله عز وجل السؤال فضيلة الشيخ: ورد حديثان في صحيح مسلم بالنسبة ليد الله عز وجل، ذكر الحديث الأول: (أن كلتا يديه يمين) ، والحديث الآخر ذكر: (أنه يأخذ السماء بيمينه والأرض بشماله) فكيف نجمع بين الحديثين؟ الجواب ما بينهما تعارض، نقول: إن معنى: (كلتا يديه يمين) أي: كلتا يديه يمنٌ وبركة، لكنها يمين وشمال، وإنما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كلتا يديه يمين) لئلا يتوهم واهم أن يدي الله عز وجل مثل يدي المخلوق الذي تفضل فيها اليمين عن الشمال، فقال: (كلتا يديه يمين) احترازاً من هذا الوهم، وإلا فهي يمين وشمال. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 16 حكم الفترة التي تطهر فيها المرأة وقد كانت في شك من طهارتها السؤال لو قطع الدم عن النفساء بعد العشرين، فجلست يومين أو ثلاثة أيام ترقب تظن إنها نفساء ثم تبين لها إنها طهرت وانقطع الدم، فماذا عليها في الثلاثة الأيام التي لم يوجد فيها دم؟ الجواب إن قضت الصلاة فهو خير، وإن لم تقض فلا شيء عليها؛ لأن تركها للصلاة مبني على أصل، وهو أنها نفساء، فهي من جنس المرأة التي جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة. ) ، فأرشدها الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أن تجلس عادتها أو تعمل بتميزها ولم يأمرها بقضاء الصلاة التي كانت تتركها؛ لأنها بنت على أصل، فهذه المرأة نقول: إن قضت الصلاة فهو خير وإن لم تقضها فلا شيء عليها. السائل: وما حكم الصيام كذلك إذا كانت في رمضان مثلاً؟ الشيخ: الصيام لا بد أن تقضيه على كل حال. السائل: براءة للذمة تقضيه أم هي أصلاً ما فطرت يا شيخ إلا لأنها تظن أنها الشيخ: ما يخالف هي ما صامت؟ السائل: ما صامت. الشيخ: تقضي الصوم، لأن الصيام يقضى على كل حال، لكن الصلاة لا تقضى في الحيض أو النفاس. السائل: على أكبر مدة يا شيخ، أطول مدة للنفساء؟ الشيخ: أطول مدة ستون يوماً ولا حد لأقله، أي: لو لم تنفس إلا يوماً وليلة كفى، أو يوماً كفى أو ساعة كفى. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 17 حكم مبادلة تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية السؤال اشتهر عند العامة فتوى نسبت إليكم وهي: مبادلة تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية؟ الجواب نعم صحيح، أنا أفتي بأنه لا بأس أن يعطي الإنسان ورقاً فئة عشرة ويأخذ تسعة معدنية؛ لاختلاف الجنس، والحديث: (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . السائل: ولو كان المبلغ هو عن قيمته وحده؟ الشيخ: قيمته وحده عند الحكومة، لكن في العرض والطلب ليست بواحدة، ألم تعلم أن الريال الفضي هذا عنه ورقة في تسعير الحكومة، لكن الآن كم يساوي؟ السائل: يساوي عند الناس تسعة ريالات بعشرة ريالات ورقية. الشيخ: لا. قصدي الريال العربي الفضي الأول، كم كانت الورقة عن الريال العربي؟ السائل: كانت ستة وخمسين ريالاً. الشيخ: الآن لا، الريال الواحد يساوي أربعة ريالات أو خمسة ريالات. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 18 حكم الضيافة عند بناء بيت جديد السؤال ما حكم الإنزالة إذا بنى الإنسان بيتاً جديداً؟ الجواب لا شيء فيها ولا هي بحرام ولا بدعة؛ لأن هذا مما جرت به العادة أن الناس يصنعون هذه الإنزالة فرحاً بالمنزل الجديد وإكراماً لإخوانهم وليس فيها شيء. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 19 حكم حنث الوالدين في حلفهم على أولادهم السؤال فضيلة الشيخ: هل صحيح ما قيل: إن حنث الوالدين في حلفهم على أولادهم لا يوجب التكفير؟ الجواب هذا صحيح من جهة وغير صحيح من جهة، أما الشيء الذي لا يقصد فليس فيه كفارة، مثل قول الرجل لولده مثلاً: والله لا تذهب إلى فلان وإن ذهبت لأكسرن رأسك أو ما أشبه ذلك، هذا من المعلوم أنه لم يقصد اليمين، لو ذهب ولده هل يكسر رأسه؟ لا يكسر، هذا لا شيء فيه. أما إذا كان حقيقة يريد إلزامه مثل أن يقول: والله لتجلسن في البيت حتى يأتي الضيوف ولم يجلس فهذا يحنث. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 20 حكم الزكاة على دين مقسط لم يستلم إلا جزءاً منه السؤال يا شيخ: إذا كان لي في ذمة رجل مبلغ وقدره مائة ألف ريال مقسطة، واستلمت بعد مضي سنة أربعة وعشرين ألفاً وحلت الزكاة، فهل أزكي الأربعة والعشرين ألفاً أم أزكي المائة ألف الكاملة؟ الشيخ: كيف أربعة وعشرين ألفاً ومائة ألف ما هذا؟ السائل: هي أقساط في السنة أستلم منه أربعة وعشرين ألفاً، وفي ذمته لي مائة ألف ريال، فإذا حال الحول هل أزكي الأربعة والعشرين ألفاً التي وصلتني؟ الجواب إي نعم زكِ الأربعة والعشرين التي وصلتك. السائل: فقط. الشيخ: فقط، ثم إذا تمت المدة زك ما بقي لكل السنوات الماضية إذا قبضته. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 21 من أراد سداد دينه لرجل متدين منه ديناً برهن والآخر بدون رهن السؤال فضيلة الشيخ: إذا اقترض شخصٌ من آخر قرضين أحدهما برهن والآخر بدون رهن، وأراد المقترض سداد القرض الأول، وأراد فك الرهن، فالقول قول من؟ الشيخ: قول المدين. السائل: أي الذي هو المقترض؟ الشيخ: إي نعم المقترض، إذا قال مثلاً: الدين مائة ألف بلا رهن، ومائة ألف برهن، ثم أوفاه وقال: هذا عن الدين الذي فيه الرهن، فالقول قوله؛ لأنه هو الغارم. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 22 حكم ذبح الذبائح والإتيان بها إلى أهل الميت السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم ذبح الذبائح والإتيان بها إلى أهل الميت؟ وهل يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً) وأن الناس يفعلون ذلك على شكل دورية بينهم غداءً وعشاءً؟ الجواب هذا ليس داخلاً في حديث جعفر لوجهين: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) علل السبب: أنه أتاهم ما يشغلهم، وأكثر الناس اليوم -ولله الحمد- لا يشغلهم الحزن؛ لأن المطاعم موجودة يرسل أصغر الأولاد يأتي بالذي يريد فليس هناك شغل. الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجتمع إلى آل جعفر، ولا اجتمع أقاربهم إليهم، ولا أصحابهم إليهم، إنما هو طعامٌ يصنع لهم غداءً أو عشاءً حسب الظرف فقط، إذا أتاهم ما يشغلهم. لكن الشيطان يجعل من الأشياء المتشابهة في الشريعة سلماً لأهل البدع، كما جعل قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] جعلها سلماً للذين ينكرون الصفات، فينكرون الصفات بحجة أنها لو ثبتت الصفة لكان الله مماثلاً للخلق، فهؤلاء استدلوا بهذا الحديث وليس فيه دليلٌ لهم، بل هو دليلٌ عليهم في الواقع، هل الرسول عليه الصلاة والسلام اجتمع إليهم وجعفر بن أبي طالب ابن عمه؟ وهل أحد من أقاربهم اجتمعوا إليهم؟ أبداً، بل قال جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] والنياحة يعذب بها الميت في قبره، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الميت يعذب بما نيح عليه) ولقلة تنبيه العوام على هذا صاروا يظنون أن هذا لا بأس به، لكن أي إنسان تقول له: إن صاحبك الذي مات أبوك أو أخوك أو أمك أو عمك تعذب لما فعلت، لا أعتقد أن أحداً يجرؤ على أن يفعل هذا الشيء أبداً، ثم أصبحت هذه الأشياء وكأنها وليمة عرس، أي: في بعض البلاد تمر بقصد المأتم تجد الأنوار الكثيرة والكراسي والسرادق، وهذا يدخل وهذا يخرج وكأنها وليمة عرس -والعياذ بالله- وقد قال بعض العلماء المعاصرين وفقهم الله: إن أصل هذا مأخوذ عن النصارى، هم الذين يعملون من أجل أن ينسوا الإنسان هذه المصيبة بما يلهي من الدنيا، لا بالتعزية المشروعة؛ التعزية المشروعة أن يوعظ الإنسان ويقال كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فاصبر واحتسب) لا أن تقام هذه المعمعة وهذه السرادقات. ولذلك أرى: أن على أهل العلم وطلاب العلم مسئولية كبيرة حول هذا الموضوع، يجب أن تكرس الجهود للقضاء على هذه البدعة. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 23 مدى صحة حديث: (لا تنسنا من دعائك) السؤال فضيلة الشيخ! نحن من الضيوف الذين قدموا من المدينة المنورة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الحقيقة سأل أحد زملائي سؤالاً واثنان ما سألوا وأنا ثالثهم فلو تسمح لنا بثلاثة أسئلة سؤالين لهما وسؤال لي تصبح ثلاثة؟ الشيخ: التركيب ممنوع بارك الله فيك، هات سؤالك أنت؛ لأن الوقت الآن قريب جداً؟ السائل: قلتم عن الدعاء للإنسان أنه أنه لا يُطلب من إنسان دعاء، ما رأيكم في الحديث الذي يروى: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ عمر وهو مسافر: (لا تنسنا من دعائك) ؟ الجواب هذا لم يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام. أنا أنبهك على مسألة: الآن عند الناس عامة على المستوى الرسمي والشعبي المدينة المنورة، وأنا لا أقول في هذا شيئاً، لكن أختار وصفاً أحسن من هذا تشرف به المدينة أكثر، وهي المدينة النبوية، هذا الفخر، المدينة المنورة كل بلدة دخلها الإسلام فهي منورة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] فمتى دخل هذا النور في أي بلد فهي منورة، لكن المدينة النبوية من يحصل؟ أي بلدة نحصلها إلى مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا كانت عبارة علمائنا وسلفنا على وجهين: إما المدينة فقط، وإما المدينة النبوية. الموجود حتى في القرآن المدينة فقط، وهل يمكن أن نعظم المدينة أكثر من تعظيم الله لها؟ لا يمكن، إذاً أنا أفضل ولا أمنع من المنورة، ولا تقولوا: إننا منعنا، أنا لا أمنع من المنورة؛ لأن هذا المصطلح عليه الآن، لكن إذا أردنا وصفها -زادها الله شرفاً- أن نقول: المدينة النبوية هذا هو الأحسن؛ أولاً: هذا هو المتابعة لسلفنا. وثانياً: إذا قلنا المدينة المنورة صار هذا عام؛ لأن كل مدينة دخل فيها الإسلام فهي منورة، لكن المدينة النبوية خاص لا يدخل فيها إلا المدينة التي سكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله وإياكم من أتباعه. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 172 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [173] من خلال تفسير الشيخ لآيات من سورة النجم تحدث عن عموم ملك الله سبحانه وتعالى واختصاصه بهذا الملك، بالإضافة إلى ذلك تكلم عن عباده المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، وعن سعة مغفرة الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر مراحل نشأة خلق الإنسان، وبعد ذلك تحدث عن تزكية النفس المنهي عنها، مستدلاً بها على حكم التلفظ بالنية. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والسبعون بعد المائة، من اللقاءات المعبر عنها بلقاء (الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو الرابع من شهر شعبان عام (1418هـ) . نبتدئ في هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به من تفسير القرآن، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] 2 وهو في سورة النجم. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض) قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النجم:31] هذه الآية تدل على أمرين: الأمر الأول: عموم ملك الله سبحانه وتعالى لما في السماوات والأرض، ويؤخذ هذا العموم من قوله: (ما في السماوات) لأن (ما) للعموم. والأمر الثاني: اختصاص ملك السماوات والأرض لله عز وجل، وهذا يؤخذ من تقديم الخبر: (ولله ما في السماوات) والعلماء يقولون: إن تقديم ما حقه التأخير يفيد العموم، وهذه قاعدة بلاغية لغوية، ولها أمثلة كثيرة: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] (إياك) هذه مفعول مقدم ذو جملتين: لنعبد ولنستعين، وحق المفعول أن يكون مؤخراً، لكنه قدم من أجل الاختصاص، ونضرب مثلاً لهذا بما يجري بيننا، فإذا قلت لشخص: إياك أردت، فهي ليس كقولك: أردتك؛ لأن إياك أردت يعني: ولم أرد غيرك، لكن أردتك قد تكون أردته وأردت غيره أيضاً. المهم افهموا هذه القاعدة: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، يعني: اختصاص الشيء هذا لهذا الشيء. إذاً: هل أحد يملك ما في السماوات والأرض؟ لا، إلا الله عز وجل هو الذي يملك ما في السماوات والأرض، ولما ذكر سبحانه وتعالى عموم الربوبية ذكر ما يترتب على هذا العموم في قوله: ((لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)) [النجم:31] إذاً فمقتضى هذا الملك، أن يأمر وينهى، ثم يجازي بعد ذلك الذين أحسنوا بالحسنى، والذين أساءوا بما عملوا، ما معنى: الحسنى؟ الحسنى: أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة. أساءوا بما عملوا يعني: السيئة بمثلها فقط ولا زيادة، قال الله تبارك وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40] وهذا في معاملات الخلق، وأما الخالق فقال عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] . الجزء: 173 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] (إلا اللمم) لها معنيان: المعنى الأول: يعني الصغائر. والمعنى الثاني: القليل من الكبائر والفواحش، (إلا اللمم) يعني: إلا القليل، ذكرنا بناء على اختلاف القولين الاختلاف في (إلا) هل هي متصلة أو منقطعة؟ (إلا اللمم) متى تكون منقطعة؟ إذا فسرنا (اللمم) بالصغائر صارت منقطعة، وعلامة (إلا) المنقطعة، أن ما بعدها ليس من جنس ما قبلها، فمثلاً: ((كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) [النجم:32] إذا قلنا اللمم الصغائر، فهل الصغائر من الكبائر والفواحش؟ لا، إذا قلنا: المراد باللمم القليل من الكبائر والفواحش صارت (إلا) متصلة؛ لأن اللمم القليل مما سبق فهو من جنسه. إذاً: الاستثناء عندنا يكون منقطعاً ويكون متصلاً فما هو المتصل؟ إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه فهو متصل، وإذا كان من غير جنسه فهو منقطع، وإليك ما مثل به النحويون يقولون: إذا قلت: جاء القوم إلا أميرهم، فالاستثناء متصل؛ لأن الأمير من جنسهم. وقالوا: إذا قلت: جاء القوم إلا حمارهم، فالاستثناء منقطع؛ لأن الحمار ليس من جنس القوم. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إن ربك واسع المغفرة) ثم قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] إشارة إلى أن الصغائر تغفر، وقد ثبت في القرآن الكريم أن الصغائر تغفر باجتناب الكبائر، فقال جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] ، ولهذا قال: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} . أما إذا قلنا: اللمم القليل من الفواحش والكبائر، فيكون قوله: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} إشارة إلى أن الكبائر إذا تاب الإنسان منها غفر الله له، وكأنها لم تكن، وإن لم يتب منها فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه بما تستحق هذه الكبيرة. وهناك قومٌ من هذه الأمة يقولون: إن الكبيرة لا تغفر، وهم الخوارج والمعتزلة، فـ الخوارج والمعتزلة يقولون: إن الإنسان إذا زنى فهو من أهل النار وهو كافر، وإذا سرق كذلك، وإذا شرب الخمر كذلك، لكن قولهم باطل، والصواب: أن فاعل الكبيرة داخل تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] . لو قال قائل: أنت إذا قلت هذا، فتحت الباب على مصراعيه لفعل الكبائر؛ لأن أي إنسان يفعل كبيرة يقول: أنا يمكن أن يغفر الله لي، وهذا فعلاً يحتج به العوام، يقول: إذا كان الله يقول: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أي: ما دون الشرك لمن يشاء، إذاً سيفعلون الكبائر ويقولون: سيغفر الله لي، فكيف تجيبه؟ نجيبه بأن الله قال: {يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} وما قال: لكل أحد، بل قال: (لمن يشاء) فهل أنت متيقن الآن أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ هل أحدٌ يتيقن هذا؟ لا أحد يتيقن. إذاً: لا حجة في هذه لأهل المعاصي. ثم إن قوله تعالى: (لمن يشاء) نعلم أن الله حكيم، لا يشاء أن يغفر للمذنب غير الشرك إلا إذا اقتضت الحكمة ذلك، ومن منا يستطيع أن يقول: إن حكمة الله تقتضي أن يغفر الله لي؟! لا أحد يقول هذا، بل لو قال هذا لقلنا: إن قولك هذا من أسباب المؤاخذة والمعاقبة؛ لأنك تأليت على الله. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض) ثم قال عز وجل: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فهو أعلم بنا منذ ذلك الوقت الطويل البعيد، (إذ أنشأكم من الأرض) بماذا؟ بخلق أبينا آدم؛ لأن آدم خلق من التراب، ثم صار طيناً ثم صار صلصالاً، ثم خلقه الله بيده جسماً ونفخ فيه الروح فصار آدمياً إنساناً، إذاً نحن من الأرض، سبحان الله نحن من الأرض؟!! نعم نحن من الأرض، {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] الإخراج الذي ليس بعده وفاة، وهو في يوم القيامة. (إذ أنشأكم من الأرض) ولذلك الآن بنو آدم كالأرض تماماً فيهم الحزن الصلب الشديد، وفيهم السهل، وفيهم ما بين ذلك، وفيهم الأبيض، وفيهم الأحمر والأسود؛ لأن الأراضي تختلف هكذا، وقد ذُكر أن الله لما أراد أن يخلق آدم أخذ من كل الأرض سهلها وحزنها أسودها وأبيضها. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) قال تعالى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] وهذه النشأة الثانية (أجنة) : جمع جنين وهو الحمل، وسمي الحمل جنيناً؛ لأنه مستتر (إذ أنتم أجنة) أي: مستترين في بطون أمهاتكم، من حين كان الإنسان نطفة ومن النطفة يخلق، وهذا معنى قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] فمن حين ما يكون نطفة يكون جنيناً، ثم يتطور أربعة أطوار. أولاً: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم أنشأناه خلقاً آخر، الطور الأخير الذي فيه تحل الروح. إذاً هو عالمٌ بنا حين النشأة الأولى وحين النشأة الثانية في بطون أمهاتنا. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم:32] لا تقل: عملت كذا وكذا، صليت زكيت صمت جاهدت حججت لا تقل هكذا، تدل بعملك على ربك، هذا لا يجوز، فإن قال قائل: أليس الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] ؟ ف الجواب بلى، لكن معنى: (من زكاها) أي: من عمل عملاً تزكو به نفسه، وليس المعنى: (من زكاها) من أثنى عليها ومدحها بأنها عملت وعملت، بل المراد عمل عملاً تزكو به نفسه، فلا معارضة بين الآيتين، ولهذا نقول: من زكى نفسه بذكر ما عمل من الصالحات فإنه لم يزك نفسه حقيقة؟ من زكى نفسه فإنه لم يزك نفسه، فرق بينهما. التزكية التي يحمد عليها الإنسان: أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً تزكو به نفسه. والتزكية التي يذم عليها: أن يدل بعمله على ربه ويمدحه، وكأنه يمن على الله، يقول: صليت تصدقت صمت حججت جاهدت بررت والدي وما أشبه ذلك، هذه لا يجوز للإنسان أن يزكي نفسه، ويقول: أنا من أنا، وفي هذا رد على أولئك الصوفية الذين يدعون أنهم أئمة، ويزكون أنفسهم، ويقول: وصلنا إلى حدٍ لا تلزمنا الطاعات؛ لأن هناك من الناس من يقول: إنه وصل إلى عالم الملكوت ولا عليه صلاة، ولا عليه صدقة، ولا عليه صيام، ولا يحرم عليه شيء، وهؤلاء منسلخون من الدين انسلاخاً تاماً، لذلك نقول: هؤلاء الذين يزكون أنفسهم هم أبعد الناس عن الزكاة؛ لأنهم أعجبوا بأعمالهم وأدلوا بها على الله عز وجل، وجعلوا لأنفسهم منصباً لم يجعله الله تعالى لهم. قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} كأنه يقول: لماذا تزكون أنفسكم؟!! أتريدون أن تعلموا الله بما أنتم عليه؟ الجواب: لا، ولهذا قال: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} أي: إن كنت متقياً لله فالله أعلم بك، لا حاجة إلى أن تقول لله: إني فعلت وفعلت. وفي هذا إشارة إلى أن النطق بالنية عند فعل العبادة قد يدخل فيه نوع من التزكية، يعني: إذا أردت أن تتوضأ هل تقول: اللهم إني نويت أن أتوضأ؟ لا، هل تقولها سراً؟ لا، بعض العلماء يقول: قلها سراً بينك وبين نفسك، وعللوا هذا قالوا: من أجل أن يطابق اللسان القلب، القلب نوى لكن قل باللسان: اللهم إني نويت أن أتوضأ، أو نويت أن أصلي أيضاً، تريد تصلي قل: اللهم إني نويت أن أصلي، متى؟ الظهر أو العصر؟ الظهر، وهل تحتاج إلى عدد الركعات أو لا تحتاج؟ لا ما تحتاج، فما دام عينت يكفي، بعض العلماء يقول هكذا -يا إخوان- وهم علماء أجلاء من الفقهاء. لماذا النطق باللسان؟ لتطابق القول القلبي واللساني. فيقال: هذا غلط، هذا قياسٌ في مقابلة النص، هل الرسول عليه الصلاة والسلام شرع لأمته أن ينطقوا بالنية؟ أبداً، لا في حديث صحيح ولا ضعيف: أن الإنسان إذا أراد العمل نطق النية، أبداً ما يوجد. ومن الطرف الطريفة: أن رجلاً عامياً في المسجد الحرام سمع شخصاً يريد أن يصلي، فقال بعد أن أقيمت الصلاة: اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات في المسجد الحرام، ولما أراد أن يكبر قال له: باقي عليك، قال: ما هو الباقي؟ قال: باقي التاريخ، قل في اليوم الفلاني، فأنت الآن ذكرت المكان وذكرت العمل وباقي التاريخ قل: في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية. مداخلة: مأموماً؟ الشيخ: لا أعلم مأموم أو غير مأموم المهم أنه قال له الكلام هكذا، فانتبه الرجل وقال له: يا أخي! أنت تعلم ربك بنيتك، الله أعلم بنيتك: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] . كذلك عند الصيام مثلاً: إذا تسحر الإنسان وأراد أن يصوم يقول: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل؟ لا يقول هذا، ونحن عندما كنا صغاراً كانوا يلقوننا هذا، يقول: إذا تسحرت قل: اللهم إني نويت الصيام إلى الليل، ونقوله؛ لأننا لا ندري، لكن في الواقع أن هذا من البدع. بقي أن يقال في الحج هل تقول: اللهم إني نويت العمرة، أو نويت الحج، أو نويت القران، أو التمتع؟ لا ما تقوله، حتى في الحج عندما تغتسل وتلبس الإحرام لا تقل: اللهم إني نويت العمرة أو نويت الحج، بل تكفي التلبية؛ لأنك سوف تقول لبيك عمرة إن كنت في عمرة، أو لبيك حجاً إن كنت في حج، أو لبيك عمرة وحجاً إن كنت قارناً، فلا حاجة، فكل العبادات لا ينطق فيها بالنية، ولهذا قال عز وجل: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} . الجزء: 173 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 173 ¦ الصفحة: 9 كيفية جعل المكتبات مفيدة السؤال بارك الله فيكم، ونفع بكم المسلمين! هذا أولاً، وثانياً: حفظكم الله! تعلمون أنه دندن كثيرٌ من الناس حول المكتبات الخيرية، وهم لا يعلمون ما دورها أو ما نتاجها، وقد يخفى عليهم هذا الأمر، فلذلك نحن إخوانكم من مدينة حائل ننقل لكم تحيات الإخوة هناك وسلامهم لكم جميعاً؟ الشيخ: عليك وعليهم السلام، وأبلغهم سلامنا. السائل: إن شاء الله تعالى، إخوانكم في مكتبة محمد بن عبد الوهاب الخيرية في مدينة حائل لما رأينا أن هناك أخطاء في المكاتب، فحرص إخوانكم في المكتبات هناك في مدينة حائل بالتعاون مع بعض طلاب العلم على تصحيح الأوضاع بدلاً من هدم هذا الكيان أو تحطيمه، إصلاح ما فيه من أخطاء وتعديل ما فيه من ملاحظات، ولكن ما زال هناك أناسٌ يحاولون هدم هذه المكاتب وتشويش أذهان كثيرٍ من الشباب وقد يدخلون مداخل أخرى كأن يصلون إلى العامة وإلى أولياء أمورهم وغيرهم، وهم الذين يقولون: يريدون -مثلاً- تغيير النظام أو أنهم يريدون تحريف عقول الشباب أو يريدون أشياءً كثيرة ما تقال لا يخفى عليكم حفظكم الله هذا الشيء، فنرغب منكم أولاً توجيه النصح لهؤلاء؛ لأن بعضهم قال: استفتوا الشيخ بهذا الأمر وكأنه لا يسمع أو لا يقرأ، توجيهكم لهم وتوجيهكم لنا أيضاً بما ينفعنا وينفعهم إن شاء الله تعالى؟ الجواب هذا سؤال مهم، والواقع أن المكتبات نفعها أو ضررها يعتمد على شيئين: الشيء الأول: الكتب الموضوعة فيها، ما هذه الكتب؟ هل هي كتب سلفية مبنية في العقيدة على مذهب أهل السنة والجماعة، أو كتبٌ فكرية منحرفة؟ إن كانت الأولى فنعم المكتبات، وإن كانت الثانية فلابد من التصحيح. الثاني: القائمون على هذه المكاتب من هم؟ ما منهجهم؟ ما عبادتهم؟ ما أخلاقهم؟ لابد أيضاً أن يكون القائمون عليها ممن يوثق بهم علماً وديناً وخلقاً ومنهجاً؛ لأن هذه المكتبات مأوى الشباب، والشاب كالعجينة بيد العاجن يتكيف حسب ما يكيف، فإذا يسر له أهل الخير يدلونه على الحق ويرشدونه لما فيه مصلحته دنيا وأخرى، نفع الله بهذه المكتبات، وصارت في الحقيقة نواة خيرٍ للشباب، وإن كانت الأخرى يعني: إن كان القائمون عليها ذوي انحراف لاتجاه غير سليم، فهنا يكون الضرر، فإما أن يغير القائمون عليها وإما أن تغلق؛ لأن الدين الإسلامي مبني على تحصيل المصالح إما الخالصة أو الراجحة، وعلى درء المفاسد إما الخالصة وإما الراجحة، وإذا كان في الشيء مصلحة ومفسدة قدم الراجح منهما، كما قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] ولهذا حرمت، وإن كانت المصلحة أكبر أخذ به، واندرجت المفسدة في ضمن المصلحة، وهذا كما ينطبق على الأعمال ينطبق على العامل أيضاً، هل كل عاملٍ من أهل الخير عمله كله خيرٌ محض؟ لا، فيه خير وشر، لكن من الناس من خيره أكثر، ومن الناس من شره أكثر، ولهذا لا يجوز أن ننظر للمسلمين من منظار الشر فقط، بل من الأمرين جميعاً، ونوازن ونقارن، وعلى حسب ما يظهر يكون العمل. فأرى أن المكتبات إذا قام عليها أهل الخير من ذوي العلم والأمانة والاتجاه السليم والخلق الكريم فهي من خير المنشآت بشرط أن يتحقق الأمر الثاني وهو سلامة الكتب. ومن المعلوم أنه إذا كان القائمون على المكتبات أهل الخير، فإنهم سوف يبعدون عنها الكتب المنحرفة فكرياً أو عقدياً أو منهجياً. هذا ما أريد وهو بصفة عامة، بقطع النظر عن المكتبة في البلد الفلاني أو في البلد الفلاني. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 10 حكم من صلى المغرب مع جماعة يصلون العشاء أو العكس السؤال فضيلة الشيخ: صليت مع جماعة كانوا يصلون المغرب وأصلي العشاء، فلما جلسوا في الركعة الثالثة جلست معهم، فلما سلم الإمام قمت فأتيت برابعة فما حكمه؟ الجواب لا بأس، هذا عمل سليم، تصلي العشاء خلف من يصلي المغرب فإذا سلم الإمام قمت فأتيت بما فاتك، فلا بأس. بقي مشكلة الثانية: لو صليت المغرب خلف من يصلي العشاء، فإن دخلت في الركعة الثانية فلا إشكال، لماذا؟ لأنك ستسلم مع الإمام، هو صلى أربعاً وأنت صليت ثلاثاً، وإن دخلت في الركعة الأولى فحينئذٍ سيقوم الإمام إلى الرابعة فماذا تصنع أنت؟ انو الانفراد وتشهد وسلم، ثم ادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 11 معنى (وكلتا يديه يمين) السؤال بالنسبة للدرس السابق تطرقنا إلى موضوع يد الله عز وجل وقول أن النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يديه يمين) فقلت: المراد باليمين البركة والخير، ثم ذكرت أن الله سبحانه وتعالى له يد يمنى ويد شمال، فهل ورد في ذلك أدلة؟ الجواب اقرأ بارك الله فيك آخر باب في كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وانظر للحديث، وانظر للمسائل التي أخذت من الحديث. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 12 حكم قضاء السنن الرواتب لمن شغل عنها السؤال بحكم عملنا كمدرسين عند الاصطفاف لصلاة الظهر نحتاج إلى تنظيم الطلاب في البداية والنهاية فلا نتمكن من أداء السنن الرواتب، فهل نقضيها أو؟ الجواب هل إنكم من حين يؤذن تصفون الطلاب أو هناك فرصة للصلاة؟ قبل أن يبدأ صف الطلاب صلِّ الراتبة؟ السائل: نحتاج إلى وقت. الشيخ: على كل حال احرص، وإن لم يتيسر فقيامكم على هؤلاء لا شك أنه مصلحة كبيرة، وبإمكانك بعد الصلاة تأتي بالراتبة الأخيرة ثم تقضي الراتبة التي قبل الصلاة. السائل: وهل ورد أن سنة راتبة الظهر القبلية ركعتان فقط؟ الجواب: نعم ورد ركعتان وورد أربع بسلامين، أما ركعتان ففي حديث ابن عمر: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات وذكر اثنتين قبل الظهر وركعتين بعدها) ، وأما اثنا عشر فكذلك أيضاً صح عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة وغيرها. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 13 الصلاة على الجنازة بعد دفنها بعد العصر السؤال رجل دخل المقبرة بعد صلاة العصر وقد صُلي على جنازة ودفنت، فهل يجوز له الصلاة على هذه الجنازة بعد الدفن؟ وهل هذا الوقت وقت نهي لا يدفن فيه الميت؟ الجواب إذا أتيت إلى المقبرة وقد دفن الميت بعد العصر فلا تصل عليه، لعموم قوم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) ولك أن تصلي عليه في الليل أو في النهار من الغد. وأما الصلاة عليه قبل أن يدفن فلا بأس؛ وذلك لأن الصلاة عليه قبل أن يدفن صلاة لها سبب، وجميع الصلوات التي لها سبب ليس عنها نهي، كل صلاةٍ لها سبب صلها متى وجد سببها في أية ساعةٍ شئت من ليل أو نهار، فمثلاً: إذا دخلت المسجد بعد العصر صلِّ ركعتين، لو توضأت بعد العصر صلِّ ركعتين للوضوء، لو حدث لك أمر تريد أن تستخير الله فيه ويفوت قبل انتهاء وقت النهي، صل ركعتين واستخر. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 14 الصلاة خلف الإباضي السؤال ما حكم الصلاة خلف الإباضي؟ عفا الله عنك الجواب ليس هذا محل جوابها. السائل: قد حصلت الصلاة؟ الشيخ: الحمد لله حصل قل: اللهم إني أسألك القبول. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 15 تقسيم الطلاب إلى حلقات في الدراسة الشرعية السؤال تقوم بعض النساء المدرسات الفاضلات في المدارس أو الكليات بتقسيم البنات في فصول الكلية إلى أقسام أو حلقات حلقة عائشة، حلقة خديجة، وهكذا حتى لا تحصل الفوضى، فتقول بعض الأخوات: إنه وجد أن هناك بنات معنا في المصلى تركن المصلى بحجة أن هذا التقسيم ليس على المنهج وليس من طريقة السلف، وخرجن خارج المصلى وأقمن حلقة أخرى خارج المصلى، مما أدى إلى انقسام الصف وتشتت البنات وحدث بعض الخلافات، والسؤال يقول: ما توجيهكم؟ وهل هذه الطريقة خاطئة أو صحيحة؟ الجواب أقول بارك الله فيك، بلَّغهن أن كلتا الطريقتين غير صحيحة: لا تقسيم النساء عند الصلاة، ولا انفراد هؤلاء في مكانٍ آخر. السائل: ليست الصلاة ولكن في حلقة المصلى. الشيخ: ما هي حلقة المصلى؟ السائل: تبدأ الدراسة من سبع ونصف فتحضر البنات الساعة السابعة يقمن حلقة درس قرآن أو تفسير. الشيخ: القصد أنها حلقات تحفيظ. السائل: نعم، حلقات تعليم: تفسير، وقرآن، وحديث، وفقه. الشيخ: المهم حلقات يسمونها تحفيظ القرآن؟ الجواب: هذه ليس فيها شيء هذا، فكوني أقول: الحلقة هذه حلقة عائشة، وهذه حلقة خديجة، وهذه حلقة فاطمة، ما في مانع. السائل: والنساء اللاتي خرجن؟ الشيخ: اللاتي خرجن هذا خطأ منهن. السائل: بحجة أن هذه الطريقة ليست من طريقة السلف؟ الشيخ: ما هي من طريقة السلف لكن هذا تنظيم، هل من طريقة السلف الدراسة الفصولية؟ السائل: لا. الشيخ: ما هي من طريقة السلف، هل من طريقة السلف تبويب السنة: الطهارة، الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج؟ ما هي من طريقة السلف، هذه ما حدثت إلا بعد الصحابة بعد ما ألفت الكتب. فهذا خطأ، قل للاتي ينفصلن: هذا خطأ منهن؛ لأن هؤلاء الذي انفصلن بالمكان وبالتسمية. السائل: حتى لا يخفى -يا شيخ- أنه بعدما انفصلت البنات حصل انفصالهن مع الطالبات، وحصل في الشيخ: قل لهن: لابد أن يرجعن إلى المكان الأول، وكل واحدة، مثلاً لها مستوى ولها اسم خاص. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 16 حكم استخدام بطاقة الفيزا السؤال بعض البنوك لها بطاقة (الفيزا) تأخذ مبلغاً وتسدده بعد خمسين يوماً أو خمسة وأربعين يوماً نفس المبلغ، ما يأخذون عليه فوائد فما حكم ذلك؟ الشيخ: وإذا مضت المدة، ولم تسلم؟ السائل: لا أعلم يا شيخ! الشيخ: إنهم يجعلون عليك مبلغاً إضافياً، وهذا حرام لا يجوز، حتى لو وثق الإنسان أنه سيوفي في المدة، قد تختلف الأمور، وقد يحدث له حادث يحتاج إلى أموال يتداوى بها هو أو عائلته، وقد تكون الدراهم ما حصلت عنده، ثم لو قدر أن الرجل غني جداً سيجد يقيناً قبل أن تتم المدة ما يوفي به، فأصل دخوله على مبدأ الربا حرام؛ لأن المعروف عنهم أنه إذا تمت المدة أضافوا إليه ما يسمونه ربحاً، وهو في الحقيقة خسارة، فالدخول في هذا لا يجوز. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 17 كيفية الجمع بين قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) وقوله: (وأما بنعمة ربك فحدث) السؤال كيف الجمع بين قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] ، وقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] ؟ الجواب نعم أحسنت بارك الله فيك، قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] معناه: أن يتحدث الإنسان بما أنعم الله عليه، لا أن يزكي نفسه على ربه، وبينهما فرق، إنسان يقول: صلى، زكى، صام، حج، يريد أن يدل بعمله على ربه، ويزكي نفسه على الله هذا هو الممنوع. لكن: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] فيقول: الحمد لله هداني بعد أن كنت كذا وكذا، هذا لا بأس به، هذا عمرو بن العاص رضي الله عنه، كان قبل أن يسلم أشد الناس بغضاً للرسول عليه الصلاة والسلام، ويقول: وددت لو تمكنت منه فقتلته. ولما أسلم قال بعد أن أسلم متحدثاً بنعمة الله: [كنت لا أستطيع النظر إليه تعظيماً له] أو كما قال، هذا ما فيه بأس. الشيخ: الأخ سلم وأنت سلمت أيضاً وأنتم معنا، كيف تسلمون علينا وأنتم معنا؟! السلام المعروف من الصحابة أنهم إذا جعلوا يسألون الرسول ما يسلمون، إلا من قدم على الحلقة. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 18 أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السؤال فضيلة الشيخ! نظراً لعملنا في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكثرة من يخوضون في هذا الجهاز ويتكلمون في أخطائه ويتداعون عليه، نريد منكم كلمة تشجيعية يا فضيلة الشيخ؟! الجواب الكلمة التي أريد أن أقولها هي: أن مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم المقامات في الدين، حتى كان من وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فذكر أربعة أوصاف، بدأها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فهي وظيفة الرسول عليهم الصلاة والسلام، وهي خصيصة هذه الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] وبنو إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه. فمقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعلى المقامات في الدين، والذي يدخل فيه بقصد إصلاح عباد الله كالمجاهد في سبيل الله، والذي يوجه الذم والقدح فيه، إن قصد المقام مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو على خطرٍ عظيم؛ لأنه إذا قصد هذا فقد قدح في الدين، والشريعة، وإن قصد القدح والذم في بعض رجال الحسبة الذين قد لا يكون عندهم الحكمة في الأمر والنهي، فهذا لا يكون خطره كالأول، لكن مع ذلك الواجب على المسلمين إذا رأوا من بعض القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأى من بعضهم شيئاً منافياً للحكمة، أن ينصحهم، إما بطريقٍ مباشر، وإما عن طريق رئيسه، يعني: إما أن يقول لرجل الحسبة نفسه: يا فلان أنت قلت كذا وكذا وهذا لا ينبغي، أو عن طريق الرئيس المباشر له. ثم إني أقول لهؤلاء الإخوة: لا بد أن ينالكم أذى، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لابد من أذى؛ لأن الناس كلهم ليسوا على الصراط المستقيم، ولابد أن يكون لهم أعداء، لكن عليهم الصبر والاحتساب وأن يعلموا أن كل ما ينالهم من الهم والغم والحزن فإنه مكتوبٌ لهم، فيكتب للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أجران: الأجر الأول: قيامه بالعمل. والأجر الثاني: الأذى الذي يصيبه من الناس. كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أنه ما من همٍ ولا غم ولا أذى يصيب المؤمن إلا كفر الله به عنه) فعليهم بالصبر والاحتساب، واستعمال الحكمة إذا اشتد قبيلهم، فليلينوا حتى يلتئم هذا وهذا، أما إذا اشتد قبيلك واشتددت أنت فإنه لا وفاق بينكما، وكم جرى من الأشياء التي تؤيد ما قلت بأن اللين من أحسن ما يكون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي الآداب الشرعية في الجزء الأول لـ ابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام فصول جيدة جيدة جيدة، ينبغي للهيئات أن تطلع عليها، وتنظر كيف يعامل السلف الصالح، أو كيف يتعاملون مع أهل المنكر والتاركين للمعروف. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 19 حكم نقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لنقل الأعضاء من شخص إلى شخص آخر قبل الموت أو بعده هل في ذلك إشكال؟ الجواب نرى أنه لا يجوز، لا قبل الموت ولا بعد الموت، حتى لو أوصى به الميت وقال: إذا مت فأعطوا قرنية عيني فلاناً، أو كليتي فلاناً، أو كبدي فلاناً أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يجوز أن تنفذ هذه الوصية؛ لأنها وصية بمحرم، والوصية بمحرم لا تنفذ، وقد ذكر ذلك أهل العلم، وارجع إلى كتاب: الإقناع في فقه الحنابلة في كتاب الجنائز في فصل: تغسيل الميت تجده تماماً نصوا: على أنه لا يجوز أخذ شيءٍ من أعضاء الميت ولو أوصى به، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حياً) وكيف يجوز هذا؟ أنت لست حراً في نفسك، لقد قال الله لك: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] وقتل النفس ليس معناه: الواحد يأخذ سكين ويذبح نفسه، لا، حتى كل شيء يؤدي إلى الضرر فهو من قتل النفس. الدليل: أن عمرو بن العاص بعثه النبي عليه الصلاة والسلام في سرية وأجنب ذات ليلة، وكانت الليلة باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)) [النساء:29] وكانت الليلة باردة فتيممت وصليت، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم) مقراً أو منكراً؟ مقراً، لو كان منكراً نبهه. فأقول: إن نقل الأعضاء محرم في الحياة وفي الممات. فإن قال قائل: أليس إنقاذ الإنسان من الهلاك واجباً؟ فالجواب: بلى واجب، لكن هل هو الآن جائع ومعي طعام يجب أن أطعمه إياه، عطشان من الماء يجب أن أعطيه إياه، لكن أن أقطع شيئاً من أعضائي له هذا لا يجوز. شبه بعض الناس في هذه المسألة الذين يفتون بالجواز شبهوا بأن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الخضر قتل غلاماً وكان كافراً وكان أبواه مؤمنين الآية: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80] قالوا: هذا قتل لأجل مصلحة الوالدين، فنقول: الله المستعان!! أين الاستدلال بهذا؟!! هذا الغلام كافر، والكافر دمه حرام أو حلال؟ دمه حلال، ثم هو كافر مفسد أيضاً؛ لأنه يقول: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80] فإذا كان كافراً مباح الدم فلا دلالة فيه؛ لأن كلامنا في من كان معصوماً. فالحاصل أن هذا هو رأيي، وكذلك هو رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز كما سألته في مجلس هيئة كبار العلماء وقال هكذا: إنه حرام. كل من تأمل النصوص وجد أنه حرام، ثم فيه مفسدة الآن: في بلادٍ أخرى يسطون على الصغار في الأسواق، يأخذ الصغير ويذبحه ويأخذ كبده ويبيعها بملايين الدراهم؛ لأنهم لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 20 حكم استعمال العطور التي فيها كحول السؤال هل العطور التي فيها كحول يجوز استعمالها؟ الجواب هي ليست نجسة، أهم شيء أنها ليست بنجسة، لو أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسله، لكن استعمالها إن كان لحاجة فلا بأس؛ لأن بعضها تعقم بها الجروح، وإن كان لغير حاجة فتركها أحسن، وفي الأطياب التي لا شبهة فيها غنىً عنها، لكنها ليست حراماً. السائل: يا شيخ! لكن الخمر، أي مادة الكحول هي مسكرة، فلو أتينا بالخمر نفسه المسكر فيه هو الكحول، فالكحول هو النجس؟ الشيخ: لكن من قال لك أن الخمر نجس؟! الخمر ليس بنجس، يعني: ليس كالبول أو الغائط؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] رجس عملي، الميسر هو نجس ولا غير نجس؟ المغالبة ما هي نجسة، الأنصاب التي تعبد من دون الله ما هي نجسة، يمسها الإنسان ولا نقول: يجب تطهر يدك، الأزلام كذلك، لكنها نجسة نجاسة معنوية، هذا دليل. دليل آخر: لما حرمت الخمر وهي في أواني المسلمين لم يقل الرسول اغسلوها، ولما حرمت الخمر قال: اغسلوا الأواني. ثالثاً: لما حرمت الخمر أراقها المسلمون في الأسواق، ولو كانت نجسة لحرم أن تراق في الأسواق كما يحرم أن يراق البول في السوق. رابعاً: أتى رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه راوية من الخمر؛ -أي: قدر كبير- أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أما علمت أنها حرمت؟ فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية سراً، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: بم ساررته؟ قال: قلت: بعه، فقال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فما كان من صاحب الراوية إلا أن فتح فمها وأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يقل له: اغسل الراوية، ما قال: اغسلها، هذا يدل على ماذا؟ على أنه طاهر؛ لأنه لو كان نجساً لوجب تطهير الراوية. دليل خامس: ما هو الأصل في الأشياء؟ الحل والطهارة، ولهذا لو ادعى عليك إنسان قال: هذا حرام، قل: هات الدليل، لو قال: هذا نجس، قل: هات الدليل، لو قال: الدليل على أن الخمر نجس لأنه حرام، يصح هذا أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن هناك أشياء حرام وهي طاهرة، السم حرام وهو طاهر، الدخان حرام وهو طاهر، فلا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً، هل يلزم من نجاسة الشيء أن يكون حراماً؟ نعم، ولهذا نقول: كل نجس حرام وليس كل حرامٍ نجساً، فأنا أقول: هذه الأطياب ليست نجسة ما فيها إشكال عندي، أم هي حرام أو ليست حراماً؟ نقول: إن احتاج الإنسان إليها فلا بأس، وإن لم يحتج إليها فاجتنابها أولى، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وبارك الله فيكم. الجزء: 173 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [174] تحدث الشيخ رحمه الله في هذه المادة عن صيام رمضان، مبيناً فرضية صيام رمضان ومكانته في دين الإسلام، ثم ذكر شروط وجوب صيام رمضان، والمفطرات التي يفطر بها العبد إذا فعلها، ثم ختم ذلك بإجابات موضحة لما أشكل عليهم في صيام رمضان. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 1 مكانة صيام رمضان في الدين الإسلامي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والسبعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر شعبان عام (1418هـ) . وبما أننا مقبلون على الاختبار عند كثيرٍ من الإخوة الذين يحضرون، وأننا في استقبال شهر رمضان المبارك فإنه يعتبر هذا اللقاء آخر اللقاء في هذا الشهر، ويستأنف اللقاء إن شاء الله تعالى بعد عيد الفطر، حتى لا يفوت الإخوة الذين يحبون أن يستمعوا إلى هذا اللقاء شيءٌ من اللقاءات، وحتى يقبلوا على دروسهم وامتحاناتهم بطمأنينة. وبما أننا في استقبال شهر رمضان فإننا نفضل أن نتكلم الآن على ما يتعلق بالصيام والقيام. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 2 صيام رمضان وحكم إنكار فرضيته أما صيام رمضان فلا يخفى علينا جميعاً أنه أحد أركان الإسلام التي بني عليها هذا الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) وسأله جبريل عن الإسلام فأجابه بهذا فقال: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) . فمرتبة صيام رمضان في الدين الإسلامي مرتبة عالية؛ لأنه أحد أركانه، وصيامه فرض بإجماع المسلمين المبني على دلالة الكتاب والسنة، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فإنه مرتدٌ كافر؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام، إلا إذا كان حديث عهدٍ بالإسلام، ولم يعرف عن الإسلام شيئاً فحينئذٍ يعرّف، فإن أصر على إنكار الفرضية بعد التعريف حكم عليه بأنه مرتد وقتل، إلا أن يتوب ويقر بالفرضية. وأما من تركه متهاوناً دون أن يجحد فرضيته فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يكفر ويرتد؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام؟ فمنهم من قال بذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أن تارك الصيام كسلاً وتهاوناً كافر كتارك الصلاة. لكن جمهور العلماء: على أنه لا يكفر؛ لأن عبد الله بن شقيق رحمه الله أحد كبار التابعين قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. فالصواب: أنه لا أحد يكفر بترك ركن من أركان الإسلام إلا في الشهادتين والصلاة فقط. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 3 متى فُرض صيام رمضان؟ شهر رمضان فرض في السنة الثانية من الهجرة، وأول ما فرض كان الناس يخيرون بين أن يصوم الرجل أو يفتدي، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:183-184] . وهذه واضحة في التخيير، ثم تعين الصوم وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه دائم، وهكذا عادة الله تبارك وتعالى في الشرائع التي تشق على الناس أن يجعلها بالتدريج كما جعل الخمر تحريمه بالتدريج، وكذلك كان الناس في أول الأمر إذا نام الإنسان أو تعشى فإنه يجب عليه أن يبقى إلى أن يصوم من اليوم الثاني ثم نسخ هذا والحمد لله. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 4 شروط صيام رمضان لكن صيام رمضان له شروط: الشرط الأول: البلوغ. الثاني: العقل. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الموانع. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 5 البلوغ والعقل فأما البلوغ: فضده الصغر، والصغير لا يجب عليه الصوم ولا يلزم به، لكن يؤمر به أمراً إذا أطاقه فإن فعل فالأجر له، وإن لم يفعل فلا شيء عليه. المجنون لا يؤمر به ولو صام لن يقبل منه ولا يصح منه؛ لأنه مجنون ليس له قصد. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 6 الإسلام الإسلام: وضده الكفر، فالكافر لا نلزمه بالصيام، وإذا أسلم لا نلزمه بالصيام، وأما كوننا لا نلزمه بالإسلام فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث الدعاة إلى الإسلام يقول: أول ما تدعونهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن أجابوا فإقام الصلاة، فإن أجابوا فإيتاء الزكاة، فدل هذا على أنه لا يؤمر الإنسان بشرائع الإسلام إلا بعد الشهادتين بعد أن يسلم، وأما كون الكافر لا يقضي ما فاته؛ فلأن الله تعالى قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] ونبينا صلى الله عليه وسلم كان لا يأمر أحداً أسلم أن يقضي ما فاته من صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاة. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 7 القدرة على الصيام الرابع: القدرة على الصيام، فمن لم يكن قادراً فإنه إما أن يكون عجزه دائماً، وإما أن يكون عجزه مرجو الزوال، فإن كان عجزه دائماً فدى عن كل يومٍ مسكيناً، بمعنى: أن يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، كالكبير، والمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فيطعم عن كل يومٍ مسكيناً، وكيفية الإطعام: إما أن يعطي كل واحدٍ مداً من الأرز ومعه لحمٌ يؤدمه، وإما أن يجمعهم جميعاً أو عشرة عشرة فيغديهم أو يعشيهم، كما كان أنس -رضي الله عنه- يفعل ذلك لما كبر. أما من يرجو زوال عجزه فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] . الجزء: 174 ¦ الصفحة: 8 الإقامة الخامس: الإقامة وضدها السفر، فالمسافر لا يلزمه الصوم، له أن يفطر وإن لم يجد مشقة، لكنه يقضي لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] والأفضل له أن يصوم إلا إذا كان فيه شيءٌ من المشقة فالأفضل أن يفطر. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 9 الخلو من الموانع السادس: الخلو من الموانع، ونعني بذلك: الحيض والنفاس، بمعنى: أنه لا يلزم الحائض أن تصوم ولا النفساء، بل لو صامتا كان حراماً عليهما وكان فاسداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض مقرراً حكمها: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قال النساء: بلى) . فهذه شروط وجوب أداء الصيام. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 10 مفطرات الصيام الجزء: 174 ¦ الصفحة: 11 الأكل والشرب والجماع أما عن ماذا يصوم؛ لأن الصيام هو الإمساك فعن ماذا يمسك؟ يمسك عن المفطرات التي ثبت أنها مفطرة فمما ثبت أنه مفطر: الأكل، والشرب، والجماع، وهذه الثلاثة ذكرت في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187] الجماع في قوله: (فالآن باشروهن) الأكل: (كلوا) والشرب: (واشربوا) {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذه ثلاثة. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 12 ما كان بمعنى الأكل والشرب الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب؛ كالإبر المغذية، ومعنى قولنا: المغذية أنه يستغنى بها عن الأكل والشرب، وأما الإبر التي للتداوي أو للتقوية أو لغير ذلك من الأمراض لكنها لا تغني عن الأكل والشرب فهذه لا تفطر، سواء أخذها الإنسان في العضلات أو في الوريد أو في أي محل. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 13 إنزال المني بشهوة الخامس: إنزال المني بشهوة (بفعل) أن ينزل الإنسان المني بشهوة أي: بفعله، سواء كان بالمباشرة أو تقبيل أو غير ذلك، وهذا ليس محل اتفاق بين العلماء، بعض العلماء يقول: إنه لا يفطر؛ لأنه ليس فيه دليلٌ صريح، والأصل صحة الصوم وعدم نقضه إلا بدليلٍ صريح. لكن يمكن أن يقال: إن الدليل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه عن الله تعالى أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإن المني شهوة، ولهذا لا يسمى التلذذ بالجماع إلا بالإنزال، ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وفي بضع أحدكم صدقة -يعني جماع امرأته فيه صدقة- قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم إن وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) وهذا هو رأي جمهور العلماء: أنه يفطر بالإنزال بشهوة إذا كان بفعله، ولا شك أن هذا أحوط، وأنه لا يحل لإنسان وهو صائم صوماً واجباً أن يفعل ذلك، أي: أن ينزل بشهوة بفعله، وأنه إذا فعل فليقض. وقولنا: نزول المني بشهوة احترازاً مما لو أصيب الإنسان بمرض وصار المني ينزل منه، أو سقط من جدار ومع السقطة نزل المني فهذا لا يفطر. وقولنا: بفعله، احترازاً مما لو فكر الإنسان للجماع فأنزل؛ فإنه لا يفطر بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) ، لكن لو كان عند التفكير حرك ذكره فأنزل بهذا التحريك فإنه يفطر أو لا يفطر؟ يفطر؛ لأن هذا بفعله فهو استنماء في الواقع. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 14 خروج الدم بالحجامة السادس: خروج الدم بالحجامة، يعني: إذا حجم الإنسان فخرج منه دم فإنه يفطر ويفسد صومه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد وهو أحد أئمة الحديث والفقه، بل وإمام أهل السنة رحمه الله، فلورعه وعلمه بالحديث وفقهه يطمئن الإنسان إلى هذا القول، أي: إلى أن خروج الدم بالحجامة مفسد للصوم، لكن إذا قال قائل: إفساد صوم المحجوم ظاهر؛ لأنه أخرج الدم الذي يوجب ضعف البدن وانحلاله واحتياجه للأكل والشرب، لكن ما بال الحاجم؟ الجواب أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) لحاجمٍ معروف معتاد حجمه في ذلك الوقت، وكانوا في ذلك الوقت يحجمون بالقوارير التي فيها الأنابيب الصغيرة يمصها الحاجم حتى يصل الدم إلى هذا الأنبوب ويعلم أنه بدأ يلتقط الدم. قال شيخ الإسلام رحمه الله: لأنه ربما مع جذبه الدم يصل إلى معدته شيءٌ منه وهو لا يشعر به، ولهذا قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) . فعلى هذا: إذا حجم وظهر دم من الذي يفطر؟ الحاجم وحده أو المحجوم وحده؟ كلاهما يفطران الحاجم والمحجوم. وبناءً على ذلك: إذا كان الصوم واجباً كرمضان، وقضائه، والكفارة، والفدية، وما أشبه ذلك هل يجوز أن يحتجم أو لا؟ الجواب: لا، لا يجوز أن يحتجم لأن إفساد الواجب حرام إلا إذا اضطر إلى ذلك وصار يأتيه غشية من هيجان الدم واحتاج إلى أن يحتجم فهنا نقول: احتجم وأفطر: كل واشرب. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 15 خروج القيء عمدا ً السابع: خروج القيء إذا تعمده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فليقض) فإذا استقاء الإنسان وأخرج ما في معدته من الطعام أفطر لهذا الحديث، وهو حديثٌ صحيح. ولكن قد يقول قائل: هذا عكس الأكل والشرب؛ الأكل والشرب يوصل الطعام والشرب إلى المعدة وهذا أيش هو؟ يخرج الطعام والشراب من المعدة، فكيف يكون مفطراً؟ فجوابنا على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حكم الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء فهو كحكم الله، لقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وإذا كان هذا حكم الله ورسوله فشأن المؤمن أن يقول: سمعنا وأطعنا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:51-52] ، وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] هذا جواب، أن نقول: هذا حكم رسول الله، وحكم رسول الله كحكم الله وليس لنا أن نخرج عنه. الجواب الثاني أن يقال: خروج الطعام من المعدة يوجب ضعف البدن وانحلاله فهو كخروج الدم بالحجامة وعلى هذا فالتفطير بالحجامة كالتفطير بالقيء، يساند بعضهما بعضاً، فنقول لمن كان صومه واجباً: لا تتقيأ حرامٌ عليك، فإن اضطررت إلى ذلك فتقيأ وأفطر وكل واشرب من أجل أن ترد إلى البدن قوته ونشاطه. الثامن: خروج دم الحيض، فإذا خرج دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة واحدة فسد الصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) وأجمع العلماء على أن الحائض لا يصح صومها. أما لو خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بدقيقة فالصيام صحيح؛ لأن الأحكام تتعلق بخروج الدم لا بالإحساس به بدون خروج. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 16 خروج دم الحيض والنفاس التاسع: خروج دم النفاس، فإذا خرج دم النفاس من المرأة قبل الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها فاسد، وإن كان بعد الغروب ولو بدقيقة واحدة فصومها صحيح. هذه هي المفطرات، فتبين الآن أن المفطرات منها ما هو اختياري ومنها ما هو بغير اختيار، فما هو الاختياري؟ السبعة الأولى التي ذكرناها هذه اختياري. وأما ما ليس اختيارياً فهو: الحيض والنفاس. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 17 المفطرات التي تفسد الصوم المفطرات الاختيارية لا تفسد الصوم إلا بشروط: الشرط الأول: العلم . الشرط الثاني: الذكر. الشرط الثالث: القصد. الشرط الرابع: الاختيار. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 18 العلم أما العلم فضده الجهل، فإذا تناول الإنسان شيئاً من هذه المفطرات جاهلاً فصيامه صحيح، فلو أكل يظن أن الفجر لم يظهر ثم تبين أنه قد طلع فالصيام صحيح، ولو كانت السماء غيماً فظن الشمس قد غربت فأكل ثم طلعت الشمس فالصوم صحيح، الدليل على هذا: قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت. وهذا لا شك أنه مخطئ؛ لأننا نعلم أنه لو علم أن النهار باقٍ ما أكل ولا شرب. ودليلٌ آخر في نفس الموضوع: ما أخرجه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) ولم يؤمروا بقضاء، فإذا كان الصحابة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم الغيم ظناً منهم أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب ولم يأمرهم بالقضاء، علم أنه لا قضاء على شخصٍ جاهل. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 19 الذكر الثاني: الذكر وضده النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص هذه المسألة: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) ، ولكن يجب إذا زال العذر أن يتوقف، فإذا علم وجب عليه الإمساك، وإذا ذكر وجب عليه الإمساك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو جرعة ماء في فمه وجب عليه أن يلفظها، فمثلاً: إذا أكل يظن الشمس قد غربت وإذا هو يشاهدها، نقول: أمسك حتى لو كانت اللقمة في فمك أو التمرة في فمك أخرجها؛ لأنه زال العذر. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 20 القصد الثالث من الشروط: القصد، يعني: أنه لو حصل شيء مفطر بغير قصد فإنه لا يضر، فلو تمضمض الإنسان في الوضوء ثم نزل شيءٌ من الماء إلى بطنه، فهذا لا يفطر؛ لأننا لو سألنا هذا المتوضئ: أتمضمضت لينزل الماء إلى بطنك؟ لقال: لا. إذاً: هو لم يقصد فصيامه صحيح. ولو فرض أنه في مكانٍ فيه دخان أو غبار وثار الغبار أو الدخان حتى استنشقه وصل المعدة فإنه لا يفطر، ولهذا نقول: يجوز للصائم أن يتبخر، العامة يقولون: الصائم ما يتبخر، هذا ما هو صحيح، له أن يتبخر لكن لا يستنشق البخور، حتى لو فرض أنه أخذ المبخرة ووضعها تحت ذقنه ثم ضم إليها الغترة فلا بأس؛ لأن هذا لم يقصد إدخال الدخان إلى بطنه، لكن لا يستنشقه، هذا القصد. إنسان أيضاً جذب البنزين بخرطوم الماء وكان من قبل لا توجد محطات كثيرة فيأخذون البنزين في البراميل، ثم يضعون الخرطوم في البرميل ثم يجذبه السائق من أجل أن يعبئه في السيارة، أحياناً بل كثيراً ما ينزل شيء من البنزين إلى بطنه، فإذا كان صائماً هل يفسد صومه؟ لا يفسد صومه؛ لأنه بغير قصد. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 21 الاختيار الرابع: الاختيار، بأن يكون الإنسان فاعل هذه المفطرات باختياره، وضده الإكراه، فلو أكره الرجل زوجته على الجماع فجامعها وهي صائمة ولا تستطيع أن تتخلص منه فإن صومها صحيح وليس عليها شيء لا في رمضان ولا في غير رمضان، ولكن هل يجوز للزوج أن يفسد صومها أو يجبرها؟ فيه تفصيل: إن كان في رمضان فلا يجوز، ولكن كيف يجوز للزوج أن يطأ وهي لا يجوز أن توطأ؟ صورة ذلك: أن رجلاً مسافراً وكان مفطراً في سفره، ثم قدم البلد وهو على إفطاره فهذا له أن يأكل ويشرب حتى تغيب الشمس؛ لأنه لا يلزمه الإمساك على القول الراجح، حينئذٍ يكون الزوج يحل له الفطر ومنه الجماع، لكن الزوجة صائمة لا يحل له أن يفسد صومها. كذلك إذا كانت تقضي قضاء رمضان، وقد شرعت في القضاء بإذنه فإنه لا يحل له أن يفسد صومها بالجماع؛ لأنه قد أذن لها. وكذلك إذا صامت نفلاً بإذنه، فإنه لا يحل له أن يفسد صومها؛ لأنه أذن لها. ولكن في هذه الحال وهي صائمة صيام نفل بإذنه لو طلب منها أن تأتي للفراش فهل الأفضل أن تستمر في الصوم وتمتنع أو أن تجيب الزوج؟ الثاني أفضل: أن تجيب الزوج؛ لأن إجابتها الزوج من باب المفروضات في الأصل، والصوم تطوع من باب المستحبات، ولأنه ربما لو أبت مع شدة رغبته، ربما يكون في قلبه شيءٌ عليها فتسوء العشرة بسبب ذلك. كذلك لو بقي من قضاء رمضان من شعبان بقدر الأيام التي عليها وشرعت في الصوم ولو بغير إذنه، فإنه لا يجوز له أن يفسد صومها؛ لأن صومها القضاء قبل دخول رمضان الثاني أمرٌ واجب. هذا ما يتعلق بالصيام والمفطرات. أما آداب كثيرة في الصيام والحرص على الطاعة والذكر وقراءة القرآن وغيرها فهذا أمرٌ لا يتسع المقام لذكره. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 22 الحث على قيام رمضان والسنة المشروعة فيه أما بالنسبة لقيام رمضان، وهو ما يسمى عندنا بالتراويح، وسمي تراويح؛ لأن السلف رحمهم الله ليسوا يصلون قيام رمضان كصلاتنا الآن بل يطيلونها إطالة تامة، فإذا صلوا أربع ركعات -يعني: تسليمتين- توقفوا واستراحوا، ثم استأنفوا الصلاة فيصلون أربعاً ثم يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة فيصلون ثلاثاً، لكن على ركعتين ركعتين، فعلى هذا ينبغي لنا أن نحرص على هذا القيام ابتغاءً لثواب الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والسنة أن تصلى جماعةً في المساجد؛ لأن هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، صلى بهم ثلاثة ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليَّ) وخشية الفريضة الآن غير واردة؛ لأنه انتهى زمن التشريع فليست واردة. وينبغي للإمام ألا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، إما إحدى عشرة وإما ثلاث عشرة، ولا يجوز له أن يقرن بين الركعات، يعني بمعنى: أن يصلي أربعاً جميعاً وأربعاً جميعاً؛ لأن هذا ليس من السنة، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، ثم إنه قد يشق على الناس إذا جمع أربع ركعات جميعاً يشق على الناس بماذا؟ قد يكون بعض الناس محصوراً يحتاج إلى قضاء الحاجة، أو مشغولاً بشغلٍ ضروري، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا من جنس فعل معاذ -رضي الله عنه- حينما أطال بقومه في صلاة العشاء، فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام. لكن قد يقول قائل: ما تقولون في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) ؟ نقول: هي حكت عدد القيام أنه إحدى عشرة، ثم فصلت فقالت: أربع وأربع وثلاث، ومعنى ذلك: أنه إذا صلى أربعاً توقف، ثم صلى أربعاً، هذا هو المتعين، ولا يمكن أن يحمل على أنها أربع مسرودة لوجهين: الوجه الأول: أن هذا الإجمال الذي حصل في حديث عائشة فصل من عائشة رضي الله عنها نفسها: (أنه كان يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ثلاث) . ثانياً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى) ومن فهم من بعض الناس أنه يجمع الأربع فقد فهم خطأً، ولم يجمع بين النصوص. كذلك أيضاً: لا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يوتر بسبع أو تسع سرداً في التراويح؛ لأن بعض الناس قال: أنا أوتر خمساً جميعاً أو تسعاً جميعاً لأعلم الناس السنة، فيقال: أأنت أحرص على إبلاغ السنة والشريعة من رسول الله؟ الجواب قطعاً: لا، هل قام الرسول بالناس على هذا الوجه؟ لا، إنما أوتر بنفسه في بيته، أوتر بخمس ولم يسلم إلا في آخرها، وبسبع لم يسلم إلا في آخرها، وبتسع لم يسلم إلا في آخرها، ما صلى بالناس على هذا. والإنسان الذي يصلي بالناس يجب أن يراعي أحوال الناس، أرأيتم رجلاً جاء ليصلي في المسجد وصلى بهم تسعاً جميعاً ماذا يكون؟ مشقة على الناس، قد يحدث لإنسان أنه يحتاج إلى الخلاء، وقد يدخل إنسان على أنها ركعتين يريد أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات وينصرف إلى البيت لحاجة، ثم إذا دخل الآن ماذا ينوي؟ لأن هذه الخمس أو السبع أو التسع ستكون وتراً أو قياماً؟ وتراً، ماذا ينوي الداخل؟ الداخل سينوي أنها تهجد قيام؛ لأنه لا يدري عن الإمام، فتختلف النية وحينئذٍ سيتعب هذا الداخل ثم في التالي نقول: إنك لم توتر؛ لأنك ما نويت الوتر. فلهذا يجب على الأئمة أن يراعوا أحوال الناس، وأن يضموا السنة بعضها إلى بعض حتى يتبين الأمر. ثم إذا قال: أنا أريد أن أعلم الناس السنة، نقول: جزاك الله خيراً أبلغ الناس السنة بالقول، قل: إن الرسول يوتر بخمسٍ جميعاً، وسبعٍ جميعاً، وتسعٍ جميعاً، أُعْلِم الناس بهذا اللفظ، وأما أن تقول: أُعْلِمُهم بشيء يشق عليهم، وليس فعله من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا غلط. لذلك أحث إخواني الأئمة وكذلك غير الأئمة: أن يحثوا الناس على هذه التراويح، وأحث الأئمة على أن يصلوا التراويح صلاةً مطمئنة ليس فيها سرعة ولا عجلة؛ لأن الله تعالى يقول: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] لم يقل: أيكم أسرع عملاً، والناس في رمضان يحبون أن يطمئنوا كثيراً في الركوع والسجود والتشهد، الآن كثيرٌ من الأئمة حسب ما نسمع في الركوع يسبح ثلاثاً بسرعة، والمأموم يقول الإمام: سمع الله لمن حمده قبل أن يسبح مرة واحدة؛ لأن المأموم سوف يشرع في الركوع بعد وصول الإمام إلى الركوع، فيقوم الإمام قبل أن يقوم المأموم من ركوعه كيف هذا؟! كذلك في التشهد ما أن يصل الناس إلى قولهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا ويسلم الإمام، أعوذ بالله دع الناس يكملوا الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام على حسب ما علمهم الرسول؛ الرسول علمهم كيف يصلون عليه، ماذا قال لما قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) . ثم إنه أمر أمته عليه الصلاة والسلام إذا تشهدوا التشهد الأخير أن يقولوا: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . كثيرٌ من الأئمة مع الأسف في قيام رمضان لا يصلون إلا هذا الحد، فتجد المأموم يرتبك هل يسلم قبل أن يكمل التشهد أو يبقى يكمل التشهد وإذا بالإمام قد قرأ الفاتحة من التسليمة الثانية. فأرجو من إخواننا الأئمة أن يراعوا هذا. وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يدرك رمضان فيصومه إيماناً واحتساباً وأن يتقبل منا ومنكم. ولعل هذا المجلس يكون إن شاء الله فيه فائدة، والتفسير ليس وقته محدوداً حتى نقول: لابد منه، إن شاء الله تعالى نحن في مستقبل الأيام ونسأل الله أن يعيننا على الخير والطاعة. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 23 الأسئلة الجزء: 174 ¦ الصفحة: 24 إذا احتجم الحاجم بآلات منفصلة فإنه لا يفطر السؤال فضيلة الشيخ: إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب فما حكم صومه؟ الجواب إذا حجم الحاجم بغير الأنبوب يعني: بآلات منفصلة عن فمه فالمذهب أنه يفطر؛ لأنهم يرون أن الحجامة المفطرة على وجه التعبد لا على وجه القياس والنظر. واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه لا يفطر، بناءً على أن العلة معقولة، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، وهذا عندي أقرب من القول بأنه يفطر، فإذا كان هناك آلات يحتجم بها الناس بدون أن يمص القارورة، فإنه لا يفطر في ذلك، كما أنه لو أخرج الدم بالفصد أو التشريط أو لأجل أن يحجم في مريض يحتاج إلى دم فإنه يفطر على القول الراجح وإن لم يكن حجامة. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 25 أحاديث فضل رجب وشعبان في الميزان السؤال فضيلة الشيخ: هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟ الجواب لا. لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور. أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 26 النظر إلى الهلال مقدم على التقويم في الإمساك والإفطار السؤال وقت الإمساك، معلوم أن الأذان على تقويم أم القرى، البعض هل يفطر على التقويم أو يفظر على حسب غياب الشمس؟ الجواب لا النظر مقدم، مثلاً لو كان التقويم يقرر أن الشمس غربت وأنت ترى الشمس لا يجوز أن تؤذن ما دمت ترى الشمس، وهذا يقع كثيراً، يعني: شوهد أن التقويم قد قرر غروب الشمس، والذين في البر يقولون: ما غابت، فالنظر مقدم. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 27 لم يثبت دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم السؤال هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم؟ الجواب لا. ما ثبت أنه احتجم وهو صائم، ثبت أنه احتجم وهو محرم، فيه مثلاً تقرير قاعدة في هذه المسألة يعني: لو فرضنا أن الرسول ثبت أنه احتجم وهو صائم فلدينا أمران: احتجامه وهو صائم بناء على أن الأصل عدم الفطر بالحجامة، فإذا جاء دليل يدل على أن الحجامة مفطرة أخذنا به؛ لأن هذا الدليل الذي يدل على أن الحجامة مفطرة دليلٌ ناقلٌ عن الأصل، فيكون فيه زيادة علم، فيقال: أن نأخذ بما فيه زيادة علم، هذا أمر. الشيء الثاني: أن الرسول احتجم وهو صائم أي صيام كان؟ هل هو فريضة أو نافلة؟ إذا كان نافلة فلا توجد مشكلة؛ لأنه يحتجم ويفطر وليس به إشكال، وإن كان صيام الفريضة وكان محتاجاً إلى ذلك جاز أن يحتجم، فهذه قضية عين لا يمكن أن نجعلها معارضة للحديث القولي، بل إن بعض العلماء كـ الشوكاني رحمه الله يرى أنه لا تعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية فلا يعارض به القول العام. لكننا لا نوافقه على هذا، نقول: يجب الجمع بين قوله وفعله، لكن فعله يكون قضية عين له احتمالات فلا يعارض، والأصل عدم وجود الاحتمال. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 28 حكم الصيام والإفطار الجماعي السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الصيام الجماعي والاتفاق على الإفطار سواء كان في رمضان أو الإثنين والخميس؟ الجواب لا. أهم شيء الاتفاق على الصيام، نحن نرى أن هذا مبدأ لم يكن عليه الصحابة أنهم يتواعدون أن يصوموا الإثنين والخميس وما أشبه ذلك، ويخشى أن تتطور المسألة حتى يرتقي إلى ما هو أشد، ثم نشبه أهل التصوف الذين يتفقون على ذكر معين يفعلونه جماعة، فلذلك يقال للشباب: من صام غداً فسيكون الإفطار عند فلان مثلاً، هذا لا بأس به، لكن الاتفاق على صوم يومٍ معين هذا ليس من هدي الصحابة، ثم كون الإنسان يعود نفسه أنه لا يصوم إلا إذا صام معه غيره هذا بعد مشكلة، فكون الإنسان يصوم من طوع نفسه سواء كان معه غيره أو لا، هذا هو الذي عليه السلف الصالح. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 29 وجوب الإمساك عن الأكل إذا علم طلوع الفجر السؤال إذا قُدم للإنسان وجبة السحور فمجرد أن شرع في الأكل شرع المؤذن في الأذان، هل يقطع الأكل أو يأكل ما تيسر له؟ الجواب أما إذا كان المؤذن يقول: أنا لا أؤذن إلا إذا رأيت الفجر فإنه يجب قطعه من حين ما يسمع الأذان؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) . أما إذا كان على التقويم فالتقويم عندنا فيه تقديم في الفجر خاصة، يعني: حوالي خمس دقائق، كما يعرف الإخوان بعض المؤذنين يؤذن على التوقيت وبعضهم يتأخر، فعلى كل حال الإنسان يجعل عنده ساعة مضبوطة يمكن أن يعرف طلوع الفجر بأن يضيف على التقويم خمس دقائق وحينئذٍ يمسك. الجزء: 174 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [175] بعد انقضاء شهر كامل هو شهر الصوم، قد يحدث للنفس فتور وتكاسل عن القيام بتلك العبادات التي كانت في رمضان، لكن الشارع لم يدع لذلك سبيلاً، فكانت الدعوة إلى صيام الست من شوال، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وغيرها من العبادات التي ندب إليها الإسلام وأجزل الثواب عليها، في نفس الوقت كان هناك التحفيز لقيام الليل والمداومة على عمل الصالحات وترتيب الأجر الكبير على ذلك. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 1 أعمال مشروعة بعد صيام رمضان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والسبعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميسٍ من كل أسبوع إلا أن يكون هناك مانع، وهذا الخميس هو الخامس عشر من شهر شوال عام (1418هـ) . نفتتح به لقاءاتنا بعد أن أمضينا صياماً وقياماً في شهر رمضان المبارك نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل ذلك تكفيراً لسيئاتنا وزيادة في حسناتنا، ورفعة في درجاتنا إنه على كل شيء قدير، ونسأله تبارك وتعالى أن يعيد أمثاله علينا وعلى الأمة الإسلامية ونحن أقوى ما نكون إيماناً وأحسن ما نكون عملاً، إنه على كل شيءٍ قدير. في لقائنا هذا نتكلم يسيراً عن فتور بعض الناس عن الأعمال الصالحة إذا انقضى شهر رمضان. والحقيقة أن شهر رمضان موسم والعادة في طبيعة الإنسان في هذه المواسم أن يزداد نشاطاً سواء كانت مواسم دينية أو دنيوية، وهذا شيءٌ جبل عليه الناس ولا يمكن الإنكار، لكن الشيء المهم ألا نعود إلى المعاصي بعد أن عملنا ما نسأل الله تعالى أن يجعله تكفيراً لسيئاتنا، ألا نعود إليها؛ لأن العود إلى المعصية بعد محو الذنوب أمرٌ شديد، فالواجب على المسلمين عموماً الواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يقومون به في رمضان، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم بعد رمضان كما كانوا يدعونه في رمضان، هذا هو الواجب؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه المواسم تنشيطاً للهمم وحثاً على العمل لا أن العمل ينتهي بانتهائها، قال الله تبارك وتعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت، قال الحسن البصري رحمه الله: [إن الله لم يجعل للمؤمن عملاً ينقضي قبل الموت، ثم تلا هذه الآية: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]] . الجزء: 175 ¦ الصفحة: 2 مشروعية الصيام في غير رمضان إن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة التي شرعت لنا في رمضان لا تزال مشروعة في كل وقت، فالصيام مشروع في كل وقت أوله: - إتباع رمضان بستة أيام من شوال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) . وكذلك أيضاً: يشرع أن يصوم الإنسان ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام السنة كلها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ صوم الدهر كله) . وكذلك صيام أيام البيض خاصة، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر. وكذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع. وكذلك الصوم الأفضل أن يصوم يوماً ويدع يوماً، فأفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويدع يوماً، وهذا أفضل من المحافظة على الإثنين والخميس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) وعلى هذا فلو صادف أن يكون صيامك يوم الأحد ويوم الثلاثاء وفطرك يوم الإثنين فإن هذا أفضل من أن تصوم يوم الإثنين، لكن يبقى النظر: هل إذا صادف يوم الإفطار يوم الإثنين هل نقول: صمه لأنه يوم الإثنين وإن اختلف صيام يوم وفطر يوم، أو نقول: الأفضل أن تمضي في صوم يومٍ وفطر يوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود) ، ولأن في ذلك راحة للبدن، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد ذلك بعد أن رأى همة عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم أكثر من ذلك لكنه لم يأذن له في أكثر من هذا، بل دله على الأفضل، الإنسان يتردد في هذا بمعنى: هل الأفضل إذا صادف يوم الإثنين يوم فطرك أن تصومه أو لا؟ والظاهر لي: أنه لا تصومه، ما دمت رتبت نفسك على أن تصوم يوماً وتفطر يوماً فهذا هو الخير وهو أفضل الصيام وفيه راحة للنفس. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 3 مشروعية القيام في غير رمضان أما القيام؛ فكذلك لا يزال مشروعاً والحمد لله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فيما اشتهر أو تواتر عنه: (أن ربنا عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) ينزل إلى السماء الدنيا حقيقة كما نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، ولكن ليس نزوله كنزول المخلوق بل هو نزولٌ يليق بجلاله وعظمته لا ينافي كماله أبداً، فلا يلزم من نزوله إلى السماء الدنيا أن تكون السماء الثانية وما فوقها فوقه لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله تعالى له علو مطلق في كل حال، ولأنه سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه، لكننا نؤمن بأنه نزول حقيقي مضافٌ إلى الله سبحانه وتعالى دون أن نتعرض للكيفية، ينزل سبحانه وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وفي كل مكانٍ بحسبه، قد يكون ثلث الليل هنا في المملكة وثلث النهار في بلادٍ أخرى، لكن لكل بلدٍ حكمه ينزل عز وجل فيقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) فإذا اجتمع هذا القرب من الله عز وجل مع قرب العبد من ربه وهو ساجد كما قال عليه الصلاة والسلام: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) حصل بذلك قربان: قرب الرب عز وجل، وقرب الساجد، ولذلك ينبغي أن يكثر الإنسان في حال سجوده بالثلث الأخير من الليل من الدعاء؛ لأن ذلك أقرب إلى الإجابة بلا شك. أقول: لا يزال القيام مشروعاً والحمد لله، القيام لا ينتهي برمضان، وفي كل ليلة. وهناك عباداتٌ أخرى سببٌ لتكفير السيئات ورفعة الدرجات ليست خاصة بالصيام أو القيام في رمضان، لذلك أسأل الله تعالى أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرص قبل أن يفوت الأوان والإنسان لا يدري متى يفوت أوانه، كم من إنسان يمشي وسقط ميتاً، وكم من إنسانٍ على فراشه لم يوقظ إلا ميتاً، وكم من إنسان على طعامه لم يشبع حتى مات، وليس مع الإنسان وثيقة بأنه لا يموت إلا في وقتٍ معين. فعلينا -أيها الإخوة- أن ننتهز الفرص ما دمنا في زمن الإمكان، والأمر سهل ولله الحمد، كل الإسلام من أوله إلى آخره كله يسير مسهل، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة:6] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولم يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبعث الناس: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) كله سهل، لكن لما كان الخير له موانع من قبل النفس ومن قبل الشيطان؛ شيطان الإنس وشيطان الجن صار ثقيلاً على النفوس، ولكن اقرأ قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:6-7] واسأل الله تعالى أن ييسرك لليسرى، فإن الله تعالى قريبٌ مجيب. وإلى هنا ينتهي هذا القول الموجز الذي أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به، وننتقل إلى الأسئلة . الجزء: 175 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 175 ¦ الصفحة: 5 حكم شق عملية لطفلة صغيرة بفتح المعدة لتغذيتها بالحليب السؤال سبق وسألتك -يا شيخ- في سؤالٍ سابق عن ابنة لي بالحضانة، وقال الأطباء الاستشاريون: إنها تحتاج إلى عملية فتح المريء، وإن نسبة نجاح هذه العملية (8%) و (92%) موت، فأجبتني أنت بالرفض أني أدعها لله سبحانه وتعالى، والآن اتصلوا بي لكي يعملوا عملية فتح للأنبوب، سألتهم عن هذه العملية قالوا: إن شاء الله لا تأثير عليها، فما رأيك يا شيخ هل يجرون هذه العملية علماً بأن الطفلة لها سبعة شهور وعشرة أيام؟ الجواب أقول بارك الله فيك جوابي على هذا: أولاً: الدواء أو المعالجة ليس أمراً مقطوعاً بنجاحه، أليس كذلك؟ حتى لو قال الأطباء: (99%) تنجح قد لا تنجح. فأما ما يتعلق بالمريء فقد أجبتك عنه وأنا لا أزال على جوابي أن تدع الأمر، ما دامت العملية لا شك أنها فيها شيء من التصرف وجرح هذا الإنسان والنجاح قليل (8%) ، فهذه ما أزال على إفتائي أن تدعها لله عز وجل، وإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يشفيها شفاها؛ لأنه هو الذي خلقها أولاً وهو قادر على أن يزيل ما بها من المرض. أما إذا كان محاولة فتح المريء بدون عملية مثل أن يدخلوا فيه أنابيب أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي قد توسعه هذا لا بأس به؛ لأنه ليس فيه جرح ولا خطر. أما ما يتعلق بالمعدة السائل: هم يريدون أن يفتحوا على المعدة ويدخلون أنبوباً لكي يغذونها بالحليب. الشيخ: أما فتح شيء في الجسد من أجل إيصال الحليب إلى المعدة فهذا إذا لم يكن فيه مضرة وأن هذا يجري إلى حد أن يحاولوا فتح المري فهذا إن شاء الله لا بأس به. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 6 حكم الزواج بنية الطلاق وخاصة في خارج البلاد السؤال فضيلة الشيخ! أورد أحد الإخوة سؤالاً لفضيلتكم في اللقاء الواحد والخمسين بعد المائة، قال فيه: هل يجوز الزواج بنية الطلاق؟ وكانت إجابتكم: أنه لا يجوز؛ لأن في ذلك غشاً وخداعاً للزوجة وأهلها، ولكن يمكن أن يتزوج بنية مطلقة ومتى عاد إلى بلده أو رآها غير صالحة له فالأمر في ذلك واسع، ولكن نرى أن بعضاً من الناس الآن ينشئ سفراً من بلده للسياحة ويذهب إلى خارج البلاد، ويقول: إنه سيتزوج بنية مطلقة، ويبقى هناك مدة أسبوعين أو ثلاثة فيتزوج، ولكن يظهر أنه عكس ذلك، بدليل: أنه لم يهيأ نفسه لاستقبال زوجته في بلده، ولم يستأذن ولي الأمر من زواجه بهذه المرأة الأجنبية، ولم يتحر عن الأهلية الشرعية لهذه البنت، ولم يخبر أهله أيضاً في رغبته في الزواج في ذلك، فما توجيهكم لمثل هؤلاء، وهل لديكم تفصيل في إجابتكم؟ جزاكم الله خيراً. الجواب نعم، بارك الله فيك! أقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر لنا ميزاناً قسطاً عدلاً: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا كان ذهاب هذا الرجل إلى البلد الأخرى من أجل أن يتمتع بهذا الزواج فقط فهذا زنا لا إشكال فيه؛ لأنه ذهب ليزني ويرجع. وأما إذا كان حقيقة يريد أن يتفرج على ما في هذا الكون من مخلوقات الله عز وجل وطبائع الناس، ولا سيما إذا كان رجلاً له ذوق في هذه المسائل، ثم إنه هناك تزوج بنية أنه زواجٌ مطلق، فهذا لا بأس به. وقد بلغني مع الأسف: أن بعض الشباب الآن الذي ليس على استقامة حميدة يذهب إلى البلاد الأخرى ليتزوج بنية الطلاق، وهذا كما قلت لكم أولاً: هذا زنا لا إشكال فيه، وينبغي أننا حتى لو قلنا: بجواز زواج الإنسان المسافر الغريب بنية الطلاق لو قلنا به لا ينبغي أن نفتي به فتوى عامة من أجل منع هذا المحذور وهو أن يسافر من أجل أن يتزوج، والعلماء رحمهم الله الذين حكوا الخلاف في هذه المسألة قالوا: إن فرض هذا في غريبٍ تغرب لغير هذا؛ لغير النكاح إما لتجارة، أو لطلب علم، أو ما أشبه ذلك، قالوا: فإذا اشتدت عليه العزوبة فلا بأس أن يتزوج بنية الطلاق. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 7 حكم الزكاة في النخيل السؤال رجل عنده مزرعة فيها نخيل، وتنتج تمراً في السنة مرة واحدة، ويبيع هذا التمر يعني، الثمرة يبيعها، لكن كيف يزكيها؟ لكن هناك نقطة: أن زراعة هذا النخيل ربما لا تغطي تكلفة المكائن والعمال والكهرباء وغير ذلك، فما القول في هذا؟ الجواب أولاً نقول: إذا صح ما ذكرته من أن تكلفة هذه المزرعة أكثر من إنتاجها فلنسأل: هل الإنسان يتوقع أن زيادة النفقة ستستمر؟ أو لأنه في إنشائها وبدايتها تكون أكثر؟ إن كان الأول: فإننا نرى ألا يستمر؛ لأن استمراره في هذه الحال يعني إضاعة المال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال. أما إذا كان يرجو فيما بعد أن يكون الإنتاج أكثر من الإنفاق فليستمر؛ لأن كل شيء في بدايته يكون صعباً ويحتاج إلى نفقاتٍ كثيرة، ثم إذا استقر صار الإنتاج أكثر، فحينئذٍ نقول: استمر وعليك أن تزكي حتى وإن كان ما أنفقته على هذه المزرعة أكثر من الإنتاج بأضعافٍ مضاعفة، عليك أن تزكي الثمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرسل السعاة ليقبضوا الزكاة من أصحاب المواشي وأصحاب الثمار دون أن يسألهم: هل عليكم ديون تقابل هذا أو لا؟ ولأن حاجة الفقير وطمع الفقير يتعلق بما يشاهد ويظهر فلا يمكن أن تمنع زكاة فعليه الزكاة، لكن كيف يزكي؟ نقول أولاً: زكِ هذا الثمر زكاة ثمار، والواجب في زكاة الثمار إما العشر إن كان يسقى بلا مئونة، وإما نصف العشر، فإذا زكيت هذا عند حصاده وأخذت الدراهم فزكِ هذه الدراهم إذا حال عليها الحول، وفي الدراهم ربع العشر. السائل: لكن النقطة الثانية أنه قديم بحوالي خمس عشرة سنة، لكن ليس دائماً أحياناً يربح قليلاً وأحياناً يتقابل. الشيخ: ليس لنا تعلق في ربحه أو خسارته، هذه ثمار أخرجها الله لك وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267] فليزكِ، فإذا قال: أنا لم أزك فيما مضى ولا أدري، نقول: الأمر واسع والحمد لله تحر وحاسب نفسك محاسبة دقيقة وإذا زدت فهو خيرٌ لك. السائل: هل أزكي عن السابق؟! الشيخ: نعم. زكِ عن السابق، إن كان واجباً عليك فقد أديته، وإن كان زائداً على الواجب فهو خير. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 8 حكم من نشزت عن زوجها بسبب تحريش الإخوان بينهما السؤال فضيلة الشيخ! رجل متزوج بامرأة منذ ثلاثين سنة وله منها بنين وبنات، ومنذ خمس سنوات تدخل إخوتها في حياتهما الزوجية فخببوها على زوجها حتى خرجت عن طاعته، وانقطعت عن معاشرته الزوجية، حتى أنها صارت تحتجب عنه ولا تظهر عليه ولا تكلمه، وحاول أهل الخير استجلاء السبب منها، فكان جوابها: أن هذا أمر خاص بها، وبقيت منفصلة عنه حتى الآن، فبماذا تنصحوها لعل الله أن يهديها؟ حفظكم الله، وجزاكم الله خيراً. الجواب أولاً: أرجو ألا يكون ما سمعته حقيقة من أن إخوانها خببوها على زوجها؛ لأن تخبيب المرأة على زوجها من أكبر الآثام -والعياذ بالله- وصاحبه معرضٌ لمقت الله وغضب الله، فالواجب عليهم إن كان حقاً أن يتوبوا إلى الله، وأن يحببوا المرأة إلى زوجها بدلاً من أن يخببوها عليه، وينصحوها، ويذكروا محاسن الزوج، ويبينوا لها عقوبة المرأة إذا نشزت، هذا أولاً. ثانياً: بالنسبة للمرأة أنصحها أن تعود إلى بيتها وإلى طاعتها، وأبلغها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح، وكان الذي في السماء عليها ساخط) فلترجع إلى زوجها وتدخل بيت الطاعة. أما بالنسبة لزوجها فلا أدري هل هناك سبب منه يقتضي أن تنفر منه أم لا؟ فإن كان كذلك فالواجب عليه أن يعاملها ويعتذر إليها مما جرى منه، وإن لم يكن منه سبب فالواجب عليها هي أن تعود، ويا حبذا لو يتدخل أحدٌ من أهل الخير في الإصلاح بينهما. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 9 حكم العودة إلى التشهد الأول بعد السهو والقيام إلى الركعة الثالثة السؤال إمام سها في صلاة الفريضة -في رمضان- حيث قام إلى الركعة الثالثة قبل أن يجلس للتشهد الأول هذا أولاً، ونبهه بعض المأمومين فجلس فلما انتهت الصلاة قال له بعض المأمومين: لماذا جلست بعد أن انتصبت قائماً، فاحتج أن النساء خلف المصلين لا يرونه مثلاً يعني: في مبنى منعزل عن المأمومين ما يرونهم، فقال: يخشى أن يحدث ارتباك بين النساء ومتابعة الإمام، ما الحكم؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن من قام عن التشهد الأول سواء في رمضان أو في غير رمضان حتى انتصب قائماً فإنه لا يجوز أن يرجع؛ لأنه انتقل إلى الركن الذي يليه، فليستمر في صلاته ثم يسجد للسهو قبل السلام. وذلك يجب سواء كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيجب أن يتابع إمامه، وأما إذا قام إلى زائدة كما لو قام إلى خامسة في العشاء أو الظهر أو العصر أو رابعة في المغرب أو ثالثة في الفجر فعليه أن يرجع متى ذكر، حتى لو كان قد قرأ الفاتحة حتى لو كان في الركوع يجب أن يرجع ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو بعد السلام، ولا ينظر إلى أحد ولا يبالي بأحد، فهذا الإمام الذي سها عن التشهد الأول في صلاة العشاء حتى قام ثم نبه فرجع واحتج: بأنه يخشى أن يرتبك النساء، تأول لا شك، ومن أجل تأوله هذا نقول: إن صلاته صحيحة، ولكن نخبره بأن هذا التأول غير صحيح، وكان عليه أن يبقى في قيامه وبإمكانه أن يجهر بعض الشيء في قراءة الفاتحة، فإذا جهر في قراءة الفاتحة عرف النساء أنه قد قام وزال الإشكال، والجهر في هذه الحال للمصلحة لا بأس به، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يجهر بالآية في الصلاة السرية، فكذلك هنا نقول: اجهر في هذه الركعة الثالثة وإن كانت قراءتها سراً الأفضل لكن هنا من أجل الحاجة، فبلغ الإمام بهذا حتى لا يتكرر منه ذلك. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 10 كيفية تشميت من عطس للمرة الرابعة السؤال بالنسبة للعطس إذا عطس في المرة الرابعة ثم شمته أخوه بقوله: عافاك الله أو شافاك الله، فبماذا يرد عليه؟ الجواب العاطس إذا عطس أول مرة تقول: يرحمك الله، ويجيب بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم، والثانية مثلها، والثالثة مثلها، وفي الرابعة إذا كان قد شمته ثلاثاً من قبل فإنه يقول: عافاك الله إنك مزكوم، ولكن ماذا يقول العاطس؟ نقول قياساً على التحية حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] أن يقول العاطس: عافاك الله، أو: وإياك، أو: لك مثله. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 11 نصيحة إلى شباب منعزلين في بيوت خربة يرتكبون المنكرات السؤال فضيلة الشيخ! يوجد عندنا مجموعة من الشباب يسكنون في البيوت الخربة القديمة، وبعد زيارة مجموعة من هؤلاء الشباب وجدنا عندهم مجموعة من المنكرات، وهذه وللأسف الشديد ظاهرة قد تفشت في كثيرٍ من البلدان والمجتمعات، وجدنا مجموعة من هؤلاء الشباب يجلسون عند الدشوش، والبعض منهم يلعب بالورق، وفي عموم الكلام أنهم يشغلون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه، وبعد زيارتهم تمنوا أن يسمعوا منكم كلاماً حول هذا الموضوع ونصيحة، ولعلنا من خلال ذلك أن نوصل هذا الشريط إليهم ولعل هذا الشريط يكون سبباً في هدايتهم وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أولاً: لماذا اختاروا هذه البيوت الخربة القديمة؟ السائل: حتى يكونوا بعيدين عن الأحياء الجديدة وعن الناس. الشيخ: هل هي في أطراف البلاد؟ السائل: إنها بيوتنا التي كنا نسكن فيها قديماً نحن وأجدادنا. الشيخ: إذاً! داخل البلد. أما الجواب عما ذكرت: فالحقيقة أن الشاب مع الأسف الشديد أصبح في فراغٍ تام، وأنت تعرف أن الفراغ من أعظم ما يكون سبباً للفساد كما قال الشاعر الحكيم: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة فالذي ينبغي لهؤلاء الشباب أن يغتنموا أوقات شبابهم فيما يرضي الله عز وجل، إما بطلب علم، أو مذاكرة فيما بينهم، أو قراءة التفسير أو الحديث أو ما ينفع من الكتب المؤلفة، وأن يتجنبوا القيل والقال والغيبة والكلام البذيء ووصف النساء وما أشبه ذلك, وعليهم أيضاً أن يتجنبوا هذه المغريات التي تنشر في الفيديو أو في الدشوش أو في التلفزيون؛ لأنها -والله- السم النقاع الذي يفتك بخلق المرء أولاً، ثم بعقيدته ثانياً؛ لأنه إذا فسد الخلق فسد كل شيء، ولهذا قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] منهج سيئ، لا لمجرد الزنا ونيل الشهوة فقط، بل لأنه يحدث في قلب المرء انصراف عن الله تبارك وتعالى، واتجاهاً إلى أسباب سخطه وغضبه. فنصيحتي لهؤلاء الشباب ألا يضيعوا شبابهم في مثل هذه الأمور المحرمة، وأن يفكر كل واحدٍ منهم ساعة من الزمن لماذا خلقت؟ وهل الدنيا مجرد لذات وشهوات؟ ثم ليقس نفسه حتى يعرف أن قلبه في وحشة، وأن هذا السرور بهذا اللهو ما هو إلا سرورٌ بدنيٌ ظاهريٌ فقط، لكن سرور القلب بذكر الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه هذا هو السرور الحقيقي فليفكر، ثم إن على هذا الشاب أن يتجنب مثل هؤلاء الأصحاب؛ فإن هؤلاء الأصحاب كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم جلساء السوء: (ومثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه رائحة كريهة) فعلى الغيورين على أنفسهم الناصحين لهم أن يتجنبوا مصاحبة هؤلاء الأشرار، ونسأل الله السلامة. ثم على أهليهم من أبٍ أو أخٍ كبير أو عم ملاحظتهم والتعرف على أحوالهم ومنعهم من خلطاء السوء؛ لأن كل رجلٍ راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته. السائل: يا شيخ! لو يقترح على ولاة الأمر -وفقهم الله في هذه البلاد- ألا يؤجر هؤلاء إلا بموافقة ولي الأمر. الشيخ: ولي أمرهم أو ولي الأمر العام؟ السائل نفسه: لا ولي الأمر العام قصدي لا يؤجر حتى يوافق ولي الأمر على هذا الشاب؛ لأن -يا شيخ- الغالب من يؤجر الآن أعمارهم خمس عشرة سنة وعشرين سنة! صغار في السن. الشيخ: لا شك أن هذا من أسباب درء هذه المفسدة، وطريق سليم لمنعها. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 12 طلب الطلاق من رجل زال عقله وحكم طلاق المجنون السؤال ما حال المرأة التي زال عقل زوجها وهي في عصمته هل تطلق أم ماذا؟ وهل إذا طلق هو هل يثبت طلاقه؟ الجواب إذا جن زوج المرأة فلها الخيار إن شاءت أن تبقى معه، وإن شاءت طلبت الفسخ من القاضي وينظر القاضي في قضيتها، وإذا أمكن أن تصبر عليه وتحتسب الأجر إذا لم يكن عليها ضرر ولا خوف من الرجل الذي جن فهو أفضل وأولى. أما طلاق المجنون فلا يقع؛ لأنه ليس له قصد. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 13 حكم الإحرام من غير ميقات أهل البلد السؤال فضيلة الشيخ: بعض أهل بلادنا ذهبوا إلى العمرة والمفروض الميقات في يلملم في الطائرة، ولكنهم أحرموا في جدة، وبعضهم أحرموا في التنعيم، وقال: لأني أبحث عن فندق وغير ذلك من المشاغل، هل هذا جائز أم لا؟ الجواب إذا أحرم الإنسان لحجٍ أو عمرة من غير الميقات الذي عينه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالإحرام لازم وصحيح والحج والعمرة صحيحان، لكن العلماء يقولون: إن إيقاع الإحرام من الميقات من واجبات الحج أو العمرة، وأن من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فعليه فدية يفدي بها ليجبر هذا النقص تذبح في مكة وتوزع على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً، ثم إن لم يستطع فبعضهم قال: يصوم عشرة أيام، وبعضهم قال: لا شيء عليه، والصحيح: أنه لا شيء عليه إذا لم يستطع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على أن من عجز عن فدية ترك الواجب أن يصوم عشرة أيام. السائل: هل ذلك في العمرة فقط؟ الشيخ: العمرة والحج سواء فيها. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 14 وقت التكبير للسجود السؤال يا شيخ! أحسن الله إليكم: ما هي صفة التكبير للسجود هل هي من حين القيام أم حين يهوي إلى السجود؟ الجواب التكبير للسجود من حين ما يهوي ويكملها قبل أن يصل إلى الأرض، وكذلك كل تكبيرات الانتقال الأفضل أن تكون بين الركنين سواء كيفية الركوع أو السجود أو القيام للسجود لا يبدأ قبل ولا ينهي بعد، يحرص على هذا، لكن لا يبدأ قبل، يبدأ من حين ينتقل، ثم إن تمكن من إكمال التكبير قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه وإلا فلا بأس أن يكمله بعد الوصول إلى الركن الذي يليه. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 15 حكم من دخل بنية العشاء وهو يريد الجمع بين المغرب والعشاء للسفر السؤال أحسن الله إليكم يا شيخ! مسافر يريد أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، لكنه حين الدخول في الصلاة نسي فدخل بنية العشاء؟ الشيخ: دخل المغرب يعني؟ السائل: إي نعم! ولما كان في الركعة الثالثة تذكر أنه في المغرب، وهل يضره؟ الجواب أقول: لا تصح صلاة المغرب؛ لأنه نوى بها العشاء، فلو انتقل بعد أن ذكر أنه يصلي المغرب أنه يريد المغرب وجعلها مغرباً ما صحت، إذاً: لا تصح المغرب الآن؛ لأنه لم ينوها من أولها، ولا تصح العشاء لأنه انتقل منها، أي أبطلها، فعليه إعادة المغرب أولاً ثم العشاء. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 16 حكم المراسلة والاتصال بمن قد عقد عليها السؤال شخص تزوج بامرأة صغيرة قبل بلوغ سن الرشد، وشرط عليه أهلها أنه لا يطلب العرس حتى تبلغ. الشيخ: يعني يؤجل الدخول؟ السائل: نعم، ولكنه استعجل ويتصل برسائل ويرسل صوراً شخصية لهذه الفتاة، فهل يجوز له هذا التصرف؟ الشيخ: بعد أن تم العقد؟ السائل: إي! بعد أن تم العقد. الشيخ: لا بأس إذا عقد الإنسان على المرأة فهو زوجها، له أن يكلمها في الهاتف، وله أن يرسل إليها الرسائل، أما مسألة الصور ينبني على جواز تصوير هل يجوز أو لا يجوز، وأرى أنه لا يرسل الصور؛ لأنها قد رأت صورته بالأول وهو رأى صورتها بالأول فلا حاجة، اللهم إلا أن يصاب بحريق ويتغير وجهه ويرسل إليها الصورة يقول: لا تخافي الوجه لم يتغير، فهذا حاجة، وإلا فلا حاجة. بقي أن يقال: هل له ألا يتصل بها، وقد شرط عليه ألا يدخل عليها إلا بعد سنة أو سنتين؟ الشيخ: الذي يظهر لي: أنه لا بأس أن يتصل بها لكن بدون جماع؛ لأنها زوجته، فإذا اتصل بها وتمتع بالجلوس معها وتقبيلها فلا بأس، لكن الجماع لا يجاب؛ لأن الجماع فيه خطر ويؤدي إلى سوء الظن، قد تحمل من هذا الجماع وتلد قبل وقت الدخول المحدد فتتهم المرأة، ولو صاح بأعلى صوته: أنه هو الذي جامعها وهذا الولد منه، لكان لا يقبل من الناس ولا يصدقون. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله تعالى أن ينفع به. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 175 ¦ الصفحة: 17 لقاء الباب المفتوح [176] في هذا اللقاء تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة النجم ، تتحدث عن الذي يعطي قليلاً ويتولى ويعرض عن أوامر الله بم يرى أنه لو بعث يوم القيامة لأعطي عطاءً كثيراً، ثم انتقل إلى قوله تعالى: (ولا تزروا وازرة وزر أخرى) وبين فيها هل يصح إهداء الأعمال إلى الأموات؟ وبعد ذلك أجاب على كثير من الأسئلة. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والسبعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع من شهر ذي القعدة عام 1418هـ أسأل الله تعالى أن يجعلها لقاءات مباركة نافعة. في هذا اللقاء كالعادة نبدأ بتفسير شيء من كلام الله عز وجل. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفرأيت الذي تولى) قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم:33-35] إلى آخره. الخطاب في قوله: (أفرأيت) للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويجوز أن يراد به كل من يتوجه إليه الخطاب، فيكون المعنى على الأول: أفرأيت يا محمد، وعلى القول الثاني يكون المعنى: أفرأيت أيها المخاطب. (الذي تولى) أي: تولى عن طاعة الله عز وجل، ولم يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينفق ما أمر بإنفاقه: {وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} [النجم:34] أحياناً يعطي، وإذا أعطى أعطى قليلاً، وأحياناً يكدي أي: يمنع، فلا يعطي شيئاً؛ لأنه لا ينفق المال ابتغاء وجه الله، فلذلك كانت حاله بين أمرين: إما المنع، وإما الإعطاء قليلاً. قالوا: (وأكدى) مأخوذة من الكدية: وهي الصخرة الشديدة التي لا تتفتت إلا بالمعاول، هذا الذي أعطى قليلاً وأكدى يزعم أنه إذا بعث فإنه سوف يعطي المال الكثير، وهكذا عادة من ينكر البعث كما في صاحب الجنة الذي قال: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف:36] فهو يظن أنه سوف يمتع في الدنيا ثم يمتع في الآخرة أكثر وأكثر إن كان آمن بها. قال الله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} [النجم:35] هذا الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي: ليس عنده علم الغيب فهو يرى أنه سينتقل إلى دارٍ أفضل من داره التي هو فيها، وعلى هذا فتكون الجملة جملة نفي، ولا جملة إثبات وليست جملة استخبار، بل هي جملة نفيٍ وإنكار، إذ لا أحد عنده علم الغيب، ولولا ما أخبرنا الله به من النعيم لأهل الجنة والجحيم لأهل النار ما علمنا عن ذلك شيئاً. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى) قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:36-37] (أم) هنا للإطراق، والمعنى: بل لم ينبأ بما في صحف موسى، {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] ذكر موسى؛ لأن موسى أفضل أنبياء بني إسرائيل، والتوراة هي الكتاب التي عليها عمدة ما نزل على بني إسرائيل، صحف إبراهيم صحف أنزلها الله تعالى على إبراهيم فيها المواعظ والأحكام لكنه لم يبين لنا منها شيء، سوى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان على التوحيد وعلى الملة المستقيمة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:120-121] . الجزء: 176 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ألا تزر وازرة وزر أخرى) والذي في هذه الصحف قال: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] هذه بيان، أي: ما في صحف إبراهيم وموسى ألا تزر، وقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] أي: وفى ما أمر به، ومن أعظم ما وفاه أنه أمر بذبح ابنه فامتثل لأمر الله عز وجل، وصمم على تنفيذه، حتى إنه تله على جبينه ليمر السكين على رقبته ولكن الفرج جاء من عند الله. وفي قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:38-39] (ألا تزر) أي: لا تحمل، (وازرة) أي: آثمة، وزر أخرى أي: إثم أخرى، يعني: أن الإنسان لا يحمل ذنب غيره، إلا أنه استثنى من ذلك إذا كان صاحب سنة آثمة فإن عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، ولكن الحقيقة أن هذا لم يتحمل وزر غيره؛ لأن غيره قد وزر وأثم لكنه تحمل إثم السنة، والبدء بالشر، فيكون حقيقة أنه لم يوزر وزر غيره، ولكنه وزر بوزر نفسه، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] وقد كذب الله تعالى قول الذين كفروا للذين آمنوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت:12] فقال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت:12] حتى لو قال لك القائل: افعل هذا الذنب والإثم علي، فإنه لا يتمكن من هذا: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] ولا يمكن أن يتمكن من هذا، فإن فعل الذي قيل له: افعل هذا والإثم عليَّ، فالإثم على الفاعل، ثم إن كان الفاعل ممن يغتر بالقول ولا يفهم فعلى القائل إثم التغرير، أي: أنه غرره وخدعه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] أي: ليس للإنسان من الثواب إلا ثواب ما سعى -أي: ما عمل- فلا يمكن أن يعطى من ثواب غيره، لا يمكن أن نأخذ من أجر زيد ونعطيه عمراً أبداً، كما أنه لا يمكن أن نأخذ من سيئات زيد ونضيفها إلى سيئات عمرو، هذا لا يمكن، فصار الإنسان مرتهناً بكسبه: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] ، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] لا يمكن أن يؤخذ من حسناته لغيره، ولا أن يؤخذ من أوزار غيره فيحمل عليه. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وقد استدل بعض أهل العلم: على أنه لا يمكن أن ينتفع الميت بثواب عمل غيره؛ لأن الله قال: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وعلى هذا فلو أنك صليت ركعتين لزيد وهو ميت، أو صمت يوماً لزيد وهو ميت فإنه لا ينفعه، لعموم قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] . فإذا ورد عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) قالوا: هذا في الواجب؛ لأنه قال: (وعليه صيام) وليس بالتطوع. وإذا أورد عليهم أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إن امرأتي تلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) قالوا: هذا مستثنى بالنص، وليس لنا أن نرد النص، والعام يجوز تخصيص أفراده بحكمٍ مخالف. وإذا أورد عليهم قول سعد بن عبادة -رضي الله عنه- في مخرافه -أي: في نخله الذي يخرف- إنه يريد أن يجعله صدقة لأمه، فأجازه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قالوا: هذا ورد به النص، وما ورد به النص فإنه لا يمكن أن يرد؛ لأن نصوص الشريعة الإسلامية جاءت بتخصيص العام، أي: بإخراج بعض أفراد العام فيحكم له بحكمٍ مخالفٍ لحكم العام. وعلى هذا فنقول: لا يمكن أن ينتفع الإنسان بعمل غيره حياً كان أو ميتاً إلا ما وردت به السنة، ولا شك أن هذا القول له وجهة نظر قوية، لكن الإمام أحمد رحمه الله قال: أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت أو حي من المسلمين فإن ذلك ينفعه، وقال: إن الذي وقع قضايا أعيان، بمعنى: أن الرجل حصلت له حادثة فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه، ما هي القضية العينية؟ الرجل الذي قال: أتصدق عن أمي، وسعد بن عبادة، قال: هؤلاء سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام فأجاز ذلك، فإذا أجاز الرسول عليه الصلاة والسلام جنس العبادات ولو كانت مالية دل ذلك على جواز جميع العبادات. وقالوا أيضاً: الصيام ليس عبادة مالية، ومع ذلك قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) . وإذا أجيب بأن هذا في الواجب والواجب متحتم فهو كالدين والدين إذا قضاه الغير عن المدين أجزأ. وعلى كل حال، حتى لو قلنا بما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله: من أن أي قربة فعلها الإنسان وجعلها لمسلم، فإن ما عليه عمل الناس اليوم مخالفٌ لهدي السلف، إذ أن الناس اليوم تجدهم يهدون كثيراً من الأعمال الصالحة للأموات، يعتمر للميت دائماً، يصوم عنه تطوعاً دائماً، يضحي عنه دائماً ولا يضحي عن نفسه، كل هذا ليس من عمل السلف، السلف يهتدون بهدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم العام هو أنه قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) أكثر من الدعاء للميت، لكن كونك كلما سبحت: اللهم اجعل ثوابه لأبي أو لأمي، كلما اعتمرت قلت: اللهم اجعل ثوابه لأبي أو أمي أو جدي أو خالي أو عمي، هذا غير صحيح. أنت محتاج إلى العمل كما أنهم محتاجون للعمل، فلا تجعل عملك لهم، اجعل لهم ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الدعاء، أما العمل فخص به نفسك. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأن سعيه سوف يرى) قال تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:40] هل المراد ثواب السعي يرى في الآخرة عند الجزاء، أو أن السعي نفسه يرى في الدنيا ويعرف؟ الجواب أن هذا عام، سوف يرى في الدنيا وسوف يرى في الآخرة؛ الذي يرى في الآخرة هو الثواب، وفي الدنيا هو نفس العمل، ولهذا قال الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] يعني: عملكم لن يخفى على من في وقتكم، سيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن بعض الناس إذا عمل عملاً كمكتبة أو مسجد أو عمارة للفقراء أو ما أشبه ذلك كتب: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] وهذا لا يجوز؛ لأن أحد الأطراف الثلاثة لا يمكن أن يراه، من هو؟ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يرى هذا العمل، صحيح أن الله عز وجل يرى، والمؤمنون في هذا الوقت يرون، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرى، ثم هذا في المنافقين وهو تهديدٌ لهم وليس ثناءً عليهم، فعلى كل حال نقول: سعي الإنسان سوف يرى، ولكن قد يستر الله تبارك وتعالى على العبد ذنوبه، فضلاً منه ومنة، وإذا لقاه في الآخرة خلا به سبحانه وتعالى وقرره بذنوبه، وقال: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) لكن في الأصل أن سعي الإنسان سوف يرى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:41] أي: بعد أن يرى يجزى عليه (الجزاء الأوفى) أي: الأكمل، والأوفى في الصالح زيادة المثوبة، والأوفى في السيئ العدل بحيث لا يزاد في سيئاته، وعلى هذا فالأوفى يفسر بمعنيين: العدل، والزيادة. العدل في السيئة: لا يمكن أن يزاد سيئة واحدة، الفضل في الحسنات: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 176 ¦ الصفحة: 8 إقامة الصف من تمام الصلاة السؤال شخص في أحد المساجد لا يقيم الصف، وإذا قيل له: لماذا لا تقيم الصف؟ قال: لا أستطيع القيام، فهو يجعل رجله على الفرشة يقول: إنه يتمسك فيها، وقيل له: اجلس، قال: لا، فأي شيء أفضل له: الجلوس أو عدم إقامة الصف؟ الشيخ: القيام وإلا عدم إقامة الصف؟ السائل: مع الوعيد الشديد في عدم إقامة الصف. الشيخ: لكني أشك في صدق كلامه، أي فرقٍ بين أن يحاذي الناس أو يتأخر؟ السائل: لا في الفرش فرشة المساجد يقول: الحد هذا يجعل آخر رجله عليها ويتمسك، هذا الذي يقوله. الشيخ: الظاهر أن هذا لدفع الخصومة عن نفسه فقط، وإلا لا فرق ما الذي ماسكه؟ لأن الحد ما هو بكبير حتى نقول: يمسك؛ ليس علوه حتى يدخل عقبه به ويمسكه. السائل: هو بين الثلاثين والأربعين وهو إنسان متدين وملتزم. الشيخ: قل له: لا بد أن يساوي الناس ولا يتحمل، وإذا كان لا يمكن فليعتمد على عصا. السائل: لكن لا يجلس؟ الشيخ: لا، لا يجلس؛ لأن القيام ركن، لا يجلس لكن لا يخالف المسلمين، أنا لولا أني أتهيب لقلت: لا يأتي للمسجد، ما دام أنه لا يستطيع إلا مخالفة الصف فلا يأتي المسجد؛ لأن هذا يخل بالجماعة، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (تسوية الصف من تمام الصلاة) معناه: أنه إذا خل شخص بتسوية الصف كل الجماعة اختلت صلاتهم، فلذلك أكد عليه، قل له: إن محمداً يقول: لا بد أن يجيء إلى المسجد ولو يعتمد على العصا إذا قام. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 9 حكم عمل مجسم للكعبة والمشاعر وتطبيق الحج عملياً عليها عند الشرح للطلاب السؤال فضيلة الشيخ: هناك بعض المدرسين يشرح للطلاب صفة الحج والعمرة، ولكنه يقول: لا يستوعبون استيعاباً جيداً، فهل يجوز أن أجعل في المدرسة مثلاً مجسماً للكعبة والمشاعر حتى يطبقون ذلك تطبيقاً عملياً؟ الجواب قل له: لا بأس بشرط أن يحرم هو أيضاً ويلبس ثياب الإحرام وإذا طاف بهذا المجسم يطبع في الطواف ويرمي في الأشواط الثلاثة الأولى ويجعل حوله مقاماً يقول: هذا مقام إبراهيم، وايش الكلام هذا؟! هذا لا ينبغي إطلاقاً، يستطيع أن يرسم في السبورة مربعاً -صورة الكعبة- ويقول: تطوف عليه هكذا، أما أن يجعل مجسماً فهذا في ظني أنه سيجعل العبادات مجرد طقوس وحركات فقط، ما لها أي تأثير في القلب. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 10 حكم قبول المدرس لهدية الطالب أو الإجابة إلى وليمته السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز للمعلم أن يقبل هدية من طالبه؟ وهل يجوز أن يذهب إلى وليمة أعدها هذا الطالب خاصة من أجل معلمه؟ الجواب أما الهدية فلا يجوز أن يقبلها؛ لأن الهدية يملكها، أما أن يجيب الدعوة فلا بأس؛ لأن إجابة الدعوة لا يملك الإنسان فيها الطعام الذي يأكله. السائل: خاصة من أجل هذا المعلم. الشيخ: ولو كان لا بأس بها، ولهذا أجاز العلماء للقاضي أن يجيب الدعوة ومنعوه أن يقبل الهدية وهذا مثله. لكن ينبغي للمعلم إرفاقاً بالطلاب ألا يجيب الدعوة؛ لأنه إذا أجاب الدعوة لهذا ذهب الطالب الآخر يدعوه وربما يكون حاله ضعيفاً ويتكلف، فالأولى له سد الباب. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 11 طهورية الكحول والخمر السؤال فضيلة الشيخ -عفا الله عنك- العطورات بالنسبة للكحول فإن ثبت ذلك فهل يضعها على ملابسه فيخرج للصلاة؟ الجواب لتعلم أن الخمر الخالص ليس بنجس، ولا يجب غسل الثياب منه ولا الأبدان، فإذا فهمت ذلك علمت أن العطورات التي فيها الكحول ولو كانت نسبتها كبيرة ليست بنجسة. قل لي: ما الدليل على أنها ليست بنجسة؟ لأن المشهور عند الناس الآن أن الخمر نجس نجاسة عينية كالبول والغائط. أولاً: أقول لك: الدليل عدم الدليل؛ أنه لا دليل على نجاسة الخمر والأصل الطهارة، ولا يلزم من المحرم أن يكون نجساً، فهذا السم محرم وليس بنجس، هذا الدخان يدخنه كثير من الناس محرم وليس بنجس، فلا يلزم من التحريم النجاسة، ويلزم من النجاسة التحريم. إذاً نقول: الدليل أنه لا دليل على نجاسة الخمر. ثانياً: هناك دليل على طهارة الخمر غير الأصل وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لما حرمت الخمر أراقوها في الأسواق ولو كانت نجسة ما أقرهم الرسول عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ لأنه لا يجوز أن تلوث أسواق المسلمين بالنجاسة. ثالثاً: لما حرمت وأراقوها ما غسلوا أوانيهم منها، ولما حرمت الحمر في خيبر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني. رابعاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أهدى إليه رجل راوية خمر -يعني: قربة كبيرة مملوءة من الخمر- أهداها للرسول عليه الصلاة والسلام إكراماً له، وهو لا يعلم أنها حرمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها حرمت، فساره رجل -كلم الرجل صاحب الراوية رجل قال له: بعها- فقال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته؟ قال: قلت: بعها، قال: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام) ولم ينهه عن ذلك، ولم يأمره بغسل الراوية، وهذا دليل واضح، والمسألة ليس فيها إجماع على نجاسة الخمر بل فيها خلاف حتى في التابعين. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 12 إنابة المؤذن غيره بدون إذن ولي الأمر السؤال بالنسبة لشخص إذا كلفه أبوه بالأذان نيابة عنه، سواء كان حاضراً أو مسافراً، هل الشخص يطيع أباه في الأذان، أم أنه يجعل أباه يؤذن عن نفسه؟ الجواب إذا كان لعذر فلا بأس، أما إذا كان لغير عذر وصار الأب يذهب ويروح ويجيء ويستريح في بيته ولا يؤذن وكلف الابن فلا بد من إبلاغ الجهات المسئولة. السائل: نفس الشخص؟ الشيخ: أقول: لا بد أن يبلغ يقول: أنا الآن وكلت ابني يؤذن عني جميع أوقات الأذان، فإذا أذن له فلا بأس. السائل: هذا الطالب جاء يسألني هذا السؤال قال: أؤذن عن أبي أم لا؟ الشيخ: قل له هذا الكلام، إن كان لعذر مثل إن كان أبوه مريضاً أو مسافراً أو غير موجود لسبب معين فلا بأس به ولا إشكال، أما أن يجعله يؤذن عنه دائماً فلا بد من استئذان ولاة الأمور. السائل: إذا كان أحياناً؟ الشيخ: إذا كان أحياناً لا بأس به. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 13 كلمة في أسباب انتشار التبرج والسفور السؤال فضيلة الشيخ: انتشر في الآونة الأخيرة كثرة ارتداء بعض النساء النقاب وبعض البنطلونات وغيرها على مرأى من أولياء أمورهن، فحبذا لو تقدم توجيهاً لخطورة هذا؟ الجواب والله -يا أخي- لا شك أن النساء الآن بدأت تتوسع في اللباس وفي التطيب عند خروجها للسوق، وسبب ذلك أولاً: قلة الدين؛ لأن الدين إذا ضعف قل امتثال الإنسان لأمر الله، وإلا فالقرآن صريح: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] ، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] ، {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] وهذا يدل على أن الثياب في عهد نزول القرآن كانت إلى الكعب؛ لأن الخلاخيل في الساق، وقوله: (ما يخفين) دليل على أن اللباس ستر هذه الخلاخيل. ثانياً: ضعف الحياء، والحياء من الإيمان، كثيرٌ من النساء نزع منهن الحياء -والعياذ بالله- وصارت لا تبالي، كانت النساء فيما عهدنا التي لم تتزوج لا يمكن أن تخرج السوق، وإذا دعاها أقاربها للبقاء عندهم عندما تخرج لا تخرج إلا قبل طلوع الشمس، ولا ترجع إلى بيتها إلا بعد غروب الشمس، وقبل طلوع الشمس لا أحد منتشر فيما عهدنا، وبعد غروب الشمس أيضاً لا دكاكين ولا غيره، ثم توسعت النساء بما يسمعنه من الوافدات إليهن، وبما يسمعنه من وسائل الإعلام، وبما يمليه سفهاء الرجال. ومن الأسباب أيضاً: أن أولياء أمورهن لم يتقوا الله تعالى، ولم يراعوا الأمانة التي حملوها، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته) فنسأل الله تعالى الهداية للجميع. ثم هناك أيضاً شيء آخر: وهو ضعف الرادع (السلطان) لا يوجد رادع من قبل السلطان وولاة الأمور، كنا نعهد أن المرأة إذا أخرجت يديها وكفيها في السوق قام شخص من الناس ينهاها، ورجال الحسبة يصل الأمر بهم إلى حد الضرب، أما الآن فكما ترى نسأل الله أن يقوي الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 14 حكم الترديد خلف المؤذن والإنسان يصلي السؤال ما حكم الترديد خلف المؤذن والإنسان يصلي؟ الجواب إذا كان الإنسان يصلي فلا يتابع المؤذن؛ لأن في الصلاة شغلاً، والمصلي ليس تابعاً للمؤذن حتى نقول: ينصت كما ينصت لقراءة الإمام، لكن إذا كان سبب الذكر -يعني: لا يشغل- مثل: لو عطس فله أن يحمد الله على القول الراجح، ولو أصابه الوسواس في الصلاة -يعني: الهواجيس- فإنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن هذا لا يشغله عن صلاته. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 15 أداء صلاة التراويح خلف إمامين في مسجدين مختلفين السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان الرجل في رمضان يصلي أول الليل في مسجد وآخر الليل في مسجد هل يكون الأجر مثله؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف -يعني: في قيام رمضان- كتب له قيام ليله) فإذا صلى مع الإمام الأول ثم صلى مع الثاني لم يصدق عليه أنه صلى مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه جعل قيامه بين رجلين، فيقال له: إما أن تقوم مع هذا من أول الليل إلى آخره، وإما أن يفوتك الأجر. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 16 حكم منع الكفار في بلاد المسلمين من الشرب من ماء السبيل وغيره السؤال عندنا في المسجد ثلاجة لماء الشرب ويأتي عمال كفار يأخذون من هذا الماء، فهل يحق لنا أن نمنعهم، وأيضاً دورات المياه يأتون يغتسلون يومياً في هذه الدورات، هل لنا أن نمنع هؤلاء الكفار؟ الجواب لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في كل ذات كبد رطب أجر) لا تمنعهم اتركهم يشربون، ولأن الله تعالى قال في القرآن: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] . السائل: هؤلاء يا شيخ أغلبهم هندوس من الهند، وتعلم حالة التشريد للمسلمين الشيخ: لكن ربما هؤلاء لا يرضون بفعل حكومتهم لا تدري. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 17 الصور التي تقرب للأبناء كيفية الصلاة والوضوء السؤال فضيلة الشيخ: منتشر الآن في المدارس الأهلية لوحات يعملون فيها رسوماً كيف يصلي الولد والبنت، ويأتون بلوحة فيها رسم كيف يركع وكيف يسجد وكيف؟ الشيخ: لكن بالتلوين ما هو يعني؟ السائل: إي نعم. الشيخ: لا بأس ما فيها شيء. السائل:. رسمة. الشيخ: لا بأس، يعني: مثلاً تصور للطفل كيفية الركوع وكيفية السجود، وكيفية الجلوس. السائل: نعم. الشيخ: ليس فيها شيء. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 18 جواز التسمي بعزيز ورحيم السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم التسمي بعزيز ورحيم؟ الجواب لا بأس أن تسمي ابنك عزيزاً أو رحيماً؛ لأن هذا قد وصف به غير الله، قال الله تعالى: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف:51] ، وقال الله تعالى في وصف النبي عليه الصلاة والسلام: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] . ولا تسميه العزيز إلا على سبيل الوصف، لا ترده اسماً له، لكن تقول: العزيز، على أنه وصل، مثل: السلطان والأمير لا بأس. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 19 تفسير (لا إله إلا الله) بأنها لا معبود في السماوات والأرض بحق إلا الله السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز أن نقول في تفسير كلمة التوحيد: لا إله إلا الله: لا معبود في السماوات والأرض بحقٍ إلا الله؟ الشيخ: وما المعنى؟ السائل: ألا يكون تعارض بينها وبين قول الله تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الزخرف:85] ؟ الشيخ: ما بينهما داخل، ولهذا أحياناً لا يدخل القرآن بينهما: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} [النجم:31] يدخل فيها، لكن الأحسن ألا تقيد شيئاً، لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقٌ إلا الله، وما أشرت إليه ففي القرآن: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:84] ، ولم يذكر ما بينهما لأنه داخل. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 20 حكم إخراج زكاة المال إلى بلاد أخرى السؤال ما حكم إخراج زكاة المال لغير الدولة إذا كان في بلاد أخرى محتاجة هل يجوز؟ الجواب الأفضل ألا يخرج الإنسان زكاته عن بلاده ما دام أن بلاده فيها مستحقون، هذا هو الأفضل. السائل: قد يكونوا محتاجين أكثر في بلاد أخرى في مجاعات وغيرها؟ الشيخ: هذا ربما يرخص فيه بشرط: أن تعرف أن هؤلاء الذين يأكلونها مسلمون، وأنه ليس عندهم عقائد باطلة؛ لأن بعض المسلمين وهم مسلمون أكفر من اليهود والنصارى، ألم تعلم أن ممن يدعي الإسلام من يقول: إن الكون شيء واحد؛ الخالق والمخلوق شيء واحد، أهل وحدة والوجود يقولون: إنهم مسلمون، فلا بد من التحري. لكن الشيء الذي أنهى عنه بشدة مسألة الأضاحي، أنه إذا جاء وقت الأضحية أخرجوا دراهم وأعطوها أناساً يضحون بها في أي بقعةٍ من بقاع الأرض، هذا غلط عظيم؛ لأن الذبح نفسه عبادة، وليس المقصود اللحم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج:37] المقصود التعبد لله، والله تعالى قرن الذبح له بالصلاة، فقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وأمر أن نأكل منها فكيف تأكل من شيء وهو ليس بين يديك؟ لا يمكن، وأمر أن نذكر اسم الله عليها، كيف تذكر اسم الله على شيءٍ ليس بين يديك؟ ثم إذا أعطيت دراهم يبقى عندك إشكال: أولاً: هل تثق بأن هؤلاء يذبحون الأضحية التي توفرت فيها الشروط؛ قد يذبحون الصغير، رأيناهم في منى قبل أن تأتي المراقبة رأيناهم يذبحون الصغير ليس له إلا عشر، ويؤولون القرآن على هذا يقولون: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] وهذا تيسر لنا، أتأمن هذا؟ - هل تأمن أن يضحوا بسليمة من العيوب؟ لا تأمن. - هل تأمن أن يضحوا في أيام الأضحية أو تكون الأضاحي عندهم كثيرة وتؤخر بعضها؟ لا تأمن. - هل تأمن أن الذي يذبحها يصلي؟ لا تأمن. - هل تأمن أنه يسمي الله؟ كل هذا منتفٍ، فلماذا نخاطر؟ ثم إذا قلنا بهذا واعتاد الناس هذا الشيء خلت البلاد من هذه الشعيرة العظيمة وهي الذبح لله؛ لأن كل إنسان يقول: الحمد لله نعطي ثلاثمائة ريال أو أربع مائة ريال ولا ألوث بيتي بالدم والفرث. لذلك أرجو منكم -بارك الله فيكم- أن تنهوا الناس نهياً -وليس إرشاداً- أن يعطوا دراهم ليضحى بها في مكان آخر وأن تقول: الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام تفعلها أنت بنفسك تذكر اسم الله عليها تأكل منها وتطعم وتطمئن، ويخفى عنك الذين هناك، الحمد لله الباب واسع، أرسل أنت الدراهم إليهم وضحِ أنت في بلادك، والله تعالى يخلف عليك. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 21 عدم مشروعية القول عند قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) استعنا بالله في الصلاة السؤال ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاة النافلة أنه كان إذا مر بآية وعدٍ سأل الله من فضله، وبآية وعيدٍ استعاذ من النار، فهل يثبت ذلك في الفرض؟ وإذا ثبت في الفرض هل يثبت -مثلاً- في سورة الفاتحة أنه إذا مر الإنسان بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أن يقول: استعنا بالله وغيرها؟ الجواب أما النافلة فنعم، في صلاة الليل كان الرسول عليه الصلاة والسلام كما وصف ذلك حذيفة: (إذا مر بآية تسبيحٍ سبح، وبآية رحمة سأل، وبآية عذابٍ تعوذ) وهو سنة في صلاة الليل. أما الفريضة فلا بأس لكن لا نقول: إنه سنة، وذلك لأن الواصفين لصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام الجهرية والسرية لا يذكرون هذا، ولو كان يسكت ليتعوذ أو يسأل أو يسبح لبينوا ذلك، ولهذا لما سكت للاستفتاح سأله أبو هريرة قال: (أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تكون؟) فالفريضة نقول: لا بأس، ولا نستطيع أن نمنع شيئاً هو ذكر ودعاء، لكن نافلة التهجد خاصة نقول: هو سنة. أما {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فهذه لا تقل: استعنا بالله، لا في الفريضة ولا في النفل، لماذا؟ لأنك الآن تخبر: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] كيف تقول: استعنا بالله؟ معنى: استعنا بالله هو معنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ، بل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أفضل من استعنا بالله؛ لأنها تدل على الحصر، والاستمرار بخلاف استعنا بالله. المهم ألا تقال: استعنا بالله لا في الفريضة ولا في النافلة، لا للإمام ولا للمأموم ولا للمنفرد. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 22 حكم من كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام السؤال هذا مأموم كبر تكبيرة الإحرام قبل إمامه، ثم استمر بالصلاة وسلم مع الإمام ولكنه كبر تكبيرة الإحرام قبل الإمام؟ الشيخ: عليه أن يعيد الصلاة؛ لأن صلاته لم تنعقد. السائل: هل تعتبر صلاته منفردة يا شيخ؟ الشيخ: لا. لأنه نوى الائتمام بهذا الرجل. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 23 الصوم ينتهي بغروب الشمس السؤال المرأة الطاهر إذا كانت صائمة ودخل المغرب ولم تفطر، فاستمرت ولم تفطر؛ لأنها نائمة، ثم حاضت بعد المغرب ولم تفطر، فهل يعتبر لها صيام هذا اليوم؟ ثم من دخل عليه شيء من المفطرات بعد الغروب ولم يفطر هل يسمى صائماً أو مفطراً؟ الجواب انظر بارك الله فيك: إذا غابت الشمس انتهى الصيام سواء تناول الإنسان الأكل أو لم يتناوله، فإذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس فصومها تام، وإذا أكل بعد غروب الشمس فصومه تام؛ لأن الصوم شرعاً ينتهي بغروب الشمس، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) . الجزء: 176 ¦ الصفحة: 24 عدم لزوم تلاصق الكعوب في الصلاة السؤال هل يلزم من تسوية الصفوف تلاصق الأقدام بحيث لا تبقى بينها فرج، أم يكفي مجرد المحاذاة؟ الجواب الواجب المحاذاة، لكن كان الصحابة رضي الله عنهم يلصق أحدهم كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه تحقيقاً لأمرين: المراصة، والمحاذاة. وأما ما يفعله بعض المشاهدين الآن من أنه يفرج بين رجليه حتى يمس كعب صاحبه، وأحياناً يعكف رجله حتى يكون الكعب ملاصقاً للكعب، ولكنه قد تكلف في عكف رجله، فهذا لا أصل له من السنة، وهو فهم خاطئ غلط؛ لأننا شاهدناهم يفرجون أرجلهم حتى تتلاصق لكن أكتافهم بينها فرجة، فكأنها أهرام أسفلها واسع وأعلاها ضيق، من أين جاء هذا؟ إذا فهمنا النص يلصق كعبه بكعبه ومنكبه بمنكبه، فهذا ينافي الفعل، ولهذا نحن نحذر إخواننا طلبة العلم الصغار من التسرع في فهم النصوص على خلاف مراد الله ورسوله، ونقول: انظروا العلماء الذين هم أكبر منكم سناً وأقوى منكم فهماً لكتاب الله وسنة رسوله. السائل: إذا ما تلاصقت الأقدام هذا جائز. الشيخ: نعم؛ الجواز جائز، لكن لا يكون فرجة، لأنك الآن لو مس المنكب المنكب قد تكون الرجلان مضمومتين بعضها إلى بعض ومتقاربة، وهذا لا يضر. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 25 مسألة في قصة ابني آدم الذي قتل أحدهما الآخر السؤال حكى الله عن ابن آدم قول الذي قتل أخاه أنه قال: {يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة:31] على أي شيءٍ الندم الذي حصل منه؟ الجواب الظاهر أنه أصبح من النادمين على قتل أخيه، ويجوز أن يكون على هذا وهذا، لكن كونه مثل هذا الغراب قد يقال: إنه لا ندم عليه؛ لأنه ليس بيده، وقد يقال: إنه ندم عليه لكونه جهل هذا الأمر، إنما الشيء المحقق أنه نادمٌ على قتل أخيه، هذا لا إشكال فيه. السائل: نادمٌ عليه من جهة أنه قتل أخاه أو نادمٌ عليه لأنه ذنب؟ الشيخ: هذا الله أعلم، هل ندم على أنه ذنب، أو على أنه قتله وتعب به. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 26 صحة حديث: (من قام لغني لغناه أقعده الله) السؤال هل قول من قام لغنيٍ لغناه أقعده الله يوم القيامة؟ الجواب هذا حديث غير صحيح. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 27 حكم عدم إنكار المنكرات التي اعتادها الناس السؤال بعض الناس يرى بعض المنكرات ولا ينكر، كأن يرى من يشرب الدخان أو من يستمع الغناء ويتحسر قلبه لذلك ألماً، ولكن مع هذا لا يتجرأ -غفر الله لنا وله- على أن يقول لصاحب الدخان: اتق الله، ويكلمه بالحكمة والموعظة الحسنة، بل يصمت ويسكت، فهل من توجيه لمثل هؤلاء الإخوان، وهم وللأسف عددٌ لا بأس به، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق؟ الجواب على كل حال هو مقصر لكونه لا ينهى عن المنكر، لكن أحياناً يكون هذا المنكر شائعاً، بمعنى: أن كل الذين حوله يشربون الدخان، هل يقف عند كل شخص؟ هذا فيه أولاً شيء من الغضاضة عليه، وفيه شيء من أنهم ربما يسخرون به ويجتمعون عليه ويردون قوله، وفيه أيضاً أنه يفوت مصالح، لكن عليه أنه إذا وجد شخصاً في السوق يمسكه ويقول: يا أخي! هذا لا يجوز، لكن أحياناً إذا رآك الذي يشرب الدخان عرف أنه وقع في منكر واحترمك وأخفاه، هل نقول: هذا يكفي عن نصيحتك إياه؟ ربما نقول: يكفي؛ لأن الرجل عرف أنك تنكر هذا الشيء، ولهذا استحيا منك وأخفاه، وقد يقال: إنه الآن حانت الفرصة إلى أن توجهه وتقول: يا أخي! إذا كنت الآن تستحيي مني فحياؤك من الله أولى، الله أحق أن يستحيا منه، ويكون هذا فرصة لك لتدعوه. والمهم أن الواجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقدر ما استطاع: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 176 ¦ الصفحة: 28 حكم وضع الألوان على القبور لمعرفتها عند الزيارة السؤال يا شيخ الآن بعض الناس يعمد عند القبور إلى وضع بعض الألوان عند النصائب، وبعض العلامات كقطعة حديد أو خشب حتى يميز قبر أبيه عن غيره للزيارة مثلاً، فما حكم ذلك يا شيخ؟ الجواب لا بأس به أن يضع علامة، لكن الطلاء والجص أرى أنه لا يستعملها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر، ويكتفي بعلامة إما أن يجعل الوسم وسم القبيلة على هذا، أو يجعل كما قلت: عصا أو حديدة أو ما أشبه ذلك. السائل: والعصا؟ الشيخ: والله أخشى أن تكون من جنس التجصيص أو أشد، لا سيما العصا الكبيرة؛ لأن بعض الناس يضع كل نصيبة خضراء أو حمراء. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 29 حكم صلاة الضحى في السيارة السائل: هل يجوز أن أصلي الضحى في السيارة وأنا مسافر؟ الشيخ: يجوز في السيارة، لكن السائق يخشى أن يشتغل إما بالسواقة أو بالصلاة. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 30 زوجة الأب هل هي عمة؟ السؤال أبي متزوج امرأة طلقها بعد أن أتت منه ببنت وهي أكبر مني، فهل تكون أم أختي عمتي؟ الجواب ليست عمتك، الحقيقة أن عمتك هي أخت أبيك، لكنها تكشف لك حتى لو طلقها أبوك. والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 176 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [177] الحج ركن من أركان الإسلام، لكنه لا يجب إلا بشروط خمسة وردت في مستهل هذه المادة. وبعدها ورد بيان مفصل لكيفية أداء المناسك. وفي فقرة الأسئلة فتاوى هامة متعلقة بموضوع الحج، وغيره من المواضيع الشرعية الهامة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 1 شروط وجوب الحج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس السابع والسبعون بعد المائة من دروس (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) . نعدل عما كنا نعتاده من تقديم تفسير الآيات إلى ما يحتاج الناس اليوم فيما يتعلق بالمناسك. فنقول: الحج إلى بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) . وأجمع المسلمون على فرضيته، فهو ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، فرضه الله تعالى على عباده في السنة التاسعة من الهجرة، وقيل: في العاشرة، وإنما تأخر فرضه -والله أعلم- لأن مكة كانت قبل ذلك -أي: قبل السنة التاسعة- كانت تحت سيطرة المشركين، والمشركون يدخلون من شاءوا ويردون من شاءوا، ولهذا منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من إتمام العمرة في غزوة الحديبية، فلم يوجب الله الحج إلا بعد أن خلصت للمسلمين بعد الفتح، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؛ لأن الوفود من العرب تكاثروا في هذه السنة بعد فتح مكة، يفدون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتعلم أمور دينهم، فكان بقاؤه هناك -أي: في المدينة - أيسر لكثيرٍ من العرب، وأفرغ له عليه الصلاة والسلام، ولأن المشركين في السنة التاسعة شاركوا المسلمين في الحج، فاختار الله سبحانه وتعالى أن تكون حجة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة الخالصة للمسلمين. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 2 البلوغ الحج لا يجب إلا بشروط: البلوغ: وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج نفعه، وصار لوليه أجر، ولو شرع فيه -أي: في الحج- وهو صغير ثم تحلل بدون عذرٍ يبيح التحلل للبالغ، فالصحيح: أنه لا شيء عليه؛ لأنه ليس من أهل الوجوب، فإنه قد رفع عنه القلم، فلو أحرم الصبي ثم وجد المضايقة وتحلل، وقال: إنه لا يريد أن يتمم فله ذلك. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 3 العقل العقل: فالمجنون لا حج عليه، ولا يصح منه؛ لأنه لا قصد له، ولا يصح أن ينوي وليه عنه؛ لأن ذلك لم يرد، والأصل في العبادات الحظر حتى يقوم دليل على مشروعيتها، ولكن كيف يتصور هذا أن يكون من أهل الوجوب وهو مجنون؟ بمعنى: كيف يجب عليه الحج في جنونٍ؟ نقول: هذا يمكن بأن يكون هذا المجنون بالغاً ثم يحصل له مال من إرثٍ أو غيره فيكون بذلك قادراً على أن يأتي بالحج، لكن جنونه يمنع وجوبه عليه، فلا يجب عليه، حتى لو مات وهو على جنونه وخلف مالاً كثيراً فإنه لا يجب الحج له منه، لأنه لم يجب عليه أصلاً. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 4 مكانة الصيام من ديننا وفرضيته الإسلام: وضده الكفر، والإسلام شرطٌ لجميع العبادات، ومعنى اشتراط الإسلام: أنه لا يجب على الكافر، ولو حج لم يصح منه؛ لأن من شروط صحة العبادات: الإسلام، ومعنى قولنا: إنه لا يجب على الكافر، أنه لو أسلم بعد أن كان غنياً في حال الكفر ثم افتقر وأسلم بعد ذلك فإنه لا يلزمه الحج؛ لأنه حين استطاعته لم يكن من أهل الوجوب -لم يكن مسلماً- فلا يلزمه الحج، إلا أنه يعاقب عليه في يوم القيامة؛ لأن الكافر على القول الراجح مخاطب بفروع الإسلام، بمعنى: أنه يأثم بتضييعها ولكنه لا يلزم بقضائها لو وجبت في حال كفره؛ لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] . الجزء: 177 ¦ الصفحة: 5 الحرية الحرية: وضدها الرق، فالرقيق ليس عليه حج؛ لأنه لا مال له، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً له مالٌ فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع) أي: المشتري، وهذا يدل على أن العبد ليس له مال، وإنما ماله لسيده، وحينئذٍ لا يكون مستطيعاً. فإن قال قائل: لو أن سيده أعطاه مالاً وقال: خذ هذا حج به فهل يلزمه؟ ف الجواب ظاهر كلام العلماء أنه لا يلزمه؛ لأنه لا يكون مستطيعاً ببذل غيره له. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 6 الاستطاعة الاستطاعة: بأن يكون الإنسان قادراً بماله وبدنه على أداء الحج، فإن كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه لزمه الحج؛ لأنه يستطيع أن يأتي به، كرجل يستطيع أن يمشي إلى مكة وإلى المشاعر مثل أن يكون قريباً من مكة فيلزمه الحج؛ لدخوله في قوله تعالى: ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) [آل عمران:97] . وإن كان عاجزاً ببدنه قادراً بماله لزمه أن ينيب من يحج عنه؛ لأن هذا قادرٌ بماله فيلزمه أن يقيم من يحج عنه. أما أن يكون عاجزاً بماله وبدنه فلا حج عليه، حتى لو مات لا يلزم القضاء عنه، كرجل فقير عاجز لا يستطيع أن يحج بنفسه فهذا لا حج عليه، فلو مات لم يجب قضاؤه؛ لأنه لم يجب عليه أصلاً. فإن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه عجزاً طارئاً يرجى زواله فلينتظر حتى يزول المانع ثم يحج، كالصيام إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه أطعم، وإن كان مريضاً مرضاً يرجى برؤه انتظر حتى يشفى. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 7 وجوب الحج على الفور إذا تمت الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يسعى إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأن الأصل في الأوامر المبادرة في تنفيذها، إلا إذا وقت الوقت أو علقت بسبب فإنه ينتظر حتى يأتي الوقت ويوجد السبب، وإلا فالأصل المبادرة، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أمر الصحابة أن يحلوا في الحديبية وتأخروا بعض الشيء غضب عليه الصلاة والسلام وهذا يدل على الفورية في الأوامر، ولأنه جاء في الحديث: (من أراد الحج فليتعجل) ، وفي آخره: (فإنه قد تضيع النفقة أو تهلك الراحلة) أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالإنسان لا يدري ما يعرض له، ربما تتوفر له الشروط في هذا العام ولا تتوفر في الأعوام المقبلة، وربما يموت قبل أن يدرك العام المقبل فيبقى الحج في ذمته ديناً قد يبادر الورثة بقضائه وقد يتأخرون. هذه شروط وجوب الحج، فإذا لم تتم هذه الشروط فلا حرج كما ذكرنا. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 8 صفة المناسك كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم اعلم أن الحج ينبغي للإنسان أن يأتي به على حسب ما فعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] ، ولقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] ، ولأن من شرط صحة العبادة الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لتأخذوا عني مناسككم) . الجزء: 177 ¦ الصفحة: 9 أحكام الإحرام فلنبدأ الآن بذكر الصفة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التمتع، أن يأتي بالعمرة أولاً ثم بالحج ثانياً، فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتجرد من الثياب المعروفة ليلبس ثياباً خاصة بالإحرام وهي الإزار والرداء، ويتطيب بعد الاغتسال بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يضره بقاء الطيب بعد الإحرام؛ لأن هذا الطيب سابق على الإحرام، وقالت عائشة رضي الله عنها: (لقد كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم) ، ثم يلبي، فإن كان وقت الفريضة قريباً فليجعل التلبية بعد الفريضة، وإن لم يكن قريباً فقال بعض العلماء: إنه يسن أن يصلي ركعتين من أجل الإحرام؛ ففي الحديث: (صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة وحجة أو عمرة في حجة) والشاهد قوله: (صلِّ في هذا الوادي المبارك) . وقال بعض أهل العلم: إنه ليس للإحرام صلاة خاصة، وإنما يحرم الإنسان بمجرد أن ينتهي من الاغتسال والتطيب ولباس ثياب الإحرام بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مشروعة، مثل: أن يكون في الضحى فيصلي صلاة الضحى ويحرم عقبها، أو يريد أن يصلي ركعتين سنة الوضوء فيحرم عقبها، وهذا الذي هو الصواب إذا كان من عادته أن يفعله -يعني: من عادته أن يصلي صلاة الضحى من عادته أن يصلي إذا توضأ- أما إذا صلى وليس من عادته ذلك فمعروف أنه إنما أراد الصلاة في الإحرام، الإنسان الذي يصلي لا ينكر عليه، والذي لا يصلي لا ينكر عليه. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 10 عقد النية والشروع في النسك أهم شيء هو أن تعقد النية على أنك دخلت في النسك فتقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وتنوي الدخول في النسك، وتسمي نسكك، وماذا نسمي الآن؟ نسمي العمرة، نقول: لبيك اللهم عمرة، ولا حاجة أن تقول: متمتعاً بغير الحج، ولا تزال تلبي إلى أن تصل إلى المسجد الحرام وتشرع في الطواف، فإذا وصلت إلى المسجد الحرام فادخل المسجد الحرام كما تدخل المساجد الأخرى، تقدم اليمنى وتقول الذكر المشروع، ثم تعمد إلى الحجر الأسود لتستلمه وتقبله إن تيسر، وإلا فتشير إليه إشارة، وتقول عند الابتداء: (باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم) . وتجعل الكعبة عن يسارك لتطوف طواف العمرة سبعة أشواط. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 11 سنتا الرمل والاضطباع ومعناهما في هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع، ويضطبع في جميع الطواف، فالرمل: الإسراع في المشي بدون أن تبسط الخطوة، وهذا هو معنى قولهم: الإسراع مع مقاربة الخطا أي: أنك لا تمد الخطوة، خطوة عادية لكن بإسراع، ولا يسن أن يهز كتفيه كما نشاهد عند بعض العامة تجده يمشي رويداً رويداً ولكن يهز الكتفين وهذا لا أصل له، هذا ينبغي أن يقال: إنه بدعة؛ لأن الذين يفعلونه يتعبدون لله بذلك وهو لم يشرع. إذاً: يسن سنتان: الأولى: الرمل. والثانية: الاضطباع. أما الرمل ففي الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والاضطباع في جميع الطواف، وكيفيته: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر حتى ينتهي من الطواف. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 12 الذكر في الطواف والاستلام والتقبيل يقول في طوافه ما شاء من ذكر وقراءة ودعاء، إلا أنه بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] ولا يزيد على ذلك، وأما زيادة بعضهم: وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار، فهذه لا أصل لها. ولكن إذا كان المطاف زحاماً فستكون المسافة ما بين محاذاة الركن اليماني والحجر الأسود طويلة، وسيكون المشي قليلاً، فماذا يفعل إذا قالها مرة؟ الجواب أنه يكررها، ويلح على الله عز وجل بها، ولكن لو دعا بغيرها معها فلا بأس إذا كان لهذه الحاجة؛ لأنه فرغ من الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود، فنقول: إذا كررها فهو أفضل، وإذا دعا بشيءٍ آخر فلا بأس، كلما حاذى الحجر الأسود كبر واستلمه وقبله، ومع المشقة تكفي الإشارة. أما الركن اليماني فالسنة استلامه بدون تقبيل، وإذا لم يتمكن فإنه لا يشير إليه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح قياسه على الحجر الأسود؛ لأن القياس في العبادات ممنوع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: أن استلام الحجر الأسود أوكد، ولذلك يشرع فيه التقبيل، ولا يشرع التقبيل في الركن اليماني، فإذا اختلفا فإنه لا يمكن قياس أحدهما على الآخر، وحينئذٍ نقول: إذا حاذيت الركن اليماني ولم تتمكن من استلامه فلا إشارة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 13 الصلاة في مقام إبراهيم فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] يذكر نفسه بهذه الآية حتى يشعر نفسه أنه إنما تقدم لمقام إبراهيم امتثالاً لأمر الله عز وجل، ويصلي خلف المقام ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] ، وفي الثانية بعدها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] ثم ينصرف من حين أن ينتهي من الركعتين ولا يجلس للدعاء؛ لأن هذا ليس مكاناً للدعاء إنما هو للصلاة ويخفف؛ لأن هذا هو السنة، ولأجل أن يخلي المكان لمن أراد أن يصلي فيه. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 14 صفة السعي وما يجوز فعله بعد انتهائه ثم يخرج من المسجد الحرام متجهاً إلى الصفا، ويتبع الأيسر في اتجاهه إلى الصفا، فمثلاً: إذا كان هناك زحام أو أناس يصلون بينه وبين جهة الصفا فليهرع من مكان آخر؛ لأن المقصود أن يصل إلى الصفا، ثم إذا أقبل إلى الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به. وقبل أن يصعد على الصفا ليشعر نفسه أنه إنما أتى إلى هذا لكون ذلك من شعائر الله، فيبدأ بـ الصفا ويرقى عليه حتى يرى الكعبة ويتجه إليها ويرفع يديه للدعاء، ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ويكبر، ثم يدعو بما شاء، ثم يعيد الذكرى مرة ثانية ويدعو، ثم يعود الذكرى مرة ثالثة ولا يدعو بعده بل ينحدر متجهاً إلى المروة، يمشي على عادته إلى أن يصل إلى محل السعي -يعني: الركض: وهو ما بين العلمين الأخضرين- فيسعى سعياً شديداً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه سعى في هذا المكان سعياً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي، ثم يمشي بعد العلم الثاني مشياً عادياً إلى أن يصل إلى المروة، فيصعد عليها ويتجه إلى القبلة ويرفع يديه ويقول مثلما قال على الصفا، ثم ينحدر منها متجهاً إلى الصفا، يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، إلى أن يتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، في السعي يقول ما شاء من ذكر أو قراءة قرآن؛ لأنه إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله، فإذا أتم سبعة أشواط فقد انتهى السعي، فيقصر رأسه ويعم جميعه تعبداً لله عز وجل ولا يحلق لأجل أن يبقى الشعر للحج، وبذلك انتهت العمرة وحل من جميع محظورات الإحرام، فيحل له كل شيء يحل للمحل من إتيان النساء إذا كانت زوجته معه، والطيب واللباس وغير ذلك إلا الصيد فإنه لا يحل له ما دام داخل الحرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: (لا ينفر صيدها) . وبناءً على ذلك: ننبه إلى أن الجراد الذي يكون حول الحرم يحترم ولا يجوز صيده ولا قتله، بل ولا تنفيره، إن نفر بمسيرك حوله فليس عليك شيء لكن تتعمد أن تذهب إلى هذه الجرادة لتنفرها، إن فعلت ذلك فقد عصيت أمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا ينفر صيدها) والجراد من الصيد. وبهذا انتهت العمرة، ويأتي إن شاء الله ذكر الحج. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 15 الأسئلة الجزء: 177 ¦ الصفحة: 16 عدم توريث أولاد الأخ من الأم السؤال لي عم أخو الوالد من أمه وتوفي العم وله بنات وليس له أولاد، فهل لأولاد أخيه من أمه إرث في الحلال هذا؟ الجواب أولاد الأخ من الأم لا يرثون، لكن إذا كان له بنو عم ولو كانوا بعيدين ورثوا ما بقي من فضل البنات، فإن لم يوجد عصبات رد على البنات وصار جميع المال للبنات. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 17 حكم أكل صاحب الذبيحة النذر منها السؤال أحد الإخوان نذر أن لو نجح أن يذبح ذبيحة، فهل له أن يأكل من ذبيحته؟ الجواب حسب النية إذا كانت نيته بهذه الذبيحة شكراً لله عز وجل على إنجاحه فإنه لا يأكل منها بل يتصدق بها جميعها، وإذا كانت نيته الفرح وإظهار السرور فليدعُ إليها من شاء وليأكل منها معهم. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 18 حكم حج القادر ببدنه العاجز بماله السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان الإنسان قادراً ببدنه عاجزاً بماله، فهل يجب عليه الحج؟ الشيخ: نعم ما ذكرنا أنه يذهب من القصيم إلى مكة، قادراً بالبدن، إذا كان مثلاً من أهل جدة قادر أن يمشي من جدة إلى مكة، أو من أهل مكة أنفسهم وقادراً على أن يخرج إلى المشاعر يجب عليه؛ لأن الله قال: ((مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) [آل عمران:97] . الجزء: 177 ¦ الصفحة: 19 تفضيل الوظيفة الدعوية على الوظيفة الإدارية السؤال رجل تخرج من جامعة شرعية قريباً وهو مبتدئ في طلب العلم وما زال في البداية، خير بين وظيفة داعية وبين وظيفة مدير الأوقاف والمساجد في بلده علماً بأن الأخيرة سوف تشغله كثيراً عن طلب العلم والدعوة بعكس الأولى فهي تفرغه للدعوة وطلب العلم، فأيهما أنفع له وأيهما يختار؟ الجواب الظاهر أن كونه داعية أحسن إلا إذا كان جهاز إدارة الأوقاف خراباً، فكونه يتولى الإدارة ويصلح، الوقف أحسن؛ لأن هذا مصلحته عامة. السائل: قد يتأثر طلب العلم من الشكاوي والمشكلات. الشيخ: نعم يتأثر لكن إذا كان الجهاز خراباً تعين عليه أن يدخل فيه من أجل أن يصلحه، في بعض الإدارات يكون المدير ومن تحته كلهم لا يقومون بالواجب فحينئذٍ يتعين عليه إذا لم يوجد غيره. وعلى كل حال: نقدم الدعوة وطلب العلم إلا للضرورة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 20 سِنُّ ارتداء الحجاب السؤال البنت الصغيرة متى تبدأ ترتدي الحجاب؟ الجواب الغالب إذا بلغت تسع سنين تحتجب أما قبل ذلك فقد لا تكون ممن يتعلق بها الرغبة، وقد تكون مما يتعلق بها الرغبة حسب نمو البنت، ربما تكون لها عشر سنين ونقول: لا تحتجب؛ لأنها صغيرة ولا تتعلق بها الرغبة، فمتى صارت البنت محلاً للرغبة والنظر إليها وجب عليها أن تحتجب، لكن في الغالب تسع سنين. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 21 حكم قراءة الحائض للقرآن السؤال ما القول الصحيح في قراءة الحائض القرآن من دون مس؟ الجواب الراجح منه بأنها تقرؤه عند الحاجة، مثل: الأوراق، أو التدريس، أو الدراسة، وأما للتعبد فلا؛ لأن العلماء مختلفون في هذا، وإذا قرأت فمن العلماء من يقول: هي آثمة، ومنهم من يقول: هي مثابة، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح. السائل: إذا كانت تتعلم؟ الشيخ: لا بأس لأن هذا حاجة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 22 حكم الذبيحة لتذكر الميت في رمضان السؤال عندنا في بلدتنا عادة في رمضان وهي ذبيحة تسمى بالذكيرة؛ يذبحها أهل الميت تذكراً لميتهم وخاصةً في رمضان، فيدعوننا، ما حكمها وهل نأتيهم؟ الجواب الذبيحة للأموات في رمضان مبتدعة؛ لأنه لا يتقرب إلى الله تعالى بالذبح في زمنٍ معين إلا في عيد الأضحى، وإذا دعوك لمثل هذه فلا تجب، لكن ننصحهم أولاً، متى علمت أنهم سيفعلونها انصحهم قبل أن يفعلوا، فإن أبوا إلا أن يفعلوا فلا تجب. السائل: وقت رمضان شهر مبارك الشيخ: نعم وقت مبارك يتصدقون به، لكن لا يتقربون بالنسك الذي هو الذبح، التقرب بالنسك هذا عبادة، إن ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أخذنا به وإلا فلا. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 23 حكم الدم النازل من الفتاة قبل بلوغها التاسعة السؤال الدم إذا خرج من البنت قبل سن التاسعة فهل يعتبر حيضاً؟ الجواب الظاهر أنه إذا كان نقطاً لا يسيل فإنه ليس بحيض -لا سيما مع الصغر- أما إذا كان يسيل فهو حيض ولو كان لها ثماني سنوات. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 24 حكم صلاة الجماعة للمسافر السؤال هل صلاة الجماعة للمسافر واجبة؟ الجواب صلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر، على المستوطن والمقيم، لعموم الأدلة. ولكن إذا كان هذا الرجل لو ذهب يصلي مع الجماعة فاتت حوائجه وربما يتضرر فهو هنا معذور فله العذر، فلا يقال: إنها لم تجب عليه، بل يقال: وجبت ولكن سقطت للعذر. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 25 الأمور المعينة على طلب العلم السؤال ما هي الأمور المعينة على طلب العلم؟ الجواب أهم شيء يعين على طلب العلم النية الخالصة، أن ينوي الإنسان بطلب العلم حفظ شريعة الله عز وجل، والانتفاع بها بالعمل، ونشرها بين الناس، ودعوة الناس إليها، فإذا تصور الإنسان هذه العبادات العظيمة وما يترتب عليها من الثواب فهذا مما يعين على طلب العلم. كذلك مما يعين على طلب العلم: أن ييسر الله للطالب زملاء يساعدونه ويعينونه، وييسر الله للجميع معلماً يوضح ويبين؛ فإن التبيين والتوضيح مما ينشط طالب العلم. ومما يعين على طلب العلم: الفراغ، ألا يكون الإنسان عنده مشاكل اجتماعية أو مشاكل في أهله، وأن يكون عنده ما يقوته، هذا من الأسباب، وربما يكون هناك أسباب أخرى لكن هذه من الأسباب. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 26 حكم من أخذ مالاً ليحج عن ابنته المتوفاه ومات قبل الحج السؤال فضيلة الشيخ! شخصٌ زوج ابنته شخصاً واشترط عليه: أن يحج بها، وبعد ذلك توفيت هذه البنت وزوجها لم يحج بها، فأخذ الأب مالاً من الزوج ليحج عنها، وبعد فترة توفي الأب ولم يحج الأب كذلك، فالآن ابنه يسأل: هل أحج عن أبي حتى أبرئ ذمته أم ماذا؟ الجواب يحج عن أبيه ويكون هذا واجباً في تركة أبيه ودين على أبيه، فإن تبرأ الابن وحج من نفسه ووفر المال للورثة فلا بأس. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 27 وجوب متابعة الإمام السؤال في صلاة التراويح إذا قام الإمام للوتر آخر ركعة بعض الناس ينوي أن يصليها شفعاً ليوتر آخر الليل، فهل يجلس مع الإمام للتشهد؟ الجواب لا، الأفضل أن يتابع الإمام وإذا سلم الإمام أتى بركعة؛ لأنه لو سلم قبل أن يسلم الإمام لكان انصرف قبل أن ينصرف الإمام فيحرم قيام أجر ليلة، وإن أوتر الإمام بواحدة، فينتظر حتى يسلم الإمام منها، ثم يقوم ويأتي بركعة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 28 حكم المبتدعة الذين يظنون أنهم على حق السؤال الإنسان لا يكفر كفراً مخرجاً من الملة إذا لم يقصد ما فعله أو قاله، أو كان جاهلاً لم يدر، قصر لكن مع المخالفة، على هذه القاعدة تمر على كثيرٍ من المبتدعة يدافعون عن بدعتهم لكونهم يعتقدون أن هذه البدعة هي الحق، فهل يؤجرون على بدعتهم هذه إذا اعتقدوها حقاً؟ الجواب هؤلاء إذا بين لهم الحق وأصروا على بدعتهم فهم ضلال ولا يؤجرون بل يأثمون؛ لأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أما إذا كانوا يظنون أن هذا هو الحق فهم يثابون على نيتهم ولكن لا يثابون على عملهم؛ لأنه غير مشروع. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 29 حكم تقبيل اليد السؤال ما حكم تقبيل اليد خاصة: ولد لوالده، أو تلميذ لشيخه؟ الجواب تقبيل اليد احتراماً لمن هو أهل للاحترام كالأب والشيخ الكبير والمعلم لا بأس به، إلا إذا خيف من الضرر: وهو أن الذي قبلت يده يعجب بنفسه ويرى أنه في مقامٍ عالٍ، فهنا نمنعها لأجل هذه المفسدة. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 30 ذنب من أخر الحج حتى افتقر السؤال شخصٌ مستطيع بماله وجسده لكنه فرط حتى افتقر وصار غير مستطيع ثم ندم ندماً شديداً، والآن يسأل: ماذا عليه؟ الجواب عليه أن يحج إذا قدر، والحج الآن ثابت في ذمته فيعاقب على تأخيره. وإذا لم يقدر، فقد قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، لكنه سيعاقب على التأخير ولو ندم وتاب، هذا الذي يظهر، لكن إذا ندم وتاب فنرجو الله أن يعفو عنه. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 31 جواز لبس التبان للضرورة السؤال بالنسبة للمحرم هو من تجرد من لباسه ثم إذا هو لم يلبس التبان قد يلحقه ضرر، هل يجوز له استعمال التبان؟ الجواب يتأكد هذا إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه، ولكن إن حصل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 32 حكم القنوت في صلاة الفجر لتأليف القلوب السؤال نحن في بلدة أهلها على المذهب الشافعي، ويرون مشروعية القنوت في صلاة الصبح، وأحياناً قد يقدمون بعض الشباب ممن لا يرى مشروعيته، أو يعينه إماماً للمسجد، وإذا ترك القنوت تحصل مفسدة وهي أنهم لا يصلون وراءه، أو تحصل هناك خصومة وخلاف، فهل يجوز لمن يؤمهم أن يقنت بهم وإن كان ممن لا يرى مشروعية ذلك درءاً للمفسدةً وتأليفاً للقلوب، لا سيما إذا كان هذا الإمام يسعى في نشر التوحيد والسنة وهم يتقبلون منه إذا وافقهم في قنوت الصبح، وإذا خالفهم قالوا: هذا حنبلي ولا يقبلون منه شيئاً من العلم، أفتونا مأجورين؟ الجواب لا بأس أن يفعل هذا تأليفاً للقلوب، لكن يتدرج بهم بمعنى: أنه يلقي عليهم الدروس التي تبين أن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يطمئنوا ويقبلوا. يقنت للتأليف، لكن -كما قلت لك- يمهد لكونه بدعة، ولا يأتيهم بذلك مباشرة، يلقي دروساً حول هذا الموضوع حتى يتبين لهم ويقول: لست على مذهب فلان ولا فلان، هذه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قنت شهراً يدعو على قوم وتركه، وقنت يدعو لقوم آخرين حتى نجاهم الله وترك القنوت. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 177 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [178] بين الشيخ في هذا اللقاء أعمال اليوم الثامن وما بعده من أيام الحج مفصلاً ذلك ومبيناً كيفية الإحرام والصلاة ومناطق النزول، مشيراً إلى مسائل هامة تتمثل فيما يلي: حكم من أحرم بالحج من غير منزله. حكم تأخير الإحرام إلى صباح يوم عرفة. حكم تأخير الصلاة لمن تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة. حكم الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس ومن رمى الجمرة حين وصوله. حكم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة. حكم من طاف للوداع قبل رمي آخر يوم. وأخيراً: حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وأحوال ذلك. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 1 أعمال أيام الحج الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والسبعون بعد المائة من اللقاءات المعبر عنها بـ: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1418هـ) وبه نختتم لقاءاتنا إلى أن نرجع إن شاء الله من الحج. في اللقاء الذي سبق هذا تكلمنا عن شروط الحج وعن صفة العمرة والآن نكمل بقية النسك. فنقول: في اليوم الثامن يحرم المسلمون الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج من منازلهم سواء كانوا في مكة أو في منى أو خارج منى، يحرمون بالحج ويفعلون عند الإحرام كما فعلوا في العمرة، ويقولون: لبيك اللهم حجاً، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويصلون في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصر في منى ولا يجمع، والحكمة من ذلك: أن القصر مشروعٌ في السفر مطلقاً والجمع مشروعٌ للمشقة فقط سواء كان في سفر أو حضر، ولذلك يجمع المريض ويجمع الناس في المطر وفي الرياح الشديدة الباردة وما أشبه ذلك، فليكن على بالك أن القصر من مشروعات السفر مطلقاً، وأن الجمع سببه المشقة سواء في السفر أو في الحضر، ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقيماً في منى في حجة الوداع لم يكن يجمع. فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع سار إلى عرفة، فإن نزل بـ نمرة وهي موضعٌ قرب عرفة نزلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى زالت الشمس، فإذا زالت الشمس ركب إلى عرفة، وفي عصرنا هذا النزول في نمرة متعسر، فلا حرج أن يذهب الإنسان من منى إلى عرفة دون أن ينزل بـ نمرة، وينزل هناك بـ عرفة، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما زالت الشمس في نمرة أمر بناقته فرحلت له، ثم أتى بطن الوادي -بطن عُرنة - فنزل هناك وخطب خطبة عظيمة بليغة تناولها العلماء بالشرح واستنباط الفوائد منها، ثم أذن -يعني: أمر أن يؤذن- فصلى الظهر، ثم صلى العصر قصراً وجمعاً، ثم ركب عليه الصلاة والسلام حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه، وهو آخر عرفة من الناحية الشرقية، والحكمة في ذلك والله أعلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يكون في أخريات القوم ليكون متفقداً لأحوالهم ومن احتاج منهم أعانه، فلهذا لم ينزل في أول عرفة مما يلي مكة بل في آخر عرفة مما يلي المشرق، نزل هناك، وقال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وكأنه عليه الصلاة والسلام يقول للناس: ابقوا على مواقفكم فإن عرفة كلها موقف، فيقف الإنسان في مكانه في عرفة ولا يشق على نفسه بتعمد الذهاب إلى الجبل -جبل عرفة - لما في ذلك من المشقة الشديدة في عصرنا هذا، وربما ضاع عن قومه وتعب تعباً عظيماً، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى الناس إن يبقوا في مواقفهم فهذا من نعمة الله: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) فيقف وليس من شرط ذلك أن يكون قائماً على قدميه، ولكن يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن وما أشبه ذلك إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس ركب متجهاً إلى مزدلفة، حتى يصل إلى مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، والتي تقصر هي العشاء كما هو معلوم، ثم يبقى هناك إلى أن يطلع الفجر، فإذا تبين الفجر صلى الفجر، وهنا يصلي راتبة الفجر ثم الفجر؛ لأن راتبة الفجر مشروعة في السفر والحضر، فإذا صلى وسبح التسبيح المشروع بعد الصلاة تفرغ للدعاء والذكر والاستغفار إلى أن يسفر جداً، فإذا أسفر جداً انصرف من مزدلفة إلى منى قبل أن تطلع الشمس، فإذا وصل إلى منى فأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، حتى يتم السبع، وليكن رميه للجمرات قبل أن يحط رحله إن أمكن وإلا فمتيسر والحمد لله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم العيد قبل أن يحط رحله، رماها وهو على بعيره بسبع حصيات، ثم ينصرف إلى المنحر -أي: إلى مكان النحر- فيذبح الهدي الشاة عن الواحد، والبقرة والبدنة عن السبعة، ثم يحلق رأسه والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا للمحلقين، فقال: (اللهم ارحم المحلقين أو قال: اغفر للمحلقين ثلاث مرات، قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين) وبذلك يحل التحلل الأول، ولا يبقى عليه من محظورات الإحرام إلا النساء فقط، فيلبس الثياب ويتطيب وينزل إلى مكة ويطوف ويسعى وهذا الطواف هو طواف الحج ويسمى طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة للحج أيضاً، ثم يرجع إلى منى ويصلي بها الظهر قصراً بلا جمع ويبقى فيها إلى اليوم الثاني الذي هو الحادي عشر، فإذا زالت الشمس رمى الجمرات الثلاث كل واحدةٍ بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الجمرة الأولى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلا، وكذلك إذا رمى الثانية، أما إذا رمى الثالثة وهي جمرة العقبة فلا يقف بعدها، لا يوم العيد ولا غير يوم العيد، ويبقى نازلاً في منى ليلاً ونهاراً، فإذا كان اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال، وبذلك انتهى الحج لمن أراد أن يتعجل. ومن أراد أن يتأخر فليبق إلى اليوم الثالث عشر، ويرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر كما رماها في اليومين السابقين، وبذلك انتهى الحج لكل أحد. فإذا أراد السفر من مكة إلى أهله وجب عليه أن يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ولا يجب طواف الوداع على المرأة الحائض ولا على النفساء، وبذلك انتهى الحج. وليس من شرط الحج ولا من مكملات الحج أن يذهب إلى المدينة؛ لأن الذهاب إلى المدينة سنة مستقلة لا علاقة لها بالحج، فإن شاء ذهب إلى المدينة للمسجد النبوي، وإن شاء أخره إلى وقتٍ آخر. والمهم أنه يجب أن نفهم أنه لا ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي، كلٌ منهما منفردٌ عن الآخر، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونهما في موطنٍ واحد في كتب الفقه؛ لأنه في ذلك الوقت يصعب أن يشد الرحل استقلالاً للمسجد النبوي لبعد الديار وخطر الأسفار والمشقة الشديدة، فكانوا يجعلون زيارة المسجد النبوي تابعاً للحج وإلا فلا علاقة. بهذا انهى الحج وهنا مسائل: الجزء: 178 ¦ الصفحة: 2 مسائل متفرقة في الحج الجزء: 178 ¦ الصفحة: 3 حكم من أحرم بالحج في اليوم الثامن من غير منزله مسألة: لو أحرم الإنسان بالحج في اليوم الثامن من غير منزله فلا بأس، لكن من المنزل هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم، وبه نعرف أن ما ذكره بعض الفقهاء من أنه يحرم من المسجد الحرام للحج في اليوم الثامن ليس بصحيح، بل هو إلى البدعة أقرب منه إلى السنة، وزاد بعضهم: يحرم من تحت الميزاب -ميزاب الكعبة يعني في الحجر- وهذا أضعف وأضعف؛ لأنه لا دليل على هذا، وتصوروا الآن لو قيل للناس: أحرموا من المسجد الحرام، اجعلهم ثمانمائة ألف، ماذا يكون؟ لا يمكن. على كل حال: يحرم الإنسان من مكانه أو من أي مكانٍ شاء، لكن يكون الإحرام ضحى اليوم الثامن. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 4 حكم تأخير الإحرام إلى صباح يوم عرفة مسألة: لو أخر الإحرام ولم يحرم إلا صباح يوم عرفة واتجه إلى عرفة رأساً، فهذا جائز، لكن الإنسان حرم نفسه هذه الساعات التي مضت عليه دون أن يتلبس بالعبادة، وبعض الناس محروم مسكين، تجده في منى نازلاً وليس له شغل، لكن يقول: سأحرم يوم عرفة، وهذا من تخذيل الشيطان، أحرم في اليوم الثامن يبقى نحو أربعة وعشرين ساعة تغتنمها عبادة لله عز وجل، فتحرم نفسك منها، هذا من الخطأ، لكن لو فعل الإنسان ولم يحرم إلا يوم عرفة وذهب مباشرة إلى عرفة فالحج صحيح وليس عليه شيء، ودليله حديث عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح في مزدلفة، وأخبره أنه أتى من بعيد من جبل طي، وأنه أتعب نفسه وأكلَّ راحلته وما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بـ عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه وقضى تفته) . الجزء: 178 ¦ الصفحة: 5 حكم تأخير الصلاة لمن تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة مسألة: لو تأخر وصوله من عرفة إلى مزدلفة، فهل يؤخر الصلاة إلى مزدلفة ولو خرج الوقت يعني: ولو انتصف الليل؟ الجواب لا يجوز، إذا خفت أن يخرج وقت العشاء وأنت قادم من عرفة إلى مزدلفة فصلِّ، انزل من السيارة وصلَّ بعيداً عن خطوط السيارات، ولا تدع الصلاة حتى يخرج وقتها؛ لأن إخراج الصلاة عن وقتها بلا عذر من كبائر الذنوب، وهي مردودة على صاحبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . الجزء: 178 ¦ الصفحة: 6 حكم الدفع من مزدلفة قبل الفجر أو قبل طلوع الشمس مسألة: لو دفع الإنسان من مزدلفة قبل الفجر أو قبل أن تطلع الشمس، فهل يجوز؟ الجواب رخص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وللضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بليل -أي: قبل الفجر- لئلا يتأذوا بالزحام، هذه هي العلة المعقولة، فإذا كانت هذه هي العلة ففي وقتنا هذا يمكن أن نرخص لكل أحد أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل؛ لأن مشقة الزحام -إذا دفع بعد أن يصلي الفجر- حاصلة لكل أحد، حتى أشد الناس وأجلد الناس وأقوى الناس سيتكلف، وعلى هذا فلا أرى مانعاً من أن يدفع الناس -أقوياء كانوا أو ضعفاء- في وقتنا الحاضر في آخر الليل، وكنا نختار وإلى الآن نختار: أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة إلا بعد صلاة الفجر إلا للضعفاء، لكن في عصرنا الآن كل الناس ضعفاء في الواقع، كل الناس يتأثرون بالزحام ويخافون على أنفسهم. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 7 متى يرمي جمرة العقبة إذا دفع قبل الفجر من مزدلفة مسألة: لو دفع قبل الفجر من مزدلفة إلى منى، فهل يرمي جمرة العقبة حين وصوله ولو قبل الفجر، أو ينتظر حتى تطلع الشمس؟ الجواب يرميها متى وصل إليها؛ لأن رمي جمرة العقبة بمنزلة تحية المسجد بالنسبة لـ منى، ولهذا قال العلماء: تحية منى رمي جمرة العقبة، والدليل على هذا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رمى وهو راكب الناقة قبل أن يحط رحله، ثم إن هذه هي الحكمة من الترخيص لهم أن يتقدموا، ما الفائدة أن يتقدموا ثم ينزلون في رحلهم وإذا طلعت الشمس ذهبوا؟ الحكمة مفقودة، أو قليلة جداً، لذلك نقول: من حين أن يصلوا إلى منى يرمون جمرة العقبة، وهذا هو فعل أسماء بنت أبي بكر، وكذلك ابن عمر في أهله كان يرسلهم حتى يوافوا منى إما فجراً أو حول الفجر، فيرمون إذا وصلوا. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 8 حكم التقاط حصى الجمرات من مزدلفة مسألة: هل من السنة أن يلتقط من مزدلفة حصى الجمرات؟ الجواب لا. ليس من السنة؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعله الصحابة في عهده، لكن بعض السلف استحبه من أجل ألا يحتاج الإنسان إذا وصل إلى منى إلى النزول من راحلته حتى يلتقط الحصى ويرمي بها، وقصدهم بذلك أن يكون من حين وصوله إلى منى يبدأ بالرمي؛ لأن الحصى معه، لكن هذا التعليل في الحقيقة عريض، فشيءٌ لم يفعله الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفعله أنت، وأنت إذا وصلت إلى منى سييسرون لك الأمر خصوصاً في وقتنا الآن؛ في وقتنا الآن لا يمكن للراحلة أن تصل إلى الجمرة، إذاً: لا بد أن تمشي، فإذا مشيت فالحصى عندك ملءُ الأرض، خذ من أي مكان، حتى إني رأيت في منسك ابن حزم رحمه الله أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما وقف على الجمرة ليرمي قال لـ ابن عباس: (القط لي الحصى) فلقط له الحصى من عند الجمرة. المهم أنه ليس من السنة أن يحمل الإنسان الحصى من مزدلفة. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 9 حكم عدم ترتيب مناسك يوم العيد الخمسة مسألة: فهمنا الآن أن الإنسان إذا وصل إلى منى يفعل خمسة أشياء كلها في يوم العيد مرتبة كالآتي: 1- رمي جمرة العقبة. 2- ثم النحر. 3- ثم الحلق أو التقصير. 4- ثم الطواف. 5- ثم السعي. هكذا الترتيب المشروع، لكن لو قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟ الجواب نعم. يجوز بدون حرج وبدون دم وبدون نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل في التقديم أو التأخير فكان لا يسأل عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج، حتى قيل له: (سعيت قبل أن أطوف، قال: لا حرج) وهذا من تيسير الله عز وجل. وهنا نقطة: العلماء رحمهم الله اختلفت أقوالهم في هذه المسألة، منهم من قال: لا حرج لكن عليه دم لفوات الترتيب، وهذا قولٌ ضعيف؛ لأنه يخالف الحديث: (لا حرج) ولم يأمره بالفدية، وهل غاب عن النبي عليه الصلاة والسلام وجوب الفدية؟ أبداً والله، أو حضره ولكن كتمه؟ حاشا وكلا، إذاً: إيجاب الدم من أضعف الأقوال. وبعضهم قال: يجوز التقديم والتأخير إذا كان عن جهل أو نسيان، لأن بعض السائلين قال: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا، وترتيب الحكم على الجهل أو النسيان يخالف ترتيبه على العمد، وهذا أيضاً ضعيف؛ لأن السائل سئل عن حالٍ وقعت عليه أنه نسي فقدم وأخر، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لكن هل قال له: لا تعد؟ لم يقل: لا تعد، بل قال: (لا حرج) وفي بعض الألفاظ: (افعل ولا حرج) (افعل) يعني: في المستقبل فتقييد ذلك بالجهل والنسيان ضعيف؛ لأنه لو كان لا يجوز في السعة لقال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعد، كما قال لـ أبي بكرة رضي الله عنه حين أسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يقل: ولا حرج، فالمهم أن عدم الترتيب جائز بلا حرج، سواء عن عمد أو جهل أو نسيان، لكن يبقى النظر أيهما أفضل: الترتيب أو عدمه؟ الترتيب لا شك أنه أفضل؛ لأنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم) . فإن قال قائل: إذا كان الأيسر لي أن أقدم الطواف قبل الرمي والحلق أو التقصير؛ لأن معي نساء أخشى أن يأتيهن الحيض قبل طواف الإفاضة، فأضطر إلى أن أبقى في مكة أو أذهب إلى بلدي وأرجع إذا طهرت المرأة؟ قلنا: الآن قد يكون الأفضل في حقك أن تبدأ بالطواف وإن خالفت الترتيب، لعموم قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] ، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] . الجزء: 178 ¦ الصفحة: 10 حكم من طاف للوداع قبل رمي آخر يوم مسألة: لو طاف للوداع قبل رمي آخر يوم، يعني: في اليوم الثاني عشر أراد أن يتعجل فنزل في الضحى وطاف طواف الوداع ثم خرج ورمى وسافر، فهل يجوز؟ الجواب لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف) وهذا طاف قبل أن يتم نسكه، وقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال في طواف الوداع: [إنه آخر نسككم] وهذا يدل على أنه لا شيء بعده، وهو كذلك، فعليه لو فرض أن إنساناً طاف للوداع ثم خرج ورمى وسافر فإننا نقول له: طوافك للوداع غير مجزيء ولا هو صحيح، ويؤجر عليه ويثاب عليه لكن لا يجزئ عن طواف الوداع، وعليه عند أكثر الفقهاء دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء؛ لأنه ترك واجباً من واجبات الحج. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 11 حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع وأحوال ذلك مسألة: لو أنه أخر طواف الإفاضة وطافه عند الوداع، فهل يجزئ؟ الجواب نعم. يجزئ لكن هنا ثلاثة أحوال: 1- إما أن ينوي به طواف الوداع فقط. 2- أو طواف الإفاضة فقط. 3- أو ينويهما جميعاً. إن نوى طواف الوداع فقط لم يجزئ عن طواف الإفاضة؛ لأن طواف الوداع واجب وطواف الإفاضة ركن، بل إن طواف الوداع سنة عند كثيرٍ من العلماء وطواف الإفاضة ركن، وإن نوى طواف الإفاضة فقد أجزأ عن الوداع؛ لأنه أعلى منه، ولأن المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهده بالبيت وقد حصل، فيجزئه طواف الإفاضة عن طواف الوداع كما تجزئ الفريضة في المسجد عن تحية المسجد. الحالة الثالثة: نواهما جميعاً هل يجوز أم لا يجوز؟ الجواب: يجوز، إن نواهما جميعاً جاز، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، لكن يبقى إشكال: السعي لأن طواف الإفاضة بعده سعي ماذا يصنع به؟ نقول: لنا في ذلك جوابان: الجواب الأول: أن يبدأ بالسعي أولاً ويؤخر الطواف، هذا واحد، وهذا أضعف الجوابين. الثاني: أن نقول: يطوف ويسعى، ولا يضره الفصل بالسعي؛ لأن السعي في الحقيقة تابع للطواف؛ ولأن عائشة رضي الله عنها لما أتت بالعمرة ليلة السفر فإنها طافت وسعت وقصرت وخرجت، ولم ينقل عنها أنها طافت للوداع بعد سعيها، فدل هذا على أن السعي لا يضر إذا فصل بين الطواف وبين الخروج والسفر. وإنني أوصي إخواني المسلمين: أن يحرصوا على تعظيم شعائر الله، وعلى فعل الحج على صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم بقدر المستطاع، وأن يتجنبوا ما حرم الله عليهم في الإحرام وغير الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني مناسككم) ، وقال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] . وأسأل الله لنا ولكم حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجزء: 178 ¦ الصفحة: 13 الأفضل لمن بلغ عمره الثلاثين: هل يحفظ القرآن أم يكتفي بقراءته؟ السؤال أيهما أفضل: قراءة القرآن أم حفظ القرآن لمن بلغ عمره ثلاثين سنة أو أكثر من ذلك؟ الجواب حفظ القرآن، هل يمكن أن يحفظ القرآن بلا قراءة؟ السائل: لا، أقصد يا شيخ التلاوة. الشيخ: أو بلا تلاوة، هل يمكن؟ السائل: لا. مثلاً الإنسان يتعبد بأن يقرأ هذا اليوم ثلاثة أجزاء. الشيخ: لا. الحفظ أفضل؛ لأنه بالحفظ يحصل له التلاوة والحفظ. السائل: ولو بلغ عمره هذا السن؟ الشيخ: ولو بلغ؛ لأن الناس يختلفون، بعض الناس حتى لو بلغ ثلاثين سنة يكون عنده حافز وبعض الناس لا. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 14 حكم الوتر ليلة النحر السؤال يا شيخ! بالنسبة للحاج هل يوتر ليلة النحر؟ الجواب ولماذا لا يوتر: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) . السائل: بعض العلماء يقول: إنه ما ورد عن الرسول؛ بل ورد أنه نام مباشرة. الشيخ: إذا لم يرد الأمر ولم يرد الترك أو النهي عنه، فما الأصل؟ الأصل بقاء الحكم، فيوتر حسب عدد ما يوتر: ركعة أو ثلاث ركعات أو خمساً حسب ما يوتر به. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 15 صلاة الفريضة على الراحلة عند الضرورة السؤال من ناحية الصلاة يا شيخ! للذين يسيرون من عرفة إلى مزدلفة إذا لم يتمكنوا من أداء الصلاة خارج خط السير كما تفضلتم، هل يصلون في الراحلة؟ الجواب إذا لم يتمكنوا يصلوا على الراحلة، لكن عدم التمكن غير وارد أصلاً، فالسائق يوقف سيارته ويخرج يميناً أو يساراً. السائل: ما تتركهم رجال الدوريات؟ الشيخ: والله على كل حال نحن نمشي كثيراً ولا نجد دوريات، لكن أحياناً لا يتمكن الإنسان، حيث يكون مثلاً في مكان حول وادي شعيب، جسر فلا يستطيع، المهم إذا لم يتمكن يصلي على الراحلة، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه أنهم صلوا على رواحلهم حين أمطرت السماء، فكانت السماء تمطر والأرض تجري فصلوا على الرواحل الفريضة. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 16 من أفطر في رمضان لمس أصابه أو لخلل في العقل السؤال رجل أصيب بمرض جن ولم يصم رمضان الماضي، وجاء عليه رمضان هذا فلم يصم كذلك، فما حكمه؟ الشيخ: مختل العقل؟ السائل: هو كان في رمضان الماضي مختل العقل إلى أن ظهر فيه مرض جن، ولكن بعد ذلك تعافى لكنه لم يقض، جاء عليه رمضان هذا ولم يقض وسمعت هذه الأيام أنه يسأل ماذا يصنع؟ الشيخ: السؤال الآن: رمضان هذا العام صام أم لم يصم؟ السائل: نعم. الشيخ: الحمد لله، أما رمضان الماضي فما دام ليس له عقل فليس عليه صيام. السائل: ولا كفارة ولا شيء؟ الشيخ: ولا كفارة ولا شيء. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 17 الإحرام من الميقات للعمرة لمن كان مشاركاً في مهمة عمل السؤال إن شاء الله سأنوي أداء العمرة يوم الحج، وهو مشارك في مهمة قال: إذا سمح لي عملي، وفي غالب الظن أن العمل لا يمانع، لكن نقول: بنسبة (10%) يضعها من باب الاحتياط، فتجاوز الميقات الآن، هل يلزمه الرجوع لأداء الإحرام من الميقات؟ الجواب لا. الرجل الذي في مهمة ولا يدري أيؤذن له أم لا لا يلزمه الإحرام من الميقات، فإن أذن له أحرم من المكان الذي تم فيه الإذن. السائل: هذه حصلت في مهمة السنة الماضية. الشيخ: انتهى هذا جواب. السائل: نعم أنا أقول لك الآن: هناك نقطة ثانية تتعلق بالفتيا: كثير من إخواننا في جهات ما يفتون خلاف هذا. الشيخ: ماذا يقولون؟ السائل: يفتي يقول: يجب أن ترجع الميقات. الشيخ: ليس صحيحاً. السائل: هل هذا من باب الفتيا بغير علم؟ الشيخ: إي نعم، لأن الرجل لم يعزم. السائل: لا. أحضر معه إحرامه وأحضر معه كل شيء. الشيخ: لكن هل عزم أم لا؟ لا يستطيع أن يعزم إلا بإذن. السائل: العزيمة موجودة لكن الشيخ: العزيمة على الفعل إن هذا الشرط يمنع التنفيذ. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 18 حكم نسخ البرامج التي مكتوب عليها (حقوق الطبع محفوظة) السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز نسخ برامج الحاسب الآلي مع أن الشركات تمنع ذلك والنظام؟ وهل يعتبر ذلك احتكاراً وهي تباع بأسعار غالية، وإذا نسخت تباع بأسعار رخيصة؟ الجواب القرآن؟ السائل: برامج الحاسب الآلي عموماً. الشيخ: القرآن؟ السائل: القرآن وغير القرآن والحديث وبرامج أخرى كثيرة. الشيخ: يعني: ما سجل فيه؟ السائل: ما سجل في الأقراص. الشيخ: أما إذا كانت الدولة مانعة فهذا لا يجوز؛ لأن الله أمر بطاعة ولاة الأمور إلا في معصية الله، والامتناع من تسجيلها ليس من معصية الله. وأما من جهة الشركات فالذي أرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط فلا بأس، وأما إذا نسخها للتجارة فهذا لا يجوز؛ لأن فيه ضرراً على الآخرين، يشبه البيع على بيع المسلم؛ لأنهم إذا صاروا يبيعونه بمائة ونسخته أنت وبعته بخمسين هذا بيع على بيع أخيك. السائل: وهل يجوز أن أشتريها بخمسين من أصحاب المحلات وهو منسوخ. الشيخ: لا يجوز إلا إذا قدم لك أنه مأذون له، وأما إذا لم يقدم فهذا تشجيع على الإثم والعدوان. السائل: إذا لم يؤذن له هو؟ جزاك الله خيراً. الشيخ: وإذا كنت أيضاً لا تدري، أحياناً الإنسان لا يدري يقف على هذا المعرض ويشتري وهو لا يدري، هذا لا بأس به، الذي لا يدري ليس عليه شيء. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 19 المرأة إذا نذرت ألا تصافح الرجال ولا تكلمهم السؤال فضيلة الشيخ! إذا امرأة نذرت ألا تصافح الرجال ولا تكلمهم ما الحكم في ذلك؟ الجواب حتى وهم محارمها؟ السائل: لا. من غير محارمها، ما الحكم في ذلك جزاكم الله خيراً؟ الجواب: أما نذرها ألا تصافح الرجال فهذا خير ونذر طاعة. وأما نذرها ألا تكلم الرجال فهذا ليس من الطاعة؛ لأن كلام الرجال ليس بمحرم إلا إذا خيف منه الفتنة، فإذا كانت هي بنفسها امرأة كلما كلمت رجلاً تحركت شهوتها وتمتعت بكلامه هذا حرام عليها، لكن هذه قضية خاصة. أما العموم فالمرأة يجوز لها أن تكلم الرجل ويجوز أن يسمع الرجل صوتها، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يسمعون أصوات النساء اللاتي يأتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتين. بل إن القرآن يدل على هذا، قال الله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] فقال: (لا تخضعن) وهذا يدل على أن الصوت العادي لا بأس به. فإذا كان لسبب يختص بها بحيث أنها إذا كلمت أي رجل ثارت الشهوة أو تمتعت بكلامه فهذا نذر طاعة، يجب عليها الوفاء به وألا تكلم الرجال، وإن كانت سالمة من هذا فهو نذر مباح إن شاءت كلمت الرجال وكفرت كفارة اليمين، وإن شاءت لم تكلمهم، ولا كفارة عليها إذا لم تكلمهم. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 20 حكم إخراج الزكاة لفقراء غير البلد السؤال فضيلة الشيخ! حفظك الله، هل يجوز دفع الزكاة في بلد غير بلد المزكي، مع العلم أنه يعرف شخصاً فقيراً وفي حاجة إلى الزكاة في بلدٍ آخر؟ الجواب إذا تميز إخراج الزكاة عن البلد بميزة شرعية مثل أن يكون له أقارب في بلدٍ آخر فلا بأس، وأما بدون تمييز فإنه لا يجوز أن تنقل عن بلد المال؛ لأن أهل بلد المال أحق من غيرهم، بل إن بعض العلماء لا يُجَوِّز أن تنقل عن بلد المال إلا إذا لم يكن فيه مستحقون للزكاة. وبهذا نعرف احتياط الشرع في مثل هذه الأمور، ولكن الذي ينبغي أن يسأل عنه ونحن الآن في زمنه: مسألة الأضاحي الذين يدعون إلى أن يأخذوا دراهم المسلمين من أجل أن يضحوا بها في الخارج، فهذه دعوة غير صحيحة، لا تخاطر بدينك، الأضحية شعيرة من شعائر الله، كما قال الله عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36] الأضحية عبادة تتقرب إلى الله تعالى بذبحها، وهذه القربة مقرونة بالصلاة، قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] . الأضحية يذكر الإنسان ربه عليها، ويتقرب إليه بذبحها، وليس المقصود منها اللحم، المقصود منها إقامة الشعيرة والتعبد لله تعالى بالذبح، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وانظر إلى هدي نبيك عليه الصلاة والسلام: كان يخرج بأضحيته إلى المصلى ليذبحها في المصلى لإظهار هذه الشعيرة ويذبحها بيده صلوات الله وسلامه عليه، لكن إذا أعطينا الدراهم أين إظهار الشعيرة؟! ربما لو تكالب الناس على هذا وانكبوا عليه ألا يكون في البلد أضحية؛ لأن الناس يسهل عليهم أن يخرج مائتي ريال أو ثلاثمائة ريال أو خمسمائة ريال من جيبه ويعطيها هذه اللجنة، يسهل عليه، فإذا ظن أن هذا مثل أن يذبحها في بلده فقد أخطأ، ومن أفتاه بأن هذا مثله أو أفضل فقد أخطأ، ثم هذه الدراهم التي تذهب إلى الخارج لا تدري من يتولى الذبح، قد يتولاها صاحب بدعة مكفرة لا تحل ذبيحته، وقد يتولاها من لا يصلي، وقد يتولاها من لا يعرف شروط الأضحية فيضحي بصغير أو بمعيب، وقد يضحي بها بعد خروج وقت الأضحية، وقد لا يسمي الله عليها عمداً أو نسياناً، ثم لو انتفى كل هذا وقدم للإنسان مائة رأس وذبح لمن هذه الذبيحة؟ لأي شخص من الناس؟ أسأل لمن هذه الذبيحة؟ لا ينويها عن فلان ولا عن فلان، وكأنها دراهم تؤخذ للصدقة، يأخذ من كيسه ريالاً ويتصدق به، هذا ليس بصحيح، لا بد أن تعيَّن: هذه أضحية فلان بن فلان، وإلا ما صحت، لا يصح لك أن تجمع مائة رأس، وتقول: اذبح باسم الله اذبح اذبح! لمن؟ إذا قدرنا أنه أعطاك مائة نفر وذبحت أول واحدة عمن تنويها عن آخر واحد أو عن أول واحد مع أنهم لا يدرون من الأول والآخر، فيقع المذبوح عنه مبهماً لا يدرى من هو، فالمسألة خطيرة، وأهم شيء أن تراعي الشعيرة في البلاد الإسلامية وألا يذهب بها إلى بلاد أخرى، ولو كانت البلاد الأخرى إسلامية، إن الله عز وجل حكيم لما فقد أهل الأوطان أن يتقربوا إلى الله بالهدي كما يفعله الحجاج شرع لهم الأضحية حتى يقيموا شعائر الله في بلادهم كما أقام الحجاج شعائر الله في مكة، كيف نغفل هذا المعنى العظيم لمجرد أننا ننفع إخواننا، أنا أقول: انفع إخوانك لكن بماذا؟ بالدراهم، بالنفقات، بالملابس، بالفرش، بالخيام، بأي شيءٍ تريد، باللحم، اذبح لحماً وأرسله لهم، لكن شعيرة من شعائر الله تترك التقرب إلى الله بها وتكلها إلى فلانٍ وفلان من لا يعلم من هو. أرجو منكم بارك الله فيكم أن تحذروا منها كل إخوانكم، في كل مجلس نبهوا الناس على هذا، لا يضيعوا هذه الشعيرة: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36] شعائر الله أن يذهب بها يميناً ويساراً، ويمضي عليك العيد وكأنك لم تضح. أرجو منكم التعاون على البر والتقوى بأن تنبهوا إخوانكم على ذلك، وتقولوا: الحمد لله الباب مفتوح أرسل دراهم لإخوانك في البلاد الأخرى واذبح، أو اذبحها هنا وكل وأرسل لهم لحماً، أليس الله سبحانه وتعالى يقول: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:36] فبدأ بالأكل قبل الإطعام، وهل التي تذبح في أبعد بلادٍ عنك تأكل منها؟ أبداً. مسألة الهدي بارك الله فيك: فيه مشقة في منى على العاجز دون الإنسان الحازم؛ لأن هناك أناساً من منطقتنا يذهبون إلى منى ويذبحون، ومن حين ما يخرج من مكان الذبح الناس يتلقفونه: أعطونا أعطونا، لكن الناس فيهم كسل، ويتعبون إذا رأوا هذه اللحوم، وربما تكون في اليوم الثاني لها رائحة، فأنت احرص على ألا تعطي لتجعل شحناء، احرص أنك أنت تذهب وأهل منطقتك وتأخذون لكم هدياً وتذهبون وتبعدون وتذبحونها في مزدلفة أو في أي مكان، لكن لا تذبحوها خارج الحرم؛ لأن ذبحها خارج الحرم عند كثيرٍ من العلماء لا يجزئ، لا بد أن تذبح داخل حدود الحرم في مزدلفة في جهة الشرائع لكن داخل الأميال في كل مكان. وبهذا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 178 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [179] بدأ الشيخ هذا اللقاء بالكلام حول ضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها، والنظر في أعمالها خلال السنة المنصرمة. وقبل البدء بالإجابة عن الأسئلة تناول تفسير بعض الآيات من أواخر سورة النجم، وقد بين من خلالها ضلال دعاة المساواة بين الرجل والمرأة، وحقيقة السهولة والهون في مسألة إعادة الله للخلق. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 1 ضرورة محاسبة النفس الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نفتتح هذا اللقاء المبارك (لقاء الباب المفتوح) بعد موسم الحج عام (1418هـ) ، في هذا اليوم الخميس السادس والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1418هـ) . ونستهل هذا اللقاء بمراجعة أنفسنا ومحاسبتها، ماذا عملنا في هذا العام الذي يكاد أن ينصرف؟ ماذا عملنا من خير وماذا تركنا من سوء؟ إن التاجر ليراجع دفاتر حسابه عند رأس كل سنة مالية، هذا وهو إنما يدبر أموراً دنيوية لا تنفعه في الآخرة إلا ما أراد به وجه الله منها، فكيف بنا نحن؟! هل راجعنا أنفسنا فرأينا تقصيراً في واجب نتداركه أو فعلاً لسيئ فنقلع عنه؟ أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون كذلك. إن هذه الدنيا كلها تمضي، وكل شيءٍ فيها فإنه عبرة، إن نظرت إلى الشمس تخرج في أول النهار ثم تأفل في آخر النهار وتزول، هكذا وجود الإنسان في الدنيا يخرج ثم يزول، إن نظرنا إلى القمر كذلك يبدو أول الشهر هلالاً صغيراً ثم لا يزال ينمو ويكبر فإذا تكامل بدأ بالنقص حتى عاد كالعرجون القديم، كذلك إذا نظرنا إلى الشهور تجد الإنسان يتطلع إلى الشهر المقبل تطلع البعيد، فمثلاً يقول: نحن الآن في الشهر الثاني عشر بقي على رمضان ثمانية أشهر فما أبعدها! وإذا به يمر عليها بسرعة، وكأنها ساعة من نهار، هكذا العمر أيضاً -عمر الإنسان- تجده يتطلع إلى الموت تطلعاً بعيداً ويؤمل وإذا بحبل الأمل قد انصرم، وقد فات كل شيء، تجده يحمل غيره على النعش ويواريه في التراب ويفكر: متى يكون هذا شأني؟ متى أصل إلى هذه الحال؟ وإذا به يصل إليها وكأنه لم يلبث إلا عشية أو ضحاها. أقول هذا من أجل أن أحمل نفسي وأحمل إخواني على المبادرة باغتنام الوقت، وألا نضيع ساعة ولا لحظة إلا ونحن نعرف حسابنا فيها، هل تقربنا إلى الله بشيء؟ هل نحن ما زلنا في مكاننا؟ ماذا يكون شأننا؟ علينا أن نتدارك الأمور قبل فوات الأوان، وما أقرب الآخرة من الدنيا، وكان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيراً بقول الشاعر: وكلنا مصبحٌ في أهله والموت أدنى من شراك نعله أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، وأن يجعل مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة النجم نبتدئ هذا اللقاء الذي نرجو الله أن يكون مباركاً بما كنا نفتتح به جميع اللقاءات وهو الكلام على شيءٍ من الآيات الكريمة، وذلك أنه ينبغي لكل مسلم أن يعتني بكتاب الله عز وجل، وأن يقرأه مرتلاً على مهل، ويتدبر آياته فإن الله أنزله لهذا، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فلا بد من التدبر -يعني: فهم المعنى- ثم يليه التذكر يعني: الاتعاظ. ولقد اخترنا تفسير المفصل؛ لأنه كثيراً ما يسمعه الناس من قراءة الأئمة في الصلوات. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأن إلى ربك المنتهى) لقد انتهينا فيما سبق إلى قوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] وهذه الآية فيها قراءتان: القراءة الأولى: فتح الهمزة: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] . والثانية: كسر الهمزة: {وَإنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان، إذا قرأ الإنسان بإحداهما صح، بل الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة وبهذه القراءة مرة أخرى، لكن لا على ملأ من الناس وسماعٍ منهم؛ لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يعلمون فسيحصل بذلك مفسدة؛ إما أن يقولوا: إن هذا الرجل لا يعرف القرآن، وإما أن يتشككوا في القرآن، حيث يظن العامي أن القرآن لا يمكن أن يبدل أو يغير، لذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علماً في القراءة ألا يقرءوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس، لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكاً تاماً فاقرأ بها أحياناً؛ لأن الكل سنة، والكل كلام الله عز وجل. فإذا كانت بالكسر: (وإن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها ليست في صحف إبراهيم وموسى، بل تكون استئنافية. وإذا كانت بالفتح: (وأن إلى ربك المنتهى) صارت هذه الجملة وما بعدها مما جاء في صحف إبراهيم وموسى. وعلى كلٍ فهي كلام الله عز وجل. {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} في أي شيء؟ في أمور الدين والدنيا، فإلى الله المنتهى في مسائل العلم، عندما تشكل علينا مسألة من مسائل العلم إلى أين ننتهي؟ إلى الله ورسوله، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من عنده، إنما هو من عند الله عز وجل، فيكون المنتهى إلى الله في الحكم بين الناس وفي الحكم في الناس. (إلى ربك المنتهى) أيضاً منتهى الخلائق؛ لأن هذا الخلق الموجود الآن سوف يفنى وينتقل إلى خلقٍ آخر، كما قال عز وجل: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] المنتهى على هذا التقدير هو يوم القيامة، فإلى الله المنتهى، أي: إلى الله المصير، فمنتهى أحوالنا وأحكامنا وجميع ما يصدر منا وعلينا إلى الله عز وجل. وإذا كان إلى الله المنتهى فإلى من تشكو إذا أصابك الضر؟ إلى الله عز وجل، وإذا أردت النفع فمن تطلب؟ الله عز وجل؛ لأنه إليه المنتهى، وكم من إنسان انعقد له أسباب الرزق وإذا به يحرم منه في آخر لحظة، ربما يشتغل بإنشاء محطة على أنه يريد أن يرتزق بها، وإذا كان الله لم يرد هذا احترقت المحطة. إذاً: لا يجلب لك الخير إلا الله، ولا يمنع عنك الضرر إلا الله عز وجل، فاجعله منتهاك في كل أمورك. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى) قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] هل المراد حقيقة الضحك أو المراد لازم ذلك وهو الفرح؟ وكذلك يقال في أبكى: هل المراد حقيقة البكاء أو المراد الحزن؟ إذا نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا: الضحك الحقيقي، والضحك الحقيقي لا ينشأ إلا عن سرور، (وأبكى) البكاء الحقيقي، والبكاء لا يحصل إلا عن حزن، فالله تعالى أضحك في الدنيا وأبكى، وأضحك في الآخرة وأبكى. الكفار في الدنيا الآن يضحكون على المسلمين والمؤمنين: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] لكن هذا ضحك سيعقبه بكاء في يوم القيامة: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34] فالذي أضحك في الدنيا وأبكى، والذي أضحك في الآخرة وأبكى هو الله عز وجل. إذاً: هو مقدر ما يكون به الضحك، ومقدر ما يكون به البكاء، وأتى بالأمرين وهما متقابلان ليعلم بذلك أن الله سبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، وهو القادر على خلق الضدين. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أمات وأحيا) قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم:44] أمات في الدنيا وأحيا في الدنيا، وأمات أيضاً في الدنيا وأحيا في الآخرة، والآن البشر تجد هذا تنفخ فيه الروح اليوم فيكون الله قد أحياه، والآخر تنزع روحه من بدنه ويكون الله قد أماته، وهكذا دواليك، هو الذي أمات وأحيا، وهناك أيضاً ميزة عامة وحياة عامة، أمات العالم في الدنيا وأحياهم في الآخرة، فهو الذي خلق الموت وهو الذي خلق الحياة، وهذان أيضاً متضادان حياة وموت كلها من عند الله عز وجل؛ لأن الله تعالى على كل شيء قدير. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ} [النجم:45-46] (خلق الزوجين) الزوج بمعنى: الصنف، ومثاله قوله تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، وقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] ليس المراد: زوجاتهم، المراد: أزواجهم أي: أصنافهم. إذاً: (الزوجين) أي: الصنفين، ثم بين هذين الصنفين، فقال: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [النجم:45] من مادة واحدة (من نطفة) وهي المني، (إذا تمنى) أي: تراق وتصب في رحم المرأة، فالله عز وجل خلق هذين الصنفين المختلفين خلقة، المختلفين مزاجاً، المختلفين عقلاً، المختلفين فكراً من شيءٍ واحد، من نطفة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في آخر سورة القيامة: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:39-40] ؟ الجواب بلى. فالله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى من شيء واحد، وهذا يدل على كمال قدرته جل وعلا، إذ أنه خلق صنفين مختلفين في كل الأحوال، حتى في القوى البدنية يختلف الرجل عن المرأة، والعقلية والفكرية والتنظيمية يختلف الذكر عن الأنثى، وبذلك نعرف ضلال أولئك القوم الذين يريدون أن يلحقوا المرأة بالرجل في أعمالٍ تختص بالرجل، فإنهم سفهاء العقول، ضلال الأديان، وكيف يمكن أن نسوي بين شيئين أو بين صنفين فرق الله بينهما خلقة وشرفاً؟!! هناك أحكام يطالب بها الرجل ولا تطالب بها المرأة، وأحكام تطالب بها المرأة ولا يطالب بها الرجل، وأما قدراً وخلقة فالأمر واضح، لكن هؤلاء الذين لم يوفقوا وسلب الله عقولهم وأضعف أديانهم يحاولون الآن أن يلحقوا النساء بالرجال، وهذه لا شك أنها فكرة خاطئة مخالفة للفطرة مخالفة للطبيعة، كما أنها مخالفة للشريعة أيضاً. {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:46] ما معنى تمنى؟ أي: تصب وتراق في الرحم، ومنه سمي المكان الذي حول مكة منى قال العلماء: لأنها تمنى فيه الدماء؛ لأن الهدي يذبح يوم العيد في منى، فتراق فيه الدماء؛ ولذلك سمي هذا المكان باسم ما يحدث فيه. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وأن عليه النشأة الأخرى) قال تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} [النجم:47] على من؟ على الله، وفي هذا دليل على أن الله أوجب على نفسه أن يبعث الناس؛ لأن الناس لو كانوا يحيون ويموتون بلا إرجاع لكان هذا عبثاً محضاً، لأننا نعلم الآن أن الناس في الدنيا يختلفون في الغنى والفقر، والقوة والضعف، والذكاء والعقل، وغير ذلك، لو كان الخلق هكذا فقط بدون إرجاع لكان هذا منافياً للحكمة تماماً، لكن لا بد من رجوع، ولهذا قال: (وأن عليه) و (على) ماذا تفيد؟ مثلاً: إذا قلت: عليك تفعل كذا يعني: واجب، فـ (على) تفيد الوجوب، فيكون الله أوجب على نفسه أن ينشئ الناس مرة أخرى، ولا مانع أن الله يفرض على نفسه ما شاء، كما قال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54] أي: أوجب على نفسه الرحمة. كذلك هنا قال: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} [النجم:47] أي: على الله، أوجب الله على نفسه أن ينشئ الناس نشأة أخرى للجزاء كلٌ بحسب عمله، والنشأة الأخرى تفيد بأن هنالك نشأة قبل، وهي النشأة الأولى، وهي ابتداء خلق الناس من عند الله عز وجل. وفي قوله: (الأخرى) فائدة عظيمة وهي الإشارة إلى أن القادر على الأولى قادر على الآخرة، والنشأة الآخرة أهون من الأولى، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] كله عليه هين، لكن الهين يختلف باعتبار ذاته لا باعتبار قدرة الله، فقدرة الله لا تختلف، فالأمر عنده (كن فيكون) سواء كان أعلى شيء أو أدنى شيء. لكن بالنسبة للمقدور عليه أيهما أهون؟ الإعادة أهون أما بالنسبة لقدرة الله فكلها واحدة؛ لأن المسألة لا تعدو أن يقول: كن فيكون. وبهذا نعرف أن بعض المفسرين رحمهم الله وعفا عنهم قالوا في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أي: وهو هين عليه، وهذا غلط، كيف يقول الله عن نفسه: (وهو أهون عليه) ونقول: وهو هين؟! لكن نقول: الهون له نسبتان: نسبة للمفعول، ونسبة للفاعل، بالنسبة للفاعل هما سواء؛ لأن كل شيء منهما يتكون بكلمة واحدة: كن فيكون. وبالنسبة للمفعول يختلف، ولا شك أن الأول أشد من الثاني. إذاً: كلمة: (الأخرى) فيها فائدة وهي: الإشارة إلى أن القادر على الأولى قادر على الأخرى من باب أولى، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] . أسأل الله تعالى أن يجعل مصيرنا ومصيركم إلى الجنة، وأن يجعل آخر أمورنا خيراً من أولها، إنه على كل شيءٍ قدير. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 179 ¦ الصفحة: 9 حكم جعل جوائز لمن يصوم نفلاً من الطلاب السؤال فضيلة الشيخ! بعض المدرسين يجعل جوائز تشجيعية للطلبة إن صام مثلاً عاشوراء أو عرفة فيجعل له جائزة، وأنكر عليه بعض المدرسين، فما رأيكم في هذا الشيء؟ الجواب رأيي أن الإنكار حق، ولا ينبغي لنا أن نعود الناس على جوائز دنيوية في مقابل أعمال دينية؛ لأن الإنسان يبدأ ينظر إلى هذه الجوائز، نعم يحثهم على هذا ويرغبهم في صوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر ولتكن الأيام البيض، أما أن يعطيهم جوائز فلا، لكن لو فعلوا وأراد أن يعطي أحداً جائزة فأرجو ألا يكون في هذا بأس. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 10 قراءة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) خلف المقام السؤال ذكر بعض المفسرين في قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد الطواف يتجه إلى مقام إبراهيم فيصلي خلفه ركعتين ثم يتلو هذه الآية، والسؤال: هل يمكن أن يقال: إنه يشرع أن تتلى هذه الآية لمعتمر أو غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل الحديث في ذلك صحيح؟ الجواب الحديث في صحيح مسلم من حديث جابر الطويل المعروف: (كان إذا فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ فيما تقدم: ((وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً)) [البقرة:125] ) وذلك ليشعر نفسه أنه إنما تقدم إلى هذا المقام ليصلي خلفه امتثالاً لأمر الله. وكذلك أيضاً: (حينما دنا من الصفا قرأ: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)) [البقرة:158] ابدأ بما بدأ الله به) ليشعر نفسه أن هذا السعي من شعائر الله، وأنه يبدأ بـ الصفا لأن الله بدأ به. وهكذا أيضاً ينبغي لنا في كل طاعة أن نشعر بأننا نفعلها امتثالاً لأمر الله، مثلاً: الوضوء، أكثرنا يتوضأ الآن على أي أساس؟ على أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، هذا هو الذي يكون في ذهن الإنسان، لكن ينبغي للإنسان أن ينوي بذلك أنه ممتثلٌ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] حتى يشعر بالعبادة والتذلل لله عز وجل. كذلك أيضاً هو يتوضأ الآن على صفة مخصوصة ينبغي أن يشعر بأنه يتبع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون جامعاً بين الإخلاص والمتابعة، هذه مسألة نغفل عنها كثيراً، فنحن نتوضأ؛ لأننا نعتقد أن الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة، لكن كوننا نشعر بأن هذا من أمر الله خير. وعلى هذا: ينبغي للإنسان إذا فرغ من الطواف وتقدم إلى مقام إبراهيم أن يتلو هذه الآية، وإذا دنا من الصفا أول مرة -لا إذا صعد عليه- أن يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] ولا يعيدها مرة ثانية لا عند الصفا ولا عند المروة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 11 حكم من رأى حلماً أزعجه السؤال فضيلة الشيخ: شخص توفي والده ويعرض له في المنام، وبعض الليالي يعرض له وهو غاضبٌ عليه، فما رأيكم في ذلك؟ الجواب لا يهتم بها، وسنعطيكم فائدة تستريحون فيها: كل حلمٍ مزعج فهو من الشيطان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، أي حلم تراه مزعجاً فهو من الشيطان، فما هو الطريق إلى التخلص منه؟ الطريق كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن تقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، وتتفل عن يسارك) ، وإذا استيقظت وأنت في مرقدك انقلب على الجانب الثاني، فإن عاد عليك وأزعجك فقم وتوضأ وصل، ولا تخبر أحداً؛ لأنك لو أخبرت أحداً ثم عبره على حسب الرؤيا وقع، فإن الرؤيا على جناح طائر إذا عبرت وقعت، وما أكثر الذين يسألون عن رؤىً يرونها في المنام تزعجهم، ولكننا نرشدهم إلى ما أرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أن يقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ، ولا يخبر أحداً، وليتغافل عنها، فهذا الشيطان يتمثل بصورة أبيه على أنه غاضبٌ عليه ليزعجه ويقلق راحته، والطريق إلى ذلك أن تقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ولا تحدث أحداً، وتلهى عنه. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 12 بيان إشكال حول قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب) السؤال في ترجيحكم في قول الله سبحانه وتعالى في التفسير: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:7] ، قلتم: إنها تختص بالرجل من ناحية الصلب والترائب، وأشكل عليَّ هذا مع حديث السبق في الشبه بالمرأة، كيف يمكن الجمع بين هذا؟ الجواب هذا لا يمنع؛ لأن قوله: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] المرأة لا يمكن أن يكون ماؤها دافقاً أبداً، بل الدافق هو ماء الرجل، والشبه لا يمنع أنه إذا اختلط الماء الدافق بهذا أثر الشبه، ولهذا جاء في آية {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:46] نطفة المرأة لا تصب في قُبل الرجل. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 13 حكم توزيع سعر السلعة على أقساط معينة بمسميات معينة السؤال فضيلة الشيخ! هناك طريقة الآن انتشرت بالنسبة للبيع في المعاملات: حيث يدفع نصف قيمة السيارة مثلاً ثم يدفع قيمة الشيخ: يعني: التأجيل منتهي بالتمليك؟ السائل: لا. الشيخ: غيره؟ السائل: نعم. وهو شبيه به، يعني: يدفع نصف قيمة السيارة، وبعد عامين يدفع النصف الباقي، ولكن في كل شهر يدفع مبلغاً بسيطاً يسمى الخدمات الإدارية أو مثل هذا الشيء، فما الحكم؟ الجواب كل هذا في الحقيقة تحايل على شيءٍ لا داعي له، ولنا أن نقول: بعت عليك السيارة هذه بخمسين ألفاً: عشرين ألفاً نقداً، وعشرين ألفاً بعد سنة، وعشرة آلاف يدفع منها في كل شهر ألف ريال، فنقول: هكذا، وهذا ليس فيه شيء، لكن نضيف إلى الثمن شيئاً ليس له داعٍ؛ لأنه ليس فيها خدمات، الخدمات انتهت بالوثيقة الأولى وفي النهاية تمزق هذه الوثيقة، فلهذا نقول لهؤلاء: لا تجعلوها على هذا الوجه، قل: بعت عليك بخمسين ألفاً: عشرين نقداً، وعشرين بعد سنة، وعشرة آلاف موزعة على إحدى عشر شهراً، ويصح. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 14 طريقة عقد النكاح السؤال هل وردت سنة ثابتة في طريقة عقد النكاح؟ الجواب السنة ذكرها العلماء رحمهم الله، وهي في حديث ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمه التشهد في الحاجة، قال: ومن الحاجة عقد النكاح، وهي: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا) وبعض الناس يزيد فيها (ونتوب إليه) وبعضهم يزيد: (ونستهديه) وكل هذه لم ترد في الحديث، بل الحديث: (الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له) وهذه أيضاً يغيرها بعض الناس ويقول: (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) وهذا خطأ، الذي يريد النص إما أن يحافظ عليه وإما أن يدعه، أما أن يدخل فيه ما شاء ويخرج ما شاء فهذا لا ينبغي، ولا شك أن المحافظة على لفظ النص بدون زيادة ولا نقصان أفضل، ولذلك لو أراد الإنسان أن يقول في التشهد: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره) قال: (اللهم صل على نبينا محمد وسيدنا وخليلنا وإمامنا وما أشبه ذلك) هذا كله أوصاف حقيقية، لا شك أنه خليلنا وأنه إمامنا وأنه سيدنا، لكن هل من الأدب أن نزيدها في حديثٍ حدده لنا الرسول؟ الجواب: لا. ونحن إذا حذفناها أشد احتراماً للرسول عليه الصلاة والسلام من الذين يزيدونها؛ لأن زيادتها والرسول لم يقلها فيه سوء أدب، أأنتم أعلم أم رسول الله؟! رسول الله، ولو شاء رسول الله لزادها. فعلى كل حال: هي خطبة الحاجة، وهي في حديث ابن مسعود. ويقال مثلاً للمتزوج يقول الولي: زوجتك بنتي أو أختي أو من له ولاية عليها، ويقول ذاك: قبلت. هكذا فقط. السائل: يا شيخ! هل تكون في المسجد، أو كذا الشيخ: نعم. استحب بعض العلماء أن تكون في المسجد، وأن تكون بعد عصر يوم الجمعة، لكن كل هذا لا دليل عليه. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 15 حكم المسح على خف لم يُلبس على طهارة السؤال هل يجوز مسح الخفين في الوضوء عند السفر أو عند لبسهما، مع العلم أنه يقع لبسهما بدون وضوء؟ الجواب إذا لبس الخفين على غير وضوء لا يجوز أن يمسح عليهما، فمن شروط جواز المسح على الخفين أن يلبسهما على طهارة، وألا يكون ذلك في الحدث الأكبر -يعني: الجنابة- بل في الحدث الأصغر، وأن يكون ذلك في المدة المحددة، وهي: يومٌ وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 16 حكم ذكر القصص المرتبطة بالقضايا الأخلاقية في مقام وعظ عام أو خاص السؤال ذكر بعض القصص التي ترتبط بالقضايا الأخلاقية للعظة يعده البعض من إشاعة الفاحشة، فما صحة ذلك؟ الجواب أولاً: لا بد من ثبوت هذه القصة. السائل: ثابتة يا شيخ. ثانياً: هل من المصلحة أن تقال؟ أخشى أن يظن السامع أن هذا منتشر في المجتمع. ثالثاً: اعلم أن القصة المنكرة إذا جرت على الألسن والأسماع سوف تقلل من هيبتها، فلا أرى هذا. السائل: ولأشخاص معينين يخشى وقوعهم في هذه الفاحشة؟ الشيخ: لا بأس. تكلم معهم بأنفسهم بينك وبينهم. السائل: ليس على المنابر وفي الخطب؟ الشيخ: لا. أنا ظننت أنك تقول لي: في المواعظ. السائل: لأشخاصٍ معينين يحتمل وقوعهم. الشيخ: هذا شيء آخر، فعلى المنابر أو في المجامع لا أراها، وليس فيها مصلحة. واعلم أن المنكر إذا استمر على الأسماع استمرأته النفوس وهان عليها، ولذلك لو سمعت قصة معينة في الأخلاق ربما تنفر منها كثيراً، إذا جاءت المرة الثانية قلَّت في نفسك. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 17 مسألة دخول الشرك الأصغر تحت مشيئة الله السؤال بالنسبة للشرك الأصغر هل يدخل في مشيئة الله سبحانه وتعالى؟ الجواب حصل فيها خلاف بين العلماء: - منهم من قال: إنه يدخل تحت المشيئة إن شاء الله غفر له. - ومنهم من قال: لا بد أن يعذب لكن لا يخلد في النار. وعلى كل حال: حتى لو قلنا: إنه تحت المشيئة، فهل الإنسان ضامن أن الله يشاء أن يغفر له؟ ليس بضامن، حتى المعاصي غير الشرك التي هي داخلة تحت المشيئة بلا شك، لا يجوز للإنسان أن يتهاون بها بناءً على أنها تحت المشيئة؛ لأن الأصل هو وقوع العقاب. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 18 حكم المظاهرات في الشرع السؤال بالنسبة إذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله ثم سمح لبعض الناس أن يعملوا مظاهرة تسمى عصامية مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، وإذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم، هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟ الجواب عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجوداً فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر؛ لأنها تؤدي إلى الفوضى من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء؛ إما على الأعراض، وإما على الأموال، وإما على الأبدان؛ لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشد كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 19 بيان موعد يوم عاشوراء السؤال يوم عاشوراء، هل ثبت لديكم موعده؟ الجواب لا ما ثبت، إلا أن يوم عاشوراء هو العاشر من محرم، هذا الذي ثبت عندي. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 20 بيان ارتباط العقيدة بالمنهج والسلوك السؤال فضيلة الشيخ! ما العلاقة بين السلوك والعقيدة، وهل يمكن أن يقال: رجل على عقيدة سليمة؛ على عقيدة ومنهج أهل السنة والجماعة، ولكن عنده خلل في بعض أخلاقه؟ فنرجو الجواب بالتفصيل، وأرجو النصيحة -فضيلة الشيخ- للدعاة في هذه المسألة جزاكم الله خيراً؟ الجواب بارك الله فيك كلما صحت العقيدة صح المنهج وصح السلوك، وكلما اختلت العقيدة اختل المنهج والسلوك، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن المعاصي تنقص الإيمان، مع أن المعاصي أعمال جوارح إما قول أو فعل أو ترك، لكن قد يكون الإنسان عقيدته سليمة ونيته سليمة ويريد الخير لكن يخطئ في السلوك، ويسلك جادة غير صحيحة، من ذلك مثلاً: الخوارج؛ يصومون ويقرءون القرآن ويصلون، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن أحدكم ليحقر صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم) ولكنهم أخطئوا في المنهج؛ كفروا المسلمين، واستحلوا دماءهم وأموالهم، فضلوا ضلالاً عظيماً، ولهذا يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عنهم: [أكفارٌ هم؟ قال: من الكفر فروا] ، لكن في الواقع أنه حسب الوصف الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام أنهم يقولون من خير قول البرية، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأنهم يقرءون القرآن لكن لا يتجاوز حناجرهم -والعياذ بالله-. فالمهم أن السلوك شيء والعقيدة شيءٌ آخر، وكلما صحت العقيدة صح المنهج وصح السلوك، وقد تكون العقيدة صحيحة بمعنى: أن الرجل يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لكن يخطئ في المنهج والسلوك. ولهذا أحث إخواننا الشباب وغير الشباب أن ينظروا إلى سيرة الخلفاء الراشدين وأهل زمانهم والأئمة من بعدهم، الأئمة من بعدهم كانوا في زمن يدعى فيه علناً إلى البدعة ويعاقب من لم يقل بالبدعة، ومع ذلك لم يخرجوا على هؤلاء الأئمة ولا وصفوهم بالكفر، بل كانوا يدعون لهم ويصفونهم بأنهم أمراء مؤمنون، وعلى ذلك إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله، وكان الفضيل بن عياض وكذلك الإمام أحمد يقول: لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان. لكن تجد بعض هؤلاء المنحرفين في سلوكهم إذا قيل لهم: ادعوا للسلطان ادعوا لولي أمركم، قال: أبداً لا ندعو له، وكأن الأمر متعذر على الله عز وجل -نسأل الله العافية- ولم يعلموا أن الله هدى أقواماً يسجدون للأصنام فصاروا يسجدون لرب العالمين عز وجل، والله على كل شيءٍ قدير. ولذلك نرى أن هذا خطرٌ عظيم، أولئك الذين يقال لهم: ادعوا للحكام، وادعوا لولاة الأمر بالهداية وصلاح البطانة، يقول: لا ندعو له بل ندعو عليه، سبحان الله!! رجل ملكه الله إياك قدراً، هو مالك لك الآن وله السلطة عليك كيف لا تدعو له بالهداية؟!! لكن مشكلة السفه والضلال هو الذي يحمل الإنسان على مثل هذه الأمور. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 21 حكم الصلاة في مسجد لا تقام فيه الجماعة السؤال فضيلة الشيخ! جماعة يجلسون في مزرعة من المزارع ويحضر عليهم وقتي المغرب والعشاء، ويوجد مسجد قريب منهم تقريباً أربعمائة متر ويسمعون النداء، وهذا المسجد قريب وليس فيه إمام راتب، فهل يذهبون إلى هذا المسجد يصلون أم لا؟ الشيخ: لا شك أن صلاتهم في المسجد أولى: أولاً: لإقامة الجماعة، ما دام المسجد قريباً قد تقام فيه الجماعة وقد لا تقام، فكونهم يذهبون إلى هناك ويقيمون الجماعة ويؤذنون فيه الصلوات الخمس لا شك أنه أولى، لكن الوجوب لا يجب؛ لأن هذا المسجد لم يكن مسجداً معتمداً تصلى فيه الصلوات الخمس. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 22 حكم عملية ربط رحم المرأة للحاجة السؤال امرأة أصيبت بمرض سرطان الثدي، وأجريت لها عملية تم من خلالها استئصال هذا الأذى، وقد رزقت ولله الحمد والمنة بولدين وأربع بنات، وتريد الآن أن تربط الرحم لتتوقف عن الولادة خاصة أنها تتعب وتعالج الآن في المستشفى التخصصي لمتابعة حالتها، وهي دائماً متعبة، ولا تستطيع أن تتحمل أي مسئولية كونها مدرسة وتعول أولادها بنفسها؟ الشيخ: السؤال عن ربط الرحم؟ السائل: إي نعم. الجواب إذا دعت الحاجة إلى ذلك ووافق الزوج عليه فلا بأس؛ لأن هذا جائز، الصحابة كانوا يعزلون والقرآن ينزل ولم ينهوا عن ذلك، وأظن ربط الرحم لو شاءوا لحلوا فيما لو تعافت المرأة وقدرت على الحمل. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 23 حكم مس القارئ لجسد المرأة السؤال بالنسبة للقارئ ما هي الأماكن التي يجوز أن يمسكها من المرأة، هل له الحق أن يمسك الرأس أو يمسك غير ذلك؟ الجواب الذي يقرأ على المرضى؟ السائل: نعم. الشيخ: والله لا أرى له ذلك مهما كان، لا يضع يده على موضع الألم بالنسبة للمرأة، أما بالنسبة للرجل فإنه من المستحسن أن يضع الرجل يده على موضع الألم ويقول: (أعيذك بعزة الله وقدرته من شر ما تجد وتحاذر) وما أشبه ذلك مما ورد به السنة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 24 كيفية تقليب الطلاب للمصحف في حال منع المدرس لهم من الخروج للوضوء السؤال فضيلة الشيخ: مدرس القرآن في المدارس لا يسمح للطلاب بالخروج في حصة القرآن للوضوء، فكيف يقلبون المصحف؟ الجواب يضع الطالب منديلاً على يده ويقلب المصحف أو يقلبه بمسواك أو شبهه، أو يقول لهم مثلاً: توضئوا قبل دخول الدرس، فإنني لن آذن لأحدٍ أن يخرج. فأمامه الآن طريقان: الطريق الأول: أن يمكنهم من مس المصحف بحائل. الطريق الثاني: أن يلزمهم بأن لا يدخل أحد إلا متوضئاً. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 25 حكم القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت السؤال بالنسبة للقراءة هل يجوز القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت للاحتراز من الشياطين وغيرهم؟ الجواب لا. هذا غير صحيح، قولهم: إنه إذا قرأ على الملح وذره في البيت لا تقربه الشياطين هذا خطأ وليس بصحيح، ولا يجوز العمل به. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 26 كيفية محاسبة الميت الذي يتأخر دفنه أو لا يتمكن من دفنه السؤال فضيلة الشيخ محمد! نشهد الله على حبكم في الله والحاضرين. الشيخ: أحبك الله الذي أحببتنا فيه. السائل: يا فضيلة الشيخ! بالنسبة لسؤال الملكين في القبر واضح بالنسبة للذي يموت ويدفن، ولكن في بعض الأحيان يوضع الميت في الثلاجة لمدةٍ قد تصل إلى شهور، فمتى يتم سؤاله في القبر بالنسبة له، هل بمجرد موته، أو بمجرد وضعه في القبر، وفي بعض الحالات لا يتم دفن الميت كأن تنفجر به الطائرة أو يموت في البحر، فكيف يكون سؤال الملكين أيضاً في القبر بالنسبة له؟ ومتى ذلك؟ الجواب العلم عند الله، لكن أرى أنه متى سلمه أهل الدنيا إلى عالم الآخرة حصل السؤال، وأن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام في أنه يسأل إذا دفن بناءً على الغالب المشاهد، فمثلاً: هذا الذي يوضع في الثلاجة حتى تنتهي إجراءات موته لا يسأل حتى يسلم لعالم الآخرة، بمعنى: حتى يدفن. وكذلك أيضاً من احترق إن لم نطلع على جثته فهذا يحاسب، لن نستطيع دفنه ولا نطلع على جثته، ولكن تجب الصلاة عليه صلاة الغائب، وأما من يمكن أن يدفن ولو بعد حين فما دام لم يدفن فإنه لا يسأل. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 27 حكم الشراكة على أن يكون لأحد الشريكين مبلغاً ثابتاً السؤال فضيلة الشيخ! استقدم شخص عاملاً ووضعه في المحل ووفر له السكن والمعيشة، وفتح له المحل وتحمل الإيجار، وقال: أنت تشتغل وتعطيني -مثلاً- في الشهر نسبة ألف أو ألفين ريال؟ الجواب لا ليس نسبة ألف أو ألفين؛ النسبة أن يقول: تعطيني الربع أو النصف من الربح. أما أنه لا يحدد له، مثلاً: يخصص له ألفاً، يقول: وأريد منك ألفاً أو ألفين في الشهر والباقي لك. فالجواب: أولاً: هذا لا يجوز لمخالفته النظام، والنظام إذا لم يكن مخالفاً للشرع كان واجب التنفيذ بأمر الله عز وجل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وتهاون بعض الناس في الأنظمة التي لا تخالف الشرع هذا من البلاء، وهي معصية لا يدركها كثير من الناس، يعني: لا يدرك الإنسان أنه إذا خالف النظام فهو عاصٍ لله، وإذا استمر فهو مصرٌ على معصية. هذه واحدة. ثانياً: أن تعيين شيءٍ معين لا يجوز؛ لأنه غرر وجهالة، إذ قد يحصل العامل على ألفين التي قدرها له كفيله وقد يحصل على أربعة آلاف أو خمسة آلاف وقد لا يحصل على شيء، فالمسألة فيها جهالة وميسر فلا يجوز. إذاً هذه المعاملة محرمة من وجهين: الوجه الأول: مخالفة النظام. الوجه الثاني: مخالفة الشرع؛ لأن فيها جهالة وميسراً. السائل: وإذا قال: النصف بالنصف؟ الشيخ: يبقى مخالفة النظام، لكن كثيراً من الكفلاء يقولون: لو أعطيناه الأجرة التي اتفقنا عليها للعب ولم يشتغل، نقول: اجعل له مكافئة، تقول مثلاً: إذا أنجزت كذا وكذا فلك كذا وكذا، لنفرض أنه خياط، نقول: أجرتك خمسمائة ريال كما اتفقنا في العقد، ولك على كل ثوب ريالين مثلاً أو ثلاثة أو عشرة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 28 حكم من استدان مبلغاً بإحدى العملات ثم تغيرت قيمتها السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لزيادة العملات، الدائن يستدين من المدين، ثم ارتفعت العملة، هل يجب عليه أن يدفع بالعملة التي بعد الارتفاع أم قبل الارتفاع بارك الله فيكم؟ الجواب يعني: تغيرت العملة؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا تغيرت العملة ينظر إلى قيمة العملة الأولى عند تغييرها، فمثلاً: إذا كنا اتفقنا معه على مائتي ريال من نوع معين، ثم ألغي هذا النوع يقال: ما قيمته عند الإلغاء. السائل: أصلاً هو الدين. الشيخ: صور لي المسألة التي في قلبك؟ السائل: مثلاً: فلان يستدين من فلان الثاني، أحمد يستدين من محمد مبلغ ألف دولار، ثم بعد ذلك عند تسديد الدين ارتفعت العملة فأصبحت -مثلاً- ألفاً ومائتين. الشيخ: يعني: قيمة الدولار ارتفعت. السائل: نعم. الشيخ: حسناً، هذا يجب عليه أن يسلم بالدولار، ولو بلغت قيمته ما بلغت، لنفرض أنه وقت العقد كانت قيمة الدولار عشرة، وبعد ذلك ارتفعت إلى عشرين يجب أن يعطيه بالدولار ولو بعشرين، كما أنه بالعكس لو نقصت قيمة الدولار، هل يطالبه الدائن بقيمة الدولار أولاً؟ لا. يعطيه بالدولار ولو كان بنصف القيمة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 29 حكم التباكي أثناء قراءة القرآن السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التباكي في قراءة القرآن وغيره؟ الجواب التباكي إذا لم يكن تصنعاً أو رياءً فلا بأس به، بل قد يكون مطلوباً، أما إذا كان تصنعاً أو رياءً، لأن بعض الأئمة يبكي أو يتباكى رياءً من أجل أن يبكي الناس الذين حوله، أو ليقال: إنه رجل بكاء، فهذا لا يجوز، لكن كنت تستدعي البكاء؛ بمعنى أنك تحاول أن قلبك يخشع ويشاهد عظمة الله عز وجل، أو يشاهد الثواب في آيات الوعد، أو يشاهد العقاب في آيات الوعيد، فهذا طيب وينفع الإنسان. وهناك حديث لا أدري ما صحته: (إن لم تبكوا فتباكوا) لكن لا أعلم الآن مدى صحة هذا الحديث. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 30 التفصيل في قطع النافلة إذا أقيمت الصلاة السؤال رجل بدأ صلاة السنة -يعني: ركعتين قبل الظهر- وأقيمت الصلاة، هل يقطع الصلاة بالتسليمتين أم بدون تسليمتين؟ وما توجيهكم لذلك؟ الجواب إذا أقيمت الصلاة والإنسان في نافلة فإن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا أدرك ركعة قبل أن ينهى عنه. وأما إذا كان في الأولى فليقطعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) هذا هو التفصيل في هذه المسألة، وإن كان العلماء اختلفوا فيها لكن هذا أقرب ما يكون إلى الصواب. السائل: هل يسلم أم لا يسلم؟ الشيخ: لا. إذا قطعها لا يسلم؛ لأن السلام إنما يكون في آخر الصلاة، وهذه لم يأت على آخرها. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 31 حكم اتباع أحد الأئمة الأربعة السؤال قولنا: إن أربعة من الأئمة في أهل السنة والجماعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد هؤلاء أهل السنة، فهل يجب اتباع أحد منهم؟ وهل يوجد دليل على ذلك؟ الجواب لا يجب اتباع أحد من الخلق إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الناس فلا يجب اتباعه، لكن بعض العلماء قال: إن قول الصحابي حجة ويتبع بشرطين: 1/ ألا يخالف نصاً شرعياً. 2/ وألا يخالفه أحد من الصحابة. فإن خالف نصاً شرعياً فمعلوم أن النص أولى من اتباعه، وإن خالفه واحد من الصحابة أخذ بالأرجح من الصحابيين، أما من سواهم فلا يجوز، يعني: لا يجب عليَّ أن أكون حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً أو حنفياً أو سفيانياً. السائل: والناس الذين لا يستطيعون أن يأخذوا العلم؟ الشيخ: الذين لا يستطيعون أمرهم الله أن يسألوا أهل العلم، قال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، فمن لا يعلم فرضه التقليد، لكن من يقلد؟ لا نقول: يجب عليك أن تقلد أحمد أو الشافعي أو مالكاً أو أبا حنيفة أو سفيان الثوري أو غيرهم، بل اتبع من ترى أنه أقرب إلى الحق. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 32 حكم الزيادة في صلاة التراويح على إحدى عشرة ركعة السؤال ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان إحدى عشرة ركعة، ثم نجد أن عمر بن الخطاب جعلها عشرين ركعة، فأيهما الأصح؟ الجواب أولاً بارك الله فيك: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بإحدى عشرة ركعة، لكن هل قال للناس: لا تزيدوا عليها؟ لم يقل، بل جعل الباب مفتوحاً، لما سأله الرجل عن صلاة الليل قال: (مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوتر) ولم يقيدها، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بإحدى عشرة ركعة لكن هل هو كقيامنا؟ كان يقوم حتى تتورم قدماه، وحتى يعجز الشباب من الصحابة عن متابعته إلا بمشقة، ألم تعلم أن ابن مسعود قام معه ليلة فقرأ النبي عليه الصلاة والسلام وأطال القراءة حتى هم أن يجلس من طول القيام، فالأمر في هذا واسع؛ إن شئت إحدى عشرة لكن بتأنٍ وطمأنينة وقراءة، وإن شئت بثلاثٍ وعشرين، وإن شئت بتسعٍ وثلاثين، الأمر واسع، المهم ألا تشق على نفسك. ثم إن قولك: إن عمر جعلها ثلاثاً وعشرين يحتاج إلى دليل، من قال هذا؟ أغلب ما فيه أن عمر أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وهذا هو المظنون بـ عمر أن يأمر بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله. لكن في حديث يزيد بن رومان وفيه انقطاع: [أن الناس كانوا في عهد عمر يقومون بثلاثٍ وعشرين] فهذا فيه أن الناس يفعلونه، فجائز أن عمر يدري أو لا يدري، وقد يكون أمر به فلم يكن، لكن إذا ثبت أنه أقر بذلك فيقال: هذا يدل على أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه -وهو أعلم منا بالسنة وأخشى منا لله- يرى أنه لا بأس أن يزيد الإنسان على إحدى عشرة ركعة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 33 حكم من أفتى بجواز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال السؤال فضيلة الشيخ! رجلان وامرأتان رموا الجمار في اليوم الثاني عشر بعد صلاة الفجر، وقالوا: بأنا أُفتينا بجواز ذلك، فما رأيكم؟ الجواب هل استفتوا من يثقون بعلمه؟ فليس معنا الذي أفتاهم؛ لأنه لا يجوز الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ولا في اليوم الحادي عشر ولا في اليوم الثالث عشر، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتهز زوال الشمس ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترقب الزوال ترقباً شديداً، ولو كان يجوز الرمي قبل الزوال لرمى في أول النهار؛ لأن ذلك أيسر له ولأمته، أو لرخص للضعفاء كما رخص لهم في رمي جمرة العقبة. فالصواب أنه لا يجوز، وإن قال به من قال من التابعين أو من بعد التابعين، لكن المرجع الكتاب والسنة، والذي يرمي قبل الزوال مستنداً إلى شخصٍ يثق بعلمه فليس عليه شيء؛ لأن هذا هو الذي كلف به: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] ، أما إذا كان قصده تتبع الرخص فعليه الإثم والفدية؛ تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، والذي يبدو -والله أعلم- أن مثل هؤلاء يقصدون تتبع الرخص؛ لأن من العلماء من هو أعلم من الذي أفتاهم يقول: لا يجوز، ولا يمكن أن تكون الأمة كلها إلا واحد أو اثنين عطاء بن أبي رباح والثاني والثالث، تجمع على أنه لا يجوز قبل الزوال ونتبع واحداً من ملايين الملايين. المهم إذا كان قصدهم تتبع الرخص فعليهم الفدية مع الإثم والتوبة إلى الله عز وجل، وإن كان لا يثقون بعلمه ويقولون: هذا عالم موثوق فليس عليهم شيء. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 34 حكم المسافر إذا أدرك الإمام وهو في التشهد في صلاة الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! رجل مسافر أدركته الجمعة وهو في الطريق، فوقف ودخل المسجد فأدرك الإمام في التشهد الأخير، فهل يصلي أربعاً اتباعاً للإمام أم يصلي ركعتين؟ الشيخ: لكن الإمام صلاها جمعة ولم يصلها أربعاً؟ السائل: لا؛ لأنه مقيم. الشيخ: لكنه صلاها جمعة ركعتين. السائل: نعم. لكن لو كان مقيماً لصلاها أربعاً. الشيخ: لو كان مقيماً أما الآن فليس بمقيم، فهذا يصلي ركعتين فقط؛ لأنه لما فاتته الجمعة صار فرضه الظهر والظهر في حقه ركعتان مقصورة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 35 حكم زواج أولاد الإخوة من الرضاعة السؤال فضيلة الشيخ! جدتي أم الوالدة أرضعتني مع خالي، فهل يجوز الآن أن يتزوج أولاد خالي ببناتي، والعكس؟ الجواب أنت رضعت من جدتك؟ السائل: أنا رضعت من جدتي. الشيخ: كم مرة؟ السائل: حولان كاملان. الشيخ: حسناً! خمس رضعات تكون ولداً لها. الشيخ: أسألك: هل تكون أنت ولداً لها؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً يكون خالك أخاً لك من الرضاعة، فبناتك هو عمهن، وبناته أنت عمهن. السائل: يعني: أنه لا يجوز لي أن أتزوج من بناته؟! الشيخ: هل يجوز أن يتزوج أحد ببنت أخيه؟! الجزء: 179 ¦ الصفحة: 36 حكم من نوى السفر وأقيمت الصلاة قبل خروجه من البلد السؤال المسافر إذا دخل عليه -مثلاً- وقت صلاة الظهر وأذن وهو قد عزم على السفر وركب السيارة هل يؤخر الظهر إلى العصر أو يصلي معهم؟ الجواب لا بأس، إذا أذن وهو في بلده فله أن يؤخرها ويصليها قصراً، لكن إذا سمع الإقامة وهو في بلده فلا بد أن يصلي. السائل: يصلي الظهر أم الظهر والعصر؟ الشيخ: العصر لا يصلها؛ لأنه لم يسافر بعد، إذا سمع الإقامة يصلي مع الناس الظهر، ثم يركب وإذا جاء وقت العصر صلاها. السائل: ليس قصراً بل تامة؟ الشيخ: نعم تامة هو في بلده، لكن إذا خاف فوات السفر، مثل أن يكون له موعد في إقلاع الطائرة لو تأخر حتى يأتي الإمام ويقيم تفوته الرحلة فهنا يعذر لتركه الجماعة، ويخرج ويصلي ظهراً مقصورة. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 37 حكم من جلس في مكة لعذر بعد طواف الوداع السؤال فضيلة الوالد الشيخ! رجل يقول: حججت هذا العام بإذن الله ولكني رميت الجمرات يوم الخميس الثاني عشر من ذي الحجة بعد صلاة الظهر، ثم ذهبت إلى مكة وطفت طواف الوداع وانتهيت من ذلك في الساعة الخامسة تقريباً قبل المغرب، ثم ذهبت إلى مسكني في العزيزية وكانت نيتي أخذ أغراضي والسفر إلى جدة مباشرة؛ لأن لي قريباً بها أقضي معه عدة أيام، ولكن نظراً لحالتي الصحية التي أصابتني يوم عرفة لم أستطع، فأجلت سفري حتى الصباح فنمت في مسكني واستيقظت صباحاً وسافرت من مكة إلى جدة في الساعة التاسعة صباحاً تقريباً أفيدونا هل عليَّ من فدية؛ لأنه لم يعد طواف الوداع؟ الشيخ: هل هو من جدة أو من أين؟ هل هو ساكن في جدة؟ الشيخ: هو من أهل القصيم. الشيخ: الواجب عليه أنه يرجع من جدة ويطوف، أو يطوف قبل أن يسافر، فالذي أرى أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء احتياطاً. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 38 حكم اللحوم المستوردة السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم ما يفعله بعض الناس من التحرز من عدم أكل اللحوم المستوردة؟ الجواب إذا كانت الشبهة عنده قوية فلا بأس، وهذا من باب الورع، وأما إذا كان مجرد وهم كما هو الواقع فهو مخطئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله قومٌ قالوا: (يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا أنتم وكلوا) قالت عائشة راوية الحديث: [وكانوا حديثي عهدٍ بكفرٍ] وحديث العهد بالكفر يجهل كثيراً من أحكام الإسلام، ومع ذلك قال: سموا أنتم وكلوا، كأنه يقول: ليس عليكم أن تسألوا عن فعل غيركم، اسألوا عن فعلكم أنتم، فعل غيركم الذبح وقد انتهى، وفعلكم أنتم الأكل فسموا، والغالب أن الذي يمتنع في السعودية خاصة أنه يمتنع بناء على وهم لا حقيقة؛ لأن الذي سمعنا نحن في مجلس هيئة كبار العلماء من وزير التجارة ومن له صلة بهذا الأمر أنه لا يرد على السعودية إلا شيء مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية وبالتسمية وبكل شيء، وأما ما يشاع من أنهم وجدوا كرتوناً مكتوباً عليه ذبح على الطريقة الإسلامية وإذا هو سمك، فما أدري عن صحته، وإن صح فربما الذين يعبونه هناك أناس لا يعرفون اللغة العربية وعندهم سمك ودجاج فوضعوا هذا في هذا وهذا في هذا. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 39 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) السؤال فضيلة الشيخ: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) ؟ الجواب هذا خطير جداً يوجب على الإنسان أن يقطع العجب عن نفسه، لا يقول: أنا عملت أنا عملت، هذا الذي عمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -يعني: في الزمن- بمعنى: قرب أجله، ليس معناه في الرتبة، يترقى بعمله حتى لم يبق إلا ذراع؛ لأنه لو كان كذلك لم يقتله الله عز وجل، لكن في الزمن حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع يعني في الزمن، أما عمله فليس بشيء؛ لأنه لو كان عمله رقاه إلى أن يكون بينه وبين الجنة ذراع ما خذله الله عز وجل، كيف يخذله وهو يقول: (من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه باعاً) . إذا قال قائل: كيف يكون عمله عمل أهل الجنة؟ نقول: نعم، هذا فيما يبدو للناس أنه من أهل الجنة، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من هذه الحال، حال صعبة، ويدل لهذا القيد ما أخرجه البخاري: أن رجلاً كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام في إحدى الغزوات وكان رجلاً شجاعاً لا يدع للعدو شاذة ولا فادة إلا قضى عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا من أهل النار) -نسأل الله العافية- فعظم هذا على المسلمين، قالوا: كيف يكون هذا الرجل الشجاع المقدام من أهل النار؟!! فقال رجل: والله لألزمنه ما معنى لألزمنه؟ أي: أكون معه لأرى النهاية، فلازمه فأصيب هذا الرجل بسهمٍ من العدو فجزع فسل سيفه ووضع ذبابه على صدره ثم اتكأ عليه حتى ظهر من ظهره والعياذ بالله، فصارت النهاية أن قتل نفسه، فعاد الرجل الذي لزمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله! قال: بم؟ قال: إن الرجل الذي ذكرت لنا بالأمس أنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة، علينا أن نتريث في الأمور وأن ننظر ماذا نحن فيه وألا نعجب بأنفسنا، فعملنا مهما كان فإن ذنوبنا عظيمة وكثيرة. إذاً معنى قوله: (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) ؟ في الزمن لا في الرتبة، أي: حتى يقرب أجله فيعمل بعمل أهل النار، مثل هذا الرجل الآن عمله عمل أهل الجنة فيما يبدو لنا، لما قرب أجله صار هذا. أما رجل يعمل بعمل أهل الجنة مخلصاً لله متبعاً لرسول الله حتى يكون في منزلة عالية لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع فهذا لا يمكن أن يخذله الله عز وجل؛ لأن الله أكرم من عبده سبحانه وتعالى. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 40 وقت رمي الجمار السؤال فضيلة الشيخ من يقول برمي الجمار في الليل لأنه لم ينته الوقت، إذاً متى ينتهي وقت رمي الجمار؟ الجواب الذين يقولون: إنه يمتد وقت الرمي إلى فجر اليوم الثاني يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام حدد أوله ولم يحدد آخره، وأن ما جاز في أول الليل جاز في آخر الليل، كالوقوف في عرفة؛ فالوقوف في عرفة معلوم أن يوم عرفة ينتهي بغروب الشمس، لكن ليلة العيد التي هي ليلة العاشر تتبع الذي قبلها اليوم التاسع، فقال: هذه مثلها. ومن الناس من يقول: يرمي في الليل إلى منتصفه فقط، وحجتهم بهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله رجل قال: (رميت بعدما أمسيت، قال: لا حرج) قالوا: والمساء يكون من نصف النهار الأخير إلى آخر نصف الليل الأول. والذي يظهر لي أن القول: بأنها تمتد إلى الفجر أقرب للصواب. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 41 حكم تقديم الصلاة لمن يدخل البلد وقت الصلاة الثانية السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان الإنسان مسافراً ثم أقبل على بلده يريد أن يجمع ويقصر -مثلاً- الظهر والعصر ولكن في ظنه أنه يصل إلى بلده قبل وقت العصر ثم يأتي وينام ويترك صلاة العصر؟ الشيخ: لكنه قد صلاها؟ السائل: قد صلاها مع الظهر، فهل يحق له أن يصليها مع الظهر؟ الجواب أقول: الإنسان مادام لم يصل إلى بلده ويدخل البلد فعلاً فله الترخص برخص السفر من الجمع والقصر، ولهذا صلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ركعتين وقد أقبل على الكوفة فقالوا: [يا أمير المؤمنين! هذه الكوفة! فقال: إنا لم ندخلها] . فيجوز للإنسان أن يترخص برخص السفر كلها حتى يدخل البلد، فإذا صلى العصر مع الظهر ودخل البلد قبل العصر فله أن ينام ولا حرج عليه؛ لأنه أبرأ ذمته. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 42 حكم استخدام الوساطة لإسقاط المخالفات المرورية السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يبحث عن شفاعات لإسقاط المخالفات المرورية، كالسرعة وقطع الإشارة وعدم حمل الرخصة والاستمارة؟ الشيخ: هل هو مظلوم بذلك أم لا؟ السائل: لا يا شيخ. الشيخ: غير مظلوم. السائل: في الغالب. الشيخ: إذا كان غير مظلوم فإنه لا يجوز أن يسقط الإنسان شيئاً نظمته الحكومة أو يحاول إسقاطه. أما إن كان مظلوماً فله أن يحاول دفع الظلم عن نفسه بأي وسيلة مباحة، أما الضرائب المرورية أو الجزاءات المرورية فمعروفة لكل أحد، والآن انظر كيف هي الحوادث عندنا مع العلم بأن الحكومة جزاها الله خيراً ما قصرت، بل نظمت جزاءاتٍ تردع الإنسان، لكن المخالفات كثيرة، ومن نظر إلى الإحصاءات يتعجب كيف يكون هذا في البلد؟! الجزء: 179 ¦ الصفحة: 43 حكم تعدد النية في النوافل السؤال إنسان يريد أن يصلي النافلة ويسأل عن ذوات الأسباب فهو يريد أن يصلي سنة بنيتين؟ الشيخ: مثل؟ السائل: مثلاً: سنة الوضوء وسنة الظهر، وكذلك تحية المسجد، هل يجوز أن يجمع الثلاث؟ الجواب القاعدة في هذا: أننا إذا علمنا أن الشارع إنما أراد منا أن نصلي، فإذا صلى بنية واحدة كفى، لكن ما قُصدت بعينها لا يكفي عنها ذات السبب، مثال ذلك: رجل توضأ لصلاة الظهر بعد أذان الظهر، فالآن أمامه شيئان وهما: سنة الوضوء وراتبة الظهر، فإذا صلى بنية راتبة الظهر نقول: الآن حصل المقصود، فقد صليت الآن ركعتين تحية المسجد أيضاً سنة فرجل دخل المسجد بعد أذان الظهر وصلى راتبة الظهر نقول: حصل المقصود؛ لأنك لم تجلس حتى صليت ركعتين، لكن لو نوى تحية المسجد لم تسقط الراتبة، إذا نوى ذات السبب لم تسقط الأخرى الراتبة، نظيرها الوداع وطواف الإفاضة لو طاف عند السفر وهو لم يطف طواف الإفاضة ونوى طواف الوداع لم يسقط طواف الإفاضة، ولو نوى طواف الإفاضة سقط طواف الوداع. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 44 حكم الطواف بعد السعي السؤال فضيلة الشيخ: رجل في يوم العيد سعى دون أن يطوف، وأخر الطواف إلى اليوم الثالث، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) بجواز التقديم والتأخير، فهل فعله هذا صحيح؟ الجواب نعم صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله رجل: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) . السائل: هل الترتيب والموالاة بينهما شرط؟ الشيخ: لا. ليست شرطاً لا في الحج ولا في العمرة، حتى في العمرة لو طاف الإنسان في أول النهار وسعى في آخره أو طاف في النهار وسعى في الليل فلا بأس. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 45 حكم من أمر بأمر يخالف الشريعة السؤال إنسان أتاه أمر من مسئول عليه بما يعتقد أنه مخالف للشرع فهل يستجيب له، خاصة إذا كان أمر بترك العمل؟ الشيخ: بترك العمل؟! السائل: إذا لم ينفذ -مثلاً- هذا الأمر يترك العمل الذي وكله إليه، ويأتي بالعمل الآخر، فهل يستجيب ويفعل هذه المخالفة وهو يعتقد أنها مخالفة للشرع، أو أنه يرى؟ الجواب أما إذا أكره على هذا فلا حرج عليه، وصفة الإكراه أنه إذا لم يفعل فصل عن وظيفته. السائل: لا يفصل بل يحول إلى عمل آخر؟ الشيخ: إذا كان يحول إلى عمل آخر مباح فإنه يمتنع، يقول: هذا حرام ولا أستطيع أن أفعله، لكن ليعلم أنه إذا لم يفعله سوف يفعل هذا الشيء رغماً عنه وتبقى عليه صفحة سوداء، وربما يضايقونه بأشياء كثيرة، فالإنسان ينظر المصالح والمفاسد. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 46 كيفية الصدقة عن الميت السؤال قلنا: الصدقة على الميت تجوز، وهناك بعض الناس إذا مات ميت يعزيه الناس في وقت معين وفي مكان محدد، وبعد شهر وبعد أسبوع يذبحون الذبائح ويتصدقون ويستدلون بالحديث الذي ذكرته عنه؟ الجواب هذا خطأ، الصدقة عن الميت أن يأخذ الإنسان دراهم ويعطيها الفقير، وليس أن يصنع الطعام، فصنع الطعام وجمع الناس عليه من النياحة، والنياحة حرام، ولذلك تجد هؤلاء الذين يصنعون الطعام زعماً منهم أنهم يتصدقون به يحضر عندهم الغني والفقير، والفاسق والعدل، والفاجر والعفيف ولا يبالون، فهذه بدعة وهي من النياحة كما قاله جرير بن عبد الله البجلي: [كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة] . الجزء: 179 ¦ الصفحة: 47 أجر الصلاة خارج المسجد النبوي السؤال قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه) وبعض الناس يقول: إن الذي صلى خارج المسجد النبوي لا يحصل على هذه المضاعفة وإن كانت الصفوف متصلة، فهل قوله هذا صحيح؟ الجواب هو صحيح إلا أن يخالفه الصحابة، فإن خالفه الصحابة فضع قوله في الأرض، والصحابة خالفوه؛ لأن عمر زاد في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وصلى المسلمون فيه، واعتبروه مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عثمان زاد من جهة القبلة أيضاً، وصار مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وراء الناس، وصار الناس يأتون إلى الصف الأول في زيادة عثمان رضي الله عنه في عهد الصحابة، فلا ندري أهذا الرجل أعلم من الصحابة أو أتقى من الصحابة؟ لا هذا ولا هذا، وقد ورد حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أن مسجده مسجده ولو وصل إلى عدن) أين هي عدن؟ في أقصى اليمن، فمسجد الرسول مهما امتد ولو وصل إلى عدة صفوف فهو مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام. السائل: هو يقول: الذي صلى خارج البناء والصفوف متصلة هذا ليس داخلاً في المضاعفة بخلاف الذي صلى في الداخل؟ الشيخ: نعم، هو صحيح أنه ما صلى فيه، لكن صلى خارج المسجد، لكن الجماعة واحدة، وكما جاء في الحديث: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) وهذا فيمن جلس في حلقة ذكر يريد أمراً دنيوياً. فالذي نرى أنه إذا اتصلت الصفوف فالحكم واحد إن شاء الله تعالى. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 179 ¦ الصفحة: 48 لقاء الباب المفتوح [180] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات من سورة النجم ، حيث بين من خلالها سعة رزق الله الذي بسطه لخلقه، وربوبية الله لجميع المخلوقات، وإهلاكه للأمم بسبب تكذيبهم لأنبيائهم. وقد ختم الشيخ حديثه ببيان ما ينبغي على المسلم أمام كلام من يتخرصون في حساب الأزمنة الماضية والمستقبلة. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثمانون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر محرم عام (1419هـ) . الجزء: 180 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير ما تيسر أو مما يسر الله تعالى من تفسير الآيات، ونحن في آخر سورة النجم، حيث انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم:48] يعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فهو الذي أغنى من شاء من خلقه، وأقنى قيل معناها أكثر؛ لأنها في مقابلة أغنى، وقيل: أغنى بالكفاية، وأقنى بما زاد عن الكفاية، يعني: أن الله عز وجل بسط الرزق للعباد فمنهم من أغناه عن غيره ومنهم من أقناه أي: جعل له قنية وهي الزائد عن الكفاية، وكما ذكرنا مراراً أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين ليس بينهما منافاة ولا مرجح لأحدهما على الآخر فإنها تحمل عليهما؛ لأنه أعم للمعنى. فالذي يغني هو الله والذي يقني هو الله عز وجل، وليست هذه الأصنام التي هي: اللات والعزى ومناة، بل ذلك إلى الله عز وجل وحده. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأنه هو رب الشعرى) قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:49] أتى بضمير الفصل تأكيداً للجملة و (رَبُّ الشِّعْرَى) أي: خالقها ومالكها ومدبرها، و (الشعرى) هي: النجم المضيء الذي يخرج في شدة الحر، ونص على هذا النجم؛ لأن بعض العرب كانوا يعبدونها ويعظمونها، فبين تبارك وتعالى أن الشعرى من جملة المخلوقات المربوبات فليست إلهاً ولا تستحق أن تعبد. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأنه أهلك عاداً الأولى) قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى} [النجم:50] وهم قوم هود. و (الأولى) : وصف كاشف وليس وصفاً مقيداً، أي: ليس هناك عاد أولى وعاد ثانية بل هي واحدة، لكنها عاد قديمة سابقة، ولهذا وصفها بأنها الأولى يعني: القديمة السابقة وليس ثمة عادٌ أخرى. عاد: هم قوم هود، وكان الله تعالى قد أعطاهم من القوة والنشاط وشدة البطش ما ليس لغيرهم، حتى إنهم قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] ، هؤلاء القوم يفتخرون بشدتهم وقوتهم فأهلكهم الله تعالى بألطف الأشياء، حيث أهلكهم بريح صرصر عاتية، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة:7] ابتدأت من بعد الفجر وانتهت عند الغروب، فصارت الأيام ثمانية والليالي سبعاً، {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] تحمل الإنسان إلى القمة ثم تقذف به على الأرض، فصاروا كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية والعياذ بالله، أو {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] . فهؤلاء القوم مع شدة بطشهم وشدة بأسهم لم يمنعهم ذلك من عذاب الله عز وجل. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وثمود فما أبقى) قال تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النجم:51] أي: أهلك ثمود فما أبقى، وثمود هم أصحاب الحجر، حيث أرسل الله إليهم صالحاً فكذبوه، وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة وأعطاهم معرفة وعلماً بهندسة البناء، لكن مع ذلك ما دفعوا ما أراد الله بهم، حيث صيح بهم ورجفت بهم الأرض، فأصبحوا في ديارهم جاثمين -والعياذ بالله-. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وقوم نوح من قبل) {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} [النجم:52] أي: وأهلك قوم نوحٍ من قبل بالغرق، كما قال الله تعالى في سورة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] حيث قال عن نبيهم نوح: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:10-11] وفي قراءة: ((ففتَّحنا)) مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح، {أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] أي: نازلٍ بشدة، {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] الأرض كلها كانت عيوناً ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور، حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة، لكنه فار فصارت الأرض كلها عيوناً والسماء تمطر. {فَالْتَقَى الْمَاءُ} [القمر:12] ماء السماء وماء الأرض، {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] أي: أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص، سبحان الله العظيم! فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال، ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل، حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع في جسدها، وكان معها صبي فحملت الصبي على يديها لترفعه لئلا يغرق قبلها وجاء في الحديث: (لو رحم الله أحداً لرحم أم الصبي) لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى، أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم. وقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم:52] اختلف المفسرون فيها، فقيل: إن الضمير يعود على قوم نوح فقط، وقيل: إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله عز وجل ممن أهلكهم. فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوحٍ أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد، ووجه ذلك أنه حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة، حيث إن نوحاً عليه الصلاة والسلام لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، يقول الله تبارك وتعالى عنه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:5-7] حتى لا يسمعوا، {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] تغطوا بها حتى لا يبصروا، وهذا يدل على شدة كراهيتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام. {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] أي: استكباراً عظيماً فلم يخضعوا لعبادة الله عز وجل، فكانوا أظلم وأطغى من عاد وثمود. وعلى القول الثاني إن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم، يكون المعنى: أن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد! فيكون في هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك، والذي أهلك من سبق قادرٌ على أن يهلك من لحق، وكلا المعنيين صحيح، فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش، وقوم نوح أظلم وأطغى من عادٍ وثمود. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (والمؤتفكة أهوى) ثم قال عز وجل: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} [النجم:53] أي: أسقط، (والمؤتفكة) هي قرى قوم لوط، (أهوى) بمعنى: أنزل، واختلف المفسرون في قوله: (أهوى) هل المعنى: أن الله أهوى بها من فوق إلى أسفل بناءً على أنه تعالى رفع هذه القرى إلى فوق ثم قلبها، أو أن المعنى: أنه أسقطها بمعنى: أرسل عليها الحجارة حتى تهدم البناء فصار أعلى البناء أسفله. المهم: أن الله تعالى أخبر عن قوم لوط بأن الله أهواهم -أي: أسقطهم- سواء من الجو أو من سقوط البناء على أسفله. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فغشاها ما غشى) قال تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:54] (غشاها) أي: غطاها، وقوله: (ما غشى) مبهم للتعظيم والتفخيم، كقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي: غشيهم شيءٌ عظيم، فالإبهام أحياناً يراد بها التعظيم والتهويل والتفخيم كما في هذه الآية. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (فبأي آلاء ربك تتمارى) قال تعالى: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [النجم:54-55] الاستفهام هنا للتوبيخ، و (تتمارى) تتشكك، و (الآلاء) : النعم، أي: بإي نعم الله تتشكك أيها الإنسان! إذ أن الواجب أن الإنسان يقر بنعم الله ويشكره عليها، لا أن يتشكك ويقول: هذا من عملي هذا من كذا هذا من كذا، كما كانت العرب تقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، يعني: بالنجم وينسون الخالق عز وجل. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (هذا نذير من النذر الأولى) ثم قال جل وعلا: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم:56] هذا المشار إليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، (نذير) بمعنى: منذر، والمنذر: هو الذي يعلم بالشيء على وجه التخويف؛ لأن الإنذار هو إعلام بتخويف، والبشارة هو إعلام بالرجاء، {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} ولم يقل: بشيراً؛ لأن المقام لا يقتضي إلا ذكر الإنذار، إذ أن الله تحدث من أول السورة إلى آخرها عن قريش وتكذيبها للرسول صلى الله عليه وسلم، وعبادتها الأصنام فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى، أي: من الرسل السابقين، يعني: فكما أن الذين كذبوا الرسل حل بهم العقاب والنكال، فأنتم أيها المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم! يوشك أن يحل بكم النكال والعقوبة؛ لأن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل غيره نذيرٌ من النذر، فإذا كان نذيراً من النذر فإن من كذبه سيقع به مثلما وقع بالأمم السابقة. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (أزفت الآزفة) قال تعالى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم:57] أي: قربت القيامة؛ (الآزفة) القيامة وأزف بمعنى: قرب، ومنه قول الشاعر: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قدِ الآزفة هي القيامة؛ لأن الساعة قريبة، كما قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] ، وقال تعالى في الآية الثانية: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] فهي قريبة، ويدل لقربها أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل معناه: أن الأمر قريب، وأما كون الله تعالى يذكر أن الأمر قريب فإن بيننا وبين نزول القرآن أربعة عشر قرناً، ونحن الآن في الخامس عشر، ومع ذلك يقول الله عز وجل: إن الساعة قريبة، من هنا نعرف أن عمر الدنيا طويل وبعيد، ولكن هل نأخذ بقول هؤلاء الذين يتخرصون ويقولون: عمر الدنيا الماضي كذا وكذا؟ لا هؤلاء لا نصدقهم ولا نكذبهم، يعني: أحياناً يقولون: إنهم عثروا على آثار حيوان له كذا وكذا من ملايين السنين، أو على أحجار أو ما أشبه ذلك، هذا لا نصدقه ولا نكذبه؛ لأنهم لا يعلمون غيب الماضي وإنما يقيسونه بحال الحاضر، يعني: يقيسون مثلاً عمر هذا الأثر بحسب المؤثرات في الوقت الحاضر، لكن ما الذي يعلمنا أن المؤثرات في الوقت الحاضر هي المؤثرات في الوقت الماضي؟ لا ندري، قد يتغير الطقس من حرارة إلى برودة ومن برودة إلى حرارة، وقد تتغير الرياح والأمطار وغير ذلك، فما نقرؤه أو نسمع به من علوم هؤلاء موقفنا نحوه: ألا نصدقه ولا نكذبه. أما في المستقبل فيجب أن نكذب به، كل من أخبر عن شيء مستقبل يجب علينا أن نكذبه؛ لأنه يدعي الغيب، والله عز وجل يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] . فعليه نقول: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أي: قربت القيامة، لكن هل يمكن أن نحدد متى القرب؟ لا، لا يمكن، ومن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فإنه مكذبٌ لله ورسوله، أما الله فقد قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:63] وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن جبريل لما سأله قال: (أخبرني عن الساعة؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: إنك إذا كنت تجهلها فأنا مثلك، فمن ادعى أن الساعة تقوم مثلاً بعد مليون سنة، أو مائة ألف سنة، أو أقل أو أكثر فإنه يجب علينا أن نكذبه ونقول: إنه كافر؛ لأنه مكذبٌ لله ورسوله. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (ليس لها من دون الله كاشفة) ثم قال تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58] أي: ليس للساعة من دون الله كاشفة، ولها معنيان: المعنى الأول: كاشفة بمعني: مانعة أي: لا أحد يمنعها، كما في قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] . المعنى الثاني: كاشفة يعني: عالمة تكشفها وتبينها. وعلى كل حال: فلا أحد يمنع قيام الساعة إذا شاء الله، ولا أحد اطلع على الساعة متى تكون. ثم قال الله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} [النجم:59] وهذه إلى الدرس القادم -إن شاء الله-. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 13 الأسئلة الجزء: 180 ¦ الصفحة: 14 حكم الجائزة التي يكون عليها سحب في المعارض السؤال فضيلة الشيخ: يقام في بعض المناطق في بعض الأحيان موسم لسلع قد تكون ليست موجودة في كل المناطق، وتكون هذه السلع مخفضة، فيذهب شخص -مثلاً- إلى هذا المعرض وهو لا يعلم عنه أي شيء، ثم يقول: إذا رغبت في سلعة أي: وجدتها رخيصة اشتريتها، ثم يشتري سلعة من محل آخر من هذه المحلات وأعطاه صاحب المحل كرتاً يوجد فيه رقم يسحب في آخر أيام المعرض على جائزة من الجوائز، ما حكم هذه الجائزة؟ الشيخ: ما فهمت الآن، يعني: ناس يعرضون سلعاً؟ السائل: نعم في المعرض. الشيخ: بقيمة أرخص؟ السائل: نعم، تكون قيمتها مخفضة مثل الأجهزة. الشيخ: ثم ماذا يقولون؟ السائل: يذهب شخص مثلاً ليشتري أو يذهب لهذا المعرض بقصد النظر. الشيخ: وربما يشتري؟ السائل: نعم، ربما مثلاً يجد سلعة مخفضة فيشتريها فيعطيه صاحب المحل كرتاً. الشيخ: صاحب المعرض. السائل: صاحب المعرض يعطيه كرتاً برقم سحب في آخر أيام المعرض مثلاً على جائزة معينة. الشيخ: وما معنى السحب؟ السائل نفسه: يعني: يجمعون هذه الأرقام والكروت كلها ثم يسحبون رقمين أو ثلاثة يفوز صاحب الرقم بسيارة أو جهاز أو غير ذلك. الشيخ: لكن هل السلع هذه تباع بأغلى من السوق أو بمثل السوق أو أنزل من السوق؟ السائل: لا قد تكون أرخص. الشيخ: لا أرى فيها بأساً؛ لأن هذا المشتري الآن إما سالم وإما غانم، ليس هو ضامن على أن تأتيه السلعة، أقصد لا يضره أن يحرم من الجائزة وينتفع إن كانت له الجائزة، فلا بأس بهذا. السائل: ما حكم الجائزة؟ الشيخ: الجائزة حلال؛ لأنه لم يخسر عليها شيئاً، وهل خسر شيئاً؟ السائل: لا. الشيخ: أبداً. اشترى السلعة بثمنها أو أقل. السائل: لكن إذا كان يعلم صاحب المحل إذا اشتريت منه السلعة أعطاك الرقم هذا؟ الشيخ: لا يوجد مشكلة، الكلام على أن صاحب المحل لم يرفع السعر، وأنك أنت -أيها المشتري- اشتريت لغرض السلعة لا لأجل المسابقة افرض مثلاً أنه قال: من اشترى هذا القلم بخمسة ريالات وهو قيمته خمسة ريالات، ثم يدخل في مسابقة الجوائز، الآن إن كانت له الجائزة فهو رابح، وإن لم تكن فهو سالم لم يخسر شيئاً، فلا بأس. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 15 حكم أقرباء المرأة بالنسبة لمن تزوجها السؤال يوجد رجل عنده بنات في سن البلوغ، ما حكم مقابلة بناته لزوج جدتهم من أبيهم، وهل يعتبر لهم محرماً؟ الجواب كل إنسان يتزوج امرأة ويدخل بها فجميع ذريتها من بنات وبنين أو بنات بنات هن محارم له، خذها قاعدة، يعني: المرأة إذا تزوجها رجل ودخل بها فجميع نسلها محارم له. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 16 حكم الصلاة على الجنازة بعد دفنها السؤال الصلاة على الجنازة بعد دفنه بيوم يجوز، وهل لها أفضلية في وقت معين؟ الجواب يجوز أن يصلى على القبر بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، لكن بشرط أن يكون هذا القبر قد دفن بعد ولادة الشخص الذي يريد أن يصلى عليه، بل بعد تمييزه، فمثلاً: لو جاء إنسان له عشرون سنة وأراد أن يصلي على قبرٍ مات صاحبه قبل عشرين سنة فإنه لا يصلي عليه؛ لأنه لما مات الميت هذا كان هذا مولوداً، ولو أراد شخص له عشرون سنة أن يصلي على قبرٍ له ثلاث عشرة سنة، فإنه يجوز؛ لأنه لما مات الميت كان لهذا الرجل الذي عمره عشرون سنة عمره سبع سنوات وكان من أهل الصلاة. لكن متى يصلي؟ لا يصلي في وقت النهي على القبر؛ لأنها ليست من ذوات الأسباب، إذ أن الإنسان يمكن أن يأتي في وقتٍ آخر ويصلي عليه، فمثلاً: لو خرجت إلى جنازة بعد صلاة العصر وأنت لم تصل عليه، ووجدتهم قد دفنوها فإنه لا يمكن أن تصلي، إن كنت تريد الصلاة عليها ائت بعد المغرب، أو ائت في الضحى، أما في وقت النهي فلا يصلى على القبر. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 17 حكم التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة عشراً عشراً السؤال هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً؟ الشيخ: بعد الصلاة؟ السائل: نعم. الشيخ: نعم هذا من السنة، والتسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلاة له أربع صفات: الصفة الأولى: أن يسبح عشراً ثم يحمد عشراً ثم يكبر عشراً. الصفة الثانية: أن يسبح خمساً وعشرين، ويحمد خمساً وعشرين، ويكبر خمساً وعشرين، ويقول: لا إله إلا الله خمساً وعشرين، فيكون الجميع مائة، يعني: يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة فتكون الجميع مائة. الصفة الثالثة: أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، فهذه تسعٌ وتسعون، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. الصفة الرابعة: أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين والله أكبر أربعاً وثلاثين، وينبغي أن يفعل هذا مرة وهذا مرة. السائل: في الحضر أو في السفر؟ الشيخ: في الحضر والسفر لا يوجد فرق. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 18 حكم أفلام الفيديو الإسلامية السؤال في مقابلة للأفلام الماجنة ظهرت أفلام كبديل إسلامي تعرض مسرحيات هادفة، أو أحياناً رسوماً متحركة تحكي معارك إسلامية، فما أدري ما رأيكم في هذه الأفلام؟ الشيخ: والله! لا أستطيع أن أحكم على شيء لا أدري عنه، ولا أدري ماذا تعرض هذه الأفلام؟ السائل: مسرحية مثلاً تعرض مشكلة من مشكلات المجتمع ثم تعالجها، وتصور بالفيديو وتباع. الشيخ: يعني: من قبيل التمثيليات؟ السائل: نعم. الشيخ: التمثيل العلماء مختلفون فيه، فمنهم من يمنعه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه جائز بشروط: ألا يتضمن محرماً، فمثلاً: إذا كان هذا -وهذا هو الذي أراه- أي: إذا لم يتضمن محرماً، وإنما يعالج مشاكل المجتمع دون أن ينسب قولاً إلى غير قائل فلا بأس به. السائل: وبالنسبة للرسوم المتحركة؟ الشيخ: الرسوم سواء متحركة أو غير متحركة، الفيديو هذا في الواقع لا يعتبر صورة؛ لأنك لو رجعت إلى الشريط لن تجد شيئاً. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 19 حكم رؤية المرأة للرجل السؤال ما حكم رؤية المرأة للرجال من خلال هذه الأفلام؟ الجواب كرؤيتها للرجال في المساجد وفي الأسواق، ليس فيه مشكلة، إلا إذا كانت عادة المرأة تتمتع بالنظر إلى هذا الرجل أو تثور شهوتها فهذا يمنع. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 20 حكم شراء السيارة بالتقسيط من رجل آخر اشتراها له السؤال لو أخبرت رجلاً وقلت له: اشتر سيارة بمبلغ وأنا سوف آخذها منك بأقساط؟ الشيخ: بأكثر؟ السائل: بأكثر أو بالمثل؟ الشيخ: لا، بالمثل الحكم مختلف. السائل: وإذا كان بأكثر؟ الشيخ: هذا لا يجوز يعني: إنسان محتاج لسيارة وقال لشخص: أنا ليس عندي نقود، فاشترِ لي السيارة وبعها عليَّ بزيادة مقسطة فهذا حرام؛ لأنه حيلة واضحة بدل ما يقول للرجل: أقرضني قيمتها وأسدد لك أقساطاً أكثر صار يتحيل ويقول: اشترها لي ثم بعها لي، فهذا التاجر الذي أراد أن يدينه لولاه ما اشترى السيارة، أليس كذلك؟ السائل: إذا كان هو لا يملك السلعة يعني: لا يتاجر فيها. الشيخ: هذه أشد، أما لو أن السلعة عنده، وجاء إنسان وقال: والله! أنا أريد أن تبيع عليَّ هذه السيارة مقسطة، فهذا ليس فيه بأس. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 21 حكم فتح الحساب في البنوك السؤال نحن مجموعة مدرسين نأخذ الرواتب من بنك القاهرة، فهل يجوز أن أفتح حساباً عندهم من أجل أن آخذ الراتب أسرع وأستعمل البطاقة؟ الجواب إن دعت الحاجة لهذا فلا بأس، وإن لم تدع الحاجة فلا حاجة أن تفتح حساباً، يعني: مثلاً لو أنهم أعطوك الشيك على بنك القاهرة وذهبت للبنك وقلت: هذا الشيك، فهل يعطيك الدراهم أو لا يعطيك إياها؟ السائل: يعطيني الدراهم. الشيخ: لكن لماذا تفتح حساباً؟ السائل: أسرع، مثلاً: لما يأتينا الراتب إلا في سبعة وعشرين أو ثمانية وعشرين لكن لو فتحت حساباً آخذه في ستة وعشرين وأحياناً سبعة وعشرين قبل المدرسين الآخرين، فأنا أسحب منهم وآخذ الرصيد قبل غيري. الشيخ: هل هناك حاجة؟ السائل: إذا كنت أعلم أنهم يرابون وهذا يعني: أسلم وأسرع. الشيخ: المهم أعطيك قاعدة: إذا احتجت إلى أن تفتح حساباً في بنك ربوي فلا بأس وإن لم تحتج إلى ذلك فلا تفتح. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 22 حكم سكن المرأة في سكن الطالبات السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز للمرأة أن تدرس العلم الشرعي في إحدى معاهد البنات بعيداً عن مدينتها فتسافر مع المحرم وتسكن في سكن الطالبات، ثم إن المحرم يرجع إلى مدينتها هي؟ الجواب إذا كان المسكن مأموناً وعليه أمناء فلا بأس. أما إذا كان غير مأمون فلا يجوز، وأيضاً حتى مع الجواز ينبغي للإنسان أن يلاحظ المرأة، يذهب إليها مثلاً في الأسبوع مرة حتى ينظر ويتحسس؛ لأنك تعرف الناس الآن ليسوا مؤتمنين على ما ينبغي. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 23 معنى كلمة (ظل) في حديث: (سبعة يظلهم الله) السؤال فضيلة الشيخ ما معنى ظل في قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ، أيجوز أن نقول: إن هذا الظل ظل عرش الله كما جاء في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتونا مأجورين؟ الجواب هذا يحتمل أن يكون ظل العرش، كما جاء في رواية، ولكنها لم تثبت إلى ذلك الحد، ويحتمل في ظله يعني: الظل الذي يخلقه الله عز وجل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) ، وذلك أنه في ذلك اليوم وفي ذلك الميدان ليس فيه ظل، لا أشجار ولا أبنية ولا غير ذلك، الأرض يذرها الله عز وجل قاعاً صفصفا، ليس هناك إلا ظلٌ يظلك الله به، فإما أن يكون ظل العرش وإما أن يكون ظل الأعمال، كما في الحديث: (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة) . الجزء: 180 ¦ الصفحة: 24 حكم من نسي الجلسة بين السجدتين وقام السؤال إذا صلى الإمام ونسي الجلسة بين السجدتين ثم قام وسبح المأمومون هل يرجع أو يتم ويأتي بركعة؟ الجواب الآن هذا الرجل ترك الجلسة والسجود الثاني فيجب عليه أن يرجع، حتى ولو قرأ الفاتحة، وحتى ولو ركع، يعني: لو لم ينبهوه إلا بعد أن رفع من الركوع في الركعة الثانية يجب أن يرجع ويجلس ثم يسجد ثم يقوم ويكمل صلاته، لكن لو وصل إلى الجلسة بين السجدتين في الركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي التي قبلها وتقوم مقامها، لأننا الآن لو قلنا له: ارجع رجع وجلس، فالمهم خذوا القاعدة أو الضابط: إذا نسي الإنسان ركناً من ركعة وجب عليه أن يرجع إليه متى ذكر، إلا إذا وصل إلى مكانه في الركعة الثانية فإن الركعة الأولى تلغى وتقوم الثانية مقامها، فإذا وصل إلى مكانها من الركعة الثانية ينويها أن هذا هو عن الركعة الأولى. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 25 وقت كراهية السهر بعد صلاة العشاء السؤال فضيلة الشيخ: هل تبدأ فترة الكراهة في السهر بعد صلاة العشاء من دخول وقت العشاء أو من أداء الصلاة، حتى لو أخرت الصلاة؟ الجواب لا من أداء الصلاة، (كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها) . الجزء: 180 ¦ الصفحة: 26 بيان مرجع الضمير في قوله: (ما فرطنا فيها) السؤال قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] أي: الأقرب في عودة الضمير هل هو للدنيا أو للساعة؟ الشيخ: أي ضمير؟ السائل: فيها (ما فرطنا فيها) ؟ الشيخ: في وقت الساعة. السائل: ليس في الدنيا؟ الشيخ: لا، الدنيا ما ذكرت، ما فرطنا فيها، أي: في شأنها فلم نستعد لها. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 27 حكم الذبيحة لإحياء ذكرى الميت السؤال بعض العوائل يعتادون في رمضان فيذبحون ذبيحة ويقولون: هذه ذكرى للميت، ولا يذكرون عليها محاسن الميت؟ الشيخ: ماذا؟ السائل: هي اسمها ذكرى للميت، ولا يذكرون اسم الميت فيها، يعني: يذكرون مجرد اسم، وبعضهم يخصص يوماً في رمضان، وهكذا كل سنة؟ الجواب هذا من البدع التي لم تكن على عادة السلف، والميت يذكر بالدعاء له لا بالذبيحة له. فينبغي لطلبة العلم أن يزجروا الناس عن هذا ويقولون: هذا ليس من طريق السلف، وأيضاً لو فرض أنه ينوي الذكرى فليس رمضان محل للذبائح، الذبائح تكون في عيد الأضحى. السائل: لكن -يا شيخ- لو سألت عن هذا الفعل يقول لك: أريد أن أتذكر الميت. الشيخ: إذا كان من أجل الميت فتصدق بدراهم، أما أن تذبح ذبيحة، وتريد تنذر الأضاحي إلى رمضان هذا ليس بصحيح. السائل: هو لا يقصد أن ينقل الأضحية، بل هو يضحي في عيد الأضحى. الشيخ: هذا معناه يضحي مرتين: مرة في رمضان ومرة في ذي الحجة. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 28 أعمال المبتدع في ميزان الإسلام السؤال في بعض الآثار: المبتدع لا يقبل منه صلاة ولا صيام ولا حج ولا صرف ولا عدل، هل هذا صحيح؟ الجواب لا ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) فالبدع ضلال لكن منها ما يصل إلى الكفر ومنها ما دون ذلك. السائل: والأعمال الأخرى مقبولة؟ الشيخ: نعم مقبولة، إلا إذا كانت بدعته مكفرة. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 29 معنى الاشتراط في قصة إعتاق بريرة السؤال ما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة في قصة حديث بريرة: (خذيها واشترطي لهم الولاء) وهو قد قال في آخر الحديث: (إن كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) مع أنه أمرها أن تشترط عليهم؟ الجواب توجيه هذا الكلام: بعضهم قال: إن (اللام) هنا بمعنى (على) أي: اشترطي عليهم، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25] أي: عليهم اللعنة، لكن هذا التفسير باطل؛ لأنها قد اشترطت عليهم الولاء ولم يقبلوا، والصواب: أن المعنى اشترطي لهم أي: وافقيهم على هذا الشرط، وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بموافقتهم على الشرط؛ ليبين أنه وإن شرط فهو باطل، حتى يبين بطلانه بعد أن شرط، ويكون هذا أبلغ، ونظيره أنه أمر المسيء في صلاته أن يصلي مع أنه لا يطمئن، لكن أراد أن يبين أن الصلاة الباطلة لا تجزئ ولو فعلها الإنسان، هذا هو الصواب. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 30 حكم ذكر دعاء السفر على شكل جماعي السؤال فضيلة الشيخ! دعاء السفر إذا كنا مجموعة هل يدعو أحدنا والمجموعة تأمن أو يدعو كل واحد منا على حدة؟ الجواب إذا كان يريد أن يدعو لهم لا بأس، يقول وهم يسمعون ويؤمنون؛ لأنه تعالى قال لموسى لما قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] فكان الذي يقوله موسى، قال الله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] قال العلماء: تفسير هذا أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن. وإن قاله كل إنسان على حدة فلا بأس. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك الله ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 180 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [181] ختم الشيخ في لقائه هذا تفسير بقية سورة النجم، ثم شرع في تفسير سورة الواقعة مفصلاً فيما يتعلق بالبسملة من معناها وما يقدر لها وبيان صدق معجزة انشقاق القمر في عهده صلى الله عليه وسلم. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 1 تفسير آخر سورة النجم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم: (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر محرم عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كجاري العادة في تفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد اخترنا أن نبدأ بالمفصل الذي يبتدئ من سورة (ق) إلى آخر القرآن؛ لأنه هو الذي يكثر سماعه عند العامة حيث إنه يقرأ في الصلوات المفروضة. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون) انتهينا إلى قول الله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:59-62] والخطاب هنا للمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستفهام في قوله: (أفمن هذا) للإنكار والتعجب من هؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالآيات البينات، وأخبر عن الأمم السابقة، وبين أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى، ويخشى على من كذبه أن ينال من العذاب ما نال المكذبين للنذر الأولى. يقول الله عز وجل: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} أيها المكذبون بالنبي صلى الله عليه وسلم! ومعنى (تَعْجَبُونَ)) أي: ترونه عجباً منكراً؛ ولهذا قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] ، وقال الله تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:2-3] فهم يتخذون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عجباً، والمراد عجب الإنكار والاستبعاد. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وتضحكون ولا تبكون) قال تعالى: {وَتَضْحَكُونَ} [النجم:60] أي: استهزاءً بهذا الحديث الذي هو القرآن، وكذلك يضحكون في شراء هذا الحديث حيث كانوا يضحكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعباداته ويسخرون به، إذاً: (تعجبون) إنكار، و (تضحكون) استهزاء. قوله: {وَلا تَبْكُونَ} أي: لا تبكون من هذا الحديث خشية وخوفاً وإنابة إلى الله عز وجل، بل هم أقسى الناس قلوباً والعياذ بالله، أو من أقسى الناس قلوباً، لا تلين قلوبهم ولا يبكون من خشية الله. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وأنتم سامدون) قال تعالى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:61] سامدون أي: غافلون بما تمارسونه من اللهو والغناء وغير ذلك؛ لأن منهم من إذا سمعوا كلام الله عز وجل جعلوا يغنون، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] فسامدون: قيل: مغنون، وقيل: غافلون، والصواب: أن المراد غافلون عنه بالغناء وغيره مما تتلهون به حتى لا تسمعوا كلام الله عز وجل. وهذا نظير ما قاله المكذبون لأول رسول أرسل إلى بني آدم، حيث قال الله تبارك وتعالى عن قوم نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] حتى لا يسمعوا: {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] أي: تغطوا بها حتى لا يروا ولا يبصروا: {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7] كما كان في أول أمة كان في آخر أمة. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فاسجدوا لله واعبدوا) قال تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:62] اسجدوا لله خضوعاً وذلاً، والمراد بالسجود هنا الصلوات كلها وليس الركن الخاص الذي هو السجود، وليس أيضاً سجود التلاوة بل هو عام في كل الصلوات، (وَاعْبُدُوا) هذا عامل لكل العبادات، وخص الصلاة بالذكر وقدمها لأنها أهم العبادات البدنية الظاهرة بعد الشهادتين، وعلى هذا فيكون العطف في قوله: (واعبدوا) على قوله: (واسجدوا) من باب عطف العام على الخاص، كما أن قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] من باب عطف الخاص على العام. انتهى الكلام الذي منًّ الله به على هذه السورة؛ سورة النجم، أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم به. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 6 تفسير آيات من سورة الواقعة ثم قال تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] البسملة آية مستقلة تفتتح بها كل سورة ما عدا سورة براءة، والبسملة متعلقة بمحذوف يقدر فعلاً مناسباً لما ابتدئ به، فإذا قلنا: باسم الله على القراءة. كان تقدير الكلام: باسم الله أقرأ. وإذا كنا نريد أن نأكل وقلنا: باسم الله. كان التقدير: باسم الله آكل. وإذا كنا نريد أن نذبح شاة أو نحوها قلنا: باسم الله أذبح. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لم يذبح فليذبح على اسم الله، أو قال: باسم الله) . إذاً: الجار والمجرور في البسملة متعلق بمحذوف يقدر فعلاً لا اسماً، متأخراً لا متقدماً، مناسباً لما ابتدئ به. قلنا: إنه مقدر فعلاً لا اسماً؛ لأن الأصل في العامل أن يكون فعلاً، ولذلك يعمل الفعل عمله بدون أي شرط، وأما الأسماء فلا تعمل أعمالها إلا بشروط، المصدر له شروط، حتى يعمل عمل الفعل، اسم الفاعل يعمل بشروط، اسم المفعول كذلك يعمل بشروط، الصفة المشبهة، جميع العوامل غير الفعل لا تعمل إلا بشروط، أما الفعل فإنه يعمل بدون شرط، وقدرناه متأخراً تبركاً بالبداءة بباسم الله، وثانياً: ليفيد الحصر، أي: إني أقرأ باسم الله لا باسم غيره، فنقدم الآن المؤخر تبركاً بالبداءة بباسم الله. ثانياً: لإفادة الحصر، نقدره مناسباً لما ابتدئ به لأنه أدل على المقصود، فمثلاً: لو أردنا أن نقرأ وقلنا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) التقدير: باسم الله ابتدئ. هل يفهم السامع أنك تريد أن تقرأ؟ لا. يفهم أنك تريد أن تبتدئ، لكن لو قلت: باسم الله أقرأ فهم أنك تريد القراءة، لذلك قلنا أنه يقدر فعلاً مناسب. هذه البسملة آية من كتاب الله لا يقرأها الجنب باعتبار أنها القرآن، لكن يقرأها باعتبار أنها ذكر، فلو أراد أن يأكل وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فليس حراماً عليه، لكن لو أراد القراءة وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وهو جنب، قلنا: هذا حرام عليه. أما معناها: (باسم الله) اسم مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء، فإذا قلت: باسم الله فكأنما قلت: بكل اسم من أسماء الله، وأسماء الله تعالى كلها خير وبركة، حتى إن الإنسان ليذبح الذبيحة بآلة حادة وينهر الدم ولا يسمي فتكون ميتة لا تحل، فإذا سمى صارت طيبة حلالاً، وإن الإنسان ليأكل فيشاركه الشيطان في أكله ويأكل معه وتنزع البركة من أكله، فإذا قال: باسم الله امتنع الشيطان من الأكل معه. وإن الإنسان ليسمي عند إتيان أهله فإذا قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً، إذا قال: (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا) . وإن الإنسان ليسمي على الوضوء فيكون صحيحاً ويدع التسمية على الوضوء فيكون غير صحيح عند بعض أهل العلم. الخلاصة: أن البسملة كلها بركة. أما (الله) فهو علم على رب العالمين جل وعلا لا يسمى به غيره. (الرحمن) : ذو الرحمة الواسعة العامة لكل شيء. (الرحيم) : الرحمة الخاصة التي قال الله فيها: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] . وقيل: الرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر) قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] . قوله: {اقْتَرَبَتِ} بمعنى: قربت، لكن العلماء يقولون: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، وهنا (اقتربت) فيها زيادة في المبنى على قربت، والزيادة هي الهمزة والتاء، فيدل على أن الاقتراب قريب جداً، أو يدل على أن القرب قريب جداً، فمعنى (اقتربت) أي: قربت جداً. قوله: {السَّاعَةُ} هي: يوم القيامة، وقد قال الله تعالى فيها: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] أي: علاماتها. من علاماتها: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام وكونه خاتم الأنبياء دليل على أن الساعة قد اقتربت؛ ولهذا حقق النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وقال بإصبعه الوسطى والسبابة) الآن السبابة قريبة من الوسطى أليس كذلك؟ ليس بينهما إلا جزء يسير مقدار الظفر، وهذا يدل على قربها، لكن مع ذلك كم بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم الآن، نحن في القرن الخامس عشر الهجري يعني: بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة، ومع ذلك ما زالت الدنيا باقية، مما يدل على أن ما مضى طويل جداً، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس ذات يوم عند غروب الشمس، فقال: (إنه لم يبق من الدنيا -يعني بالنسبة لمن سبقكم- إلا كما بقي من يومكم هذا) إذاً: (اقتربت الساعة) أي: قرب يوم القيامة. قوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وكأن الله عز وجل أشار إلى أن هذا من أشراط الساعة، (وانشق القمر) أي: صار فرقتين، تميز بعضهما عن بعض، أحدهما على جبل أبي قبيس والثاني على جبل قعيقعان، يعني: واحد على الصفا وواحد على المروة، والمسافة في رؤيا العين ما بين الصفا والمروة بعيدة جداً قد تستغرق سنوات، وانشق القمر في لحظة بأمر الله عز وجل، وتباعدت أجزاؤه بلحظة؛ لأن قريشاً كانوا يتحدون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلبون منه الآيات، وقد قال الله رداً عليهم: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:50-51] لكن ليس بكافيهم لأنهم معاندون لا يريدون الحق، أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا محمد! أنت تقول: إنك رسول وإنه يأتيك الخبر من السماء وكذا وكذا أرنا آية، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى القمر ودعا ربه فانفلق فلقتين في لحظة، من يفلق هذا الجسم العظيم السماوي العالي إلا رب العالمين عز وجل، أراهم إياه، لكن هل نفع؟ لا. لم ينفع؛ بل قالوا: سحرنا محمد، وبعضهم قال: سحر القمر، وأنكروا، وقال بعضهم لبعض: اسألوا المسافرين إذا قدموا هل رأوه أم لا؟ فصاروا يسألون المسافرين من كل وجه يقدمون مكة فيقولون: نعم. رأيناه في الليلة الفلانية كذا وكذا، وهذا بالنسبة للقريبين منهم كأهل الجزيرة مثلاً، أما البعيدون فقد لا يرون هذا، لماذا؟ للبعد، وكما نعلم الآن أن الليل هنا يكون نهاراً في مكان آخر، أو يوجد غيوم وضباب كثير يمنع الرؤية، ولهذا لا يمكن أبداً لأي عاقل أن ينكر انشقاق القمر انشقاقاً حسياً لأنه لم يذكر في تاريخ اليونان ولم يذكر في تاريخ الهند ولم يذكر في كذا وكذا، هذا ليس حجة يبطل به ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن القمر انشق فعلاً انشقاقاً حسياً، ونحن نؤمن بأن القادر على أن يطوي السماوات بيمينه كطي السجل للكتب قادر على أن يفلق القمر فلقتين، أي شيء يعجزه؟ لا شيء: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] . ولهذا لا وجه لإنكار من أنكر ذلك ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويقولون: إن الأفلاك السماوية لا يمكن أن تتغير، الله أكبر! من الذي خلق الأفلاك السماوية؟ أليس الله؟ بلى. إذاً: هو قادر على أن يغيرها: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] انشقاق القمر انشقاق حسي، انفلق فلقتين، ورآه الناس وشاهدوه ولكن المكابر المعاند لا يقبل شيئاً. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) ولهذا قال: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} [القمر:2] (آية) : نكرة في سياق الشرط (إن يروا) أي آية يرونها يعرضون عنها ولا يقبلونها، ويجمعون بين الإعراض وبين الإنكار باللسان: (يعرضوا) : أي بقلوبهم وأبدانهم، (ويقولوا) بألسنتهم: (هذا سحر مستمر) وتعرفون أن السحر يؤثر لا في قلب الأعيان ولكن في رؤية الأعيان. ألم تروا أن موسى عليه السلام لما ألقى السحرة سحرهم كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، انقلب الوادي كله حيات تسعى، حتى أن موسى أوجس في نفسه خيفة من هول ما رأى، لكن هذه الحبال والعصي هل انقلبت إلى حيات أم هي هي؟ هي هي، لكن حسب نظر الرائي أنها حيات، فهم يقولون: (هذا سحر) سحر محمد حتى كانت أعيننا ترى القمر وهو واحد فلقتين. {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2] قيل: إن المعنى: زائل ذاهب، من مر بالشيء إذا تجاوزه، قال: هذا سحر ولن يستقر ولا قرار له، وقيل: (مستمر) أي أن كل الآيات التي يأتي بها سحر، أي: مستمر من إمرار الشيء ودوام الشيء، وأياً كان فإنهم أنكروا وكذبوا، ولهذا قال: {وَكَذَّبُوا} [القمر:3] أي: كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا بآياته: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [القمر:3] أي: ما يريدون من الباطل: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:3] أي: لابد له من قرار، فهؤلاء المكذبون قرارهم الذل والخسران في الدنيا، والنار في الآخرة، والنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه أمرهم مستقر بالنصر والتأييد في الدنيا، والجنة في الآخرة، جعلنا الله وإياكم منها. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 181 ¦ الصفحة: 10 حكم السلام على المصلي وكيفية رد المصلي عليه السؤال بالنسبة للمصلي كيف يرد السلام؟ وهل الرد على سبيل الوجوب؟ الجواب السلام على المصلي جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الذين يسلمون عليهم، إلا إذا خاف المسلم أن يشوش على المصلي فلا يسلم، أو خاف أن يتكلم بالرد، يعني: العامة أكثرهم لا يفهم، ربما إذا سلمت عليه قال: وعليك السلام. فبطلت صلاته إذا كان عالماً بأنها تبطل بذلك. فعلى كل حال نقول: السلام على المصلي غير منكر؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إلا إذا خاف التشويش أو إبطال صلاة المسلَّم عليه فلا يسلم، أما كيف يرد؟ فلا يرد باللفظ فلا يقول: عليك السلام، وإنما يرد بالإشارة يرفع يده حتى يعرف المسلم أنه رد عليه، ثم إن بقي المسلَّم عليه حتى يسلم وينصرف من صلاته رد عليه باللفظ، وإن ذهب لم يجب على المصلي أكثر مما ذكرت من الإشارة. وظاهر النصوص: أن الرد واجب لكنه يتعذر بالقول لأنه مبطل للصلاة. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 11 حكم صلاة الرجل الذي خرج وترك أطفاله دون أن يأخذهم معه للصلاة السؤال هل صحيح أن الرجل إذا خرج إلى الصلاة وأولاده في البيت ولم يأمرهم بالصلاة أنه لا صلاة له، وبعضهم ينسب هذا إليك؟ الجواب ليس بصحيح بالنسبة إليَّ، وليس بصحيح بالنسبة للحكم الشرعي، لكن يجب عليه أن يوقظهم وأن يؤدبهم وأن يضربهم على ترك الصلاة لعشر سنين فأكثر، وأما صلاته فهي صحيحة، ولا علاقة لصلاته بصلاة هؤلاء. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 12 من يسافر إلى منطقة معتادة: هل تلزمه أحكام السفر؟ السؤال رجل مقيم في المنطقة الشرقية وله بيت هنا يحضر إليه مع أهله في الصيف لمدة شهر أو شهرين، فأحياناً يحضر لوحده عدة أيام، هل يترخصون برخص السفر من حيث الجمع وقصر الصلاة؟ وهل إذا كان المسجد بعيداً عن بيته وبقربه مصلى يلزمه الصلاة فيه؟ الجواب إذا كان هذا الرجل يعتبر أن محله في الشرقية ومحله هنا كلاهما وطناً له فإنه لا يقصر ولا يجب، يعني: لا يترخص برخص السفر، لا بالجمع ولا بالقصر ولا بمسح الخفين ثلاثة أيام؛ لأن له منزلين: منزلاً هناك ومنزلاً هنا، أما إذا كان يعتبر وطنه ومقره الشرقية وجاء إلى هنا للزيارة أو الاستجمام لمدة قصيرة فإنه مسافر، لكنه يجب عليه إذا سمع النداء أن يجيب ولا عذر له في ذلك في ترك الصلاة جماعة، وإذا أجاب فسوف يتم الصلاة تبعاً لإمامهم، فإن فاتته فله القصر. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 13 هل تعدد الزوجات من أسباب قضاء الديون? السؤال إذا كان الرجل مديناً، فهل تعدد الزوجات سبيل لقضاء دينه؟ الجواب تعدد الزوجات سبيل لقضاء دينه؟!! الشيخ: يعني: إذا تزوج امرأة ثانية قضى الله دينه، وثالثة يقضي دينه؟ السائل: نعم. الشيخ: لا. هذا مخالف، لا أعلم هذا، لكن لا شك أن الذي يتزوج يريد العفاف سواء بزوجة أو أكثر فإنه قد جاء في الحديث أن الله يعينه أي: على الزواج، أما أن يقضي دينه فلا أعلم ذلك، لا أعلم لهذا أصلاً، وإلا كان كلما ضاقت على الإنسان الديون ذهب يتزوج ثانية وثالثة ورابعة، إن قضي الدين وإلا طلق الأولى وأخذ خامسة، لكن قضاء الدين غير مسألة الزواج ما ينفق على نفسه وأهله. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 14 بيان معنى قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا. ) الآية السؤال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:14] أنا محتار في تفسير الجزء الأخير من الآية: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحجرات:14] معروف أن الطاعة محسوبة على الإسلام طبعاً، فهل تعني هذه الآية: أن الذين قالوا آمنا ينفع إسلامهم بدون إيمان يفيدهم أي: اعتماداً على {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:14] إن تطيعوا الله؟ الجواب هذه الآية: قال قوم من الأعراب: (آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) اختلف المفسرون في هذه الآية: هل المراد المنافقون، أو المراد المؤمنون ضعيفو الإيمان؟ والصواب: أن المراد المؤمنون ضعيفو الإيمان، ولهذا قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] أي: وهو قريب من أن يلج فيها ويستقر. فالصواب: أنها في غير المنافقين وأنها في قوم ضعفاء الإيمان، فقال الله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} أي: لم يصل الإيمان إلى قلوبكم {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: عملنا بالإسلام ظاهراً {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} لكنه قريب، ولهذا قال الله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص:8] أي: لم يذوقوه ولكنه قريب منهم. قوله: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إذا أتيتم بشيء من الطاعة {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ} لم ينقصكم من أعمالكم شيئاً فسوف يجازيكم عليها وإن لم تقولوا: أسلمنا، حتى ولو لم يكمل الإيمان، أما الذي ليس بقلبه إيمان أصلاً هذا لا ينفعه الآن العمل الصالح. السائل: ظاهر الآية أنه ليس في قلبه إيمان؟ الشيخ: لا. الإيمان كامل، هذا المراد بها هذا الصحيح، أما إذا قلنا: المنافقون الذين ليس فيهم إيمان أبداً ليس عندهم عمل صالح لو فعلوا لا ينفعهم. السائل: الذي عنده إيمان قليل ينفعه؟ الشيخ: نعم. ربما يكون عمله الصالح يقوي إيمانه ويزداد. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 15 حكم من أخر طواف الإفاضة إلى وقت السفر فجمعه مع طواف الوداع السؤال حججت مع والدي مفرداً واتجهنا إلى عرفات في البداية مباشرة وبتنا في مزدلفة، وفي يوم العيد اتجهنا إلى مكة وسعينا سعي الحج ولم نطف الإفاضة لكي نجمعه مع الوداع لعجز والدي، ثم حلقنا وتحللنا ورمينا الجمرات يوم العيد، فهل علينا شيء؟ الجواب لا شيء في هذا، إذا أحرم الرجل بالإفراد أو بالقران وخرج إلى عرفة ووقف بها ثم بـ مزدلفة ثم قدم إلى منى ونزل إلى مكة وسعى سعي الحج وأخر الطواف إلى وقت السفر فلا حرج. السائل: لكن تحللنا يا شيخ؟! الشيخ: يتحلل بالرمي والحلق السائل: تحلل قبل الرمي؟ من تحلل قبل الرمي وكان جاهلاً لا شيء عليه. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 16 حكم من لم يزكِ لجهله بالنصاب، وحكم الأكل من ماله السؤال رجل صاحب مزرعة نخيل وله خمس عشرة سنة لم يزكها ولا يعلم هل بلغ النصاب أم لا، فهو يقول: هي تقريباً نصاب أو أقل من النصاب ولا يعلم بالضبط، فكان يعطي من النخل قريباً من نصفه بنية الصدقة ولم ينوِ الزكاة، فماذا عليه؟ الجواب لا شيء عليه، ما دام الرجل لا يعلم أنها بلغت النصاب فلا شيء عليه، فمن شك في وجوب الزكاة ببلوغ النصاب ليس عليه شيء، يعني: يقول: لا أدري هل هو النصاب أم أقل أم أكثر؟ فما عليه شيء. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 17 حكم من اغتسل لغير رفع حدث في اعتباره متوضئاً أم لا السؤال فضيلة الشيخ! إذا اغتسل شخص للتبرد غسلاً مجزئاً، فهل يكفيه عن الوضوء؟ وإن لم يكفه، فما هو الغسل الذي يكفي عن الوضوء؟ وهل لا بد فيه من نية؟ الجواب التبرد ليس عبادة وليس طاعة، فإذا اغتسل للتبرد لم يجزئه عن الوضوء، الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل من الجنابة، أو غسل المرأة من الحيض والنفاس؛ لأنه عن حدث، وأما الغسل المستحب كالغسل عند الإحرام مثلاً فإنه لا يجزئ عن الوضوء، وكذلك الغسل الواجب لغير حدث كغسل يوم الجمعة لا يجزئ عن الوضوء، لا يجزئ عن الوضوء إلا الغسل الذي يكون عن حدث؛ جنابةً أو حيضاً أو نفاساً. السائل: وماذا يكون لو نوى؟ الشيخ: ولو نوى؛ لأنه لابد من الترتيب. السائل: والغسل عن الحدث، هل لابد من نية؟ الشيخ: إذا نوى الغسل عن الجنابة كفى عن الوضوء، لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 18 حكم الجلوس للعزاء وحكم الجلوس فيه السؤال الجلوس في العزاء، هل هو حرام؟ وإذا كنت لم أذهب إلى إنسان جلس في العزاء سوف يكون في نفسه شيء، فهل أذهب إليه؟ ثم إذا أمرني أحد الوالدين بالذهاب إلى المجتمعين للعزاء، هل أذهب؟ الجواب الجلوس للعزاء صرح كثير من العلماء أنه بدعة، وصرح بعض العلماء كأصحاب الإمام أحمد رحمه الله بأنه مكروه؛ لأنه ليس معروفاً في عهد الصحابة، ولأنه ينبئ عن نوع من الجزع والسخط، كأن هذا يقول للناس: يا ناس! إني مصاب فعزوني. وواجب الإنسان عند المصيبة أن يصبر ويحتسب، ويعلم أن لله ما أخذ وله ما أبقى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى، ولا يمكن أن يتعدى الإنسان ما حدد له، ويغلق بابه. أما بالنسبة للذهاب إليه فإن كان من الأقارب الذين يرون أن عدم المجيء إليهم قطيعة رحم فاذهب إليهم وعزهم وانصرف ولا تجلس. وأما لو أمره أبوه فإن كان من الأقارب فكما قلت يذهب، سواءً أمره أبوه أم لا، وإن كان من غير الأقارب يقنع أباه ويقول: يا أبت! ليس لهم حق عليك وإن كانوا أصدقاء إذا رأيتهم في السوق أو في المسجد عزهم وإن لم يرهم فليس بواجب. السائل: هذا يجوز؟ الشيخ: الأقارب يجوز لكن مع ذلك لا يجلس وينصحهم فيقول: أغلقوا الباب فهذا ليس خيراً لو كان خيراً لسبقونا إليه، يعني: سبقنا إليه الصحابة والتابعون. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 19 حكم الأكل مع من جمع ماله من حرام السؤال رجل جمع أمواله من الربا وأبناؤه متحرجون من الأكل من هذا المال، ثم إذا مات هذا الأب، هل يجوز لهم أن يرثوا هذا المال؟ وكيف يتوب هذا الرجل؟ الجواب أولاً: يجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدع الربا، ثم إذا كان هذا الربا الذي جمعه عن جهل لا يدري أنه حرام، أو عن شبهة كأن يقال: إنه حرام ولكن لم يتيقن، فإنه حلال له أن يبقيه عنده، لقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة:275] . أما إذا كان عالماً لكنه كان عاصياً ثم منَّ الله عليه بالتوبة والهداية فمن تمام توبته أن يتصدق بهذا المال، تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله؛ لأنه لو تقرب به إلى الله لم يقبل منه، لكن ينوي التخلص، إذ لا سبيل له إلى الخلاص إلا بهذا، بإنفاقه صدقة على فقير، أو في إصلاح طرق، أو إصلاح مساجد وما أشبه ذلك. أما بالنسبة لأولاده فلا حرج عليهم أن يأكلوا منه في حياة أبيهم ويجيبوا دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة اليهود مع أنهم يأكلون الربا. وأما إذا ورثوه من بعده فهو لهم حلال؛ لأنهم ورثوه بطريقة شرعية، وإن كان هو حراماً عليه لكن هم كسبوه بطريق شرعي بالإرث، وإن تبرءوا وتصدقوا به عن أبيهم فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الصدقة تمحوا ما قبلها من السيئات. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 20 حكم لعب البلوت السؤال ما حكم لعب البلوت؟ الجواب البلوت بارك الله فيك لو سألت الذين يلعبون البلوت: ما يكون الوقت في حقهم؟ لقالوا: إنه يذهب بسرعة، وإننا نقضي الساعات الطويلة ونحن منكبون عليه، وهذا ضياع للوقت، والوقت في الحقيقة أغلى من الأموال، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] ما قال: لعلي أكمل لعبي. وهي أيضاً ليس فيها مصلحة للإنسان؛ لا في جسمه، ولا في تفكيره وعقله، إنما هي لهو وضياع وقت، وإذا كان لعبها ضياع وقت فلا ينبغي للعاقل أن يمضي وقته بلا فائدة. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 21 حكم إعطاء عوض وأخذه لمصلحة معينة كالتبادل في الوظائف من أجل النقل السؤال رجل يرغب النقل من منطقة إلى منطقة، ومن شروط النقل: أن يُوجد بديلاً، فأوجد بديلاً لكن البديل اشترط مبلغاً من المال مقابل النقل، فهل يجوز أن يعطيه المبلغ؟ الجواب لا بأس، يعني: إذا كان شخص يريد أن يتبادل مع آخر في مكان الوظيفة ووافقت الجهات المسئولة فلا بأس بذلك، ولا حرج أن يعطي المتنازل عوضاً عن تنازله؛ لأن هذا حق فيما بين الموظفين ولا علاقة له بالجهات المسئولة. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. نفعنا الله وإياكم بهذا الجلوس، وجعلنا وإياكم ممن يمشون بطلب العلم حتى يكتب لنا الأجر. الجزء: 181 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [182] في هذا اللقاء إشراقات على آيات بينات من سورة الواقعة فيها بيان أنواع العبودية الثلاثة لله سبحانه وتعالى، بعد أن شرع الشيخ بذكر حال دعوة نوح عليه السلام مع قومه، منبهاً على خطأ بعض علماء الطبيعة من عدم نسبة ما يحدث من أشياء في الطبيعة إلى الله سبحانه وتعالى، بل ينسبونها إلى الطبيعة بقولهم: غضبت الطبيعة وهاجت الطبيعة. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم: لقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر محرم عام (1419هـ) . الجزء: 182 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر) نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من الكلام على الآيات الكريمة، وفي اللقاء الماضي انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:4-5] . أكد الله تعالى في هذه الجملة: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ) بأنهم أي: قريشاً (جاءهم من الأنباء) أي: الأخبار التي فيها رشدهم وصلاحهم وفلاحهم (ما فيه مزدجر) أي: ازدجار عن الشرك والعصيان، لكنهم لم ينتفعوا بذلك، وهذه الجملة كما تسمعون فيها اللام وفيها قد، وهما من أدوات التوكيد، وفيها قسم مقدر دلت عليه اللام في قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ) وعليه فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، وقد، والله سبحانه وتعالى صادق بغير توكيد لخبره لكن هذا القرآن بلسان عربي مبين، واللسان العربي من بلاغته تأكيد الأشياء الهامة حتى تثبت وترسخ في الذهن. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (حكمة بالغة فما تغني النذر) قال الله تعالى: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) أي: أن الأنباء التي جاءتهم حكمة، وهذا كقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:113] والحكمة هي: موافقة الشيء لموضعه، ويعبر عنها بقولهم: تنزيل الشيء منزلته اللائقة به، ولا شك أن شريعة الله كلها حكمة، كلها مطابقة لما فيه صلاح العباد لمعاشهم ومعادهم. وقوله: (بَالِغَةٌ) أي: تامة واصلة إلى الغرض المقصود منها. قوله: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (ما) هذه يحتمل أن تكون نافية، بمعنى: أن النذر لا تغنيهم شيئاً، ويحتمل أن تكون استفهاماً على وجه التوبيخ يعني: فأي شيء تغنيهم، وكلاهما صحيح، فالنذر لن تغنيهم شيئاً وإذا لم تغنهم هذه النذر المشتملة على الحكمة البالغة فأي شيء يغنيهم؟!! الجواب لا شيء؛ لأنهم معاندون مستكبرون. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر) ثم قال عز وجل: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر:6] وإلى هنا ينتهي الكلام، (تول) الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتولى عن هؤلاء لأنهم معاندون مستكبرون، (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) . {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر:5-6] سوف يأتيهم ما وعدوا به وسوف يتحقق لك ما وعدت به، ويحسن هنا أن تقف: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} ثم تستأنف وتقول: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} لأنك لو وصلت لأوهم أن التولي يكون يوم يدعو الداعي، ومعلوم أن التولي في الدنيا وليس يوم يدعو الداعي. وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} هو ظرف، والظرف لابد له من عامل كالجار والمجرور، وكجميع المفعولات لابد لها من عامل، فما هو العامل في قوله: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [المعارج:43] ؟ العامل قوله: (يَخْرُجُونَ) . {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} [القمر:6-7] فهي متعلقة بـ (يخرجون) أي: سوف يأتيهم العذاب في ذلك الوقت: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} . وقوله: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} هو داعٍ يوم القيامة، (إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ) أي: منكر عظيم لشده أهواله، فإنه لا شيء أنكر على النفوس من ذلك اليوم لأنهم لم يشاهدوا له نظيراً. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر) قوله: (خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ) أي: أن أبصارهم خاشعة ذليلة، كما قال الله عز وجل: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى:45] هم الآن مستكبرون رافعو رءوسهم يرون أن الناس تحتهم وأنهم فوق الناس، لكن سيأتي اليوم الذي سيكون بالعكس. {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] (الأجداث) هي القبور، و (كأنهم جراد منتشر) الجراد المنبث في الأرض الذي لا يدري أين وجهته، ليس له طريق قائمة يعرف كيف ينتهي، ولكنهم منتشرون، وهذا من أدق التشبيهات؛ لأن الجراد المنتشر تجده يذهب يميناً ويساراً لا يدري أين يذهب، فهم سيخرجون من الأجداث على هذا الوجه بينما هم في الدنيا لهم قائد، لهم أمير، لهم موجه يعرفون طريقهم وإن كان طريقاً فاسداً. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) قال تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر:8] أي: أنهم مسرعون خاضعو الأعناق، كالرجل إذا أسرع وركض تجده يقدم رأسه يخضعه، فهم يخرجون من الأجداث مهطعين إلى الداع، أي: مسرعين خافضي رءوسهم، من الفزع والهول والشدة: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] وتأمل قوله: (يقول الكافرون) ولم يقل: يقول الناس، لأن هذا اليوم العسر لا شك أنه في حد ذاته عسر شديد عظيم، ولكنه على الكافرين عسير وعلى المؤمنين يسير، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26] وقال تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10] وأما على المؤمنين فهو يسير ولله الحمد جعلنا الله وإياكم منهم {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] . الجزء: 182 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) ثم بدأ الله عز وجل بقصص الأنبياء على وجه مختصر في هذه السورة، لكنه مؤثر تأثيراً بالغاً، لو قرأتها بتمهل وتدبر لوجدت أنها مؤثرة جداً، كلمات مختصرة لكنها رادعة تماماً: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر:9] ونوح هو أول الرسل، أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض هو نوح بدلالة القرآن والسنة: قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] وبهذا نعرف أن ما ذكره بعض المؤرخين: من أن إدريس جد لنوح كذب لا شك فيه، وليس قبل نوح رسول، وحتى في حديث الشفاعة فيه التصريح أنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، ولذلك كان من عقيدتنا: أن أول الرسل نوح وأن آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وهو نبي رسول. (كذبت قبلهم قوم نوح) ولم يفصل الله عز وجل هذا التكذيب، لكنه أنزل في ذلك سورة تامة وهي سورة نوح، فصل الله فيها تفصيلاً تاماً في تكذيبهم وأخذهم. {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] وهو نوح، وصفه الله بالعبودية لأن العبودية أشرف ألقاب البشر، العبودية لله أشرف ألقاب البشر، وهي: التذلل له في الطاعة والإنابة والتوكل وغير ذلك، العبودية من حيث هي ثلاثة أنواع: الأول: عبودية عامة تشمل جميع الخلق وهي: التذلل للأمر الكوني، كقوله تبارك وتعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93] (إن كل) يعني: ما كل من في السماوات والأرض إلا ستكون حاله هذه: أنه آتي الرحمن عبداً، وهذه العبودية للأمر الكوني، لأن أمر الله عز وجل كوني لا يمكن لأحد أن يفر منه مهما كانت قوته. الثاني: العبودية الخاصة بالمؤمنين، مثل قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] هذه عامة لكل مؤمن. الثالث: العبودية الخاصة بالأنبياء، وهذه مثل قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1] {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1] ومن ذلك هذه الآية: {فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر:9] . وقد لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، لكنهم كلما دعاهم إلى الله ليغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قوله، واستغشوا ثيابهم حتى لا يروه واستكبروا استكباراً، ولا أبلغ من هذا الاستكبار: أن يضع الإنسان يده في أذنيه حتى لا يسمع قول الداعي، وأن يستغشي ثوبه فيتغطى به حتى لا يراهم. قوله: {وَقَالُوا مَجْنُونٌ} [القمر:9] المجنون: فاقد العقل، الذي يهذي بما لا يدري، قالوا: إنه مجنون، وهذه القولة قيلت في كل الرسل، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] و (أو) هنا إما للتنويع، فبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: مجنون، أو أنهم يقولون هذا وهذا، وعلى كل حال قالوا في نوح إنه مجنون. {وَازْدُجِرَ} [القمر:9] قيل: إنه زجر زجراً شديداً، والزجر: هو النهر بشدة وعنف، والدال هنا منقلبة عن تاء، وقد قال العلماء: إن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، والمعنى: أنه زجر شديد، وقوله: (وَازْدُجِرَ) ينبغي ألا توصل بما قبلها؛ لأنك لو وصلت وقلت: وقالوا مجنون وازدجر. لتوهم السامع أنهم يقولون: مجنون وازدجر يعني: زجره غيره، لكن المعنى خلاف ذلك، فكذبوا عبدنا وازدجر هذا المعنى. إذاً: الأولى أن تقف: (وقالوا مجنون) ثم تبدأ وتقول: (وازدجر) فيكون هنا لم يقتصر هؤلاء المكذبون على أن كذبوا بل كذبوا وزجروا وتوعدوا وسخروا. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) لما طال الأمد دعا ربه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] الله أكبر! كلمتان: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] ولقد دعا أهلاً للإجابة جل وعلا فأجاب الله، فقال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] فتحنا، وفي قراءة: فتَّحنا، وكلاهما حق، وينبغي لمن علم القراءة الأخرى أن يقرأ بهذه تارة وبهذه تارة بشرط ألا يكون ذلك بحضرة العوام؛ لأن العوام لا ينبغي أن تقرأ عليهم بقراءة خارجة عن المصحف الذي بين أيديهم، فتحدث لهم تشويشاً، وربما تهبط منزلة القرآن من نفوسهم، أو ينسبونك إلى الغلط والتحريف لكن عند طلبة العلم وعند التعلم أو فيما بينك وبين نفسك ينبغي أن تقرأ بالقراءات الثابتة مرة بهذه ومرة بهذه. كما نقول هذا أيضاً في العبادات المتنوعة تفعل هذا مرة وهذا مرة كالاستفتاحات ونحوها. قوله: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) (أبواب) كل باب في السماء انفتح (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) أي: منصب صباً شديداً، فكان كأفواه القرب، ليس كالذرات المعروفة، لا، بل أشد. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر) قال تعالى: {وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] أي: عيوناً من المياه، وتأمل قول الله: (وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً) ولم يقل: فجرنا عيون الأرض، كأن الأرض كلها كانت عيوناً متفجرة، حتى التنور الذي هو أبعد ما يكون عن الماء لحرارته ويبوسته صار يفور، كما قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] وفي هذا من الدلالة على قدرة الله تبارك وتعالى ما لا يخفى وأن هذه الفيضانات التي تحدث الآن وقبل الآن إنما تحدث بأمر الله عز وجل، وليست كما قال الطبائعيون: إنه من الطبيعة، يقولون: هاجت الطبيعة، غضبت الطبيعة، وما أشبه ذلك -نسأل الله العافية- بل هي بأمر من يقول للشيء: كن فيكون. {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] هنا ماء نازل من السماء دل عليه قوله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] وماء من الأرض نادر دل عليه قوله: (وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً) فلماذا لم يقل: فالتقى الماءان؛ لأن المراد ماء السماء وماء الأرض؟ قال العلماء: إنه أراد الجنس؛ لأن جنس الماء هنا واحد ماء الأرض وماء السماء، أو يقال: لأنه لما كان المقصود بهاذين الماءين شيئاً واحداً وهو عذابهم صح الإفراد، (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي: على شيء قد قضاه الله تعالى وقدره في الأزل، فإنه ما من شيء يحدث إلا وهو مكتوب، قال تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12] يعني: من أعمال بني آدم، ومما يقع في الأرض كل شيء محصى، ولهذا قال: (عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) . الجزء: 182 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 182 ¦ الصفحة: 11 بيان المعنى الحق في قوله تعالى: (والتقى الماء على أمر قد قدر) السؤال أنا قرأت في مقال لبعض الكتاب يتكلم عن مشاريع التحلية، ويقول: ناسب أن هذه المياه المالحة تحلت، ونزل الماء من السماء فالتقى الماء على أمر قد قدر. فلا أدري ما صحة هذه العبارة وهو يثني على من فعل هذا، فما رأيكم؟ الجواب أرى أن هذا لا ينبغي أن يستشهد بما نزل عذاباً على ما حصل رحمة؛ لأن (التقى الماء على أمر قد قدر) هذا ماء العذاب، فكيف يستشهد به على ماء يسر الله تعالى الوصول إليه فهو نعمة من الله تبارك وتعالى. لكن هذا كما يقول بعض الناس الآن إذا أنجز مشروعاً: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] هذا غلط. أولاً: هذه الآية نزلت في المنافقين، أي: اعملوا فلن يخفى أمركم. ثانياً: سيرى الله عملكم ورسوله، هل يمكن أن الرسول يرى ما يحدث الآن؟ لا يمكن، لكن الجهل وتنزيل الآيات على غير المراد بها أو الاستشهاد بها على ما لا يماثل هذا لا شك أنه من الغلط. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 12 حكم المسبوق بركعة إذا سها الإمام وزاد ركعة السؤال إذا الإنسان صلى المغرب مع الإمام وفاتته ركعة من الصلاة لكن الإمام سها ثم قام وأتى برابعة ثم سجد الإمام سجود السهو وسلم المأموم الذي فاتته ركعة مع الإمام، هل تعتبر الزيادة للإمام مكملة لصلاة المغرب، أو يقوم ويأتي بثالثة؟ الجواب هذا المثال يعتبر مثالاً لكن نأخذ قاعدة: إذا زاد الإمام ركعة وقد دخل معه أحد في الركعة الثانية أي صلاة تكون، فهل يعتد المأموم بهذه الركعة الزائدة؟ الجواب: يرى بعض العلماء أنه لا يعتد بها، وأن المأموم إذا سلم الإمام وقد فاتته ركعة يجب أن يقوم ويأتي بركعة، لكن هذا القول ضعيف. والصواب: أنه يعتد بركعة الإمام الزائدة للمأموم الذي فاته بعض الصلاة، فمثلاً: إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية في المغرب -كالمثال الذي ذكر الأخ- ثم زاد الإمام ركعة سهواً فيكون هذا المأموم المسبوق بركعة قد أتى بثلاث ركعات، إذاً: انتهت صلاته ويجب عليه أن يسلم، فإن زاد ركعة فهذا يعني: أنه تعمد الزيادة وصلى المغرب أربعاً وهذا لا يجوز، والإمام إن كان معذوراً بالزيادة لسهوه فأنت لست بمعذور، فلا يجوز أن تأتي بما زاد على فرض صلاتك، فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا، أو قال: فاقضوا) قلنا: بلى. قال هكذا، لكن قوله: فاقضوا أو فأتموا يدل على أن المأموم قد بقي عليه شيء، والمأموم الآن أتم ولم يبق عليه شيء، فهذا هو القول الراجح والصواب والمتعين، وإليه ذهب شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 13 الفوارق بين الرؤيا والحلم السؤال كيف يستطيع الإنسان التفريق بين الرؤيا والحلم؟ الجواب الغالب أن الرؤيا تكون سارة يفرح بها المؤمن وينشرح لها صدره وتكون مركزة، وأما الحلم فمن الشيطان، يأتي بالأمثال يضربها للنائم تزعجه وتروعه وتقلق راحته، وهناك ما يشبه الحلم مما لا أساس له ولا معنى له، مثل ما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ سأله رجل، قال: (يا رسول الله! إني رأيت في المنام أن رأسي قد قطع وهرب -رأسه هرب- فجعلت أشتد وراءه -هو يركض وراء رأسه- فقال صلى الله عليه وسلم: لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك) فالغالب أن الحلم ليس له أصل ولا له معنى وإنما يكون ليروع الإنسان، ولهذا ينبغي إذا رأيت رؤيا تكرهها أن تستعيذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت وألا تحدث بها أحداً، فإن استيقظت من منامك فانقلب على الجانب الآخر، وإن عادت إليك فقم وتوضأ وصل فإنها تذهب عنك بإذن الله. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 14 حكم استخدام العدسات اللاصقة السؤال العدسات اللاصقة إذا لبسها الإنسان، هل تتم طهارته وهو قد لبس هذه العدسات سواء كانت هذه الطهارة غسلاً أو وضوءاً؟ الجواب أولاً: ينبغي أن نسأل عن لبس العدسات قبل كل شيء، العدسات الطبية إذا كانت لتقوية النظر فلا بأس بها؛ لأنها مما منَّ الله به على العباد ويسرها لهم وهي أيسر من النظارات المتحركة هذه بشرط: ألا يكون على العين ضرر ولو في المستقبل. الشيء الثاني: العدسات التي تلبس للتجمل، فهذه لا نشير على الرجل أن يلبسها لا سيما الشباب، اللهم إلا إذا كان سواد عينه مشوهاً فهذا لا بأس به؛ لأن هذا إزالة عيب وليس زيادة تجميل، لكن المرأة هي التي تحتاج إلى التجميل، كما قال عز وجل: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] يعني المرأة، لا بأس أن تلبسها للتجميل بشرط: ألا تكون على شكل أعين الحيوان كعين القطط والأرانب وما شابهها؛ لأن مثال الحيوان لم يأت في القرآن والسنة إلا على وجه الذم، كما في قول الله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] ، وكقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته: (كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فلا تلبس ما يشبه أعين الحيوان. كذلك ما يشبه أعين الكافرات، وهذه المسألة أهون من الأولى؛ لأن أعين الكافرات ليس بفعلهن. فعلى كل حال لا بأس به، هذا من جهة استعمال اللاصقات كما سمعت. أما بالنسبة للطهارة فهي لا تؤثر إطلاقاً؛ لا في الغسل من الجنابة ولا في الوضوء؛ لأن داخل العين لا يجب غسله، بل ولا ينبغي أن يغسل، بل ومن التعمق في دين الله الضار للبدن. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 15 حكم المناولة للحاجة في الصلاة السؤال ما حكم المناولة في الصلاة؛ كأن يطلب الصغير من أبيه أن يناوله قلماً ويشغله في الصلاة، والعاطس إذا رأيت الشخص يعطس في الصلاة من شدة البرد ويريد منديلاً مثلاً أحسست أنه يريد منديلاً مساعدة، فهل لي أن أعطيه؟ الجواب المناولة حركة في الصلاة والحركة في الصلاة للحاجة لا بأس بها، فإذا صاح الصبي وهو إلى جنبك وأعطيته ما يتلهى به فلا بأس، وكذلك إذا احتاج من إلى جانبك إلى منديل أو أنت أيضاً احتجت فلا بأس؛ لأن كل شيء لحاجة لا بأس به. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 16 الضابط في تحديد أسماء الله، وهل (المسعر) من أسماء الله؟ السؤال يأتي في السنة كلمات أحياناً بالنسبة لله عز وجل، فما هو الضابط لتحديد الاسم، مثل (المسعِر) هل هو اسم لله عز وجل؟ الجواب الظاهر لي أن ما عاد إلى الأفعال فهو من جنس الصفات الفعلية، ما عاد إلى الأفعال ليس إلى الذات، المسعِر يعني في مقابل قول الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: سعر لنا. يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن التسعير من فعل الله عز وجل، هو الذي يقدر زيادة القيمة أو نقص القيمة. فالذي يظهر لي أن هذا من باب الخبر وليس من باب التسمية. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 17 حكم الأكل من الزكاة بعد أدائها أو قبولها كهدية وحكم شرائها السؤال ما حكم من أعطى زكاته أناساً من أقاربه، ولكن يزورهم هو وأولاده وزوجته ويأكل عندهم ويشرب، وربما تدخل الزكاة في الطعام، فهل عليه حرج من ذلك؟ الجواب ليس عليه حرج، يعني: فإذا أعطيت زكاتك من يستحق الزكاة من قريب أو غير قريب ثم دعاك أو أنت دخلت عليه وشربت مما يشرب وأكلت مما يأكل فلا بأس؛ لأنه ملكها وأنت تناولتها على سبيل الدعوة أو التبرع أو ما أشبه ذلك، حتى لو فرضنا أنه أهداها إليك لمناسبة ما فلا بأس، المحذور أن تشتريها منه؛ لأنك إذا أعطيته زكاتك ثم ذهبت تشتريها منه فالغالب أنه ينزل لك في الثمن؛ لأنك أنت الذي مننت عليه بها، فإذا نزل لك من الثمن فمعناه أن بعض زكاتك عاد إليك بهذه المحاباة. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 18 بيان ضعف الحديث القائل بأن (لحم البقر داء) السؤال في حديث لحوم البقر الذي جاء في آخره: أن لحمه داء. بعض العلماء المعاصرين صححه، فكيف الجمع بين تصحيحهم وبين تضعيف بعض علماء السلف؟ الجواب لا يحتاج هذا إلى جمع، أتظن أن ربك سبحانه وتعالى يبيح لك ما فيه ضررك؟ لا يمكن، إذا كان أباح لحم البقر بنص القرآن، كيف يقال: إن لحمها داء؟!! إذا كان الحديث الشاذ المخالف للأرجح منه في الرواية يرد، فالحديث المخالف للقرآن يجب رده. ولهذا نقول: من صححه من المتأخرين وإن كان على جانب كبير من علم الحديث فهذا غلط، يعتبر تصحيحه غلطاً، والإنسان يجب ألا ينظر إلى مجرد السند بل عليه أن ينظر إلى السند والمتن، ولهذا قال العلماء في شرط الصحيح والحسن: يشترط ألا يكون معللاً ولا شاذاً. لكن إذا تأملت أخطاء العلماء رحمهم الله ووفق الأحياء منهم علمت بأنه لا معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، كل إنسان معرض للخطأ؛ إما أن يكون خطأً يسيراً أو خطأ فادحاً، أنا أرى أن هذا من الخطأ الفادح، أن يقول: إن لحمها داء ولبنها شفاء أو دواء. كيف؟ سبحان الله!! احكم على هذا الحديث بالضعف ولا تبالي. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 19 حكم من نام عن الصلاة لكي يسهر في الليل وهل له الجمع؟ السؤال بعض الإخوان وقت الاختبارات ينامون من الظهر ولا يقومون إلا بعد العشاء كي يسهروا للمذاكرة، فما رأيكم؟ الشيخ: وينام الظهر؟ السائل: لا. يصلي الظهر وينام ولا يقوم إلا بعد العشاء. الشيخ: والعصر؟ السائل: العصر والمغرب والعشاء لا يصلي لكي يقوم للمذاكرة. الشيخ: العصر الصلاة الوسطى التي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب لما شغلوهم عنها. لكن إذا كان صحيحاً يتعب ولا يستطيع لشدة أخذ النوم له، فليجمع العصر مع الظهر. السائل: هو يصلي العصر مع الظهر الشيخ: أنت ما قلت يجمع، أنت قلت: يصلي الظهر وينام. أنا أقول: الجمع إذا كان يشق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها فهو جائز، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في المدينة من غير خوف ولا مطر) قالوا: أراد ألا يحرج أمته، فهذا يدل على أن مناط الحكم في الجمع هو المشقة. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 20 حكم صيد الصقور بالحمام الحي السؤال هل يجوز تدريب الصقور على حمام حي أو صيدها بها، لأني أراهم يضعون الحمامة وهي حية في شباك رخوة ميسرة ويطلقونها في الجو فينقض عليها هذا الصقر ويمزقها وتعلق مخالبه في الشباك فيصطادونه، فهل هذا جائز؟ الجواب يصطادون الصقر؟ السائل: نعم يصطادون الصقر بالحمام الحي. الشيخ: لكن كيف يصل إلى الحمامة وهي في الشبك؟ السائل: يلبسون الحمام شبكاً مثل الثوب طويل على عقب أجنحتها ويطلقونها على مسافة بحبل طويل ثم يختبئون فيجيء الصقر ويهاجمها ويمزقها وأنا رأيت شخصاً منهم يأتي كل يوم يدرب صقره بحمام حي، يربطها في حبل ويدعها تطير ثم يدرب عليها الصقر، فإذا اصطادها شجعه بمكافئة قطعة من لحم. الشيخ: الذي أسمع أنهم يطلقون الحمام ولا يضعونه في شبك، ثم يطلقون الصقر عليه. السائل: يطلقونه أحياناً، ويضعونه في شبك عند صيده عندما يكون الصقر جديداً ليس في يده يعني: في الفضاء وحشي، فيضع الحمامة في شبك ويطلقها على مسافة فيأتي الصقر فتعلق مخالبه في الشباك بعد أن يمزق الحمامة ويجرها ويصطادها. الشيخ: هل لا يمكن تعليمه إلا بهذه الطريقة؟ السائل: قالوا: لا يمكن إلا بهذه الطريقة، أما صيده هو عندما كان وحشياً في السابق لا يكون بهذه الطريقة. الشيخ: إذا كان لا يمكن الوصول إلى الانتفاع به إلا بهذه الطريقة وهي حية فلا بأس، أما إذا كان يمكن ولو بطريقة بعيدة فلا يجوز إيذاؤها. السائل: وصيد الصقر الوحشي بحمام حي؟ الشيخ: لا بأس به إذا لم يكن إلا بهذا. السائل: ولكنه تعذيب للحيوان؟ الشيخ: تعذيب لمصلحته مثلما نعذبه بالوسم لمصلحته. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 21 حكم تأخير صلاة العصر وصلاة الفجر السؤال الآن يحدث في أغلب المساجد تأخير صلاة العصر وصلاة الفجر، ويستدل البعض بحديث: (أسفروا بالفجر فإنه أكمل للأجر) لا أدري ما تعليقكم على هذا؟ الجواب حسناً والعصر ما هو الدليل؟ السائل نفسه: العصر يقولون: يحتاج أن الناس ينامون ويأتون متعبين من الدوام ونؤخره حتى يدركوا الصلاة. الشيخ: القاعدة الشرعية التي تدل عليها السنة: أن الأفضل تقديم الصلوات الخمس كلها، إلا العشاء الأفضل تأخيرها ما لم يشق، وإلا الظهر في شدة الحر. الفجر ورد حديث في صحته نظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتأخيرها في ليالي الصيف، الليالي القصيرة، وبتقديمها في ليالي الشتاء كالعادة، وأما حديث: (أسفروا بالفجر) وما أشبه ذلك فالمعنى لهما أحد معنيين: إما أن المعنى: لا تتعجلوا فيها حتى تتيقنوا الإسفار، أو المعنى: أطيلوا القراءة فيها حتى ينتشر الإسفار ويتبين. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 22 حكم صيد المقدور عليه بالسلاح وغير المقدور عليه السؤال سمعنا فتوى تنقل عنكم نريد التأكد من صحتها: أنه لا يجوز صيد الضب بالسلاح لأنه مقدور عليه؟ الجواب أما الذي معك بيدك من الضبان فلابد من ذبحه؛ لأنك قادر عليه، وأما الطليق فلا تقدر عليه، إن قدرت عليه فلا يجوز إلا بذبحه، وإن لم تقدر فيجوز أن تصيده بالبندقية، إذا كان البعير الآن إذا ند وشرد ولم تقدر عليه يجوز أن ترميه وتقتله بالرمي، أو إذا وقع في بئر ولم تتمكن من النزول إليه لنحره اضربه بالبندق فكيف بالضب. وأنت إذا سمعت عني شيئاً تستنكره فاتصل بي؛ لأنه كثيراً ما ينقل عني وعن غيري من العلماء أشياء ليست صحيحة، إما أنها كذب محض، أو أن السائل سأل ولم يفهم الجواب، أو سأل على غير وجه الواقع فأجيب بحسب سؤاله، أو أنه يريد تشويه السمعة؛ لأن النقل عن العلماء إما أن يكون خطأ في السؤال، أو خطأ في فهم الجواب، أو إرادة السوء، ولم يقع شيء أبداً من هذا. فإذا سمعت عن أي عالم من العلماء شيئاً تستنكره اتصل به حتى تكون على يقين. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 23 طرق تثبيت الحفظ والتفسير السؤال بالنسبة لتفسير القرآن، كثير ما يقرأ تفسير القرآن ثم ينسى، فما هي أيسر الطرق لتثبيت فهم التفسير؟ الجواب أيسرها بارك الله فيك التعاهد، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعاهد القرآن، وقال: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فأحسن شيء أن تتعاهده، من السور ما يكفي أن تتعاهده مرة في الأسبوع، ومنها ما يحتاج مرتين، ومنها ما يكفي مرة في خمسة عشر يوم. السائل: بالنسبة للتفسير؟ الشيخ: التفسير أم الحفظ؟ السائل: التفسير. الشيخ: التفسير إذا نسيته فراجعه. السائل: ما هو الأولى يا شيخ! قراءة تفسير السلف في القرآن، أم تفسير اللغويين؟ الشيخ: الأولى تفسير السلف؛ لأنهم أعلم الناس بمعنى القرآن. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 24 حكم فسخ العقد في حالة عدم الإنجاب أو الشك من أن أهل الرجل قد سحروا زوجته السؤال رجل تزوج امرأة مدة اثنتي عشرة سنة تقريباً ولم يرزقهم الله أطفالاً، وبعد هذه المدة الآن تطلب الزوجة الطلاق من غير ما بأس، وهو رافض لذلك، فما هو المترتب عليه علماً بأن أهل المرأة يلحون عليه بالطلاق؟ الجواب بارك الله فيك! لا ندري ممن السبب أهو من الرجل أو من المرأة. السائل: يا شيخ! المرأة تدعي أن أهل الزوج عملوا لها عملاً بعدم الخلفة، وهي تطالب بذلك، تقول: لا تستطيع العيش مع هذا الرجل لأن أهله عملوا لها عملاً. الشيخ: يعني: الرجل لا يستطيع أن يجامعها؟ السائل نفسه: يجامعها ولكن لم يقع الحمل. الشيخ: على كل حال: ينظر إذا كان البلاء من الزوج فللزوجة الحق في طلب الطلاق، فإن لم يطلق طلق عنه القاضي. السائل: لا. لا يوجد في الرجل أي خلل، وليس فيها خلل أيضاً. الشيخ: إذا لم يكن الخلل من هذا ولا من هذا فبقاء النكاح بحاله هو الصواب. السائل: ولكن الأهل -يا شيخ- يطلبون الطلاق. الشيخ: حسناً لماذا لا يؤخذ حَكم من أهله وحكم من أهلها؟ واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء فينظرون في الموضوع. السائل: الآن يا شيخ! لجئوا إلى المحكمة. الشيخ: إذاً: الحمد لله ما دام لجئوا إلى المحكمة ينتهي الموضوع. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 25 حكم الزوجة الثانية إذا رضع رجل من الأولى السؤال هناك شخص له زوجتان رضع شخص من إحداهما، فهل تكون له الأخرى أماً من الرضاعة أم لا؟ الجواب لا. الأخرى ليست أمه من الرضاعة. السائل: ما العلاقة؟ الشيخ: له علاقة على رأي جمهور العلماء: أنها زوجة أبيه من الرضاع، وزوجة أبيه من الرضاع كزوجة أبيه من النسب. وشيخ الإسلام رحمه الله يرى خلاف ذلك، يقول: الرضاع لا يؤثر في المصاحبة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وزوجة الأب حرام على الابن من جهة المصاحبة، فصارت الزوجة الثانية فيها خلاف بالنسبة للمرتضع. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 26 معنى قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) السؤال كيف نجمع بين قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) [الذايات:35] * {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) [الذريات:36] ؟ الجواب أي: أن دار لوط عليه السلام دار إسلام لا يأتونها لأن فيها مسلمين، حتى زوجته الكافرة لا تعلن كفرها، لكن لما أراد الله إنجاء أهل الدار أنجى المؤمنين إيمانهم ظاهر وباطن، فبقيت هي لأنها مسلمة وليست مؤمنة. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 27 حكم التثبت في رواية الثقة السؤال بعض الدعاة يتهم داعية آخر، فإذا قيل له في ذلك قال: حدثني رجل معروف بعلمه وعدله. فإذا قلت: تثبت. قال: التثبت فيما إذا كان الناقل فاسقاً. فما رأيكم في هذا؟ الجواب هذا صحيح، كلامه صحيح من حيث الظاهر؛ أنه إذا أخبرك رجل ثقة فلا حاجة للتثبت؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] لكن قد يكون الإنسان ثقة ولكن له هوى فتضعف الثقة من هذه الناحية. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 28 الجمع بين قوله تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث. ) الآية، وقوله تعالى: (يوم يخرجون من الأجداث سراعاً. ) الآية السؤال أشكل عليَّ الجمع بين قوله تعالى: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] وبين قوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43] أي: كأنهم يعرفون طريقهم بلا علامات يذهبون إليها؟ الجواب أنت تدري يوم القيامة كم يوم؟ السائل: خمسون ألف سنة. لكن تتغير الأحوال، فهم كأنهم جراد منتشر، ثم بعد ذلك يهتدون إلى الطريق ويسعون. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 29 حكم الصداق إذا كان ذهبا ً السؤال هل إذا كان في عقد النكاح قال: أريد مبلغاً من المال ولكنك تحضره ذهباً، فهل الذهب يعتبر من الصداق؟ الجواب إي نعم. يعتبر من الصداق. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 30 بيان خطأ مقولة: إن الشيطان طويل العمر السؤال بعض الناس يطلقون على الشيطان يقولون: إنه طويل العمر. لأنه منذ خلقه الله إلى قيام الساعة وهو حي طوال هذه الفترة، فهل هذا إطلاق صحيح؟ الجواب ليس بصحيح، حتى هذه (طويل العمر) لا تقال إلا في مقام الثناء، من يثني على الشيطان؟!! سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 182 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [183] في هذا اللقاء فسر الشيخ آيات بينات من سورة القمر، مبيناً فيها ما حصل من قوم نوح وما وقع بهم من العذاب والنكال حتى جعلهم الله تعالى (آية فهل من مدكر) . ثم بيان ما حصل من قوم عاد وما وقع بهم من العذاب، وبيان الحكمة من تدميرهم بالريح دون غيرها من جند الله سبحانه وتعالى. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر صفر عام (1419هـ) . الجزء: 183 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر) نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بالكلام بما يسره الله عز وجل على الآيات التي انتهينا إليها من سورة القمر، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر قصة نوح على وجه مختصر، فقال جل وعلا: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر:9-14] . قوله: {وَحَمَلْنَاهُ} أي: حملنا نوحاً وأهله إلا من سبق عليه القول منهم، وأمره الله تعالى أن يحمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين ومن آمن معه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] ، حمله الله على ذات ألواح ودسر، أي: على سفينة (ذات ألواح ودسر) ، وكان نوح عليه الصلاة والسلام يصنعها فيمر به قومه فيسخرون منه، فيقول: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود:38-39] . هذه السفينة وصفها الله بأنها {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ} [القمر:13] وألواح جمع منكر يدل على شيئين: الشيء الأول: كثرة ألواحها. والشيء الثاني: عظمة هذه الألواح ومتانتها. وحق لسفينة تحمل البشر على ظهرها أن تكون ذات ألواح ودسر، ذات ألواح عظيمة. قوله: {وَدُسُرٍ} أي: مسامير، وقيل: إن الدسر ما تربط به الأخشاب، فيكون أعم من المسامير؛ لأن الأخشاب قد تربط بالمسامير وقد تربط بالحبال، فالمهم أن توثيق هذه الألواح بعضها ببعض كان قوياً، وإنما ذكر الله سبحانه وتعالى مادة صنع السفينة وأنها من الأخشاب والمسامير أو الروابط التي تربط بين تلك الأخشاب ليكون ذلك تعليماً للبشر أن يصنعوا السفن على هذا النحو. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر) قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: تسير على هذا الماء العظيم الذي بلغ قمم الجبال، والتقى فيه ماء الأرض والسماء، {تَجْرِي} [القمر:14] أي: تسير على هذا الماء {بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: ونحن نراها بأعيننا ونكلؤها ونحفظها، وأيضاً في قوله: {بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] الباء للمصاحبة، أي: أن عين الله عز وجل تصحب هذه السفينة فيراها جل وعلا ويكلؤها ويحفظها؛ لأنها سفينة بنيت لتقوى الله عز وجل وإنجاء أوليائه من الغرق الذي شمل أعداءه. قوله: {جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14] {جَزَاءً} أي: مكافئة، {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} أي: لمن كان كفر به وهو نوح عليه الصلاة والسلام، فبين الله عز وجل أن إنجاء نوح بهذه السفينة كانت جزاءً له، وأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسن أكثر من إحسانه. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) قوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] ، قوله: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} كلمة الضمير هاء اختلف فيها المفسرون: هل المعنى: ولقد تركنا هذه القصة وهي قصة نوح وإغراق قومه آية لمن يأتي بعدهم هذا وجه. والوجه الثاني: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا} أي: السفينة، والمراد الجنس أي: جنس هذه السفينة أبقيناها آية لمن بعد نوح، وكلا الأمرين محتمل، والقاعدة في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي بعضهما الآخر وليس أحدهما بأرجح من الآخر فإنها تحمل على المعنيين جميعاً. فنقول: إن الله ترك القصة آية وعبرة لمن يأتي بعد نوح، ترك السفينة آية وعبرة يصنع مثلها من يأتي بعده، ويدل لهذا القول وأنه غير ممتنع: أن الضمائر أحياناً تعود إلى الجنس لا إلى الفرد، نظيره قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:12-13] خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ما المراد بالإنسان؟ آدم، {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} [المؤمنون:13] ليس آدم هو الذي جعل نطفة في قرار مكين، بل الإنسان الذي هو جنس آدم وهم بنو آدم، ومثل ذلك عند بعض العلماء قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] ليست المصابيح التي في السماء هي التي ترجم الشياطين ولكنها شهب تخرج منها فترجم الشياطين. قوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] الاستفهام هنا للتشويق، أي: هل أحد يدكر ويتعظ بما جرى للمكذبين بالرسل من إهلاكهم وتدميرهم؟ وقيل: إن الاستفهام للأمر، وأن المعنى: فادكروا، وسواء قلنا للتشويق أو للأمر، فإن الواجب علينا أن نتذكر، وأن نخشى من عقاب الله تبارك وتعالى، وعقاب الله تعالى لهذه الأمة خاصة لا يمكن أن يشملهم جميعاً، لكن قد يشمل مناطق معينة تؤخذ بالعذاب بما فعله السفهاء منهم، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25] . الجزء: 183 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر) قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:16] ، قوله: {فَكَيْفَ} [القمر:16] هنا للتفخيم والتعجيب، أي: ما أعظم العداء والنذر! وقيل: إن الاستفهام التقرير؛ لأن الله يقررنا بالعذاب وبالنذر، لكن المعنى الأول أعظم: أنه للتفخيم والتعظيم، أي: ما أعظم عذابي النازل بأعدائي، وما أعظم نذري التي تنذر وتخوف من العقاب أن ينزل بمن خالف، فهذا العذاب الذي حصل لقوم نوح عذاب حصل، وهو بالنسبة لنا يعتبر من النذر المخوفة لنا من مخالفة أمر الله ورسوله. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] ، قوله: {يَسَّرْنَا} أي: سهلنا، والقرآن هو كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وسمي قرآناً لأنه يقرأ -أي: يتلى- وقوله: {لِلذِّكْرِ} قال بعضهم: للحفظ، وأن القرآن ميسر لمن أراد أن يحفظه، وقيل: المراد بالذكر: الادكار والاتعاظ، أي: أن من قرأ القرآن ليتذكر به ويتعظ به سهل عليه ذلك، واتعظ وانتفع، وهذا المعنى أقرب للصواب، بدليل قوله: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: هل أحد يدكر مع أن الله سهل القرآن للذكر؟!! أفلا يليق بنا وقد يسر الله القرآن للذكر أن نتعظ ونتذكر؟! بلى. هذا هو اللائق {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . الجزء: 183 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر) قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:18] هذه هي الأمة الثانية ممن قص الله علينا قصصهم في هذه السورة الكريمة، وعاد تتلو قوم نوح غالباً، وقد تتقدم عليها كما في الذاريات، ولكن الغالب أن قصة نوح هي الأولى في قصص الأنبياء؛ لأنه أول نبي أرسل إلى أهل الأرض. قوله: {كَذَّبَتْ عَادٌ} وهم قوم هود، كما قال تعالى: {أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود:60] كذبوا نبيهم هوداً عليه الصلاة والسلام، وكانوا أشداء أقوياء، وكانوا يفتخرون بشدتهم وقوتهم، ويقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15] ، قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} [فصلت:15-16] . يقول هنا: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} . و الجواب كان شديداً عظيماً واقعاً موقعه، فالاستفهام للتفخيم والتعظيم والتقرير، وهو أن عذاب الله كان عظيماً وكان واقعاً موقعه. (نذر) أي: آياته كذلك كانت عظيمة واقعة موقعها، فبماذا أهلكهم الله؟ أهلكهم الله بألطف شيء وهو الريح التي تملأ الآفاق ومع ذلك لا يحس الإنسان بها؛ لأنها سهلة لينة يخترقها الإنسان بسهولة، مكاننا الآن الذي نحن فيه مملوء من الهواء، ومع ذلك نخترقه ولا نحس به، فهي من ألطف الأشياء. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر) أهلك الله عاداً الذين يفتخرون بقوتهم بهذه الريح، كما قال الله عز وجل هنا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:19] الجملة هنا مؤكدة بإنا، و (أرسلنا) أي: الرب عز وجل نفسه، وجمع الضمير للتعظيم. قوله: {عَلَيْهِمْ} أي: على عاد {ريحاً صرصراً} أي: ذات صرير لقوتها وشدتها، حتى إنها مجرد نفوذها يسمع له الصرير وإن لم تصطدم بما يقتضي الصرير؛ لأنها قوية عظيمة جداً، وهي الريح الغربية أتت من قبل الغرب، أي: من جهة الغرب لعاد، فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] وكانوا قد أجدبوا قبل ذلك سنوات، فلما أقبلت بسوادها وعظمتها وزمجرتها، قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] ولكن الأمر كان بالعكس، كانت ريحاً فيها عذاب أليم، كانت ريحاً عقيماً ليس فيها مطر ولا يرجى أن يأتي منها مطر. هنا يقول الله عز وجل: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} [القمر:19] فهي الريح الغربية التي تأتي من ناحية المغرب. قوله: {صَرْصَراً} أي: شديدة الصوت والصرير لقوتها وسرعتها. قوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر:19] أي: في يوم شؤم (مستمر) بالنسبة لعاد وليست كل وقت، فاليوم الذي أهلكوا فيه ليس هو نفسه نحساً مستمراً ولكنه بالنسبة لهؤلاء كان يوم نحس مستمر، كما قال الله تعالى عن قوم نوح: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً} [نوح:25] ، هؤلاء أهلكوا بالريح فأدخلوا النار، فالنحس -أي: الشؤم- كان مستمراً معهم، عذاب الآخرة متصل بعذاب الدنيا. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] . قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ} أي: تأخذهم بشدة وقوة وترفعهم إلى السماء -نسأل الله العافية- حتى قال بعضهم: ترفعهم حتى يغيب الإنسان عن الرؤية من علوه ثم تطرحه في الأرض، إذا سقطوا على الأرض سقطوا على أم رءوسهم ثم انفصل الرأس من الجسد من شدة الصدمة. قوله: {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ} في حال سقوطهم إلى الأرض {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (أعجاز) أي: أصول، والنخل معروف، والمنقعر: الساقط من أصله، أي: كأنهم نخل سقط من أصله وبقيت جثثه، لماذا صاروا كأعواد النخل؟ لأنهم ليس لهم رءوس كما قال المفسرون، حيث إن رءوسهم انفصلت من شدة الصدمة، فسبحان القوي العزيز، هؤلاء القوم الأشداء الأقوياء وصلوا إلى هذه الحال بريح من عند الله عز وجل {تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:20-21] . هنا قال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] ، وفي الحاقة: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] والمعنى متقارب، لكن من بلاغة القرآن أن يجري الكلام فيه على نسق واحد، فهناك: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] مناسب للفواصل التي في الحاقة، وأما هنا: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20] فمناسب للفواصل التي في سورة القمر، لأن تناسب الكلام واتساقه من كمال بلاغته. قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:21-22] كرر الله تعالى هذا عند آخر كل قصة من أجل أن نحرص على تذكر وتدبر وتفهم القرآن؛ لأنه ميسر، والجملة مؤكدة بمؤكدات ثلاثة: القسم، واللام، وقد، مما يدل على الترغيب في تذكر القرآن والتذكر به {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:22] . نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المدكرين بكتاب الله عز وجل، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 183 ¦ الصفحة: 11 الأفضل للمسافر أن يصلي في المساجد التي على الطرق أو في البر السؤال ما هو الأفضل إذا كنت مسافراً أن أصلي في المساجد التي بنيت على الطرق، أو في البر؟ الجواب إذا كنت مسافراً فأينما أدركتك الصلاة فصل، فإذا دخل الوقت وأنت بعيد عن المحطة التي فيها المسجد ومعك ماء فتتطهر وصل، هذا هو الأفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) ، أما إذا كنت قريباً فالمكان الذي يصلى فيه أفضل من غيره مما لم يصل فيه، لأن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن المسجد العتيق أولى أن يصلى فيه من المسجد الجديد. وعللوا ذلك بقدم الصلاة فيه. ثم إنكم إذا وصلتم إلى المحطة وصليتم في المسجد ربما تجدون جماعة، وكلما كثر الجمع فهو أفضل، ثم إنكم أيضاً إذا صليتم في المساجد التي في المحطات تتأكدون من استقبال القبلة، فإن من يصلي في البر إذا لم يكن معه آلة القبلة ربما يخطئها، ففيها هذه الفوائد الثلاث: 1- أنها أقدم في العبادة. 2- أنه أقرب إلى تكثير الجماعة. 3- أنه أقرب إلى إصابة القبلة. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 12 حكم فرض غرامة على من يتخلف عن موعد السؤال كثيراً ما يحصل بين الإخوان عندما يتخلف شخص عن آخر في وعد أو دون قصد يقول: عليك حق. يعني: عليك عشاء أو غيره، فما الحكم؟ الجواب هذا في الحقيقة ألعوبة اتخذها الشباب الآن؛ لأنه إذا أخلف الوعد أو أخطأ في كلمة لا يريدون بذلك عقوبة يعني: تعزيره لإخلاف الوعد، لكن يريدون الضحك والانبساط عليه وما أشبه ذلك، لهذا أرى أن تركها أولى، لئلا تتخذ ألعوبة فيصير كل واحد يريد أن يكون عليه -كما يقولون- حق، يخطئ في كلمة أو يخلف وعداً، وإخلاف الوعد من النفاق إلا لضرورة، لكن لا يلزمه، إذا قالوا: عليك حق، يقول: لا. من أوجبه عليَّ؟ أوجبه الله؟ أوجبه الرسول؟ أوجبه العلماء؟! فيتركه ولا يقوم بهذا الحق، فالأفضل ألا يأتي بالحق، وقصدي بالحق الذي يقولون: إنه حق، وإلا فالظاهر أنه للباطل أقرب. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 13 هل عموم الحرم يضاعف أجر الصلاة فيه؟ السؤال الصلاة المقصودة في الحرم في المضاعفة، هل المقصودة في المسجد الحرام، أو في عموم الحرم؟ الجواب يجيب عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت في صحيح مسلم أنه قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة) هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، أبعد هذا الجواب الواضح جواب؟ ما قال هذا لأن مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام له خير من ألف صلاة، لكن مساجد المدينة ليس لها هذا الفضل، هذا واضح، لكن خير من ألف صلاة مما سواه إلا مسجد الكعبة، كلمة (مسجد الكعبة) ماذا تعني؟ المسجد الذي فيه الكعبة. إذاً إذا صليت في مساجد أخرى في مكة لا تنالها فضل الصلاة في مسجد الكعبة، لكن لا شك أن الصلاة في نفس الحرم داخل بيوت الحرم أفضل، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في الحديبية وبعضها حرم وبعضها حل نزل في الحل، وصار يدخل في الحرم ويصلي فيه، مما يدل على أن الصلاة في الحرم -أي: فيما كان داخل حدود الحرم- أفضل من الصلاة في الحل، لكن هل ينال أكثر من مائة ألف صلاة؟ لا. إلا في مسجد الكعبة. وهذه المسألة ذكرها صاحب الفروع من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله، وهو على ما قيل: أعلم الناس بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حتى كان ابن القيم رحمه الله وهو ملازم لـ شيخ الإسلام يرجع إلى ابن مفلح صاحب الفروع فيسأله عما يختاره شيخ الإسلام في مسائل الفقه، وقد ذكر رحمه الله أن هذا ظاهر كلام أصحاب الإمام أحمد أن التفضيل خير من مائة ألف خاص بمسجد الكعبة، ونحن نقول: أفبعد كلام الرسول شيء؟! لا شيء. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 14 حكم الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى السؤال بالنسبة للأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى، هل هو من السنة وله أصل؟ الجواب أما الأذان فله أصل، وحديثه حسن ولا بأس به، لكن عند الولادة قبل أن يسمع أي شيء، يكون أول سمعه النداء إلى الصلاة وإلى الفلاح، أما حديث الإقامة في الأذن اليسرى فهو ضعيف. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 15 بيان وقت صلاة الضحى السؤال كم مقدار وقت صلاة الضحى؟ الجواب وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح، أي: بعد طلوعها بنحو ثلث ساعة إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق، كل هذا وقت له، والأفضل أن تصلى في آخر الوقت، لحديث: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) لكن كل هذا الوقت وقت لها، أقلها ركعتان وأكثرها ما شئت. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 16 حكم بيع السلعة في مكان شرائها أو قبل ملكها السؤال يأتي شخص إلى أحد المعارض فيشتري سيارة، ثم يقول لصاحب المعرض: بعها إن أتت بمكسب قدره كذا من دون أن ينقلها إلى بيته أو يحركها، فهل هذا جائز؟ الجواب هذا منهي عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فإذا حازها إلى مكان آخر، وقال لصاحب المعرض: بعها. فلا بأس، يبيعها وهي في مكانها، ولا يبيعها وهي في نفس المعرض. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 17 حكم صلاة تحية المسجد عند أهل مسجد لا يرون مشروعيتها والعكس السؤال ما هو الأفضل فيما لو دخلت مسجداً أهله ممن لا يرون صلاة تحية المسجد في وقت النهي، هل الأفضل لي أن أجلس أم أصلي؟ الجواب الأفضل إذا دخلت المسجد في أوقات النهي الصحيح أنك تصلي تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد لها سبب، وكل صلاة ذات سبب فإنها جائزة في وقت النهي، فإذا دخلت المسجد فصل، حتى وإن كانوا لا يرون ذلك، كما أنه لو دخل إنسان ممن لا يرى ذلك في مسجد قوم يرون ذلك فإنه يجلس ولا يصلي، هذه مسائل دينية، إلا إذا خفت الأذى بحيث يطردونك أو يقدحون فيك أو ما أشبه ذلك، فهذا شيء ينظر في المصلحة والمفسدة. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 18 حكم بيع المزاد السؤال بعض الشركات تبيع بعض أدواتها بدون تسعير بل تعلن وتضع مدة معينة ثلاثة أيام أو أربعة أيام وأي شخص يريد أن يشتري يأتي بسعر وهو يأخذ بالسعر الذي تريده، فهل هذا البيع صحيح؟ الشيخ: كيف؟ يعني: مثلاً تعلن بأنه في خلال ثلاثة أيام من أراد أن يشتري منا سلعة فثمنها إليه بأي ثمن. السائل: نعم. أي تاجر يسعر بسعره وهم يجمعون الأوراق ثم ينظرون إلى هذه الأوراق وعلى السعر الذي يريدونه يبيعونه لهذا، يعني: أي تاجر يضع سعراً لبيع هذه السيارات. الشيخ: هل هذه شركة. الشيخ: شركة تريد تبيع سيارات قديمة مستعملة تعلن أن لها سيارات للبيع، ولكن أي إنسان يريد أن يشتريها يضع لها سعراً ويأتي بالسعر بأوراق في وقت معين يقول: هذا المدة تنتهي ثلاثة أيام أو أربعة أيام؟ الجواب طيب السيارات تختلف كيف يكون سعرها؟ السائل: يأتون وينظرون أي واحدة من هذه السيارات ويكتب عليها رقمه الشيخ: هذا الزبون يأتي للسيارة المعينة هذه، ويقول: أشتريها بعشرة آلاف والآخر أيضاً يأتي ويصنع كما صنع الأول، ثم يجمعونها عندهم في مكتب معين، وأي واحد يأتي بورقته وبعنوانه وبالسعر الذي يريد هو أن يشتري، فآخر نتيجة أنهم يفرزون الأوراق والأسعار ثم يبيعون لمن كتب السعر الأعلى. الشيخ: لكنه يعرف السيارة التي يريدها؟ يعني: يريد السيارة الفلانية رقم كذا وكل شيء، وإذا هي بعشرة آلاف مثلاً، وإذا جاء آخر ووقع نظره عليها؟ السائل: هذا أيضاً يسعر. الشيخ: وقال: أنا أعطي عشرة آلاف. السائل: هو لا يتكلم معهم. الشيخ: هل يقبل الثاني وإلا الأول هو السائل: لا. هم يأخذون السعر الأكثر. الجواب: هذا لا بأس به؛ لأن السلعة معلومة والثمن معلوم عند كل من البائع والمشتري، فليس فيه غرر، فإذا تمت الأيام ثلاثة أو أقل أو أكثر حسب التقديم، يحضرون إلى المكان وتفرز الأوراق. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 19 حكم المناقصات في البيع السؤال نوع آخر من البيع يحصل في بلادنا: شركة أو جهة حكومية تطلب بضائع أو أدوات. ، تطلب من التجار تقول: أي شخص أراد أن يأتي لي أنا أريد بضائع كذا، والتجار يأتون لكي يتفقوا معهم على أساس أن يأتي بهذه البضائع ولكن لا يسلم النقود، ويأتي بهذه البضائع ثم بعد ذلك يأتي المسئول ينظر ويتفق، ثم بعد ذلك يعطيهم الفاتورة؟ الجواب هذا لا بأس به، بشرط أن لا يكون البيع إلا إذا حضرت، أما أن يبيع عليه بسعر وقت البيع ثم تأتي بعد شهر مثلاً هذا لا يجوز، إلا إذا سلم الثمن كاملاً، فهذا يجوز ويكون من باب السلم. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 20 حكم التعامل مع الجني المسلم السؤال ما حكم الإتيان إلى من عنده جن ليعالج الناس عن طريق جني آخر مسلم، وبطريق الشيخ. يعرف كلام الجن، يأخذ بعض النقود ويعالجون هذا المريض؟ الجواب أولاً: هل هذا الجني المسلم أعلن إسلامه عند كاتب العدل؟ السائل: هذا يا شيخ بينهم، يقول: إنه مسلم ولكن لا يعرف الشيخ: من يقول: إنه مسلم؟ المنافقون يقولون: إنهم مسلمون وهم أكفر عباد الله؟ إلا إذا جاء المسلم وجاء عند كاتب العدل الإنس، وقال: إنه مسلم، وعسى أن نقبله. السائل: يا شيخ! هذا الشيخ الإنسي يعرف أنه مسلم وزميله الشيخ: أميرهم تحت وزارة الداخلية أو أين؟ والله مسائل الجن الحقيقة أن الإنسان يقف فيها متحيراً، لكن لا شك أننا إذا علمنا أن هذا الجني مسلم وأنه يعين أخاه المسلم في غير محرم فهذا جائز؛ لأن استعانة الإنسان بالجني المسلم كاستعانته بالإنسي المسلم إذا كان لا يستعين به على شيء محرم، يعني: لا يقول: تعال أنا أبغض فلاناً أذهب وأحرق ثيابه أو أحرق بيته، إذا كان لا يقول مثل هذا، أو يقول: يا فلان! أنا أبغض فلاناً أذهب روعه في الليل وأجعله لا ينام، هذا إذا كان فيه ضرر على المسلمين فلا يجوز. كذلك إذا كان لا يمكن أن يخدمه الجني إلا إذا تقرب إليه بما يحرم، بأن يذبح له أو ينذر له، أو تكون امرأة مثلاً يقول الجني: أنا أخدمك بشرط أن تمكنيني من الزنا بك، أو بالعكس، المهم إذا كان ليس بطريق محرم ولا على شيء محرم فهذا جائز، أقول هذا عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال ذلك في عدة من كتبه. ولكن المشكلة الآن من يقول: هذا الجني مسلم هذا هو المشكلة. السائل: يا شيخ! أليس الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان الكاهن؟ الشيخ: بلى. لكن الكاهن يخبر عن المغيبات في المستقبل ولا أحد يعلم المستقبل، حتى الجن لا تعلم المستقبل، الجن أليس أنهم لبثوا في العذاب المهين في عهد سليمان وهم لا يدرون أنه ميت؟ فكيف يعرفون الغيب للمستقبل وهم ما عرفوا الغيب الحاضر. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 21 حمل كلمة الذكر للمعنيين (الاتعاظ والحفظ) في قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) السؤال يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] الذكر نقرأ فيها معنيين، وقلنا: إن الاتعاظ هو الأولى بدليل قوله تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] ، فهل يجوز أن نحمل المعنيين معاً؟ وهل هناك شيء يستعين به لمن يريد أن يحفظ به القرآن؟ الجواب ربما نقول: المعنى الثاني الذي هو الحفظ لا ينافي المعنى الأول، لكننا قلنا: إن هذا أقرب بدليل السياق، لكن ينظر مسألة الحفظ، الآن بعض الناس يصعب عليه الحفظ، حتى إنك تجد اثنين تقول لهما: احفظا هذه السورة هذا يحفظها في خلال يومين أو ثلاثة أيام وذاك لا يحفظها ولا في بشهر، ولكن على كل حال هو قول. قيل: إن المراد بالذكر -أي: للحفظ- لكن إذا رأيت وتأملت الآية وإذا المعنى: لمن يتذكر به، مثلما أقول: قدمت لك الغداء فهل من يأكل؟ السؤال: في قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً} [القمر:15] هل يحتمل المعنى: عين سفينة نوح عليه السلام؟ الجواب: لا يحتمل؛ لأن سفينة نوح فنيت في وقتها، وأما قول من قال: إنها بقيت إلى أول هذا الأمة. فهذا ليس بصحيح. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 22 حكم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية السؤال بالنسبة لصلاة الجهر مثلاً: هل الواحد يذكر يقول يجهر يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم يبدأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ؟ الجواب يعني: أنت لازم تقول: الصلاة الجهرية هل يجهر فيها بالبسملة أم لا؟ الصحيح: أنه لا يجهر فيها، وذهب بعض العلماء: إلى أنه يجهر فيها، وهذا مبني على: هل البسملة من الفاتحة أم لا؟ إذا قلنا: إنها من الفاتحة يجهر بها، وإذا قلنا: لا. ليست من الفاتحة لا يجهر. والصحيح: أنها ليست من الفاتحة وأنه لا يجهر بها. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 23 حكم من أصيب بحجر في رأسه فسال الدم قبل أن يرمي جمرة العقبة ففسخ إحرامه السؤال رجل في الحج يوم النحر ذهب ليرمي جمرة العقبة وقبل أن يرمي جمرة العقبة أصيب بحجر في رأسه فسال الدم، ففسخ الإحرام ولبس المخيط، فما الحكم؟ الجواب جاهلاً؟ السائل: نعم جاهلاً. الشيخ: ليس عليه شيء، كل محظورات الإحرام ومحظورات الصيام ومحظورات الصلاة إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وهذا شيء معروف من القرآن: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . الجزء: 183 ¦ الصفحة: 24 بيان أن جثمان فرعون صاحب موسى غير موجود السؤال قال بعض الناس في قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] إن هذه الآية تدل على أن فرعون ما زالت جثمانه موجودة في الأهرامات، وبعضهم يزور ويقول: رأينا الجثمان، وبعض العلماء يقولون هذا، هل كلامهم هذا له مستند؟ الجواب ليس لهم مستند إطلاقاً، لكن الذين يريدون أن يفتخروا بآثار الفراعنة -وبئس ما فخروا وفرحوا به- هم الذين يقولون: إن فرعون صاحب موسى موجود في الأهرامات، هذا كذب وكلام لا أصل له، رجل في وسط البحر وفي عذاب كيف يمكن لأحد أن يجرأ على أن يستخرج هذه الجثة من البحر؟ هل يمكن؟! وأين الأدوات وأين الآلات التي تحفظه حتى يأتي من يبني الأهرام ويجعله في الأهرام؟ أين هذا؟! هذا كذب وباطل. لكن كما قلت: الذين صار فيهم جنون حب الآثار هم الذين يأخذون مثل هذا. ثم أي فخر لنا -أيها الإخوان- في جسد أهلكه الله عز وجل، كذب الله وكذب رسوله؟ أي فخر لنا بهذا؟ لا فخر بهذا، لكن الله نجى فرعون ببدنه؛ لأن بني إسرائيل كان فرعون قد أرهبهم وأخافهم، وتعرفون الإنسان إذا كان أمامه من يخافه لا يطمئن قلبه حتى يراه هالكاً ميتاً، لأنه يلقي الشيطان في قلبه أن فرعون نجا، وفرعون سوف يرجع إليكم يا بني إسرائيل! ويفعل فيكم كذا وكذا، فقوله: (لمن خلفك) أي: لبني إسرائيل، و (لمن خلفك) أي: في نفس الوقت، ولا يبعد أن تكون هناك قراءة ولكن لا تحضرني الآن هل هناك قراءة (لمن خَلَفَكَ) أي: لمن خَلَفَكَ في أرضك، والذين خلفوه في أرضه هم بنو إسرائيل في وقته، لكن لا أدري عن هذه الآية، لا تعتمدوا أنها قراءة لا أذكر، لكن (لمن خلفك) أي: من بني إسرائيل في ذلك الوقت. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 25 بيان أن ليس للعمرة إلا تحلل واحد السؤال هل صحيح أن العمرة لها تحللان، وأن التقصير يصح في أي مكان خارج مكة، مع ذكر دليل من قال: إن لها تحللين؟ الجواب الحج ثبت أن له تحللين، أما العمرة فلم يثبت ولا يمكن أن يتحلل الإنسان منها إلا بالحلق بعد السعي والسعي بعد الطواف، ثلاث مراتب: طواف، سعي، حلق أو تقصير، لكن هل يلزم أن يكون الحلق أو التقصير في مكة؟ ليس بلازم، لو خرج من مكة وهو باق على إحرامه وحلق في جدة مثلاً فلا حرج عليه. السائل: هل هناك دليل أن فيه تحللين؟ الشيخ: الذي يقول: له تحللان. هو مثبت فيأتي بالدليل، والذي يقول: ليس له تحللان نافي، فأين الدليل على التحللين؟ لكن ليس هناك دليل على أنه يجب أن يكون الحلق أو التقصير في مكة، لو حلق خارج مكة وهو باقٍ على إحرامه فلا بأس، مع أن الأفضل أن يحلق من حين ما ينتهي من السعي عند المروة، هذا هو الأفضل. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 26 حكم الصلاة بالثوب الشفاف السؤال ما حكم الصلاة بالثوب الشفاف؟ الجواب هل تحته شيء؟ السائل: ليس تحته شيء. الشيخ: لا يجزئ، الصلاة في الثوب الشفاف لا تجزئ؛ لأنه لم يحصل به الستر، والواجب ستر العورة. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 27 حكم القصر خلف من أتم السؤال دخل رجل مسافر إلى المسجد في صلاة العصر ووجد الإمام قد صلى ثلاث ركعات، فهل إذا سلم الإمام يقوم ويصلي الذي فاته من الصلاة أم يقصر الصلاة؟ الجواب يتم الصلاة، إذا صلى المسافر خلف من يتم وجب عليه الإتمام، سواء أدرك الصلاة من أولها أو من آخرها، ودليل ذلك: عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ، وسئل ابن عباس رضي الله عنه: [ما بال الرجل المسافر يصلي ركعتين ومع الإمام أربعاً؟ قال: تلك هي السنة] . الجزء: 183 ¦ الصفحة: 28 الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل. ) ونهيه لعمر عندما رأى معه التوراة السؤال ورد حديثان متعارضان وهما. الشيخ: لا تقل: متعارضان هذا غلط، ولكن قل: ظاهرهما التعارض حتى في فهمك أعد السؤال. السائل: ورد حديثان ظاهرهما التعارض؛ حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وزجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رأى عنده صحيفة من التوراة، وقال صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فكيف نجمع بينهما؟ الجواب أولاً: حديث عمر ضعفه كثير من العلماء، حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر لديه نسخة من التوراة أو صحيفة من التوراة، وقال: (أي شك أنت فيه يا بن الخطاب؟!) هذا ضعفه كثير من العلماء، وإذا كان ضعيفاً فإنه لا يقاوم الصحيح، ولا يقال: ظاهره المعارضة لأنه سقط من الأصل. وعلى القول بأنه صحيح يجاب بأن: المراد (حدثوا عن بني إسرائيل) أي: إذا حدثك واحد من بني إسرائيل فحدث عنه، وأما أن تتخذ التوراة دليلاً وهدى تهتدي به فهذا محرم. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 29 الأولى في تعلم العلوم لمن لم يعرف الشرع السؤال رجل يريد أن يدخل كلية الشريعة، ولكن نصح لأنه ذو لسان -يعني ينفع للدعوة- فقيل له: ادخل قسم الإنجليزي لأن لديه الحجة القوية في الكلام، فماذا ينصح مثل ذلك؟ الجواب هو يعرف الإنجليزي أم لا؟ السائل: لا يعرف. الشيخ: إذا كان لا يعرف فليدخل الشريعة وليتعلم الشريعة، ثم ليتعلم اللسان الذي يدعو فيه، سواء إنجليزي أو أوردي أو هندي أو غيره، الجهة التي يتجه لها يتعلم لغتها، وكيف يمكن أن يتعلم اللغة الإنجليزية مثلاً وهو لا يعرف الشريعة؟ كيف يدعو؟!! فالذي أشار عليه لا أقول: إنه تعمد الخطأ، قد يكون مجتهداً لكنه ليس مصيباً، تعلم الشريعة أولاً ثم ادع إلى الله عز وجل. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 30 حكم التداوي بدهن الورل أو بالنجاسات السؤال ما حكم التداوي بدهن الورل هل ورد في كتاب؟ الجواب أولاً: الورل من الذي سوف يصيده؟ السائل: صيده سهل. الشيخ: وهل نزل قرآن أو ثبت بالتجارب أن دهنه مفيد؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً: لا بأس به، لكن إذا أردت الصلاة فاغسله، فإذا قال قائل: (إن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها) ؟ نقول: إن الله ما حرم علينا أن ندهن به، حرم علينا أكله أو شرب دهنه أو ما أشبه ذلك، أما أن نمسح به أجسادنا ونحن قد جربنا ذلك ونفع فلا بأس، لكن عند الصلاة يجب التطهر منه. السائل: رجل ما هو؟ الشيخ: الورل هذه دويبة يقولون: إنها شريرة تعظ الإنسان فلا أدري تهلكه أو تؤلمه. الورل: دابة قريبة الشبه من الضب، لكن يستكرهها الناس ولا تؤكل، أو أنها نجسة أيضاً الشيخ: لا. هذا غلط، يستكرهها الناس، هناك من يستكره الضب؟ وهناك من يستكره الجراد؟ فليس سبباً للتحريم كراهة الناس، ولهذا بعض العرب يأكل كل ما هب ودب إلا الخنفساء، ولهذا يهنئ بعض الناس الخنفساء، ويقولون: هنيئاً لها أن العرب لا تبيحها فلا تقتلها. أنا سمعت أن الورل شرير، يعدو على الإنسان ويعظه، ولا يمكن أن يطلقه حتى يقطع منه اللحم، على كل حال هو دويبة خبيثة. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 31 حكم الاحتفاظ بالأظافر أو بما يزال من الجسم عادة أو رفعه أو دفعه السؤال بعض الناس إذا قلم أظافره احتفظ بها، أو رفعها في مكان، هل هذا له أصل؟ الجواب بعض العلماء يقول: إن الفضلات التي يزيلها الإنسان كالظفر وشعر العانة وشعر الأبط وشعر الشارب ينبغي أن تدفن، وروى في ذلك أثراً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولكني لا أحفظ في هذا سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يكون اجتهاداً من ابن عمر؛ لعموم قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55] فإنا إذا أخذنا بالعموم قلنا: كل ما انفصل عن جسم الإنسان فإنه يعاد في الأرض، لكن لا يحضرني في هذا سنة فالله أعلم، إن دفنه الإنسان فلا بأس، وإن ألقاه في أي مكان فلا بأس. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 32 حكم مشروعية زيارة مسجد قباء يوم السبت والذهاب إليه راجلاً أو راكباً السؤال فيما يخص تعبدي إلى الله سبحانه وتعالى بالذهاب إلى مسجد قباء كل يوم سبت مشياً على الأقدام أو راكباً أحياناً، هل يشرع هذا أم لا؟ الجواب الذهاب إلى مسجد قباء في المدينة كل يوم سبت من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وهذا من حكمته؛ لأن الله تعالى قال له: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ} [التوبة:108] والمسجدان: النبوي والقبائي كلاهما أسس على التقوى من أول يوم، مسجد قباء من أول يوم نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قباء، مسجد المدينة من أول يوم وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فكلاهما أسس من أول يوم، لكن لا شك أن المسجد النبوي أفضل، لهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يجعل يوم الجمعة للمسجد النبوي ويوم السبت لمسجد قباء. فإذا تيسر لك أن تزور قباء كل يوم سبت راكباً أو راجلاً بحسب ما تيسر لك وتخرج من بيتك متطهراً وتصلي فيه ما شاء الله فهو خير. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 33 حكم إفراد الإقامة كاملة بما فيها (قد قامت الصلاة) السؤال بعض الشباب في الإقامة يفرد حتى قوله: (قد قامت الصلاة) بحجة أن الرسول قال: الإقامة فرادى؟ الجواب هذا موضع نزاع بين العلماء، فحديث أنس: (أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) . استدل به بعض العلماء على أن الإقامة ليس فيها تكرار إلا (قد قامت الصلاة) والأمر في هذا واسع، لكن ينبغي للإنسان ألا يخالف أهل بلده في الأمور التي ليس فيها نص في المخالفة، لكن بعض الناس يكون مغرماً بداءٍ سيئ وعنوانه: (خالف تذكر) فتجده لا يبالي بمخالفة أهل البلد حتى وإن كانت المسألة اجتهادية، والذي أرى أن مسائل الاجتهاد لا ينبغي أن يخالف الإنسان فيها أهل بلده. إلى هنا ينتهي هذا اللقاء. الجزء: 183 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [184] في هذه الآيات من سورة القمر يبين الله عز وجل قوم صالح وما كانوا عليه من التكذيب والإنكار لرسوله عليه الصلاة والسلام، وهو ينذرهم ويحذرهم عقاب الله عز وجل، فما كان منهم إلا أن تعنتوا في سؤالهم وطلبوا من صالح أن يريهم آية تدل على صدق رسالته، فجعل الله لهم الناقة، فعتوا وذبحوا الناقة، فأرسل الله عليهم العذاب الأليم الذي جعله عبرة لمن بعدهم من الأمم. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والثمانون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس العاشر من شهر صفر عام (1419هـ) وسيكون هذا اللقاء ختام هذا الفصل من الدراسة إلى أن تبدأ الدراسة إن شاء الله في الفصل الثاني بعد نحو ثلاثة أشهر، نسأل الله تبارك وتعالى أن يختم لنا ولكم بالخير. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود بالنذر) نبدأ هذا اللقاء كالعادة بالكلام بما يسر الله عز وجل من تفسير كلامه العظيم، انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} [القمر:23] أي: بما جاءهم من النذر، وهي الآيات التي جاء بها صالح عليه الصلاة والسلام، وديارهم معروفة الآن في بلاد الحجر في طريق تبوك من المدينة، كان صالح عليه الصلاة والسلام مرسلاً إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له كسائر الأنبياء، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:36] أرسله الله عز وجل إلى قومه، وأعطاه آية وهي ناقة لها شربٌ ولهم شرب، أي: أن بئر الناقة الكبير الغزير الماء لها يومٌ تأتي إليه الناقة وتشرب، وقد ذكروا أن الذي يسقيها إناءً من الماء يحلب من لبنها بقدر ما أسقاها، وهذا من آيات الله عز وجل أن ناقة تشرب ماءً ثم تخرجه في الحال لبناً فإن هذا ليس له عادة، ولكنها آية من آيات الله عز وجل أراهم الله إياها حتى يعتبروا؛ لأن الله لم يرسل رسولاً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر رحمة منه وحكمة؛ لأنه لا يعقل أن رجلاً من بين الناس يأتي ويقول: إني رسول الله إليكم إلا إذا آتاه الله آياتٍ تدل على صدقه. قال العلماء: وما من آية أوتيها نبيٌ من الأنبياء السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلها أو أشد. ولكن قد تكون غير متوفرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها موجودة في أمته الذين اتبعوه، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء: أن كل كرامة لولي فهي آيةٌ للنبي الذي اتبعه؛ لأن هذه الكرامة تشهد بصدق ما كان عليه الولي، وهذا الولي تابع لرسولٍ سابق، فيكون في ذلك آية على أن هذا الشرع الذي عليه هذا الولي حق، وهذه تكون آية للنبي، فالقاعدة الآن: أن كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي اتبعه. وعليه فنقول: من آيات موسى أنه ضرب الحجر وإذا ضربه انفجر عيوناً تنبع ماءً من حجر يابس، فهل كان للرسول صلى الله عليه وسلم مثله؟ الجواب كان له أعظم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جيء إليه بقدحٍ من ماء وليس مع الناس ماءٌ إلا ما في هذه الركوة، فوضع يده فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع يده كالعيون -سبحان الله! - هذه أعظم من آية موسى، يعني: آية موسى يخرج الماء من الحجر، وخروج الماء من الحجر معتاد، كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} [البقرة:74] لكن هل جرت العادة أن يخرج الماء من الإناء الذي بينه وبين الأرض فاصل؟ لا. إذاً هذه أعظم. موسى عليه الصلاة والسلام ضرب البحر فانفلق فكان أسواقاً يابسة، وهذه لا شك آيةٌ عظيمة، جرى لهذه الأمة أعظم من هذه، مشوا على الماء دون أن يُضْرَب لهم طريقٌ يابس، مشوا على الماء المائع الهين الذي يغوص فيه من يقع فيه بدوابهم وأرجلهم ولم يغرقوا، في قصة العلاء الحضرمي، وفي قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، مشوا على الماء، وهذا أعظم من أن يمشوا على الأرض التي تتفرق عنها الماء. فالمهم: أنه ما من نبيٍ بعثه الله إلا أعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، قلنا: هذا رحمةً وحكمة، رحمةً بالناس من أجل أن تحملهم هذه الآيات على التصديق فينجون من عذاب الله، حكمة لأنه ليس من الحكمة أن يقوم إنسان من بين الناس ويقول: أنا رسول الله، حتى يؤتى آيات. من آية صالح هذه الناقة لها شرب ولثمود شرب، لها يوم ولهؤلاء يوم، هذه من آيات الله، وقع مثلها للرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة، فإنه مر براعي غنم وعنده ماعز أو ضأن ليس فيها لبن فمسح النبي صلى الله عليه وسلم ضروعها فجعلت تدر باللبن. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه) يقول عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} [القمر:23] النذر: جمع نذير والمراد به الآيات التي أوتيها صالح عليه الصلاة والسلام، فقالوا من جملة ما قالوا في تكذيبهم: (أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} [القمر:24] نسأل الله العافية! أنكروا الآيات ما كأنها أتتهم، يعني: أنتبع بشراً منا واحداً. لا نقبل، وهذا النفي بمعنى الإنكار، يعني: لا يمكن أن نتبع واحداً منا. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إنا إذاً لفي ضلال وسعر) قال تعالى: {إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:24] يعني: إنا إن اتبعناه لفي ضلال وسعر، أي: لفي جهل وفي عذاب، كأنه وعدهم بأنهم إن اتبعوه اهتدوا ونجوا من النار، فقالوا بالعكس: لو اتبعناك لضللنا واعترفنا بالسُّعُر: بالنار، عكس ما قالوا، هذا من أشد المراغمة للرسل عليهم الصلاة والسلام والمحادة لله تبارك وتعالى. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أألقي الذكر عليه من بيننا) قال تعالى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} [القمر:25] هذا أيضاً استفهام احتقار، يعني: كيف يلقى الذكر عليه من بيننا؟ ما الذي ميزه؟ وكل هذا شبهات لا دلالات، فكونه بشراً لا يمنع أن يكون رسولاً، بل لابد أن يكون رسول البشر بشر؛ لأن الله قال: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:8-9] يعني: لو أرسلنا ملكاً للزم أن نجعله بصورة البشر حتى يختلط بالناس ويأتلف بهم، وإذا جعلنا الملك بشراً لبسنا عليهم ما يلبسون، فعادت المسألة مختلطة. إذاً ننظر الآن: الشبهة الأولى: أنهم قالوا: إنه بشر، الثانية: أنه منا، لا يتميز علينا بشيء، الثالثة: أنه واحد لم يؤيد، والله عز وجل يقول: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:13-14] قويناهم، هؤلاء يقولون: واحد ما يكفي، لابد أن يعزز بثانٍ وثالث، الرابع: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} [القمر:25] يعني: كيف يلقى عليه الذكر والوحي من بيننا؟! هذا لا يمكن. إذاً: أربع شبهات وهم يرونها حججاً توجب رد صالح عليه الصلاة والسلام، والواقع أنها ليست بحجة، بل هي شبه وتضليل، وهكذا المبطلون يا إخوان! في كل زمانٍ ومكان يوردون الشبه على الحق، ولكن الله سبحانه وتعالى لابد أن يبين الحق ليهلك من هلك عن بينه، ويحيا من حي عن بينة، ثم قالوا: {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} [القمر:25] (بل) هنا لإبطال دعواهم، و (كذاب) صيغة مبالغة وفي نفس الوقت وصف؛ لأن كلمة فعال تأتي للمبالغة، وتأتي للوصف، فإذا قلت: فلان نجار، يعني: من النجارين، وإلا ما ينجر إلا مرة واحدة، وإذا قلت: فلان حداد لكثرة استعمال الحديد صارت مبالغة، هم يرونه -والعياذ بالله- أنه كذاب موصوفٌ بالكذب ليس له صفة إلا الكذب، وكثرة الكذب أيضاً (أشر) أي: بطر، متعالٍ، متعاظم، مستكبر، مدع ما ليس له. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (سيعلمون غداً من الكذاب الأشر) قال الله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر:26] سيعلمون غداً، متى؟ يوم القيامة، والسين هنا للتحقيق والتقريب؛ لأنك إذا قلت: سيقوم زيد. فهذا تأكيد وتقريب أيضاً، فإذا قال قائل: التحقيق معروف أنه حق، أن الساعة آتية لا ريب فيها، لكن كيف التقريب؟ قلنا: إن الله يقول: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى:17] ومن الأمثال العابرة: كل آتٍ قريب. الذي بقي عليه ألف سنة أقرب من الذي لم يمض عليه إلا عشر دقائق، لأن الذي مضى عليه عشر دقائق لا يمكن أن يرجع، لكن المستقبل لا بد أن يأتي: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:134] . إذاً (سيعلمون) السين هنا للتحقيق والتقريب: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر:26] غداً يوم القيامة، سمي غداً لأنه يأتي بعد يومك، سيعلمون من الكذاب الأشر، فمن هو الآن؟ أصالح أم ثمود؟ ثمود، سيعلمون يوم القيامة من هو الكاذب الأشر أصالح هو الكذاب الأشر، أم هؤلاء؟ وهذا وعيدٌ عظيم: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] الإنسان في غفلة عن هذا اليوم العظيم، قال الله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون:63] أي: بل قلوبهم في غمرة مغطاة عن عمل الآخرة: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون:63] يعني: أعمال الدنيا هم لها عاملون، أتى بجملة اسمية، يعني: أنهم محققون للعمل فيه، لا يتركونها ولا يفرطون فيها وأما الآخرة فهم في غفلةٍ منها. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (إنا مرسلو الناقة فتنة لهم) قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] (إنا) يعني: نفسه جل وعلا، وأتى بها بصيغة الجمع تعظيماً له جل وعلا؛ لعظمة صفاته وكثرة كمالاته، وكثرة جنوده، فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر:27] يعني: باعثوها (فتنة لهم) اختباراً، هل يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وماذا كان الأمر؟ آمنوا أو لا؟ ما آمنوا، وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم، فكان عقابه أشد وأوجع، ولهذا جعل الله الناقة فتنة؛ لأنها أظهرت الحق لهم ولكن لم يقبلوا، وانتبه لهذا الاستدراج من الله عز وجل، انتبه، إذا يسر الله لك أسباب المعصية لا تفعل، فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنةً له، أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل، يسرت لهم أسباب المعصية فتنة، وهي أنَّ الله حرم عليهم صيد السمك يوم السبت، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعاً على وجه الماء، وبكثرة عظيمة، لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك يوم السبت، فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر، فاحتالوا على صيد السمك، صاروا يجعلون شباكاً يوم الجمعة، فتأتي الحيتان تدخل في الشباك فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان، وهذه حيلة واضحة، فقلبهم الله قردة، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] في صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون، تناله أيديهم ورماحهم، يعني: أن الزاحف يمسكونه باليد مثل الأرنب مثلاً، والغزال، يمسكه الواحد بيده، ورماحكم -أي: الطائر- كان الطير لا يناله إلا بالسهم؛ لأنه بعيد، لكن صار الطير يطير وكأنه على الأرض الرمح يدركه، فتنة، هنا يسر الله لهم أسباب المعصية، لكن الصحابة رضي الله عنهم خير الناس لم يصد أحدٌ منهم صيدةً واحدة رضي الله عنهم، بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخدعوا الله، أما سلف هذه الأمة وفقنا الله وإياكم لمرافقتهم في الدنيا في أعمالهم وفي الآخرة في مساكنهم، فإنهم لم يأخذوا. فهنا الناقة أرسلها الله تعالى فتنة لثمود لكن ما أغنتهم. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (فارتقبهم واصطبر) قال تعالى: {فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر:27-28] (فارتقبهم) يعني: ارتقب عذابهم، أو ارتقب أفعالهم وانظر ماذا يفعلون، (واصطبر) يعني: اصبر، لكن فيها التاء زائدة، وأصل (اصطبر) اصتبر بالتاء للمبالغة، لكن قلبت التاء طاءً لعلةٍ تصريفية اقتضتها اللغة العربية، يعني: أن الله قال لرسولهم صالح: ارتقب هؤلاء، (واصطبر) اصبر فإن النصر قريب. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) قال تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر:28] أخبرهم أن الماء قسمة بينهم، كلٌ له شرب وللناقة شرب، ولهذا قال: {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر:28] أي: كل شربٍ يحضره من يستحقه إما الناقة وإما هم، وبقوا على هذا لكن لم يستمروا، ما استمروا على ذلك. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (فنادى صاحبهم فتعاطى فعقر) قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] نادوا صاحبهم الذي يرونه قوياً شجاعاً وقالوا له: هذه الناقة ضايقتنا، لو أننا عقرناها لكنا نشرب كل يوم، فطلبوا منه أن يعقرها -نسأل الله العافية- هل هذا الصاحب الشجاع الذين يرونه أشد منهم إقداماً بقطع النظر عن اسمه يعني: بعض المفسرين سماه لكن ما يهم، هل تأبّى؟ ما تأَبّى ولا تأخر، بل بادر. قال تعالى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} تعاطى: تفاعل، من العطاء يعني: بذل نفسه وبسرعة، الفاء تدل على السرعة في قوله: {فَتَعَاطَى} من حين نادوه على الفور وافق: {فَعَقَرَ} عقر الناقة -نسأل الله العافية- قطع أطرافها أولاً، ثم نحرها ثانياً، وهي من آيات الله عز وجل، ومن مصالحهم، لكن نسأل الله العافية نفوسهم لا تقبل: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} . الجزء: 184 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر) قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:30] يقول الله عز وجل يخاطب الإنسان (كيف كان عذابي ونذر) هل وقع موقعه؟ وهل كان شديداً؟ الجواب نعم، كان في موقعه وكان شديداً، ما هذا العذاب؟ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [القمر:31] صيح بهم والعياذ بالله مع الرجفة، ففي السماء أصوات، وفي الأرض رجفان، أخذتهم الرجفة والصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها، كأنهم ما وجدوا. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 12 تفسير قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر:31] أي: الحظار يجعله الإنسان لغنمه، لا أدري هل تعرفون هذا أم لا؟ البدوي في البادية يجعل للغنم حظاراً من الشجر اليابس، ومن عسبان النخل، وما أشبه ذلك؛ لئلا تخرج؛ ولئلا تعدو عليها السباع، هذا الحظار مع طول الزمن والشمس والرياح يتفتت حتى يتلاشى، كان هؤلاء الأقوياء الأشداء المكذبين لرسولهم كهشيم المحتظر، أي: كالحظار حينما يتلف، وهذا من آيات الله عز وجل وتمام قدرته وسلطانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] فكانوا كهشيم المحتظر: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] سبق تفسيرها، وقلنا: إن المعنى: أن الله تعالى يسر القرآن، أي: يسر معانيه لمن تدبره، ويسر ألفاظه لمن حفظه، فإذا اتجهت اتجاهاً سليماً إلى القرآن للحفظ يسره الله عليك، وإذا اتجهت اتجاهاً حقيقياً إلى التدبر وتفهم المعاني يسره الله عليك: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] (هل) هذه للتشويق، يشوقنا الله عز وجل إلى أن ندكر القرآن فنتعظ به، جعلنا الله وإياكم ممن يتلونه حق تلاوته لفظاً ومعنىً وعملاً إنه على كل شيءٍ قدير. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 13 الأسئلة الجزء: 184 ¦ الصفحة: 14 جواز وضع المال في البنك لضرورة السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان عند الإنسان رصيدٌ من المال هل يجوز أن يضعه في بنك الرياض أو البنك الأهلي إذا كانت تتعامل بالمعاملات ربوية، خصوصاً أن البنك الأهلي جعل قسماً منه سماه بنكاً إسلامياً ووضع له لجنة شرعية، هل يجوز للإنسان أن يضع رصيده فيه؟ الجواب إذا كان الإنسان محتاجاً لذلك، إما خوفاً على ماله، أو لأي سبب من الأسباب، فلا حرج عليه أن يضعه في هذه البنوك، لكن يختار أقلها معاملةً بالربا. والقسم الإسلامي عندما نعلم عنه، ما دام أنه إسلامي وهناك لجنة شرعية؛ نرجو الله أن يكونوا صادقين في هذا، فيوضع في هذا القسم من البنك. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 15 حكم صيام التطوع في السفر إذا كان معتاداً على الصيام السؤال فضيلة الشيخ: شخص اعتاد أن يصوم الأيام البيض، والإثنين والخميس، ويسافر بعض الأيام إلى أهله، فهل يصوم هذه الأيام؟ والشق الثاني يقول: إن بعض أقربائي وأهلي علموا بأني أصوم هذه الأيام وأخشى أن يصيبني فيها رياء، فهل أترك هذه الأيام وصيامها؟ الجواب صيام النفل كسائر التطوعات إن شاء الإنسان صامها وإن شاء تركها، لكن لا ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً إلا أن يثبته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمر: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) . فأقول للأخ: استمر، وإذا كنت مسافراً فانظر الأيسر لك: إن كان الأيسر أن يصومه صام، وإن كان الأيسر أن يفطر أفطر. وأما خوف الرياء فلا يهتم به؛ لأن الشيطان يخوف الرجل إذا رآه مقبلاً على العبادة فيقول: أنت مراءٍ، فليستعذ من الشيطان الرجيم وليمضِ في عمله ولا يهمه هذا. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 16 التفصيل فيمن يخرج منه قطرة بول بعد الوضوء السؤال إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ؟ الجواب الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه، كما أمر بذلك أئمة المسلمين، ولا يلتفت إليه، ولا يذهب ينظر في ذكره، هل خرج أو لا؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ظن أنه نزل شيء، فإذا تأكد فكما قلت لك، وهذا الذي تقول ليس فيه سلس؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين، هذا ليس بسلس؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية وهكذا يفعل دائماً وليصبر وليحتسب. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 17 الجمع بين حديث: (لا تسبوا الأموات) وحديث: (أن جنازة مرت على رسول الله فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت) السؤال ما الجمع بين حديث: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) وحديث: (أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت) ؟ الجواب الجمع بينهما: أنه إذا كان في حال مرور الجنازة لا بأس به، وأما إذا كان بعد ذلك فلا حاجة له ولا فائدة منه. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 18 حكم من أدرك الإمام ساجداً فانتظر حتى يقوم ثم دخل معه السؤال هناك كثير من المصلين عندما يدخلون المسجد يجدون الإمام قد رفع من الركوع فينتظرون إلى أن يقوم ظانين أنهم لا يؤجرون على ذلك ولا يأخذون أجراً؟ الجواب أقول: هذا غلطٌ منهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) فهو يقول: (فما أدركتم فصلوا) وهؤلاء أدركوا السجود فليصلوا، وفي حديثٍ آخر وإن كان ضعيفاً: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام) وهذا الأصح أنه موقوف، لكن على كل حال: (ما أدركتم فصلوا) يغني عنه، فيدخلون معه، يكبرون تكبيرة الإحرام، ولا يستفتحون، بل يسجدون في الحال، وهل إذا سجدوا يكبرون؟ عند فقهائنا رحمهم الله: أنهم لا يكبرون إذا سجدوا، قالوا: إن هذا انتقال إلى ركنٍ آخر لا تدرك به الصلاة، وأيضاً: انتقال إلى ركنٍ آخر لا يلي الركن الذي هو فيه وهو القيام، ولذلك لو أدرك الإمام راكعاً لكبر أولاً للإحرام، ثم كبر للركوع، أما هذا فيكبر للإحرام ثم يسجد بدون تكبير، لكن لو كبر أرجو ألا يكون فيه بأس. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 19 رجل خطب امرأة فدفع لها المهر ولم يتم العقد ثم مات السؤال فضيلة الشيخ رجل خطب امرأة ودفع لها (الشبكة) ولم يتم العقد، ثم قدر الله عليه الموت، هل المرأة لها شيء من الإرث أم لا؟ وإن كان ليس لها شيئاً فهذه (الشبكة) هل تعود إلى أهل الرجل أم لا؟ الجواب أما الميراث فليس لها ميراث؛ لأنه لم يتم عقد النكاح، فليست زوجةً له. وأما (الشبكة) فمحل نظر، قد يقول قائل: إنها تعود إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لم يتم الزواج، وقد يقال: إنها لا ترجع إلى ورثة الخاطب؛ لأنه لا تفريط من المرأة ولا رجوع في الخطبة فهي لها. والاحتياط: أن تردها إلى ورثة الخاطب، والاحتياط لورثة الخاطب أن يجعلوها للمرأة المخطوبة. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 20 حكم الدعاء على الشخص بقوله: (الله يحصده العافية) السؤال فضيلة الشيخ! من باب العون إذا أراد أن يدعو شخص على شخص قال: الله يحصده العافية، ما حكم هذا القول؟ الجواب ماذا يريد بقوله: (الله يحصده العافية) ؟ يريد أن يمنعه العافية ولا بأس في ذلك، لكن لو قال: الله يمنعه العافية، والله يحرمه العافية لكان أحسن، ولو عفا لكان أحسن وأحسن لقول الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237] . الجزء: 184 ¦ الصفحة: 21 كلمة توجيهية لمن يعتقدون أن للأولياء بعد موتهم كرامات ويتمسحون بتراب القبور السؤال هل من كلمة توجيهية لأولئك القوم الذين يعتقدون في الأولياء الذين توفوا أن لهم كرامات ما زالت باقية؟ وما زالوا الآن يتبركون بالآثار التي لا تنفع بشيء كأن يأتون إلى القبر فيتمسحون بالتراب؟ الجواب نقول: الأموات الذين ماتوا حتى لو علمنا صلاحهم قبل موتهم وأنهم من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، فإن آثارهم الحسية ذهبت لا شك، لكن قد يكون للإنسان آثار معنوية تعد من كراماته، كقبول كتبه ومؤلفاته، فمثلاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لا شك أن قبول الناس لكتبه وانتفاعهم بها من كرامات الله عز وجل لهذا الرجل، فإن هذه كرامة باقية، لكن الكرامة الحسية بمعنى: أن تنزل البركة في ذكره أو ما أشبه ذلك هذا لا يجوز، وانتبه لقوله: الأولياء: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] لأن بعض المدعين للولاية هم من الأعداء وليسوا من الأولياء، فقد سمعنا أنه يوجد أناس في الصوفية وغير الصوفية يقولون: إنهم أولياء لله، وهم أعداءٌ لله، تجده يرى نفسه في مقام الربوبية، ويرى أن من الأولياء من هو أفضل من الأنبياء، ويرى أن لأئمتهم من المنزلة ما لا يبلغه ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل، وما أشبه ذلك، هل نعد هذا من أولياء الله أو من أعداء الله؟ هذا من أعداء الله بلا شك، حتى ولو ادعى الولاية، حتى لو فرض أن الله أجرى على يديه أشياء خارقة للعادة فهي إما من الشياطين وإما ابتلاء من الله عز وجل؛ لأن الميزان في الولاية وفي العداوة هو هذا الذي ذكره الله عز وجل بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] هذا هو الميزان، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام رحمه الله -كلمتان مأخوذتان من آية الولاية- قال: (من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً) . وقال: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) . أخذاً من قول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فهاتان قاعدتان عظيمتان والميزان لا يبخسان، من الولي؟ المؤمن التقي، من الإمام؟ الصابر والموقن بآيات الله عز وجل. وأما أن يأتي إلى القبر ويتمسح بالتراب فهذا حسي، هذا ما يجوز، التبرك بتراب القبر جهل وضلال: أولاً: تراب القبر لم يمس هذا الرجل المدفون هو في الأعلى، ما له علاقة به. والثاني: أن هذا التراب تبول عليه الكلاب، كيف يتبرك به؟! والثالث: أن هذا لا يفيد وإن أفاد فهو امتحان من الله عز وجل. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 22 معنى قوله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) السؤال ما معنى قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ؟ الجواب أي: ظهر لهم من عذاب الله ما لم يكن على بالهم، كما قال قبلها: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:48] المعنى: أن هؤلاء المكذبين للرسل ما كانوا يظنون أن هذا سيقع، أن ما وعدت به الرسل وأوعدت سيقع، فظهر لهم ما لم يكونوا يحتسبون، لكن هذا هل يفيد؟ لا، والله! ما يفيد. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 23 حكم خبر الإسرائيليات السؤال هل ثمود اختاروا مكاناً خاصاً بين الجبال فدعا صالح عليه السلام فخرجت الناقة وهم ينظرون؟ الجواب قيل: إن الناقة خرجت من صخرة، قالوا له: إن كنت صادقاً فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة، فدعا الله فخرجت، لكن هذا من الإسرائيليات التي لا نؤمن بها ولا نصدقها ولا نكذبها، والله أعلم. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 24 حكم من دخل المسجد ولم يصل تحية المسجد ينتظر الإمام السؤال بعد المغرب نرى أحد الطلبة إذا تأخر الإمام خمس دقائق أو عشر دقائق يقف ولا يصلي تحية المسجد، ولما سألناه يقول: أنا أقرأ وأنا واقف حتى يأتي الإمام؛ لأنه ما بقي إلا خمس دقائق أو عشر دقائق بين الأذان والإقامة، وتكلمنا كثيراً في هذا الأمر، وما زالوا يكررون هذا الفعل، ما ندري هل لهم وجه أو لا؟ الجواب أولاً بارك الله فيه: هذا من تثبيط الشيطان، وعجباً لهؤلاء أن يقفوا ينتظرون الإمام وهم لا يدرون متى يأتي ربما يتأخر كثيراً، أليس كذلك؟ هذا أمر. الثاني: كيف يقفون ولا يصلون والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال: لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس عادة، فهذا من جهلهم، ثم من يقول: إن الواقف ليس كالجالس، وقوفهم هذا كالجلوس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) بناءً على أن الغالب أن الإنسان إذا دخل المسجد يجلس ولا يقف، فوقوفهم هذا بمعنى الجلوس، وربما يستدل بقول الرسول في أن الحائض لا تطوف على أن الدوران بمنزلة الجلوس؛ لأن الحائض لا يحل لها أن تجلس في المسجد. أنت نصحت وجزاك الله خيراً، وأنا إن شاء الله تعالى إن ذكرت تكلمت في هذا، وليست هذه فقط، حتى أيضاً من العجائب: إذا رأوا الإمام قاموا وإن لم تقم الصلاة، لو كان الإمام منشغلاً ذهب مثلاً يميناً أو يساراً، أو رجع، أو دخل وذكر أنه على غير وضوء فذهب يتوضأ يبقى هؤلاء واقفون؟! الجزء: 184 ¦ الصفحة: 25 حكم رفع اليدين في مواطن الإجابة حال الدعاء على الدوام والاستمرار السؤال فضيلة الشيخ: سؤالي حول رفع اليدين في الدعاء في الأوقات التي يرجى فيها الإجابة، إذا كان ذلك باستمرار، كالثلث الآخر من الليل أو بين الأذان والإقامة؟ الجواب بارك الله فيك! رفع اليدين في الدعاء من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة، فالأصل أن ذلك مشروع إلا إذا وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيكون غير مشروط، ولهذا أنكر الصحابة على بشر بن مروان لما رفع يديه في خطبة الجمعة في الدعاء، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا أزيد على الإشارة) اعلم أن الأصل في الدعاء هو رفع اليدين؛ لأنه من الآداب وأسباب الإجابة، إلا إذا وجد هذا الشيء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا ولم يرفع فالأفضل عدم الرفع، وينكر على من رفع. السائل: عدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الترغيب فيه هل يدل هذا على أن المقتضى كان موجوداً؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: لأن رفع اليدين يقول أحد الإخوة جزاه الله خيراً لما رآني أرفع يدي بين الأذان والإقامة ويكون ذلك دائماً تقريباً يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه، فيقول الأخ هذا: إن هذا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل، فيقول: أنت استمرارك على هذا يدخل في قسم البدعة؟ الجواب: على كل حال: هذا خطأ فيما نرى، أولاً الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يدعو إلا عند الإقامة، ما يدريه أنه يرفع يديه وما يرفع يديه. والثاني: أن الأصل هو استحباب رفع اليدين في الدعاء إلا إذا ورد دليل على خلافه لحديث: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) هذه واحدة. الثانية: أن الرسول ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، فلو أن لمد اليدين تأثيراً في قبول الدعاء ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هي القاعدة: (إن عدم النقل ليس نقلاً للعدم) . الجزء: 184 ¦ الصفحة: 26 حكم وضع سور على القبر إذا كان داخل المسجد السؤال فضيلة الشيخ: إذا كان في المسجد قبر هل يكفي أن يبنى حوله جدار أو سور، واستدلوا على ذلك أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد وعليه سور؟ الجواب بارك الله فيك! أنا أقول لك قاعدة مفيدة في هذا وفي غيره: أهل الباطل جعل الله لهم شبهات حتى تزيغ قلوبهم والعياذ بالله، قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) هل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام أحدث في المسجد؟ إن قالوا: نعم، نقول: كذبتم، الصحابة ما دفنوه في المسجد، وإن قالوا: لا، قلنا: إذاً ما في ذلك حجة؛ لأن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام كان في بيته الذي مات فيه، وكان في ذلك الوقت منعزلاً عن المسجد، لم يدخل في المسجد إلا قريباً من خمسة وتسعين أو ستة وتسعين من الهجرة، أدخل في المسجد؛ لأنهم اضطروا إلى توسيعه، وكأنه لم يتيسر لهم في ذلك الوقت إلا أن يكون الاتساع من هذه الجهة، وأبقوا الحجرة قائمة بجدرانها ما دخلت في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد، ولم يبن المسجد على قبره، لكن أهل الباطل يتشبثون بالشبهات؛ لأن قلوبهم زائغة والعياذ بالله، والعجب أنهم يتشبثون بالمتشابهات والمحكم يتركونه. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 27 حكم الإيثار في القربات الشيخ: هل يشرع الإيثار في الطاعات والقربات إلى الله، كأن يكون في الصف الأول فيقدم زميله؟ الجواب أما في الواجبات فلا يجوز الإيثار، الإيثار في الواجبات لا يجوز كإنسان عنده ماء، وهو على غير وضوء وصاحبه على غير وضوء، إن أعطاه صاحبه لم يتوضأ، وإن توضأ به لم يتوضأ صاحبه، فهنا لا يجوز أن يعطي الماء صاحبه، لماذا؟ لأن الواجب عليه استعماله، كذلك أيضاً: إنسان معه ثوبٌ وقد ضاق وقت الصلاة وصاحبه ليس معه ثوب، فإن آثر به صاحبه صلى عرياناً والوقت ضيق، وإن صلى به صلى صاحبه عرياناً، هنا لا يجوز أن يؤثر. أما غير الواجبات فإن رأى في ذلك مصلحة فلا بأس، مثل: أن يأتي والده فيتأخر عن الصف الأول ليدخل والده، وهو يعرف أن والده إذا فعل به هذا انشرح صدره؛ فهذا نعم يؤثره، وإن كان ليس به مصلحة فلا يؤثره. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 28 تقديم العرف في مسألة النفقة على الزوجة وعلاجها السؤال من المعلوم أن النفقة من الزوج على زوجته واجبة، ولكن ذكر -يا شيخ- صاحب الزاد: ولا تجب إلى طبيبٍ ونحوه فهل هذا صحيح؟ الجواب الدواء للزوج على زوجته على المذهب لا تجب؛ لأنها أمرٌ طارئ خارج عن النفقة. والصحيح في هذا أن نتبع العرف: إن جرت العادة أن الزوج يداوي زوجته وجب عليه، وإن لم تجر العادة في ذلك لم يجب، وأظن العرف عندنا يختلف، النفقات الباهظة -مثلاَ- لو تحتاج إلى عملية في الخارج لا تلزم الزوج، والشيء اليسير يلزم الزوج، والميزان عندك اجعله دائماً بين يديك، وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فاتبعوا العرف في هذا. الجزء: 184 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [185] لقد قص الله عز وجل لنا أقوام كثير من الأنبياء، وكيف كانت دعوة رسلهم لهم، وفي نهاية المطاف يصرون على استكبارهم وعنادهم؛ فيذيقهم الله العذاب الأليم، ومن هذه الأقوام المكذبة قوم لوط حين كانوا يرتكبون الفاحشة النكراء، ويكذبون رسول الله لوط، ولم يؤمنوا به، وعند ذلك حق عليهم العذاب من الله عز وجل، فقتلهم الله شر قتلة! الجزء: 185 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإننا نستأنف هذا اللقاء المسمى بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم كل يوم خميس بعد أن تركناه مدة الإجازة الصيفية؛ نظراً لأن الناس يتفرقون هنا وهناك، فنستفتح هذا الاستئناف هذا اليوم الخميس التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام (1419هـ) ، نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح. كنا رأينا أن يكون ابتداء اللقاء تفسير الآيات الكريمة في سور المفصل. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (كذبت قوم لوط بالنذر) وانتهينا إلى قوله تعالى في سورة القمر: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} [القمر:33] قوم لوط هم أناس كفروا بالله عز وجل وأشركوا به، وكان ما اختصوا به من المعاصي هذه الفعلة القبيحة الشنيعة وهي اللواط أي: إتيان الذكر الذكر، وحذرهم نبيهم من هذا وقال لهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء:165-166] ولكنهم والعياذ بالله استمروا على هذا حتى جاءهم العذاب، وهذه السورة ذكر الله تعالى فيها قصة الأنبياء على سبيل الإجمال فقال فيما سبق ما تقدم الكلام عليه، وقال هنا: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} النذر: جمع نذير، وهي الكلمات التي أنذرهم فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وجمعها يدل على أنه كان يكرر عليهم هذا، ولكنهم أبوا وأصروا على هذا الفعل، فبين الله عقوبتهم بقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر:34] (حاصباً) يعني: شيئاً يحصبهم من السماء، أمطر الله عليهم حجارة من سجيل فهدمت بيوتهم حتى كانت عاليها سافلها؛ لأن البناء إذا تهدم صار أعلاه أسفله. (إلا آل لوط) وآل لوط هم أهل بيته إلا زوجته كما قال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:35-36] نبي يبعث إلى قومه ولم يتبعه إلا أهل بيته إلا امرأته أيضاً فكانت كافرة، ومع ذلك فهو صابر حتى أذن له بالخروج: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} أي: في السحر في الصباح، وذلك أن هؤلاء القوم أخذهم العذاب صباحاً كما ابتدئ عذاب عادٍ بالصباح: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة:7] لأنه ابتدئ في الصباح، فأخذهم العذاب -والعياذ بالله- في الصباح، فأهلكهم الله. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر) قال تعالى: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [القمر:35] أي: أنعمنا على آل لوطٍ نعمة من عند الله عز وجل من وجهين: الوجه الأول: أن الله أنجاهم. والوجه الثاني: أن الله أهلك عدوهم. لأن إهلاك العدو من نعمة الله، فصارت نعمة الله على آل لوط بالنجاة وإهلاك العدو. {كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:35] أي: مثل هذا الجزاء وهو الإنجاء والنعمة، نجزي من شكر نعمة الله، وشكر نعمة الله تعالى -أيها الإخوة- هو القيام بطاعته وليس مجرد قول الإنسان: أشكر الله. بل لابد من القيام بالطاعة، ولهذا من قال: أشكر الله. وهو مقيم على معاصيه فإنه ليس بشاكر، بل هو كافر بالنعمة، مستهزئٌ بالله عز وجل، إذ أن مقتضى النعمة أن يشكر الله، ولكنه عكس الأمر، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28-29] فكل من شكر الله فإن الله تعالى ينجيه ويهلك عدوه. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر) قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} [القمر:36] يعني: أن لوطاً عليه الصلاة والسلام أنذر قومه البطشة وهي الأخذ بالقوة {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر:36] أي: تشككوا فيه، ولم يؤمنوا به. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ولقد راودوه عن ضيفه) قال تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} [القمر:37] يعني: أن قومه راودوه عن ضيفه الذين جاءوا إليه من الملائكة، وكان الله تعالى قد بعث إليه الملائكة على صورة شبابٍ مرد ذوي جمال وهيئة امتحاناً من الله عز وجل، فلما سمع قوم لوط بهؤلاء الضيوف أتوا يهرعون إليه، يسرعون يريدون هؤلاء الضيوف ليفعلوا بهم الفاحشة والعياذ بالله، فراودوه عن ضيفه فطمس الله أعينهم. أما كيف طمس أعينهم هل جبريل ضربهم بجناحه أو غير ذلك الله أعلم، إنما علينا أن نؤمن بأن الله تعالى طمس أعينهم حتى أصبحوا لا يبصرون. {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37] والأمر هنا للامتهان، أو إنه أمرٌ كوني، يعني: أن الله أمرهم أمر إهانة، أو أمراً كونياً أن يذوقوا العذاب، ومثل هذا قول الله تبارك وتعالى عن صاحب الجحيم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] فإن هذا الأمر أمر إهانة بلا شك، وليس أمر إكرام، ولا أمر إباحة. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر) قال تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:38-39] أي: أن العذاب صبحهم وأتاهم في الصباح على حين قيامهم من النوم واستقبالهم يومهم وهم فرحون، كل واحدٌ منهم يفكر فيما يفعل في هذا اليوم، فإذا بالعذاب يقع بهم -نسأل الله العافية- {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} . من العبر في هذه الآية: أن هؤلاء الذين قلب الله فطرتهم وطبيعتهم قلب الله عليهم البنيان برميهم بحجارة من سجيل، فتهدم البنيان حتى صار أعلاه أسفله، وقيل: إن الله تعالى قلب بهم ديارهم، اقتلعها من أساسها، حتى رفعها ثم قلبها، فإن صح هذا فالله على كل شيء قدير، وإن لم يصح فليس علينا إلا أن نأخذ بظاهر القرآن أنهم أمطروا بحجارة من سجيل فتهدم البناء عليهم. أخذ أهل العلم من ذلك: أن اللوطي يقتل بكل حال، الفاعل والمفعول به، وهذا هو القول الراجح، أن اللوّاط يجب فيه القتل على كل حال، وليس كالزنا، الزنا يفرق فيه بين المتزوج وغير المتزوج، أما اللواط فيقتل فيه على كل حال ما دام الفاعل والمفعول به بالغين عاقلين فإنه يجب قتلهما بكل حال إلا المكره، فإنه ليس عليه شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل الفاعل والمفعول به إلا أنهم اختلفوا كيف يقتلان؟ فقال بعضهم: يقتلان بالرجم بالحجارة حتى يموتوا، وقال بعضهم: يقتلان بأن يلقيا من أعلى مكانٍ في البلد ويتبعان بالحجارة، وحرق أبو بكر رضي الله عنه اللوطية بالنار، وكذلك خالد بن الوليد وأحد خلفاء بني أمية حرقوهم بالنار لعظم جرمهم والعياذ بالله، ولأن هذه الفاحشة إذا انتشرت في قومٍ صار رجالها نساءً، وصار الواحد منهم يتتبع فحول الرجال حتى يفعلوا به الفاحشة والعياذ بالله، وانقلبت الأوضاع، وضاع النسل بمعنى: أن الناس ينصرفون إلى الذكور ويدعون النساء اللاتي هن حرث للرجال والتحرز منه صعب؛ لأنه لا يمكن أن نجد اثنين ونقول: كيف صحبت هذا مثلاً؟ لكن لو وجدنا رجلاً وامرأة يمكن التحرز منهم، فلذلك كان دواء المجتمع من هذه الفعلة القبيحة الشنيعة أن يقتل الفاعل والمفعول به، وقد جاء في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) . ولهذا يجب علينا -أيها الإخوة- أن نحترز من هذا غاية الاحتراز، وأن نتفقد أبناءنا أين ذهبوا؟ ومن أين جاءوا؟ ومن أصدقاؤهم؟ وهل هم على الاستقامة أو لا؟ حتى نحمي المجتمع من هذا العمل الخبيث. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:40] يسر الله عز وجل القرآن للذكر لحفظه ولفهم معناه، وهذا الخبر يراد به الحث على حفظ القرآن وعلى تدبر معناه؛ لأنه ميسر سهل، وأنت جرب تدبر في آيات الله عز وجل لتفهم معناها، وانظر كيف ييسر الله لك فهمها حتى تفهم منها ما لا يفهمه كثيرٌ من الناس، ولهذا قال: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:40] والاستفهام هنا للتشويق، يعني: هل أحد يدكر، يتذكر، يتعظ بما في القرآن؟ الجزء: 185 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 185 ¦ الصفحة: 9 المراد بالأخوة بين شعيب ومدين أخوة النسب السؤال ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176] ، وقال تعالى في آية أخرى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [العنكبوت:36] فهل مدين هم أصحاب الأيكة؟ الجواب أصحاب الأيكة ليسوا من قوم شعيب، ولهذا قال في قومه: (أخاهم) وقال في هؤلاء: {كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:176] لكنهم قومٌ كلف الله شعيباً أن يذهب إليهم، فذهب إليهم بأمر الله، ومن ثم نعرف ضلال من قال: إن قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [العنكبوت:36] أن هؤلاء إخوة له في الإنسانية، وأن الأخوة الإنسانية الشاملة لكل إنسان، فالكافر على تقدير قول هؤلاء يكون أخاً لنا، وهذا لا شك أنه خطأٌ عظيم، بل هي أخوة النسب؛ لأنهم قومه فهم إخوانه، ولا يمكن أن نقول: إن بني آدم إخوة في الإنسانية أبداً؛ لأنه لا ولاية ولا إخوة بين المؤمن والكافر. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 10 كيفية قضاء صلاة الوتر وعدم اعتبار صلاة الضحى في قضاء الوتر السؤال فضيلة الشيخ! لو أن شخصاً فاتته صلاة الوتر في الليل، وأراد أن يقضيها في النهار في الضحى هل يدخل معها ركعتي الضحى؟ وقراءة (قل هو الله أحد) هل يجعلها في الركعة الأخيرة أو التي قبلها الشفع؟ الجواب إذا فاتت الإنسان صلاة الوتر فإنه يقضيها في النهار لكن شفعاً، إذا كان من عادته أن يوتر بثلاث يقضي أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس يقضي ستاً لحديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل من نومٍ أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) . وأما ما يقرؤه فالأقرب أن يجعل (قل هو الله أحد) في الركعة الأخيرة، وأما هل تغني عن ركعتي الضحى فلا؛ لأن ركعتي الضحى سنة مستقلة، فلابد من فعلها وحدها. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 11 التحلل الأول لا يحصل إلا بالرمي والحلق السؤال إذا كان يثبت التحلل الأول بنسك واحد وهو رمي جمرة العقبة هل نستطيع أن نقيس الحلق على ذلك لأنه نسك من الأنساك التي فعلها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الحج الأكبر؟ الجواب من المعلوم أن الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) ، وفي لفظٍ: (إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) ، وقول بعض الفقهاء: أنه إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول لا دليل عليه، بل يقال: إن التحلل الأول مرتبط إما بالرمي وحده وإما بالرمي والحلق، أما اثنين من ثلاثة فهذا وإن كان له حظ من النظر لكنه ضعيف، فيقتصر على ما جاء به النص، أما هل يحصل التحلل بالرمي وحده، أو بالرمي والحلق؟ فالصواب: أنه لا يحصل إلا بالرمي والحلق؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ومعلوم أنه لا طواف بالبيت بالنسبة لفعل الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد الرمي والحلق، ولو كان يتحلل قبل الحلق لقالت: ولحله قبل أن يحلق. فلما قالت: (قبل أن يطوف) . علمنا أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالحلق. وأيضاً: فإن الحلق رتب عليه الحل في مسألة الإحصار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر في الحديبية أمرهم أن يحلقوا ثم يحلوا، ولا حل لمحصر إلا بعد الحلق. فالصواب: أنه لا يحل التحلل الأول إلا بعد الرمي والحلق، وأنه لو رمى وطاف لم يحل، ولو حلق وطاف لم يحل، وإنما يقتصر في الحل على ما جاء به النص وهو الرمي والحلق. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 12 تحديد عورة المرأة مع المرأة السؤال ما هي عورة المرأة أمام المرأة، سواءً كن من نسائها أو النساء الأجنبيات؟ الجواب الظاهر أن عورتها كعورة الرجل، عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل، سواءً من أهل البيت، أو من نساء خارجيات، أو من مؤمنة أو من كافرة، لا فرق، لكن ماذا تريد من هذا السؤال؟ أتريد أن تخرج المرأة بثوبٍ يستر ما بين السرة والركبة لنسائها، أتريد هذا؟!! إن النساء اللاتي يسألن عن هذه النقطة يردن هذا، يردن منا أن نقول: تخرج المرأة أمام المرأة وليس عليها إلا لباس يستر ما بين السرة والركبة، وهذا لا يمكن القول به، أبداً، حتى نساء الكفار لابد أن تجعل على ثديها شيئاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى الناظرة ولم يرخص للابسة، قال: (لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة) وهنا فرق، ولذلك نقول: معنى هذا الحديث: أن المرأة لو انكشف ساقها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف ذراعها وعورتها لعمل شيءٍ في بيتها، أو انكشف صدرها لحرارةٍ أو ما أشبه ذلك، أو خرج ثديها لإرضاع ولدها أمام النساء فلا بأس به، أما اللباس فيجب أن يكون فضفاضاً ساتراً كما يفعلن نساء الصحابة، أي: من الكف إلى الكعب في البيت، أما إذا خرجت فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لها -أي: للمرأة- أن ترخي ثوبها ذراعاً؛ لئلا ينكشف قدمها، ودع عنك من يتبعون المتشابه من نصوص الكتاب والسنة، فإن هؤلاء على خطرٍ عظيم. ومن حكمة الله عز وجل أن الله جعل نصوص الكتاب والسنة بعضها محكم لا التباس فيه ولا اشتباه، وهذا من المعلوم أن كل إنسان سيؤمن به، وجعل بعضها متشابهاً امتحاناً، فمن كان مؤمناً راسخاً في العلم حمل المتشابه على المحكم، فيكون الكل محكم، ومن في قلبه زيغ حمل المحكم على المتشابه واتبع المتشابه، فليحذر المؤمن أن يكون من هؤلاء، ولتعلم -أيها الأخ- أن فتنة النساء عظيمة، وأنه هلك بها من هلك من الأمم السابقة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) وهذه الفتنة أيضاً ستكون في هذه الأمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: نعم) في عصرنا الحاضر أعداؤنا لم يأتونا يقولون: اعبدوا المسيح، ولا: اعبدوا اللات والعزى، ولا: اعبدوا البقر أو الشمس أو القمر؛ لأنهم يعلمون أن هذا غير مقبول لدينا، لكن أتونا من قبل الشهوات، فوضعوا الفتنة في النساء، ومعلومٌ أن الإنسان إذا اتبع هذه الفتنة صار بمنزلة البهيمة، ليس له همّ إلا إشباع بطنه، واتباع شهوته؛ فهلك وضل وأضل، ولذلك انظر تسابق الناس إلى أقراص الـ (فياجرا) لما ظهرت صاروا يشترونها بأغلى الأثمان وهي قد تقتل الإنسان أحياناً، لكن يقول: لعلي أكون من الناجين، لماذا؟ لأن هذه الأقراص تقوي الشهوة، فتراكض الناس عليها، ولو صيح به بأن معلماً في البلد الفلاني القريب أو البعيد يعلم الشريعة بأصولها وفروعها أتراهم يتراكضون على هذا؟! ما أظنه، وإن ركض بعضهم تخلف الآخرون، فهذه الفتنة الآن أصبحت مشكلة، النساء نزع من كثيرٍ منهن الحياء، وصرن ينظرن إلى نساء الغرب، اللاتي نزع الله منهن الحياء والإيمان، والحياء كما نعلم من الإيمان، وبعض الناس ممن يتبعون الشهوات وممن ركبتهم نساؤهم صاروا على هذا. ولذلك يجب على شباب المسلمين أن يحذروا من هذه الفتنة، فتنة عظيمة هذه ليست هينة، وأن نسد كل طريق، وأن نوصد كل باب يصل إلينا، نسأل الله أن يحمي المسلمين. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 13 وقت ابتداء غسل الجمعة السؤال متى يبدأ وقت غسل الجمعة؟ الجواب غسل الجمعة يبتدئ من طلوع الفجر، لكن الأفضل ألا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، ولأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فصلاة الفجر لم تنقطع بعد، فالأفضل ألا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أيضاً ألا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة ليكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرةً. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 14 حكم المرأة التي يتخللها طهر أثناء الحيض السؤال فضيلة الشيخ: الحيض عند المرأة له وقت معلوم، والمرأة تعرف توقيته، إذا كان نزل في أول يوم قليل من دم الحيض ثم انقطع في اليوم التالي من خمسة فروض كاملة، ثم استمر بشكله الطبيعي في اليوم الثالث، فهل تقضي هذا اليوم، أم بأنه يعتبر من ضمن الأيام المعدودة والمعروفة لديها؟ الجواب بعض أهل العلم رحمهم الله يقولون: إن الانقطاع اليسير هذا، يعني: يوم من سبعة أيام ليس بشيء يعني: حكمه حكم الحيض؛ لأنه جرت العادة في كثير من النساء أنه يحصل لهن جفاف في أثناء الحيض فيلحق به، وبعض العلماء يقول: لا، إذا طهرت في يوم تغتسل وتصلي، وإذا جاءها الحيض تتوضأ، وهذا فيه مشقة بلا شك، يعني: المرأة يأتيها يوم الحيض، ويوم دم، ويوم طهارة، ويوم حيض، ويوم طهارة، هذا فيه مشقة تغتسل في الحيضة الواحدة ست سبع مرات. الصواب: أن هذا حكمه حكم الحيض. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 15 خطر التلفاز وكيفية وقاية الأبناء منه السؤال ابتلي كثير من بيوت المسلمين لدينا بوجود التلفاز داخل البيت بحجة معرفة الأخبار العالمية والأحداث في بلاد المسلمين وما يحدث لدى غيرهم، وفيه من المفاسد ما فيه، ودخل الآن الذي هو (الدش) بقصد التوسع في أخبار العالم وغير ذلك، وهذا الإنسان حريص على أن يقتلع التلفاز من بيته لكن لابد أن أولاده وزوجته: قد يشاهدونه في بيت الوالد أو بيت الجد أو بيت العم أو بيت الخال فكيف العمل في ذلك جزاكم الله خيراً يا شيخ؟ الجواب والله! يا أخي! إلى الله المشتكى، وسائل الإعلام الخارجية لا يستغرب منها أن تبث ما يفسد العقائد والأفكار والأخلاق؛ لأنها أعداء، كل الكافرين أعداء للمسلم، مهما تظاهروا بأنهم أصدقاء فإنهم أعداء والله! بشهادة الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1] ، وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] ، وقال تعالى: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:2] ونصوص الكتاب والسنة في هذا واضحة، ولا يجوز أن نغتر بما يلقونه إلينا بألسنتهم من المودة الكاذبة، أو أن نكون كالنعامة تدس رأسها في الرمل، هم أعداء، لكنهم يتكيفون بعدم إيمانهم بما يرونه أنه من مصلحتهم، هم الآن صاروا يبثون في هذه القنوات الفضائية ما يستحي العاقل فضلاً عن المؤمن من ذكره حسبما نسمع أنهم يبثون العراة والعاهرات والفاجرات، ويشاهد الرجل يفعل بالمرأة عارية، فما ظنك -أخي- إذا نشر مثل هذا أمام شبابٍ ممتلئ شباباً، شابع البطن، صحيح البدن، ماذا يكون؟ أسوأ شيء أو أسهل شيء سيكون الشر، ولهذا سمعنا بناءً على ذلك من يأتي ابنته عهراً أو أخته، وهذا لا يمكن أن نتحدث به فضلاً عن أن نصدق بخبره فضلاً عن أن يكون واقعاً بيننا، لذلك أرى: أن الإنسان العاقل يخرج هذه عن بيته، والأخبار هل أنت مكلف بها؟ والله ما نسمع من الأخبار إلا ما يأتينا بالحزن؛ لأنه ليس بأيدينا حلٌ له، من يستطيع أن يحل مشكلة كوسوفا الآن، من يستطيع؟ إلا أنها تضيق الصدور وتلحق الهم والغم، ثم إنه ليس كل إنسان ينتفع بالأخبار، الناس في الأخبار ثلاثة أقسام: قسم ينتفع بها، يعرف ما جرى للعالم، ويمكن أن يكون للرجل عنده شيءٌ من السياسة يستطيع أن يصرف ما فيه المنفعة. قسم آخر: ميت القلب، لا يعرف خيراً ولا شراً، فهذا إضاعة وقت وإضاعة مال في مشاهدة مثل هذه الأشياء. قسم ثالث: حي القلب لكنه ليس ذا رأيٍ وسياسة، فيحزن ويتألم، فمطالعته لا خير فيها. لذلك أنصحك أن تخرجها من بيتك. أما كونهم يذهبون إلى الأقارب ويجدون هذا عندهم، نعم هذا صحيح، فإن قدرت أن تمنعهم من ذلك فامنعهم، وإذا لم تقدر لكون الأقارب قريبين جداً أو أنهم شبابٌ لا تستطيع أن تمنعهم فاتخذ شيئاً آخر يكون فيه تسليتهم، وصدهم مثلما يسمونه الكمبيوتر والأفلام التي تختار أنت ما تريد منها. وأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) . نعم معلوم، لكن هل اهتمامي بأمر المسلمين موقوف على مشاهدة هذه البلايا؟ ثم لو فرض أنها تبعث على الاهتمام فمفاسدها أكبر، من يضمن لي أنه لا يطالع إلا ما فيه مصلحة المسلمين؟ أكثر الذين يقتنونها ليس هذا قصدهم وليس هذا واقع حالهم. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 16 حكم تعلم التجويد السؤال ذكرت من الآيات ما يحث على تدبر القرآن وحفظه، فهل يلزم من ذلك حفظ القرآن بأحكام التجويد؟ الجواب مسألة التجويد ليس بواجب، ومن تأمل حال الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم يعرف أنه ليس بواجب، ولو قلنا: إنه واجب لأثمَّنا كثيراً من الناس اليوم، حتى من أئمة المساجد والمشايخ أيضاً، مشايخ علماء كبار لو سألتهم عن أحكام التجويد ما عرفوا، المهم أن تقرأ القرآن بدون لحنٍ يحيل المعنى وألا تدغم ما لا يمكن إدغامه، وأن تقيم الحروف والحركات بقدر الإمكان. أما التجويد فينقسم إلى قسمين: قسم مبالغ فيه ومتكلم فيه، فهذا إلى النهي أقرب منه إلى الإباحة. قسم آخر: طبيعي، فهذا محمود ومستحب ومن تزيين الصوت بالقرآن، لكن لا نقول: إنه واجب. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 17 جواز قطع أذن الغنم الشامي إذا كان لحاجة السؤال فضيلة الشيخ: ينسب إليك بعض هواة الغنم -المعز الشامي- أنك أفتيتهم بجواز قطع أذن الغنم الشامي؛ لأنهم يرون أن المعز الشامي ما لم تقطع أذنها فليست بجميلة، وجمالها ما يكتمل إلا بقطع الإذن، فما أدري ما صحة هذا؟ الجواب صحيح هذا، يجوز أن يقطع الأذن لزيادة الثمن بشرط ألا يؤلم الحيوان، يعني: يبنجها مثلاً ويقطعها. الشيخ: وإذا لم يبنجها فهذا لا يجوز وليس أيضاً في هذا مثلة لأن المثلة إنما تكون في الآدمي أما الحيوان فلا ولذلك يجوز لنا أن نكويها بالنار في الوسم. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 18 وجه الجمع بين حديث: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) وبين حديث: (الأئمة من قريش) السؤال فضيلة الشيخ! ما وجه الجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي) ، وقوله: (الأئمة من قريش) ؟ وهل يمكن أو يجوز لعبدٍ حبشي أن يكون إماماً أعظم؟ وهل يوجد في هذا الزمان إمام أعظم؟ الجواب نعم إذا يسر الله للعبد الحبشي أن يكون إماماً أعظم فليكن إماماً أعظم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إماماً للمسلمين فلنختر من قريش، ولكن من قريش من؟ الذين قاموا بالدين، أما مجرد الانتساب لقريش أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه ليس بفضيلة إلا إذا اقترن بالدين، لو جاءنا رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق. قلنا: لا، لأن من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف: أن يكون عدلاً، لكن لو أن أحداً قهر الناس وحكمهم فإنه يجب له السمع والطاعة، ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة، ففرق بين الاختيار وبين أن يسطو أحد ويستولي على الناس بقوته، فهنا نقول: نسمع ونطيع ولا ننابذ إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان. ولا يوجد إمام أعظم، وهذا من زمان، الإمامة العامة فقدت من وقت وعهد الصحابة رضي الله عنهم، ألم تعلم أن عبد الله بن الزبير كان خليفةً في مكة والحجاز، وأن بني أمية في الشام وما والاها، وأن فرقة أخرى في العراق؟ لكن من تولى على قطعة من الأرض وصار إمامها فهو إمام. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 19 عدم ورود تحديد للمدة التي يقصر فيها المسافر السؤال معروف بالنسبة للجمع والقصر في السفر فيمن حدد من أهل العلم بأربعة أيام، لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع وقصر في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً، وكذلك في غزوة تبوك مدة شهرين إن كانت رواية صحيحة. ؟ الجواب الصحيح: أنه لا حد لإقامة المسافر، وأن الإنسان ما دام مفارقاً وطنه وينوي الرجوع إليه فهو مسافر، ولو بقي عشرين يوماً أو سنة أو سنتين أو أكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذا لأمته، لم يرد عنه حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف أنه حدد أبداً، إقامته في عام الفتح تسعة عشر يوماً، وفي مكة عام حجة الوداع عشرة أيام، لأن أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه سئل: كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته في مكة؟ قال: عشرة أيام. وأما قول بعض الفقهاء: أنه أقام أربعة أيام، ثم خرج إلى منى بنية المغادرة. فهذا غلط لا يقوله أحد إلا عند المضايقات في المناظرة، هل يعقل أن الرسول جاء ليحج ونقول: إنه من حين ما خرج للحج نوى المغادرة وهو ما جاء إلا للحج، كيف هذا؟ لكن المشكل أن بعض الناس يعتقد أولاً ثم يحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما يعتقد، والواجب أن تتبع النصوص ولا تجعلها تابعة. فالصحيح: أنه لا حد للإقامة، حتى لو كنت تريد أن تقيم شهراً في هذا المكان فأنت مسافر. وهل الأفضل الجمع والقصر، أو ماذا؟ نقول: أما الجمع فلا تجمع إلا لحاجة، وإن جمعت فلا بأس، وأما القصر فهو أفضل على كل حال. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 20 حكم السعي والحلق قبل الطواف والتحلل بعدهما وجعل طواف الإفاضة طواف الوداع السؤال سعينا ثم حلقنا هل علينا شيء؟ الجواب سعيتم وحلقتم، يعني: قدمتم الطواف على السعي؟ السائل: لا، السعي قبل الطواف الشيخ: عندما جئتم مزدلفة ماذا صنعتم؟ السائل: سعينا، بعد مزدلفة. الشيخ: بعد مزدلفة على الفور إلى السعي. السائل: سعينا ثم حلقنا. الشيخ: لا بأس، ما هناك مانع. السائل: تحللنا بعدما سعينا وحلقنا ثم جعلنا طواف الإفاضة طواف الوداع، هل فيه بأس؟ الشيخ: تحللتم بعد الرمي، أو بعد طواف السعي؟ السائل: سعينا ثم حلقنا ثم تحللنا ثم رمينا. الشيخ: هذا غلط، لا يمكن حل إلا بعد رمي جمرة العقبة، اجعل هذا على بالك، وما فعلتم من التحلل فأنتم على جهل، والجاهل معذور فلا شيء عليكم، لكن لا تعودوا إلى هذا. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 21 مشروعية الجماعة الثانية بعد الجماعة الأصلية وعدم وجوب الأذان عليها السؤال الجماعة الثانية التي تقام بعد الجماعة الأصلية، هل عليها أذان أم إقامة فقط؟ الجواب عليها إقامة فقط، وليس عليها أذان، لكن بقينا هل تشرع أو لا تشرع؟ الآن الناس يسألون: هل تشرع الثانية أو لا تشرع؟ فالصواب: أنها مشروعة، إلا إذا اتخذت عادة، بأن يقال: هؤلاء الجماعة قالوا: سوف ننتظر حتى تنتهي الجماعة الأولى، ثم نذهب ونقيم جماعة. هذا الفصل بدعة ولا يجوز. لكن لو فرض أن جماعةً دخلوا المسجد ووجدوا الناس قد صلوا، هل نقول: صلوا فرادى أو صلوا جماعة؟ الثاني بلا شك، نقول: صلوا جماعة، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه دخل رجل قد فاتته الصلاة فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه) فأمر من صلى أن يقيم جماعة بهذا، فكيف بمن لا يصلي؟ ثم إنه ثبت عنه أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) . وأما ما تشبث به بعض الناس من أن ابن مسعود أتى المسجد فوجدهم قد صلوا ثم رجع. فقد ذكر في المغني أن ابن مسعود أيضاً صلى في المسجد جماعة، فإما أن يكون عنه في ذلك روايتان، وإما أن تكون إحداهما أرجح من الأخرى. وعلى كل حال: حتى لو رجع ابن مسعود ومن معه وصلى في البيت فإنه لا يدل على أن صلاة الجماعة الثانية غير مشروعة؛ لأنه تعارض عندنا فعل ابن مسعود وقول النبي صلى الله عليه وسلم، أيهما نقدم؟ قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أيضاً فعل ابن مسعود ربما خشي أنه لو أقام الجماعة وهو صحابيٌ جليل فقيه اتخذها الناس عادة، وقالوا: هذا فعل ابن مسعود، ويخشى -أيضاً- إذا أقام الجماعة أن يكون في قلب إمام المسجد شيء، ويقول: هذا ابن مسعود ترك الصلاة معي وأقام جماعةً وحده. وهناك أيضاً اعتبارات أخرى، لذلك نرى أن صلاة الجماعة الثانية مشروعة، وأن فيها أجراً لكن ليس كأجر الجماعة الأولى. الجزء: 185 ¦ الصفحة: 22 حكم نظام بيع المرابحة مع البنوك السؤال ما هو رأيكم في نظام البيع بالمرابحة؟ الشيخ: كيف المرابحة؟ أن أشتري سلعةً بألف ثم يأتيني شخص آخر ويقول: بعني إياها بربح، سواءً مؤجل أو غير مؤجل، أقول له: ما هناك مانع، أربحني بالألف مائة، وأبيعها لك، هذا لا بأس به، ولا إشكال فيه. السائل: أوضح لك -يا شيخ- كيف يكون النظام عندنا، مثلاً: أنت تريد أن تشتري بيتاً بسعر -مثلاً- مائة ألف دينار، يأتيك الرجل وأنت تريد إكمال هذا المبلغ من هذا البنك، يقول: نعم أنا أكمل لك باقي المبلغ مثلاً باقي عشرين ألفاً، يقول: وأخذ عليك أبيعك البيت مثلاً بمائة وعشرة آلاف، يعني ربح له 50% هذا هو؟ الشيخ: غلط هذا، يعني: أشتري بيتاً بثمانين؟ السائل: نعم، يعني هو يشتري من صاحب الملك ثم يبيعك إياها مرة ثانية. الشيخ: لا، هذا حرام بالإجماع الظاهر، ما أحد يقول هذا. الآن افهموا السؤال هذا: اشتريت هذا الشيء مثلاً بمائة وأنا ما عندي مال، ذهبت إلى التاجر قال: أنا سأشتريه منك بمائة وأبيعه لك بمائة وعشرين، هذا حرام لا إشكال فيه، إن كان هذا هو السؤال فهو حرام ما فيه إشكال. السائل: أنا أريد أن أشتري هذا البيت بمائة ألف ولا أملك هذا المبلغ فأذهب إلى البنك فأقول: اشتروا لي هذا البيت الذي هو بمائة ألف، يقولون: نحن نشتريه لك من صاحبه ثم نبيعه عليك بمائة وعشرين أو بمائة وثلاثين؟ الشيخ: الآن البنك لولا أن هذا جاء وقال: اشترِ البيت يشتريه أم لا يشتريه؟ لا يشتريه، إذاً هذا الشراء من البنك حيلة على الربا، فبدلاً من أن يقول البنك: خذ هذه مائة ألف بمائة وعشرين ألفاً واشترِ البيت أنت يقول: أنا أشتريه وأبيعه عليك، فليس للبنك غرض من شراء هذا البيت إلا الزيادة الربوية، معلوم أن البنك ما له غرض بالبيت، لولا أنك جئت أنت وطلبته ما اشتراه، إذاً ليس تاجراً، لكنه متحيل على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، متحيل بدلاً من أن يقول البنك: خذ المائة الألف اذهب اشترِ البيت وأعطِ بدلها على رأس السنة مائة وعشرين ألفاً قال: أنا اشتري البيت وأبيعها عليك. الله المستعان!! أيهما أقرب حيلة للربا: هذا، أو ما فعلت اليهود لما حرمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكل ما لا يحل، ذوبها حتى تكون ودكاً، ثم بع الودك وكل ثمنها؟ هذا أبعد، يعني: حيلة اليهود أبعد من الحرام من الحيلة التي ذكرت لك. لهذا أنا لا أشك أنها حرام، وأنصح إخواني أن يحذروا منها، وأقول: ربما كانت قسوة القلوب، والبعد عن علام الغيوب بسبب هذه المآكل المحرمة التي لا يكاد أحدٌ يقلع منها؛ لأنه يرى أنها حلال، وربما أفتاه بعض الناس بذلك، ونحن أمةٌ صرحاء، أمةٌ إسلامية، نأتي البيوت من أبوابها، ونأتي مثل الشمس، كلٌ يعرف أن هذا حرام ولا أحد يقول: حلال، أو يقول: أين البيت الذي تريده فيذهب البنك ويشتريه بمائة ألف ويبيعه على هذا بمائة وعشرين ألفاً، أي فرق يا إخوان؟! أما لو كان البيت أو السيارة عند البنك من الأصل وباعه عليك بربح، واشتراه بمائة وقال: بمائة وعشرين عليك، هذا ما فيه شيء، إلا إذا كان القصد الدراهم فهي مسألة التورق وفيها الخلاف. أولاً: هل يعقل أن هذا الرجل الذي اختار هذا البيت أو السيارة ينبهونه وهو يعرف ثمنها ويريدها؟!! يعني: إن وجد واحد من ألف يمكن أن يكون نادراً جداً، ما يمكن يجيء يختاره، ويأتي البنك ولا يدري بالثمن. ثانياً: أنه إذا هوَّن -أي: تراجع- كتبت دائرة سوداء في صفحته، ما يوثق به بعد ذلك، إذاً فلن يهوّن -أي: لن يتراجع-. والله يا أخي انظر أنا أقول يا إخواني: نحن أمة إسلامية ونبينا عليه الصلاة والسلام قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والله! ثم والله! ثم والله! لو كان فيها شيءٌ من الحل لكنت أفتي بحلها، لكن كيف أقابل رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اترك البنك يشتري هو ما شاء من أراضي أو من دور أو من سيارات ويعرضها للبيع آتي أنا وأقول أريدها نقداً فيقول: بمائة، يجيء الثاني يقول: أريدها مقسطة يقول: بمائة وعشرين. هذا لا ينكره أحد أنه جائز إن شاء الله، أما هذه فهي لعبة يا إخوان! فكروا فيها، لكم من الآن إلى أن تبلغ الروح الحلقوم، وما هي النتيجة؟! الجزء: 185 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [186] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة القمر ، تحدث الشيخ من خلالها عن أخبار الأمم وماذا حل بهم نتيجة تكذيبهم لرسلهم وبالبينات التي جاءوا بها، فتوعدهم الله بالهزيمة فلم ينتهوا وعتوا وتكبروا فأهلكهم الله جميعاً، وتوعدهم بالعذاب الأليم يوم القيامة، ثم ذكر أحوالهم وهم في النار فضلاً عما سبق، فقد ذكر الله أن كل شيء مقدر من عنده سبحانه وتعالى وهو تحت أمره وإرادته. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر جمادى الأولى عام (1419هـ) نبتدئ هذا اللقاء كما كنا نعتاد بتفسير شيءٍ من كلام رب العالمين عز وجل. انتهينا إلى قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:41-42] . الجزء: 186 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولقد جاء آل فرعون النذر) الجملة مؤكدة بالقسم المقدر واللام وقد {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:41] أي: قومه، وعلى رأسهم فرعون، كما أخبر الله تعالى في آياتٍ أخرى متعددة أنه أرسل موسى إلى فرعون وملئه. (جاءتهم النذر) النذر قيل: إنه بمعنى الإنذار، وهو التخويف، وقيل: إنه جمع نذير وهو كل ما ينذر به العبد، والمراد به الآيات التي جاء بها موسى، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء:101] وهذا الأخير هو الصحيح: أن النذر جمع نذير وليست بمعنى الإنذار، ويدل لهذا قوله: (كذبوا بآياتنا كلها) أي: بكل الآيات الدالة على صدق رسالة موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذبوا بها، وقالوا: إن موسى مجنون، وإنه ساحر، حتى إن فرعون من كبريائه قال: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء:27] . ولما كذبوا بالآيات أخذهم الله جل وعلا أخذ عزيزٍ مقتدر، (عزيز) أي: غالب (مقتدر) أي: قادر، ولكنها أبلغ من كلمة قادر لما فيها من زيادة الحروف، وكما قيل: (إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى) وهذا في الغالب وليس دائماً، وإنما ذكر الله تعالى أن أخذه إياهم أخذ عزيزٍ مقتدر؛ لأن فرعون كان متكبراً وكان يقول: (أنا ربكم الأعلى) وكان يسخر من موسى وممن أرسله، فناسب أن يذكر الله تعالى أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، وهو الله عز وجل. وقد أجمل الله تعالى هذه القصة في هذه الآية، ولكنه بينها في آياتٍ كثيرة، وأن أخذهم كان بإغراقهم في البحر، فأغرقه الله عز وجل بمثل ما كان يفتخر به؛ لأنه كان يقول لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] يقررهم بهذا، وسيقولون: بلى {أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:51-52] يعني بذلك موسى، أغرقهم الله باليم حين جمع فرعون جنوده واتبع موسى ومن اتبعه ليقضي عليهم، ولكن الله بحمده وعزته قضى عليه. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أكفاركم خيرٌ من أولئكم) قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} [القمر:43] الخطاب هنا لقريش، أي: هل كفاركم خيرٌ من هذه الأمم السابقة التي أهلكها الله، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43] يعني: أم لكم براءة في الكتب أن الله تعالى مبرئكم من عاقبة أفعالكم؟ ما الجواب؟ لا هذا ولا هذا. إما أن يكون كفارهم خيرٌ من الكفار السابقين، وإما أن يكون لهم براءة من الله عز وجل كتبها الله لهم ألا نعاقبكم، وكل هذا لم يكن، فليس كفارهم خيراً من الكفار السابقين وليس لهم براءة في الزبر. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أم يقولون نحن جميع منتصر) ثم بين الله أن لهم دعوة ثالثة: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} [القمر:44] و (أم) هنا بمعنى بل الإضرابية، وهي إضراب الانتقام، يعني: (بل يقولون نحن) والضمير لقريش (جميع منتصر) جميعٌ هنا بمعنى جمع، ولهذا قال: منتصر ولم يقل منتصرون، يعني: جمع كثير منتصر على محمدٍ وقومه، هذا معنى كلامه، فأعجبوا بأنفسهم وظنوا أنهم قادرون على القضاء على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فماذا كان جوابهم من الله؟ الجزء: 186 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:45] (يهزم) أي: يخذلون شر خذيلة، ويولون الدبر، ولا يستطيعون المقاومة ولا المدافعة ولا المهاجرة، مع أنهم كانوا يقولون: (نحن جميع منتصر) ولكن لا انتصار لهم، وهذا هو الذي وقع ولله الحمد، وأول ما وقع في غزوة بدر حين اجتمع رؤساؤهم وكبراؤهم وصناديدهم في نحو ما بين تسعمائة إلى ألف رجل في مقابل ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهزموا -ولله الحمد- شر هزيمة وتحدثت بهم الأخبار، وألقي أربعة وعشرون نفراً من رؤسائهم في قليبٍ من قُلُب بدر خبيثة منتنة، وهذا شر هزيمة ولا شك، ولذا قال: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) هذه عقوبتهم في الدنيا، وفي الآخرة قال تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر:46] يعني: أضف إلى ذلك أن الساعة موعدهم: وهو يوم البعث {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:46] أي: أشد فتكاً وأمر مذاقاً؛ لأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (إن المجرمين في ضلال وسعر) ثم قال الله عز وجل مبيناً ماذا يحدث لهم ولأمثالهم: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} [القمر:47] الضلال في الدنيا، أي: لا يهتدون، والسعر في الآخرة، أي: في نارٍ شديدة التأجج تحرقهم، كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، ويحتمل أن قوله: (في ضلال) أي: في ضلالٍ عن الطريق الذي يهتدون به إلى الجنة؛ لأنهم ضلوا في الدنيا فضلوا في الآخرة. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم يسحبون في النار على وجوههم) قال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48] يسحبون سحباً كما تسحب الجيفة ليبعد بها عن المنازل، ولا يسحبون على ظهورهم، بل على وجوههم والعياذ بالله، ويقال: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] ولقد قال الله تعالى في آيةٍ أخرى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:24] الذي كان يتقي في الدنيا الحر بيديه لوقاية وجهه، لكنه في النار ليس له ما يقي وجهه النار، بل يتقي بوجهه -نسأل الله العافية- أي: ليس له وقاية تقي وجهه من حر النار، فهم يسحبون في النار على وجوههم. هذه -يا إخواني- ليست أساطير الأولين، وليست قصصاً تقال، هذه حقيقة نشهد بها -والله- كأننا نراها رأي العين، لابد أن يكون هذا، لكل مجرم (يوم يسحبون في النار على وجوههم) والساحب: هم الملائكة الموكلون بهم؛ لأن للنار ملائكة موكلين بها، ويقال: (ذوقوا مس سقر) . انظر يا أخي! إلى الإذلال الجسدي والقلبي، الجسدي: هو أنهم يسحبون على وجوههم، والقلبي: أنهم يوبخون ويقال: (ذوقوا مس سقر) أي: صلاها، وسقر من أسماء النار -نسأل الله العافية لنا ولكم-. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) قال جل وعلا: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] لما ذكر عذاب أهل النار، ثم سيذكر نعيم أهل الجنة ذكر بينهما أن هذا الخلق وتفاوته بقدر الله عز وجل، فكل شيءٍ مخلوق فهو بقدر، وكل ذرةٍ في رملة فهي مخلوقة بقدر، وكل نقطةٍ تقع على الأرض من السحاب فهي مخلوقة بقدر، وكل شيء: تعم ما سوى الخالق؛ لأنه ما ثم إلا مخلوق وخالق، فإذا كان كل شيءٍ مخلوقاً كان الخالق وحده الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس) العجز: يعني تكاسل الإنسان، والكيس: يعني حزم الإنسان ونشاطه في طلب ما ينفعه والبعد عما يضر. وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الإنسان مخلوقٌ لله تعالى، وأن أفعاله مخلوقة لله، وأن كل شيءٍ قد قدر وانتهى، وإذا كان كذلك فلمن يلجأ الإنسان إذا أصابته الضراء؟ إلى الله الخالق، وإذا أراد السراء أيضاً يلتجئ إلى الله الخالق، لا يفخرنّ ويعجبنّ بنفسه لما حصل له المطلوب، ولا يبأس إذا أصابه مكروب، فالأمر بيد الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف) القوي في إيمانه، القوي في إرادته وهمته ونشاطه، وليس المراد القوي في بدنه، قوة البدن إما لك وإما عليك، إن استعملتها في العمل الصالح فهي لك، وإن عجزت عنه مع فعلك إياه في حال القوة كتب لك، وإن استعملت هذه القوة في معصية الله كانت عليك، لكن المراد بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (القوي) أي: في إيمانه وإرادته، أما قوة البدن فهي إما لك أو عليك، قال: (وفي كلٍ خير) في كل من القوي والضعيف خير، وهذه الجملة يسميها علماء البلاغة جملة احترازية؛ لأنه لما قال: (المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف) يظن الظان أن المؤمن الضعيف ليس فيه خير فقال: (وفي كلٍ خير) ولها نظائر، قال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] يعني: من قبل صلح الحديبية قال تعالى: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ} [الحديد:10] كلاً من هؤلاء وهؤلاء، يعني: فلا تظنوا أن هذا التفاوت يحط من قدر الآخرين ويحرمهم الخير، وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء:95] فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فإذا فعلت ذلك حرصت على ما ينفع واستعنت بالله، وكنت حازماً نشيطاً قوياً في مرادك، قال: (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو إني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله -يعني: هذا قدر الله- وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) أنت عليك أن تسعى للخير، وليس عليك أن يتم لك ما تريد، المهم أن كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس، فمن قدر الله له الهداية فبالقدر، ومن قدر له الشقاء فهو بقدر، ولكن ما السبب لتقدير الله الشقاء على العبد؟ هو نفس العمل لقول الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] . الجزء: 186 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [القمر:50] أي: ما أمرنا فيما نريد أن يكون (إلا واحدة) أي: مرة واحدة بدون تكرار {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] بدون تأخر، سبحان الله! أمر الله عز وجل واحد لا تكرار، وبسرعة فورية أسرع ما يمكن أن يكون كلمحٍ بالبصر (كن فيكون) واشتهر بين العوام أنهم يقولون: (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا خطأ، ليس أمر الله بين الكاف والنون، بل بعد الكاف والنون؛ لأن الله قال: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117] متى؟ بعد كن، فقولهم: بين الكاف والنون خطأ، يعني: ما تم الأمر بين الكاف والنون، لا يتم الأمر إلا بالكاف والنون، لكنه بعد الكاف والنون فوراً كلمحٍ بالبصر، وإن شئت أن ترى عجائب ذلك فانظر إلى الزلازل تصيب مئات القرى، أو آلاف القرى وبلحظةٍ واحدة تعدمها، ولو جاءت المعاول و (الدركترات) والقنابل ما فعلت مثل فعل لحظة واحدة من أمر الله عز وجل، واسأل الخبراء بالزلازل تجد الجواب. انظر إلى ما هو أعظم من ذلك، الموتى في قبورهم والحشرات والحيوانات، وكل الأشياء، تبعث يوم القيامة بكلمةٍ واحدة كما قال جل وعلا: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يحضر إلى الخير (صيحة واحدة) فقط (فإذا هم جميعٌ كلهم لدينا) أي: عندنا (محضرون) فصدق الله عز وجل وعده، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] مثل لمح البصر. ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:51] نقف على هذه الآيات الكريمة ونسأل الله تعالى أن يجعل القرآن لنا ولكم شافعاً عنده يوم القيامة، وأن يكون قائدنا إلى جناته إنه على كل شيءٍ قدير. الله الله أيها الإخوة! بالقرآن العظيم، لتَفَهُّم معناه والعمل به، فإنه الشفاء لما في الصدور، والموعظة للمؤمنين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] . الجزء: 186 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 186 ¦ الصفحة: 11 حكم تحية المسجد بعد الأذان الثاني من الفجر السؤال فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً في صلاة الصبح بعد الأذان الثاني، هل يجوز للشخص أن يصلي تحية المسجد أم يصلي الرغيبة فقط؟ الجواب إذا دخل المسجد بعد أذان الفجر وأراد أن يصلي، إن كان في الوقت متسع فإنه يصلي تحية المسجد أولاً، ثم الراتبة، وإن كان ليس في الوقت متسع فإنه يصلي الراتبة وتغني عن تحية المسجد، هذا هو القول الراجح، بناءً على أن وقت النهي لا يكون إلا بعد صلاة الفجر، أما على قول بعض العلماء يقولون: إن النهي يدخل من حين طلوع الفجر فإنهم لا يسمحون لك بتحية المسجد، ويقولون: انوها راتبة؛ لأنهم لا يسمحون بالنفل بعد دخول وقت النهي ولو كان له سبب، لكن القول الراجح ما ذكرناه أولاً، وإن اقتصر على الراتبة مع سعة الوقت فلا بأس. مداخلة: ما المراد بالرغيبة يا شيخ؟! الشيخ: يريد الرغيبة، يعني: الراتبة، هم يسمون الراتبة الرغيبة، وهذه لغة إفريقية الظاهر. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 12 حكم الحركة في الصلاة لمصلحة الصلاة السؤال إذا صلى شخصان جماعة ثم جاء شخص ثالث، فتقدم الإمام أو تأخر المأموم قبل أن يكبر للصلاة، فهل يؤثر هذا على صلاة الشخصين؟ الجواب لا يؤثر أبداً إذا دخل الرجل ووجد اثنين يصليان جماعة وأراد أن يصلي معهم، فإنه يدخل معهم، فإن شاء قدم الإمام وصف إلى جنب المأموم وإن شاء أخر المأموم وبقي الإمام في مكانه سواءً قبل أن يكبر أو بعده، بل قبل أن يكبر أولى؛ ليتفادى الحركة في الصلاة التي ليس لها داعٍ. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 13 الأرحام الذين تجب صلتهم السؤال فضيلة الشيخ! صلة أرحام الإنسان هل هم الأعمام والأخوال فقط؟ الجواب لا، الأرحام الذين تجب صلتهم من تجتمع بهم في الجد الرابع، هؤلاء هم الأرحام، حتى القرابة من جهة الأم تجب صلتهم كما تجب صلة الأم، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم من بر الوالدة أن تصل أقاربها. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 14 حكم بيع ما لم يُملك السؤال رجل يعمل في التجارة لكن عنده أشياء لا يقدر أن يؤمنها، مثلاً عنده مبالغ، ويأتي شخص يطلبها من منطقة ثانية وهو يأتي بها، ويحضر له المبلغ وصاحب المحل يأتي له بهذا الطلب، فما رأيكم في هذا؟ الشيخ: يعني: إنه يشتري بضاعة من بلد آخر. السائل: من بلد آخر، ويحضرها له عن طريق هذا المحل، ولكن يقدم المبلغ ويأتي له بعد يوم أو يومين بهذا الطلب. الشيخ: يعني: أتيت إلى رجل صاحب دكان، وقلت: أريد السلعة الفلانية، قال: ليست عندي، لكني أحضرها لك من بلدٍ آخر، وأعطاه الثمن مقدماً، فلا بأس على أن يكون صاحب الدكان وكيلاً له، يعني: يشتري له من البلد الآخر، وأما أن يشتريها من صاحب الدكان مباشرة وهي لم تصل إليه فلا يجوز. لكن لنفرض أنك صاحب الدكان وأنا أحتاج السلعة الفلانية وليست عندك، بعتها عليَّ على إنك ستجلبها من البلد الآخر، فهذا لا يجوز؛ لأنك بعت ما لا تملك، ولا تدري ربما تبيعها عليَّ بمائة وتكون قيمتها في البلد الآخر قد ارتفعت وبلغت مائتين، أو تبيعها عليَّ بمائة بناءً على أنها بخمسين، ثم تقول: نزلت إلى ثلاثين، هذا لا يجوز، أما إذا قلت: أنت وكيلي اشتر لي من البلد الفلاني ولك أجرة المثل، فهذا لا بأس به، فتشتريها من هناك على أنها نصيبي، وإذا حضرت سلمتني إياها وأعطيتك عليها أجرة الوكالة. السائل: يعني الأجرة لا آخذها إلا بعدما تحضر السلعة؟ الشيخ: نعم، وأيضاً لا تبع عليه، تقول: أنا -والله- ما عندي، لكن أخبرنا أناس أن في البلد الآخر هذه السلعة، فأقول لك: إذاً أنت وكيلي اشترها لي ولك أجرة المثل. السائل: لكن إذا كنت وكيل شركة معتمدة، والسلعة نفسها التي تبيعها هذه الشركة -مثلاً- في المدينة أو في أي مكان أنا أبيعها بالسعر نفسه، لكن أنا أحضرها فقط؟ الجواب لا بأس إذا كنت وكيلاً للشركة، فلا بأس أن تبيع باسم الشركة. السائل: يا شيخ! المسألة السابقة ألا تكون من باب السلم؟ الجواب: لا، السلم لابد أن يكون مؤجلاً لأجلٍ معلوم له وقع في الثمن. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 15 حكم ميراث المال الذي اختلط بربا السؤال رجل ورث مالاً من أبيه، وهذا المال قد اختلط به الربا وغير الربا، يعني: والده كان يعمل في التجارة، فما حكم ميراث هذا المال؟ الجواب لا بأس به، يرثه حلالاً له؛ لأننا لا نعلم أن أحداً من المسلمين قال: إنه يجب على الورثة أن يبحثوا كيف اكتسب مورثهم هذا المال، نعم إذا علمنا أن في هذا المال شيئاً مسروقاً، فهنا يجب علينا أن نرد المسروق إلى صاحبه إن علمناه أو نتصدق به تخلصاً منه، أما الكسب فالكسب إثمه على الكاسب لا على الوارث. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 16 حكم من أدرك جماعة يصلون المغرب وهو لم يصل العصر السؤال يا شيخ! إذا دخل شخص في جماعة وهم يصلون المغرب وهو لم يصل العصر هل يدخل معهم بنية العصر أو يصلي معهم المغرب ثم يصلي العصر؟ الجواب لا. يدخل معهم بنية العصر؛ لأن القول الراجح أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر، فهو يدخل بنية العصر وإذا سلم الإمام من المغرب يقوم فيأتي بالرابعة إن كان دخل مع الإمام في أول الصلاة. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 17 أجر التسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلوات السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! من أنواع التسبيح المعروف بعد الصلاة، عشر سبحان الله، وعشر الحمد لله، وعشر الله أكبر، وورد في الحديث أنها مائة وخمسون بالعدد، وألف وخمسمائة بالثواب والأجر، فهل الخمس الصلوات محصورة في اليوم نفسه أم في الصلوات الخمس القادمة؟ الجواب ظاهر الحديث إذا فعلها في اليوم كله: 30×5=150. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 18 كيفية صلاة من أدرك قوماً يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب السؤال يا شيخ! لو دخل المأموم خلف إمام يصلي العشاء أو يصلي المغرب، ماذا يفعل؟ الجواب إذا دخل مع الإمام الذي يصلي العشاء وهو يريد صلاة المغرب، إن دخل معه في الثانية سلم معه؛ لأنه صلى ثلاثاً، وإن دخل معه في الثالثة أتى بعده بركعة، وإن دخل معه في الأولى فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة في صلاة العشاء يجلس وهو ناوٍ الانفراد فيتشهد ويسلم، ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، هذا هو القول الراجح، ومن العلماء من قال: يصلي المغرب أولاً ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، لكن القول الأول أحسن؛ لئلا ينفرد الإنسان عن الجماعة. السائل: لو قدم وصلى العشاء؟ الجواب: لو قدم إن كان جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان عالماً فلا يجوز؛ لأنه إذا فعل هذا فقد أخل بالترتيب، وهنا لا حاجة للإخلال بالترتيب؛ لأنه يستطيع أن يصلي المغرب ويفعل كما ذكرت لك. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 19 تفسير (الفتح) في قوله تعالى: (من قبل الفتح وقاتل) السؤال يا شيخ! جزاك الله خيراً! الآية: {مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] فتح مكة أم صلح الحديبية؟ الجواب لا، المراد بذلك صلح الحديبية، كما جاء ذلك في الحديث، فإنه في الحقيقة فتح، أولاً: لأنه كان في مقدمة الفتح؛ لأن الفتح مبنيٌ على الصلح، وفتح مكة مبني على الصلح. ثانياً: أنه سمي فتحاً؛ لأن الناس صار بعضهم يداخل بعضاً، وانقطع التقاطع الذي بين قريش وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وإنما كان سبباً للفتح الأعظم؛ لأن سببه -يعني الفتح الأعظم- أن قريشاً نقضت العهد الذي بينها وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلح الحديبية، حيث أعانت حلفاءها على حلفاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقضت العهد، فصار الفتح الأعظم. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 20 حكم التأخر عن الجماعة من أجل إنكار المنكر السؤال أنا أريد أن أنكر المنكر ودائماً أتأخر عن الجماعة هل عليَّ شيء؟ الجواب إذا كنت ملزماً بهذا من قبل ولاة الأمر فليس عليك شيء. السائل: مثل صلاة المغرب أحياناً أتأخر عشر دقائق أو ربع ساعة. الشيخ: أجبتك أنا، إذا كنت من قبل ولي الأمر فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم انطلق برجالٍ معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة أو لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) فهنا ترك الجماعة التي أقامها هذا الرجل بأمره إلى المتخلفين، فإن كنت تعمل تبعاً لولي الأمر فلا بأس، أما إذا كنت ليس لك عمل وظيفي من ولي الأمر فلا تترك الصلاة من أجل أن تأمر الناس؛ لأنك إذا فعلت صار كالذي يحرق نفسه ليضيء للناس. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 21 وقت أذكار الصباح والمساء السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لأذكار الصباح والمساء متى يكون أول وقتها وآخره؟ الجواب يسأل ويقول: متى تكون أذكار الصباح والمساء؟ فأسأله أنا: متى يكون المساء والصباح؟ السائل: بداية الصباح من طلوع الفجر. الشيخ: إذاً من طلوع الفجر. السائل: لكن المساء يا شيخ؟! الشيخ: والمساء من بعد صلاة العصر، لكن ما ورد في كونه في الليل فهو في الليل، فآية الكرسي من قرأها في ليل لابد أن تكون في الليل، والأمر في ذلك واسع والحمد لله. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 22 ما يبقى للزوج الأول من الطلقات بعد أن يتزوجها غيره. السؤال فضيلة الشيخ! رجلٌ طلق زوجته طلقتين وبعد الطلقة الثانية تزوجها رجلٌ آخر، فهل يهدم زواج الثاني الطلقتين السابقتين إذا راجعها الرجل الأول بعد الثاني؟ الجواب طلق رجلٌ امرأته مرتين ثم تزوجت بآخر، ثم طلقها الآخر أو مات عنها ثم عادت للأول، فهل تستأنف العدد من جديد، أو تبني على ما مضى؟ فالجواب: أنها تبني على ما مضى، وليس للزوج الأول إلا طلقة واحدة في النكاح الجديد؛ وذلك لأن نكاح الزوج الثاني لم يؤثر شيئاً بخلاف ما إذا طلقها ثلاثاً، ثم تزوجت بآخر ودخل بها، ثم مات عنها أو طلقها فإنها تعود للأول على ثلاث طلقات يعني: من جديد؛ لأن نكاح الثاني أحلها للأول بعد أن كانت حراماً عليه، أما إذا كان قد طلقها مرتين فإن نكاح الثاني لم يحلها له؛ لأنها حلالٌ له سواء تزوجت أم لم تتزوج. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 23 الجهل الذي يعذر به صاحبه السؤال فضيلة الشيخ! الجاهل هل يعذر في الشرك الأكبر؟ الجواب يعذر بكل شيء، لكن بشرط ألا يكون قد فرط في طلب الحق. والشرط الثاني: ألا يعرف نفسه أنه مشرك، أي: أنه لا ينتسب إلى الإسلام، ولذلك المشركون الآن مشركون لا شك، لكن الذين لم يبلغهم عن الإسلام شيء أو كانوا مسلمين ولكنهم مشركون ولا يدرون فهؤلاء معذورون. السائل: الشرط الثاني. الشيخ: الشرط الثاني: ألا يعرف نفسه أنه مشرك، فإذا عرف نفسه أنه مشرك فهو غير معذور. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 24 حكم كتابة مادة القرآن في المدارس السؤال فضيلة الشيخ! نرى بعض المدرسين في الجامعة والمدارس يكتب في حصة القرآن مادة القرآن في السبورة وفي الجدول، ما حكم هذا؟ الجواب لا بأس به، يعني: كمادة القرآن، مادة الفقه، ليس فيها شيء، والمعني بالمادة هنا الحصة. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 25 حكم تسمية سنة الفجر بالرغيبة السؤال فضيلة الشيخ! أحياناً نتوهم في معرفة بعض المصطلحات ككلمة الرغيبة التي سأل عنها الأخ، اصطلح عليها عندنا حسب المسمى الصحيح وهو سنة الفجر، فهل نتركها نمشي على هذا المصطلح، أو نأخذ بالكلمة الصحيحة وهي سنة الفجر؟ الجواب هو على كل حال إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية على ما كانت عليه، فيقال: سنة الفجر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة) لأن الأعراب يعتمون بالإبل، وهي في كتاب الله العشاء، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على لغتنا مع أنهم عرب، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب، وهذا يدل على الضعف الشخصي إلى أبعد الحدود، وعلى عدم الفقه في دين الله، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية. المهم أن الرغيبة إن شاء الله من اليوم السائل يسميها سنة الفجر. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 26 حكم من سافر لإقامة الجمعة السؤال هل يجوز -يا شيخ- للمقيم أن يسافر ويقيم الجمعة في بلد آخر؟ الجواب هل يجوز أن يذهب إلى بلدٍ لإقامة الجمعة فيه؟ إن كان قصده تعظيم المكان فهو حرام؛ لأنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، أما إذا كان قصده الانتفاع بخطبة الخطيب؛ لأنها خطبة مفيدة فلا بأس، وهذا سافر للعلم، ولم يسافر للمسجد، ولهذا لو انتقل الخطيب إلى بلدٍ آخر تبعه. السائل: لكنه يسافر فيكون هو الخطيب نفسه؟ الشيخ: ليس هناك بأس، هذا سفر لطلب العلم. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 27 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأمة ربتها) السؤال فضيلة الشيخ! ما تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تلد الأَمَة ربتها. ) في الحديث الطويل؟ الجواب المعنى: أن الأَمَة التي لا تملك شيئاً تلد امرأة تكون لها بمنزلة الرب، يعني: أن هذه البنت -بنت الأَمَة- تكون غنية حتى تكون بمنزلة ربة هذه في الغنى، فهو مناسبٌ تماماً لقوله: (وترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان) . الجزء: 186 ¦ الصفحة: 28 حكم تحديد مكان اللوح المحفوظ السؤال قال صاحب تفسير الجلالين عند قول الله تعالى: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:22] قال: هو في الهواء فوق السماء السابعة، هل يصح التحديد أو لا يصح؟ الجواب لا. مسألة هو في الهواء لا يجوز، ولا ندري هو في الهواء أو مستقرٍ على السماء، ثم إنا ننصح إخواننا شبابنا الطلبة ألا يتعمقوا في مسائل أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب ليس لنا إلا ما علمنا، والباقي يجب السكوت عنه، هذه طريقة السلف. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 29 معنى حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه) السؤال فضيلة الشيخ! ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه أو يغتسل منه، فإن عامة الوسواس منه) ؟ الجواب المعنى: أن الإنسان لا يبول في المكان الذي يغتسل فيه أو يستحم؛ لأنه يتولد منه الوسواس، فيقول مثلاً: قد يكون أصاب ثوبي أو بدني، أو هل هو كذا، فيعطي له الوسواس؛ لأنه لن يتيقن أن النجاسة أصابته برشاش. السائل: يقصد الحمام الذي يريد الغسل فيه؟ الشيخ: أما حماماتنا الآن فليس فيها إشكال؛ لأن حماماتنا الآن يبول الإنسان في الحوض، وهو محصور، وإذا استنجى طهر الحوض كما يطهر محل النجاسة من أعضائه. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 30 ما يجب على طالب العلم اتباعه إذا وجد في الحكم على الحديث اختلافا ً السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للطالب الذي لا يستطيع أن يجيد الحكم على الحديث من الصحة أو الضعف، ووجد أن المتقدمين قد اختلفوا في الحديث، ما الذي يتبع؟ الجواب أولاً إذا كان يعرف أيهم أتقن وأعلم يتبعه تقليداً للضرورة. ثانياً: يجب أن تعلم أن الحديث النبوي عليه نور، وله طلاوة وحلاوة، ربما أن الإنسان يحكم عليه وإن لم يعرف رواته، فإذا جاء اللفظ ركيكاً بعيد المعنى، فإنه يغلب على الظن أنه ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان الراوي قد يكون غيَّره ورواه بالمعنى، لكن هذه من العلامات. كذلك من العلامات: أن يكون الحديث مخالفاً لما علم من قواعد الشريعة العامة، فأنت إذا رأيت أحدهم يحكم بأنه ضعيف وأنت ترجح ذلك لركاكة لفظه أو معناه أو مخالفته لقواعد الشريعة فاتبعه. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 31 كيفية الجمع بين قوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة. ) وبين قول الرسول: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام) السؤال كيف نجمع بين أن حد الزانية البكر جلد مائة وتغريب عام وبين قول الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] ؟ الجواب نجمع بينهما بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خذوا عني خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً) فبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله جعل لهن سبيلاً في قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] فتكون هذه الآية ناسخة لآية النساء، وإن شئت فقل: مبينة؛ لأن آية النساء ليس فيها جزم أن هذه هي العقوبة؛ لأن الله قال: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء:15] فجعل الله لهن سبيلاً. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 32 كيفية دفع الوسواس في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك! كيف يدافع الإنسان الوسوسة عنه في الصلاة؟ الشيخ: يعني الهواجيس، أو الوسوسة هل كبر أو ما كبر؟ السائل: لا. بل أن تذكر حاجة في الصلاة. الشيخ: يتفل عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 33 مدى صحة وجود جثة فرعون الآن السؤال فرعون الذي أغرقه الله يقولون: إنه الآن موجود في الآثار، وإنهم الآن يزورونه -أي: بمبلغ كذا- في الآثار، ومكتوب تحت تمثاله أظن اسمه رمسيس الثاني، ويقولون: إن هذا هو الذي أغرقه الله في اليم وأن الله جعله عبرة لمن بعده ويستدلون بالآية وهي: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92] ؟ الجواب الذين خلفه هم بنو إسرائيل؛ لأن فرعون أرعب بني إسرائيل، وأقض مضاجعهم، وأرعب قلوبهم، ولو لم يروا بدنه هالكاً لكان قدَّر لهم كل تقدير، لقالوا: ربما أنه نجا، فإذا رأوه بأعينهم عين اليقين تأكدوا ذلك، أتظن أن فرعون يبقى ببدنه وبنو إسرائيل يرثون أرضه ويجعلونه متحفاً؟ أنا لا أقول لك: الناس أسألك عقلياً، هل يمكن هذا؟ لو أنهم تمكنوا من بدنه لقطعوه إرباً إربا، وهذا كله كذب، لكن مع الأسف الآن الدول الإسلامية صارت تحتفل أو تفخر بفرعون، على زعمهم أنه فرعون موسى عليه الصلاة والسلام يفخرون به، وما نظير ذلك من بعض الوجوه إلا فخر النصارى بالصليب الذي صلب عليه عيسى عليه الصلاة والسلام بعد أن قتل، وكان على النصارى لو كانوا يعقلون أنهم إذا رأوا الصليب كسروه، لكن الجهل. المهم أن تعتقد أن هذا الرجل ليس فرعون موسى، لكنه فرعون من الفراعنة أو تمثال مصنوع باليد، نسأل الله أن يجيرنا من فرعون وقومه وطريقه، وأن يهدي أصحابنا لما فيه الخير والصلاح. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 34 حكم قول: (يسير عليك الرحمن) و (يزورك الرحمن) السؤال هذا يقول: ما حكم قول: (يسير عليك الرحمن) و (يزورك الرحمن) ؟ الجواب حرام، هذا لا يجوز ولا يعقل، الرحمن يؤتى إليه عز وجل، ويأتي لمن يأتي إليه، (من أتاني يمشي أتيته هرولة) هكذا جاء في الحديث الصحيح، أما يزورك الرحمن فمن أنت؟ هل أنت الرحمن الذي تزور؟! -هو يعني نفسه- لا يجوز هذا، ويجب أن ينهى عنه. والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 186 ¦ الصفحة: 35 لقاء الباب المفتوح [187] لقد بين الله عز وجل لعباده المؤمنين كيف أنه أهلك الأولين من الأمم السابقة، لأجل الذكرى والعبرة والعظة، ثم حذرهم من أن يفعلوا شيئاً يبغضه الله سبحانه، فبين لهم أن كل شيءٍ فعلوه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومع ذلك بيَّن منزلة المتقين عند ربهم لأجل أن يتسارع المتسارعون إلى جنة ربهم. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة القمر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والثمانون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدئ به عادةً في تفسير كلام الله عز وجل الذي هو أشرف الكلام، وأحسن الكلام، وأصدق الكلام. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر) يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:51] الخطاب لكفار قريش، وقوله: (أَشْيَاعَكُمْ) يعني: أشباهكم من الكفار السابقين، وقد قص الله تعالى في هذه السورة من نبئهم ما فيه عبرةٌ وعظة، قص علينا ما حصل لقوم نوح، وما حصل لعاد ولثمود وللوط، ولآل فرعون، وفي هذا مدكر لمن أراد الادكار، ولهذا قال: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يعني: هل من متعظ ومعتبر بما جرى على السابقين أن يجري على اللاحقين؟!! لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين عباده محاباة أو نسب، بل أكرمهم عند الله أتقاهم له، من أي جنسٍ كان، وفي أي مكانٍ كان، وفي أي زمانٍ كان، كما قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] . الجزء: 187 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وكل شيء فعلوه في الزبر) ثم قال عز وجل: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر:52] (كل) مبتدأ و (في الزبر) خبره، وليس هذا من باب الاشتغال، بل هو خبرٌ محض، يعني: أن (كل) لا يمكن أن تكون مفعولاً لـ (فعلوه) ، بل هي مبتدأ على كل حال، وفي الزبر خبر، كل شيءٍ فعلوه أي: فعلته الأمم السابقة، أو الأمم اللاحقة فإنه مكتوب (في الزبر) أي: في الكتب، وكتابة الأعمال كتابةٌ سابقة وكتابةٌ لاحقة، الكتابة السابقة كتابة على أن هذا سيفعل كذا، وهذه الكتابة لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب؛ لأن المرء لم يكلف بها بعد، كتابةٌ لاحقة هي كتابة أنه فعل، فإذا فعل الإنسان حسنة كتبها الله، إذا فعل سيئة كتبها الله، وهذه الكتابة اللاحقة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب. وبما قررناه يزول الإشكال عند بعض الناس في قول الله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد:31] فإن بعض الناس قد تشكل عليه هذه الآية، كيف يقول عز وجل: (حتى نعلم) وهو قد علم، يعني: العلم الذي يترتب عليه الثواب، وأما علم الله السابق، فإنه لا يترتب عليه الثواب ولا العقاب. إذاً كل شيءٍ فعلوه في الزبر أي: كل شيءٍ فعلوه مكتوب، الكتابة السابقة: كتابة أنه سيفعل كذا، والكتابة اللاحقة كتابة أنه فعل، طيب ما هي الكتابة التي يترتب عليها العقوبة أو الثواب السابقة أو اللاحقة؟ اللاحقة، أما الكتابة السابقة فإن الله سبحانه وتعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله لما خلق القلم قال له: اكتب، قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة: (فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) نؤمن بهذا، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] وقال عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] الكتابة اللاحقة: هي أن الله سبحانه وتعالى إذا عمل الإنسان عملاً كتب هذا، قال الله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:9-11] وهذه كتابة هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب. {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} معنى الآية: أن كل شيءٍ يفعله الإنسان فإنه مكتوب، فلا تظن أنه يضيع عليك شيء أبداً، كما قال عز وجل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف:49] سبحان الله! بعد مئات السنين التي لا يعلمها إلا الله يجدونه حاضراً: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} . الجزء: 187 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وكل صغير وكبير مستطر) قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:53] كل صغير مما يحدث في هذا الكون من المخلوقات وأوصافها وأعمالها مستطر أي: مسطر في الكتاب العزيز، اللوح المحفوظ، كل صغيرٍ وكبير، حتى الشوكة يشاكها الإنسان تكتب، حتى ما يزن مثقال ذرة من الأعمال يكتب، كل صغيرٍ وكبير إذا آمنت -يا أخي- بذلك، ويجب عليك أن تؤمن به، فإنه يجب عليك الحذر من المخالفة، إياك أن تخالف بقولك أو فعلك أو تركك، إياك أن تخالف؛ لأن كل شيءٍ مكتوب، قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وما يفعل من فعل كذلك؛ لأنه إذا كانت الأقوال تكتب وهي أكثر بآلاف المرات من الأفعال، فما تنطق به من حرف لا يسعها، كم تفعل من فعل؟ أقل، لا يحصر لكن قليل بالنسبة للقول، فإذا كانت الأقوال تكتب فالأفعال من باب أولى. عليك أن تتق الله عز وجل اتق ربك لا تخالف الله، إذا سمعت الله يقول شيئاً خبراً، فقل: آمنت به وصدقت. وإذا سمعت الله يقول شيئاً أمراً، فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة. أو نهياً؛ فقل: آمنت به وسمعاً وطاعة. فاترك المنهي عنه، وافعل المأمور به، وهذه نصيحة. (كل صغيرٍ وكبيرٍ مستطر) الحركات مكتوبة، حروف الأقوال مكتوبة، كل شيءٍ مكتوب. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر) قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] هذه مقابل قوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:47-48] ، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] الجنات: جمع جنة، وقد ذكر الله تعالى أصنافها في سورة الرحمن أربعة: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] فهي -إذاً- أربع التي ذكرها الله في سورة الرحمن، إذاً (في جنات) يعني في هذه الجنات الأربع هذه الأصناف، لكن أنواعها كثيرة، والجنات نفسرها بأنها شرعاً هي دور المتقين: (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فسر الجنات التي في الآخرة بهذا التفسير، هي التي أعد الله للمتقين: (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) لكن عندما تقرأ قول الله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:17] كيف تفسر الجنة، بأنها البستان الكثير الأشجار، عندما تقرأ: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33] ؟ تفسر بأنها بستان كثير الأشجار، لكن لا تفسر جنة النعيم في الآخرة بهذا التفسير، إنك إن فسرتها بهذا التفسير قَلَّت الرغبة فيها، وهبطت عظمتها بقلوب الناس، لكن قل: هي الدار التي أعدها الله لأوليائه (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) سكانها خير البشر، النبيون والصديقون، والشهداء، والصالحون، حتى تحفز النفوس على العمل لها، وحتى لا يتصور الجاهل أن ما فيها كأمثال ما في الدنيا، وقوله: (ونهر) يعني: بذلك الأنهار، وذكر الله تعالى أصنافها أربعة في سورة القتال: {مَثلُ الجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] هذه أربعة أصناف: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: وصفها (فيها أنهار) هذا بيان للوصف: (فيها أنهار من ماء غير آسن) يعني: لا يتغير أبداً، لا بتكدر، ولا بطعم، ولا بلون، ولا بريح (وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه) اللبن في الدنيا إذا تأخر تغير طعمه وفسد وانتقل إلى حموضةٍ لا يطاق (وأنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين) وليس لذته كلذة خمر الدنيا، وليس فيه شيء من عيوب خمر الدنيا: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] (وأنهار من عسل مصفى) -اللهم اجعلنا ممن يشربون منها- أنهارٌ من عسل مصفى ليس فيه شمع النحل، ولا أذاه، مصفى من كل كدر. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) هذا تفسيرٌ لقوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] يأتيك هذا المكان {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [القمر:55] أي: في مقعد ليس فيه كذب، لا في الخبر عنه، ولا في وصفه، كله حق، وعند من؟ {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55] وهو الله جل وعلا -اللهم اجعلنا منهم- يتنعمون بلذة النظر إلى الله عز وجل، وهو أنعم ما يكون لأهل الجنة، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] (الحسنى) الجنة، و (الزيادة) النظر إلى وجه الله، وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] يعني: حسنة بهية: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] يكسوها الله تعالى نظراً -أي: حسناً وجمالاً وبهاءً- لتكون مستعدة للنظر إلى الله عز وجل، ثم ينظرون إلى الله فيزدادون حسناًَ إلى حسنهم، ولهذا إذا رجعوا إلى أهليهم قال لهم أهلوهم: إنكم ازددتم بعدنا حسناً. بالنظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا أن تجعلنا من هؤلاء بمنك وكرمك، إنك على كل شيءٍ قدير. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 187 ¦ الصفحة: 8 لزوم متابعة الإمام في قراءة التشهد كله للمسبوق السؤال فضيلة الشيخ: السؤال يقول: مأمومٌ دخل في صلاة المغرب أو في إحدى الصلوات الرباعية في الركعة الأخيرة مع الإمام، فعندما يجلس الإمام للتشهد الأخير ماذا يفعل هذا المسبوق في صلاته، هل يقرأ التشهد الأول أم التشهد الأخير؟ الجواب إذا أدرك الإنسان الإمام وجلس معه في التشهد الأخير وهو قد سبق بركعة أو ركعتين فإنه يقرأ التشهد كله، ولا يقتصر على التشهد الأول، وإن اقتصر على التشهد الأول وكرره فيما إذا كان التشهد الأخير للإمام هو التشهد الأول له فلا بأس، لكن تكميله لا يضر، وهو أبلغ في متابعة الإمام. السائل: إذا تورك في التشهد الأخير، فعلى هذا المسبوق أن يتورك في التشهد الأخير. الجواب: أما التورك لا يتورك، هو يسأل عن التشهد، لكن لا بأس زيادة فضل، التورك لا يتورك؛ لأنه ليس تشهده الأخير. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 9 سعة الأمر في رد التثاؤب أو التسوك بأي اليدين شاء السؤال فضيلة الشيخ: هل الأفضل أن يكون في رد التثاؤب أو التسوك باليد اليمنى أو اليسرى؟ الجواب الأمر في هذا واسع، إن شاء وضع اليد اليمنى عند التثاؤب وإن شاء وضع اليسرى، لكن اليسرى أولى، أما بالتسوك فاختلف فيه العلماء، قال بعض العلماء: باليمين؛ لأن التسوك سنة، فكان حقه أن يكره، وقال بعضهم: باليسار؛ لأن التسوك إزالة أذى، واليسرى أحق بإزالة الأذى من اليمنى، ولهذا يكون الاستنثار بأيش؟ باليسرى، ويكون الاستنجاء باليسرى، والاستجمار باليسرى، التسوك باليسرى؛ لأنه إزالة أذى، وفصَّل بعض العلماء فقال: إن كان التسوك تسنناً فهو باليمنى، وإن كان التسوك تطهيراً فهو باليسرى، ولا شك أن التسوك تطهيراً، ولا شك أن التسوك عبادة كما جاء في الحديث الصحيح: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) . وبناءً على ذلك أقول: إن الأمر في هذا واسع، إن شاء تسوك باليمين، وإن شاء تسوك باليسار، ومثل ذلك التختم -لبس الخاتم- إن شاء باليمين وإن شاء باليسار، ومثل ذلك لبس الساعة إن شاء باليمين، وإن شاء باليسار. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 10 جواز الأكل مع الكافر إذا كان لمصلحة السؤال هل للمسلم أن يأكل مع الكافر في صحنٍ واحد، أم لا؟ الجواب لا بأس أن يأكل مع الكافر في إناءٍ واحد، لكن ينبغي في هذه الحال أن ينتهز الفرصة أولاً بفعل الآداب الإسلامية في الأكل، فيأكل باليمين، ويقول: بسم الله، ولا يأكل بشرهٍ، ويقتصر على ما هو الأولى وهو ثلثٌ للطعام، وثلثٌ للشراب، وثلثٌ للنفس، حتى يعرف هذا الكافر أن دين الإسلام عامٌ في كل شيء، ولا شك أن الأكلة الإسلامية بمجرد ما يتأملها العاقل يعرف أنها الأكلة المطابقة تماماً لمصلحة البدن، كما أنها مصحوبة بعبادة، بالأكل باليمين، بالتسمية، بالحمد، فينتهز الفرصة ويقول للكافر: يا فلان! انظر إلى الإسلام، انظر إلى آداب الإسلام ويدعوه، أما إذا كان لا فائدة من الأكل معه، وليس ملجأً للأكل معه فلا يأكل معه؛ لئلا يقع في قلبه شيء من مودته، ومودة الكافر لها ما لها من المحذور. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 11 حكم تسليم السائق والخادمة إلى السلطة إذا ثبتت عليهما الفاحشة السؤال فضيلة الشيخ: يستقدم بعض الناس سائقين وخادمات ويجعلهما في بيته، ويحصل أن يتسلل أحدهما إلى الآخر ويحصل مفسدة منهم، ثم يكتشف هذا الفعل صاحب البيت فيقوم بتزفيرهما ويقول: لا أحب المشاكل والستر واجب، وبعضهم يقول: لا، يجب أن أسلمهما إلى السلطة ليأخذا جزاءهما، وحتى لا أعطل أحكام الله فيهم. فما الذي ترونه أثابكم الله؟ الجواب أولاً نقول لهذا الرجل: أخطأت خطأً عظيماً، وإثم هذه المعصية عليك منه نصيب؛ لأنك أنت السبب، ولا يحل له هذا بأي حال من الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو رجلٌ بامرأة إلا مع ذي بمحرم، فكيف بالذي ينام معه؟!! الثانية: إذا وقع المحذور فالذي أرى أن نبلغ به؛ لأن في هذا مصلحة وهي أن يحذر الناس من جلب الخدم، وأن يحذروا من أن يجعلوا الذكر والأنثى خاليين، ولو كانت المسألة بالنسبة للخدم لقلنا: الستر أحسن، لكن هذه في مصلحة عامة حتى يحذر الناس من جلب الخدم الذي أصبح موضةً من الموضات، ومفاخرة من المفاخرات، حتى إن الإنسان يجلب الخادم بلا حاجة، أو السائق بلا حاجة، حتى أنه قيل لي: إن بعض الناس خدمهم أكثر من أفرادهم. تجد البيت ليس فيه إلا رجل وامرأته وعنده أربعة من الخدم، لماذا؟ فلعل الناس يقللون من جلب الخدم. السائل: هل يجب تسليمهم إلى السلطة؟ الجواب: مسألة الوجوب شيء آخر؛ لأن الوجوب معناه الإثم بالترك،. نقول: يخبر به السلطة للمصلحة التي ذكرت. السائل: بعضهم يقول: أخشى أن يكون إذا سترت عليهم أن أكون عطلت أحكام الله فيهم؟ الشيخ: انظر بارك الله فيك، أخبرتك، أحكام الله ما هي معطلة ولا زائدة ولا ناقصة؛ لأنه يستطيع أن يقول: ما هو منه الرجل، وإذا لمست عليه شيئاً ما صار عليه شيء، لكن نحن نريد أن نلاحظ المصالح العامة، المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 12 حكم السفر إلى الدول الكافرة للدراسة السؤال عرضت علي دورة -يا شيخ- في مجال العمل إلى أمريكا فهل يجب على الإنسان أن يذهب لهذه الدراسة إلى هناك من أجل المصلحة في مجال عمله؟ الجواب والله! ما أدري إذا كان الرجل الذي وقعت عليه القرعة أن يذهب إلى أمريكا أو غيرها من بلاد الكفر إذا كان هذا الرجل داعية عنده علم، وعنده قدرة في الإقناع، وعنده عزمٌ على الدعوة إلى الله، فذهابه حسن لا شك؛ لأن الدول الكافرة الآن في خناق، تريد أحداً ينفس لها من الوضع الذي هي عليه من الناحية الدينية، وبعضها حتى من الناحية الدنيوية اقتصادياً وعملياً؛ فهذا طيب، أما إنسان من عامة الناس فلا أرى أن يذهب: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3] ؛ لأن الذي بلغنا أن الذين يذهبون إلى هناك كثيرٌ منهم يرجع بلا خلق ولا دين -والعياذ بالله- ليس كلهم لكن كثيرٌ منهم، وفيهم -والحمد لله- من هو طيب، أرضٌ خصبة، ونباتٌ طيب، ونفع الناس، وانتفع بنفسه. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 13 نصيحة لامرأة تريد الزواج برجل لا ينجب السؤال هناك امرأة مطلقة فتقدم لها رجلٌ صالح، ولكن الرجل هذا أثبتت التقارير الطبية أنه قد لا ينجب، فما تدري، تطلب استشارتك في هذا الأمر؟ الجواب هذه إن كانت ترجو النكاح بأن تكون امرأة عليها طلب فالأولى أن تختار من هو فحل ينجب، أما إذا كان الطلب عليها قليلاً فإن هذا الرجل الذي يرضى دينه وخلقه يكون خيراً لها، فالمسألة ترجع إلى حال المرأة. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 14 كل من ارتكب محرماً في العبادة نسياناً أو جهلاً فلا شيء عليه السؤال امرأة تطيبت وتكحلت بعد أن أحرمت ناسية، فما الحكم في ذلك؟ الجواب ليس عليها شيء، لكن الطيب تزيله متى ذكرت، أما الكحل فلا يضر، الطيب لأنه محرم في الإحرام، الكحل ليس محرماً في الإحرام، ثم إني أقول لكم يا معشر الإخوة: جميع المحرمات في العبادات إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، في كل العبادات، سواءً في الصلاة أو في الصيام أو في الحج، فلو قدر أن الإنسان في الحج جامع زوجته ليلة مزدلفة بناءً على أنه لما وقف بـ عرفة انتهى الحج متوهماً معنىً فاسداً في الحديث الصحيح: (الحج عرفة) هذا وقف في عرفة وانتهى الحج، وجامع زوجته ليلة مزدلفة، فلا شيء عليه، لا فدية، ولا فساد حج، ولا قضاء حج؛ لأنه جاهل، وهكذا نقول في جميع المحظورات، لو قتل صيداً وهو جاهل أو ناسٍ فلا شيء عليه، في الصلاة لو أنه تكلم يظن أن الكلام لا بأس به، كأن نادته أمه وهو يصلي، فظن أن جواب الأم واجب ولو في الفريضة، فتكلم وهو لا يعتقد أنه مبطل للصلاة فصلاته صحيحة، وفي الصيام لو أكل يظن أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فصيامه صحيح، المهم خذوا هذه القاعدة: كل من فعل شيئاً محرماً في العبادة ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فليس عليه شيء، لا إثم ولا قضاء ولا كفارة، لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله تعالى: قد فعلت. ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:5] ، ولقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] . الجزء: 187 ¦ الصفحة: 15 ذم السؤال فيما سكت عنه الصحابة من أسماء الله وصفاته السؤال بالنسبة لكلمة (النور) هل هي من صفات الله سبحانه وتعالى؟ الجواب قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] فقل ما قال الله عن نفسه، ولا تتجاوز ذلك، ولك سلفٌ خيرٌ منك، وللمسئول سلفٌ خيرٌ منه، السلف الذين هم خيرٌ منك الصحابة رضي الله عنهم، والمسئول الذي هو خير من المسئول هنا في وقتنا الرسول الله عليه الصلاة والسلام، هل لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله! هل النور من أسمائه الله أو صفاته؟ لم يسألوا، هل يسعنا ما وسعهم، أو يجوز أن نتعداهم؟ لا يجوز أن نتعداهم. يسعنا ما وسعهم، ولذلك أنا أنصح الإخوان الموجودين الآن من طلبة العلم وغير طلبة العلم أن يكفوا عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته عما كف عنه الصحابة رضي الله عنهم، فوالله! إنهم لخيرٌ منا، وإن الذي يتوجه السؤال إليه في وقتهم خيرٌ منا، فعلينا أن نقف، لماذا هذا التكلف؟ نقول كما قال الله عنه نفسه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35] إنك إذا سلكت هذه القاعدة، ونهجت هذا المنهج سلمت، وسلمت عقيدتك من شكوكٍ وأوهام، وسلمت من اتباع الهوى أو القول على الله بلا علم، فنصيحتي لكم ولمن يستمع إلى كلامي: أن يتقي الله في نفسه، وأن يتجنب كلما تجنبه الصحابة الكرام رضي الله عنهم في الكف عن السؤال فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، والصحابة رضي الله عنهم قد وفوا بالمقصود، والله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ولو كان شيءٌ يحتاج إلى سؤالٍ وتوضيح لوفق الله تعالى من الصحابة من يسأل عنه، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أهل المدينة يستحيون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ من الأشياء حتى يتمنوا أن يأتي رجلٌ من الأعراب يسأل عنه، فيقيض الله تعالى من يسأل عن الشيء فيجيب عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى سأله رجل: أين كان الله قبل خلق السماوات والأرض؟ -إلى هذا الحد- فأجابه النبي عليه الصلاة والسلام، لو كان شيءٌ مما يتعلق بالدين يحتاج الناس إليه لقيض الله تعالى من يسأل عنه، فكف عما كف عنه الصحابة، اترك هذا التقييد، يجيء واحد متحذلق متعمق متكلف يقول: كم أصابع الله مثلاً؟ سبحان الله! أنت مكلف بهذا؟ عليك أن تؤمن بما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله واسكت، قال الإمام أحمد: لا نتجاوز القرآن والحديث، ونصف الله بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا نتجاوز القرآن والحديث. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 16 كيفية التعامل مع أهل البدع كالشيعة السؤال أنا آتٍ من المنطقة الشرقية من الدمام، وأعمل في الدفاع المدني في الدمام، العاملين معي تقريباً (90%) من الرافضة، يخالفونا في الأكل والشرب، وفي العمل، وفي المسكن، وفي المشرب، يصلون معنا في المساجد، ما أدري ما حكم اختلاطنا معهم يا شيخ! وأكلنا معهم، ومشاركتهم في الأعمال الداخلية بالنسبة للعمل؟ الشيخ: هؤلاء الرافضة يقولون: إنهم مسلمون، أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: وأنت مسلم، أليس كذلك؟ يجب عليك أن تدعوهم إلى الإسلام الذي ترى أنه الحق، لكن بدون أن تعنفهم على ما هم عليه مما يخالف الإسلام، ادعهم إلى الإسلام، قل: هذا كتاب الله، لم ينقص منه حرف، ولم يزداد فيه حرف، هؤلاء أصحاب رسول الله، هؤلاء الخلفاء الراشدون، وهلم جرا، والإنسان إذا دعا إلى الله بصدق، وبيَّن الحق فإنه سيثمر، وسيكون لدعوته فائدة، أما أن يأتي إلى شخص فيهاجم ما هو عليه من البدع أو ما هو عليه من الكفر، وهو يدعي أن هذه غيرة وأنه داع إلى الله فلن ينتج شيئاً إلا زيادة العداوة والبغضاء، ولا أحد أحكم من الله كما قال عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] وقد قال لنا: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] فالواجب عليكم أن تدعوهم إلى الإسلام الصحيح بدون أن تتعرضوا لما هم عليه من العقيدة الباطلة حتى يألفوا ويقبلوا: (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) . السائل: يا شيخ! حفظك الله يصلون معنا في المساجد؟ الشيخ: الحمد لله هذا هو المطلوب إذا صلوا معنا في المساجد فليتخذ إمام المسجد كتاباً يحتوي على معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. السائل: عفواً -يا شيخ- يصلون على قراطيس، وعلى أوراق، وعلى تربة مصنعة. الشيخ: ما علينا منهم، هذه مسائل فرعية، إذا لم يصحبها اعتقاد شرك، فهذه مسائل فرعية، يوجد الآن من الناس مثلاً من لا يرفع يديه عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا عند القيام من التشهد الأول، ويوجد من الناس من يرفع يديه في كل خفض ورفع، وكلٌ يدعي أنه على حق، فالمسائل الفرعية أمرها سهل، المقصود أن تجمع القلوب على الحق، وأن يسلك أقرب طريقٍ يوصل إلى ذلك، هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دعا الناس إلى الدين الإسلامي يهاجمهم أولاً فيما هم عليه من الباطل؟ يدعوهم إلى الإسلام أولاً، فالحقيقة أنا لا أنكر بل أحبذ أن يكون عند الإنسان غيرة تحمله على بغض كل ما سوى الحق، لكن أريد أن يكون عنده حكمة في الدعوة إلى الحق. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 17 معنى حديث: (لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم لعلها تصادف ساعة إجابة) السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله: نحن أيضاً من أهل الشرقية، أريد أن أسأل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (لا تدعوا على أموالكم ولا على أولادكم لعلها تصادف ساعة إجابة لا يرد الله سائلاً) أيش معنى هذا الحديث؟ وهل معنى ذلك: أنه إذا كان الدعاء مثلاً على شيءٍ وقد يكون يدعو على ولده بغير حق مثلاً، هل معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يستجيب له لموافقة ساعة الإجابة، أم ماذا؟ الشيخ: سأسألك: من الذي بيده الإجابة والرد؟ السائل: الله سبحانه وتعالى. الشيخ: هل الله عز وجل يعلم من هو على حق أو على باطل؟ السائل: نعم. الشيخ: هل الله عز وجل يمكن أن ينصر معتدياً على من ظلم؟ السائل: لا. الشيخ: إذاً! مهما دعا الإنسان بغير حق فإن الله لن يقبل منه؛ لأن الله قال في القرآن الكريم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] ، ويقول عز وجل: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:21] فكل من دعا دعوةً بغير حق فإن الله لا يقبلها، ثم إن كان معتدياً فقد ترجع الدعوة إليه وتصيبه كما جاء ذلك في اللعنة: أنه يصعد بها إلى السماء فترد، ثم تتجول فإن كان صاحبها أهلاً لها وقعت عليه، وإن كان غير أهل رجعت إلى قائلها. وكما جاء في الحديث الصحيح: (من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله! وليس كذلك رجع إليه) إلى القائل. لكن الإنسان أحياناً عند تأديب أولاده مع الغضب يدعو بالشر بدل الخير، بدلاً من أن يقول: الله يهديك، الله يصلحك، الله يشرح صدرك يقول: الله يهلكك، الله يفعل بك كذا وكذا وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11] بهذا، أي: بكون الناس يدعو بالشر في موضعٍ الأليق به أن يدعو بالخير عجلةً وتسرعاً، وما أعطي الإنسان عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، صبر نفسك، احبسها، عود لسانك إذا أغضبك أولادك أو أهلك أن تدعو لهم بالخير. بعض الناس يقول: الله يكفينا شركم، يصلح هذا أو ما يصلح؟ يصلح، نحن نقول: نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فإذا قال لولده: الله يكفينا شرك، ما أكثر ما تغضبني، هذا ما فيه شيء، لكن: الله يأخذك، الله يدمرك، الله يسود وجهك، الله لا يوفقك لا في الدنيا ولا في الآخرة، حرام هذا. اصبر، وطن نفسك، وادع لأهلك بالخير. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 18 حكم غسل يوم الجمعة السؤال حكم غسل الجمعة هل هو واجب يأثم من تركه، أم هو سنة؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) يكفيك الجواب أو ما يكفي؟! وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 187 ¦ الصفحة: 19 لقاء الباب المفتوح [188] ذكر الله عز وجل الآيات من أول سورة الرحمن مبيناً عظمته وقدرته وعظم خلقه للإنسان وإنعامه عليه بتعليمه وتفقيهه بعد أن كان جاهلاً بليداً، وتتواصل الآيات مبينة عظم خلق الله في الكون من نجوم وأشجار وجبال ووهاد كل ذلك يسبح الله ويسجد له، ثم يرشد الله عباده إلى إقامة العدل والقسط في كل شيء، كالبيع والكلام والشهادة والإصلاح بين الناس وغير ذلك من الأمور. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نبتدأ به أولاً وهو الكلام على آياتٍ من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في الأسبوع الماضي إلى آخر سورة القمر، أما اليوم فنبتدئ بسورة الرحمن، فيها البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) البسملة آية مستقلة من كلام الله عز وجل، تفتتح بها السور ما عدا سورة واحدة وهي سورة براءة، وليست من السورة التي قبلها ولا التي بعدها، هذا هو الراجح من أقوال العلماء حتى الفاتحة ليست البسملة آيةً منها، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، ولو كانت آيةً من الفاتحة لجهر بها كما يجهر في بقية آياتها، ومما يدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث القدسي أن الله قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي. وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) . الجزء: 188 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (الرحمن علم القرآن) يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4] (الرحمن) مبتدأ، وجملة (علم القرآن) خبر، (خلق الإنسان) خبر ثانٍ، (علمه البيان) خبرٌ ثالث، يعني: أن هذا الرب العظيم الذي سمى نفسه بالرحمن تفضل على عباده بهذه النعم، والرحمن هو ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء كما قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] وابتدأ هذه السورة بـ (الرحمن) عنواناً على أن ما بعده كله من رحمة الله تعالى، ومن نعمه (علم القرآن) علمه من؟! علمه جبريل؟! علمه محمداً؟! علمه الإنسان؟! الجواب علمه من شاء من عباده، فعلمه جبريل أولاً، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثانياً، ثم بلغه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثالثاً إلى جميع الناس، والقرآن هو هذا الكتاب العزيز الذي أنزله الله تعالى باللغة العربية، كما قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3] ، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193-195] وتعليم القرآن يشمل تعليم لفظه، وتعليم معناه، وتعليم كيفية العمل به؟ فهو يشمل ثلاثة أشياء، (خلق الإنسان) والمراد الجنس، فيشمل آدم وذريته، أي: أوجده من العدم، فالإنسان كان معدوماً قبل وجوده، قبل خلقه، قال الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] يعني: أتى عليه حينٌ من الدهر قبل أن يوجد وليس شيئاً مذكوراً، ولا يعلم عنه، وبدأ الله تعالى بتعليم القرآن قبل خلق الإنسان إشارة إلى أن نعمة الله علينا بتعليم القرآن أشد وأبلغ من نعمته بخلق الإنسان، وإلا من المعلوم أن خلق الإنسان سابقٌ على تعليم القرآن، لكن لما كان تعليم القرآن أعظم منةً من الله عز وجل على العبد قدمه على خلقه. (علمه البيان) علم من؟ علم الإنسان، (البيان) أي: ما يبين به عما في قلبه، وعلمه البيان أيضاً ما يستبين به عند المخاطبة، فهنا بيانان: البيان الأول من المتكلم، والبيان الثاني من المخاطب، البيان من المتكلم يعني: التعبير عما في قلبه، يكون باللسان نطقاً، ويكون بالبنان كتابةً، عندما يكون في قلبك شيء تريد أن تخبر به، تارةً تخبر به بالنطق، وتارةً بالكتابة، كلاهما داخل في قوله: (علمه البيان) أيضاً علمه البيان كيف يستبين الشيء، وذلك بالنسبة للمخاطب أن الإنسان يعلم ويعرف ما يقول صاحبه، ولو شاء الله تعالى لأسمع المخاطب الصوت دون أن يفهم المعنى. إذاً البيان سواءً من المتكلم أو من المخاطب كلاهما منةً من الله عز وجل، كم نعمةً هذه؟ (علم القرآن) (خلق الإنسان) (علمه البيان) ثلاث. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان) قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5] لما تكلم عن العالم السفلي بيَّن العالم العلوي (الشمس والقمر بحسبان) أي: بحسابٍ دقيق يجريان كما أمرهما الله عز وجل، ولم تتغير الشمس والقمر منذ أن خلقهما الله عز وجل إلى أن يفنيهما، يسيران على خطٍ واحد كما أمرهما الله، وهذا دليلٌ على كمال قدرة الله تبارك وتعالى، وكمال سلطانه، وكمال علمه، أن تكون هذه الأجرام العظيمة تسير سيراً منظماً لا تتغير على مدى السنين الطوال. إذاً: (بحسبان) بحسابٍ معلوم متقن منتظم أشد الانتظام. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان) قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6] (النجم) اسم جنس، والمراد به النجوم تسجد لله عز وجل، هذه النجوم العليا التي نشاهدها في السماء هي تسجد لله عز وجل سجوداً حقيقياً، لكننا لا نعلم كيفيته؛ لأن هذا من الأمور التي لا تدركها العقول، الشجر يسجد لله عز وجل سجوداً حقيقياً لكن لا ندري كيف ذلك كما قال عز وجل: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] . إذاً النجم المراد به كل النجوم، الشجر كل الأشجار في الأرض تسجد لله عز وجل، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:18] كثيرٌ من الناس يقابله: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:18] فلا يسجدون لله. إذاً: (النجم) أي: النجوم، و (الشجر) أي: الأشجار، يسجدان حقيقةً أو مجازاً؟ حقيقة، يسجدان على أي كيفية؟ الله أعلم لا ندري، والله على كل شيءٍ قدير. الآن انظر إلى الأشجار إذا طلعت الشمس تتجه أوراقها إلى الشمس، تشاهدها بعينك وكلما ارتفعت ارتفعت الأشجار، وإذا مالت للغروب مالت أيضاً هذا نشاهده، لكن هذا ليس هو السجود، إنما السجود حقيقةً لا يعلم. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان) قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن:7] يعني: ورفع السماء، ولم يحدد في القرآن الكريم مقدار هذا الرفع، لكن جاءت السنة بذلك، فهي رفيعة عظيمة، ارتفاعاً عظيماً شاهقاً: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:7] أي: وضع العدل، والدليل على أن المراد بالميزان هنا العدل قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] يعني: العدل، وليس المراد بالميزان هنا الميزان ذا الكفتين المعروف، لا، المراد بالميزان: العدل، ومعنى (وضع الميزان) أي: أثبته للناس ليقوموا بالقسط، أي: بالعدل. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ألا تطغوا في الميزان) قال تعالى: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:8] أي: ألا تطغوا في العدل، وضع العدل لئلا تطغوا في العدل فتجوروا، تحكموا للشخص وهو لا يستحق أو على الشخص وهو لا يستحق. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وأقيموا الوزن بالقسط) قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [الرحمن:9] (الوزن) أي: الموزون، (أقيموا الوزن) وزنكم للأشياء، أقيموه لا تبخسوا فتنقصوا، ولهذا قال: ((وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) [الرحمن:9] أي: لا تخسر الموزون، فصار الميزان يختلف في مواضعه الثلاثة: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:7] أي: العدل {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} [الرحمن:8] : لا تجوروا في الوزن، {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:9] : الموزون. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 188 ¦ الصفحة: 9 حكم سجود السهو للمسبوق بركعة أو أكثر السؤال فضيلة الشيخ! أدركت ركعةً مع الإمام في صلاة رباعية وسلَّم الإمام وقمت للقضاء، ثم رأيته سجد سجدتين للسهو، فهل يلزمني متابعة الإمام في هذا السهو؟ ومتى يكون موضعه الأفضل؟ الجواب إذا سجد الإمام السهو بعد السلام وكان على الإنسان قضاء فليقم للقضاء ولا يتابع الإمام؛ لأن متابعة الإمام مستحيلة في هذا المكان، إذ أن المتابعة لا تتم إلا إذا سلم معه، وهو لن يسلم ما تمت صلاته، إذاً يقوم ويكمل صلاته، ثم إذا فرغ من الصلاة فإن كان قد أدرك الإمام في سهوه سجد أي: هذا المسبوق بعد السلام، وإن كان الإمام قد سها قبل أن يدخل معه فلا شيء عليه. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 10 قضاء من أفطر في رمضان لأجل غسل الكلى السؤال رجل عنده غسيل الكلى في الأسبوع مرتين، في حين الغسيل يفطر فلو دخل رمضان وأفطر في يوم الذي فيه غسيل الكلى، هل عليه أن يقضي هذا اليوم أو يدفع عنه الفدية؟ الجواب عليه أن يقضيه، هذا الرجل له غسيل الكلى في الأسبوع مرتين، ولا يتمكن من غسلهما في الليل؟ نقول: أفطر ذلك اليوم الذي فيه الغسيل واقضه بعد ذلك؛ لأن الإطعام إنما يكون فيمن لا يستطيع القضاء، وهذا يستطيع عنده من الأسبوع خمسة أيام. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 11 حكم من لم يعط ثمن التذكرة للعامل بحجة عدم علمه أنها عليه السؤال لا ما يجوز، يقول: هذا رجل استأجر عاملاً أجنبياً، ثم إن العامل سافر وقيمة التذكرة كانت على هذا الكفيل، ولكنه أبى أن يسلمها للعامل، فهل يجوز لابنه أن يأخذ من مال أبيه قيمة التذكرة؟ الجواب لا، لا يجوز، لكن يجب على الأب أن يعطيه إياها حتى وإن كان لا يعلم أن النظام هكذا، فإن لم يفعل فهناك يوم آخر يستوفي العامل حقه من هذا الراتب، وهو يوم القيامة، وليست الغرامة بذلك اليوم درهماً ولا ديناراً، ولا ثياباً ولا طعاماً، وإنما من الأعمال الصالحة التي هي أعز شيءٍ عليه في ذلك الوقت، ولكن إن كنت تعرفه انصحه، وقل له: اتق الله عز وجل، وأعطي الأجير أجره. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 12 حكم بناء القبور وتجصيصها والكتابة عليها السؤال فضيلة الشيخ! شكل القبر هل هو أمر تعبدي ما يجوز التغيير فيه، والآن في بعض القبور عندنا في الكويت وضعوا عليها قطع رخام مرتفعة قليلاً وبعضهم يكتب عليها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] ثم يكتب الاسم: هذا قبر فلان أو فلانة، فهل نحن مأمورون بالتعبد في هيئة القبر بحيث يكون فقط الرمل وبدون ارتفاع؟ الجواب ما ذكرت من أنه يوضع الرخام على القبر، ويكتب عليه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-30] وكذلك أيضاً اسم الرجل أو المرأة وربما تاريخ وفاته، هذا منكرٌ وحرام، وتجب إزالته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يبنى على القبر، أو يكتب عليه، أو يجلس عليه، أو يجصص) وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه -أي: جعله مثل القبور الأخرى- فيجب على هؤلاء القوم أن يزيلوا ما وضعوا من الرخام، بلغهم عني، وقل: إن العلماء يقولون: الميت يتأذى بالمنكر إذا فعل عند قبره، وهذا منكر، ومقتضى قول العلماء هذا أن صاحبهم -صاحب القبر- الآن يتأذى بما وضع عليه، بادر بهذا، وقل: يجب إزالته، فإن فعلوا فهو من نعمة الله عليهم وعلى ميتهم، وإن لم يفعلوا فالواجب على المسئول عن المقبرة أن يزيل ذلك، ارفعوا إلى المسئول عن المقابر ويزيل هذا. ثم ما الذي أدراهم أنها نفسٌ مطمئنة يقال: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ما يدري؟! هل كل واحد يعلم أن هذا الرجل مات على التوحيد والإيمان؟ إنما نحن علينا الظاهر أنه مات، لكن أمور الآخرة ما ندري عنها. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 13 حكم الأكل من مال الأب إذا كان حراما ً السؤال فضيلة الشيخ! رجلٌ علم أن مصدر أموال أبيه من الحرام، فهل يأكل من طعام أبيه؟ وإذا لم يأكل من طعام أبيه فهل يكون ذلك من العقوق؟ الجواب الرجل الذي علم أن مال أبيه من الحرام إن كان حراماً بعينه، بمعنى: أنه يعلم أن أباه سرق هذا المال من شخص فلا يجوز أن يأكله، لو علمت أن أباك سرق هذه الشاة وذبحها فلا تأكل، ولا تجب دعوته، أما إذا كان الحرام من كسبه يعني: أنه هو يرابي أو يعامل بالغش أو ما يشابه ذلك فكل، والإثم عليه هو، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكل من مال اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت، أهدت إليه يهودية شاةً في خيبر مسمومة ليموت ولكن الله عصمه من ذلك إلى أجلٍ مسمى. دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه وأكل، اشترى من يهودي طعاماً لأهله وأكله هو وأهله، فليأكل والإثم على والده. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 14 حكم من صلى ومعه صور السؤال ما حكم صلاة من صلى ومعه صور؟ الجواب من صلى ومعه صور نقول: هذه الصور ما الذي جعله يحملها، إذا كانت الصور التي لا يجوز اقتناؤها فإنه يجب عليه إحراقها ولا يجوز أن يحملها معه، وإن كانت صوراً لابد من حملها معه كالصور التي تكون في النقود أو صور التابعية أو الرخصة فلا حرج عليه في هذا؛ لأنه مضطرٌ إلى ذلك. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 15 حكم امرأة توفيت ولها بنين وبنات وكيفية توجيه ثلث تركة الميت السؤال فضيلة الشيخ! امرأة توفيت ولها بنت ولها أبناء ابن من بنين وبنات وتركت مبلغاً من المال، ما الطريقة الشرعية في توزيع هذا الإرث؟ وما الطريقة الأفضل من الناحية الشرعية التي يمكن أن يوجه إليها ثلث تركة الميت؟ الجواب أولاً: هذا الذي توفي هل له أب وأم أو ليس له وارث إلا هؤلاء؟ السائل: لا ما له وارث إلا هؤلاء. الشيخ: نقول: للبنت النصف، ولأبناء الابن وبنات الابن الباقي تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين، أما الثلث فإن كان الميت قد أوصى به فإنه ينفذ حسب وصيته إلا أن يوصي بشيءٍ محرم فإنه لا ينفذ، وأما إذا لم يوص فليس بفرض أن نجعلها ثلثاً من التركة. وأما إذا أوصى بثلث ولم يحدد فإن للوصي أن يجعله فيما يراه أفضل، من بناء المساجد، وإصلاح الطرق، والإنفاق على طلبة العلم، والإنفاق في طبع الكتب، وما أشبه ذلك. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 16 عدم جواز احتساب بعض الدين الذي عند الناس من الزكاة السؤال أقرضت شخصاً وهذا الشخص معسراً فهل أجعل هذا القرض من الزكاة؟ الجواب لا يجوز أن يسقط الإنسان الدَّين عن الفقير وينويه من الزكاة؛ لقول الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] كما أنه لا يجوز أن يقضى دين الميت من الزكاة. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 17 مراجعة المطلقة يكون بألفاظ صريحة السؤال فضيلة الشيخ: هل الكناية في الرجعة في الطلقة الثانية أو الأولى رجعة كأن يقول: هي في ذمتي، أو لن أتركها لأحد حتى لو اجتمع أهل الأرض، أو مثل ذلك يا فضيلة الشيخ؟ الجواب لا، قوله: هي في ذمتي. ليست برجعة؛ لأنها هي في ذمته، الرجعية في ذمة الزوج؛ لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة:228] وأما قوله: لن أتركها لأحد. فهذه أيضاً ليست برجعة، ولكنه وعدٌ بأنه سيراجعها، والذي يجب على الإنسان أن يجعل عقوده وفسوخه صريحة بيَّنة حتى لا يقع التباس عليه، أو على القاضي وعلى المفتي، ويكون صريحاً، نعم ربما لو جيء بالرجل وسئل ما معنى قولك: هي في ذمتي؟ قال: معناه إني مراجع. فهذا قد نقول: إنه يحكم له بالرجعة لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى. ) . السائل: البينونة الصغرى والكبرى في الطلاق هل هناك فرق بينهما؟ الشيخ: البينونة الصغرى هي التي تحل لزوجها بعقدٍ جديد، والكبرى هي التي لا تحل له إلا بعد زوج وليست بينونة الطلقتين، لكن لو طلقها على عوض فهذه بينونة صغرى، ولو طلقها ثلاث مرات: طلقة ثم راجع، طلقة ثم راجع، طلقة فهذه بينونة كبرى. وسواءً انتهت العدة أو ما انتهت ما له رجعة عليها إلا بعد زوج، بالبينونة الكبرى، لا يمكن أن يتزوجها إلا بعد زوج، في البينونة الصغرى يمكن أن يتزوجها بعقد سواءً انقطعت العدة أم لم تنقطع، حتى لو كانت في عدتها لا يتزوجها إلا بعقد، يعني: لو طلق على عوض ولو على درهم واحد ما عاد يمكن يراجع إلا بعقد، ولهذا لو قالت المرأة لزوجها: يا فلان! طلقني، وتعرف أنه سيطلق، لكن تخشى إن طلق أن يراجع، فقالت: أنت رجل فقير ومحتاج طلقني على مائة ريال، فقال: طلقتك على مائة ريال، الآن ما يراجعها إلا بعقدٍ جديد ورضاها ومهر وولي؛ لأنه كان طلاقاً على عوض. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 18 حكم استعمال العطورات التي فيها كحول السؤال توجد طائفة تحرم بعض العطورات والطيب بحجة أن فيه بعض الكحول، وأن هذا الخمر قد جعله بعض العلماء من النجاسة، هل هذا صحيح؟ الجواب أولاً: لابد أن نعلم ما نسبة الكحول قد تكون قليلة كـ (5%) أو (10%) هذا ما يضر؛ لأن هذا لا يؤثر، فإذا كانت النسبة كبيرة كـ (50%) أو أكثر نظرنا، أما من جهة أنه نجس فليس بنجس، لا ينجس الثياب ولا الأبدان ولا الفرش لو انصب عليه، هو طاهر؛ لأنه لا يوجد دليل على نجاسة الخمر، الأصل الذي يزبد ويسكر ليس فيه دليل على نجاسته، بل الدليل على أنه طاهر، وأنه لو أصاب الثياب أو الأبدان أو الفرش لم يجب غسله. بالنسبة لاستعماله -أي: استعمال هذه الأشياء التي فيها الكحول عالية النسبة- إن كان شرباً فلا شك في تحريمه؛ لأنه سيسكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وإن كان غير الشرب كالادهان به والتطيب به، فالورع اجتنابه لا شك، لكننا لا نقول: إنه حرام؛ لأن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] بيَّن الله تعالى العلة في الأمر باجتنابه بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:91] وهذا لا يكون إلا إذا شربه الإنسان، لكن تجنبه أولى، والحمد لله سوى هذا كثيرة. بقي أن يقال: إذا احتاج الإنسان إلى تعقيم الجروح مثلاً، هل يجوز أو لا؟ نقول: نعم يجوز، وذلك لأننا لا نقطع بالتحريم، وإذا لم نقطع بالتحريم صارت الحاجة تبيح ما اشتبه فيه. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 19 حكم الائتمام بالمأموم وجعل الإمام مؤتما ً السؤال رجلٌ ائتم بآخر فدخل ثالث فسحب الإمام وقدم المأموم وائتم به، فما صحة فعل هذا؟ الجواب على كل حال إن شاء الله السؤال صحيح؛ لأنه يجوز أن يكون الإمام مأموماً، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج من بيته، وإذا بـ أبي بكر يصلي بالناس إماماً، فتقدم وجلس على يسار أبي بكر، فصار أبو بكر بعد أن كان إماماً مأموماً، فلا بأس، لكن هذه مسألة غريبة من غرائب الدنيا، على كل حال -إن شاء الله- صلاتهم صحيحة. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 20 زكاة المال الذي مضى عليه سنوات ولم تخرج زكاته السؤال امرأة ساهمت مساهمة تجارية قبل عشر سنوات، ثم بعد هذه العشر احتاجت إلى مالها وطلبت، فأعطيت وقيل لها: أنها ما أخرجت الزكاة. فهي الآن تجمع المال كله مرة واحدة وتخرج الزكاة عن كل سنة، مع العلم أن كل سنة لا تعلم به، فكيف تخرجه؟ الجواب إذا مضى على هذه المساهمة سنوات وهي لم تخرج الزكاة يجب أن ترجع إلى إدارة الشركة، وتقول: أحصوا لي مقدار مساهمي أول سنة وثاني سنة وثالث سنة وتخرج عن كل سنة ربع العشر. ثلاث سنوات أو أكثر، تسأل إدارة الشركة؛ لأن الشركة لها وقت تصفي فيه الحساب. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 21 حكم زيارة المرأة للرجل الأجنبي عنها مع محرمها السؤال فضيلة الشيخ! امرأة زارت رجلاً أجنبياً عنها مريضاً مع محرمها، هل هذا جائز؟ الجواب لماذا تزوره؟ أنا أرى أن هذا غلط منها، تزور رجلاً أجنبياً ليس بينها وبينه صلة، لا شك أن هذا غلط منها، أما لو كان هذا الرجل أجنبياً من أقاربها كامرأة مثلاً لها ابن عم كبير السن ومريض وبينهم ارتباط وتزاور وذهبت لعيادته مع محرم، فهذا ربما يقال: لا بأس به، أو كان جاراً لها وهو كبير السن وذهبت مع محرمها إليه لتعوده، هذا لا بأس به. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 22 حكم صبغ الشعر الأبيض بالسواد السؤال شاب ظهر على شعره بياض فأراد أن يصبغ شعره بالسواد فما الحكم؟ الجواب هذا تدليس، رجل يريد أن يتزوج وفي رأسه بياض وهو شاب فهذا مدلس، لكن نقول: من الأفضل أن تصبغ هذا الشعر بلونٍ ليس أسود، بلونٍ بني، بأن يخلط الحناء والكتم ويصبغ بهما رأسه، وحينئذٍ لا يبين الشيب، بل هذا من السنة أن يغير الإنسان شيبه بغير السواد، أما تغييره بالسواد فالصحيح أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر باجتناب السواد، وتوعد من يصبغ بالسواد بوعيدٍ شديد. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 23 المقصود بقوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان) السؤال فضيلة الشيخ قلتم: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن:6] أنه النجم في السماء، أليس المقصود به الشجر الصغير؟ الجواب لا. غلط، هذا وإن فسره صاحب تفسير الجلالين بذلك فهو غلط، أي: الشجر يعم الصغير والكبير، ثم الجمع بين النجم والشجر موجود في القرآن: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ} [الحج:18] فالمراد بالنجم هنا النجوم. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 24 حكم الجلوس مع أناس لا يصلون الجماعة السؤال أناس ما يشهدون الجماعة إلا نادراً في أوقات محددة، ما حكم الاجتماع بهم، هل الإنسان يأثم إذا اجتمع معهم يعني؟ الجواب لا، أبداً! بل يجتمع مع أهل المسجد الذين يواظبون على الصلاة والذين يواظبون وفي هذا وسيلة إلى نصح هؤلاء الذين لا يواظبون حتى يواظبوا؛ لأنهم لو منعوا من الحضور ما ازدادوا إلا عداوة وبغضاء، والإنسان يجب عليه أن يلاحظ المستقبل؛ لأن بعض الناس يكون عندهم غيرة، فيكرهون صاحب المعصية وينابذونه ويهاجرونه ولا يدرون ما يترتب على هذا، فالواجب على من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يرى العاقبة، ولكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكبر أسوة لنا، قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ} [الأنعام:108] مع أن سب آلهة المشركين واجب، لكن نهي عنه خوفاً من أن يسبوا الله، والنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن هدم الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم؛ لأن الناس كانوا حديث عهدٍ بالكفر؛ فخاف أن يفتتنوا، بل إنه علَّم معاذاً بحق الله على العباد، وحق العباد على الله، وأن حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، فقال: (ألا أخبر الناس؟ قال: لا تخبرهم) فأمره أن يكتم العلم خوفاً من أن يتكلوا على هذا، ولا يفهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالواجب أن الإنسان ينظر إلى العواقب، هل مثلاً إذا منعنا هؤلاء من حضورهم وهجرناهم هل يقبلون على المسجد؟ أو المتوقع خلاف ذلك؟ المتوقع خلاف ذلك لا شك، فنقول: أحضروهم وإذا غاب أحدهم قل له: لماذا غبت اليوم؟ حتى تأتلف القلوب ويحصل المقصود إن شاء الله تعالى. السائل: مثلاً بالمجلس كلام قال الله قال الرسول، وكذلك أوصيه بتوزيع أشرطة -يا شيخ- وكتيبات، لكن ما ترى إلا الإعراض يا شيخ! يعني: حتى تخرج من المسجد وهم موجودين في البيت يا شيخ! بل البعض منهم. الشيخ: لا تيئس، لا تيئس، نوح عليه الصلاة والسلام كم بقي في قومه؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كم بقي؟ ثلاث عشرة سنة يدعو الناس وفي النهاية ألجئوه إلى أن يهاجر، لا تيئس يا أخي! ثم ظهر من أهل مكة هؤلاء من يعبد الله عز وجل، ولما جاءه ملك الجبال يستأذنه أو يستأمره أن يطبق الأخشبين عليهم، قال: (لا، إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به) كيف النظر البعيد. فرأيي أن هؤلاء يدعون إذا فقدوا، ويتقبلون إذا وجدوا، ويرغبون في الخير، وائتلاف القلوب -يا إخواني- له شأنٌ عظيم في الشريعة الإسلامية، وليس بهين. نسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والسلام عليكم جميعاً. الجزء: 188 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [189] نعم الله على الخلق من الإنس والجن تترى، ويظهر ذلك جلياً من خلال تفسير أوائل سورة الرحمن، والتي زخرت بكثير من الآلاء والنعم في السماء والأرض في البر والبحر، وقد كان للشيخ وقفة مباركة عند تفسير تلك الآيات وإماطة اللثام عن بعض الإشكالات التي قد تطرأ على ذهن قارئ القرآن. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والثمانون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم في كل يوم خميس من كل أسبوع، هذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر جمادى الآخرة عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير كلام الله عز وجل الذي أنزله الله سبحانه وتعالى لنتدبر آياته وليتذكر أولو الألباب. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والأرض وضعها للأنام) يقول الله تبارك وتعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن:10] أي: أن من نعم الله عز وجل أن وضع الأرض للأنام، أي: للخلق. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) قال تعالى: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:11-13] وضع الله الأرض للأنام، أي: أنزلها بالنسبة للسماء، والأنام هم الخلق، ففيها الإنس وفيها الجن، وفيها الملائكة تنزل بأمر الله عز وجل من السماء وإن كان مقر الملائكة في السماء، لكن ينزلون إلى الأرض مثل الملكين اللذين عن اليمين وعن الشمال قاعدين، والملائكة الذين يحفظون من أمر الله المعقبات، والملائكة الذين ينزلون في ليلة القدر، وغير ذلك. (فيها فاكهة) أي: في الأرض فاكهة، أي: ثمار يتفكه بها الناس، وأنواع الفاكهة كثيرة كالعنب والرمان والتفاح والبرتقال وغيرها. (والنخل ذات الأكمام) نص على النخل؛ لأن ثمرتها أفضل الثمار، فهي حلوى وغذاء وفاكهة، وشجرتها من أبرك الأشجار وأنفعها، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه المؤمن بالنخلة، فقال: (إن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن) فخاض الصحابة في الشجر حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها النخلة. وقوله: (ذات الأكمام) جمع كم، وهو غلاف الثمرة، فإن ثمرة النخل أول ما تخرج يكون عليها (كم) قوي، ثم تنمو في ذلك الكم حتى يتفطر وتخرج الثمرة. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والحب ذو العصف والريحان) قال تعالى: {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرحمن:12] الحب: أي الذي يؤكل من الحنطة والذرة والدخن والرز وغير ذلك، وقوله: (ذو العصف) أي: ما يحصل من ساقه عند يبسه وهو ما يعرف بالتبن؛ لأنه يعصف، أي: تطأه البهائم بأقدامها حتى ينعصف، (والريحان) هذا الشجر ذو الرائحة الطيبة، فذكر الله في الأرض الفواكه والنخل والحب والريحان؛ لأن كل واحد من هذه الأربع له اختصاص يختص به، وكل ذلك من أجل مصلحة العباد ومنفعتهم. (فبأي آلاء ربكما تكذبان) الخطاب للجن والإنس، والاستفهام للإنكار، أي: إي نعمة تكذبون بها. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14-15] (خلق الإنسان) أي: جنسه، (من صلصال) أي: الطين اليابس الذي له صلصلة، أي: صوت عندما تنقره بظفرك يكون له صوت (كالفخار) هو الطين المشوي، وهذا باعتبار خلق آدم عليه السلام، فإن الله خلقه من تراب من طين من صلصال كالفخار من حمأٍ مسنون، كل هذه أوصاف للتراب ينتقل من كونه تراباً، إلى كونه طيناً، إلى كونه حمأً، إلى كونه صلصال، إلى كونه كالفخار، حتى إذا استتم نفخ الله فيه من روحه فصار آدمياً. (وخلق الجان) وهم الجن (من مارج من نار) المارج: المختلط الذي يكون في اللهب إذا ارتفع صار مختلطاً بالدخان، فيكون له لونٌ بين الحمرة والصفرة فهذا هو المارج من نار. وأيهما خلق أولاً؟ الجان خلق قبل الإنس، ولهذا قال إبليس لله عز وجل: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] . قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:16] أي: بإي نعمة من نعم الله تكذبون، حيث خلق الله عز وجل الإنسان من هذه المادة، والجن من هذه المادة، وأيهما خير، التراب أم النار؟ التراب خير لا شك فيه، ومن أراد أن يطلع على ذلك فليرجع إلى كلام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين) {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17] (رب) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو رب المشرقين ورب المغربين، أي: أنه مالكهما، ومدبرهما، فما من شيءٍ يشرق ولا يغرب إلا بإذن الله، وما من شيءٍ يحوزه المشرق والمغرب إلا لله عز وجل، وثنى المشرق هنا باعتبار مشرق الشتاء ومشرق الصيف؛ لأنه يختلف، فالشمس في الشتاء تشرق من أقصى الجنوب، وفي الصيف بالعكس، القمر في الشهر الواحد يشرق من أقصى الجنوب ومن أقصى الشمال، وفي آيةٍ أخرى قال الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج:40] فجمعها، وفي آيةٍ ثالثة: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:9] فكيف نجمع بين هذا؟ نقول: أما التثنية فباعتبار مشرقي الشتاء والصيف (المشارق) الجمع باعتبار مشرق كل يوم ومغربه؛ لأن الشمس كل يوم تشرق من غير مكانها الذي أشرقت منه بالأمس، وكذلك الغروب، أو باعتبار الشارقات والغاربات؛ لأنها تشمل الشمس والقمر والنجوم وهذه لا يحصيها إلا الله عز وجل، فصار الجمع باعتبار مشرق لكل يوم ومغربه؛ لأن كل يوم يختلف عن اليوم الآخر في الشروق والغروب، أو باعتبار الشارقات والغاربات لأنها كثيرة، الشمس والقمر والنجوم التي لا يحصيها إلا الله عز وجل. أما قوله: (رب المشرق والمغرب) فباعتبار الناحية؛ لأن النواحي أربع: مشرق ومغرب وشمال وجنوب والتثنية باعتبار مغربي الشتاء والصيف، ومشرقي الشتاء والصيف، والجمع إما باعتبار مشرق الشمس كل يوم ومغربها كل يوم، وهذا يختلف، ولا يخفى عليكم الآن كيف تجدون الشمس يتغير طلوعها وغروبها كل يوم، لا سيما عند تساوي الليل والنهار، تجد الفرق دقيقة أو دقيقة ونصف بين غروبها أمس واليوم، أو باعتبار الشارق والغارب، والشارقات والغاربات كثيرات لا يحصيها إلا الله عز وجل، الإفراد باعتبار الجهة؛ لأن الجهات أربع: مشرق ومغرب وشمال وجنوب. قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:18] أي: بأي شيءٍ من نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس؟ فما جوابنا على هذه الاستفهامات في هذه الآيات كلها؟ جوابنا: ألا نكذب بشيءٍ من آلاءك يا ربنا، ولهذا ورد حديث في إسناده ضعف: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلاها على الصحابة، كانوا يستمعون إلى قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يردون شيئاً، فقال كلمة معناها: إن الجن خيرٌ رداً منكم، فإنهم كانوا كلما قرءوا آية قالوا: لا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذِّب) لكن هذا الحديث ضعيف، إنما يذكره المفسرون هنا. ما هي النعم والآلاء في المشرقين والمغربين؟ انتبهوا! كل آية أعقبت: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فهي تتضمن نعماً عظيمة، فما النعم التي يتضمنها اختلاف المشرق والمغرب؟ النعم التي يترتب على ذلك من مصالح الخلق، صيف وشتاء، ربيع وخريف، وغير ذلك مما لا نعلمه، فهي نعمٌ عظيمة باختلاف المشرق والمغرب. ثم قال سبحانه وتعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن:19] (مرج) بمعنى: أرسل، (البحرين) أي: المالح والعذب، (يلتقيان) يلتقي بعضهما ببعض، البحر مالح، هذه البحار العظيمة: البحر الأحمر، البحر الأبيض، البحر الأطلسي، هذه البحار جعلها الله تبارك وتعالى مالحة؛ لأنها لو كانت عذبة لفسد الهواء وأنتن، لكن الملح يمنع الإنتان والفساد، البحر الآخر العذب هو الأنهار، وهي التي تأتي إما من كثرة الأمطار، وإما من ثلوجٍ تذوب وتسيح في الأرض، المهم أن الله سبحانه وتعالى أرسلهما بحكمته وقدرته، حيث شاء الله عز وجل، (يلتقيان) أي: يلتقي بعضهما ببعض، عند مصب النهر في البحر فيمتزج بعضهما ببعض، لكن حين سيرهما أو حين انفرادهما يقول الله عز وجل: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:20] (البرزخ) هو اليابس من الأرض، (لا يبغيان) أي: لا يبغي أحدهما على الآخر، ولو شاء الله تعالى لسلط البحار ولفاضت على الأرض وأغرقتها؛ لأن البحر الآن عندما تقف على الساحل هل تجد جداراً يمنع انسيابه إلى اليابس؟ لا تجد، مع أن الأرض كروية، ومع ذلك لا يسيح البحر لا هاهنا ولا هاهنا بقدرة الله عز وجل، ولو شاء الله سبحانه وتعالى لساحت مياه البحار على اليابس من الأرض ودمرتها. إذاً البرزخ الذي بينهما هو اليابس من الأرض، هذا قول علماء الجغرافيا، ولا يؤمنون بقولٍ آخر. وقال بعض أهل العلم: بل البرزخ أمرٌ معنوي يحول بين المالح والعذب أن يختلط بعضهما ببعض. وقالوا: إنه يوجد الآن في عمق البحار عيونٌ عذبة تنبع من الأرض، حتى إن الغواصين يغوصون إليها ويشربون منها كأعذب ماء، ومع ذلك لا تفسدها مياه البحار، فإذا ثبت هذا فلا مانع من أن نقول بقول علماء الجغرافيا وقول علماء التفسير، والله على كل شيءٍ قدير. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:22] أي: من البحرين العذب والمالح (اللؤلؤ والمرجان) وهو قطعٌ من اللؤلؤ الأحمر جميل الشكل واللون، مع أنها مياه، وقوله تعالى: (منهما) أضاف الخروج إلى البحرين العذب والمالح، وقد قيل: إن اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح، ولا يخرج من العذب، والذين قالوا بهذا اضطربوا في معنى الآية: كيف يقول الله: (منهما) وهو من أحدهما؟ فأجابوا: بأن هذا من باب التغليب، أن يغلب أحد الجانبين على الآخر مثلما يقال: العمران لـ أبي بكر وعمر، ويقال: القمران للشمس والقمر، فهذا من باب التغليب، والمراد من واحدٍ منهما. وقال بعضهم: بل هذا على حذف مضاف والتقدير (منهما) أي: من أحدهما. وهناك قولٌ ثالث: أن تبقى الآية على ظاهرها لا تغليب ولا حذف، ويقول: (منهما) أي: منهما جميعاً اللؤلؤ والمرجان وإن امتاز المالح بأنه أكثر وأطيب. فبأي هذه الأقوال الثلاثة نأخذ؟ نأخذ بما يوافق ظاهر القرآن، وهذه قاعدة يجب أن تفهموها، فالله عز وجل يقول: (يخرج منهما) فمن خالقهما وهو يعلم ماذا يخرج منهما، فإذا كانت الآية ظاهرها: أن اللؤلؤ والمرجان يخرج منهما جميعاً وجب الأخذ بظاهره، لكن لا شك أن المالح أكثر وأطيب، لكن لا يمنع أن نقول بظاهر الآية، بل يتعين أن نقول بظاهر الآية، وهذه قاعدة في القرآن والسنة: أننا نحمل الشيء على ظاهره ولا نؤول، اللهم إلا إذا كان هناك ضرورة لا بد أن نسير على ما تقتضيه الضرورة، أما بدون ضرورة فيجب أن نحمل القرآن والسنة على ظاهرهما. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:21] لأن ما في هذه البحار وما يحصل من المنافع العظيمة فيهما نعمٌ كثيرة لا يمكن للإنسان أن ينكرها أبداً. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 189 ¦ الصفحة: 9 سر وجود الملائكة السؤال هل الملائكة فيهم سر وجود؟ الجواب هذا السؤال لا ينبغي؛ لأن فيه تعمقاً وتنطعاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) وسنأتيك يا أخي بقاعدة: أمور الغيب لا تسأل عنها، اقتصر على ما سمعت وما بلغك من الوحي واترك الباقي. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 10 الذكور والإناث في الملائكة السؤال هل الملائكة فيهم ذكور وإناث أم ذكور فقط، أم إناث فقط؟ الجواب هناك قاعدة للمؤمن الذي يريد أن يرتاح ويريح، ويتأدب مع الله ورسوله ألا يسأل عن شيء من أمور الغيب، نؤمن بها كما جاءت، ولذلك لو كان هذا السؤال فيه خير لكان أول من يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم، وإن شاء الله سؤالك جيد؛ لأننا استفدنا هذه النصيحة، إن أمور الغيب لا تسأل عنها، لما قال رجلٌ للإمام مالك بن أنس رحمه الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] غضب، كيف تسأل كيف استوى؟ وقال له: ما أراك إلا مبتدعاً، وأمر به أن يخرج من مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام من المسجد النبوي. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 11 شرح حديث (بعث النار) السؤال هل ورد حديث أن الله عز وجل قال: (يا آدم! أخرج بعثك من النار، قال: وما بعثي من النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعين) وهل وردت رواية: أن من كل مائة تسعة وتسعين؟ الجواب لا، هذا الحديث الذي ذكره أن الله تعالى يقول يوم القيامة لآدم: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) كلهم في النار إلا واحد من الألف، فلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا عظم ذلك على الصحابة: (قالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟) واحد من ألف في الجنة والباقي في النار، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أبشروا! فإنكم في أمتين ما كانتا في شيءٍ إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحد ومنهم ألف، فكبر الصحابة وفرحوا فرحاً عظيماً) أما من كل مائة تسعة وتسعون فهذا غلط، ولا يصح. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 12 حكم من ركع والإمام ساجد سجود التلاوة لعدم العلم بذلك السؤال والدتي تصلي التراويح مع الإمام، فالإمام قرأ آية فيها سجود، والوالدة لا تراه لأنها تكون في الخلوة فهي تركع لأنها تظن أنه ركع ولا تدري إلا إذا قام الإمام قال: الله أكبر، فماذا تفعل؟ الجواب تستمر معه ولا تسجد؛ لأن هذا سجود تلاوة وليس داخل الصلاة، لكن إذا كانت ترى النساء التي حولها فعليها أن تسجد. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 13 حكم تكفير الرافضة عموما ً السؤال هل يكفر عامة الرافضة؟ الجواب أهل البدع ليسوا على قولٍ واحد، فهم يختلفون اختلافاً كثيراً، منهم من يكفر، ومنهم من هو دون ذلك، ومنهم العامي الذي لا يدري عن شيء، فلا يمكن الحكم عليهم بحكمٍ عام حتى ينظر في كل شخصٍ بعينه، وهكذا المعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل البدع. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 14 حكم السلام على أهل المقابر عند المرور بجانب السور السؤال ما حكم السلام على أهل المقابر عند المرور من عند سور المقبرة؟ الجواب قال العلماء رحمهم الله: إنه يسن السلام على أهل المقابر سواءً مررت أو وقفت، لكن كونك تقف وتدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرٌ من أنك تمر، لا سيما أن مرور الناس الآن بالسيارات في الغالب يكون سريعاً، فلا يكمل الإنسان ربع الذكر إلا وقد تعدى المقبرة. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 15 خصوصية إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد السؤال لماذا خص إبراهيم عليه السلام بدعوة التوحيد مع أن جميع الأنبياء دعوا إلى التوحيد؟ الجواب كل الأنبياء جاءوا بالتوحيد، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] لكن إبراهيم أبو العرب وأبو الإسرائيليين، وهو يدعو إلى التوحيد الخالص، واليهود والنصارى ادعوا أنهم أتباعه، والمسلمون هم أتباعه، فكان هو عليه الصلاة والسلام قد خص بأنه أبو الأنبياء، وأنه صاحب الحنيفية وأمرنا باتباعه؛ لأننا نحن أولى بإبراهيم، كما قال عز وجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:68] وقال رداً على اليهود والنصارى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67] . الجزء: 189 ¦ الصفحة: 16 حكم إعطاء الحجام مالاً على الحجامة السؤال ما حكم إعطاء الحجام مالاً على الحجامة؟ الجواب لا بأس أن تعطي الحجام أجرته، كما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [إن أجرة الحجام ليست حراماً، ولو كانت حراماً ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الحجام أجرته] وصدق رضي الله عنه، لكن كسب الحجام خبيث -بمعنى: أنه رديء- لأنه ينبغي للحجام أن يتطوع ويتبرع؛ لأن في هذا إنقاذاً لإخوانه من الضرر والهلكة، فكونه يأخذ على هذا أجراً نقول: إن هذا الأجر رديء وليس حراماً، وهل يطلق الخبيث على الرديء وهو حلال؟ نعم، قال الله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا} [البقرة:267] . الجزء: 189 ¦ الصفحة: 17 حكم العمل كمحامٍ خاص أو عام السؤال عندنا في الكويت المحامي إما أن يكون خاصاً أو عاماً، والمحامي الخاص هو الذي يشتغل عادةً لحساب الدولة، ويقوم في الدفاع عن حقوق الدولة، ومن هذه الحقوق ما قد يختلج في النفس من حيث الحلال والحرام، فمثلاً من حيث متابعة الباعة المتجولين التي تحرم الدولة هذا النوع من التجارة، فهو يقوم بدور الشخص الذي يدافع عن الدولة تجاه الشخص الذي يشتغل بالتجارة، ولكن حرمتها السلطة. أما المحامي العام فهو يشتغل في كل الأنواع، فنرجو البيان فيما يتعلق بالمحامي الخاص والمحامي العام من حيث الشريعة؟ الجواب على كل حال المحامي معناه: المدافع الذي يحمي الحقوق، إذا كان بحق فلا بأس، أي: إذا كان هناك شخص له حق على آخر، ويعلم أنه محق، لكنه لا يستطيع أن يعبر، فوكل شخصاً آخر أقوى منه في العبارة ليدافع عنه، فهذا لا بأس به، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه فإنما أقتطع له جمرةً من النار، فليستقل أو يستكثر) . أما المحامي الذي يريد أن ينتصر لمن وكله بحق أو بباطل، فهذا لا يجوز. وأما التجول للبيع والشراء في بلدٍ تمنع الحكومة من ذلك، فأرى أنه لا يجوز أن يتجول ويبيع ويشتري؛ لأن السلطان له أن يأمر وينهى بما لا يخالف الشرع، ويرى أن من مصلحة التجارة ألا تكون فوضى ومنعاً من التجول، أو من التسوق في التجول، فلا حرج؛ لأننا لو قلنا: إن الإنسان يكون حراً في كل شيء، لا يمتثل لأمر الحكومة ولا يلتفت له لكان فوضى، بقي علينا أن نقول: على الحكومة أن تنظر في الموضوع، وألا تظلم أحداً، فإذا رأت مثلاً أن أصحاب الدكاكين يحتكرون السلع ويبيعونها بأكثر من ثمنها وأن المتجولين يبيعونها بأقل قطعاً؛ لأنهم ليس عليهم إيجارات ولا مسئولية، فيجب أن توفق بين هؤلاء وهؤلاء، فهنا نظران: النظر الأول: للحكومة، والثاني: للمتجول، المتجول لا يجوز أن يتجول والحكومة قد منعت من ذلك، والحكومة يجب عليها أن تنظر في أصحاب الدكاكين حتى لا يحتكرون السلع ويبيعونها بما شاءوا. لكن الشبه قد تقع على بعض المحامين باعتبار أنهم يمارسون هذه المهنة وهم يحتكمون إلى القوانين الوضعية، وهذا ليس بقانون وضعي، هذا قانون رأت الدولة أنه من المصلحة، وأما القوانين العامة فقد يحتاج أن ينظر الإنسان إلى كل قانون على حدة. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 18 حكم رد السلام على الجار المنتمي إلى الإسماعيلية السؤال لي جار من الطائفة الإسماعيلية يسلم عليَّ فهل لي أن أرد عليه السلام، وهل لي أن أسلم عليه أيضاً؟ الجواب نعم رد عليه السلام، عاملوهم بما يعاملونكم به، وادعوهم إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان مسئول عن الدعوة إلى الله عز وجل، والجار أحق بالدعوة إلى الله، فأنت ادعه إلى الله، إما أن تطلبه يزورك، أو تزوره أنت، وتدعوه إلى الله عز وجل، وتبين له الحق، والإنسان بفطرته مجبول على الحق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) . الجزء: 189 ¦ الصفحة: 19 حكم تحنيط الميت وإنزاله القبر بالتابوت السؤال هل يجوز تحنيط الميت وإنزاله القبر في تابوت، وهذا يحصل عند بعض البلاد الإسلامية؟ الجواب لا يجوز أن يحنط، الميت إذا مات انتقل إلى الدار الآخرة، فلا يمكن أنه يحاول أن يبقى بدنه، وما الفائدة من بقاء بدنه؟ وربما يحنط ليبقى بدنه ويسلط الله عليه دواب أو هوام في قبره ويأكله. أما إذا كان من أجل أن ينتقل إلى بلد آخر، وإذا ما حنط فإنه يتغير، فإن الأرض واحدة. أما إنزاله القبر في التابوت فإنه لا يجوز إلا لحاجة، مثل أن تكون الأرض كلها ماء، هذا لا بأس، أما بدون حاجة فلا. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 20 المقصود بقوله تعالى: (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها) السؤال ما المقصود بقوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25] ؟ الجواب المراد هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، فلا تفوت سنة من السنوات أو وقت من الأوقات يكون فيها ثمر إلا أتته، أي: تؤتي ثمرها الذي يؤكل كل حين من وقت الثمار، وليس معنى (كل حين) بالليل والنهار كل السنة، لا. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 21 هالك عن ثلاث بنات وابنين وزوجة ثم مات أحد الأبناء السؤال مات أب عن ثلاث بنات وابنين وزوجة، والزوجة لها ابن وبنت من زوج آخر، ثم لحق به ابنه ولم يوزع الورث، هل يسقط حق الورثة من أبناء الأم؟ الجواب أولاً: أبناء الزوجة من غير زوجها الذي مات ليس لهم دخل في الميراث، والميراث للأبناء الذين هم من صلبه، وابنه الذي مات إن كان له ورثة كأبناء وزوجة فميراثه لهم، وإن لم يكن له أبناء كان أولى الناس به إخوانه. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 22 حكم استجواب الطلاب لإدارة المدرسة من غير سبب السؤال بالنسبة لأحوال المدارس الآن وما يقع من الأخطاء السلوكية من الطلاب، فهل لإدارة المدرسة الحق في الجلوس مع طلاب لم تظهر منهم أي بوادر خطأ أو معصية، هل يجوز لهم الجلوس معهم والاستفسار عن أشياء لم تبدر أصلاً منهم، يعني: من باب التأكد أو البحث عن العناصر المفسدة بين الطلاب، مع أن هذا الطالب لم يظهر منه شيء، فهل يجوز أن أسأله عن أحواله، وماذا عنده، وماذا وراءه وماذا؟ الجواب لا بد أن يكون هناك قرينة قوية توجب تهمته، فحينئذٍ لا بأس أن نبحث، ولكن لا يكون هذا بين الطلاب؛ لأنه إذا كان بين الطلاب يخشى على هذا المسئول أن يكون بريئاً فيتهمه الطلاب، أما إذا لم يكن إلا كلام التلاميذ بعضهم ببعض فهذا لا يقبل، فالتلاميذ كلامهم مشكل، هم أقران، بعضهم يحسد بعض، يتكلم فيه وهو غير صادق، إذا لم يكن هناك قرين لا يستدعى، فهذا لا يجوز. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 23 حكم وصف المدينة النبوية بالمنورة السؤال ما حكم قول: المدينة المنورة، وما العلة في ذلك؟ الجواب المدينة المنورة هذا اسم حادث ما كان معروفاً عند السلف وهم يقولون: إنها منورة، أي: إنها استنارت بالدين الإسلامي؛ لأن الدين الإسلامي ينور البلاد، ولا أدري قد يكون أول من وضعها يعتقد أنها نورٌ إلى الآن، وأنها تنورت بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، ما ندري عن نيته، لكن خيرٌ من هذه التسمية أن نقول: المدينة النبوية أفضل من المدينة المنورة، وإن كان ليس بلازم أيضاً، لو قلت المدينة كفى، ولذا تجد عبارات السلف كلهم مثلاً: ذهب إلى المدينة، رجع من المدينة، سكن المدينة، والرسول يقول: (المدينة خيرٌ لهم) ولم يقل: المنورة ولا النبوية، لكن إذا كان لا بد من وصفها، فإن النبوية خيرٌ من المنورة؛ لأن تميزها بالنبوة أخص من تميزها بالمنورة، إذ أننا إذا قلنا: المنورة التي استنارت بالإسلام صار ذلك شاملاً لكل بلد إسلامي فهو منور بالإسلام، فإذا كان لا بد أن تصف بها بشيء فصفها بالنبوية. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 189 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [190] يتواصل حديث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الرحمن مبيناً فيها حقيقة عظم مخلوقات الله في هذا الكون ثم مآل هذا الكون حيث لا يبقى إلا وجه ربك سبحانه وتعالى، وفي خاتمة لقائه أجاب عن أسئلة متفرقة ومتنوعة. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التسعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم الثاني من شهر رجب من عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على آياتٍ من كتاب الله عز وجل، ابتدأنا بسورة (الرحمن علم القرآن) . الجزء: 190 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام) قال تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ} [الرحمن:24] و (له) أي: لله عز وجل ملكاً وتدبيراً وتيسيراً، (الجوار) بحذف الياء للتخفيف، وأصلها: الجواري جمع جارية، وهي السفينة تجري في البحر، كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} [لقمان:31] . (المنشآت) أي: التي أنشأها صانعوها ليسيروا عليها في البحر، وقالوا: (في البحر) متعلق بـ (الجوار) ، أي: الجواري في البحر، وليست فيما يظهر متعلقة بالمنشآت -أي: الجواري التي تنشأ في البحر- لأن السفن تصنع في البر أولاً ثم تنزل في البحر، وقوله: (كالأعلام) تشبيه، والأعلام جمع علم، وهو الجبل، كما قال الشاعر: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علمٌ في رأسه نار أي: كأنه جبل، ومن شاهد السفن في البحار رأى أن هذا التشبيه منطبقٌ تماماً عليها، فهي كالجبال تسير في البحر بأمر الله عز وجل، وإنما نص الله عليها؛ لأنها تحمل الأرزاق من جانبٍ إلى جانب، ولولا أن الله تعالى يسرها لكان في ذلك فواتح خيرٍ كثير للبلاد التي تنقل منها والبلاد التي تنقل إليها. وفي هذا العصر جعل الله تبارك وتعالى جواري أخرى لكنها تجري في الجو كما تجري هذه في البحر، وهي الطائرات، فهي منةٌ من الله عز وجل كمنته على عباده في جواري البحار، بل ربما نقول: إن السيارات أيضاً من جواري البر، فتكون الجواري ثلاثة أصناف: بحرية، وبرية، وجوية، وكلها من نعم الله عز وجل، ولهذا قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:25] أي: بإي نعمةٍ من نعم الله تكذبان، والخطاب للإنس والجن. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (كل من عليها فان) قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] (كل من عليها) أي: على الأرض (فانٍ) أي: داثر من الجن والإنس والحيوان والأشجار، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف:7-8] أي: خالية، وقال الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} [طه:105-106] أي: يذر الأرض قاعاً صفصفاً، أو يذر الجبال بعد أن كانت عالية شامخة (قاعاً) كالقيعان مساوية لغيرها صفصفاً {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:107] . الجزء: 190 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] أي: يبقى الله عز وجل ذو الوجه الكريم. وكان بعض السلف إذا قرأ هاتين الآيتين وصل بعضهما ببعض، قال: ليتبين بذلك كمال الخالق ونقص المخلوق؛ لأن المخلوق فان والرب باق، وهذه ملاحظة جيدة أن تقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] وهذا هو محط الحمد والثناء على الله عز وجل، أن تفنى الخلائق إلا الله عز وجل، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] فيه إثبات الوجه لله سبحانه وتعالى، ولكنه وجهٌ لا يشبه أوجه المخلوقين، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] أنت تؤمن بأن لله وجهاً، لكن يجب أن تؤمن بأنه لا يماثل أوجه المخلوقين بأي حالٍ من الأحوال، لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] . ولما ظن أهل التعطيل أن إثبات الوجه يستلزم التمثيل أنكروا أن يكون لله وجهاً، وقالوا: المراد بقوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) أي: ثوابه، أو أن كلمة (وجه) زائدة، وأن المعنى: (ويبقى ربك) ولكنهم ضلوا سواء السبيل، خرجوا عن ظاهر القرآن وحرفوه، وخرجوا عن طريق السلف الصالح، ونحن نقول: إن لله وجهاً -لإثباته في هذه الآية- لا يماثل أوجه المخلوقين لنفي المماثلة في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ) وبذلك نسلم، ونجري النصوص على ظاهرها المراد بها. وقوله: (ذو الجلال) أي: ذو العظمة (والإكرام) أي: إكرام من يطيع الله عز وجل، كما قال تعالى: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35] فإذاً الإكرام: أي أنه يكرم من يستحق الإكرام من خلقه، ويحتمل أن يكون لها معنىً آخر: وهو أنه يكرم من أهل العباد فيمن خلقه، فيكون الإكرام هذا المصدر صالحاً للمفعول والفاعل، فهو مُكِرم ومكَرم. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:28] وهذه الآية تكررت عدة مرات في هذه السورة، وبينا معناها: أنه بإي نعمة من نعم الله تكذبان يا معشر الجن والإنس، وهذا كالتحدي لهم؛ لأنه لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثل هذه النعم. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) ثم قال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الرحمن:29] (يسأله) أي: يسأل الله (من في السماوات والأرض) الذي في السماوات هم الملائكة يسألون الله عز وجل، ومن سؤالهم أنهم يستغفرون للذين آمنوا، يقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7] إلى آخره، ويسألهم من في الأرض من الخلائق، وسؤال أهل الأرض لله عز وجل على قسمين: القسم الأول: دعاء بلسان المقال، وهذا إنما يكون من المؤمنين، فالمؤمن يسأل ربه دائماً حاجاته؛ لأنه يعلم أنه لا يقضيها إلا الله عز وجل، وسؤال المؤمن ربه عبادة، سواءً حصل مقصودك أم لم يحصل، فإذا قلت: يا رب! أعطني كذا، فهذه عبادة، كما جاء في الحديث: (الدعاء عبادة) وقال تعالى شاهداً لهذا الحديث: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] فقال: (ادعوني) ثم قال: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) وهذا دليل على أن الدعاء عبادة، هذا دعاءٌ بلسان المقال. القسم الثاني: دعاءٌ بلسان الحال، وهو أن كل مخلوق مفتقر إلى الله، ينظر إلى رحمته، فالكفار مثلاً ينظرون إلى الغيث النازل من السماء، وإلى نبات الأرض، وإلى صحة الحيوان، وإلى كافة الأرزاق، وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يوجبوا ذلك في أنفسهم، فهم إذاً يسألون الله بلسان الحال، وذلك إذا مستهم الضراء واضطروا إلى سؤال الله بلسان المقال، سألوا الله بلسان المقال، {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان:32] إذاً: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرحمن:29] من الذي في السماوات؟ الملائكة، وضربنا لكم مثلاً من أسئلتهم، من في الأرض؟ الإنس والجن، والسؤال -أي: سؤال أهل الأرض- ينقسم إلى قسمين: بلسان المقال، ولسان الحال. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ومن يحصي الأيام؟ لا أحد إلا الله عز وجل، ومن يحصي الشئون التي تقع في الأيام؟ لا أحد إلا الله عز وجل. (كل يوم هو في شأن) يغني فقيراً ويفقر غنياً، يمرض صحيحاً ويشفي سقيماً، يؤمن خائفاً ويخوف آمناً وهلم جراً، كل يوم يفعل الله تعالى ذلك، وهذه الشئون التي تتبدل هل هي عبث، أو عن حكمة؟ عن حكمة لا شك، قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115] ، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] فنحن نؤمن أن الله لا يقدر قدراً إلا لحكمة، لكن قد نعلم هذه الحكمة وقد لا نعلمها، ولهذا قال: (كل يومٍ هو في شأن) . ولكن اعلم أيها المؤمن: أن الله تعالى لا يقدر لك قدراً إلا كان خيراً لك، إن أصابته ضراء صبر وانتظر الفرج، وقال: دوام الحال من المحال، فينتظر الفرج فيكون خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وليس هذا الشيء لأحد إلا للمؤمن. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:30] نقول فيها ما قلنا في الآيات السابقة أن المعنى: بإي نعمةٍ من نعم الله تكذبان؟ الجواب لا نكذب بأي شيءٍ من آيات الله ومن نعم الله، بل نقول: هي من عند الله فله الحمد وله الشكر. من نسب النعمة إلى غير الله هل هو مكذب؟ الجواب: نعم مكذب، وإن لم يقل: إنه مكذب، قال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] وهذه الآية يعنى بها، قولهم: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه على إثر مطرٍ كان، قال لهم بعد صلاة الصبح: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمنٌ بالكوكب) . الجزء: 190 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 190 ¦ الصفحة: 7 فضائل شهر رجب السؤال هل للعمرة في رجب أصل في السنة، وقول بعض الناس: العمرة الرجبية، وهل هي تفضل العمرة في رمضان أو دونها أو شيءٍ من ذلك؟ الجواب أقول أولاً: إن شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، هذه الأشهر كان تحريمها معروفاً حتى في الجاهلية، فكانوا في الجاهلية يحرمون فيها القتال، حتى إن الرجل ليجد قاتل أبيه في هذه الأشهر ولا يتعرض له، وجاءت في الشريعة الإسلامية بتأييد هذا، فحرم الله القتال في هذه الأشهر الأربعة، وإنما كانت قريش تحرم هذه الأشهر الأربعة؛ لأن الشهور الثلاثة للحج، ذو القعدة شهرٌ قبل الحج، والمحرم شهرٌ بعد الحج، وذو الحجة شهر الحج، فكانوا يحرمون القتال فيها ليأمن الناس الذاهبين إلى الحج والراجعين منه، وفي رجب كانوا يعتمرون ولذلك حرموه، لكن لم تأتِ السنة باستحباب الاعتمار في رجب، بل قال عمر رضي الله عنه: [إن ذلك كان شهراً يعتمر فيه أهل الجاهلية فأبطله الإسلام] أي: أبطل استحباب العمرة فيه، ومن السلف من كان يعتمر فيه حتى قال عبد الله بن عمر: [إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في شهر رجب] ولكن عائشة رضي الله عنها قالت: [إنك وهمت] وقالت: [إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتمر إلا في أشهر الحج] اعتمر في أشهر الحج أربع عمرات: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعمرة حجه، فسكت عبد الله بن عمر. وعلى هذا فنقول: إن ابن عمر رضي الله عنه وَهِمَ في كون الرسول عليه الصلاة والسلام اعتمر في رجب، لكن روي عن بعض السلف أنهم كانوا يعتمرون فيه، فمن اعتمر دون أن يعتقد أن ذلك سنة فلا بأس، وأما أن نقول: إنها من السنن التابعة للشهر فلا، ولم ترد العمرة في شهرٍ من الشهور إلا في أشهر الحج وفي شهر رمضان. ثانياً: بهذه المناسبة أود أن أقول للأخ السائل: هناك من يخص رجب بالصيام، فيصوم رجب كله وهذا بدعة وليس بسنة، حتى إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على أهله فوجدهم قد جمعوا كيزاناً للماء مستعدين للصيام في رجب، فكسر الكيزان وقال: [أتريدون أن تشبهوا رجب برمضان] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناس إذا رآهم صائمين حتى يضع أيديهم في الطعام في رجب، فليس للصوم في رجب فضيلة، بل هو كسائر الشهور، ومن كان يعتاد أن يصوم الإثنين والخميس استمر، ومن كان يعتاد أن يصوم أيام البيض استمر، وليس له صيامٌ مخصوص. ثالثاً: يوجد في بعض البلاد الإسلامية صلاةٌ في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء يسمونها صلاة الرغائب اثنتا عشر ركعة، وهذه أيضاً لا صحة لها، وحديثها موضوع مكذوب على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال شيخ الإسلام: إنه موضوع مكذوب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. إذاً لا صلاة مخصوصة في رجب، لا في أول ليلة جمعة منه، ولا في ليلة النصف منه، شهر رجب في الصلوات كغيره من الشهور. رابعاً: زيارة المسجد النبوي، يعتقد بعض الناس أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية، ويفدون إليه من كل جانب، ويسمون هذه الزيارة: الزيارة الرجبية، وهذه أيضاً بدعة لا أصل لها، ولم يتكلم فيها السابقون حتى من بعد القرون الثلاثة؛ لأن الظاهر أنها حدثت متأخرة جداً فهي بدعة، لكن من زار المدينة في رجب لا لأنه شهر رجب فلا حرج عليه، إنما أن يعتقد أن لزيارة المسجد النبوي في رجب مزية فقد أخطأ وضل، وهو من أهل البدع في هذه المسألة. خامساً: يعتقد كثيرٌ من الناس أن المعراج الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماوات كان في رجب في ليلة السابع والعشرين منه، وهذا غلط، هم يعتقدون أنه في ليلة السابع والعشرين ويحتفلون في تلك الليلة، وعليه فيكونون قد غلطوا من وجهين: الوجه الأول: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت ولم يقل أحد من العلماء السابقين: إنه كان في رجب، بل قالوا: إنه كان في ربيع الأول، وبعضهم قال: في رمضان، والصواب: أنه في ربيع الأول. الوجه الثاني: الاحتفال بها، لو فرض جدلاً أنها ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الاحتفال بها بدعة؛ لأنهم يحتفلون بها ويعتقدون ذلك ديناً وقربة إلى الله عز وجل، فهي من البدع ولا يجوز الاحتفال بها؛ لعدم صحتها من الناحية التاريخية، ولعدم مشروعيتها من الناحية التعبدية، ومن المؤسف جداً أن بعض المسلمين يحتفلون بهذه الليلة ويعطلون العمل في صباحها، وربما يحضر رؤساء الدول، وهذا من الغلط الذي عاش فيه المسلمون مدةً كثيرة. والواجب على طلبة العلم بعد أن استبانت السنة والحمد لله أن يبينوا للناس، والناس قريبون، إن كثيراً من هؤلاء لا يحتفلون بهذا الاحتفال إلا محبةً لله ولرسوله، وإذا كان هذا هو الحامل لهذا الاحتفال، فإنه بمجرد أن يبين لهم الحق، وهم قاصدون للحق حقيقة سيرجعون للحق. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 8 حكم من يؤذي المسجد برائحته السؤال هناك جماعة في المسجد تريد أن تطرد عمالاً يصلون معهم بحجة رائحة العرق الكريهة وأنهم يوسخون المسجد، والذي يدعوهم إلى هذا طالب علم هناك أفتاهم بأن يطردوهم بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم طرد الذي أكل البصل والثوم، فما رأيكم يا شيخ؟ الجواب إذا كانت الرائحة مؤذية لا تحتمل فهم يمنعون من دخول المسجد، ويؤمرون بأن يزيلوا هذه الرائحة بقدر الإمكان ويحضروا إلى المسجد، وليس معنى ذلك: أن نمنعهم من دخول المسجد ونقول: صلوا حيث شئتم! لأننا لو قلنا لهم هذا؛ لفتحنا لهم أبواب الكسل، لكن نقول: نمنعكم وفي الوقت التالي تنظفون أنفسكم وتحضرون، وبهذا يحصل المطلوب ويزول المكروه. أما إذا كانوا لا يستطيعون القدوم إلا هكذا فيقال لهم: صلوا جماعة في محلكم، ودعوا مساجد الناس للناس. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 9 العمال وتأخيرهم للصلاة السؤال أغلب العمال إذا جاءوا وفاتتهم الصلاة لا يصلون جماعة، كل واحد يصلي وحده وبعضهم يصلي مثلاً الظهر والعصر مع المغرب بعدما ينتهي؟ الجواب يعلمون، العلم دواء كل شيءٍ هؤلاء العمال تجدهم مثلاً في بلادهم لا يأمرهم ولا ينهاهم أحد، أو ربما أنهم في أطراف البلاد أو في الصحاري، ولا يعينهم أحد على شيء، فدعوهم يرجعون إلى أهليهم منتفعين منكم بالرزق الديني والدنيوي. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 10 راكب رمى بنفسه من نافذة السيارة السؤال خالي يعمل سائق تاكسي وينقل الناس من بلدٍ لآخر، وفي مرةٍ من المرات نقل الناس وهو في أثناء السير رمى أحد الركاب بنفسه من نافذة السيارة فوقع في الأرض وأخبر من كان في جواره فرجع وأسعفه إلى المستشفى ثم جلس فترةً فتوفي، فأخذ منه الدية، فهل يلحق خالي شيء من الصيام أو غيره، جزاكم الله خيراً؟ الجواب هذا فيه تفصيل: إن كان السائق قد طلب منه هذا الرجل أن يتوقف لاحتياجه إلى البول أو الغائط أو التقيؤ وأبى وجب عليه أن يكفر إما بعتق رقبة إن استطاع أو بصيام شهرين متتابعين، وإن كان هذا من غير علمه ولم يتمكن من الوقوف فلا شيء عليه، أما لو تمكن من الوقوف بأن رأى الرجل يحاول فتح الباب، ويمكنه في هذه الحالة أن يتوقف عن السير أو يوقف الرجل فهو مفرط فعليه الكفارة. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 11 حكم حج الصغير قبل البلوغ السؤال إذا حج الصبي قبل أن يبلغ ثم بلغ هل يلزمه أن يحج مرةً أخرى؟ الجواب لا تجزئه الحجة الأولى، لا بد أن يحج مرةً ثانية؛ لأن الحجة التي وقعت منه أولاً وقعت على أنها نفل لا على أنها فرض، فيجب عليه أن يعيد الحجة مرةً ثانية وتكون الأولى تطوعاً. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 12 حكم إقران كلمة (لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله) في غير التحيات السؤال فضيلة الشيخ: هل يجوز قرن كلمة: لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله في غير التحيات؟ وما رأيكم فيمن ينكر ذلك؟ الجواب نعم يجوز أن يقول الإنسان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقول: لا إله إلا الله محمد عبده ورسوله، كل هذا جائز، لكن الصيغة التي وردت أفضل من غيرها. ومن أنكر ذلك في غير التحيات فليأتِ بالدليل، فما دام أنه جائز في التشهد فإنه يجوز في غيره. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 13 حكم إخراج صدقة الفطر نقودا ً السؤال لماذا لا يجزئ صدقة الفطرة بالفلوس أي: الدراهم؟ الجواب لا يجزئ إخراج زكاة الفطر إلا من الطعام، لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (فرض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) فعين، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صاعاً من طعام) . ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرضها صاعاً من طعام: تمر أو شعير أو زبيب أو إقط، وهذه الأربعة في الغالب مختلفة القيمة، أي: يندر جداً أن يكون صاع التمر مثل صاع الشعير أو مثل صاع الزبيب أو مثل صاع الأقط، فرضها النبي عليه الصلاة والسلام صاعاً من الطعام، والطعام مختلف القيمة، فدل هذا على أنها لا تجزئ من القيمة. لكن لو فرضنا أننا في بلد لا يقبلون إلا الدراهم، يقول: خذوا الطعام وبيعوه، فإن أبوا صرفناها إلى بلدٍ آخر. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 14 حكم تغيب الإمام عن المسجد وتوكيل غيره السؤال إمام يوكل من هو أفضل منه، هل يأثم إذا تغيب وترك المسجد بعض الأحيان؟ الجواب لا يحل له ذلك، وما يأخذه من راتب فحرامٌ عليه، أما إذا كان بعذر لا بأس به، مرض الإنسان ولزم الفراش لمدة شهر أو شهرين ليس عليه شيء، لكن عليه أن ينوب من يقوم باللازم، أما إنسان يذهب يميناً ويساراً بدون عذر، ويقول: أنا وكلت إنساناً أقرأ مني وأعلم مني، هذا حرام عليه، وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بالصلوات الخمس؛ فليقدم الاستقالة للجهة المسئولة وهناك من سيتقدم إلى المسجد، وهذا المال حرام؛ لأنه يأخذه في مقابلة عمل، والمقابل لا بد أن يجر ما يقابله. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 15 حكم خروج يد المرأة في الصلاة السؤال ما حكم خروج يد المرأة في الصلاة؟ الجواب إذا خرج كف المرأة فقط وهي تصلي فبعض العلماء يقول: لا بأس به، وأن الكف والقدم ليس من العورة، لكن الأفضل للمرأة ألا تتساهل في هذا وأن تستر كفيها وقدميها كما تستر بقية جسدها إلا وجهها. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 16 حكم من لم يستطع القيام بكفارة القتل السؤال شخص عليه كفارة القتل لا يستطيع العتق ولا الصيام، هل يعدل إلى الإطعام، أم تسقط عليه الكفارة؟ الجواب لا تسقط عنه، كفارة القتل نوعان فقط: إما العتق وإما الصيام؛ لأن الله تعالى لم يذكر ثالثاً، ولو كان الثالث واجباً لذكره الله كما ذكره في كفارة الظهار، فقد ذكر الله في كفارة الظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وفي كفارة القتل لم يذكر الإطعام، وعلى هذا نقول: إذا عجز عن العتق والصيام سقطت عنه. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 17 حكم لبس الحرير للرجال السؤال ما حكم لبس الحرير للرجال وما الدليل على ذلك؟ الجواب حكم لبس الحرير على الرجال حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها) إلا إذا كان هناك ضرورة، مثلاً: لم يجد إنسان سوى ثوب الحرير فلا حرج أن يلبسه حتى تزول ضرورته، أي: حتى يجد ثوباً مباحاً. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 18 حكم البقاء مع رجل لا يصلي إلا بعد خروج وقت الصلاة السؤال زوجي لا يصلي إلا بعد خروج الوقت في صلاة الفجر، فما حكم بقائي معه؟ الجواب إذا كان هذا الزوج يصلي بقية الصلوات فإنه ليس بكافر، ولا حرج أن تبقى معه، لا سيما إن كانت ذات عيال وتخشى إن فارقته من الضياع، ولكن عليها أن تناصحه، وأن تخوفه بالله؛ لأنه إذا أخر صلاة الفجر عن غير عذر وصلاها بعد طلوع الشمس فصلاته باطلة ومردودة عليه. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 19 حكم الوفاء بالنذر المحرم السؤال لو نذر إنسان بنذر محرم فهل يجب أن يفي بهذا النذر أم لا؟ الجواب لا، إذا نذر فعل شيءٍ محرم فقد حرم أن يوفي به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه) فلو نذر ألا يكلم عمه مثلاً فالنذر حرام، وعليه أن يكلم عمه وأن يطعم عشرة مساكين، ولو نذر ألا يصلي مع الجماعة فعليه أن يصلي ويطعم عشرة مساكين، فمن نذر فعل شيءٍ محرم سواءً كان واجباً أو ترك معصية فإنه لا يوفي به ولكن عليه أن يكفر كفارة يمين. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 20 حكم شراء الذهب بالدين السؤال ما حكم شراء الذهب بالدين مع اتفاق الطرفين؟ وما حكم البدل في الذهب؟ الجواب شراء الذهب بالدين محرم؛ لأنه يجب في شراء الذهب أن يكون يداً بيد، إلا إذا اشترى الذهب بما لا ربا فيه؛ بأن يشتري الذهب بسيارة أو بطعام أو بلباس أو بأرضٍ عنده مثلاً، المهم أنه إذا اشترى الذهب بشيءٍ لا ربا فيه فلا بأس أن يتفرقا قبل التقابض، أما إذا اشتراه بدراهم فإنه لا يجوز التفرق حتى يتقابض الطرفان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر أصناف الأموال التي فيها الربا قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) . ولو كان هناك اتفاق بين الطرفين واشتراط بنفس المبلغ، فلا يجوز؛ لأن هذا ربا إلا أن يسلم المبلغ كاملاً. أما المبادلة بالذهب فلا بد من شرطين: الشرط الأول: أن يتساويا في الميزان، وزنهما سواء. الشرط الثاني: القبض قبل التفرق. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 190 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [191] تجلى تعجيز الله لخلقه في أكثر من صورة، وتبدو هذه الصورة واضحة في قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) الآية. وفي إطار هذه الآية ومضمونها والآيات التي بعدها كان للشيخ وقفة في تفسيرها وشرحها. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السادس عشر من شهر رجب من (1419هـ) . نبدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آياتٍ من كتاب الله عز وجل. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (سنفرغ لكم أيها الثقلان) قال الله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:31-32] هذه الجملة المقصود بها الوعيد، كما يقول القائل لمن يتوعده: سأتفرغ لك، أي: سأتفرغ لك وأجازيك، وليس المعنى: أن الله تعالى يشغله شأنٌ عن شأن، ثم يفرغ من هذا ويأتي لهذا، الله سبحانه وتعالى يدبر كل شيء في آنٍ واحد، في مشارق الأرض ومغاربها، وفي السماوات وفي كل مكان، يدبره في آنٍ واحد، ولا يعجزه، فلا تتوهمن أن قوله: (سنفرغ) أنه الآن مشغول وسيفرغ، لا. هذه جملة وعيدية تعبر بها العرب، والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، وفي قوله: (سنفرغ لكم) من التعظيم ما هو ظاهر، إذ أنه أتى بضمير الجمع (سنفرغ) تعظيماً لنفسه جل وعلا، وإلا فهو واحد، وقوله: (أيها الثقلان) أي: الجن والإنس، وإنما وجه هذا الوعيد إليهما؛ لأنهما -أي: الثقلان- مناط التكليف، (فبأي آلاء ربكما تكذبان) سبق الكلام على تفسيرها فلا حاجة للتكرار. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا) قال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} [الرحمن:33] بعد الوعيد قال: إن استطعم أن تنفذوا مما نريده بكم فانفذوا، (أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض) أي: من جهاتها، (فانفذوا) ولكن لا تستطيعون هذا، فالأمر هنا للتعجيز، ولهذا قال: {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] أي: ولا سلطان لكم، لا يمكن أحد أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض، إلى أين يذهب؟ لا إلى شيء، ولا يمكن. ثم قال: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} [الرحمن:34-35] أي: لو استطعتم أو لو حاولتم لكان هذا جزاءكم {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ} [الرحمن:35] أي: محمى بالنار {فَلا تَنْتَصِرَانِ} [الرحمن:35] أي: فلا ينصر بعضكم بعضاً، وهذه الآية في مقام التحدي، ولقد أخطأ غاية الخطأ من زعم أنها تشير إلى ما توصل إليه العلماء من الطيران حتى يخرجوا من أقطار الأرض ومن جاذبيتها إلى أن يصلوا -كما يزعمون- إلى القمر أو إلى ما فوق القمر؛ لأن الآية ظاهرة في التحدي، والتحدي هو توجيه الخطاب لمن لا يستطيع. ثم نقول: هل هؤلاء استطاعوا أن ينفذوا من أقطار السماوات؟ لو فرضنا أنهم نفذوا من أقطار الأرض ما نفذوا من أقطار السماوات، فالآية واضحة أنها في مقام التحدي، وأنها لا تشير إلى ما زعم هؤلاء أنها تشير إليه، ونحن نقول: الشيء واقع لا نكذبه، ولكن لا يلزم من تصديقه أن يكون القرآن دل عليه أو السنة، الواقع واقع، فهم خرجوا من أقطار الأرض، لكن نحتاج إلى دليل وهذا واقع لا يحتاج. هذه الآية في سياقها إذا تأملتها وجدت أن هذا التحدي يوم القيامة؛ لأنها: (كل من عليها فان) ثم ذكر: (يسأله من في السماوات والأرض) ثم ذكر: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ} [الرحمن:33] ثم ذكر ما بعدها يوم القيامة. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) قال تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} [الرحمن:37] أي: تفتحت وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:1-5] . {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [الرحمن:37] أي: مثل الوردة في حمرها، {كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] كالجلد المدهون {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:36] (فيومئذٍ) يعني: إذا انشقت {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39] لماذا؟ لأن كل شيءٍ معلوم، والمراد لا يسأل سؤال استشهاد واستعلام؛ لأن كل شيءٍ معلوم، أما سؤال تبكيت فيسأل، مثل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هذا ليس سؤال استعلام عن أحدٍ جاهل. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) يقول عز وجل: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39] أي: سؤال استعلام؛ لأن كل شيء معلوم، أما سؤال التبكيت والتوبيخ فيسأل، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:65-66] وقال عز وجل: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:39-43] وقال عز وجل لأهل النار وهم يلقون فيها: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر:50] وأمثالها كثير. إذاً لا يسأل الإنس والجن عن ذنوبهم سؤال استعلام واسترشاد: هل أنت عملت أو لم تعمل؟ ولكنه سؤال تبكيت وتوبيخ، وهناك فرق بين هذا وهذا. إذاً فلا تتناقض الآيات، لا تقل: كيف يقول: لا يسأل عن ذنبه، وفي آيةٍ أخرى: أنهم يُسألون؟ تقول: هذا الجمع ليس بسؤال استرشاد واستعلام؛ لأن الكل معلوم مكتوب، لكنه سؤال توبيخ. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:40] . الجزء: 191 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (يعرف المجرمون بسيماهم) قال تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن:41] أي: بعلاماتهم، ومن علاماتهم -والعياذ بالله- أنهم سود الوجوه، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] وأنهم يحشرون يوم القيامة زرقاً، إما أنهم زرق أحياناً وسود أحيان، وإما أنهم سود الوجوه وزرق العيون، وإما إنهم زرقٌ زرقةً بالغة يحسبها الإنسان سوداء. {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] أعوذ بالله (بالنواصي) هذه مقدمة الرأس، و (الأقدام) المعروفة، فتأخذ رجله إلى ناصيته، هكذا يطوى طياً إهانةً وخزياً له، (فيؤخذ بالنواصي والأقدام) ويلقون في النار. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:42] . الجزء: 191 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون) قال تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [الرحمن:43] يقال: هذه جهنم التي تكذبون بها، قال: المجرمون، ولم يقل: تكذبون بها، إشارة إلى أنهم مجرمون، وما أعظم جرم الكفار الذين كفروا بالله ورسوله، واستهزءوا بآيات الله واتخذوها هزواً ولعباً. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (يطوفون بينها وبين حميم آن) قال تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44] أي: يترددون بينها وبين حميمٍ (آن) أي: شديد الحرارة والعياذ بالله، أما كيف يكون ذلك؟ الله أعلم، لكننا نؤمن بأنهم يطوفون بينها وبين الحميم الحار الشديد الحرارة، والله أعلم بذلك. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:45] وقد سبق الكلام على تفسيرها. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 191 ¦ الصفحة: 10 جواز تأخير سنة العشاء إلى العاشرة ليلا ً السؤال هل يجوز تأخير سنة العشاء إلى الساعة العاشرة ليلاً؟ الجواب وقت العشاء من خروج وقت المغرب مباشرة إلى منتصف الليل، يجوز تأخير الفريضة إلى الساعة العاشرة في وقتنا هذا؛ لأن العاشرة قبل منتصف الليل، وسنتها أيضاً يجوز أن تؤخرها إلى الساعة العاشرة في بلادنا هذه في هذا الوقت؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 11 ضابط الصلاة في الثياب الشفافة السؤال هل تجوز الصلاة في الثياب الشفافة، وما هو الضابط في ذلك، وهل يعيد الإنسان صلاته إذا صلى في هذه الثياب؟ الجواب الثياب الشفافة إذا كان تحتها شيء يستر العورة فلا بأس به، كرجل عليه سروال من الركبة إلى السرة، وعلى السروال قميص خفيف لا بأس به، والضابط في هذا: أن لا يرى منه لون الجلد، مثل أن تقول: هذا جلد أحمر، فهذا هو الذي لا يستر، وإذا صلى الإنسان بثوبٍ بدون سروال على هذا الوصف الذي ذكرت فإن صلاته باطلة؛ لأنه عصى الله في قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] وقد قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} [الأعراف:26] لا بد أن يغطيها. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 12 حكم الصلاة خلف الإمام إذا انقطع صوت الميكرفون في صلاة الجمعة السؤال في إحدى الجمع كنا نصلي في خلوة فانقطع الميكرفون فانتظرنا قليلاً وقد كان الإمام يصلي، فانتظرنا قليلاً ثم تقدم أحد المأمومين وأكمل بنا الصلاة فما حكم صلاتنا، وماذا نفعل في مثل هذه الحالة؟ الجواب إذا كنتم في الثانية فلا بأس، أما إذا كنتم في الأولى إلى الآن فإنكم ما أدركتم الجمعة، إذ أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وفي هذه الحال يلزمكم أن تخرجوا من الخلوة إلى البر، أو تنتظروا حتى يسلم وتصلون ظهراً. فالآن الذي وقع منه نقول له: إذا كانوا صلوا الجمعة فكملوا الركعتين فعليهم إعادتها ظهراً لأنها لم تصح، وهذه قاعدة: إذا انقطع التيار في الركعة الثانية أتموها ولو فرادى، أتموها ركعة واحدة لأنكم أدركتم الجمعة. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 13 كفارة اليمين لمن خالفه المحلوف عليه السؤال ما حكم الكفارة لو حلف شخص على إلزام شخص آخر، يعني: أجبره وحلف بالله إنه يجلس عنده، ولكن امتنع هذا الشخص بعذر أو بغير عذر، وهذا يحصل كثيراً؟ الجواب أولاً نقول للإنسان: لا تحلف؛ لأن في هذا إحراجاً لأخيك، إما أن يبر بيمينك على إكراه، وإما أن يحنثك، فإذا قدر أنك حلفت فإننا نقول للمحلوف عليه: بر يمين أخيك؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن يبر قسمه، فإن كان لعذر فهو غير ملوم، وإن كان لغير عذر فهو ملوم. أما بالنسبة للحالف فيجب عليه كفارة اليمين متى خالفه المحلوف عليه على كل حال. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 14 العمل إذا تعارضت حصص المدارس والكليات مع أوقات الصلاة السؤال بعض المدارس والكليات يحدث بينها تعارض بين أوقات الحصص مع أوقات الصلوات، فما العمل: هل أترك الحصة وأذهب إلى الصلاة، أم أكمل الحصة؟ الجواب هل هؤلاء الذين تتعارض حصص الدراسة مع صلاة الجماعة إذا كانوا بعد فراغهم يصلون جماعة فلا بأس، فمثلاً: وقت الظهر إلى العصر، فإذا كانوا لا يتمكنون من إخراج التلاميذ والأساتذة إلى المساجد فليستمروا ثم إذا انتهوا يصلون جماعة. لكن يجب على إدارة المدرسة أن تهيأ لهذا وتلاحظه، بمعنى: أن تجعل الحصص تنتهي قبل الصلاة، وإذا ضاق الوقت تجعل حصة بعد الصلاة، إما إذا لم يتمكن فقد حصل المقصود بصلاة الجماعة في المدرسة لأجل العذر. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 15 درجة حديث: (من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر شهيد) السؤال ما صحة حديث: (من أحيا سنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد) ؟ الجواب هذا الحديث والله لا يحتمل صحته، لكن لا شك أن من أحيا سنة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن أميتت أن له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 16 وجوب قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية السؤال ما حكم قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم في الصلاة؟ الجواب القول الراجح في هذه المسألة: أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وهذا لم يخص منه شيء، إلا في حالة واحدة إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه الفاتحة، فيكبر تكبيرة الإحرام قائماً معتدلاً ثم يكبر للركوع ويركع، ودليل هذا الاستثناء: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكعاً، فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها، فهذا الحديث يدل على هذا الاستثناء المسبوق، إذا أدرك منه ركعة فإنها تسقط عنه الفاتحة. أما عموم قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] فمخصوصٌ بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد انصرف من صلاة الفجر، فقال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الفجر جهرية. ولا بأس أن تقرأ مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة، أو بعد أن ينتهي، وبعد أن ينتهي أحسن؛ لأجل أن يكون إنصاتك لإمامك في قراءة الفاتحة التي هي الركن، فاستماعك للفاتحة أحسن؛ لأن الفاتحة ركن، وما بعدها سنة، والاستماع للركن أولى. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 17 الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الخبرية السؤال هل الصفات الذاتية هي الصفات الخبرية؟ الجواب الصفات الخبرية من الصفات الذاتية، فمثلاً: اليد والوجه والعين والساق والقدم هذه صفات خبرية، وهي ذاتية أي: نازلة بالله عز وجل، والصفات الذاتية التي ليست من الصفات الخبرية هي أيضاً بالمعنى خبرية؛ لأنه لولا إخبار الله بها ما علمناها، مثل: السمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة وما أشبه ذلك. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 18 حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن السؤال ما حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهل ورد في ذلك وعيد؟ الجواب أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام، مثلاً: إنسان يقول: أريد أن أقرأ لكم بأجرة، هذا محرم وليس له ثواب. وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فلا بأس به، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تعليم القرآن مهراً، والمهر عوض. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز أخذ الأجرة على القراءة على المريض، كما في قصة أصحاب السرية الذين نزلوا ضيوفاً على قومٍ من العرب فأبى هؤلاء القوم أن يضيفوهم فتنحوا ناحية، فسلط الله على رئيسهم عقرباً فلدغته، وأتوا إلى الصحابة قالوا: هل فيكم أحد يقرأ؟ قالوا: نعم، لكن لا نقرأ لكم إلا بشيء. فأعطوهم قطيعاً من الغنم، فقرأ عليه القارئ بسورة الفاتحة، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال وأخذوا الغنم، وأتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (خذوا واضربوا لي معكم بسهمٍ) . الجزء: 191 ¦ الصفحة: 19 حكم تأخير أذان الظهر في مصلى الجامعة لمدة عشرين دقيقة السؤال هل يصح تأخير أذان الظهر في المصلى في الجامعة لمدة عشرين دقيقة أو أكثر، نظراً لأن الإقامة حددت بميعاد الساعة الثانية عشرة ونصف؟ الجواب لا بأس أن يكون الأذان قبل الإقامة بربع ساعة ما دام أنهم لا يشوشون على غيرهم، فإن كانوا يشوشون على غيرهم بحيث يكون لديهم ميكرفون مثلاً على السطح يغرروا به على الناس فلا، ثم إذا كانوا في وسط البلد فأذان البلد يكفيهم؛ لأنهم يسمعونه. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 20 حكم إنفاذ الوصية غير الثابتة كتابة أو بشهود السؤال رجل أوصى بوصية في مرضه الأخير لرجل موثوق به، ولكن أهله لا يعلمون بالوصية؛ لأنها لم تثبت كتابة ولا بشهود، إلا الموصى إليه، فما الحكم في هذا علماً بأن الوصية ليست خارجة عن الحد الشرعي؟ الجواب إذا صدَّقه الورثة؛ فلا بأس، فإن كذبوه فإنها لا تثبت. لكن هل يجوز أن يكذبوه أم لا؟ إذا علموا أنه ثقة فإنهم لا يكذبونه، لكن لا يلزمهم التصديق، إنما نقول: إذا علموا أنه ثقة فلينفذوا الوصية، أما إذا شكوا في هذا الأمر بأن يكون هذا الرجل صديقاً للميت ويخشون أنه قال هذا محاباةً للميت فلا يلزمهم التصديق. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 21 درجة حديث: (من صلى عليّ حين يصبح عشراً) السؤال فضيلة الشيخ! ما صحة حديث: (من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة) ؟ الجواب لا أدري عنه، لكن -الحمد الله- أسباب إدراك الشفاعة كثيرة، ومن أسبابها: أن يجيب المؤذن، فإذا انتهى صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم سأل الله الوسيلة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا فعل ذلك حلت له الشفاعة. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 22 حكم حضور المرأة لصلاة الجمعة السؤال ما هو القول الراجح في حضور المرأة لصلاة الجمعة؟ الجواب القول الراجح: أنه لا يصح لها الحضور لا في صلاة الجمعة ولا في غيرها، إلا صلاة العيد؛ لأن صلاة العيد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج لها النساء، وما عدا ذلك فهو مباح لكنه ليس بمطلوب، وعلى المرأة إذا خرجت لصلاة العيد أو للصلوات الأخرى أو لحاجةٍ في السوق أن تخرج غير متبرجة بزينة ولا متطيبة ولا متعجرفة في مشيتها، أي: تمشي بحياء. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 23 حكم من صلى بالإيماء وهو قادر على الركوع والسجود في الطائرة السؤال شخصٌ صلى في الطائرة بالإيماء وكان يمكنه أن يركع ويسجد، هل عليه إعادة أم ماذا وهل يعذر بجهله؟ الجواب عليه الإعادة ما دام يمكنه ولم يفعل، لأن الركوع والسجود أركان. أما الأوامر فلا تسقط بالجهل وكان عليه أن يسأل، ثم إذا كان يمكنه أن ينزل في المطار قبل خروج الوقت لماذا لم يتأخر؟ الجزء: 191 ¦ الصفحة: 24 حكم صلاة من لم يجد إلا ثوبين: الأول محرم والآخر شفاف السؤال رجل لم يجد إلا ثوبين أحدهما محرم والآخر شفاف، والمحرم يستر العورة، فأيهما يقدم؟ الجواب يقدم المحرم؛ لأن المحرم يستر مع تحريم اللبس والصلاة صحيحة، أما الذي لا يستر فوجوده كالعدم. المهم الثوب المحرم يستر ويحصل به المقصود، والشفاف لا يحصل به المقصود كأنه عاري، كأن يكون المحرم حريراً والآخر مسروقاً فإنه يأخذ الحرير؛ لأن المحرم لحق الله أهون من المحرم لحق الآدمي، والمحرم لحق الله عند الضرورة إليه يكون مباحاً. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 25 حكم قول العاطس: الحمد لله رب العالمين السؤال بالنسبة للعاطس إذا قال: الحمد لله رب العالمين، هل فيه بأس؟ الجواب لا أرى فيه بأساً؛ لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (فليحمد الله) ، أو (فحمد الله) . عام. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 26 حكم زيادة ركعة في الصلاة السؤال رجلٌ زاد في الركعة الثانية ركعة ثالثة، فتذكر أنه زاد، فهل يجلس، أو يكملها ويسجد السهو؟ الجواب إذا زاد الإنسان ركعة في صلاته ثالثة في الفجر، ورابعة في المغرب، وخامسة في الرباعية، يجب أن يجلس متى ذكر، ثم يكمل التشهد، ويسجد بعد السلام. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 27 موضع الاستفتاح في الصلاة السؤال أيهما أفضل للمأموم: أن يبدأ بالاستفتاح، أو يبدأ عند استفتاح الإمام بقراءة الفاتحة، أي: بعد تكبيرة الإحرام؟ مع العلم أن الصلاة جهرية؟ الجواب لو دخل بعد أن شرع الإمام بالقراءة -قراءة الفاتحة- لا يستفتح بل يسكت، فإذا فرغ الإمام استفتح ثم قرأ الفاتحة، وإذا كان أدرك الإمام بالقراءة التي بعد الفاتحة، فلا يمكن إلا أن يقرأ الفاتحة، لأنه إذا كان في الفاتحة فالإمام له سكتة يمكن أن يستفتح فيها. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 28 حكم ما تم إخراجه نقوداً لزكاة الفطر بعد معرفة القول الراجح السؤال لو أن شخصاً كان يخرج زكاة الفطر نقداً، آحذاً بقول علماء بلده، ثم تبين له القول الراجح، فما يلزمه من صدقته؟ الجواب لا يلزمه، كل من فعل شيئاً بفتوى عالم أو باتباع علماء بلده فلا شيء عليه، مثال ذلك: لو أن امرأة لا تؤدي زكاة الحلي فبقيت سنوات لا تدري أن الحلي يجب فيه الزكاة، أو بناءً على أن علماءها يفتونها بأنه لا زكاة فيه، ثم تبين لها، فإنها تؤدي الزكاة بعد أن تبين لها، وقبل ذلك لا يلزمها. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 29 حكم دخول المستشفى على حساب التأمين السؤال إنسان مريض والشركة عندهم تأمين صحي، فهل له أن يدخل المستشفى بهذا التأمين حيث أنهم يخصمون من راتبه مبلغاً شهرياً سواءً مرض أو ما مرض، والشركة تدفع لشركة التأمين؟ الجواب يتعالج بقدر ما أخذوا منه ولو كان مبلغاً بسيطاً، ولو كان ريالاً واحداً، فالريال به حبة إسبرين، حبة الإسبرين لا يحاسبهم عليها والباقي يعطيهم، أما إذا كانوا هم الذين يدفعون، أحياناً الشركات لا تأخذ على العامل شيئاً من أجرته، لكنهم فيما بينهم وبين المستشفى مثلاً يؤمِّنون هذا ما عليه منهم. لا يدخل ما دام أنهم متعاقدون مع المستشفى هو بنفسه، فالمهم أنه إذا كان التأمين من الشركة التي هو عندها وراتبه ما يأخذون منه شيئاً فلا بأس؛ لأنه هو الآن لم يتعاقد معاقدة ميسر وأما إذا كان معه فهو ميسر لا يجوز العمل به. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 30 حكم طلب المسلم للمشقة لزيادة الأجر السؤال هل يتعمد المسلم المشقة لحديث: (أجركِ على قدر مشقتكِ) ؟ الجواب أرأيت الآن لو كان الماء حاراً يشق عليك: هل الأفضل أن تتوضأ بالماء الحار أم بالماء المناسب؟ أيهما أشق؟ الحار. إذا كان عليه جنابة في ليالي الشتاء، هل الأرفق به أن يسخن الماء ويغتسل، أو يغتسل بالماء البارد؟ الماء البارد أسهل وأفضل، الحديث يقول: (إذا تعبتِ في العمرة) ما قال: اتعبي فيها. أي: إذا تعبتِ في العمرة وزاد العمل فالأجر على قدر التعب، إنسان مثلاً يذهب إلى المسجد ويصلي جماعة ويتعب بعض الشيء، وإنسان يذهب بسهولة، الأول يؤجر على مشقته، لكن لا نقول: اطلب الإشقاق على نفسك، بل إن طلب الإشقاق على النفس من الأمور المذمومة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم كل الدهر، وأن يقوم كل الليل، لما فيه من المشقة. واقرأ قول الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ. } [النساء:147] أما: (أجرك على قدر نصبكِ) فالمعنى: أنكِ إذا تعبت في نسككِ فلكِ أجر على التعب، كإنسان يطوف والمطاف واسع، وإنسان يطوف بمشقة، الثاني أكثر أجراً من الأول، لكن لا نقول: انتظر حتى يوجد الزحام الشديد وطف. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 31 حكم استعمال النساء بعض الأطعمة للوجه والشعر السؤال بعض النساء يستخدمن بعض الأطعمة كالبيض واللبن والعسل للوجه والشعر، سواءً للتجميل أو للعلاج، فما حكم ذلك؟ الجواب ما في بأس، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] ما لم تصل المسألة إلى حد الامتهان فهنا يمنع. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 32 مشروعية الانتفاع بالمسجد القديم السؤال المسجد القديم توقفت منفعته وهناك مسجد جديد، هل للإمام أن يبني في مكان المسجد القديم غرفة له؟ الجواب إذا كان المسجد الثاني قد جعل بدلاً عن الأول صار الأول لا حكم له، ولكنه وقف يرجع أمره إلى ولي الأمر. الجزء: 191 ¦ الصفحة: 33 حكم الترتيب لمن فاتته أكثر من صلاة السؤال رجل عليه أكثر من صلاةٍ فائتة، ما حكم الترتيب في هذه الحالة سواءً كان عمداً أو جهلاً؟ الجواب الترتيب واجب، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد قضى الصلوات في غزوة الخندق مرتبة، فيجب على من فاتته صلوات أن يقضيها مرتبة، لكن لو جهل أو نسي فلا شيء عليه. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وبارك الله فيكم وأثابكم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) . الجزء: 191 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [192] وصف الله سبحانه وتعالى الجنتين المذكورتين أولاً في سورة الرحمن بمجموعة من الصفات الدالة على عظم نعيمها، وروعة منظرها، ودنو ثمارها، وكمال أحوالها، وجمال نسائها. وهنا بيان لكل ذلك، وإجابات قيمة لأسئلة شرعية هامة. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثلاثون من شهر رجب عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بالكلام عن شيءٍ من آيات الله عز وجل. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال الله تبارك وتعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] أي: أن من خاف مقام الله بين يدي الله يوم القيامة فإن له جنتين، هذا الخوف يستلزم شيئين: الأول: الإيمان بلقاء الله عز وجل، لأن الإنسان لا يخاف من شيء إلا وقد تيقنه. الثاني: أن يتجنب محارم الله، وأن يقوم بما أوجب الله خوفاً من عقاب الله تعالى، فيلزم كل إنسان أن يؤمن بلقاء الله عز وجل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] ، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:22] فمن خاف هذا المقام بين يدي الله عز وجل فله جنتان. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:47] سبق الكلام عليها. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ذواتا أفنان) قال تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن:48] أي: صاحبتا أفنان، والأفنان: جمع فنن وهو الغصن، أي: أنهما مشتملتان على أشجارٍ عظيمة، ذوات أغصانٍ كثيرة، وهذه الأغصان كلها تبهج الناظرين، وفيها من كل فاكهة زوجان. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان تجريان) قال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] فيهما -أي: الجنتين- عينان تجريان، وقد ذكر الله تعالى أن في الجنة أنهاراً من أربعة أصناف، فقال جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] والعينان اللتان تجريان يظهر -والله أعلم- أنهما سوى هذه الأنهار الأربعة. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فيهما من كل فاكهة زوجان) قال تعالى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] أي: في هاتين الجنتين (من كل فاكهة) والفاكهة: كل ما يتفكه الإنسان به مذاقاً ونظراً وشماً، فيشمل أنواع الفاكهة الموجودة في الدنيا، وربما يكون هناك فواكه أخرى ليس لها نظيرٌ في الدنيا. {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:53] . الجزء: 192 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان) قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] أي: يتنعمون بهذه الفاكهة حال كونهم متكئين، وعلى هذا فكلمة (متكئين) تكون حالاً من فاعل الفعل المحذوف، أي: يتنعمون أو يتفكهون متكئين، والاتكاء قيل: إنه هو التربع؛ لأن الإنسان أريح ما يكون إذا كان متربعاً، وقيل: متكئين، أي: معتمدين على مساند من اليمين والشمال ووراء الظهر، (على فرش) أي: جالسين على فرش (بطائنها من إستبرق) أي: بطانة الفراش وهو ما يحابيه الفراش (من إستبرق) وهو غليظ الديباج، وأما أعلى هذه الفرش فهو من سندس، وهو رقيق الديباج، وكله من الحرير. قال تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] تأمل أو تصور هذه الحالة! إنسان متكئ مطمئن مستريح، يريد أن يتفكه من هذه الفواكه هل يقوم من مكانه الذي هو مستقرٌ فيه متكئ ليتناول الثمرة؟ لا، بيَّن الله ذلك بقوله: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] قال أهل العلم: إنه كلما نظر إلى ثمرة وهو يشتهيها أنهرع الغصن حتى كانت الثمرة بين يديه، لا يحتاج إلى تعب أو قيام، بل هو متكئ ينظر إلى الثمرة مشتهياً إياها، فتدلى له بأمر الله عز وجل مع أنها جماد، لكن الله تعالى أعطاها إحساساً بأن تتدلى عليه إذا اشتهاها، ولا تستغرب الآن كل الأشجار في الغالب تستقبل الشمس! انظر إلى وجوه الأوراق في أول النهار تجدها متجهةً إلى المشرق، في آخر النهار تتجه إلى المغرب، فيها إحساس، كذلك أيضاً: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] قريب، يحس إذا نظر إليه الرجل أو المرأة فإنه يتدلى حتى يكون بين يديه. قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:55] . الجزء: 192 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف) قال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:56] (فيهن) أكثر الناس يقول: إن الضمير يعود إلى الجنتين، وأن الجمع باعتبار أن لكل واحدٍ من الناس جنة خاصة به، فيكون (فيهن) أي: في جنة كل واحد ممن هو في هذه الجنتين (قاصرات الطرف) وعندي أن قوله: (فيهن) يشمل الجنات الأربع، هاتين الجنتين والجنتين اللتين بعدهما، (قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: أنها تقصر طرفها -أي: نظرها- على زوجها، فلا تريد غيره، هذا وجه. وهناك وجه آخر: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي: أنها تقصر طرف زوجها عليها فلا يريد غيرها، وعلى القول الأول: يكون قاصرات مضافاً إلى الفاعل، وعلى الثاني: يكون قاصرات مضافاً إلى المفعول، أي: أن طرفهن قاصر على الأزواج، أو أنه قاصرٌ طرفه عليها. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] (لم يطمثهن) أي: لم يجامعهن، وقيل: إن الطمث مجامعة البكر، والمعنى: أنهن أبكار لم يجامعهن أحدٌ من قبل، لا إنس ولا جن، وفي هذا دليلٌ واضح على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (كأنهن الياقوت والمرجان) قال تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58] أي: في الحسن والصفاء (كالياقوت والمرجان) وهما جوهران نفيسان، (الياقوت) في الصفاء، (والمرجان) في الحمرة، أي: أنهن مشربات بالحمرة مع صفاءٍ تام. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ثم قال عز وجل: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] أي: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، الإحسان الأول العمل، والإحسان الثاني الثواب، أي: ما جزاء إحسان العمل إلا إحسان الثواب {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:61] ويأتي إن شاء الله الكلام عن الجنتين الأخريين. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 192 ¦ الصفحة: 11 ضابط معرفة المميز السؤال هل تصح صلاة الصبي في أثناء الصغر؟ الجواب نعم، ما دام مميزاً فإنه لا يعتبر قاطعاً للصلاة، حتى دون السابعة قد يكون مميزاً؛ لأن القول الراجح أن المميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، سواءً كان دون السابعة أو في السابعة أو فوقها. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 12 الضابط في الشرك الأكبر والأصغر السؤال فضيلة الشيخ! ما هو الضابط في الشرك الأكبر وما هو الضابط في الشرك الأصغر؟ وهل تعتبر المعاصي من الشرك، علماً بأنه يغلب عليه حب الشهوة وحب المعصية على حب الله؟ الجواب الضابط في الشرك الأكبر أنه ما أخرج من الملة، وهذا يرجع على أنك إذا وجدت حديثاً ما أن هذا شرك، انظر إلى قواعد الشريعة بالنصوص الأخرى فإن كان مثله يخرج من الملة فهو شركٌ أكبر، وإن كان لا يخرج فهو شركٌ أصغر. إذاً لا بد إذا جاءت النصوص بأن هذا شرك أن نعيد هذا النص إلى القواعد العامة للشريعة، إذا وردت النصوص بالشرك، ولكنه بمقتضى القواعد العامة للشريعة لا يخرج من الإسلام، فهو شركٌ أصغر، مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . أما بالنسبة لجعل المعاصي كلها شركاً فهذا نعم، بالمعنى العام؛ لأن المعاصي إنما تصدر عن هوى، وقد سمى الله تعالى من اتبع هواه متخذاً له إلهاً، فقال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] إذاً عندنا ثلاثة أشياء: الإطار العام: وهو أن كل معصية فهي نوعٌ من الشرك؛ لأنها صادرة عن الهوى، وقد جعل الله تعالى من اتخذ هواه إلهاً جعله متخذاً له إلهاً. الثاني: الشرك إذا أطلق، فهل نحمله على الشرك الأكبر أم الشرك الأصغر؟ نقول: ننظر إلى القواعد العامة في الشريعة إن اقتضى أن يكون خارجاً عن الإسلام فهو أكبر وإلا فلا. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 13 وقت أذكار الصباح والمساء السؤال ما هو الوقت الذي يبدأ فيه جواز أذكار الصباح والمساء، وهل له وقت ينتهي؟ الجواب المعروف أن المساء يكون من الزوال إلى منتصف الليل، وأن الصباح يكون من طلوع الفجر إلى الزوال، لكن كلما قرب من الفجر مثلاً فهو أدنى إلى الإصابة، وكلما قرب إلى المساء فهو أدنى إلى الإصابة، لكن هناك أشياء ينص على أنها بعد الغروب، مثل: (من قرأ آية الكرسي في ليلة) ، ومثل: (من قرأ في ليلته الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه) فالمهم ما قيد في الليل فهو بالليل، وما لم يقيد فالمساء واسع. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 14 جواز الاستمناء بيد الزوجة السؤال ذكر الشيخ مرعي الكرمي في متن الدليل في كتاب النكاح: "وله أن يستمني بيدها" يعني: الزوجة، فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب نعم صحيح؛ لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:30] . الجزء: 192 ¦ الصفحة: 15 حكم سؤال غير الله تعالى السائل: هل يجوز السؤال لغير الله؟ الشيخ: هل هناك أحد أكبر من الله؟ السائل: هذا شائع عندنا. الشيخ: هذا أشد وأشد؛ لأنه جعل مرتبة الخالق دون مرتبة المخلوق فلا يجوز، وإذا سمعت أحداً يقول هذا فانصحه، وقل له: كلامك يعني أن الخالق أدنى مرتبةً من المخلوق الذي جعلته شفيعاً إليه. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 16 حكم استخدام وسائل إتقان اللغات الأجنبية السؤال فضيلة الشيخ! إذا كانت طبيعة العمل تفرض في أحيان كثيرة على الموظف التحدث باللغة الإنجليزية، فهل يجوز لهذا الموظف الاستعانة بالصحف والبرامج الأجنبية الإخبارية، لتقوية لغته من باب إتقان عمله والقيام بواجباته؟ الجواب هذا ينظر لموضوع الكلمات التي يريد أن يراجعها ليتقوى بها، أحياناً تكون المواضيع سيئة، فإذا كانت مواضيع سيئة فإنه لا يمكن أن نأخذ بالقشور واللب فاسد، أما إذا كانت مواضيع مباحة فلا بأس. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 17 حكم الترتيب في رمي الجمرات السؤال أحدهم في الحج بدأ رمي الجمرات بدأ بالوسطى ثم الصغرى ثم الكبرى، هل يلزمه شيء؟ الجواب جاهلاً أم عامداً؟ السائل: عامداً. الشيخ: يدري أنه حرام؟ السائل: والله لا أدري لأنه سألني رجل. الشيخ: المهم أنه إذا كان يعلم أنه حرام فعليه فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، وإن كان لا يدري أو يدري ولكن يظن أنه يجوز له في حال الزحام ألا يرتب، فهو جاهل ولا شيء عليه. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 18 ضابط جواز الغيبة السؤال فضيلة الشيخ! أعرف شخصاً يمشي مع شباب وهو يكذب ويسرق، وكلما أردت أن أبين للشباب خطر هذا، قالوا: إنها من الغيبة فلا تذكر اسمه؟ الجواب هذا غلط، هذا من باب النصيحة، إذا رأيت إنساناً يفعل مع أحدٍ ما لا ينبغي، فبلغه، فليس هذا من الغيبة ولا من النميمة، اذكر اسمه، ما هي الفائدة إن لم تذكر اسمه؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس وقد أتت إليه تخبره أنه خطبها ثلاثة: معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، فجاءت تستشير الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها: (أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضراب للنساء، أنكحي أسامة) فبين عيب هذين الرجلين، أحدهما عيبٌ لا اختيار للإنسان فيه: وهو كون معاوية ليس عنده مال، والثاني: عيبٌ للإنسان أن يتخلص منه وهو كونه ضراباً للنساء، فيجب عليه أن يبين لهؤلاء. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 19 الفرق بين الانشغال عن صلاة الجماعة والانشغال عن صلاة الجمعة السؤال هل الانشغال عن صلاة الجماعة في البيت كالانشغال عن الجمعة من حيث الحرمة والبطلان؟ الجواب الانشغال عن صلاة الجمعة بالبيع والشراء بعد الأذان أشد من الانشغال عن صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة تصح من المنفرد، وصلاة الجمعة لا تصح. ثانياً: الحكم بالنسبة لصلاة الجماعة يتعلق بالإقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار) ، وأما الجمعة فيتعلق بالأذان. السائل: هل تصح بعد هذا عند الإقامة في صلاة الجماعة يعني: لو اشترى أو باع؟ الشيخ: هو آثم بلا شك، لكن هل يصح أم لا يصح؟ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينه عن البيع والشراء بعد الإقامة، لكن في الجمعة أمر الله بتركها، فقال: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] ففي الجمعة إذا باع أو اشترى بعد الأذان وهو ممن تلزمه الجمعة فالبيع باطل، أما صلاة الجماعة فأحتار الآن فيه، أتوقف الآن. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 20 متى يصير الخوف من غير الله شركا ً السؤال يا شيخ -عفا الله عنك- مسألة الخوف من غير الله، ما هو الضابط في كونه مخرجاً من الملة؟ الجواب الخوف من غير الله إذا اقتضته الطبيعة والجبلة فليس على الإنسان شيء، وأما إذا كان خوف تقرب وتعظيم فهذا هو الذي يكون من الشرك، خوف الإنسان من السبع لا بأس به، خوفه من النار، خوفه من الغرق، خوفه من العدو، هذا لا بأس به، لكن الأخير إذا كان الخوف من العدو مع وجوب الجهاد يؤدي إلى ترك الجهاد فهذا حرام، لقوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:15] الآن خوفك من الله هل هو كخوفك من الأسد؟ لا، خوفك من الله خوف إجلال وتعظيم وهيبة، وأما خوفك من الأسد فليس كذلك، خوف من شره فقط وتهرب منه. السائل: ما حكم الخوف من القبر؟ الشيخ: هذا شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يخاف منه، لا يخاف من دعائه؛ لأنه انقطع عمله، ولا يخاف من ضرره لأنه انقطع، هذا من الشرك الأكبر؛ لأنه لا يمكن إلا أن يكون خوف تعظيم ومحبة واعتقاد أنه ينفعه أو يضره، وهو لا ينفع ولا يضر. السائل: خوف الشخص من الحي أن يؤذيه، ما الضابط في هذه المسألة. الشيخ: صحيح، لا يمكن أن يكون هذا شركاً، لكن قد يكون إذا منعه من واجب صار حراماً لأجل هذا. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 21 حكم ضرب الطفل قبل العاشرة السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز ضرب الطفل دون العاشرة للصلاة؟ وهل يضرب لغير الصلاة كالتأديب؟ وفي أي سن يضرب؟ الجواب أما ضربه للصلاة فلا يجوز قبل العاشرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حددها. وأما ضربه للتأديب فلا بأس ولو قبل العاشرة إذا كان ينتفع بذلك ويتأدب. ويضرب لعشر للصلاة ولغير الصلاة في السن الذي ينتفع فيه بالتأديب يضرب، ويقيد الضرب في كل أحواله بأنه غير مبرح. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 22 إدراك الركعة بإدراك الركوع السؤال فضيلة الشيخ! بعض الإخوان لا يرون إدراك الركعة بإدراك الركوع، ويعللون ذلك بأن حديث قراءة الفاتحة ورد في البخاري وهذا في غيره، فما رأيكم؟ الجواب يرى بعض العلماء: أن قراءة الفاتحة لا بد منها في كل ركعة، حتى في المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يكبر ويركع مع الإمام، ولكن لا يعتد بهذه الركعة، وهذا القول ضعيف بلا شك، ويضعفه حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أخبره: أنه عجل وأسرع ليدرك الإمام راكعاً، قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولو كان لم يدرك الركعة لأمره أن يقضيها، فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن قضائها يدل على أنه بإدراك الركوع يدرك الركعة، هذا من جهة الأثر. أما من جهة النظر أن يقال: قراءة الفاتحة متى تكون؟ في أي حال؟ القيام الآن سقط لوجوب متابعة الإمام، فيسقط الذكر الواجب له تبعاً له. وهذا هو الصحيح: أن الإنسان إذا أدرك الركوع فقد أدرك الركعة. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 23 كفر تارك الصلاة بالكلية السؤال هل يفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً فله عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة) إن تارك الصلاة تحت مشيئة الله تعالى، وهل الصلاة شرطٌ في صحة الإيمان؟ الجواب لا يفهم منه ذلك؛ لأن الحديث الذي أشرت إليه قال: (فمن أتى بهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن) أي: ومن لم يأت بهن على هذا الوجه، يجب أن يحمل الحديث على هذا؛ لوجود أحاديث أخرى صريحة في أن تارك الصلاة كافر، وطريقة الراسخين في العلم ألا يتبع المتشابه المحتمل ويدع الشيء الواضح، فما دام عندنا شيء واضح في أن تارك الصلاة كافر، فإننا نحمل ما يمكن أن يعارضه أو لا يعارضه نحمله على الوجه الذي لا يعارضه حتى تبقى النصوص كلها محكمة. وأما هل العمل شرط في صحة الإيمان؟ فنقول: العمل منه شرط الإيمان، ومنه ما ليس بشرط، فالصلاة فعلها شرط في أصل الإيمان وليس في كماله، فمن لم يصل فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 24 حكم سلام المرأة على رجل أجنبي السؤال ما حكم سلام النساء للرجال الأجانب؟ الجواب لا يجوز للمرأة أن تسلم على رجل أجنبي؛ لأن هذا فتنة -لا سيما إذا كانت شابة- وأصل السلام سنة، فكيف إذا خيف منه الفتنة، فإنه يسقط استحبابه، حتى لو دخلت عليه في الدكان لا تسلم، تسأله عن الحاجة التي تريدها ثم تذهب. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 25 حكم مشاهدة الطفل لأفلام الفيديو النافعة السؤال فضيلة الشيخ! رجل ليس في بيته تلفاز وعنده ابن عمره أقل من ست سنوات وأم هذا الولد تلح على زوجها بشراء جهاز فيديو وتلفاز ليستفيد هذا الطفل من هذه الأشرطة وتحفظه من اللعب في الشارع، مع أن الأشرطة دينية وبعضها كمثال تعليم الحروف الهجائية، ولكن فيها صور حيوانية متحركة، وأصحاب الفيل، وهكذا؟ الشيخ: لا بأس، أرى أن يجيب زوجته لهذا؛ لأنه يحفظ الطفل من الذهاب يميناً وشمالاً، أو عن الذهاب إلى الجيران ويوضع له أشرطة فيها خير له، وكون الصور متحركة لا يضر؛ لأن هذا التحرك تحرك فني حسبما صمم، فلا أرى فيه بأساً. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 26 حكم المتردد بين أداء الصلاة وتركها السؤال شخص أعرفه متذبذب في الصلاة، تارةً يصلي وتارةً يترك الصلاة، فما حكم الشرع في هذا، هل هو تارك للصلاة؟ الجواب والله في الشرع لا أستطيع أن أعبر عن الشرع، أعبر عن رأيي في الموضوع، وأرجو من إخواني الذين يسألون ألا يوجهوا السؤال لواحد من الناس يقول: ما حكم الشرع، هذا إنما يصدق على الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه مشرع، إلا إذا قيده وقال: ما حكم الشرع في نظرك، فلا بأس. على كل حال: الذي أرى أن الذي يصلي ويترك، مع اعتقاده فرضية الصلاة، ليس بكافر لكنه فاسق، أما إذا ترك الصلاة بالكلية وعرفنا هذا الرجل لا يصلي لا في البيت ولا في المسجد ولا مع الناس ولا منفرداً فهذا كافر، هذا ما نراه. وبعض العلماء من المتقدمين والمتأخرين: يرى أنه إذا ترك صلاةً واحدةً حتى خرج وقتها بلا عذر فهو كافر. وبعضهم يقول: إذا ترك صلاةً وما يجمع إليها مثل: لو ترك الظهر مع العصر حتى غابت الشمس كفر، ولو ترك الظهر حتى دخل وقت العصر لم يكفر. ولكن الذي أرى: أن من يصلي ويترك لا يكفر. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 27 حكم الصلاة بلا أذان ولا إقامة السؤال رجل صلى فريضة بلا أذان ولا إقامة، ما حكم صلاته؟ الجواب صلاته صحيحة؛ لأن الشخص الأذان والإقامة في حقه سنة، حتى لو كانوا جماعة وتركوا الأذان والإقامة فصلاتهم صحيحة، لكنهم آثمون حيث لم يؤذنوا ولم يقيموا. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 28 الانشغال عن الصلاة بتشجيع النوادي السؤال فضيلة الشيخ! ما رأيك في الذين يشجعون الأندية الرياضية أثناء الصلوات ويتكاسلون عن أداء الصلوات؟ الشيخ: يشجعون الأندية ويحضرونها أم لا يحضرونها؟ السائل: يحضرونها. الشيخ: يشجعونها ويحضرونها ولا يؤدون الصلاة. السائل: يتكاسلون عن أداء الصلوات. الشيخ: أرى أن هؤلاء خسروا دنياهم وأخراهم، حيث لم يستفيدوا من أعمالهم إلا هذا اللهو واللعب، وأضاعوا الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فإذا كنت تعرفهم جزاك الله خيراً فانصحهم وقل: اتقوا الله، هذه الأندية لا تنفعكم. لكني أقول: والحمد لله في النوادي الآن شبابٌ صالح يحتضن الشباب ويوجههم، وإذا جاء وقت الصلاة صلوا، أي: لا نحكم على كل الأندية بأنها ليست مستقيمة، بل من الأندية ما فيها خير كثير. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 29 حكم شراء ذوات الأنياب والمخالب السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم شراء ذوات الأنياب والمخالب من أجل الحدائق؟ الجواب ظاهر كلام العلماء أنه حرام؛ لأنهم يقولون: إن السباع إذا كانت تصلح للصيد جاز بيعها وشراؤها، أما إذا كانت لا تصلح فإنه لا يجوز بيعها ولا شراؤها، هذه قاعدة الفقهاء، والمسألة تحتاج إلى نظر؛ لأنه قد يقال: إذا كانت لا تلهيه عن طاعة الله فإنه لا بأس بها، لكنها تحتاج إلى نظر، وإنما أخبرك الآن عن كلام الفقهاء، وأما رأيي فتحتاج إلى نظر. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 30 حكم توريث المسلم من الكافر السؤال فضيلة الشيخ! ماذا يفعل بمال الكافر إذا مات، هل يعطى أولاده، أم لا؟ الجواب أولاده كفار أم مسلمون؟ السائل: مسلمون. الشيخ: لا يعطى أولاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) . الجزء: 192 ¦ الصفحة: 31 حكم أكل البصل والثوم قبل الصلاة السؤال ما حكم أكل البصل والثوم للرجل قبل الصلاة؟ الجواب يجوز للإنسان أن يأكل البصل والثوم، ولو كان قرب وقت الصلاة إذا كان لا يريد التحيل على ترك الصلاة، ولكن إذا جاء وقت الصلاة والرائحة لا تزال في فمه فلا يحضر المسجد، ولعله يحاول أن يستعمل من الأشياء ما تزول به الرائحة، حتى يحصل له حضور المسجد. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 32 وجوب توجه المصلي في الحرم نحو الكعبة السؤال الصلاة في الحرم، إذا كان الحرم مزدحماً، والإنسان داخل الحرم، لكن لم يتجه إلى اتجاه الكعبة كاملاً، كالخطوط. أو هذه الأشياء، تصح صلاته، أم لا بد من استقبال عين الكعبة؟ الجواب من كان في المسجد الحرام يمكنه مشاهدة الكعبة فلا بد أن يشاهد الكعبة، وأن يكون متجهاً إليها بجميع بدنه. السائل: الأعمدة، وبالنسبة إذا امتد الصف إلى خارج المسجد لا يستطيع. الشيخ: أما خارج المسجد فالآن والحمد لله جعلوا البلكات متجهة إلى الكعبة بالضبط، كل الساحات التي حول المسجد اتجاهها إلى الكعبة يقيناً، وكذلك السطح، أما الداخل فهم الآن وضعوا خطوطاً دقيقة تدل الإنسان على مواجهة الكعبة. السائل: وهل الرؤية شرط؟ الشيخ: ليست شرطاً، المهم أن يكون متجهاً إلى الكعبة، حتى لو حال بينه وبينها عمود. السائل: بالنسبة يا شيخ للصفوف المتقطعة، أحياناً الإنسان يكون في الدور الثاني، وقامت الصلاة، هل يجب عليه النزول لملء الصفوف السفلى؟ الشيخ: لا يجب، لكنه يتقدم ويكمل الصف الأول فالأول في نفس الدور الثاني. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 192 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [193] هذا اللقاء عبارة عن تفسير آيات من سورة الرحمن حيث ابتدأ تفسيره بقوله تعالى: (ومن دونهما جنتان) إلى آخر السورة، مبيناً وموضحاً المعاني والأحكام والعبر والعظات من خلال هذه الآيات. ثم أجاب عن الأسئلة. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الرحمن الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة باسم (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا هو يوم الخميس السابع من شهر شعبان عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تبقى من سورة الرحمن. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ومن دونهما جنتان) قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] أي: من دون الجنتين السابقتين جنتان من نوعٍ آخر، وقد جاء ذلك مبيناً في السنة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما) والآية صريحة في أن هاتين الجنتين دون الأوليان، {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:62-64] أي: سودوان من كثرة الأشجار، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:65] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (فيهما عينان نضاختان) قال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] أي: تنضخ بالماء -أي: تنبت- وفي الجنتين السابقتين قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) [الرحمن:50] والجري أكمل من النبع؛ لأن النبع لا يزال في مكانه لكنه لا ينضب، أما الذي يجري فإنه يسيح، فهو أعلى وأكمل. {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:66-67] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] وهناك يقول: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] أما هذا فقال: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) والنخل والرمان معروفان في الدنيا، ولكن يجب أن تعلموا أنه لا يستوي هذا وهذا، الاسم واحد والمسمى يختلف اختلافاً كثيراً، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولو كان النخل والرمان في الجنة كالنخل والرمان في الدنيا لكنا نعلم، لكننا لا نعلم، فالاسم إذاً واحد ولكن الحقيقة مختلفة، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط] {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:68-69] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فيهن خيرات حسان) {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:70] (فيهن) في الأول قال: (فيهما) هل هناك فرق؟ الأول مثنى (فيهما) اثنين، وهذا (فيهن) جمع، كيف قال: (فيهن) ، وقال قبل ذلك: (فيهما) ؟ لأن هذا الجمع يعود على الجنان الأربع كلها، ففي الجنان الأربع (قاصرات الطرف) كما سبق، وفي الجنان الأربع (خيرات حسان) (فيهن) أي: في الجنان الأربع، (خيرات) خيرات في الأخلاق، أخلاق طيبة، (حسان) الوجوه والهيكل، فالأول حسنٌ باطن وهذا حسن ظاهر. {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:70-71] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (حور مقصورات في الخيام) قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] الحوراء هي الجميلة التي جملت في جميع خلقها، وبالأخص العين شديدة البياض شديدة السواد واسعة مستديرة من أحسن ما يكون (مقصورات) أي: مخبآت (في الخيام) جمع خيمة، والخيمة معروفة وهي بناء له عمود وأروقة، لكن الخيمة في الآخرة ليست كالخيمة في الدنيا، خيمة من لؤلؤ طولها في السماء مرتفع جداً، ويرى من في باطنها من ظاهرها ولا تسأل عن حسنها وجمالها، هؤلاء الحور مقصورات مخبآت في هذه الخيام، على أكمل ما يكون من الدلال والتنعيم، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:73] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] أي: لم يجامعهن أحد، بل هي باقية على بكارتها إلى أن يغشاها زوجها إذا دخل الجنة، جعلنا الله وإياكم منهم (لم يطمثهن إنس ولا جان) أي: ولا جن، وهذا يدل على أن الجن يدخلون الجنة مع الإنس، وهو كذلك؛ لأن الله لا يظلم أحداً، والجن منهم صالحون ومنهم دون ذلك، منهم مسلمون ومنهم كافرون، كالإنس تماماً، كما أن الإنس فيهم مطيع وعاصٍ، فهم فيهم كافر ومؤمن، كذلك الجن، والجني المسلم فيه خير يدل على الخير، وينبأ بالخير، ويساعد أهل الصلاح من الإنس، والجني الفاسق أو الكافر مثل الفاسق أو الكافر من بني آدم سواءً بسواء، كافرهم يدخل النار بإجماع المسلمين، كما في القرآن: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38] وهذا نص القرآن، وأجمع العلماء على أن كافر الجن يدخل النار، ومؤمن الجن يدخل الجنة، ولهذا سورة الرحمن (فبأي آلاء ربكما تكذبان) يعني: الجن والإنس، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] يدل على أن الجن يدخلون الجنة وهو كذلك. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:74-75] . الجزء: 193 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:76] (متكئين) أي: معتمدين بأيديهم وظهورهم (على رفرف) أي: على مساند ترفرف فيها رفرفة مثل الشلش الذي يكون في المساند، يكون في الأسرة هكذا يرفرف، متكئين على الرف الخضر؛ لأن اللون الأخضر أنسب ما يكون للنظر، وأشد ما يكون بهجة للقلب، (وعبقري حسان) العبقري: هو الفرش الجيدة جداً، ولهذا يسمى الجيد من كل شيء: عبقري، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية التي رآها حين نزع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (فما رأيتُ عبقرياً يفري فرية) أي: ينزع نزعة من قوته رضي الله عنه. {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:76-77] ومعنى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) التقرير، أي: أن النعم واضحة، فبأي شيءٍ تكذبون؟ الجواب لا نكذب بشيء، نعترف بآلاء الله -أي: بنعمه- ونقر بها، ونعترف أننا مقصرون، لم نشكر الله تعالى حق شكره، ولكننا نؤمن بأن عفو الله أوسع من ذنوبنا، وأن الله تبارك وتعالى عفوٌ كريم يحب توبة عبده، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، حتى قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم) وذكر الرجل في فلاة أضل راحلته -ضيعها- وعليها طعامه وشرابه، فطلبها ولم يجدها وهو في فلاة من الأرض ليس حوله أحد، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت -أي: يئس من الحياة- فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذه وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ماذا يريد؟ يريد: أنت ربي وأنا عبدك، لكن من شدة الفرح أخطأ، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، فالله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا الرجل بناقته، اللهم تب علينا يا رب العالمين. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) قال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] ختم السورة بهذه الجملة العظيمة، أي: ما أعظم بركة الله عز وجل، وما أعظم البركة باسمه، حتى إن اسم الله يحلل الذبيحة أو يحرمها، لو ذبح إنسان ذبيحة ولم يقل: باسم الله، ماذا تكون؟ تكون ميتة حراماً نجسة، مضرة على البدن، حتى لو نسي، ذبحها ونسي أن يقول: بسم الله فهي حرام، نجسة، تفسد البدن، فيجب أن يسحبها للكلاب؛ لأنها نجسة، قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] فانظر البركة، الإنسان إذا توضأ ولم يسم فوضوءه عند بعض العلماء: وضوء فاسد لابد أن يعيده؛ لأن البسملة واجبة عند بعض أهل العلم. يرى الإنسان الصيد الزاحف أو الطائر فيرميه ولم يسم ماذا يكون هذا الصيد؟ يكون حراماً، ميتة، نجساً، مضراً على البدن. الإنسان إذا أتى أهله -يعني: جامع زوجته- وقال: (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كان هذا حمايةً لهذا الولد الذي ينشأ من هذا الجماع من الشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً) الإنسان يسعى يميناً وشمالاً لحماية ولده، ويخسر الدراهم الكثيرة، وهنا هذا الدواء من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو غالٍ أم رخيص؟ رخيص ومن حيث العمل سهل، هذا يحميه من الشيطان أبداً، (باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) كل هذا دليل على بركة اسم الله عز وجل، ولهذا قال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78] أي: ذي العظمة والإكرام، هل الإكرام يعني: هو يُكَرم أم هو يُكِرم؟ كله، فهو يُكَرم ويحترم ويعظم عز وجل، وهو -أيضاً- يُكِرم، قال الله تعالى في أصحاب الجنة -اللهم اجعلنا منهم-: {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:35] فهو ذو الجلال والإكرام، يكرم من يستحق الإكرام وهو يكرمه عز وجل عباده الصالحون، جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه. وإلى هنا تنتهي قراءاتنا في التفسير وبه تنتهي سورة الرحمن. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 193 ¦ الصفحة: 11 حكم مشاهدة الأفلام الكرتونية الهادفة السؤال فضيلة الشيخ! فيما يتعلق ببعض الوسائل التربوية تقوم بعض المؤسسات الإعلامية بإنتاج أفلام فيديو كرتونية هادفة بلباسٍ إسلامي تحكي بعض قصص الفاتحين ومشاهير الإسلام، وقد بان أثرها جلياً من إقبال الناس عليها وتعلق الصغار بها، فهل يرى فضيلة الشيخ أن نعتبر هذه الوسائل بديلاً جزئياً لما يبثه الإعلام من زخمٍ وما يعقبه من فساد الدين والفضيلة؟ الجواب لا شك أن هذه الأفلام التي خرجت أن فيها فائدة ومصلحة من وجه، وفيها كف مفسدة، مما ينشر في الإعلام الذي يريد به ناشروه (هدم الأخلاق) والعقيدة، لعلكم تدركون معنى قولي: هدم الأخلاق؛ لأن كثيراً من الذين يشاهدون ما يبث -ولا سيما في الدشوش- فسدت أخلاقهم وانحطت، يعني: هناك أناس متخرجون من كليات شرعية، ملتزمون ابتلوا بمشاهدة هذه الأفلام فانسلخت أخلاقهم إنسلاخاً كاملاً -والعياذ بالله- وصاروا إلى حدٍ لا أحب أن أتكلم ما أسمع، وهذا واضح، لكن كيف تكون هدماً للعقيدة -الإيمان بالله عز وجل- لأن الإنسان إذا مال إلى الشهوات وتعلق بالشهوات المحرمة فإن ذلك يسبق عقيدته، ويكون همه يقظان ونائم، همه هذه الشهوات فتنسلخ العقيدة وتذهب -والعياذ بالله- القلب إناء، الإناء إذا ملأته بماء هل يمكن أن تزيده لبناً؟ لا، لو صببت عليه لبناً تناثر، فهو إناء إن ملأته بالخير امتنع عن الشر، وإن ملأته بالشر امتنع عن الخير، فهذه الأفلام التي سأل عنها أخونا لا شك أنها مفيدة، لكن بقي أن هذه الأفلام التي اصطنعها ليس عنده علمٌ فيما وراء المظهر، فمثلاً: نسمع أنه يعرض فيها محمد الفاتح، الصبي إذا صار يشاهد هذا الفيلم لا تفكر أنه يتصور أن أحداً من أبطال الإسلام أعظم من محمد الفاتح، ويظن أن محمد الفاتح هو بطل الإسلام الوحيد، وهذه مشكلة، وإن عرض خالد بن الوليد وأشباهه من أبطال الصحابة فهي مشكلة أيضاً؛ لأن الصحابة لا نرى جواز تمثيلهم أبداً، فهي مشكلة. لكن لو عرض في هذه الأفلام معارك بين المسلمين وأعدائهم دون التنصيص على شخصٍ معين حتى لا تتعلق به النفوس لكان خيراً، حتى لو لم تكن على هذا الوضع وكانت على عرض ما يشاهد في الكون من الكواكب والنجوم والشمس والقمر وما يشاهد في الأرض من الأنهار وغيرها فهذا أيضاً طيب، ولو عرض -أيضاً- ما شوهد في الأسبوع الماضي من الشهب الكبيرة التي انتشرت والبعض منكم رآها، واستفاضت بها الأخبار من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة حتى طردها نور الشمس والناس يشاهدونها من الشرق والغرب والشمال والجنوب وفوق الرءوس، لكنها من الشرق أكثر، بالآلاف حسب من نقل لنا هو وجماعة معه ليست بالمئات ولا بالعشرات تتهاوى. لكن يقول: لا يصطدم بعضها ببعض على كثرتها، حتى يقول: أيقظنا نورها وظننا أن هذا فرق مستمر. فمثل هذا المشهد لو عرض صار من أعظم ما يكون تخويفاً ورقة للقلب. فنرجو من أصحاب الأفلام أن يستعملوا مثل هذه الأشياء، أما أن يُخصص فاتح في العصور المتأخرة بعد الصحابة حتى يظن الطفل أو الصبي أنه لا أعظم بطولة من هذا الرجل هذا لا نراه؛ لأن هذا ينسي خالد بن الوليد وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من الأبطال. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 12 حكم حضور النساء الأفراح التي فيها غناء السؤال فضيلة الشيخ! بعض الأخوات تسأل تقول: نحضر بعض حفلات الزواج، وعندما يبدأ الطبل والغناء نخرج إلى خارج فناء قصر الأفراح ولا نسمع الغناء فما حكم ذلك؟ وهل تبرأ الذمة إذا قمنا بتوزيع بعض الأشرطة والكتيبات النافعة؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن الغناء مع الدف في ليالي العرس من الأمور المطلوبة، لكن بالدف لا بالطبل، الدف الذي ليس له إلا وجه واحد، هذا جاءت به السنة، وأمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ينكر ولا يقام عن المكان الذي هو فيه، لكن إذا كان فيه موسيقى أو طبول فلا بد من الإنكار أولاً، فإن أبوا فالواجب الخروج من المكان، ثم من الأحسن الخروج حتى من القصر إذا أمكن أن نهجر هؤلاء الذين أصروا على معصيتهم، وإذا كانت المرأة المدعوة تعلم أن هذا سيكون فلا تذهب أصلاً، لكن أحياناً لا تدري إلا وقد وقعت في هذا. وتوزيع الكتيبات النافعة أو الأشرطة النافعة هذا طيب جداً ويستمر عليه، إن شاء الله مطلوب في نفس المكان، ورأيت بعض الناس يتوجه ببطاقة الدعوة وضع فيها كتيباً أو شريطاً. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 13 حكم صلاة المغرب مع من يصلي العشاء السؤال هناك سؤال بالنسبة للمسافرين: في بعض الأحيان نأتي إلى صلاة المغرب بنية جمع تقديم، فنرى الجماعة تصلي -مثلاً- العشاء ونحن نريد المغرب جمع تأخير، في هذه الحالة نكون في إشكال؛ لأنهم يتمون أربع ركعات ونحن نريد ثلاث ركعات أو غير هذا؟ الجواب هذه لا إشكالات فيها وحلها: أنك تدخل معهم بنية المغرب، فإن دخلت من أول ركعة فإذا قام الإمام للرابعة اجلس واقرأ التشهد وسلم، وادخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن أدركتهم في الركعة الثانية سلم معهم؛ لأنك صليت ثلاثاً، وإن أدركتهم في الركعة الثالثة تأتي بركعة وهلم جراً، هذا هو الحل ولا إشكال في هذا إن شاء الله. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 14 حكم إقامة وليمة تصيد الأخطاء السؤال هناك عادة موجودة عبارة عن إقامة وليمة تصيد الأخطاء، في مجلس من المجالس -مثلاً- عندما يقع خطأ من أحد الناس يقال مثلاً: عليك حق، وعندما يحدث تنازع يلجئون إلى شخص ثالث يفصل في القضية فيقال: هل يكون عليَّ حق أم لا؟ فما الحكم في هذا؟ الجواب هذان سؤالان بارك الله فيك، أدخلتهما في سؤال والحيلة في العلم ما فيها بركة. أما الأول: فأرى أنه من أكل المال بالباطل، يعني: إني أسمع أنه إذا قال: يا محمد وهو اسمه عبد الله، قال: عليك حق، بأي شيء؟ السهو يكون من كل إنسان، وربما نفس الذي قال: يا عبد الله لمن اسمه محمد واسمه عبد الله ربما يكون هنا قصدك من أجل أن يكون عليك حق ويضحكون عليك، أرى أن هذا من أكل المال بالباطل، ما الذي حصل؟ فالعدول عنه لا شك أبرأ للذمة وأحوط. أما إذا تنازع شخصان ثم اصطلحا أن يصلح بينهما شخص ورأى أن أحدهما ظالم وأنه لا يسمح صاحبه إلا أن يصنع وليمة فأرجو ألا يكون به بأس، بشرط: ألا يكون هذا على وجه الإلزام، أو يكون بدلاً عن حكم الله، كما يوجد في بعض القبائل؛ لأن هذا محرم ولا يجوز. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 15 الرد على من يقول: إن رسم القرآن في عهد الرسول لم يكن منقطا ً السؤال في شبهة يقولون: إن رسم القرآن الحالي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير منقط، والآن موجود الرسم الحالي منقط، فيقولون: إن هناك تلاعباً -والعياذ بالله- في قضية كيف عرض الباء والتاء والثاء كيف الرد عليهم يا شيخ؟ لأن الرسم الحالي منقط ومشكل، وعندما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك، فيقال: كيف ميزوا بين هذه الأحرف؟ الجواب أولاً: نرد على هؤلاء فنقول: إن القرآن لم ينزل مكتوباً كالتوراة، التوراة نزلت مكتوبة، القرآن نزل بالسماع -بالصوت- إذاً ما هناك حرف معين منقط أو غير منقط فهو كلام يبقى النظر في كتابته، الصحابة رضي الله عنهم حينما كتبوه على عهد عثمان المصحف الموحد كتبوه حسب القواعد المعروفة في ذلك الوقت، وهي في ذلك الوقت على هذا الواقع، ولذا على نفس الموضوع الموجود في المصاحف، ولهذا تجد أن هذه القاعدة تخالف القاعدة المعروفة عندنا، فالصلاة مثلاً تكتب بالواو في المصحف والزكاة بالواو، والربا بالواو، وحسب القاعدة التي عندنا، كذلك الصلاة والزكاة تجد أن فيها الألف المشالة، وهذه فيها الألف بدلها، وأشياء كثيرة مختلفة، فهذا خاضع للاصطلاح، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز أن نكتب المصحف الآن على الرسم الموجود في عصرنا، أو لا بد أن نلتزم بالرسم العثماني؟ فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا بأس أن نرسمه على حسب رسمنا نحن. القول الثاني: أنه لا يجوز مطلقاً، وأنه يجب إبقاء الرسم كما هو؛ وذلك لأن القواعد الرسمية -الخط يعني- يختلف من بلدٍ لآخر، فالواجب إبقاء القرآن محترماً على ما جاء أولاً. القول الثالث: هو التفصيل: إذا كتبناه للصغار الذين يتعلمون نكتبه حسب القواعد المعروفة عندهم؛ لئلا يغيروا اللفظ؛ لأن الصبي لا يعرفها، إذا قرأ (أقيموا الصلاة) يجول حسب قواعد الصوت مثلاً، فيقول: إذا كان للتعليم فلا بأس أن يكتب بالحرف الموجود الآن، وإذا كان للتلاوة من الكبار فإنه لا يجوز. وهذا القول لا شك أنه أحسن وهو التفصيل. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 16 حكم الإتيان بدعاء الاستفتاح في الركوع السؤال فضيلة الشيخ! هناك رجل كبير في السن إذا جاء والإمام راكع يبدأ بدعاء الاستفتاح ولا يقول: سبحان ربي العظيم، ثم يقوم الإمام وهو لم يقم، فهل تعتبر هذه الركعة صحيحة، وهل يعيد الصلوات إذا كانت هذه الركعة غير صحيحة؟ الجواب هو يظن إذاً أن الاستفتاح يقال في أول ركعة، من بداية الصلاة، هذا يجب عليه أن يسجد للسهو، إن أوجبنا عليه سجدة السهو؛ لأنه ترك الواجب وهو سبحان ربي العظيم، وصلاته صحيحة ما دام يكبر للإحرام وهو قائم فالصلاة صحيحة، ولا إعادة عليه ولا شيء. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 17 حكم قطع جزء من آذان الأنعام لزيادة ثمنها السؤال ما حكم قطع جزء من آذان الأنعام والماعز بحجة أن شكلها يجعلها مرغوبة في البيع ويزداد سعرها؟ الجواب لا بأس بذلك، بشرط ألا يؤلمها، بمعنى: أن يبنج الموضع الذي يريد أن يقطع منه حتى لا تتألم، ولهذا جاز لنا أن نكوي البهائم بالوسم حفاظاً عليها لئلا تضيع. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 18 معنى قوله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) السؤال يا شيخ! ما معنى الآية: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ؟ وقوله: {مَنْ يَشَاءُ} هل تعود إلى الله سبحانه وتعالى أم إلى العبد؟ الجواب تفسيرها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حريص على هداية الخلق، يحب عليه الصلاة والسلام أن يهتدي به جميع الخلق، ولكن هذا ليس إليه، عليه شيء واحد وهو البلاغ والدعوة فقط، أما أن يهدي الخلق فليس عليه شيء، كما قال في آيةٍ أخرى: ((لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)) [البقرة:272] هذه مثلها: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] والهداية هنا بمعنى التوفيق، لا بمعنى الدلالة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدل الخلق، كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] لكن ليس بيده أن يجعل الإنسان يهتدي، ولهذا حرص غاية الحرص على أن يختم الله تعالى لعمه أبو طالب بكلمة التوحيد، ولم يتمكن، أبو طالب كلنا يعرف ما له من أيادٍ ونصر للرسول عليه الصلاة والسلام ويحوطه ويذب عنه بقوله وفعله، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حريص على أن يهتدي، أتى إليه وهو في سياق الموت، وقال له: (يا عم! -لفظة رقيقة- قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، وكان عنده رجلان من قريش، وجليس السوء كله سوء، فكان الرسول يقول له: قل: لا إله إلا الله وهما يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟) ما هي ملة عبد المطلب؟ اللات إله والعزى إله ومناة إله- أترغب عن ملة عبد المطلب؟ آخر ما قاله -والعياذ بالله- هو على ملة عبد المطلب -اللهم أحسن خاتمتنا يا رب، اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا- قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، أتدرون ماذا حصل؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس وفاءً بالمعروف، كافأ عمه وشفع له عند الله، فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه -والعياذ بالله- وهما في رجليه ودماغه أعلى بدنه يغلي منهما، ما بالك في بطنه وصدره؟ أشد وأشد؛ لأنه أقرب إلى النار -نسأل الله العافية- فكان في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه أبد الآبدين، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) الرسول عليه الصلاة والسلام جزع وقال: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) أي: جزع من فعل أبي طالب وامتناعه، لا من قدر الله، قدر الله هو راضٍ به لا شك، لما قال: (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) اسمع ما الذي نزل؟ أنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] ثم أجاب الله عن شيء آخر ورد استغفار رسول -لا تتعجب- استغفار رسول من أولي العزم لأبيه، أجاب الله عنه فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] ولهذا لا يجوز لنا إذا علمنا أن أحداً من أقاربنا أو أصدقائنا مات وهو لا يصلي لا يجوز أن نستغفر الله له، لو فعلنا لخرجنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا؛ لأن الله يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113] فإذا علمت أن أباك أو أخاك أو ابنك مات وهو لا يصلي لا تستغفر له، أتريد أن تحاد وتضاد الله في قدره؟! إن الله قضى على الكافرين أنهم في النار، ولا أحد يستغفر لأحد من المشركين أبداً. إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يهدي الخلق إلى الحق -يدلهم عليه- ولا يستطيع أن يهتدوا، الأمر بيد من هو فوق الرسول عليه الصلاة والسلام وفوق كل أحد وهو الله عز وجل، سبحان الله! عجائب الخلق، إبراهيم أبوه كافر أم مسلم؟ كافر، نوح ابنه كافر سبحان الله! كافر خرج من رسول من أولي عزم، ورسول خرج من كافر من أولي العزم، ليتبين لك بذلك قدرة الله عز وجل، وأنه على كل شيءٍ قدير، اللهم اهدنا فيمن هديت. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 19 ما يُقلب من الملابس بعد صلاة الاستسقاء السؤال بالنسبة للضابط في قلب الرداء بعد صلاة الاستسقاء هل يكون الشماغ بديلاً للرداء، أو الفروة؟ الجواب الشماغ ليس بديلاً للرداء، والفروة مثل الرداء؛ لأنها على البدن، والمشلح أيضاً، لكن الغترة لا، الغترة أشبه في عهد الرسول بالعمامة، فلا تدخل في الحديث. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 20 الحالات التي يجوز فيها الكذب السؤال الحالات التي ورد ذكرها في حديث أم كلثوم وحديث أسماء بنت يزيد التي يجوز فيها الكذب، هل المراد بالكذب الكذب الحقيقي أم المعاريض والتورية؟ وإذا كان حقيقياً هل يقاس عليه مصلحة درء مفسدة؟ الجواب الكذب في ثلاث الأولى: الحرب. الثانية: حديث الرجل مع زوجته والعكس. الثالثة: للإصلاح بين متخاصمين. بعض العلماء يقول: هذا هو الكذب الصريح؛ لأن التورية تجوز في هذا وغيره. ومنهم من يقول: إن المراد التورية كما قال إبراهيم: إنه يعتذر بأنه كذب ثلاث كذبات وهي كلها تورية، والاحتياط: ألا يقول إلا تورية، حتى في الحرب لا يقول: إلا تورية، ولذلك يقال: إن عمرو بن ود أراد المبارزة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمبارزة: إذا التقى الصفان طلبوا المبارزة، رجل منكم يبرز لرجل منا؛ لأنه إذا غلب أحدهما حصلت الذلة لأصحابه، لما خرج عمرو بن ود ليبارز علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب معروف بالذكاء رضي الله عنه صاح به، وقال: ما خرجت لأبارز رجلين، ما الذي حصل؟ عمرو بن ود التفت يحسب أن معه أحداً، يحسب أن أحداً لحقه، فلما التفت ضربه علي بن أبي طالب على رقبته وخلصه، هذه تورية طيبة وفي الحرب. كذلك الإصلاح بين الناس، إذا رأيت اثنين متخاصمين تصلح بينهما تقول: لا والله لا يذكرك إلا بخير وما أشبه ذلك وتنوي شيئاً آخر. أما حديث الرجل مع زوجته فاحذر أن تكذب عليها، لا تكذب عليها، لا تقل: والله أنا اشتريت الثوب هذا بألف ريال وهو بعشرين ريالاً، وتسأل عن قيمته في السوق وهو بعشرة ريالات، ماذا يصير؟ مشكلة، يحصل الضد، فلا تكذب عليها، احذر هذا، لا بأس أن تقول: إني أحبك وأنتِ غالية عليَّ وما أشبه ذلك، وهي كذلك أيضاً، وأيضاً لا تحدثها بهذا، لو حدثتها بهذا الحديث لأخذته بظاهره ثم صارت كل يوم تكذب عليك، فالظاهر لي والله أعلم: أن المراد بذلك التورية وأن الكذب الصريح لا يجوز إلا عند الضرورة القصوى. والحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 193 ¦ الصفحة: 21 لقاء الباب المفتوح [194] صيام رمضان ركن من أركان الإسلام التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، والصيام لا يكون واجباً إلا إذا توفرت فيه عدة شروط، والشروط مذكورة في هذا اللقاء، والصوم الحسي -وهو الذي يستطيعه كل إنسان- هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وجميع المفطرات الأخرى، لكن الصوم الحقيقي هو الإمساك عن الوقوع في محارم الله عز وجل. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 1 من أحكام الصيام الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر شعبان عام (1419هـ) . وبما أن الطلاب في زمن امتحان، فإننا سنجعل هذا اللقاء اليوم آخر لقاءٍ لنا في هذا الشهر، ونستأنف اللقاء إن شاء الله تعالى بعد العيد، وبناءً على ذلك نتكلم بما ييسر الله عز وجل من الصيام وأحكامه. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 2 مكانة الصيام من ديننا وفرضيته إن الدين الإسلامي بني على خمسة أركان -خمسة دعائم- هي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، فالصيام أحد هذه الأركان، فرضها الله عز وجل في السنة الثانية من الهجرة، ومن تيسير الله تعالى على عباده أن من شاء صام ومن شاء أطعم في أول الأمر ثم تعين الصيام، فصار صيام رمضان فرض عين، ولا يُعدل عن الصيام إلى الإطعام إلا إذا كان الإنسان يعجز عنه -أي: عن الصيام- عجزاً مستمراً فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 3 شروط الصيام الصيام لا يجب إلا بشروط: الشرط الأول: الإسلام. والثاني: البلوغ. والثالث: العقل. والرابع: القدرة. والخامس: الإقامة. والسادس: ألا يكون هناك مانع. - الشرط الأول: الإسلام وضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الصوم، ولا يؤمر به ولا ينصح به، وإذا أسلم فإنه لا يلزمه القضاء لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] . - البلوغ: ضده الصغر، فالصغير الذي دون البلوغ لا يلزمه الصوم، ولكن يؤمر به ليعتاده، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم الصغار حتى إن الواحد من هؤلاء الصغار ليبكي فيعطونه العهن يتلهى به -يعني شيئاً يتلهى به- حتى تغرب الشمس. - العقل: ضده فقد العقل، سواءً كان بالجنون، أو كان بغيبوبة من حادث، أو كان ببلوغ الكبر حتى يهذي في كلامه ولا يعرف، فهؤلاء كلهم ليس عليهم صيام، وليس عليهم إطعام، فلو أصيب الإنسان بحادث قبل دخول شهر رمضان ولم يفق منه إلا بعد خروجه فلا شيء عليه؛ لأنه ليس من أهل الوجوب، ولذلك لا يقضِ الصلاة ولا يقضِ غيرها مما يجب في ذلك الوقت، وكذلك للذي يهذي، وهو الذي بلغ السن الكبيرة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأن هؤلاء كلهم بمنزلة الصغار. - الرابع: القدرة وضدها العجز، فمن عجز عن الصيام فلا صيام عليه، لكن إن كان عجزه عارضاً يرجى زواله، كالمرض العادي فإنه ينتظر حتى يشفيه الله، ثم يقضي، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] وإن كان عجزه لازماً -أي: مستمراً- كالكبير العاجز عن الصوم، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، إما أن يعطي كل واحدٍ كيلو من الرز عن اليوم الواحد، وإما أن يجمعهم على غداءٍ أو عشاء، وإذا أعطاهم غير مطبوخ فينبغي أن يجعل معه شيئاً يؤدمه من لحمٍ أو غيره. - الخامس: الإقامة وضدها السفر، فالمسافر لا صوم عليه، حتى لو كان لا يشق عليه فإنه مخير بين الصيام والفطر، والأفضل أن يصوم إلا مع نوعٍ من المشقة فليفطر، وإنما قلنا: الأفضل أن يصوم؛ لأسباب: الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر يصوم، ولم يفطر إلا مراعاةً لأصحابه حيث قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: [كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في حرٍ شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء وما فينا صائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعبد الله بن رواحة] . ثانياً: أنه إذا صام صار أسهل عليه؛ لأن الناس كلهم صُوَّم، فيكون هذا أسهل عليه، أسهل عليه من القضاء؛ لأن القضاء ثقيل على الإنسان حيث أنه ينفرد به، وربما يتمادى به الوقت حتى يأتي رمضان الثاني. ثالثاً: أنه يدرك فضيلة الزمن، وهي فضيلة شهر رمضان. رابعاً: أنه أسرع في إبراء الذمة، لكن إذا حصل نوع مشقة ولو يسيرة فالأفضل أن يفطر. - السادس: ألا يوجد مانع، وذلك خاصٌ بالنساء، والمانع هو الحيض والنفاس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) لكن عليهما القضاء، فإن قال قائل: الحامل هل يلزمها أن تصوم؟ ف الجواب إذا كان لا يضرها ولا يضر ولدها وجب عليها أن تصوم، وإن كانت تخشى على نفسها أو ولدها فلها أن تفطر وتقضي فيما بعد. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 4 حقيقة الصوم وما يمسك عنه الصائم وبعض آدابه وأحكامه عماذا يصوم الإنسان: هل هو عن الأكل والشرب والجماع والمفطرات؟ الجواب نعم. هذا هو الصوم الحسي، الذي يستطيعه كل إنسان، لكن الصوم الحقيقي هو أن يصوم عن محارم الله، لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] هذه هي الحكمة أن يتقي الإنسان ربه، لا أن يترك الطعام والشراب والنكاح، وفسر هذه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه) فيتأكد على الصائم اجتناب المحرمات أكثر من غيره، فلا يغتاب أحداً، ولا يكذب، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغش بالبيع والشراء، ولا يتعامل بالربا، ولا يسب والديه، المهم أن يتجنب جميع المحرمات، ولا يتهاون بالواجبات، والعجب أن بعض الناس يصوم ولا يصلي، إما أنه لا يصلي مطلقاً، وإما أنه لا يصلي مع الجماعة، فأما من لا يصلي مطلقاً فصومه مردود؛ لأنه كافر، ولا يقبل منه أي عبادة، وأما من لم يصل مع الجماعة فإنه آثم، عاصٍ لله ورسوله، وصيامه ناقص، فأهم شيءٍ في الصيام هو تقوى الله عز وجل -أسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذلك. أما ما يصوم عنه من الأمور الحسية فهو الأكل والشرب والجماع وبقية المفطرات، لقول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فيجب على الإنسان من حين أن يتبين له الفجر أن يمسك إلى أن تغرب الشمس، والمفطرات كلها محصورة: الأكل والشرب، والجماع، وإنزال المني بشهوة باستمناءٍ أو تقبيل أو غير ذلك، والتقيؤ عمداً، وإخراج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، هذه المفطرات، ومع ذلك لا تفطر إلا بشروط: الشرط الأول: أن يكون الإنسان عالماً بالوقت وعالماً بأن هذا مفطر، يعني: لابد من العلم بشيئين: بالوقت يعني: يعلم أنه في النهار. والثاني: عالم بأن هذا الشيء مفطر. الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً، أي: ليس ناسياً. الشرط الثالث: أن يكون مريداً للمفطر. فللنظر: أن يكون عالماً، وضد العالم: الجاهل، فلو أن الإنسان فعل شيئاً من المفطرات يظن أنه ليس بمفطر، فلا شيء عليه، مثل أن يحتجم ويظهر منه الدم، يظن أن ذلك لا يفطر، فنقول: صيامه صحيح. وكذلك الجاهل بالوقت، لو أنه أكل وشرب فلما خرج من بيته وجد الناس قد صلوا صلاة الفجر، فهذا ليس عليه شيء؛ لأنه جاهل بالوقت، وهذا يقع كثيراً، بعض الناس لا يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فيظن أن الفجر لم يطلع، فيأكل ويشرب، ومثل ذلك: لو كان في البر وكانت السماء غيماً وليس حوله أذان، فظن أن الشمس قد غربت فأفطر، ثم ظهرت الشمس من وراء الغيم، فصومه صحيح؛ لأن هذه القضية وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم أفطروا في يوم غيم ظنوا أن الشمس قد غربت ثم ظهرت الشمس بعد إفطارهم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء. وسبب ذلك: أنهم كانوا جاهلين بالوقت، يظنون أن الليل قد دخل. وضد الذكر النسيان، فلو أكل الإنسان أو شرب ناسياً أنه صائم فصومه تام، لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) . الشرط الثالث: أن يكون مختاراً مريداً للفعل، فإن كان غير مختار فصيامه صحيح، لو تمضمض الإنسان وفي أثناء التمضمض نزل الماء بدون قصد إلى بطنه فصيامه صحيح؛ لأنه غير مريد، وكذلك لو احتلم وهو نائم فصيامه صحيح؛ لأنه بغير اختيار، كل هذا من نعم الله على عباده وتيسيره عليهم، ولهذا قال عز وجل في آية الصيام: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] . الجزء: 194 ¦ الصفحة: 5 فضل السحور ومما ينبغي للصائم أن ينوي بسحوره -أي: في تسحره- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: (تسحروا فإن في السحور بركة) . ثانياً: أن ينوي التأسي برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كان يتسحر. ثالثاً: أن ينوي بذلك مخالفة أهل الكتاب؛ لأنهم كانوا لا يتسحرون، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب -يعني في الصيام- أكلة السحور) لأن السحور يعني الطعام، والسحور يعني الفعل. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 6 من آداب الإفطار وينبغي -أيضاً- للصائم أن يبادر إلى الإفطار إذا تيقن غروب الشمس، سواءً أذن أو لم يؤذن المغرب، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر) ويفطر على رطب أولاً، فإن لم يمكن فعلى تمر، فإن لم يمكن فعلى ماء، وليحرص على كثرة الدعاء في حال الصيام، لا سيما عند الإفطار فإن ذلك حريٌ بالإجابة. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 194 ¦ الصفحة: 8 حكم لبس المرأة للبنطال أمام زوجها السؤال هل يجوز للمرأة أن تلبس البنطلون أمام زوجها؟ الجواب لا. لبس المرأة البنطلون حرام، لا يجوز سواءً عند زوجها، أو عند النساء، أو في السوق؛ لأن ذلك تشبه بالرجال، وتشبه المرأة بالرجال موجب للعنة الله -والعياذ بالله- ثم إنه يمحو الحياء من المرأة نهائياً؛ لأن المرأة إذا خرجت بالبنطلون تعرف أن أفخاذها الآن معروف أن حجمها بيِّن واضح، فيزول عنها الحياء، ولذلك تجد -مثلاً- الإنسان أول ما يرى أحد عورته يخجل جداً، فإذا كان لا يبالي بظهور عورته سهل عليه هذا. ثم إننا لا نأمن أن يأتي يومٌ من الأيام ويحدث النصارى واليهود ومن يريدون الإساءة إلى الإسلام والمسلمين أن يحدثوا بنطلونات على شبه الجلد أي: بلون الجلد، وضيقة أيضاً، فإذا لبستها المرأة صارت كأنها عريانة تماماً -نسأل الله العافية-. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 9 ضعف حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) السؤال فضيلة الشيخ: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم) هل هذا حديث، أم لا؟ الجواب لا يصح لا سنداً ولا معنىً، حتى المعنى، ألسنا نعرف اللغة العربية؟ بلى نعرفها، هل نحن نأمن العرب؟ الجواب: لا. ألا يمكن يكون معك صاحب يظهر لك الصداقة ويخونك؟ الحديث هذا لا يصح لا معنىً ولا سنداً. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 10 الحكم في مال لم يثبت هل هو وقف أم لا؟ السؤال فضيلة الشيخ! توفي والدي وتوكلت من بعده على مبلغ مائة وثلاثين ألف ريال لعمته وهو قيمة منزل تم بيعه منذ ثلاثة أعوام، فماذا أعمل بهذا المبلغ حيث لم يثبت أن هذا المنزل كان سبيلاً كما هو متعارف على الجميع؟ الجواب حسن إذا لم يثبت أنه وقف -يعني: سبيل- فهو ميراث، يوزع على ميراث المرأة. هي امرأة؟ السائل: نعم. الشيخ: يوزع على ميراث المرأة إلا إذا ثبت أنه سبيل. السائل: متعارف فقط عرف أنه سبيل بين الجميع. الشيخ: يعني: مشهور عند الجميع؟ السائل: معروف عرف لكبار السن والصغار أنه سبيل لكن ما في أحد يشهد. الشيخ: يعني: بالاستفاضة معروف عندهم أنه سبيل، إذاًَ نقول للورثة: ما دام أنه مستفيض فإن الورع في حقكم ألا تأخذوه يجعل في عمارة مسجد، وينتهي الموضوع. السائل: وإذاً: لا وارث لها سوى جدي -هي عقيم- ليس لها وارث إلا جدي أخاها. الشيخ: موجود؟ السائل: لا، توفى. الشيخ: إذا توفى يكون ورثته أبناؤه وزوجاته، هم الذين لهم المال. السائل: وهل على هذا المبلغ زكاة؟ الشيخ: ما عليه زكاة؛ لأنه إلى الآن ما تبين أمره. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 11 حكم قضاء القرض الربوي السؤال اقترض شخصٌ من بنكٍ ربوي قرضاً ربوياً ثم تاب الله عليه، وما زال البنك يخصم شهرياً من راتبه لتسديد القرض الذي أخذه، وليس عنده ما يسدد به القرض نقداً ويريد الخروج من البنك، فهل عليه شيء أن يسدد إلى أن ينتهي القرض؟ الجواب الواجب عليه أن يتبرأ من هذا الربا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن آكل الربا وموكله، بقدر ما يستطيع، إما أن يستقرض من إخوانه وأصدقائه ويوفي البنك من أجل أن يسقط الربا، المهم يدبر نفسه، فإن لم يمكن فليحرص على مدافعة البنك في أخذ هذه الزيادة، ولكن فيما أعلم أن البنوك لا توافق على هذا تريد حقها. السائل: لكنه يا شيخ! ما يقدر يخرج من البنك يتحول عنه إلا أن يسدد القرض الذي عليه. الشيخ: يسدد بالاستقراض من إخوانه وأصدقائه ويسدد. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 12 الرد على من يرى اجتماع أهل السنة بالرافضة السؤال ما رأيكم في هذا الكلام يا شيخ! يقول: لابد لنا نحن أهل السنة أن نمد أيدينا للرافضة نصافحهم ونبتسم في وجوههم ونجلس معهم ونضحك معهم ونتحدث إليهم ونزورهم ويزوروننا، ونصل بين ما قُطع بيننا وبينهم ونتحاور ونتشاور ونتعاون نحن وإياهم نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتحاور فيما اختلفنا فيه، فنجمع بين التعاون والتحاور، لا نريدهم أن يتنازلوا ولا نتنازل كلٌ يبقى في مكانه وكل في معتقده مع مواصلة التعاون والحوار؛ وذلك لأننا لا نريد الأمة أن تتشتت فوق الشتات التي تعيشه، ولا أن تتمزق فوق التمزق الذي هي واقعة فيه، لا نريد للأمة أن تواصل الشتيمة بعضها لبعض وسب بعضها للبعض الآخر، الأمة بحاجة إلى التعاون؛ لأننا نعيش واقعاً مريراً، نتعاون ونتحاور في سبيل انتشالها من واقعها المرير، وليس هناك داعٍ لأن يستفز بعضنا بعضاً، فإذا أردت أيها الرافضي! أن تسب أبا هريرة فسبه في بيتك، لكن لا تسبه علناً. إلى أن قال: وجدت أن مذهب الشيعة عبارة عن مجموعة أخطاء جمعت وقيل: هذا مذهب الشيعة، ولو أخذنا بعض الزلات لبعض علماء أهل السنة كـ ابن حزم مثلاً وكبار علماء الأمة في كتب موثوقة ومعروفة لكان فيها البلاوي، وهذا موجود في كل الأماكن، ولو جمعتها ووضعتها في كتاب وقلت: هذا مذهب أهل السنة والجماعة من كتبهم، يعني: بلفظه، قال: والله! نكون كفاراً. الجواب نقول: هذا الكلام خطأ، هل يمكن لأحد أن يبيح سب أبي هريرة لا علناً ولا سراً، مع ما منَّ الله به عليه وعلى الأمة من نقل هذه الأحاديث العظيمة التي حصلت بها ثروة عظيمة من الشريعة. على كل حال: هذا يجب أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يرجع عما كتب أو ما ألقى في شريط، لا يمكن هذا، هذا كلام مردود مرفوض، اللهم اهدنا فيمن هديت. أما اجتماع الأمة لا شك أنه واجب، كما قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] لكن واجب على أي شيء؟ على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما هو على الأهواء، (اعتصموا بحبل الله) بدأ بالحبل قبل أن يقول: (جميعاً) وحبل الله هو دينه وشريعته، وأما أن نتفق بالمداهنة، فهذا غلط، ولهذا نجد العلماء رحمهم الله يردون على المبتدعة ويرون أن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 13 مشروعية الفطر في السفر السؤال مجموعة من الشباب سافروا إلى جدة وسكنوا في جدة وأفطروا في رمضان وفي صباح اليوم الذي بعده الذي وصلوا فيه أفطروا، هل يجوز لهم الفطر؟ الجواب التعبير بـ (سكنوا) غلط، قل: أقاموا، حسناً لا حرج عليهم، لو كانوا يرجون أن يقيموا كل رمضان في الحجاز، في مكة أو في جدة فلهم أن يفطروا؛ لأنهم ما زالوا مسافرين، ولكن كما سمعت من قبل أن صوم المسافر أفضل إذا لم يكن فيه مشقة. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 14 حكم الجماع في نهار رمضان جهلاً أو نسياناً السؤال هل يتصور الجهل أو النسيان في الجماع؟ الشيخ: اسأل الأزواج. السائل: إلى الآن قلنا في المفطرات بأربعة شروط: أن يكون ذاكراً، لكن هل نعمم -مثلاً- على جميع المفطرات؟ الشيخ: كل المفطرات، كل المحظورات في كل عبادة، لابد فيها من الشروط الثلاثة هذه، حتى في الصلاة لو تكلم الإنسان ناسياً أو جاهلاً لا يدري أن الكلام يبطل الصلاة، حتى في محظورات الإحرام. السائل: في طرف واحد في هذه العبادة، لكن الجماع من الطرفين. الشيخ: نعم. والطرفان ألا يمكن أن ينسوا، المهم نقول: إنه إذا وقع النسيان، أما كونه يمكن أو لا يمكن؟ فهذا عقلاً ممكن لا شك، صحيح أن النسيان في الأكل والشرب أكثر من الجماع، لكن ما دام لدينا قاعدة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فهو شامل لكل شيء. السائل: أحد الصحابة أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أتيت أمراً عظيماً وهلكت، لم يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: هل كان جاهلاً أو ناسياً؟ الشيخ: قيل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم، قال: هلكت. وهذا يدل على أنه متعمد، ولهذا قال: (يا رسول الله! نسيت فأتيت أهلي) فلما قال: هلكت. علم بأنه كان متعمداً، ولكن لو أن الإنسان فعل ذلك -جَاَمَع- لكن لم يدرِ أن عليه كفارة، هل يعذر؟ لا يعذر، إذا علم أنه حرام فقد انتهك الحرمة فتجب عليه الكفارة حتى لو كان يقول: لو علمت أن هذه الكفارة ما فعلت. نقول: هذا ليس لك عذر. كالزاني مثلاً لو زنا وهو يعلم أن الزنا حرام، لكن لا يدري أنه يرجم إذا كان ثيباً، وقال: لو علم أنه يرجم ما فعل، نقول: هذا ليس لك بعذر. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 15 حكم صيام من أفطر على أذان من أذن قبل غروب الشمس السؤال فضيلة الشيخ! في رمضان أذن المغرب واتضح أن الشمس لم تغرب، وأكل وأفطر من سمعه، فهل يقضون هذا اليوم؟ الجواب لا. لا يقضون هذا اليوم، لماذا؟ لأن الذين أفطروا إن كانوا لا يشاهدون الشمس فقد بنوا على أذان المؤذن، وهم معذورون، وإن كانوا يرون الشمس فهم يظنون أن العبرة بالأذان فهم جاهلون أيضاً، فليس عليهم شيء. السائل: كانوا داخل مبنى لم يكونوا في الخارج حتى يشاهدوا الشمس. الشيخ: ما عليهم شيء، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] الحمد لله الذي وسع علينا، لكن إذا علموا مثلاً: لو فرضنا أنهم طلعوا ووجدوا الشمس يجب عليهم الإمساك، لو علموا أن الشمس لم تغرب بعد أن أكلوا يجب عليهم الإمساك، حتى اللقمة التي في أفواههم يجب عليهم أن يلفظوها. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 16 ضوابط رفع اليدين في الدعاء السؤال بالنسبة لضوابط رفع اليدين في الدعاء، علماً أن هناك مواضع جاءت بها السنة في رفع اليدين للحج والمطر ويوم الجمعة والاستغاثة؟ الجواب نقول بارك الله فيك: رفع اليدين في الدعاء على ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما وردت به السنة فهذا ظاهر أنها ترفع الأيدي فيه. والقسم الثاني: ما وردت السنة بخلافه، فهذا ظاهر -أيضاً- أنه لا يرفع فيه. والقسم الأول كثير وأيضاً القسم الثاني فمثلاً: لو أراد إنسان بين السجدتين أن يرفع يديه وهو يقول: رب اغفر لي وارحمني، نقول: لا. هذا بدعة، ولو أراد أن يرفع الخطيب في يوم الجمعة يديه في الدعاء، قلنا: لا. لا ترفع إلا في الاستسقاء والاستصحاء، الاستسقاء يقول: اللهم أغثنا، والاستصحاء يقول: اللهم حوالينا، ولو أراد أن يرفع يديه في دعاء الاستفتاح، قلنا: لا؛ لأن السنة وردت بخلافه. بقي القسم الثالث الذي لم ترد السنة به إثباتاً ولا نفياً، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل: (أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) . هذا حكم رفع اليدين في الدعاء. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 17 الأخذ بالرخصة أفضل من الأخذ بالعزيمة السؤال أيهما أفضل: الأخذ بالعزيمة، أم الأخذ بالرخصة؟ الشيخ: فسر لي هذا ومثل؟ السائل: مثل: الغسل في الليلة الشاتية يعني: ترك الغسل والتيمم أفضل، أم الغسل؟ الشيخ: لا. التيمم أفضل، إذا كان يخشى على نفسه، أضف إلى هذا: هل الأفضل أن يغتسل بالماء البارد، أو يسخن الماء؟ أيهما أفضل؟ يسخن الماء، لا يقول: أنا أريد أن أدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إسباغ الوضوء على المكاره) نقول: لا. الرسول ما قال: شددوا، إذا أمكن استعمال الماء الساخن فهو أفضل. السائل: كيف يصرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه) ؟ الشيخ: يعني: إذا رخص الله لك بشيء فلا تشدد على نفسك. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 18 زكاة عروض التجارة السؤال بالنسبة لزكاة عروض التجارة، هل تدفع بالقيمة الحالية أم تدفع تكلفة البضائع؟ الجواب لا. تدفع القيمة الحالية، مثلاً: إذا اشتريتها بألف وتبيعها بألفين زكِ باعتبار من الألفين. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 19 حكم الدخان الخارج من النار إذا دخل جوف الصائم السؤال ما حكم الدخان الخارج من النار عند الصوم، إذا دخل الجوف هل هو مفطر يا شيخ؟! الجواب لا. كيف يفطر؟ المحذور ما يفعله بعض الناس إذا تطيب بالبخور جعله إلى أنفه ثم استنشقه هذا هو المحظور؛ لأن الدخان يصعد إلى خياشيمهم وربما ينزل إلى المعدة، وأما إنسان يريد أن يتطيب فلا بأس، حتى لو مسح الطيب على وجهه فلا بأس. انتبه لهذا؛ لأن بعض الناس يظنون أن الصائم ما يتطيب، وهذا غير صحيح. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 20 معنى صفة الملل السؤال يا شيخ! جزاك الله خيراً: الكلام عن صفات الله عز وجل، والتي هي قد تكون بالنسبة للمخلوق هي صفة نقص، مثل صفة الملل، فهل يمكن أن نقول: إن هذه صفةٌ يختص بها الله عز وجل، أم نقول: فعل؟ الجواب نحن نمل ونتضجر ويصعب علينا الشيء، لكن ربنا عز وجل ملله ليس كمللنا، ملله يختص به ولا نستطيع أن نكيفه. كالغضب -مثلاً- إذا غضب الإنسان تصرف تصرفاً طائشاً، ربما يطلق نسائه، ويضرب أولاده، ويكسر أوانيه، لكن هل غضب الله يستلزم هذا؟ لا يستلزمه، فيجب أن تعلم أن جميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه ورسوله واجبة، ولا يحل لأحدٍ أن يحرف الكلم عن مواضعه بحجة: أن هذا نقصاً بالنسبة لنا، هو نقص بالنسبة لنا، وليس نقص بالنسبة لله عز وجل، الجبروت والتكبر بالنسبة لنا خلقٌ سيئ وبالنسبة لله كمال، كما قال الله عز وجل: {الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر:23] . الجزء: 194 ¦ الصفحة: 21 حكم عمل الموظف الحكومي عند تاجر السؤال أنا موظف وأريد أن أعمل عند تاجر إما بالراتب وإما بالنسبة، هل هذا يجوز؟ الشيخ: وأنت موظف؟ السائل: نعم. أنا موظف. الشيخ: والدولة تمنع الاشتغال. السائل: تمنع أن أفتح محلاً تجارياً، لكني أشتغل تبع شخص بالراتب، أو بالنسبة؟ الشيخ: اسأل شئون الموظفين هل يجوز لك هذا، أم لا؟ السائل: بالنسبة لهم، الآن تذهب إلى البلدية وعندما يعطونك رخصة تفتح محلاً. الشيخ: الآن ما فتحت محلاً، لكن كنت تشتغل عاملاً عند تاجر؟ السائل: نعم. الشيخ: اسأل الجهات المسئولة عن هذا، هل هذا داخل في التجارة أم لا؟ إذا قالوا: لا بأس فلا بأس. السائل: بالنسبة لهم ليس لهم دخل أي: مثل الوزارة أو إدارة التعليم الشيخ: الوزارة أو ديوان الخدمة السائل: إدارة التعليم أو المدرسة لا تهتم بهذا الشيء، لكن البلدية الشيخ: إدارة التعليم يمكن ما تقول لك شيء، لكن هذا الذي سن النظام اسأله. السائل: البلدية. الشيخ: لا. البلدية مبلغة، النظام هذا إنما يصدره شئون الموظفين مداخلة: أو ديوان الموظفين. الشيخ: أو ديوان الموظفين اسألهم، وأطب مطعمك لا تأكل شيئاً حراماً السائل: نحن نسأل يا شيخ! الشيخ: أنا أقول: لا تظن أني أرطن معك أقول لكم كلكم: أطيبوا مطعمكم. مداخلة: هناك مدرسات يعملن باستمرار؟ الشيخ: مثل ما أقول لك: اسألوا المختصين. السائل: نحن سألناهم، قالوا: لا؛ لأنهم لا يعملون ورديتين يعملون وردية واحدة. الشيخ: أما إذا كان يمكن أن أقول: إذا كنت تشتغل في نفس الرئاسة فهذا من مصلحة الرئاسة. السائل: لا غير. الشيخ: {أَوْفُوا بِالْعُقُود} [المائدة:1] وأنت داخل معهم على عقد: أنك لا تتوظف ولا ترتشي. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 22 مسألة المضاربة السؤال تجارة لا يصدر ترخيص فيها مثلاً أنا عندي مال، فأرسل أحد الأشخاص ويشتري بضاعة فيبيعها ثم يرسل لي الربح أنا استشرت في وزارة التجارة قالوا: هذا لا يمنع؟ الجواب هذه لا بأس، لا يشترط، مثلاً الموظف لا بأس أنه يعطي الإنسان دراهم مضاربة، ويأخذ الدراهم يتجر بها وله نصف الربح أو الثلث حسب ما يتفقان عليه. السائل: حتى لو أحدد له من نفس البضاعة بضاعة معينة؟ الشيخ: لا بأس أبداً، لذلك ما باشرت العمل غاية ما هنالك أنك سلمت دراهم. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 23 اختلاف العلماء في كفر تارك الصلاة السؤال هل ممكن أن أستشهد بالأدلة العقلية على كفر تارك الصلاة، تقول: إنه لا يتقرب إلى الله بشيء ولا يعبد الله، ثم مثلاً أدحض شبهة المرجئة؛ لأنهم يقولون: إن الإيمان هو اعتقاد بالقلب، يقول: إن إبليس لم ينكر وجود الله تعالى، بل حلف وقال: {فَبِعِزَّتِكَ} [ص:82] وقال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:16] فما رأيكم بالاستشهاد هذا يا شيخ؟! الجواب لا. لأن الذين قالوا: إنه لا يكفر، ليس هم من المرجئة، هذه مسألة الأدلة اختلف فيها الناس، يعني: كفر تارك الصلاة أو عدم كفره ليس مبنياً على مذهب الإرجاء، ولا شك أن مذهب الإرجاء خاطئ، وقولهم: إن الإيمان ما حل في القلب، نقول: هذا إبليس مؤمن بالله ويسأل الله ويدعو الله، ومع ذلك لم ينفعهم. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 194 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [196] سورة الواقعة من السور التي تناول الشيخ تفسيرها بدءاً من آياتها الأولى في تصوير يوم القيامة وأهواله، وتعريجاً على ذكر أصناف الناس في ذلك اليوم، ومن ثم التحدث عن الصنف الأول وهم السابقون، وذكر حالهم في الجنة وما رزقوا فيها. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر شوال عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات الله، وقد انتهينا إلى سورة الواقعة، قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم. والبسملة آية من كتاب الله مستقلة ليست تابعة لما بعدها ولا لما قبلها، ولهذا كان القول الراجح: أنها ليست آيةً من الفاتحة، وأن الإنسان لو اقتصر في قراءته على: (الحمد لله رب العالمين) إلى آخر السورة لكان قد أتى بالركن وصحت صلاته، ولو جعلنا البسملة من الفاتحة لكانت صلاته باطلة، إذا لم يأتِ بالبسملة؛ لأنه نقص منها -أي: من الفاتحة آية- فالصواب الذي لا شك فيه أنها -أي: البسملة- ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها. وأما قوله تبارك وتعالى في سورة النمل: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:30] فهذا نقلٌ لكتاب سليمان عليه السلام وليس من القرآن الذي أنزله الله على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تشريعاً لهذه الأمة، إنما هو كلامٌ منقول عما كتبه سليمان عليه السلام. (بسم الله الرحمن الرحيم) أي: أبتدئ أو أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم سورة الواقعة. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إذا وقعت الواقعة) قال الله عز وجل: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1-3] . حذف الله جواب الشرط في هذه الآيات من أجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، أي: إذا وقعت الواقعة صارت الأهوال العظيمة، وصار انقسام الناس، وحصل ما حصل مما أخبر الله به ورسوله مما يكون في يوم القيامة، وقوله: (إذا وقعت الواقعة) كقوله: (الحاقة ما الحاقة) والمراد بذلك يوم القيامة، (ليس لوقعتها كاذبة) أي: ليس لوقعتها كذب، بل وقعتها حق ولابد، والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) وكثيراً ما يقرن الله تعالى الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر يحدو بالإنسان أن يعمل العمل الصالح وأن يبتعد عن العمل السيئ؛ لأنه يؤمن بأن هناك يوماً آخر يجازى فيه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. (خافضة رافعة) يعني: هي خافضة رافعة، يعني: يُخفض فيها أناس ويُرفع فيها آخرون، من الذي يُرفع؟ قال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم، إذاً: تَخفض أهل الجهل والعصيان، وترفع أهل العلم والإيمان، وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه معظمٌ عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، الجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله عز وجل. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إذا رجت الأرض رجاً) قال تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} [الواقعة:4-6] (إذا رجت الأرض) أي: زلزلت زلزلةً عظيمة، ولهذا قال: (رجاً) أي: رجاً عظيماً، وأنت تصور أنك ترجُ إناءً فيه ماء كيف يكون اضطراب الماء فيه؟ فالأرض يوم القيامة ترج بأمر الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] إذاً (إذا رجت) أي: هزت وزلزلت (رجاً) أي: رجاً عظيماً، (وبست الجبال بساً) بعثرت وهبطت وصارت كثيباً مهيلاً ولهذا قال: (فكانت هباءً منبثاً) كالهباء الذي نراه حينما تنعكس أنوار الشمس في حجرةٍ مظلمة تجد هذا الهباء تحسه في خلال ضوء الشمس، (منبثاً) متفرقاً. هذه الجبال الصم الصلبة، التي يكون الصخر فيها أكبر من الجمال، بل ربما يكون الجبل الواحد صخرةً واحدة يكون يوم القيامة هباءً منبثاً بأمر الله عز وجل، فتبقى الأرض ليس فيها جبال ولا شجر ولا أودية ولا رمال كما قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً} [طه:105-106] (فيذرها) أي: الأرض {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:107] . الجزء: 196 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة) قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] (وكنتم) الخطاب للآدميين عموماً، (أزواجاً) بمعنى: أصنافاً، كما قال الله عز وجل: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] (وأزواجهم) أي: أصنافهم، وقال تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58] أي: أصناف، فمعنى أزواجاً أي: أصنافاً ثلاثة لا رابع لهم: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، فينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام لا رابع لهم {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:8-10] ذكرهم الله تعالى غير مرتبين في الفضل، أصحاب الميمنة بين السابقين وبين أصحاب الشمال في المرتبة، فبدأ الله بهم، ثم ثنى بأصحاب الشمال، ثم ثلث بالسابقون، لكن عند التفصيل بدأ بهم مرتبين على حسب الفضل، فبدأ بالسابقين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال، وهذا التفصيل المرتب خلاف الترتيب المجمل وهو من أساليب البلاغة. {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي: أنه عز وجل أخبر بأن أحد الأصناف أصحاب الميمنة، ثم قال: {مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} من هم؟ سيأتي إن شاء الله ذكرهم مفصلاً، {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} أي: ذوو الشؤم، وسيأتي أيضاً ذكرهم مفصلاً. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والسابقون السابقون) قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] هؤلاء آخر الأصناف، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أصح الأعاريب فيها أن قوله: (السابقون) مبتدأ وخبره (السابقون) أي: أن السابقين إلى الأعمال الصالحة هم السابقون إلى الثواب في الآخرة، فكأنه قال: السابقون هم السابقون، السابقون في الدنيا بالأعمال الصالحة هم السابقون في الآخرة بالثواب {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:11] المقربون إلى الله عز وجل، فهم في أعلى الجنان، وأعلى الجنان أقرب إلى الرحمن عز وجل؛ لأن الفردوس وهو أعلى درجات الجنة فوقه عرش الله عز وجل، فيكون قوله: (المقربون) أي: إلى الله عز وجل (أولئك المقربون) إلى الله في جنات النعيم، فذكر منزله قبل ذكر منزلته، وكما يقال: الجار قبل الدار، وكما قال في امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] (عندك) بدأت بالجوار، وهنا قال: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} قبل أن يبدأ بذكر الثواب؛ لأن قربهم من الله عز وجل فوق كل شيء، جعلنا الله وإياكم منهم. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (أولئك هم المقربون) قال تعالى: {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:11-12] أي: في هذا المقر العظيم الذي فيه (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وأضاف الجنات إلى النعيم؛ لأن ساكنها منعمٌ في بدنه، منعمٌ في قلبه، كما قال الله عز وجل في سورة الإنسان: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:10-11] نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب، فهم في نعيم في جنات النعيم، نعيم البدن أو نعيم القلب أو هما؟ نعيم البدن ونعيم القلب، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [فاطر:33] {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان:21] هذا من نعيم البدن {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً} [الإنسان:17] … {كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} [الإنسان:5] هذا من نعيم البدن أيضاً، {فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] هذا من نعيم البدن، إلى غير ذلك مما ذكره الله عز وجل من النعيم في الجنة، ولو لم يكن فيها إلا أن الإنسان يخلد فيها، لا يموت، ويصح فلا يسقم، ويشب -أي: يكون شاباً دائماً- فلا يهرم، وفوق ذلك كله النظر إلى وجه الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] أي: فوق الحسنى، فسر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الزيادة) بأنها النظر إلى وجه الله -اللهم اجعلنا ممن ينظر إليك في جنات النعيم-. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ثلة من الأولين) قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] (ثلة من الأولين) قيل: إن المراد بذلك الأمم السابقة (وقليلٌ من الآخرين) أي: أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة في اعتبار كافة الأمم السابقة، وليس المعنى: أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة. وقيل المراد بالأولين: أول هذه الأمة، أي: ثلة من هذه الأمة وقليل من آخرها، وهذا القول هو الصحيح، بل هو المتعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي: نصفهم، وفي حديثٍ آخر: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، منهم ثمانون من هذه الأمة) وعلى هذا فلا يصح أن نقول: قليلٌ من هذه الأمة وكثيراً من الأمم السابقة، بل نقول: (ثلةٌ) أي: كثيرٌ من هذه الأمة من أولها، (وقليلٌ) من آخرها، {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (على سرر موضونة) قال تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15-16] (سرر) جمع سرير: وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم، (موضونة) قال العلماء: منسوجة من الذهب، (متكئين عليها) أي: معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم، فهم في راحة في اليد وفي الظهر، (متقابلين) أي: يقابل بعضهم بعضاً، وهذا يدل على سعة المكان؛ لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين، لماذا؟ لا يتسع لهم، لابد أن يكون صفاً وراء صف، لكن إذا اتسع المكان ووضعت لهم سرر دائرية تقابلوا ولو كثروا، وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك، ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، لا إله إلا الله، عجباً! ولكن ليس بعجب؛ لأن الله على كل شيءٍ قدير، والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، من يحيط بسماءٍ واحدة، كيف وهي كعرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها فوق بعض، وكلما كان الشيء فوق، كانت الدائرة أوسع، فمن يحيط بهذا إلا الله عز وجل، عرضها كعرض السماوات والأرض. إذاً هم متقابلون؛ لأن أمكنتهم واسعة، ولأن لديهم من كمال الأدب ما لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، كلهم مؤدبون، كلهم قلوبهم صافية، قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن التدابر، والتدابر يشمل التدابر القلبي بحيث يكون كل واحد متجه إلى وجه، والتدابر البدني، إلا عند الحاجة والضرورة هذا شيء آخر، وإلا فمتى أمكن التقابل فهو أفضل، ولو أن أحداً يكلمكم وهو قد ولاكم ظهره، هل يكون استماعكم له ومحبتكم له كما لو كان يحدثكم مستقبلاً إياكم؟ لا، وهذا شيء مشاهد معلوم. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) إذاً أهل الجنة على سرر متقابلين، {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15-16] وفي حال الاتكاء {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] (الولدان) جمع ولد، أو جمع وليد، كغلمان جمع غلام، (يطوف عليهم) يتردد عليهم، (ولدانٌ مخلدون) أي: خلقوا ليخلدوا، وهم غلمان شباب، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19] لجمالهم وصفائهم وكثرتهم وانتشارهم في أملاك أسيادهم، (إذا رأيتهم) أي: رأيت الولدان، وإذا كان الولدان تحسبهم لؤلؤاً منثوراً فإن السادة أعظم وأعظم. {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:17-18] (أكواب) هي عبارة عن كئوس لها عروة، والأباريق أيضاً أواني لها عراوي، (وكأس من معين) ليس له عروة، وقوله: (من معين) أي: من خمرٍ معين. {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] أي: لا يوجع بها الرأس ولا ينزف بها العقل، بخلاف خمر الدنيا فإنها توجع الرأس وتذهب العقل. {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ} [الواقعة:19-20] معطوفة على قوله: (بأكواب) أي: ويطوف عليهم الولدان بفاكهة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] لطيبها منظراً وطيبها مشماً وطيبها مأكلاً، هذه الفاكهة طيبة في منظرها، طيبة في رائحتها، طيبة في مأكلها ومذاقها؛ لأن الله قال: {مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:20] وكون الإنسان يعاف الشيء إما لقبح منظره، أو لقبح رائحته، أو لقبح مأكله، الفاكهة في الجنة لا، بل بالعكس، طيبة في لونها وحجمها وريحها ومذاقها، وسبحان الله! يؤتون بها متشابهة، متشابهة في اللون والحجم والرائحة، لكن في المذاق مختلفة، وهذا مما يزيد الإنسان فرحاً وسروراً، وإيماناً بقدرة الله عز وجل، {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] أي: ويطوف عليهم هؤلاء الولدان بلحم طير وذكر لحم الطير؛ لأن لحوم الطير أنعم اللحوم وألذها، وهذا الطير من أين يتغذى؟ الجواب ليس لنا أن نسأل هذا السؤال؛ لأن أمور الغيب يجب علينا فيها أن نؤمن بها بدون السؤال عما لم يصل إلينا الخبر عنه، فنقول: إن كانت هذه الطيور تحتاج إلى غذاء فما أكثر ما تتغذى به؛ لأنها في الجنة، وإن كانت لا تحتاج إلى غذاء فالله على كل شيءٍ قدير. وإلى هنا ينتهي الكلام على ما منَّ الله به من تفسير هذه الآيات الكريمة، أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من السابقين السابقين إلى الخيرات، إنه على كل شيءٍ قدير. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 10 الأسئلة الجزء: 196 ¦ الصفحة: 11 أسباب الثبات على الدين السؤال يا فضيلة الشيخ! لقد كثرت الفتن في هذا الزمن، فما هي أهم أسباب الثبات على دين الله عز وجل؟ الجواب أهم أسباب الثبات هو الإيمان بالله عز وجل، والرضا به، والقيام بطاعته بقدر الاستطاعة ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام أو العامة) مع أن هذا الوصف لم ينطبق علينا الآن والحمد لله، نعم هناك (شح مطاع) تكالب الناس على حب المال وطلبه (دنيا مؤثرة) كذلك موجود، فإن كثيراً من الناس يؤثر الدنيا على الآخرة (هوىً متبع) كذلك موجود، حتى بين العلماء تجد بعض العلماء لا يريد إلا أن ينصر رأيه وهواه، بغض النظر عن كونه الصواب أو الخطأ، (وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه) هذا أيضاً من البلاء: أن الإنسان إذا رأى رأياً وإن كان ليس عالماً، رأى رأياً في أمور الدنيا مثلاً وأعجب به ولا ينصاع إلى غيره ولو تبين أنه الحق فهنا عليك بخاصة نفسك، فعلى الإنسان أن يصير إلى الله عز وجل حسب ما جاء في القرآن والسنة، وحسب ما درج عليه السلف الصالح، ويتقي الله ما استطاع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله على بصيرة. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 12 حكم الصوم لمن تسبب في حادث قتل وكان المقتول هو المخطئ السائل: عندي سؤال حول الصوم، صار عليَّ حادث توفي القبيلي وبعدما توفي القبيلي جاء المرور وقرر حادث الشيخ: ماذا قرر؟ السائل: القبيلي توفي، والمرور قرر حادث الخطأ على المتوفى (100%) ورحنا إلى الشيخ وقال بعض الناس: ما عليك صيام، وأنا صار في نفسي شك، لا أدري أصوم أم لا؟! الشيخ: ما سبب الحادث؟ السائل: كنت ذاهباً إلى جدة وهو قادم من الرياض، وعندما رأيت السيارة قد جاءت أمسكت (الفرامل) وكنت في جهة اليمين من الرصيف فطلعت عليَّ سيارة القبيلي وصار الحادث، وجاء المرور وقرر الحادث كما تقدم. الشيخ: هل تعدى عليك؟ السائل: نعم تعدى عليَّ، أنا ماسك يمين وهو حاد يساراً. الشيخ: معروف، هو يكون عن يسارك السائل: نعم على يساري وجاء نحوي وأنا ماسك (الفرامل) على اليمين، وبأمر الله توفي القبيلي؛ لكن بعض الناس قالوا: لا تصم -يا شيخ- وواحد قال: صم. الشيخ: لا تصم ليس عليك شيء السائل: ما عليَّ شيء الشيخ: نعم، ما جاء منك خطأ. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 13 علاج الخوف من الانتكاسة والحور بعد الكور السؤال من الشبهات التي يقذفها الشيطان في قلوب بعض الشباب ممن يحبون أهل الخير ويريدون أن يمشوا معهم: أن هناك أناساً سلكوا هذا الطريق ثم انتكسوا عنه، فيخافون أن يحصل لهم ما حصل لهؤلاء، فما توجيهكم لمثل هذا الأمر؟ الجواب توجيهنا أن هذا خطأ، وأن الإنسان يجب عليه أن يدين لله عز وجل ويلتزم بدين الله، ولا يتشاءم، وهؤلاء الذين انتكسوا والعياذ بالله لانتكاستهم أسباب، منها: أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم، ولو رسخ الإيمان في قلوبهم ما انتكسوا؛ لأن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يؤثر عليها شيء كما قال هرقل لـ أبي سفيان. وهذا الذي يريد أن يلتزم يثبت على الإيمان ويدع عنه مصاحبة أهل الشر، ويبتعد عنهم، ويصحب أهل الخير، ويسأل الله الثبات. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 14 حكم تأخر بعض المأمومين عن الإمام وركوع الإمام قبل أن يكمل الفاتحة بعد التشهد الأول السؤال فضيلة الشيخ! بعض المأمومين يتأخر عن الإمام فهل يكون الإمام آثماً إذا ركع قبل أن يكمل الفاتحة من بعد التشهد الأول؟ أي إذا كان هناك شخص، وركع الإمام قبل أن يكمل المأموم الفاتحة؛ لأنه تأخر في الدخول مع الإمام. الجواب أقول بارك الله فيك: على الإمام أن يلتزم بالسنة في إمامته، وإذا التزم السنة فمن أخطأ فعلى نفسه، ولكن لا يخرج عن السنة ابتغاء مرضاة الناس كما يوجد بعض الأئمة يخفف التخفيف المخالف للسنة من أجل إرضاء الناس أو بعضهم، ثم تزين له نفسه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف) والمراد بالتخفيف هنا ما كان على نحو صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال أنس بن مالك: [ما صليت وراء إمامٍ قط أخف صلاةً ولا أتم صلاةً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم] وعليه أن يراعي المأمومين، فمثلاً: إذا كان ما بعد التشهد الأول فالقراءة سرية، يقرأه الفاتحة آية آية، كما كان يقرأها وهو يجهر، فبعض الأئمة تجزم أنه فيما بعد التشهد الأول يقرأ الفاتحة بسرعة أكثر مما كان يقرأها في حال الجهرية، فالذي أرى أنه يقرأها مرتلة آية آية، أولاً: أن هذا هو السنة، والثاني: من أجل أن يتمكن من وراءه من قراءة الفاتحة. فهذا الذي يتأخر فلينظر إذا كان يتأخر لعذر، كرجلٍ يشق عليه القيام، فهنا نقول: إذا قام يقرأ الفاتحة ويكملها ولو ركعة واحدة، بل ولو ركع ورفع، يكمل الفاتحة ثم يركع ثم يرفع، ويتابع الإمام، وأما إذا كان يتأخر عن الإمام تكاسلاً فهذا يأثم بسبب تكاسله. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 15 الفرق بين منافقي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنافقي هذا الزمان السؤال ما هو الفرق بين منافقي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنافقي هذا الزمان؟ الجواب الفرق: أن المنافقين في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام منافقون في زمنه، والمنافقون في هذا الزمان منافقون في هذا الزمان، الزمان مختلف لا شك، والنفاق لا يختلف، النفاق هو النفاق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهدنا هذا، فكل من آمن ظاهراً وراءى الناس في إيمانه، ولكن قلبه والعياذ بالله ممتلئ كفراً، فهذا منافق، ثم إن كان ذا سيادة في قومه ودعوة لنفاقه صار مثل عبد الله بن أبي بن سلول نسأل الله العافية. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 16 حكم صلاة وصيام النساء المتبرجات السؤال بالنسبة للنساء المتبرجات الغير متحجبات هل صحيح أنه لا تقبل صلاتهن ولا صيامهن؟ الجواب النساء المتبرجات عاصيات، والعاصي يقبل صيامه وصلاته وصدقته، ولو عصى، وربما تكون صلاته وصدقته وصيامه سبباً لمغفرة ذنوبه؛ لأن الموازين يوم القيامة بالقسط، فقد ترجح الحسنات على السيئات، وحينئذٍ لا تضره السيئات؛ لأن من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وقد تتساوى الحسنات والسيئات فيكون الإنسان من أهل الأعراف، الذين يكونون في منزلة بين الجنة والنار، وفي النهاية يكونون من أهل الجنة، وقد تزيد السيئات فيكون مستحقاً للعقوبة في النار، ثم قد يعفو الله عنه وقد لا يعفو، وأما الذي يحبط العمل ولا ينفع معه العمل فهو الكفر والعياذ بالله، هذا هو الذي لا ينفع معه العمل، حتى لو تصدق الكافر وبنى المساجد والمدارس وطبع الكتب وأنفق على الفقراء وأهل العلم، فإنه لا يقبل منه. فالمتبرجة عاصية من جملة العصاة يجب عليها أن تتوب إلى الله وتقلع عن التبرج، وأما صلاتها وصيامها وصدقتها فمقبولة إذا تمت الشروط. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 17 عقوبة من سب الذات الإلهية أو الرسول أو الصحابة أو استهزأ بالدين السائل: بعض الدعاة يطالب أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار، ولا تزيد عن عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب علناً أو في أي مكان عام أو مكان يستطيع فيه سماع أو رؤية من كان في ذلك المكان بالقول أو في الكتابة أو الرسوم أو الصور أو غيرها من وسائل النشر والإعلام أو بأية وسيلة من وسائل التعبير الأخرى ما من شأنه المساس بالذات الإلهية، أو الأنبياء، أو الصحابة، أو الدين، أو بالتعرض بالطعن والسخرية والاستهزاء أو التجريح، كما يعاقب بالحبس مدةً لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب علناً أو في مكان عام أو بوسيلة من وسائل التعبير المشار إليها في الفقرة السابقة ما من شأنه الطعن في المذاهب الدينية أو الدعوة إلى الطائفية أو إثارة الفتنة أو مناهضة الوحدة الوطنية. فضيلة الشيخ! هل لهؤلاء الدعاة وجهة نظر للمطالبة بهذه العقوبة الغير شرعية لمن يمس الذات الإلهية، يعني: فهم يقولون: إن هذا أخف الضررين. أو الواجب يعني غير ذلك؟ ولما كان لفضيلتكم كلمة مسموعة عند هؤلاء أحببنا أن نسمع رأيكم. الشيخ: أنا ما فهمت السؤال. هؤلاء يطالبون بأن من سب الله عز وجل أو رسوله أو كتابه أو دينه ماذا يجب عليه؟ السائل: أن يحبس عشر سنوات ويغرم بثلاثة آلاف دينار، أو يعاقب بإحدى العقوبتين، يعني: لو أن واحداً سب الله عز وجل أو الدين فللقاضي أن يحكم عليه بغرامة ثلاثة ألف دينار تكون عقوبة له، فلا يعاقب بعقوبة أخف من هذه، فلذلك طالبوا بهذه العقوبات. الشيخ: لكن من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو مرتد يجب أن يقتل، ويقتل على أنه كافر، فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يخرج به إلى البرية ويحفر له حفرة يرمس فيها كما ترمس جيفة الشاة، وليس له سوى ذلك. لكن اختلف العلماء فيما لو تاب، فقال بعضهم: لا تقبل توبته سواءً كان مرتداً أو كان كافراً أصلياً، وبعضهم يقول: إن كان كافراً أصلياً قبلنا توبته لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] وهذا عام، وإن كان مرتداً لم تقبل توبته، بل يقتل على كل حال، وتوبته فيما بينه وبين ربه يوم القيامة. وفصَّل بعضهم في هذا، فقال: أما من سب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيجب أن يقتل حتى لو تاب، حتى لو صار يثني على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل مكان، فإننا نقتله، لكن إذا تحققنا من توبته عاملناه في أحكام الآخرة معاملة المسلم بمعنى: أننا نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، وإن لم تظهر توبته أنها صحيحة عاملناه معاملة المرتد. أما من سب الله عز وجل فإنه إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فإننا نرفع عنه القتل ونحكم بأنه مسلم. وهذا القول التفصيلي هو الصواب، لكن لو رأى ولي الأمر أن هذا الذي سب الله مع توبته أن يقتل لئلا يجرأ أحدٌ مثله فله ذلك، ويكون هنا قتله تعزيراً لا ردة. السائل: هل ما تفضلت به هو الحكم الشرعي، يقال: لو طالبنا بالحكم لا يستجاب لنا، فهم يطالبون بهذه الأحكام يقول: بما أن ولاة الأمر لا يطبقون الحكم الذي تفضلت به فأقل الأحوال أن نطالب بهذا، وهو أن يغرم أو أن يحبس، أقصد هذه المطالبة هل هي شرعية أم لا؟ الشيخ: هذه المطالبة غلط، وليست بصحيحة، بل يجب علينا أن نطالب بالحكم الشرعي، ثم إن هدى الله الولاة إلى تطبيق هذا المطلوب وإلا بقي الحكم الشرعي ثابتاً؛ لأننا لو تنازلنا عن الحكم الشرعي إلى عقوبة أخف بقيت هذه العقوبة قانوناً شرعياً، ولم يلتفت إلى أنه يقتل مرتداً أو ما أشبه ذلك، فلا أرى التنازل أبداً في دين الله، كما لو قال مثلاً: أنا لو أمرت شخصاً أن يصلي الصلوات الخمس ما صلى أبداً، لكن لو قلت: صلِّ الظهر والعصر وأنت منها مستيقظ والعشاء والفجر لا تصلِّ، هل نقبل التنازل؟ لا نقبل. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 18 حكم أخذ أجرة العمل المنتدب إذا كان العمل قد ينتهي قبل الفترة المحددة للانتداب السؤال أنا موظف وتأتينا نحن الموظفون انتدابات خارج منطقة الرياض للإشراف على تركيبات أجهزة كمبيوتر، وتأتي انتدابات لمدة خمسة أيام أو ستة أيام محسوبة لنا، لكن لو اجتهدنا ممكن ننهيها في يومين، بما أنه لا نحتاج وجود موظفين ممكن حتى العصر أو في الليل، فهل يجوز أن آخذ مقابل الانتداب الزائد؟ الجواب إذا كان -بارك الله فيك- الانتداب لعمل فمتى أنهيت العمل استحققت الانتداب ولو زادت المدة، كالمثال الذي ذكرت، انتدبتم لعمل ترتيب أشياء أو غيره لمدة خمسة أيام وأنهيتموها في يومين فلا حرج عليكم أن تأخذوا الجعل الذي جعل لكم لمدة خمسة أيام، أما إذا كان على زمن فهذا لابد أن تستغرق الزمن، كما لو انتدبتم لتعملوا خمسة أيام فلابد أن تعملوا خمسة أيام، أما إذا قيل: انتدبتم لعمل فكما قلت لك إن أنجزتموه في وقته المحدد أو قبله فلا حرج. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 19 حكم أخذ هدايا من البنوك بسبب وضع المال عندها السؤال فضيلة الشيخ! بعض البنوك تعطي لمن يضع حسابه فيها للحفظ فقط لا للربا ولا لغيره هدايا فهل يجوز له استعمالها أم لا؟ الجواب أنت تعلم -بارك الله فيك- أن وضع الدراهم عند البنوك ليس وديعة إنما هو قرض، وتسمية الناس له وديعة غلط؛ لأنك إذا أعطيت البنك الدراهم هل هو يحفظها في صورتها ويجعلها محفوظة عنده حتى تأتي، أو يدخلها في صندوق ويستعملها؟ يدخلها في صندوق ويستعملها، إذاً هو قرض، وإذا كان قرضاً فإنه لا يجوز للمقرض أن يأخذ ممن استقرض منه شيئاً، لا هدية ولا غيره، إلا إذا قبض ما أقرضه، فإنه لا بأس إذا أهداه بعد أن يستوفي منه، لا حرج عليه أن يقضي، وكذلك لو كانت البنوك تهدي لمن وضع المال فيها هدية عامة تهديها لكل أحد مثل: أن بعض البنوك تهدي تقاويم، فلا بأس أن يقبلها؛ لأن هذه التقاويم تهدى لمن أقرضهم المال ومن لم يقرضهم. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 20 حكم الشرب قائما ً السؤال هل النهي عن الشرب الماء واقفاً للتحريم؟ الجواب هو على أصل التحريم، ولكن يظهر من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام أنه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة، وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون إذا ورد فيها النهي مطلقاً هل هو للتحريم أو لا؟ وإذا ورد الأمر مطلقاً هل هو للإيجاب أو للاستحباب؟ وليس هناك ضابط بيّنٌ يحسم الموضوع، لكن الشيء الذي يجب علينا أن نسلكه: أننا إذا سمعنا أمر الله ورسوله ما نقول: هل هو للاستحباب واللزوم، ما نقول هذا؛ لأن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ولا عهِدنا أن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم الرسول بأمر أنهم يقولون: هل هذا مؤكد -يا رسول الله- للوجوب أو للاستحباب، كانوا يمتثلون على الفور، إلا إذا شكوا هل الرسول أمر به تعبداً أو أمر به مشورة؟ فهنا يسألون كما جرى لـ بريرة مع زوجها مغيث، فإن بريرة أَمَة مملوكة، عتقت والمملوكة إذا عتقت وزوجها مملوك خيرناها إن شاءت بقت معه وإن شاءت فسخت النكاح، خيّرها النبي صلى الله عليه وسلم هل تحب أن تبقى مع زوجها، أو تفسخ النكاح؟ فقالت: أفسخ النكاح، ففسخت النكاح لنفسها، وكان زوجها يحبها حباً شديداً حتى كان يجري وراءها في أسواق المدينة يبكي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تعجبون من حب مغيث لـ بريرة وبغض بريرة لـ مغيث) هذا عجب!! إذ أن العادة أن القلوب شواهد تتبادل الحب والبغض، ثم أمرها أن ترجع إلى زوجها، قالت: (يا رسول الله! أأنت تشير عليَّ أم تأمرني؟ إن كنت تأمرني فسمعاً وطاعة، وإن كنت تشير عليَّ فلا رغبة لي فيه. قال: بل أشير. ) أما إذا علمنا أنه أَمَرَ تعبداً فلا ينبغي أن نقول: هل الأمر للاستحباب أو للوجوب. وكذلك يقال في النهي، صوَّر نفسك كأن الرسول أمامك عليه الصلاة والسلام، قال لك: لا تفعل. هل يليق بك أن تقول: يا رسول الله! أنت جازم أو ما أنت جازم؟ لا يجوز، أو أمرك هل يليق لك أن تقول: يا رسول الله أنت جازم أو ما أنت جازم؟ ما يليق، افعل يا أخي، إن كان واجباً أثبت عليه ثواب الواجب، وإن كان مستحباً أثبت عليه ثواب المستحب، لكن إن تركت فأنت على خطأ، إنما لو تورط الإنسان ووقع في المخالفة فعل المنهي أو ترك المأمور حينئذٍ يسأل، يقول: هل الأمر للوجوب أو هل النهي للتحريم من أجل يحدث توبةً للمخالفة، أما في أول الأمر فقل: سمعنا وأطعنا ولا تتردد. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 21 مراتب القدر الأربعة والإيمان بها السؤال يا شيخ! معلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في القدر: الإيمان بمراتب القدر الأربع، ولكن في مقابلة إقناع الشخص الذي قد يحتج بالقدر أو ينقدح في ذهنه الاحتجاج بالقدر على المعصية، نقول له مثلاً: هل يصح أن نقول له: كل ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى علم هذا الأمر قبل وقوعه لتمام علمه، أو لابد أن نعدد المراتب، فنقول: الله سبحانه وتعالى علم ذلك وشاءه وخلقه وأوجده، فربما يقع في قلبه أنه مجبر على فعل هذه المعصية؟ الجواب هذا يسير، نقول: هذا قدره الله عليك، لكن أنت حين مباشرتك إياه، هل تعلم أن الله قدره عليك؟ -نسأل- هل تعلم قبل أن تسرق أن الله قدر أن تسرق؟ إذاً لماذا تقدم على السرقة، أنت لا تعلم بأن الله كتب عليك السرقة إلا إذا سرقت، فيكون فعلك باختيارك، لكن بعد أن تفعل تعلم أن الله قدر عليك هذا، ولماذا لا تقدِّر أن الله قدر لك العفاف والغنى وتترك السرقة، لماذا لا تقدِّر هذا؟ أنت في خيار الآن لو وقع منه شيء فلا بأس أن يحتج بالقدر، لو وقع منه الشيء وندم وقال: والله مع الأسف! لكن هذا شيء مقدر، يعني: رجل شرب الخمر فقيل له في ذلك، قال: والله! إني أكره ما يكون عندي الخمر، لكن هذا شيء مقدر وقدر الله وما شاء فعل، وأنا تائب إلى الله، هذا لا بأس به؛ لأنه بتوبته اندفع عنه اللوم وارتفع عنه اللوم، واحتجاجه بالقدر لعموم مشيئة الله سبحانه وتعالى. ومن ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها ليلاً، فوجدهما نائمين فقال لهما: ألا تصليان؟ يعني: يلومهما أنهما لم يقوما للصلاة، فاحتج علي رضي الله عنه بالقدر وقال: إن أنفسنا بيد الله عز وجل، ولو شاء الله أن يوقظنا لأيقظنا فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] ) ولم ينكر عليه الاحتجاج بالقدر. ومن ذلك أيضاً قول آدم لما احتج عليه موسى (أخرجتنا ونفسك من الجنة، قال: أتلومني على شيء كتبه الله عليَّ. ) ففرق بين إنسان يحتج بالقدر ليبرر موقفه من فعل المعصية ويستمر فيها، وإنسان احتج بالقدر مع توبته إلى الله عز وجل ورجوعه. الثاني لا بأس به، ويدل على هذا حديث وهو: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) ولهذا أنكر الله على الذين أشركوا وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:148] مع أنه قال لنبيه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] لأن أولئك يحتجون بالقدر لدفع اللوم عنهم، وعذرهم في استمرارهم على الشرك، وأما قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:107] فالمراد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يلحقهم الندم الشديد على شركهم؛ ليبين أن الله تعالى هو الذي شاء أن يشركوا. السؤال: أي العبارتين أتم فنقول: كل ما في الأمر أن الله علم هذا الأمر؟ الشيخ: لا. لا. لأنك لو قلت هذا أنكرت أن يكون من مشيئة الله. السائل: أحسنت، بارك الله فيك! الجزء: 196 ¦ الصفحة: 22 حكم السلام والجلوس مع الشيعة بحكم العمل السائل: أحسن الله إليك! أنا في عمل يكثر فيه الشيعة عندنا فهل يجوز السلام عليهم والجلوس معهم؟ الشيخ: أنا أرى أن نعاملهم كما يعاملوننا تماماً؛ لأنه ليس من العدل أن يعاملك شخص وتعامله بأسوأ مما يعاملك به، حتى إن أهل الكتاب وهم يهود أو نصارى إذا سلموا علينا وجب علينا أن نرد عليهم، حتى لو قال لك اليهودي أو النصراني: السلام عليك، قل: عليك السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الكتاب إذا سلموا عليكم يقولون: السام عليكم، فقولوا: وعليكم) وهذا يقتضي أنهم إذا قالوا: السلام، نقول: عليكم السلام؛ لأنه لو فرضنا أنهم قالوا: السام بلفظ صريح، قلنا: وعليكم، ما معنى وعليكم؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نرد على أهل الكتاب بقولنا: وعليكم؛ لأنهم يقولون: السام عليكم، فقلنا: وعليكم. انظر إلى أدب الإسلام الرفيع، فنحن لا نقول: وعليكم السام، نقول: وعليكم، حتى نكون أحسن منهم رداً؛ لأنه فرق بين أن يقول: وعليكم، وأن يقول: وعليكم السلام، الثاني أشرف. السائل: نحن نسلم عليهم. الشيخ: هل هم يبدءونكم أم لا؟ السائل: يبدءون. الشيخ: قابلوهم بمثل ما يعاملوكم به، ثم اعلم -يا أخي- أن الشيعة ليس كلهم كفار، يختلفون اختلافاً عظيماً، فهم فرق كثيرة، راجع كتاب الملل والنحل تجد الفرق، ثم إن هناك عامياً بحتاً، لا يعرف الحق، ربما لو دعوته بأقل عبارة لاستجاب لك، أو على الأقل تشكك بما هو عليه من الباطل، ومع كثرة الممارسة يرجع إلى الحق -والحمد لله- الآن كثيرون، ومما سمعنا كثيرٌ منهم ترك هذا المذهب الباطل ورجع إلى الحق. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 23 حكم الهدايا التي تهديها البنوك السائل: الهدايا التي تهديها البنوك كالتقاويم وتحمل اسم البنك، أليس في هذا دعاية لهم وإقرار؟ الشيخ: أنت لو أعطوك لا تودع عندهم شيئاً، هم يريدون أكثر، يمكن أكبر ما يريدون أن تكون دعاية لا إحساناً للغير، لكن دعه عندك أنت ولا تجعله دعاية، دعه مثلاً في غرفتك الخاصة حتى لا يغتر أحد ويقول: ما دمت أنت تشجع هؤلاء فالأمر في هذا سهل. ما أرى في هذا شيئاً، لكن إن خفت أنت وهذا يرجع إلى كل إنسان بنفسه، إن خفت من هذا مثلاً يهون عليهم أمر البنوك فلا تقبلها. السائل: أليس فيه إقرار لهم؟ الشيخ: لا. ليس فيها إقرار. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 24 حكم الأفلام الكرتونية التي يقال: إنها إسلامية، أو أفلام الحيوانات بالنسبة للأطفال السؤال يا شيخ السلام عليكم، بالنسبة -يا شيخ- للأطفال، الذي عنده أبناء وجاء لهم بفيديو وأفلام كرتونية إسلامية أو يقال: إنها إسلامية أو أفلام الحيوانات أو تصوير الحيوانات وتعريفهم على الحيوانات، هل في ذلك شيء يا شيخ؟! الجواب أما مسألة الأفلام التي فيها الاطلاع على الحيوانات من طيور وسباع وغيرها أو على مخلوقات الله عز وجل في الكون، هذه لا بأس بها، وأما مسألة القصص البطولية وما أشبهها فلا أراها، وأضرب لهذا مثلاً: يوجد قصة لـ محمد الفاتح، هذه القصة إذا سمعها الطفل وشاهدها انقدح في ذهنه أن بطل الأبطال في الإسلام هو محمد الفاتح، وهذا غلط، هذا له محذور بعيد لا يدركه من ألف هذا الفيلم، ومعلوم أن محمد الفاتح عليه ما عليه ونسأل الله له العفو، لكن لا ينبغي أننا نلقن صبياننا منذ نعومة أظفارهم بأن هذا الرجل هو بطل الإسلام، لذلك المحذور. كذلك أيضاً يوجد أفلام في تصوير أصحاب الأخدود، من قال: إن أصحاب الأخدود على هذا الشكل؟ لا نعلم، والخلق يتضاعف منذ أن خلق آدم إلى هذه الأمة، بمعنى: يتناقص، فقد كان آدم طوله ستون ذراعاً وما زال الخلق ينقص إلى هذه الأمة، ومن الذي أعلمنا أن أصحاب الأخدود كانوا على هذا الشكل، فهذا كذب، ثم من يعلم أن عددهم كما يشاهد، قد يكون آلافاً مؤلفة، أو أقل من هذا المشاهد، فمثل هذه الأشياء ينبغي للإنسان أن يتفطن لغور المسألة، وما هي النتيجة الاقتصادية. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 25 نظرة في حديث: (إذا جلس الرجل بين شعب زوجته ثم جهدها) السؤال حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس الرجل بين شعب زوجته ثم جهدها) في الحديث وجب الغسل حتى لو لم يولج فيها. الجواب لا يمكن هذا يا رجل! إلا إذا جَاَمَع، الظاهر إنك ما تزوجت أنت. السائل: سمعته من أحد طلاب العلم وقال هذا وكان يقول: لا غسل إلا إذا أولج فيها. الشيخ: لا، لابد منه، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يكني عن الشيء الذي يستحيا من ذكره بما يدل عليه. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 196 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [197] إن مرتبة الحج في الدين الإسلامي عظيمة، فهو أحد أركان الإسلام، وقد أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبين النبي عليه الصلاة والسلام منزلته في الدين، وفرضية الحج جاءت في الكتاب والسنة، أما شروطه التي يجب أن تتوفر في الحاج، فهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة البدنية والمالية. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 1 مرتبة الحج في الدين الإسلامي وبعض أحكامه الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) . وبما أننا قرب وقت الحج فإني أرى أن نجعل اللقاءات الثلاثة هذه في الحج، وما يتعلق به؛ لأن أحكام الحج تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، فمنهم من يغلو فيها، ومنهم من يخفف، ومنهم المتوسط. في هذا اللقاء نتحدث عن مرتبة الحج في الدين الإسلامي، وعن فرضيته، وعن شروط فرضيته. فأما الأول فنقول: إن مرتبة الحج في الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) وفيهم أناس يعبدون الحجر، وأناس يعبدون الشجر، وأناس يعبدون التمر، حتى ذكروا أنهم في الجاهلية يصنعون عجوة -أي: عبيطة- من التمر على شكل تمثال، ثم يعبدونها، وإذا جاعوا أكلوها، سبحان الله! معبود يؤكل، تباً لهذا المعبود. إذاً هذه الآلهة هل هي حق أم باطل؟ باطل؛ لقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] فما معنى: لا إله إلا الله إذاً؟ لا معبود حقٌ إلا الله، و (أن محمداً رسول الله) محمد هو بن عبد الله الهاشمي القرشي خاتم النبيين، (رسول الله) أي: أرسله إلى الناس كافة، بل إلى الإنس والجن. مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: الإخلاص، أن تخلص العبادة لله، لا ترائي ولا تسمع، ولا تشرك مع الله أحداً فيها، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: أن تصدقه فيما أخبر، وتمتثل أمره فيما أمر، وتجتنب نهيه فيما نهى عنه وزجر، وتتعبد إلى الله بشريعته، لا تبتدع فيها ما ليس منها، ولذلك صارت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ركناً واحداً؛ لأن كل عبادة لا بد فيها من إخلاصٍ ومتابعة. (وتقيم الصلاة) أي: تأتي بها قائماً مستقيماً بشروطها وأركانها وواجباتها، وأكملها بمكملاتها، ومن شروط الصلاة: الطهارة من الأحداث والأنجاس شرط من الشروط، واستقبال القبلة شرط من الشروط، وتكبيرة الإحرام ركن من الأركان، والتشهد الأول واجب من واجباتها، وتكرار التسبيح ثلاث مرات سنة. إذاً تقيم الصلاة: تأتي بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بمكملاتها. (وتؤتي الزكاة) أي: تعطي الزكاة الواجبة بالمال لمستحقيها -لمن يستحقها من الناس- وهذا لا نتكلم عليه؛ لأنه يحتاج إلى وقت طويل، ويأتي إن شاء الله في وقته. (وتصوم رمضان) أي: تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله تبارك وتعالى. (وتحج البيت) هذا هو الشاهد. إذاً مرتبة الحج من دين الإسلام أنه ركنٌ من أركان الإسلام. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 2 فرضية الحج أما فرضية الحج فقد جاءت في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين إجماعاً قطعياً ضرورياً. ففي الكتاب: قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] والمراد بالكتاب: القرآن. وفي السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب عليكم الحج، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ قال: لو قلت: نعم. لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) . أما الإجماع: فإن المسلمين أجمعوا كلهم على فرضية الحج. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 3 شروط وجوب الحج أما شروط الوجوب: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة. الإسلام: ضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، نقول: أولاً تشهد وأسلم، ثم نقول: يجب عليك الحج. العقل: ضده الجنون، فلو فرض أن إنساناً -نسأل الله العافية- منذ صغره وهو مجنون، ومات فليس عليه حج؛ لأن جميع العبادات تسقط عن المجنون إلا واحدة فقط وهي الزكاة فإنها تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة محلها المال وليس الذمة، وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم. الثالث: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج حتى لو أحرم، فمثلاً: إنسان معه غلامٌ له عشر سنوات، أحرم ثم تضايق من الإحرام وخلعه يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه غير مكلف، فالصغير لا يجب عليه الحج، لا ابتداءً ولا استمراراً، فبماذا يحصل البلوغ؟ البلوغ يحصل بواحد من أمورٍ ثلاثة بالنسبة للذكور، وواحد من أمورٍ أربعة بالنسبة للنساء: الأول: تمام خمسة عشر سنة، وعلى هذا قد يكون الرجل بالغاً في آخر النهار، غير بالغ في أول النهار؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن ولادته في الساعة الثانية عشرة في اليوم الثاني من ذي القعدة في هذا اليوم يتم له خمسة عشر سنة، أول النهار قبل الساعة الثانية عشرة بالغ أم غير بالغ؟ غير بالغ، وآخر النهار بالغ، هذه واحدة. ثانياً: نبات العانة، أي: الشعر الخشن الذي حول القبل، من ذكر أو أنثى. ثالثاً: إنزال المني بشهوة، يقظةً كان أو مناماً. هذه ثلاث علامات للبلوغ بالنسبة للذكور والإناث، بقي أمر رابع للمرأة فقط وهو الحيض، فمتى حاضت المرأة ولو كان لها عشر سنوات فهي بالغ. الشرط الرابع: الحرية، وضدها العبودية، العبد لا يجب عليه أن يحج؛ لأنه لا يستطيع، فإن العبد ماله لسيده حتى لو كان عنده مليون ريال، فماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) قال: (للذي باعه) ولم يقل: ماله له، إنما للذي باعه وهو سيده. الخامس: الاستطاعة. وهي: أن يتمكن من الحج بدنياً ومالياً، الفقير ليس عليه حج، ما دام يحتاج إلى مال فليس عليه حج، أما إذا كان لا يحتاج إلى مال كما لو قدرنا أنه من أهل مكة وهو فقير لكن يستطيع أن يمشي إلى عرفة، فهنا لا نشترط أن يكون عنده مال، لماذا؟ لأنه قادر، لا يحتاج إلى مال. البدنية: أن يكون قادراً ببدنه على أداء النسك، فإن كان عاجزاً، فقال العلماء رحمهم الله: إن كان عجزه مستمراً وعنده مال وَكَّلَ من يحج عنه، كالشيخ الكبير، وكالمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فهذا لا يجب عليه الحج بنفسه، لكن إذا كان عنده مال أن يوكل من يحج عنه، وإن كان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى أن يزول، كإنسان مريض بكسر والكسر يجبر، مثلاً: أصيب بكسرٍ في أول شهر ذي الحجة ولا يستطيع، فهل الكسر يرجى أن يبرأ أم لا؟ يرجى أن يبرأ، نقول: هذه السنة لا تخرج، حج من العام القادم إذا كان لديك مال، ولا يوكل أحداً؛ لأن التوكيل إنما يكون عند العجز المستمر، أما العجز الطارئ الذي يمكن أن يزول فهنا ينتظر حتى يزول عجزه. إذا كان الإنسان عنده مال وعليه دَّين، مثلاً: عنده عشرة آلاف وعليه دين عشرة آلاف، هل يلزمه الحج؟ الجواب لا يلزمه؛ لأن وفاء الدَّين واجب، فيجب عليه أن يوفي الدَّين أولاً، ثم يحج بعد وفاء الدَّين إن بقي عنده مال، فإذا قال: إن عليه ديناً يحل بعد سنة، وعنده مال يمكن أن يحج به هذه السنة، فهل يلزمه؟ نقول: إذا كان يرجو أنه يجد وفاءً عند تمام السنة فليحج، وإن كان لا يرجو فلا يحج، الذي يرجو مثلاً: إنسان موظف في الوقت الحاضر ليس عنده ما يوفيه، لكن إذا مرت السنة أمكنه أن يوفي، نقول: حج، ومن ذلك الذين عندهم أقساط لبنك التنمية العقاري، عنده الآن مال يوفي القسط، لكن القسط لم يحل بعد، وفي أمله أنه إذا حل القسط يوفي، فهل يحج أم لا؟ يحج، لا مانع الآن، هذه شروط وجوب الحج. ومن نعمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً لينضبط الناس، ويعرف من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ولو لم تكن هذه الشروط لكانت المسألة فوضى، كلٌ يقول: الحج واجب عليَّ، وكلٌ يقول: الحج ليس بواجب، فهذه الشروط التي وضعها الله ورسوله في العبادة لا شك أنها مقتضى الحكمة؛ لأنها تضبط الناس ويتبين من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ويكون الناس على بصيرة في دينهم، وإذا أراد الحج فليختر الصحبة التي لديها علم ودين، أما العلم؛ فلئلا يقع في مخالفة وهو لا يعلم، وأما الدين؛ فلئلا يحصل التهاون في بعض مناسك الحج فاختر أن يكون صاحبك في سفر الحج من ذوي العلم والدين، ولأن الإنسان إذا اختار صحبة ذات علمٍ ودين فإنه يكتسب منهم علماً وديناً، وكم من إنسان اكتسب بصحبة شخصٍ في سفر خيراً كثيراً أو شراً كثيراً، وليكن مع أصحابه حسن الخلق، يكون بشوشاً سهلاً ليناً خدوماً نشيطاً في العمل يخدم أصحابه في سقي الماء وطبخ الطعام وغير ذلك؛ لأن هذا من محاسن الأخلاق، ويقال: إنما سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، يسفر أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال. واحرص على أن يكون معك مالٌ زائد عن الحاجة؛ لأنه ربما تطرأ أمور ليست على بالك، فإذا كان معك مال أمكنك أن تسدد هذه الحاجة من الدراهم التي معك، وكفاك أن تقول: يا فلان أقرضني، يا فلان تصدق عليَّ، أكثر من النفقة ما استطعت ما دمت واجداً، وربما تكون الحاجة لغيرك من الصحبة، يحتاج إلى شيء فتعينه أو تقرضه، فحمل زيادة النفقة من الأمور المطلوبة. واحرص على أداء الصلاة مع الجماعة، لا تقل: إني مسافر، فالمسافر تجب عليه الصلاة مع الجماعة كما تجب على المقيم، ألم ترو أن الله تعالى أنزل على عبده قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فأوجب الله صلاة الجماعة حتى في الخوف؛ لأن الجماعة فرض واجب حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى منفرداً مع قدرته على الجماعة فلا صلاة له، ولكن الصحيح: أنه له صلاة إلا أنها ناقصة جداً. واحرص على أن تؤدي النسك على الوجه المطلوب كما سيأتي إن شاء الله بيانه في اللقاءات القادمة. أسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح. ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فلا تحج المرأة بدون محرم، حتى لو بقيت سنوات، وإذا لقيت ربها وهي لم تحج لعدم وجود المحرم فلن يؤاخذها الله عز وجل ولن يعذبها؛ لأن الحج لم يجب عليها حيث إنها لا تستطيع أن تحج لعدم وجود المحرم، ولذلك بلغوا النساء اللاتي ليس لهن محارم وتضيق صدورهن إذا لم يحججن، بلغوهن بل بشروهن بأنه لا حرج عليهن، وأن الحج لا يجب عليهن كما لا تجب الزكاة على الفقير، وبشروهن بالخير، وقولوا لهن: ما دمتن لا تجدن المحرم فلا حج عليكن، وإذا وجدتن المحرم وتمت الشروط فأدين الحج. وإلى هنا انتهى هذا الكلام، نسأل الله أن ينفع به. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 197 ¦ الصفحة: 5 حكم المسافر إذا نوى قصر الصلاة وقام إلى الثالثة سهوا ً السؤال فضيلة الشيخ! كنت في سفر وحان وقت صلاة الظهر فصليت الظهر والعصر قصراً وجمعاً، ولكن صليت العصر، فالذي كان يصلي العصر لا يحسن الركوع والسجود، وصلى بنا ثلاث ركعات سهواً، وعندما جلست للركعة الثالثة قمت فأكملت الركعة الرابعة وسلمت ولم أسجد سجود السهو، وهذا كله جهلاً مني، ولكني عدت وصليت مرةً أخرى صلاة العصر لأقطع الشك الذي في قلبي قصراً، وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أما إعادتك الصلاة فلا بأس، وهو عملٌ صحيح، وأما كونك أكملت الرابعة وقد قام الإمام إلى الثالثة سهواً ثم سجد السهو فغلط منه؛ لأن الإنسان إذا كان مسافراً يقصر الصلاة وقام إلى الثالثة سهواً وجب عليه أن يرجع متى ذكر، يرجع ويجلس ويتشهد التشهد الأخير، ثم يسلم ويأتي بسجدتين ويسلم، هذا واجب على الإمام، ولكن لعله جاهل ويكون السجود للسهو جبراً عن النقص إن شاء الله تعالى. السائل: من لا يطمئن في الركوع والسجود هل نصلي خلفه؟ الشيخ: لا. من لا يطمئن للسجود والركوع فلا يصلى خلفه، من حين ما يركع أول مرة وعرفت أنه لم يطمئن فانوِ المفارقة وأكمل الصلاة وحدك. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 6 من اشترى أرضاً بنية البناء ثم باعها فلا زكاة عليه السؤال فضيلة الشيخ! شخص اشترى أرضاً بقصد البناء، ولكن في آخر الوقت أراد أن يبيعها، فهل عليه زكاة، أم لا -في قيمة الأرض-؟ الجواب لا زكاة عليه؛ لأن الزكاة إنما تجب في الأرض عند الذين يبيعون ويشترون بالأراضي للتجارة. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 7 حكم اصطحاب أهل البيت للخادمة لأداء الحج السؤال بعض الناس يكون عنده شغالة فإذا أرادوا أن يحجوا أو يعتمروا أخذوها معهم بقصد الخير؟ الجواب الشغالة التابعة لأهل البيت، إذا لم يكن عندها في البيت أحد عليهم إذا خرجوا إلى الحج أن يحجوا بها؛ لأن حجها معهم أحفظ لها من بقائها وحدها في البيت، وأحفظ لها مما لو جعلوها عند جيرانهم أو أقاربهم، فمثل هذا يرخص به إن شاء الله؛ لأن سفرها معهم آمن من بقائها. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 8 حكم استخدام البخور في نهار رمضان السؤال فضيلة الشيخ! امرأة تعطر البيت بالبخور في نهار رمضان، فهل عليها شيء؟ الجواب جزاها الله خيراً، البخور يا إخواني لا يفطر، حتى لو أخذت المبخرة ووضعتها هكذا في الغترة، أي: غطيت وجهي بالغترة من أجل أن يدخل البخور إلى الغترة وإلى اللحية وما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، المحذور أن تأخذ المبخرة وتضعها تحت أنفك وتستنشقه، هذا هو المحذور، ولا أحد يفعل هذا. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 9 حكم من طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف السؤال شخص طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف، فماذا عليه؟ الجواب إذا طاف طواف الإفاضة ونسي ركعتي الطواف فلا شيء عليه؛ لأن ركعتي الطواف ليستا واجبتين، وإنما هما سنة إن أتى بهما الإنسان فهو أكمل، وإن تركهما فلا حرج عليه. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 10 حكم سجدة التلاوة في الصلاة السرية بخلاف المنفرد السؤال فضيلة الشيخ! إذا صلى الإنسان منفرداً أو إماماً وكانت الصلاة سرية، فمر بآية سجود، هل يسجد للتلاوة أم لا؟ الجواب أما المنفرد فيسجد، وأما الإمام فذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يقرأ آية سجدةٍ في صلاة السر، يعني: الأفضل ألا يقرأ بها؛ لأنه إما أن يسجد فيشوش عليهم، وإما ألا يسجد فيترك السجود، فالأولى ألا يقرأ، ولكن إن صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ في صلاة الظهر بـ (ألم) تنزيل السجدة وسجد فيها. فالقول بالكراهة لا محل له. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 11 حكم تأخير الصلاة بسبب النوم السؤال ما حكم تأخير الصلاة بسبب النوم؟ الجواب إذا لم يصل الإنسان من أجل النوم، فهذا لا شيء عليه، لكن إذا استيقظ فعليه أن يصلي، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في سفر فناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وأيقظهم حر الشمس، فصلاها بعد ذلك، لكن يجب على الإنسان إذا أراد أن ينام أن يتخذ الاحتياط، يجعل عنده آلة منبهة، أو يوصي أحداً أن يوقظه، وأما أن ينام هكذا وهو يعرف أنه إذا استغرق في النوم ألا يصحو إلا متأخراً فقد فرط، لكن أحياناً يكون الإنسان يسمع المنبه -الساعة- لكن لا يدري هل هو نائم أم هذا حلم! فيبقى في منامه، فالمهم أنه متى كان معذوراً بالنوم فإنه يصلي إذا استيقظ ولا حرج عليه. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 12 حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم كتابة الآيات والأحاديث على جدران المساجد؟ الجواب هذه تشوش على الناس، أما كتابة الآيات على الجدران سواءً في المساجد أو غيرها فإنها من البدع، لم يوجد عن الصحابة أنهم كانوا ينقشون جدرانهم بالآيات، ثم إن اتخاذ الآيات نقوشاً في الجدران فيه شيء من إهانة كلام الله، ولذلك نجد بعضهم يكتب الآيات وكأنها قصور أو مآذن أو مساجد أو ما أشبه ذلك، يكيف الكتابة حتى تكون كأنها قصر، ولا شك أن هذا عبث بكتاب الله عز وجل، ثم لو قدر أنها كتبت بكتابة عربية مفهومة فإن ذلك ليس من هدي السلف، وما الفائدة من كتابتها على الجدار؟ يقول بعض الناس: يكون تذكيراً للناس، فنقول: التذكير يكون بالقول، لا بكتابة الآيات، ثم إنه أحياناً يكتب على الجدار: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتجد الذين تحت الآية هذه يغتابون الناس، فيكون كالمستهزئ بآيات الله. إذاً كتابة الآيات في المساجد وعلى جدران البيوت كلها من البدع التي لم تكن معهودة في عهد السلف. أما كتابة الأحاديث ففي المساجد إذا كانت في القبلة لا شك أنها توجب التشويش، وقد يكون هناك نظرة ولو من بعض المأمومين إليها في الصلاة، وقد كره العلماء رحمهم الله أن يكتب الإنسان في قبلة المسجد شيء، أما في البيت فلا بأس أن يكتب حديثاً يكون فيه فائدة مثل كفارة المجلس: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليه) هذا فيها تذكير. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 13 الصيغة الصحيحة التي يقولها العاطس السؤال رجل عطس فقلت له: يرحمك الله، فقال: يهدينا ويهديكم الله؟ الشيخ: لا. غلط، إذا قلت له: يرحمك الله، فقال: يهدينا ويهديكم الله، هذا غلط، لكن يهدينا لماذا تقدم نفسك؟ الإخوان دعوا لك وحدك، ما قالوا: يرحمنا ويرحمك الله، لو قالوا: يرحمنا ويرحمك الله، قل: يهدينا ويهديكم الله، لكنهم قالوا: يرحمك الله، فقدموا لك الهدية خاصة، كيف أنت تقول: يهدينا ويهديكم الله؟! الصواب أن يكون الرد: يهديكم الله ويصلح بالكم. إذا قال لك: يرحمك الله، قل: يهديكم الله ويصلح بالكم. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 14 حكم الدعاء بعد الصلاة السؤال ذكرت بالنسبة لقضية الدعاء أو رفع اليدين عند الدعاء أن حال السلف والصحابة وأهل العلم في ذلك أنهم كانوا يدعون قبل السلام، فقضية رفع اليدين بعد الصلاة هل هذا في الفريضة والنافلة كذلك، هل الأفضل أن للإنسان أن يرفع يديه أم لا؟ الجواب بارك الله فيك، أصلاً لا تسأل عن رفع اليدين بعد الصلاة، اسأل عن الدعاء بعد الصلاة هل هو مشروع أم لا؟ نقول: هو غير مشروع؛ لأن الله قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ما قال: فادعوا، فلا محل للدعاء بعد الصلاة، محل الدعاء قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعلم أصحابه التشهد ويقول: ثم يدعو بما يشاء، فجعل الدعاء قبل السلام، وأوصى معاذاً رضي الله عنه أن يقول بعد التشهد الأخير قبل السلام: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وهذا دعاء، ثم إن المعنى يقتضي هذا، الإنسان ما دام يصلي فهو يناجي الله، وإذا انصرف من الصلاة انتهت المناجاة، فهل الأولى أن تدعو وأنت تناجي الله، أو بعد أن تنصرف من المناجاة؟ الأول أولى، ولا فرق بين الفريضة والنافلة. السائل: حديث الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد؟ الشيخ: نعم. صحيح، تريد أن تدعو بعد السنة التي قبل الإقامة لا لأنه بعد السنة ولكن لأنه محل إجابة، هذا لا بأس به، وارفع يدك إلى أن يقيم الصلاة. السائل: ولو دعا الإنسان قبل السلام ثم استمر يدعو طويلاً؟ الشيخ: لا بأس يدخل في الحديث. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 15 حكم كتابة الآيات بالرسم الإملائي السؤال ما حكم كتابة الآيات بالرسم الإملائي؟ الجواب يعني: حسب الاصطلاح الحالي الجديد، هذه فيها خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: يكتب المصحف على حسب القواعد الإملائية في كل زمانٍ بحسبه؛ لئلا يتلخبط الناس في قراءة القرآن، ونحن نعلم أن القاعدة الإملائية لو كانت في عهد الصحابة عند كتابة المصحف على القاعدة اليوم لكتبوها على نفس القاعدة، لكن صادف القاعدة في ذلك الوقت على الرسم العثماني، فكتابة المصحف على الإملاء وقت كتابته أول مرة ليس تعبداً ولكنه تبعاً للاصطلاح، فإذا تغير الاصطلاح فإن الكتابة تتغير، لأنه لو قرأ على حسب الرسم العثماني لاختلت القراءة، مثلاً الصلاة كيف تكتب بالرسم العثماني؟ بالواو والتاء، الزكاة كذلك، الربا بالواو وهلم جراً. وبعضهم يقول: يجب أن تكتب بالرسم العثماني؛ لأنها لو كتبت حسب القاعدة المصطلح عليها ثم نظر الناس إلى الرسم العثماني لقالوا: اختلف القرآن، ولأن في كتابته على الرسم العثماني تذكيراً بكتابته وقت الصحابة فيكون الإنسان متأثراً بالتأسي بالصحابة رضي الله عنهم. وفصَّل بعضهم فقال: أما بالنسبة للمبتدئين الصغار الذين يقرءون في الألواح فيكتب لهم حسب القاعدة المعروفة عندهم، من أجل أن يقرءوه على وجه صحيح، وأما للمنتهيين فلا يكتب إلا على حسب الرسم العثماني، وهذا القول أقرب الأقوال الثلاثة للصواب، وهو التفصيل. السائل: لو كتبت في كتب غير المصحف؟ الشيخ: هذه أهون، أي: لو كتبت جاء الإنسان بالآية استشهاداً -يعني: استدلالاً بها- فهنا قد نقول: يكتبها على حسب القاعدة المعروفة؛ لأن الناس لو رجعوا إلى المصحف لوجدوه على الرسم العثماني. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 16 حكم السلام على رسول الله بعد كل صلاة السؤال في مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نرى بعض المصلين بعد الصلاة في مكانه الذي صلى فيه أو يتقدم قليلاً ويتجه إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويتكلم بكلام لا أسمعه، فما حكم السلام على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الصفة؟ وهل يسلم على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل أسبوع أو أقل؟ الجواب لا شك أن اتخاذ هذا سنة، كلما صلى ذهب يسلم على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفعلون ذلك، وكان ابن عمر لا يسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا إذا قدم من سفر، فكون الإنسان كلما صلى ذهب ليسلم فهذا خطأ، لكن سلم عليه أول ما تقدم، وسلم عليه إذا أردت أن تسافر وكفى. السائل: على بعد خمسين متراً ومائة متر ثم يتجه إلى القبر ويتكلم وهذا يفعله أكثر العوام؟ الشيخ: هذا من الغلط، هذا يفعله كثير من الجهال، ولكن إذا أردت أن تسلم اذهب وقف أمام القبر وسلم عليه. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 17 حكم من أنكر دخول الجن في الإنس السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم من أنكر أن الصرع قد يكون من الجن؟ الجواب يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: إن الذين ينكرون صرع الجن جهلة ليس عندهم علم، وإنما علومهم علوم مادية، وأنكر هذا إنكاراً شديداً وقال: إن الصرع نوعان: صرع من الجن، وصرعٌ لاختلال السحر من الأعصاب. وما قاله هو الحق؛ لأنه قد تواتر أن المصروعين بعضهم يتكلم الجني الذي فيه، ويخاطب القارئ، وذكر قصةً عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه أوتي إليه برجل مصروع وجعل يقرأ على المصروع وتخاطبه الجنية في الرجل، جنية قد أحبت الرجل هذا ونزلت في جسمه فيعظها وتقول: أنا أحبك، أنا أحب الرجل، فيقول شيخ الإسلام: هو لا يحبك، وهو صادق، وهو لا يحبها بلا شك، وأبت أن تخرج فجعل يضربها شيخ الإسلام، يضرب الرجل وهو في الحقيقة يقع على الجنية التي فيه، يقول: حتى كلت يده من الضرب والمصروع لا يحس، فقالت أي: الجنية- لشيخ الإسلام ابن تيمية: أنا أخرج كرامةً للشيخ، قال: لا تخرجي كرامةً لي، اخرجي طاعةً لله ورسوله؛ لأن الله ورسوله يحرمان الاعتداء على الناس، فخرجت، ولما صحا الرجل قال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ أتى به أهله إلى الشيخ وقرأ عليه وضرب الجن وهو لم يشعر، قال: ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ؟ فالمهم أن الصرع نوعان: صرع من الأعصاب، وهذا يعرفه الأطباء ويمكن التصرف فيه ويشفى بإذن الله، وصرع من الجن وهذا يشفى بالقراءة، وكم من إنسان يقرأ ويكون عنده قوة عظيمة حتى إن الجني يصيح ويقول: اتركني اتركني ولكنه إذا داوم عليه بالقراءة خرج، وقد يعود إذا مات القارئ الأول، كما يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله كان يقرأ على مصروعٍ فخرج الجني منه، ولما مات الإمام أحمد جاء الجني ودخل فيه مرةً ثانية، وجاء القارئ يقرأ بالآيات التي كان يقرأها الإمام أحمد، وأبى الجني أن يخرج، وقال له -أي: الجني قال للقارئ-: القراءة هي القراءة لكن القارئ غير القارئ، وأبى أن يخرج. وإني أحثكم بارك الله فيكم حتى تسلموا من شر هؤلاء الجن المعتدين، أحثكم على أن تحرصوا على قراءة الأوراد القرآنية والنبوية، ومنها قراءة آية الكرسي معتقداً أن الله يحفظ بها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتى يصبح) ولما غفل الناس عن الأوراد الشرعية كثرت فيهم الجن الآن وتلاعبت بهم. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 18 حكم قراءة التشهد بدل الفاتحة سهوا ً السؤال رجل يسهو في صلاته ويقرأ بدل الفاتحة التشهد فماذا يلزمه؟ الشيخ: هل قرأ الفاتحة أم لا؟ السائل: لا. الشيخ: قرأ التشهد وركع؟ السائل: نعم. الشيخ: هذا ترك ركناً. السائل: سهواً. الشيخ: عليه أن يأتي بركعة بدل التي ترك فيها قراءة الفاتحة، ثم يسجد للسهو بعد السلام. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 19 نصيحة للمبتدئ في الاستقامة السؤال ما نصيحتك لشاب في بداية التزامه واستقامته إن شاء الله؟ الجواب أولاً: أسأل الله له الثبات، وأهنئه حيث أقبل على الاستقامة؛ لأن هذه أكبر النعم، وأقول له: اثبت واستمر في الالتزام، واحرص على صحبة الصالحين، ودع صحبة الفاسدين؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبَّه الجلساء بأحسن تشبيه وأحسن تمثيل، فقال: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) صحيح هذا، إما يعطيك مجاناً، أو يبيع عليك، أو على الأقل تجد منه رائحة طيبة (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) وهذا مثلٌ مطابق تماماً، فأوصي هذا الأخ الذي التزم أن يحرص على الصحبة الخيَّرة، وأن يبتعد عن جلساء السوء، ونسأل الله له الثبات دائماً. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 20 من اعتمر قبل بلوغه ولم يكمل عمرته ثم حج بعدها بثلاث سنين السؤال شاب ذهب إلى أداء العمرة وعمره لا يتجاوز خمسة عشر عاماً، وعندما نزل إلى الحرم فسخ إحرامه قبل أن يأخذ العمرة ورجع إلى أهله، وبعد ثلاث سنوات رجع وحج، وبعدها تزوج، هل عليه شيء أم لا؟ الشيخ: لكن الأول قبل أن يتم خمسة عشر سنة. السائل: عمره خمسة عشر سنة تقريباً. الشيخ: لكن تم أم لم يتم؟ السائل: الله أعلم. الشيخ: هل نبتت عانته؟ السائل: الله أعلم. الشيخ: هل احتلم؟ السائل: الله أعلم. الشيخ: اسأله. السائل: الشخص ليس عندي. الشيخ: على كل حال: إذا كان لم يبلغ فلا حرج عليه؛ لأن غير البالغ إذا شرع في النسك ثم خرج منه فلا شيء عليه. السائل: عقد النكاح ما عليه شيء؟ الشيخ: لا شيء عليه إن شاء الله، لأننا لو قدرنا أنه بالغ فقد أدخل الحج على العمرة ويصير قارناً ويصح، وكذلك النكاح. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 21 منهج طالب العلم المبتدئ السؤال ما هو المنهج الذي ترونه لطالب العلم المبتدئ؟ الجواب أرى لطالب العلم المبتدئ أن يحرص أولاً على كتاب الله عز وجل، القرآن الكريم يحرص عليه يحفظه ويتفهم معناه ويعمل به، ثم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، ثم ليتخذ معلماً عنده علم وعنده إيمان وعنده أمانة، كل هذه لا بد أن تتوفر في المعلم. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 22 حكم استصحاب الخادمة الكافرة إلى الحرم السؤال بالنسبة لحكم استصحاب الخادمة الكافرة وإدخالها إلى الحرم؟ الجواب أجبني: كيف يذهب بامرأة كافرة إلى المسجد الحرام والله عز وجل يقول: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة:28] ؟ لا. هذا حرام عليه، وإذا قدر أنه اضطر إلى هذا يقول لها: أسلمي. فإن أسلمت فهذا المطلوب، وإن لم تسلم إما أن يبقى معها، وإما أن يرسلها إلى أهلها، وأما أن يأتي بها إلى مكة فهذا لا يجوز، أولاً: معصية لله عز وجل، ثانياً: امتهان للحرم. السائل: هو يا شيخ من غير هذه البلاد وجاء بها وعندما سأل عن الحكم وقيل له: لا يجوز، هل يرجع هو وإياها؟ الشيخ: نعم. يرجع هو وإياها، أو يردها إلى بلدها. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 23 ضعف حديث: (من أكل لقمة حراماً فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً) السؤال فضيلة الشيخ: حديث نسألك عن صحته: (من أكل لقمةً حراماً فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً) ؟ الجواب هذا ليس صحيحاً، لكن لا شك أن أكل الحرام له تأثيرٌ في رد الدعاء وعدم قبوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، قال: فأنى يستجاب له؟) ومعنى: (أنى يستجاب) أي: كيف يستجاب؟ والاستفهام هنا للاستبعاد، أي: يبعد جداً أن يستجيب الله له. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 24 أسباب نسيان الحفظ السؤال يعاني الكثير من الطلاب نسيان المحفوظات وضياع فوائد المقروءات، فما هو الحل الأمثل في نظرك يا فضيلة الشيخ؟ الشيخ: أسباب ضعف الحفظ كثيرة: منها: المعاصي؛ فإن المعاصي توجب النسيان، قال الله تبارك وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا} [المائدة:13] وقال الشافعي رحمه الله: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتاه عاصي - من أسباب النسيان: ألا يتعاهد الإنسان ما حفظ، يعني: لا يكرره، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعاهدوا القرآن -يعني كرروه- فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) . - ثالثاً: كثرة المشاغل، إذا كان إنسان عنده أشغال كثيرة فإنه ينسى؛ لأن القلب وعاءٌ وهو الإناء، والإناء هذا له حد، له طاقة إذا امتلأ بشيءٍ لم يسع غيره، فإذا كان الإنسان غير متفرغ وعنده شواغل، فإن هذه الشواغل ينسي بعضها بعضاً. - ومن أسباب النسيان أيضاً: عدم العمل بالعلم، فأنت إذا عملت بما تعلم فعملك دراسة -دراسة للعلم- مثلاً: إذا علمت أنه يجب الترتيب في الوضوء، ثم كنت تتوضأ مرتباً فهذه دراسة بلا شك. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 25 السفر لا يمنع من الخير السؤال فضيلة الشيخ! هل الأفضل ترك السنة الراتبة في الحرم إذا كان في حال السفر أم لا؟ الجواب يجب يا إخواني أن تعلموا أن السفر لا يمنع من الخير، وأما قول بعضهم: من السنة في السفر ترك السنة. فهذه قضية كذب، من قال: إن من السنة في السفر ترك السنة؟ السفر لا يمنع من الخير. لكن هناك ثلاث سنن لا تفعل وهي: راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء. ثلاث لا تصلى في السفر، لكن لو جاء الإنسان إلى الحرم أو إلى مسجدٍ آخر وهو مسافر قبل الإقامة فليصل، السنن ليس الرواتب، لا ينويها راتبة، المسافر -أيضاً- يتهجد في الليل يصلي تحية المسجد، يصلي سنة الضحى، كل النوافل يفعلها، إلا ثلاث رواتب فلا يفعلها. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 26 مسح الوجه باليدين بعد الدعاء السؤال ما حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟ الجواب يرى بعض أهل العلم أنه من السنة، ويرى شيخ الإسلام أنه من البدعة، وهذا بناءً على صحة الحديث الوارد في هذا، والحديث الوارد في هذا قال شيخ الإسلام: إنه موضوع. يعني: مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم. والذي أرى في المسألة: أن من مسح لا ينكر عليه، ومن لم يمسح لا ينكر عليه، وهو أقرب إلى السنة ممن مسح. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 27 ثواب صلاة الجماعة إذا تعددت الجماعات السؤال جماعة فاتتهم صلاة الفجر، فهل إذا قاموا وصلوها بعد فوات الوقت، فهل يدخلون ضمن حديث: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله) ؟ الجواب الواقع أن الأجر والنتائج المترتبة على صلاة الجماعة، هي عندي محل إشكال: هل تكون للجماعة الأولى، أو لكل جماعة كانت ولو بعد الأولى؟ مثلاً: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، دخلنا المسجد وجدنا الناس قد صلوا فصلينا جماعة، هل ندرك أن نحصل على سبعة وعشرين درجة؟ هذا عندي محل إشكال؛ لأننا لو قلنا بهذا لزم أن يتوانى الناس عن الجماعة الأولى، وقالوا: ما دام يريد الأجر متى فرغنا ذهبنا نصلي بالمسجد. فأنا عندي في هذا إشكال، لكن إذا دخلنا المسجد وقد صلوا فإننا نصلي جماعة أفضل من أن يصلي كل واحد منا وحده، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) ، ودخل رجل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالساً مع أصحابه وقد فاتته صلاة الجماعة، فقال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) . ثواب الذكر بعد صلاة الفجر لمن فاتتهم الصلاة عندي في هذا نظر؛ لأن جميع الثواب المرتب على صلاة الجماعة إنما هو في الجماعة الأولى فقط. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 28 معنى قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) السؤال يقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] كان مجموعة في السيارة يمشون وشغل أحدهم شريط قرآن، فهل يجب على الجميع استماع هذا الشريط، وهل يأثم من يتكلم والشريط شغال؟ الجواب قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] : هذا في الصلاة، وقال: أجمعوا على أن ذلك في الصلاة. وعلى هذا فلو كنت بجوار شخص يقرأ القرآن ويجهر به وأنا أسبح وأهلل -ذكر خاص- فإنه لا يلزمني أن أستمع له، وإنما ذلك في الصلاة فقط. ولكني أقول للأخ الذي شغل المسجل: لا تشغل والناس غافلون؛ لأن هذا أدنى ما نقول فيه أنه يشبه من قال الله فيهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] فإذا رأيت إخوانك لا يريدون الاستماع إنما هم مشغولون بالحديث بينهم، فلا تشغل المسجل، وإذا كنت تشتاق لهذا فهناك سماعة صغيرة أدخلها في أذنك، ويجعل الصوت له وحده. وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. الجزء: 197 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [198] إن من تيسير الله لعباده ورحمته بهم أنه لم يجعل لهم نسكاً واحداً يتقيدون به، وإنما جعل لهم ثلاثة أنساك، وهي: التمتع، والقران، والإفراد، وأفضل هذه الأنساك الثلاثة هو التمتع، والعمرة لها صفة معروفة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 1 أنواع أنساك الحج الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: هذا هو اللقاء الثامن والتسعون بعد المائة من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) . ذكرنا أننا سنخصص هذه اللقاءات بمناسبة موسم الحج بالكلام على الحج، ففي اللقاء الذي قبل هذا تكلمنا عن شروط وجوب الحج، وبيَّنا أنها خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة. وتكلمنا عن هذا تفصيلاً وانتهى الكلام عليه، أما هذا اللقاء فإننا سنتكلم فيه عن صفة الحج والعمرة. فنقول أولاً: اعلم أن الأنساك ثلاثة، علم ذلك بالتتبع للسنة النبوية المطهرة: التمتع والقران والإفراد. والتمتع: هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج -أي: من بعد دخول شهر شوال- ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من تلك السنة، فيكون له عمرة مستقلة وحج مستقل، وعليه الهدي، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] . والقران: له صورتان: الصورة الأولى: أن يحرم بهما -أي: بالحج والعمرة- جميعاً من الميقات، فيقول: لبيك عمرةً وحجاً. والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يخشى أن يفوته الوقوف لو قضى العمرة فيدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. أما الصورة الأولى فدليلها: فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإنه أتاه آتٍ وهو في ذي الحليفة، فقال له: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة) . وأما الصورة الثانية فدليلها: حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها أحرمت بالعمرة، تريد التمتع، ثم أتاها الحيض قبل أن تدخل مكة، فأمرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة) . أما الإفراد: هو أن يحرم بالحج مفرداً بدون عمرة، بمعنى: أن يسافر من بلده إلى مكة ناوياً الحج فقط، فكيف يقول المتمتع في تلبيته؟ يقول: لبيك عمرة. ولا حاجة أن يقول: متمتعاً بها إلى الحج؛ لأن النية كافية، وأما القارن فيقول: لبيك عمرةً وحجة. وأما المفرد فيقول: لبيك حجاً. هذه الأنساك الثلاثة أفضلها التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بها وحث عليها، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة) -وكان قارناً- ثم القران، ثم الإفراد، القران بعد التمتع؛ لأنه داخلٌ باسم التمتع عند سلف هذه الأمة، ولأن المحرم يجمع فيه بين عمرةٍ وحج وكان أقلها الإفراد؛ لأنه حجٌ فقط، القارن عليه هديٌ كالمتمتع، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام وسبعةً إذا رجع إلى أهله. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 2 صفة العمرة أما كيفية ذلك فنقول: إذا وصل إلى الميقات والمواقيت خمسة: ذي الحليفة لأهل المدينة ولمن مر به، والجحفة لأهل الشام ومن مر به، ويلملم لأهل اليمن ولمن مر به، وقرن المنازل لأهل نجد ومن مره به، وذات عرق لأهل العراق، فإذا وصل من يريد الإحرام إلى الميقات اغتسل كما يغتسل للجنابة، ثم تطيب على رأسه ولحيته، ثم لبس الإحرام إزاراً ورداءً، هذا بالنسبة للرجل. أما المرأة فتفعل هكذا أي: بالاغتسال وتتطيب بما لا يظهر ريحه لمن حولها، وتلبس الثياب التي تريد من غير تقييد، إلا أنها لا تتبرج بالزينة خوف الفتنة، ثم يقول: لبيك اللهم عمرة. ويستمر يلبي، يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تسر به، وأفضل كيفية للتلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ويرفع الرجل صوته بذلك، فإنه لا يسمعه شيء إلا شهد له يوم القيامة، فإذا وصل إلى مكة ودخل البيت -أعني: المسجد- قال عند دخوله كما يقول عند دخوله سائر المساجد: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك) ويمضي إلى الحجر فيستلمه بيده اليمنى -أي: يمسحه ويقبله- إن تيسر له وإن لم يتيسر أشار إليه، لفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كما كان ابن عمر يقول، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط، فإذا مر بالركن اليماني الذي يليه الحجر الأسود استلمه بيده اليمنى فإن شق عليه ذلك أشار إليه، ويقول في طوافه ما شاء من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والتحميد والتكبير والدعاء، وليس هناك دعاءٌ مخصوص في الطواف إلا التكبير عند الحجر الأسود كلما مر به وقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] بين الركن اليماني والحجر الأسود، وما عدا ذلك فهو راجع إلى اختيار الطائف. وإياك أيها الحاج! أن تدعو بهذا الدعاء البدعي وهو أن تدعو لكل شوطٍ بدعاء مخصوص، فإن هذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم هو دعاءٌ قد يكون ما يريده الطائف غير هذا الدعاء، ثم إن كثيراً من الذين يتلونه لا يدرون ما معناه، فانصحوا إخوانكم إذا رأيتم معهم مثل هذا، وقولوا: هذا بدعة، وادع الله بما تريد، وكل إنسان له حاجة غير حاجة الآخر، وفي هذا الطواف يسن للرجل سنتان: الأولى: الاضطباع. الثانية: الرمل. فأما الاضطباع: فهو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيخرج كتفه الأيمن في جميع أشواط الطواف. وأما الرمل: فهو أن يسرع المشي، لكن في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] يقول ذلك تذكيراً لنفسه بأمر الله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيصلي ركعتين خلف المقام خفيفتين، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] بعد الفاتحة، والثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] بعد الفاتحة، ويخففهما ولا يبقى بعدهما ينصرف فوراً تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتركاً للمكان الذي يحتاجه غيره ممن فرغ من الطواف. ثم يتجه إلى الحجر الأسود فيستلمه إن تمكن وإلا انصرف -بدون إشارة- إلى الصفا، فإذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] قبل أن يصعد على الصفا تأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتذكيراً بالآية الكريمة التي أخبر الله فيها أن الصفا والمروة من شعائر الله، فإذا صعد إلى الصفا استقبل القبلة ورفع يديه، وقال ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنه أن يكبر ثلاثاً ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثانية ويدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرةً ثالثة، ثم ينزل متجهاً إلى المروة يمشي على عادته حتى يصل إلى العلم الأخضر -أي: العمود الأخضر- الذي جعل بحذائه لمبات خضر من فوق، فيسعى في هذا -أي: يركض ركضاً شديداً إذا تيسر له- حتى يصل إلى العلم الآخر، ثم يمشي مشياً معتاداً حتى يصل إلى المروة، فإذا وصل إلى المروة صعد عليها واتجه إلى القبلة رافعاً يديه يقول مثلما قال على الصفا، ثم ينزل متجهاً إلى الصفا يمشي في مواضع مشيه ويركض في موضع ركضه، ولا يقرأ الآية: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)) [البقرة: 158] إلا مرة واحدة، إذا أقبل على الصفا بعد الطواف، ولكن يذكر الله تبارك وتعالى ويقرأ القرآن ويدعو، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول وهو يسعى في الوادي الذي جعل عليه العلم علامة يقول: [ربِّ اغفر وارحم، ربَّ اغفر وارحم، ربِّ اغفر وارحم] فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المروة إلى الصفا شوطٌ آخر، قصَّر رأسه -أي: قصه بالمقص أو بالماكينة- ولا يسن الحلق إذا كان وقت الحج قريباً؛ لأنه لو حلق لم يبق شعرٌ للحج، ثم يحل من إحرامه حلاً كاملاً، ويبقى إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج، ويفعل عند إحرامه كما فعل عند إحرام العمرة. ويأتي إن شاء الله الكلام على صفة الحج في اللقاء القادم إن شاء الله. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 3 الأسئلة الجزء: 198 ¦ الصفحة: 4 الجمع بين الاعتكاف والعمرة السؤال أيهما أفضل: الاعتكاف، أم العمرة في رمضان؟ الشيخ: يمكن للإنسان أن يأتي بهما جميعاً. السائل: إذا لم يستطع الجمع؟ الشيخ: إذا لم يستطع الجمع فيمكن، بمعنى: أن يذهب إلى مكة يوماً وليلة قبل دخول العشر الأواخر؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في العشر الأواخر فقط، ويرجع ويعتكف في بلده، وهذا سهل. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 5 حكم استخدام المحرم للصابون والشامبو للرائحة السؤال ما حكم التنظف بالنسبة للمحرم بالصابون والشامبو للرائحة؟ الجواب لا بأس بذلك؛ لأن اغتسال المحرم جائز، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يغتسل وهو محرم، وأما الشامبو فالظاهر أن رائحته ليست عطرية وإنما رائحة نكهة، نكهة محبوبة للنفس كما يرى في النعناع وفي ورق التفاح وما أشبهه. السائل: إذا كان من الورد يوضع مثل الياسمين مثلاً؟ الشيخ: المهم ما كان طيباً فلا يجوز استعمال المحرم. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 6 الذهاب إلى زمزم في الحج وليس في العمرة السؤال أنت تكلمت بالنسبة لصلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، قلت: يذهب ويشير إلى الحجر ولم تذكر جزاك الله خيراً ذهابه إلى زمزم ثم يشير إلى الحجر؟ الجواب أقول: لم أذكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما شرب من ماء زمزم في الحج. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 7 الضابط في العبادات والمعاملات السؤال ما هو الضابط الذي به نعرف أن هذا العمل منهي عنه -باطل- حيث أننا نرى بعض أهل العلم يصححون عملاً منهياً عنه ويبطلون آخر؟ الشيخ: مثل؟ السائل: لا يحضرني الآن يا شيخ. الشيخ: يجب أن نعلم أن العبادات الأصل فيها المنع، فكل من تعبد لله بشيءٍ عقيدة أو قول أو عمل فإن عمله باطل إلا أن يقيم دليلاً على أنه مشروط، هذا هو الأصل، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى منكراً على الذين يشرعون ما لم يرسل الله به سلطاناً: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] فأنكر عليهم، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذه القاعدة: الأصل في العبادات المنع والتحريم والبطلان ما لم يقم دليلاً صحيحاً عليه. وأما غير العبادات فالأصل فيها الحل، كالمعاملات الجارية بين الناس، والعادات الجارية بين الناس، والأخلاق الجارية بين الناس، الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على المنع، فهاتان قاعدتان بهما توزن جميع الأعمال التي لا يعرف لها سابق، فمثلاً: صلاة التسبيح حديثها ليس بصحيح، بل هو باطل كما صرح به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وعلى هذا فلا تسن، يعني: لا يمكن أن نعمل عملاً يقربنا إلى الله إلا بدليل. كذلك: صلاة الحاجة، الإنسان إذا كان له حاجة صلى ركعتين ثم سأل الله على صفة مخصوصة معروفة، هذه أيضاً ليست صحيحة. كذلك: الاحتفال بالمولد النبوي كما يزعمون، هذا أيضاً باطل لا يصح؛ لأنه أولاً من الناحية التاريخية ليس بصحيح؛ لأن ولادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اختلف فيها المؤرخون على ثمانية أو سبعة أقوال، وقد حقق بعض المعاصرين: أنها كانت في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول، عكس ما هو معروف الآن أنه في اليوم الثاني عشر، وحتى لو فرضنا جدلاً ثبوت الولادة في هذا اليوم، فإنه لا يجوز أن تتخذ عيداً. السائل: أنا أقصد العمل المنهي عنه يا شيخ. الشيخ: ما في عمل منهي عنه إلا الشرائع، فالعبادات الأصل فيها النهي والمنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، نضرب لك مثالاً: لو أن إنساناً طاف بالكعبة وصار يمسح جميع الأركان الأربعة، قلنا: أما الحجر الأسود فهو الركن اليماني، فهذا مشروع، وأما الاثنان فاستلامهما غير مشروط، فيكون منهيٌ عنه مبتدئاً، ولهذا لما طاف معاوية وابن عباس رضي الله عنهما بالبيت جعل معاوية يستلم كل الأركان، فأنكر عليه ابن عباس، فقال معاوية: [ليس شيءٌ من البيت مهجوراً. فقال له ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستلم الركنين اليمانيين] فرجع معاوية إلى قول ابن عباس. السائل: حضرني مثال يا شيخ: (لا صلاة بحضرة الطعام) هذا عمل منهي عنه، هل هذا يبطل الصلاة، وما هو الضابط فيه؟ الشيخ: نرجع إلى القواعد، (لا صلاة بحضرة الطعام) لماذا؟ السائل: لأجل الانشغال. الشيخ: إذاً لو صلى الإنسان وهو لا يأبه بهذا الطعام ولا يشوش له، يدخل في النهي؟ ما دام أننا عرفنا العلة فإنه لا يدخل في النهي، بقي إذا كان يصلي وهو جائع -يريد أن يأكل- نقول: غاية ما فيه أنه انشغال القلب وأكثر العلماء يقولون: إنه لا يبطل الصلاة. ويستدلون بالحديث: (إن الشيطان يأتي لابن آدم وهو يصلي يقول: اذكر كذا في يوم كذا) وعلى رأي من يقول: إن الخشوع واجب في الصلاة، يقول: إذا أدى حضور الطعام الذي يشتهيه إلى أن ينشغل قلبه عن الصلاة بحيث لا يدري ما يقول فصلاته باطلة. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 8 حكم الصلاة إلى النار السؤال يا شيخ! نحن مجموعة من الشباب نخرج في طلعات برية ويصادف أحياناً في الليل يكون الجو بارداً ونشعل النار، فكنا إذا صار وقت الصلاة نتنحى عن جهة النار على أساس ألا تكون هي أمامنا كسترة، فجاءنا أحد الإخوة وقال: ما الدليل على ذلك؟ لا يوجد دليل على أن النار إذا صارت أمامكم أنكم تتنحون عنها، جائز لكم تصلون وهي أمامكم، وبحثنا في هذا الموضوع في فتح الباري فلم نجد شيئاً واضحاً ولا في نيل الأوطار، فما صارت عندنا حجة الحقيقة، فجئنا نسألك جزاك الله خيراً إذا كان هناك دليل أو شيء؟ الجواب ليس هناك دليل نبوي، لكن إذا كانت النار مشتعلة فإن الذي يصلي إليها يشبه عبادة المجوس؛ لأن المجوس يشعلون النار ويصلون خلفها؛ لأنهم يعبدونها، فمن ثم قال أهل العلم: يكره ذلك؛ لئلا يتشبه بالمجوس فقط. وبناءً على هذا: لو كانت جمراً ما فيها لهب فإنه لا تكره الصلاة إليها. السائل: أخبرنا بذلك فكان الرد: أن هناك من يعبد الماء، وهناك من يعبد الشجر، وهناك من يعبد كذا، فأخذ يسترسل في قضية أن إذا كانت العبادة على نار مجوس إذاً لا تصلون أمام شجر، ولا تصلون أمام ماء؛ لأن هناك أناساً يعبدون هذه الأشياء؟ الشيخ: نعم. لكن أي شجرة يعبدونها؟ الشجرة الخاصة التي يعبدونها نلحقها بهذا، لكن هل هم يعبدون كل الشجر؟ لا يعبدون كل الشجر. السائل: قال: إن المجوس نارهم ليست كناركم هذه، يقول: إنها لا تأتي من تنور أو من شيء آخر. الشيخ: أبداً، على كل حال العلماء يقولون: لا نص فيها، كلامه أن ما فيها نص صادق، لكن في هذا تشبه وربما يلقي الشيطان في قلب الإنسان خصوصاً إذا كان يعرف أن المجوس يعبدون النار ربما يلقي في نفسه أنه يتشبه بهم، والبعد عن الشك أمرٌ مطلوب. السائل: إن صلينا مرة أمامها ما فيها بأس؟ الشيخ: لا. لا تبطل الصلاة، ولا إشكال في هذا، ولولا هذا التعيين الذي قلت لك لقلنا: لا يكره، ولهذا نعرف خطأ بعض الناس حين يقول: هذه الدفايات الكهربائية لا تجعلوها أمام المصلين، غلط هذا، هذا غلط على العلماء وغلط على الشريعة، ليس هذا صحيحاً. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 9 الأذان للجمع بين الصلاتين السؤال إذا جمع المصلون في الحضر بين الصلاتين من أجل المطر ونحوه من الأعذار، فهل يؤذن للثانية، مع العلم بأن الناس يعلمون بدخول وقت الثانية بوسائل أخرى كالإذاعة؟ الجواب إذا جمع -أي: في المساجد- بين الصلاتين جمع تقديم فإنه لا يؤذن في الثانية؛ لأن الثانية برأت منها الذمة بالعلم، انتهى، أما الذي في البيوت فإنه -كما قلت- يمكن أن يستدلوا لدخول الوقت بالساعات وبالإذاعة وبالتحري أيضاً. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 10 ضعف حديث: (لا يقاد الوالد بالولد) السؤال بالنسبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يقاد الوالد بالولد) هذا الحكم هل يجري على الوالدة؟ الشيخ: هذا الحديث لا يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه مشهور بين الفقهاء، ولهذا اختلف العلماء: هل يقتل الوالد بالولد أم لا؟ والصحيح: أنه يقتل به، وكيف نقول: هذا الرجل الذي قتل ولده عمداً لا يقتل به، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة:178] ، ويقول: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] وكذلك صحت السنة بأن النفس بالنفس: (لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس) فنقتله، وإذا كنا نقتله بمقتضى الأدلة العامة، فإن القول: بأن الوالد لا يقتل بالولد قولٌ ضعيف، والحديث مشهور بين الفقهاء لكنه ضعيف، ولا يمكن أن نمنع القصاص الذي دلت عليه النصوص في مثل هذا الحديث الضعيف، يقولون: بالتعليل أيضاً: لأن الوالد سببٌ في إيجاد الولد، فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه. ونقول: هذه العلة عليلة بل ميتة، هل الولد هو الذي كان سبباً في إعدام أبيه إذا قتله، أو السبب هو الأب؟ السائل: الأب هو السبب. الشيخ: الأب هو السبب، هو الذي قتله، لماذا يقتله؟ فالتعليل باطل، والحديث ضعيف، والنصوص عامة في وجوب النفس بالنفس. أما على القول: بأن الوالد لا يقتل بالولد، فهم لا يفرقون بين الأم والأب، يقولون: لا تقتل الأم بولدها، ولا يقتل الأب بولده. السائل: بالنسبة لنص الحديث ألا يقيد الآية أحياناً؟ الشيخ: لا. ما يصح. السائل: حسنه كثير من أهل العلم. الشيخ: دعنا من الذين حسنوه، لكن نحن نرى أنه ضعيف، ثم كونه حسناً لا يمكن لضعفه؛ لأن الحسن تعرف أنه دون الصحيح درجة، لا يمكن أن يقيد عموم واضح في القرآن والسنة، ثم نقول: أي عقلٍ وأي قطيعة أشد من أن يقتل الوالد بابنه لخصومةٍ بينهما فيضجعه ويأتي بالسكين ويذبحه؟ أكبر قطيعة، ونجازي قاطع الرحم بأن نمنعه من القتل. وهنا فائدة: بعض الناس يصحح أحاديث أو يحسنها بمقتضى ظاهر الإسناد، ثم لا يلتفت إلى المعنى، مع أن أهل العلم قالوا: إن من شرط الصحة والحسن ألا يكون معللاً ولا شاذاً، فبعد أن تنظر إلى الإسناد يجب أن تنظر إلى المعنى: هل هو مخالف لقواعد الشريعة أم لا؟ انظر مثلاً إلى حديث: (إن لحوم البقر داء، وألبانها شفاء) هذا الحديث باطل ولا يجوز للإنسان أن يصدقه، لماذا؟ لأن الله نص على حل البقر، حل لأكلها؛ فقال: {وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144] وأحلها، فكيف يحل الله لعباده ما يكون داءً عليهم؟!! إن الله يحرم الداء على عباده، بل قد يكون المطعوم طيباً ونحرمه على شخص، إذا قال الأطباء أو تواتر عند الناس: أن هذا الطعام مؤثر على الإنسان وهو طيب، نقول: هو على هذا الإنسان حرام للضرر، كيف يكون لحم البقر داءً ثم يحله رب العباد الذي هو أرحم من العباد من الوالدة بولدها؟! فمثلاً: هذا الحديث لو جاء إنسان وصححه، نقول: أخطأ في تصحيحه، هذه قاعدة أحب أن ينتبه لها طلبة العلم. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 11 نصيحة للمعلم الذي عنده طلاب يعلمهم السؤال ما نصيحتكم لمن كان لديه شباب على وجه مقتبل الالتزام، هم شباب صغار ويربيهم ويعلمهم من الدين، فما نصيحتكم له؟ الجواب نصيحتي له: أن يبين لهم الدين ويرغبهم فيه، ويعالجهم معالجة الطبيب للمريض حتى يشفوا بإذن الله، لو أن مريضاً مرض وفيه -مثلاً- جرح يحتاج إلى شق، فجاء الطبيب وشقه بعنف لا يزيد الجرح إلا بلاءً، لكن لو شقه برفق حتى يتمكن من السيطرة عليه صار هذا هو الصواب، ثم ينصحهم عن مصاحبة الأسافل والبعد عنهم؛ لأن المجالسة والمصاحبة تؤثر، وكثيرٌ من الصغار ينخدعون بوسوسة الكبار وغرورهم، فليحذرهم من هذا. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 12 السفر المبيح للرخص السؤال مجموعة من المدرسين يترددون لقرى بعيدة تقريباً فوق (100كم) ويترخصون برخص السفر، يجمعون بين الظهر والعصر مع أنهم يصلون إلى ديارهم تقريباً الساعة الواحدة والنصف، ويقولون: عندهم فتوى منكم أنتم. فهل يجوز لهم أن يترخصوا برخص السفر؟ وإذا كان لا يجوز فهل يجوز لهم أن يجمعوا بين الظهر والعصر من غير قصر أم لا؟ الجواب العلماء رحمهم الله اختلفوا في السفر المبيح للرخص، فمنهم: من يحده بالمسافة ويقول: المسافة (83كم) فإذا جاوزها الإنسان ولو بنصف ذراع حلت له الرخص. وبناءً على هذا القول: يكون هؤلاء ممكن يكون لهم الرخص؛ لأنك قلت: (100كم) أو أكثر. هؤلاء يقولون: له القصر وله الفطر وله الجمع ولو قطع هذه المسافة، أعني: (83كم) بنصف ساعة أو أقل، على هذا القول يكون لهؤلاء أن يقصروا إذا صادفتهم الصلاة وهم في غير بلدهم، ويجوز لهم أن يجمعوا. وأما على القول الثاني الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أقرب إلى الصواب فيقول: العبرة بما يسميه الناس سفراً، وهؤلاء القوم الذين يذهبون صباحاً ويرجعون مساءً قبل المساء لا يعدون مسافرين فلا يقصرون، أما الجمع فإذا كان يشق عليهم انتظار صلاة العصر بمعنى: أنهم يصلون إلى بلدهم وهم متعبون ويخافون إن ناموا لا يقومون، فلهم الجمع لكنه جمعٌ بلا قصر. السائل: يعني: لا يجوز لهم أن يترخصوا برخص السفر؟ الشيخ: هذا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه. السائل: الفتوى التي يسندوها إليكم يا شيخ. الشيخ: لا. هذه ما نفتيها، نقول: الذي يذهب يدرس بمسافة (100كم أو 200كم) ويرجع بيومه هذا ليس مسافراً، فلا يترخص -بمعنى لا يقصر- لكن مسألة الجمع شيء آخر؛ لأن الجمع يجوز إذا كان على الإنسان مشقة في انتظار الصلاة الثانية. السائل: لو كان شبه يومي الجمع؟ الشيخ: ولو كان شبه يومي. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 13 حكم شارب الدخان إذا مات بسبب الدخان السؤال الذي يموت بسبب التدخين، هل يكون منتحراً؟ الشيخ: هل تظن أن الذي يشرب الدخان شربه ليموت؟ السائل: لا. الشيخ: إذاً ليس منتحراً، لكن الذي يضع متفجرات في بطنه ويذهب إلى العدو ويفجرها هناك هل منتحر أم غير منتحر؟ منتحر. فرق بين من يقصد قتل نفسه، ومن لا يقصد. لكن يقال: إذا كان ضرر الدخان يؤدي إلى القتل، فهذا من أقوى الأدلة على القول بالتحريم، وهو لا شك عندي أنه محرم -الدخان- لما فيه من أضرار بدنية، وأضرار خلقية، وأضرار مالية، ألم تعلم أن الذي يشرب الدخان إذا لم يجده ربما يبيع عرضه؟ قل لي: بلى أم لا؟ السائل: لا. الشيخ: أحسن تقول: بلى. إذا قال لك: أليس قل: بلى. على كل حال: الدخان عندنا لا نشك أنه حرام، لكن لا نقول: إن من شربه قاتل نفسه؛ لأنه ما قصد قتل نفسه. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 14 أقوال التابعين في أمور الغيب ليست كأقوال الصحابة السؤال بالنسبة لما في الجنة من نعيم أو ما في النار من عذاب، إذا جاءت آثار عن التابعين تنقل وصفاً دقيقاً لما في الجنة أو النار، هذه الآثار البعض يأخذ بها اعتماداً على تصحيح بعض العلماء المعتبرين للسند، فيقول: إن تصحيح العلماء للسند اعتبارٌ عندهم لهذه الآثار، وإلا لما صححوها ولما اهتموا بها، فيأخذ بها اعتماداً على ذلك، هل هذا صحيح؟ الجواب لا. غير صحيح؛ لأن أقوال التابعين في أمور الغيب ليست كأقوال الصحابة، الصحابة قد يكون مستندهم الرسول عليه الصلاة والسلام، والتابعون قد يكون مستندهم الأخبار الإسرائيلية التي شاعت بعد الفتوحات الإسلامية، وعلى أعلى تقدير نقول: السند منقطع. لو قلنا: إنهم يستندون في هذا إلى قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالسند منقطع، والمنقطع من أقسام الضعيف، وتصحيح بعض العلماء السند إلى هؤلاء قصدهم بذلك لو وجدت شواهد من وجهٍ آخر تدل على اتصال السند إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم صار هذا السند المنقطع مقوياً له. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 15 أقوال العلماء في صلاة المنفرد خلف الصف السؤال هل صلاة المنفرد خلف الصف جائزة إذا كان فيه فرج عن اليمين أو عن اليسار، أو إذا كان شخصان، بين لنا هذه المسألة، رفع الله قدرك وأحسن إليك؟ الجواب هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال للعلماء: القول الأول: أن صلاته ناقصة وليست باطلة، سواء كان الصف تاماً أو غير تام، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ويؤولون قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) أي: لا صلاة كاملة كما في قوله: (لا صلاة بحضرة طعام) . والقول الثاني: أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح مطلقاً، سواءً تم الصف الذي قبله أم لا، وهذا هو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد رحمهم الله. القول الثالث: الوسط، يقول: إن كانت الصفوف تامة فله أن يصلي خلف الصف منفرداً، وإلا فليس له ذلك، ويستدلون لهذا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، وقالوا في عذره: إذا كان الصف تاماً، أن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صحح صلاة المرأة خلف الصف؛ لأنه ليس لها محلٌ في الصف شرعاً، والذي يجد الصف تاماً ليس له محلٌ في الصف حساً وواقعاً، والتعذر الحسي كالتعذر الشرعي، وهذا الذي قلته أخيراً هو الصواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله. قال بعض الناس: يجذب شخصاً من الصف ليكون معه. وهذا خطأ؛ لأن هذا جناية على المصلي في الصف، وسببٌ لانقطاع الصف، (ومن قطع صفاً قطعه الله) ، وهو أيضاً موجب للتشويش على المجذوب، وموجب لحركة الصف كله؛ لأن الصف سوف يتحرك ليدنو بعضهم من بعض، ففيه جنايات. وقال بعضهم: يتقدم فيكون مع الإمام. وهذا خطأ؛ لأن الشريعة تريد أن يكون الإمام وحده منفرداً ليس معه أحد؛ لئلا يظن الرائي أن لهؤلاء الجماعة إمامين. ثم إذا قلنا: تقدم مع الإمام، إن كان بينه وبين الإمام صفوف أدى ذلك إلى تخطي الرقاب، ثم إذا تقدم مع الإمام وجاء آخر ولم يجد مكاناً قلنا: تقدم، ربما يكمل الصف مع الإمام، لكن لو بقي هذا يصلي وحده خلف الصف وجاء آخر صاروا صفاً. على كل حال القول الراجح بلا شك: أنه إذا كان الصف تاماً فيصلي وحده مع الجماعة منفرداً. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 16 الوقت الذي يترخص فيه المسافر برخص السفر السؤال متى يجوز للمسافر أن يترخص برخص السفر؟ الجواب إذا خرج من بلده. السائل: من أول ما يشرع في السفر؟ الشيخ: لا. إذا خرج من البلد أي: صارت مساكن البلد وراءه. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 17 من دخل مسجداً فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب السؤال دخل شخص وقت صلاة المغرب المسجد فوجد الجماعة يصلون العشاء، فماذا يصنع؟ وهل يجمع صلاة العشاء بعد الانتهاء من الصلاة؟ الجواب إذا دخل وهو لم يصل المغرب والناس يصلون العشاء يدخل معهم بنية المغرب، ثم إن كان دخل معهم في أول الصلاة فإنه إذا قام الإمام للرابعة يجلس ويتشهد ويسلم ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن كان دخل معهم في الثانية فما بعدها فالأمر واضح. إن دخل في الثانية متى يسلم؟ مع الإمام، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام. السائل: هل يجمع؟ الشيخ: لا أدري هل هو من أهل الجمع أم لا؟ السائل: للمطر. الشيخ: إن كان أدرك شيئاً من العشاء -أي: بعد أن تشهد- فليجمع، وإن كان لا يدرك فعندي محل توقف؛ لأنه لا يستفيد من هذا الجمع شيئاً، إذ أنه سوف يخرج لبيته ونقول: انتظر حتى يدخل وقت العشاء وصل في بيتك، لكن إذا كان يدرك شيئاً من العشاء مع الإمام فليجمع ليدرك فضيلة الجماعة. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 18 حكم اتخاذ السترة للمصلي إذا كان في البرية السؤال ما حكم اتخاذ السترة للمصلي إذا كان في البرية؟ الجواب سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتخذه، كان معه عنزة تركز أمامه ويصلي إليها. السائل: إذا لم يتخذ الإمام سترة، هل ينكر عليه أم لا؟ الشيخ: لا ينكر عليه على أن ما فعله منكر، بل يرشد إلى السنة، ونقول: أنت فعلت محرماً تب إلى الله من هذا. السائل: بعض المصلين ينكر على الإمام يقول: لماذا تتخذ سترة ونحن في البرية؟ الشيخ: لا. هذا خطأ؛ لأنه ما يعرف أن الرسول كان يفعل هذا، لو علم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا ما أنكر. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 19 الطريقة الشاذلية الصوفية وهجر أصحابها إن كان هناك مصلحة السؤال لي أقارب ينتمون إلى الطريقة الشاذلية الصوفية، وقد قمت بواجب النصح لهم ولكنهم لم ينتصحوا، فنريد منكم بارك الله فيكم وفي علمكم كلمة لعلها تلقى القبول لديهم وأكون قد أقمت بها الحجة عليهم؟ وهل ترون هجرهم إن أعرضوا عن النصح من قطع صلة الأرحام مع العلم أنهم أقارب لي جزاك الله خيراً؟ الشيخ: هل تعرف شيئاً من هذه الطريقة؟ السائل: لا أعلم. الشيخ: كيف تنكر ما لا تعرف؟ قل: إذاً أنسحب ولا أنكر، هل أحد منكم يعرف الطريقة الشاذلية؟ أنا لا أعرفها. أحد الحاضرين: عندهم أفكار بدعية يعني: يجتمعون في أماكن مثلاً في الليل بعد صلاة العشاء ويجلسون يقولون أشياء ليست معروفة، مثل قولهم: هوه هوه بذكر جماعي. الشيخ: يعني: يتقربون إلى الله بهذا؟ أحد الحاضرين: نعم يتقربون إلى الله بهذا. الشيخ: على كل حال لا شك أنها بدعة منكرة؛ لأن (هو هو) هذه ماذا تعني؟ ضمير لا له أول ولا تابع، وأخشى -أيضاً- أنهم يقولون: (هو هو) يعنون الكون كله، فيكونون قد أرادوا الوحدة أو الاتحاد. لا ندري. السائل: يا شيخ! هم يرون الآية أن هذا اسم الله نوع، قال الله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الحشر:22] فيأخذون هذه الآية لاسم الله الأعظم. الشيخ: على كل حال قولهم هذا منكر، وربما يتسترون بهذا القول، والضمائر في حد ذاتها ليس لها معنى، حروف ما لها معنى في حد ذاتها إلا حسب المرجع، فعلى كل حال تنكر هذه الطريقة، وإذا رأيت من هجرهم مصلحة فاهجرهم، وإن لم تر مصلحة لا تهجرهم. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 20 سائق السيارة إذا مات بسبب سرعته لا يكون منتحرا ً السؤال فضيلة الشيخ! هل سائق السيارة إذا ساق سيارة بسرعةٍ أدى ذلك إلى حادث وتوفي، هل يسمى منتحراً؟ الجواب السؤال أورده عليك كما أوردته على الأخ الذي سأل عن شارب الدخان: هل أسرع ليموت؟ السائل: لا. الشيخ: إذاً ليس منتحراً، لكنه أخطأ، كل ما كان سبباً للهلاك يجب على الإنسان أن يتجنبه، لقول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29] وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية: على أن الإنسان إذا تعرض للبرد الذي يخشى أن يمرض منه فقد دخل في الآية، فإن عمرو بن العاص بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سرية فأجنب، وكانت الليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الرجوع: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] فضحك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه) موافقةً له على استدلاله بهذه الآية. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 21 كيفية تطهير السجاد من النجاسة السؤال فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك، كيف يطهر السجاد من النجاسة؟ الجواب بالغسل، السجادات تغسل، بعضها خفيف مثل الثياب العادية هذه تغسل، وأما الشيء الثقيل، أولاً تزال النجاسة، ثم يصب الماء، ثم يشفط بالإسفنج، ثم يصب ثانية ويشفط، ثم ثالثة ويشفط، ويطهر بهذا. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 22 الذبائح المشروعة حكمها حكم الأضحية السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للأضحية تأخذ حكم العقيقة، أو العقيقة تأخذ حكم الأضحية بالنسبة للشروط؟ الشيخ: اختر أي الأمرين شئت. السائل: العقيقة. الشيخ: كل الذبائح المشروعة فحكمها حكم الأضحية؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) كل الذبائح المشروعة: العقيقة، والفدية، والهدي كالأضحية تماماً. السائل: شخص ذبح أقل من ستة شهور، مجزئة أو غير مجزئة؟ الشيخ: لا تجزئ، لا من الضأن ولا من الماعز، وستة أشهر تجزئ من الضأن ولا تجزئ من الماعز. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 23 اعتلاء الإمام للمنبر الأفضل أن يكون بعد الزوال مباشرة السؤال فضيلة الشيخ! اعتلاء الإمام المنبر يؤذن معه الأذان الثاني فتصلي النساء على هذا الأذان، فكيف إذا أذن قبل دخول وقت الظهر، هل إذا صلين النساء تكون صلاتهن باطلة أم يؤخرن؟ الجواب أولاً: ينبغي للإمام ألا يأتي إلا بعد زوال الشمس ولا يتقدم؛ لأن هذا هو الوقت المتفق عليه عند العلماء، فإن من العلماء من يقول: إذا خطب الإمام قبل الزوال لا يجزئ، فالوقت المتفق عليه بعد الزوال، فيقال للإمام: الأفضل ألا تأتي إلا بعد الزوال مباشرة، وإذا كان بعد الزوال مباشرة وأذن فقد دخل وقت الظهر فتصلي النساء في البيوت صلاة الظهر، ولكن لا بأس أن يأتي قبل الزوال بساعة أو نحوها، وإذا أتى فليكن عند النساء والمرضى في البيوت خبر بأن الإمام يأتي قبل الزوال فينتظرون، والآن والحمد لله الساعات موجودة، فيقال للنساء: لا تصلين إلا في الوقت الذي كنتن تصلين فيه في الأيام الأخرى. ينبهن على هذا. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 24 حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدران السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدار؟ الشيخ: لأي شيء نعلق الآيات القرآنية في الجدار؟ السائل: للزينة. الشيخ: إذا كان للزينة فقد اتخذ آيات الله هزواً، كيف القرآن الكريم العظيم الذي نزل شفاء لما في الصدور وموعظة يجعل زينةً في الجدر؟! السائل: للتبرك. الشيخ: هل ورد عن السلف أنهم كانوا يتبركون بمثل هذا؟ الجواب لا ما ورد، ونحن الخلف يسعنا ما وسع السلف. هات غرضاً ثالثاً؟ السائل: للتذكر. الشيخ: هل الناس الذين يجلسون في هذا يتذكرون ويقرءون؟ الجواب: لا. اللهم إلا قليلاً إن كان. هات الرابع؟ السائل: اتقاء الجن. الشيخ: هل ورد أن السلف يتقون الجن بمثل هذا؟ السائل: لا. الشيخ: لا. إذاً كيف غاب عن السلف هذه الطريقة وفتحت لنا؟!! الواقع أن هذا أقل ما نقول فيه: إنه بدعة، مع ما فيه من نوع امتهان للقرآن؛ لأنه يكتب مثلاً على الجدار في لوحة أو على الجدار نفسه: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وتجد المجلس مملوءاً بالغيبة، هذا استهزاء، لذلك انصحوا كل إنسان تجدونه معلقاً الآيات على جدره، سواءً كان على الجدار نفسه، أو في ورق، أو ما أشبه ذلك، انصحوهم عن هذا، قل لأخيك: كلام الله لا يقام لهذا الغرض، ومثل ذلك ما نسمعه في الهواتف، عند الانتظار تسمع الهاتف يقرأ القرآن، لا إله إلا الله! القرآن يقضى به غرض؟! ثم إنه قد يسمعه كافر، أو شبه كافر، ويتضجر جداً من سماعه، فتكون أنت السبب في كراهة الإنسان لهذا القرآن الكريم، فلذلك -أيضاً- انصحوا من تسمعون في هاتفه عند الانتظار قراءة الآيات، ثم إنه أحياناً تكون اسطوانة واقفة على كلمة في مخاطبة سابقة فتقرأ الاسطوانة من هذا المنتهى آيةً مقطوعة لا يدري أولها ولا صلتها بالذي قبلها. فسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 198 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [199] صفة الحج الصحيحة قد تخفى على كثير من الناس حتى على بعض طلبة العلم، فهم بين متشدد ومتساهل ومتوسط، وصفة الحج قد ذكرها الشيخ مفصلة كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك مع ذكر أنواع الحج، وذكر عدة مسائل تتعلق بالحج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 1 صفة الحج الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والتسعون بعد المائة من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس عشر من شهر ذي القعدة عام (1419هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالكلام عن صفة الحج والعمرة؛ لأن اللقاء السابق كان الكلام عن شروط وجوب الحج، أما هذا اللقاء فسنخصصه عن صفة الحج والعمرة. إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه مخير بين ثلاثة أنساك: التمتع، والقران، والإفراد. التمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، فإذا كان اليوم الثامن أحرم بالحج وسبق الكلام على العمرة. القران: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، فمن حين أن يحرم من الميقات يقول: لبيك عمرة وحجاً. والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، فيقول عند الميقات: لبيك حجاً. والقارن والمفرد سواء في الأفعال: يحرم من الميقات ولا يحل إلا يوم العيد، لكن يختلف كل شخص عن الآخر بأن القارن يحصل له حجٌ وعمرة والمفرد ليس له إلا حج، والقارن عليه هدي، والمفرد ليس عليه هدي. نتكلم الآن عن الحج: إذا كان يوم الثامن أحرم الإنسان بالحج من مكانه الذي هو فيه، إن كان في مكة فمن مكة، وإن كان في منى فمن منى، وإن كان في أي مكان يحرم من مكانه، ويغتسل ويتطيب ويلبس ثياب الإحرام كما فعل في العمرة، لكنه يقول: لبيك حجاً. فإذا أحرم من المكان الذي هو فيه، خرج إلى منى، فنزل فيها من ضحى اليوم الثامن وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، قصراً بلا جمع، فإذا طلعت الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة ارتحل إلى عرفة، فينزل بمكان يقال له: نمرة، إن تيسر له هذا إلى أن تزول الشمس، فإن لم يتيسر فليستمر في سيره إلى عرفة فينزل في مكانه، فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذانٍ واحد وإقامتين، وينبغي أن يصلي مع الإمام في مسجد نمرة إن تيسر، فإن لم يتيسر فليستمع إلى الخطبة، والاستماع إلى الخطبة في وقتنا الحاضر سهل والحمد لله، ما عليه إلا أن يفتح الراديو ويستمع إلى الخطبة كأنما هو تحت المنبر، فإذا فرغ الإمام من الخطبة وهو في خيمته أذن لصلاة الظهر ثم صلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين، وبعد هذا يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، ومن المعلوم أن الإنسان يحتاج إلى أكل فليأكل، وينوِ بأكله هذا التقوي على الذكر والطاعة، فيكون هذا الأكل قربةً إلى الله عز وجل، ثم ربما يحتاج إلى النوم أيضاً؛ لأن النفوس الآن ضعيفة والهمة ضعيفة ربما لا يتمكن أن يبقى يدعو إلى غروب الشمس، فلينم ولا حرج، وينوي بنومه نفض التعب السابق وتجديد القوة للاحق، فيستعين بهذا النوم على الذكر والدعاء، ثم في آخر النهار لا يشغله إلا بالدعاء والذكر، ربما يمل الإنسان -أيضاً- من الذكر أو الدعاء، فليتخذ طريقة تيسر عليه الأمر، ليأخذ المصحف ويقرأ، فإذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية وعيد تعوذ، وإذا مر بآية تسبيح سبح، والقرآن كله إما وعيد أو وعد أو تسبيح أو أحكام، فهذا مما يعينه على الذكر والدعاء في هذا الوقت فليفعل هذا، لا على أساس أنه يتقرب إلى الله تعالى بالقرآن في هذا الوقت، لا. إنما على أساس أن يستعين به على الذكر والدعاء حتى تغرب الشمس، وليجتهد في الدعاء والإلحاح على الله عز وجل في هذا اليوم؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف رافعاً يديه متجهاً إلى القبلة حتى غابت الشمس. فإذا غابت الشمس دفع إلى مزدلفة ملبياً، فإذا وصلها نزل فيها وصلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، في أي الصلاتين القصر؟ العشاء، فالمغرب لا تقصر، فيصليهما جمعاً، ويبيت هناك، ولا يحيي هذه الليلة بصلاة ولا قرآن ولا ذكر، بل السنة أن ينام ليعطي نفسه راحتها؛ لأنه تعب فيما سبق وسيتعب فيما يلحق، فيعطي نفسه الراحة، فإذا طلع الفجر صلى الفجر مبكراً، في هذه الليلة يصلي الوتر مع العشاء، أو إذا قدر له أن من عادته أن يقوم في آخر الليل أخرها إلى آخر الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وإن كان الوتر لم يذكر في حديث جابر رضي الله عنه، لكن عدم الذكر لا يدل على عدم الوقوع ما دام عندنا قاعدة من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام: أنه لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً يدخل في هذه الليلة، فإذا طلع الفجر أذن وصلى سنة الفجر ثم صلى صلاة الفجر، ثم يبقى في مكانه يدعو الله تبارك وتعالى إلى أن يسفر جداً حتى يتبين الإسفار بياناً واضحاً، إن تيسر أن يقوم عند المشعر فهذا المطلوب وإلا في مكانه، ثم يدفع من مزدلفة متجهاً إلى منى، ولا يقف إلا عند جمرة العقبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما دفع من مزدلفة لم يحط رحله حتى رمى جمرة العقبة، فيبدأ أول شيء برمي جمرة العقبة. قال أهل العلم: ورمي جمرة العقبة بالنسبة لـ منى كصلاة الركعتين بالنسبة لداخل المسجد، ولهذا يسمونها تحية منى، يرمي بها سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة كلما رمى قال: الله أكبر، وإن شاء كبر مع الرمي وإن شاء كبر قبل الرمي ثم رمى، الأمر في هذا واسع، المهم أنه يكبر مع كل حصاة. ومن أين يأخذ الحصى؟ يأخذها من أي مكان كان، ولا يسن أن يقصد أخذها من مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأخذها من مزدلفة ولا أمر بأخذها من مزدلفة، يأخذها من حيث شاء، إما من طريقه وهو ذاهب إلى الجمرة، أو من عند الجمرة، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله في منسكه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى وهو واقفٌ عند جمرة العقبة. وأما استحباب أخذ الحصى من مزدلفة فليس عليه دليل، إلا أن بعض السلف قال: ينبغي أن يأخذ من مزدلفة من أجل ألا يحبسه حابس عن بدء الرمي من حين يصل إلى منى -أي: أنه قد لا يتهيأ للإنسان أن يحصل على الحصى من حين أن يصل إلى منى - ولكنه ليس بسنة، فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف فيذبح الهدي، ثم يحلق رأسه ويلبس الثياب ويتطيب، ويحل له كل شيءٍ من محظورات الإحرام إلا النساء. ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويسعى سعي الحج، وطواف الإفاضة هو طواف الحج وهو ركن في الحج، وإذا طاف وسعى بعد فعل ما سبق حلَّ له كل شيء حتى النساء. أين يصلي الظهر؟ إن تيسر أن يصلي في مكة بعد أن يطوف ويسعى فهذا خير، وإن لم يتيسر صلى في أي مكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً) ثم يرجع إلى منى ويبيت بها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث: الأولى والوسطى والعقبة، يرمي الأولى بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً حتى لا يصيبه الحصى ويتأذى بالزحام ويقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً، ثم يرمي الوسطى كالأولى ويقف بعدها فيدعو، ثم يرمي العقبة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة في الجميع ولا يقف بعدها ينصرف إلى رحله، ويبيت ليلة الثاني عشر، فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر رمى الجمرات الثلاث كما رماها في اليوم الذي قبله، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث فيبيت في منى ليلة الثالث عشر ويرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال كما رماها في اليومين قبلهما. وبهذا تم الحج، فإذا أراد أن يرجع إلى بلده لا بد أن يطوف للوداع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون آخر عهد الإنسان الطواف بالبيت، فيطوف للوداع ولا يمكث بعده بل ينصرف إلى بلده، هذه خلاصة صفة الحج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 2 مسائل في الحج الجزء: 199 ¦ الصفحة: 3 جواز الإحرام بالحج قبل اليوم الثامن مسألة: لو أحرم بالحج قبل اليوم الثامن فهل هذا جائز؟ الجواب نعم. يجوز، لكن الأفضل ألا يحرم إلا في اليوم الثامن للحج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 4 الإحرام بالحج في اليوم التاسع مسألة: لو أخر الإحرام إلى اليوم التاسع فهل يجوز؟ الجواب نعم. يجوز لكنه خالف السنة وحرم نفسه الأجر؛ لأن السنة أن يحرم في اليوم الثامن، وحرم نفسه الأجر؛ لأنه لو أحرم في اليوم الثامن لبقي من إحرامه إلى اليوم التاسع على عبادة، فيفوت نفسه هذا الأجر، وكثير من الناس يتكاسل ولا يحرم إلا في اليوم التاسع وهذا حرمانٌ بلا شك، فالأفضل أن يحرم في اليوم الثامن. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 5 وصول الحاج عرفة وقت العصر مسألة: لو لم يصل إلى عرفة إلا في العصر هل يجوز؟ الجواب نعم. يجوز. مسألة: لو لم يصل فيها إلا في الليل؟ الجواب: يجوز إلى طلوع الفجر من يوم العيد، كل هذا وقت الوقوف، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأله عروة بن مضرس وقال: إنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وقد وافاه في صلاة الفجر: (من وقف بـ عرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) . الجزء: 199 ¦ الصفحة: 6 حكم الدفع من عرفة قبل الغروب وبعده مسألة: لو دفع من عرفة قبل الغروب، لكان ذلك حرام عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخر الدفع من عرفة إلى غروب الشمس، وقال: (خذوا عني مناسككم) ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الغروب؛ لأنه أيسر على الناس، إذ أن النهار باقٍ فهو أهون على الناس. مسألة: لو أنه دفع عن عرفة قبل غروب الشمس قلنا: إن هذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأخر إلى غروب الشمس، ولو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لدفع؛ لأنه في النهار أوضح وأبين، لا سيما في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث لا كهرباء ولا أنوار إلا نور القمر. مسألة: لو تأخر في الدفع من عرفة ولم يدفع إلا بعد ساعتين من الغروب كان ذلك جائزاً ولكنه خلاف السنة، السنة منذ الغروب أن يمشي يدفع من عرفة، لو حبسه الزحام ولم يصل إلى مزدلفة إلا متأخراً فلا حرج، لكن إن خاف أن ينتصف الليل قبل الوصول إلى مزدلفة وجب عليه أن يصلي المغرب والعشاء ولو في الطريق؛ لأن وقت العشاء إلى منتصف الليل، فمن أخرها إلى منتصف الليل فقد صلاها في غير وقتها، كمن أخر الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد وقت العشاء بنصف الليل. ومن قال من أهل العلم: إن وقتها يمتد إلى طلوع الفجر للضرورة فلا دليل عنده؛ لأن الأحاديث صريحة: بأن وقت العشاء إلى منصف الليل، والقرآن الكريم يدل عليه، فقد قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] أو إلى طلوع الفجر؟ إلى غسق الليل، هذه أربعة أوقات متقاربة، من زوال الشمس إلى منتصف الليل كلها أوقات للصلوات متقاربة، إذا دخل وقت الظهر بالزوال وخرج دخل وقت العصر مباشرة، إذا غابت الشمس انتهى وقت العصر ودخل وقت المغرب، وإذا غاب الشفق انتهى وقت المغرب ودخل وقت العشاء، وإذا دخل وقت العشاء ينتهي إلى غسق الليل وهو ظلمته وأشد ظلمة أن يكون الليل عند منتصفه، وما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً للصلاة المفروضة، كما أن ما بين طلوع الشمس وزوال الشمس ليس وقتاً للصلاة المفروضة. المهم إذا خفت أن ينتصف الليل قبل أن تصل إلى مزدلفة وجب عليك أن تصلي ولو في الطريق توقف السيارة وتصلي ولا يمكن أن تؤخر. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 7 الدفع من مزدلفة قبل الفجر مسألة: لو دفع من مزدلفة قبل الفجر فهل يجوز؟ الجواب يجوز لمن يشق عليه مزاحمة الناس من صغير وكبير، أي: شيخ كبير، ومريض، ونساء، كل هؤلاء يجوز لهم، وإذا عللنا بالزحام أمكن أن نقول: كل أحد يمكنه أن يدفع في آخر الليل في الوقت الحاضر؛ لأن الزحام الذي يكاد يكون مهلكاً موجود حتى للشباب، وعلى هذا نرخص في الدفع من مزدلفة في آخر الليل ما دام الزحام شديداً. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 8 ما يفعله الحاج في منى مسألة: إذا وصل إلى منى يفعل: أولاً: الرمي. ثانياً: الذبح. ثالثاً: الحلق. رابعاً: الطواف. خامساً: السعي. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 9 تقديم أعمال اليوم العاشر بعضها على بعض مسألة: لو أنه قدم بعضها على بعض فهل يجوز؟ الجواب نعم. يجوز، أفتى بذلك إمام المفتين محمدٌ صلى الله عليه وسلم فما سئل عن شيءٍ قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: (افعل ولا حرج) ولم يقل: افعل ولا تعد، ولما أسرع أبو بكرة ليدرك الركعة قال: (زادك الله حرصاً ولا تعد) فلو كان الترتيب واجباً يسقط بالجهل لقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا تعد، بل قال: (افعل ولا حرج) وهذا من رحمة الله عز وجل؛ لأن الناس إذا كان الأمر مفتوحاً صار بعض الناس يمشي من مزدلفة إلى مكة ليطوف ويسعى ثم يرجع ويرمي، أو بعض الناس يرمي ثم ينزل إلى مكة قبل الذبح والحلق، أو بعض الناس يرمي ثم يحلق ليحل التحلل الأول وينحر وهو لابسٌ ثيابه، المهم أن هذا من رحمة الله والحمد لله، ومن سعة علم الله؛ لأنه جل وعلا علم أن إيجاب الترتيب فيه مشقة على الناس، فالأكمل الترتيب ولكن للإنسان رخصة أن يبدأ بما شاء. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 10 حكم السعي قبل الطواف مسألة: هل يبدأ بالسعي قبل الطواف؟ الجواب نعم؛ لأن هذا ورد بإسنادٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: (سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج) والإنسان قد يحتاج إلى السعي قبل الطواف، مثل: أن يدخل إلى مكة ويجد المطاف مزدحماً شديداً ويقول: أسعى لعله يخف المطاف. وربما يقول: أسعى لأجل أن أؤخر الطواف إذا أردت أن أسافر، فإذا أخر الطواف من أجل أن يجعله عند السفر وطاف طواف الإفاضة عند السفر أجزأه عن طواف الوداع. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 11 رمي الجمرات بعد الغروب مسألة: لو رمى الجمرات بعد الغروب أيجزئ أم لا؟ الجواب نعم. يجزئ، له إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّت أول الرمي ولم يوقِّت آخره. فدل هذا على أن الأمر واسع، وحددناه بطلوع الفجر قياساً على الوقوف بـ عرفة؛ لأن الوقوف بـ عرفة ينتهي بطلوع الفجر. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 12 حكم رمي الجمرات قبل الزوال مسألة: لو رمى في أيام التشريق الجمرات الثلاث قبل الزوال، أو بدأ ولو بحصاةٍ واحدة قبل الزوال فهل يجزئ؟ الجواب لا. لا يجزئ، لا في يوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر، ولا في اليوم الثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) ولأنه كان يتحين ويرتقب زوال الشمس، ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، مما يدل على شدة تحريه للزوال حتى يبادر، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولرخص فيه للضعفاء كما رخص في الرمي قبل طلوع الشمس يوم العيد؛ لأنه لو قدمه قبل الزوال أيهما أيسر: قبل الزوال في الفراغ، أو بعد الزوال في شدة الحر؟ قبل الزوال، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين اثنين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأجازه للأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، ولا تغتر بمن يفتي بالرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر محتجاً بأن هذا أرفق بالناس؛ لأننا نقول في الجواب: لست أرفق من الله ورسوله {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ولو كان هذا جائزاً لأجازه. فإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدرك هذا الزحام الشديد، وهذا العنف من بعض الحجاج وهذا الغشم؟! قلنا: ولكن الله يعلم ذلك ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأباحه الله عز وجل للضرورة كما أباح الميتة للضرورة، فلا يغتر مغترٌ بفتوى أحد من السابقين أو اللاحقين (الهدى مقدمٌ على الهوى) الهدى مقدم على قول كل أحد، والهدى ما جاء به الكتاب والسنة. فإذا قال قائل: هل يكون زحام شديد إذا أخرنا الرمي في اليوم الثاني عشر إلى ما بعد الزوال؟ قلنا: نعم. سيكون زحامٌ شديد عند الزوال -يعني: بعد الزوال مباشرة- لكن في آخر النهار يخف، ثم إذا قدر أنه بقي الزحام إلى الغروب ارم بعد الغروب وامشِ؛ لأنك متعجل، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] لكن عجزت ما استطعت أن أرمي في اليومين، فيكون تأخير الرمي إن لم يكن أداءً فهو قضاءٌ للضرورة، فنقول: لا حرج، أنت تأهب واذهب وإذا حبسك حابسٌ من زحام السيارات أو حابسٌ من زحام الناس عند الجمرة فارم ولو بعد الغروب، واستمر في خروجك من منى. بهذا علمنا أن المسألة ما هي إلا من فعل الناس لا باعتبار الواقع، من فعل الناس وهو أنهم يزدحمون عند الزوال لينفروا، ولكن لو أنهم تأنوا وانتهزوا الفرصة ما حصل هذا، فالأمر والحمد لله واسع. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 13 حكم الرمي بعد طواف الوداع مسألة: لو أن الإنسان طاف للوداع قبل أن يرمي آخر يوم ثم رجع ورمى هل يجزئه الوداع أم لا؟ الجواب لا يجزئه، يجب أن يعيد الطواف؛ لأن الواجب في طواف الوداع أن يكون آخر شيء، وهذا إذا طاف ثم رجع ورمى آخر شيء هو الرمي، فلا يجوز أن يطوف للوداع قبل أن يرمي. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 14 اللبث في مكة بعد طواف الوداع مسألة: بعد طواف الوداع هل يجوز أن يمكث في مكة؟ لا. إلا إذا حبسه حابس إما أصيب بمرض فذهب إلى المستشفى، أو جلس ينتظر أصحابه -رفقته- أو جلس وقف إلى صاحب الدكان يشتري أغراضاً للسفر أو هدايا للأهل فلا بأس، حتى لو طال انتظاره للرفقة فلا بأس، مثل أن يطوف للوداع ويذهب إلى المنزل ينتظره، والرفقة ضاع عنهم واحد وجلسوا ينتظرونه وبقوا ساعة أو ساعتين أو أكثر فلا حاجة إلى إعادة الطواف، يكفي الطواف الأول؛ لأنه إنما بقي في مكة لعذر. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 15 أنواع الوقفات في الحج مسألة: في الحج ست وقفات: الوقوف بـ عرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى في أيام التشريق، وبعد الجمرة الوسطى، وعلى الصفا، وعلى المروة، ست وقفات، لكن أعظم هذه الوقفات وأهمها هو الوقوف بـ عرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الحج عرفة) . الجزء: 199 ¦ الصفحة: 16 زيارة الحاج للمدينة النبوية مسألة: هل من كمال الحج أن يزور الإنسان المدينة؟ الجواب لا. ليس من واجبات الحج، ولا من مسنونات الحج، ولا علاقة بينه وبين الحج، لكن العلماء يذكرونه بعد الحج؛ لأن في زمانهم كان يصعب على الإنسان أن يسافر من بلده إلى مكة في الحج ثم يستأنف السفر إلى المدينة، فصاروا يذكرونه من أجل أن يكون السفر واحداً، وإلا فلا علاقة له بالحج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 17 الأسئلة الجزء: 199 ¦ الصفحة: 18 التفصيل في الاستنابة في الحج عن الحي السؤال الاستنابة في الحج عن الحي هل تجوز؟ وهل هناك فرق بين إذا كان الحج فرضاً أو نفلاً؟ الجواب الاستنابة في الفرض عن العاجز عنه عجزاً لا يرجى زواله لا بأس به؛ لأنه جاءت به السنة، وكذلك عن الميت الذي لم يؤد فريضته جاءت به السنة، أما عن الحي في النفل فالذي أرى أنها لا تصح الاستنابة لا للعاجز ولا للقادر؛ لأن السنة إنما جاءت بالفريضة للضرورة بالنسبة للعاجز، والنافلة لا ضرورة فيها، ولهذا أجاز بعض العلماء أن يصرف من الزكاة في حج الفقير، ولا يصرف في نفله؛ لأن الحج فريضة والصرف به ضرورة بخلاف النفل، فلا أرى الاستنابة في النفل؛ لأنا نقول: الحج عبادة إما أن يفعلها الإنسان بنفسه حتى يتأثر بها قلبه ويشعر أنه متعبد لله، فإن حصل ذلك وإلا فلا حاجة، إذا كان لديه مال فليصرفه لمن لم يحج فريضة فهو أفضل؛ لأنه أعان في فرض. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 19 قضاء الذكر بعد الصلاة لمن شغله شاغل عن الإتيان به بعد الصلاة السؤال هل التسبيح بعد الصلاة إذا حدث لك شاغل فترة من الزمن؟ الشيخ: أسألك: هل الذكر باللسان أو باليد أو بالرجل؟ السائل: باللسان. الشيخ: هل هناك شيء يشغل اللسان عن الذكر؟ السائل: إذا كان هناك ضيف. الشيخ: لا بأس أسبح وأنا أمشي، أسبح وأنا أقرب له الضيافة، لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103] الحمد لله، سبح وأنت تمشي ولا حرج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 20 الاختلاف في ثبوت صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر من ذي الحجة السؤال الله يحسن إليك! هل ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صام عشر ذي الحجة؟ الجواب أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) بلغك؟ السائل: نعم. الشيخ: هل الصيام من العمل الصالح؟ نعم، ما الذي أخرجه من هذا العموم؟ هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إلا الصيام فلا تصوموا؟ السائل: لا. الشيخ: إذاً ما الذي أخرجه من العموم؟! حديث عائشة: (ما رأيته صائماً قط) هي ما رأت لكن غيرها رآه، ففي حديثٍ آخر لإحدى أمهات المؤمنين تقول: (إن الرسول كان لا يدع صيامها) قال الإمام أحمد: والمثبت مقدم على النافي. ثم لو فرض أنه ما وجد ما يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام صامه، فتدخل في العموم: (ما من أيامٍ العمل الصالح) ، وإذا قدرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صامها فهذه قضية عين قد يكون الرسول ما صامها لاشتغاله بما هو أهم. وهنا قاعدة يجب أن نعمل بها: إذا جاءت النصوص اللفظية عامة فلا تسأل: هل عمل بها الصحابة أم لا؟ لأن الأصل أنهم عملوا بها، وعدم العلم بعملهم ليس علماً بعدم عملهم، فالأصل أنهم عملوا به. ثم لو فرض -وهو فرضٌ محال- أنهم لم يعملوا بها، فهل نحن نُسأل عن عمل الصحابة، أو عن قول الرسول يوم القيامة؟ عن قول الرسول، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هل يمكن لأي إنسان أن يجد حجة إذا سئل يوم القيامة عن قول من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام عامة هل يمكن أن يقول: يا رب! لم يعمل بها الصحابة، أو لا أدري هل عملوا بها أم لا؟ لا يمكن أن تكون هذه حجة، لذلك نحن نأسف في بعض الناس الذين شككوا المسلمين في هذه القضية، وقالوا: إن صيامها ليس بسنة. سبحان الله! أنا أخشى أن يعاقبهم الله عز وجل يوم القيامة، كيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) وندع العمل الصالح الذي قال الله تعالى: (إنه لي وأنا أجزي به) سبحان الله! لذلك يجب أن نرد هذه الدعوة على أعقابها فتنقلب خاسئة، ونقول لهذا الرجل نفس هذه الأسئلة التي وجهت إليك: - هل الصوم من العمل الصالح أم لا؟ - هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه أم لا؟ سيقول: لا. وإن قال: نعم. نقول: هات الدليل. سيقول: إنها من العمل الصالح في الصوم، وسيقول: لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عنها. فنقول: إذاً يجب أن نعمل بها. وهذه في الحقيقة مصيبة أن يكون الناس قد عملوا على عملٍ ليس فيه إثم بل فيه أجر، ثم يذهب بعض الناس يخالف ليذكر، فيأتي بما يخالف العادة التي هي أقرب للحق مما قال، وهذه مشكلة. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 21 حكم حج من ذهب إلى الحج دون تصريح من الدولة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم حج من ذهب إلى الحج ولم يأخذ تصريحاً، ثم إني سمعت عن بعض الأشخاص أنه يقول: ادخل بدون إحرام ثم اذبح فدية. فما حكم ذلك وفقكم الله؟ الجواب أما الثاني وهو أن نقول: ادخل بلباسك العادي واذبح فدية. هذا من اتخاذ آيات الله هزواً، فرض الله عليك إذا أحرمت ألا تلبس القميص ولا السراويل ولا غيرها وأنت تبارز الله بهذه المعصية، وتدعي أنك متقرب إليه، لا سيما إذا كان الحج نفلاً، سبحان الله! أتقرب إلى الله بمعصية الله! وإن كان هذا معصية في عبادة لكن هذا خطأ عظيم، وحيلة على من؟ على الله عز وجل، كيف تتحيل على الله بهذا وأنت تريد أن تفعل السنة؟! يا أخي! إذا كنت تفعل السنة ابق في بلادك وأعن من يريد الحج على حجه ويحصل لك الأجر. أما الثانية: وهي التحيل على الأنظمة، فأنا أرى أن الأنظمة التي لا تخالف الشرع يجب العمل بها، فمثلاً: لو أن الحكومة قالت لمن لم يحج فرضاً: لا تحج مع تمام الشروط، فهنا لا طاعة لها؛ لأن هذه معصية، الله أوجبه عليَّ على الفور وهذا يقول: لا تحج. أما النافلة فليست واجبة، وطاعة ولي الأمر فيما لم يتضمن ترك واجب أو فعل محرم واجبة. ثم إني أقول لكم أيها الإخوة: طاعة ولاة الأمور أتظنون أنها طاعة بشرٍ لبشر؟! هل تعتقدون أن طاعة ولاة الأمور في غير معصية هل هو طاعة بشرٍ لبشر؟ لا. بل هي طاعة لله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فوجه القول بالإيمان يعني: من مقتضى إيمانكم أن تطيعوا الله وتطيعوا الرسول وأولي الأمر، فنحن إذا أطعنا ولي الأمر في غير معصية نتقرب بهذه الطاعة إلى الله عز وجل، وتقربنا إلى الله بطاعة ولاة الأمور في عدم الحج هو طاعة؛ طاعة واجبة، وترك حج النفل ليس معصية. فلا أرى أن الناس يتكلفون ويخالفون ولي الأمر الذي في مخالفته مخالفة لله عز وجل، في أمر له فيه سعة والحمد لله. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 22 شروط السفر إلى الخارج السؤال فضيلة الشيخ! مما ابتلي به بعض الشباب -هداهم الله- السفر إلى الخارج بزوجاتهم، سواء بعد الزواج أو في الإجازات، فنريد من فضيلتكم التكرم بالإجابة على هذه الأسئلة لعل الله أن ينفع بها من أراد لأهله ولنفسه الخير والسلام من الآثام والفتن: أولاً: إذا كان الأب أو الأم يعلمان أنهما لو حلفا على ابنهما أو ابنتهما أو أخرجاه عندما سافر إلى الخارج، فهل يجوز لهما أن يحلفا عليه أم لا؟ وما نصيحتكم للآباء الذين يعلمون أن أبناءهم أو بناتهم سيسافرون إلى الخارج بعد الزواج ولا يمنعونهم بحجة: أن إثم الولد عليه، وأن البنت ملك زوجها وهو المسئول عنها بعد الزواج؟ الجواب من المعلوم أن السفر إلى الخارج -وتقصد بالخارج فيما أظن دول الكفر- الأصل فيه التحريم، فلا يجوز إلا بشروطٍ ثلاثة: الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات التي تورد هناك؛ لأن هناك كفاراً يوردون الشبهات فيما يتعلق بالله عز وجل، وفيما يتعلق بالرسول محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفيما يتعلق بالقرآن، فلا بد أن يكون عند الإنسان علم يدفع به هذه الشبهات. الشرط الثاني: أن يكون لديه عبادة تمنعه من الشهوات، أي: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات؛ لأن الشهوات هناك بابها مفتوح: خمر، زنا، لواط، كل شيء الإنسان حر فيه، وأقول: حر باعتبار المفهوم الحاضر، أما الحرية التامة فهي التعبد لله عز وجل؛ لأن من لم يتعبد لله تعبد للهوى والشيطان، وفي هذا يقول ابن القيم: هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان ما هو الرق الذي خلقنا له؟ الرق لله عز وجل والعبودية له، وبلوا برق النفس والشيطان {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] والشيطان يأمركم بالفحشاء. الشرط الثالث: الحاجة الملحة إلى السفر، بأن يكون الإنسان مسافراً لأمرٍ لا يجده في بلاده، والحاجة تدعو إليه. وما سوى ذلك الأصل فيه التحريم، وإنما قلنا: الأصل فيه التحريم؛ لأنه يتضمن: أولاً: إنفاق مالٍ كثير. ثانياً: الخطورة على الدين، الخطورة على العقيدة. ثالثاً: الخطورة على الأخلاق. رابعاً: الخطورة على العادات، فإن بعض الناس يتلقف هذه العادات ويأتي بها إلى بلده يتشبه بهم زعماً منه أن هذا هو الرقي والتقدم، والمشابهة في العادات يؤدي إلى المشابهة في العقائد والعبادات، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) . إذا كان كذلك، وكان هذا الابن الذي تزوج جديداً يريد أن يسافر مع زوجته فيما يقال له: (شهر العسل!!) ويخشى عليه من هذه الخطورات والأب يستطيع أن يمنعه بالإقسام عليه فليقسم عليه وليمنعه، وله الحق في هذا؛ لأنه المسئول عنه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] (وأهليكم) وهذا يعتبر من أهله ما دام أنه يطيعه فيما يقول. أما إذا دعت الحاجة وتمت الشروط الثلاثة التي قلتها لك فله أن يسافر بزوجته وهو أمينٌ عليها، وسفره بها أولى من جهة أنه يحصن فرجه، ويأمن على أهله، ويريح أهله لا سيما في أول الزواج. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 23 كل شيء يبقى فهو صدقة جارية السؤال فضيلة الشيخ! هل تعد المساهمة في إنشاء مشاريع أو مقر سكن لمكاتب الدعوة، أو جمعيات البر الخيرية، أو جمعيات تحفيظ القرآن، هل تعد من الصدقة الجارية؟ الجواب كل شيءٍ يبقى فهو صدقة جارية، ولا يلزم أن يبقى إلى الأبد لأنه ليس هناك شيء يبقى إلى الأبد، لكن إذا كان الشيء ثابتٌ يبقى، مثل: العقارات والمساكن وما أشبه ذلك، هذا من الصدقة الجارية. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 24 حكم الوقوف بعرفة ليلة العاشر من ذي الحجة السؤال فضيلة الشيخ! ما الحكم فيما إذا وقف بـ عرفة في الليل هل عليه شيء؟ الشيخ: أي ليلة؟ السائل: ليلة العاشر. الشيخ: لا بأس، لكن السنة أن يقف في النهار والليل، أي: إذا غابت الشمس دفع، لكن إذا تأخر فله إلى طلوع الفجر. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 25 حكم صيام ثلاثة أيام بعد الثالث عشر من ذي الحجة لمن لا يجد الهدي السؤال فضيلة الشيخ! الحاج المتمتع الذي لا يجد هدياً هل له أن يصوم الثلاثة الأيام التي في الحج بعد اليوم الثالث عشر من منى؛ لأنها من الحج؟ الشيخ: الثاني عشر أبداً الحج الثالث عشر وانتهى. السائل: الآية يا شيخ. الشيخ: ما هي؟ ثلاثة أيام في الحج؛ الحج يبتدئ من حين الإحرام في الحج اليوم الثامن، لكن لا نقول: يصوم اليوم الثامن والتاسع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصم في عرفة، إذاً يصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها: [لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي] . قال أهل العلم: وله أن يصومها من حين إحرامه بالعمرة إذا عرف أنه لن يجد. واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (دخلت العمرة بالحج) وعلى هذا: فإذا قدم الإنسان في ذي القعدة وهو عارفٌ أنه لن يجد هدياً فله أن يصوم من حين أن يحرم بالعمرة، ثلاثة أيام والباقي إذا رجع إلى أهله. السائل: قوله تعالى يا شيخ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197] ، وقوله في الآية الأخرى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة:196] ونقول: إن الحج إلى نهايته. ؟ الشيخ: فرق بين: (في الحج) وبين (أشهرٍ معلومات) ، (في الحج) أي: في نفس الحج؛ والحج معروف أنه لا يبدأ إلا في اليوم الثامن إلى اليوم الثالث عشر. السائل: والأعمال يا شيخ! لا تؤخر مثل طواف الوداع بعد الثالث عشر مثلاً؟ الشيخ: المسألة خلافية: بعض العلماء يقول: لا يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام التشريق. وبعضهم شدد وقال: لا يجوز إلا في يوم العيد، وأن من غابت عليه شمس يوم العيد ولم يطف طواف الإفاضة وجب عليه أن يعود محرماً. وكلا القولين ضعيف. والصواب: أن الأمر واسع، وأنه إذا غابت الشمس قبل أن يطوف للإفاضة فقد حل التحلل الأول ويبقى على حله، وأما الطواف بعد أيام التشريق فله أن يؤخر إلى آخر يوم من ذي الحجة. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 26 ليس كل شيء على شكل الصليب يكون صليبا ً السؤال فضيلة الشيخ! مررت بأحد المباني في إحدى مدننا، وكان هذا المبنى النوافذ فيه على شكل صلبان -كل النوافذ- وهو مكون من عشرة طوابق، وهي مشابهة تماماً لما يصممه الغربيون في منازلهم؟ الجواب والله يا أخي! هذه تحتاج إلى مشاهدة العمارة، وليس كل ما جاء على شكل الصليب يكون صليباً، وإلا لقلنا: علامة زائد حرام، وقلنا: الغرب الذي كان الناس يستقون به حروثهم حرام؛ لأنه معروف خشبتين معترضتين، الصليب له شكل معين وله قرائن تدل على أنه صليب، فيحتاج إلى مشاهدة العمران، وإذا أردت أن تسير بإخوانك في نزهة حتى نصل هذه العمارة نشاهدها. السائل: قريبة يا شيخ. الشيخ: حسن. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 27 الأعمال التي يحصل بها التحلل الكامل السؤال يا فضيلة الشيخ! هل يجوز للإنسان إذا طاف طواف الإفاضة فقط أن يجامع زوجته؟ وبماذا يحصل التحلل الأول؟ الجواب التحلل يحصل بالرمي والحلق أو التقصير، والتحلل الثاني يحصل بالرمي والحلق أو التقصير والطواف والسعي أربعة، إذا فعل هذه الأربعة فإنه يجوز له أن يجامع زوجته؛ لأنه حل الحل كله. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 28 حكم النيابة عن المرأة في رمي الجمرات بسبب الزحام السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز التوكيل عن المرأة في رمي الجمرات وطواف الإفاضة بسبب الزحام؟ الجواب الزحام في الواقع يمكن إذا انتظر الإنسان زال الزحام، لكن أحياناً الإنسان ما يمكنه أن يتأخر ويرمي بعد الزوال مباشرة في اليوم الثاني عشر، في هذا اليوم أرى أنه يأخذ إنابة من المرأة؛ لأن المرأة مهما كانت حتى ولو كانت شابة في مثل هذا الزحام لا تستطيع، ثم كيف نقول: إن الإنسان يرمي وهو لا يدري أيموت أم يحيا، وفي الحديث الصحيح: (لا صلاة بحضرة طعام) لأن القلب مشوش، والرمي عبادة. فأرى: أنه في اليوم الثاني عشر لمن تعجل ولم يتأخر إلى العصر أن يأخذ حصى كل النساء اللاتي معه ويرمي؛ لأنا شاهدنا أمراً فضيعاً جداً، المرأة تتعب تعباً عظيماً وقوتها أدنى من الرجل وربما تسقط عباءتها، تحاول أن تأخذها فتدعس. في العام الماضي سقط من شخصٍ من الرجال متاعه عند الجمرة فانحنى ليأخذه فدعسه الناس وسقط من وراءه عليه حتى مات اثنا عشر رجلاً، المسألة ليست هينة، وتعرفون غشم الناس اليوم ليس عندهم إيمان ولا ضمير ولا لغة أيضاً، اللغات مختلفة، ربما يضيق عليك إنسان من الزحام وتصيح: ابعد عني، أنقذني، فيظن أنك تسبه ويزيد عليك، هذا صحيح إذا كانوا لا يعرفون اللغة. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 29 مدة رمي جمرة العقبة السؤال ما هي مدة رمي جمرة العقبة يا شيخ؟ الحواب: رمي جمرة العقبة إلى فجر اليوم الحادي عشر، فإن فاتت طلع الفجر وأنت ما رميت، فمن العلماء من يقول: أخرها إلى ما بعد الزوال. ومنهم من يقول: ارمها ولو في الضحى؛ لأن هذا قضاء وليس بأداء. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 199 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [200] للحج أحكام كثيرة متعلقة بهذه الشعيرة التي عظمها الله سبحانه وتعالى، ومن أهم تلك الأحكام هو ما تكلم عنه الشيخ في هذا اللقاء المفتوح، حين كان محور حديثه عن محظورات الإحرام وأحوال من وقع فيها من حيث الأحكام المترتبة على الإتيان بأحد المحظورات إما جهلاً أو نسياناً أو تعمداً أو غير ذلك. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 1 محظورات الإحرام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للمائتين من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو (23) من شهر ذي القعدة لعام (1419هـ) وهو آخر لقاء يكون قبل الحج. نذكر فيه محظورات الإحرام. وذلك أن الله تعالى بحكمته جعل للعبادات شروطاً لا تصح إلا بها، وجعل لها أوصافاً لا تتم إلا بها، وجعل لها موانع تحرم بها، فمثلاً: الصلاة فيها محظورات: الكلام، الأكل، الحركة الكثيرة، وما أشبه ذلك. الصيام فيه محظورات: الأكل، والشرب، وغيرهما من المفطرات. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 2 حلق الرأس الحج فيه محظورات، ومن محظورات الإحرام: حلق الرأس، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] حلق الرأس محرم على الحاج من حين يحرم إلى أن يحل التحلل الأول في الحج وأن يحل تحللاً كاملاً في العمرة، فمثلاً في العمرة: إذا طاف وسعى بقي عليه التقصير أو الحلق، في الحج إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد ونحر حلق أو قصر، فلا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه، فإن فعل ذلك لغير عذر صار آثماً ووجبت عليه الفدية وهي كما ذكر الله تبارك وتعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] الصيام فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ثلاثة أيام، والصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة، يخير فيها الإنسان. وإذا كان غير عامد بأن يكون جاهلاً أو ناسياً فلا إثم عليه، ولا فدية على القول الصحيح. وإن كان عالماً ذاكراً متعمداً لكن لعذر مثل: أن يصيبه وجعٌ في رأسه ويقول الأطباء: لابد من حلق الرأس. فهنا يحلق ويفدي، يحلق جوازاً ويفدي بما علمتم، ودليله: حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أنه أصابه أذىً في رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يذبح شاةً، أو يتصدق بصدقةٍ ثلاثة أصواع يطعم بها ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 3 الجماع ومقدماته ومن المحظورات: الجماع ومقدماته، لقول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] الرفث: الجماع ومقدماته، فلا يجوز للمحرم أن يجامع أو يباشر زوجته لشهوة أو يمسها بشهوة بل يجتنب ذلك كله، بل يجتنب حتى الخِطبة لا يجوز أن يخطب امرأة، حتى عقد النكاح لا يحل، كل هذا بعداً عن الجماع؛ لأن الجماع مما تدعو إليه النفس، فلو عقد فلعله يجامع، ولو خطب فلعله يعقد ثم يجامع، فحرم الشرع كل ما كان وسيلة إلى الجماع، وإذا جامع قبل التحلل الأول ترتب عليه الإثم، وفساد النسك، ووجوب المضي فيه، ووجوب قضائه من العام القادم، وبدنة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، فترتب على ذلك خمسة أشياء، وهذا لعظم النكاح أي الجماع. المباشرة كذلك حرام، يعني: لو كانت امرأته معه فقبلها أو باشرها فذلك حرام، فإن أنزل كان أشد. ومن محظورات الإحرام: الخِطبة -بكسر الخاء- يعني: أن يخطب الرجل المرأة من أبيها أو وليها. ومن محظورات الإحرام: عقد النكاح، فإذا عقد المحرم النكاح قبل أن يحل ترتب على ذلك الإثم، وفساد العقد، ولكن النسك لا يفسد، بل يفسد العقد عقد النكاح، فإذا حل من نسكه أعاد النكاح ولابد؛ لأن النكاح كان فاسداً. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 4 لبس القميص والسراويل والبرانس والعمائم والخفاف من محظورات الإحرام: ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما سئل ما الذي يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم، ولا الخفاف) أي: وما عدا ذلك فيلبسه، فالممنوع معدود والمباح غير معدود، البس ما شئت، لكن لا تلبس هذه الأشياء. القميص: الثياب التي علينا هذه تسمى أقمصة. البرانس: ثياب واسعة لها غطاءٌ للرأس متصلٌ بها، يلبسها أهل المغرب كما تشاهدونه في الحرم. السراويل معروفة. العمائم: لباس يلف على الرأس. الخفاف: هي ما يلبس على الرِجل من جلدٍ أو نحوه يستر الرِجل. ثم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ولا فدية عليه، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) . وهذه المحرمات من اللباس هي حرام على الرجل فقط والمرأة لا يحرم عليها قميص ولا سراويل ولا خمار. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 5 الطيب من محظورات الإحرام: الطيب. فلا يتطيب الإنسان بعد إحرامه لا بالبخور ولا بالدهون، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس) والورس: نباتٌ يشبه الزعفران في الطيب. وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الذي وقصته راحلته فمات وذلك يوم عرفة، فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ماذا يفعلون به؟ فقال: (اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه) والحنوط: أطيابٌ يُطيَّب بها الميت، ثم قال: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) وعلى هذا فنقول للمحرم: لا يحل لك أن تتطيب لا بثوبك ولا ببدنك إذا عقدت الإحرام. فأما البخور فإن أخذه وتطيب به فهو حرام، وإن شمه وهو بعيدٌ عنه فلا بأس، كما أنه لو دخل دكان عطار وشم الطيب فإنه لا إثم عليه؛ لأن الممنوع هو التطيب والشم ليس بتطيب. وأما الروائح الطيبة التي لا تعد طيباً كرائحة التفاح والنعناع وما أشبهه فلا بأس به؛ لأن هذا ليس بطيب. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 6 تغطية الرأس ولو بغير العمامة ومن محظورات الإحرام: تغطية الرأس ولو بغير العمامة، فلو وضع الإنسان على رأسه منديلاً لكان ذلك حراماً عليه، دليله قول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الذي وقصته راحلته قال: (لا تخمروا رأسه) أي: لا تغطوه. فأما حمل المتاع يعني: العفش على الرأس فليس هذا تغطية؛ لأنه لا يراد للستر غالباً، فلا حرج على المرء أن يحمل عفشه على رأسه. وأما الاستظلال دون الستر فلا بأس به، مثل: الشمسية عن المطر أو الحر فتجوز للمحرم، ودليل ذلك ما رأته أم حصين رضي الله عنها: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر على راحلته ومعه أسامة وبلال أحدهما يقوده والثاني قد رفع ثوباً ليظلله من الحر حتى رمى جمرة العقبة. وهذا دليلٌ واضح، وبناء عليه: يجوز للإنسان المسلم أن يركب السيارة المسقوفة؛ لأن هذا تظليل وليس تغطية، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله فهم يقولون: إنه لا يجوز للمحرم أن يركب السيارة المسقوفة. وهذا المذهب ضعيف. واعلم أن تغطية الرأس يكون على أربعة أشياء: 1- تغطية الرأس بما يقصد به الستر، هذا حرام. 2- تغطية الرأس بما لا يقصد به الستر كحمل العفش هذا حلال. 3- الاستظلال بتابعٍ للمحرم كالشمسية والسيارة وهذا فيه خلاف، والصحيح: أنه جائز. 4- الاستظلال بما هو منفصل عن المحرم كالخيمة والشجرة يجعل فوقها ثوباً يستره هذا حلال بالإجماع. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 7 قتل الصيد الصيد: كل حيوانٍ حلالٍ متوحش، يعني: طبيعته التوحش والنفور من الآدميين، هذا هو الصيد، فيحرم على المحرم لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] . الجزء: 200 ¦ الصفحة: 8 أحوال فاعل محظورات الحج واعلم أن فاعل المحظورات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- أن يكون معذوراً. أي: محتاجاً إلى فعل المحظور فيفعله متعمداً للحاجة والضرورة؛ فهذا جائز لكن عليه الفدية، مثاله: حلق الرأس، إنسان قيل له: إن علاجك يحتاج إلى حلق الرأس فحلقه، ليس عليه إثم لكن عليه الفدية. 2- أن يفعله معذوراً بجهلٍ أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه، لا إثم ولا فدية، مثاله: أن يقتل صيداً وهو لا يدري أنه حرام، فلا شيء عليه ولا فدية ولا إثم. مثال آخر: أن يتطيب ظناً منه أن الطيب ليس حراماً، فليس عليه شيء لا إثم ولا فدية. مثال ثالث: رجل حاج معه زوجته فانصرف من عرفة إلى مزدلفة وجامع أهله في تلك الليلة ظناً منه أن الحج عرفة وانتهى عرفة، فهذا ليس عليه شيء لا إثم ولا فدية ولا قضاء؛ لأنه جاهل. مثال رابع: إنسان يطوف وهو محرم فقبل الحجر ولم يعلم أن فيه طيباً فعلق الطيب في شفتيه فليس عليه شيء لأنه لا يدري، لكن عليه من حين يعلم أن الطيب علق به أن يزيله، لكن بماذا يزيله؟ إن قلنا: يزيله بثياب الإحرام علق بثياب الإحرام، فبماذا؟ يزيله بمنديل ويحذف المنديل لا يصحبه. طيب فإن لم يكن معه منديل؟ إذا أمكن أن يزيله بكسوة الكعبة، يمسحها هكذا بيده ويمسح كسوة الكعبة حتى يذهب، فإن عجز فلا إثم عليه، والإثم على هذا الذي وضع الطيب في الحجر الأسود؛ لأنه هو الذي ألجأ المسلمين إلى أن يمسوا هذا الطيب، ولذلك هؤلاء المساكين يصبون الطيب على الحجر وعلى كسوة الكعبة صباً وربما يكون من أغلى أنواع الطيب، وهم بذلك بالنسبة للحجر الأسود إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة، أما الأجر فليس لهم أجر إلا على النية؛ لأنهم يلطخون المسلمين به، فيأثمون بذلك، لأنهم يلجئون المسلمين إلى أن يأثموا، وإن كان المسلم جاهلاً ولا يدري، ليس عليه إثم. فاعل المحظور إما أن يفعله متعمداً لكن لعذرٍ يبيح له الفعل فهذا جائز ولكن عليه الفدية، ومن ذلك: أن يضطر الإنسان إلى الأكل ولا يجد إلا أرنباً وهو صائم فيقتلها أو يذبحها إن قدر عليها وهو محرم ويأكلها لكن عليه الجزاء. الثاني: أن يفعل المحظور معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه فهذا لا شيء عليه إطلاقاً والدليل: (قول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت) . وقال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد. الحال الثالثة: أن يفعل المحظور بلا عذر مع علمه وذكره واختياره فهذا آثم وعليه فديته. نسأل الله أن يجعل حجنا وإياكم حجاً مبروراً وذنبنا ذنباً مغفوراً وسعينا سعياً مشكوراً، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 200 ¦ الصفحة: 10 حكم شراء الذهب بدفتر الشيكات أو بالبطاقة البنكية السؤال ما حكم شراء الذهب بدفتر الشيكات وقد يكون ليس فيه رصيد، أو شراءه بالبطاقة البنكية وهذه متفشية كثيراً بين المسلمين؟ الجواب من المعلوم أن الذهب إذا اشتري بالدراهم، فالدراهم عوض عن فضة، وبيع الذهب بالفضة يشترط فيه التقابض في مجلس العقد، والشيك ولو كان مصدقاً -يعني: أن رصيده معلوم- ليس بقبض، والدليل أنه ليس بقبض: أنه لو أتلف هذا الشيك لرجع به على الذي أعطاه إياه، إذاً فليس بقبض، نعم لو فرض أن المشتري وهو في دكان البائع اتصل على البنك وقال له: انقل من حسابي إلى حساب فلان، فإن هذا الثمن قبض؛ لأنه حول المبلغ إلى حساب البائع في نفس المجلس. لكن كيف يعمل إذا لم يكن معه دراهم؟ نقول: الحمد لله الأمر سهل، يقول للبائع: ابق الذهب عندك لا تبعه، وأنا أذهب إلى البيت أو إلى الدكان وآتي بالعوض، ثم بعد حضوره بالعوض يتبايع معه بعقد جديد غير العقد الأول. أما البطاقة البنكية فإنك تشتري كل شيء بهذه البطاقة حتى الذهب، وهذه تعتبر كالدفع الفوري، لكن هذا المبلغ لا يتحول إلا بعد أيام إلى حساب البائع فهنا لا يجوز الشراء بالبطاقة البنكية. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 11 حكم صلاة الجماعة في الاستراحة السؤال نحن نخرج في استراحة وبجوارنا مسجد ونسمع النداء فإذا أذن المؤذن نصلي في الاستراحة؟ الجواب إذا كان أذان المسجد بدون مكبر الصوت لا يسمع، فليس عليكم شيء وصلوا في مكانكم. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 12 مشروعية تعجيل الجنازة السؤال انتشر في الآونة الأخيرة تأخير الجنازة إلى الغد، أو إلى أن يحضر أولياء الميت، وكذلك الاصطفاف بعد الدفن للتعزية، ما رأي فضيلتكم في ذلك؟ الجواب أما الأول: فهو خلاف السنة لا شك في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة) وتأخيرها خلاف أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم هو من جهة أخرى إساءة إلى الميت؛ لأن الميت الصالح إذا خرج من بيته يقول: قدموني قدموني. يتمنى الإسراع؛ لأنه مقبل على سكنٍ في الجنة -اللهم اجعلنا منهم- فهو إساءة للميت من جهة، وخلاف أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جهة أخرى، وأولياؤه أو أصدقاؤه الذين ليسوا بحاضرين يمكنهم إذا جاءوا يصلون على قبره كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر الرجل أو المرأة التي كانت تقم المسجد. وأما الاصطفاف للعزاء فهذا اتخذه الناس يقولون: إنه أسهل، كان الناس في الأول كل إنسان في جهة من أهل الميت فإذا عزوا واحداً جعلوا يلتمسون الآخر أين فلان أين فلان؟ فقالوا: نجتمع جميعاً ليكون ذلك أسهل، فإذا لم يتطور هذا الشيء إلى محذور فهذا لا أرى فيه بأساً -إن شاء الله- لكن الذي لا أرى له وجهاً: هو أنهم يقبّلون (يعانقون) أهل الميت، وهذا لا أصل له، إلا إذا كان الإنسان قادماً من سفر وقبّله (عانقه) بناءً على قدومه من السفر. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 13 حكم إجابة الدعوة سواء كانت وليمة عرس أو غيرها السؤال فضيلة الشيخ: إجابة الدعوة سنة أم واجبة؟ الجواب أما دعوة العرس فالإجابة إليها واجبة بشروط: الأول: أن يعينه بقوله: يا فلان! احضر. الثاني: ألا يكون في الإجابة ضرر عليه. الثالث: ألا يكون في المكان منكر، فإن كان فيه منكر فإن قدر على تغييره وجب عليه الحضور: إجابة للدعوة ونهياً عن المنكر، وإن كان لا يقدر فلا يجيب. أما غير وليمة العرس فأكثر العلماء على أن الإجابة سنة وليست بواجبة، وقال بعض العلماء: إنها واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست -أو قال: خمس-: وإذا دعاك فأجبه) فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن إجابة الدعوة إلا لعذر. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 14 رجل دخل يصلي مع إمام ركعة زائدة نسياناً من الإمام فهل تحسب له السؤال فضيلة الشيخ: إذا دخل المأموم مع إمام يصلي -صلاة رباعية صلاة العصر أو العشاء- فزاد الإمام ركعة خامسة، هل تحسب للداخل ركعة؟ الجواب لو دخل معهم في الركعة الثانية وسلم الإمام بعد الخامسة فإنه يسلم معهم، لأنه يكون بذلك قد صلى أربعاً، ولو أتى بخامسة فيكون قد زاد في الصلاة زيادة عمد، وهذا لا يجوز. لكن إذا دخل في الركعة الرابعة، ولم يعتقد أن الإمام زاد خامسة متعمداً فيكون دخوله مشروعاً فيحتسب الركعة، وإذا سلم الإمام أتى بركعتين. وأنا قلت هذا لأن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إنه لا يحتسب بالزائدة، ولكنه قولٌ ضعيف، الإمام معذور؛ لأنه زادها نسياناً، وأنت -أيها المسبوق- غير معذور؛ لأنك ستزيد ركعة متأكداً أنها زائدة. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 15 إدراك صلاة الجماعة السؤال فضيلة الشيخ: بالنسبة لإنسان جاء إلى مسجد وقد فاتته بعض الركعات، وهناك جماعة أخرى ستأتي هل الأفضل أنه يصف معهم أو ينتظر؟ الشيخ: إذا كان سيدرك ركعة مع الجماعة الأولى فلا ينتظر للثانية وإن تيقن من مجيئها؛ لأن الجماعة التي يرتب عليها سبعاً وعشرين درجة هي الأولى، أما الجماعة الثانية فهي أفضل من أن يصلي كل واحدٍ وحده، لكن لا يترتب عليها فضل الجماعة الأولى، فإذا كان يدرك مع الجماعة الأولى ركعة فلا ينتظر الثانية. أما إذا كان قد فاته التشهد الأخير وتأكد أنه سيأتي أحد فينتظره، وإن لم يتأكد دخل مع الإمام. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 16 حكم البقاء في منى والخروج منها السؤال فضيلة الشيخ: ذكرت في فتوى سابقة أن من يذهب من منى بعد صلاة الفجر إلى سكنهم في مكة أن أجرهم ناقص، فما هي الفترة التي يستطيع فيها الحاج أن يذهب؟ الشيخ: إذا رمى ونحر وحلق ينزل مكة، هذا هو الأصل. والأفضل في أيام التشريق أن يكون في منى طوال الفترة. أما كلام الفقهاء أن كل النهار له حتى لو ذهب إلى القاهرة أو وراء القاهرة ويرجع، فإن هذا قول ضعيف، نحن نرى أن الإنسان الذي يريد أن يحج حجة النبي صلى الله عليه وسلم يتقيد بها، والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى وما نزل إلى مكة إلا يوم العيد لطواف الإفاضة. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 17 حكم حثو التراب على القبر أثناء الدفن السؤال فضيلة الشيخ: هل يشترط الحثو على القبر وهل له من أجر؟ الجواب ليس بشرط، لكن إن شاء الله الذي يحثو ثلاث حثيات يكون مشاركاً في الدفن. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 18 كيفية علاج من ابتلي بوساوس شيطانية السؤال فضيلة الشيخ! لي أخ في بداية التزامه وأسأل الله له الثبات، ولكنه يعاني من وساوس شيطانية وجميع تلك الوساوس في أمور دينه، وهو الآن في حالة نفسية جعلته يتردد على المستشفيات، علماً أنه ذهب إلى شيخ يقرأ عليه وقال: إنها وساوس، وإن شاء الله تذهب وتزول، ولكن دون جدوى، فما نصيحتكم؟ وهل يأثم يا فضيلة الشيخ! على تلك الوساوس حتى ولو كان لا ينطق بها؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب بشر أخاك بأن هذا الذي يجده في نفسه هو الإيمان الخالص؛ لأن الشيطان كان في الأول قد لعب عليه وأفلته من دينه ولا يحس بشيء، لأن الشيطان مستريح ما دخل عليه شيء، فلما اتجه إلى الالتزام حينئذٍ تسلط الشيطان عليه ليفسد عليه دينه، ويصرفه عن التزامه، فبشره أن هذا صريح الإيمان، ولا يلتفت إليه، وهو لا يأثم به، حتى لو قال له الشيطان ما لا أستطيع أن أتكلم به وهو أيضاً لا يستطيع أن يتكلم به، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينتهِ، وحينئذٍ يزول عنه؛ لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] فالشيطان يكيد لابن آدم إذا رآه ملتزماً، يكيد إليه بالوساوس التي توصله إلى الشك -والعياذ بالله- فليستعذ بالله، ولينته، وبإذن الله لن يصيبه شيء؛ لأن الذي وصف لنا هذا الدواء هو أعلم الناس بعلاج هذه الأمور وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمرنا إذا أحسسنا بهذه الوساوس أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي وبالتالي ينخنس الشيطان ويبطل كيده، فبشره بهذه البشرى، وقل له: لا يلتفت لذلك الشيء. إذا أذن المؤذن يقوم ويتوضأ ويصلي ولو في قلبه كل الوساوس، حتى لو كان يشعر أنه لا يصلي، فإن فإن هذا لا يضره، وإن شاء الله ما له شر، إذا أخذ بهذا الدواء من هذا الطبيب العالم بالدواء والداء؛ فليبشر بالشفاء. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة في ثوب فيه دم كالرعاف مثلا ً السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة إذا كان في الثوب دم يخرج من الأنف؟ الجواب الصلاة في الثوب الذي فيه دمٌ من الرعاف صحيحة؛ لأن المسلمين يصلون في ثيابهم بدمائهم في الجهاد، والرعاف كثيرٌ في الناس، ولابد أن يصيب الثياب منه شيء، فالصلاة في ثوبٍ أصابه دم الرعاف جائزة صحيحة. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 20 حكم الحج بإزار متصل من جميع النواحي السؤال في الحج الماضية حججت بإزار متصل من جميع النواحي غير مفتوح، وكان الناس ينكرون يقولون: أن هذا الشيء ما يجوز، فما حكمه؟ الجواب هل لما جعلته متصلاً خرج عن كونه إزاراً؟ لا. ولا يضرك أن يكون مخيطاً أو فيه سير لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح الإزار بغير قيد. أما الناس الذين ينكرون ذلك فإنهم لا يعرفون كل شيء، فما دام إزاراً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل) فأباح الإزار على كل حال، من قال: إنه لا يباح إلا إذا كان مفتوحاً وذهبت تعقده؟ من قال هذا؟ نحن ما دام عندنا لفظ مطلق غير مقيد فالحمد لله. نظير هذا الشرّاب التي فيها شقوق، بعض الناس ينكر عليك أنك تمسح عليه، ونحن نقول: ما هو الدليل؟ ما دامت تسمى جورباً والشرع أطلق ولم يقيد فالحمد لله، والله تعالى يعلم كل شيء، لو كانت هناك قيود يحتاج إليها المسلم في عباداته لبينها الله عز وجل إما في القرآن أو في السنة. وأي واحد ينكر عليك قل له: تعال يا أخي! بيني وبينك السنة، هل هذا إزار أو لا؟ سيقول: إزار. قل: ما دليلك على أن الإزار المتصل حرام، والسنة جاءت بإباحة الإزار مطلقاً؟ سيقولون: المخيط والمخيط كلمة ما جاءت في السنة أبداً، وقد سمعت ما قاله الرسول لما سئل: ما يلبسه المحرم؟ القميص لو كان منسوجاً بدون أي خيط حرام، والإزار والرداء لو كله مرقع فإنه حلال وكله خياط، فكلمة المخيط هذه ما وردت لا في لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في لسان أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا الصحابة، وأول من نطق بها إبراهيم النخعي وهو من فقهاء التابعين رحمه الله، وهي كلمة لا تصح، بدليل: أن الإزار المخيط -المرقع- يجوز، وأما القميص المنسوج من دون خياط حرام مع أنه ليس هناك خلاف. وانظر إلى هذه الكلمة كيف أوجبت الإشكال على الناس الآن؛ الآن يأتي بعض الناس يستفتي يقول: هل يجوز أن ألبس النعل المخرز بناء على أن فيها خياطاً. (الكمر) هذا الذي فيه الخياط يأتون يسألون عنه: هل يجوز لبسه؟ لأنه مخيط، فلو أننا بقينا على ما جاءت به النصوص لسلمنا من الإشكالات. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 21 حكم الإسبال وهجر من يسبل السؤال جزاك الله خيراً يا شيخ! هل الإسبال من الكبائر، وهل يجوز هجر من يسبل؟ الجواب الإسبال من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توعد عليه فقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليم، قالوا: من هم يا رسول الله! خابوا وخسروا؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) فهو من الكبائر. أما هجره فيا بني! اعلم أن الهجر دواء إن أفاد فاستعمله، وإن لم يفد أو زاد الطين بِلَّة فاتركه، فهذا الرجل المسبل إن كان إذا هجرناه استقام وخجل وقال: كيف أكون عند الناس مثل السامري يقول: لا مساس. ثم رفع ثوبه فاهجره. إن كان إذا هجرته زاد معصية وكرهك وأبغضك وألَّب عليك الناس فهنا لا تهجره، حسبك هذه القاعدة: الهجر دواء إن أفاد فافعله، وإن لم يفد فلا تفعله. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 22 حكم شراء المجلات التي فيها صور للفائدة السؤال توجد في الأسواق بعض المجلات الإسلامية التي توجد فيها كثير من الصور صور فوتوغرافية أو الصور المرسومة باليد، فما حكم شراء هذه المجلات خاصة التي فيها فائدة؟ وأيهما أخف الصور الفوتوغرافية، أو الرسم اليدوي؟ الجواب الذي نرى أن المجلات تختلف فهناك مجلات ليس فيها إلا صورة كصورة المتكلم -الكاتب- لإثبات أنه هو؛ لأني لو رأيت شيئاً مكتوباً باسم فلان وهنا في الصورة له قد أشك في هذا، خصوصاً إذا اطّرد العرف بأن طريق الإثبات كونه كلاماً لفلان أن توجد صورة، فهم يجعلون الصورة من باب إثبات النسبة لهذا الشخص، هذا ما فيها شيء. أما شيءٌ اتخذ للتصوير مثل ما يوجد في بعض المجلات بدليل: أنها تلون الصورة وتلمع الصورة فاقتناء هذه حرام، وإذا قدر أن فيها فائدة فهذه الفائدة موجودة في مجلاتٍ أخرى سواها، وموجودة في كتب العلماء رحمهم الله، هذه اهجروها وقاطعوها وحذّروا منها، ولا تسأل: هل هو باليد أو بالآلة الفوتوغرافية. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 23 حكم الصلاة إلى غير اتجاه القبلة السؤال أحسن الله عملكم: رجل صلى صلاة الفريضة خارج بلده، فصلى إلى غير جهة القبلة مع العلم أنه قد سأل عن الاتجاه الصحيح ودلوه لكن أشكل عليه عندما غير الغرفة التي سأل فيها؟ الجواب عليه أن يعيد صلاته، فإن كان مسافراً -وهو الظاهر- فيعيدها قصراً، وإن كان مقيماً فيعيدها إتماماً. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 24 حكم جمع الظهر إلى العصر يوم الجمعة للمرأة إذا كانت مسافرة السؤال لا يحرم جمع صلاة العصر مع الظهر للرجل إذا كان مسافراً، فما حكمها بالنسبة للمرأة، بما أن المرأة تصلي صلاة الجمعة ظهراً؟ الجواب لا بأس به، المحذور أن تضم العصر إلى جمعة لا إلى الظهر، ولذلك لو كان الإنسان مسافراً -أي: ما صلى الجمعة- فيصلي ظهراً وعصراً جمعاً. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 25 حكم التصوير بكاميرا الفيديو السؤال ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ الشيخ: ما فيها شيء، إلا إذا كان المشاهد محرماً، مثلاً: بعض الناس الآن في حفلات العرس يصورون النساء في الفيديو وهذا لا يجوز، لكن إن كانوا مجموعة رجال فلا مانع. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 26 حكم تربية الديك من أجل سماع الصوت السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز تربية الديك لتحري سماع صوته، لورود الحديث في ذلك؟ بارك الله فيكم. الجواب والله! لا أدري عن هذا، لأن المشروع للإنسان إذا سمع صياح الديك أن يسأل الله من فضله، فيقول: هل يجوز أن يقتني ديكاً حتى يؤذن فيسأل الله من فضله؟ لكن أخشى أن يكون ديكك أخرس. وهذا ما ورد عن السلف، والحمد لله أنت تسأل الله من فضله سواء سمعت صوت ديك أو لا، اسأل الله من فضله دائماً. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 27 حكم من ترك رمي الجمار في اليوم الثاني عشر السؤال أحسن الله إليكم يا شيخ! ما حكم من ترك ثلاثة واجباتٍ، مثل من ترك رمي الجمار كلها في اليوم الثاني عشر؟ الشيخ: الجمرات كلها من العقبة إلى آخر جمرة في أيام التشريق واجبٌ واحد، وإذا لم يرمها في أيام التشريق كلها، فإنه يفدي مرة واحدة، إلا إذا فدى عن أول يوم فإنه يفدي عما بعد. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 28 إمام يصعب عليه نطق (الطاء) من (الصراط) في قراءة الفاتحة السؤال فضيلة الشيخ: أنا إمام جامع في الرياض عندما أقرأ الفاتحة في القراءة الجهرية عندما أقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] لا أستطيع أن أمسك الطاء، ما أدري السبب في ذلك، هل علي إثم أو لا؟ الجواب سأعطيك ضابطاً: إذا كنت لا تنطق بالطاء فصلاتك غير صحيحة؛ لأن العلماء يقولون: من ترك حرفاً أو شدة من الفاتحة لم تصح صلاته. فالإنسان يقدر على القيام والركوع بمشقة؛ فيوجعه ظهره، ولو شق عليك أعانك الله. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 29 حكم من رأى في المنام أن الشيخ يجيبه على أسئلته السؤال في كثير من الليالي أرى في المنام كأني في درس فضيلتكم، ويكون عندي بعض المسائل فأسألك فيها فتجيبني! فما هو حكم الجواب يا شيخ؟! الجواب أنا لا أستحضر هذا ولا أشعر إذا حلمت أنك تسألني، لا تعتمد على هذا، إن سمعت من الشريط لا بأس، أما نحن فلا ندرس النُوَّمَ. يقولون: إن شيخ الإسلام رحمه الله -حكاه عنه ابن القيم في إعلام الموقعين - أشكلت عليه مرة مسائل في الدين، فرأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام، ومن رأى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام على صفته فهو حق، فسأله عن أشياء منها: أنه قدم جنائز من أهل البدع لا ندري أمسلمون هم أم كفار؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (عليك بالشرط يا أحمد) وابن القيم ثقة وشيخ الإسلام ثقة، وكون الرسول يقول: يا أحمد. معناه: أنه يعلم بعض الأسماء عليه الصلاة والسلام، وقوله: (عليك بالشرط) هذا حكم لا ينافي الشرط، فإن الاستثناء بالدعاء جائز، في سورة النور في حكم المتلاعنين يقول الزوج: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] وهي تقول: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9] وفي دعاء الاستخارة: (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي) فهذه الرؤيا لا تنافي الأحكام في اليقظة فتكون مقبولة، فمثل هذا إذا صدق وصادف أن رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام كما هي صورته التي هو عليها وأفتاك، ننظر بعد أن نعرض الفتوى هذه على الشريعة. أما أنا لا تأخذ مني شيئاً بالمنام، ولو تأتي بالمسائل وتعرضها علينا يمكن تكون صحيحة. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 30 درجة حديث: (لا سبق إلا في ثلاث) السؤال فضيلة الشيخ: ما مدى صحة حديث في ما معناه: (لا سبق إلا في ثلاث: خف، أو نصل، أو حافر) ما رأيكم فيمن يقيم سباقاً للدجاج أو الحمام؟ الجواب انظر يا أخي! الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر) السبق يعني: العيون؛ لأن هذه الأشياء يستعان بها في الحرب والقتال، فمن أجل هذه الفائدة أباح الشارع العوض فيها، فإن كانت دجاجتك يستعان عليها في القتال تركب عليها وتكر وتفر فلا بأس، وإلا فلا. الشيخ: فهذه السباقات للحمام أو الدجاج حرام، سواء بعوض أو بدون عوض أما بعوض فظاهر؛ لأنه ميسر، وأما بدون عوض؛ فلأنه ملهاة، والإنسان إذا فتن بمسابقة في الحمام صار ليله ونهاره كله مشغولاً بها، إما جسماً وقلباً وإما قلباً، فدعها. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 31 حكم سباق الآدميين السؤال ما حكم سباق الآدميين؟ الجواب يجوز بلا عوض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سابق عائشة، هذا ما فيه شيء؛ لأن فيه مصلحة للإنسان. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 32 موضع التأمين في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: سمعت في أحد الأشرطة للإمام محمد ناصر الدين الألباني، في مسألة: إذا أمن الإمام فأمنوا. وشدد في ذلك قال: يجب أنه إذا أمَّن الإمام وقال: آمين، نقول بعده: آمين، أما الذي تقولونه: فهذا خطأ؟ الجواب إن كنت قد سمعت هذا، فهل أنا أو الألباني أو فلان أو فلان معصومون من الخطأ؟ غير معصومين. هل خطأ الشيخ الألباني أكثر أو صوابه؟ صوابه أكثر. هذا من جملة ما أخطأ فيها؛ لأن قوله: (إذا أمَّن الإمام فأمنوا) يفسره اللفظ الثاني في الحديث: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) متى يقولونها؟ بعد: ولا الضالين، إذاً مع الإمام، فيكون معنى: (إذا أمن) يعني: إذا بلغ موضع التأمين، أو إذا شرع في التأمين. والألباني حسناته أكثر وصوابه أكثر من خطئه، ولا أخاله يتضمن ارتكاب الخطأ، لكنه مجتهد كغيره، إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور. مداخلة: يا شيخ! في السلسلة الصحيحة المجلد السادس وهو آخر مجلد قد نزل، رجع الشيخ الألباني عن قوله وقال: لقد تبين لي أنه يؤمن بعدها. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 33 رجل أدرك الإمام في الركعة الثانية وقد سها في الركعة الأولى السؤال فضيلة الشيخ! إذا دخل الإنسان مع الإمام في الركعة الثانية وقد سها في الركعة الأولى، هل يسجد المأموم سجود السهو؟ الجواب إن كان سجود الإمام قبل السلام فيجب أن يسجد مع الإمام؛ لأن الإمام ما انتهت صلاته، وإن كان سجوده بعد السلام -أي: الإمام- فليقم إذا سلم الإمام من الصلاة ولا يسجد للسهو؛ لأن السهو من الإمام كان قبل دخوله معه. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 200 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [201] يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه على ما فرط في جنب الله؛ حتى يكون على استعداد تام لاستدراك ما فاته في الماضي قبل أن يعرض الكتاب يوم القيامة فيتندم الإنسان ولا ينفعه الندم. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 1 واجب الإنسان أمام سرعة تقضي الزمان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فإننا نقتصر في هذا اللقاء على التذكير بنعمة الله تبارك وتعالى على عباده الحجاج والعُمَّار في هذه السنة، حيث كانت الأجواء مناسبة جداً، وكان الناس معهم بعض التنظيم في الطواف والسعي والجمرات فحصل -والحمد لله- خيرٌ كثير، نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع، ونذكركم أيضاً بأن هذا اللقاء هو آخر لقاءٍ في هذا العام، وما أسرع الأيام وما أسرع الساعات تمضي سريعاً وتنتهي جميعاً، وهذا يوجب للعبد أن يتذكر أن كل آتٍ قريب، فبينما كنا نقول: ما أبعد انتهاء العام وإذا به ينقضي بسرعة وهكذا العمر أيضاً، الإنسان يترقب الآن الموت ويظن أنه بعيد ولكن لا يدري فلعله يكون قريباً، قال الله تبارك وتعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب:63] . أيها الإخوة: إنه يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه: ماذا أودع في العام الذي لم يبق فيه إلا يومان؟ وبماذا يستقبل الأعوام التي تأتي بعده حتى يكون على استعدادٍ تامٍ لاستدراك ما فاته في العام الماضي ولطلب المغفرة والعفو عما اجترحه من السيئات؟ وسيعرض الكتاب يوم القيامة على العبد يلقاه منشوراً، ويقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] حاسب نفسك قبل أن تحاسب، واستعن بالله تبارك وتعالى على القيام بطاعته واجتناب نواهيه. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 2 الأسئلة الجزء: 201 ¦ الصفحة: 3 ضابط الحرج المبيح للجمع بين الصلاتين السؤال فضيلة الشيخ! الحديث المرفوع إلى عبد الله بن عباس أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا مطر) قالوا: ما أراد من ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته. ما هو الضابط لتعريف الحرج المقصود بهذا الحديث الذي يجعل المسلم يترخص بهذه الرخصة؟ الجواب هذا الحديث أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر، قالوا: ما أرد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) أي: ألا يلحقها حرج. فكلما كان الحرج والمراد بالحرج المشقة، فإنه يجوز الجمع، سواء في الحضر أو في السفر لمرض أو مطر أو ريحٍ باردة شديدة، أو ما أشبه ذلك، حتى الحامل إذا شق عليها أن تصلي كل صلاةٍ في وقتها فلها أن تجمع، حتى المرضع إذا شق عليها أن تصلي كل صلاةٍ في وقتها لكون ولدها يبول عليها وما أشبه ذلك فإنها تجمع، بل قال العلماء: حتى لو كان الخباز يخبز فخاف أن يحترق الخبز واضطر إلى أن يؤخر الصلاة فيجمعها إلى ما بعدها جمع تأخير فلا بأس. إذاً الضابط هو المشقة، سواء في البدن أو في المال أو في الأهل أو ما أشبه ذلك، حتى لو ضاع عليك شيء وذهبت تطلبه وخفت أن يضيق عليك الوقت فاجمع؛ اجمع الأولى إلى الثانية، أو إذا كنت تخشى أن تسافر بعيداً فاجمع الثانية إلى الأولى، فالجمع بابه واسع والحمد لله. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 4 حكم التكبير عند محاذاة الحجر الأسود السؤال فضيلة الشيخ! كنت أطوف طواف الوداع وتعديت الحجر الأسود وما كبرت، وكان معي صاحب يقول: التكبير واجب، فما سمعت كلامه؛ لأني سألت واحداً قبله فقال: إنه سنة وليس بواجب. فما حكمه يا شيخ؟! الجواب التكبير عند محاذاة الحجر الأسود ليس بواجب بل هو سنة، ومحله في ابتداء الشوط وليس في انتهائه، وعلى هذا فإذا كان آخر شوط فلا تكبر. السائل: وفي أثناء الشوط؟ الشيخ: حتى في أثنائه هو سنة وليس بواجب، لو تركه الإنسان عمداً فلا إثم عليه. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 5 حكم تقديم الأولاد على الوالدين في الإطعام السؤال بالنسبة لحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الرجل الذي قال: نأى بي طلب الشجر يوماً. والصبية يتضاغون جوعاً عند قدمه. هل يشرع الآن لمن حصل له حاجة يعني: أمر لا يمكن أن يتهيأ إلا هذا الشيء، وعنده أولاد وعنده والداه هل يقدم الوالدين مع أنهما يمكن أن يحصلا عليه فيما بعد ولكن الآن الحاجة للصبي، فبناء على أن الله عز وجل استجاب دعوته هل يشرع للإنسان أن يفعل هكذا في هذه الأيام؟ الجواب لا، هذا ليس كذلك؛ لأنا نقول: هذا الرجل كما تعرف يرعى غنماً ودائماً الإنسان يقول: الآن ارجع الآن ارجع الآن نصل إلى المرعى حتى ينفرط الوقت، وإلا فإن المحافظة على الأولاد والآباء والأمهات أولى من المحافظة على المال، لكن هذا شيءٌ معروف الإنسان دائماً يتمادى في الشيء فلا يدري إلا وقد فات الوقت، حتى أن الإنسان يكتب أحياناً ويشتغل بالكتابة قلبه وإذا به قد انفرط الوقت. السائل: أنا أقصد: هل يقدم الوالدين في هذا الأمر مع أنه يمكن أن يحصل على هذا الشيء فيما بعد، فيترك الأولاد. الشيخ: هذا اجتهادٌ منه، وإذا وقع مثل هذا وكان الوالدان نائمين والصبية يتضاغون من الجوع فنقدم الصبية. السائل: وكيف استجاب الله دعاءه؟ الشيخ: لكن هذا اجتهادٌ منه، والله سبحانه يثيب الإنسان على قدر اجتهاده. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 6 حكم الجمع بين الهدي بمكة والأضحية عند الأهل السؤال هل من السنة إذا أهدى الإنسان في الحج أن يضحي؟ الجواب يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لا أضحية للحاج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضح، وأهدى مائة بعير، عن سبعمائة رأس من الغنم، لكن إذا كان الإنسان له عائلة ولم يحجوا معه وأوصاهم أن يضحوا عنه وعنهم. السائل: القصد هل هو سنة؟ الشيخ: قلت لك: إذا كان له عائلة فمن السنة أن يجعل لهم أضحية عنهم وعنه إذا لم يحجوا معه، وأما الحجاج فلا يضحون، وإنما يهدون هدياً. السائل: هنا الإشكال يا شيخ! أني أنا حججت وأمرت أهلي أعطيتهم نقوداً لكي يهدوا. الشيخ: هذا صحيح، هذا سنة، وطيب، وحسن، وهذا هو الذي رددته عليك مرتين. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 7 حكم حلق شعر الخد السؤال يا شيخ! ما حكم حلق الشعر الموجود على الخد؟ الجواب ذكر أهل اللغة: أن اللحية هي شعر الوجه والخدين، فجعلوا شعر الخدين من اللحية، وعلى هذا فلا يجوز حلقه ومحارشة الشعر دائماً تجعله يكون قوياً وسريع النمو، وتركه ربما إذا كان في غير المواضع المعتادة ربما يضعف ويزول. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 8 حكم صلاة أكثر من ركعتين بين الأذان والإقامة السؤال يا شيخ! هل يسن للإنسان أن يصلي أكثر من ركعتين بين الأذان والإقامة؟ الجواب الصلاة خير موضوع أكثر منها ما استطعت إلا في أوقات النهي، فإذا جاء الإنسان مثلاً مبكراً وصلى ركعتي تحية المسجد فليصل حتى تقام الصلاة. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 9 حكم النغمات والأجراس الصادرة عن الآلات السؤال هناك آلات مثل: النداء الآلي، والبيجر، وأجهزة الهاتف والأجراس، لها نغمات تشابه الموسيقى فما هو الضابط لنعرف أنها موسيقى أو غير موسيقى، مع أنها تصدر من آلات ليست كالطبول أو آلات اللهو؟ الجواب يقول: إنه ظهرت الآن أجهزة فيها رنات تشبه الموسيقى، أقول: في هذه الأجهزة رنات لا تشبه الموسيقى يحصل بها المقصود، فلا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه لشيءٍ فيه شبهة مع وجود شيءٍ واضح لا إشكال فيه. السائل: وكيف نعرف الموسيقى؟ الشيخ: الموسيقى معروفة فما أشبهها فهو محرم. السائل: يختلفون؟ الشيخ: يختلفون في ماذا؟ السائل: يختلفون: هل هو موسيقى أم لا؟ الشيخ: معروف يا أخي! الموسيقى معروفة، اسمع الأخبار اسمع الإذاعات، وقلت لك قبل قليل: الشيء المشتبه به اتركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . الجزء: 201 ¦ الصفحة: 10 حكم الطهارة في الطواف السؤال فضيلة الشيخ! أحسن الله إليك: هل الطهارة في الطواف شرط؟ الجواب جمهور العلماء: على أن الطهارة شرط في الطواف، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها ليست بشرط، وأنه يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يطوف وطوافه صحيح، واستدل لذلك بأدلة قوية من راجعها تبين له أنه الحق، وحديث: (الطواف بالبيت صلاة) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما هو موقوف على ابن عباس، وأراد ابن عباس -والله أعلم- أنه له حكم الصلاة لكون الإنسان يخشع فيه ويذكر الله وما أشبه ذلك؛ لأن قوله: إلا أن الله أباح فيه الكلام. لا ينطبق، فالطواف يجوز فيه الكلام، ويجوز فيه الأكل والشرب، ويجوز فيه السرعة وعدم السرعة، ولا يشرط فيه استقبال القبلة، بل لو استقبل الكعبة لما صح طوافه، وليس فيه قراءة فاتحة ولا تكبيرة إحرام ولا سلام، فكلام شيخ الإسلام في هذا أقرب للصواب، ولكن مع ذلك لا نقول للإنسان: إن طوافه بوضوء أو بغير وضوء سواء، بل بالوضوء أفضل بلا شك، إنما أحياناً يحدث مع الزحمات الشديدة أن الإنسان يحدث، إما بغازات أو بانطلاق بول أو ما أشبه ذلك، فهنا لا يستطيع الإنسان أن يلزم عباد الله فيقول له: اذهب وتوضأ وأعد الطواف في هذه الزحمات الشديدة متى يجد ماءً يتوضأ به؟ المواضئ كلها مملوءة، ثم إذا توضأ ورجع هل يؤمن ألا يحدث؟ لا يؤمن. يمكن يحدث مرة ثانية، فإذا قلنا: بطل وضوءك اذهب وتوضأ، وذهب، متى يجد مكاناً يتوضأ فيه، فإذا توضأ وعاد ما يؤمن أن يحدث مرة ثالثة، وهلم جرا. فإيجاب شيء لم يتبين في الكتاب والسنة أنه واجب لا سيما مع مشقة التحرز منه، فيه نظر. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 11 حكم صلاة الجمعة في السجن السؤال هل تجب صلاة الجمعة في السجن؟ الجواب انظر بارك الله فيك، هذه لها أناس مسئولون من قبل الدولة هم الذين ينظمون الجمعة في السجون أو لا ينظمونها. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 12 وجوب إتمام صلاة المسافر إذا صلى خلف مقيم السؤال رجل مسافر دخل مع إمام مقيم في مسجد، وقد صلى الإمام ركعتين فأكمل ركعتين معه، وسلم بحكم أنه قد قصر الصلاة، هل يجوز له ذلك يا شيخ؟! الجواب لا يجوز هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ، وقال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وعلى هذا فأبلغ الذي فعل ذلك أنه يجب عليه الآن أن يعيد صلاة الظهر أربعاً، حتى لو لم تدرك مع الإمام إلا التشهد الأخير وهو متم وأنت مسافر فصل أربعاً. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 13 حكم التسمية قبل الوضوء السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التسمية قبل الوضوء؟ الجواب التسمية قبل الوضوء ليست بواجبة إنما هي سنة، إن سمى الإنسان فحسن وإن لم يسم فلا شيء عليه؛ لأن الحديث الوارد بهذا قال فيه الإمام أحمد: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء. نقله عنه صاحب بلوغ المرام. ثم إن الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يذكرون البسملة. فالصواب أن البسملة في الوضوء سنة وليست بواجبة. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 14 حكم الطهارة لسجود التلاوة ولسجود الشكر السؤال هل يشترط في سجود التلاوة والشكر الطهارة واستقبال القبلة؟ الجواب أكثر أهل العلم فيما أعلم يقولون: لابد من استقبال القبلة والطهارة. أما في سجود التلاوة فظاهر؛ لأنها تأتي والإنسان مستقر يستطيع أن يتوضأ ليقرأ ثم يسجد، وأما سجود الشكر فلا تشترط فيه الطهارة؛ لأن النعم التي يسجد من أجلها تأتي الإنسان على غرة وهو على غير طهارة، فإن ذهب يتوضأ فاته الوقت، وإن سجد أدرك الوقت، فالصحيح: أن سجود الشكر لا تجب له الطهارة. وأما استقبال القبلة فهل يليق بإنسان مسلم أن يسجد ويجعل القبلة وراءه؟ لا. وأما أن الإنسان يسجد ويجعل القبلة وراءه فلا أظن أحداً يفعل هذا. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 15 النهي عن ذكر محاسن الميت على المنبر السؤال توفي أحد الشباب من أهل الخير، معروف في جميع أنحاء البلد ويحبه أهل البلد حباً كثيرا، فما كان من أحد الإخوان في خطبة الجمعة إلا أن خطب خطبة عن الموت وفي الخطبة الثانية ذكر أخانا المتوفى باسمه وبعض صفاته، هل هذا الأمر مشروع، وكان هذا بعد خمسة أيام من وفاة الشخص هل هو أمر مشروع أم ممنوع؟ الجواب هذا ليس بمشروع وهو يفتح باب شر؛ لأنه سيقوم الناس في مدح كل إنسان يريدون مدحه، ثم إذا مات إنسان يستحق المدح عند بعض الناس ولم يمدح صار في هذا كلام، فأرى أن هذا اجتهادٌ في غير محله، وأن الذي يحب الشخص يدعو الله له بالمغفرة بعد موته بدون أن يعلن على المنابر، فصار فيه محذوران، بل محاذير: الأول: أن هذا ليس من عمل السلف، ما سمعنا أن أحداً إذا مات الرجل الذي يثنى عليه خيراً يقوم على المنبر ويثني عليه. ثانياً: أنه يفتح باب شر، باب الشر: هو أن كل إنسان من الخطباء يحب شخصاً يقوم ويخطب به، ويقول: هذا يستحق أن يثنى عليه على المنابر. ثالثاً: أنه إذا مات شخصٌ أهل للثناء ولم يتكلم عليه صاحب المنبر يحدث أخذ ورد، لماذا أمس تخطب على المنبر في فلان، ولا تخطب في هذا، فيكون في هذا مفسدة. السائل: رأيت إجماعاً من أهل البلد على حبه والثناء عليه. الشيخ: يدعون له، أما أن يعلن على المنابر فهذا ما دام السلف مات منهم أناس يحبونهم بلا شك ولم يفعلوا هذا على المنابر. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 16 حكم استخدام عدسات العين للزينة السؤال ما حكم وضع عدسات العين بالنسبة للمرأة إذا كان هذا من باب الزينة لزوجها؟ الجواب عدسات العين لا بأس بوضعها بشرط: ألا يكون في ذلك ضرر، والمرجع في هذا إلى نظر الطبيب، إذا قال: لا ضرر، فلا بأس. الشرط الثاني: ألا توضع عدسة تجعل العين مشابهة لعين الحيوان، كما نقل لي عن بعض النساء أنها تجعل لها عدسة تشبه عين الغزال، أو تشبه عين الأرنب، أو تشبه عين القط، وبعضهن تجعل العدسة حسب الثياب التي تلبسها، إن لبست أبيض جاءت بعدسة بيضاء أزرق بعدسة زرقاء، فهذا لا يجوز. أما إذا كان لجمال العين مثل: أن يكون في سوادها شيءٌ من القتمة، وتريد أن تجعل عليها عدسة عسلية تجملها فلا بأس، إذا قرر الأطباء أنه لا ضرر. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 17 حكم الإحرام من جدة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الإحرام من جدة للقادم بغرض الحج أو العمرة؟ الشيخ: من أين هو قادم؟ الذي أحرم من جدة من أين هو قادم؟ السائل: قادم من خارج، من السودان، أو من الغرب، أو من أفريقيا. الشيخ: إذا كان قادماً من بلد يصل جدة قبل أن يحاذي المواقيت مثل: الذي يقدم من السودان رأساً هذا يحرم من جدة؛ لأنه يصل إلى جدة قبل أن يحاذي رابغ وقبل أن يحاذي يلملم، وأما الذي يأتي من الشمال أو من الجنوب فإنه يحرم إذا حاذى الميقات، وكذلك الذي يأتي من الشرق، فمثلاً الذي يأتي من الرياض يحرم إذا حاذى قرن المنازل في الطائف، والذي يأتي من القصيم يمرون من عند المدينة فيحرم من ذي الحليفة، إذاً ليس أحد يأتي بالطائرة يحرم من جدة إلا الذين يأتون من الغرب رأساً، ومثل العلماء لهم: بأهل سواكن من السودان قال: هؤلاء يصلون جدة قبل أن يحاذوا المواقيت. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 18 وجوب وصول الحصى إلى الحوض عند رمي جمرة العقبة السؤال بالنسبة لرمي جمرة العقبة الكبرى، إذا رماها شخص من الجهة التي ليس فيها حوض، هل لابد أن يعيد؟ الجواب بارك الله فيك الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة فيها حوض من كل جانب. السائل: الآن؟ الشيخ: كل جانب فيها حوض. السائل: لكن -يا شيخ- لا توجد إلا جهة احدة. الشيخ: لا لا من كل جانب. الشيخ: أنتم ما أدركتم، هذا من كل جانب. مداخلة: في الأسفل. الشيخ: في الأسفل إي نعم، في الأسفل -بارك الله فيكم- من كل جانب؛ لأن العمود الموجود لا يستوعب كل المساحة في نصف المساحة، جوانبه من اليمين والشمال يرمى منها، فلو أتيت من خلف العمود ورميت عن يمين العمود أو عن يساره أصبت الحوض. على كل حال: الواجب أن تقع الحصاة في الحوض من أي جهةٍ كانت، حتى لو وقعت في الحوض وتدحرجت وخرجت من الحوض وأنت تشاهد فلا بأس. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 19 جواز كتمان العلم لدفع الضرر السؤال بالنسبة للوعيد من كتمان العلم الشرعي هل يندرج فيه كتمان العلم الدنيوي أيضاً، مع العلم أن البوح ببعض العلم الدنيوي ربما يجر إلى مضرة؟ الشيخ: ما فهمت؟! السائل: هناك وعيد لمن كتم العلم. الشيخ: كتمان العلم. السائل: كتمان العلم الشرعي؟ الشيخ: نعم. السائل: هل يندرج في ذلك العلم الدنيوي، مع العلم أن البوح ببعض العلم الدنيوي ربما يجر إلى مضرة؟ الشيخ: كتمان العلم الدنيوي لا يحرم على الإنسان أن يكتمه، كما لو تعلم الكمبيوتر أو شيئاً من الحساب أو من الهندسة فله أن يكتمه، لكننا نرى أنه من أبخل الناس أن يمنع من تعليم هذه الأشياء، ماذا يمنعه إذا علم؟ السائل: قد يجر مضرة -يا شيخ- خاصةً إذا كان في مجال الدوائر قد يكون بعض الأشياء الموجودة التي يستخدمها عامة الناس وهو يعلم أن فيها ضرراً قد تجره إلى المضرة؟ الشيخ: إذاً إذا كان يخشى من الضرر يكتم كل شيء حتى العلم الشرعي، إذا كان يخشى من ضرر، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قال لـ معاذ: (ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ وأخبره، قال له معاذ: أفلا أبشر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا) كل شيء يحصل منه ضرر يمنع ولا ينشر، لكن يختص العلم الشرعي بأنه كل من سئل عن علمٍ، فكتمه -وهو علم شرعي- فإنه يلجم يوم القيامة بلجام من نار -نسأل الله العافية- إلا إذا كتمه لمصلحة فلا بأس. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 20 وجوب طواف الوداع السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم ترك طواف الوداع بحجة أن هناك زحاماً شديداً؟ الجواب لا يجوز، يجب أن يطوف للوداع ولو محمولاً، ولهذا لما قالت أم سلمة للرسول صلى الله عليه وسلم في طواف الوداع أنها مريضة، قال: (طوفي من وراء الناس وأنتِ راكبة) ولم يعذرها، فطواف الوداع واجب، لكنه ليس له علاقة بالحج بمعنى: لو أن الإنسان تركه فحجه تام، إلا أنه آثم إذا تعمد وعليه عند أهل العلم فدية تذبح في مكة وتوزع على الفقراء. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 21 حكم سجود السهو للمأموم الذي فاتته بعض الركعات السؤال لو دخل مأموم في الصلاة وقد فاتته بعض الركعات وسها الإمام في صلاته، ثم سجد الإمام لسجود السهو بعد السلام، ولكن هذا المأموم مباشرة بعد السلام قام لقضاء الفوائت؟ الشيخ: طيب على كل حال نقول: إذا دخل المسبوق مع الإمام وعلى الإمام سهو، إن سجد الإمام قبل السلام فهو بالضرورة سيتابع، إن سجد بعد السلام فإنه لا يتابعه يقوم ليقضي ما فاته، فإذا انتهى من صلاته فإن كان قد أدرك الإمام في سهو وجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن كان الإمام قد سهى قبل أن يدخل معه هذا المسبوق فلا سجود عليه. مثال ذلك: ركع الإمام في الركعة الأولى مرتين سهواً، فقد زاد في الصلاة ركوعاً، هذا المأموم المسبوق دخل معه في الركعة الثانية فلما سلم الإمام سجد بعد السلام؛ لأنه زاد والزيادة سجودها بعد السلام، المسبوق الآن باقي عليه ركعة، نقول للمسبوق: قم وائت بالركعة ولا تسجد للسهو؛ لأنه لم يدرك سهو الإمام حيث دخل معه من بعد. مثالٌ آخر: دخل مأموم مع الإمام في الركعة الثانية فسها الإمام وركع ركوعين، ثم سجد بعد السلام، المسبوق هنا يقوم إذا سلم الإمام من الصلاة ويأتي بالركعة ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام؛ لأنه أدرك سهو الإمام. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 22 الضابط للقنوت في الصلوات السؤال ما هو الضابط في القنوت في صلاة الفجر وما سواها من الصلوات؟ الشيخ: ماذا تريد من الضابط؟ السائل: يعني: بعض الأئمة الآن يدعون في صلاتهم، يقنتون في صلاة الفجر وما سواها من صلوات في النوازل وما يحل بالأمة الآن. الشيخ: هذه المسألة موكولة للإمام (رئيس الدولة) في بلادنا ترجع إلى الملك، فإذا أمر بالقنوت قنتنا، وإن لم يأمر لا نقنت، على أن بعض العلماء رحمهم الله يقول: إن القنوت في النوازل لا تكون إلا للإمام فقط، الملك فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت للنوازل ما كانت المساجد الأخرى تقنت، والمسئول عن الأمة الإسلامية عموماً هو الملك، فإذا لم يأمر بقنوت فلا نقنت، لكننا ندعو لإخواننا في السجود، بعد التشهد، بين الأذان والإقامة، في آخر الليل، أما أن نستبد برأينا ونقنت فهذا غلط؛ لأن هذا يوكل إلى ولي الأمر، ولهذا عبارة الفقهاء يقولون: ولا يقنت في الفرائض إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فيقنت الإمام الأعظم في الفرائض. كل الصلوات الخمس، لكن قول الإمام الأعظم، يعني: قائد الدولة. فالذي نرى: ألا يقنت أحد إلا بأمره، والحمد لله الدعاء لا يستجاب إلا في القنوت؟! يستجاب في كل وقت. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 23 كيفية التعامل الشرعي مع الشيعة السؤال سماحة الشيخ! نحن طلاب في جامعة الملك سعود، وهناك أعداد كبيرة من الرافضة في هذه الجامعة، ما الضابط الشرعي للتعامل معهم؟ الجواب عاملهم بما يعاملونك به، وادعهم إلى الحق، كل صاحب بدعة عامله بما يعاملك به وادعه إلى الحق، فكثيرٌ من أتباع أئمة أهل البدع لا يعلمون أنهم على بدعة، يحسنون الظن بمتبوعيهم ولا يدرون، لو ناقشتهم بهدوءٍ وبينت لهم الحق رجعوا، فيجب أن نفرق بين الداعية إلى البدعة وبين المقلد العامي الذي لا يعرف، وعلى كلٍ فإننا نعاملهم على ما يعاملونا به، لكننا ندعوهم إلى الحق ونبين لهم الضلال الذي هم عليه من البدع، ولعل الله أن يهديهم. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 24 المحافظة على الطعام المتبقي في الإناء السؤال بعض الناس عندما ينشرون الطعام يضعون عليه العسيب والسعف ويضعون عنده تمراً، يقولون: حتى لا يأتيه شيء، فما الحكم؟ الجواب والله! هذه علمناها قديماً ونحن صغار يقولون: إن الوزغ -وهو الذي يخاف منه- يهرب من الخوص ومن التمر ولهذا يضرب به المثل، إذا كان الشخص مثلاً يحصل عليه حوادث ولا يأتيه شيء يقولون: هذه تمرة ما يقدر عليها اللحوس، لكن هذا شيء لا أدري هل هو صحيح أم لا؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يوضع على الإناء ستر ولو عودة، فلذلك ينبغي مثلاً إذا فضل في الإناء طعام أو تمر، أو غيره مما يؤكل، أن يضع الإنسان عليه شيئاً ولو عودة هكذا جاءت السنة. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 25 مشروعية رد السلام على المبتدعة وأهل الكتاب السؤال بالنسبة يا شيخ! للرافضة أنت قلت: تعاملهم بما يعاملونك به، هل إذا قالوا: السلام عليكم نرد عليهم بالسلام، هل نبتسم في وجوههم؟ الجواب إذا قال: السلام عليك، وابتسم في وجهك فقل: عليك السلام، وابتسم في وجهه؛ لأن الله في القرآن يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ولم يقل: إذا حياكم فلان أو فلان، حييتم أي: إنسان يحيينا بتحية نحييه بمثلها أو أحسن، ولذلك مثلاً: لو سلم عليك اليهودي أو النصراني قال: السلام عليك يا فلان! ماذا تقول؟ قل: عليك السلام يا فلان! مثلما قال تماماً، هذا أقل واجب، والإسلام كما تعلمون دين العدل يعطي كل إنسانٍ ما يستحق بلا جور. أما إذا سلم عليك اليهودي الذي يعرف اللغة العربية وأدغم اللام فلا تدري أقال: السام عليك، أو السلام، فقل له: وعليك، فقط لا تقل: وعليك السام. لاحتمال أن يكون قال: السلام، ولا تقل: السلام، لاحتمال أن يكون قال: السام، لكن قل: وعليك، إن كان قال: السلام، فعليه السلام، وإن كان قال: السام، فعليه السام. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 26 أقوال العلماء في المجاز السؤال فضيلة الشيخ! ما هو موقف أهل السنة والجماعة من المجاز وجزاكم الله خيراً؟ الشيخ: المجاز ماذا تعني به؟ السائل: الذي هو عند أهل البلاغة وهو نفي في الحقيقة. الشيخ: إذا كان هذا المجاز يستلزم إنكار ما وصف الله به نفسه أو تحريف النصوص عن معناها فهذا باطل بلا شك، كالذين قالوا: إن قول الله تبارك وتعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] أي: على مرأىً مني بدون أن نثبت العين، وأن ذكر العين مجاز عن الرؤية فهذا باطل ولا يمكن إقراره، أو قالوا: استوى على العرش، أي: استولى عليه، كناية عن الاستيلاء عليه، فهذا لا يمكن إقراره. أما إذا قالوا: مجاز، ولكنهم ما حرفوا الكلم عن مواضعه فلا بأس، على أن القول الراجح: أنه لا مجاز في اللغة إطلاقاً، لا في اللغة ولا في القرآن، والعلماء اختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا مجاز في اللغة العربية. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. القول الثاني: أن المجاز ثابت في القرآن وفي اللغة العربية، وهذا قول أكثر البلاغيين والمتكلمين. والقول الثالث: المجاز في اللغة العربية دون القرآن، وهذا قول اختاره جماعة منهم: الشنقيطي محمد الأمين صاحب أضواء البيان. والصحيح: أنه لا مجاز أصلاً، لأنك مثلاً إذا قلت: رأيت أسداً يدخل سيفه، هل يمكن لأي إنسان أن يتبادر لأي إنسان أنه الأسد الحيوان المعروف؟! لا، إذاً لهذه القرينة صارت هذه الجملة حقيقة في معناها، وتكون هذه الحقيقة حقيقة في معناها. فلذلك المجاز لابد فيه من علاقة، ولابد فيه من قرينة، هذه القرينة تجعل هذا الذي كان موضوعاً لمعنىً سابق تجعله لا يحتمل هذا المعنى السابق، وحينئذٍ يكون حقيقة في سياقه، وهذا وجه ظاهرٌ لمن تأمله. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 201 ¦ الصفحة: 27 لقاء الباب المفتوح [202] احتوت آيات سورة الواقعة على أمور، منها: عظم أجر المؤمنين السابقين، بالإضافة إلى أن الأعمال سبب لدخول الجنة وليست ثمناً لها، وأيضاً عن صفة سماع أهل الجنة وكلامهم، وأنهم لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، ثم من خلال تفسيره ذكر صوراً من نعيم أهل الجنة والأشجار والثمار الموجودة فيها، واستنتج ضرورة الإيمان بالأمور الغيبية، ثم بعد ذلك تطرق الشيخ للإجابة على أسئلة شرعية مهمة. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني بعد المائتين من اللقاء المعروف بـ (لقاء الباب المفتوح) الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر المحرم عام (1420هـ) ، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات وما شابهها مفيدة للجميع. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون) نبدأ هذا اللقاء بما اعتدناه من الكلام على بعض آيات الكتاب الحكيم، وقد انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى في ذكر ثواب السابقين إلى الخيرات في الدنيا، السابقين إلى ثواب الله يوم القيامة، وما أعد الله لهم في جنات النعيم، قال الله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22-23] (حور) : أي بيض، (عين) أي: حسان الأعين؛ لأن (عين) جمع عيناء، وهي ذات العين الواسعة الجميلة {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] (المكنون) أي: مغطى حتى لا تفسده الشمس ولا الهواء ولا الغبار، فيكون صافياً من أحسن اللؤلؤ. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (جزاء بما كانوا يعملون) قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: يجزون بهذا الثواب الجزيل، (جزاءً بما كانوا يعملون) أي: بعملهم أو بالذي كانوا يعملونه، فـ (ما) هنا يصح أن تكون مصدرية ويصح أن تكون اسماً موصولاً، والباء هنا للسببية، والباء في اللغة العربية هي حرف جر معروف، لها معانٍ كثيرة حسب السياق، فمثلاً إذا قلت: بعت عليك ثوباً بدينار، فالباء هنا للعوض، أي: هذا عوض هذا، فيكون الثمن مكافئاً للمثمن ولا فرق بينهما، وتأتي الباء للسببية كما في قوله تعالى: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:57] فقوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي: بسببه، الباء هنا للسببية، والباقي قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] هل هي للعوض أم للسببية؟ أولاً: ما الفرق بينهما؟ العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) . إذاً الباء في قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية. العوض أي: أن الشيئين متكافئان، فالباء للسببية، ولا تصلح أن تكون للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله -أي: بعوض- قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) . إذاً الباء في قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] أي: بسبب عملهم، وليس بمعنى أنه عوض؛ لأن الله لو أراد أن يعوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا، أليس كذلك؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] لكن إن نعد أعمالنا أحصيناها، ولذلك استشكل بعض العلماء كيف يقول الله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:24] والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) أجابوا عن ذلك بأن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً) قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:25-26] (لا يسمعون) أي: أهل الجنة، لا يسمعون (فيها لغواً) أي: كلاماً لا فائدة منه، (ولا تأثيماً) أي: كلاماً يأثم به الإنسان، فالكلام القبيح لا يوجد، والكلام الذي لا خير فيه لا يوجد {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] قوله: {إِلَّا قِيلاً} هذا يسميه النحويون استثناءً منقطعاً، والاستثناء المنقطع: هو الذي يكون فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه، فقوله: {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] هل هي من اللغو؟ لا، هل هي من التأثيم؟ لا، إذاً الاستثناء هنا منقطع، وعلامة الاستثناء المنقطع أن تجعل بدل (إلا) (لكن) فيستقيم الكلام، فهنا لو قيل في غير القرآن: لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، لكن قيلاً، لاستقام الكلام، إذاً (إلا) هنا للاستثناء المنقطع، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ومثل ذلك قوله تبارك تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} [الغاشية:21-24] قوله: (إلا) هنا الاستثناء منقطع، لأن ما بعد (إلا) ليس من جنس ما قبلها، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس بمسيطر، لا على الكافرين ولا غيرهم، فتكون (إلا) هنا بمعنى (لكن) ولهذا جاءت الفاء، (فيعذبه) وعليه لو أن أحداً وقف وقال: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] فالوقف صحيح، لأن (إلا) هنا منقطعة ليست متصلة بما قبلها، {إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26] أي: إلا قولاً فيه السلام وإدخال السرور والفرح بين أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) ثم قال عز وجل: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27] هذه الطبقة الثانية، الطبقة الأولى ما وصفهم؟ {السَّابِقُونَ} [الواقعة:10] ، والطبقة الثانية {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27] دونهم. {مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} استفهام تعجب وتفخيم، يعني: أي قوم هؤلاء؟ {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:27-34] . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (في سدر مخضود) قال تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:28] (السدر) هو: شجر معروف بارد، ظله منشط، لكن لا تظن أن السدر الذي في الجنة كالسدر الذي في الدنيا، الاسم واحد والمعنى مختلف، كما قال الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لَكُنَّا نعلم، لكن الاسم متفق وحقيقة الشيء تختلف، {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:28] أي: أنه ليس فيه شوك. {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] (الطلح) قيل: إنه شجر الموز، والمنضود: معناه الذي ملأ ثمرةً، ولكن مع هذا ليس الذي في الجنة كالذي في الدنيا. {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30] (ظل) أي: لا نهاية له، لأنه لا يوجد شمس في الجنة، بل هي ظل، وصف بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نوراً ولكن لا تُشاهد شمس، فهو (ظل ممدود) أي: ممدود في المساحة ممدود في الزمن، دائماً. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وماء مسكوب) أما قوله: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:31] فالمعنى: أنه ماء مستمر دائماً، كما قال الله عز وجل: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] دائماً، وغير الماء أيضاً هناك أنهار أخرى، من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد في الحديث أن هذه الأنهار تجري بدون أخدود، والأخدود هو الشيء المرتفع، هذه تمنع الماء أن يذهب يميناً وشمالاً، الجنة لا يوجد فيها أخدود، كذلك أيضاً في الدنيا، إذا لم يكن أخدود، لا بد من حفر للماء يمشي مع هذا الحفر، وفي الجنة لا يوجد فيها لا هذا ولا هذا، أنهار تمشي من دون أخدود، سبحان الله العظيم، قال ابن القيم رحمه الله في النونية: أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان الله أكبر! سبحانه، لا تحتاج إلى تعب لا إقامة أخدود ولا حفر خنادق، إذا قال قائل: هل هذا ممكن؟ نقول: لا تتحدث فتقول: هل هذا ممكن؟ صدِّق، أخبار الغيب ليس فيها ممكن وغير ممكن، صدِّق ولا تتحدث، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟ الجواب بلى، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق، كيف يكون عالي وينزل؟ ما هو الواجب؟ الواجب التصديق ولا نقول: كيف ولم، هذا شيء فوق مستوى عقولنا. أمور الغيب لا تسأل عنها، ما دام أنها ثبتت في القرآن أو السنة فلا تسأل عنها؛ لأنه لا يمكنك الإحاطة بها، قل: آمنت بالله ورسوله واستمر، هنا نقول: أنهار الجنة تمشي بغير أخدود هل هذا ممكن؟ أمكن أو لم يمكن، ما دام ثبت عن المعصوم وجب علينا التصديق، على أنه في الدنيا ممكن، الآن لو مسحت يدك بدهن وصببت عليها الماء لا تجد أنها تكون زبراً بدون شيء، بدون حائل، بدون حفرة، هذا وهو في الدنيا أما في الآخرة فهو أعظم، أليس الله تعالى يقول في أهل الجنة: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:50-53] قرينه في الدنيا يقول: أنت تصدق إننا بعد ما نكون تراباً وعظاماً أننا نبعث ونجازى تصدق بهذا؟ انظر كيف التلبيس، ما جواب المؤمن؟ هل تصدق أنك بعد أن تموت وتغمس في التراب وتصير عظاماً ورفاتاً أنك تبعث؟ انظر والله، أشد مما أصدق الشمس، هذا القرين السيئ يقول قرينه: أنت تصدق بهذا؟ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] وهو قرينه في الدنيا، لكن هذا منَّ الله عليه بالثبات وثبت وصار من أهل الجنة فقال لأصحابه: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] تعالوا نطلع على قرينه الذي كان يقول له هذا الكلام {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] في قعر الجحيم، وهذا في أعلى عليين في الجنة، قال له يخاطبه: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] أي: لتهلكني، بماذا؟ بقوله: أتصدق بهذا، {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] للعذاب، كما أنت محضر الآن، يخاطب وهذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين، ويطلع عليه فيقول: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} ؟ هل هذا ممكن؟ كلنا نقول: هذا لا يمكن في الدنيا، لكن في الآخرة مصدقون، لكن وجدنا الآن أنه يوجد في الدنيا من صنع الآدمي، هواتف يتخاطب بها القريب والبعيد ويتراءون الصور، من صنع البشر، كيف بصنع الخالق عز وجل؟! أنا أقصد بهذا يا إخوان أن لا تستبعدوا شيئاً مما أخبر الله به ورسوله، ويجب عليكم أن تصدقوا، ولا توردوا على أنفسكم ولا على غيركم كيف يكون هذا، هذا خبر صادق عن الله ورسوله، قل: آمنت بالله واستقم على دين الله. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وفاكهة كثيرة) قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} [الواقعة:32] (الفاكهة) كل طعام أو شراب يتفكه به الإنسان، طعامك وشرابك أحياناً يكون ضرورياً معتاداً لا تتفكه فيه، لكنه شيء ضروري للبقاء، والثاني فاكهة يتفكه بها الإنسان، مثل الفاكهة في الدنيا تفاح، وبرتقال، وموز وأشياء كثيرة، ليس فيها قلة، في أي وقت من الأوقات تجد هذه الفاكهة، بينما في الدنيا الفواكه لها أوقات معينة ثم تنقطع، ولهذا قال: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33] أي: لا تقطع أبداً، في كل الأوقات، ليل ونهار، مع أنه ليس فيها ليل ولا نهار، لكنها دائمة (ولا ممنوعة) أي: لا أحد يمنعك منها، بل قد قال الله تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23] أي: ما يقطفه الإنسان من الثمرة داني، حتى أن الإنسان إذا اشتهى ثمرة فوقه تدلى الغصن حتى يكون بين يديه، الله أكبر! بدون تعب، فاكهة الدنيا مقطوعة، تأتي في وقت دون آخر، ممنوعة أيضاً لا يمكن أن تدخل البستان وتأكل كما شئت، يمنعك صاحب البستان، أما في الآخرة فلا. هنا يقول الله عز وجل: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:32-33] . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (وفرش مرفوعة) قال تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:34] (الفُرش) : ما ينام عليه الإنسان، جمع فراش، (مرفوعة) : عالية، انظر الآن {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة:28-34] ماذا يوجد معك على الفرش؟ الحور. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (إنا أنشاناهن إنشاءً) ولهذا قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:35] بعد ما ذكر الفرش، يعني ينتقل الذهن إلى من يصاحبني في هذا الفراش، قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:35] أي: أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً غريباً عجيباً بديعاً، فسر هذا الإنشاء بقوله: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:36] هؤلاء الزوجات أبكار، مهما أتاها زوجها عادت بكراً، "سبحان الله! {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] نساء الدنيا إذا افتض الزوج بكارة المرأة فلا تعود بكارتها، لكن في الآخرة من حين ما ينتهي منها تعود بكراً. {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:36-37] (العُرب) المتحببات إلى أزواجهن، سبحان الله! هذا كمال المتعة، أن تكون الزوجة تتحبب لزوجها وتتقرب إليه وتغريه في نفسها، بخلاف نساء الدنيا، نساء الدنيا إذا أتاها الزوج يريدها، وإذا بها متكرهة متبذلة تتعبه، قبل أن ينال مراده منها، لكن هن (عُرباً) متحببات للزوج، يفعلن كل ما يوجب محبته لهن (أتراباً) على سن واحدة، لا تختلف أسنانهنَّ ونساء الدنيا واحدة عجوز لها خمسين سنة، والثانية شابة لها خمسة عشر سنة، وما بينهما ثنتين لأن الزوج في الدنيا ما يملك إلا أربعاً، واحدة خمسين سنة والثانية أربعين، والثالثة ثلاثين والرابعة عشرين، السنين مختلفة، وبالطبع إذا اختلفت السنين اختلفت رغبة الزوج، وفي الغالب يرغب في الصغيرة أكثر مما يرغب في الكبيرة، فيبقى متذبذباً لكن في الآخرة أتراب، لا تختلف أسنانهنَّ على سن واحدة، ثم قال عز وجل: {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:38] أي: ذلك المذكور من النعيم النفسي والبدني لأصحاب اليمين، اللهم اجعلنا من السابقين الأولين يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 202 ¦ الصفحة: 12 حكم تأخير الصلاة على الميت السؤال حينما يموت الإنسان -مثلاً- بعد المغرب أو قبل المغرب ولم يتمكنوا من الصلاة عليه في العشاء، فإنه يحدث من ذلك تأخير الصلاة عليه، ثم جعلوا هذا عادة لأن وسائل الحفظ موجودة والثلاجات والمواصلات متوفرة وننتظر الناس يجتمعون، بعضهم يؤخرها إلى عصر الغد، وبعضهم يقول: يصعب أن أصلي الفجر، هل ترى أن تؤدى الصلاة مثلاً ولو بعد العشاء أو كذا؟ الجواب إنني أسأل هؤلاء البسطاء لو أن أحداً جنى على ميتهم أيمكنونه من هذا؟ لا يمكنونه، تأخير الميت جناية على الميت؛ لأنه معصية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (أسرعوا بالجنازة) والعلماء قالوا: يسرع في تجهيزه إلا أن يموت فجأة ويشك في موته فينتظر حتى يتيقن، وإلا فيسرع في تجهيزه، فتأخير ذلك معصية للرسول عليه الصلاة والسلام، هذه من جهة. ومن جهة أخرى: جناية على الميت، الميت إذا كان صالحاً ماذا تقول نفسه: (قدموني قدموني) لأنه شاهد عند الموت النعيم الذي سيئول إليه وبشر بالجنة، كيف تأخره؟ أرأيت لو كان هناك مائدة من أحسن الموائد بينك وبينها خمسمائة متر، ويوجد شخص مشتاق لها من أقاربك، وحجزته عنها وقلت له: انتظر، أتكون ضغطت عليه أم لا؟ ضغطت عليه لا شك في ذلك ومنعته ما هو أسر له، فيكون في هذا جناية على الميت ومعصية للرسول عليه الصلاة والسلام، ومخالفة لهدي السلف الصالح، فـ السلف الصالح يسرعون بالجنازة حتى في السير بها إلى المقبرة، يسرعون إسراعاً عظيماً حتى تكاد نعالهم تتقطع من الإسراع، فلماذا نؤخر الميت المسكين، وهو قد بشر عند قبض روحه بروح وريحان ورب غير غضبان، لماذا نهينه؟ قالوا: من أجل أن يأتي أخوة من لندن من أمريكا من كذا من كذا!! نقول: الحمد لله، إذا جاء يصلي على قبره، الباب مفتوح ودعوا الميت يتنعم بالنعيم مبكراً. فأقول: إن هذا معصية للرسول عليه الصلاة والسلام، وجناية على الميت وغلط عظيم وسفه، وما الفائدة من أن يقيم بين أظهرهم، وفي حديث لكنه ضعيف (لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) وكلمة (لا ينبغي) معناها المنع، وهذا محبوس من أجل أن يحضر أخوه أو ابن عمه أو أبوه أو ابنه، هل هذا حفل عرس حتى ينتظر قدوم الغائب، فهذا أكبر غلط وما علمناه إلا متأخراً، كان الناس في الأول يموت الإنسان قبل الصلاة بساعة واحدة ويؤتى بالغاسل والكفن ويجهز في نصف ساعة أو ساعة إلا ربع وجيء به إلى المسجد، يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر دفنه، مات يوم الإثنين ودفن ليلة الأربعاء، بقي الثلاثاء كاملاً وبقية يوم الإثنين، نقول: نعم هذا صحيح، لكن الصحابة أخروا دفنه، لسبب لا يوجد في غيره وهو أنهم قالوا: لا يمكن أن يدفن الإمام وهو ولي الأمر قبل أن يخلفه خليفة، ولو دفن قبل أن يخلف خليفة لكان نزاع وشقاق، لكن إبقاؤه حتى يقوم الخليفة بعده متعين، وأنتم تعلمون المسألة ليست هينة، في موت الرسول عليه الصلاة والسلام، اجتمع المهاجرون والأنصار في السقيفة، وحصل ما حصل حتى استقر الأمر والحمد لله بالإجماع على أن أبا بكر هو الخليفة، فتأخير دفن الرسول عليه الصلاة والسلام لحاجة ضرورية، ولا يقاس عليه غيره. نعم، لو فرض أن التأخير يسير ساعات قلائل من أجل كثرة الجمع، كما لو فرض أن الناس في صلاة الظهر لا يكثرون لأن كل واحدٍ في وظيفته، وفي صلاة العصر يكثرون هذه ربما يتسامح فيها، أما أن يبقى يوماً أو يومين أو ثلاثة فهذا غلط. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 13 حكم نقل الجنازة من مدينة إلى مدينة أخرى السؤال ما حكم نقل الجنازة مثلاً من مدينة إلى مدينة لكي يكثر الصلاة عليها؟ الجواب هذه بدعة ومكروه، إلا لغرض صحيح فيصح، أما لمجرد أن تكون البقعة أفضل أو ما أشبه ذلك، فلا، وكذلك لأجل أن يصلي عليه أهل المدينة الثانية فلا، وأقول: يا إخوان! الإنسان لا ينفعه إلا عمله، الذي ليس عنده عمل لو صلى عليه آلاف الناس لا ينفعونه إلا بمقدار ما ينفعون في الصلاة على غيره. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 14 حكم تأخير السنة الراتبة السؤال تأخير السنة الراتبة لو أن شخصاً بعد صلاة العشاء قال: سوف أصليها في البيت ثم تأخر ساعة أو ساعتين. ؟ الجواب السنة الراتبة التي قبل الصلاة لا يمكن أن تأخرها، والتي بعد الصلاة لك أن تؤخرها إلى آخر الوقت، وقت العشاء كما نعلم جميعاً ينتهي منتصف الليل، فلك أن تأخر راتبة العشاء إلى ما قبل منتصف الليل، والأفضل في جميع الرواتب أن تكون في البيت، بل كل النوافل الأفضل أن تكون في البيت كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 15 تقسيم الميراث بين الأبناء قبل الموت السؤال الإنسان إذا أراد أن يقسم الميراث بين أبنائه قبل أن يموت، فما الحكم؟ الجواب يقول العلماء: لا بأس للمريض أن يوزع تركته على ورثته على حسب الميراث، لكن هذا غلط وليس بصحيح. أولاً: لأنه تعجل شيئاً لم يكن، والله عز وجل يقول في الميراث: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:12] والإنسان ما دام حياً فلم يترك شيئاً. ثانياً: أنه ربما يموت بعض ورثته قبله، قد يكون هذا مريضاً مدنفاً قد قرب أجله، وله ورثة ثم هؤلاء الورثة يصابون بحادث بين عشية وضحاها، فينقلب الوارث موروثاً. ثالثاً: أنه إذا قسمه بينهم فربما يوفق أحدهم فيما أخذه فيتجر به ويزداد وينمو ويكون عند الموت ما بيده أكثر ما بيد الورثة الآخرين فيوقع هذا في قلوبهم شيئاً، وإن كان هذا ليس له أثر، ولا ينبغي أن يوقع لكن لا بد أن يوقع، فلذلك نرى أن نبقي الأمر كما أبقاه الله عز وجل، أن الميراث لا يكون مقسوماً إلا بعد الموت. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 16 حكم لُعب الأطفال السؤال بالنسبة للعبة الأطفال التي تسمى العروسة، سمعنا أنك أفتيت فيها بالجواز؟ الجواب إي نعم، لعب الأطفال أنا لا أشدد فيها، أولاً: لأن حديث عائشة (أنها كانت تلعب بالبنات) صحيح ثابت في البخاري وغيره، في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لا نعلم أن الصناعة وصلت إلى هذا الحد المعروف الآن. فنقول: ما دام المعنى الذي من أجله أبيح للبنات اللعب هو موجود الآن حتى في هذه الصور، ولذلك تجد الصبية إذا صار لها بنت من هذه الصور تعتني بها اعتناءً كاملاً، تلبسه الثياب، وتغسله، وتضعه أمام المكيف وتقول له: يا حلالي ويا حبيبتي وما أشبه ذلك، فالحكمة من ذلك اعتياد البنت على تربية أبنائها، فما دامت هذه العلة فهي موجودة، لكن مع ذلك لا نحبذ هذا الشيء ونقول: من الممكن تأتي بالصورة هذه وتقلع وجهها بالسكين وتجعلها شيئاً آخر، وتكون كأنها بنت متغللة عليها غلال واحد. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 17 فضل حافظ القرآن السؤال جاء في الحديث أنه يقال لقارئ القرآن: (اقرأ وارتقِ فإن آخر منزلة لك عند آخر آية تقرأها من كتاب الله) فهل هذا يشمل من يحفظ القرآن ومن لم يحفظه ولكنه يقرأه باستمرار؟ الجواب حديث (اقرأ ورتل كما كنت ترتل) يشمل القراءة عن ظهر قلب أو في المصحف، لكن الثواب المجزوم به هو الذي يقرأه عن ظهر قلب. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 18 حكم التهنئة بحلول العام الجديد السؤال هل يجوز التهنئة بحلول العام الجديد؟ الشيخ: التهنئة بحلول العام الجديد ليس لها أصل من عمل السلف الصالح، فلا تبتدئها أنت، ولكن إن هنَّاك أحد فرد عليه، لأن هذا أصبح معتاداً في أوساط الناس، وإن كان هذا بدأ يَقِل الآن، لما حصل ولله الحمد عند الناس علم، وكانوا من قبل يتبادلون الرسائل. السائل: ما هي الصيغة التي يتبادلها الناس؟ الشيخ: أن يهنئوك ببلوغ العام الجديد، ونسأل الله أن يتجاوز عنك ما مضى في العام الماضي، وأن يعينك على ما يستقبل أو كلمة نحوها. السائل: هل يقال: كل عام وأنتم بخير؟ الشيخ: لا، كل عام وأنتم بخير لا تقال لا في عيد الأضحى ولا الفطر ولا بهذا. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 19 من اختير ليحج عن غيره هل له أن يوكل غيره السؤال رجل توفي والده وهو صغير ولا يعلم هل أدى والده حج الفريضة أم لا، فطلب من أحد أبنائه أن يحج عنه، وابنه هذا له ابن أو أبناء -يصير الحفيد- يعني: الوالد طلب من أحد أبنائه أن يحج عن والده ولا يعلم هل حج الفريضة أم لا، وهذا الولد كلف أحد أولاده ولداً بالغاً عاقلاً قد حج الفريضة، فهل ينويها فريضة أو ينويها حجاً؟ الجواب يعني أنها تنفيذاً لوصية والده، ولكن اعلم أن الإنسان إذا حج عن شخص نافلة نواها نافلة وإذا كان لم يحج الفريضة صارت فريضة، حتى إذا لم ينوها، لأن من خصائص الحج أن الإنسان إذا لم يؤد الفريضة فما حجه فهو الفريضة حتى ولو حج عن غيره، إن شاء الله لا بأس بذلك ما دام الإنسان يعلم أن قصد والده أن يحج عنه فقط، أما إذا كان يعلم أن والده يقصده هو بنفسه؛ لأنه طالب علم وفاهم فلا يوصِ بها أحداً. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 20 معنى الشهادة في سبيل الله السؤال من هو الشهيد في سبيل الله؟ الجواب الشيخ: أولاً: هل تعرف معنى في سبيل الله؟ السائل: الدفاع عن العرض. الشيخ: لا، الدفاع عن العرض لا شك أنه شهادة ولكنه ليس شهادة في سبيل الله، بمعنى لو أن إنساناً أراد أهلك مثلا يفعل بهم الفاحشة فلك أن تدافع حتى تموت إذا قتلت فأنت شهيد، لكنه ليس شهادة في سبيل الله، الشهادة في سبيل الله هو: أن يقتل الإنسان وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا الميزان، إذا قتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد، لكن هل أشهد على هذا الرجل بعينه أنه شهيد؟ لا يجوز، فلا تغتر بكلام الناس، كل مقتول حتى ولو قتل من أجل القومية والعروبة وما أشبه ذلك قالوا: شهيد؛ هذا ليس بصحيح، اسمع كلام البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب لا يقال فلان شهيد، إلا على من ثبت أنهم شهداء مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام لما صعد الجبل في أحد اهتز الجبل فقال: (اسكن أو اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والصديق أبو بكر، والشهيدان عمر وعثمان رضي الله عنهم. إذاً نشهد أن عثمان شهيد وعمر شهيد وعلياً شهيد، لكن من قتل مجاهداً لا نقول: إنه شهيد. ثم استدل البخاري رحمه الله بحديث، قد يخفى على كثير من الناس، لكن البخاري عنده استنباطات عجيبة للأحاديث، حتى أنه يأتي بترجمة، ثم يأتي بحديث فتظن أنه بعيد من الترجمة، لكن فهمه دقيق رحمه الله، أتى بحديث (ما من مكلوم يكلم في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة يجيء وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) أخذ من قوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) أنه لا يجوز أن نقول: فلان شهيد؛ لأن هذا علمه عند الله، وذكر صاحب فتح الباري أثراً عن عمر رضي الله عنه أنه خطب وقال: [أيها الناس! إنكم تقولون: فلان شهيد، فلان شهيد ولعله أن يكون فعل كذا أو كذا ولكن قولوا: من قتل في سبيل الله أو مات فهو شهيد] . إذاً لا نقول لشخص معين: إنه شهيد حتى لو كان قتل في صفوف المسلمين وهو يقاتل الكفار، والله أعلم. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 21 جزاء الشهيد في الآخرة السؤال ما هو جزاء الشهيد في الآخرة؟ الجواب أما جزاؤه قال الله عز وجل: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] وقال عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:169-170] وقال عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 22 سؤال الله والاستعاذة منه عند مرور آيات الوعد والوعيد السؤال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية وعد سأل الله تعالى، أو آية وعيد استعاذ، فمثل هذه الآيات التي تقدمت في أول الدرس، ذكر الله سبحانه وتعالى السابقين وذكر أصحاب اليمين فهل من السنة السؤال في الاثنين أو أنه يقتصر؟ الشيخ: يسأل الأعلى. السائل: ويسكت. الشيخ: أنت تقصد في الصلاة أم خارج الصلاة. السائل: صلاة وفي غيرها. الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم ما أثر عنه ذلك إلا وهو في صلاة الليل فقط، هكذا أثر عنه، ولهذا نقول: يسن للإنسان في صلاة الليل إذا مر بآية وعيد تعوذ وبآية رحمة سأل، وبآية تسبيح سبح، وفي غيرها لا نقول: يسن، ولكن إن فعله فلا بأس، في الفريضة مثلاً لا نقول: افعل؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفريضة ما ذكروا أنه يفعل هذا، فلذلك الإنسان يتوقف في الفريضة أن يقول هذا، ونرجو أن لا يكون فيه بأس إن شاء الله، لكن لا نندب له أن يقول. السائل: وفي غير الصلاة؟ الشيخ: ما ورد فيها لكن لا بأس ولا يوجد مانع. السائل: ويسأل في الأولى أم يسأل في الثانية؟ الشيخ: يسأل في الأعلى ليس فيه إشكال، أيهما أحب لنا: أن نكون من السابقين أم من أصحاب اليمين؟ السائل: من السابقين لا شك. الشيخ: لكن نسيء الظن بأنفسنا، قل: عسى أن نكون من أصحاب اليمين وعسى أن نسلم من العذاب. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 23 موضع تكبيرة الانتقال بين الأركان السؤال بالنسبة لتكبيرة الانتقال بين الأركان في الصلاة، هل تكون أثناء الانتقال أم قبله أم بعده؟ الجواب تكون أثناءه، وبعض العلماء يشدد ويقول: إن بدأ قبل أن ينتقل أي: قبل أن يتحرك من الانتقال لم تصح، وإن كملها بعد أن وصل لا تصح، لا بد أن تكون بينهما، لكننا نرى أن في هذا تشديداً، وأنه لا يمكن العمل به، إنما الأفضل ألا ينطق بها حتى يتحرك، وأن ينهيها إذا وصل، من حين وصل يكون قد أنهاها، وأنه لو بدأ بها قبل وكملها في أثناء الحركة فلا بأس، أو بدأها في أثناء الحركة وكملها بعد الوصول لا بأس، أما إذا لم يكبر إلا إذا وصل فلا ينفع، أن يكبر قبل أن يتحرك، ولهذا لو نسي أن يقول: الله أكبر! حتى سجد لا يكبر فيسجد للسهو لأنه ترك التكبير. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 24 حكم تشريح الحشرات السؤال بعض الكليات العلمية خاصة بكلية الأحياء تقوم بتشريح الحشرات وذلك بهدف تعلم الاستكشاف، لكن طريقة التشريح تكون بأخذ الحشرة ووضعها في قارورة أو زجاجة وتكون تحت درجة برودة عالية وهي حية حتى تموت ثم تبدأ بالتشريح، فما حكم هذا الفعل؟ الجواب لا بأس به؛ لأنه لا يمكن الوصول إلا المعلومة إلى بهذا، والله عز وجل يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:29] ولهذا لو شردت الناقة مثلاً، ولحقها القوم ثم رموها رمياً، فأصابوها حتى سقطت وماتت تحل، مع أن هذا ليس هو النحر المعروف. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 25 حكم أخذ الأجرة على طرق الفحل للبعير أو غيره من الحيوانات السؤال هناك رجل لديه فحل من الإبل، ويأتي إليه الناس لكي يضرب النوق التي عندهم ويأخذ الأجرة على هذا فما الحكم؟ الجواب الحكم أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع عسب الفحل) أي: طرقه البعير، وعجباً من هذا الرجل كيف يحسد إخوانه شيئاً لا يضر جمله، بل ينفع الجمل؛ لأن الجمل كما يتلذذ الإنسان بهذا هو يتلذذ أيضاً، فليعط الجمل حريته، ولذلك من أخطر ما يكون أن تصد الجمل عن الناقة إذا أرادها، فإنه سيطوي لك وبعد حين يقضي عليك، المهم أن عسب الجمل أو التيس أو الخروف أو الثور كله لا يجوز له، إما أن تمنحه مجاناً، وإما أن تمنعه إذا كان يضر الفحل. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 26 حكم من استلف مالاً من البنك وأبقاها عندهم يتاجرون بها السؤال الآن المعاملات في البنوك مثلاً آتي للبنك ويسلفني البنك خمسين ألفاً مثلاً وتبقى عندهم يساهمون بها ويكون بيني وبينهم اتفاق وبعد أربعة أشهر أقوم بإرجاع المبلغ فإن كنت كسبت فلي ذلك وإن لم أكسب أوقع من جيبي الخسارة. أيأتمنونك يعني؟ هم الآن يسلفونني خمسين ألفاً وتبقى عندهم مثلاً وهذه بعد أربعة أشهر أقوم بإرجاعها إن كان فيها مكسب لي وإن كان فيها خسارة أدفع من جيبي أنا؟ الجواب لا يجوز هذا، لكن إذا شئت إن كان البنك صادقاً يتعامل بالبيع والشراء أعطيه أنت خمسين ألفاً أو أكثر أو أقل ويتجر بها، ويكون الربح بينكما على ما شرطتما، والخسارة عليك أنت، هذا إذا علمنا أن البنك صادق يبيع ويشتري حقيقة. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 27 حكم الأضحية من الجواميس السؤال يختلف الجاموس عن البقر في كثير من الصفات، كاختلاف المعز عن الضأن، وقد فصل الله في سورة الأنعام بين الضأن والمعز ولم يفصل بين الجاموس والبقر، فهل يدخل ضمن الأزواج الثمانية، فيجوز الأضحية بها أم لا يجوز؟ الجواب إن كان منها فمنها، وإن لم يكن منها فإن الله ذكر المعروف عند العرب، والجاموس ليس بمعروف عند العرب. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 28 حكم من صلى منفرداً خلف الصف الأول السؤال رجل أراد أن يصلي فدخل المسجد فوجد الصف الأول قد اكتمل وصلى في الصف الثاني وحده، هل تصح صلاته أم لا؟ الجواب هذا رجل دخل ليصلي مع الجماعة فوجد الصف مكتملاً فيصلي وحده خلف الصف، يصلي وحده تابعاً للإمام، لقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 29 حكم الاحتفاظ بصور الميت أو بحوائجه السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم الاحتفاظ بصور الميت أو شيء من حوائج الميت كثوبه أو ساعته؟ الجواب الاحتفاظ بصورة الميت لا يجوز، ومن عنده شيء منه فليحرقه الآن؛ لأن تذكر الميت يجدد الأحزان، وكذلك ما يبقى من ثيابه إما أن يستعمل ويلبس حتى يبلى أو يتصدق به، أما أن تبقى ذكرى للميت فهذا أيضاً مما يجدد الحزن، وهو نعي فعلي، نعي الميت يكون إما بالقول وإما بالفعل، وهذا نعي له بالفعل، فلا يجوز إبقاء صورة الميت، ولا يجوز أيضاً إبقاء ثيابه لتذكره. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 30 حكم التقدم للإمامة قبل الإمام الراتب السؤال إذا تأخر إمام المسجد وتقدم شخص من جماعة المسجد ثم رأى الإمام الراتب بعد أن كبر تكبيرة الإحرام فهل له أن ينصرف يرجع ويقدم الإمام الراتب أم لا؟ الجواب أولاً: لا يجوز لأحد أن يتقدم قبل الإمام الراتب إلا إذا كان قد قال لهم: إذا مضى ثلث ساعة أو ربع ساعة أو نصف ساعة كما يقرر فأقم الصلاة، وبعض الناس -والعياذ بالله- يتهاون، إذا تأخر الإمام دقيقتين أو ثلاثاً قالوا له: أقم، هذا لا يجوز؛ لأن الإمام في مسجده كالسلطان في رعيته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يأمن الرجل الرجل في سلطانه) فلينتظر، لكن إذا كان قد أذن لهم وقال: إذا مضى ثلث ساعة، فأقيموا الصلاة ومضى ثلث ساعة فأقاموا الصلاة يتقدم أحدهم، ثم إذا حضر الإمام فللإمام أن يتقدم وذاك أن يتأخر في الصف، لأن الإمام هو صاحب السلطة في مسجده. وهل الأفضل أن يتقدم ويتأخر الذي أقام أم أن الأفضل أن يدخل في الجماعة؟ الغالب أن الثاني أحسن وأبعد من العداوة والبغضاء، فأرى أنه إذا جاء وقد تقدم أحد المصلين أن يبقيه على تقدمه ولا يحاول أن يزيحه ويكمل بالناس، سواء في الركعة الأولى أو الأخيرة. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 31 حقيقة الصبر عند الصدمة الأولى السؤال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عن الصدمة الأولى) هل هو عام على كل المصائب؟ الجواب الصبر حقيقة عند الصدمة الأولى؛ لأنه هو الذي يأتي الإنسان ويكون متأثراً، فإذا لم يصبر فليس هناك فائدة، يعني مثلاً: لو أنه حينما أصيب بمصيبة مباشرة قام يشق جيبه ويلطم خده، ثم بعد ذلك فكر وقال: أنا غلطان، فإنه فاته أجر الصابرين، لأن الصبر عند الصدمة الأولى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (مر بامرأة تبكي عند قبر فكلمها فقالت له: إليك عني فإنك لم يصبك ما أصابني) أو كلمة نحوها، ولما انصرف قالوا لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءت تعتذر، فقال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) . الجزء: 202 ¦ الصفحة: 32 عدم صحة أن العدد سبعة يدل على الكثرة السؤال بعض أصحاب منهج الإعجاز العلمي في القرآن يقولون: بأن رقم سبعة له دلالة غير سبعة بل يدل على الكثرة، فمثلاً: يقول رجل في لغة أهل العرب: "سبّع الله أجرك" بمعنى: أكثر الله أجرك، فما صحة هذا القول؟ الجواب هذا ليس بصحيح، الأعداد ذكر لها الثلاثة والخمسة والسبعة، وليس فيها شيء. السائل: يقولون: رقم سبعة إذا لم تكن هناك دلالة على أنه سبع وحدات مثلما جاء في الحج: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] فهذه قرينة تدل على أن هذا الرقم هنا سبع وحدات، أما سبع سماوات أو غيره فمن الأرقام يقولون: إنها من إعجاز علمي أو هكذا. الشيخ: أبداً هذا من غلطهم؛ لأن الله قال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] لئلا يظن الظان أنها لما تفرقت صار كل واحد لا يتصل بالآخر، لأنه يصوم ثلاثة أيام في رجب وثلاثة أيام في ربيع مثلاً متفرقاً، فهنا يقول: ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم ربما لا يرجع إلى بلده إلا بعد شهر أو شهرين، فقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196] لئلا يظن الظان أنها عندما تفرقت لا يضم بعضها إلى بعض. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 202 ¦ الصفحة: 33 لقاء الباب المفتوح [203] قسم الله الخلق يوم القيامة إلى مراتب ثلاث: في القسم الأول يأتي السابقون، ثم أصحاب اليمين وكلا الفريقين من أهل الجنة لكن تختلف درجاتهم فيها، أما القسم الثالث فهم أصحاب الشمال وهم وقود النار وحصبها، وقد كان للشيخ معهم وقفه في بيان حالهم وذكر صفاتهم في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال تفسيره الممتع لآيات سورة الواقعة والتي تناولت ما سبق ذكره. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر محرم عام (1420هـ) . الجزء: 203 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بالكلام على بعض الآيات الكريمة التي وصلنا فيها إلى قول الله تبارك وتعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] هؤلاء هم أصحاب اليمين الذين هم في المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى السابقون، الذين قال الله تعالى فيهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] أي: ثلة من الأولين من هذه الأمة، وقليل من الآخرين، فإن خير هذه الأمة خير قرونها القرن الأول الذي هو قرن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم الثاني ثم الثالث، ثم تتناقص. أما أصحاب اليمين: فقال الله تعالى فيهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] أي جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) ثم ذكر الله القسم الثالث فقال: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} [الواقعة:41] وهم الكفار والمنافقون {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:42-44] هذا الذي هم فيه، سموم أي حرارة شديدة والعياذ بالله، وقد بين الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة كيفيتها، فقال الله تعالى: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:56] وأخبر أنه {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:19-22] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقوله: (حميم) الحميم: هو الماء الحار شديد الحرارة، فهم -والعياذ بالله- محاطون بالحرارة من كل وجه ومن كل جانب، {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:43-44] اليحموم: هو ما يكون بين الضوء الشديد في اللهب وبين الدخان، {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:44] يعني: ليس بارداً يقيهم الحر، ولا كريماً يتنعمون فيه، ويستريحون فيه، نسأل الله العافية لنا ولكم. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) ثم بين حالهم من قبل فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] وذلك في الدنيا، قد أترف الله أبدانهم وهيأ لهم من نعيم البدن ما وصل فيه إلى حد الترف، لكن هذا لم ينفعهم والعياذ بالله ولم ينجهم من النار. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) تفسير قوله تعالى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:46] (يصرون) أي: يستمرون عليه، والحنث العظيم هو الشرك، لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] . الجزء: 203 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا تراباً) وكانوا أيضاً ينكرون البعث: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:47-48] يعني: ينكرون هذا إنكاراً عظيماً، يقولون: أإذا بليت عظامنا وصارت رفاتاً هل نبعث، وأيضاً هل يبعث آباءنا الأولون ولهذا يحتجون يقولون: {ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:25] وهذه حجة باطلة، لأنه لا يقال لهم: إنكم ستبعثون اليوم، وإنما تبعثون يوم القيامة، فكيف تتحدونا وتقولون هاتوا آبائنا، فاليوم الآخر ليس هو الحاضر اليوم حتى يتحدوا ويقولوا هاتوا آبائنا، نقول إن هذا يكون يوم القيامة. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات) قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:49-50] الأولون من المخلوقين، والآخرون كلهم سيبعثون في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لا جبال ولا أشجار ولا كروية بل تمد الأرض مسطحة، يرى أقصاهم كما يرى أدناهم، الآن لما كانت الأرض كروية فإن البعيد لا تراه، لأنه منخفض، لكن إذا كان يوم القيامة سطحت الأرض صارت كالأديم، أي كالجلد الممدود، فيبعث الخلائق كلهم على هذا الصعيد، وقوله: {إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} عند من؟ عند الله عز وجل، لقول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي. } [الأعراف:187] . الجزء: 203 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون) قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ} [الواقعة:51] أي بعد البعث {أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51] الضالون في العمل فهم لا يعملون، المكذبون للخبر فهم لا يصدقون والعياذ بالله، {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] آكلون من شجر، هذا الشجر نوعه من زقوم، كما تقول خاتمٌ من حديد، بابٌ من خشب، جدارٌ من طين، فقوله: {مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} من شجر متعلقة بأكل، من زقوم بيان للشجر، وسمي زقوماً لأن الإنسان -والعياذ بالله- إذا أكله يتزقمه تزقماً لشدة بلعه، لا يبتلعه بسهولة {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة:53] أي أنهم يملئون البطون من هذا الشجر مع أن هذا الشجر مر خبيث الرائحة، كريه المنظر، لكن لشدة جوعهم يأكلونه كما يأكل الجائع المضطر العذرة، وكما يأكل قيئه، فهم يأكلونه على تكره، كما قال الله عز وجل: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:16-17] هم يأكلون من هذا الشجر ويملئون البطون منها، يأتيهم شغف، شغف عظيم جداً على الأكل، حتى يملئوا بطونهم مما يكرهون، وهذا أشد في العذاب نسأل الله العافية، مع ذلك إذا ملئوا بطونهم من هذا اشتدت حاجتهم إلى الشرب، فكيف يشربون قال الله تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ} [الواقعة:54] الحميم: الماء الحار، يشربون من ماءٍ حار بعد أن يستغيثوا مدة طويلة، وقد وصف الله هذا الماء بقوله: {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] وقال عز وجل: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] فتأمل -يا أخي- هذا! إن قربوه من الوجوه يشوِها، وإذا دخلت بطونهم قطع أمعاءهم، ومع ذلك يشربونه بشدة، يقول: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] يعني شرب الإبل الهائمة إلى الماء التي لا يرويها الشيء القليل فيملئون بطونهم والعياذ بالله من الشجر الزقوم ويشربون من الحميم {شُرْبَ الْهِيمِ} أي: شرب الإبل (الهيم) جمع هائمة أو جمع (هيماء) يعني: أنها شديدة العطش، فتملأ بطونها، وبطونها كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (معها سقائها -وهو البطن الذي يمتلئ ماءً- وحذاؤها) أسأل الله أن يجيرني وإياكم من النار {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] أي: هذه ضيافتهم، بخلاف المؤمنين فإن ضيافتهم جنات الفردوس {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:107-108] . الجزء: 203 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) ثم قال عز وجل: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:57] وهذا أمرٌ لا أحداً ينكره، أن خالقنا هو الله، حتى المشركون الذين يشركون مع الله إذا سئلوا من خلقهم؟ قالوا: الله، يعني {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} أول مرة، {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي في إعادتكم ثاني مرة، ولولا هنا بمعنى هلا تصدقون، كان الواجب عليهم وهم يصدقون بأن خالقهم أول مرة هو الله، أن يصدقوا بالخلق الآخر، لأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الآخر من باب أولى، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] وقال عز وجل: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47] إذاً نحن خلقناكم متى؟ اليوم أو ما مضى {فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي: فهلا تصدقون أننا نعيدكم، نخلقكم مرة ثانية، لأن القادر على الخلق أول مرة، قادر على الخلق في المرة الأخرى. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تمنون) ثم ضرب الله تعالى مثلاً بل أمثالاً لما فيه وجودنا وما فيه بقاؤنا وما فيه استمتاعنا، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] أي: أخبروني عن هذا المني الذي يخرج منكم، هل أنتم تخلقونه أم الله؟ الجواب الله عز وجل هو الذي يخلقه، فيخرج من بين الصلب والترائب، هو الذي يخلقه في الرحم خلقاً من بعد خلق، فنحن لا نوجد هذا المني، ولا نطوره في الرحم بل ذلك إلى الله عز وجل {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الجواب: بل أنت يا ربنا! {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ} [الواقعة:60] أي: قضيناه بينكم فكل نفس ذائقة الموت، اللهم اجعلها على الحق والعدل، كل نفس ذائقة الموت ولابد، حتى الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} [الواقعة:60-61] أي: لا أحد يسبقنا فيمنعنا أن نبدل أمثالكم، بل نحن قادرون على ذلك وسوف يبدل الله تعالى أمثالنا، أي: ينشئنا خلقاً آخر، وذلك يوم القيامة، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:61] وذلك يوم القيامة. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 11 تفسير قوله تعالى: (ولقد علمتم النشأة الأولى) قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة:62] علمتم النشأة الأولى وأنكم نشأتم في بطون أمهاتكم وأخرجكم الله عز وجل من العدم {فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة:62] أي: فهلا تتذكرون وتتعظون، وهذا دليل عقلي من الله عز وجل يعرضه على عباده، يقول: إننا بدأناكم أول مرة، وإذا بدأناكم أول مرة فلسنا بمسبوقين على أن نعيدكم ثاني مرة. وإلى هنا نأتي إلى ما أردنا أن نتكلم عليه في التفسير. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 12 الأسئلة الجزء: 203 ¦ الصفحة: 13 حال المؤمن عند وقوع الفتن السائل: ماذا يجب على المؤمن عند وقوع الفتن، هل يعتزل الناس أم يخالطهم؟ الشيخ: إذا حصلت الفتن فالواجب على الإنسان أن يصبر، وأن يحاول كشف هذه الفتن ما استطاع، ولا يجوز له أن يعتزل الناس ما دام قادراً على أن يساهم في إزالة هذه الفتن أو تخفيفها، نعم لو فرضنا أن الرجل لا يستطيع أن يدافع هذه الفتن ويخشى على نفسه، فهنا الأولى أن يعتزل الناس. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 14 حكم افتتاح اللقاءات والاحتفالات بتلاوة القرآن السائل: ما رأيكم بإفتتاح اللقاءات والاحتفالات بتلاوة شيء من آيات كتاب الله الحكيم؟ الشيخ: أرى أن هذه الاحتفالات لا بأس بها، بل هي مشروعة، لكنها مشروعة لغيرها كيف ذلك؟ هذه الاحتفالات تجري فيها فوائد: أولاً: إدخال السرور على التلاميذ الذين حفظوا، فيسرون بهذا. ثانياً: أنه مظهر من مظاهر تعظيم القرآن الكريم، حيث جمع الناس له من أجل أن يحتفل به. ثالثاً: أنه يحصل به التلاقي بين الإخوة من كل جهة والتعارف. رابعاً: أنه لا يخلو من إرشادات وتوجيهات وبيان لفضل القرآن وحفظه وغير هذا، فهي مقصودة لغيرها في الواقع وفيها خير، فلا نرى بها بأساً، إن لم نقل إنها مطلوبة لما فيها من هذه الفوائد التي ذكرناها. السائل: يا شيخ! ما حكم إفتتاح اللقاء بتلاوة كتاب الله؟ الشيخ: هذا لا أعلم له أصلاً، أنه يفتتح بشيء من القرآن، لكن جرت العادة به، والأحسن ألا يفعل، وأن يفتتح بالحمد والثناء على الله عز وجل وما تيسر من مقال. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 15 حكم كتابة الأسماء المضافة إلى الله في الميداليات ودخول دورة المياة بها السائل: الميدالية التي تكون لبعض أصحاب المؤسسات، رأيت واحدة فيها اسم عبد الرحمن، وذكر لي صاحبها أنه يدخل بها إلى دورة المياه -أعزكم الله- فقال: إن عبد الرحمن كله بشخصه يدخل إلى دورة المياه، نفس الشخص الذي اسمه عبد الرحمن كله يدخل إلى دورة المياه، والشيء الآخر كتب (باسمه تعالى) في الأوراق التي قد تسقط في الشارع ويطأها الناس، هل هناك شيء في (باسمه تعالى) ؟ الشيخ: أولاً: قوله: إن كل أحد هو عبد الرحمن هذا صحيح، لكن هل أنت اسمك عبد الرحمن؟ هل أنت على صفة كتابة عبد الرحمن؟ قل له هذا الكلام، أو أن لك رأساً ورجلين ولست مشكلاً بحركات أو إعراب؛ فهذه حجة باطلة ولا إشكال، هو نفسه لا يعتقد أنها حجة، ولكن لا شك أن الأفضل ألا يدخل بها، ولكن الغالب أن الميداليات تكون مخفية، فالمخفيات لا تضر، هذه واحدة. الثاني: أما كتابة (باسمه تعالى) فلا يجوز، أصلاً كتابة (باسمه تعالى) حرام لأنها عدول عما في القرآن، القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) وأيضاً ربما يقول: (باسمه تعالى) من كان مشركاً يريد ولياً من أولياء الله، أو إماماً من الأئمة الذين يعتقد أنهم أئمة ويكتب (باسمه) ويريد اسم الإمام الذي يرى أنه إمام، فالضمير هنا ليس له مرجع بين، فالواجب أن يكتب باسم الله، وما رأينا أحداً يكتب (باسمه تعالى) إلا أهل البدع لأنهم ربما يرون أن أولياءهم أو أئمتهم هم الذين يدبرون الكون فيتبركون بأسمائهم ويقولون: (باسمه تعالى) ولا يصرحون بمرجع الضمير لئلا يتبين أمره. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 16 حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية وكاميرا الفيديو السائل: ما حكم التصوير بالآلة الفوتوغرافية وكاميرا الفيديو؟ الشيخ: لا أرى في تصوير كاميرا الفيديو مانعاً، لكن لا ينبغي إلا إذا كان هناك مصلحة، وأما التصوير بالكاميرا التي تكون على الأوراق فهذه ينظر الغرض من التصوير، إذا كان الغرض التمتع بالنظر إلى المصور كلما مضى وقت فهذا لا يجوز، وكذلك إذا كان المقصود الذكرى فهذا لا يجوز، لأنه يمنع دخول الملائكة للبيت، أما إذا كان للحاجة كالرخصة وتابعية، وما أشبهها، فلا بأس. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 17 حكم من يستشهد بآية من الآيات ويقول: قال الله عز وجل حكاية عن فرعون أو غيره السائل: من يستشهد بآية من الآيات ويقول: قال الله عز وجل حكاية عن فلان فرعون أو عن موسى أو عن كذا، كلمة (حكاية) ما حكمها؟ الشيخ: لا بأس، وليس فيها مانع لأننا لا نقول: إن القرآن حكاية عن كلام الله، هذا هو الممنوع، أما أنه يحكي عن غيره فلا بأس به، وما زال العلماء رحمهم الله يقولونها في كتب التفسير: قال الله تعالى يحكي كذا وكذا. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 18 حكم زيادة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية السائل: هذا إمام مسجد اعترض عليه أحد المأمومين وقال: إنك تقرأ في الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر والعصر سورة بعد الفاتحة، وقال: إنه سأل بعض المشايخ وقالوا: إنه مخالف للسنة، هل هذا صحيح؟ الشيخ: هذه المسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله، هل يقرأ في الركعتين الأخيرتين في الظهر والعصر أم لا؟ المشهور في مذهب الإمام أحمد أنه لا يقرأ ويقتصر على الفاتحة فقط، بناءً على ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب) فقط، وبعضهم قال: لا بأس أن يقرأ، لأن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فذكر على ما يدل أنه يقرأ في الركعتين الأخريين) لكن هذا الحديث انفرد به مسلم، والأول في الصحيحين فمنهم من قدم الأول وقال: هذا شاذ، وأيضاً قال: إن حديث أبي قتادة صريح بأنه يقرأ أو لا يقرأ، وهذا يقول: حزرنا، والحزر بمعنى التقدير والتخمين، وليس التقدير والتخمين كاليقين، والذي يظهر أنه لا بأس به أحياناً أما أن يداوم عليه فلا. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 19 حكم الصلاة في المكان الذي بعضه ظل وبعضه شمس السائل: ما حكم الصلاة في المكان الذي بعضه ظل وبعضه شمس؟ الشيخ: الجلوس بين الشمس والظل منهي عنه، سواء في الصلاة أو غير الصلاة، حتى لو نمت وجعلت رأسك مثلاً في الشمس ورجليك في الظلال أو بالعكس فقد نهي عليه، لكن لو فرض إنك قائم تصلي والظل يمتد حتى كنت بين الظل والشمس فالظاهر إن شاء الله أنه لا شيء فيه، لأنك لم تتعمد الجلوس بين الظل والشمس. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 20 حكم التصفيق في المدارس السائل: ما القول الصحيح في قضية التصفيق في المدارس؟ الشيخ: التصفيق في المدارس تشجيعاً للطلاب لا بأس به، لأنه ليس هناك دليل على التحريم ولا على الكراهة. السائل: لكن من حيث التشبه بالكفار؟ الشيخ: ليس هناك تشبه، كل المسلمين يفعلون هذا الآن، وقد ذكر الإمام مالك وابن حجر أيضاً نقله عنه في فتح الباري: إن الشيء إذا شاع وانتشر بين المسلمين والكفار فإنه يزول التشبه، لأن التشبه معناه أن تفعل ما يختص بالكفار، فإذا زالت الخصوصية لم يكن تشبه، أما من يفعله على سبيل اللهو، كالذين يصفقون عند الأناشيد، فهذا من اللهو الممنوع، وأما ما يفعلوه تعبداً كـ الصوفية ونحوهم، فهذا أشد وأشد، هذا بدعة منكرة، ويشبه صلاة المشركين عند البيت الحرام الذي قال الله عنه: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] لكن ليس معنى أن قولنا: إن التصفيق جائز لتشجيع الطلاب أننا نأمرهم أن يفعلوه، لا ما نأمرهم لكن لا ننهاهم. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 21 حكم التأجير المنتهي بالتمليك السائل: ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك؟ الشيخ: ما هو التأجير المنتهي بالتمليك؟ السائل: الذي يأجر سيارة لك وأنت تشتغل لمدة ثلاث سنوات وكل شهر تعطيه ثمانمائة ريال، ثم بعد ثلاث سنوات تملكها. الشيخ: تملكها من دون شيء؟! ما يصير هذا! هذا ما هو معقول! يقول: استأجر منك سيارة بمائة ريال كل شهر وبعد ثلاث سنين يملكها المستأجر، هذا ما هو معقول، لأن معنى ذلك الشركة تعطيك السيارة في النهاية مجاناً، وهي لا يمكن أن تفعل هذا. أجرت لك السيارة كل شهر بمائة ريال إلى ثلاث سنين وبعد ثلاث سنين أعطيتك إياها، صارت في النهاية السيارة جاءت (مجاناً) لأن المائة الريال مقابل انتفاعك بها، فتكون (مجاناً) هذا لا يمكن أن يعقل، لكن لا يمكن أن يقول: نأجرك بمائة ريال وبعد ثلاث سنين تكون لك، إلا إذا كانت الأجرة مضاعفة، بمعنى أنه لو استأجرتها من غير هذا، لكان بخمسين ريال في الشهر، عرفت أو لا؟ هذا هو المؤكد، فأنت الآن تدفع أجرة أكثر من العادة قطعاً، ولا يضمن لك أن السيارة تبقى إلى ثلاث سنوات بل قد تتلف باحتراق أو صدام أو غير ذلك، وإذا حدث هذا صار المستأجر غارماً أم غانماً؟ صار غارماً وخسرت كل شهر زيادة النصف وما استفاد. وإن بقيت السيارة فأنت غانم لأن السيارة جاءت (مجاناً) على أنني سمعت أنهم يقولون: إذا عجز عن تسديد آخر قسط أخذوا السيارة ولم يعطوه شيئاً، وهذا ظلم، لذلك هذه حيلة من أرباب الشركات والأموال أن يصطادوا أموال الناس في الماء العكر، وأصل الحيل في البيع والشراء جاءت من اليهود، فإنهم هم الذين تحايلوا لما حرمت عليهم الشحوم ماذا صنعوا؟ أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها، وهذه المسألة الآن تحت أنظار هيئة كبار العلماء يبحثون فيها وسيصدرون فيها إن شاء الله فتوى في الجلسة القادمة، لأنهم حتى الآن لم يتصوروا كيف تتم هذه المعاملة، فلا تدخل في هذه المعاملة حتى يأتي الفتوى من هيئة كبار العلماء. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 22 حكم وصول ثواب مشروع خيري لشخص ميت السؤال شخص مات وقام بعض الإخوة بجمع تبرعات له وجعل في مشروع خيري، صدقة جارية، فهل هذا العمل جائز يا شيخ! وهل يصل إليه الثواب؟ الجواب إن التصدق للميت يصل إليه لا شك، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سعد بن عبادة أنه تصدق لأمه بنخلة، وكما في قصة الرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفتصدق عنها؟ قال: نعم) ، ولكن الدعاء أفضل من هذا والدليل على أن الدعاء أفضل من الصدقة للميت، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) هذا من حيث الصدقة عن الميت. أما من حيث هذه الطريقة التي ذكرت أنه يجمع للميت ويجعله في عقار ويكون صدقة فلا أرى هذا، لأن الصحابة رضي الله عنهم مات منهم من العظماء والذين لهم حق على الأمة من الخلفاء وغيرهم وما جمعوا لهم ليتصدقوا لهم ثم هذا يفتح باب شر على الناس، لأن مثل هؤلاء الزملاء إذا تبرعوا وقيل لواحد منهم: هات! تبرع، قال: لا، أنا لا أتبرع، أنا عيالي أحق من أن أتصدق لفلان، شنعوا عليه، وقالوا: فيك كذا وفيك كذا وفيك كذا. ثالثاً: أنه ربما يؤدي إلى المماراة ويقال ما شاء الله، المدرسة الفلانية حصلوا مائة ألف ريال ونفعوا زميلهم وأنتم ماذا فعلتم؟ فيقال: لا، نحن دفعنا أكثر من مائة ألف، فلا أرى هذا، أخشى أن يسنوا في الناس سنة هم في غنى عنها، وأقول: أنتم جزاكم الله خيراً! والذي يتصدق عنه سراً فيما بينه وبين الله لا نمنعه من ذلك، ومع ذلك نرشده ونقول: أفضل من أن تتصدق عنه أن تدعو الله له. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 23 من هم الأبدال؟ السائل: لي قريب يميل إلى الصوفية وأخبرني بأنه يوجد شيء اسمه الأبدال لهم سيطرة في العالم بعد إذن الله وكذا وكذا، وقرأت كتاب تفسير ابن كثير فورد في فضل سورة الإخلاص قال عن فلان وعن فلان وكان من الأبدال ثم أكمل المتن، فما هو قولك في الأبدال؟ الشيخ: الأبدال -بارك الله فيك- هم الذين إذا مات منهم واحد أبدله الله تعالى بغيره، يقوم في الناس معلماً وموجهاً ومرشداً، هذا من الأبدال، أما أن أحداً يتصرف في الكون كمن يدعي أن أحداً يتصرف في الكون مع الله فهو مشرك بالله عز وجل شركاً أكبر قال الله تعالى: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:22-23] أما أولئك الصوفية الذين يدعون أن هناك أقطاباً تدبر الكون أو الرافضة الذين يدعون أن هناك أئمة يدبرون الكون فهذا شرك أكبر عليهم أن يتوبوا وأن يعلموا أن المدبر هو الله عز وجل، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] وهم مشركون، فسيقولون الله. السائل: هو يقصد أنه إذا احتاج المسلم إلى أحد أو حاجة من الله سبحانه وتعالى فالله يوفق الأبدال أن يأتي من مكان بعيد بسرعة فائقة فيعينه؟ هذا كذب أبداً وإن كان أحداً تراءى له وقال: أنا فلان، فهو شيطان، والشيطان قد يتمثل بالإنسان، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن من الشياطين من يتمثل به، ويقف في عرفة ويفتي الناس، ويقول: أنا شيخ الإسلام ابن تيمية، هذا كذب ولا يجوز، ومراد العلماء الذين قالوا: إن هذه الأمة فيها الأبدال كشيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية وكذلك ابن كثير وغيرهم من علماء السنة، قصدهم الأبدال هم الذين إذا مات أحد ممن يقوم لعباد الله بالتوجيه والإرشاد والعلم خلفه غيره، أي صار بدلاً عنه. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 24 حكم الجلوس في مكان المنكر من أجل إزالته السائل: ما حكم الجلوس في مكان يوجد فيه منكر من باب إزالة المنكر؟! الشيخ: نعم يجلس، من أجل أن ينهاهم عن المنكر. السائل: حتى لو كان المنكر موجوداً يا شيخ؟! الشيخ: كيف يزيل الإنسان إلا بهذا، كيف يزيل المنكر وهو عنده أو عالم به وينهى عنه من بعيد، لكن إذا جلس مقراً لهم على المنكر ساكتاً على إنكاره فهو مثلهم. السائل: قد يكون -يا شيخ- غناء ويجلس معهم. الشيخ: أجلس معهم وأقول يا جماعة! اتقوا الله أوقفوا هذا الغناء، إذا وقفوا فهذا المطلوب، وإذا لم يوقفوا يقوم ويتركهم. السائل: هناك بعض الناس يحتجون بموقف حصل لبعض طلبة العلم يقول: إنه جاء مرة وكان هناك جلسة أغاني وبعد أن أكملوا قال لهم بعد ذلك: ماذا استفدنا. الشيخ: هذه من الدعوة. يعني يريد أن يبين لهم أنه لا خير في هذا المجلس. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 25 الثلة والقلة في سورة الواقعة السائل: فضيلة الشيخ! ما الفرق بين قول الله عز وجل: {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] وفي الآية الأخرى: {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:39-40] ؟ الشيخ: الفرق أن الأول في السابقين، السابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، لأنه كلما تمادى الوقت ضعف الدين والثانية أصحاب اليمين وهم أقل مرتبة من السابقين، صار فيهم جماعة من هؤلاء وهؤلاء. السائل: هل الثلة بمعنى القلة؟ الشيخ: الثلة: الطائفة قليلة أو كثيرة، لكن {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ} [الواقعة:13] يعني كثيرة، بدليل قوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:14] . الجزء: 203 ¦ الصفحة: 26 الإسراء والمعراج بروح الرسول صلى الله عليه وسلم وجسده السؤال هل كان الإسراء والمعراج في اليقظة أو المنام، وهل كان ذلك بروحه أم جسده؟ الجواب الإسراء والمعراج كان ببدنه يقظة لا مناماً، لأن الله قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1] ولم يقل: بروح عبده، ثم أن قريشاً لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم صباح ليلة الإسراء أنكروا ذلك، وقالوا: كيف يمكن أنت في مكة وتصل إلى بيت المقدس وترجع في نفس الليلة، هذا لا يمكن، ولو كان مناماً ما أنكروه، لأنهم يعرفون أن النائم يرى أشياء لا تحصل في اليقظة، وليست تنقض المنامات بل تعترف بها، وكذلك لو قال في المعراج فقد قال الله تعالى في سورة النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:1-10] يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يعبر هذا التعبير إلا إذا كان بالروح والجسد. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 27 معنى قوله تعالى: (ودانية عليهم ظلالها) السؤال في قول الله عز وجل في سورة الإنسان: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} [الإنسان:14] ما معناها يا شيخ؟! الشيخ: يعني ظلال الشجر دانية عليهم ما هي بعيدة، لأنه كلما دنا ظل الشجر صار الظل أترف وأبرد. السائل: ذكر شيخ الإسلام في الفتاوي أن ليس في الجنة شمسٌ ولا قمر، إنما ظل تحت العرش؟ الشيخ: حتى لو لم يكن هناك شمس ولا قمر، تجد الآن ظلاً عند طلوع الفجر إذا ارتفع النهار يعني قبل طلوع الشمس، كذلك ينتج ظل عن النور الذي ينبعث من تحت العرش. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 28 حكم المظاهرات وتأثيرها في إنكار المنكر السؤال ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا منكراً معيناً تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل هذه الأمور؟ الشيخ: أولاً: إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تُسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحياناً فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات، والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا فإذا كان مستعملاً وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأساً ولا يصل المسلم إلى حقه أو المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز، وأتعجب من بعض الحكام إن كان كما قلت حقاً أنه يأذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها، نعم ربما يكون بعض الحكام يريد أمراً إذا فعله انتقده الغرب مثلاً وهو يداهن الغرب ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟ السائل: كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع. الشيخ: لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 29 القيمة التي تقطع فيها يد السارق، ومكان قطع رجل السارق السائل: من شروط قطع يد السارق قال الفقهاء: يُقطع في ثمن مجن فأكثر، وبعضهم قال: في ربع دينار فأكثر، وفي الوقت الحاضر ما القيمة التي تقطع فيها يد السارق؟ الشيخ: ربع دينار، يعني ربع مثقال من الذهب. السائل: كم مقداره يا شيخ؟ الشيخ: قليل جداً، يعني الدينار مثقال -دينار الإسلام- فيسأل أهل الذهب كم يساوي ربع المثقال من الذهب؟ قليل جداً يعني من عشرون ريال إلى حولها. السائل: لكن رجل السارق من أين تقطع يا شيخ؟ الشيخ: من نفس العرقوب، يعني ظهر القدم فقط، لأن العقب لابد أن يبقى، لو قطع تضرر السارق في المشي، لأنه لو قطع صارت الرجل المقطوعة قصيرة، فيبقى العقب ويقطع من نفس العقب. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 30 حكم زكاة الأموال القادمة بعد بلوغ النصاب وحولان الحول على المبلغ الأول فقط السائل: رجل عنده مال وبلغ نصابه تقريباً عشرة الآف ريال، على سبيل المثال في أول محرم، وفي رمضان أتاه مبلغ من المال تقريباً عشرة الآف أخرى، وأيضاً في ذي الحجة عشرة الآف أخرى، وحال الحول -الجميع ثلاثون ألف- هل يزكي عن الثلاث أو عن الأولى؟ الشيخ: هل العشرة التي جاءت في رمضان وفي ذي الحجة هل هي ربح؟ السائل: لا، مثل ورث أو شيء آخر. الشيخ: ابتداء ملك يعني، لكل عشرة حولها، فالعشرة الأولى التي ملكها في محرم، إذا جاء محرم يزكيها، والتي ملكها في رمضان يزكيها في رمضان، والتي في ذي الحجة إذا جاءت ذي الحجة يزكيها، وإن أحب أن يزكيها جميعاً مع المحرم، فله ذلك ويكون تعجيلاً لأجل أن يكون زكاة ماله طريقاً واحداً فلا بأس. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 31 حكم المسابقات التجارية والمشاركة فيها السائل: ما حكم المسابقات التي تعلنها بعض المحلات التجارية وتجعل فيها مسابقات مثل السيارات وغيرها وما حكم المشاركة فيها؟ الشيخ: لا بأس بها بشرطين: الشرط الأول: ألا ترفع الأسعار على السلع التي في هذا المتجر. الشرط الثاني: أن يكون المشتري له غرض بالسلعة، أي: أنه سيشتريها على كل حال. أما إذا كان لا يشتري إلا من أجل الجائزة فهذا لا يجوز لأنه ربما يشتري أشياء كثيرة ولا يحصل على الجائزة. الشيخ: لكن من شروط المسابقة الشراء! الشيخ: أنا فاهم، هل أنت إذا اشتريت، اشتريت لحاجتك وإلا لأجل المسابقة؟ السائل: من أجل المسابقة. الشيخ: ما يجوز، لأنك ربما تشتري بمائتين ريال أو ثلاثمائة ريال ولا تنجح، أما إذا كنت ستشتري حتماً، مثل البنزين الآن، صاحب المحطة وضع الجائزة والبنزين سعره واحد، واخترت هذه المحطة لأن فيها جائزة، ما أنت خسران، هذا لا بأس به، لأنك الآن إما أن تكون غانماً وإما سالماً، ليس هناك قمار، لكن لو كان لا تريد الشراء، مثلما سمعت أن بعض علب الألبان فيها جائزة، وسمعت أن بعض الناس يشترون مائة كرتون أو أكثر ثم يريقها في الأرض لعله يحصل على البطاقة التي فيها الجائزة، هذا لا يجوز، وكذلك لو رفع التاجر السعر فإنه لا يجوز، لأن هذا سيشتري بثمن أكثر فيكون إما غانماً وإما غارماً. المهم عرفنا الشرطين: الأول: أن تكون قيمة السلعة كسائر القيم في السوق. الثاني: أن يشتري الإنسان لحاجة لا لأجل الجائزة. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 32 وقت إفضاء الرجل لزوجته في الجنة إذا كان له عدد من الحور العين السائل: في الجنة يكون للرجل عدد من حور العين يفضي إليهن، فمتى يفضي إلى زوجته، وربما تكون الزوجة قد تزوجت أكثر من رجل فمات الواحد تلو الآخر، فمع من تجلس؟ الشيخ: أقول: متى يغتسل هناك إذا أصاب امرأة؟ السائل: ليس عليه غسل. الشيخ: إذاً ليس عليه قسم، ما يجب عليه أن يقسم بين الزوجات. السائل: فمتى يفضي إلى زوجته؟ الشيخ: متى ما شاء. السائل: طيب والحور العين؟ الشيخ: متى ما شاء. السائل: ألا تغار زوجته؟ الشيخ: ليس هناك غيره يا رجل! أما إذا تزوجت اثنين وكانا من أهل الجنة، فإنها تخير بينهما وتختار أحسنهما خلقاً. السائل: وإذا تزوجت رجلاً ومات الرجل، فمع من تجلس، وهي لم تتزوج إلا واحداً؟ الشيخ: هو يكون زوجها وله زوجات أخرى. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 33 ميزان بعض الأقوال عند الدعاة والخطباء وصحتها السائل: كثير من الوعاظ والأئمة في خطب الجمعة يقولون: الديان لا يموت افعل ما شئت كما تدين تدان، وحتى يذكر قول الشاعر: ومن يزنِ يزنَ به ولو بجداره فهل تصح هذه الأقوال مع القاعدة الشرعية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ؟ الشيخ: لا، لكن ورد حديث (أن من عف عف أبناؤه، ومن زنى زنى أبناؤه) فيكون هذا من شؤم الرجل على ذريته. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. الجزء: 203 ¦ الصفحة: 34 لقاء الباب المفتوح [204] فسر الشيخ في هذا اللقاء آيات من سورة الواقعة مستدلاً بآيات أخرى تؤيد معاني هذه الآيات، مشيراً إلى ما تحمل هذه الآيات من روعة في المعاني، وجمال في التصوير. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من الشهر المحرم عام (1420هـ) . نبدأ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير كتاب الله عز وجل. في الدرس الماضي ذكرنا على قول الله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:43] أنه ما يكون فوق الذهب من الدخان، وتبين لنا بعد ذلك أنه الدخان المحض، فالـ (يحموم) هو الدخان، وقد وصفه الله بأنه (لا بارد ولا كريم) لا بارد كما هو الشأن في الظلال، ولا كريم أي: حسن المنظر، لأنه دخان كريه منظره حار مخبره، نسأل الله العافية. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون) انتهينا إلى قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:63-64] أي: أخبروني أيها المكذبون بالبعث! عن الذي تزرعونه بالحرث، هل أنتم الذين تخرجونه زرعاً بعد الحب أم نحن الزارعون؟ الجواب بل أنت يا ربنا! أنت الذي تزرعه -أي: تنبته- حتى يكون زرعاً، كما قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام:95] فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعة، ولا هذه النواة حتى تكون نخلة، إلا الله عز وجل. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لو نشاء لجعلناه حطاماً) قال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] ولم يقل عز وجل: (لو نشاء لم نخرجه) بل قال: {لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} [الواقعة:65] فبعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسف، لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليه آفة فكان حطاماً -أي: محطوماً- لا فائدة منه، فهو أشد حسرة. {فَظَلَتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:65-67] أي: تبكون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة:66] أي: لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون، فتقولون: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:67] أي: حرمنا هذا الزرع وصار حطاماً ففقدناه. ثم انتفل الله عز وجل إلى مادة أخرى، هي مادة الحياة وهي الماء، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} [الواقعة:68] أخبروني عنه من الذي خلقه؟ من الذي أوجده؟ {أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة:69] ؟ الجواب بل أنت يا ربنا! يعني: هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن -أي: من السحاب- أم نحن المنزلون؟ الجواب: هو الله عز وجل، لأنه ينزل من السحاب فيبقى غيراناً في الأرض وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض يُستخرج بالآلات من الآبار ويجري من العيون، فأصل الماء الذي نشربه من المزن -من السحاب- ولذلك إذا قل المطر في بعض الجهات قل الماء وغار واحتاج الناس إلى الماء. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لو نشاء جعلناه أجاجاً) قال تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] أي: جعلناه مالحاً كريه الطعم لا يمكن أن يشرب، وهنا يقول: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} [الواقعة:70] ولم يقل: (لو نشاء لغورناه) أو: (منعنا إنزاله) لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين، ولكن لا يمكنهم شربه أشد حسرة مما لو لم يكن موجوداً، والله عز وجل يريد أن يتحداهم بما هو أعظم شيء في حسرة نفوسهم: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:70] أي: فهلا تشكرون الله عز وجل على إنزاله من المزن، وعلى كونه سائغاً عذباً لذيذ الطعم، سريع الهضم. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم النار التي تورون) ثم انتقل الله تعالى إلى أمر ثالث يصلح به الطعام والشراب وهو النار، فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة:71] أي: توقدون: {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:72] الجواب بل أنت يا ربنا! شجرة النار: هو شجر معروف في الحجاز وربما يكون معروفاً في غيره يسمى (المرخ والغفار) هذا الشجر له خاصية إذا ضرب بالمرو أو بشيء ينقدح مع المماسة اشتعل ناراً، يوقد منه، وهو معروف، ولهذا يقال: في كل شجر نار واستمجد المرخ والغفار أي: صار أعظمها. هذه النار التي نوقدها ونطبخ عليها طعامنا ونسخن مياهنا وننتفع بها: {أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:72] الجواب: بل أنت يا ربنا! الجزء: 204 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين) قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة:73] تذكر بالنار -نار الآخرة- مع أن نار الآخرة فضلت على هذه بتسعة وستين جزءاً على نار الدنيا كلها، بما فيها من النيران الحارة الشديدة الحرارة {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] أي: للمسافرين، يتمتعون بالنار، بالتدفئة والدلالة على المكان، لأنه في ذلك الوقت وإلى وقت قريب كان الناس يستدلون على الأمكنة بنار يضعونها على مكان مرتفع تهدي الضال، ويضرب المثل في الدلالة بالعلم عليه النار، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار أي: جبل، يهتدي الناس إليها. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم) قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] أي: سبح الله عز وجل بهذا الاسم، فقل: سبحان ربي العظيم، والتسبيح معناه: أن الله تعالى ينزه عن كل نقص وعيب، فإذا قلت: سبحان الله، فالمعنى: إني أنزهك يا رب من كل نقص وعيب، وقوله: (العظيم) أي: ذو العظمة البالغة، لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اجعلوها في ركوعكم) ، ولما نزلت: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: (اجعلوها في سجودكم) ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يصلي وقال: سبحان ربي العظيم أن يستحضر أمر الله وأمر رسول الله؛ أمر الله في قوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] ، وأمر الرسول في قوله: (اجعلوها في ركوعكم) حتى يجمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وإلى هنا ينتهي هذا الكلام الموجز في تفسير هذه الآيات الكريمة. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 204 ¦ الصفحة: 9 بيان أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء السؤال فضيلة الشيخ! هل الأرض تأكل أجساد الأنبياء والشهداء؟ الجواب لا. لا تأكل لحوم الأنبياء، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أصحابه أن من صلى عليه فإن صلاته تعرض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: (يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت -أي: صرت رميماً-؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) وهذه خاصة بالأنبياء، هم الذين نجزم بأن الأرض لا تأكل منهم شيئاً، أي: أنهم يبقون كما ماتوا تماماً، أما الشهداء والصديقون والصالحون فهؤلاء قد لا تأكل الأرض بعضهم كرامة لهم، وإلا فالأصل أنها تأكله ولا يبقى إلا عجب الذنب -وهو: أسفل الذنب- فيه حبة (خرزة) تشبه النواة أو أقل، هذه بإذن الله لا تأكلها الأرض، تبقى بذرة للأجساد عند إحيائها في البعث كما جاء بذلك الحديث، لأن الله تعالى جعل لكل شيء سبباً، وإلا فهو قادر على أن يخلق الإنسان وإن لم يبق شيء من جسده الأول، لكن قد يوجد بعض الصديقين أو الشهداء أو الصالحين من لا تأكلهم الأرض كرامة لهم. حدثني بعض الناس أنهم لما أرادوا أن يجعلوا على هذه البلدة عنيزة سوراً حفروا لأجل أساس الجدار، فوقعوا على قبر، فوجدوا صاحب القبر يابساً، كفنه أكلته الأرض وهو يابس ولم يفقد منه شيء حتى لحيته كانت محناة مصبوغة بالحنى فكانت على ما كانت عليه، لم تتساقط، وفاح عليهم رائحة طيبة لا يوجد لها نظير في الدنيا، وكان القاضي في ذلك الوقت في البلد عبد الله بن عبد الرحمن بابطين رحمه الله الذي له حاشية على الروض المربع، فأتوا إلى الشيخ، وقالوا: القضية كذا وكذا، وإننا حفرنا ووقعنا على هذا القبر، فماذا نصنع أنرده على حاله، أم ننقله؟ فأمرهم أن يردوه على حاله، وأن يعطفوا السور من خلفه أو من أمامه لا أدري الآن، فهذا دليل على أن الأرض قد لا تأكل أجساد بعض الناس، والمهم كل المهم أن يكون الإنسان منعماً في قبره، سواء بقي الجسم أم لم يبق، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المنعمين في قبورهم. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 10 بأي يد يستاك الإنسان؟ السؤال هل يمسك السواك باليمين أو باليسار؟ الجواب من العلماء من قال: إنه يمسك باليسار مغلباً جانب الأذى؛ لأن السواك يطهر الفم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) قالوا: ومعنى هذا أن السواك إزالة للأذى فيكون باليسرى، كما أن الاستنجاء باليسرى والاستجمار باليسرى والاستنثار باليسرى. ومنهم من قال: بل باليمين؛ لأن السواك سنة، والسنة ينبغي أن يقدم لها اليمين فيكون باليمين. ومنهم من قال: هو مخير. كم قولاً ذكرنا؟ ثلاثة، باليمين، باليسار، مخير. ومنهم من فصل: فقال: إن تسوك للسنة فباليمين، وإن تسوك لتطهير الفم فباليسار، فإذا كان التسوك لظهور رائحة الفم لطول السكوت مثلاً فإنه يكون باليسار، وإذا كان للسنة؛ كرجل توضأ واستاك ثم أتى إلى المسجد وأراد أن يصلي في زمن قريب فهنا السواك للصلاة من باب السنة وليس من باب التطهير فيكون باليمين، والأمر في هذا واسع، ويشبه هذا اختلاف العلماء رحمهم الله متى يقوم للصلاة: هل هو إذا شرع المؤذن في الإقامة، أو إذا قال: حي على الصلاة، أو إذا قال: قد قامت الصلاة، أو إذا انتهى من الإقامة، أو إذا كبر الإمام؟ قال الإمام مالك رحمه الله: الأمر عندنا في هذا واسع، بمعنى: إذا قام حين شرع المؤذن في الإقامة، أو عند حي على الصلاة، أو عند قد قامت الصلاة، أو عند انتهاء الإقامة، أو عند تكبيرة الإحرام، فالأمر في هذا واسع، المهم ألا تفوته تكبيرة الإحرام فلا يتأخر. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 11 مشروعية الأذكار بعد الصلاة في السفر السؤال الأذكار بعد الصلاة، هل تسقط في السفر؟ الجواب الأذكار بعد الصلاة لا تسقط في السفر، لأن الأصل أن أحكام السفر كأحكام الإقامة إلا بدليل، ولا دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يذكر الله بعد الصلاة إذا سافر فهي باقية، إلا إذا كانت الصلاة تجمع إلى ما قبلها فلا يفصل بينهما بذكر لا في السفر ولا في الإقامة. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 12 تقدير الصلاة والصوم في المناطق التي لا تغيب فيها الشمس السؤال ما هي القاعدة للمقيمين في البلدان التي لا تغيب فيها الشمس لفترة طويلة من السنة، أو يكون في سفر في الطائرة وقد يطول عليه النهار أو يقصر، فما هي القاعدة للصائم أو للمصلي في هذه الحالات؟ الجواب أما إذا كان هناك ليل ونهار فإنه يعتبر الليل والنهار طال أو قصر، حتى لو فرض أن الليل أربع ساعات والنهار عشرون ساعة اعتبر الليل ليلاً والنهار نهاراً، وأما إذا لم يكن هناك ليل ونهار كالمناطق القطبية فإنه يقدر تقديراً، ويدل لهذا: أما الأول فيدل له عموم قوله تعالى في الصيام: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وأما الثاني فدليله: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدّث عن الدجال، وأن أول يوم يكون فيه النهار كسنة فأنطق الله الصحابة رضي الله عنهم، وقالوا: (كيف نصلي يا رسول الله! قال: اقدروا له قدره) فهؤلاء الذين يكون عندهم الليل ستة أشهر والنهار ستة أشهر، نقول: اقدروا قدره، ولكن بماذا نقدر؟ هل نقدر بالمتوسط، ونقول: اثنتا عشرة ساعة، اعتبروه نهاراً، واثنتا عشرة ساعة اعتبروه ليلاً، لأنه لما سقط التعيين بعدم وجود الفارق رجعنا إلى الوسط، أو نعتبر بهذا أقرب البلاد إلى هذه المنطقة ممن لهم ليل ونهار، أو نعتبر بهذا مكة؛ لأن الله تعالى سماها أم القرى، على أقوال ثلاثة: وليس هناك شيء قاطع أن أحد هذه الثلاثة أصح، لكن أقرب شيء عندي -والله أعلم- أن نعتبر بالبلاد القريبة منهم التي فيها ليلٌ ونهار. السائل: ولكن الشخص الذي يقيم في تلك البلاد هل يحاول أن ينتقل إلى أماكن فيها إمكانيات؟ الشيخ: ليس باللازم، ويبقى في الأرض التي هو فيها. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 13 بيان معنى حديث: (إن عبداً أصححت له جسمه) السؤال فضيلة الشيخ! حديث النبي عليه الصلاة والسلام (إن عبداً أصححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم) هل هذا يشمل الحج والعمرة أم الحج فقط؟ الجواب والله لا أدري عن هذا الحديث. السائل: هذا ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث أبي سعيد، إن ثبتت يا شيخ صحته، فما الحكم؟ الشيخ: لا يمكن أن يثبت هذا، إن كان المراد الحج والعمرة فلا يثبت أبداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صح عنه أنه لما ذكر الحج، قال له الأقرع بن حابس: (أفي كل عام يا رسول الله! قال: لو قلت نعم لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع) ولو صح هذا الحديث لكان ما زاد فيه تطوع وفيه واجب، فأظن أن هذا الحديث لا يصح. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 14 كيفية السجود عند الزحام الشديد السؤال حالة السجود في وقت الزحام كيف تكون إذا لم يوجد مكان للسجود؟ الجواب يضم نفسه بعد أن كان يمتد ويفرج بين يديه. السائل: إذا لم يكن هناك إمكان يا شيخ! مثل الحرم، فأحياناً لا يمكن السجود؟ الشيخ: إذا كان لا يمكن فقيل: إنه يسجد على ظهر من كان أمامه. وقيل: إنه يومئ بالسجود جالساً وبالركوع قائماً. وقيل: ينتظر حتى يقوم الناس من السجود ثم يسجد ويتابع. أما الظهر فقد وردت به آثار عن الصحابة رضي الله عنهم، ولكن هذا يحمل على قوم يعرفون الحكم الشرعي ولا ينكرون أن يسجد على ظهورهم، أما في وقتنا الحاضر فأعتقد أنك لو سجدت على ظهر إنسان لشوشت عليه كثيراً، أو نفضك بقوة، لو قلنا بهذا وصار هناك صف ثالث يسجد على ظهر من؟ على ظهر صاحبه ثم يترادف الناس، وهذه وإن كانت الصورة غير ممكنة لكن نرى أن القول بالسجود على ظهر إنسان في وقتنا الحاضر فيه تشويش، فإما أن نقول: أومئ بالركوع، مع أن الركوع فيما يبدو لا يتعذر؛ لأنه يمكن أن يركع ولو كان قريباً من صاحبه، وأما في السجود فاجلس وأومئ بالسجود جالساً، فهذا أحسن من كونك تنتظر حتى يقوم الناس فتفوتك المتابعة، وربما يكون الإمام في الركعة التي تلي ركعتك إذا كان سريع القراءة، فإذا قرأ الفاتحة ربما يركع قبل أن تتم الفاتحة فيحصل تخلف كثير، فأقرب الأقوال عندي: أن الإنسان إذا وصل إلى السجود جلس وأومأ، والمسألة ليس فيها قول عن المعصوم، لو كان فيها قول عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا: على العين والرأس ونفعل ما قال. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 15 حكم من مات ولم يؤد العمرة السؤال شخص توفي ولم يؤدِ العمرة، فهل يؤخذ من ماله لأداء العمرة؟ الجواب هل أدى الحج؟ السائل: أدى الحج مفرداً. الشيخ: إذا كان ماله يتسع للعمرة أخذ من ماله، لأن القول الراجح أن العمرة واجبة، وأنه إذا لم يؤدها في حياته مع قدرته تؤخذ من تركته بعد مماته. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 16 حكم السفر لحضور جنازة السؤال إذا توفي عالم من المسلمين، هل يجوز لأحد أن يسافر ليحضر دفنه أو الصلاة عليه؟ الجواب أنا أكره هذا؛ أكره أن يسافر أحد من أجل أن يصلي على شخص، لأن هناك فرقاً بين من يموت في البلد فتذهب من حارتك إلى حارته وتصلي عليه، وبين أن تسافر، ولهذا كان السفر لزيارة القبور حراماً، وزيارة القبور في البلد سنة، وأيضاً لو أننا فتحنا هذا الباب لكان الناس هنا في المملكة يتبارون ويتمارون في الذهاب إلى الصلاة على الميت، لأن الأمر -والحمد لله- عندنا ميسر، سيارات وطائرات وخطوط سهله، فيتبارى الناس بهذا ويتمارون مع أن المقصود أن ينتفع الميت بالصلاة، والميت يمكن أن ينتفع بالدعاء في أي مكان، لكن لو فرض أن الإنسان يسافر ليدرأ الكلام والقول والقيل، بمعنى أنه لو لم يحضر لفقد، وصار هناك كلام: لماذا لم يحضر هذا الرجل؟ فهنا قد نقول: إنه لم يسافر من أجل أن يصلي على الميت، لأنه يعرف أن أي دعاء سينفع الميت، لكن من أجل ألا يتكلم المنافقون في أعراض الناس، فهذه إذا لاحظ الإنسان هذا إن شاء الله لا بأس به. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 17 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وبيان الفرق بينهما السؤال قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ما معناها يا شيخ؟ وما الفرق بين الضرر والضرار؟ الجواب الضرر: ما كان عن غير قصد، والضرار: ما كان عن قصد، لأن ضرار مصدر ضار يضار ضراراً، ومضارة، كجاهد يجاهد جهاداً، ومجاهدة، فما كان عن قصد فهو ضرار، وما كان عن غير قصد فليس ضراراً، مثال ذلك: إنسان عنده شجرة في بيته يسقيها فانتشرت الرطوبة إلى بيت جاره بدون قصد، هذا نقول فيه: ضرر، وإنسان آخر غرس شجرة وصار يسقيها من أجل أن ينتشر الماء والرطوبة إلى بيت جاره فيتأذى به، هذا ضرار، وكلاهما منفي شرعاً، فالضرر يزال وإن لم يقصد، والمضارة تزال وعليه إثم القصد. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 18 ضابط الكفارة في اليمين السؤال رجل كثير الحلف، لا يملك نفسه بل دائماً يحلف في كل شيء، فهل في حقه إذا حلف هل يبدأ بالفعل الذي حلف من أجله، أم يبدأ بالكفارة؟ الجواب أولاً كثير الحلف لا بد أن نقول: هل هذا يجري على لسانه بغير قصد؟ فإذا كان بغير قصد فليس عليه كفارة؛ لأن هذا من لغو اليمين، وقد الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] . وأما إذا كان عن قصد فإننا ننهاه عن هذا؛ لأن الله قال: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] وقد قال بعض المفسرين: إن معناها: لا تكثروا الحلف. وقد أشار الله تعالى إلى كراهة ذلك في قوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} [القلم:10] أي: كثير الحلف، ولكن عليه أن يُكَفِّرْ، فإن كان المحلوف عليه شيئاً واحداً والأيمان متكررة فعليه كفارة واحدة، وإذا كان المحلوف عليه متعدداً والأيمان متعددة فعليه لكل فعلٍ كفارة، وله أن يفعل قبل أن يُكَفِّر، وله أن يُكَفِّر قبل أن يفعل، فإن كَفَّرَ قبل أن يفعل سميت هذه الكفارة تحله، وإن فعل ثم كفر فهي كفارة. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 19 بيان معنى قوله تعالى: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) السؤال قول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] ما تفسير هذه الآية يا شيخ؟ الجواب اقرأ التي قبلها لأن لها علاقة بالتي قبلها. السائل: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:24-25] . الشيخ: أيش الإشكال؟ السائل: الإشكال الوارد عَلَيَّ هو معنى قوله تعالى: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25] . الشيخ: أي: أن هؤلاء المكذبين الضالين لا يعلمون أن الله هو الحق المبين حقيقة إلا في يوم القيامة، إذا وفاهم الله دينهم الحق، أي: جزاءهم الحق، عرفوا أن الله هو الحق المبين، أما الآن فلم يعرفوا، أو عرفوا ولكنهم استكبروا. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 20 حكم التنازل عن القرض لآخر بمقابل السؤال هذا رجل خرج اسمه في البنك العقاري ثم تنازل لشخص آخر مقابل ستين ألف ريال، هل هذا جائز؟ الجواب هذا ليس بجائز، لأن حق الإنسان في البنك العقاري حق انتفاع، فإن كان لا زال في حاجة للانتفاع بهذا القرض فليفعل، وإن لم يكن في حاجة فعليه أن يدعه، ولا يجوز أن يأخذ عن هذا عوضاً، وهناك أناس تجدهم ينتظرون متى تخرج أسماؤهم، فيقال: إما أن تنتفع به إن كنت في حاجة، مثل أن يكون قد بنى بيته الذي قدم لبنائه ولكنه استدان من الناس لبنائه فهنا هو في حاجة يأخذ القرض، وإما أن يقال: إنك انتهيت فلا حاجة لك بها. السائل: هل الفلوس التي أخذها تعتبر رباً؟ الشيخ: هذا ربا وظلم أيضاً، لأن المال حق له. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 21 العمليات الاستشهادية في الميزان السؤال استدل بعض الناس بجواز قتل النفس أو ما يسمونه بالعمليات الانتحارية بحديث ذكره مسلم في صحيحه، حديث قصة غلام أصحاب الأخدود، فهل استدلالهم هذا صحيح؟ الجواب هذا صحيح في موضعه، إذا وجد أن قتل هذا الإنسان نفسه يحصل به إيمان أمة من الناس فلا بأس، لأن هذا الغلام لما قال للملك: خذ السهم من كنانتي ثم قل: باسم الله رب هذا الغلام، فإنك سوف تصيبني، وفعل الملك، ماذا صنع مقام الناس؟ آمنوا كلهم، هذا لا بأس، لكن الانتحاريين اليوم لا يحصل من هذا شيء بل ضد هذا، أول من يقتل نفسه، ثم قد يقتل واحداً أو اثنين وقد لا يقتل أحداً، لكن ماذا يكون انتقام العدو؟ كم يقتل؟ يقتل الضعف أو أكثر، ولا يحصل إيمان ولا كف عن القتل، هذا الرد عليهم، نقول: إذا وجد حاله مثل هذه الحال فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصها علينا لنسمعها كأنها أساطير الأولين بل قصها علينا لنعتبر، إذا وجد مثل هذه الحال لا بأس، وبعضهم يستدل بقصة البراء بن مالك في غزوة اليمامة، حيث حاصروا حديقة مسيلمة والباب مغلق وعجزوا، فقال البراء: ألقوني من وراء السور وأفتح لكم، فألقوه وفتح، وهذا ليس فيه دليل، لماذا؟ لأن موته غير مؤكد، ولهذا حيي وفتح لهم الباب، لكن المنتحر الذي يربط نفسه بالرصاص والقنابل، ينجو أم لا ينجو؟ قطعاً لا ينجو، ولهذا لولا حسن نيتهم لقلنا: إنهم في النار يعذبون بما قتلوا به أنفسهم. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 22 حكم التنازل عن وظيفة لغير مستحقها بمقابل السؤال فضيلة الشيخ! هناك نظام في الحرس الوطني من قبل الدولة حفظها الله، بأن الوظيفة تكون للرجل، فبعد أن يتقاعد أو يموت أجاز له النظام أن يجعل مكانه أحد أبنائه أو أقاربه، لكن إذا لم يكن لهذا الرجل أحد فقد يعرض عليه مبلغ من المال ليتنازل عن هذه الوظيفة، فما رأي فضيلتك في هذا الشيء؟ الجواب تقصد أن يتنازل قبل أن يموت؟ السائل: أي يتقاعد مثلاً، ليس عنده أحد لا أبناء ولا غير ذلك، شخص يأتي ويقول له: أنا أعطيك كذا كذا، لكن اجعل الوظيفة لي؟ الشيخ: لا يجوز. السائل: وما هي النصيحة؟ الشيخ: النصيحة: أن يتقي الإنسان ربه، وأن يعلم أنه إذا أكل الحرام فإنه سيؤثر عليه في عباداته ودعائه وغير ذلك, لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) والدنيا -يا أخي! - ليست دار قرار وليست جنة، الدنيا ممر وامتحان في العمل الصالح، فيجب على الإنسان ألا يجعل المال هو رأس المال، رأس المال حقيقة هو العمل، أما المال فإنه زائل أو زائل صاحبه ولا بد. السائل: نفس النظام، ما الحكم في التنازل لغير من يحدده النظام؟ الشيخ: نفس النظام هل يجيز هذا؟ السائل: يقول: ابنه أو أحد أقاربه، هذا المتعارف عليه. الشيخ: دعك من المتعارف عليه، هل النظام يجيز للإنسان أن يتنازل عن تقاعده مثلاً إلى أي شخص. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 23 حديث السحابة التي تمطر كمني الرجال فتعود الأجساد السؤال بعض الوعاظ يذكر عند بعث الخلائق في الآخرة أن الله يرسل مثل السحابة أو سحابة فتقطر مثل المني، فينبت ما بقي من الإنسان مثل النبات، فهل ورد هذا؟ الجواب هذا ورد حديث فيه قبل النفخ في الصور: (يرسل الله مطراً غليظاً كمني الرجال أربعين يوماً تنبت منه الأجساد في القبور، فإذا استتمت نفخ الله في الصور فخرجت الأرواح من الصور إلى أجسادهم) فالله أعلم بصحته. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 24 حكم استخدام عبارات (الثورة المحمدية) أو (الثورة الإسلامية) السؤال يكتب بعض الكتاب في مقالاتهم عبارات مثل: (الثورة المحمدية، الثورة الإسلامية) ، فهل هذا يا شيخ تعبير صحيح؟ الجواب لا. ليس صحيح. السائل: وبماذا نرد عليهم؟ أحسن الله إليكم. الشيخ: هل سماها الله ثورة أم سماها هداية، هداية وحقاً؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} [النساء:170] ما قال: قد ثار الرسول على الأصنام، نرد عليهم بهذا، ولا يمكن أن نحول الهداية والنور والحق إلى ثورة، يأتي شخص يقول ثورة نابليون وغيرها من الثورات، بلغوا الناس في بلادكم هذا، قولوا: يا جماعة! هذا حق، هذا نور، هذا هدى، هذا شفاء. السائل: يوجد الثورة الإٍسلامية؟ الشيخ: ولا ثورة إسلامية، لا يوجد ثورة إسلامية، هداية إسلامية لا بأس. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 25 المسبوق إذا سها فسجد مع إمامه هل يلزمه سجود ثانٍ؟ السؤال إذا سها المسبوق مع إمامه فسجد مع إمامه، فهل يجزئه هذا السجود عنه أم يلزمه أن يسجد مرة أخرى إذا سلم؟ الجواب لا بد أن يسجد، إذا سها المأموم وهو مسبوق مع الإمام وسجد مع الإمام سجود السهو فيجب أن يسجد لنفسه عند انتهاء صلاته؛ لأن سجوده الأول إنما هو لمتابعة الإمام فقط، فلا بد أن يعيد السجود. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 204 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [205] في هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الواقعة تتمة لما سبق من اللقاءات في تفسير سورة الواقعة، مع بيان بعض دقائق هذه الآيات، وإشارة لما قد يلتبس على الإنسان من معانيها. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا اللقاء هو الخامس بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الخامس من شهر صفر عام (1420هـ) . الجزء: 205 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم) نبتدئ هذا اللقاء كما هي العادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:75-76] يخبر الله تبارك وتعالى أنه يقسم بمواقع النجوم، و (لا) في قوله: {فَلا أُقْسِمُ} [الواقعة:75] للتنبيه والتوكيد، وليست للنفي؛ لأن المراد إثبات القسم وليس نفيه، وهذا كقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] ، وقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] ، وقوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:65] وأمثال ذلك، يؤتى بـ (لا) بصورة النفي، ولكن المراد بذلك التوكيد والتنبيه، والقسم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّمٍ بأدوات مخصوصة، وهي: الواو، والباء، والتاء، وقوله: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فمنهم من قال: إن المراد بذلك أوقات نزول القرآن، أي: أن القرآن نزل مفرقاً، والشيء المفرق يسمى منجماً، كما يقال في الدين المقسط على سنوات أو أشهر، يقال: إنه دين منجم. وقيل المراد بمواقع النجوم: مواقع الطلوع والغروب، لأن مواقع غروبها إيذان بالنهار، ومواقع طلوعها إيذان بالليل، وتعاقب الليل والنهار من آيات الله العظيمة الكبيرة، من آيات الله العظيمة التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، فيكون الله تبارك وتعالى أقسم بما يدل على إقبال الليل وإدباره. وقيل: المراد بمواقع النجوم: الأنواء، وكانوا في الجاهلية يعظمونها، حتى كانوا يقولون: إن المطر ينزل بالنوء، ويقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. والمهم أن الله تعالى أقسم بمواقع النجوم على أمر من أعظم الأمور وهو قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:77] لكن الله بين عظم هذا القسم قبل أن يبين المقسم عليه، فقال: وإنه لقسم عظيم، وأتى بالجملة الاعتراضية في قوله: لو تعلمون، إشارة إلى أنه يجب أن نتفطن لهذا القسم وعظمته حتى نكون ذوي علم به. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:76-77] أي: أن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم لقرآن كريم، والكرم يراد به: الحسن والبهاء والجمال، كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يبين للناس أن عليهم زكاة في أموالهم، قال: (إياك وكرائم أموالهم) (كرائم) جمع كريمة، والمراد بها: الشاة الحسنة الجميلة. وهو كريم: يعني القرآن كريم في ثوابه، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها. وهو كريم في آثاره على القلوب وصلاحها، فإن قراءة القرآن تلين القلوب، وتوجب الخشوع لله عز وجل. وكريم في آثاره بدعوة الناس إلى شريعة الله، كما قال تعالى: {فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} [الفرقان:52] فالمهم أن القرآن كريم بكل معنى الكرم. قال تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:78-79] اختلف العلماء في الكتاب المكنون، فقيل: إنه اللوح المحفوظ، لقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] . وقيل: المراد به الكتب التي بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:12-16] وهذا القول رجحه ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة. وأكثر المفسرين على أن المراد به: اللوح المحفوظ. (لا يمسه) أي: لا يمس هذا الكتاب المكنون إلا المطهرون وهم الملائكة، طهرهم الله تعالى من الشرك والمعاصي ولهذا لا تقع من الملائكة معصية بل هم ممتثلون لأمر الله، قائمون به على ما أراد الله. وذهب بعض المفسرين إلى قول غريب حيث قالوا: المراد بقوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] أي: لا يمس القرآن إلا طاهر، ولكن هذا قول ضعيف لا تدل عليه الآية، لأنه لو كان المراد ذلك لقال: إلا المُطَّهِّرون -يعني: المتطهرين- ولكن قال: الْمُطَهَّرُونَ، أي: من قبل الله عز وجل، فهذا القول ضعيف، ولولا أنه يوجد في بعض التفاسير التي بأيدي الناس ما تعرضنا له، فإنه لا قيمة له، والصواب أن المراد بذلك الملائكة. فإن قلنا: إن المراد بالكتاب المكنون الصحف التي بأيديهم فواضح في قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] وإذا قيل: المراد به اللوح المحفوظ، فكذلك الْمُطَهَّرُونَ قد يمسونه بأمر الله عز وجل، وقد لا يمسونه. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (تنزيل من رب العالمين) قال تعالى: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:80] أي: هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزل من عند الله عز وجل، لأنه كلامه، وكلام الله تعالى منزل غير مخلوق. ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن القرآن ليس بمخلوق، لأنه نزل من الله فهو كلامه، وكلامه من صفاته تعالى، وصفاته غير مخلوقه. وفي قوله: (تنزيل من رب العالمين) إشارة إلى أنه يجب علينا أن نعمل به؛ لأن الذي أنزله هو الرب المطاع الخالق الرازق، الذي يجب أن نطيعه فيما أمر، وننتهي عما عنه نهى وزجر. {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و (العالمين) : كل من سوى الله، وسموا عالمين؛ لأنهم علم على خالقهم، فإن هذا الخلق إذا تأمله الإنسان دله على ما لله عز وجل من عظمة وسلطان ورحمة وغير ذلك من صفات. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون) قال تعالى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الواقعة:81] أي: أبعد هذا البيان لعظمة القرآن الكريم تدهنون به؟ أي: تدهنون به الكفار، وتسكتون عن بيانه وعن العمل به، وهذا الاستفهام للإنكار، لأن الواجب على من آمن بأنه تنزيل من رب العالمين وأنه قرآن كريم، وأنه لا يمسه إلا المطهرون، الواجب أن يصارح ويصرح ولا يداهن، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ولكن هذا ليس بحاصل، فالواجب على المؤمن أن يبرز بدينه ويفتخر به، ويظهر خلاف ما كان عليه، وكثير من الناس اليوم -مع الأسف- تجد الرجل منهم إذا قام يصلي يستحي أن يصلي، وربما يداهن ويؤخر الصلاة عن وقتها موافقةً لهؤلاء الذين لا يصلون، وهذا غلط عظيم، بل الواجب أن يكون الإنسان صريحاً فلا يداهن في دين الله عز وجل. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) قال تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] أي: تجعلون عطاء الله إياكم تكذيباً له، كما قال عز وجل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل:83] ومن ذلك: أن ينسب الإنسان نعمة الله عز وجل إلى السبب متناسياً المسبب سبحانه وتعالى، كقوله: مطرنا بنوء كذا، فهو ينسب المطر إلى النوء لا إلى الخالق عز وجل، فهذا نوع من الشرك كما جاء ذلك صريحاً في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم صلاة الصبح ذات يوم في الحديبية وقد نزل مطر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر -انقسموا إلى قسمين: مؤمن وكافر- فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . الجزء: 205 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 205 ¦ الصفحة: 8 حكم السفر للصلاة على الجنازة السؤال هل يجوز السفر للصلاة على الجنازة؟ الجواب أما إذا كان الإنسان لو لم يحضر لفقد إما لقرابته القريبة من الميت أو غير ذلك، فيقال: لماذا لم يأت فلان، ويكون الجواب بينه وبين قريبه عداوة، فهنا يتعين الحضور درءاً لكلام الناس وخوضهم، وكذلك لو كان كبيراً يفقد في هذه الجنازة فإنه يحضر دفعاً لألسنة الناس وتشكيكات المنافقين، أما الرجل العادي فالأولى ألا يفعل، لأن ذلك لم يكن معهوداً من السلف الصالح رضي الله عنهم، فقد مات العظماء في المدينة ومكة وغيرها ولم يسافر أحد للصلاة عليهم، بل إني لا أعلم أن أحداً سافر إلى المدينة ليصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق، ولأن هذا يؤدي إلى نفقات لا داعي لها، ولأن هذا يؤدي إلى أن يتباهى الناس في هذا الشيء ويتباروا فيه ويتماروا، فلو قال: فلان لم يذهب إلى جنازة فلان، ويقول آخر: نعم لأنه ليس عنده بشيء، فيكون سبباً للتعاير بين الناس وعير بعضهم بعضاً، وما دام الأمر ليس معهوداً عن السلف ويحصل به مفاسد فتركه أولى، لكن التحريم: لا أستطيع أن أقول: إنه حرام؛ لأن التحريم يحتاج إلى دليل بين، أما السفر إلى القبور فهذا حرام، لأنه سفر يقصد به مكان معين لشرف هذا المكان حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز السفر إلى زيارة قبره. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 9 حكم الفتح على الإمام إذا أخطأ في القراءة السؤال رجل يصلي السنة الراتبة في إحدى المساجد ثم جاءت جماعة وصلوا بجوراه فرضاً وذلك في الصلاة الجهرية ثم أخطأ الإمام في إحدى السور، ما موقف هذا الشخص الذي هو في السنة الراتبة، هل يرد عليه أم لا؟ ثم إنه سلم من سنته الراتبة وشرع بعد أن سلم هذا من السنة الراتبة وانتهى منها مع الجماعة الذين يصلون في السورة الثانية ثم أخطأ في نفس العملية، فما موقفه وهو يصلي وبعد أن انتهى من الصلاة، هل يرد عليه أم يتركه؟ الجواب إذا كان الخطأ يغير المعنى فالواجب أن يرد عليه؛ لأنه لا يجوز إقرار أحد على خطأ في كتاب الله عز وجل، وإن كان لا يغير المعنى فلا يلزمه، ولكن لما انتهى من الراتبة لم أفهم من السؤال أنه دخل معهم. هل دخل معهم أو أن هذه الراتبة بعدية؟ السائل: هذه الراتبة بعدية. الشيخ: إذاً الجواب كما سمعت. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 10 كيفية الطهارة والصلاة لمن أصابه مرض غير عضوي السؤال نشهد الله على محبتكم في الله، هناك امرأة كانت من خيرة النساء خلقاً وديناً؛ حيث تعلمت من أجل كتاب الله عز وجل، وبعد أن بلغت الخمسين أصابها مرض الخوف الشديد؛ حيث أنها تتخيل أشياء لا تُحَسُّ بالواقع وأصبحت تخاف من الوضوء ولا تتوضأ إنما تتعفر بالتراب، هل يصح لها ذلك؟ وأحياناً تؤخر الصلاة عن وقتها، فما رأي فضيلتكم بحال هذه المرأة؟ الجواب أولاً: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وجعلنا وإياكم من أحباب الله، هذه المرأة لا شك أن الذي أصابها مرض، ولا يحل لها أن تتيمم مع قدرتها على استعمال الماء، والواجب أن تصبر وتصابر وتضغط على نفسها حتى تصلي بالماء؛ لأن هذا الذي يصيبها عند الوضوء بالماء ربما يكون من الشيطان حتى يمنعها من فعل الواجب، والواجب أن تصلي على حسب حالها سواءً كانت قائمة أو قاعدة أو مضطجعة، ولا تؤخرها عن وقتها إلا إذا كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها وكان ذلك أرفق بها فلا بأس أن تجمع، وعليها وزر؛ لأن هذا ليس عجزاً بدنياً، نقول: اتقوا الله ما استطعتم، هذا عجز فكري وتخيلات، وهي إذا عزمت واستعاذت بالله من الشيطان الرجيم وكسرت هذه التخيلات انتفعت. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 11 حكم التبرع بالشي المحرم السؤال نحن أبناؤك يا شيخ! من حفر الباطن أتينا نعزيكم ونعزي أنفسنا في سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز رحمه الله، والسؤال يا شيخ: جمعية من الجمعيات الخيرية يأتيها بعض المساعدات، ومن ضمن هذه المساعدات ملابس صالحة للاستخدام لكن في بعض هذه الملابس مخالفات شرعية كعباءة الكتف أو العباءة الفرنسية كما يسمونها، أو بعض الثياب التي لها فتحة من الإمام ومن الخلف، فهل يجوز -يا شيخ! - إيصال هذه الملابس بشكلها للمحتاجين أم لابد من إتلافها؟ الجواب أقول: عظم الله أجر الجميع في فقد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وأسأل الله تعالى أن يجعل في خلفه خيراً. أما بالنسبة لهذه الملابس فإن كان يمكن تعديلها حتى تكون صالحة للبس فهذا طيب، ويجب في هذه الحال أن تعدل إلى الوجه السليم الشرعي ثم يتصدق بها، وأما إذا كان لا يمكن فلا يجوز أن يتصدق بها؛ لأن التصدق بها ولبسها حرام وإعانة على الإثم والعدوان، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، وفي هذه الحال يجب على قابض هذه الألبسة أن ينصح من أتى بها؛ لأنه ربما يكون جاهلاً لا يدري، ويقول: يا أخي! هذه لا يتقرب بها إلى الله، إذ لا يتقرب إلى الله بمعصيته أبداً، والآن عليك أن تتلفها أو تنقضها وتخيطها على وجه سليم. السائل: قد تأتي يا شيخ بأكياس مغلقة؟ الشيخ: إذا جاءت بأكياس مغلفة وأنت لا تدري من الذي جاء بها فاعمل بها كما ذكرت: إن أمكن تعديلها عدلها، وإن لم يمكن فأحرقها. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 12 حكم زكاة الحلي السؤال نشهد الله على محبتك يا شيخ محمد! ونحن من أبنائكم من أهل منطقة الرياض أتينا لزيارتكم -الله يحفظك- والسؤال في زكاة الذهب ما القول الصحيح فيها؟ الجواب يعني في الحلي أم في الذهب مطلقاً؟ السائل: في الذهب. الشيخ: في الذهب مطلقاً لا إشكال أن فيه الزكاة بإجماع المسلمين، كالدنانير والتبر وقطع الذهب، هذه ليس فيها إشكال، فيها زكاة على كل حال سواء أعدها الإنسان للتجارة أو للقنية، الخلاف في الحلي المباح، والعلماء اختلفوا فيه على عدة أقوال، أرجحها وجوب الزكاة مطلقاً إذا بلغ النصاب، فإذا كان عند امرأة أسورة وخواتيم وخروص تبلغ النصاب وهو: خمسة وثمانون جراماً، وجب عليها زكاته كل عام، وتقدر قيمته عند أهل الخبرة والمعرفة بقيمة الذهب وتخرج ربع العشر، سواء كان هذا أكثر مما اشترته به أو أقل. فمثلاً: إذا كانت اشترت هذه الحلي من الذهب بعشرة آلاف وعند تمام الحول صار يساوي خمسة فالواجب زكاة خمسة فقط، وإذا اشترته بخمسة وصار عند تمام الحول يساوي عشرة فالواجب زكاة عشرة. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 13 حكم الطلاق ثلاثاً على يد القاضي السؤال فضيلة الشيخ! تزوجت امرأة وهي الثانية منذ ما يقارب أربع سنوات، وقبل الزواج كما في العادات عندنا والتقاليد لا يسمحون أن تراها، في صباح اليوم التالي بعد ليلة الدخلة لاحظت أم البنت أن ابنتها غير طبيعية، وأنا لا أعرف من عاداتها شيئاً، فقالت أمها: إن البنت ليست طبيعية في عقلها وكذا، واستمرت على هذه الحالة تقريباً سنة عندي أعالجها، ذهبت بها إلى المستشفيات وإلى المشايخ أقرأ عليها ولكن لم تتحسن حالتها يا شيخ! فبعثتها إلى أهلها، وبعد سنة تقريباً أرسلت ورقة الطلاق، ذهبت إلى القاضي فقلت: يا شيخ! أنا أريد أن أطلق زوجتي لأنها مريضة لا أستفيد منها. فقال القاضي: طلقة واحدة؟ فقلت له: ثلاث طلقات، وعندما طلقتها جاءتني أخبار من عند أهلها أن البنت الآن أصبحت طبيعية، أي: ما عاد فيها شيء! هل يجوز مراجعة هذه المرأة أم لا؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك سؤال القاضي: هل هي ثلاث أو واحدة غلط عظيم، وخطأ وقلة بصيرة منه، فلماذا يسأل: هل واحدة أو ثلاث؟! الواجب أن يكتب الطلاق، طلق زوجته فلانة ويسكت؛ لأن بعض الذين يطلقون الثلاث ويأتون بالسكوت يقولون: نحن طلقنا ثلاثاً لأن القاضي ألجأنا، وقال: طلق ثلاثاً، والعوام لا يدرون، وربما يأتي في شدة غضب، ويقول له: طلقت واحدة أو ثلاثاً؟ فيقول: ثلاثاً، فهذه نصيحة أوجهها للقضاة أن يتقوا الله عز وجل وألا يسأل الإنسان: ثلاثاً أو واحدة؟ كأنهم يخيرونه بين المحرم والمباح، لأن الطلاق الثلاث محرم، فالواجب أن يكتب الطلاق، يقول: طلق فلان زوجته فلانة ويكتفي ويسكت، أما بالنسبة للجواب الخاص فلا بد أن يحضر هو والزوجة ووليها حتى نفتيهم بما نرى في هذه المسألة. السائل: يعني أخبر والدها بأن يأتي إلى فضيلتكم؟ الشيخ: لابد أن تأتي البنت ووليها. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 14 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (في مصلاه) السؤال فضيلة الشيخ! قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ولا يزال في صلاة ما دام في مكانه الذي صلى فيه مالم يحدث) هل المقصود نفس المكان، أو المجال والأمر في ذلك أوسع بحيث يشمل المسجد والمصلى؟ الجواب الظاهر أنه أوسع، أي: سواء كان في نفس المكان المعين أو في المصلى كله، وإذا أمكن ألا يتجاوز مكانه الذي صلى فيه أول ما أتى فهو أحسن. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 15 مقاطعة صاحب المعصية السؤال لي عم لديه مقهى ومحل تصوير ويشتغل في الحكومة، يعني: عنده راتب من الحكومة ولا أدري هل آتيه، وأنا أتيته وهجرني، فهل آكل من طعامه؟ الجواب يعني: تسأل هل يجوز أن تزوره وتأكل من طعامه أم لا؟ أولاً: ننصح العم عن منع فتح المحلات للتصوير أو المطاعم أو التجارة الأخرى ما دام موظفاً؛ لأن الحكومة تمنع من اشتغال الموظف بأي شيء من التجارات، وأخبره عني بأن عمله هذا حرام، فإما أن يدع الوظيفة، وإما أن يدع الشغل. ثانياً: التصوير إذا كان يقتصر على التصوير المباح كتسويق التابعية والرخصة وما أشبهها فلا بأس، وأما أن يصور ما هب ودب فهذا لا يجوز؛ لأن بعض الناس يصور تصاوير يجعلها كما يقول: ذكرى، واقتناء الصور ولو للذكرى حرام، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صور، أما بالنسبة لزيارتك إياه وأكلك من ماله فلا بأس، فإن النبي صلى الله عليه على آله وسلم كان يأكل من طعام اليهود، واليهود معروفون بأكل الربا وأكل السحت، وعمك إثمه على نفسه، وأنت ليس عليك منه أثم. السائل: قال لي يا شيخ عندما أتيته: لا أريدك ولا أريد أن تسلم علي، رفض أن يقابلني ويسلم علي، قال: لا تأتني ولا تسلم علي؟ الشيخ: إذا منعك فأنت معذور، أما إذا كان لا يمنعك ولكن يكره أن تأتي. السائل: لا. هو يمنعني؟ الشيخ: لكن يمنعك ألا تدخل؟ السائل: يعني: هو يبين لي ألا أدخل، وأتيت مرة أسلم عليه فقال: لا تسلم علي. الشيخ: لا يضر، سلم عليه والله تعالى مقلب القلوب، ربما يقول لك الآن: لا تسلم علي ويفتح الله عليه ويمكنك من السلام عليه. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 16 معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (راجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم طلقها) السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لحديث ابن عمر رضي الله عنه حين طلق زوجته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لوالد عمر حين طلقها وهي حائض: (راجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم طلقها) فكيف يكون الطلاق السني، هل يكون بعد حيضة أو حيضتين بناءً على هذا الحديث؟ الجواب هذا الحديث يدل على أنه إذا طلقها في الحيض فإنه يشدد عليه، ويقال: لا تطلق في الطهر الذي يلي الحيضة الذي طلقت فيها حتى تحيض مرة ثانية ثم تطهر، لكن هذا ليس على سبيل الوجوب، لأن في بعض ألفاظ الحديث مرة: فليراجعها، ثم: ليطلقها طاهراً أو حاملاً ولا يفيد التكرار، لكن إذا رأى المفتي أو القاضي أن يشدد على هذا المطلق ويمنعه ويحبسه حتى تطهر من الحيضة الثانية فهو خير، وإلا فلو طلق بعد الطهر من الحيضة التي وقع فيها الطلاق فالطلاق ماضٍ. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 17 صورة من بيع التقسيط المحرم السؤال بيع التقسيط للسيارت: تأتي سيارة لصاحب المعرض ثم يبيعها صاحب المعرض على شخص والشخص يقسطها على ثالث، صاحب السيارة التي اشتراها يبيعها ثم تعود إلى صاحب المعرض من جديد، وقد تعود إلى صاحب المعرض أكثر من مرة ومرتين، ما رأيك في هذا الموضوع؟ الجواب أرى أولاً: أن هذه المعاملة لا تجوز؛ أن يأتي شخص للتاجر، ويقول: أريد سيارة منك بالتقسيط، ثم يأمره التاجر بالذهاب إلى المعرض ويختار ما يشاء من السيارات، ثم يرجع إلى التاجر، ويقول: أختار السيارة الفلانية، فيشتريها التاجر من المعرض ثم يبيعها على هذا المحتاج، هذه حرام، ولا شك أنها حيلة؛ فإن التاجر بدل أن يعطي هذا الرجل قيمة السيارة نقداً، ويقول: قيمة السيارة عليك بكذا نقداً وعليك بأكثر إلى سنة، لا فرق بين هذا وبين أن يقول: اذهب واشترِ السيارة لي ثم أبيع عليك. واعلم أن المعاملات بالحيلة أشد إثماً من المعاملات الصريحة؛ لأن الذي يتحيل على محرم يكون قد فعل محرماً، ويكون قد خدع الإسلام وشابه اليهود، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) والمثل واضح، هذا رجل احتاج سيارة من معرض قيمتها خمسون ألف ريال، ثم ذهب إلى التاجر، وقال: إني احتجت إلى سيارة قيمتها خمسون ألف ريال أقرضني خمسين ألفاً مقسطة كل شهر أدفع ألفين، فأقرضه خمسين ألفاً نقداً مؤجلة كل شهر يدفع ألفي ريال، واشترى الرجل السيارة وذهب، هذه لا شك فيها أنها حرام لأن الدراهم بدراهم مع الفضل والتأخير، والفضل: الزيادة، أي فرق بين هذه الصورة وبين أن يقول التاجر: أشتري السيارة من أجلك بخمسين ألفاً نقداً وأعطيها المعرض ثم أبيعها لك بسبعين ألفاً مقسطة إلى ثلاث سنوات مثلاً؟! أي فرق بينهما في الصورة، لا فرق في الواقع، لا تجعلونا نلعب على الله عز وجل، لا فرق تماماً، بل هذه أخبث؛ لأن هذه حيلة على الربا, والأول رباً صريح، فاعل الربا الصريح يشعر بأنه أتى معصية ويخجل من الله عز وجل، ويحاول أن يتوب، وهذا الذي تحيل على الله يرى أنه في حل مما فعل، فلا يشعر بالخجل من الله عز وجل، ويستمر على ما هو عليه، ولا فرق بين الصورتين، ولا يغرنكم كثرة التعامل، وكثرة التعامل ليس بحجة؛ لأن الله يقول: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ، ويقول عز وجل: {وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39] فالمسألة واضحة جداً أنها حرام، حتى وإن أفتى بعض الناس بحلها فهو خطأ، والعاقل يعرف أيهما أعظم: هذه الحيلة أو حيلة اليهود الذين حرمت عليهم الشحوم فأذابوها أولاً، ثم باعوها وأكلوا ثمنها؟ الحيلة التي ذكرت لكم أشد من هذه الحيلة، لأن اليهود ما أكلوا الشحم بل ولا باعوا الشحم وإنما أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه. إذاً البيع على هذا الوجه حرام ولا يجوز، حتى لو أكل الإنسان خفاف الإبل فلا يتعامل هذه المعاملة. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 18 حكم مس المصحف للمحدث السؤال ما حكم مس المصحف للمحدث؟ الجواب الصحيح أنه حرام، وأنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف إلا من وراء حائل، لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور بين العلماء تلقته الأمة بالقبول: (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هو الذي تطهر من الحدث، لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة:6] ، وأما قول من قال: إن المراد من قوله: إلا طاهر: إلا مؤمن، فهذا بعيد، لأن ألفاظ الشارع إذا قصد بها المؤمن قال: إلا مؤمن ولا يقول: إلا طاهر. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 19 ختم الرسالة بقوله: (ولكم خالص تحياتي) أو (خالص شكري) السؤال بعض الخطابات في نهايتها يقول: ولكم خالص تحياتي أو خالص شكري، ما حكم هذه الكلمة؟ الجواب ليس فيها شيء؛ لأن المراد بخالص التحيات: التحيات الخالصة التي لا يشوبها رياء ولا سمعة، والله عز وجل قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ، ويقول عز وجل: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61] ولا يشك الإنسان إذا قال: لكم خالص تحياتي، أنه يريد التحيات التي لا تصلح إلا لله عز وجل، كما في قوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) هذا لا يطرأ على باله أبداً، والكلمات التي اعتادها الناس ولم يطرأ على بالهم أنها من المحظور وهي بنفسها ليست محظورة لا ينبغي أن نؤولها على الشيء المحظور بل ندع الناس وما عرفوه باصطلاحهم. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 20 حكم الكتابة على القبور أو وضع أرقام عليها لمعرفتها السؤال بعض المقابر يضعون على الجدر المحاذية للقبور حتى يعرف القبر الفلاني من قبر فلان، فما حكم هذا يا شيخ! هل هذا يفضي إلى شيء أشد من هذا؟ الجواب لا أظن أنه يفضي إلى شيء، لعل الذي كتب الرقم أقاربه يريدون أن يسلموا عليه، لكن إذا خشي أن يقع في مفسدة مثل أن يكون هذا الرجل صاحب مال تعظمه العامة به، أو صاحب علم، أو صاحب عبادة، فهنا يمنع، أما أنه رجل عادي ولا يعرفه إلا أقاربه فلا أرى في هذا بأساً. السائل: هذا يا شيخ! يوضع بصفة جماعية عندنا في الحضر، والمسئول يأمر الشخص المكلف بحفر القبور أن يرقم القبور؟ الشيخ: أهو بالنصائب؟ السائل: لا يا شيخ! دون النصائب. الشيخ: على الجدار؟ مثل أن يقول: قبر أبي في الصف الرابع في المكان بينه وبين الجدار خمسة قبور. السائل: نعم. الشيخ: هذا هو الذي تكلمت عنه، إذا كان رجلاً عادياً ولا يخشى أن يغلو الناس فيه فلا بأس. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 21 حكم التصوير بكاميرا الفيديو أو بالكاميرا الفوتوغرافية السؤال بالنسبة للتصوير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المصورين) هل تدخل كاميرا الفيديو في هذا الحديث؟ لا، لا يدخل في هذا الحديث ولا التصوير الفوتوغرافي، لأن المصور الفوتوغرافي لم يصور في الواقع؛ فهو ما خطط الوجه ولا العين ولا الأنف ولا الشفتين، غاية ما هنالك أنه سلط أضواء معينة تلتقط صورة هذا الشيء، الصورة التي كان عليها بخلق الله عز وجل، لكن اتخاذ الصور هو الذي فيه التفصيل، فهنا ثلاثة أقسام: القسم الأول: التصوير التمثيلي الذي يكون مجسماً، هذا حرام على المصور وعلى المشتري؛ لأن هذا صور صورة يضاهي بها خلق الله عز وجل. القسم الثاني: الصورة باليد، تخطيط، بمعنى: أنه يصور شكل آدمي أو شكل ذئب أو سبع أو ما أشبه ذلك، هذه أيضاً حرام على القول الراجح، وإن كان بعض السلف خالف فيها، ولكن القول الراجح أنها حرام. القسم الثالث: الصورة الملتقطة، فهذه لا تدخل في الحديث أصلاً، لأن الملتقط ما صور، غاية ما هنالك أنه ضغط على زر معين فالتقط الشعاع هذه الصورة على الورقة، وهذا ليس معروفاً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام حتى نقول: إنه يشمله اللفظ بالعموم، وإذا كنا نشك في دخوله في التصوير وهو لم يوجد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فإن الإنسان لا يستطيع أن يقول: هذا الرجل ملعون، أو إن هؤلاء القوم ملعونون، صعب، فالدخول في التحذير بدون قرينة أو بدون علم لا ينبغي، والإنسان يجب أن يتورع عن تحريم الحلال، كما يجب أن يتورع عن تحليل الحرام، بل إن المتجرئ على تحريم الحلال أشد إثماً من المتجرئ على تحليل الحرام، وهذا مع الشك كما مع اليقين أو الظن هذا شيء واضح أنه يجب أن يتبع ما غلب على ظنه؛ لأن المحرم حكم ومنع، حكم وهو في جانب حق الله عز وجل غلط؛ لأن التحليل والتحريم والحكم إلى الله عز وجل، (منع) : أي: منع الناس مما أحل الله لهم وهو لم يعلم أنه حرام، ولم يغلب على ظنه أنه حرام. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 22 من صور بيع التقسيط المحرم السؤال التقسيط الآن المنتشر بين الناس أنه محرم، هل من توجيه إلى حِله، إذا كان التعامل مع التقسيط شرعياً؟ الجواب التقسيط الحلال: أن يأتي على من عنده السلعة، ويقول: بع لي هذه السلعة التي تساوي الآن مائة بمائة وخمسين مؤجلة إلى سنة أو سنتين مثلاً، هذا ليس فيه شيء؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين، وأباح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لهم، أما أنه يتحيل: يشتري التاجر السلعة وهو لا يريدها أبداً وإنما يريد الربا الذي فيها، فلا يجوز التحيل على محارم الله، وعلى هذا فنقول للأخ المحتاج: اذهب أنت بنفسك إلى صاحب المعرض، وقل له: بع علي السيارة، التي تبيعها الآن بخمسين بعها لي بستين إلى سنة، وخذ الاستمارة وارهن السيارة إذا كنت تخشى أن أتلاعب بها. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 23 التحايل على التأخير عن وقت الدوام الرسمي السؤال ما رأيكم في بعض الموظفين الذين يأتون إلى دائرة أعمالهم في وقت متأخر ويكتبون وقت حضورهم في وقت مبكر من العمل في دفتر الحضور؟ الجواب أسألك: هل هذا صدق أو كذب؟ السائل: كذب. الشيخ: هل هو من الأمانة أو الخيانة؟ السائل: خيانة. الشيخ: هل الراتب الذي يأخذه كاملاً وهو ناقص في أداء عمله، هل يكون حلالاً أو بعضه حلال وبعضه حرام؟ السائل: بعضه حرام. الشيخ: إذاً: هذا الذي كتب تضمن فعله ثلاث جنايات: الكذب، والخيانة، وأكل المال بالباطل. السائل: ولكن مع العلم بأن مدير العمل متفق على ذلك معهم جميعاً. الشيخ: مدير العمل إذا وافق على هذا فيجب أن يعزل لأنه خائن ظالم لنفسه وظالم للموظف وظالم للدولة، وظالم لكل شخص ينتسب إلى هذه الحكومة، لأنه سوف يأخذ من بيت المال الذي هو للجميع ويعطي هذا الرجل بلا حق، فيجب أن يعزل عن مكانه، وأرجو منك إذا كان هذا متحققاً أن تثبته ثم ترفع بهذا الأمر إلى من فوق هذا الرجل المباشر حتى يتخذ الإجراء اللازم في مثله، لا تتهاون بهذا، ارفع بهذا الرجل لعله يؤدب حتى يتأدب هو ويتأدب به غيره. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 24 النهي عن الكتابة على القبور السؤال ما حكم النهي عن الكتابة على القبور؟ الجواب بلى. النهي عن الكتابة عن القبور أولاً: هذا ليس كتابة، إنما هو أرقام. ثانياً: ليس على القبر إنما في جانب، بل في الجدار يمكن بينه وبين القبر مسافة. ثالثاً: المراد بالنهي عن الكتابة: الكتابة التي فيها التبجيل والتعظيم لهذا الميت، كما كانوا يفعلونه في الجاهلية بدليل: أنه نُهي أن يجصص القبر، وأن يكتب عليه، وأن يجلس عليه، فجمع بين التعظيم وبين الإهانة فالمراد بالكتابة المنهي عنها: الكتابة التي يقصد بها التعظيم والتبجيل لهذا الميت، أما كتابة يقصد بها الإعلان فقط فلا بأس. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. الجزء: 205 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [206] في هذا اللقاء أتم الشيخ تفسير سورة الواقعة مبيناً بعض أحوال الموت وأقسام الناس في ذلك. ثم ختم لقاءه بالإجابة عن الأسئلة التي وردت إليه. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الواقعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من شهر صفر عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، وقد انتهينا في اللقاء الماضي إلى قول الله عز وجل في سورة الواقعة: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87] . الجزء: 206 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (فلولا إذا بلغت الحلقوم) قال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] (بلغت) أي: الروح، والذي يعين المرجع هنا هو السياق، كما في قول الله تبارك وتعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] (توارت) أي: الشمس, ولم يسبق لها ذكر لكن السياق يدل على ذلك، فمرجع الضمير تارةً يكون مذكوراً وتارة يكون معلوماً إما بالسياق وإما بشيء آخر، و (الحلقوم) هو: مجرى النفس، وفي جانب الرقبة الأسفل مجريان: مجرى النفس، ومجرى الطعام والشراب، مجرى الطعام والشراب يسمى: المريء، ومجرى النفس: الحلقوم, وهو: عبارة عن خرزات دائرية لينة منفتحة, أما المري فإنه بالعكس، فإنه كواحد من الأمعاء؛ لأن وجه ذلك أن مجرى النفس لا بد أن يكون مفتوحاً, لأن النفس لو كان مجراه مغلقاً لكان التنفس شديداً, ولكن برحمة الله جعل الله هذا مثل الأنبوب لكنه لين خرزات مستديرة حتى يهون على المرء رفع رأسه وتنزيل رأسه، أما المريء فهو مثل الأمعاء العادية, والطعام والشراب قوي يفتحه عند النزول إليه. وذكر الله الحلقوم دون المري؛ لأن الحلقوم مجرى النفس وبانقطاعه يموت الإنسان، أي: أنه إذا بلغت الروح الحلقوم وهي صاعدة من أسفل البدن إلى هذا الموضع وحينئذٍ تنقطع العلائق من الدنيا، ويعرف الإنسان أنه أقبل على الآخرة وانتهى من الدنيا. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأنتم حينئذٍ تنظرون) قال تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة:84] أي: تنظرون إلى الميت وما يعانيه من المشاق والسكرات, ولا تستطيعون أن تردوا ذلك عنه ولو كنتم أقرب قريب إليه, وأحب حبيب إليه, فإنه لا يقدر أحد على منع الروح إذا بلغت الحلقوم. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه منكم) قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أي: أهله، فإن الله تعالى أقرب إلى الحلقوم من أهله إليه، ولكن المراد: أقرب بملائكتنا، ولهذا قال: {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] والله تعالى يضيف الشيء إلى نفسه إذا قامت به ملائكته؛ لأن الملائكة عليهم السلام رسله, وليس هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه, ولكنه من باب تفسير الشيء بما يقتضيه السياق, أتدرون لماذا قلت هذا؟ لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أن الأقرب هو الله عز وجل, فلماذا تحرفونه؟ نقول: نحن لم نحرفه, بل فسرنا الآية بما يقتضيه ظاهرها؛ لأن الله قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85] ومعلوم أن الله لم يكن في الأرض حتى يكون المانع من رؤيته أننا لا نبصره إذاً: هم الملائكة لكننا لا نبصرهم, فإذا قلتم: كيف يضيف الله الشيء إلى نفسه والمراد الملائكة؟ قلنا: لا غرابة في ذلك, فإن الله يضيف الشيء إلى نفسه وهو من فعل الملائكة؛ لأنهم رسله, ففعلهم فعله, ألم تروا إلى قول الله تبارك وتعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16-18] (إذا قرأناه (المراد: قرأه جبريل وليس الله, لكنه أضاف فعل جبريل إليه لأنه بأمره, وهو الذي أرسله به. إذاً: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] أي: بلغت روح المحتضر الحلقوم صاعدة من أسفل البدن, (وأنتم) أيها الأقارب والأصدقاء تنظرون، حينئذٍ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} [الواقعة:85] أي: ملائكتنا أقرب إليه منكم؛ لأنهم حضروا لقبض الروح, والله تبارك وتعالى قد حفظ الإنسان في حياته وبعد مماته؛ في حياته هناك ملائكة يحفظونه من أمر الله, وبعد مماته ملائكة يقبضون روحه ويحفظونها لا يفرطون فيها إطلاقاً, فهم قريبون من الميت, ولكننا لا نبصرهم لأن الملائكة عالم غيبي لا يرون. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) قال تعالى: {فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:86-87] أي: فهلا إن كنتم غير مجزيين، أي: غير مبعوثين ومجازين على أعمالكم: {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87] ؟ الجواب لا يمكن, وحينئذٍ يجب أن تصدقوا بالبعث والجزاء, لأنكم لا تقدرون على رد الروح حتى لا تجازى, فأيقنوا بالبعث. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (فأما إن كان من المقربين فروح) ثم قسّم الله تعالى المحتضرين إلى ثلاثة أقسام, فقال: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة:88-89] اللهم اجعلنا منهم, (أما إن كان من المقربين) وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات, وأتوا بالمستحبات وتنزهوا عن المكروهات -أي: أكملوا دينهم- والمقربون هم السابقون السابقون, الذين ذكروا في أول السورة, السابقون إلى الخيرات. {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} اختلف المفسرون في قوله: (فَرَوْحٌ) فقيل: فراحة؛ لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به؛ لأنه بشّر عند النزع بروح وريحان ورب راضٍ غير غضبان, فيسر ويبتهج, ولا يكره الموت حينئذٍ بل يحب لقاء الله عز وجل, وهذا لا شك أنه راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها وغمومها, وقيل: الروح بمعنى الرحمة, كما قال الله تعالى عن يعقوب حين قال لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف:87] أي: من رحمته, وهذا المعنى أعم من الأول, لأن الرحمة أعم من أن تكون راحة أو راحة مع حصول المقصود, وإذا كان المعنى أعم كان حمل الآية عليه أولى, إذاً: فروح -أي: رحمة- ومن الرحمة الراحة. {وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} قيل: المراد بالريحان: كل ما يسر النفس, وليس خاصاً بالريحان الرائحة الجميلة أو الطيبة؛ بل كل ما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومشموم, وقيل: المراد بالريحان: الرائحة الطيبة كالريحان المعروف, أيهما أشمل؟ الأول أشمل فتحمل الآية عليه. {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} أي: جنة ينعم بها، وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه -جعلنا الله وإياكم منهم- جنة نعيم ينعم الإنسان فيها ببدنه وقلبه, فهو لا يتعب ولا ينصب، ولا يمرض ولا يحزن، ولا يهتم ولا يغتم, بل هو في نعيم دائم, الدنيا فيها نعيم لكن نعيمها منغص على حد قول الشاعر: فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرْ فهكذا الدنيا, إذا سررت يوماً فاستعد للإساءة من غدٍ, وإذا أُسِئتَ يوماً فقد تنعم في الثاني أو لا تنعم, على كل حال الجنة في الآخرة دار نعيم في القلب ودار نعيم في البدن. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من أصحاب اليمين) قال تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:90] وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا المحرمات لكن فيهم نقص في المستحبات والتنزه عن المكروهات: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] (سلام) أي: سلاماً, (لك) أي: لك أيها المحتضر, (من أصحاب اليمين) أي: أنت من أصحاب اليمين, والمعنى: فسلام لك حال كونك من أصحاب اليمين, الأولون من هم؟ المقربون الذين هم السابقون, هؤلاء أصحاب اليمين لا سابقون ولا مخذولون إنما بين بين, لكنهم ناجون من العذاب, ولهذا قال: {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:91] . الجزء: 206 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (وأما إن كان من المكذبين الضالين) القسم الثالث: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} [الواقعة:92] المكذبين بالخبر, الضالين في العمل, فلا تصديق ولا التزام, مثل الكفار, كل كافر داخل في هذه الآية حتى المنافق: {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ} [الواقعة:93] أي: فله نزل من حميم, و (النزل) بمعنى الضيافة التي تقدم للضيف أول ما يقدم, هؤلاء -والعياذ بالله- حظهم هذا النزل (من حميم) الحميم: هو شديد الحرارة: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:94] أي: يصلون الجحيم فيخلدون فيها, و (الجحيم) من أسماء النار أعاذنا الله وإياكم منها. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 9 تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو حق اليقين) قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة:95] (إن هذا) المذكور لكم, وهو انقسام الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة (لهو حق اليقين) أي: اليقين المحقق المتأكد, وصدق الله عز وجل, لا يمكن أن يخرج الناس عن هذه الأقسام الثلاثة, وهي: المقربون، وأصحاب اليمين، والمكذبون الضالون. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 10 تفسير قوله تعالى: (فسبح باسم ربك العظيم) قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:96] (سبح) بمعنى: نزه عنه كل نقص وعيب أو مماثلة للمخلوق, فهو منزه عن كل نقص لكمال صفاته، وعن مماثلة المخلوق, قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] أي: من تعب وإعياء. وقوله: {بِاسْمِ رَبِّكَ} [الواقعة:96] قيل: إن الباء زائدة, وإن المعنى سبح اسم ربك, كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وقيل: إنها ليست بزائدة وإن المعنى: سبح الله باسمه, فلابد من النطق بالتسبيح, فتقول: سبحان الله, أما لو نزهته بقلبك فهذا لا يكفي, فعلى هذا تكون الباء للمصاحبة, أي: سبح الله تسبيحاً مصحوباً باسمه. {بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الرب هو: الخالق المالك المدبر, والعظيم ذو العظمة والجلال جل وعلا, هذه السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي لكانت كافية في الحث على فعل الخير وترك الشر. ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1] ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون, وأصحاب اليمين, وأصحاب الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم الناس كلهم إلى ثلاثة أقسام: مقربون, وأصحاب يمين, ومكذبون ضالون, فهي قد اشتملت على كل شيء, وكما ذكر الله فيها ابتداء الخلق في قوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما, فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتدبرها إذا قرأها كما يتدبر سائر القرآن, لكن هذه السورة اشتملت على معانٍ عظيمة. وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 11 الأسئلة الجزء: 206 ¦ الصفحة: 12 بيان متى يبشر المؤمن عند الموت أو بعده السؤال عندما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (كلنا يكره الموت؟ فقال: إن المؤمن إذا بشر بلقاء الله أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه) هل البشرى عند الموت أو بعد الموت؟ الجواب عند الموت, وهذا الحديث ذكرت عائشة رضي الله عنها لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه, قالت: يا رسول الله! كلنا يكره الموت؟ -لأنها تعرف أن لقاء الله يحصل بالموت, كما قال الله جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)) [الانشقاق:6]- قال لها: ليس ذلك, وإنما المراد أن الإنسان إذا بشر عند الموت بالجنة أحب لقاء الله) ولهذا يظهر على وجوه بعض الموتى أثر السعادة والسرور, حتى أن رجلاً ذكر لي عن جد له من قبل أمه حضرته الوفاة وهو في المستشفى في غرفة, يقول: فما راعني إلا أن الغرفة امتلأت نوراً غير عادي, فخفت على نفسي, وإذا الرجل قد احتضر واستنار وجهه وجعل يتبسم, في هذا الحال يفرح الإنسان أن ينتقل إلى روح وريحان ورب راضٍ غير غضبان, فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه. أما الكافر -والعياذ بالله- تراه يبشر بعقوبة بالنار ورب غضبان فيكره الموت, ولهذا ترجع روحه وتتفرق في جسده فتنزع منه بشدة وقوة, أجارنا الله وإياكم من هذا. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 13 بشرى من رأى ملائكة بيض عند الاحتضار السؤال هناك إحدى النساء عند الاحتضار قالت لزوجة ابنها: أنقذيني من هؤلاء لابسين لبساً أبيض وجوههم بيض يريدون أن يذبحوني فأنقذيني منهم! فكيف تفسير هذا؟ الجواب هذه بشرى خير, ما دام أنها رأت ملائكة على هذا الوصف فهذه بشرى خير, لأن ملائكة العذاب -والعياذ بالله- على العكس من هذا؛ وجوههم سود وغير ملائم لطبيعة الإنسان. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 14 صحة رواية: نم نوم العروس إلى يوم القيامة؟ السؤال هل ثبتت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن الذي يرى مكانه في الجنة نام نومة العروس إلى يوم القيامة) ؟ الجواب بهذا اللفظ لم يرد, ولا أعلم أنه ورد, لكن ورد أنه يقال له: (نَم مستريحاً) أو كلمة نحوها. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 15 أسباب الفتور عن طلب العلم السؤال ما أسباب الفتور في طلب العلم؟ الجواب أسباب الفتور في طلب العلم أو غيره من فعل الطاعات: أولاً: ضعف الهمة والعزيمة, وإلا فالإنسان ينبغي كلما ازداد في طلب العلم أن يزداد نشاطاً لأنه يجد زيادة في معلوماته, فيفرح كما يفرح التاجر إذا ربح في سلعة فتجده ينشط, فإذا ربح في نوع من السلع ربحاً كثيراً تجده يحرص على أن يحصل على كمية كبيرة من هذا النوع, كذلك طالب العلم ما دام جاداً في طلبه الصادق فإنه كلما اكتسب مسألة ازداد رغبة في العلم, أما الإنسان الذي لا يطلب العلم إلا ليقضي وقته فقط فهذا يلحقه الفتور والكسل. ثانياً: أن الشيطان ييئس طالب العلم, يقول: المدى بعيد, ولا يمكن أن تدرك ما أدرك العلماء، فيكسل ويدع الطلب, وهذا خطأ. ذكر أحد المؤرخين عن أحد أئمة النحو وأظنه الكسائي أنه همّ بطلب العلم، وهو معروف أنه إمام في النحو, ولكنه صعب عليه -وأظن أن النحو صعب على كثير منكم- فهمّ أن يدعه, فرأى نملة تحمل طعماً معها تريد أن تصعد جداراً, فكلما صعدت سقطت, كلما صعدت سقطت, إلى عشر مرات أو أكثر! وفي النهاية وبعد التعب والإعياء صعدت, فقال: هذه النملة تكابد وتكدح كل هذه المرات حتى أدركت إذاً لأفعلن, فجدّ في الطلب حتى أدرك الإمامة فيه. ثالثاً: مصاحبة الأشقياء, فإن الصحبة لها تأثير على الإنسان, ولهذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبة الأخيار, وأخبر أن الجليس الصالح مثله كحامل المسك؛ إما أن يهدي لك منه, وإما أن يبيع، وإما أن تجد منه رائحة طيبة, وأن الجليس السيئ كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد رائحة كريهة, وهذه مسألة لها تأثير عظيم, حتى أنها تؤثر على الإنسان لا في ترك طلب العلم فقط بل حتى في العبادة, فإن بعض الملتزمين يسلط الله عليه رجلاً سيئاً فيصحبه ثم يهوي به في النار والعياذ بالله. رابعاً: التلهي عنه بالمغريات, وإضاعة الوقت, مرة يخرج يتمشى, وبعض الناس يكون مفتوناً بمشاهدة ألعاب الكرة وما أشبه ذلك. خامساً: أن الإنسان لا يشعر نفسه بأنه حال طلبه للعلم كالمجاهد في سبيل الله بل أبلغ, أي: أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله, لا شك في هذا؛ لأن طالب العلم يحفظ الشريعة ويعلمها الناس, والمجاهد غاية ما فيه أنه يصد واحداً من الكفار عن التأثير في الدين الإسلامي, لكن هذا ينفع الأمة كلها, صحيح أننا قد نقول لهذا الشخص: الجهاد أفضل لك لأنه أجدر به, ونقول للآخر: طلب العلم أفضل لك, لكن قصدي أن طلب العلم من حيث هو أفضل من الجهاد في سبيل الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] أي: وقعد طائفة: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] أي: القاعدون: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] . هذا ما حضرنا الآن من أسباب الفتور في طلب العلم, فعليك أيها الطالب أن تكون ذا همة عالية, وأن تترقب المستقبل, وأنك بإخلاصك النية لله قد تكون إماماً في الإسلام. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 16 حكم المسبوق إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام السؤال إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام فكيف يعمل المسبوق؟ الجواب إذا سجد الإمام بعد السلام فالمسبوق لا يتابعه، بل إذا سلّم الإمام من الصلاة قام المسبوق وقضى ما فاته, أما السجود فإن كان قد أدرك سهو الإمام وجب عليه أن يسجد بعد السلام, وإن كان الإمام قد سها قبل أن يدخل معه هذا المسبوق فلا سجود عليه. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 17 حكم تغيير موضع صلاة النافلة من مكان لآخر السؤال هل هناك أفضلية في تغيير موضع الصلاة من مكان لآخر؟ الجواب يعني إذا أدى الفريضة في مكان، فهل الأفضل أن يصلي النافلة في مكان آخر؟ الجواب: جميع النوافل الأفضل أن تكون في البيت, وعلى هذا فإذا قلنا: الأفضل أن تكون في البيت لزم من هذا التغيير, لكن إذا كان الإنسان يخشى إذا ذهب إلى البيت أن ينسى أو يحدث ويشق عليه أن يتوضأ أو ما أشبه ذلك أن يصلي في المسجد, قال العلماء: الأفضل أن يغير المكان إذا أمكن, واستدلوا بحديث معاوية رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نصلي صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم) وذلك ليكون هناك تمييز بين الفريضة والنافلة, ولهذا -والله أعلم- شرع للإنسان إذا قرأ الفاتحة جهراً أن يسكت قليلاً حتى يتبين أن القراءة الأولى فرض والثانية نفل. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 18 حكم ترك النوافل السؤال قال بعض العلماء: من ترك النوافل رغبة عنها وزهداً فيها فهو فاسق، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) ؟ الجواب هذا غير صحيح, والصواب أن ترك النوافل مما أباحه الله عز وجل, لأن القيام بالواجب هو الواجب, وهو الذي قد يكون تاركه فاسقاً, أما النوافل فلا, وأما قول الإمام أحمد رحمه الله: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة" فهذا يحتمل أن الإمام أحمد يرى أنه واجب, لأن بعض العلماء قالوا: إن الوتر واجب, ويحتمل أنه قال ذلك لأن الوتر قليل, والعلماء مختلفون في وجوبه, فكونه يتهاون بهذا الشيء القليل مع اختلاف العلماء في وجوبه دليل على أنه رجل سوء, فلا ينبغي أن تقبل له شهادة. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 19 بيان حال حديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء) السؤال حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجة: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) ما حكم الحديث من ناحية التصحيح والتضعيف, وترتيب العلماء عليه بعض القواعد؟ الجواب هو حديث ضعيف من حيث السند, لكنه صحيح من حيث المعنى, فالماء طهور, كل ماء نزل من السماء فهو طهور، كما قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48] وكل ماء نبع من الأرض فهو طهور، لأن الماء النابع من الأرض هو الماء النازل من السماء, كما قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:21] فإذا كان الأصل في المياه النازلة من السماء أو النابعة من الأرض الطهارة, فإنه لا يمكن أن تنتقل عن هذا الأصل إلا بما يغيرها, فإذا تغيرت بالنجاسة صارت نجسة. فالحديث سنده ضعيف ومعناه صحيح, وهذا يؤدي إلى قاعدة أحب أن تفهموها: أحياناً يكون السند صحيحاً والمتن ضعيفاً منكراً, فلا يجوز أن نعتمد على ظاهر السند, ومن ثم قال أهل العلم في الصحيح: إنه ما رواه عدل تام الضبط بسند متصل -هذه ثلاثة كلها تتعلق بالسند, إما بالرجال وإما بالسلسلة- وسلم من الشذوذ -وهو: مخالفة الأحاديث الصحيحة- والعلة القادحة, فأحياناً يكون السند ظاهره صحيحاً, لكن المتن منكر فلا يعول عليه. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 20 حكم من صلى المغرب مع من يصلي العشاء فأتم معه نسيانا ً السؤال إنسان سافر وأراد أن يجمع المغرب والعشاء ولكنه عندما دخل مع الجماعة في صلاة العشاء نسي وأتم الصلاة أربع ركعات على أنها المغرب فما حكمه؟ الجواب يسجد للسهو إن كان قد فاته شيء, وإلا تحمله الإمام عنه, وصلاته هذه هي المغرب على نيته. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 21 بيان معنى النجوى السؤال {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة:10] كلمة (النجوى) في هذه السورة ما معناها؟ الجواب النجوى: التناجي, كان المنافقون يتناجون سراً، إذا جلس عندهم مؤمن قام بعضهم يسار بعضاً من أجل أن يحزن المؤمن, المؤمن يحزن ويخشى أن هؤلاء يدبرون له كيداً, يحزن لأنهم احتقروه, فصاروا يتناجون من دونه, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه) فكان المنافقون يفعلون هكذا. وأنت الآن قسها في نفسك, لو كان معك اثنان وجلسا يتحدثان سراً وجعلاك صفراً على اليسار, أتحزن أم لا تحزن؟! ستحزن لا شك, فهؤلاء أقل ما تقول: احتقروني. ومن ذلك أيضاً: أن يتحدث بلغة لا تفهمها أنت ولو جهراً, فلو فرضنا أنهما يعرفان اللغة الإرتيرية وأنت لا تعرفها, وجعلا يتحدثان بها, فلا يجوز هذا, أو اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، المهم أنها لغة لا تفهمها وهم يتكلمون بها جهراً فإن ذلك داخل في النهي. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 22 بيان أن الجهل بالعقوبة المترتبة على فعل محرم ليس عذرا ً السؤال كنت طالباً في إحدى الجامعات وكنت أغش في اختبارات أعمال السنة, حتى في السنة الأخيرة -سنة التخرج في الفصل الدراسي الثاني- وقد تعينت مدرساً حسب تخصصي الدراسي في الجامعة, مع علمي بأن الغش حرام ولكن لم أكن أعلم أنه يترتب عليه شيء بخصوص الراتب, وأنا الآن تائب إن شاء الله، فماذا أعمل؟ الجواب هنا توجد مسألة انتبهوا لها, إذا كان الإنسان يعلم الحكم ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر, فلو فرضنا أن رجلاً محصناً متزوجاً وزنى وهو يعلم أن الزنا حرام لكنه لا يعلم أنه يرجم, هل نرجمه أم لا نرجمه؟! نرجمه؛ مع أنه يقول: لو علمت أن الإنسان يرجم ما فعلت, نقول: جهلك بالعقوبة ليس عذراً. كذلك رجل جامع زوجته في نهار رمضان، وقال: ما علمت أن في الجماع كفارة مغلظة, ظننت أن الإنسان يقضي يوماً وينتهي, ولو علمت أن فيه الكفارة المغلظة ما فعلت, هل يعذر أم لا يعذر؟! لا يعذر، بل يجب أن يكفر، المهم أن الجهل للعقوبة ليس عذراً, ما هو العذر؟ الجهل بالحكم هذا هو العذر, ولهذا لو جامع إنسان زوجته في نهار رمضان وقال: لا أدري أنه حرام، إنما ظننت أن الأكل والشرب هو الحرام فقط, نقول: ما عليك شيء لا قضاء ولا كفارة. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 23 بيان معنى الاسترقاء السؤال ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب, ثم ذكر أنهم لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) السؤال: الإنسان قد يصاب له أخ أو قريب أو صديق فيطلب الرقية له, أو الاكتواء, فهل يكون هذا مما كرهه أهل العلم؟ الجواب لا. يخرج, إذا كان الذي جاء بالراقي غير المريض فإنه لا يضر, ولا يخرج من هذا الوصف أنه لم يسترقِ. السائل: أليس طلب الإسترقاء؟ الجواب: لا ما طلب, الذي جاء به صديقه أو أخوه أو قريبه دون أن يطلب, ودون أن يمنع, فهو ما طلب ولا منع فلا يخرج عن هذا الوصف أنه لم يسترقِ. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 24 حكم رواية (لا يرقون) السائل: ما رأيكم فيمن ذهب إلى أن رواية (لا يرقون) عدم ثبوت مشروعية الرقي؟ الجواب هذه الكلمة انفرد بها مسلم وهي منكرة ولا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي على أصحابه, هل نقول: خرج من هذا؟ هذه من شاهد الكلام أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن منكراً, ومثل ما انفرد به مسلم: (أفلح وأبيه إن صدق) , فإن كلمة (أبيه) هذه منكرة شاذة فلا تعارض قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم) أشياء كثيرة من هذا النوع, ووجه هذه القاعدة التي ذكرت لكم أن: وهم الواحد من الرواة أقرب إلى هدم قاعدة من قواعد الشريعة. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 25 حكم تداخل النية في العبادات السؤال بالنسبة لتداخل العبادات كسنة العشاء والاستخارة مثلاً, أو صيام الإثنين والخميس في ستة أيام من شوال, فكيف ندخل النية؟ وما هو الضابط حتى لا تتداخل؟ الجواب إذا كان المقصود الفعل تداخلت, وإذا كان المقصود نفس العبادة لم تتداخل, فمثلاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فدخل رجل وصلى ركعتين راتبة الفجر, الآن هل جلس قبل أن يصلي ركعتين أم صلّى ركعتين؟ صلّى ركعتين, والمقصود أن يصلي ركعتين وحصل. يصلي في سنة الظهر ركعتين وركعتين قبل الصلاة, لو قال: سأجعل الركعتين عن الأربع فهل هذا يجزئ؟ لا يجزئ؛ لأن المقصود فعل نفس الأربع. صلاة الاستخارة اختلف العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: (فليصل ركعتين من غير الفريضة) هل لو صلّى الراتبة واستخار بعدها يحصل له المقصود أم لا بد أن تكون للاستخارة صلاة مستقلة؟ من قال: إن قوله: (من غير الفريضة) يشمل النوافل كلها حتى الرواتب وحتى تحية المسجد وسنة الوضوء قالوا: يجزئ, فاستخر بعد الراتبة ولا مانع. ومن قال: إن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه لا بد أن تكون الاستخارة صلاة مستقلة, وهذا هو الأقرب عندي قول من قال: إنه لا يجزئ إلا أن يصلي صلاة خاصة للاستخارة. أما مسألة الإثنين والخميس، فالإنسان إذا صام يوم الإثنين والخميس ثلاثة أسابيع صدق عليه أنه صام ستة أيام من شوال, ويحصل له أجر صيام الإثنين والخميس, لكن في ستة من شوال المتابعة فيها أفضل من تحري الإثنين والخميس, بمعنى أنك تصوم بعد العيد مباشرة وتكمل الست كلها. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 26 حكم قوم جمعوا مالاً لاستثماره ثم أخذه أحدهم بزيادة السؤال مجموعة من الأشخاص يضعون شهرياً مبلغاً من المال -مائة ريال أو خمسين ريالاً- بمبلغ غير متساوٍ, وبعد مضي سنة أو سنتين يشترون بها سلعة معينة من أجل بيعها والاستفادة منها, إما بثمن حال أو بثمن مقسط, فيسأل بعض الأشخاص العشرة أو الخمسة عشر لو أخذها واحد منهم بالتقسيط من الأشخاص أنفسهم أيجوز له أم لا يجوز؟ الجواب لا يجوز هذا, يعني هم يجمعون من الراتب كل شهر مائة ريال, وإذا اجتمع عندهم جزء كبير من المال اشتروا به سلعة للتكسب, يقول: هل يجوز أن يأخذها واحد منهم بزيادة؟ فالجواب: لا يجوز, لأن هذا رباً. لكن اسأل سؤالاً آخر: هل في هذه الدراهم زكاة أم لا؟ فالجواب: فيها زكاة؛ لأنها إما نقد وإما عروض إذا اشتروا بها السلعة للتكسب. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 27 استغلال الإجازة في طلب العلم والدعوة إلى الله السؤال أفضل ما يقضى به الوقت في الإجازة؟ الجواب أفضل شيء: نشر العلم والدعوة إلى الله عز وجل إذا كان عند الإنسان قدرة، أو الانكباب على طلب العلم. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك, اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الجزء: 206 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [207] في هذا اللقاء شرع الشيخ في تفسير وبيان سورة الحديد، واقتصر في هذا اللقاء على تفسير الآية الأولى من السورة مبيناً ما تحتوي عليه كلمة (سبح) من معانٍ، وما هو تسبيح الكائنات؟ وكيف يكون تسبيح الكافر؟ الجزء: 207 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر صفر عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به وهو تفسير القرآن الكريم, لأن المقصود من إنزال القرآن الكريم هو التدبر -أي: التفكر في معانيه- ثم الاتعاظ به -أي: العمل به- قال الله تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فبين الله الحكمة من إنزاله, أنه للتدبر والاتعاظ: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] أي: يتعظوا به, (أولو الألباب) : أي أصحاب العقول. وكان الذين يقرءون القرآن من الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل, فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً, أما أكثر المسلمين اليوم فإنما يقرءون القرآن تلاوة فقط يرجون به ثواب الله عز وجل ولا شك أن هذا خير, ولكن تمام الخير أن تعرف المعنى، فإن كونك تقرأ كتاباً لا تعرف معناه لا فائدة من قراءته, بل أنت أمي وإن قرأت القرآن, لقول الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا قراءة, فسماهم الله تعالى أميين, لأنهم لا يفهمون, ومن ثم أحث إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم على فهم القرآن الكريم قبل كل شيء، ثم الاتعاظ به، وهو: العمل به تصديقاً بأخباره، وامتثالاً لأوامره، واجتناباً لنواهيه. فمن ثم آثرنا أن يكون ابتداء هذا اللقاء المبارك هو تفسير ما تيسر من كتاب الله عز وجل, وقد انتهينا من أول المفصل من سورة ق إلى آخر سورة الواقعة. واليوم نبتدئ بسورة الحديد. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض) قال الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] معنى (سبح) أي: تنزه الله عز وجل عن كل عيب ونقص وعن مماثلة المخلوقين, دليل تنزهه عن كل عيب ونقص: قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] (اللغوب) التعب والإعياء, وهذا يدل على كمال قوته عز وجل, وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] ، وقال تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74] فنزه الله نفسه عن الغفلة, وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44] فنزه نفسه عن العجز. المهم أن التسبيح يعني: تنزيه الله من كل نقص وعيب وعن مماثلة المخلوقين, دليل ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . أثبت الله لنفسه وجهاً في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:27] فنسأل: هل وجه الله كوجه المخلوق؟ لا. لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . أثبت لنفسه أنه استوى على العرش, والإنسان يستوي على البعير بأن يركب ويستقر ويعلو عليه, فهل استواء الله على العرش كاستواء الإنسان على البعير؟ لا يمكن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . إذاً: كل صفة يثبتها الله لنفسه وللمخلوق مثلها فإن ذلك موافقة في الاسم فقط, أما في الحقيقة فليس كمثله شيء, أثبت الله لنفسه علماً وأثبت للمخلوق علماً, قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:10] فأثبت لنا علماً, وأثبت لنفسه علماً: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:187] فهل العلم الذي أثبته لنفسه كعلم المخلوق؟ لا. والدليل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . إذاً: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (سبح) بمعنى نزه، والتنزيه عن شيئين: عن النقص, وعن مماثلة المخلوقين, لا يمكن أن يماثله شيء من المخلوقات لا في ذاته ولا في صفاته, ولهذا لا يمكننا أن ندرك الله عز وجل, نعلمه بآياته وصفاته وأفعاله لكننا لا ندرك حقيقته عز وجل, لأنك مهما قدرت من شيء فالله تعالى مخالف له غير مماثل. قوله: {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:1] أي: كل ما في السماوات والأرض فإنه يسبح الله عز وجل وينزهه, يشمل الآدميين والجن والملائكة والحشرات والحيوانات وكل شيء, فكل ما في السماوات والأرض يسبح الله. وهل يسبحه بلسان مقال؟ بأن يقول: سبحان الله! أم بلسان الحال بمعنى: أن تنظيم السماوات والأرض والمخلوقات على ما هي عليه يدل على كمال الله عز وجل وتنزهه عن كل نقص؟ الجواب إنه يسبح الله بلسان الحال وبلسان المقال, إلا الكافر فإنه يسبح الله بلسان الحال لا بلسان المقال, لأن الكافر يصف الله بكل نقص، يقول: اتخذ الله ولداً, ويقول: إن معه إلهاً, وربما ينكر الخالق أصلاً! لكن حاله وخلقته وتصرفه تسبيح لله عز وجل. إذاً: لو سألنا: هل تسبيح ما في السماوات والأرض بلسان الحال أم بلسان المقال؟ الجواب: بلسان حال ولسان مقال, إلا الكافر فإنه بلسان الحال لا بلسان المقال. سؤال: هل الحشرات والحيوانات تسبح الله بلسان المقال؟ الجواب: نعم. قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] الذر يسبح الله بلسان المقال, الحشرات كلها تسبح الله بلسان المقال, الحصى يسبح الله, كما كان ذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن الكافر لا يسبح الله بلسان المقال بل بالعكس. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم) قال تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] (العزيز) ذو العزة, والعزة هي: الكبرياء والغلبة والسلطان وما أشبه ذلك, إذاً العزيز هو ذو السلطان الكامل والغلبة الكاملة فلا أحد يغلبه عز وجل, يقول الشاعر الجاهلي: أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب إذاً: (العزيز) الغالب في سلطانه وقدرته وقوته وغير ذلك. (الحكيم) : لها معنيان: المعنى الأول: ذو الحكمة. والمعنى الثاني: ذو الحكم التام. فهي مشتقة من شيئين: من الحكمة والحكم, الحكمة هي: أن جميع أفعاله وأقواله وشرعه حكمة وليس فيها سفه بأي حال من الأحوال, ولهذا قيل في تعريف الحكمة: هي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها, فما من شيء من أفعال الله أو من شرع الله إلا وله حكمة, إذا قدر الله الحر الشديد الذي يهلك الثمار فهو حكمة بلا شك, وإذا منع الله المطر فهو حكمة, وإذا ألقى الله الموت بين الناس فهو حكمة, كل شيء له حكمة, الشرائع إذا أحل الله البيع وحرم الربا فهو حكمة في تحليله وحكمة في تحريمه, لأنا نعلم أن الله حكيم, ففرق عز وجل بين البيع والربا؛ فالبيع أحله، والربا حرمه، وإذا قال قائل: لماذا؟ قلنا: الله أعلم، الله عز وجل حكيم, ولهذا لما قالت المرأة لـ عائشة رضي الله عنها: (يا أم المؤمنين! ما بال الحائض تقضي الصوم إذا حاضت في رمضان ولا تقضي الصلاة؟ -سؤال فيه إشكال- قالت لها -رضي الله عنها-: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) استدلت رضي الله عنها بالحكم على الحكمة, لأنا نعلم أن الله عز وجل حكيم, فلم يوجب عليها قضاء الصوم دون قضاء الصلاة إلا لحكمة, لكننا أحياناً نعرف الحكمة وأحياناً لا نعرفها. البيع والربا لماذا أحل الله البيع وحرم الربا؟ نقول: لأن الله أحل البيع وحرم الربا, ولذلك لما قال أهل الربا: إنما البيع مثل الربا, رد الله قولهم، فقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] . إذاً الحكيم: مشتق من الحكمة وهي: وضع الشيء في موضعه, فإذا حكم الله بشيء شرعاً أو حكم بشيء قدراً فلا يشكل عليك, إن وفقك الله لمعرفة الحكمة فهذا خير, وإن لم تعرف فاعلم أن الله حكيم. أيضاً: له الحكم عز وجل, قال الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] فالحكم لله عز وجل, من يستطيع أن يرفع حكم الله عز وجل فيما إذا نزل به الموت؟ لا أحد. قال الله تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83-87] لا يمكن هذا, لأن الله حكم بهذا, إذا حكم عز وجل بحروب وفتن، من يرفع هذا؟ الله عز وجل, الحكم له. في الأمور الشرعية من الذي يحكم بين الناس بالشرع؟ الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] فالحكم لله عز وجل, فإذا عرفت أن الله تعالى له الحكمة فيما شرع وفيما خلق وقدَّر حينئذٍ تستسلم ولا تجادل؛ لأن الذي حكم بذلك هو الله, إذا علمت أن الحكم لله عز وجل بين العباد فإلى أي شيء ترجع في الأمور الشرعية؟ إلى الكتاب والسنة, وفي الأمور القدرية ترجع إلى الله, إذا حكم عليك بالمرض تفزع إلى الله عز وجل, إذا حكم عليك بالفقر تفزع إلى الله: اللهم اقض عني الدين وأغنني من الفقر. فإذا آمن الإنسان بأن الحكم كله لله, إن كان حكماً قدرياً استسلم، وقال: هذا أمر الله وأنا عبد الله ولا يمكن أن يكون سوى ما كان, وإذا كان شرعياً، قال: الله عز وجل أعلم وأحكم بما يصلح للعباد. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 207 ¦ الصفحة: 5 بيان مراد الشيح ابن عثيمين في بعض مصطلحاته العلمية السؤال بعض المصطلحات العلمية عن فضيلتكم, إذا قال الشيخ ابن عثيمين: الراجح، ولم يحدده بقوله: عندي, هل هو الراجح عند الشيخ أم عموماً؟ الجواب الراجح عندي, إذا قيل: الراجح أو الصحيح فهو عندي وإن لم أحدد. السائل: إذا قال الشيخ ابن عثيمين: لا ينبغي، هل ترتقي للتحريم؟ الجواب: لا. السائل: أو لا أرى ذلك؟ الجواب: أيضاً ليست للتحريم, لأنه -حقيقة- أحياناً يكون الأمر مشتبهاً فأقول: لا أرى ذلك، ولا أقول: حراماً أو مكروهاً؛ لأن هذا يحتاج إلى دليل, ولهذا كان الأئمة الذين نحن أصغر من خناصرهم يقولون: لا ينبغي أو لا أراه, الإمام أحمد يسأل عن شيء يقول: لا أراه أكره ذلك لا ينبغي لأن التحريم ليس بهين, التحريم والتحليل صعب, وكان بعض العلماء لا يقول عن شيء محرم إلا ما صرحه القرآن بأنه حرام أو السنة. السائل: وقولك لا يجوز؟ الجواب: لا يجوز يعني: حرام, عندي وعند غيري. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 6 بيان أن الحكمة تكون للخالق والمخلوق السؤال الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، هذا بالنسبة لله تعالى, تعريف ابن القيم يقول: الحكمة فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي, للمخلوق أو الخالق سبحانه وتعالى؟ الجواب للمخلوق والخالق, حتى الإنسان الحكيم إذا كان يتصرف ولا يتصرف إلا حيث كان التصرف خيراً فهو حكيم, يقول الشاعر: إذا كنت في حاجة مرسلاً فأرسل حكيماً ولا توصه الجزء: 207 ¦ الصفحة: 7 حكم التأجير المنتهي بالتمليك في وكالات السيارات السؤال قضية التأجير المنتهي بالتمليك في وكالة سيارات, تأتي إليهم تستأجر سيارة فتدفع دفعة مقدمة, ثم تبدأ بالقسط الشهري، والسيارة باسم الشركة, أي: لا تملك بيعها إلا أنك تقودها فقط بإذن منهم, وفي النهاية هناك من الشركات من تطلب منك دفعة مؤخرة لكي تتملك بها السيارة, وهناك من تكتفي بسداد الأقساط، فما حكم ذلك؟ الجواب لماذا لا يقولون: أجرتك السيارة لمدة ثلاث سنوات, وبعد تمام ثلاث سنوات تشتريها أنت أو غيرك؟ لماذا لا يكون هذا؟ إذا أجرني السيارة لا يمكن أأجرها, لكن أتعرف ما هو السبب. أولاً: هم أذكياء، هم يريدون أنها إذا تلفت في هذه المدة تكون عليك أنت, لأنها ملكي أبيعها عليك. ثانياً: إذا كانت تؤجر في الشهر بألف ريال يكون عليك بألفي ريال, لأنك في النهاية ستملكها, ولهذا كانت هذه المعاملة قيد البحث والمناقشة في هيئة كبار العلماء، وربما إن شاء الله يصدرون فيها فتوى عن قريب, فأنت لا تستعملها حتى تخرج الفتوى. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 8 حكم من دخل المصلى: هل يصلي تحية المسجد؟ السؤال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) أو كما قال صلى الله عليه وسلم, ولكن إذا دخل المسلم المصلى، مثلاً: عندنا في العمل مصلى وليس مسجداً، فهل يصلي ركعتين؟ الجواب فليس له حكم المسجد, إن شئت فاجلس, لكن كيف تحرم نفسك الركعتين سوف تحتاجها أشد الحاجة بعد الموت, متى كانت فرصة للصلاة فأكثر. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 9 كيفية استغلال الإجازة السؤال ما نصيحتكم لنا مع بداية الإجازة الصيفية؟ والطلب بصفة عامة؟ الجواب الناس يختلفون, أحدهم يسافر مكة والمدينة , وأحدهم يسافر لصلة الرحم وزيارة الأقارب, وأحدهم يبقى في طلب العلم, ولا شك أن أفضل ما يكون طلب العلم, أفضل من الذهاب إلى مكة والمدينة؛ لأن طلب العلم لا يعدله شيء, لكن ربما يكون الإنسان عنده ملل ويحب أن يرفه عن نفسه بعض الشيء ويسافر أسبوعاً ثم يرجع إلى بلده. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 10 حكم التثبت في الأخبار دائماً وإن كان الناقل أميناً السؤال عندما يأتي أحد بخبر لي، وقلت له: لا بد أن نتثبت لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فيقول: هل أنا فاسق؟ أو تعتقد أني فاسق؟ فما رأيكم في هذا؟ الجواب التثبت يحتاج الإنسان إليه من جهتين: الأول: من جهة الأمانة, وهذا هو الذي يعنيه قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات:6] لأن الفاسق ليس بأمين. الثاني: من جهة القوة, وهو قوة الحفظ تلقياً وأداءً من حيث السرعة والعجلة, فأنا إذا قلت: سأتثبت. لا أقول: إنك فاسق، أنت عندي عدل, لكن قد تفهم الشارع خلاف ما يراد به وقد تتعجل وقد تنسى. ولا ينبغي للإنسان إذا أخبره شخص ظاهره العدالة أن يقرأ الآية، لا يجوز, لأنه إذا قرأها عندما يخبره يعني أن الرجل فاسق وهذا لا يجوز, لكن تقول: أنا الآن سمعت ما تقول، وسأبحث في الموضوع إذا كان في شك. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 11 نصيحة للطالب المبتدئ السؤال ما نصيحتكم لطالب العلم المستجد في طلب العلم؟ الجواب نصيحتي بارك الله فيك: أولاً: إخلاص النية لله عز وجل, هذا أهم شيء؛ ألا يريد بطلب العلم إلا رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وحفظ الشريعة والدفاع عنها, لا يريد جاهاً ولا يريد مرتبة ولا راتباً. ثانياً: أن يعمل بما علم, حتى لو لم يتعلم إلا مسألة في اليوم يطبقها مباشرة لكي يستفيد, أما أن يكدس العلوم بدون عمل ويصير كأنه نسخة كتاب, فهذا الغالب عليه أنه لا يوفق. ثالثاً: أن يتخذ شيخاً يثق به في علمه وأمانته, فلا بد من شرطين: علمه وأمانته, لأن من لا تثق بعلمه ربما يقول عن جهل, ومن لا تثق بأمانته ربما يتكلم في بدع وضلالات يقصد بذلك إضلال الناس والعياذ بالله. ثم ليختار من العلوم الأقل فالأقل, بمعنى إذا أراد أن يقرأ في الفقه ينظر إلى الكتب المختصرة في الفقه, ويتدرج شيئاً فشيئاً, لأن الإنسان لو أراد أن يصعد إلى السطح أول خطوة يخطوها عبر الدرج واحدة ثم الثانية فالثالثة حتى يصل إلى السطح, وهذا مع توفيق الله للعبد. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 12 بيان تفسير الأحلام لا يكتسب بل هو ملكة السؤال ما رأيكم فيمن يقول: إن تفسير الأحلام يعود لملكة الشخص، فهل هناك ضوابط شرعية في تفسير الرؤى والأحلام؟ الجواب هي صحيحة، تعبير الرؤيا ليس مكتسباً, لكنه شيء يقذفه الله في قلب الإنسان, ولهذا تجد بعض المعبرين جهالاً لا يعرفون شيئاً من الدين ومع ذلك يعبرون, ومع التمرن يكون مكتسباً, وليس هناك قواعد يمشي عليها الإنسان, لأنه قد يخطئ خطأً كثيراً في التطبيق, إذ قد تكون صورة الرؤيا واحدة وتختلف اختلافاً عظيماً بحسب الرائي وبحسب الحال، ولكن الذي أنصح به إخواننا ألا يهتموا بهذا الأمر كثيراً, لأنهم إذا اهتموا بهذا كثيراً لعب بهم الشيطان في منامهم, فيأتيه كل ليلة يريه رؤيا تفزعه, ثم يطلب من يؤولها أو من يعبرها, والإعراض عن هذا أحسن بكثير, وإذا رأى ما يكره فلا يحاول أن تعبر له, بل يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ولا يخبر أحداً بهذا, وحينئذٍ لا تضره شيئاً, قال الصحابة رضي الله عنهم: [كنا نرى الرؤيا في المنام ونمرض منها, فلما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استرحنا] إذا رأيت ما تكره فافعل هذا, ولا تحرص على ملاحقة الرؤى. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 13 حكم الضرب بالدفوف والغناء في مناسبات الزواج السؤال هل من السنة في مناسبة الزواج الضرب بالدفوف؟ وهل يضرب الدف الأطفال أم أن يؤتى بالمغنيات؟ وهل السنة الغناء الماجن أو الإنشاد؟ الجواب المقصود من ضرب الدف والغناء شيئان: 1/ إعلان النكاح وإظهاره, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح, واضربوا عليه بالغربال) أي: بالدف. 2/ الفرح, لأن النفس إذا فرحت تحب أن تطرب بعض الشيء, فلهذا رخص لها من المعازف بالدف والغناء, الغناء المناسب ليس غناء المجون والغزل, والأشياء التي تثير الشهوة, وما عدا الدف من آلات اللهو كالطبل والمزمار والربابة وما أشبه ذلك هذا لا يجوز. السائل: ولكنها تستنبط من أشرطة غنائية؟ الجواب: لا يجوز السماع لها, لكن الحمد لله هناك أناشيد كثيرة فيها الترحيب والتحية للقادمين إلى مكان الزفاف يستن بهم ذلك. السائل: حتى وإن كان جلبهن غالي الثمن لأن أقل شيء بثلاثة آلاف ريال؟ الجواب: مسألة المغالاة هذه خطأ, نبحث عن واحد بثلاثمائة ريال, الله ييسر, وأما المغالاة بعض الأحيان الواحدة بثلاثة آلاف وبعضهن بعشرة آلاف وبعضهن بأكثر, فهذا إضاعة للمال. السائل: ما يجب على ولي المرأة؟ الجواب: يجب عليه أن يمنع هذا, ويجب أيضاً على أهل الرجل أن يوافقوا على منعه, لأن المشكلة أحياناً أن أهل الزوجة لا يرغبون هذا الشيء, لكن أهل الزوج يقولون: لا بد أن يفعل بولدنا مثلما فعل بولد فلان, أحياناً أهل الزوج لا يرغبون وأهل الزوجة يقولون: يجب، بنتنا ليس فيها قاصر لا بد أن نفعل كما فعل ببنت فلان, لكن العاقل يعرف كيف يتحكم. السائل: بعض النساء تقول: إني أذهب ولكن لا أهتم؟ الجواب: لا تذهب. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 14 من منع من أداء صلاة الجمعة السؤال طالب مسافر إلى دولة أجنبية للدراسة، لكن دراسته توافق صلاة الجمعة, وهم لا يسمحون له أن يصلي الجمعة, فماذا يفعل في هذه الحالة؟ الجواب إذا منعوه بالقوة فهو معذور, ويصلي ظهراً. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 15 حكم من دخل المسجد قبل الفجر فأوتر بركعة هل تجزئه عن تحية المسجد السؤال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد حتى يصلي ركعتين) أحياناً تقع في الحرم, يدخل الإنسان متأخراً قبل الفجر فيريد أن يوتر ركعة واحدة, فهل تجزئ الركعة, وهل يكون مفهوم حديث الركعتين ما يؤخذ بالأقل كأن تجزئ الركعة عن تحية المسجد؟ الجواب نعم. الوتر يغني عن الركعتين, وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين؛ لأن هذا هو الغالب, متى يأتي شخص يدخل من أجل أن يوتر بركعة, والنادر فيما يقول العلماء تابع للكثير. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 16 حكم صلاة المسافر خلف إمام مسافر فأتم نسيانا ً السؤال إذا صلى المسافرون خلف إمام مسافر ولكنه نسي فأتم الرباعية, هل يتابعه المأتمون؟ الجواب يتابعوه, لكن الواجب أن المأموم إذا قام إلى الثالثة يسبح به, ثم الواجب على الإمام أن يرجع ويسجد للسهو بعد السلام. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 17 حكم بيع إصدارات الأشرطة وجعلها في عمل خيري واحتكار هذا الإصدار السؤال بعض المشايخ يخرج بعض المحاضرات بمبلغ من المال, كأن يقول: أخرج الشريط أو المحاضرة بثلاثمائة ألف ريال مثلاً أو أربعمائة ألف، ويضعها في وجوه الخير, ويحفظ حقوق طبع الشريط, هل جائز هذا؟ الجواب ليس بجائز. السائل: هو يقول: أفعل هذا وأضعه في وجوه الخير؟ الجواب: هذا من وجوه الخير، نشرها بين الناس من وجوه الخير, أفضل من أن تتصدق بها على فقير. السائل: بعض المشايخ لا يأخذون مبالغ مقابل حفظ حق الشريط ويحفظ حقوق الطبع لتسجيلات معينة, والتسجيلات هذه لا توفر الشريط هذا لكل المناطق, كأن يصعب توفيره لبعض المناطق وبعض القرى التي في الشمال أو الجنوب, ويصعب وجود الشريط في تلك المنطقة, هل هذا صحيح؟ الجواب: الواجب على من اتفق مع صاحب المحاضرات أن يوفر هذا للكل, فإن كان لا يستطيع فليفسح المجال لغيره. السائل: دروسكم قليل ما أن توجد في القرى, لأن حقوق الطبع محفوظة؟ الجواب: لا. أنا أخبرك أن تسجيلات الاستقامة التي اتفقنا معها أنه مشروط عليها أن تؤديها إلى بيت من الشعر فيه عجوز, المهم إذا أخذت بشيء أبلغونا. السائل: تسجيلات واحدة في منطقة عنيزة لا تستطيع أن توفر للمنطقة الجنوبية كامل الأشرطة؟ الجواب: هم يدعون أنه يمكن. السائل: هذا صعب يا شيخ! بعض الشباب ذهبوا بعض القرى فلم يجدوا أشرطتك, فقالوا: هذه حقوق الطبع محفوظة للاستقامة؟ الجواب: أنا أقول: إذا وجدتم شيئاً قدموه لنا, وبيننا وبينهم عقد مكتوب على أنها توفر للقرى كلها, وللداخل والخارج وبسعر معقول اتفقنا عليه, ولكن لا نريد أن تكون هذه الأشرطة فوضى, وتسجل في أشرطة رديئة, لا تبقى إلا زمناً قليلاً وتخرب, وهم ملتزمون لنا بالشريط القوي, وإيصالها إلى كل مكان, وأنت جزاك الله خيراً تعاون على البر والتقوى, إذا ما كانت تصل إلى بعض الأماكن قدمها لنا. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 18 بيان صحة قاعدة: (كل ما حرم فعله حرم الاستماع إليه) السائل: بعض العلماء يذكر قاعدة وهي: (كل ما حرم فعله حرم الاستماع إليه) فلا أدري ما صحة هذه القاعدة وإذا كانت صحيحة فما دليلها؟ الجواب أو قد يقول: كل حرام فإنه يحرم الاستماع إليه, هذا صحيح, كل حرام فإنه يحرم الاستماع إليه. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 19 حكم تخصيص خطبة لذكر محاسن الميت السؤال يتم في بعض المساجد تخصيص خطبة يذكر فيها محاسن الميت ومآثره مثل عالم أو داعية، فما حكم هذا الكلام؟ الجواب والله أنا رأيي ألا يفعل, لأنها في قرب موت العالم أو الداعية تعتبر من النعي, ولهذا تهيج الناس ويبكون, أما لو كان بعد مدة طويلة وبعد ما تنسى المصيبة وتذكر مآثره كتاريخ له فهذا لا بأس به, لأن العلماء كلهم يكتب عنهم مآثرهم وآثارهم, أما أن يقصد بهذا التهييج والتحزن على فقد هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي، وهو من النعي, وإذا جاءت برنة معينة صار من الندب أيضاً. السائل: يستشهد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ذُكر في بعض الغزوات أنه نعى بعض الصحابة؟ الجواب: نعم. نعاهم لسبب, نعى النجاشي من أجل أن يخرج الناس يصلون عليه, ونعاه وأثنى عليه وقال: (أخ لكم صالح -وفي رواية-: عبد صالح) من أجل الصلاة عليه. السائل: ما ورد خطبة بعد أحد الغزوات كـ جعفر؟ الجواب: لا, هذا أخبر بموته فقط, في غزوة مؤتة أخذها فلان فقتل, وأخذها فلان فقتل, هذا خبر بموتهم. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 20 حكم راية الجهاد في كشمير والذهاب للجهاد هناك السؤال هل راية الجهاد في كشمير صحيحة؟ الجواب يا إخواننا! الجهاد يحتاج أولاً: إلى راية من خليفة أو إمام, وهذا مفقود في الواقع. ثانباُ: الجهاد يحتاج إلى أن ذهاب الإنسان ليجاهد يكون فيه نفع وغنائم, ومعلوم أن في الوقت الحاضر لا يحصل فيه ذلك, طائرات تأتي من فوق, والذين تحتها كلهم تحت قوة الطائرات, لا يوجد غنم, كان في الأول الحرب برية الناس يحاربون بالسيف والرمح ويحصل فائدة وغنم. ثالثاً: أنه يشترك في هذه الحروب أناس جاءوا لينفسوا عن أنفسهم لأنهم في بلادهم مكبوتين, فيأتون لينفسوا عن أنفسهم ثم يبثون السموم في الآخرين, ويكرهون ولاتهم لهم, فيرجع هؤلاء إلى بلادهم وهم قد مقتوا البلاد رعيتها ورعاتها, ويحصل بذلك مفاسد كثيرة, والأمثلة لا أحب أن أذكرها, لكن تأملوا في عدة بلاد. ثم إذا استتب الأمن في البلاد ونجت من الغزو، وأراد أحد الدعاة أن يدعو على حسب منهجه وطريقته، هناك مشيخة في البلاد معروفة معتمدة عندهم، أي إنسان يدعو على خلاف ما هم عليه يمنعونه, بمعنى أن الدعوة الصحيحة لا تقوم هناك, وهذه مشكلة, لكن موقفنا مع إخواننا هؤلاء نسأل الله لهم النصر والتأييد, وهذا الذي نقدر عليه, وكذلك إذا أمكن أن نبذل بالمال فلنجاهد بالمال. السائل: قد سبق لك أن أفتيت بالجواز أو بالذهاب إلى بعض تلك الأماكن؟ الجواب: لكن الأمور تتغير باختلاف النتائج, فأول ما ظهرت الحرب في أفغانستان كنا نؤيد هذا, ونقول: اذهبوا، لكن النتائج صارت عكس ما نريد, الراجعون من هناك معروف حالهم إلا من سلمه الله عز وجل, والباقون هناك لا يخفاكم الآن الحروب الطاحنة فيما بينهم يتقاتلون. السائل: بلغنا أن لكم فتوى متداولة بين المجاهدين في كشمير أنكم تنصحون بالجهاد في كشمير وأنها راية صحيحة؟ الجواب: ليس بصحيح. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 21 حكم من قال: علي الطلاق أو علي الحرام السؤال هل من قال: عليّ بالطلاق! أو: عليّ الحرام, حلف بغير الله؟ الجواب النبي عليه الصلاة والسلام حرم ما أحل الله له, وقال له الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] هل نقول: إن الرسول حلف بغير الله؟ لا. الحلف أن يقسم الإنسان بحروف القسم المعروفة، وهي ثلاثة: الواو والباء والتاء, لكن هناك ألفاظ يكون حكمها حكم اليمين وليست يميناً, كأن تقول: حرام علي أن أتكلم مع فلان, هذا ليس حلفاً بالحرام, هذا بمعنى الحلف؛ لأن الحلف يراد به تأكيد المحلوف عليه, وهذا الذي حرم يريد بذلك تأكيد المنع, ولهذا لا يعتبر حلفاً بغير الله ولكن يعتبر حكمه حكم اليمين, وكذلك إذا قال: علي الطلاق! إذا قصد المنع ولم يقصد الطلاق حقيقة فهو في حكم اليمين وليس حلفاً بالطلاق. السائل: أليس شركاً أصغر بالحلف: علي الطلاق! أو علي الحرام؟! الجواب: لا. ليس شركاً أصغر. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 22 حكم أداء تحية المسجد في أوقات النهي السؤال ما حكم تحية المسجد في وقت النهي؟ الجواب لا بأس به, وسأدلك على فائدة: كل صلاة لها سبب فليس فيها نهي؛ كركعتي الطواف تصلي ولو طفت العصر, وسنة الوضوء لها سبب إذا توضأت بعد العصر صلِ سنة الوضوء, صلاة الكسوف لو كسفت الشمس بعد العصر صلِ صلاة الكسوف, صلاة الاستخارة في أمر يفوت قبل زوال النهي صلِ أيضاً, المهم القاعدة عندنا هي: أن كل صلاة لها سبب فليس فيها نهي, والدليل على هذا: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى ذات يوم صلاة الفجر في منى , ولما سلم وجد رجلين لم يصليا, فقال: (لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا, قال: إذا أتيتما المسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة) . الجزء: 207 ¦ الصفحة: 23 حكم الوتر بعد أذان الفجر السؤال هل يجوز أداء ركعة الوتر بعد أذان الفجر وقبل الإقامة؟ الجواب لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خشي أحدكم الصبح صلّى واحدة فأوتر ثم صلّى) فدل هذا على أنه لا وتر بعد الفجر, لكن ماذا يصنع إذا كان قد غلبه النوم؟ نقول: إذا صار الضحى فصل الوتر شفعاً؛ فإذا كان من عادتك أن تصلي الوتر ثلاث ركعات فاجعلها أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة, فيأخذ صلى الله عليه وسلم بالأكثر ويصلي اثنتي عشرة ركعة. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء, نفعنا الله وإياكم بما علمنا. الجزء: 207 ¦ الصفحة: 24 لقاء الباب المفتوح [208] انتقل الشيخ في هذا اللقاء إلى تفسير آيات من سورة الحديد معلقاً على ما مضى من تفسير الآية الأولى من هذه السورة، راداً على من يقول: إن معنى (استوى) أي: استولى؛ مشيراً إلى أن الأرض سبع طبقات كالسماء ومدللاً على ذلك بنصوص القرآن والسنة. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن بعد المائتين من اللقاءات المسماة: لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر صفر عام (1420هـ) . الجزء: 208 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) نبتدئ هذا اللقاء كما هو العادة بتفسير ما يمن الله به عز وجل من كتابه العزيز, قال الله تبارك وتعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد:1] وسبق معنا التسبيح: وهو أن كل السماوات والأرض وما فيها تسبح لله عز وجل, على وجهين: 1- بلسان المقال, تقول: سبحان الله. 2- بلسان الحال, بمعنى أن حال هذه المخلوقات تدل على تنزه الله تبارك وتعالى عن العبث واللعب, وأنه منزه عن كل عيب ونقص. الكافر يسبح الله بأي وجه؟ بلسان الحال, لأنه لا يسبح الله بلسان المقال, بل هو يكفر بالله عز وجل. وسبق معنا قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وأن الله له الحكم, وأن حكمه مبني على الحكمة وعلى العزة. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:3] أربعة أشياء, (الأول) أي: ليس قبله شيء, لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقاً وهو عز وجل الخالق, ولهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الأول بأنه الذي ليس قبله شيء, كل الموجودات بعد الله عز وجل, لا أحد مع الله ولا قبل الله. (والآخر) : الذي ليس بعده شيء, لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله، ومع العلم أن كل المخلوقات كلها مخلوقة لله عز وجل, فهو الذي ليس بعده شيء, إذاً: هو الأول لا ابتداء له, والآخر لا انتهاء له, ليس بعده شيء. {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الظاهر) : قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: (الذي ليس فوقه شيء) كل المخلوقات تحته جل وعلا, فليس فوقه شيء. (الباطن) : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي ليس دونه شيء) خبير عليم بكل شيء, لا يحول دونه جبال ولا أشجار ولا جدران ولا غير ذلك, ليس دونه شيء, لا دون بصره يرى كل شيء عز وجل, ولا دون سمعه يسمع كل شيء, ولا دون علمه يعلم كل شيء. الأول والآخر اشتملا على عموم الزمان, والظاهر والباطن على عموم المكان. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم) قال تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] كل شيء الله عليم به: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] لو عمل الإنسان في جوف بيته, في حجرة مظلمة، فهل يعلم الله تعالى عمله؟ نعم. يعلم, بل زد على ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسه, كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] أنت إذا فكرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون, هل يعلم الماضي البعيد؟ نعم. بكل شيء, هل يعلم المستقبل البعيد؟ نعم. بكل شيء, ولهذا قال موسى عليه الصلاة والسلام لما سأله فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه:51] أي: ما شأنها؟ قص علينا: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] (لا يضل) : أي لا يجهل, لأن الضلال معناه الجهل, كما قال الله عز وجل في نبيه: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:7] ضالاً ليس بمعنى فاسق، لا. بل معناه أنه جاهل لا يدري, كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:52] ، وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] إذاً: الله بكل شيء عليم. يا أخي! إذا علمت أن الله بكل شيء عليم, هل يمكن لك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن الناس؟ لا. لأنك تعلم بأن الله يعلمك, قال الله عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] فإذاً: إذا آمنت بأن الله جل وعلا عليم بكل شيء فإنه يستلزم ألا تقوم بمعصيته ولو في الخفاء, وألا تترك طاعته ولو في الخفاء, ولقد قال الله عز وجل عن نوح عليه الصلاة والسلام: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] لئلا يسمعوا {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} [نوح:7] تغطوا بها لئلا يبصروا والعياذ بالله؛ لأنهم يكرهون الحق. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:4] (خلق السماوات والأرض) : أوجدها عز وجل بكل نظام وتقدير, والسماوات سبع والأرضون سبع, والأرض سابقة على السماء لأن الله تعالى قال في سورة فصلت لما ذكر خلق الأرض: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] خلق السماوات والأرض, الأرض قبل خلق السماوات لكن الله يبدأ بالسماوات لأنها أشرف من الأرض, وأعلى من الأرض. كيف السماوات؟ هل هي ملفوفة لفة واحدة؟ أو بينها مسافة؟ بينها مسافة, المسافة بعيدة جداً جداً, وهذا يلزم أن يكون أصغر السماوات سماء الدنيا, ويليها الثانية, والثالثة, كل واحدة أوسع من الأخرى, وسعة عظيمة، وهي متطابقة بعضها فوق بعض, وفي حديث المعراج أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلما صعد إلى سماء استفتح ففتح له. والأرض جعلها الله تعالى في القرآن بصيغة الإفراد, الجمع أرضون, لا تجد (أرضون) في القرآن لا تأتي إلا (أرض) لكن الله أشار إلى أنها متعددة في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: مثلهن في العدد لا في الصفة, لأن الصفة بين الأرض والسماء التماثل فيها بعيد جداً, لكن مثلهن في العدد، وصرحت بذلك السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) . خلقها في ستة أيام, كم الأيام؟ أطلقها الله عز وجل, ما بين أن اليوم خمسون ألف سنة أو أقل أو أكثر, وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود, وهي أيامنا هذه, وقد جاء في الحديث أنها الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, الجمعة منتهى خلق السماوات والأرض, مبتداها الأحد, والسبت ليس فيه خلق لا ابتداء ولا انتهاء, فإذا قال قائل: أليس الله قادراً على أن يخلقها في لحظة؟ الجواب بلى, لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن، فيكون, إذاً: لماذا كانت في ستة أيام؟ أجيب عن ذلك بجوابين: الأول: أن المخلوقات هذه يترتب بعضها على بعض, فرتب الله بعضها على بعض حتى أحكمها وانتهى منها في ستة أيام. الثاني: أن الله علم عباده التؤدة والتأني, وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه, حتى يتأنى الإنسان فيما يصنعه ولو كان يكمله بساعة يتأنى ولو أكمله بساعتين, فعلم عز وجل سبحانه عباده التأني في الأمور التي هم قادرون عليها, وكلا الأمرين وجيه. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ثم استوى على العرش) قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] (استوى) أي: علا عليه, على وجه يليق بجلاله, لا يمكن أن نمثله بخلقه؛ لأن الله ليس كمثله شيء, والعرش مخلوق عظيم, لا يعلم قدره إلا الذي خلقه عز وجل, وقد جاء في الحديث: (إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) الحلقة: حلقة الدرع المكون من حلق الحديد: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) إذاً: لا يعلم قدره إلا الله عز وجل, وليس لنا أن نسأل: ما مادة هذا الكرسي؛ من ذهب أو من فضة، أم لؤلؤ؟ ليس لنا حق أن نتكلم في هذا, هو عرش عظيم كما وصفه الله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج:15] عرش عظيم جداً جداً، لا يعلم قدره إلا الله, استوى الله عليه لكمال سلطانه جل وعلا, قد تجدون في بعض الكتب: (استوى على العرش) أي: استولى عليه, أهكذا تجدون؟ الذي اطلع منكم على بعض كتب الأشعرية وما أشبههم يرى هذا, وهذا تحريف للكلم عن مواضعه, وقول على الله بلا حق وبلا علم؛ لأنه إذا كان خلق السماوات والأرض ثم استوى العرش قلنا: استولى على العرش, قبل الاستيلاء لمن العرش؟! انظر إلى بطلان هذا, ثم نقول: الله استولى على كل شيء, هل نقول: استولى على الأرض؟ لا يمكن أن نقول هذا, إذاً: يتعين أن تكون (استوى) بمعنى علا, كيف استوى؟ لا ندري، الله أعلم. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 208 ¦ الصفحة: 8 حكم إقامة السنن في السفر السؤال فعل السنن الرواتب في السفر وخاصة ركعتي الضحى, وسنن قيام الليل, وسنة الفجر, والسنن بصفة عامة، هل ورد إقامتها في السفر؟ الجواب أولاً: الذي تبين لنا من السنة أن الذي يسقط في السفر ثلاثة أشياء فقط والباقي باق على ما هو عليه, والثلاث هي: سنة الظهر الراتبة, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء, ثلاثة, والباقي افعله كما تشاء, حتى الظهر لو شئت أن تصلي تطوعاً بدون راتبة فلا بأس, إذاً: سنة الضحى مشروعة, التهجد في الليل مشروع, الوتر مشروع, سنة الفجر مشروعة, تحية المسجد مشروعة, كل النوافل باقية على أصلها إلا ثلاث، هي: راتبة الظهر, وراتبة المغرب, وراتبة العشاء، هذا الذي دلت عليه السنة. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 9 حكم الاستثناء في الإيمان السؤال ما حكم الاستثناء في الإيمان, كأن يقول إنسان: أنا مؤمن إن شاء الله؟ الجواب قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله, إن كان قصده بذلك التبرك، أو أن إيماني وقع بمشيئة الله فهذا حق, ولا إشكال فيه، جائز, وإن كان متردداً بأن قيل له: أنت مؤمن؟ قال: إن شاء الله، أي أنه متردد، قد يكون وقد لا يكون، فهذا كفر مخرج عن الملة, لماذا؟ لأن التردد في الإيمان ليس بإيمان, إذ أن الإيمان هو الجزم، هذا بالنسبة لعقيدة الإيمان, أما بالنسبة للأعمال فالأعمال من الإيمان، لقوله عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان) إن كان قصده الأعمال، وقال: أنا مؤمن إن شاء الله بمعنى أنني مقيم لجميع خصال الإيمان, فهذا أيضاً صحيح, ليس كل إنسان مؤمن ويقوم بجميع الشرائع. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 10 حكم اختبار المعلم لطلابه وهو يعلم الإجابة السؤال هل يجوز سؤال المعلم لطلابه تفسير آية من القرآن هو يعلم إجابتها لكن من باب أنه يرى طلابه هل فهموا أم لا؟ الجواب يجوز امتحان الطالب بما يعلمه المدرس ولا حرج, أليس جبريل سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو يدري؟ نعم يدري، ولهذا قال: (صدقت) مع أن جبريل أراد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبين الدين الذي هو (الإسلام والإيمان والإحسان) على وجه السؤال والجواب ليكون أثبت, فيجوز للمدرس أن يسأل الطالب عن شيء هو يعلمه, في هذه الحال إذا سأله عن تفسير آية فمن المعلوم أنه لا يجوز أن يفسر الإنسان القرآن إلا بعلم, لكن لو فسره الطالب بما عنده هو، ولا يدري أصحيح هو أم لا، هل يجوز أم لا يجوز؟ الجواب: يجوز, لماذا؟ لأن عنده من يعدله ويصحح كلامه, أما أن يفسرها الطالب وهو لا يعلم من شخص على أنه استفتاه وأفتاه وانتهى فهذا لا يجوز, كذلك لو سأله المدرس، هل هذا حرام أم لا؟ يجوز؛ لماذا؟ لأن عنده من يعدل كلامه ويصححه. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 11 حكم التسمي بـ (عبد الإله) و (عبد الكامل) السؤال حكم التسمي بعبد الإله, وعبد الكامل؟ الجواب لا بأس بهذا؛ لأن الإله من أسماء الله؛ ولأن الكامل أيضاً على وجه الإطلاق هو الله عز وجل، فلا بأس. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 12 كيفية وضع السبابة في التشهد السؤال كيف يكون وضع السبابة في التشهد؟ الجواب تضم البنصر والخنصر, والوسطى حلقها مع الإبهام, وإن شئت ضممتها أيضاً, والإبهام إما أن تحلقها مع الوسطى وإما أن تضمها مع الاثنين وتضم الإبهام إليهما, والسبابة لا تضمها ولا ترفعها, عندما يأتي دعاء ارفعها مثل: اللهم صلِّ ارفعها إشارة إلى علو المدعو وهو الله سبحانه وتعالى. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 13 حكم أطفال المشركين في الآخرة السؤال ما هو الراجح في حكم أطفال المشركين في الآخرة؟ الجواب أطفال المشركين الذين لا يميزون حكمهم في الدنيا حكم آبائهم إذا كانوا مشركين, بمعنى أننا لا نغسلهم ولا نكفنهم، ولا نصلي عليهم ولا ندفنهم مع المسلمين, فإن كان أحد أبوي الطفل مسلماً فهو مسلم, وأما في الآخرة فالصحيح أن علمهم عند الله, وأن الله عز وجل يمتحنهم يوم القيامة بما شاء, فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار. أعطيكم فائدة: الطفل بالنسبة لأبويه في الدين يتبع خيرهما؛ إن كانت الأم مسلمة فهو مسلم, وإن كان الأب مسلماً فهو مسلم. في النسب يتبع الأب: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5] . في الحرية والرق يتبع أمه, فلو تزوج الحر أمة فأولاده أرقاء مملوكون لمالك الأم. في الطهارة والنجاسة والحل والحرمة يتبع أخبثهما, فلو نزا الحمار على الفرس أنثى الخيل وأتت بولد, فالولد نجس حرام, فالقواعد الآن أربع. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 14 حكم الاتفاق على استصناع السلعة وتأخير الثمن السؤال الآن بعض التجار يشتري سلعة من صاحب مصنع يتفقان عليها حسب النموذج, فهل هذا البيع يعتبر بيع سَلَمَ, وإذا كان التاجر يقول: لا أستطيع أن أدفع المبلغ كاملاً, وإنما أدفعها على دفعات لكي أضمن حقي؟ الجواب هذا ليس سَلَمَاً, هذا يسمى استصناع سلعة, فيجوز أن يتفق مع صاحب المصنع من نجار أو حداد أو غيره على شيء معين موصوف مضبوط بالصفة ولا يسلمه إلا بعد إنجازه, سواء الثمن كله أو بعضه. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 15 حكم حلق الشعر الذي يظهر في الرقبة السؤال ما حكم حلق الشعر الذي يظهر في الرقبة؟ الجواب لا بأس به, الشعور ثلاثة أقسام: قسم أمر بإزالته, وقسم نهي عن إزالته, وقسم سكت عنه. فالذي أمر بإزالته العانة والإبط والشارب, والذي نهي عن إزالته اللحية, والمسكوت عنه بقية الشعور, فيجوز إزالتها لكن الأفضل إبقاؤها ليس لأنه من المسكوت عنه؛ ولا لأنه من اللحية, لكن لأنها من خلقة الله عز وجل, ولا خلقها الله إلا لحكمة, لكن إذا دعت الحاجة إلى إزالتها فلا بأس. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 16 الرأي في جماعة التبليغ وحكم الخروج معهم السؤال ما قول فضيلتكم في جماعة التبليغ والخروج معهم؟ الجواب من هم جماعة التبليغ؟ السائل: هم أهل الدعوة. الجواب: أنا إن شاء الله صاحب دعوة, مسلمون أم غير مسلمين؟ السائل: مسلمون. الجواب: يصلون أم لا يصلون؟ السائل: يصلون. الجواب: يسبحون أم لا يسبحون؟ السائل: لا أدري. الجواب: لا، يسبحون وأكثر من غيرهم, هل يزكون؟ هل يحجون؟ السائل: نعم. الجواب: هؤلاء في الواقع الذي أعطاه الله تعالى رغبة في العلم وتحصيلاً في العلم الأفضل ألا يخرج معهم, لأنه يضيع أوقاتاً كثيرة ليس فيها طلب علم, والقوم يكثر عندهم الجهل, والإنسان الذي ليس عنده شغل ويخشى أنه إن بقي في البلد ساح وضاع مع الضائعين فليخرج معهم, لا سيما الذين في بلادنا السعودية، وكم من إنسان فاسق خرج معهم فصار من المستقيمين, بل إن الله هدى على أيديهم أناساً كفرة, فالتشنيع عليهم غلط, والحث على مصاحبتهم غلط, بل يقال: إن شأنهم من الأمور المباحة التي إن اشتغل الإنسان بالعلم فهو أفضل, وإن كان إذا بقي ضاع وقته عليه فلا بأس أن يصحبهم, لأننا لا نعلم عنهم إلا خيراً. بقي أن يقال: إنهم يقننون الخروج ثلاثة أيام, وأربعين يوماً, وأربعة أشهر, وقد سألناهم عن هذا: لماذا؟ قالوا: إن المقصود بهذا هو تمرين الإنسان في هذه المدة على العبادة, فأنت إن كان عندك رغبة في العلم وتحصيل العلم فاجلس واطلب العلم أفضل. السائل: الذي خرج معهم قد تنطلي عليه بعض البدع؟ الجواب: أشكل ما عندهم هو هذا, الذين عندنا في السعودية أما الباقون لا أدري عنهم. السائل: والخروج معهم إلى باكستان؟ الجواب: أبداً. أنا أرى الذين عندنا لا يخرجون إلى باكستان ولا إلى غيرها للاجتماعات. السائل: أو قطر؟ الجواب: قطر أو غيرها, يبقون في بلادهم يأتون القرى ويدعونهم للخير, ويحثونهم عليه. السائل: يدعون أنهم مرتبطين فيمن هناك في باكستان؟ الجواب: أنا لا أرى ارتباطاً, ذهب أناس من الجماعة من القصيم وحضروا جلساتهم وأثنوا عليهم, لكن تعرف الناس في كثير من الأمور بين قادح ومادح. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 17 حكم التسمي بـ (عبد الجابر وعبد الناصر وإيمان وليلى) السؤال ما حكم تسمية (عبد الجابر) و (عبد الناصر) و (إيمان) و (ليلى) فقد سمعنا أنها لا تجوز؟ الجواب أما (إيمان) لا أرى جوازها, الحكمة أن فيها تزكية من جهة, وفيها تذكير, والمرأة أنثى المسماة, والباقي ليس فيها شيء، بل تجوز, و (عبد الناصر) يجوز إلا إذا قصد بذلك التبرك بطاغية مصر. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 18 حكم جلسة الاستراحة ومتى يكبر: هل حال الجلوس أو عند الشروع في القيام؟ السؤال متى يكبر الإمام إذا كان جالساً للاستراحة, هل في حال الجلوس أم إذا شرع في القيام؟ الجواب إذا شرع في النهوض من السجود, يكبر ولو جلس, إذا كان إماماً هذا ربما نقول: يرجح أن يكون تكبيره إذا قام, وإذا كنت مؤتماً إذا جلس الإمام للاستراحة اجلس معه وإن كنت لا ترى هذه الجلسة، فحينئذٍ يكون التكبير أول ما ينهض من السجود، والجلسة هذه ليست سنة مطلقاً ولا مكروهة مطلقاً إنما هي للمحتاج إليها لكبر أو مرض أو وجع مفاصل، يجلس ثم ينهض, وأما الإنسان النشيط الذي ليس فيه شيء يقوم من السجود مباشرة, وإذا كان الإمام يجلس اجلس وإذا كان لا يجلس لا تجلس. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 19 كيفية صلة الأقارب والأباعد من الأرحام السؤال كيف يكون التواصل لذوي الأرحام غير الوالدين؛ الخالات والعمات، والأخوال والأعمام, خاصة إذا كان المكان بعيداً؟ الجواب الصلة -بارك الله فيك- لم تبين في السنة ولا في الكتاب, فما عده الناس صلة فهو صلة, وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والقرابة, مثلاً: من القرابة من له حق كبير عليك مثل عم وخال وابن عم البعيد ليس مثل هذا, أيضاً الأحوال تختلف؛ في حال المرض يجب أن تواصل عيادته والسؤال عن حاله, في حال الفقر يجب أن تواصل, وفي حال الغنى والصحة وكل الناس لاهون بأحوالهم ولا تزوره إلا في الشهر مرة, أو عن طريق الهاتف كفى. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 20 حكم السفر لصلة الرحم السؤال لي خالة وهي في منطقة بعيدة والوصول إليها مكلف، هل يجوز أن أصلها في السنة مرة فقط؟ الجواب نعم. يكفي, في الوقت الحاضر يكفي في السنة مرة, والهاتف موجود إذا كان عندها هي هاتف. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 21 بيان أن في جماعة التبليغ من هو جاهل السؤال قابلت أحد قادة التبليغ من الموجودين هنا في المملكة , يقول: إن مكة ليست مهبط الوحي وإنما مهبط الشيطان, وأن مهبط الجهد باكستان؟ الجواب الظاهر أنه باكستاني! السائل: لا هو سعودي هنا. الجواب: هذا جاهل! علمه جزاك الله خيراً, أول ما نزل الوحي على رسول الله أين هو؟ اسأله. السائل: بلغناه يا شيخ! الجواب: إذا كنت بلغته فقد قامت عليه الحجة, وأمره إلى الله, لكن لا يحكم على الجماعة بحكم الفرد. السائل: هو يقود؟ الجواب: ولو قادهم لا يطيعون بهذا أبداً, ونحن شاهدنا تأثيرهم، شيء عجيب! وإيثارهم وحسن أخلاقهم, صحيح أن عندهم جهل لكن يجب على طلبة العلم أن يوجهوهم. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 208 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [209] بعد أن أعقب الشيخ في مستهل هذا اللقاء بما ذكره في اللقاء السابق من تفسير الآية الثالثة من سورة الحديد شرع الشيخ في موضوع هذا اللقاء وهو تفسير الآية الرابعة من هذه السورة موضحاً معنى (استوى) وكم هي الأرض، وبيان نوع معية الله سبحانه وتعالى لعباده. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) . نتكلم فيه كما هي العادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير الآيات, وقد سبق أن فسرنا قول الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحديد:1-2] . الجزء: 209 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] (الأول) أي: الذي ليس قبله شيء, و (الآخر) : الذي ليس بعده شيء, و (الظاهر) : الذي ليس فوقه شيء, و (الباطن) الذي ليس دونه شيء, هكذا فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أننا لا نرجع إلى قول أحد كائناً من كان من البشر بعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم. (وهو بكل شيء عليم) أي: عليم بما كان وما يكون, فلا ينسى ما مضى ولا يجهل ما يأتي, كما قال الله تعالى على لسان موسى صلى الله عليه وسلم حين سأله فرعون: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:51-52] (لا يضل) أي: لا يجهل, لأن الضلال يراد به الجهل, كما في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [الضحى:7] أي: جاهلاً, والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يعلم عن الشريعة الإسلامية شيئاً قبل أن يوحى إليه، لقول الله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} [الشورى:52] . وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3] هل يشمل أفعال العباد وأقوال العباد؟ نعم. يشمل هذا, بل إنه يعلم سبحانه وتعالى ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره, كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16-17] فإياك أن تضمر في قلبك شيئاً يحاسبك الله عليه, لكن الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها, ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضره شيئاً, بل هي دليل على صدق إيمانه؛ لأن الشيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي إليه الوساوس إذا كان قلباً سليماً, أما إذا كان قلباً غير سليم فإن الشيطان لا يوسوس له, لأنه قد انتهى. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلق السماوات والأرض) قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:4] خلق السماوات السبع وكذلك الأرض هي سبع، لقول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: مثلهن في العدد, ولا يصلح أن تكون في الكيفية؛ لأن هناك فرقاً عظيماً بين السماء والأرض، فيتعين أن يكون المعنى مثلهن في العدد, وقد جاء ذلك صريحاً في السنة, كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع من الأرض شبراً بغير حق طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين) . وقوله: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} هذه الأيام هي: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, ولو شاء الله لخلقها في لحظة, كما قال عز وجل: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50] ولكنه خلقها في ستة أيام لحكمتين والله أعلم: الحكمة الأولى: أن الأشياء المخلوقات يترتب بعضها على بعض, وينشأ بعضها من بعض, فتحتاج إلى مدة. الحكمة الثانية: أن يعود عباده التأني في الأمور, وأن العبرة بالإحكام لا بالإسراع, وإن كان هناك حكمة أخرى ثالثة أو رابعة أو خامسة فالله أعلم, المهم أن هذا هو الذي تبين لنا، ومع هذا لا نجزم به, ونقول: الله أعلم. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (ثم) : تدل على الترتيب, أي: أن خلق السماوات والأرض سابق على الاستواء على العرش, لا على خلق العرش؛ لأن العرش قبل السماوات والأرض, لكن الاستواء عليه كان بعد خلق السماوات والأرض, ومعنى (استوى) أي: على, لأن (استوى) في اللغة العربية إذا تعدت بـ (على) كان معناها العلو, مثاله قول الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:12-13] أي: تعلوا عليها. ومن ذلك قوله تعالى عن نوح: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:28] فقوله: (استويت على الفلك) أي: علوت عليه. إذاً: استوى على العرش، أي: علا على العرش, وإذا رأيتم من يقول: استوى على العرش أي: استولى على العرش فقد كذب على الله عز وجل, لأن الله تعالى نزَّل هذا القرآن العظيم باللغة العربية, واللغة العربية تدل على أن (استوى) إذا تعدت بـ (على) فهي بمعنى العلو لا غير, فيكون الذي يفسرها باستولى كاذباً على الله عز وجل, جانياً على نصوص الكتاب, محرفاً لها, وجنايته عليها من وجهين: الوجه الأول: صرفها عن ظاهرها. الوجه الثاني: إحداث معنىً لا يدل عليه ظاهرها. وهذا قد يوجد كثيراً في كتب الأشاعرة سواء كانوا من المفسرين أو غير المفسرين, لكنهم بهذا -والله والله والله- قد ضلوا ضلالاً مبيناً -نسأل الله العافية- من الذي استولى على العرش حين خلق السماوات والأرض؟ إذا كان الله لم يستولِ عليه إلا بعد خلق السماوات والأرض فهو لمن من قبل؟ يلزمهم أن يقولوا: إنه لغير الله, وإلا فقد تبين خطؤهم وهم مخطئون والحمد لله واضح. قوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:4] . {مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أي: ما يدخل فيها من جثث الموتى, ومن الحبوب التي تنبت بإذن الله, ومن المياه التي يسلكها الله ينابيع في الأرض ثم يخرجها, وغير ذلك من الحشرات وغيرها, المهم كل ما يلج في الأرض يعلمه الله. وسؤالنا الآن: هل يعلم حال الذر إذا ولجت في جحورها؟ نقول: (ما يلج) (ما) اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم, أي: كل ما يلج في الأرض. {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النبات والمياه والمعادن وغيرها. {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من الملائكة والأمطار والشرائع وغير ذلك. {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} أي: إليها, لكن جاءت (فيها) بدل (إليها) لنستفيد فائدتين: الفائدة الأولى: العروج، أي: الصعود. الفائدة الثانية: الدخول, لأن (في) يناسبها من الأفعال الدخول, دخل في المكان. أما عرج ويعرج فالذي يناسبها (إلى) لكن الله عز وجل عدل عن قوله (يعرج إليها) إلى قوله: (يَعْرُجُ فِيهَا) ليفيد الصعود والدخول, أي: الأشياء لا تصل إلى السماء الدنيا وتقف, تعرج في السماء الدنيا حتى تصل إلى الله عز وجل. إذاً: (يَعْرُجُ فِيهَا) لو قال لك أحد النحاة: لماذا جاءت (في) بدل (إلى) والقرآن فصيح؟ فما الجواب؟ نقول: ضمن (يعرج) معنى يدخل, والتضمين هذا موجود في القرآن الكريم وفي اللغة العربية, قال الله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:6] المناسب (يشرب من) كما قال تعالى: {يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون:33] أي: منه: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ} [البقرة:249] ، وهنا قال: (يَشْرَبُ بِهَا) ما الحكمة؟ قال العلماء: الحكمة أن (يشرب) هنا ضمنت معنى يروى بها, ومعلوم أنك إذا قلت: (يروى بها) فقد تضمن معنى (يشرب) وزيادة, والتضمين هذا فن مهم في باب البلاغة, ينبغي لطالب العلم أن يدرسه ويحققه حتى يستفيد مما إذا اختلفت الحروف مع عواملها ولا يشكل عليه. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (هو) الضمير يعود على الله عز وجل, (معكم) أي: مصاحبٌ لكم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الصاحب في السفر, والخليفة في الأهل) . لكن هل هذه الصحبة صحبة مكان, بمعنى أننا إذا كنا في مكان كان الله معنا؟ حاشا وكلا, لا يمكن هذا, وكيف يتصور عاقل أن الله معنا في مكاننا وكرسيه وسع السماوات والأرض, هذا مستحيل [الكرسي موضع القدمين] كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه, فإذا كان كذلك هل يعقل أن رب السماوات والأرض الذي يوم القيامة تكون السماوات مطويات بيمينه, والأرض جميعاً قبضته, هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضيقة أو الواسعة؟ لا يمكن, إذاً (معكم) أي: مصاحب لكم, والمصاحب قد يكون بعيداً عنك, تقول العرب في أسلوبهم: ما زلنا نسير والقمر معنا, ما زلنا نسير والقطب معنا, ما زلنا نسير والجبل الفلاني معنا, وهل هو معهم في مكانهم؟ معلوم أن القمر في السماء, والنجم في السماء, والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيام, ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعية مع البعد في المكان, وكوننا نؤمن بأن الله معنا إذاً: هو عالم بنا, سميع لأقوالنا, بصير بأفعالنا, له القدرة علينا والسلطان, مدبر لنا بكل معنى تقتضيه المعية. واعلم أن من الضلال من يقولون: إن الله معنا في أمكنتنا -نسأل الله العافية- وينكرون أن يكون الله في السماء عالياً, فأتوا بداهيتين عظيمتين: 1- إنكار علو الله. 2- اعتقاد أنه في الأرض. سبحان الله! هل يُعقل أن يعتقد عاقل فضلاً عن مؤمن أنه إذا كان في المرحاض كان الله معه؟ أعوذ بالله, الذي يعتقد هذا أشهد بالله أنه كافر, لأن أعظم استهزاء بالله وأعظم حط قدر الله هو هذا, وكما يقولون: الله في كل مكان! يعني أنه في الحجرة وفي السوق وفي المسجد, ثم من الذي يكون مع أناس في الحجرة, وأناس في الشارع, أهما إلهان؟ لا, ولا يمكن أن نقول: إن الله متعدد, إذا لم يكن إلهان هل هو متجزئ بعضه هنا وبعضه هنا, إذاً معناه بطل أن يكون معنا بذاته في أمكنتنا؛ لأنه إما أن يكون متعدداً وإما أن يكون متجزئاً, وكلاهما باطل, قررت هذا لأنه يوجد الآن كما لمسناه في الوافدين إلى مكة من يعتقد هذا الاعتقاد. يقول الله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد:4] المعية: هي المصاحبة, ولا يلزم من المصاحبة المقارة في المكان, أي: أن يكون قاراً في مكان, لا يلزم هذا, وكيف يمكن أن يكون الله تعالى معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيه السماوات والأرض, ولكن هؤلاء الذين يعتقدون هذا ما قدروا الله حق قدره, ولا عظموه حق تعظيمه, ولا عرفوا عظمته وجلاله, قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] فكيف يعتقد أن الله معنا في مكاننا؟ فلهذا يجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه لكونه يؤمن بالقرآن على ما هو عليه على ظاهره, معظم لله حق التعظيم. وقوله: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] أي: في أي مكان كنتم؛ لأن (أين) ظرف مكان, قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:150] مثل: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] . {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] أي: بما تعملون من الأعمال كلها بصير, وهل البصر هنا بصر علم أم بصر رؤية؟ يشمل هذا وهذا, فهو بصير بصر رؤية يرانا عز وجل, ولا نخفى عليه, قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) هذا بصر رؤية. أما بصر العلم: فمن المعلوم أن أعمالنا قد تكون مرئية كالحركات, وقد تكون مسموعة كالأقوال, المسموعة لا ترى بالعين, لكنها تسمع, فرؤية المسموع علم, وعلى هذا نقول: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4] يشمل العلم والبصر بالرؤية. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 209 ¦ الصفحة: 5 حكم اللحوم المستوردة لا سيما المكتوب عليها: (مذبوح على الطريقة الإسلامية) السؤال ما حكم اللحوم المستوردة؟ الجواب حلال, إذا كنا لا نعلم أنها ذبحت على غير الطريقة فهي حلال, كما جاء في صحيح البخاري (أن قوماً جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوه) ولم يقل: اسألوهم: هل سموا أم لا؟ فمتى وردت اللحوم من بلد أهلها أهل كتاب فهي حلال, ولا تسأل, وقد بحث هيئة كبار العلماء هذه المسألة قبل سنوات وأحضروا وزير التجارة ومن يتعلق بهذا وسألوهم عن اللحوم التي ترد إلى الملكة، وقالوا: ليس فيها شيء, وأن هناك هيئة تلاحظها وتمنع ما لا تقطع رقبته, لكن إذا أردت أن تأكل فسم الله تعالى. السائل: بعضها مكتوب عليه مذبوح على الطريقة الإسلامية؟ الشيخ: هي ليس لها داعٍ, لكن الظاهر أنهم يكتبون: تذبح على الطريقة الإسلامية, لأنهم يفرقون بين الذي يأتي إلى السعودية لأنهم يعرفون تمسكها بالإسلام وغيرها, حتى يصرف هذا إلى السعودية، وأما ما ذكر أنهم رأوا مرة سمكةً في الكرتون فهذا أول من يقوله, يحتاج إلى إثبات, ثم على فرض أنه وقع أليس من الجائز أن تعبأ هذه الحوتة بهذا الكرتون لأن الذين يعبئون لا يعرفون اللغة العربية, هذا جائز, والخطأ وارد. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 6 حكم تغرير المؤسسات المصرفية بإعطاء مزايا إن زاد رصيد الشخص عن كذا وكذا السؤال إحدى المؤسسات المصرفية وضعت أمراً وهو إذا كان رصيدك مثلاً مائة ألف يكون علاجك بالمجان, وإن كان أكثر علاجك وعلاج زوجتك وهكذا , فإذا فرضنا أن هذه المؤسسة خالية من الربا، فهل يجوز الإيداع فيها؟ الجواب هذا العمل حرام من وجهين: الوجه الأول: أنه قد يلجأ بعض السفهاء إلى أن يستدين ليودع في هذه المؤسسة, يستدين ما يبلغ مائة ألف من أجل أن يودعها في هذه المؤسسة ويكون علاجه مجاناً, وهذا غرر على الشعب وعلى المجتمع أن يثقل كاهله بالديون, ولهذا نأسف لتسهيل الديون على الناس الآن, لأن هذا يؤدي بالشباب وغير الشباب إلى أن يتدينوا لأمور تافهة أو كمالية, وهذا ضرر سيرهق كواهل الشباب وغير الشباب في الاستدانة, ويتساهلون الأمر, ثم إذا وقعت الواقعة ظهروا مفلسين وظهرت الشركة التي كانت تدينهم مفلسة أيضاً, فلهذا نرجو الله تعالى أن يوفق الحكومة للتدخل في هذا الأمر, ومنع الاستدانة إلا للضرورة القصوى. الوجه الثاني: إذا كان عنده مائة ألف وليس بحاجة أن يستدينها ثم وضعها فهنا لا شك أن الشركة سوف تستفيد من هذه المائة ألف استفادة كبيرة, ربما تمضي مدة طويلة لم يمرض هذا الرجل, وحينئذٍ تكون الشركة غانمة مستفيدة وهذا لم يستفد شيئاً, وربما يقدر الله عليه أمراضاً كثيرة يستهلك أموالاً كثيرة على الشركة فتكون الشركة خاسرة. الوجه الثالث: أنا أخشى أن هذا يضعف التوكل على الله عز وجل, وأن الإنسان يقول: الحمد لله مرضي مضمون برؤه, لان هذه الشركة ستقوم بالمعالجة, ويكون اعتماده على الشركة دون الله عز وجل, وربما يبتليه الله عز وجل بأمراض كثيرة لأن من تعلق شيئاً وكل إليه. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 7 حكم الإتمام خلف من يقضي السؤال إذا دخل شخص المسجد ووجد إنساناً يقضي، هل يجوز أن يأتم به؟ الجواب بعض العلماء يقول: إنه جائز؛ لأن غاية ما فيه أن المأموم الأول صار إماماً, ولكن حتى لو قلنا بالجواز فإنه لا ينبغي, لأن هذا غير معروف عند السلف، فالأفضل ألا يفعل. السائل: وإذا فعل؟ الشيخ: إذا فعل فصلاته صحيحة. السائل: لكن لا يستحب؟ الشيخ: نعم. لا يستحب, الأولى ألا يفعل. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 8 بيان أن السماء ليس لها عمد السؤال اختلف المفسرون في سورة الرعد أن الله سبحانه وتعالى رفع السماوات بغير عمد, فبعضهم قال: إننا لا نراها, وبعضهم قال: إنها رفعت بغير عمد فقط, فما رأيكم؟ الشيخ: اقرأ الآية. السائل: - {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2] الشيخ: نعم المفسرون اختلفوا, هل قوله: (تَرَوْنَهَا) جملة مستأنفة أم هي صفة لعمد, أي: بغير عمد مرئية, والظاهر أنه ليس لها عمد, وأن المعنى: الله الذي رفع السماوات بغير عمد كما ترونها, ليس لها عمد, والله سبحانه وتعالى قال: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:65] ولم يذكر أعمدة تحملها, فالصواب أن السماوات مرفوعة بقدرة الله عز وجل. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 9 حكم من أراد الصلاة في جماعة فوجد جماعتين في آن واحد السؤال من الملاحظ في بعض المساجد التي على الطرقات تكون فيها جماعتان في آن واحد, فهل هذا صحيح؟ الجواب لا الأفضل إذا دخلت وهناك جماعة عليك أن تصلي معهم وعلى نيتك أنت. السائل: ولكن إذا كانت هناك جماعتان في آن واحد؟ الشيخ: إذا وجدت جماعتين فالغالب أن المتقدمة إلى القبلة هي الأولى, فيصلي معها, لأن الظاهر أن الجماعة الثانية هي الطارئة على الجماعة الأولى. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 10 بيان ما هو الشرك الأصغر السؤال من تعريفات الشرك الأصغر أنهم قالوا: أن تجعل ما ليس سبباً سبباً فما رأيكم؟ وهل هذا على إطلاقه؟ الجواب لا ليس هكذا, هذا من الشرك الأصغر وليس هو الشرك الأصغر, الشرك الأصغر كلما أطلق الشرع عليه أنه شرك ولا يخرج من الملة, وهذا كـ (من حلف بغير الله فقد أشرك) ، و (سئل عن الشرك الأصغر؟ فقال: هو الرياء) المهم الضابط هو: أن الشرك الأصغر كل ما جاء في الكتاب والسنة أنه شرك وليس مخرجاً عن الملة, ومنه: أن تجعل ما ليس بسبب سبباً, مثل: القلادة ووضع الأشياء عن العين. السائل: تجعل ما ليس سبباً سبباً؟ الشيخ: هذا صحيح, لأنك إذا جعلت هذا سبباً والله لم يجعله, فقد جعلت نفسك شريكاً مع الله. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 11 حكم الهدي في العمرة السؤال يستحب للعمرة هدي, هل هناك دليل عليه؟ الجواب الدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية ساق معه الهدي, بل إن الهدي مشروع ولو بغير نسك, كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبعث بالهدي من المدينة وهو في المدينة، فالأصل الاستحباب. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 12 حكم الترديد بعد المؤذن في حالة الترجيع السؤال هل يردد الشخص مع المؤذن في حالة الترجيع (إذا رجع المؤذن في الشهادتين) ؟ الجواب إذا رجع فليس يسمعه لكن إذا سمع صوته تابعه, ولهذا الحديث: (إذا سمعتم المؤذن) . الجزء: 209 ¦ الصفحة: 13 حكم من طلق امرأته وهي حائض في كونه لا يقع إلا بعد اغتسالها السؤال بالنسبة لحديث ابن عمر رضي الله عنه في طلاق زوجته عندما طلقها وهي حائض, في سنن النسائي قال: (فإذا طهرت من حيضتها الأخرى بعد غسلها فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك) , هل معنى هذا أنه لا يجوز الطلاق إلا بعد اغتسال المرأة؟ الجواب هذا على سبيل الاستحباب, لا يجوز الطلاق إلا إذا طهرت المرأة من الحيض, كما في رواية الصحيحين: (حتى تطهر) . السائل: إذا أراد الإنسان ردها هل لا بد من غسلها؟ الشيخ: تقصد إذا طهرت من حيضها الثالث؟ السائل: نعم. الشيخ: فله أن يراجعها ما لم تغتسل. السائل: يعني: إذا راجعها قبل غسلها يعتبر راجعها؟ الشيخ: نعم. لقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ} [الطلاق:2] (أجلهن) إذا انقطع الحيض ويتم الأجل, وتنقطع جميع العلائق فلا ترثه ولا يرثها. السائل: حتى ولو لم تغتسل؟ الشيخ: الجواب: نعم. لا يوجد إلا الرجعة فقط, والطلاق أيضاً إذا راجع قبل الغسل فإن مراجعته صحيحة, لكن العدة انتهت بانقطاع الحيض, لو ماتت بعد انقطاع الحيض لا يرثها, ولو مات لم ترث, لكن الرجعة تختلف وسع الله فيها, ولكن لا يحل لها أن تؤخر الغسل رجاء أن يراجعها زوجها, بل متى جاءت الصلاة تغتسل. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 14 حكم لزوم تحية المسجد لمن دخل مكتبة المسجد السؤال هل تجب تحية المسجد في مكتبة المسجد في مؤخرة المسجد؟ الشيخ: هل المكتبة داخل المسجد أم خارجه؟ السائل: خارج المسجد. الشيخ: هل دخلت في سور المسجد؟ السائل: لا. الشيخ: ليس لها تحية, وليس لها حكم المسجد, يجوز فيها البيع والشراء والاستئجار والإجارة, إذا كانت داخل السور فهي منه إلا إذا كانت قد بنيت من قبل فهذه مستقلة. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 15 حكم قسمة الكفارة بين الإطعام والكسوة السؤال هل تجزئ كفارة اليمين إطعام خمسة وكسوة خمسة؟ الجواب تقصد التفريق؟ السائل: نعم. الشيخ: الظاهر أنه يجوز, أي: يجعل بعض الكفارة إطعاماً وبعضها كسوة, والأفضل أن تكون من نوع واحد, إطعام عشرة أو كسوتهم. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 16 حكم من دخل في عقد يعلم فساده السؤال سمعتك في الحرم قبل سنتين تقريباً تقول: الإنسان إذا علم بالعقد الفاسد ودخل فيه فتكون تصرفاته كتصرفات الغاصب, ثم نقل إلي أحد الأخوان أنك تفتي بغير ذلك؟ الشيخ: ما هو؟ مثل ماذا؟ السائل: يعني إنسان إذا دخل في عقد فاسد يعلم فساده، كأن يكون بعد نداء الجمعة الثاني، فهل تكون تصرفاته تصرفات الغاصب في الضمانة؟ الشيخ: المذهب: إذا تصرف تصرفاً فاسداً، كما لو باع للإنسان الذي التزمه بعد النداء الثاني فالعقد باطل, ويرون أن تصرفه كتصرف الغاصب. السائل: عليه الضمان يا شيخ؟ الشيخ: كل شيء, كل ما ترتب في الأصل فعليه, لكن هناك قول آخر أنه ليس كذلك. السائل: الذي ترجحه يا شيخ؟ الشيخ: ينظر في كل قضية بعينها, قد يكون من المناسب أن تجعله كغاصب, وإذا تلفت تضمنه الأجرة, وقد يكون من المناسب ألا تفعل، كل قضية بعينها يحكم لها. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 17 حكم تفضيل بعض الأولاد بالعطايا السؤال ما رأي فضيلتكم فيمن أعطى ابنه مبلغاً من المال ليستعين به على الزواج, وبعد فترة أعطى الابن الآخر مبلغاً آخر ليشتري به سيارة, وبعد فترة أقرض الثاني مبلغاً ليبني له بيتاً, فسدد الابن بعض القرض وسامحه الوالد على الباقي, علماً أن له أولاداً غيرهم لم ينلهم شيء؟ الجواب الواجب العدل بين الأولاد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فأما الذي أعطاه ليتزوج فهذا حق تبع النفقة, ولا يلزمه أن يعطي الآخرين مثله إلا إذا بلغوا وأرادوا الزواج زوجهم, وأما الذي أعطاه السيارة فلا يجوز أن يعطيه السيارة, إذا كان الابن محتاجاً للسيارة يعطيه إياها على أنها عاريّة عنده, والملك ملك الأب, وهذا الذي أعطاه القرض لا يجوز أن يسقط منه شيئاً, يجب عليه أن يستوفيه كاملاً, إلا إذا كان الأولاد من بنين وبنات بالغين وراشدين وسمحوا بذلك عن طيب نفس فلا بأس. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 18 حكم الاشتراك بأسهم مع شركات أمريكية صناعية وتجارية عبر وكلاء في البلدان الإسلامية السؤال ما حكم الاشتراك بأسهم في شركات أمريكية صناعية بواسطة وكيل يوكل من قبل شخص موجود في هذا البلد يعلمه برقم الحساب في أي بنك وبالمبلغ الذي يساهم به, على اتفاق على نسبة للوكيل الذي بـ أمريكا؟ - الشركة ما عملها؟ - صناعية. - ليس فيها رباً؟ - لا. صناعية وتجارية. - ليس فيها شيء إذا لم يكن فيها رباً ولا غرر، المهم إذا كان يصح بيعه وشراؤه فلا بأس. - ما حكم العقد بين الشخص هذا والوكيل الذي في أمريكا؟ - لا يوجد إشكال، إذا كان برضاه فلا بأس. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 19 حد شعر اللحية السؤال ماذا يشمل شعر اللحية؟ الجواب اللحية، قالوا العلماء هي: شعر الخدين, وشعر الوجه كله, ما عدا الشارب والحواجب فهذه معروفة, وأما شعر الحلق فليس من اللحية. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 20 حكم سب الرجل لتدينه أو سب لحيته السؤال ما حكم إنسان سب إنساناً ملتحٍ في لحيته؟ الجواب هذا فيه تفصيل: إن سبه لالتزامه بالشرع فقد سب الشرع, فعليه أن يتوب إلى الله من هذا. - لو قال مثلاً: لعن الله لحيتك! الجواب: أعوذ بالله، من الذي خلق اللحية؟ الله سبحانه وتعالى, بمعنى أنه سب الله, عليه أن يتوب, ولكن في ظني أن هذا لا يقع إلا في غضب شديد, بعض الناس الحقيقة إذا غضب لا يدري ما يقول, فهذا ليس عليه شيء, ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بترك الغضب حين جاءه رجل يقول: (أوصني! قال: لا تغضب, قال: أوصني! قال: لا تغضب, قال: أوصني! قال: لا تغضب، فردد مراراً وقال: لا تغضب) لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان, فيفور دمه ولا يدري ما يقول, فالواجب أن الإنسان إذا شعر بالغضب أن يتفل عن يساره ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 21 بماذا تدرك الجماعة؟ السؤال بم تدرك الجماعة؟ الجواب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فتدرك بآخر ركعة, لكن لو أتيت والإمام في التشهد الأخير وأنت لا ترجو جماعة أخرى, فالأفضل أن تدخل معهم؛ لأن إدراك بعض الصلاة أهون من فواتها كلها. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 22 بيان أن القديم ليس اسماً ولا صفة لله السؤال هل (القديم) اسم لله تعالى, أو من صفاته؟ الجواب لا, القديم ليس من أسماء الله, وليس من صفاته, لكن المقدم من أسماء الله، كما في الحديث: (أنت المقدم وأنت المؤخر) . السائل: توجيه الحديث يا شيخ: (وسلطانك القديم) . الجواب: هذا وصف للصفة وليس وصفاً للموصوف, سلطانه القديم، أي: القديم هو السلطان. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 23 حث طلاب العلم على نصح جماعة التبليغ السؤال عندما تكلمتم في الدرس الماضي عن جماعة التبليغ سمع أحد الإخوان هذا الكلام، فقال: لو خرج الشيخ لكان له رأي آخر, فما رأيكم في هذا الكلام؟ الجواب ما هو الرأي الآخر؟ - يقول: الشيخ ما قد خرج قبل هذه المرة. - لكن ما هو الرأي الآخر الذي يظن أن أقوله؟ - لا نعلم ما رأيك - على كل حال ليس لنا إلا ما يظهر لنا, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) . - لكن قد خرج طلبة العلم معهم؟ - خرج معهم طلبة العلم, ليت الطلبة يخرجون معهم حتى إذا رأوا ما يخالف الشرع دلوهم على الحق. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 24 حكم من قضي عنه دينه حالاً وهو قادر على قضائه مؤجلاً السؤال إذا كان الرجل له مرتب طيب لكن عليه ديون كثيرة, هل يجوز إعطاؤه من الزكاة؟ الجواب نعم. إذا كان لا يستطيع قضاء الدين إلا بعد مدة طويلة فلا بأس أن يقضى دينه, ولكن هنا مسألة ينبغي أن نلاحظها وهي: تربية الناس, لو كنا نقضي كل دين قدمه إلينا إنسان, ولشجعنا الناس على الاستدانة وهوناها عليهم, وصار الواحد يقول: أريد أن أستدين عشرة آلاف وإذا جاء رمضان ذهبت لفلان وأعطاني إياها, وهذه مسألة قل من يتفطن لها, لكن إنسان تعرف أنه حصل عليه خسائر أو أنه ذو عائلة كبيرة وتعرف أنه ليس له مورد، هذا لا حرج لو أعطيته, لكن يأتي شاب يشتري السيارة بمائة ألف، ويقول: أنا مدين بمائة ألف, مع أنه يستطيع أن يشتري سيارة بعشرين ألفاً أو بعشرة آلاف, لماذا تشتري بمائة ألف؟ فلهذا يجب أن نلاحظ هذا الشيء, وهي تربية الناس على عدم التهاون بالدين, والدين ليس هيناً, الاستشهاد في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين, وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه رجل عليه دين ليس لو وفاء لا يصلي عليه, ما أكبر شيء من هذا أن تتقدم جنازة للرسول ثم يتأخر، ويقول: (صلوا على صاحبكم) هذا شيء عظيم, كل هذا ليرتدع الناس عن الدين, ولما وهبت إليه امرأة نفسها ولم يكن له بها حاجة, قال بعض الحاضرين: (زوجنيها إن لم يكن لديك حاجة, قال: ماذا تعطيها من الصداق, قال: أعطيها إزاري, قال سهل بن سعد وهو راوي الحديث: ليس له رداء -فقير ما عليه إلا إزار- قالوا: إزارك؟ كيف تعطيها إزارك؟ إن أعطيتها إياه بقيت بلا إزار, وإن بقي عليك بقيت بلا مهر, فبحث فما وجد شيئاً, قال: التمس ولو خاتماً من حديد, ولم يجد ولا خاتماً من حديد -وهل قال له الرسول: استقرض من إخوانك! لم يقل هذا, ولا قال: استدن, ولا قال: يكون المهر مؤجلاً في ذمتك- قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم, سورة كذا وكذا قال: فعلمها, وهو مهرها) وهذا يدل على أن المهر يصح أن يكون منفعة لا نقوداً ولا أمتعة, ما هي المنفعة هنا؟ التعليم؛ تعليم القرآن, كما حصل لموسى عليه الصلاة والسلام كان مهره الذي لإحدى البنتين رعي الغنم، فالحاصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرشد إلى الاستدانة، فعليكم أنتم الحاضرون أن ترشدوا الناس إلى عدم التهاون بالاستدانة, وتبينوا للمساكين، يأتي شباب الواحد عليه مائة ألف أو ثلاثمائة ألف أو مليون ريال, كلها من أجل أن يستدين، وإن لم يحل الدين ذهب يستدين من الآخر حتى لا يحبس, وإذا حل الدين ذهب واستدان من ثالث وهلم جراً. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 25 بيان كيفية غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم السؤال ورد في السنة غسل اليدين ثلاثاً بعد الاستيقاظ من النوم قبل غمسها في الإناء: أولاً: الوضوء من الصنبور -البزبوز- داخل في ذلك؟ ثانياً: في تطبيق السنة غسل اليدين للوضوء ثلاثاً هل تكون الغسل ست غسلات أو ثلاث غسلات؟ الجواب أما من جهة الصنبور -البزبوز- تضع يديك تحته والماء يجري, كل جرة تعتبر غسلة, وأما من جهة ست غسلات فلا, الغسلات الثلاث التي قبل لتنظيف الأيدي لأنها آلة الأخذ والغرف, وليس داخلة في الوضوء, ولهذا لو قدر أن الإنسان لم يفعل وغسل وجهه مباشرة صح وضوءه؛ لأن غسل اليدين ليس من الوضوء, وأيضاً لو فرض أنه لن يتوضأ إما لعدم الماء أو يتعذر استعماله فإنه يغسل يديه من أجل تناول الأكل والشرب. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، نشهد ألا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 209 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [210] خصص الشيخ هذا اللقاء على موضوع الاحتفال بالمولد النبوي مبيناً حكمه والرد على من يقول بجوازه، مشيراً إلى أول من ابتدعه، وما ترتب على هذه البدعة من مفاسد عظيمة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 1 الاحتفال بالمولد النبوي الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم العاشر من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) . من عادتنا أن نتكلم في أول اللقاء على تفسير شيء من القرآن الكريم, أما اليوم فنخصص هذا اللقاء بالكلام عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم. فنقول: من المعلوم أنه يجب على كل مسلم أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأنه لا يؤمن أحد حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين, ولا يمكن التأسي الكامل بالبدن والقلب إلا بمحبته؛ لأن المحبة هي الدافع والمانع, ولهذا تجد الرجل إذا أحب شخصاً اقتدى به في أقواله وأفعاله لأنه يحبه, فلا يتم الإيمان إلا بتقديم محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كل أحد من البشر, وهذا أمر مفروغ منه لا يمتري فيه شخصان, ولا ينتطح فيه عنزان. وهل من محبته أن يقام احتفال بمولده؟ الجواب لا. ليس من محبته, وإن كان بعض الناس تحمله محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقوم بهذا الاحتفال, ويقول: إني فعلت هذا محبة للرسول صلى الله عليه وسلم, هذا قد يقع من بعض الناس, ولكن حقيقة المحبة تنافي ذلك؛ لأن حقيقة المحبة: أن تلتزم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم, كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فجعل الميزان لمحبة الله عز وجل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم, إذاً: الميزان في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعه, فمن قال إنه يحبه ولم يتبعه لم يكن صادقاً في هذه الدعوى. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 2 حكم الاحتفال بالمولد فلننظر الآن هذا الاحتفال متى كان؟ وهل هو مطابق للواقع؟ وهل هو مطابق للشرع؟ حتى يتبين حكمه، ويجب على المرء أن يعمل بما يقتضيه الدليل. أما بالنسبة للواقع فإنه لا يصح من الناحية التاريخية؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في اليوم [12] من ربيع الأول, بل الثابت حسب العملية الحسابية الفلكية أنه كان في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول, وليس في اليوم الثاني عشر, وحينئذٍ يبطل الاحتفال بهذا اليوم من الناحية التاريخية. ثم نقول: إذا ثبت اليوم الذي ولد فيه، فهل لنا فائدة من ولادته قبل أن يكون رسولاً يهدي الناس إلى الحق؟ لا. ولهذا قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} [آل عمران:164] ما قال: إذ وُلِدَ فيهم رسول! قال: {إِذْ بَعَثَ} [آل عمران:164] فالنعمة إنما هي في الحقيقة ببعث الرسول عليه الصلاة والسلام لا بولادته؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، بل قال الله له: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] فلم يكن نبياً ولا رسولاً إلا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم, أما قبل ذلك فليس نبياً ولا رسولاً, فالاحتفال لو قدر أن هناك احتفالاً لكان ببعثته لا بمولده, ومن المعلوم أن أول ما نزل عليه القرآن نزل في شهر رمضان ليس في شهر ربيع. من الناحية الشرعية لا يثبت هذا الاحتفال, بل هو من البدع, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, لا يثبت؛ لأن طريق ثبوت كون الأمر مشروعاً الكتاب أو السنة أو عمل الصحابة, فهل في الكتاب الأمر أو الندب للاحتفال بمولده؟ لا يوجد, هل في السنة ذلك؟ لا يوجد, غاية ما هنالك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: (ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علي فيه) وهذا تنويه بفضل يوم الإثنين, لا بفضل الولادة, فهذا اليوم كان يوماً مباركاً حصلت فيه هذه الأمور, فكان صيامه مشروعاً. هل ورد من عمل الصحابة أنهم يحتفلون بمولده؟ الجواب لا. هل كان ذلك في عهد التابعين لهم بإحسان؟ الجواب: لا. هل هو في عهد تابع التابعين؟ الجواب: لا. فمضت القرون الثلاثة كلها لم تحتفل بهذه البدعة. حدثت في القرن الرابع الهجري عن حسن نية أو عدم حسن نية, لكنها بدعة, شيء لم يندب الله إليه في الكتاب, ولم يفعله الرسول, ولا الخلفاء من بعده, ولا الصحابة, ولا التابعون لهم بإحسان, ولا تابعوهم, فكيف يأتي آخر هذه الأمة فيعمل به؟ ثالثاً: إذا قالوا: إن هذا قربة إلى الله لأننا لا نتجاوز أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ونذكر مناقبه وفضائله؟ فالجواب أن نقول: لو كان خيراً لسبقونا إليه, هل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه والتابعون وتابعوهم جاهلون بهذه القربة أو عالمون؟! إن قيل: إنهم جاهلون فقد رموا بالجهل وهذا قدح فيهم، وادعى هذا أنه أهدى من الرسول وأصحابه؛ لأنه وفق للحق وهم لم يوفقوا له, وإن قيل: إنهم غير جاهلين، قيل: إذاً: هم كاتمون مستكبرون لم يبينوا هذا للأمة, ولم يعملوا به؛ فهم لعدم بيانهم للأمة كاتمون للحق, ولعدم العمل به مستكبرون عن الحق, أي إنسان يجرؤ أن يقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام كاتم أو مستكبر؟! لا يجرؤ أحد, هؤلاء يلزم من بدعتهم هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون جاهلاً بأنها من الحق, وإما كاتماً بيان ذلك للناس، وإما مستكبراً عن العمل بها, كل هذا باطل! لا يمكن لمؤمن أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم به, لكنه لازم البدعة. ثم نقول: هل الدين كَمُل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا؟ الجواب: كمل, قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] أكملت لكم دينكم! هذه البدعة التي يدعي مبتدعوها أنها من الدين تستلزم أن يكون الدين لم يكمل بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بقي عليه البدعة هذه, وهذا يلزم عليه فضيعة عظيمة, وهي تكذيب قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] لأنه على حد فعل هؤلاء لم يكمل الدين, فيكون الدين ناقصاً حتى جاء هؤلاء وابتدعوا هذه البدعة وأكملوه بها, فإن قالوا: لا. إن الدين كامل ونحن لم نأتِ بشيء إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مناقبه, وإحياء ذكراه, نقول: هذا غير صحيح؛ لأن المعروف من هذه الاحتفالات أن فيها الغلو العظيم الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام, وأنهم يترنمون بقول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: يا أكرم الخلق! ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فما تقولون في هذا البيت؟ إذا قال: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم؛ كالخسف والعواصف والصواعق والأمراض والحروب, ما لي من ألوذ به سواك!! وهذه الجملة كما تعلمون حصر (ما لي سواك) أين الله؟! مقتضى هذا البيت أن لا إله يستغاث به, (ما لي سواك عند حلول الحادث العمم) . إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم (الدنيا) هي ما نعيش فيه (وضرتها) الآخرة, هذا من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليس كل جود إلا منه, فماذا بقي لله؟!! لا شيء, ما دام الدنيا والآخرة من جود الرسول إذاً: الله ما له سبب فيها! فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم أيضاً من علومه علم اللوح والقلم, هل الرسول يعلم ما في اللوح المحفوظ؟ لا. وهذا تكذيب لقول الله تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] فالمسألة خطيرة, خطيرة جداً جداً, ولولا أنها استمرئت عند بعض الناس الذين يستعملونها لكانت فادحة عند كل إنسان. ثم نقول: إذا كنتم تقولون: إن ذلك إحياء لذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم, فهل أنتم لا تذكرونه إلا في هذه الليلة؟ إن كنتم كذلك فمعناه أنه ليس لكم عمل صالح, وليس لكم أذان ولا تشهد ولا ذكر عند الوضوء ولا غيره, لأن ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل وقت وحين, الأذان فيه ذكر الرسول: أشهد أن محمداً رسول الله, الصلاة فيها ذكر للرسول في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, بل كل عبادة فيها ذكر الرسول, لأنه لا تصح العبادة إلا إذا كان فيها الإخلاص والمتابعة, المتابعة لابد أن تشعر أنك في عملك هذا التعبدي تابع للرسول عليه الصلاة والسلام, وإذا شعرت هذا الشعور، هل يكون هناك ذكرى أم لا؟ نعم يكون هناك ذكرى, وعلى كلامهم لا ذكرى للرسول إلا في هذه البدعة, سبحان الله! أنتم تذكرون الرسول في كل المجالات, كل عمل صالح يذكرك بالرسول. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 3 من مفاسد الاحتفال بالمولد من مفاسد هذه البدعة: أن الذين يفعلونها ولا سيما العوام منهم يعتقدون أنها شريعة وأنها شرعية, ويلومون من لم يفعلها, وحينئذٍ يكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً, لأن الذين يقيمون هذه الاحتفالات يلومون الذين لا يقيمونها, يقولون: هؤلاء لا يحبون الرسول! أيهما أشد محبة الذي يتبعه ولا يبتدع في دينه ما ليس منه, ويكون متأدباً مع الله ورسوله, فلا يتقدم بين يديه ولا يشرع ما لم يشرعه, أم المحافظ على الدين الذي لا يقوم لله بأي عبادة إلا إذا كانت مشروعة؟ الثاني لا شك, لذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس أن هذا منكر, وأن حضوره لا يجوز, وأن البدعة لا تزيده من الله إلا بعداً, وكما قال أحد السلف: وما ابتدع قوم بدعة إلا حرموا من السنة مثلها, وصدق, كل بدعة تحرم الإنسان من السنة مثلها, لأن كل بدعة يقابلها سنة, فإذا كانت فعلية صارت السنة ترك هذا الفعل, وحينئذٍ يهدم من السنة ما يقابل البدعة, فعلى طلبة العلم أن يبينوا هذا للناس وأن يقولوا: إن حقيقة المحبة ثمرتها حقيقة الاتباع. نسأل الله أن يهدي إخواننا المسلمين إلى ابتاع السنة وطرح البدعة, وأن يفتح القلوب لذكر الله عز وجل, والاطمئنان به, إنه على كل شيء قدير. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 210 ¦ الصفحة: 5 حكم من اشترى مؤجلاً فباعه مؤجلاً لمدة أطول وبزيادة ثمن السؤال أوصاني أحد الأشخاص أن أسألكم بهذا السؤال: ما رأي الشرع في نظركم بمن يستدين سيارة بأربعين ألفاً لمدة سنة, ثم يدينها بستين ألفاً لمدة سنتين؟ الجواب لا بأس بذلك, بشرط أنه يكون قد قبض السيارة في العقد الأول وحازها إلى رحله ثم يبيعها, لكن كما تعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كل إنسان يشتري السلعة بثمن مؤجل وقصده الدراهم لا السلعة فهو واقع في الربا, وأن هذا من العينة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 6 حكم تخصيص خطبة الجمعة لذكر حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم مولده السؤال هل الاحتفالات وإلقاء المحاضرات عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر من البدع؟ الجواب لا, يقول: إذا خطب الخطيب خطبة الجمعة وذكر فيها مبدأ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وشيئاً من حياته، هل يعتبر بدعة؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأن هذه خطبة الجمعة موجودة وثابتة من قبل, أما أن يحدث محاضرة في نفس اليوم فهذا من وسائل البدعة, بالنسبة للعام هذا لا توافق الجمعة الثاني عشر, الجمعة هي الحادي عشر, فعلى كل حال إذا كان أصل الخطبة مشروعة كخطبة الجمعة وذكر فيها الإنسان بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام فلا بأس؛ لأن هذا ذكر تاريخ لحياته بمناسبة مبعثه عليه الصلاة والسلام ومولده, أما أن يحدث محاضرة في هذه الأيام فهذا من البدع, فإن لم يكن من البدع فهو حجة لأهل البدع. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 7 الواجب على أهل العلم تجاه المناطق التي تحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم السؤال هناك أناس في مناطق معروفة فيها الاحتفالات بالمولد وهذه موجودة عندهم, فلو أن هناك تركيزاً بالمحاضرات على هذه المناطق؟ الجواب الحمد لله! بالنسبة للمملكة لا أعلم أن هذا يقام بصفة علنية, يمكن أن بعض الناس الجهال يقيمونه في بيوتهم, ومع ذلك ينبغي لأهل العلم أن يبينوا في البلاد التي يكثر فيها هذا ولو خفية أن هذا بدعة وأنه لا يزيده من الله إلا بعداً. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 8 حكم الاستدلال بفعل عمر حين جمع الناس لصلاة التراويح على مشروعية المولد السؤال يقول هؤلاء الذين يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم: إن في ذلك أصلاً: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) ويقولون أيضاً: إن عمر بن الخطاب سن سنة صلاة التراويح, فكيف نرد على هؤلاء؟ الجواب نقول: صدقوا: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) , لكن: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) , ولهذا قال الرسول: (من سن في الإسلام سنة حسنة) والمراد بقول: (من سن سنة حسنة) أحد أمرين: 1- إما أن يكون المعنى من ابتدر العمل بها, كما يدل على ذلك سبب الحديث. 2- وإما أن المعنى من أحياها بعد أن ماتت, وليس المعنى أن ينشئ عبادة من جديد, هذا لا يمكن. لأن سبب هذا الحديث: أن الرسول عليه الصلاة والسلام حث على الصدقة فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده, ووضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) , ولا يمكن أن تكون البدعة حسنة أبداً, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة) . أما بالنسبة لفعل عمر , فـ عمر ما ابتدع صلاة الجماعة في القيام أبداً, أول من سن الجماعة في قيام رمضان النبي صلى الله عليه وسلم, صلّى بأصحابه ثلاث ليالٍ, ثم تخلف في الرابعة، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ثم تركت وهجرت في أيام أبي بكر رضي الله عنه, في زمان عمر خرج ذات يوم ووجد الناس يصلون أوزاعاً, يصلي الرجل مع الرجل والرجل مع الرجلين, متفرقون, فقال: لو جمعتهم على إمام واحد, فأمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يقوما للناس على إمام واحد, فيكون عمر لم يحدث هذه البدعة ولكنه أحياها بعد أن تركت. السائل: هل هذا الحديث صحيح. الشيخ: صحيح, ثابت في الموطأ بأصح إسناد. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 9 تذكير المسلمين بما يجب عليهم في عامهم الجديد السؤال ما حكم من يذكر أو يخطب رأس كل عام المسلمين بأن يتذكروا وينظروا ماذا عملوا في العام المنصرم؟ الجواب نعم. لا بأس, فلو ذكرهم في آخر العام بما حصل منهم من تقصير أو غيره ليتوبوا إلى الله فلا بأس, لكن لا يتخذها سنة راتبة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 10 معنى قول عمر: (نعمت البدعة هذه) السؤال ما معنى قول عمر: [نعمت البدعة هذه] ؟ الجواب بدعة نسبية, لأنها تركت وهجرت ونسيت، فلما أعادها من جديد صارت بدعة نسبية. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 11 بيان أول من أحدث بدعة المولد السؤال من هم أول من أحدثوا هذه البدعة (بدعة المولد) وما هي مسوغاتهم؟ وكيف جاءت؟ الجواب أول من أحدثها الفاطميون في مصر في القرن الرابع الهجري, في القرن السابع أحدثها ملك أربل في العراق , ثم انتشرت في المسلمين, وسببها كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: سببها إما محبة الرسول عليه الصلاة والسلام, فظنوا أن هذا من مقتضى المحبة, وإما مضاهاة للنصارى, لأن النصارى يقيمون عيداً لمولد المسيح عليه الصلاة والسلام, وأياً كان السبب فكل بدعة ضلالة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 12 حكم من يوصي بغير المال السؤال إذا أراد الإنسان أن يجعل وصية خاصة لكل شخص كأن يجعل لوالدته وصية بما يجب عليها, ويوصي لكل شخص بعينه, كأن يوصي خاله بتقوى الله عز وجل, والأمور التي كان يقع فيها خطأ, وبعد وفاته توزع على كل شخص كابن خاله وأصدقائه؟ الجواب الوصية التي أرادها الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) هي ما يتعلق بالمال, أما ما يتعلق بتوجيه الناس إلى الخير, فهذه تكتب في منشورات ومؤلفات وتوزع في حياة الإنسان وبعد مماته. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 13 السنة المتروكة في مقابل فعل المولد السؤال ذكرت أنه ما أحدثت بدعة إلا وترك من السنة مثلها كما قال أحد السلف , فما هي السنة المتروكة بسبب ابتداع بدعة المولد؟ الجواب السنة المتروكة هي تركها, ترك هذه البدعة, لأن السنة تكون بالترك وتكون بالفعل, إذا ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً مع وجود سبب الفعل فلم يفعله فتركه سنة, فهنا نقول: أنتم أحدثتم بدعة وتركتم سنة, والسنة هنا ترك هذه البدعة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 14 بيان أن الباطل مردود من أي إنسان كان السؤال بعض طلبة العلم الشرعي في المملكة العربية السعودية يجيزون هذه البدعة, فيغتر الناس بهم، وعندما تقول للطلبة الذين يحضرون لهذا الشيخ: إن هذه بدعة، يقولون: نحن نأخذ الحق من الشيخ أما الباطل فنرده, ويستدلون بقصة أبي هريرة مع الشيطان لما صدق الشيطان, قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (صدقك وهو كذوب) فيستدلون بهذا الحديث, فيذهبون للشيخ ويأخذون منه العلم, فالشيخ مع أدلته وبراهينه التي يضربها لهم يقتنعون بهذا الأمر؟ الجواب نحن نقول: هؤلاء كقول من يقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22] ، وقول من يقول: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] هم يشبهونهم وإن لم يكونوا منهم, لأن الفرق بَيّن بَيْنَ هذا وهذا, لكن يشبهونهم فالمبدأ واحد, فنقول: أي شيء يأتي به شيخهم الذي يدعون أنه على حق, فنحن بحول الله متصدون لرده, ولو لم يكن هذا -يا إخواني! - لشيء واضح, هل هذه عبادة أم غير عبادة؟ هم يدعون أنها عبادة يتقربون إلى الله بها, نقول: أين الرسول؟ وأين الصحابة؟ وأين التابعون؟ وأين تابعو التابعين عن هذا؟ وسبق أن قلنا: هؤلاء إما أنهم جهال, وإما أنهم كاتمون للحق, وإما مستكبرون عن الحق, كل هذا لا يمكن. وقصة أبي هريرة تدل على أن الحق مقبول من أي إنسان, ونقول: والباطل مردود من أي إنسان. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 15 حكم من يسافر مدة طويلة ويترك أبويه السؤال لكل أحد منا يكون له أب أو أم على قيد الحياة, فلا يستطيع رؤيتهم وزيارتهم إلا بعد فترات طويلة، هل يأثم الإنسان بهذا؟ الجواب هذا يقول: إنه يغيب عن والديه في سفر لحاجته الضرورية الدنيوية أو العلمية, فهل يجوز وله والدان؟ الجواب: إذا كان الوالدان لا ضرورة لوجوده بينهما فلا بأس أن يغيب عنهما مدة طويلة, ولكن في هذه الغيبة يجب أن يواصلهم, والاتصالات الآن -والحمد لله- متيسرة, هناك الهاتف والبريد والبرق متيسر. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 16 الوسائل المعينة على تدبر كتاب الله تعالى السؤال كيف نتدبر كتاب الله عز وجل؟ وما هي الأسباب التي تعين على التدبر؟ الجواب التدبر معناه: أن الإنسان يفكر في معناه, فيردد ما يكون في ذهنه من المعاني حتى يصل إلى النتيجة, وسببه سهل: القرآن الآن بين يديك مفتوح اقرأ آية أو آيتين وتأمل ما معناها؟ ما المراد بهما؟ لماذا ذكر الله ذلك حسب علمك, فإن لم تعلم شيئاً فاسأل العلماء, أو راجع كتب التفسير الموثوقة, الآن لو أن إنساناً أعطي كتاب حساب وطولب بفهمه، أليس يردد عبارات الكتاب أم لا؟ يرددها ليفهمها, فإذا لم يفهم رجع لأهل العلم بذلك. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 17 الواجب نحو من يعمل ويدعو الناس للاحتفال بالمولد السؤال أحد الخطباء في الجمعة الماضية بين للناس بعد الخطبة أنهم يتأهبون للاستعداد بالاحتفال بهذه البدعة في إحدى الولايات المجاورة في دولتنا, فما واجبنا نحوهم, ونحن غرباء على تلك المنطقة؟ الجواب إذا كان يمكن أن تقوم لله ببيان أن هذا ليس بحق, والحمد لله دليل أن الاحتفال بالمولد بدعة سهل جداً, لأنه يمكنك وبكل سهولة أن تقول: يا أخي! هل الرسول فعله؟ هل الخلفاء فعلوه؟ هل الصحابة فعلوه؟ هل التابعون فعلوه؟ هل الأئمة الأربعة فعلوه؟ إن قال: نعم. قل: هات الدليل. (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال من دماء القوم وأموالهم) هات الدليل، إذا قال: ليس عندي دليل لكن الناس كلهم يعملون به، قل: عمل الناس ليس بدليل، وكم من بدعة مشوا عليها وهي بدعة, إذا لم يكن هناك دليل، لا فعله الرسول ولا الخلفاء ولا الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة فهو باطل قطعاً, لأنه ما الذي جعلهم لا يعملون به ولا يدلون الناس عليه, أهم جاهلون أم مستكبرون؟ وأنت إذا قلت هكذا أبطلتها من أصلها. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 18 حكم المناهج الدراسية التي تخالف الشرع وبيان حال أصحاب الكبائر يوم القيامة السؤال المناهج الدراسية يأتون فيها بأحاديث ضعيفة, والأدهى من ذلك والأمر يأتون بقضايا تمس العقيدة خاصة في قضية الخلود في النار, فما موقفنا نحن؟ هذا هو منهج الدولة عندما نخالفهم، أليس في ذلك مخالفة لقوانين الوزارة أو الدولة؟ الجواب المقررات عندكم في بلدكم فيها أشياء مخالفة للصواب يجب أن تبين ويقال للطلبة: هذا ما في الكتاب وهذا ما قررته الوزارة ولكن الحق خلاف ذلك ويبين الحق. ومسألة الخلود في النار معروفة لا يقول أحد بخلود أصحاب الكبائر إلا طائفتان مبتدعتان؛ إحداهما: الخوارج والثانية المعتزلة , لكن المعتزلة يقولون: إنه مخلد في النار ولكنه ليس بكافر, بل إنه في منزلة بين منزلتين, لا هو مسلم ولا كافر, والخوارج يصرحون بأنه كافر وأنه حلال الدم والمال, وكلاهما قد خالفا الصواب, كما أن الذين يقابلونهم من المرجئة ويحملون آيات وأحاديث الوعيد على من استحل ذلك أو على الكافر أيضاً جانبوا الصواب, والصواب: أن أصحاب الكبائر تحت مشيئة الله عز وجل؛ لأن الله قال في آيتين من كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ذكرها الله في سورة النساء مرتين. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 19 حكم عدم بيان الحق للضرورة ثم بيانه بعد ذلك السائل: إذا كان هناك زائر مع المعلم موجه وهو خارجي من الخوارج ومعتقده فاسد, ما موقفنا نحن؟ الجواب من الممكن إذا كان يخشى أنه إذا بين الحق فصلوه, أن يقرر ما في الكتاب عند حضور الموجه، ويقول: قال صاحب الكتاب كذا وكذا ينسبه للكتاب, ثم في غيبة الموجه له أن يتكلم بالحق. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 20 كيفية الجمع بين حفظ كتاب الله وطلب العلم والدعوة السؤال كيف يمكن الجمع بين حفظ كتاب الله وطلب العلم والدعوة؟ الجواب كل هذه بعضها من بعض, لا تتنافى, لكن ما دام الإنسان في الصغر فالحفظ أولى, لأن الصغير سريع الحفظ قليل النسيان, وليس عليه مسئوليات كبيرة, ثم كلما كبر يتوسع في مسائل العلم, وفي الدعوة إلى الله عز وجل. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 21 حكم من حلف بقوله: (سقط عليك جاه الله ألا تفعل كذا وكذا) السؤال نحن شباب من سلطنة عمان وبحاجة إلى دعائكم الخاص لنا, والسؤال يقول: امرأة أقسمت على زوجها بهذه الصيغة وهي: (سقط عليك جاه الله ألا تفعل كذا وكذا) فهل هذا يعتبر قسماً؟ وما الحكم إذا خالف الزوج أمرها؟ الجواب هذا لا يحل, هذا استشفاع بالله إلى هذا الزوج ولا يحل, لأن الشافع دون منزلة المشفوع عنده, ولا يحل أن تجعل الله تعالى شفيعاً إلى خلقه, لأنه أعظم من أن يكون شفيعاً إلى خلقه, فالقسم هذا باطل ولا يترتب عليه شيء، إلا أن على المرأة ومن اعتاد هذا أن يتوب إلى الله ولا يعود إلى ذلك. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 22 حكم استقبال القبلة لقارئ القرآن السؤال هل يسن استقبال القبلة لقارئ القرآن؟ الجواب لا أعلم في هذا سنة أن الإنسان إذا أراد قراءة القرآن أن يستقبل القبلة, لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إن كل عبادة الأفضل فيها استقبال القبلة إلا ما دل الدليل على خلافه, وجعلوا إذا توضأ استقبل القبلة, وإذا جلس يذكر الله يستقبل القبلة, كل عبادة يستقبل القبلة إلا ما دل الدليل على خلافه, لكن هذا يحتاج إلى دليل واضح, والعبادات ليس فيها قياس, فالصواب ألا يتحرى الإنسان استقبال القبلة ولا يتعمد تركها, يقرأ حيث ما كان, وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتكئ في حجر عائشة رضي الله عنها ويقرأ القرآن, ولم يرد أنه كان يتقصد استقبال القبلة, ولا حث أمته على استقبال القبلة عند قراءة القرآن فيما أعلم. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 23 حكم من استدل على جواز المولد بالاحتفالات العامة السؤال المبتدعة هؤلاء الذين يقولون: أنتم تحيون بعض الذكرى للأشخاص، أو مثلاً ما حصل من الأسبوع للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه, فيقولون: عملنا مشابه لهذا الشيء والرسول عليه الصلاة والسلام أعظم من الإمام محمد؟ الجواب رسول الله أعظم من كل بشر, لكن إحياء ذكرى الرسول ليست خاصة بهذه الليلة, ذكرت لكم آنفاً أن كل عبادة فيها إحياء ذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام, هذا من جهة. من جهة أخرى: أسبوع محمد بن عبد الوهاب , هل جعل عيداً يتكرر؟ نقول: ما جعل عيداً, أنتم تجعلون هذا عيداً يتكرر والعيد هو الشيء الذي يعود ويتكرر, تجعلون هذا عيداً يتكرر في كل سنة وهذا المنكر, ولهذا لو أن أحداً في يوم من الأيام قام يتحدث عن بعث الرسول عليه الصلاة والسلام وعن زيارته ما قلنا: إنه مبتدع, لكن أن نجعل هذا عيداً يتكرر كل سنة كالأعياد الشرعية كعيد الفطر وعيد الأضحى هذا هو المنكر, وعلى فرض أن أسبوع محمد بن عبد الوهاب غلط, هل نقيس الغلط بالغلط؟ لا نقيس. السائل: لو قال قائلهم: إن هذا ليس تعبداً؟ الجواب: ماذا يقصدون؟ السائل: ذكرى. الجواب: يقصدون الجلوس كأصحاب الفن الذين يغنون, يقولون: نحن نحب الرسول, محبة الرسول هل هي دين أم غير دين؟ دين وعبادة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 24 حكم شراء السيارات بنظام التقسيط السؤال ما حكم شراء السيارة بنظام التقسيط, أن يقسط اثنين وأربعين شهراً كنظام التأجير؟ الجواب قل لي ما حكم التأجير المنتهي بالتمليك، هذه المسألة فيها بحث الآن عند هيئة كبار العلماء في السعودية , وظني أنهم سوف يصدرون فيها فتوى ويمشون عليها, أنت الآن لا تستعملها انتظر الفتوى وستخرج قريباً إن شاء الله. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 25 حكم إخراج زكاة الذهب للزوج السؤال هناك امرأة أخرجت زكاة ذهبها وهي كانت ناوية أن تتصدق به على زوجها, وبعد أن أخرجت الزكاة وكان المبلغ عندها ما أعطته الزوج بل اقتطعت منه جزءاً بسيطاً ظناً منها ما دام أن الزوج يلزمه نفقتها أن هذا من النفقة الواجبة على الزوج, وهي كانت مخبرة زوجها أنها تريد أن تخرج زكاة الذهب وتعطيه إياه؟ الجواب لا يجوز, أولاً: بعض العلماء يقول: إن المرأة لا يجوز أن تدفع زكاتها لزوجها مطلقاً, سواء كان فقيراً أو غارماً, والصحيح أنه يجوز أن تدفع زكاتها لزوجها إذا كان غارماً يريد أن يقضي دينه أو كان فقيراً, لكن لا يجوز أن تقتطع منها قبل أن تسلمه إياها ما يقابل نفقتها, تعطيه إياه ويتصرف بها كما شاء. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 26 حكم من حضر مولداً من أهل العلم السؤال الاحتفالات بالمولد تقام في تلك البلاد البعيدة فيراها أهلها ويسمعون بها دون أن تبث إلى الدول الأخرى, لكنها الآن تنقل بالفضائيات إلى الدول فيراها أبنائنا في البيوت فيحضرها المفتون في تلك البلاد والزعماء, فكيف يكون التصرف؟ الشيخ: ماذا أصنع؟ السائل: ما تعليقك على هذا؟ الجواب تعليقي على هذا أنه خطأ, وهؤلاء العلماء إذا كانوا يعلمون أن ذلك بدعة فهم آثمون والعياذ بالله, والواجب عليهم أن يبينوا للناس أن هذه بدعة وألا يحضروها, لكني أقول بهذه المناسبة: العلماء ثلاثة أقسام: عالم دولة, وعالم أمة, وعالم ملة. عالم الدولة: الذي ينظر ماذا تريد الدولة فيفتيهم مباشرة, ينظر ماذا يقول الرئيس أو الوزير وما أشبه ذلك, ما أحله الرئيس فهو حلال, وما حرمه فهو حرام, هذا عالم الدولة. عالم أمة: هو الذي يتبع ما ترتاح له العامة, وإن كان خلاف الحق عنده, هذا عالم لكن يتبع الأمة وهذا كالأول, آثم وعلمه وبال عليه. الثالث: عالم ملة, لا يبالي بالدولة ولا بالعامة يفتي بما دل عليه الكتاب والسنة, سخط الناس أم رضوا, هذا هو العالم حقيقة, وهذا هو العالم الرباني, والواجب على كل عالم بشريعة الله أن يكون عالم ملة, ولا يبالي بالناس، هو سوف يخرج من الدنيا بكفنه وحنوطه فقط, والناس لا يغنون عنه شيئاً: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ} [البقرة:166] {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] لو كان عالم أمة وحظي عند العامة فهذا بموته يزول كل شيء, لكن إذا كان عالم ملة رفع الله ذكره في الدنيا وبعد مماته, وحصل في علمه بركة، فلذلك أرجو من إخواني طلاب العلم أن يكونوا من هذا النوع؛ من علماء الملة, ليبينوا الحق كما أمرهم الله بذلك وأخذ عليهم الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وهذا كما يشمل اليهود والنصارى يشمل من أوتي الكتاب من هذه الأمة: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] . الجزء: 210 ¦ الصفحة: 27 حكم حضور خطب ومواعظ من يقوم ببدعة المولد السؤال بالنسبة للخطباء والوعاظ الذين لديهم مثل هذه البدع وما شابهها, هل يجوز السماع لمواعظهم وخاصة إذا كانت جيدة وليس فيها بأس أو حث الناس على الموعظة الطيبة؟ الجواب الحمد لله! الحق لا يقتصر على مواعظهم, ولا على خطبهم, فإذا كان ذهابك إلى مواعظهم وخطبهم يوجب اغترار الناس بهم لأنك ذهبت, فلا تذهب, ما عندهم من خير موجود في موضع آخر, أما إذا كنت تذهب من أجل أن ترد عليهم خطأهم فهذا أفضل. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 28 أيهما أفضل: الحفظ أم الفهم؟ السؤال قد يجد طالب العلم المبتدئ صعوبة في طلب الحفظ فما نصيحتك لهذا؟ الجواب أرى أن طالب العلم المبتدئ يحرص على حفظ المتون, لأنه كما قلت: الصغير لا ينسى, وحفظ المتون هو العلم، ولا تعتبروا بقول من قال: العلم هو الفهم، هذا غلط, نحن لم ينفعنا الله عز وجل إلا بما حفظناه من قبل في حال الصغر, نستحضر العبارات التي كنا نحفظها من قديم, ولذلك تجد الذين يعتمدون على مجرد الفهم ليس عندهم علم, لأنهم لا يرتكزون على شيء. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 29 حكم من يقول: المولد جائز بشروط السؤال بعض من يروج بدعة المولد يقولون: إن المولد جائز لكن بشروط وقيود, منها: أن يبعد عن الشعر الشركي وغير ذلك؟ الجواب أولاً: نقول: أين الدليل على أن أصله ثابت سواء بشروط أو غير شروط؟ ثم هل هذه الشروط تطبق بحسب الواقع؟! لا. سمعنا عن بعضهم أنهم في غمرة الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يقومون قيام رجل واحد, ويقولون: جاء حضرة النبي!! فالمهم ما دامت بدعة فلا تجوز بأي حال من الأحوال, وعليكم أنتم يا طلبة العلم! أن تبينوا للناس, لكن بالأسلوب اللين, وتكونوا -يا جماعة! - عليكم بالشيء الثابت والوارد, أكثروا من الصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام, أكثروا من ذكر الله, انشروا في الناس خصال النبي عليه الصلاة والسلام في بقية العام ليس في هذه الليلة. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 30 حكم الأناشيد الجماعية في الموالد السؤال ما حكم الأناشيد وخصوصاً الجماعية في الموالد؟ الجواب ما هي الأناشيد؟ ما موضوعها؟ ربما يكون فيها غلو في الرسول عليه الصلاة والسلام, أنا أقول: المولد بأناشيده وغيرها كلها حرام لا يجوز. وإلى هناك ينتهي هذا اللقاء, نسأل الله تعالى أن يبارك لنا ولكم فيه. الجزء: 210 ¦ الصفحة: 31 لقاء الباب المفتوح [211] كانت الآية الخامسة من سورة الحديد هي موضوع هذا اللقاء الذي بين فيه الشيخ معاني كلمات هذه الآية، مبيناً التعجيز في إيلاج الله الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، داعياً إلى تصفية القلوب من الرياء والنفاق والغل على المسلمين؛ لأن الله عليم بذات الصدور. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الحادي عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى: (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع عشر من شهر ربيع الأول عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبدأ به وهو التفسير, على ما ييسره الله عز وجل, لأن علم التفسير أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بأعظم كتاب وهو القرآن الكريم, والعلم يشرف بشرف المعلوم, وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل, قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً, فينبغي لطالب العلم أن يعتني بالتفسير, ويفهم كتاب الله عز وجل ليعمل به, لأنه لا يمكن العمل إلا بعد معرفة المانع, والعمل بالقرآن واجب, فيجب علينا أن نعرف معناه, فوصيتي لطلاب العلم أن يعتنوا بتفسير كتاب الله عز وجل عناية تامة, وإذا أمكن أن يحفظوه فهو أكمل وأفضل. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (له ملك السماوات والأرض) آخر آية قرأناها هي قول الله تبارك تعالى: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:5] (له) أي: لله تعالى وحده, (مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خلقاً وتدبيراً, فلا يملك السماوات والأرض أحد إلا الله عز وجل, لا استقلالاً ولا مشاركة, قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ:22] فنفى الاستقلال ونفى المشاركة: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] أي: ما لله منهم، (من ظهير) أي: من مساعد ساعده على خلق السماوات والأرض, فله ملك السماوات والأرض, نعلم أن عددها سبع، قال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون:86] الأرضين عددها سبع, كما جاء ذلك ظاهراً في القرآن وصريحاً في السنة, قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] أي: في العدد, وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين) . قال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الحديد:5] كل الأمور، أي: الشئون العامة والخاصة, الدينية والدنيوية والأخروية, كلها ترجع إلى الله عز وجل, يتصرف بما شاء ويحكم بما شاء, ولا معقب لحكمه عز وجل, هل أمور الإنسان الخاصة ترجع إلى الله؟ الجواب نعم. ترجع إلى الله, ولذلك يجب عليك إذا ألمت بك ملمة أن ترجع إلى الله عز وجل, لأن المشركين -وهم المشركون- إذا ألمت بهم الملمات التي يعجزون عنها يلجئون إلى الله عز وجل, إذا عصفت بهم الرياح في البحار وهم على السفن لمن يلجئون؟ إلى الله عز وجل, يسألونه أن ينجيهم وهم مشركون, فكيف بك أنت أيها المسلم؟! الجأ إلى الله في كل شيء, صغير أو كبير, ديني أو دنيوي, خاصة بك أو بأهلك, لا تلجأ إلى غير الله, فمن أنزل حاجته بالله قضيت, ومن أنزل حاجته بغير الله وكل إليه. إذاً: نقول: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الحديد:5] أَيّ أمور؟ كل الأمور, الأمور العامة, الأمور الدينية والدنيوية والأخروية, والخاصة والعامة, وإذا آمنت بهذا ويجب أن تؤمن به صرت لا تلجأ إلا إلى الله عز وجل. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد:6] (يولج) : أي يدخل الليل في النهار, و (يولج النهار) أي: يدخله في الليل, وهذا يعني اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر, أحياناً يبدأ الليل في الزيادة -كما في أوقاتنا الآن؛ فيدخل على النهار، هذا يولج الليل في النهار, أحياناً يبدأ الليل ينقص ويزيد النهار, فيدخل النهار على الليل, لا أحد يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى, لو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، البشر والملائكة، ما استطاعوا أن يولجوا دقيقة واحدة من الليل في النهار أو من النهار في الليل, والله عز وجل يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. ثم هذا الإيلاج ليس يأتي دفعة واحدة, فلا يمكن أن تقول: أقصر ليلة في أطول ليلة في يومين! لا يمكن, ولكنه يأتي تدريجياً شيئاً فشيئاً, أول ما يبدأ بزيادة تجده يأخذ قليلاً, في اليومين أو الثلاثة دقيقة واحدة, ثم يزداد يزداد حتى يكون عند تساوي الليل والنهار يأخذ حوالي دقيقتين في اليوم تدريجياً, أرأيتم لو جاء دفعة واحدة, كنا مثلاً في أطول يوم في السنة وإذا بنا في اليوم الثاني إلى أقصر يوم في السنة, ماذا يترتب عليه؟ مفاسد عظيمة, لأن الناس سينقلبون من حر مزعج إلى برد مؤلم في خلال أربع وعشرين ساعة, وهذا لا شك مضر للأبدان والنبات والجو, لكنه عز وجل يولجه على تنظيم, موافق للحكمة تماماً, ولا أحد -والله- يستطيع أن يفعل هذا أبداً, ومهما بلغ من القوة. {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد:6] (ذات الصدور) هي: القلوب, (ذات الصدور) أي: صاحبة الصدور وهي: القلوب, والدليل أنها القلوب: قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] إذاً: هو عليم بما في القلب, هل تصدق بذلك؟ نعم. تصدق, لأن الخبر خبر الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] إذا كنت تصدق بذلك، فهل يمكن أن تضمر في قلبك ما لا يرضاه الله؟ إن كنت مؤمناً لا يمكن, طهّر قلبك من الرياء والنفاق والغل على المسلمين, والحقد, والبغضاء, طهره لأن قلبك معلوم عند الله عز وجل -اللهم طهر قلوبنا- طهر قلبك من هذا, املأه محبة لله وتعظيماً, ومحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيماً كما يليق به, ومحبة للمؤمنين, ومحبة لشريعة الله وإن كرهتها, قال الله عز وجل للصحابة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] . لا تضمر في هذا القلب المضغة شيئاً يكرهه الله, إن فعلت فإن الله عليم به لا يخفى عليه, فطهر قلبك حتى يكون نقياً سليماً, لأنه لا ينفع يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم, كما قال عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] . وتغيرات القلب تغيرات سريعة وعجيبة, ربما ينتقل من كفر إلى إيمان أو من إيمان إلى كفر في لحظة -نسأل الله الثبات- تغير القلب يكون على حسب ما يحيط بالإنسان, وأكثر ما يوجب تغير القلب إلى فساد حب الدنيا, حب الدنيا هذه آفة, والعجب أننا متعلقون بها, ونحن نعلم أنها متاع الغرور, وأن الإنسان إذا سر يوماً وسيء يوماً آخر, كما قال الشاعر: فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ كل لذة في الدنيا فهي محوطة بمنغص، لذلك احرص على تطهير القلب من التعلق بالقلب, إلا ما ينفعك في الآخرة كأن تتعلق بالدنيا لتصبح غنياً تنفق مالك في سبيل الله, وفيما يرضي الله عز وجل فهذا شيء آخر, طلب المال للأعمال الصالحة خير, لكن طلب المال لمزاحمة أهل الدنيا في دنياهم هذا شر. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 211 ¦ الصفحة: 5 حكم إيجاد قنوات إسلامية وحكم شراء الدش بحجة مشاهدة القنوات الإسلامية السؤال البعض من الإخوة يرى أن وجود قناة شرعية تزاحم تلك القنوات الهابطة التي تبث عن طريق الدش تسوغ اقتناءه, أرجو بيان ما يراه فضيلة الشيخ تجاه ذلك؟ الجواب الذي أرى أن يوجد قناة إسلامية يتكلم بها علماء راسخون في العلم, أهل عقيدة سليمة, ويبينون الحق دون مهاترات أو منازعات أو سبٍ للآخرين, فهذه إذا وجدت نفع الله بها, وأرجو الله عز وجل أن يحقق هذا, لأن بقاء الناس لا يشاهدون إلا ما ينشر في هذه الفضائيات المدمرة ضرر عظيم, لكن إذا وجدت قناة إسلامية يتكلم فيها علماء راسخون في العلم أقوياء في بيان الحق, فلكل سلعة مشترٍ, أهل الباطل يذهبون للباطل, وأهل الخير يذهبون إلى الخير. وإذا كانت القناة الإسلامية هذه مشيقة في العرض، في طرح المسائل، وفي الإجابة عن الإشكالات سوف ينصرف إليها أناس كثيرون حتى ممن لا يريدون هذا, فأسأل الله أن يحقق هذا عن قريب حتى يشتغل الناس به عن مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة المفسدة. السائل: يكون هذا مسوغاً لمن لم يحصل على الدش أن يشتري الدش بحجة هذا؟ الجواب: نعم يشتري الدش بهذه الحجة, أليس الآن عندنا إذاعة القرآن كلها سليمة, وأناس عندهم راديو وما يستمعون إلا إلى إذاعة القرآن, وما دام عندنا مصلحة محققة فالأوهام هذه مطرحة ولا عبرة بها. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 6 حكم هجر من ترك الصلاة السؤال بعض الشباب -هدانا الله وإياهم- يتهاونون في الصلاة تهاوناً عظيماً, لدرجة تصل إلى تركها بالكلية, وهؤلاء الشباب قد يكونون أقارب لنا مثل: الإخوان وغير ذلك, وبعضهم أصدقاء, فكيف التعامل معهم في نظركم: هل نقاطعهم مقاطعة شرعية أم ماذا؟ الجواب لا شك أن التهاون بالصلاة سبب الشقاء والبلاء؛ لأن الصلاة إذا صلحت صلحَت الأعمال, وإذا فسدت فسدت الأعمال, فهي للأعمال بمنزلة القلب, ولهذا عند الحساب يوم القيامة أول ما ينظر في الصلاة, إن كان قد أضاعها هو لما سواها أضيع, وإن كان قد حافظ عليها ينظر في بقية أعماله, والصلاة عمود الدين إذا سقطت سقط البناء, ولقد قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:59-60] . هؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة من الآباء والأبناء والإخوان، والأعمام والعمات والخالات وغيرهم من الأقارب, أو من الأصحاب أو من الجيران, يجب علينا أن ننصحهم ونحذرهم ونبين لهم ما في الصلاة من الخير والأجر العظيم, والآثار الحميدة, وما في تركها وإضاعتها من الشر والبلاء, فإن اهتدوا فهذا المطلوب, وإن لم يهتدوا نظرنا: هل في هجرهم والبعد عنهم فائدة بحيث يخجلون فيستعتبون, أو هذا لا يزيد الأمر إلا شدة ونفوراً, إن كان الثاني فإننا لا نهجرهم, وإن كان الأول فإننا نهجرهم, أي: إذا هجرناهم خجلوا واستقاموا, فهنا نهجرهم حتى يستقيموا, وإن كان الهجر لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة وبعداً ونفوراً منا فلا نهجرهم, لأن الهجر دواء, والدواء متى يستعمل؟ يستعمل عند الحاجة وعند ظن النفع, إذا لم تظن النفع في الدواء فلا تستعمله, إلا إذا كانوا تركوا الصلاة بالكلية فهؤلاء مرتدون عن دين الإسلام, يجب هجرهم ومقاطعتهم وعدم الإنفاق عليهم إذا كنت تنفق عليهم حتى يرجعوا إلى الإسلام. لاحظ أيهما أعظم الكافر الأصلي الذي لم يُسْلِمْ من الأصل, أم المرتد؟ المرتد أعظم, ولهذا الكافر يمكن أن نبقيه على دينه ونتركه, المرتد لا نبقيه على ردته, نقول: أسلم وصلِ وإلا قتلناك, فإذا كان لا يجوز إقراره على الحياة فلا يجوز صلته. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 7 حكم من شك في انتقاض وضوئه السؤال عندما أنتهي من الوضوء وأدخل في الصلاة فعند الركوع والسجود أحس بقطرة من البول تنزل, فما العمل؟ وما هو سلس البول؟ الجواب إذا تيقنت مثل الشمس انتقض وضوءك ويجب عليك الانصراف وغسل ما حصل من البول, ثم إعادة الوضوء, أما إذا كان غلبك ظن (90%) أنه حصل هذا لا تلتفت له, أنا أظن والله أعلم أن الذين يبتلون بهذا يكون عندهم (50%) أنه خرج شيء, إذا كان (90%) أو (95%) لا يؤثر فما دونه من باب أولى, ما هو الدليل من أجل أن تطمئن, أن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الرجل يجد الشيء في صلاته ويشك هل أحدث أم لا؟ فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يتيقن تيقناً ليس وهماً, فلا تلتفت لهذا, أيضاً لو كنت خارج الصلاة وأحسست لا تذهب تفتش, لأن مع تحريك الذكر للاطلاع يحصل شيء اتركه, نسأل الله أن يعافي إخواننا مما ابتلاهم به. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 8 حكم تارك الصلاة السؤال قضية الذين يتركون الصلاة بالكلية, هل تجري عليهم أحكام المرتدين مثل: البغض، والولاء والبراء ومثل هذه الأحكام؟ الجواب الذي يترك الصلاة بالكلية يجب بغضه وكراهته, وإذا مات لا يجوز أن نقول: اللهم ارحمه, ولا يجوز أن ندفنه مع المسلمين، ولا أن نغسله ولا أن نكفنه, نخرج به في سيارة خارج البلد ونحفر له حفرة وليس قبراً ونرمسه فيها رمساً بثيابه, لأن هذا كافر, والكافر الأصلي له شيء من الحقوق, أما هذا فليس له حق ولا يجوز أن يبقى على الدنيا طرفة عين, ولا حرمة له، ويوم القيامة يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف رءوس الكفر، والعياذ بالله. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 9 حكم تكليف الممسوس حين يصرع السؤال يوجد شخص قال لي: ثبت بالرقية الشرعية والاستقراء والمتابعة لحالته لأنه مصاب بالمس, أنه تحدث منه بعض الأقوال والأفعال الكفرية, والعياذ بالله كسب الله وسب رسول الله -نسأل الله السلامة- وعند مساءلته في حال صحوته ينفي أنه قد عمل ذلك ويعلم ذلك, ومثل هذا ما العمل تجاهه: هل يهجر أم يصبر عليه؟ وفي حال وفاته ما الأحكام الشرعية المتوجبة تجاهه؟ الجواب هذا لا شيء عليه ولو ترك الصلاة؛ لأنه الآن لا يحس أنه ترك, فيعني هذا أن الجن أغموا عليه وحالوا بينه وبين الإرادة, فتركه لذلك كالمكره تماماً, فهو على إيمانه حكماً في الدنيا وإن شاء الله في الآخرة كذلك. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 10 حكم الذي يصلي أحيانا ً السؤال حكم من يصلي فترة وينقطع فترة؟ الجواب الذي يصلي فترة وينقطع فترة على رأي شيخنا ابن باز رحمه الله كافر, لأنه يرى أن من ترك صلاة واحدة حتى خرج وقتها فهو كافر, وعلى ما نرى ليس بكافر لأن الحديث: (من تركها -أي: الصلاة-) ما قال: من ترك صلاة, وما ذهب إليه شيخنا رحمه الله قد ذهب إليه بعض السلف , وقال: الأصل أنه إذا ترك صلاة سيترك الباقي, ما الذي أدرانا أنه تركها نهائياً؟ فنحكم بالظاهر، نقول: متى ترك صلاة واحدة عمداً بلا عذر حتى خرج وقتها فهو كافر. وبناء على ذلك يوجد -والعياذ بالله- أناس لا يصلون الفجر ويصلون البقية, لا يصلون الفجر لأنهم ينامون إلى أن يأتي وقت الدوام, وإذا قام غسل وجهه وأفطر ومشى, فعلى كل حال الواجب التناصح فيما بيننا, وأن نحذر من التهاون بالصلاة, لأن أمرها عظيم وخطأها جسيم, وما ابتلي الناس الآن بالمعاصي التي ظهرت والدعايات الباطلة، والدعوة إلى تحلل المرأة مثلاً إلا بسبب الذنوب, قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة:49] . الجزء: 211 ¦ الصفحة: 11 حكم مصافحة الأجنبيات وحكم الطعن فيمن ترك ذلك السؤال يوجد في بلدنا عادة وهو المصافحة باليد للنساء الأجنبيات, كزوجة الأخ أو زوجة العم أو الخال, وذلك عندما يقدم الرجل من سفره ونحوه, ويكثر هذا أيام الأعياد، وإذا امتنع الإنسان عن فعل هذا وصفوه بالتشدد والتعقيد, وربما التكبر أيضاً، فما رأيكم في هذا؟ الجواب لا يجوز للمرأة أن تصافح إلا زوجها ومحارمها فقط, فلا تصافح أخا زوجها, لأنه ليس مَحْرَمَاً, ولا ابن خالها, ولا ابن عمها, ولا غيرهم ممن ليسوا من محارمها, وإذا امتنع الإنسان من ذلك فليبين أن هذا حرام, ويقول تطييب لقلوبهم: اسألوا العلماء, فإن أبوا أن يسألوا العلماء ووصفوه بالكبرياء أو ما أشبه ذلك فليصفوه بما شاءوا, ما دام على ما يرضي الله فلا يهمه أحد, أتدري بماذا وُصف الرسول عليه الصلاة والسلام؟ المجنون، والساح، والشاعر, والكاهن, والكذاب، وكل وصف, هل هذا منعه أن يقول الحق؟ لا. بل هذا مما يضاعف الثواب به للإنسان, حيث يثاب بترك المحرم من وجه, وعلى ما يصيبه من أذىً من وجه آخر, وما أعظم الخطر على أولئك الذين يؤذون المتمسكين بالدين, لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] . دعهم يقولون ما شاءوا, والحق منصور ولو على المدى الطويل, يقول ابن القيم رحمه الله في النونية: والحق منصور وممتحن فلا تعجب فهذي سنة الرحمن إذاً: لا تصافح، وأعلن أن هذا حرام، وقل: يا جماعة! إن كنتم في شك فهؤلاء العلماء عندكم. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 12 حكم الانتخابات العامة والقبلية في الكويت السؤال ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت , علماً بأن أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟ وأيضاً ما حكم الانتخابات الفرعية القبلية الموجودة فيها يا شيخ؟! الجواب أنا أرى أن الانتخابات واجبة, يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً, لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم؟ أهل الشر, أو الناس السلبيون الذين ليس عندهم لا خير ولا شر, أتباع كل ناعق, فلابد أن نختار من نراه صالحاً فإذا قال قائل: اخترنا واحداً لكن أغلب المجلس على خلاف ذلك, نقول: لا بأس, هذا الواحد إذا جعل الله فيه بركة وألقى كلمة الحق في هذا المجلس سيكون لها تأثير ولابد, لكن ينقصنا الصدق مع الله, نعتمد على الأمور المادية الحسية ولا ننظر إلى كلمة الله عز وجل, ماذا تقول في موسى عليه السلام عندما طلب منه فرعون موعداً ليأتي بالسحرة كلهم, واعده موسى ضحى يوم الزينة -يوم الزينة هو: يوم العيد؛ لأن الناس يتزينون يوم العيد- في رابعة النهار وليس في الليل, في مكان مستوٍ, فاجتمع العالم، فقال لهم موسى عليه الصلاة والسلام: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه:61] كلمة واحدة صارت قنبلة, قال الله عز وجل: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [طه:62] الفاء دالة على الترتيب والتعقيب والسببية, من وقت ما قال الكلمة هذه تنازعوا أمرهم بينهم, وإذا تنازع الناس فهو فشل, كما قال الله عز وجل: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} [الأنفال:46] {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه:62] . والنتيجة أن هؤلاء السحرة الذين جاءوا ليضادوا موسى صاروا معه, ألقوا سجداً لله, وأعلنوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70] وفرعون أمامهم, أثرت كلمة الحق من واحد أمام أمة عظيمة زعيمها أعتى حاكم. فأقول: حتى لو فرض أن مجلس البرلمان ليس فيه إلا عدد قليل من أهل الحق والصواب سينفعون, لكن عليهم أن يصدقوا الله عز وجل, أما القول: إن البرلمان لا يجوز ولا مشاركة الفاسقين, ولا الجلوس معهم, هل نقول: نجلس لنوافقهم؟ نجلس معهم لنبين لهم الصواب. بعض الإخوان من أهل العلم قالوا: لا تجوز المشاركة, لأن هذا الرجل المستقيم يجلس إلى الرجل المنحرف, هل هذا الرجل المستقيم جلس لينحرف أم ليقيم المعوج؟! نعم ليقيم المعوج, ويعدل منه, إذا لم ينجح هذه المرة نجح في المرة الثانية. السائل:. الانتخابات الفرعية القبلية يا شيخ! الجواب: كله واحد أبداً رشح من تراه خَيِّرَاً، وتوكل على الله. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 13 من كان فيه خصلة من النفاق: هل هو في الدرك الأسفل أم لا؟ السؤال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] إذا كان فيه خصلة من النفاق يعتبر في الدرك الأسفل من النار؟ الجواب المنافقون: هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر, هؤلاء هم الذين في الدرك الأسفل من النار, أما من فيه خصلة من النفاق فقد يعفو الله عنه, لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فلا يكون في الدرك الأسفل من النار ولا في الدرك الأعلى. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 14 حكم أكل اللحم من بائع يتلفظ بالكفر وليس هو الذابح السؤال ما حكم الأكل من يد الجزار إذا كان يقطع اللحم, وأنا سمعته بأذني وهو يمازح صديقه بألفاظ كفرية, علماً بأن بعض الشعوب الإسلامية عندهم مثل هذا من سب الدين وغيره, فهل أرفض اللحم؟ الجواب هل هو الذي ذبحها؟ السائل: لا. الجواب: كُلْها. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 15 بيان الأفضل من الكتب لطالب العلم السؤال كما تعلمون هذه الأيام قد كثرت المؤلفات والمصنفات في جميع الفنون, فلو بينتم لنا أهم الكتب في جميع الفنون لطلب العلم, أفيدونا مأجورين؟ الجواب أولاً: بارك الله فيك أنا لا أحيط بكل الفنون هذه واحدة, ولا أحيط بكل ما ألف في فن واحد, فإذا كان كذلك فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. ولكني أنصح نصيحة عامة: عليكم بكتب من سلف؛ كتب السابقين فإنها أبرك وأتقن وصادرة عن إيمان, وهم غير معصومين, المتأخرون حسب ما رأينا أكثر علومهم سطحية, ليس هناك علم راسخ, ولهذا لو أنك أخرجت هذا الدكتور العظيم الذي هو دكتور ألف واثنين ومائة وألف, لو أخرجته عن مساره وقع, هؤلاء سطحيون في أكثر ما يكتبون، نقول: وقد تكون غير محررة أو محرفة أيضاً من الأصل, لأنهم لا يعرفون المعاني كثيراً, ثم ينقل من هذا ومن هذا ومن هذا ويختلط, فوصيتي لطلاب العلم عموماً أن يأخذوا بكتب السابقين, أبرك وأقل تكلفاً وكلاماً, المتأخرون تقرأ صفحة أو صفحتين لا تحصل إلا على سطرين, عهن منفوش, لكن كتب الأولين فيها بركة، سبحان الله! لأنه ليس عندهم تكلف, والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (هلك المتنطعون) أحياناً نجد رسائل جامعية يكتب النقاش بين العلماء ثم يقول: استدل الأولون بكذا وكذا ويسرد, استدل الآخرون بكذا وكذا ويسرد, بينما تجد هذه المناقشة التي صارت بعشرة ورقات تجدها في ورقتين فقط عند السابقين, كصاحب المغني , وشرح المهذب وغيره, فنصيحتي لإخواني طلبة العلم أن يعتنوا بكتب السابقين. السائل: في الفقه نأخذ أي كتاب؟ الجواب: المغني لـ ابن قدامة، شرح المهذب للنووي , هذا الذي أعرفه، ويمكن أن هناك كتباً أخرى لا أدري عنها. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 16 حكم من يصلي الجمعة فقط السؤال ما حكم الذي يصلي صلاة الجمعة فقط؟ الجواب لماذا لا يصلي إلا الجمعة؟ السائل: عادته. الجواب: عادة, إذاً: هذا الرجل لا أعتقد أن صلاته عبادة, ولهذا يصلي الجمعة عادة لأنه يلبس ويتزين ويتطيب ويذهب, وإن كنت أنا أرى أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة نهائياً أشك في إسلام هذا الرجل, لأن هذا الرجل إنما اتخذ صلاة الجمعة عيداً فقط؛ يتجمل ويذهب للناس وهو متطيب ومتجمل فقط, فأنا أشك في كون هذا باقياً على الإسلام. أما على ما رآه شيخنا عبد العزيز فهو كافر, وانتهى أمره. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 17 كيف يصنع من قل في منطقته أهل العلم أو عدموا السؤال نحن في مدينة حفر الباطن المدينة العسكرية نفتقر إلى الدروس العلمية, نرجو من سماحتكم التوجيه؟ الجواب الآن -والحمد لله- ما لأحد عذر, الأشرطة تسير مسار الليل والنهار, يمكن للإنسان أن يتخذ عالماً من العلماء يثق به ويستمع أشرطته وكأنه جالس عنده, فأشير عليكم أن تأخذوا أشرطة العلماء الذين تختارون, ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. أما قلة العلماء فنشكو إلى الله عز وجل, العلماء قليلون في كل مكان, حتى المدن الكبار الآن ليس فيها العدد الذي يكفي, تحتاج إلى عدد من العلماء, لكن نسأل الله عز وجل أن يجعل فيهم البركة، والحمد لله الآن اتسعت الأمور في هذه الأشرطة, وأيضاً بدأ الناس أخيراً يطلبون الاتصال عبر الهاتف: محاضرات أو لقاءات أو ما أشبه ذلك, وصار فيها خير كثير, ويمكن أن تطلبوا من أحد العلماء الذين تثقون بهم ويرتب لكم مثلاً لقاء شهرياً أو أسبوعياً أو نصف شهري, ويكون فيه خير. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 18 حكم تزكية الصداق السؤال عندنا في بعض القرى إذا أراد الشخص أن يتزوج يُعطى الزوج ورقة فيها احتياج الزوجة من ذهب وغيره, وعند عقد الملكة أو القران, يقول الأب: حق البنت مع النية, فلا أدري هذا الحق، هل هو يعتبر الصداق أم الصداق يكفي الذهب؟ الجواب الصداق كل ما قدم للمرأة من أجل التزوج بها, هذه القاعدة, فما أهدي لها من قبل هو من الصداق. السائل: إذا لم يدفع الإنسان مقدماً, فدفعه مؤخراً على دفعات, هل يكون حكم الزوجة أن تزكيه؟ الجواب: هذا حكمه حكم الديون على غير الزوجة. السائل: الزوج غير قادر. الجواب: إذا كان ليس قادراً فإذا قبضته ولو بعد سنوات تزكيه مرة واحدة, إلا إذا قبضته قبل إتمام السنة فتنتظر حتى تنتهي السنة, فمثلاً: زوجها أصدقها عشرة آلاف ريال, بعد ستة أشهر أعطاها العشرة, لا تجب عليها الزكاة حتى تتم السنة من العقد. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 19 حكم من يُقَصِّر في قراءة بعض الآيات من كبار السن السؤال سؤال من ناحية كبار السن من البدو, إذا قرءوا آيات فإنهم يضيعون آية ويأتون بآية، ويزيدون أو يحطون كلمة وإذا أتيت تكلمهم فإنهم يعاندونك، مثلاً: أنا عندي شايب حط صور كبار, ويأخذ منه حتى الجاهل وهو ما عنده علم في هذا, ما الحكم في هذا؟ الجواب تعليق الصور حرام, إذا كان إبراهيم عليه السلام أصغر من أبيه, وهذا الحال, ينصحه ويقول له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] انظر إلى الأسلوب الرفيع, لم يقل: يا أبت أنت جاهل! لو قال: أنت جاهل فلن يقبل منه ولكن قال له: {قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] أي: أنت عالم لكن أنا أعلم منك, ودعاه, فقل لأبيك: يا أبتِ! لا, إبراهيم الخليل دعا أباه وهو دون الأب, وأنا إذا شئت اسأل أي إنسان من العلماء الذين يوثق بهم, وإلا أرسل له كتاباً يجيب عليه بالخط. السائل: قراءة الآيات خطأً, مثلاً: لا يقول: (قل أعوذ برب الناس) يقرأ مباشرة, ويقرأ خطأ؟ الجواب ليس بلازم الوقوف عند كل آية, ما دام يقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:1-2] الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] أنتم علموهم وتبرأ ذمتكم. السائل: هل عليهم شيء؟ الجواب: لا. ليس عليهم شيء ما دامت هذه قدرتهم, لكن أنتم علموهم -إن شاء الله- جزاكم الله خيراً. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 20 حكم الطهارة للطواف السؤال هل الطهارة في الطواف واجبة إذا كان هناك زحام شديد؟ الجواب أكثر العلماء على أنها واجبة, وأن الإنسان إذا طاف محدثاً فلا طواف له, وإذا أحدث في أثناء الطواف وجب عليه الخروج, لكن يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها ليست واجبة, وأن الطواف على طهارة أكمل وأفضل, ولكن ليست بواجبة, ولا شك أن كلام شيخ الإسلام في الوقت الحاضر في أيام الزحام هو الأنسب, لأنه أحياناً في طواف الإفاضة في الحج يحدث الإنسان -رجل كان أو امرأة- في أثناء الطواف, على رأي جمهور العلماء عليه أن يخرج من الطواف ويذهب يتوضأ, وعلى رأي الشيخ رحمه الله يقول: ليستمر في طوافه يكمل ولا عليه, ولا شك أن هذا القول أرفق بالناس, لأنه لا يوجد دليل على أن الطواف لابد فيه من الوضوء, الوضوء للصلاة: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] فعلى رأي الشيخ رحمه الله يستمر ويكمل ولا عليه، وهذا الذي نراه ونفتي به. على رأي الجمهور إذا قلنا: اذهب توضأ, ما الذي يخرجه من الزحام أولاً؟ إذا خرج من الزحام ما الذي يمكنه من الوضوء؟ لأن الحمامات كلها مزحومة, إذا قدر أنه توضأ ثم رجع يطوف وأحدث, نقول: اذهب ثانية, وكلما رجع وأحدث، قلنا: اذهب ثالثة! هذه مشقة, وهذا وارد في أيام الزحام, كثير من الناس لا يتحمل الزحام إطلاقاً ويصيبه الحدث إما قطرة من بول تخرج, وإما ريح, فنحن نقول فتوانا: إن الأفضل بلا شك أن يطوف على طهارة, لأنه إذا طاف سوف يصلي ركعتين بعد الطواف وهذا لابد من أن يكون على طهارة في الركعتين, لكن في حال المشقة نرى أنه لا بأس أن يطوف على غير طهارة, كذلك لو أتانا إنسان وأخبرنا أنه طاف بلا طهارة، لا نقول: هل هناك مشقة أم لا؟ انتهى الأمر والطواف صحيح. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 21 بماذا يبدأ طالب العلم من الحفظ؟ السؤال هل ترون حفظ متن من متون الفقه المختصر كـ الزاد والدليل من المهم لطالب العلم, والرد على من يقول: يكفيك حفظ متون أحاديث الأحكام كـ البلوغ وغيره؟ الجواب بل أرى الخير كل الخير أن يجمع بين الأحاديث وبين كلام الفقهاء, ويحفظ لأن العلم بالحفظ, ونحن ما استفدنا إلا بما حفظنا, الحفظ كنز متى شاء الإنسان مد يده إليه, ولا تغتر بقول من يقول: عليك بالفهم دون الحفظ؛ فإن هذا خطأ, عليك بالحفظ, الحفظ يبقى أي وقت تريد استحضاره تجده, لكن إذا قال: أنا إما أن أحفظ متن الزاد أو أحفظ العمدة ولا أستطيع أن أجمع بينهما, فـ العمدة أحسن؛ لأن العمدة كلام الرسول عليه الصلاة والسلام, فهو أولى أن يحفظ ويتدبر. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 22 حكم طواف الوداع في العمرة السؤال هل للعمرة طواف وداع, مع الدليل؟ الجواب أما إذا طاف وسعى وقصر ومشى فهذا لا يحتاج إلى وداع؛ لأنه طاف ومشى ولم يجلس, وأما من جلس فعليه أن يطوف للوداع, والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ يعلى بن أمية: (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) وهذا عام، لكن استثناء وقوف عرفة ومزدلفة ورمي الجمرات والمبيت في منى واضح بالإجماع, والباقي العمرة كالحج, ثم إنه ورد في حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الحج الأصغر, ثم القياس أنه دخل البيت بتحية، ما هي؟ طواف القدوم للعمرة, فليخرج منه بتحية, فليست الأولى بأحق من الثانية, ثم إن ذلك أحوط وأبرأ للذمة, لأنه إذا ترك طواف الوداع قال له بعض العلماء: إنك آثم, وإذا طاف للوداع لم يقل أحد: إنك آثم. فالذي نرى ونفتي به أنه لا بد للعمرة من طواف الوداع إلا إذا سافر فور انتهائه من عمرته فالطواف الأول مجزئ. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 23 بيان فضل طلب العلم وكيفيته السؤال هل تستطيع أن تدلنا على بعض الأشرطة في حفظ طلب العلم وفضله وكيفية طلبه, والكتب الخاصة بالمبتدئين؟ الجواب أما طلب العلم -بارك الله فيك- فلا حاجة إلى أن أدلك على شيء, أدلك على كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] يكفي هذا, وقال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ، وقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] جعلهم شهداء, في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) هذا يكفي في الحث على طلب العلم. أيضاً: العلماء هم الشهداء الذين هم في الدرجة الثالثة من طبقات الخلق, قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] (الشهداء) أي: العلماء, لأنهم شهدوا بوحدانية الله عز وجل, وكذلك الذين قتلوا في سبيل الله. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 24 حكم من كان محافظاً على جميع الفرائض إلا أنه مدخن السؤال هناك إنسان مدخن ولكنه يقيم جميع الفرائض من الصلاة والصوم وحتى صلاة الفجر, ويقوم بجميع الواجبات المطلوبة من الله سبحانه وتعالى, فما ترى في ذلك؟ الجواب أنا أرى أنه مصر على معصية, والله عز وجل يقول: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] فعليه أن يقوي نفسه وأن يكون شجاعاً في ترك هذا الدخان, إن تيسر أن يتركه مرة واحدة فهذا واقع وحاصل وكم من أناس فعلوا هذا, وإن لم يستطع فبالتدريج, وإذا علم الله من نيته أنه صادق عازم أعانه الله عز وجل, وأما أعماله الأخرى الصالحة فلا شك أنه ينال بها درجات ويجعله في خير إن شاء الله. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 211 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [212] بدأ الشيخ حديثه عن أهمية تدبر القرآن الكريم، والحث على تفهم معانية والرجوع إلى كتب أهل العلم في التفسير، ثم تكلم عن تفسير آية من سورة الحديد ، ذكر من خلالها حقيقة الإيمان بالله ورسوله، بالإضافة إلى أهمية الإنفاق والبذل، ويعود السبب إلى الأجور المترتبة على هذا الإنفاق، فقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على التنافس في هذا الباب. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 1 تفسير آية من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ربيع الأول عام 1420هـ. نبتدئ هذه الجلسة بما اعتدناه من تفسير القرآن الكريم. وإني أقول لكم -أيها الإخوة-: إن القرآن الكريم نزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه الله بأنه مبارك, وبيّن الحكمة من إنزاله فقال جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] وهذا يعني: أنه لابد للمسلمين من أن يتدبروا القرآن, ويتفهموا معناه, وإلا لكانوا كالذين لا يقرءون, لأن الذي لا يفهم المعنى كالذي لا يفهم الوقت, قال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] فوصف هؤلاء الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني, أي: إلا قراءة, وصفهم بأنهم أميون أي: كالذي لا يقرأ ولا يكتب. لذلك أحثكم -أيها الإخوة- ومن بلغه كلامي هذا على تدبر القرآن وتفهم معناه, لكن لا يقول فيه أحد برأيه بدون علم, لأن من قال برأيه في القرآن فليتبوأ مقعده من النار, وقد أخطأ ولو أصاب, والحمد لله كتب التفسير موجودة, لكن المراد الكتب التي يوثق بها وبمؤلفيها, لأن الذين تناولوا تفسير القرآن لهم مناهج ولهم مذاهب كلٌ منهم يحمل الآيات على مذهبه الذي كان يتبعه, فتجد تفسير المعتزلة يوافق منهج المعتزلة وآراءهم وعقائدهم, وكذلك الخوارج, وكذلك غيرهم من أهل الأهواء والبدع, لكن عليكم بالكتب الموثوق بها كـ تفسير ابن كثير وتفسير السعدي رحمه الله, فإنهما خير ما نعلم مما يتداوله الناس بينهم اليوم. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (آمنوا بالله ورسوله) الآية التي نريد أن نفسرها هي قول الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] (آمنوا) الخطاب للعباد كلهم, (بالله) رب العالمين (ورسوله) محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, والأمر هنا للوجوب، الذي هو أشد أنواع الوجوب تحتماً, الإيمان بالله أن تؤمن بأنه رب العالمين, أن تؤمن بأنه الإله المعبود حقاً الذي لا يستحق العبادة إلا هو, أن تؤمن بأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا, أن تؤمن بأنه الفعال لما يريد, أن تؤمن بأنه لا معقب لحكمه وهو السميع العليم, أن تؤمن بأن مرجع الخلائق إليه في الأحكام الشرعية وفي الأحكام الكونية, فمن يدبر الخلق؟! الله. لا يدبر الخلق إلا الله عز وجل. من الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ الله عز وجل. رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أرسله الله تعالى إلى جميع الخلق الإنس والجن, وختم به النبوات, فلا نبي بعده والدليل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] فلا نبي بعده, فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر, يجب أن يقص عنقه إلا أن يتوب ويرجع. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] الإنفاق البذل, و (مما جعلكم مستخلفين فيه) أي: المال؛ لأن الله جعلنا مستخلفين في هذا المال, فهو الذي ملَّكنا إياه, فلا منة لنا على الله بما ننفق, بل المنة لله علينا بما أعطى، والمنة له علينا بما شرع لنا من الإنفاق, ولولا أن الله شرع لنا أن ننفق لكان الإنفاق ضياعاً وبدعة, ولكن شرع لنا أن ننفق, إذاً له المنة أولاً لما ملكنا من المال, وله المنة ثانياً بما شرع لنا من إنفاقه. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فالذين آمنوا وأنفقوا لهم أجر كبير) قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد:7] الذين آمنوا بمن؟! بالله ورسوله؛ لأنه قال: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه) وأنفقوا أي: مما جعلهم مستخلفين فيه لهم أجر كبير, والآيات كما تعلمون لهم أجر كبير, ولهم أجر عظيم {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] فوصف الله الأجور على العمل بهذه الأوصاف كبير, وعظيم, وكثير؛ أما الكثير نأخذه من قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وبهذا تعرف منة الله عز وجل علينا والحمد لله, يأمرنا بالعمل ونعمل به ويأجرنا عليه أجراً كثيراً, أجراً عظيماً, أجراً كبيراً, منة عظيمة كبيرة, فعلينا أن نشكر الله, وأن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه. وهل ننفق كل ما نملك أم بعضه؟ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) (من) هذه هل هي للتبعيض أم هي لبيان ما ينفق منه؟ إذا كانت للتبعيض فالمعنى أنفقوا بعض ما جاءكم، ليس كله, وإذا جعلناها للبيان فالمعنى أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه حسب ما تقتضيه المصلحة، إما الكل وإما البعض, فأيهما أحسن، أن نجعل من للتبعيض أم نجعل من للبيان؟ الثاني, إذا جعلناها للبيان صار الإنسان مخيراً أي: ينفق كل ماله أو بعض ماله أكثره أو أقله حسب ما تقتضيه المصلحة. ومعلوم أنه كلما كان المعنى أوسع كان أولى بالأخذ به, والقرآن الكريم العظيم معانيه واسعة عظيمة, ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم مرة على الصدقة وكان الصحابة رضي الله عنهم يتسابقون إلى الخير, كل واحد يحب أن يكون هو السابق, فقال عمر رضي الله عنه: اليوم أسبق أبا بكر؛ لأن هذين الرجلين هما أخص الصحابة بالرسول عليه الصلاة والسلام, وأحب الصحابة إلى الرسول. إن النبي صلى الله عليه وسلم، يحب أبا بكر رضي الله عنه أشد من حب علي بن أبي طالب رضي الله عنه, مع أن علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته, لكن أبا بكر يحبه أشد وأكثر, فقد سئل: (من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر) وهذا كلامه, وكلامه صدق ولا شك في ذلك, يقول: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر) . المهم أن عمر كان هو وأبو بكر كفرسي رهان, يحب أن يسبقه, لا حسد لـ أبي بكر ولكن حباً للفضل لنفسه, قال: اليوم أسبق أبا بكر فجاء بنصف ماله لينفقه, أتى به للنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا عمر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الشطر أي النصف-) وجاء أبو بكر قال: (ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله) أي أنفق كل ماله, فقال عمر: والله لا أسابقك على شيء بعدها أبداً, عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر. الشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر تصدق بجميع ماله, فإذا رأى الإنسان المصلحة في التصدق بجميع ماله وأن عنده من قوة التوكل, والاعتماد على الله, واكتساب الرزق، ما يمكنه أن يسترد شيئاً من المال لأهله ونفسه حينئذٍ نقول: تصدق بجميع مالك, إذا كان الأمر بالعكس. كان رجلاً أخرق لا يعرف أن يكتسب, وليس هناك داعٍ أن ينفق كثيراً, فهنا نقول: الأولى أن تنفق بعض المال. إذاً: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ) هل (من) للتبعيض أو للبيان؟ للبيان, أي: أنفقوا من هذا المال ما يكون فيه المصلحة, في هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته, وكلما رأى فيه تزعزعاً استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى في سبيله, وأن ينفق من المال. وهنا سؤال: هل المال محبوب للنفوس؟ نعم, قال الله تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] وقال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] أي: المال؛ لا يمكن أن يبذل الإنسان شيئاً محبوباً إليه، إلا لما هو أحب, فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاء رضوان الله, علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من محبة المال, وبذلك يتحقق الإيمان. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من ذوي العلم الراسخ, والإيمان الثابت, إنه على كل شيء قدير. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 212 ¦ الصفحة: 6 حكم من تحلل قبل أن ينتهي من العمرة بسبب التعب السؤال رجل قام بأداء العمرة قبل ثمان سنوات, وأثناء الطواف أحس بتعب شديد وإعياء ولم يستطع إكمال العمرة وتحلل ولبس ملابسه وخرج من مكة فهل عليه شيء؟ الجواب منذ ثمان سنوات سبحان الله! منذ ثمان سنوات ما سأل عن دينه, لو ضاعت له شاة عرجاء لذهب يطلبها في الليل, وهذا الدين لا يسأل عنه إلا بعد ثمان سنوات انظر التفريط! هذا الرجل يلزمه على قول بعض العلماء أن يلبس الآن ثياب الإحرام ويذهب إلى مكة ويتم عمرته, فيطوف ويسعى ويقصر, وإن كان قد جامع في أثناء هذا فإنها فسدت عمرته فيكملها, ثم يأتي بعمرة جديدة قضاءً لما فسد, وإن كان قد تزوج بعد أن ألغى العمرة فنكاحه فاسد يجب أن يتجنب زوجته, وأن يجدد عقداً جديداً بعد أن يقضي العمرة, الذي أقوله الآن مذهب الإمام أحمد بن حنبل عند أصحابه. وهناك قول آخر أن الإنسان إذا عجز عن إكمال النسك لمرض -ليس تعباً, لأن التعب يمكن أن يستريح ويكمل- فإنه يتحلل ولكن عليه هدي لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] هنا إشكال هل يحل قبل أن يذبح الهدي أو لا يحل؟ إذا قلنا: لا يحل؛ بقت المشكلة الأولى التي ذكرت, وإذا قلنا: يحل؛ فالأمر أهون ما عليه إلا أن يذبح فدية, فاسأل الرجل هل تعبه هذا أدى إلى مرضه، بحيث لا يستطيع أن يكمل العمرة لو استراح أم لا؟ إذا كان يستطيع فمعناه أنه لا زال في عمرته, فيذهب مباشرة ولكن المحضورات التي فعلها على القول الراجح لا تضره لأنه جاهل, إلا مسألة الزواج فإنه يجب عليه في هذه المدة أن يجدد العقد. الخلاصة: نرى أنه إن كان هذا التعب أدى إلى مرض لا يستطيع أن يكمل فهذا ليس عليه إلا الهدي, وإلا فإنه لا يزال محرماً الآن يجب عليه الذهاب محرماً من بلده أو من بيته الآن ويكمل العمرة وليس عليه شيء فيما فعل من المحضورات لأنه جاهل, وإن كان قد عقد النكاح في هذه المدة فعليه أن يتجنب زوجته حتى يتم العمرة ويعقد من جديد. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 7 من حلف على ترك شيء ثم فعله السؤال إذا حلف شخص على ترك شيء محرم ثم عاد إلى فعله, فلا خلاف أنه تلزمه الكفارة, لكن هل كلما عاد إلى فعل ذلك المحرم تلزمه الكفارة, أفيدونا؟ جزاكم الله خير. الجواب أولاً: هذا السائل أجاب نفسه, وحكى الإجماع على ذلك, حيث قال: لا خلاف, وليس من الأدب إذا قدم الإنسان سؤالاً إلى عالم من العلماء أن يبتدر بالجواب, إذا كان عنده الجواب ما الفائدة؟! فمن الأدب أن يقول: ماذا تقول يا فلان! يوجد كذا وكذا وهو الذي يفصل, وهذه مهمة جداً بالنسبة للتأدب مع المسئول, أتعلم أن جبريل عليه الصلاة والسلام، لما جاء يسأل الرسول عن الإسلام والإيمان والإحسان كيف جلس؟! وعلى كل حال الصحيح عندنا أن الإنسان يعذر بالجهل, وإن فاتتك هذه. أقول: إن الإنسان إذا حلف ألا يفعل شيئاً ثم فعله, فعليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام, وإذا حنث انحلت اليمين كأنه لم يحلف, لكننا لا نرخص لهذا الرجل الذي حلف أن يأتي المعصية, بل عليه أن يتوب ولا يرجع. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 8 حكم لفظة (يرد الروح) السؤال هناك لفظ شائع بين الناس عندما يجلس في مكان معين, يقول: هذا المكان يرد الروح؟ الجواب يعني يوجد السرور, مادام أننا نعلم المقصود، وأن هذا الشيء مشهور عند الناس فلا حرج. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 9 الوضوء المشروع يرفع الحدث وإن خالفته النية السؤال إذا توضأ الإنسان للنوم ويريد أن ينام, ولكن حينما أراد أن ينام تذكر أنه يلزمه أن يوتر قبل أن ينام, فهل يوتر بهذا الوضوء؟ الجواب نعم, إذا توضأ الإنسان وضوءاً مشروعاً إما للنوم أو لقراءة القرآن أو ما أشبه ذلك, ثم أراد أن يصلي بهذا الوضوء فلا بأس, لأنه لما نوى الوضوء المشروع ارتفع حدثه, فيصلي ما شاء. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 10 إرجاع الدين إلى ورثة الدائن عند موته السؤال رجل أخذ مبلغاً من المال من رجل غني ديناً, فقبل حلول المدة مات صاحب المال، الدائن, فهل يرد المال إلى أهله علماً بأنه يخشى ألا يصل المال إلى جميع ورثته وقد يتلفون هذا المال, وإذا كان كذلك فهل بإمكانه أن يتصدق بالمال نيابة عنه؟ الجواب هذا رجل استدان من رجل ديناً قرضاً أو ثمن مبيع أو أجرة عقار أو شيء, ثم مات من له الحق, فماذا يصنع المدين؟ نقول: يجب عليه أن يوصل الحق للورثة, فإذا قال: أراهم متفرقون أحدهم في مكة والثاني في المدينة والثالث في الرياض والرابع في مكان آخر, نقول: اذهب إلى المحكمة، وتحصل الإرث، وسلّم كل إنساناً ما يستحقه من الميراث, وإذا كان لهم وكيل ثابت وكالة شرعية فأعطها الوكيل، بذلك تبرأ ذمتك. السائل:. غير ملتزمين يخشى أنهم يتلفون المال؟ الجواب: ليس عليه شيء من معاصيهم؛ لأن هذا مالهم. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 11 إشكال حول لفظة (من تتبع رخص الفقهاء تزندق) السؤال ما مدى صحة القول بأن من تتبع رخص الفقهاء تزندق؟ الجواب هذه أطلقها بعض العلماء, وقال: إن الذي يتتبع الرخص يكون زنديقاً؛ لأن الذي يتتبع الرخص لم يعبد الله وإنما عبد هواه, وجعل الدين ألعوبة بيده, يسأل هذا العالم على أنه هو الواسطة بينه وبين شريعة الله, وأن ما قاله العالم فهو حق, فإذا أعجبه فهو حق، وإذا لم يعجبه تركه وذهب لآخر يفتيه بأهون، وإذا أفتاه بأهون ولم يجز له أيضاً ذهب إلى ثالث ورابع وخامس, حتى يأتي من يفتيه ويقول: الخمر حلال, وقال: هذا العالم, هذا من وجهة كلام بعض العلماء, وقالوا: هذا من اتباع الهوى, وهو لا شك أنه من اتباع الهوى, لكن كونها تصل إلى حد الزندقة، فيه نظر. ولهذا الصواب أن يقال: من تتبع الرخص فسق, أي: صار فاسقاً, والواجب على الإنسان ألا يتلاعب بدين الله, إذا سأل عالماً واثقاً من علمه وأمانته، وأن ما يقوله هو الشريعة، وجب عليه التمسك بها, قال أهل العلم: ولا يجوز أن يسأل غيره. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 12 حكم مخالفة المقلد لشيخه السؤال سمعنا أنكم تنصحون طالب العلم الملتزم بالدراسة على شيخ معين ممن يثق في علمه وأمانته, فإذا كان عند هذا الشيخ مسألة تخالف الدليل فهل يأخذ بها هذا الطالب على اعتبار أنه مقلد, أو يخالفه في بعض المسائل التي يرى الصواب فيها عند غيره, أفتونا مأجورين؟ الجواب هذا سؤال غير وارد, لأنه لم يثق بهذا في علمه وأمانته, فمعنى ذلك أنه يعلمه بالدليل, وإذا كان كذلك كيف يأتي الطالب بالدليل من شيخ آخر؟! نعم له الحق إذا علم من شيخ آخر أنه يقول بخلاف شيخه وأتى بالدليل, أن يورد هذا على شيخه, فيقول: سمعت عالماً يقول هذا الحكم كذا والدليل قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم, وينظر رأي الشيخ, لأن بعض العلماء أحياناً يقول بالحق بحسب ما يفهم من الحق فيفوته إما العلم وإما الفهم, وهذا واضح الآن خصوصاً في الإخوة الذين -جزاهم الله خيراً- ينتسبون إلى الأخذ بالحديث, تجده يفهم الحديث على غير مراده, فجعل يفتي به, أو يفهم الحديث، وهناك حديث آخر مخصص أو مقيد أو ناسخ وهو لا يعلم به, فإذا كنت واثقاً من عالم وتلقيت العلم عنده واعتبرته شيخك, وأنه الواسطة بينك وبين شريعة الله, فإذا سمعت من عالم آخر يخالف قوله ويذكر الدليل أورده على شيخك, ربما يقول شيخك نعم, هكذا ورد, لكن هذا الحديث يخصصه الحديث الآخر. مثال ذلك: سمعت شيخاً يقول: كل ما خرج من الأرض ففيه زكاة، قليلاً كان أو كثيراً, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر, وفيما سقي بالنضح نصف العشر) , الآن حكم واستدل, حكم بماذا؟ أن بكل ما سقي ففيه العشر إذا كان سقته السماء, وفيما سقي بالنضح نصف العشر, ظاهر الحديث أنه سواء كان قليلاً أو كثيراً وسواء كان من الحبوب والثمار أو من الفواكه أو من غير ذلك, وأنت سمعت عالماً يقول هذا الكلام كل ما خرج من الأرض ففيه الزكاة قليله وكثيره، إما العشر أو نصف العشر، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) وأنت سمعت من شيخك أنه لا تجب الزكاة إلا فيما كان خمسة أوسق فأكثر, العالم الذي قال لك فيما سقت السماء العشر, حكم بما ظهر له، عنده حديث عام غير مقيد ولا مخصص, لكن معلمك عنده علم أوسع، قال هذا الحديث عام مخصص فيما بلغ النصاب, الذي يبلغ فيه النصاب فيه الزكاة وما دونه ليس فيه زكاة. السائل: إذا كان يعتمد على الكتب والأشرطة؟ الشيخ: لا يخالف الكتب والأشرطة، إذا كنت تعرف صوت العالم وأنت تثق بعلمه وأمانته فخذ به, لكن كلامي أن إنساناً -مثلاً- وثق بعالم وصار يتتلمذ على يديه ويحضر دروسه ويقرأ عليه ويعتمد قوله, سمع عالماً آخر يقول بخلاف قوله ويستدل, ليس له الحق أن يذهب إلى العالم الثاني حتى يراجع شيخه, فإذا راجع شيخه فقد يكون عنده علم أكثر من العلم الأول. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 13 حكم الحقوق التي تحدث بين الشباب السؤال بالنسبة لما يحدث غالباً بين الشباب بما يسمى الحقوق, أحياناً قد يخطئ شخص على آخر مثل أن ينتقصه أو يقول فيه شيئاً, ولكن بنفس طيبة يأخذها ويتقبلها, لكن يقول: عليك حق لأنك قلت كذا وكذا فيكون عندك العشاء اليوم, والآخر كذلك يتقبلها بنفس طيبة؟ الجواب ما أرى هذا, لأن هؤلاء يلعبون إذا قال له: عبد الله, واسمه عبد الرحمن وأخطأ, قال: اسمي عبد الرحمن عليك حق! أو يقول: خذ الفنجان الحليب, ويأخذ الفنجان الشاي يقول: عليك حق! هذا تلاعب. أما لو كان الأمر حقيقة أن الرجل المعتدى عليه غضب وانقبض وهجر الجلوس وذهبوا يترضونه وقالوا: نجعل لك حقاً, هذا لا بأس هذا حقيقة, لأنه أكل للمال بحق للإصلاح بين الناس. الأول هل هو إصلاح بين الناس أم لعب؟ أنا سمعت بهذا كثيراً وأرى أنه من أكل المال بالباطل, على أي أساس يكون على هذا غرامة 400 أو 500 ريال على أي أساس؟ السائل: الشخص الذي أخطأ متقبل جداً! الشيخ: أصحاب الربا يتقبلون الربا جداً, أصحاب القمار الذين يتقامرون بالملايين راضين, تجد الإنسان يغلب بالقمار ويذهب كل ماله وهو راضٍ, هذه المسألة لها ضوابط شرعية, الله سبحانه وتعالى جعل المال قياماً للناس ليس لعباً, ولذلك يجب الكف عن ذلك, وعليكم أيضاً أن تنصحوا من ترونه يعمل هذا العمل, يقبل بأي حق؟ إذا كان صاحبكم هذا يريد أن يعزمكم، يعزمكم بدون هذا, حتى أن بعضهم يتعمد الخطأ من أجل أن يقولوا: عليك حق! الجزء: 212 ¦ الصفحة: 14 الوعد بالشراء لا يكون ملزما ً السؤال الوعد بالشراء هل هو ملزم, مثال البنك الأهلي عنده إدارة تسمى خدمات المصرفية الإسلامية، يقومون بالتقسيط على من يرغب، تطلب أي سلعة من عندهم فيطلبون من المتقدم تسعيرة يأتي بها, على سبيل المثال سيارة يقال لمن يريد شراءها: ائتِ بتسعيرة من المعرض, فيأتي بالتسعيرة فيقوم البنك بشراء هذه السيارة ثم يعقدون معه عقداً بعد أن تتحدد النسبة, لو أن الشخص غير رأيه عن هذا الشراء, هم الآن يبيعون السيارة للبنك وإذا كان فيها خسارة يتحملها من باب الوعد بالشراء, هل هذا جائز؟ الجواب ما رأيك لو أن البنك قال لهذا الرجل: أنا أعطيك خمسين ألف تشتري بها سيارة, على أن تكون بالتقسيط ستين ألفاً, أسألك: ماذا تقول حرام أم حلال؟ السائل: حرام. الجواب: أليس مثله بالضبط أن يقول: اذهب وانظر السيارة التي تريد وأنا أشتريها بخمسين ألف وأبيعها بستين ألف مقسطة, أليست مثلها؟ يعني بدلاً من يأتي الربا صريحاً مثل الشمس يأتيه بالحيلة, والحيلة -يا إخواني- على المحرمات أخبث من إتيان المحرمات بصراحة, لأنك جمعت بين مفسدة الحرام وبين خداع رب العالمين عز وجل, ولهذا حول اليهود الذين تحيلوا على السبت قردة قال تعالى: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] . أقول: هذا حرام, وقولهم: إن البنك لا يلزم هذا إذا اشتريت هذا كلام لا فائدة فيه, هل هذا الذي جاء للبنك وقال: أريد السيارة الفلانية, هل يتصور أن يرجع وهو محتاج إليها؟! يتصور, وإذا قدر أن واحداً بالمليون رجع, فالبنك يحسبه بالقائمة السوداء، أن هذا لا يثق ببيعه وشرائه, لكن -والله- الإنسان يأسف كثيراً أن الأمة الإسلامية بدأت تتجرأ على الربا بالحيل والخداع، ويخشى أن تظهر فيها أوجاع ليست في الأمم السابقة, ويُخشى أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض. السائل: عندهم هيئة شرعية؟ الشيخ: الفتاوى وغيرها المرد إلى من؟ إلى الكتاب والسنة, كل إنسان يعرف أن هذه حيلة أقرب من حيلة اليهود, اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم ماذا فعلوا؟ قالوا: نذوب الشحم فيصير ودكاً, ثم نبيع الودك ونأكل ثمنه, هذه الحيلة أبعد, ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) ولكن هذا الواقع المؤلم مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم. ! قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن) وهو ارتكاب لما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله لأجل الحيل) . الجزء: 212 ¦ الصفحة: 15 تأثير جماعة التبليغ في الواقع السؤال ما رأيك في جماعة التبليغ والذهاب معهم كمبتدئ لوجود بعض الخطأ؟ الجواب هل لهذه الجماعة تأثير في هداية الناس؟ السائل: لا. الجواب: هذا تكذيب بالواقع, كلامك هذا تكذيب بالواقع, والواقع أن لها تأثيراً عظيماً في هداية الناس, كم من فاسق صار مستقيماً, وكمن كافر أسلم, هذا شيء لا ينكره أحد, إلا من اتخذ منهم موقفاً معيناً فإن الحسنات تكون سيئات, وهذا معروف كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا حدثني من أثق به عن شخص لا أثق به إلا في هذه القضية, كان له ابن أخت فاسقاً فاجراً، ما من معصية ذكرت إلا ارتكبها, مظلم الوجه, سيئ الملكة, يقول في يوم من الأيام فقدنا هذا الرجل, بقي خمسة أشهر أو أكثر أو أقل تقريباً, فقلنا لعل الله أتى بسائق مجنون وارتطم به! ويقول بعد مدة ما بين صلاة الظهر وصلاة العصر, رجل يقرع الباب فقلنا من؟ -أي: الخال؛ لأن هذا ابن أخته- يقرع الباب السلام عليكم, والرجل هذا قال: أسأل الله ألا يبتليني! مَنْ الرجل المطوع الذي جاءنا في هذا الوقت؟ فقام وفتح الباب, وإذا بالرجل البهي المنور وجهه الملتحي, من أنت؟ قال: أنا ابن أختك, ولم يعرفه, قال: لو تريدني أن أعد لك الآن حجر البيت, وغرف البيت, وحمامات البيت, وأنواع الفرش في البيت لفعلت! المهم أنه قال له: ادخل, فدخل, وقال: ما الذي حولك إلى أن صرت إلى هذا الحال؟ قال: والله! الحقيقة إني ما عرفت الدنيا ولا أني مخلوق إلا بعد ما حصل, قال: ما الذي حصل؟ قال: جاءني إخوة من جماعة التبليغ واتصلوا بي وقالوا ادخل معنا في المسجد اسمع الذكر واسمع القرآن, ففعلت, ثم قالوا لي: اذهب إلى الحمام وتغسل وتنشط, وقالوا: اخرج معنا, فخرجت معهم, تسبيح وقراءة قرآن وصلاة وإيثار وخدمة, تعجبت قلت: هل هذا في عالم آخر غير عالمنا؟ يقول: فمشيت معهم وسبحان الله عرفت الآن أنني في الدنيا, استنار قلبي وهداني الله, وقصص كثيرة من هذا النوع أو القريب منه, فلهم تأثر بالغ. لكن فيهم مسألتين: المسألة الأولى: الجهل, ليس عندهم علم, قد يكون أفراد منهم عندهم علم لكن غالبهم ليس عندهم علم. المسألة الثانية: ما يذكر من البدع في القوم الذين خارج البلاد السعودية , على أن هذا غير مسلَّم, لأنه يوجد أناس من أهل القصيم ذهبوا إلى الأمكنة تلك ويقولون: والله ما رأينا شيئاً! بل كان الرجل يأتي منهم له تسعين سنة ثم يصلى المغرب ويخطب إلى العشاء, وبعد صلاة العشاء خطب إلى ثلث الليل, وهو كبير السن وكل كلامه ليس فيه ما ينتقد, ولما انتهى أتينا سلمنا عليه ولما عرف أننا من السعودية جلس وقال: الحقيقة نحن ما نريد إلا الحق, والواجب عليكم أنتم يا علماء السعودية إذا سمعتم عنا أي شيء بلغونا عنه. فالحاصل أن الجماعة لا شك أن لهم تأثيراً بالغاً في إصلاح القلوب وإرجاعها, ولكنهم يحتاجون إلى علم. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 16 الجمع بين حديث: (لله مائة رحمة) وبين حديث: (إن الله خلق مائة رحمة) السؤال حديث في صحيح البخاري: (لله مائة رحمة) ورد أيضاً لفظ في البخاري: (أن الله خلق مائة رحمة) فأشكل -يا شيخ- وصف الرحمة بالخلق؟! الجواب الرحمة تطلق على شيئين: رحمة هي وصف الله فهذه غير مخلوقة, وهذه لا يعلم كنهها إلا الله وليست محصورة بعدد, ورحمة أخرى مخلوقة فهذه تعلم بآثارها, وكذلك قد تحصى, ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى للجنة: (أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء) مع أن الجنة ليست صفة من صفات الله, فالمقصود بهذه الرحمات المائة رحمات مخلوقة يلقيها الله تبارك وتعالى على الخلق, فألقى عز وجل رحمة في الدنيا تتراحم بها الخلائق، حتى أن البهيمة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه, ونحن رأينا من هذا عجائب! حتى الذر إذا دخل الماء جحره أخذ يحمل أولاده إلى مكان آمن شاهدت هذا بعيني, حتى السباع والقطط وغيرها, الذئبة إذا أخذت ولدها لا يمكن أن تتركه إلا أن تموت هي, من علمها هذا؟ الذي ألقى الرحمة. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 17 حكم الجهاد في هذا الزمن السؤال ما حكم الجهاد في زمننا هذا هل هو فرض كفاية أم فرض عين؟ وإذا كان فرض كفاية متى يكون فرض عين على هذه الأمة؟ الجواب أولاً يجب عليك أن تعلم أن الجهاد لا يكون فرض عين على جميع المسلمين, هذا شيء مستحيل, قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122] وبين سبحانه وتعالى الحكمة فقال: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة:122] أي: القاعدون, لأنهم لو انصرفت الأمة كلها للجهاد تعطلت بقية الشرائع والشعائر. لكن يكون فرض عين في مواضع: الموضع الأول: إذا حضر الإنسان صف القتال فإنه يجب عليه أن يكمل, قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16] . الموضع الثاني: إذا حصر العدو بلده, فهنا يجب عليه أن يقاتل دفاعاً عن نفسه وعن بلده الإسلامي. الموضع الثالث: إذا استنفره الإمام -واضبط كلمة الإمام واكتبها بحرف كبير- إذاً لابد من إمام يقود الجيش الإسلامي, إذا استنفره الإمام يجب أن يخرج, فمثلاً يقول لأهل البلد: اخرجوا للجهاد يجب أن يخرجوا؛ لأن معصية ولاة الأمور محرمة, ولما وجه الخطاب لهؤلاء وجب عليهم أن يقوموا بذلك. الموضع الرابع: إذا احتيج إليه بأن يكون هذا الرجل يعلم من استعمال هذا النوع من السلاح وغيره لا يعمله, فهنا يتعين عليه أن يباشر. في غير هذه المواضع الأربعة لا يكون الجهاد فرض عين, ثم الجهاد -يا إخواني- لابد من راية إمام, لأنه سيصبح عصابات, لابد من إمام يقود الأمة الإسلامية, ولذلك تجد الذين قاموا بالجهاد من غير راية إمام لا يستقيم لهم حال, بل ربما يبادون عن آخرهم وإذا قدر لهم انتصار صار النزاع بينهم. فعلى كل حال نسأل الله أن يعيننا على جهاد أنفسنا, نحن الآن بحاجة إلى جهاد النفس, القلوب مريضة والجوارح مقصرة والقلوب متنافرة, هذا يحتاج إلى جهاد قبل كل شيء. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, وإلى إشعار آخر إن شاء الله. الجزء: 212 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [213] لأهل العلم وحملته منزلة عظيمة في الإسلام، لا ينالونها إلا بضوابط، فإن حاملو العلم كان لزاماً عليهم أن يقوموا بحقه من العمل به، والدعوة إليه، والحرص على التزود منه. وبعد هذه الاستهلالة عن العلم والعلماء، أوردت هذه المادة الكثير من الفتاوى العامة والفوائد والإجابات القيمة عن أسئلة الحاضرين. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 1 فضل العلم وواجبات حامليه الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس, وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر جماد الأولى عام (1420هـ) . نفتتح هذا اللقاء بما ينبغي أن نفتتح به هذا العام الدراسي, هذا العام الدراسي يستقبل فيه الناس الأعمال الدراسية, من السنة الابتدائية إلى الدراسات العليا, والذي ينبغي استقباله به هو أولاً إخلاص النية لله عز وجل, بأن ينوي الإنسان بطلبه للعلم رضوان الله عز وجل وامتثال أمره؛ لأن الله أمر بالعلم ورغب فيه فقال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] والتحريض على الشيء يستلزم الأمر به, ولا شك أن هذه الشريعة الإسلامية قامت بالعلم والعمل. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 2 طلب العلم والجهاد في سبيل الله وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 3 أهمية العمل بالعلم ثانياً: أن يكون طالب العلب متحلياً بما علمه من العلم, فهو أول مسئول عن تطبيق علمه؛ لأن العلم إما لك وإما عليك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) وليس هناك شيء وسط لا لك ولا عليك بل هو إما لك إن عملت به, وإما عليك إن لم تعمل به, فأنت الآن إذا كنت طالب علم كحامل سلاح, إما أن يكون عليك أن تصوبه إلى صدرك, وإما أن يكون لك تدافع به. فيجب على طالب العلم إذا علم شيئاً من مسائل الدين أن يكون أول عامل به إن كان أمراً فعله, وإن كان نهياً اجتبنه؛ ولأن الإنسان إذا عمل بعلمه بارك الله له في العمل, وحفظه عليه, وزاده منه, كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] ولأن طالب العلم إذا عمل بعلمه وثق الناس به, وصار أسوة للمسلمين في مقاله وفعاله, وما أكثر الذين يقتدون بالعالم في فعله أكثر من قوله, وما أكثر الذين ينتقدون العالم أكثر وأكثر إذا رأوه لا يطبق علمه, فإنهم يقولون: لو كان هذا صادقاً في العلم لكان هو أول من يعمل به, فعليك -أخي- بالعمل بما علمت حتى يبارك الله لك في علمك, وينفع الله بك أكثر. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 4 أهمية الدعوة إلى الله وينبغي لطالب العلم أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, بل يجب أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, لأن الله تعالى إذا علمك علماً فقد أخذ عليك ميثاقاً أن تبينه وتدعو إلى الله به, قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] , ورجل لا يدعو الناس بعلمه كتابه خير منه, لأن الكتاب قد ينتفع به في المستقبل, وأما هذا الذي لا يدعو فإنه حجر غير نافع, فالواجب على كل من آتاه الله علماً أن يبلغه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) لا تقل أنا ما وصلت إلى حد الاجتهاد, متى علمت المسألة وتيقنتها فعلم الناس إياها, وبلغهم إياها, ولا تحقر نفسك، فإنك إذا علمت شخصاً وانتفع، وعلمه آخر وانتفع، صار لك مثل أجورهم, فالدال على الخير كفاعل الخير. ولكن في هذا الحال يجب التثبت من العلم؛ لأن بعض الناس يدعو وهو يظن أنه عالم وليس بعالم, فالواجب أن تتثبت إما من عالم تثق به وإما إذا كان عندك ملكة تستطيع أن تفهم المسائل من الكتب فافعل, وينبغي لطالب العلم أن يحرص على نشر علمه في كل مناسبة, في المجالس, في المجتمعات, في الصحف والمجلات, في المطويات والرسائل, المهم أن ينشر علمه ما استطاع؛ لأنه إذا فعل ذلك كسب خيراً كثيراً, وصار خيره أفضل من خير التاجر الذي يبذل المال ليلاً ونهاراً لمن ينتفع به, والعلم ليس له مئونة في نشره وبيانه, ولا ينقص في بذله بل يزيد كما قيل في العلم: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً قبضتَ الجزء: 213 ¦ الصفحة: 5 أهمية تقييد العلم وينبغي لطالب العلم أن يقيد ما علمه, خصوصاً القواعد والضوابط والمسائل النادرة لئلا تفوته, فكثيراً ما يستحضر الإنسان مسألة نادرة ليست قريبة يدركها الإنسان بأدنى تأمل, ثم يعتمد على حفظه ويقول: هذه إن شاء الله لا أنساها, فينساها سريعاً, فقيد المسائل خصوصاً النادرة أو القواعد أو الضوابط حتى يكون لديك رصيد, وقد قيل: (قيدوا العلم بالكتابة) وقيل: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة الجزء: 213 ¦ الصفحة: 6 أهمية احترام المعلم وينبغي لطالب العلم أن يحترم معلمه, وأن يجعله في منزلة الأب, فإن الأب إذا كان يغذيك بما يقوم به البدن, فهذا يغذيك بما يقوم به الإيمان والعمل, فاحترم المعلم بقدر المستطاع, واحترام المعلم يؤدي إلى الإنتاج؛ لأن المعلم إذا رأى من تلاميذه أنهم يحترمونه احترمهم, وزاد في إنتاجه وفي تعليمه إياهم, لكن إذا كان الأمر بالعكس انعكس الأمر, بمعنى أنه إذا رأى الأستاذ من تلاميذه أنهم لا يحترمونه لم يحترمهم, ولم يحرص على منفعتهم, بل كان يعلمهم وهو كاره لمقابلتهم, فاحترم المعلم, وإذا أخطأ وتيقنت خطأه فلا تقم أمام التلاميذ ترد عليه, لأن هذا غير لائق وهذا يوجد انتقاص المعلم، والطلاب إذا انتقصوا المعلم لم ينتفعوا منه, بل بإمكانك أن تتركه حتى يخرج من مكان الدرس ثم تكلمه بهدوء وتبين له ما رأيته من خطأ, فقد تكون أنت المخطئ, فإذا حصل التفاهم فلابد من الوصول إلى الحق مع حسن النية, فإذا رجع الأستاذ عن خطئه في المقابلة التالية فهذا هو المطلوب، وإن لم يرجع فحينذٍ لك العذر أن تقوم وتورد إشكالاً لا تعليماً بمعنى لا تقوم كأنك معلم له, تقول: يا أستاذ! أخطأت! مثلاً, لكن تورد إشكالاً فتقول: لو قال قائل كذا وكذا حتى يتم الأمر على الوجه المطلوب مع احترام المعلم. أسأل الله تعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأن يرزقنا العمل بما علمنا مع الإخلاص والمتابعة إنه على كل شيء قدير. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 213 ¦ الصفحة: 8 حكم العمل لنيل الأجر الدنيوي والأخروي من الطاعة السؤال جاءت أدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك نوعاً من الطاعات إذا فعلها الإنسان يؤجر عليها في الدنيا والآخرة, مثل: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب) وكذلك أيضاً: (ما نقص مال من صدقة) كذلك: (صلة الرحم وبر الوالدين تطيل في العمر وتكثر الرزق) فهل الإنسان إذا فعل هذه الطاعة لكي يكثر ماله ويطيل في عمره يؤجر في الآخرة؟ الجواب نعم هذا سؤال مهم, الشريعة الإسلامية والحمد لله جاء فيها حوافز دينية ودنيوية, لأن الله تعالى علم نقص العبد واحتياجه إلى ما يشجعه, ونقص العبد واحتياجه إلى ما يردعه, فجاءت الأعمال الصالحة يذكر فيها ثواب الآخرة وثواب الدنيا, تشجيعاً للمرء لأن المرء محتاج لهذا في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:201-202] فلا حرج على الإنسان أن يعمل العمل الصالح ملاحظاً ما رتب عليه من ثواب الدنيا, ولا ينقص أجره شيئاً؛ لأنه لو كان هذا ينقص العبد شيئاً ما ذكره الله ورسوله, لكن هذه من باب الحوافز, ثم ما يحصل للقلب من الطاعات جدير بأن يشجع الإنسان عليها, كذلك بالعكس النواهي, جاءت الحدود والتعزيرات حتى يرتدع الناس عما فيه الحد, فالزنا حده للبكر أن يجلد مائة جلدة ويطرد من البلد لمدة سنة, وفي الثيب أن يرجم, الإنسان ربما يكون عنده ضعف إيمان ولا يردع عن الزنا إلا مثل هذه العقوبات, فهذه من حكمة الشرع, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض غزواته: (من قتل قتيلاً فله سلبه) أي: ما معه من سلاح وثياب وغيرها. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 9 الأرض هي مركز الكون السؤال مادة الجغرافيا التي تدرس أذكر أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حولها, هل هذا موافق لما هو موجود في القرآن؟ الجواب هذا الذي في القرآن, أن الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, الدليل قول الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] فأضاف الله الطلوع والغروب إلى الشمس, وأضاف إليها التزاور والقرض, وقال الله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38] فظاهر القرآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض, ويجب علينا أن نأخذ بهذا الظاهر, لأن الذي يتكلم بهذا هو الخالق عز وجل, وهو أعلم بخلقه من غيره, ولا يمكن أن نكذب هذا ونلجأ إلى قول العصريين أن الأرض هي التي تدور, وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, إلا إذا علمنا علماً يقينياً أن هذا هو الواقع فحينئذٍ نؤول الآيات عن ظاهرها إلى ما يوافق هذا الواقع, أما مجرد قولهم فإنا نقابل قولهم بقول الله عز وجل الخالق, ونقول: الأرض هي المركز والشمس تدور عليها, والقمر يدور عليها, والنجوم تدور عليها, وليس هذا هو الموجود في كتب الفلكيين المتأخرين, المعروف عنهم أن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار, ولكن هذا غير مسلَّم إلا إذا علمناه كما نعلم ثيابنا التي علينا, لأنه لا يمكن أن نخالف ظاهر القرآن والسنة لكلام أي إنسان, حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي ذر وقد غربت الشمس: (أتدري أين تذهب؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: فإنها تذهب وتسجد تحت العرش فتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت) هذا صريح بأن الشمس هي التي تغيب وهي التي تذهب فما بالنا ندع هذا؟ إذا كان يوم القيامة والإنسان واقف بين يدي الله وكان عقيدته على خلاف ذلك ما حجته عند الله؟ قول فلان وفلان ليس بحجة. فالواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة في هذا الأمر, إلا إذا علمنا علم اليقين كما نعلم ثيابنا التي علينا بأن الأرض هي التي تدور وبدورانها يكون اختلاف الليل والنهار فحينئذٍ نسلم, ثم لنا الفسحة أن نؤول الكتاب والسنة لما يوافق الواقع, لأن القرآن والسنة لا يخالفان الواقع. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 10 بين طلب العلم ومخالطة الناس السؤال كان من طريقة علماء السلف رضوان الله عليهم البارزين أنهم كانوا يعاملون العامة ويصبرون على أذاهم في سبيل التأثير عليهم, ومحاولة دعوتهم إلى الصراط المستقيم, ألا ترى أنه ينبغي لطالب العلم كذلك الدخول في أوساط الناس ومعاملتهم بالحسنى, والصبر على أذاهم, وقضاء حوائجهم, والشفاعة لهم؛ لأن بعض طلبة العلم -يا شيخ- يترفع عن ذلك بدعوى أن هذا قد يشغله عن طلب العلم, والدخول في أوساط الناس بدعوى أنهم مقصرون, ولديهم بعض التقصير في بعض السنن أو بعض الواجبات يجعله يترفع عنها, فكيف يجمع بين هذا الأمر؟ الجواب لا شك أن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم, لكن إذا كانوا يشغلونه عما هو أهم, فالقواعد الشرعية تقتضي أن نبدأ بالأهم فالأهم, والإنسان لو بقي يتلقى كلما يطلب الناس منه لانشغل حتى عن الصلوات, في وقتنا الحاضر ما أكثر الذي يتكففون يطلبون المال, وما أكثر الذين يطلبون الشفاعة, ولو فتح الإنسان الباب للناس في هذا الأمر لانشغل حتى عن الفريضة, لكن تارة وتارة, ويفرق بين الشيء الملح والشيء غير الملح, فيجب التفريق. ثم أيضاً إذا رأى الإنسان من مخالطة الناس أنهم يمتهنونه ولا يهابون قوله ولا توجيهه فليختصر, لأن بعض الناس إذا خالط الناس وصار يضحك معهم ويمزح معهم ويجعل نفسه كواحد منهم لا يهابوه ولا يأخذون بقوله, لكن قد يكون مع أناس ينزل إلى هذه المرتبة لأنه يعرف قدره في نفوسهم حتى لو خالطهم هذا الاختلاط ومع الآخرين لا يمكن أن يخالطهم هذا الاختلاط, والإنسان طبيب نفسه. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 11 رؤية الله في المنام السؤال هل يرى الله في المنام؟ الجواب إن الله سبحانه وتعالى يعلم بما أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم, فالقرآن كلام الله كأنما يخاطبك الله به, كما قال عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] هذا يكفيك عن رؤية الله, ورؤية الله في الدنيا يقظة لا تمكن, حتى موسى عليه الصلاة والسلام وهو من أولي العزم من الرسل لما سأل الله الرؤية, قال الله له: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: لا يمكن أن تصبر على رؤيته, ثم ضرب له مثلاً فقال: {انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] صار الجبل كالرمل حينئذٍ خر موسى صعقاً, وعلم أنه ليس بإمكانه أن يرى الله عز وجل. أما رؤيته في المنام فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المنام كما في حديث اختصام الملأ الأعلى, أما غير الرسول فذكر عن الإمام أحمد أنه رأى ربه والله أعلم هل يصح هذا أم لا يصح؟ لكن نحن لسنا في حاجة في الهداية إلى رؤية الله عز وجل, حاجتنا أن نقرأ كلامه ونعمل بما فيه, وكأنما يخاطبنا, ولهذا ذكر الله أنه أنزل الكتاب على محمد وأنزله إلينا أيضاًَ حتى نعمل به, ولا تشغل نفسك بهذه الأمور, فإنك لن تصل إلى نتيجة مرضية, عليك بالكتاب والسنة والعمل بما فيهما. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 12 ضرورة تحديد أجر الأجير السؤال رجل بنى بيتاً بتسعمائة ألف ريال ولكن لم يكتمل البناء, والمالك ليس معه مال, فعرض المالك البيت في السوق ولم يُبَعْ, فأتوا أناس آخرون وعرضوا مبلغاً إضافياً لتكملة البناء, واشترطوا على تكملة البناء في بيعه يتناصفون الربح مع المالك, هل يجوز؟ الجواب لا يجوز هذا لأنه مجهول, لابد أن يتفقوا على تكميل البيت بشيء معين, وإذا اتفقوا على شيء معين انتهى الموضوع, والربح يكون للمالك. السائل: يعني المالك يشرط عليهم (5%) من الربح؟ الشيخ: أبداً يقول المالك كملوا ما بقي مثلاً بعشرة آلاف أو عشرين ألف مقطوع. السائل: يعني يدفعون فرضاً مائة ألف تكملة ويقول لهم: لكم عشرة آلاف زيادة؟ الشيخ: يتفق مع هذا الشخص أن يكمل البناء بعشرة آلاف أو بمائة ألف أو بمليون, بعد التكملة تعطونه أجرته وانتهى. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 13 كسب الحجام خبيث وليس حراما ً السؤال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسب الحجام خبيث) وفي المقابل في الحديث الآخر أنه أعطى الحجام أجره, فكيف الجمع بين هذا الحديثين؟ الجواب ثبت عنه أنه سمى البصل والكراث ونحوها خبيثاً, هو حلال أم حرام؟ حلال, هذا مثله, خبيث أي: كسب رديء, فلا ينبغي للحجام أن يأخذ أجرة, وإن أخذ فبقدر العمل فقط بدون ربح, ولكنه ليس حراماً, ولهذا احتج ابن عباس رضي الله عنهما بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم أجر الحجام على أنه حلال, فقال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراماً ما أعطاه, والخبث يكون له معاني كثيرة, قال الله عز وجل: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] ما المراد بالخبيث؟ الخبيث الرديء, ليس كل خبيث حراماً, قد يكون مراد الخبيث الرديء, أو الذي يكرهه الناس مثلاً. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 14 حكم تقبيل المصحف السؤال ما حكم تقبيل المصحف, ومع توجيه ما يروى عن بعض الصحابة أنهم كانوا يقبلونه ويضعونه على صدورهم؟ الجواب لا أظنه يصح عن الصحابة, هذا بدعة محدثة أخيراً, والصواب أنها بدعة وأنه لا يقبل, ولا شيء من الجمادات يقبل إلا شيء واحد وهو الحجر الأسود, وغيره لا يقبل, احترام المصحف حقيقة بألا تمسه إلا على طهارة, وأن تعمل بما فيه, تصديقاً للأخبار وامتثالاً لأوامره واجتناباً لنواهيه. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 15 طلب العلم لأجل الدنيا شرك أصغر السؤال الآن يقال عن بعض أهل العلم: إذا أراد إنسان بعلمه ابتغاء الدنيا فقط لا يريد الآخرة فهذا شرك, فهل المقصود بالشرك الشرك الأصغر أم الشرك الأكبر؟ الجواب شرك أصغر, ولهذا جعلوا على من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة, أما علوم الدنيا فلا بأس كالهندسة والصناعة وما أشبه ذلك, لكن علم الشريعة لا تنوِ به إلا حفظ الشريعة. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 16 خطورة البحث في الغيبيات السؤال ورد في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قابل الأنبياء في السماء في حديث المعراج وهذا بعد موتهم إلا عيسى, فهل نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته في السماء الآن بمنزلته, لأن بعض أهل العلم يرى بضعف حديث أن الأرض حرمت (إن تأكل أجساد الأنبياء) فما رأيكم؟ الجواب رأينا أن نقف في أمور الغيب على ما جاء به النص ولا نبحث, وهذا من التعمق والتنطع, البحث في أمور الغيب غلط عظيم, فالرسول عليه الصلاة والسلام قابل الأنبياء في السموات وسلم عليهم وردوا عليه السلام ورحبوا به, وصلى بهم أيضاً في بيت المقدس, وأخبر أن الأرض حرم الله عليها أن تأكل أجساد الأنبياء فنقف على هذا, فأما جسد الرسول عليه الصلاة والسلام فلا شك أنه في الأرض وكذلك أجساد الأنبياء, وأما أرواحهم فالله عز وجل قال في الشهداء {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] والأنبياء أفضل من الشهداء, لكن مع ذلك نسكت كما سكت الله ورسوله. وإياك في أمور في الغيب أن تحاول أن تتقدم ولو خطوة واحدة على ما جاء به النص! لا في هذا الأمر ولا في أسماء الله وصفاته, لأن الزلة عظيمة, والصحابة رضي الله عنهم أشد منا حرصاً على العلم, وعندهم من هو أعلم منا الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لا يسألونه عن مثل هذه الأمور, أنت عليك بما يختص بك, ما الذي يجب عليه اعتقاده, ما الذي يجب عليه فعله من طهارة وصلاة وزكاة وغيرها. أنا لم أجد طمأنينة أكثر من الوقوف على ما ورد في أمور الغيب, ولا نبحث وراءها. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 17 صورة بيع العربون وحكمه السؤال ما صورة بيع العربون؟ وما حكمه؟ الجواب أن أقول اشتريت منك هذا التلفون بعشرة ريالات, هذه ريالان إن تم البيع فهو أول الثمن ويبقى ثمانية ريالات, وإن لم يتم البيع فالريالان لك, هذا جائز وفيه مصلحة, لأن البائع إذا ردت عليه السلعة سوف تنقص عند الناس لا سيما إذا علموا بذلك, فكون الريالين لي تكميلاً لما ينقص, والمشتري أيضاً يكون في حل كونه يخسر ريالين ولا يخسر عشرة، والعربون جائز. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 18 حكم لحوم أهل الكتاب السؤال لقد أفتيت سابقاً فيما يتعلق باللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب بالجواز, فهل يجوز قياساً على ذلك أكل لحوم أهل الكتاب حتى في بلادهم, علماً بأنهم لا يذبحون بالذبح الشرعي؟ الجواب الله عز وجل قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] وسكت, فما يعتقدونه طعاماً ولم يحرم بعينه فهو حلال ولا تسأل, إلا ما علمت يقيناً أنه حرام, فمثلاً الخنزير لا نأكله لأنه حرام بعينه, الظأن والمعز نأكلها إلا إذا علمنا أن هذه الشاة نفسها ذبحت على غير الطريقة الإسلامية, على أن بعض العلماء السابقين واللاحقين يقولون: حتى ولو خنقوها خنقاً وهم يعتقدونها حلالاً فهي حلال لك, لأن الله قال: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فما اعتقدوه طعاماً فهو حلال لنا, لكننا لا نرى هذا. نرى أنه لابد من انهار الدم وذكر اسم الله عليه, إلا أننا إذا أتانا ممن تحل ذبيحته ليس علينا -بل ولا لنا- أن نسأل كيف ذبحتموه؟ وهل سميتم الله عليه؟ والدليل حديث عائشة عند البخاري قالت: (إن قوماً قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوه) وهذه إشارة من الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي السؤال, عليك بفعل نفسك أنت، سم وكل. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 19 تملك المال الحرام لكسبه بطريق الإرث مباح السؤال إذا ورث إنسان مالاً من شخص وكان يعلم أن جزء من هذا المال مثلاً عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أنه ربا صريح محرم, والباقي لا يعلم عنه أو مختلط, فماذا يفعل بالربا الصريح المحرم؟ الجواب لا بأس به هو حل له, لأنه ملكه بطريق مباح وهو إرث, إلا إذا علمت أن هذا مال فلان, وأن الميت غصبه فحينئذٍ لا يحل لك, وأما إذا كان محرماً لكسبه كالربا وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 20 حكم وقوع الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد السؤال تحديد محل النزاع في مسألة الطلاق الثلاث بكلمة واحدة, هل هو المقصود به أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً أو أن يكون أنتِ طالق طالق طالق؟! الجواب هذه المسألة لا يمكن أن نفتي بها هكذا, إذا وقعت عليك قضية معينة فاستفت. -السؤال يا شيخ من ناحية التعليم أنا أريد أن أتعلم؟ -لا, لأن الذي عندك الآن طلبة علم وعوام, اسمح لي أن أقول هكذا, وهذه المسائل الدقيقة لا يفتى بها علناً, يعني بعض العلماء كانوا يفتون بها سراً, حتى المجد ابن تيمية رحمه الله جد شيخ الإسلام كان يفتي أن الثلاث واحدة لكن سراً, فالمسائل العظيمة هذه لا يطلق الباب هكذا! ألم تعلم الآن لما فتح الباب بأن الطلاق قد يقع موقع اليمين صار العالم الآن لا تبالي, كل الذي يقول: إن ذهبتِ إلى فلانة، فأنتِ طالق مع أن المسألة تافهة, مع أن الأئمة الأربعة كلهم وجمهور الأمة على أن هذا طلاق ولو قصد اليمين, فالآن تجرأ الناس, يعني أنا أكاد أقول: إني أفتي بأن الطلاق الثلاث واقع, لأني رأيت الناس تتايعوا فيه, وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أوقعه إلا حين كثر في الناس, ففي هذه المسائل لا يفتح الباب هكذا, إذا كان لك مناقشة فبيني وبينك إن شاء الله. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 21 حكم إطالة الكم السؤال طول الكم هل يدخل في الإسبال؟ الجواب لكن هذا الكم هل هو إلى الكف أم إلى الأصابع؟ كل هذا جائز إلا إذا فعل الإنسان خيلاء, فنقول: يحرم من أجل الخيلاء. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 22 معاملة أهل الكتاب المعاصرين كمعاملة السابقين السؤال بالنسبة لليهود والنصارى الموجودين الآن، هل يعتبرون من أهل الكتاب أم أنهم انقرضوا ما بقي إلا قليل منهم؟ الجواب هم الآن يدينون بدين النصارى, واليهود يدينون بدين اليهود ويتعصبون له. هل كانوا يحرفون الكلم عن مواضعه في عهد الرسول؟ هل كان النصارى يقولون: إن الله ثالث ثلاثة؟ هل كفرهم الله بهذا؟ هل السورة التي فيها: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] هي التي فيها: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5] ؟ هل كان هذا خافياً على الله؟ الحمد لله فهمت الجواب الآن. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 23 حكم التسمي بـ (أبرار، شيرين، نسرين) السؤال ما حكم الشرع في نظركم في بعض الأسماء والتي قد تكون مأخوذة من بعض آيات القرآن الكريم مثل آلاء وأنفال و (إسراء) و (معارج) و (أبرار) و (طه) و (يس) وكذلك الأسماء التي مثل (شيرين) و (نسرين) هل هي جائزة؟ الجواب على كل حال بالنسبة للرجال (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن, وأصدقها حارث وهمام) والأسماء والحمد لله كثيرة ولا إشكال, أما ما جاء في القرآن فما كان خاصاً بالقرآن فلا يسمى به مثل: (بيان) ، (موعظة) وما أشبه ذلك, وما لم يكن خاصاً بالقرآن فإنه لا بأس بالتسمية به إلا إذا كان فيه تزكية, فـ (أبرار) مثلاً لا يسمى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم (برة) وهي واحدة فكيف الأبرار؟! لكن (أفنان) و (أغصان) و (آلاء) و (أنفال) ما فيها شيء. السائل: بالنسبة لشيرين؟ الشيخ: لا أعرف شيرين, ما الذي يدل عليه ما معناه؟ السائل: يطلق على آلهة الفرس. الشيخ: إذاً: آلهة الفرس! لا يحل؛ تسمية الأشخاص بما فيه الشرك لا يجوز. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 24 اغتسال أحد الزوجين بفضل الآخر السؤال في الحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة: فضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعاً) والحديث الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة) كيف الجمع بينهما؟ الجواب الأول نهي إرشاد يعني ينبغي للرجل مع زوجته ألا ينفرد بالغسل وهي بالغسل, والأفضل أن يغتسلا جميعاً في إناء واحد وفي مكان واحد هذا معنى الحديث, وليس نهياً للتحريم بل ولا للكراهه لكنه نهي إرشاد بدل من أنك تغتسل في إناء والزوجة في إناء اجتمعا, وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد, تختلف أيديهما فيه, حتى تقول: دع لي! دع لي! وهذا أيضاً مما يؤدي إلى قوة المحبة والرابطة بين الزوجين. أما اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة فلأنها سبقته, ولم يصادف وقت اغتسالها بوقت اغتساله, فاغتسل بعدها, وعلى هذا يتبين ضعف ما ذهب إليه الفقهاء من أن الرجل لا يغتسل بما خلت به المرأة لطهارة واجبة, بل نقول يغتسل ولا حرج. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 25 صرف الفوائد الربوية في المشاريع الخيرية السؤال بعض الطلاب المبتعثين في الخارج عندهم إشاعة أن هناك فتوى تجيز أخذ الفوائد الربوية من البنوك في الخارج, واستثمارها في الجمعيات الخيرية, سواء في الخارج أو في الداخل, السبب هو أن بعض البنوك تستغل هذه الفوائد في توزيعها للجمعيات سواء نصرانية أو يهودية أو في أعمال ضد الإسلام, فالإشكالية الآن أن هناك بعضهم يصدق هذه الإشاعات على أنها فتاوى صدرت من علماء أو من طلاب علم معروفين, رأيك يا سماحة الشيخ؟ الجواب لا استحسان مع النص, ولا قبول لفتوى تخالف الكتاب والسنة, فالقرآن الكريم يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278-279] , وفي السنة أعلن النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع: (ربا الجاهلية موضوع -أي: الربا الذي كان في الجاهلية موضوع- وأول رباً أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب) فوضع الربا الذي كان في الجاهلية قبل أن يحرم في الإسلام وأهدره, فكيف يمكن أن نستحسن مع هذا النص, أخذ هذا الشيء وصرفه في مصالح خيرية هذا لا يجوز, وكيف يقابل الإنسان ربه يوم القيامة وهو يقول كذا, وأنت تقول: نأخذه استحساناً, هذه أنا أرى أنها فتوى خاطئة ممنوعة. وأما قولهم أن هؤلاء يجعلونها في أشياء ضد المسلمين فكل مالهم من أولها لآخرها يريدون بها ضد المسلمين, إذاً لا تبايعهم ولا تشاريهم, إذا اشتريت منهم سلعة وزعمت أنهم يتخذونها من المسلمين فالربح الذي تعطيهم سيجعلونه ضد المسلمين ولا فرق, ثم هذا الربا هل هو كسب مالك؟ لأن مالك ربما يجعلونه ويتجرون به ويخسر, فليس من نماء ملكك, إنما هو رباً يضعونه هم بأنفسهم, فإذا كان كذلك فأنت ليس منك التفريط, وليس منك معونة على المسلمين, لأنه بكل سهولة تقول: هذا ليس ربحاً مالياً, أنا لا أدري ما الذي تصرفوا به أكسبوا أم خسروا. فالمهم -يا أخي! والكلام للجميع- لا تستحسنوا شيئاً نهى الله ورسوله عنه, وأنت إذا تركت هذا فقد كسبت أشياء كثيرة: 1- علم هؤلاء الكفار أنك مسلم حقاً؛ لأنهم كفار -ولا سيما علماؤهم- يعلمون أن الربا محرم, محرم في التوراة والإنجيل وفي الإسلام, فإذا تركت هذا علموا أنك مؤمن حقاً وأنك لن تقدم الدنيا على الآخرة. 2- إذا تركت هذا ولا سيما إذا كان ملايين أوجب للمسلمين أن يكوِّنوا بنوكاً إسلامية, وينفردوا بمعاملاتهم كما سمعنا اليوم في الإذاعة في لندن أن المسلمين في إنجلترا يطالبون ببنوك إسلامية وأن الحكومة تدرس هذا الطلب, أما كوننا ننساب مع الناس ونستحسن بعقولنا ما منعه الشرع هذا خطأ, هذا من جنس ما استحسن المعطلة معطلة الأسماء والصفات من الأشاعرة وغيرهم استحسنوا أن ينكروا من صفات الله ما يثبته الله لنفسه, لحجة أن العقل ينكرها, عليك بكتاب الله وسنة رسوله, وهما المتبوعان لا التابعان. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التمسك بدينه والوفاة عليه, إنه على كل شيء قدير, وإلى هنا انتهى المجلس, والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 213 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [214] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آيات من سورة الحديد ، وقد تناول هذا التفسير إنكار الله على الكفار في عدم إيمانهم مع أنه قد تمت أسبابه، ثم إنكاره على الذين لا ينفقون في سبيله، ثم ذكر الشيخ مسألة مهمة، وهي: أن الدين الإسلامي دين العدل لا دين المساواة كما يزعم بعض الناعقين محذراً من هذه الدعوة ومبيناً خطرها. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع عشر بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل مما انتهينا إليه في سورة الحديد. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم) قال الله عز جل: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الحديد:8] وهذه الآية معطوفة على الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الحديد:7-8] يعني: أي شيء يمنعكم من الإيمان بالله، وقد تمت أسباب وجوب الإيمان به، وذلك بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال عز وجل: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} [الحديد:8] يعني أخذ الله ميثاقكم: العهد أن تؤمنوا به، وبرسله، فصار هناك سببان للإيمان. الأول: دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه. والثاني: الميثاق الذي أخذه الله علينا، وذلك بما أعطانا عز وجل من الفطرة والعقل والفهم الذي ندرك به ما ينفعنا ويضرنا، هذا هو الصحيح بمعنى الميثاق، وقيل أنه الميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني آدم حين أخرجهم من ظهره إن صح الحديث الوارد في ذلك. المهم أن الله تعالى ينكر على من لم يؤمن ويقول: ما الذي حملك على ألا تؤمن وقد تمت أسباب وجوب الإيمان في دعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخذ الميثاق؟! {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني إن كنتم مؤمنين فالزموا الإيمان بالله ورسوله. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات) ثم قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الحديد:9] لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو إلى الإيمان، بين أنه صلى الله عليه وسلم أتى بآيات بينات، أي علامات دالة على صدقه وأن ما جاء به فهو حق، ومعنى بينات: ظاهرات، فيما اشتملت عليه من القصص النافعة، والأخبار الصادقة، والأحكام العادلة، والفصاحة التامة، والبيان العجيب، حتى أن العرب وهم أئمة البلاغة وأمراؤها تحداهم الله عز وجل عدة مرات أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلم يستطيعوا، فيقول عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي علامات دالة على أنه رسول الله حقاً، وأن ما جاء به فهو حق، وذلك لما اشتملت عليه من الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة، والفصاحة والبلاغة وغير ذلك مما هو معلوم. وقوله عز وجل: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9] قوله: (لِيُخْرِجَكُمْ) يحتمل أن يكون المراد بذلك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي ليكون سبباً لإخراجكم من الظلمات إلى النور، ويحتمل أن يعود إلى الله عز وجل، أي ليخرجكم الله تعالى بهذه الآيات من الظلمات إلى النور وكلا المعنيين حق، قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] وقال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1] فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبب أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأما المخرج الحقيقي هو الله عز جل. والمراد بالظلمات ظلمات الجهل والشرك وظلمات العدوان والعصيان، فكل ما خالف الحق فهو ظلم، وكل ما وافقه فهو نور، فقوله عز جل: {لِيُخْرِجَكُمْ} الضمير يعود على من؟ إما على الله وإما على الرسول، ما هو الذي يؤيد أنه يعود إلى الله؟ قول الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] والذي يؤيد أنه يعود إلى الرسول؟ {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:1] وإذا كانت الآية تحتمل معنيين، ولا منافاة بينهما، تحمل عليهما جميعاً، فالله المخرج حقيقة والرسول مخرج على أنه سبب. {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد:9] الجملة هذه خبرية مؤكدة بإن واللام {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} والرأفة أرق الرحمة، والرحمة أعم، فهو عز وجل رءوف رحيم أي ذو رحمة بالمؤمنين عز وجل، كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] رحمة الله سبحانه وتعالى إما عامة وإما خاصة، فالعامة: الشاملة لجميع الناس، والخاصة: بالمؤمنين، كما قال عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43] . فإذا قال قائل: أي رحمة من الله عز وجل للكافر؟ أمده بأنعام وبنين وعقل وأمن ورزق بل إنه أي الكفار قد عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أليس كذلك؟ قال الله عز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [النحل:61] فإذا سألك سائل: هل لله رحمة على الكافر؟ فلا تقل: نعم، ولا: لا، أما بالمعنى العام فنعم، ولولا رحمة الله به لهلك، وأما بالمعنى الخاص فلا، الرحمة الخاصة بالمؤمنين فقط كما قال عز جل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} . الجزء: 214 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله) قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحديد:10] استمع لتعرف أن القرآن يتصل بعضه ببعض، قال الله تعالى في أول الآيات: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] ثم قال: {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الحديد:8] ثم قال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحديد:10] لما أمرنا أن ننفق مما جعلنا مستخلفين فيه قال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني: أي شيء يمنعكم؟! والإنفاق في سبيل الله يشمل كل شيء أمر الله بالإنفاق فيه، ففي سبيل الله هنا عامة، وعليه يدخل في ذلك الإنفاق على النفس، والإنفاق على الزوجة، والإنفاق على الأهل، والإنفاق على الفقراء، واليتامى، والإنفاق في سبيل الله، كل ما أمر الله بالإنفاق فيه فهو داخل في هذه الآية، حتى على النفس، إنفاقك على نفسك صدقة، إنفاقك على زوجك صدقة، لكن لاحظ النية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها) وهذا القيد لازم، فلابد من أن تبتغي بها وجه الله (إلا أجرت عليها) أي: أثبت عليها. إذاً: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ما المراد بالإنفاق في سبيل الله؟ كل ما أمر الله بالإنفاق فيه. {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] يعني كيف لا تنفق والذي سيرث السماوات والأرض هو الله، ومن جملة ذلك مالك الذي بخلت به سيرثه الله عز وجل، فإذا وُرث مالك من بعدك، فإما أن يرثه صالح فيكون أسعد به منك، وإما أن يرثه مفسد فتكون خلفت له ما يستعين به على إفساده، أفهمتم هذا؟ إذا خلفت المال فإما أن تخلفه إلى من ينفقه في سبيل الله فيكون هو أسعد بمالك منك، وإما أن تخلفه لمفسد يستعين به على معصية الله فتكون أعنته على معصية الله بما خلفت له من المال. إذاً: ما هو اللائق بك؟ أن تنفقه في سبيل الله، حتى يكون لك غنماً، وتسلم من غائلته لو ورثه من يفسد به. وتذكر -يا أخي- عندما تفكر في الإنفاق فيأتيك الشيطان ويأمرك بالبخل ويعدك الفقر فكر أنك إذا خلفت هذا المال فلابد أن يورث، فهو لن يدفن معك، ويكون الإرث دائراً بين الأمرين السابقين اللذين ذكرتهما وهو: إما أن يرثه من ينفقه في سبيل الله فيكون أسعد بمالك منك، وإما أن يرثه من يستعين به على الفساد في الأرض فتكون أنت سبباً في الإفساد في الأرض ولابد من هذا. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد:10] لا يستوي من أنفق منكم في سبيل الله وقاتل مع من لم ينفق ولم يقاتل، لا يمكن أن يستوي هذا وهذا؛ لأن دين الإسلام دين العدل في العمل والجزاء وليس كما يقول المحدَثَون المحدِثُون أنه دين المساواة، هذا غلط عظيم، لكن يتوسل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة، حتى يقول المرأة والرجل سواء، والمؤمن والفاسق سواء، والعربي والعجمي سواء، ولا فرق، وسبحان الله! أنك لن تجد في القرآن كلمة المساواة بين الناس، لابد من فرق، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة ((لا يَسْتَوِي)) [النساء:95] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وآيات كثيرة. فاحذر أن تتبعهم فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداءً، بدلاً من أن تقول: الدين الإسلامي دين مساواة قل: دين العدل الذي أمر الله به أن يعطى كل ذي حق حقه، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث سواء أم يختلفون؟ يختلفون، في الدية؟ دية المرأة نصف دية الرجل، وكذلك في العقيقة، فك الرهان: الذكر اثنتان والأنثى واحدة، وفي الدين المرأة ناقصة، إذا حاضت لم تصل ولم تصم، في العقل المرأة ناقصة: شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وهلم جرا، الذين ينطقون بكلمة مساواة إذا قررنا هذا وأنه من القواعد الشريعة الإسلامية، ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور، وإلا لصرنا متناقضين، فنقول: دين الإسلام هو دين العدل، فهو يعطي كل إنسان ما يستحق، حتى جاء في الحديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) يعني إذا أخطأ الإنسان الوجيه الشريف في غير الحدود فاحفظ عليه كرامته وأقله، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة، لأنه كما قيل: الكريم إذا أكرمته ملكته، لكن لو جاء إنسان فاسق ماجن فهذا اشدد عليه بالعقوبة وعزره، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب ماذا فعل؟ ضاعف العقوبة، بدل أربعين جعلها ثمانين. كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن: (من شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب يعني الرابعة فاقتلوه) يعني هذا ليس فيه فائدة، ثلاث مرات نعاقبه ولكن لا فائدة، إذاً خيرٌ له ولغيره أن يقتل، إذا قتلناه استراح من الإثم، كما قال عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:178] . الخلاصة: التعبير بأن دين الإسلام هو دين المساواة خطأ والصحيح أنه دين العدل ولا شك. العجب أن هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يقولون: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) فيتناقضون، الحديث ما نفى مطلقاً قال: إلا بالتقوى، إذاً يختلفون بالتقوى أو ما يختلفون؟ يختلفون، ثم إن هذا الحديث أظنه لا يصح للنبي عليه الصلاة والسلام، لأنه قال: (إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) ففضل، ولا شك عندنا أن العرب -أعني جنس العرب- أفضل من جنس غير العرب، والدليل على هذا أن الله جعل في العرب أكمل نبوة ورسالة، وهي نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فالأجناس تختلف، وقال عليه الصلاة السلام: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) احذر أن تتابع في العبارات التي ترد من المحدِثِين المحدَثَين حتى تتأملها وما فيها من الإيحاءات التي تدل على مفاسد ولو على المدى البعيد. أسأل الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم وأن يتولانا في الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 214 ¦ الصفحة: 7 خطورة دعوى التقارب بين الأديان السؤال ما رأي فضيلتكم فيما يسمى بالتقريب بين الأديان كأن يكون هناك اجتماع بين المسلمين والنصارى لمحاولة تقوية الروابط بينهم، أو بين المسلمين: أهل السنة والرافضة جزاك الله خيراً؟ الجواب أرى بارك الله فيك أنه لا يجوز إطلاقاً أن نقر بأن النصارى على دين أو أن اليهود على دين، كلهم لا دين لهم؛ لأن دينهم منسوخ بدين الإسلام، فكوننا نقول: الأديان ما نقر بهذا أبداً، نقول: ليست اليهود على شيء وليست النصارى على شيء، والدين دين الإسلام، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] . إذا كان كذلك فهل يمكن أن نقارب بين حق وبين منسوخ؟ لا يمكن، وما ذاك إلا مداهنة كما قال عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] نعم إذا كان مقاربة خاصة محدودة بين شخص وآخر، لأجل أن يدعوه إلى دين الإسلام فهذا شيء آخر، لكن أن نداهن ونقول: أنتم يا يهود! على دين، وأنتم يا نصارى! على دين، ونحن على دين؛ والأديان كلها سماوية، فهذا لا يجوز. أولاً: التوراة التي بيد اليهود والإنجيل الذي بيد النصارى محرف مبدل مغير، فهو ليس على ما جاء به الرسل. ثانياً: أنه لو فرض أنهم على ما جاء به الرسل مائة بالمائة فهو منسوخ، والذي يحكم بالأديان ويشرعها هو الله الخالق عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:48] فدين اليهود ودين النصارى انتهى ولا قيام له أبداً. أما بالنسبة للشيعة وأهل السنة فكل منهم يقول: إنه مسلم، ولكن يجب أن يوزن ذلك بميزان الحق، وينظر هل الخلاف بينهم كالخلاف بين الشافعي وأحمد وأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم أو خلاف جذري في العقيدة، إن كان الثاني فلابد أن يدعى هؤلاء إلى دين الإسلام، ويبين لهم أنهم على ضلال، ولا يمكن أن نقارب بين الإسلام وبين ما ليس بإسلام، ولذلك أنا أرى أنه يجب على علماء أهل السنة أن يدعوا إلى السنة دون أن يهاجموا بذكر بطلان مذهب الرافضة مثلاً الذين يسمون أنفسهم شيعة؛ لأن الإنسان مهما كان إذا كان له مبدأ وهوجم نفر وابتعد، لكن تبين له السنة، وتبين فضائل الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدين أبو بكر عمر عثمان علي، وإذا بُين الحق فالنفوس مجبولة على قبول الحق، لكن الذي يضر الناس الآن المهاجمة، وهذا غلط ليس من الحكمة، قال الله عز وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] مع أن سب آلهة المشركين واجب، لكن لا نسبه؛ لأنه إذا سببنا آلهتهم وهي باطلة سبوا إلهنا وهو حق، كذلك الآن الدعوة، أنا لا أحب من الدعاة أن يهاجموا، بل أحب أن يبينوا الحق، وإذا بان الحق فالنفوس مجبولة على قبوله. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 8 حكم إهداء القُرب للأموات السؤال ما القرب التي تهدى ويصل نفعها إلى الميت؟ الجواب أولاً: -بارك الله فيك- أصل الإهداء إلى الأموات ليس مشروعاً ولا مسنوناً، لا صدقة ولا عمرة ولا حجاً ولا شيء، والمشروع هو الدعاء، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والحديث الآن في سياق عمل أم في سياق دعاء؟ عمل، عدل النبي عليه الصلاة والسلام عن العمل للميت إلى الدعاء له، فدل هذا على أن هذا المشروع، أما العمل فليس بمشروع، ولكن هل ينفع الميت إذا أهديت إليه العمل أو لا؟ نقول: ما جاءت به السنة فلا مناص عنه، كالصدقة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن لـ سعد بن عبادة رضي الله عنه أن يتصدق بمخرافه لأمه، وأذن للرجل الذي قال: (يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) وأذن للرجل الذي كان يلبي عن شبرمة قال: (أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) وأذن في قضاء صوم النذر، وفي الحج عن العاجز الذي لا يرجى زوال عجزه، فما جاءت به السنة، فهو ما حكمت به السنة، فهل نقيس عليه جميع الأعمال؟ اختلف في هذا أهل العلم، فمنهم من قال: الأصل أن عمل الإنسان لنفسه كما قال عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وقال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:134] وما جاء استثناؤه في السنة فعلى العين والرأس، أما الباقي فلا، ومنهم من قال: إن هذه المسائل التي جاءت بها السنة قضايا أعيان يعني: ليست ألفاظاً لها عموم، فلا ندري لو أن أحداً استأذن من الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يسبح لأبيه أو يقرأ لأبيه هل يمنعه أم لا؟ ما ندري، وإذا كانت السنة جاءت بهذا الأصل أي بأصل جواز إهداء القرب فالعموم أولى، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك أيضاً قبله الإمام أحمد قال: أي قربة فعلها وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه، لكن مع ذلك لا نحبذ هذا، ونقول: الدعاء للميت أفضل، دعوة واحدة أفضل من ألف درهم، اجعل العمل لنفسك فأنت محتاج إذا مت سوف تتمنى أن يكون لك حسنة واحدة، واجعل الدعاء لميتك هذا هو السنة. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 9 حكم الخارج من البدن غير البول والغائط السؤال هل خروج الدم عن طريق الرعاف أو الجرح من الجسم ينقض الوضوء؟ الجواب لا، كل ما خرج من البدن لا ينقض الوضوء إلا البول والغائط، أما الدم والقيء والقيح وما يسميه النساء بالطهر الذي يسيل من فرج المرأة دائماً، حتى إن بعض العلماء قال: سلس البول فلا ينقض الوضوء أيضاً، إذا تطهر الإنسان أول مرة فإنه لا ينتقض وضوءه ما لم يحدث بحدث آخر، وعلل ذلك بأنه لا يستفيد من الوضوء، إذ أن الحدث دائم فلا فائدة من الوضوء، نعم لو انتقض وضوءه من ريح مثلاً وفيه سلس بول فهنا يجب أن يتوضأ، وهذا القول ليس ببعيد من الصواب، وكنت بالأول أرى أنه ينقض الوضوء وأنه لا يجوز أن يتوضأ الإنسان للصلاة إلا بعد دخول وقتها لكن بعد أن راجعت كلام العلماء واختلافهم، وقوة تعليل من علل بأن هذا الوضوء لا فائدة منه إذ أن الحدث دائم تراجعت عن قولي الأول، وهذا القول أرفق بالناس بلا شك، ولا سيما بالنسبة للنساء اللاتي يخرج منهن هذا السائل الدائم، ولا سيما في أيام الحج والعمرة عندما تذهب المرأة مثلاً إلى المسجد من بعد المغرب لتصلي صلاة العشاء، إذا قلنا بانتقاض الوضوء، يعني لابد أن تبتدئ الوضوء بعد دخول الوقت، فصار في هذا مشقة عظيمة، لا سيما في أيام الزحام، شيء فيه مشقة على المسلمين، والدليل فيه ليس بواضح، وقد قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] . والظاهر أيضاً أن الذي يصيب النساء هو الذي يصيب النساء السابقات، ولم يبلغ أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر النساء أن تتوضأ لوقت كل صلاة، غاية ما هنالك المستحاضة على خلاف في هذا؛ فإن مسلماً رحمه الله أشار إلى أن قوله: توضئي لكل صلاة لم يصح، ولذلك حذفها عمداً من حديثه، المهم الشيء المعتاد لا ينقض إلا البول والغائط فقط والريح لأنه ثبت به الحديث. السائل: خروج الفاحش النجس ما المقصود به؟ الشيخ: لا يضر، والفاحش النجس: هو الدم والقيء، والصحيح أن دم الإنسان وقيء الإنسان طاهر، لأنه لا يوجد دليل على النجاسة، كثرةً وقلةً، ما دام أنه لا يوجد دليل فالأصل الطهارة. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 10 حكم السجود للبشر السؤال رجل أو كفيل عنده عامل، وهذا العامل كافر، فألح العامل على الكفيل بالسفر إلى أهله فامتنع، فسجد العامل أمام الكفيل فيقول الكفيل فرحمته شفقة مني وسمحت له بالسفر؟ الشيخ: لما أشرك به أليس كذلك؟ السائل: والله! هذا نظره، يقول: شفقة مني؟! الشيخ: المهم لما سجد ولما أشرك بالله رق له، فهذا خطأ ومن أكبر الخطأ. السائل: بدون قصد هذا. الجواب المهم على كل حال شيء مضى، لكن انصح هذا الكفيل وقل: تب إلى الله عز وجل، كان الواجب عليه لما سجد له أن ينهاه وينهره، ويقول: السجود لله، لكن نظراً لجهله أرجو الله ألا يعاقبه، أليس النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت، أنكر عليه وقال: أجعلتني لله نداً؟!! بل ما شاء الله وحده) على كل حال بلغ سلامي للكفيل وقل له: يتوب إلى الله ويستغفر، وكان عليه أنه لما سجد له أن يقول له: هذا ما يصلح، هذا لا يجوز إلا لله، ربما لو قال له في هذه الحال ربما ينتبه ويعرف أنه على خطأ. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 11 تنفيذ وصية الأب إذا جرت إلى فتنة أو معصية السؤال رجل أوصى ابنه الكبير قبل أن يموت على ألا يزوج أخواته صغاراً حتى يتخرجن من الجامعة؛ لأن الرجال اليوم لا يوثق بهم، حيث يتزوجون النساء ويطلقوهن متى شاءوا، فتصبح المرأة لا حول لها ولا قوة، فإن درست وتخرجت من الجامعة وحصل الفراق بينها وبين زوجها تتوظف وتستغني عن سؤال الناس، وبعد موت الأب كبرت أخواته فخشي على أخواته الفتنة في دخول الجامعة من وجود الاختلاط والفساد وما أشبه ذلك فهل له عدم تنفيذ وصية أبيه؟ وإذا كان الجواب بـ (نعم) فماذا تقولون في قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة:181] وجزاكم الله خيراً؟ الجواب أقول: هذه الوصية لا عبرة بها ولا يعمل بها، بل متى خطب المرأة رجل كفء ورضيت به تزوجت، ولا عبرة بوصية أبيها. وأما قوله تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} [البقرة:181] فالمراد به الوصية النافعة، أما غيرها فقد قال الله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:182] وهذا لا شك أنه جنف، فهذه شابة تريد الزواج نقول: لا، حتى تتخرجي من الجامعة، ولا ندري ربما ترسب مرتين أو ثلاثاً وتبقى سنوات، المهم أن هذه الوصية جائرة ولا تنفذ. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 12 حكم من يطوف حول القبور ويذبح لها السؤال إذا كان الرجل من القبورية، يسجد للقبور ويطوف حول القبور ويذبح للأضرحة ويعد هذه الأشياء من الإسلام، علماً بأن دعوة الإسلام ما وصلت إليه وهو لا يعرف معنى التوحيد ولا كلمة التوحيد، فما الحكم عليه هل نعتبره من المسلمين أو من المشركين؟ الجواب هل بلغته الدعوة على وجه صحيح أو لا؟ إن لم تبلغه الدعوة على وجه صحيح، وهو ينتسب إلى الإسلام فهو مسلم ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله، أما إذا كانت الدعوة بلغته، لكن قال أنه وجد آباءه على هذا فهذا كافر، لأنه كالذين قال الله فيهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] . الجزء: 214 ¦ الصفحة: 13 عدم صحة القول بأن الحجامة تورث النسيان السؤال أنا شخص أريد الحجامة، ولكني سمعت أن الحجامة تورث النسيان فما رأي فضيلتكم؟ الجواب الحجامة من الأدوية السنية، فإذا كان الإنسان عنده دم كثير فاسد فلابد من الحجامة، وحينئذٍ يعرض الأمر على طبيب مختص، فإذا قال: لابد من الحجامة فلابد منها، ثم اعلم أن الإنسان إذا حجم أول مرة اعتاد بدنه على هذا، وصار لابد أن يحتجم كل عام وإلا غشى عليه الدم، وإذا لم يحتجم أصلاً فإنه في الغالب لا يحتاج إليه. أما أنها تورث النسيان فلا، كيف الرسول يبين أنها من الأدوية النافعة ونقول: إنها تورث النسيان، هذا ليس بصحيح. النسيان من أكبر أسبابه معصية الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:13] . الجزء: 214 ¦ الصفحة: 14 السنن البعدية بعد صلاة الجمعة السؤال كيف يجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا) وبين فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصلي في بيته ركعتين حفظكم الله؟ الجواب اختلف بهذا أهل العلم فقال بعضهم: إنه يصلي ستاً، ركعتان ثبتتا بالسنة الفعلية، وأربع بالسنة القولية هذا قول. قول ثاني: أن المعتبر القول، وهو أن يصلي أربعاً فتكون سنة الجمعة أربعاً فقط. القول الثالث: التفصيل: إن صلى في المسجد صلى أربعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا صلى الله عليه وسلم أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) ولم يقيد، فيكون إن صلى في المسجد فأربع، وإن صلى في بيته فركعتان، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني التفصيل، والحمد لله الأمر واسع يعني: لو أنه ذهب إلى البيت وصلى أربعاً بتسليمتين كان حسناً ما يضر إن شاء الله. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 15 حكم فك السحر بالسحر السؤال نسأل عن فك السحر بالسحر للضرورة بعدما ذهب الإنسان إلى القراء وقُرئ عليه ولم ينفك هذا السحر؟ وجزاكم الله خيراً. الجواب يتابع القراءة ويشفيه الله عز وجل. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 16 هل الأعمال المباحة تكتب في الصحف السؤال الأعمال والأقوال المباحة هل تكون في ميزان حسنات العبد أو في ميزان سيئاته؟ وهل هناك أقوال وأعمال لا يثاب الإنسان عليها ولا يعاقب؟ الجواب تكلمنا قبل قليل عن العدل، فإذا كان العمل ليس مأموراً به ولا منهياً عنه وفعله الإنسان، ما هو العدل؟ لا يثاب ولا يعاقب، ولهذا العلماء أجمعوا على ما دل عليه الكتاب والسنة من أن هناك قسماً في الشريعة الإسلامية يسمى الحلال أو المباح ليس فيه ثواب ولا عقاب، إلا إذا كان وسيلة لمطلوب شرعاً ففيه ثواب، أو كان وسيلة لمحرم ففيه عقاب، ولهذا لو قال لنا قائل: ما تقولون في شراء الماء للصلاة؟ قلنا: فيه أجر أو ما فيه أجر؟ فيه أجر، ولو أن أحداً اشترى سلاحاً ليقاتل به المسلمين، فيه إثم أو لا؟ فيه إثم، مع أن أصل الشراء والبيع حلال. السائل: لكن قول بعض السلف يا شيخ: (أني أحتسب على الله نومتي وقومتي) ؟ الشيخ: لأنه ينوي بالنوم الاستعانة على الطاعة، وينوي بالقيام العمل الصالح والدعوة إلى الله وما أشبه ذلك. الجزء: 214 ¦ الصفحة: 17 لقاء الباب المفتوح [215] الإنفاق في سبيل الله من أعظم الأعمال الصالحة والتي تسبق الجهاد بالنفس في كثير من الآيات، ولقد مدح الله المنفقين قبل صلح الحديبية وقاتلوا وزادهم درجة على الذين جاءوا من بعدهم وأنفقوا وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى، في ظلال آيات سورة الحديد كان للشيخ بيان وتفسير لها وحث على الإنفاق في سبيل الله. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العشرون من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما ييسر الله عز وجل مما وقفنا عليه في تفسير القرآن الكريم، الذي أدعو فيه جميع المسلمين إلى أن يتدبروا كلام الله عز وجل؛ لأنه لا يمكن العمل بالقرآن إلا إذا فُهم معناه. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض) انتهينا إلى قول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] يعني أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله عز وجل، والمال ليس بباق لكم فإنكم سوف تخلّفونه، ولهذا قال: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] وقد قال بعض أهل العلم: إن الشح بإنفاق المال سفه في العقل، لأن هذا المال إما أن يفنى في حياتك فتعدمه، وإما أن يبقى بعد موتك فيرثه أهل الخير فينفقونه ويكون أجر الإنفاق لهم، أو يرثه أهل شر فيستعينون به على معصية الله، فأنت خاسر على كل حال، وهنا يقول الله عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:10] فإنه لن يبقى هذا المال لكم بل سيورث وترجع الأمور كلها إلى الله تبارك وتعالى. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) قال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10] أي: لا يكونون سواءً، الذي أنفق من قبل الفتح -والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين قريش، وذلك في ذي القعدة من العام السادس من الهجرة- وسمي فتحاً لأنه صار فيه توسيع للمسلمين، وتوسيع أيضاً للمشركين، اختلط الناس بعضهم ببعض وأمن الناس بعضهم من بعض، حتى يسر الله عز وجل أن نقضت قريش العهد فكان من بعد ذلك الفتح الأعظم فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10] وذلك لأن الأولين أنفقوا وقاتلوا وسبقوا إلى الإسلام، وكان الإسلام في حاجة لهم ولإنفاقهم فكانوا أفضل ممن أنفق من بعد وقاتل، والله سبحانه وتعالى يقضي بالعدل بين عباده، ولكن لما كان تفضيل السابقين قد يفهم منه ألا فضل للاحقين قال: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:10] (كلاً) من الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعده وقاتلوا، وعدهم الله الحسنى، يعني: الجنة. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قال تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد:10] أي: عليم ببواطن أموركم كظواهرها لا يخفى عليه شيء، وإذا كان عالماً بها فسوف يجازي جل وعلا كل عامل بما عمل، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية، والمراد بالحسنى: الجنة. إذاً كل الصحابة وعدهم الله تعالى الجنة، فنحن نشهد لكل الصحابة أنهم في الجنة، لكن لا نشهد لأحد بعينه إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم) ثم قال عز وجل حاثاً ومرغباً على الإنفاق في سبيله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] أي: أين الذين يقرضون الله قرضاً حسناً، أي: ينفقون فيما أمرهم بالإنفاق فيه، وأشار الله في هذا إلى شيئين: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص في قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} [الحديد:11] أي: لا يريد سوى الله عز وجل، والمتابعة في قوله: ((حَسَناً)) [الحديد:11] لأن العمل الحسن ما كان موافقاً للشريعة الإسلامية، وهذان -أعني: الإخلاص والمتابعة- هما شرطان في كل عمل: أن يكون مخلصاً لله وأن يكون متابعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وصف الله تعالى الإنفاق في سبيله بالقرض تشبيهاً بالقرض الذي يقرضه الإنسان غيره؛ لأنك إذا أقرضت غيرك فإنك واثق من أنه سيرد عليك، وهكذا أيضاً العمل الصالح سيرد على الإنسان بلا شك، ولهذا قال: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] المضاعفة هنا الزيادة، وقد بيَّن الله تبارك وتعالى قدرها في سورة البقرة، فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] فأنت إذا أنفقت درهماً، فإن جزاءه سبعمائة درهم ثواباً من عند الله عز وجل، والله فضله أكثر من عدله وأوسع، ورحمته سبقت غضبه، إذاً يضاعفه له إلى سبعمائة بل إلى أكثر، كما جاء في الحديث إلى أضعاف كثيرة {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] أي: حسن واسع وذلك فيما يجده في الجنة، ففيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات) ثم قال الله عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الحديد:12] أي: اذكر للأمة يوم ترى أيها الإنسان المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يكون من الأمام ومن اليمين، أما من الأمام فلأجل أن يقتدي الإنسان به، لأن النور إذا كان أمام الإنسان تبعه، وأما عن اليمين فتكريماً لليمين، يكون بين أيديهم وبأيمانهم. وقوله: ((يَسْعَى نُورُهُمْ)) يفيد أن هذا النور على حسب الإيمان؛ لأن الحكم إذا علق بوصف كان قوياً بقوة ذلك الوصف وضعيفاً بضعفه. إذاً نورهم على حسب إيمانهم. قال تعالى: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} تقوله الملائكة لهم: (بشراكم) أي: ما تبشرون به (اليوم) يعني يوم القيامة {جَنَّاتٌ} وهذه الجنات فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71] فيها ما يشاءون كما قال الله عز وجل: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] وجمعها بأنها جنات متعددة متنوعة درجات مختلفة حسب قوة الإيمان والعمل. وقوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: تسير والأنهار جمع نهر، وقد بين الله تبارك وتعالى في سورة القتال أنها أربعة أنواع {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وهذه الأنهار لا تحتاج إلى حفر ساقية ولا إلى جدولة، تسير على سطح الأرض حيث شاء أهلها، قال ابن القيم رحمه الله: أنهارها من غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضانِ لا تذهب يميناً ولا شمالاً إلا حيث أراد أهلها، وقوله: {مِنْ تَحْتِهَا} إشارة إلى علو قصورها وأشجارها، يعني: تكون هذه الأنهار من تحت هذه القصور العالية والأشجار الرفيعة {خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها، وقد جاءت آيات متعددة بأن هذا المكث دائم، ليس فيه زوال ولا انقطاع ولا تغير {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (ذلك) المشار إليه ما وعدهم الله به، الجنات التي تجري من تحتها الأنهار (هو الفوز العظيم) (هو) ما يسميه العلماء ضمير فصل، وهو مفيد للتوكيد والاختصاص، أي: هذا الذي ذُكر هو الفوز العظيم، لأنه لا فوز مثله كما أنه لا فوز أعظم منه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله إنه على كل شيء قدير. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 8 الأسئلة الجزء: 215 ¦ الصفحة: 9 الأفضلية في الصلاة: إلى الصف الأيمن أم الأيسر؟ السؤال لو حضر الإنسان إلى الصلاة هل الأفضل أن يأتي في آخر الصف إلى اليمين أو في الروضة من اليسار؟ الجواب أولاً: كلمة (الروضة) هذه لا أصل لها، وقول العوام: إن الروضة ما كان خلف الإمام أو عن يمينه أو عن شماله وقريباً منه هذه لا أصل لها. سؤال الأخ يقول: هل الأفضل الأيمن مطلقاً أي: من الصف أو إذا بَعُدَ فاليسار أفضل منه إذا كان أقرب؟ الجواب: اليسار أفضل إذا كان أقرب إلى الإمام، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، إنما قال: (أتموا الأول فالأول) ولذلك نقول في الأول والثاني: الأول أفضل من الثاني وإن كان الثاني خلف الإمام والأول في طرف الصف، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن نكمل الأول فالأول، أما اليمين فلم يقل: أتموا الأيمن فالأيمن، ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لقال: أتموا الأيمن فالأيمن، وعلى هذا فنقول: إذا تقارب اليمين والشمال فاليمين أفضل، وإذا تساوى اليمين والشمال فاليمين أفضل، أما مع البعد فاليسار أفضل؛ وذلك لدنوه من الإمام، والدنو من الإمام معتبر شرعاً. ويدل لهذا أيضاً أن المسلمين كانوا في أول الأمر إذا كانوا ثلاثة يصفون صفاً واحداً، ويكون أحدهما عن يمين الإمام والثاني عن يساره، ثم نسخ هذا إلى أن يتقدم الإمام إذا كانوا ثلاثة، فدل هذا على أنه إذا تساوى اليمين والشمال فاليمين أفضل، وإلا فاليسار أفضل، لو كان اليمين أفضل مطلقاً لكان الثلاثة واقفون بحيث يكون الاثنان عن يمين الإمام، وهذه مسألة تخفى على كثير من طلاب العلم فضلاً عن العوام، في بعض المساجد تجد الصف الأيمن يكاد يتم والأيسر ما فيه إلا واحد أو اثنان وهذا غلط، هذا إذا قلنا بأن قوله: وسط الإمام ضعيف، أما إذا قلنا بأنه حسن فهي أصلاً لا يتنازع فيها اثنان، صار الأيمن أفضل إذا تساوى الأيمن والأيسر أو تقاربا فرق رجل أو رجلان، أما إذا كان الفرق بيناً فاليسار أفضل. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 10 حكم الملابس التي تظل في المغسلة أكثر من الفترة المشروط مكوثها عندهم السؤال مغسلة ملابس فيها ملابس مضى عليها أكثر من شهرين ولا يعرف أصحابها، مع أنه من ضمن الشروط في الفاتورة أن المغسلة غير مسئولة عن الملابس التي يتركها أصحابها أكثر من شهرين، هل لصاحب المغسلة أخذها إما للاستعمال أو البيع أو التصدق بها، وإذا أخذها ثم طالب بها صاحبها بعد أن تصرف بها فهل يلزم رد ثمنها أم لا؟ الجواب إذا كان مشروطاً على صاحب الثياب أنه إذا تأخر لمدة شهرين فلا حق له فهو الذي تأخر، وإذا تمت الشهران إما أن يتصدق بها صاحب المغسلة إن وجد من يقبلها ويلبسها، أو يبيعها ويتصدق بثمنها، لكن أرى أن ينتظر بعد الشهرين عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؛ لأنه ربما يكون صاحبها قد أقبل، ولكن تعطلت سيارته أو حصل له مرض فالأفضل أن ينتظر. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 11 حكم بيع وشراء الأقنعة المخيفة السؤال هناك الآن أقنعة مخيفة على شكل صور تباع في المحلات يشتريها الناس ويلبسونها هل فيها شيء؟ الجواب أولاً: أرى أن هذه الأقنعة محرمة في بيعها وشرائها واقتنائها واستعمالها؛ لأنها مضيعة للمال ولا فائدة فيها إطلاقاً، وكل شيء لا فائدة فيه فبذل المال فيه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال. ثانياً: أنها مشوهة ترعب الصبيان وتخيفهم، وتبقى هذه الصورة المرعبة في مخيلة الصبي إلى أن يموت إلا أن يشاء الله، فلا أرى جوازها؛ بل أرى منعها، ولا يجوز للإنسان أن يشتريها، أو يبيعها، أو يقتنيها، أو يستعملها. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 12 حكم الهجرة من بلاد المسلمين إلى دول غربية كافرة السؤال ما حكم الهجرة من بلاد المسلمين إلى دولة غربية أو كافرة؟ الجواب الهجرة بارك الله فيك هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وليس من بلد الإسلام إلى بلد الشرك، اللهم إلا أن يضطهد الإنسان في بلد الإسلام، ويمنع من إقامة شعائر دينه، ويكون في بلد الكفر يستطيع أن يقيم شعائر الدين وأن يدعو إلى الله عز وجل، فهنا انتقاله خير من بقائه، إلا إذا كان انتقاله يسبب ضرراً على الآخرين الملتزمين، يعني لو قلنا: ارتحلوا من هذه البلاد التي يضطهد فيها الملتزم ثم رحلوا واحداً واحداً بقيت البلاد على المفسدين، ففي هذا الحال نقول: اصبر وابق في بلدك وتساعد مع إخوانك في إصلاح الأمور بالتي هي أحسن. حتى أنا أرى ما دام بقاؤه فيه مصلحة للموجودين الإخوة الآخرين الملتزمين فليبق وإن شاء الله سوف يفرج الله له. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 13 حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع السؤال هل ورد دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه وضع يده اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع؟ الجواب روى البخاري رحمه الله عن سهل بن سعد رحمه الله قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى أو كفه اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) هكذا جاء في صحيح البخاري ويستثنى من هذا السجود؛ لأن اليدين على الأرض، ويستثنى من هذا الجلوس لأن اليدين على الفخذين، ويستثنى من هذا الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين، وما بقي إلا القيام قبل الركوع وبعده، وهذا هو الدليل. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 14 حكم الزكاة في النخيل الذي في البيوت السؤال ما حكم الزكاة إذا كان في بيتنا ثلاث نخيلات؟ الجواب النخل الذي في البيوت إن كان يبلغ النصاب ففيه الزكاة، وإن كان دون النصاب وليس للإنسان مثلاً استراحة أو بستان يضمها إليه فلا زكاة فيه. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 15 هل العبرة في سداد الديون القيمة أم المثلية؟ السؤال هل العبرة بسداد الديون في العملة: القيمة أم المثل؟ مثلاً استلفت ألف دينار أردني وهي تساوي بالسعودي خمسة آلاف ريال سعودي، هل إذا ارتفعت القيمة ونزلت أردها بنفسها؟ الجواب عليك دينار أردني، القرض على اسمه، ترد مثله زادت قيمته أو نقصت، كما لو استقرضت منك صاع بر فالواجب علي أن أرد صاع بر، استقرضت منك صاع رز، أرد عليك رزاً، لما استقرضته مني كان الصاع يساوي خمسة ريالات، ولما أردت أن توفيني صار يساوي عشرة ريالات هل تقول: لا أرد عليك إلا نصف الصاع؟ لا، ترد علي الصاع ولو كان يساوي عشرة، والعكس كذلك لو كان يساوي عشرة عند القرض وعند الاستيفاء يساوي خمسة، ما لي إلا الصاع، والخلاصة أن الإنسان يرد مثلما استقرض زادت القيمة أم نقصت، هذه هي القاعدة. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 16 حكم بيع التورق السؤال عندي مكتب لخدمات البيع بالتقسيط يدفع له مستودع، فالتاجر يشتري البضاعة فيعرضها للبيع بالتقسيط فقط، والمكتب يبيعها له، ويأخذ مقابلاً لذلك العقد وتخليص الأقساط، والمشتري يأخذ البضاعة ويبيعها في مكان آخر، ما حكم هذه العملية؟ الجواب الآن فهمنا أن عندنا تاجر اشترى سيارات وأودعها عنده، ويبيع بالتقسيط وله دلال يبيع له ويخلص الثمن من المشترين، إلى هنا جائز وما فيها إشكال، بقينا في هذا الذي اشترى أنت تقول: إنه باعها من أجل أن يأخذ الدراهم. هذا الرجل الذي اشترى السلعة من أجل ثمنها يسميه العلماء التورق، منهم من أجازه ومنهم من منعه. الذين منعوه قالوا: إن هذه حيلة لأنه ما اشترى السيارة مثلاً يريد السيارة لكن يريد الدراهم، والآخرون يقولون: هذا ما علينا منه اشترى السيارة وغرضه آخر ما علينا منه، سواء أراد أن يبيعها أو أن يكدسها لنفسه، يشتغل بها بالأجرة، أو يذهب بها إلى بلد آخر تكون أرفع قيمة، ما علينا منه، فالمسألة فيها خلاف، فمن أراد التورع فليترك ذلك، ومن أراد التوسع فيتبع العلماء الآخرين. لكن المحظور الممنوع الذي هو شبيه بعمل اليهود، هؤلاء القوم الذين يأتون إليهم من يريد السيارة ويقول: اذهب إلى المعرض واختر السيارة التي تريد، وأنا أشتريها من المعرض وأنقد له الثمن وأبيعها عليك بالتقسيط بأكثر، هذه لا شك أنها حرام، ولا يغرنك فتوى من قال: إنها حلال، لأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، أي فرق بين أن يعطيك التاجر دراهم يقول: خذ هذه قيمة السيارة اشتريها ولكن هذه الدراهم مؤجلة عليك بأكثر، هذه حرام وما فيها إشكال، فرق بينها وبين الصورة الأولى إلا أن الصورة حيلة وهذه صريحة، والحيلة أشد إثماً من الصريحة، لأنه كما قال أيوب السختياني رحمه الله: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ولو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 17 حديث: (فإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) السائل: جاء في الحديث القدسي: (فإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) هل تفسر كما فسره النووي بأنها الرحمة أم تبقى على ظاهرها؟ الشيخ: هل سمع الصحابة هذا الحديث عن رسول الله؟ السائل: نعم. الشيخ: هل قالوا: يا رسول الله! ما المراد بالهرولة؟ وهل أنت تسير خلف الصحابة أو تتقدم بين أيديهم؟ السائل: أنا أسير خلف الصحابة. الشيخ: إذاً اسكت كما سكتوا، وكل شيء من صفات الله امش فيها على ما مشى عليه الصحابة رضي الله عنهم. السائل: في شرح رياض الصالحين لفضيلتكم ما ورد تعليق على كلام النووي بأنها الرحمة؟ الجواب هذا غلط وهذا من التحريف، وتفسيرها بالرحمة من تحريف الكلم عن مواضعه، أيعجز الله عز وجل أن يقول: من أتاني يمشي؛ رحمته؟! لا يعجز، قال: أتيته هرولة. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 18 حكم الملابس التي يمضي عليها أكثر من أربعة أشهر في المغسلة السؤال بالنسبة لسؤال الأخ عن المغاسل يا شيخ تقول: ينتظر عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً لكن بعض الملابس يمضي عليها أربعة أشهر وخمسة وستة، هل لصاحب المغسلة البيع أو الاستعمال؟ الجواب انظر بارك الله فيك إذا كان بينهما أجلٌ معين فمتى انتهى الأجل فهو في حل أن يتصدق بها أو يبيعها ويتصدق بثمنها. وأما إذا لم يكن بينهما أجل معين؛ فلا يجوز أن يبيعها بعد شهر أو شهرين بل لا يبيعها ولا يتصرف فيها إلا حيث أيس من صاحبها، فإذا أيس فهو في حل؛ لأنه لا يمكن أن يشغل مكانه بهذه الثياب أو هذه الفرش إلى ما لا نهاية له. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 19 حكم انتظار الجماعة الثانية إذا أدركت الإمام في الركعة الأخيرة بعد الركوع السؤال إذا دخل رجل المسجد والجماعة في الركعة الأخيرة وقد انتهت الصلاة في آخر الركعة فهل يدخل معهم أم ينتظر إلى أن تنتهي الصلاة وينتظر جماعة أخرى؟ الشيخ: أنت قلت في الركعة الأخيرة؟ السائل: بعد الركوع. الشيخ: إذاً نقول: إن كنت ترجو أن يحضر أحد فانتظر، أو كان معك أحد فانتظروا حتى يسلم الإمام ثم صلوا، وإذا كنت لا ترجو فادخل مع الإمام، لأن إدراك بعض الصلاة خير من عدمها. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 20 المقصود بالقتال قبل صلح الحديبية السؤال في الآية التي ذكرت كلمة القتال قبل صلح الحديبية ما المراد بها؟ الجواب أي: في بدر وفي أحد وفي غيرها من الغزوات. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 21 حال المؤمن بين الخوف والرجاء فيما عند الله السؤال عندما يسمع المؤمن ما أعد الله عز وجل للمؤمنين في الجنة تتطلع النفس إلى هذا الأمر، ولكن يا شيخ عندما يسمع وقوف الناس يوم القيامة بين يدي الله عز وجل ووقوف خمسين ألف سنة يتأخر في هذا الأمر ويتمنى ألا يلقى ذلك اليوم فكيف يجمع بين هذا وهذا؟ الجواب يجمع أن نقول له: هذا اليوم الطويل وما فيه من الأهوال هو على المؤمن يسير؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26] معناه أنه على المؤمنين يسير، هذا مفهوم الآية، كذلك قال الله تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] والمؤمنون يقولون: هذا يسير، فهو بالنسبة للمؤمن كأداء فريضة من فرائض الصلوات يسير جداً، أما على الكافر فهو عسير. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 22 حكم من لا يستطيع جذب الماء إلى أنفه في الوضوء السؤال يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً) وقد يحصل في الأنف لبعض الأشخاص أمراض حساسية أو غيره فلا يستطيع جذب الماء إلى الأنف فما العمل؟ الجواب ليس بلازم أن يستنشق، يعني: لو دخل الماء في يده حتى يدخل في المناخر كفى، الوصول إلى الخياشيم ليس بفرض، وأظن -إن شاء الله- أن هذا ليس فيه ضرر. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 23 الجمع بين قول الله تعالى: (إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله. ) وقوله: (ما أصابك من حسنة فمن الله) السؤال قول الله عز وجل: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء:78] ثم يقول في الآية التي بعدها: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79] فكيف الجمع بينهما بارك الله فيك؟ الجواب الجمع بينهما أن الآية الأولى تقديراً يعني من الله هو الذي قدرها، والآية الثانية سبباً يعني: أن ما أصابك من سيئة فأنت السبب، والذي قدر السيئة وقدر العقوبة عليه هو الله. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 24 حكم القسم بعين الله السؤال عندنا بعض العوام يقسم بعين الله هل هذا جائز؟ الجواب أعوذ بالله، أعوذ بالله، هذا حرام، ولا يحل، لأن الله تعالى لم يطلق عينه على ذاته، والحلف إنما يجوز بالله عز وجل، ولهذا نقول: يجوز أن يقسم بوجه الله؛ لأن الله أطلق الوجه على ذاته في قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:27] أما عين الله ويد الله فهذا لا يجوز. وسبحان الله العظيم فإن الشيطان يؤز الإنسان أزاً إلى المعاصي. ما بقي شيء يحلف به إلا عين الله؟!! الجزء: 215 ¦ الصفحة: 25 حكم ترك صلاة الجماعة لعدم وجود (الشماغ) السائل: إذا حضرت الصلاة ولم يكن عند الإنسان (شماغ) كأن يكون مغسولاً أو لم ينشف ومن عادة الناس أنهم يعيبون أن تحضر بلا شماغ فهل هذا عذر لترك صلاة الجماعة؟ الشيخ: هذا ليس بعذر، أولاً: أن هذه مسألة نادرة، يندر جداً أن يكون الإنسان ما عنده إلا (شماغ) واحد يغسله الآن ولم ينشف بعد. وثانياً: أنه يجوز أن يصلي وهو أصلع، وإذا قدر أن الناس يقولون: لماذا جاء هكذا؟ فإنه يصلي الصلاة الثانية ويأتي بالشماغ. السائل: فإذا كان ليس عنده ثوب هل يبقى عارياً في البيت؟ الشيخ: لا. لديه سروال وفنيلة. إذاً هذا ربما لا يستطيع أن يقابل الناس في المسجد العام بسروال وفنيلة يكون عذراً. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 26 حكم صلاة التسبيح السؤال هل ثبت في صلاة التسبيح حديث صحيح وما صفته؟ الجواب صلاة التسبيح لا أصل لها، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحديثها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: باطل، قال رحمه الله: ولم يستحبها أحدٌ من الأئمة، ويذكر أنها أول ما أثرت عن عبد الله بن المبارك رحمه الله وعبد الله بن المبارك ليس من الصحابة حتى نقول: إن ما قاله مما لا يدخله الاجتهاد يعتبر مرفوعاً، فالصواب أنها ليست بسنة، وأنه لا ينبغي للإنسان فعلها، ثم هي صلاة غريبة يفعلها الإنسان كل يوم، كل أسبوع، كل شهر، كل سنة، أو مرة في العمر، عبادة على هذا الوجه بعيدة أن تكون من الشارع الإسلامي، المهم أنها ليست بسنة فلا تفعلها. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 27 حكم من غرق وقد ذهب ليعصي الله السؤال إنسان ذهب إلى البحر ليعصي الله عز وجل في شرب خمر ثم سقط في البحر هل يعتبر شهيداً؟ الجواب ظاهر الحديث أنه شهيد لأنه غريق ومسلم، ولعله تاب قبل أن يشرب. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 28 ضابط تغيير المنكرات السائل: في حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً. الخ) هل الحديث على سبيل التخيير أم على سبيل الترتيب؟ وإذا كان على سبيل الترتيب، ما هو الضابط إلى الانتقال من مرحلة إلى مرحلة من الإنكار؟ الشيخ: اقرأ الحديث من أجل تعرف. السائل: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) . الشيخ: هل هذا ترتيب أو تخيير؟ السائل: ترتيب. الشيخ: إذاً هو على الترتيب. السائل: لأن البعض يظن أن الإحراج الذي قد يتسبب له من إنكار المنكر كأن ينكر على فتاة. الشيخ: لا، انظر بارك الله فيك إنكار المنكر غير تغييره، التغيير لا يكون إلا لسلطة، مثلاً أنا أقول للشخص: هذا غلط، حرام، منكر، لكن لا أقدر أن أغيره، معه مثلاً ربابة فأنا أنكر عليه، ولهذا لم يأت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقيداً بالاستطاعة لكن لا أستطيع أن أغيره، هل أقدر أن أكسرها؟ لا أقدر، فيجب ألا تختلط علينا الأمور، إنكار المنكر غير تغيير المنكر، ولذلك نقول في وقتنا الحاضر: لما كثرت الأهواء وكثر الجهل لا تغيير للمنكر باليد إلا من ذي سلطان. هذا الضابط، أنت ليس لك حق أن تغير المنكر باليد، وذلك لأننا في الوقت الحاضر لما غلب الهوى والجهل؛ قد يظن الظان أن هذا منكر وليس بمنكر، هناك أناس متشددون الآن، كل شيء عندهم منكر، كل شيء عندهم بدعة، لو أطلقنا العنان لهؤلاء ماذا يحصل من الفساد؟ يحصل من الفساد ما لا يعلم به إلا رب العباد. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 215 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [216] النفاق من أخطر الأمراض الفتاكة بأمة الإسلام، ولهذا كانت عقوبة المنافقين في الآخرة أشد من عقوبة الكفار، فهم في الدرك الأسفل من النار، فالمنافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ويفسدون في الأمة أكثر من إفساد الكفرة والمشركين، وقد ذكر الله في آيات سورة الحديد التي كان للشيخ وقفة معها ذكر محاورتهم للمؤمنين والمؤمنات وتمنيهم الاقتباس من نورهم، ولكن لا ينفعهم من ذلك شيء. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى (لقاء الباب المفتوح) والتي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر جمادى الثانية عام (1420هـ) أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذه اللقاءات لقاءات خيرة نافعة. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا) نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ به وهو الكلام بما ييسره الله عز وجل من آيات من كتاب الله، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] . يقول: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} أي: اذكر يوم يقول، فكلمة (يوم يقول) ظرف زمان ولابد لظرف الزمان والمكان والجار والمجرور من شيء تتعلق به، والعلماء يقدرون المحذوف في كل مكان بما يناسبه، فهنا المناسب أن يكون التقدير: اذكر أيها الإنسان يوم يقول المنافقون. الخ. هذا اليوم هو يوم القيامة، والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] ولم يظهر النفاق إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين بعد غزوة بدر، وكانت غزوة بدر في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً على الكفار، فلما بزغ فجر الإسلام وقويت الشوكة ظهر النفاق. النفاق هو أن الإنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وشاع ذلك في المسلمين، وقد كانوا يأتون إلى الصلاة مع الناس ويحضرون الجماعة لكنها كانت ثقيلة عليهم، وأثقل الصلوات على المنافقين هي صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنه ليس هناك أضواء يشاهدون فيها وهم إنما يصلون ويراءون الناس. في يوم القيامة يظهر نور للمؤمنين والمنافقين ثم ينطفئ نور المنافقين، وأنت تعلم أيها الإنسان أن انطفاء النور بعد وجوده يكون أشد ظلمة مما لو لم يكن هناك نور، ولهذا لو أنك أطفأت النور القوي ثم فتحت عينيك لم تر شيئاً إلا بعد برهة من الزمن، فيكون انطفاء النور بعد وجوده أشد عليهم مما لو لم يكن هناك نور، ثم تكون الحسرة أشد. فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] انظروا إلينا (نقتبس من نوركم) أي: نأخذ شيئاً قليلاً بقدر الحاجة {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:13] والقيل هذا إما من المؤمنين وإما من الملائكة، لا ندري الله أعلم {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] وهل هذا حقيقة أو تهكم بهم؟ يعني: هل هو حقيقة أنهم يريدون أن يذهبوا إلى مكان النور الذي انطفأ فيه النور لعله يتجدد النور؟ أو أن هذا من باب الاستهزاء بهم والسخرية، والآية محتملة هذا وهذا. ثم بعد ذلك {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} [الحديد:13] أي: بين المنافقين والمؤمنين {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد:13] هذا السور عظيم يمنع من القفز من وراءه (له باب) يدخل منه المؤمنون ويمنع منه المنافقون. {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} [الحديد:13] باطن هذا السور فيه الرحمة للمؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] للمنافقين، وأنت لا تستطيع أن تتصور هذا الحالة، لأن الحال أعظم من أن نتصورها، حال عظيمة. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ينادونهم ألم نكن معكم) قال تعالى: {يُنَادُونَهُمْ} [الحديد:14] المنادي من؟ المنافقون، والمنادى؟ المؤمنون {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [الحديد:14] أي: في الدنيا كنا معكم نصلي، ونتصدق، ونذكر الله {قَالُوا بَلَى} [الحديد:14] أي: أنتم معنا ولكن في الظاهر دون الباطن ولهذا قالوا: {بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد:14] أي: أظللتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} [الحديد:14] انتظرتم بنا الدوائر؛ لأن المنافقين يتربصون الدوائر للمؤمنين {وَارْتَبْتُمْ} [الحديد:14] شككتم في الأمر ليس عندكم إيمان {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد:14] أي: ظننتم أنكم محسنون، لأنهم يقولون: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [النساء:62] نوفق بين المؤمنين والكافرين، وبين الإيمان والكفر {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14] أي: فهم مع المؤمنين {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة:14] فهم مع الكفار، ظنوا بهذه المداهنة أنهم كسبوا المعركة {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} [الحديد:14] وذلك بموتهم. {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14] (الغرور) هو الشيطان، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى عنهم حين وسوس الشيطان إلى أبوينا قال الله عنه: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] إذاً فالغرور هو الشيطان. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية) قال تعالى: {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد:15] الله المستعان، الأسير في الدنيا يمكن أن يفدي نفسه ويبذل مالاً فيسلم، لكن في الآخرة لا توجد فدية {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد:15] أيها المنافقون. {وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحديد:15] الذين أعلنوا الكفر وصاروا أشجع من هؤلاء المنافقين، فلا فدية لا لهؤلاء ولا إلى هؤلاء. {مَأْوَاكُمُ النَّارُ} [الحديد:15] أي: مثواكم ومآلكم النار {هِيَ مَوْلاكُمْ} الذي تتولونه والتي تتولاكم، فهم يتولون النار بعمل أهلها، والنار تتولاهم لأنهم مستحقون لها {هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:15] أي: المرجع، وهذا تقبيحاً لها أعاذنا الله وإياكم منها ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن زحزح عن النار وأدخل الجنة، ومن الفائزين المتقين المفلحين. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 216 ¦ الصفحة: 6 حكم الصلاة على الغائب السؤال صلاة الغائب هل تشرع لا سيما إن ظن أنه صلي عليه في بلده؟ الجواب الصلاة على الغائب الصحيح أنها ليست بسنة إلا من لم يُصلَ عليه كرجل مات في البحر وغرق ولم يُصلَ عليه فحينئذٍ نصلي عليه، أما إذا صلي عليه في أي مكان فإنه لا يصلى عليه صلاة غائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصلِ على الغائب إلا على رجل واحد لم يُصلَ عليه وهو النجاشي، ولو كانت الصلاة على الغائب مشروعة لكان أول من يسنها للأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كذلك الصحابة رضي الله عنهم ما أثر عنهم أنهم صلوا على الغائب، يموت القواد، ويموت الخلفاء، ويموت الأمراء ولم يُصلَ عليهم، وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد وفق للصواب، لكن إذا أمر به ولي الأمر صار طاعة، أي: صارت الصلاة على الغائب طاعة؛ لأنها من طاعة ولي الأمر الذي أمرنا بها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ولقد ضل قومٌ بلغنا أنه لما أمر ولي الأمر بالصلاة على الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تخلفوا ولم يصلوا وهذا من جهلهم، لأننا نصلي على الغائب بأمر ولي الأمر طاعة لله عز وجل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] فإذا قال هذا: أنا أرى أنها بدعة هل إذا أمر ولي الأمر ببدعة نوافق؟ نقول: لا، هذه ليست بدعة لأنها مسألة خلافية بين العلماء، ومسائل الخلاف الفقهي لا يقال: إنها بدعة، لو قلنا: إنها بدعة لكان كل الفقهاء مبتدعون، يعني كل شخص يقول للآخر إذا كان على خلاف رأيه: أنت مبتدع، وهذا لم يقله أحد من العلماء، لذلك نقول: إن اجتهاد هؤلاء الإخوة في غير محله. على كل حال: الصحيح أن الصلاة على الغائب ليست بسنة، لكن إذا أمر بها ولي الأمر فهي طاعة لله عز وجل؛ لأنه أمر بها. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 7 حكم العقيقة لمن لم يعق عن أولاده السؤال رجل له عشر بنات ولم يعق عنهن وهن الآن متزوجات فماذا على والدهن؟ وما حكم العقيقة؟ وهل صحيح أن المولود لا يشفع لوالديه إذا لم يعق عنه؟ الجواب العقيقة سنة مؤكدة للذكر اثنتان وللأنثى واحدة، وإذا اقتصر على واحدة للذكر فلا حرج، وهي سنة في حق الأب، فإذا جاء وقت العقيقة وهو فقير فليس عليه شيء، لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وإذا كان غنياً فهي باقية على الأب وليس على الأم ولا على الأولاد شيء منها. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 8 ضابط التشبه المحرم بالكفار السؤال ما هو الضابط للتشبه المحرم بالكفار؟ الجواب ضابط التشبه بالكفار أن يفعل الإنسان شيئاً يختص بهم، من لباس أو هيئة أو غير ذلك، أما ما هو مشترك بين المسلمين والكفار فليس بتشبه. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 9 التوفيق بين قيام الليل وعمل النهار السؤال كيف يوفق المسلم بين قيام الليل وعمل النهار حيث أن النوم يغلب عليه في النهار إذا كان يطيل القيام في الليل؟ الجواب إذا كان يشق عليه أن يقوم كثيراً في الليل ويعمل في النهار يوفق بينهما بأن يقلل من التهجد، وإذا كان يشتغل بأمور شرعية فليوتر أول الليل وينام إلى الصباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام؛ لأنه رضي الله عنه كان متفرغاً لحفظ الحديث في أول الليل فينام متأخراً ولا يقوم إلا إذا طلع الفجر. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 10 مضاعفة صلاة الجنازة في الحرم المكي السؤال هل صلاة الجنازة في الحرم المكي تضاعف مثل بقية الصلوات في أجر القيراط؟ الجواب هذا فيه خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: الذي يضاعف في المسجد الحرام هو الصلوات الخمس فقط وغيرها لا يضاعف، والذي يظهر من الحديث العموم، وتكون الصلاة على الجنازة داخلة في العموم تضاعف في المسجد الحرام والله أعلم. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 11 وجوب الإيفاء بعقود النكاح السائل: هل والد الزوجة إذا اشترط على الزوج عمل البنت وبعد الدخول بها الشيخ: ما معنى عمل البنت؟ الشائل: عمل الزوجة. الشيخ: أي تشتغل. السائل: أن تشتغل يعني هي موظفة، فهل يجب على الزوج إن وجد هناك مفسدة الوفاء بالشرط؟ الشيخ: إذا اشترط والد الزوجة على الزوج عند العقد أن يبقي الزوجة تعمل؛ وجب عليه أن يوفي بالشرط؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصل العقد وبشروطه، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34] لكن لو اتفق الزوج والزوجة على أن تترك العمل وتشتغل في بيت زوجها وأولادها فليس للأب عليهما سبيل. فالحق الآن للزوجة إذا رضيت أن تدع العمل فليس للأب سبيل عليها، ولا يجبرها أن تعمل. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 12 حكم عصيان الوالد إذا كان يمنع ولده من طلب العلم السؤال رجل يريد طلب العلم، لكن والده يقول: اجلس عندي ولا يحثه على طلب العلم، فإذا أراد أن يذهب لزيارة أحد العلماء أو لطلب العلم قال: سوف أراجع لي معاملة في الدوائر الحكومية في الرياض أو كذا، لأن أهون عنده، فإذا ذهبت في طلب الدنيا فليس هناك إحراج، فقط لو قلت: أذهب للدعوة أو لطلب العلم لا يرضى بذلك؟ الجواب بارك الله فيك، الوالد دنيوي حسب كلامك، تقول: إذا استأذنته إلى عمل الدنيا مباشرة يأذن لك، وفي عمل الآخرة يقول: لا أو يتثاقل!! أولاً: أنصح هذا الأب بأن أقول له: اتق الله لا تمنع ابنك من طلب العلم الشرعي، أو من أمر فيه مصلحة له شرعاً؛ فإنك تكون من الناهين عن المعروف، كحال المنافقين. ونقول للابن: لك أن تعصي والدك وتذهب إلى طلب العلم وتزوره أحياناً اللهم إلا أن يكون هناك ضرورة لا بد من بقائك عنده فهنا -بر الوالدين- مقدم. فمثلاً: لو كان أبوك مريضاً وليس عنده أحد يمرضه، فهذه ضرورة تبقى ودوام الحال من المحال ولا بد أن تنتهي هذه الضرورة. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 13 حكم بيع السيارة المستعملة بسيارة جديدة مع فارق في القيمة السؤال ما حكم بيع السيارة بالسيارة كأن يكون عندي سيارة مستعملة ثم أريد أن أشتري سيارة جديدة فأعطي صاحب السيارة المستعملة هذه وأدفع معها فارق قيمة؟ الجواب نعم، لأن السيارات ليس فيها ربا. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 14 حكم الاستماع إلى أناشيد البنات السائل: يوجد في السوق أناشيد تسمى أناشيد إسلامية للأطفال ينشدها بنات أعمارهن فوق الاثنتي عشر، والثلاث عشرة تتداول في السوق بين الشباب، عندنا مثلاً نشيد اسمه الأم هذا خاصة النشيد تقريباً عمر الفتاة تقريباً خمس عشرة سنة متداول. الشيخ: لكن هل هي مصورة وإلا فقط أصوات؟ السائل: الصوت فقط. هل ذلك يدخل في الوعيد فيمن استمع القانية؟ الشيخ: هذا يخشى منه الفتنة؛ لأنها إذا كانت كبيرة سيكون صوتها جذاباً فتمنع لهذا، وينصح صاحب التسجيل الذي يبيع هذه الأشرطة، ويقال: إن ما دخل عليك من أجل هذا سحت وحرام عليك، فإن انتهى فهذا المطلوب وإن لم ينته يرفع للسلطات. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 15 وجوب العدل بين الزوجات السؤال رجل متزوج اثنتين الأولى أرجعها بلادها وتركها وما وراءها من ستة عشر سنة فهل له أن يطلقها أو يتركها على ذمته؟ الجواب أولاً: أقول لهذا الزوج: لا يحل له أن يجور في القسم بين الزوجات، يجب أن يعدل بينهن؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) فإن كانت هي التي نشزت، يعني هي التي تقول: أذهب إلى أهلي ولا أبقى عندك، فليس لها حق على زوجها وهي آثمة ويجب عليها أن ترجع إلى زوجها. فصار الحكم إن كان الزوج يجور بينها وبين ضرتها الجديدة؛ فهو آثم ولها حق أن تبتعد عنه، وإن كان قائماً بالواجب؛ فليس لها الحق أن تبتعد عنه وعليها أن ترجع إلى بيتها. السائل: لكن هل له أن يطلقها؟ الشيخ: إذا شاء طلقها فلا بأس له أن يطلقها. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 16 حكم بناء عمارة من قرض ربوي السؤال الوالد رجل عامي كان عنده أرض وكان يبنيها بالليل عنده رصيد بناء، وعند قدوم التدوين قام ببيع البيت بدون فلوس على الورق فقط لابنة زوجته التي هي ابنته في الجنسية، وذلك لكي يستفيد من البيت الحكومي حيث أنه لا يجوز أن يكون هناك بيت حكومي وتدوين -والكلام هذا في دولة الكويت - وعندما تم تدوين البيت أخذ الفلوس واشترى أرضاً، والباقي من الفلوس زاد عليها قرضاً من البنك ربوياً وقام ببناء عمارة وهي الآن تدر دخلاً وهذا الكلام منذ عشر سنوات فما هو الحكم وكيف الحل جزاك الله خيراً؟ الشيخ: هذا رأيي فيه أن الرجل يأتي إلي وأتفاهم أنا وإياه ثم ينظر الجواب. السائل: يا شيخ هو رجل عامي. الشيخ: ما ينفع دع العامي يجيء وننظر في الموضوع. السائل: هو مثل ما قلت لك يا شيخ. الشيخ: ليس هناك فتوى إلا له، يجيء السائل: هو ليس مهتماً بالموضوع أنا المهتم وأنا ابنه. الشيخ: إذا لم يهتم فإن كان هناك إثم فالإثم عليه السائل: وهل يحق لي أن آخذ فلوساً هو يعطيني إياها؟ الشيخ: إذا كانت هذه الفلوس من قيمة الأرض التي باعها لا تأخذ منها حتى يفتى. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 17 حكم استخدام الجن واستدعائهم لأعمال خفية السؤال هناك عمل يفعله بعض الشباب وصغار السن وهو أن يأتي أربعة أشخاص في مكان لا يذكر فيه اسم الله ويجلسون أحد الطلاب بينهم، أو يكون نائماً وهم واقفون ثم يقولون كلاماً نصه: بالمغسلة غسلوه، وبالمقبرة أدخلوه، ومن المقبرة أخرجوه يا الله يا شياطين، ويغطون وجهه ثم يحملونه جميعاً فيرتفع عالياً بخفة، فإذا تحدث أحدهم بكلام فيه ذكر الله؛ وقع ذلك المحمول وهذه الطريقة تفعل في بعض المدارس وقت الفسح أو في أماكن مظلمة فما رأيكم في هذا الفعل؟ وما هو توجيهكم لمن يفعل ذلك؟ الجواب أنا رأيي أن هذا منكر عظيم؛ لأنهم يدعون الشياطين، والواجب أن يرفع هذا إلى ولي الأمر أو إلى وزارة الداخلية أو من فوقها حتى يؤدبوا هؤلاء، لا بد أن ترفع الأمر فقط تأكد من الموضوع وخذ إثباتات حتى لا ينكروا؛ لأن هؤلاء يدعون الشياطين دعاء واضحاً ويؤدون إلى الخطر والموت. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 18 ضابط التيمم السؤال يخرج بعض الشباب للبر ويكون هذا البر غير بعيد لا يتجاوز عشرة كيلو مترات، فتحين وقت الصلاة فيتيممون ثم يصلون، فهل فعلهم هذا جائز وما الضابط في جواز التيمم؟ الجواب الضابط ألا يكون هناك ماء، وأن يكون طالب الماء يشق عليه، وفي ظني أن عشرة كيلو مترات لا يشق لا من جهة أن يذهبوا ويتوضئوا، ولا من جهة أن يحملوا معهم ماء في برميل أو في تنك صغير يتوضئون به. السائل: إذاً يلزمهم أن يرجعوا يا شيخ؟ الشيخ: يلزمهم أن يذهبوا يتوضئون للعشرة كيلو وهي بالنسبة للسيارة عشر دقائق. السائل: عشرة كيلو أو أكثر يا شيخ الشيخ: المهم إذا كان الماء قريباً لا بد أن يتوضئوا بالماء، فإما أن يحملوه وإما أن يذهبوا إليه. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 19 من عمل عملاً مباحاً هل يثاب عليه؟ السؤال المباح إذا لم ينو الإنسان فيه الأجر يعني مستنداً في ذلك إلى حديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة) ولم يشترط فيه الرسول صلى الله عليه وسلم امتثال الأمر فهل يثاب عليه الإنسان؟ الجواب أشار إلى هذا لما قيل: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: وإذا وضعها في الحلال كان له أجر) وهذا إيماء من الرسول إلى أنه يفعل هذا الشيء أي: يجامع زوجته استغناءً بالحلال عن الحرام، وهذه نية طيبة لا شك، وما على الإنسان من ضرر إذا نوى هذا، أو نوى التمتع بما أحل الله له، حتى نية التمتع بما أحل الله لك نية طيبة تؤجر عليها. السائل: والمباح عامة لا يقاس عليه. الشيخ: لا أبداً المباح عامة لا يقاس منه إلا إذا تولد منه منفعة للغير أجر عليه. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 20 حكم الوفاء بالنذر لمن كان عاجزا ً السؤال عندي والدتي كبيرة في السن حصل لها حادث قبل سنة، وبعد ذلك نذرت وقالت: أنذر لله نذراً إن شفاني الله لأصوم شهراً كاملاً والآن هي مريضة وكبيرة في السن وفيها سكر وضغط هل تصوم الشهر أم تتصدق عنه؟ الشيخ: لا تتصدق عنه، لا بد أن تصوم ويقال لها: أنت التي نفسك، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النذر حتى أن بعض العلماء قال: النذر حرام، نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) وقال: (إنه لا يرد قضاءً) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بخير ولا يرد قضاء. السائل: هل الله عز وجل لا يشفيك إلا بشرط؟ الشيخ: لا، الله يشفي بغير شرط. الشيخ: إذاً لماذا تشرط؟ السائل: شرطت وقالت: إن شفاني الله أصوم شهراً كاملاً. الشيخ: أقول: هذا غلط منها، الله سيشفيها إن قدر لها الشفاء سواء نذرت أو لم تنذر، أولاً: انهها عن النذر، وانه غيرها عن النذر والذي كتبه الله سيأتي، وهي يلزمها أن تصوم شهراً الآن، بيننا وبين رمضان شهرين تبدأ إن شاء الله من أول رجب، والنهار صار قصيراً الآن والبرد الآن أقبل إلينا، وتستعين بالله وتصوم. السائل: لكنها كبيرة الشيخ: هل هي تصوم رمضان؟ السائل: نعم تصوم رمضان. الشيخ: إذاً هذا مثله نذر، لابد أن تصوم، إن شاءت صامت في رجب، وإن شاءت صامت في شعبان، وإن شاءت من النصف من رجب إلى النصف من شعبان. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 21 حكم من لا يحكم بشرع الله بل يحكم بحكم أجداده ويقول: إن حكم الله هو الحكم الصحيح السؤال الحاكم المسلم الذي لا يحكم بشرع الله عز وجل ولكن يقول: حكم الله هو الحكم الصحيح، ويقول: أنا أحكم بحكم أجدادي حيث أن كثيراً من طلبة العلم في الكويت اختلفوا على هذه المسألة أنه ولي أمر أو ليس ولي أمر، ومن تنصحنا من طلبة العلم أخذ العلم عنه أو الفتوى جزاك الله خيراً يا شيخ؟ الجواب هذه مسألة شائكة لا نقول فيها بشيء، ونقول: إن الواجب على كل مسلم إذا بان له حكم الله ورسوله أن يتبع حكم الله ورسوله، وألا يعدل به شيئاً، وأن يعلم أنه لا يصلح الخلق إلا رب الخلق عز وجل، فلا يصلح الخلق إلا شريعة الله، والقوانين مهما كانت إذا خالفت الشريعة فلا خير فيها، ومهما ظن فيها الإنسان من الصلاح فليس فيها صلاح، لو لم يكن فيها إلا مخالفة أمر الله ورسوله لكان كافياً في الفساد، فعلى جميع ولاة الأمور من المسلمين أن يتقوا الله عز وجل فيما ولاهم الله عليه، وألا يحكموا إلا بشريعة الله، وما وافق الشريعة من الأنظمة فهو مقبول، لا لأنه نظام فلان وفلان، ولكن لأنه شريعة الله عز وجل. وأما قول: أنا لا أنصاع للشرع تبعاً لأجدادي وآبائي؟ فنقول: هذا كقول الكفار: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] فعليه أن يتقي الله. أما بالنسبة لمن أشير عليكم فأنا لا أعرف جميع العلماء في بلادكم، ولكن هناك أناس كانوا عندنا يأخذون العلم فيهم خير وإذا سألت عنهم ستعرفهم إن شاء الله. - من هم يا شيخ؟ - تعرفهم إذا سألت عنهم. - نسأل عنهم في الكويت. - اسأل في الكويت. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 22 حكم من ترك ركناً أو واجباً في الصلاة السؤال ما الحكم إذا سها المأموم في ركن مثل التشهد الأخير، أو واجب مثل التسبيح أو قول: رب اغفر لي أو من هذه الأشياء وقد أدرك الإمام من أول ركعة هذا ما نقول عليه؟ الجواب إذا سها في ترك واجب وهو أدرك الإمام من أول الصلاة؛ فهذا يتحمل عنه الإمام سجود السهو وليس عليه شيء، وأما إذا ترك ركناً فلا بد أن يأتي بالركن، فإذا أتى بالركن فإنه يسجد السهو بعد السلام؛ لأنه لن يأتي بالركن إلا بعد سلام الإمام، التشهد الأخير مثلاً نسيه وقام هو يجلس حتى سلم الإمام، نقول: لا بد أن تقرأه الآن أولاً قراءة تامة ثم تسلم؛ لأنه هنا ما خالف الإمام إنما تأخر بعده فقط وليس عليه سجود السهو. السائل: سلم مع الإمام؟ الشيخ: سلم مع الإمام وترك التشهد الأخير فقط؟ السائل: نعم. الشيخ: قرأ التشهد أو ما قرأه؟ السائل: ما قرأ التشهد. يقوم ركعة كاملة؟ الشيخ: لا، يقرأ التشهد فقط. السائل: سلم مع الإمام. الشيخ: إذا سلم يعود للصلاة ويتشهد ويسلم. السائل: وإن لم يسجد سجود السهو؟ الشيخ: قلت لك: إذا كان لم يفته شيء فليس عليه سجود سهو. السائل: وإذا تعمد ترك واجب مثلاً ولم يسجد سجود السهو. الشيخ: إذا تعمد ترك الواجب بطلت صلاته وعليه أن يعيدها من جديد. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 23 حكم التوسل بالأنبياء والصالحين وما وجه الخلاف في ذلك السؤال في الأسبوع الماضي نشرت إحدى المجلات الإسلامية مقالاً لأحد كتابها جاء فيه تحت عنوان قضية التوسل قالوا: أما قضية التوسل بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأنبياء والملائكة والصالحين من عباد الله فقد ذكر الأستاذ البنا أن هذا من الأمور الخلافية بين الأئمة وأنه خلاف في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة، وليس الإمام البنا هو أول من قال بذلك، بل قال به محمد بن عبد الوهاب نفسه كما نقل في مجموع فتاويه، حيث قال في المسألة العاشرة قوله في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي خاصة مع قولهم: إنه لا يستغاث بمخلوق. فالفرق ظاهر جداً وليس الكلام مما نحن فيه، فكون بعضٍ يرخص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا هو قول الجمهور: إنه مكروه فلا ننكر على من فعله، فقد تضمن كلام الشيخ أن التوسل بالصالحين أو بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو موضع خلاف بين العلماء وأن الصواب هو قول الجمهور أنه مكروه، وأن هذه المسألة من مسائل الفقه، وهذا أيضاً أقره البنا فلا وجه للإنكار عليه، ولأن موضوع التوسل فقهي لا عقدي تكلمت عنه جميع كتب المذاهب الفقهية على اختلاف أحكامها فيه، ودخل في الموسوعة الفقهية باعتباره من المسائل الفروعية العملية التي تدخل في إطار البحث الفقهي. وهناك كثيرون من المستقلين عن المذاهب قالوا بإجازة التوسل، منهم: الإمام الشوكاني وهو سلفي معروف في كتابه تحفة الذاكرين شرح الحصن الحصين، وهناك غيره من القدامى والمحدثين، ومنهم من أجاز التوسل بالنبي وحده ولم يجز التوسل بغيره من الأنبياء والصالحين كما هو رأي الإمام العز بن عبد السلام. والخلاف في المسألة ظاهر يمكنك أن تراجعه في بحث التوسل في الموسوعة الفقهية الكويتية في الجزء الرابع عشر، وبهذا يتضح لنا سلامة ما قاله الشيخ البنا وأنا شخصياً أميل إلى ترجيح عدم التوسل بذات النبي والصالحين وأتبنى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك. ما رأيك يا شيخ؟ الجواب التوسل بالصالحين الذي ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره من الفقهاء ظاهره التوسل بذواتهم والتوسل بدعائهم وهذا ظاهر غير مراد، مرادهم التوسل بالصالحين -أي: بدعائهم- كما فعل عمر رضي الله عنه حين قال: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قم يا عباس فادعو الله] ولو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جائزاً هل يمكن أن يعدل عمر ومعه الصحابة عن التوسل بالرسول إلى التوسل بـ العباس؟ لا يمكن أبداً. ثم التوسل بذواتهم وبجاههم ما فائدته؟ ليس سبباً لإجابة الدعاء، التوسل أصله التوصل، أي: أن نتخذ من هذا الذي توسلنا به ما يوصلنا إلى مقصودنا، وذات النبي أو جاهه ليس لنا فيه منفعة، فكل ما ورد من كلام العلماء المعروفين بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمرادهم التوسل بالإيمان به أو التوسل بدعائه إن كان حياً، وكذلك التوسل بالصالحين يعني: التوسل بدعائهم، هذا هو الصحيح. وسبحان الله! كيف يصر بعض الناس على أن يقول: هذا جائز ويورد عليه هذه المشتبهات وعنده توسل جائز ما فيه إشكال ويعدل عنه، لولا أنها فتنة، لماذا لا يقول: ربنا إننا آمنا فاغفر لنا كما يقول المؤمنون، لكن بعض الناس مغرم بإثارة المسائل الخلافية. أما هل هو عقيدة أو حكم فرعي؟ فهذه المسألة الخلاف فيها لفظي. المهم أنه هل يجوز أم لا يجوز؟ والذي نرى أنه لا يجوز أن نتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذاته أو بجاهه، وإنما نتوسل بالإيمان به واتباعه. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 24 حكم الكي وهل ينافي التوحيد؟ السؤال ذكر الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشية كتاب التوحيد من ترك الكي والاسترقاء قاصداً التوكل فهو محقق للتوحيد، ومن تركه تجلداً أو تصبراً لم يكن في التوحيد من شيء فضلاً أن يكون في تحقيقه فما قصد الشيخ في ذلك يا شيخ؟ الجواب بارك الله فيك يجب أن تعلم أن ترك المعاصي خير على كل حال، لكن هل يكون الإنسان مدركاً لما يترتب عليه من الفضل، هذا لا يمكن إلا إذا نوى ذلك لله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث القدسي أن من هم بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة، قال في الحديث: (لأنه إنما تركها من جرائي) أي: من أجلي، فترك المعاصي خير على كل حال، لكن لا يثاب عليها إلا إذا تركها لله، وبهذه المناسبة أقول: تارك المعاصي أقسام: القسم الأول: ألا ترد على باله إطلاقاً كرجل لم يخطر بباله أن يشرب الخمر ولا أن يزني مثلاً هذا لا له ولا عليه. القسم الثاني: من تركها عجزاً عنها مع فعل الأسباب لكنه عجز، كرجل حاول أن يزني بامرأة، ولكن عجز أن يتوصل إليها، هذا يكتب له إثم الفاعل، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فجعله في النار مع أنه مقتول، لكنه حريص ولكنه عجز. القسم الثالث: أن يتركها لأنه نوى لكنه لم يفعل الأسباب، نوى أن يفعل السيئة ولكن تركها لا لله ولا لعجزه عنها، هذا أيضاً لا يثاب ولا يعاقب. السائل: الكي بالنار هل هو حرام؟ الشيخ: لا ليس بحرام، الكي بالنار ليس حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفسه كوى سعد بن معاذ رضي الله عنه في أكحله، وأخبر أنه إذا كان الشفاء في شيء ففي ثلاث وذكر منها الكي، لكن الذي يطلب أن يكوى هذا هو الذي يخرج من قوله: (ولا يكتوون) . وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى. الجزء: 216 ¦ الصفحة: 25 لقاء الباب المفتوح [217] تحدث الشيخ عن تفسير آيات من سورة الحديد والتي احتوت على عدة أمور، منها: المبادرة إلى خشوع القلب والتذلل والانقياد لذكر الله بالقلب واللسان والجوارح، وأن لا يكونوا مثل أهل الكتاب الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم لبعدهم عن زمن الرسالات، وبالإضافة إلى ذلك الأمر بالمسابقة والمسارعة إلى فعل الطاعات التي هي من أسباب المغفرة الموصلة إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمؤمنين بالله ورسله. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس وهذا الخميس هو الخامس من شهر رجب عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما اعتدنا أن نبتدئ اللقاءات به وهو الكلام اليسير في تفسير القرآن الكريم. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم) قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] أي: ألم يحق لهؤلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تذل وتنقاد غاية الانقياد لذكر الله تعالى في القلوب واللسان والجوارح. {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} أي: القرآن الكريم وهو من ذكر الله لكنه ذكره بخصوصه لأهميته. {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] (الذين أوتوا الكتاب من قبل) هم اليهود والنصارى {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} أي: طال بهم الزمن ونسوا حظاً مما ذكروا به {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} والعياذ بالله {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وبعضهم مستقيمون. ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تبارك وتعالى أنه قد حق للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ولكتاب الله، وأن لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم؛ لبعدهم عن زمن الرسالات، وفي هذا إشارة إلى أن أول الأمة خيرٌ من آخرها، وأخشع قلوباً؛ وذلك لقربهم من عهد الرسالة، وقد صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) . وفي هذا التنديد التام باليهود والنصارى؛ لأنهم قست قلوبهم لما طال عليهم الأمد، وفيه العدالة التامة في حكم الله عز وجل، حيث قال: {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] ، ولم يعمم، وهذا هو الواجب على من تحدث عن قومه أن يبين الواقع، لأن بعض الناس إذا رأى من قوم زيغاً في بعضهم، عمم الحكم على الجميع والواجب العدل، إن كان الأكثر هم الفاسقون قال: أكثرهم، وإن كان كثير منهم فاسقون دون الأكثر عبر بكثير، على حسب ما يقتضيه الحال، لأن الواجب أن يقول الإنسان بالعدل ولو على نفسه أو الوالدين والأقربين. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) ثم قال عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21] أمر بالمسابقة، وقد جاء الأمر في آية أخرى بالمسارعة فيجمع الإنسان بين المسابقة: وهي شدة العدو في حال السير، وبين المسارعة: وهي المبادرة إلى فعل الخير. {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وذلك بفعل أسباب المغفرة. ومن أسباب المغفرة: أن تسأل الله المغفرة، فتقول: اللهم اغفر لي، أو تقول: أستغفر الله وأتوب إليه. ومن أسباب المغفرة: فعل ما تكون به المغفرة، كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنب) وكقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في (من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) . وكقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) والأمثلة على هذا كثيرة، المهم أن المسابقة إلى المغفرة أي: ما تحصل به المغفرة من طلب المغفرة مباشرة، كقولك: اللهم اغفر لي، أو فعل ما تحصل به المغفرة، مثل: صيام رمضان إيماناً واحتساباً، والصدقة أيضاً تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (وجنة) قال تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا} [الحديد:21] الجنة: هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها فاكهة ونخل رمان وفرش وعسل ولبن وغير ذلك، لكن هل تظن أن ما فيها يشابه ما في الدنيا؟ الجواب لا، لا تظن هذا، لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، فهناك فاكهة اسمها الرمان لكنها تختلف عن رمان الدنيا، وهناك فرش لكنها تختلف عن فرش الدنيا، وهلم جراً. فانتبه لهذا ولا تظن أن ما ذكر في الجنة من الأسماء توافق مسمياته ما في الدنيا، فهذا لا يمكن لما سمعت من الآية: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وفي الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . الجزء: 217 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (عرضها كعرض السماء والأرض) قال تعالى: {كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] وفي سورة آل عمران: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [آل عمران:133] ولا منافاة؛ لأن الأول عرضها كعرض السماء تشبيه، والثاني: عرضها السماوات والأرض أيضاً تشبيه؛ لكن يسميه أهل البلاغة تشبيهاً بليغاً. {كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} من يستطيع أن يقدر عرض السماء والأرض؟ لا أحد يستطيع، السماوات بسعتها، فالسماء الدنيا واسعة جداً، كم بينها وبين الأرض من المسافة؟ وهي محيطة بها، والسماء الثانية فوقها وهي أوسع منها، والثالثة أوسع وهلم جراً، إلى أن تصل إلى الكرسي، والكرسي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما السماوات السبع، والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض) حلقة المغفر ليست هي حلقة الباب الكبيرة، إنما هي حلقة المغفر، وهي صغيرة، أقصد حلقة الدرع صغيرة جداً، ألقها في فلاة من الأرض ماذا تكون بالنسبة للفلاة؟ لا شيء. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة) فمن يستطيع أن يدرك عرض السماوات والأرض؟ لا أحد يستطيع، الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، ولذلك كان أقل أهل الجنة منزلة: من ينظر إلى ملكه مسافة ألفين سنة، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، وإنما ذكر الله تعالى أن عرضها عرض السماوات والأرض؛ من أجل أن نحرص على ملء هذه الأرض -أرض الجنة- وفي الحديث أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فاحرص يا أخي على أن تملأ ما تستحقه من هذه الجنة بذكر الله، وتلاوة كتابه، وغير ذلك مما يقرب إلى الله. لمن هذه الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض؟ الجزء: 217 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (أعدت للذين آمنوا بالله ورسله) قال الله عز وجل: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد:21] أعدت من أعدها؟ أعدها الله عز وجل، كما قال عز وجل: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة:89] ومعنى الإعداد: التهيئة للشيء. {لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} آمنوا بالله وكل ما أوجب الله الإيمان به، فالإيمان إذاً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وقوله: {وَرُسُلِهِ} يشمل جميع الرسل الذين أولهم نوح وآخرهم محمد، لكن إيماننا بالرسل يختلف عن إيماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام، فإيماننا بالرسل أن نؤمن بأنهم صادقون، ومبلغون عن الله، ونؤمن بكل ما صح من أخبارهم، أما اتباعهم فلا، فالاتباع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقط، فهم يشتركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نؤمن بأنهم صادقون، وأن كل ما أخبروا به صدق، وأن كل ما جاءوا به فهو عدل، ومناسب لأحوال أممهم في وقتهم، أما الاتباع فلا نتبع إلا واحداً منهم، وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقوله: {آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} يدل على أن أهل الكتاب اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة؛ لأنهم لم يؤمنوا برسل الله، والدليل: أنهم كفروا بمحمد عليه الصلاة والسلام، والكافر برسول من الرسل كافر بالجميع، كيف وقد جاء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنسخ جميع الشرائع السابقة، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] هل سبق نوحاً أحد من الرسل؟ كيف يقول: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] الجواب؟ لأن من كذب رسولاً من الرسل فقد كذب جميع الرسل، فكيف بمن كذب محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي نسخت شريعته جميع الشرائع، والذي قال الله فيه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران:81] أخذ الميثاق من النبيين كلهم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران:81] من هذا الرسول؟ إنه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الرسل كلهم لابد أن يؤمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا في ليلة الإسراء من كان الإمام؟ كان إمامهم في صلاتهم هو محمد صلى الله عليه وسلم. إذاً اليهود والنصارى ليسوا من أهل الجنة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنهم لم يؤمنوا برسله؛ كفروا بمحمد، بل كفروا برسلهم أيضاً؛ لقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105] . ولأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، بشرهم بمحمد، قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] فلما جاءهم هذا الرسول الذي بشر به عيسى قالوا: هذا سحر مبين وكفروا به. إذاً هم كفروا بعيسى وردوا بشارته، وأنكروها، ولا يجوز لنا أبداً أن نقول: إن أديان اليهود والنصارى اليوم أديان صحيحة أبداً، بل هي أديان باطلة غير مقبولة عند الله، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] . الجزء: 217 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) قال الله عز وجل: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الحديد:21] (ذلك) -أي: ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين بالله ورسله- (فضل الله) في أنهم آمنوا بالله، آمنوا برسله، اتبعوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أثيبوا بهذه الجنات {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} اللهم آتنا من فضلك. قوله: (يؤتيه من يشاء) هل تظنون أن هذه المشيئة مجرد مشيئة؟ لا. هي مشيئة مقترنة بالحكمة، يعني: من كان أهلاً للفضل آتاه الله الفضل، ومن لم يكن أهلاً له لم يؤته، والدليل قول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فلم يجعل رسالته إلا فيمن هو أهل له، وقال الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وقال عز وجل: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة:49] لا تظن أن الله يعطي الفضل من شاء دون سبب، بل لا بد من سبب، فمتى علم الله في قلب الإنسان خيراً -اللهم اجعل قلوبنا ممتلئة بالخير- آتاه الله الخير، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال:70] أصلح قلبك فيما بينك وبين الله تجد الخير كله. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (والله ذو الفضل العظيم) قال تعالى: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] أي: صاحب الفضل العظيم عز وجل، فلا أحد أعظم منة من الله تعالى، فإنه أوجدك من العدم، وأعدك وأمدك بالنعم، ويسر لك الهدى، وهداك له، هل هناك أحد أعظم من الله؟ لا أحد، ولهذا قال الله عز وجل: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات:17] ولما جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار في غزوة حنين حين قسم الغنائم بين المؤلفة قلوبهم كان يقرر عليهم ويقول لهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ألم أجدكم متفرقين فألفكم الله بي؟ قالوا: الله ورسوله أمن) كلما قال قولاً قالوا: الله ورسوله أمن. يعني أعظم منا. فالحاصل أن الله تعالى ذو الفضل العظيم، ولكنه يعطي فضله من هو مستحق له، كما قال عز وجل: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3] اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم أن تهدي قلوبنا، وتصلح أعمالنا، وتختم لنا بخير إنك على كل شيء قدير. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 217 ¦ الصفحة: 10 حكم تخصيص العمرة في شهر رجب السؤال ما حكم تخصيص العمرة في شهر رجب؟ وهل البدع أكبر الكبائر؟ الجواب هذان سؤالان جعلا في غلاف واحد، وهو من ذكاء هذا السائل؛ لأننا في هذا المقام لا نقبل إلا سؤالاً واحداً أيهما أحب إليك الأول أم الثاني؟ السائل: الأول. الشيخ: رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم، فهل تعرفها؟ السائل: ذو القعدة ذو الحجة محرم رجب. الشيخ: هذه أربعة أشهر حرم ورجب منها بلا شك، والله حرم القتال فيها، أما الثلاثة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، فلأنها أشهر الحج، القعدة للقادمين إلى مكة، والحجة للذين في مكة، ومحرم للراجعين من مكة، جعل الله هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال، حتى يأمن الناس الذين يأتون إلى الحج، وشهر رجب كان أهل الجاهلية يعظمونه ويعتمرون فيه فجعله الله محرماً، واختلف السلف رحمهم الله: هل العمرة فيه سنة أم لا؟ فقال بعضهم: إنها سنة، وقال آخرون: لا، لأنها لو كانت سنة لبينها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إما بقول وإما بفعل. والعمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في أشهر الحج ولما ذكر ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر في رجب) وهَّمته عائشة، وقالت: [[لقد وهم أبو عبد الرحمن]] قالت له ذلك وهو يسمع فسكت، فعلى كل حال: لا أرى دليلاً واضحاً على استحباب العمرة في رجب. كذلك أيضاً يوجد في رجب بعض الناس يخصه بالصوم يقول: إنه يسن الصيام فيه، وهذا غلط، فإفراده بالصوم مكروه، أما صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس به، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك نرى أن لا يصوم الثلاثة الأشهر، أي: رجب وشعبان ورمضان. وأما ما يسمى بصلاة الرغائب: وهي ألف ركعة في أول ليلة من رجب أو في أول ليلة جمعة منه، فأيضاً لا صحة لها وليست مشروعة، وأما العتيرة التي تذبح في رجب فهي أيضاً منسوخة، كانت أولاً مشروعة ثم نسخت وليست مشروعة، وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب وفي ليلة سبع وعشرين منه فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأظهر الأقوال: أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ثم إن إقامة الاحتفالات ليلة سبع وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها. والبدع أمرها عظيم جداً وأمرها شديد؛ لأن البدع الدينية التي يتقرب بها الناس إلى الله فيها مفاسد عظيمة، منها: أولاً: أن الله لم يأذن بها، وقد أنكر على الذين يتبعون من شرعوا بلا إذن، فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] . ثانياً: أنها خارجة عن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور) . ثالثاً: أنها تقتضي إما جهل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم عملهم بها، وكلا الأمرين خطأ. إن قلت: إن الرسول علم عنها مشكلة، وإن قلت: علم ولكن لم يعمل ولم يبلغ مشكلة أيضاً. رابعاً: أنها تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] لأنك إذا أتيت بشيء جديد يعني: أن الدين في الأول ناقص لم يكمل، وهذا خطير جداً أن نقول: هذه البدعة تقتضي أن الدين لم يكمل. خامساً: أن هؤلاء المبتدعين جعلوا أنفسهم بمنزلة الرسل الذين يشرعون للناس، وهذه أيضاً مسألة خطيرة، ولو تأملت لوجدت أكثر من هذه الخمس في مضار البدع ولو لم يكن منها إلا أن القلوب تتعلق بهذه البدع أكثر مما تتعلق بالسنة، كما هو مشاهد، حيث تجد هؤلاء الذين يعتنون بهذه البدع ويحرصون عليها لو فكرت في حال كثير منهم لوجدت عنده فتوراً في الأمور المشروعة المتيقنة، فهو ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق اللحية، مسبل الثياب، شارب للدخان، مقصر في صلاة الجماعة. يقول بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها أو أشد. حتى إن بعض العلماء قال: المبتدع لا توبة له. لأنه سن سنة يمشي الناس عليها إلى يوم القيامة أو إلى ما شاء الله، بخلاف المعاصي الخاصة، فهي خاصة بفاعلها وإذا تاب ارتفعت لكن المشكلة البدعة، حيث لو تاب الإنسان من البدعة فالذين يتبعونه فيها لم يتوبوا، فلذلك قال بعض العلماء: إنه لا توبة لمبتدع، لكن الصحيح أن له توبة، وإذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم يسأل الله أن تمحى هذه البدعة ممن اتبعوه فيها. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 11 حكم احتجاب الزوجة من أبي الزوج من الرضاع السؤال اشتهر عند بعض الأسر أن أبا الزوج من الرضاعة لا تحتجب عنه الزوجة، وكذلك أم الزوجة من الرضاعة لا تحتجب عن زوج ابنتها من الرضاعة، ويأذنون له بالدخول عليها والخلوة بها، وقد يسافر بها أيضاً باعتباره محرم لها، فنأمل من فضيلتكم بيان الوجه الشرعي فيما يظهر لكم في ذلك أعانكم الله؟ الشيخ: أم الزوجة من الرضاع وأبو الزوج من الرضاع هل هو محرم؟ أما المذاهب الأربعة وجمهور العلماء فيقولون: إنها محرم، أي: أن الرضاع يؤثر في المحرمات بالصهر، ولكن أبى ذلك الحبر البحر العلامة المتقي لله ولا نزكيه على الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: إن أم الزوجة من الرضاع ليست محرماً لزوج ابنتها من الرضاع، وأن الأب من الرضاع ليس محرماً لزوجة ابنه من الرضاع، وقوله أرجح من أقوال جمهور العلماء؛ لأن الآية واضحة والحديث واضح قال الله عز وجل: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء:23] وابن الرضاع ليس من صلبه، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ولو سأل سائل: أم زوجتك هل تحرم عليك من النسب أو من المصاهرة؟ لقيل: من المصاهرة، ما بينه وبينها شيء، هي أم زوجتي ولكنها بعيدة مني، والحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) . وقالوا: إنه لا يمكن إلحاق الرضاع بالنسب مع أنه يخالفه في أكثر الأحكام، بمعنى أنه كما لا يصح نصاً لا يصح قياساً؛ لأن الرضاع يخالف النسب في أكثر الأحكام، هل فيه توارث بين التقارب بالرضاع؟! بمعنى أن أباك من الرضاعة هل يرث منك كما يرث أبوك من النسب؟ لا، هل يؤدي عنك الدية في قتل الخطأ؟! لا، هل يجب عليك الإنفاق عليه؟ لا، هل تجب صلته كما تجب صلة الأب من النسب؟ لا، إذاً أكثر الأحكام منتفية، فلا نص ولا قياس، فقول الشيخ رحمه الله - شيخ الإسلام - أصح بالدليل النقلي والدليل العقلي لكن مع ذلك جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة يرون أن المحرمات بالرضاع تشمل من يكون تحريمهن بواسطة المصاهرة. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 12 حكم ترك قول: (آمين) بعد قراءة الإمام للفاتحة السؤال هل يكتفي المأموم في الصلاة الجهرية أن يقول: آمين إذا لم يكن هناك الوقت الكافي لقراءة الفاتحة؟ الجواب وقول: آمين هل تحجزه؟ كم تبلغ آمين؟! كم من الدقيقة؟! السائل: يسير. الشيخ: على كل حال المأموم لا بد أن يقرأ الفاتحة، وأما قول آمين فهي سنة، لكن مع ذلك نقول: قل آمين مع الناس فإنه (من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ، وهذه مصلحة عظيمة، فقل: آمين ثم اقرأ الفاتحة، واستمر فيها ولو كان الإمام يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف من صلاة الصبح وكان بعض الصحابة يقرأ معه، فقال لهم: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) . إذاً قل: آمين واقرأ الفاتحة حتى تكملها. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 13 حكم من رضع من جدته مع خالته وخالته رضعت من أمه السؤال رضعت من جدتي مع خالتي، وخالتي رضعت من أمي التي هي أختها، فهل بذلك أعتبر أخاً للخالات وخالاً لبناتهن وجزاكم الله خيراً؟ الجواب ما دمت رضعت من جدتك الرضاع المحرم خمس رضعات فأكثر فأنت ابن لها، وبناتها أخواتٌ لك، وبنات بناتها أنت خالهن، إذاً أنت أخٌ لأمك من الرضاعة، هل تناديها يا أمي أم يا أختي؟ لا، يا أمي، كذلك الذي رضع من أمك يكون أخاً لك وأخاً لإخوانك كلهم. بنات خالاتك تكون خالاً لهن لأنك أخ لأمهاتهن. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 14 الطريقة المثلى للانتفاع بالعلم السؤال ما هي الطريقة المثلى للانتفاع بالعلم؟ الجواب الانتفاع بالعلم طريقته سهلة، إذا علمت شيئاً فطبقه، علمت أن صلاة الجماعة واجبة صل مع الجماعة، علمت أن بر الوالدين واجب بر والديك، التطبيق سهل لكن هوى النفس يمنعه فكن أقوى من هوى نفسك. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 15 حكم أكل المتوضئ لأجزاء من البعير غير اللحم السؤال هل كبد الجزور ولبن الجزور ينقض الوضوء كما ينقض لحمها؟ الجواب من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يتوضأ من لحوم الإبل، وسئل: (نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال: ومن لحوم الغنم؟ قال: إن شئت) فالبعير كل أجزائه ناقض الوضوء، الكبد والرئة والطحال والأمعاء والكرش وغيره، واللبن يرى بعض العلماء أنه ناقض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (توضئوا من ألبان الإبل) لكن أكثر العلماء القائلين بنقض لحم الإبل يقولون هذا على سبيل الاستحباب، ويستدل لهذا بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما جاءه الوفد من جهينة أصابهم مرض المدينة واستوخموها، فقال: (اخرجوا إلى إبل الصدقة واشربوا من ألبانها وأبوالها) ولم يأمرهم بالوضوء مع أنهم حديثو عهد بإسلام، قالوا: فسكوت النبي صلى عليه وعلى آله وسلم عن أمرهم بالوضوء، مع أن احتمال الجهل فيهم كثير يدل على عدم نقض الوضوء بلبن الإبل، ولكن إن توضأت فهو أفضل. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 16 اتخاذ الصحبة في الالتزام لا تكفي بل لابد من المنهج والمبدأ السؤال بعض الشباب تجده إذا التزم وسلك طريق الهداية لا يتخذ له منهجاً ومبدأ يسير عليه وإنما يكتفي باتخاذ الصحبة، فإذا حصل له ظرف بفراق هذه الصحبة قد يضعف التزامه وقد يسبب له انتكاسة؟ الجواب هذا يقول: إن بعض الشباب يلتزم ويستقيم؛ لأنه مع صحبة ملتزمة مستقيمة، فإذا قدر الله أن يفارقهم ضعف استقامته والتزامه، فنقول له: هذا صحيح، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يهديك، وإما أن يبيع عليك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة) لكن الواجب أن الإنسان يلتزم مع الملتزمين لله عز وجل، لا من أجل أنه صاحب الملتزمين، حتى يكون هذا منهجاً له ويستقيم عليه ولو بعد مفارقتهم، ولهذا نقول: دائماً نسأل إذا اتفق الملتزمون على أن يصوموا مثلاً يوم الإثنين أو يوم الخميس ويفطرون جميعاً نقول: لا تفعلوا هذا: أولاً: لأن هذا شبيهاً بالطريقة الصوفية الذين يكبرون تكبيراً جماعياً ويذكرون ذكراً جماعياً. وثانياً: أنه يؤدي إلى أن الإنسان لو فارق هؤلاء قد لا يصوم؛ لأنه ما صام إلا من أجل متابعتهم أو موافقتهم. نعم إذا صاموا بدون اتفاق فلا بأس. نسأل الله أن يزيدنا علماً نافعاً، وأنا أبشر إخواني الذين يأتون أنهم سلكوا طريقاً يلتمسون به علماً، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 17 حكم السفر إلى رجل يداوي المرضى ويجري العمليات بدون جراحة السؤال فضيلة الشيخ! رجل اشتهر في علاج الأمراض وإجراء العمليات بدون جراحة، ويخبر الناس بما فيهم من الأمراض، وظاهره الصلاح، وأنه محافظ على الصلاة، ولا يطلب من الناس نقوداً، ولكن الناس تعلقوا به، وأعرف أناساً من هذه المنطقة يريدون السفر إليه وهو موجود في خارج هذه البلاد فما حكم السفر إليه وما تعليقكم؟ الجواب يقولون: حدث العاقل بما لا يعرفه، فإن صدق فلا عقل له! ونحن ما أخبرنا أن أحداً يشفي الله المرضى على يده بمجرد مسح يده إلا عيسى عليه السلام، فأنا لا أصدق بهذا أبداً، وإن قدر أن الناس فتنوا به، وحصل أن أحداً ذهب إليه وعالجه بدون عملية، فهناك شياطين تعمل له؛ لأنه ليس بمعقول، الله أكبر! لو قال لنا أحد: هذه الشمس ما هي شمس، هذه لمبات مكونة مجموعة وتضيء الأرض هل نوافق على هذا؟ لا نوافق، أي إنسان له عقل أو أدنى مسكة من عقل لا يمكن أن رجلاً من بني آدم يؤتى إليه بالمرضى يحتاجون إلى عمليات يعاملهم بدون جراحة، سبحان الله عجائب! وهذا مما ابتلي به الناس اليوم، صاروا يعتمدون على غير ربهم عز وجل، يتعلقون بالمخلوق، فيصدقون بما لا يعقل. فأقول للأخ الذي يريد السفر: لا تسافر وابق في مكانك واسأل ربك عز وجل، فالله على كل شيء قدير، كم من أناس حفرت قبورهم وجهز الماء لتغسيلهم، وجلبت الأكفان ليكفنوا فيها ولم يموتوا، لأن الله على كل شيء قدير، الذي أنزل المرض قادرٌ على أن يرفعه، ما لم يكن الأجل قد حل فلا فائدة، ماذا قال زكريا حين بشره الله بالولد، وماذا قال الله له؟ {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم:8] قال الله له: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9] من الذي أوجدك؟ الله عز وجل، قادر على أن يوجد لك ولداً، من الذي أمرضك؟ الله، الذي أمرضك قادر على أن يرفع المرض عنك، لكن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق:3] ولا بد أن أمره يبلغ مكانك {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] قد يكون الله عز وجل قدر أن هذا المرض هو المرض النهائي، والدعاء حينئذٍ يكون رفعاً للدرجات، وقد يكون الله قدَّر أن هذا المرض لا يزول إلا بدعاء فلان أو فلان، فيدعو الله ويبرأ. الجزء: 217 ¦ الصفحة: 18 لقاء الباب المفتوح [218] في هذا اللقاء المفتوح قام الشيخ ب تفسير آيات من سورة الحديد ، وكان من المواضيع التي تطرق إليها: إحياء الله للأرض بعد موتها وتشبيه ذلك بإحياء الموتى للبعث والنشور. كما تحدث عن أهل الصدقة وأجرهم الكبير عند الله ومضاعفة الأجور لهم. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من رجب عام 1420هـ. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها) قال الله تبارك وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:17] . {اعْلَمُوا} فعل أمر بالعلم لهذه القضية الهامة، وهي أن الله يحيي الأرض بعد موتها، أي: أن الأرض تجدها يابسة ليس فيها نبات، فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو، إذا علمنا هذا ونحن عالمين به نشاهده فإننا نستدل به على قدرة الله تبارك وتعالى على إحياء الموتى، فإن الناس أحياءٌ الآن ثم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء؛ لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله تبارك وتعالى خلقاً يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء وأموال من لم يستجب، ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط. بل لا بد -أيها الإخوة- من حياة هي الحياة الحقيقية، كما قال عز وجل: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64] معنى (الحيوان) : أي: الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، المراد بالحيوان أي: الحياة التامة الكاملة. أنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة ليس فيها ورقة خضراء، فينزل الله المطر ثم تنبت وتنمو، فالقادر على أن يجعل هذه العيدان اليابسة خضراء نامية قادر على أن يحيي الموتى، وبكلمة واحدة قال الله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] وقال عز وجل: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] . {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ} أي: أظهرناها لكم، والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله جل وعلا وعلى كمال رحمته، وأضرب لكم مثلاً: إذا أنزل الله المطر، ونبتت الأرض، وشبعت البهائم، وطابت الأجواء، فهذا من آثار رحمته، نستدل بهذا على رحمة الله، ونستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله عز وجل؛ لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل. إذاً (الآيات) جمع آية وهي العلامة، أي: العلامات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وسلطانه. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لعل هنا للتعليل وليست للرجاء مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيراً لكنها هنا للتعليل، لأن الرجاء لا يمكن بحق الله، إذ أن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر، لكن الله عز وجل لا يتصور في حقه الرجاء، لكن تأتي (لعل) للتعليل، أي: لأجل أن تعقلوا، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد، أي: تعقلوا عقلاً ترشدون به، ويكون دليلاً لكم على ما فيه الخير. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً) قال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] . {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ} أصلها (إن المتصدقين) لكن قلبت التاء صاداً لعلة تصريفية معروفة عند أهل النحو، يعني: إن المتصدقين والمتصدقات. قوله: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} أي: أنفقوا في سبيل الله إنفاقا حسناً، والإنفاق الحسن ما جمع شرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل. والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فالمرائي الذي ينفق رياءً هل أقرض الله قرضاً حسناً؟! لا، فأي إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس، فيقولون: فلان كثير الصدقة، هذا مرائي وصدقته لا تنفعه ولا تقبل منه؛ لأن كل عمل يراد به غير الله فهو غير مقبول، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) إنسان آخر صار يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة، صاحب بدعة، لكنه مخلص لو سألته: لم فعلت هذا؟ قال: أريد ثواب الله، أريد التقرب إلى الله. هل تنفعه العبادة؟ لا، لعدم المتابعة. فإذاً يكون قوله عز وجل: {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [الحديد:18] أي: المخلصين فيه لله ومتبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهنا سؤال: (أقرضوا الله) هل الله فقير حتى يقرض؟! حاشا وكلا ليس فقيراً، (لقد كفر الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء) إذاً كيف يقول: أقرضوا الله؟ يقول هذا جل وعلا ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، أنا لو أقرضت شخصاً ألف ريال ثبت في ذمته ولا بد أن يوفيني، كذلك جعل الله عز وجل التعبد له بمنزلة القرض، أي: أنه مضمون سيرد عليك. الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. لكن كيف تكون الواحدة بعشرة وهذا ربا في القرض؟! الجواب أولاً: لا ربا بين العبد وبين ربه. ثانياً: إذا أعطاك المقترض شيئاً بدون شرط فهو حلال، أي: لو استقرض منك ألف ريال وأعطاك ألفاً ومائة بدون شرط فهو حلال؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بكراً -البكر أي: بعيراً صغيراً- ورد خيراً منه، وقال: (أحسنكم أحسنكم قضاءً) هل المقرض استفاد أم لا؟ استفاد، لكنه استفاد بلا شرط، ولهذا تجدون عبارة الفقهاء: (كل شرطٍ جر نفعاً للمقرض فهو ربا) انظر (كل شرط) ولم يقولوا: كل زيادة. إذاً: إذا قال قائل: إن الله عز وجل يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وقد سمى الله تعالى الإنفاق في سبيله قرضاً فكيف يصح أن يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف؟ قلنا: الجواب من وجهين: الأول: أنه ليس بين العبد وبين ربه ربا. ثانياً: أن الزيادة إذا لم تكن شرطاً فهي جائزة وهذه تدل على كرم الموفي. قال تعالى: {يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} هذه خبر إنَّ، أي: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ} [الحديد:18] أي: يعطون أجرهم مضاعفاً، عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. قال تعالى: {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:18] أي: ثوابٌ كريم، والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذا كريم، وأصل الكرم الحسن، ودليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: (وإياك وكرائم أموالهم) أي: إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال، أي: أحاسنها: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) . الجزء: 218 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد:19] . {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء. أولاً: الإيمان بوجوده. والثاني: الإيمان بربوبيته. والثالث: الإيمان بألوهيته. والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته. الأول: الإيمان بوجود الله لا ينكره إلا مكابر في الواقع، لا ينكره أحدٌ من قلبه إطلاقاً؛ لأن كل إنسان يعرف أن هذا الكون المستقر المنظم لا بد له من موجد ومنظم من الموجد والمنظم؟ الله عز وجل، لأن كل إنسان يعلم أنه لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يتصرف في هذا الكون، من الذي يأتي بالليل مع وجود النهار؟ من الذي يأتي بالنهار مع وجود الليل؟ لا أحد يقدر. إذاً كل إنسان عاقل فهو مؤمن بقلبه وإن أنكر بلسانه فهو مؤمن بوجود الله عز وجل، ووجه ذلك: أن هذه الخليقة العظيمة لا بد لها من مدبر. لو قال قائل: إنها جاءت هكذا صدفة؟ لقلنا: من جاء بها؟ ثم الشيء إذا جاء صدفة لا يكون منظماً. - لو قال قائل: هي أوجدت نفسها؟ نقول: هذا أيضاً محال عقلاً! كيف توجد نفسها وهي عدم؟! هذا لا يمكن، إذاً: لا بد لها من موجد، ولهذا قال الله تعالى في سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59] ما الجواب؟ بل أنت يا ربنا ونحن لا نقدر أن نخلق، الإنسان لا يقدر أن يخلق جنيناً في بطن أمه أبداً، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] استمع {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [الحج:73] خطاب للناس كلهم الكافر والمؤمن {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] ولهذا إذا قرأت الآية يجب أن تستمع {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الحج:73] كلهم. {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:73] هذا الذباب المهين لا يمكن أن يخلقوه ولو اجتمعوا له، كل المعبودات لا يمكن أن تخلق ذبابة، وهو من أصغر الحيوانات وأذلها وأهشها، وزد على هذا {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج:73] أي: لو أن الذباب أخذ من هذه الأصنام شيئاً ما استطاعت أن تستنقذه منهم. قال أهل العلم: المعنى لو وقع الذباب على أحد هذه الأصنام وامتص من الطيب الذي فيها -لأنهم يطيبون أصنامها- ما استطاعت الأصنام أن تستنقذه {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] . أقول مرة ثانية: لا يمكن لأحد أن ينكر من صميم قلبه وجود الله عز وجل أبداً، لأنه باتفاق العقلاء أن كل حادث لا بد له من محدث، ولا أحد يحدث هذا الكون إلا الله عز وجل. الثاني: الإيمان بربوبيته، أي: بأنه وحده الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، هو الله وحده، هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله، ولا مالك للكون إلا الله عز وجل حتى ملك الإنسان ما في يده ليس ملكاً حقيقياً، والدليل: أنه لا يمكن أن يتصرف فيما في يده كما يشاء، الآن هذا قلمي ملك لي، لكن ليس لي أن أتصرف فيه كما أشاء، لو أردت أن أحرقه أو أكسره منعت، شرعاً حرام علي؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال. إذاً ملك الإنسان لما في يده ليس ملكاً حقيقياً، بل إنه يختص به عن غيره فقط. الثالث: أنه وحده المنفرد بتدبير الأمور ولا أحد يستطيع أن يدبر الأمور أبداً، فالألوهية هي أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، ليس في الكون شيء يعبد بحق إلا الله عز وجل أبداً، عبادة الأصنام حق أم غير حق؟ غير حق، الأصنام نفسها تسمى آلهة فهل هي إله حق؟ لا، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62] إذاً الألوهية: أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله عز وجل، وما عبد من دونه فهو باطل، وعليه فلا تصرف العبادة إلا لله. الرابع: الإيمان بالأسماء والصفات. هل لله أسماء؟ نعم، هل له صفات؟ نعم، أسماؤه حسنى، قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180] وصفاته كذلك عليا، ليس هناك صفة نقص، قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل:60] أي: الوصف الأعلى. إذاً علينا أن نؤمن بأسماء الله وعلينا أن نؤمن بصفات الله. أسماء الله تعالى كثيرة لا يمكن حصرها مهما أردت، ولا يمكن أن تحصيها، والدليل: حديث عبد الله بن مسعود (ما من إنسان يصيبه هم أو غم أو حزن ثم يقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فجعل الله الأسماء ثلاثة أقسام: ما أنزله في كتابه مثل: الرحمن. أو علمته أحداً من خلقك، مثل: الرب. الشافي، هذه ليست في القرآن لكن جاءت في السنة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وقال عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب) هذا أنزله في كتابه أو علمه أحداً من خلقه؟ الثاني. القسم الثالث: ما استأثر الله به في علم الغيب -استأثر بمعنى انفرد- لكن ما انفرد الله بعلمه فلم ينزله في الكتاب ولم يعلمه أحداً من الخلق، هل يمكن الإحاطة به؟ لا يمكن، إذاً أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها أو حصرها بعدد لأننا لا نعلمها، وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فالمعنى أن من الأسماء تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، ومن أحصاها أي: عرفها لفظاً وعرفها معنى، وتعبد لله بمقتضاها، وليس المراد أن تحفظها فقط، لا، بل لا بد من حفظ اللفظ، والثاني: فهم المعنى، والثالث: التعبد لله بها وبمقتضاها، فمثلاً: إذا علمت أن الله سبحانه وتعالى غفور تعرض للمغفرة، لا تقل: الله غفور وتفعل الذنب كل ما شئت، تعرض للمغفرة واستغفر الله، تجد الله غفوراً رحيماً، إذا علمت أن الله عزيز تتعبد لله بمقتضى هذا وتخاف منه وتحذر وهلم جراً. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 218 ¦ الصفحة: 6 حكم قتل الحشرات في الحرم السؤال ما حكم قتل الحشرات في الحرم؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أي شيء يؤذي. الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: طيور أو أي شيء. الشيخ: حمام؟ السائل: حمام أو أي شيء. الشيخ: ما حكم قتل الحشرات في الحرم؟ وأردت منه مثالاً للحشرات ولكنه عجز وقال: الطيور. السائل: أي شيء. الشيخ: قتل الآدمي؟! السائل: آدمي؟! الشيخ: أنت تقول: أي شيء. السائل: قتل الحشرات. الشيخ: حشرات مثل ماذا؟!! السائل: إذا كان داخل الحرم مثلاً نمل أو أي شيء؟ الشيخ: مثل النمل! أنا ما رأيت نملة في الحرم. السائل: حكم قتل الحمام. الشيخ: حدد لي الآن، انظر أن فهمت الآن أن من الحشرات الحمام! السائل: هذا مثال. الشيخ: البعوض؟ طيب على كل حال الحشرات ونحوها ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسم أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل والحرم، حتى لو تجده في وسط الكعبة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور) والوزغ أيضاً مأمور بقتله، أتعرف الوزغ؟ السائل: البريص. الشيخ: يسمى السام والأبرص والوزغ والضاطور، المهم لكثرة وجوده بين الناس كثرت أسماؤه، على كل حال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقتل الأوزاغ وقال: إنه كان ينفخ النار على إبراهيم، سبحان الله! هذه الحشرة الضعيفة سلطت لتنفخ النار على إبراهيم، لذلك نحن الآن نقتلها امتثالاً لأمر الله تعالى، وانتصاراً لأبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها تنفخ النار عليه. هذا القسم الأول: ما أمر الشرع بقتله فهذا يقتل في الحل والحرم ولا إشكال. القسم الثاني: ما نهى عن قتله، فهذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم، مثل: النملة والنحلة والهدهد والصرد. هذا لا يقتل لا في الحل ولا في الحرم إلا إذا آذى، فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتل. القسم الثالث: ما سكت الشرع عنه كالصراصير والجعلان والخنفساء وما أشبهه، هذه قال بعض العلماء: إنه يحرم قتلها، وقال بعضهم: إنه يكره، وقال بعضهم: إنه يباح، لكن تركه أولى، وهذا القول الثالث هو الصواب أن قتلها مباح، والدليل: أنه لم ينه عنها -أي: عن قتلها- ولم يؤمر بها -أي: بقتلها- مسكوت عنه لكن الأولى ألا تقتل، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى قال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44] فدعها تسبح الله عز جل ولا تقتلها، لكن لو قتلتها عليك إثم؟ لا. انتهينا الآن من الحشرات المحرمة، بقينا في الأشياء الحلال ومعروف أن مكة شرفها الله عز وجل لا يجوز فيها قتل الصيد، كالحمام والبط والأرانب والغزلان وما أشبه ذلك، انتهى. - لكن البعوض من أي الأقسام؟ نقول: إنه ممن أمر بقتله قياساً على الخمس؛ لأن البعوض مؤذٍ بلا شك، أذيته واضحة، أحياناً تقرصك البعوضة وينتفخ الجلد، وربما يسبب جروحاً فهي مما أمر بقتله، لكن إذا لم نتوصل إلى قتله إلا بصعوبة كما يوجد الآن مما يعلق في المقاهي والدكاكين والمساجد أيضاً فهل نفعل أم لا نفعل؟ نفعل. ونضع هذه الصاعقات حتى تجذبها وتصعقها. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 7 حكم تعبير الرؤيا السؤال ما حكم تعبير الرؤيا؟ الجواب بشرط أن يكون الإنسان عنده علم، وتفسير الرؤيا لا يتبع العلم الشرعي، قد يكون بعض الناس عنده علم شرعي ولا يستطيع يعبر الرؤيا، وقد يكون بعض الناس ليس عنده علم شرعي ويعبر تعبيراً تاماً، ولكني أنصح من يبلغه كلامي هذا ألا يحرص على تتبع الرؤى؛ لأن الشيطان إذا علم من الإنسان تتبعه للرؤى صار يؤذيه بأن يريه ما يكره، حتى يحزن بل يتناساها ولا يهتم بها؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون الرؤيا فتزعجهم ويمرضون منها، حتى أرشدهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم إذا رأوا ما يكرهون استعاذوا بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأوا، ولا يخبرون أحداً، ثم لا تضرهم. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 8 حكم مسح العين بإبهامي اليدين بعد قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله السؤال أحد الكتاب في الصحف ذكر بعض الأمور ثم قال: إنها ليست بدع مثل: قول الشخص عندما يقول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، يمسح بإبهامي يديه بعدما يسلم عليهما عينيه فما تقولون في هذا؟ الشيخ: أقول: لأي شيء يفعل هذا؟ السائل: عبادة يا شيخ. الشيخ: ما هي العبادة؟ السائل: يجلي البصر. الشيخ: نقول: هذا بدعة من وجه، ونوع من الشرك من وجه آخر، مسح العين عند الأذان لا سيما إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول المؤذن) ولم يذكر فعلاً، ما ذكر أن تمسح على عينك أو أذنك أو رأسك، فيكون هذا الفعل بدعة. ثانياً: نوع من الشرك؛ لأنه اعتقد أنه ينفع وهو لا ينفع، فهو مثل التمائم التي يعلقونها في الجاهلية، يرون أنها تنفع المرضى وهي لا تنفعهم، فإذا رأيت أحداً يفعل هذا؛ فانصحه بلطف ورفق وقل له: هذا لم تأت به السنة وانصحه. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 9 حكم إنكار المنكر باستمرار في العمل السؤال ما رأيكم بإنكار المنكر في العمل إذا كان بشكل مستمر كقضية التدخين؟ الجواب رأيي أن إنكار المنكر إذا كان مستمراً أن تنصح أول مرة وتبين كل ما تستطيع أن تبينه من أن هذا منكر، ويكفي ولكنك لا تجلس معهم، فمثلاً لو رأينا شخصاً يشرب الدخان نهيناه أن هذا حرام ولا يجوز ولكنه مستمر، ليس من الواجب علينا أننا كلما رأيناه أن نقول له: إن هذا منكر، أحياناً نعرف أن الرجل معاند ولكن نعم بعد مدة ربما تقول: لعله تغير وتنصحه، وكذلك يقال في إسبال الثوب وفي حلق اللحية. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 10 حكم قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة السؤال ما حكم ما يفعله بعض الأئمة في فجر يوم الجمعة من قراءة سورة السجدة في الركعتين أو قراءة سورة الإنسان في الركعتين؟ الجواب لا شك أن هذا خطأ فاحش؛ لأن كونه يقسم السورة الواحدة بين الركعتين، معناه: أن فعل الرسول ليس بصواب نسأل الله العافية! هل هو أعلم بما يرضي الله من رسول الله؟ الجواب: لا. هل هو أرفق بعباد الله من رسول الله؟! الجواب: لا. إذاً لماذا يتعدى الحدود؟! إن كان يريد أن يقرأ السورتين كاملتين كما جاءت به السنة فهذا لا شك أنه حسن وطيب ويدعى له، وإن كان لا يريد قراءتهما فيقرأ ما تيسر من القرآن، أما أن يأتي ليقسم السنة ويوزعها سبحان الله! كيف يلاقي الله عز وجل يوم القيامة؟! أنا لا أدري ماذا يجيب؟! {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فأنت إما أن تصلي كما صلى الرسول تقرأ سورة (السجدة) في الأولى و (هل أتى) في الثانية، وإلا فاعدل إلى السور الأخرى، ومن رأيت من هؤلاء فانصحه، وقل له: يا أخي لا تكن يوم القيامة خصماً للرسول تخالفه بصراحة واضحة. قد يقول: إنه يشق على الناس؟ نقول: نعم هو يشق على الناس لأنكم ما عودتموهم، لو اعتادوا هذا لهان، ثم إنكم لستم أرفق بالناس ممن قال: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف) قد يقول: عندي شيبان وعندي مرضى؟ نقول: يقعد الشايب -الحمد لله- إذا تعب يجلس. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 11 حكم السؤال عن نوع الدجاج الموجود في المطاعم خوفاً من الوقوع في الشبهة السؤال ما حكم فعل بعض الإخوان عندما يذهبون إلى المطاعم ويسألون عن الدجاج الموجودة عندهم ويلحون عليهم ويقولون: هذا من باب الورع كي لا يقعون في الشبهة؟ الجواب أقول: إن هذا ليس من الورع، الورع اتباع السنة، ليس الورع أن الإنسان يتعنت ويتعمق ويتنطع بل هذا من الهلاك، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون) ثلاث مرات، قالت عائشة رضي الله عنها: (إن قوماً أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) توهم مسلمين يمكن تخفى عليهم الأمور، فقالوا: (سموا أنتم وكلوا) ما قال: اسألوهم هل سموا أم لا، ولو سلكنا طريق هؤلاء لقلنا حتى في مطاعمنا: نسأل ربما يكون الذي ذبح هذه الدجاجة أو الشاب لا يصلي، والإنسان الذي لا يصلي كافر ولا تحل ذبيحته، فهل معنى ذلك أن نأتي عند المطعم ونقول: من الذي ذبحه؟ أخذته من السوق، ما سألت: هل هو يصلي أم لا يصلي؟ سأله وقالوا: يصلي. نقول: هل أنهر الدم أو خنقها خنقاً؟ إذا قال: أنهر الدم. نقول: باقي هل سمى الله أم لا؟ إذا قال: سمى الله. نقول: هل هذه الدجاجة والشاة ملك له وليس سارقها ولا ناهبها؟! هذه حقيقة إذا ضل واحد يتعمق، قال: لا. اشتراها، من أين؟ الذي باعها عليه هو سرقها أم ماذا؟ إلى ما لا نهاية له. فالحقيقة أن الإنسان إذا فتح على نفسه هذه الأبواب مع أنها مسدودة شرعاً تعب. فنقول: الحمد لله أنا أخبركم هذه القضية عرضت على مجلس كبار العلماء، ودعي إلى المجلس المسئولون في الدولة من وزير التجارة وعضو وزير المالية وسئلوا سؤالات من أكابر العلماء في المملكة، وقالوا: كل ما يرد إلى المملكة فإنه مذبوح على الطريقة الإسلامية والحمد لله نحن على ذمة هؤلاء. إذاً عليه أن يأكل حتى لو قال: برازيلي أو إنجليزي أو أمريكي المهم ما دام هؤلاء المسئولون عندنا فهم مسئولون عن الأمة كلها. السائل: هناك من يقول: إنه لا يجوز أكل اللحوم المستوردة. الشيخ: على كل حال إذا قالوا: لا يجوز، قل له: ائت به وأنا آكله وانتهى الموضوع. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 12 مدى صحة الإجماع على تحريم حلق اللحى وسماع الأغاني السؤال هل صح الإجماع على تحريم حلق اللحى وسماع الأغاني؟ الجواب لا، ما صار إجماع لا في حلق اللحى ولا في سماع الأغاني، ولكن هل كل حكم يلزمنا لا بد أن نكون مجمعين عليه؟! - لا. - إذا كان هناك نزاع؛ فمرجعنا إلى شيئين فقط، الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] وأما ما وقع فيه بعض أهل الأهواء الذين إذا جاءتهم مسألة فيها خلاف؛ قال: هذه مسألة فيها خلاف، حتى الربا -الآن يستجيزونه- يقولون: لا بأس به لأن فيه خلافاً، الأغاني والمعازف إذا قال: حرام قال: هذه فيها خلاف، حلق اللحية قال: هذا فيه خلاف، هذا ليس بصحيح، ولن ينفع الإنسان يوم القيامة عند الله هذا العذر، لأن الله حدد ماذا يسأل عن الإنسان {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] ولو أننا ذهبنا نحلل كل مسألة فيها خلاف تبعاً لأهوائنا لانفلتنا من الدين. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 13 حكم قول الشخص: من علامات الساعة أن تفعل كذا السؤال ما حكم قول الشخص: من علامات الساعة أن تفعل كذا؟ الشيخ: من علامات ماذا؟ السائل: من علامات الساعة أن تفعل كذا. الشيخ: أي ساعة؟ السائل: القيامة. الجواب إذا كان هذا الفعل من أشراط الساعة قلناه وإلا فلا يحل أن نقوله، مثلاً: نزع العلم من علامات الساعة، مقرون بالأصح: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم) هكذا لأنه قد يكون قريباً من الساعة وقد يكون بعيداً، إذا جاء مثل هذا الحديث: لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، بعض العلماء يجعلها من الأشراط وليس كذلك، لكن لا تقوم الساعة حتى توجد، وقد يكون بينها وبين الساعة أزمان لا يحصيها إلا الله (لا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً) هل نقول: إنها إذا عادت مروجاً وأنهاراً؛ نقول: هذا علامة على قرب الساعة؟ لا، لكن حقيقة الأمر أن أشراط الساعة موجودة منذ زمان، لكن أشراط بعيدة، مثلاً: بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أشراط الساعة، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى) . الجزء: 218 ¦ الصفحة: 14 حكم الرد على أقوال المخالفين في المسائل السؤال ما رأيك في طالب العلم عندما يتلقى الخلاف بين العلماء في مسألة من المسائل، وخاصة إذا كانت مسألة عملية يعملها يومياً مثلاً، فاتبع أحد الأقوال، فما رأيك في كلامه في الأقوال الأخرى، خاصة أن الأقوال الأخرى قال بها علماء كبار وهو لا يتعرض لهؤلاء العلماء، وإنما يتعرض إلى نفس القول والفعل ولا يتكلم، ويقول: فلان من العلماء فيه كذا وإنما يتعرض للفعل الفلاني يقول: الفعل الفلاني كذا فيه؟ الجواب هو على كل حال القول المرجوح لا بد أن يبينه، ثم يبين القول الراجح عنده ويبين أدلته، ثم يبين القول المرجوح ويذكر أدلته ويرد عليها؛ لأنك إذا أردت أن ترجح قولاً يلزمك أن تأتي بأدلة، ثم بالنسبة للمرجوح تذكر أدلته وترد عليه، هذا بالنسبة للعالم الذي يستدل ويجتهد، أما بالنسبة للعامي أو لطالب العلم الصغير، فهذا يجب عليه أن يقلد أقرب ما يراه صواباً ويقلده. السائل: ولكن يا شيخ هذا يتكلم عن كلام القول الآخر هو اتبع الشيخ: لا يخالف، مثلاً: تحريم وتحليل، اتبع القول بالتحريم مثلاً، لا يخالف إذا كان مجتهداً وبحث في الأدلة ورأى أنها تدل على التحليل فليقل بالتحليل، ثم يقول: ومن قال بالتحريم فقد استدل بكذا وجوابه كذا من أجل أن تتم المسألة. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 15 حكم إجزاء الغسل عن الوضوء السؤال هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ الشيخ: الغسل من ماذا؟ السائل: الغسل كغسل الجمعة. الجواب غسل الجمعة لا؛ لأن غسل الجمعة ليس عن حدث، أما غسل الجنابة فيجزي عن الوضوء، والدليل على أنه يجزئ عن الوضوء قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] ولم يذكر الوضوء. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 16 حكم مس تجليدة المصحف باليد بغير طهارة السؤال ما حكم مس تجليدة المصحف باليد بدون طهارة؟ الشيخ: هل التجليدة متصلة أم غير متصلة؟ السائل: متصلة به. الجواب المصحف لا يجوز مسه إلا بوضوء، سواء الورق أو الكتابة أو الجلد الذي يحفظ به المصحف إذا كان متصلاً بالمصحف، أما الجلد الذي يدخل فيه المصحف، فلا بأس به على أن يمسه بلا طهارة ولو كان المصحف في وسطه. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 17 قراءة البسملة في أول السورة السؤال ما حكم البسملة في أول السورة هل هي واجبة أم سنة؟ الجواب سنة، حتى في الفاتحة الصحيح أنها ليست من الفاتحة، وأنه يسر بها في الصلاة الجهرية ولا يجهر بها، وأن الإنسان لو تركها عمداً فصلاته صحيحة. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 18 المتون التي يحفظها طالب العلم بعد حفظ القرآن السؤال إذا فرغ طالب العلم من حفظ القرآن فهل يبدأ بـ الصحيحين أم يبدأ بالمتون؟ الشيخ: متون ماذا؟ السائل: مثل الأصول الثلاثة وعمدة الأحكام وغيرها. الشيخ: والله أنا أرى أن يعتني بكتب السنة من الكتب المؤلفة في هذا، أما الصحيحان فنعم لا شك أنها مهمة، لكن كما تعلم هناك أحاديث في الصحيحين لا يحتاجها الناس كثيراً كالمعاملات والمزارعة وغيرها، فليحفظ مثلاً بعد ذلك بلوغ المرام، أو عمدة الأحكام، ثم بعد هذا يأتي إلى التوحيد والعقيدة والمتون الفقهية. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 19 حكم قراءة القرآن قبل قراءة أي كتاب للتبرك به السؤال سمعت أحد الدعاة في شريط يقول: إن طالب العلم إذا قرأ كتاباً أنه قبل ذلك يقرأ شيئاً من القرآن ليتبرك به فهل يصح هذا؟ الجواب هذا غير صحيح، أي: لم يرد تقديم القرآن بين الخطب لا خطب الجمعة، ولا مجالس الذكر، ولا المحاضرات مثلاً، ما ورد هذا، لكن الناس تلقوها أخيراً عن بعضهم بعضاً، نعم لو فرضنا أن موضوع المحاضرة يتعلق بآيات من القرآن وأتى بالآيات التي تتعلق بالمحاضرة هذا لا بأس وتكون المحاضرة كالتفسير، مثلاً يتكلم عن الصيام يقرأ آيات الصيام قبل المحاضرة لا بأس به، أما تعمد ملازمة قراءة آيات من القرآن قبل البدء بالحديث والمحاضرة فهذا لا أصل له. السائل: أنا قصدي إذا قرأ كتاباً عادياً بين نفسه أن يقرأ آيات من القرآن ثم يقرأ الكتاب. الشيخ: أبداً لا يقرأ شيئاً، ولا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى إذا أراد أن يقرأ الحديث لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الله خص هذا بالقرآن، فقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] . الجزء: 218 ¦ الصفحة: 20 حكم حجز الأماكن في المسجد السؤال ما حكم حجز الأماكن في المسجد؟ الجواب الذي أرى في حجز الأماكن في المسجد أنه إذا كان الإنسان في المسجد فلا بأس بشرط ألا تكثر الصفوف فيتخطاها فيما بعد، وأما الذي يضع الحجز ويخرج فهذا لا يجوز؛ لأنه حجر ما لا يستحقه، وقال بعض أهل العلم: إنه جائز وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله، قالوا: لا بأس أن الإنسان يحجز مكاناً له ليصلي فيه، لكن هذا قول ضعيف بلا شك، إذ أن المسجد لله وأحق به من سبق. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 21 حكم مشاركة النساء في الأمور السياسية السؤال يقول بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي في المسجد ومعه رجال ونساء وليس بينهم حائل، وكان عليه الصلاة والسلام يغزو ومعه النساء، وكانت بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم يرجع إليهن في الفتوى والعلم، فلماذا تمنعون من مشاركة المرأة في العمل والمشاركات السياسية؟ الجواب نقول: كل هذا حق النساء في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلين وليس بينهن وبين الرجال حاجز، ولكن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم ندب إلى شيئين: الشيء الأول: أنه قال: (بيوتهن خير لهن) مع سلامة الناس في ذلك الوقت، فالصحابة هم خير القرون ومع ذلك قال: (وبيوتهن خير لهن) وهذا يعني أن صلاة المرأة في بيتها أفضل. ثانياً: أنه قال: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) وهذا يدل على أن الأفضل أن تبتعد المرأة عن مخالطة الرجل هذه واحدة. أما أنه ليس بينهما من حاجز، فهل المساجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كمساجدنا اليوم في الإضاءة والإنارة؟ لا، وهل نساء الصحابة كنساء اليوم؟ لا، نساء الصحابة لما أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدقة جعلن يلقين من أخراصهن وأسوارهن في ثوب بلال، الآن لو تصيح ملء أذانك وفمك تقول: تصدقن لوجدت واحدة تتصدق وعشر لا يتصدقن، ففرق. وأما الرجوع إلى النساء في الفتيا فمن قال: إنه لا يجوز أن تستفتى المرأة؟! إذا كانت المرأة عندها علم تستفى حتى إلى وقتنا هذا، لكن هل تستفتى وهي متبرجة متطيبة متمكيجة أمام الرجال؟ لا. ولا نمنع -لو فرضنا- امرأة متحجبة تماماً مغطية وجهها ويديها ورجلها وكل شيء وجالسة في مصلاها وجاء رجل يستفتيها بلا خلوة، نقول: نعم ليس هناك مشكلة. وأما مشاركتهن في الرأي والجهاد فنعم لكن هل شاركن الرجال في أمور السياسة؟! لا أعلم هذا أبداً، وعمر رضي الله عنه لما جعل أمر الخلافة شورى هل أشرك فيهم امرأة؟! ما أشرك ولا علمنا أحداً أنه يشرك المرأة، وكيف يمكن أن نشرك المرأة في أمور هامة سياسية مصيرية والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) نحن عقلاء نعرف، وإذا أصابت واحدة من مائة من النساء، فلدينا من يصيب 99% من الرجال، وفيهم كفاية. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 218 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [219] الإيمان بالله هو الأساس لسائر الأعمال، ولذلك كان المؤمنون موعودين بأجرهم ونورهم من رب العباد، في يوم الحشر والمعاد. وبهذه المعاني العظيمة من تفسير آيات من سورة الحديد استهل الشيخ حديثه، وبعد بيانه للصديقين والشهداء ذكر الطرف الآخر -وهم الكفار- لحكمة أوردها في المادة. وبعد ذلك تطرق إلى آية أخرى، متكلماً عن حقيقة الدنيا وزيفها، وختم حديثه ليجيب عن كثير من الأسئلة والإشكالات التي أوردها الحاضرون. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو التاسع عشر من شهر رجب عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على ما انتهينا إليه من تفسير القرآن. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) في سورة الحديد قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد:19] الإيمان بالله سبق أنه يتضمن أربعة أشياء: الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وتكلمنا على هذا. أما الإيمان بالرسل فإنه يتضمن تصديقهم فيما أخبروا كلهم من أولهم إلى آخرهم، يجب أن نصدق بما أخبرت به الرسل إذا صح عنهم، وأما العمل بشرائعهم فإننا لا نعمل -أو لا يلزمنا العمل- إلا بشريعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن الشرائع السابقة كلها نسخت بهذه الشريعة، لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] . وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة -يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار) . إذاً الإيمان بالرسل يتضمن شيئين: أولاً: تصديقهم فيما أخبروا به، لكن بشرط أن يصح عنهم. ثانياً: العمل بالشرائع، ولكن هذا لا يكون إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن شريعته نسخت جميع الشرائع. قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (أولئك) أي: الذين آمنوا بالله ورسله. (هم الصديقون) أي: البالغون في الصدق مبلغاً كبيراً؛ لأن الصديق صيغة مبالغة، والصدق يكون بالقصد وبالقول وبالفعل، فأما الصدق بالقصد فأن يقصد الإنسان بعبادته وجه الله تبارك وتعالى لا يقصد غيره، فمن قصد بعبادته شيئاً غير الله فقد أشرك ولا يقبل عمله، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث القدسي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . الثاني: الصدق في القول، بأن يكون الإنسان صادقاً فيما يخبر به، وقد أثنى الله تعالى على الصادقين وأمر أن نكون معهم، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] وأثنى على المهاجرين الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق وحث عليه ورغب فيه، فقال: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) . أما الصدق بالفعل: فمتابعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن من كان صادقاً فيما يدَّعي من محبة الله ورسوله فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] وقد سمَّى بعض السلف هذه الآية آية المحنة -أي: آية الامتحان- فمن ادعى أنه يحب الله ورسوله قلنا له: اتبع الرسول، فإن اتبعه فهو صادق، وإن خالفه فليس بصادق. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) قال تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] (الشهداء) جمع شهيد، والمراد بهم: من قتلوا في سبيل الله، والقتال في سبيل الله: أن يقاتل الإنسان عدو الله لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو القتال في سبيل الله، قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سُئل: (الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) (يقاتل شجاعة) معناها يحب القتال فهو شجاع كالصياد يحب أن يصيد، الصياد الذي يهوى الصيد تجده يحب هذا، ويخرج ويتجشم المصاعب ليصيد الصيد، وإذا صادها صارت عنده أرخص من كل شيء. فهذا يقال فيه شجاعة؛ لأنه شجاع يحب أن يقاتل. (ويقاتل حمية) أي: عصبية لقومه. (ويقاتل ليرى مكانه) : أي: رياءً، كما جاء في اللفظ الآخر (ويقاتل رياء) قال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) من قاتل ليسترد أرضه المغصوبة فقتاله من باب الحمية، إلا إذا قاتل يريد أن يستردها ليقيم عليها شعائر الإسلام فهذا في سبيل الله، وأما من قاتل؛ لأن هذه أرضه ويريد أن ترد عليه فهذه حمية، ليس له أجر الشهداء إذا قتل. هؤلاء شهداء (لهم أجرهم عند ربهم) أي: ثوابهم العظيم، كما قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169-171] . قال تعالى: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:19] ولما ذكر عز وجل أصحاب اليمين وثوابهم ذكر أصحاب الشمال بعد ذلك، فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] وهذا لأن القرآن مثاني، أي: تثنى فيه الأمور والمعاني، ولهذا تجد القرآن الكريم في الغالب إذا ذكر الله الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أولياء الله ذكر أعداء الله، والحكمة من ذلك: ألا يمل الإنسان؛ لأنه كلما تنقل المعنى إلى معنى آخر نشط الإنسان. وحكمة أخرى: أن يكون الإنسان سائراً إلى الله -أي: متعبداً لله- بين الخوف والرجاء؛ لأنه إذا ذكر صفات المؤمنين أو إذا مرت به صفات المؤمنين قوى جانب الرجاء، وإذا ذكرت أحوال الكافرين غلب جانب الخوف، ولهذا قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا} [الحديد:19] عطف التكذيب على الكفر وهو نوع منه، لكن لأنه أشد، الذي يكفر ولكن لا يكذب أهون من الذي يكذب، فعطف (كذبوا بآياتنا) على (كفروا) من باب عطف الخاص على العام كعطف الروح على الملائكة وهو منهم، قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4] والروح جبريل وهو من الملائكة. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] (الجحيم) اسم من أسماء النار وأصحابها، أي: الملازمين لها، ولهذا إذا مرت بك آية فيها (أصحاب) فالمعنى أنهم ملازمون لها مخلدون فيها نسأل الله العافية. في الآيات الأولى الترغيب بالأوصاف التي توصل إلى الجنات، لأن الله تعالى لم يذكر لنا هذه الأمور لنطلع عليها فقط، ولكن لنسعى لها، وفيها التحذير من الكفر والتكذيب، لئلا يقع الإنسان في هذا العقاب الأليم {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحديد:19] . الجزء: 219 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ) قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] لما ذكر الله أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين وهم في الدنيا كل يعمل على شاكلته، بين حقيقة الدنيا ما هي، وأمرنا أن نعلم ذلك من أجل أن يجتهد الإنسان في التأمل والتفكر، فالأمر في العلم بشيء واقع يعني أن المطلوب أن تتأمل كثيراً حتى يتبين لك الأمر. {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} وهي حياتنا هذه {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} خمسة أشياء، اللعب بالجوارح، واللهو بالقلوب. أما اللعب بالجوارح: كأن يعمل الإنسان أعمالاً تصده عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما اللهو بالقلوب وهو الغفلة، وهذا أشد وأعظم غفلة القلب أعاذنا الله وإياكم منها وأحيا قلوبنا وقلوبكم، الغفلة عظيمة تفقدك جميع لذات الطاعات، وتحرم من جميع آثارها، لقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف:28] لم يقل: لا تطع من أسكتنا لسانه، قال: (من أغفلنا قلبه) وما أكثر ذكرنا باللسان مع غفلة الجنان، وهذا لا شك أنه ينقص الثواب وينقص الآثار المترتبة على الذكر، من صلاح القلب والاتجاه إلى الله، وإنابته إليه، وغير ذلك. {لَعِبٌ وَلَهْوٌ} اللعب في الجوارح، واللهو في القلوب. {وَزِينَةٌ} نعم زينة في الملابس، زينة في المراكب، زينة في المساكن، زينة في كل شيء، ولذلك تجد الإنسان ولو كان فقيراً يحب أن يزين بيته بالديكور وغيره، وكذلك سيارته، عنده أزواج إذا أراد الزوج أن يركب سيارة يجعل عليها عقوداً من الأزهار زينة. {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} كل واحد يفخر على الآخر، أنا من القبيلة الفلانية وأنت من القبيلة الفلانية، قبيلتك لا تساوي شيئاً في المجتمع، وقبيلتي قبيلة رفيعة يتفاخرون تفاخر في العلم، يكون هذا عنده علم في الطب وهذا لا يعرف الطب، هذا علمه بالهندسة وهذا لا يعرف فيفخر عليه، وأقبح من ذلك التفاخر بالعلم الشرعي؛ لأن العلم الشرعي يجب على الإنسان إذا اكتسبه ومنَّ الله عليه به أن يزداد تواضعاً وأن يعرف نفسه وقدر نفسه. {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} ومن ذلك ما يحصل بين الشعراء في بعض الأحيان من التطاول على الآخرين والتفاخر، كما يوجد في بعض الأفراح وبعض المناسبات كما نسمع ذلك. {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} تكاثر كل واحد يحب أن يكون أكثر أموالاً وأكثر أولاداً، وهذا كقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14] هذه حقيقة الدنيا، ومع هذا اللهو واللعب والتفاخر والزينة هل تبقى؟ أبداً لا تبقى لا بد أن تزول، وإذا طال بالإنسان زمان عاد إلى الهرم، وفي هذا يقول الشاعر: لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم كل إنسان إذا فكر في عيشه وأنه في نعيم نقول: فما بعد ذلك؟ إما موت أو هرم، إما أن تموت وتنتهي من الدنيا، وإما أن تهرم وتكون عالة على ابنك وبنتك حتى أهلك يملون منك، ولهذا أشار الله عز وجل إلى هذه الحالة، فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] لأنهما إذا بلغا الكبر اختل تفكيرهما، وصارا يتعبان، فأنت إما أن تموت أو تصل إلى حال الهرم، هذا إن بقيت لك الدنيا وإلا فقد تسلب إياها قبل أن تصل إلى الهرم. إذاً نأخذ من هذا الحذر من فتنة الدنيا، وكم من إنسان أطغته الحياة الدنيا فهلك، وفي الحديث القدسي: (إن من عبادي من إذا أغنيته أفسده الغنى) بل قد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم أن تفتح الدنيا عليكم فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، أكثر الفسقة والكفرة من الملأ والأشراف، اقرءوا القرآن! من يكذب الرسل؟ الملأ والأشراف، اعتبروا بالواقع الآن، أكثر ما يفسد في الدنيا هم الأثرياء والأغنياء الذين فتحت عليهم الدنيا، فليحذرها العاقل اللبيب وليقتصر منها على ما ينفعه في الآخرة. ثم ضرب الله لها مثلاً في قوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] . الجزء: 219 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 219 ¦ الصفحة: 7 حكم الجمع بين الصلاتين (الظهر والعصر) لوجود المشقة السؤال أيحق لرجل يعمل في قرية تبعد ما يقارب (200كم) يتردد عليها يومياً أن يجمع الظهر والعصر إذا كان لا يستطيع أن يصلي يعني: يتعب إذا أراد أن يستيقظ من النوم لصلاة العصر؟ الجواب لا بأس، هذا إنسان يقول: يشتغل في قرية بعيدة عن بلده وأنه يأتي متعباً بعد الظهر ويخشى ألا يقوم لصلاة العصر أو أن يشق عليه ذلك مشقة كبيرة، فهل يجمع العصر مع الظهر وينام إلى المغرب؟ الجواب: نعم له ذلك، لأن الجمع أوسع من القصر، القصر ما له إلا سبب واحد وهو السفر، أما الجمع فسببه محدود وليس بمعدود، وهو المشقة، متى وجدت مشقة فاجمع، بل الجمع يجوز لأهون من هذا، إذا خفت أن تفوتك الجماعة فاجمع، ولهذا في أيام المطر يجمع الناس في البلد لماذا؟ لأنه لو لم يجمع فاتته الجماعة، وإلا لو انصرف الناس من صلاة المغرب مثلاً وقيل لهم: صلوا في بيوتكم؛ لأنه مطر فاتتهم صلاة الجماعة، فمن أجل تحصيل الجماعة جاز الجمع. إذاً الجمع جائز للمشقة أو لمصلحة تتعلق بالصلاة. أما مسألة السفر هذه فلا أراه سفراً؛ لأن كل الناس لا يرونه سفراً. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 8 حكم تقليد أصوات الفنانين والممثلين والحيوانات السؤال ما حكم تقليد أصوات الفنانين والممثلين والحيوانات؟ الجواب {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] أصوات الفنانين لا يصلح أن تقلدها، ولا تستمع لهم، ولا خير فيهم، وكذلك أصوات الحيوانات، ماذا يقلد الإنسان؟ صوت كلب ينبح، أو حمار ينهق. السائل: لا. يقلد عصفوراً. الشيخ: عصفور! حتى العصفور، ماذا يقول العصفور؟ قلده وأسمعنا. على كل حال لا يصلح تقليد الحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلحق الآدمي بالحيوان إلا في مقام الذم. السائل: يا شيخ أسد الله؟ الشيخ: هذا يضرب مثلاً بالشجاعة معروف هذا أسلوب عربي. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 9 حكم من مات وعليه صوم من رمضان السؤال فضيلة الشيخ! كان عندي والدي رحمه الله وأسكنه الجنة أمضى أربع سنوات مريضاً أصابه شلل، وفي ذات يوم ونحن في رمضان قال: يا ولدي أخرجني خارج الدار، فأخرجته ثم عدت به إلى سريره قبل أن يصل إلى سريره قال: يا ولدي هل يوجد غداء؟ قلت: يا أبي أنت صائم أم مفطر؟ قال: لا، أنا صائم، قلت: إن كنت جائعاً أمرت أهلي أن يصنعوا لك غداءً؟ قال: لا يا ولدي أنا أقدر على الصبر، قلت: باقي ساعة فقط لا غير، فهل تستطيع أن تصبر أنا ما أريد أن أفطره ولا أريد أن أحرمه الأكل قال: لا، أقدر فعدت به إلى سريره وبعدما وضعته على فراشه ذهبت ائتي ماء فأذن المغرب وجلسنا على الفطور وجاءني ابن أخي فقال: الشيبة "وصلان"؟ الشيخ: ما معنى: "وصلان"؟ السائل: أي: يحتضر، فتركت الفطور ورجعت إليه فجئت وهو لا يدري من يروح ومن يجيء، فاستمر في هذه الحالة إلى ليلة العيد وليلة العيد توفي. الشيخ: مِن متى؟ السائل: رمضان صامه كله إلى يوم الثامن عشر وهو صائم، لكن غلب عليه المرض من بعد يوم الثامن عشر، فمات ليلة العيد، فهل علي شيء أنا عندما طلب الغداء؟ الجواب لا ليس عليك شيء، وعليكم أن تطعموا عن كل يوم مسكيناً في الاثني عشر يوماً. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 10 حكم ترك الشارب وقص اللحى السؤال فضيلة الشيخ: ما حكم ترك الشارب وقص اللحية؟ الجواب لا يجوز هذا، الواجب إعفاء اللحية وتركها، وقص الشارب سنة مؤكدة، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يأخذ من شاربه فليس مني) فذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الأخذ من الشارب، وقال: إنَّ ترك الأخذ من الشارب من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تبرأ منه، وممن صرح بذلك ابن حزم رحمه الله، قال: إن إعفاء اللحية والأخذ من الشارب فرض. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 11 حكم الأخذ من العنفقة السؤال العنفقة هل يجوز الأخذ منها أم تعطى حكم اللحية؟ الجواب إذا رجعنا إلى كلام القاموس يقول: إن اللحية شعر الوجه والخدين، فأطلق قال: شعر الوجه، وهذا يقتضي أن تكون العنفقة وهي التي بين الشفة واللحية من اللحية. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 12 إنكار المنكر يكون حسب الاستطاعة السؤال هل يجب علي إنكار المنكر إذا رأيت إنساناً مسبلاً أو حالق لحيته أو شارب دخان أو سامع أغانٍِ يجب علي إنكار كل منكر كأن أكون في المسجد مثلاً في الحرم وأرى كثيراً مسبلين؟ الجواب {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] الواجب إنكار كل منكر على كل فاعله، لكن {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] لأن كون الإنسان مثلاً في مجتمع أكثرهم حالقو لحاهم ليس من المستطاع أن الإنسان يمسك كل شخص ويقول: هذا حرام، لكن اتق الله ما استطعت، ربما إذا جمعك مجلس مع أحد من هؤلاء تنصحه. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 13 حكم الذهاب للجهاد في الشيشان ويوغسلافيا السؤال الذي يذهب إلى الشيشان ويوغسلافيا للجهاد، هل يعتبر من المجاهدين في سبيل الله؟ الجواب سمعت كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) بالنسبة للشيشان هل طلبوا منا أن نأتي إليهم؟ لأننا يا إخواني إذا لم يطلبوا منا هذا صار الناس عبئاً عليهم، لأن كل واحد يحتاج إلى نفقة، ويحتاج إلى سلاح، ويحتاج إلى مكان، فنكون عبئاً عليهم، ثم ثانياً ربما يقع هذا المجاهد الذي ذهب من غير البلد للشيشان ربما يعثروا عليه جنود الروس، فيقولون: إذاً هذه الدولة أو الجمهورية تئوي أهل الإرهاب فيكون في ذلك ضرر، إنما حق إخواننا الشيشان علينا الآن أن ندعو الله عز وجل لهم في كل وقت؛ لأن سقوط جمهورية إسلامية على يد ملاحدة كفرة طُردوا منها بالأمس فيأتوا اليوم منتصرين ليس هيناً، ثم إن انتصارها أيضاً نواة لانتصار الجمهوريات الأخرى التي قد استعمرها الروس نسأل الله أن ينزل في قلوبهم الرعب، وأن يخذلهم ويردهم من حيث جاءوا. أيضاً: يمنع سريان الإسلام في تلك الجمهوريات فالمسألة خطيرة جداً، وليت المسلمين عرفوا قدر هذه النكبة وقاموا مثنى وفراداً ينكرون على الروس وينكرون على دول الغرب؛ لأن دول الغرب نصرانية كافرة، والروس ملاحدة كفار، والله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] لا تقل: هؤلاء أهل كتاب بدعواهم وهؤلاء ملاحدة كلهم سواء، كلهم حرب على الإسلام، والدليل على هذا تيمور الشرقية جزء من إندونيسيا لكن غالبها نصارى، لما حصل ما حصل في الانتخابات ثارت الأمة الغربية كلها بأسطولها الجوي والبحري والأرضي من أجل تحقيق انفصال هذا الجزء عن إندونيسيا المسلمة، انظر كيف؟ الشيشان الآن دولة مستقلة تضرب بها الروس، الآن تقود الفتيات إلى الفجور، والفتيان إلى المذابح، ولم يتكلموا بشيء، ولكن نحن لا نشرح على الكفار. الكفار كفار، الذي نشرح عليهم هي هذه الدول الإسلامية أين هي عن هذه؟ ولهذا كان الواجب على الدول الإسلامية -أقولها وأرجو الله أن يصل كلامي إلى أسماعهم- أن ينفروا خفافاً وثقالاً إلى نصرة هؤلاء ولو بالكلام، أما السكوت هكذا ولا كأن شيئاً كان، فهو والله مزعج، وليس حزننا أن تهزم دولة مقابل دولة، حزننا أن هذا هزيمة للإسلام، لأن الروس ما تسلطوا هذا التسلط إلا خوفاً من الإسلام، والدول الغربية -قاتلها الله وأذلها وأخزاها- ما سكتت عن الروس أن تفعل ما تفعل؛ إلا أنها ترى في ذلك القضاء على الإسلام مع أننا لا ندري لأني أسمع أن اليهود يساعدون الروس على هذا القتال، ولا يستبعد، اليهود أعداء واضحون. أقول: علينا الآن أن ندعو الله عز وجل، في السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الليل، ويوم الجمعة إذا جاء الإمام حتى أثناء الصلاة أن الله ينصر إخواننا الشيشان ويذل هؤلاء الكفرة والله المستعان. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 14 حكم شراء السيارات بالتقسيط عن طريق البنوك الربوية السؤال تقوم بعض البنوك الربوية ببرنامج تقسيط السيارات لموظفي بعض الدوائر الحكومية ويشترطون على الموظف تحويل الراتب للبنك، أو يختم على الشيك مناولة للبنك، حفظاً لحقهم وبعد ذلك للموظف حق التصرف في راتبه فما الحكم؟ الشيخ: لكن كيفية البيع الذي يكون على هؤلاء؟ السائل: هم يملكون سيارات. الشيخ: السيارات عندهم موجودة؟ السائل: نعم في معرض يقولون: إنه تابع لهم. الشيخ: لا بأس، فمثلاً يقول: اشتر من المعرض سيارة نقداً بخمسين ألفاً ومؤجلاً بسبعين ألفاً مثلاً ولكن نريد أن نرهن الراتب بحيث يحول علينا من أجل أن نخصم القسط؟ السائل: نعم. الشيخ: أقول: هذا جائز ولا شيء فيه. السائل: ألا يكون معاونة لهم على الإثم؟ الشيخ: إذا كنت لا تريد أن تعاونهم فلا تشتر منهم أصلاً. السائل: لكن الحكم أنه جائز. الشيخ: الحكم جائز، الرسول عامل اليهود قبل هديتهم وباع لهم واشترى منهم. السائل: الربا يكون للمسلمين يعني اليهودي كافر أم مسلم؟ الشيخ: الربا حرام على المسلم وغير المسلم. السائل: لكن نقول: الكافر لا ذنب له. الشيخ: بل يؤاخذ. السائل: لكن هل يعاقب؟ الشيخ: يعاقب لا على الحرام فقط بل يعاقب حتى على ثيابه التي يلبس، وأكله الذي يأكل، ألم تسمع قول ربك: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة:93] والذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات عليهم جناح أم لا؟ عليهم جناح. ألم تسمع قول ربك {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] وغير الذين آمنوا ما هي لهم في الدنيا حرام عليهم، وما هي بخالصة يوم القيامة سيجزون عليها. الآن لا تظن أن الكافر يشرب شربة إلا ويحاسب ويعاقب عليها، ولا يأكل لقمة من العيش إلا ويحاسب عليها. السائل: بالنسبة للبنوك لا يملكون السيارات، يقولون: اذهب إلى المعرض وهات ثمن السيارة؟ الشيخ: هذه لا تجوز هذه حرام، مثلاً: يأتي إنسان إلى شخص تاجر بنك أو غيره، يقول: أنا أريد سيارة وأنا ما عندي مال قال: اذهب انظر المعرض الذي تريد وأعطني إياه وأنا أشتريها من المعرض ثم أبيعها عليك، هذه حرام، وهذا أشد من كونه يقول: خذ هذه خمسين ألف ريال بستين ألفاً، لأنه إذا أعطاه خمسين ألف ريال يشتري بها السيارة بستين ألفاً إلى سنة، هذا رباً صريح أم لا؟ بلى. وإذا قال: اذهب اختر السيارة وأنا أشتريها وأبيعها عليك؟ هذه حيلة، وخداع، وفعل الذنب مع الخداع أشد من فعله الصريح لسببين: السبب الأول: أن هذا المخادع -والعياذ بالله- كالمستهزئ بآيات الله، كأن الله لا يطلع على نيته. السبب الثاني: أنه ما دام يعتقد أن هذا حلال سوف يستمر عليه، لكن الصريح يفعله الإنسان وهو خجلان من الله مستحٍ من الله، يترقب أول ساعة تأتيه يمن الله عليه بالتوبة. وأضرب لكم مثلاً بشيء أكبر من هذا، أيهما أعظم ذنباً: كافر يعلن الكفر أم منافق؟ المنافق أعظم، لأن المنافق كافر ومخادع والكافر صريح. إذاً هؤلاء الذين يقولون: اذهب اختر السيارة ونحن نشتريها ونبيعها منك أملى عليهم الشيطان كلمة اغتروا بها، قالوا: إن الذي يريد أن يشتريها ثم يبيعها، لو أن الرجل ترك الشراء بعدما اشتراها التاجر أو البنك كما سأل السائل ترك الشراء فإنه لا يلزمه بها، قالوا: إذا كان لا يلزمه معناه ما صار بيع قبض، فنقول: الأعمال بالنيات، ومتى يأتي شخص يترك الشراء؟! الرجل اختار السيارة هو الذي اقترحها يريد أن يترك ما هو بتارك، وكلمة لو ترك ما خالفناه ما هو بصحيح، لأننا سمعنا أنه يكتب اسمه في القائمة السوداء بمعنى أنه لو أراد المعاملة الثانية لا يعامل. المهم على كل حال أرجو منكم أن تشيعوا بين الناس أن هذه معاملة حرام، ووقوع في الربا، ووقوع في المخادعة. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 15 حكم التصوير بالفيديو السؤال الآن الناس توسعوا في مسألة التصوير بالفيديو حتى صوروا النساء والبنات اللاتي هُنَّ قريبات من البلوغ وهذا يباع حتى في التسجيلات، بنات فوق العشر سنوات تنشد الأناشيد وبحجة أن هذا التصوير جائز، ويوجد الآن في التسجيلات الإسلامية صور لبعض المشايخ الذين توفوا مثل الشيخ ابن باز في التصوير في الفيديو وقد سمعنا أن الشيخ ابن باز منع التصوير وقال: لا أسمح لأحد أن يصورني، فما رأيكم يا شيخ لأننا إذا ناقشنا بعض الإخوان في هذه المسألة قال: هل أنت أعلم من الشيخ ابن عثيمين، لقد أجاز التصوير بالفيديو فجزاكم الله خيراً؟ الجواب نعم صحيح أنا أُجيز التصوير بالفيديو، وليس عندي فيه إشكال، وأجيز الخبز يأكله الواحد إذا أراد أن يتغدى وليس عندي فيه إشكال، سمعت يا أخي؟ لكن لو أن أحداً أكل الخبز يستعين به على المحرم؟ لا يجوز، وإذا أجزنا التصوير هل معناه أننا نجيزه في كل شيء؟ السائل: هذا فهم الناس يا شيخ. الشيخ: رد عليهم، قل لهم: الذي أباح هذا يقول: هو كغيره من المباحات إذا اشتمل على المحرم صار حراماً، ولهذا نحن ننهى ونشدد في تصوير حفلات الزواج، لأنه تخرج النساء بالكاميرا وهذا محرم، بل أنا أمنع من تصوير النساء مطلقاً في الفيديو؛ لأننا لا نأمن أن تكون هذه المرأة جميلة، وكل واحد يعرضها على الناس يقول: انظر! ماذا تقول في هذه المرأة؟ هذه ملكة الجمال، قال: لا، هناك ملكة جمال أحسن منها، أين هي؟ انظر الفيديو الذي عندك، وهكذا يتلاعبون بالنساء، فهذا ممنوع. السائل: تصوير الأموات يا شيخ. الشيخ: اترك تصوير الأموات، هذا إن كانوا يحفرون القبر ويصوروا، هذا لا يجوز. السائل: أقصد قبل موته؟ الشيخ: هذا مصور في حياته، لكن قل: عرض صورته بعد موته ليس تصوير الأموات، لا أعلم فيها بأساً إلا إن خيفت الفتنة، كقوم نوح فهذا يمنع، لو خيف مثلاً أنه إذا صور هذا الشخص العابد أو العالم أنه يبقى تذكاراً عند الناس، ويدعي أنه كلما كسل في العبادة ذهب ينظر صورته، هذا حرام بلا إشكال ويجب إتلافها فوراً. أما إذا صارت لا يأبه بها الإنسان ولا يهمه، فلا شيء فيها. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 16 حكم التبادل في العمل للموظفين مع وجود عوض من أحدهما للآخر السؤال ما حكم الانتقال من مدينة إلى مدينة بالنسبة للموظفين مع إعطاء عوض للآخر من أحدهما؟ الشيخ: يعني التبادل قصدك؟ السائل: إي نعم. الشيخ: إذا سمحت الجهات المسئولة فلا بأس؛ لأن هذا تنازل عن حق معلوم، والجهة المسئولة التي تطالب بالحق سامحة فلا حرج. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 17 حكم بيع العين المشتراة قبل حيازتها السؤال ما حكم شراء السيارة وهي في المعرض وإتيان رجل آخر وشراء السيارة ذاتها وهي لم تتحرك؟ الجواب هذا بارك الله فيك مبني على مسألة: هل يجوز أن تباع السلع في محلها أم لا؟ بعض العلماء يقول: يجوز إذا قبضها المشتري ولو بقيت في المكان، وبعض العلماء يقول: هذا خاص بالطعام يعني: البر والرز وما أشبه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من باع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) لكن الأقرب أنه عام، وأنه لا يجوز للإنسان أن يبيع السلعة في مكان شرائها، خصوصاً إذا كان فيها فائدة، فمثلاً: اشتراها بألف وباعها بألفين، وقال: إن الحديث ورد على هذا لئلا يندم من البائع الأول ويصير في قلبه شيء على المشتري، فتقول له نفسه: هذا الرجل خدعك، اشتراها بألف ثم انظر كيف باعها بألفين! أو بألف ومائة فيكون في قلبه شيء، أما إذا باعها بثمن مثلها أو بأقل قالوا: فلا بأس ولو في مكانها، ولا شك أن الورع وتمام التقوى أن لا تبيعها حتى تئويها إلى رحلك. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 18 وجوب العدل بين الأولاد في العطية السؤال شخص له من البنات إحدى عشرة بنتاً وسبعة أولاد، أعطى البنات مزرعة والأولاد لم يعطهم شيئاً؟ الشيخ: هل الأولاد كبار أم صغار؟ السائل: نعم كبار يا شيخ. الشيخ: هل سمحوا بهذا؟ السائل: إلى الآن هو على قيد الحياة. الشيخ: أقول: هل سمحوا، أي: هل قال لهم: يا أولادي أنا أعطيت أخواتكم كذا وكذا هل تسمحون أم لا؟ السائل: سمحوا. الشيخ: عن طيب نفس؟ السائل: نعم. الشيخ: ما فيه شيء. السائل: فما حظ الأولاد في التركة. الشيخ: لا إذا مات تقسم التركة حسب فرائض الله. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 19 حقيقة الزهد ومزاولة الأعمال الدنيوية السؤال سمعنا من الآيات ما يرغب في الزهد في الدنيا فإذا ترك الإنسان الفرص التجارية وهي أمامه بهذه النية فهل يثاب إذا تركها عمداً وهو يرى أنها تكسبه؟ الجواب الزهد ليس ترك البيع والشراء، لأن الله عز وجل أمر بالبيع والشراء، فقال عز وجل: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة:10] أي: صلاة الجمعة {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الجمعة:10] مع أنه قال قبل ذلك: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] إذاً بم نبتغي من فضل الله إذا قضيت الصلاة؟ بالبيع والشراء، فالبيع والشراء ما فيه بأس، الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يضر في الآخرة، فإذا باع الإنسان واشترى بنية أن يبتغي من فضل الله، بنية أن يستغني بما أعطاه الله عن سؤال الناس وتكففهم، بنية أنه ينفق على أولاده وعلى أهله، بنية أنه يتصدق مما أعطاه الله، صار هذا زهداً، لا تظن الزهد أن يلبس الإنسان ثياباً رديئة ومشلحاً ويركب على سيارة رديئة ويترك مثلاً البيوت التي تناسب حاله، الزهد هذا كما قال شيخ الإسلام أو ابن القيم: ترك ما لا ينفع في الآخرة. فاتركه يبيع ويشتري بهذه النية الطيبة، أن يكف نفسه عن الناس، وأن يقوم بنفقة من ينفق عليه، وأن يتصدق. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 20 حكم أخذ السيارة بالإيجار المنتهي بالتمليك السؤال ما حكم شراء سيارة بالتقسيط المنتهي بالتمليك؟ الشيخ: ما معنى شراء السيارة بالتقسيط المنتهي بالتمليك وبمجرد ما يشتريها يملكها؟ السائل: بالإيجار. الشيخ: طيب قل لي: الإيجار المنتهي بالتمليك، كيف؟ السائل: يعني تكون باسم الشركة ولا تكون باسم المشتري حتى ينتهي من جميع الأقساط ثم ينقلونها بعد ذلك باسمه. الشيخ: معناه بيع معلق. السائل: نعم. الشيخ: البيع المعلق لا يجوز ولكني أقول لك: المسألة الآن تحت أنظار هيئة كبار العلماء، وهي محل البحث، وبعد أن يبحثوا إن شاء الله يتبين، يفتون بما يرشدهم الله إليه إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر. انتظر حتى تخرج الفتوى عن قريب إن شاء الله. السائل: هو قد اشترى يا شيخ؟ الشيخ: يحاول أن ينقد قيمتها الآن. السائل: لا يستطيع. الشيخ: يحاول أن يلغي العقد. السائل: يوجد بينهم عقد. الشيخ: لا يمكن أن يلغيه يقول: تعال يا أخي أجرني السيارة إجارة لا تنتهي بالتمليك؛ لأن هناك فرقاً بين الإيجار وبين الملك، الآن مثلاً: إذا صارت السيارة تحت يدي بالتأجير وتلفت على من تتلف؟ على مالكها، إذا لم يحصل مني تعدٍ ولا تفريط ما علي منها، لو كانت ملكه، تلفت علي، لأنه قد أعطى الرجل ثمنها كاملاً سواء تعديت أو ما تعديت فرطت أو ما فرطت. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 21 حكم صلاة من يخرج منه قطرات من البول السؤال ما حكم الشخص الذي تخرج منه قطرات من البول وهو في الصلاة وفيه مرض، هل يترك الصلاة ويرجع يتوضأ؟ الشيخ: يعني لا يمسك البول، إذا كان هذا الرجل لا يمسك البول كلما جاءه البول نزل عليه أن يصلي ولو نزل منه البول. السائل: لا. بعض الأحيان يمكن أن يتحمل وبعض الأحيان ينزل منه. الشيخ: يمكن يتحمل ويمسك البول؟ السائل: نعم. الشيخ: يمسك البول ويصلي ويخفف الصلاة حتى لو كان مع الإمام ينفصل عن الإمام ويسرع بالصلاة وينتهي. ولما قلنا: وينتهي، انتهى المجلس، وإن شاء الله تعالى إلى مجلس قادم. الجزء: 219 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [220] تناول هذا اللقاء تفسير آيات من سورة الحديد ، والتي تحدثت عن الدنيا وحقيقتها الزائفة وما أعده الله للمؤمنين من مغفرة ورضوان، وما يناله المشركون من عذاب النار. ثم عرج على مسألة المصائب التي تحدث للخلق في السماوات والأرض، وأنها قدرت من قبل الخلق لهذا الكون بخمسين ألف سنة، فلا ينفع الندم ولكن الرضا بقضاء الله وقدره وعدم الفرح بما آتانا الله هو الطريق الصحيح في التعامل مع المصائب. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للعشرين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر رجب عام (1420هـ) . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة) نبتدئ بهذا اللقاء كالعادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير كلماته التامة، يقول الله تبارك وتعالى في بيان حال الدنيا التي ذكر الله عنها أنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر خمسة أشياء {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] هذه حقيقة الدنيا. ثم ضرب الله لنا مثلاً لأن الأمثال تقرب المعاني، إذ أن المثل يعني قياس المعنى على المحسوس {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] (غيث) أي: مطر تنبت به الأرض، وتزول به الشدة، {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] أي: النبات الناشئ عنه، وأعجبهم -أي: استحسنوه- والكفار هم الكافرون بالله عز وجل؛ لأن الكافر تعجبه الدنيا، ويفرح بها، ويسر بها، وقلبه متعلق بها، ليس له هم إلا ما يراه من زينتها ولهوها، فهو قد (أعجب الكفار) أي: الكفار بالله. {نَبَاتُهُ} أي: نبات هذا الغيث، ولماذا خص الكفار؟ لأن الكفار هم الذين يستحسنون الدنيا، ويعجبون منها، وتتعلق قلوبهم بها، أما المؤمنون فهم على العكس لا يهمهم إلا ما فيه مصلحة الآخرة، وقيل: إن المراد بالكفار هنا الزراع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن إطلاق الكفار على الزراع نادرٌ جداً هذا إن صح، والذين يقولون: إن المراد بهم الزراع يقولون: لأن الكافر يكفر الحب -أي: يستره في الأرض ويحرث الأرض عليه- لأجل أن يخرج، ولكن ما قررناه أولاً هو الصواب أن المراد هم الكفار بالله. {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ} [الحديد:20] بعد ما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه {يَهِيجُ} [الحديد:20] أي: ييبس ويجف {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} [الحديد:20] بعد أن كان أخضر نامياً يكون مصفراً ذائباً {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] أي: يتحطم ويتكسر؛ لأنه يبس فماذا كانت النتيجة لهذا الزرع؟ التلف والزوال، هذه حال الدنيا، تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وزوجاتها وغير ذلك، وإذا بها تتحطم. كم من غني كان مسئولاً في أهله منعماً في بيته وفي مركوبه وفي ثيابه وفي كل أحواله وإذا به يعود فقيراً، فتتحطم دنياه، فإن لم يكن مات وتحطمت دنياه بفراقه هذه الدنيا فلا بد من أحد أمرين: إما أن تفارقك الدنيا، وإما أن تفارقها، هذه حال الدنيا وهذا أمرٌ لا يشك فيه بالواقع، لكن النفوس معها غفلة، يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام ويستبعد زوال الدنيا أو زواله هو عن الدنيا. أما الآخرة فاستمع إليها قال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد:20] للكافرين {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد:20] للمؤمنين، فأيهما أحق: أن يؤثر الإنسان الدنيا التي مآلها الفناء والزوال أم الآخرة؟ يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان، مغفرة للذنوب ورضوان بالحسنات {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] هذه الجملة فيها حصر طريقه: النفي والإثبات وهو أعلى طرق الحصر، ما الحياة الدنيا إلا متاع لا غير، ومتاع الغرور يغتر بها الإنسان فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول. كل هذه الجمل وهذه الأوصاف يريد بها الله عز وجل -وهو أعلم- أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغب في الآخرة. وإني سائلكم: مَن زَهِدَ في الدنيا ورغب في الآخرة هل يفوته شيء من نعيم الدنيا؟ الجواب لا، حتى وإن افتقر، فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، ودليل هذا من القرآن والسنة قول الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] حياة مطمئنة مستريح البال فيها، لم يقل: لنكثرن ماله وأولاده وقصوره {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله: (عجباً لأمر المؤمن إنه أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض) قال عز وجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] أي: أن جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل، المصيبة في الأرض كالجدب وقلة الأمطار، غور المياه وصعوبة منالها، وربما يقال أيضاً: الفتن والحروب وغيرها {وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ} أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض، أو فقد حبيب، أو فقد مال، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها. {إِلَّا فِي كِتَابٍ} وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب. قال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) سبحان الله! ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة، ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله عز وجل، لأن أمر الله {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء، والآن ظهر من صنع الآدمي قطعة صغيرة مسجل فيها آلاف الكلمات، أليس كذلك؟ بلى وتسمى الليزر، وهو عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات، قد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة، أو جميع التفاسير، أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي، فكيف بصنع من يقول للشيء: كن فيكون، لما قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمصائب التي تصيب الناس هل هي في أمر سابق؟ أو هي مستأنفة؟ الجواب الأول، ولهذا قال: {إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد:22] . قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22] (الهاء) في قوله: (نبرأها) قيل: إنها تعود على مصيبة، وقيل: على الأرض، وقيل: على الأنفس، وقيل: على الجميع، والصحيح أنها على الجميع، أي: من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء، أي: أن نخلقها، وذلك أن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وخمسين ألف سنة مدة طويلة وهذا مكتوب. إذاً {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الضمير يعود على ماذا؟ أن نبرأ الأرض؟ أن نبرأ المصيبة؟ أن نبرأ الأنفس؟ أن نبرأ الجميع؟ الجميع. و (نبرأها) أي: نخلقها، بكم مدة؟ قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] أي: إن كتابة هذه المصائب يسير على الله عز وجل، كيف يسره؟ لأنه قال للقلم: اكتب فكتب، وهذا يسير أم صعب؟ يسير، كلمة واحدة حصل بها كل شيء {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] كل شيء فهو يسير على الله، لأن الأمر كلمة واحدة (كن فيكون) أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكلمة واحدة، قال الله عز وجل: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53] وقال عز وجل: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14] أي: على وجه الأرض خرجوا من القبور، هذا يسير والله. ولما قال زكريا لله عز وجل حين بشره بالولد: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم:8] قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9] فأنا أوجدتك من قبل أن تكون، فبقدرتي أن يكون لك ولد بعد المدة الطويلة. والله عز وجل لا يعجزه شيء، ولا يستعصي عنه شيء، ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) ثم قال: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد:23] أي: أخبرناكم بهذا أن كل مصيبة تقع فهي في كتاب {لِكَيْلا تَأْسَوْا} [الحديد:23] (اللام) هنا للتعليل، و (كي) بمعنى أن، أي: لئلا تأسوا، ومعنى تأسوا: تندموا على ما فاتكم مما تحبون. {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23] أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما آتاكم من فضله. إذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل فهل تندم على ما فات لأنه مكتوب والمكتوب لا بد أن يقع؟ هل تفرح فرح بطر واستغناء إذا آتاك الله الفضل؟ لا، لأنه من الله مكتوب من قبل فكن متوسطاً، لا تندم على ما مضى، ولا تفرح فرح بطرٍ واستغناء فيما أتاك الله من فضله؛ لأنه من الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) القوي في إيمانه، وليس القوي في بدنه، أصحاب الرياضة يجعلون هذا عنواناً (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) ويقولون: المراد المؤمن القوي في بدنه وهذا غلط، القوي هنا وصف يعود على ما سبقه وهو الإيمان، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) هذا يسميه البلاغيون احتراس بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه، فقال: (وفي كلٍّ خير) ، ثم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولا بد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبداً، ولهذا يقال: دوام الحال من المحال، وتغيير الحال بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه من المحال. نعود إلى الآية {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23] مختال في فعله، فخور في قوله، ومن الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه، أو مشلحه، أو عباءته، أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوباً وإن لم يكن نازلاً لكنه يعد خيلاء. الفخور والمعجب بنفسه هو الذي يقول: فعلت وفعلت وفعلت، يفخر به على الناس، لأنك ما دمت فاعلاً للشيء تريد ثواب الله، ما حاجة أن تفخر به على الناس! بل اشكر الله عليه وحدث به على أنه من نعمة الله عليك. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 220 ¦ الصفحة: 6 من هم أهل السنة الحق؟ السؤال ربما يلتبس على بعض العامة وربما بعض طلبة العلم الفرق بين علماء السنة علماء الحق وعلماء الباطل، ولقد أخبرني أحد الأفاضل أن هناك صفات في العامي أو الملبس عليه أنه لا بد أن يكون مخلصاً في طلبه السؤال والعمل بعد ذلك، وكذاك بذل الوسع والطاقة وأن يسأل فيما يعنيه، وثلاث صفات تكون في العالم وهو أن يكون على الحق، وأن يترضى على السلف رضوان الله عليهم، وأن يرد على من أخطأ، وقد حدثني بحادثة حصلت بينه وبين من ابتلي بالتكفير في خارج المملكة، فقال له: إن كنت تقول: إن حاكم بلدك كافر فعض على ساق الشجرة كما في حديث حذيفة بأن يعتزل الناس، فهل يا شيخ -حفظك الله- هذا الفهم صحيح وهذه التفاصيل صحيحه، ونود أن نستفيد منك يا شيخ؟ الجواب أهل السنة هم المتمسكون بها تمسكاً واضحاً، ولهذا يسمون أهل السنة، فإن قيل: أهل السنة في مقابلة الرافضة الشيعة دخل في هذا الأشعرية وغيرهم ممن ينتسب إلى السنة، ولهذا يقال: سنة وشيعة. وإن أريد بـ أهل السنة المتمسكون بها فهنا يخرج من خرج عن السنة بعدم التمسك بها، فـ الأشاعرة مثلاً في باب الصفات ليسوا من أهل السنة لأن أهل السنة هم المتمسكون بها عقيدة وقولاً وعملاً، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم. ولهذا تجد بعض المصنفين يجعلون أهل السنة ثلاثة أقسام: أشعرية وماتريدية وسلف وهذا غلط، إلا أن يراد في مقابلة الرافضة فلا بأس هم سنة، ولكن الصواب أن أهل السنة هم المتمسكون بها، ولهذا يقال: أهل السنة والجماعة، الجماعة: بمعنى الاجتماع، أي: متمسكون بالسنة مجتمعون عليها. وأما هذه الشروط التي ذكرها في السؤال فلا وجه لها، بل يقال: من تمسك بالسنة عقيدة وقولاً وعملاً فهو من أهل السنة. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 7 حكم (الشيك) الذي يصرف مقابل السلامة في آخر السنة الميلادية السؤال هناك شركة أعمل فيها تدفع لنا شيكاً في آخر السنة الميلادية بقيمة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً مقابل السلامة -أي: الحوادث المرورية- وهذا الشيك لا يشترى به إلا من شركة واحدة وهي شركة سابكو أي: لا تصرفه؟ الشيخ: كم قيمته؟ السائل: قيمته مائة وثلاثة وسبعون ريالاً. الشيخ: مائة وثلاثة وسبعون ريالاً فقط؟! السائل: إي نعم. الشيخ: فقط؟! السائل: فقط هذا مقابل السلامة. الشيخ: يعني مائة ألف ريال؟ السائل: لا، مائة وثلاثة وسبعون ريالاً. الشيخ: فقط؟! السائل: إي نعم. السائل: هذا الشيك يا شيخ. الشيخ: مقابل ماذا السلامة؟ السائل: يعني من الحوادث ومن المخالفات المرورية ولا تُسحب فيه فلوس ولكن مشتروات من شركة سابكو. فالسؤال: هل يجوز بيع هذا الشيك بسعر أقل عن مائة وعشرين وهل يعتبر سلعة أم فلوساً؟ الشيخ: لا يجوز أبداً، لأنك أنت معطاه على أنه دراهم، لكن أنا في شك من هذه المعاملة، على أي أساس أعطوك؟ مسألة السلامة ليس لهم فيها دخل، لكن إذا سلمك الله من الحوادث هل هذا من فعلك؟ السائل: لا. ليس من فعلي. الشيخ: من الله عز وجل. كيف يعطونك عوضاً على شيء ليس من فعلك. ثم إذا كان مكافئة فكيف تكون المكافئة مائة وسبعة وثلاثون ريالاً. السائل: هذا الشيك يا شيخ معي؟ الشيخ: هذه شهادة مكتوب عليها وتخول حاملها الحصول على بضائع بقيمة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً ولا أدري والله، لا أعرف الجواب عنه. السائل: ما الحكم إذا بعته بأقل؟ الشيخ: لا، لا تبعه، رده عليهم. السائل: يا شيخ أنا إذا انتظمت بالمرور فإن هذا يكون حافزاً لي وجائزة من الشركة نفسها. الشيخ: لكن مائة وثلاثة وسبعين ريالاً ماذا يشتري الإنسان بها؟ كرتون تفاح! السائل: نعم، هل أرده يا شيخ؟ الشيخ: إي والله، أرى الأحوط أنك ترده؛ لأنه والله في شك من هذا، إن كانت الأمور هذه عظيمة عندهم فليست جائزة مائة وثلاثة وسبعين ريالاً، ثم مائة وثلاثة وسبعون ريالاً هي مصلحة لهم؛ لأنه يقول: لابد أن تشتري بها حوائج منهم. السائل: لا، ليس منهم من شركة أخرى. الشيخ: أو من شركة أخرى ما عليهم هم، ما دام أنها ملكي أفعل بها ما أريد. السائل: هناك موظفون كثر يمكن عشرة آلاف الشيخ: أما أنا ما عندي فيها جواب، والأسلم لك أن ترده فقط. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 8 أفضل كتب التفسير للمبتدئين السؤال ماذا يستحسن أن يقرأ المبتدئ من كتب التفسير؟ الجواب أحسن شيء إما تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي لأنه واضح وليس فيه تكلف ولا شيء، أو تفسير ابن كثير، والباقي من التفاسير كلها طيبة إن شاء الله، لكن بعضهم غلب عليه مذهب الأشاعرة. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 9 فن تخريج الفروع على الأصول السؤال ما رأيكم في فن تخريج الفروع على الأصول؟ الشيخ: ما معناه؟ السائل: أنا أسألك. الشيخ: تسألني عن فن هو تخريج الفروع على الأصول وما معناه؟ أنا أرى -بارك الله فيك- أن طلب العلم لا بد يكون على أصول، أولها: الكتاب والسنة، ثم المعاني الشرعية التي تعتبرها الشريعة؛ لأن معرفة الأصول مهم، وطالب العلم الذي لا يعرف العلم إلا مسائل فقط ناقص بلا شك، لأنه لو خرج قيد أنملة عن هذه المسائل التي يعرفها وقف، فأنت اعرف الأصول حتى تقيس عليها ما يتفرع عنها. أما تخريج الفروع على الأصول فهذه بعض الناس قد يغالي فيها، فيدخل في الأصل ما ليس منه، وبعض الناس قاصر فيها فيخرج عن الأصل ما هو منه. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 10 من حلف بالطلاق على زوجته إن ذهبت تدعو أحد مشايخ الصوفية الأموات السؤال حلفت على زوجتي بالطلاق بألا تذهب إلى شيخ من مشايخ الطرق الصوفية وهو متوفي، وكان نيتي التهديد وليس الطلاق وذهبت في غيابي فهل تعتبر طلقة؟ الشيخ: ذهبت إلى أين؟ السائل: ذهبت إلى هذا الرجل. الشيخ: وهو ميت؟ السائل: وهو ميت. الشيخ: تدعوه؟ السائل: نعم. الشيخ: هي الآن بانت منك ليس بالطلاق؛ لأنها أشركت وارتدت عن الإسلام، الذي يدعو القبور مشرك شركاً أكبر، فالآن انظر هل تابت أو لم تتب؟ فإن انقضت العدة قبل أن تتوب فلا بد أن تجدد العقد، وإن تابت قبل انقضاء العدة فذلك المطلوب، وإن كانت جاهلة لا تدري أن هذا شرك فهي معذورة، ويبقى طلاقك أنت يميناً تكفره كفارة يمين، ولا تتعود على هذا، المرأة ليست رخيصة. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 11 كيفية معاملة الشيعة السؤال ما التحقيق في مذهب الرافضة وحكم معاملتهم إذا كانوا يعملون معنا في المدارس؟ الجواب أرى أن تعاملوهم كما يعاملونكم، حذو القذة بالقذة، لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] . السائل: ما الحكم إذا رأيته سجد على شيء؟ الشيخ: انصحه. السائل: هل أرد عليه السلام؟ الشيخ: نعم لا بد إذا سلم أن ترد عليه السلام، كذلك إذا تبادلتم أنتم وإياهم العزائم فلا بأس، لكن كما قلت لك: لا بد من مراعاة المصلحة. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 12 من حج عن غيره ومات أثناء الحج السؤال رجل لا يستطيع الحج فأعطى رجلاً أموالاً ليحج عنه فراح ذاك وأدى الحج عنه وتوفي. الشيخ: من الذي توفي؟ السائل: الرجل الذي لا يستطيع أن يحج أعطى رجلاً فلوساً يحج عنه وذهب ذاك الذي معه الفلوس يحج عنه فتوفي. الشيخ: هل توفي قبل الحج أم بعده؟ السائل: توفي في الحج. الشيخ: هل توفي في أثناء الحج؟ السائل: نعم، فمن يعتبر الشهيد الذي أعطى الفلوس؟ الشيخ: الشهيد؟ السائل: نعم. الشيخ: ما في شهادة. السائل: الذي توفي. الشيخ: هل توفي في الحريق؟ السائل: نعم. الشيخ: الذي احترق هو الشهيد. السائل: وهل الذي أعطى الفلوس يعتبر حجه قد انتهى؟ الشيخ: نعم قد انتهى. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 13 حكم وضع العباءة على القبر عند إدخال المرأة قبرها وحكم إدخال المحرم لها في قبرها السؤال نرى عند إدخال المرأة في قبرها بعض الناس يضع العباءة على القبر وقد لا يدخلها إلا محرمها. ؟ الجواب أما وضع العباءة على القبر حين تنزيل المرأة فهذا حسن، وقد ذكره العلماء وقالوا: إن قبر المرأة يسجى عند وضعها فيه -يعني: يغطى- وأما كونه لا يدخله إلا المحرم فليس بشرط، يجوز أن يدخلها محرمها أو غيره، ولهذا لما خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازة إحدى بناته قال: (أيكم لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: انزل. فنزل في قبرها) وزوجها عثمان موجود، وأبوها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم موجود. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 14 حكم حلق الشارب السؤال سمعت بعض أهل العلم يقول: إن حلق الشارب يكون في بعض المناسبات فما هي تلك المناسبات؟ الجواب وأسمعك أن الإمام مالك رحمه الله قال: ينبغي أن يؤدب من يحلق شاربه. أي: يقول الإمام مالك: الذي يحلق شاربه يؤدب؛ لأن السنة إنما وردت في قص الشارب أو حف الشارب أما حلقه بالكلية فيقول: إنه ينبغي أن يؤدب فاعله. وليس هناك شيء اسمه مناسبات، فالشارب لا يحلق. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 15 حكم إفساد غسيل الكلى للصوم السؤال هل غسيل الكلى يفسد الصوم؟ الشيخ: أولاً: بارك الله فيك الذي يحتاج إلى الغسيل هل يمكن أن يغسل في الليل أم لا؟ السائل: لكنهم يغسلون في النهار. الشيخ: أسألك: هل يمكن أن يقول للأطباء: سأكون أغسل في الليل، إذا كان يمكن فلا يجوز في رمضان أن يغسلها في النهار، وإذا كان لا يمكن فإنه يفطر في النهار لأنه مريض، ويقضي فيما بعد. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 16 حرمة سب العلماء وسب غيرهم من الناس السؤال أيهم أكثر إثماً: سب العلماء أو سب الناس العاديين؟ الجواب سب العلماء أشد إثماً؛ لأن سب العالم لا يكون الضرر فيه على شخص العالم بل عليه وعلى ما يحمله من العلم؛ لأن العالم إذا سبه أحد نزل قدره في أعين الناس، وإذا نزل قدره في أعين الناس لم يتقبلوا منه، فيكون في ذلك ضرر على الشرعية التي يحملها، مع أن السب حرام سواء من العالم أو من العامي؛ قال الله عز وجل: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 17 حكم الفصل بين جمع التأخير أو التقديم في الصلاة السؤال إذا ذهبت للعمرة ودخلت الحرم في وقت صلاة العصر، وقد نويت جمع التأخير للظهر مع العصر، ثم وصلت الحرم قبل الإقامة بخمس دقائق تقريباً فصليت الظهر وتأخرت خمس دقائق هذه ثم أقيمت صلاة العصر هل في ذلك شيء؟ الجواب لا. ليس في ذلك شيء. السائل: ما الحكم إذا تأخر الجمع أي: فصل بين الصلاتين؟ الشيخ: إذا كان الجمع جمع تأخير فالفصل لا يضر، وإذا كان جمع تقديم فالعلماء اختلفوا رحمهم الله: هل يضر الفصل أم لا يضر؟ فاختار شيخ الإسلام رحمه الله أن الفصل لا يضر في جمع التقديم كالتأخير، وقال: إن معنى الجمع الضم بأن يصلي الصلاتين في وقت إحداهما ولا فرق بين أن تتوالى الصلاتان أو لا تتوالى. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 18 حكم السلام في المجلس الواحد أثناء طرح السؤال السؤال بالنسبة للسلام في المجلس الواحد إذا سلم -مثلاً- أثناء طرحه للسؤال هل يشرع ذلك؟ الشيخ: لا. السائل: وحديث المسيء صلاته ما تأويله؟ الشيخ: المسيء في صلاته ذهب ورجع. السائل: لكن كان في مرأى من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الشيخ: لا يضر، ما دام ذهب ورجع فليعد السلام، أما إذا كان في نفس المكان فما عهدنا أن الصحابة كانوا إذا أرادوا أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سلموا أولاً. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 19 حكم من اشترى شيئاً لرجل آخر ليبيعه إياه بزيادة في الأجل السؤال إذا كان هناك شخص -مثلاً- يدين سيارات، يذهب هو والشخص الذي يريد سيارة فيحدد نوعها الشخص الذي يريد أن يتدين، فإذا أرادها الشخص الذي سوف يشتريها مثلاً يشغلها ويحركها عن مكانها وينظر فيها ومن ثم يشتريها ويبيعها من الشخص الذي يريدها بثمن زائد عن سعرها في الوكالة هل يجوز هذا العمل؟ الجواب لا، هذا لا يجوز، هذه المسألة صورتها أن شخصاً احتاج سيارة وليس عنده دراهم فذهب إلى تاجر وقال: أنا أريد السيارة الفلانية اشترها لي وآخذها منك إلى أجل بزيادة، هذا محرم، لأنه حيلة؛ فالتاجر إنما اشتراها من أجل الرجل الذي جاء يطلبها وليست عنده من الأول، فإذا كان اشتراها من أجل أن يبيعها عليه بمؤجل مع الزيادة فهذا هو عين الربا، لكنه بدل ما يكون صريحاً صار خداعاً وحيلة، فبدلاً من أن يقول: يا أيها المحتاج إلى السيارة! هذه خمسون ألف ريال اشتر بها السيارة وهذه الخمسون عليك بستين إلى سنة، قال: أنا أشتري السيارة ثم أبيعها لك. فقد اشتراها التاجر من أجل المحتاج هذا ولم يشترها من أجل المحتاج رأفة به، ولهذا يبيعها بزيادة، وهذه لا شك أنها أخبث مما لو قال خذ خمسين ألف ريال وهي عليك بستين ألف ريال، وإنما كانت أخبث لأنها مبنية على الخداع، ومفسدة الربا متحققة فيها، ولا يمكن للربا العظيم الذي رتب الله عليه من العقوبة ما لم يرتب على ذنب دون الكفر، لا يمكن أن يكون حلالاً بمثل هذه الطريقة، لا يمكن للشخص أن يقول هكذا. مثلما قال بعضهم: أنا سأشتري مثلاً ذهباً زنته مائة غرام بذهب زنته ثمانون غراماً، وأنوي العشرين الغرام أنها هبة وتبرعاً. هل هذا معقول؟ ليس بمعقول؛ لأننا لو قلنا: هذا جائز كان كل شخص يقدر على الربا ولا يهمه، ولا تغتر بفتوى من قال بالجواز في المسألة الأولى، فإنه لو تأمل المسألة حق التأمل لوجد أنها حيلة واضحة جداً على الربا، وأنه لا يمكن لهذه الشريعة العظيمة العزيزة الجانب أن تتنزل حتى تحل هذه المعاملة مع تحريم الربا. السائل: إذا كان صاحب السيارة يحتج بأنه لا يجبر المشتري؟ الشيخ: كلمة (لا يجبر) لغو لا فائدة لها، هل هذا الذي جاء يطلب السيارة هل يمكن يهون هو الذي محتاج إلى السيارة، ما يمكن يهون، وقوله: لو هون ما أجبره. هذه كلها كلمة لا يمكن أن ينخدع بها المؤمن أبداً، ولهذا يقال لي: إن هذا الرجل إذا هون يأخذونه على إغماضه ويكتبون اسمه في القائمة السوداء، فلا يعاملونه بعد ذلك، مع أنه ما يهون، وهناك شروط تكتب عليه ما يمكنه من التهوين. والمهم أنه يجب علينا قبل أن نعمل الأعمال أن ننظر من سنعامل، ألسنا نعامل رب العالمين، يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى عليم بالسرائر، وأن نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) وانظر إلى اليهود لما حرمت عليهم الشحوم، أذابوا الشحم ثم جعلوه ودكاً ثم باعوه وأكلوا ثمنه، ما أكلوا الشحم ولا أكلوا الودك، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قاتل الله اليهود) وصدق رسول الله حيث قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) نحن بهذه المعاملات وأشباهها ارتكبنا ما ارتكبت اليهود، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 20 مسمى السلفية في الميزان السؤال درج على وصف فئة معينة من المسلمين بالسلفيين وأن هذا الاسم لا يمتد إلى غيره من المسلمين السؤال هنا: إذا كان الإسلام والسلفية شيء واحد وأنه لا فرق بين مسمى سلفي ومسلم، وعليه كما أن في الإسلام هناك مسلم ملتزم ومسلم عاص ومسلم مبتدع، فهل ممكن أن نقول: هناك سلفي ملتزم وعاص ومبتدع، حتى إننا ممكن أن نصف مغنياً فاسقاً بأنه مسلم، ولكن هل نستطيع أن نسمي هذا المغني الفاسق بأنه سلفي؟ الجواب أولاً: يجب أن نعلم أن السلفي ليس محصوراً على فئة معينة، كل من تمسك بمذهب السلف فهو سلفي، هذا السلفي سواءً تقدم زمنه أو تأخر. وأما أن نجعله في فئة معينة نقول: هؤلاء سلفيون وهؤلاء عقلانيون فهذا غلط، ولكن ليعلم أن من العلماء من يغلب جانب العقل ومنهم من يغلب جانب الشرع، ولهذا تجد في كتب الخلاف الفقهية إذا أرادوا أن يتكلموا عن أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله يصفونهم بأنهم أصحاب الرأي؛ لأن عندهم أصحاب الدليل وأصحاب الرأي. فخذ هذه القاعدة: السلفي من تمسك بمذهب السلف ولا يختص بطائفة معينة، ولا يجوز أن نصنف الناس ونقول: هؤلاء سلفيون وهؤلاء عقلانيون، أو ما أشبه ذلك. أقول: السلفي من أخذ بمذهب السلف عقيدة وقولاً وعملاً في أي مكان، ولا يصح أن نقسم المسلمين ونقول: هذا عقلاني، وهذا سلفي وما أشبه ذلك، بل يجب على الجميع أن يكونوا سلفيين، لا على أنها مسألة حزبية لا، على أنها هي الحق، قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] . الجزء: 220 ¦ الصفحة: 21 حكم (الطربوش) الذي له مقدمة السؤال ما حكم (الطربوش) الذي له زائد؟ الشيخ: الذي فيه هذا الرف؟ السائل: نعم. الشيخ: والله أنا أكرهه لسببين: السبب الأول: أنه عادة حادثة وأنا أحب من المسلم ألا يتغير عن عادته إلا إلى عادة أحسن، ولم تخالف الشرع. والسبب الثاني: أن هذا الرف يؤثر على العين بحيث تضعف عن مقاومة شعاع الشمس، دع المسألة الآن على طبيعتها ولا يضر، ولقد أمسكت شاباً عليه هذا (الرف) في الليل بعد العشاء وقلت له: ماذا تريد بهذه الطاقية؟ لماذا لا تلبس (طاقيات) مثل الناس؟ قال: هي تقي من الشمس. نحن الآن بعد العشاء أين الشمس؟! انظر التقليد الأعمى. فأنا أكرهها لهذين السببين. وأقول: ينبغي لنا أن نكون أعزة في أنفسنا، أقوياء الشخصية، وألا نتحول عن عاداتنا إلا إلى ما هو أحسن منها بشرط ألا يكون مخالفاً للشرع، أما كوننا نتلقى كل شيء منهم فهذا غلط. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 22 حكم لبس النظارة الشمسية السائل: ما حكم لبس النظارة الشمسية؟ الجواب النظارة الشمسية لا أراها إلا لإنسان تحتاج عينه إليها، أما بدون حاجة فغلط؛ لأنه لا يتحمل فيما بعد أن ينظر إلى الشمس بدون النظارة، حاول ألا تلبس النظارة لا الشمسية ولا غيرها إلا إذا احتاجت العين لهذا، بحيث أنك إذا تركت النظارة الشمسية دمعت العين وسخنت فهذا لا بأس. وهناك شيوخ كبار جداً ينظرون إلى الهلال ولا ينظر إليه الشباب الذين عندهم النظارات الشمسية، لكن العين ترى مثل الجسد، إذا رأيتها تعبانة من مطالعة أو تحديق في شيء توقف، كما أنك إذا قصرت توقف عن المشي، فهي عضو من الأعضاء. الجزء: 220 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [221] أرسل الله رسله بالبينات والمعجزات الدالة على النبوة والرسالة، وكانت معجزة كل نبي ورسول بما يناسب الوقت وحال القوم الذين أرسل فيهم، وفي إطار هذا الموضوع كان هذا اللقاء الذي تم فيه تفسير آيات من سورة الحديد تشير إلى ما سبق ذكره. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الإخوة! فهذا هو اللقاء الحادي والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح الذي يتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر شعبان عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما جرت به العادة من الكلام بما ييسره الله عز وجل على آيات من كتاب الله. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) يقول الله تبارك وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:22-24] (يبخلون) أي: يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال وجاه وعلم. مثال الأول: الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينكر، والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات. ومثال الثاني: أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها ليرفع عن هذا الظلم ولكنه يبخل بجاهه. ومثال الثالث: وهو البخل بعلمه، أن يمتنع من تعليم الناس مما علمه الله عز وجل، وأن يبخل بالجواب والفتيا إذا استفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي بها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (البخيل من إذا ذكرت عنده ولم يصلِ علي) اللهم صل وسلم عليه، وهذا نوع من البخل؛ لأنه بخل بما يجب عليه إذ أن القول الراجح: إنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه، بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (رغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل: آمين، فقال: آمين) . قال تعالى: {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24] (يأمرون) أي: يقول هؤلاء للرجل: لا تنفق من مالك فإن مالك ينقص، لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان، لا تتعب نفسك في تعليم العلم، هؤلاء أمروهم بالبخل فصاروا -والعياذ بالله- فاسدين مفسدين. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّ} [الحديد:24] أي: يعرض عن طاعة الله {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد:24] من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه، فهو عز وجل غني بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو (الحميد) أي: المحمود على غناه؛ لأنه ليس كل غني يكون محموداً، فالغني البخيل لا يُحمد، لكن الله عز وجل غني حميد يحمد على غناه؛ لأنه عز وجل واسع كثير العطاء. وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه ولا يضر الله شيئاً، فإن الله غني، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) . الجزء: 221 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب) قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] . قوله جل وعلا: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} هذه جملة مؤكدة باللام وقد والقسم المقدر؛ لأن مثل هذه جملة يقدر فيها قسم، والتقدير: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، ولعل قائل منكم يقول: كيف يقسم الله عز وجل؟ كيف يؤكد الله خبره بالقسم وهو الصادق بدون ذلك؟ هذا محل إشكال والجواب أن يقال: القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يكابر المكابر، فهنا نقول: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] وتقدير الكلام: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وهذا يتكرر في القرآن كثيراً والتقدير كما سمعتم. {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} أي: أعطيناهم الوحي وأمرناهم أن يبلغوه إلى الناس هذا الرسول. وقوله: {بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالآيات البينات الواضحة الدالة على أنهم رسلٌ من عند الله. مثال ذلك: أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وأعطاه آيات بينات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} [الإسراء:101] منها: العصا العجيبة، عصا عادية فيها آيات، من آيات الله فيها أنه لما اجتمع السحرة الحذاق الجيدون بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم وصارت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس، حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة؛ لأنها فوق ما يتصور، سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا وملئوا الأرض حبالاً وعصياً فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين، {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] أوحى الله إليه أن يلقي العصا، فألقاها، فانقلبت هذه العصا حية عظيمة، وجعلت تلقف ما يأفكون من الحبال التي جاءوا بها، أكلتها هذه الحية، وهذه من آيات الله العظيمة، كيف تكون هذه الحية تأكل كل هذه الدنيا؟ أين تذهب؟ لكنها -والله أعلم- بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار تذهب، وإلا فإن بطن هذه الحية لا يسعها، لكن هذه آية! أنتم الآن تتصورون هذه الواقعة خبراً لكن ما ظنكم لو رأيتموها نظراً؟ كان الأمر أشد وأعظم، نحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر والذهن فقط، لكن لو تشاهد الموضوع عرفت أنها آية عظيمة. الآية الثانية في هذه العصا: أن موسى استسقاه قومه -أي: طلبوا منه الماء- فضرب حجراً من الأحجار فتفجر عيوناً اثنتي عشرة عيناً، الماء ينبع من هذا الحجر الذي ضرب به العصا؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر نقيباً أليست هذه آية؟ بلى، حجر أصم تنبع منه العيون بدون حفار وبدون أي شيء آية من آيات الله. الآية الثالثة: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى أنهم هالكون، وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] ما لنا مفر، البحر أمامنا إن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] ولكن انظر إلى الإيمان واليقين: {قَالَ كَلَّا} [الشعراء:62] لن ندرك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] أي: سيدلني على ما فيه النجاة، فأوحى الله إليه {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء:63] ضرب البحر مرة واحدة بالعصا فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد النقباء من بني إسرائيل {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:63] أي: كالجبل العظيم، الأرض في الحال يبست {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} [طه:77] والماء على أيمانهم وعن شمائلهم كالجبال، وانظر إلى الإيمان أيضاً كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم لكنه الإيمان؛ لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولا بد، هذه من آيات الله عز وجل. عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله آيات بينات كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذان الداءان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن، اللهم إلا الأكمه ربما، كان عيسى يحيي الموتى بإذن الله، يقول للجنازة أمام الناس: احيي فتحيا بإذن الله، كان يخرج الموتى من قبورهم، يقف على القبر ويأمر صاحب القبر أن يخرج حياً، من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟ جعله الله آية لهذا النبي. كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير! قال الله عز وجل: {فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49] وفي قراءة ثانية: فيكون طائراً، وإذا جمعت بين القراءتين صار طيراً بإذن الله يطير؛ لأنه ما كل طير يطير، النعامة لها جناح ولكنها لا تطير، لكن يكون طيراً يطير يشاهد في الجو، وهو خلقه من طين! من يقدر على هذا؟! ثم بعد الموت وإيجاد من العدم، هذا لا يقدر عليه إلا الله جعله الله آية لعيسى. فإن قال قائل: لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور؟ قال أهل العلم: إن الله عز وجل حكيم، يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت وحال الناس حتى يعجزهم، يقولون: إن السحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى؛ فأراهم الله آية يعجزون عنها بسحرهم، ولهذا في قصة موسى السحرة العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120] ما سجدوا كأنهم بغير اختيار، دهشوا فسجدوا، وقالوا إعلاناً: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف:121-122] . عيسى عليه السلام ترقى في عهده الطب ترقياً عظيماً فأعطاه الله تعالى آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثله. أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله عز وجل بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ولو أن بعضهم عاون بعضاً لا يأتون بمثله، وصدق الله عز وجل، القرآن كلام الله فكما أن الله ليس كمثله شيء فكلامه ليس كمثله كلام، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى تقوم الحجة. قال: وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً) وحصل ما توقع والحمد لله، وأكثر الأنبياء تابعاً هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم، القرآن العظيم باق وكل الناس يقرءونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيماناً ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات؟ هنا الحاجة واقعة بل للضرورة، بل للعقل أيضاً، لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول: إنه رسول ثم يتبع، لا بد أن تكون هناك بينة تدل على أنه رسول. لو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال: إنه رسول ولم يأت بآية، فالناس معذورون إذا لم يتبعوه، وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول، أما بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالنبوة انقطعت لأنه كان خاتم النبيين، لذلك لا بد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم، وعلى صحة ما جاءوا به من الشريعة. {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] (الكتاب) الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليه، وما من رسول إلا معه كتاب بخلاف النبي، فالنبي قد لا يكون معه كتاب، لكن الرسول لا بد أن يكون معه كتاب؛ لأنه رسول لا بد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم، وقوله: (الكتاب) هل هو واحد أو المراد الجنس؟ المراد الجنس، يعني: الكتب، لأنه قال: {رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [الحديد:25] ليس كتاباً واحداً بل كل رسول معه كتاب، وقوله: {وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] أي: العدل، الذي توزن به الأشياء ويعرف قدرها وحالها، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بعث به الرسل، لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وقد قال الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] أي: العدل والمقايسة بين الأمور. {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] أي: ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط والعدل في حق الله وفي حق العباد، فما هو العدل في حق الله؟ العدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ معاذ بن جبل حين قال له: (أتدري يا معاذ! ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً) قوله: (ألا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئاً) ح الجزء: 221 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 221 ¦ الصفحة: 5 حكم الذكر بعد إقامة الصلاة السؤال هل ورد الذكر بعد إقامة الصلاة كقوله: اللهم رب هذه الدعوة التامة أو قوله: أقامها الله وأدامها أم هل السكوت أفضل من ذلك؟ الجواب جواب هذا السؤال ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، فمن صحح الحديث قال: إنه يجيب المقيم كما يجيب المؤذن، ويدعو ويقول في الإقامة: أقاماها الله وأدامها، ويدعو بعد انتهاء الإقامة بما يدعو به بعد انتهاء الأذان؛ لكن الحديث ضعيف، والقول الراجح: أنه لا يقول شيء ولا يتابع المقيم، ولا يدعو بدعاء الأذان. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 6 حكم تقسيط الزكاة على رجل لا يحسن التصرف فيها السؤال رجل يريد إخراج زكاة ماله وله قريب من أهل الزكاة، ولكن هذا القريب لا يحسن التصرف في المال، فلو أعطي ما يكفيه شهراً لأنفقه في أسبوع فهل لهذا المزكي أن يبقي المال لديه ولو لعدة شهور ينفق منه على قريبه حسب حاجته؟ الجواب إذا كان له ولاية على هذا القريب فلا بأس، وإن لم يكن له ولاية فيعطيه ما يحتاجه لمدة قليلة ويصرف الباقي إلى غيره من الفقراء. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 7 حكم المسافر يقصر خلف متم للصلاة السؤال رجل صلى العصر فجاء خلفه رجلان، ثم صليا معه وهو يتم صلاة العصر، فلما قام من التشهد الأول جلس الرجلان حتى أتى بالركعتين ثم سلم فسلما معه، فما حكم صلاتهما؟ الشيخ: أي: أنهما مسافران. السائل: نعم. الشيخ: صلاتهما هذه غير صحيحة، وقل لهما: يعيدان الصلاة، لأن المسافر إذا صلى خلف من يتم لزمه الإتمام، والدليل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه) وهذا اختلف على الإمام بدون عذر، فعليهما أن يعيدا الصلاة، وليعلم أن المسافر إذا أدرك ركعة مع الذي يصلي أربعاً أو أقل ولو في التشهد الأخير لزمه الإتمام، لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . الجزء: 221 ¦ الصفحة: 8 حكم دخول لبس الغترة والجورب والخف في اللباس الأبيض المستحب إذا كانت بيضاء السؤال هل تدخل لبس الغترة البيضاء والجورب الأبيض والخف الأبيض في قوله: (خير لباسكم البياض) ؟ الجواب أما الخف فلا، لأن هذا يتبع أعراف الناس، وأما اللباس الآخر فنعم يكون هذا أفضل، ولكن إذا قدر أنه يريد أن يلبس ثوباً آخر كثياب الشتاء الملونة نقول: لا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لبس الثياب الملونة ولبس العمامة السوداء ولا حرج، وظاهر الحديث أنه يستحب لبس البياض على غيره. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 9 حكم من دخل في الصلاة لمفرده ثم أقيمت جماعة أخرى السؤال دخلت المسجد والإمام قد فرغ من الصلاة وشرعت أنا في الصلاة وإذا باثنين بعدي يدخلون في صلاة جماعة ثانية فما الحكم بالنسبة لي؟ الجواب إن أتم صلاته فلا حرج عليه، وإن انصرف منها وابتدأ الصلاة من جديد مع اللذين دخلا فلا حرج، لأن أجر الصلاة الأولى انتهى، أي: أن الجماعة الثانية لا تنال عشرين درجة، لكن لا شك أن صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاة الواحد. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 10 الطريقة المناسبة للتمكن من علم التفسير السؤال كيف يتمكن طالب العلم من علم التفسير وما هي الطريقة المناسبة للتمكن من فن التفسير؟ الجواب على كل حال الله عز وجل يعين من شاء من عباده، لكن الطرق أن يعرف الإنسان معنى كلام الله من المفسرين الموثوقين في علمهم وفي دينهم وأمانتهم، لأن بعض المفسرين عنده علم جيد في التفسير لكنه لا يؤمن من جهة العقيدة، فأحسن التفاسير مما اطلعت عليه تفسير ابن كثير رحمه الله وتفسير ابن السعدي وتفسير القرطبي على أن فيه بعض الشيء، وتفسير الشوكاني أيضاً لا بأس به وأظنه لا يخلو من الملحوظات، والمسألة فهم يؤتيه الله من يشاء، ولهذا لما قيل لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [هل خصكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله تعالى من شاء في كتابه] . الجزء: 221 ¦ الصفحة: 11 حكم الاستجمار إذا تعدى الخارج موضع العادة السؤال هل يجوز الاستجمار إذا تعدى الخارج موضع العادة؟ الجواب ظاهر السنة أنه جائز إذا كان التعدي يسيراً، أما لو كان البول ترشرش على الفخذ أو على قصبة الذكر؛ فإنه لا بد من غسله. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 12 حكم صلاة من أم الناس في الصلاة وقد نسي الصلاة على النبي السؤال إمام صلى فنسي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام فما الحكم؟ الشيخ: يصلي. السائل: نسي وسلم. الشيخ: يعود إلى التشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكمل التشهد ويسلم ثم يأتي بسجدتي السهو. السائل: كيف يخبر الجماعة إذا قاموا وذهبوا؟ الشيخ: الذين ذهبوا ما عليه شيء، وأما الذين بقوا معه فسيعملون عمله. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 13 حكم الإجابة على الأسئلة الشرعية التي تحدث في المجالس السؤال في المجالس أحياناً يسأل الإنسان عن مواضيع يمكن تكون بسيطة لكن خشية الإجابة عليها يدخل حديث للمجالس ومناقشات في أمور الدين وممكن يتكلم فيها جهال فيخطئون في أشياء كثيرة، فهل نسكت عن هذا؟ الجواب أولاً يسأل يقول: إذا كنا في مجلس وكثرت الأسئلة الموجهة إلى طالب العلم هل يجب أن يجيب عن كل سؤال؟ هذا سؤالك؟ السائل: أو أي واحد في مجلس أو اجتماع. الشيخ: لا يجوز أن تستفتي إلا من يغلب على ظنك أنه أهل للفتوى؛ لأن هذا دين فانظر عمن تأخذ دينك. أي واحد يتصدر بين عوام ثم يتكلم العامي يظن هذا بحر العلوم لا يدريه، لكن لا تتوهم ولا تستفت خصوصاً في وقتنا هذا الذي أصبح كل واحد يفتي إلا من تثق بعلمه ودينه. السائل: يعني لا يجاوب على الأسئلة البسيطة. الشيخ: أنت تسأل عن العالم هل يجاوب أم لا يجاوب؟ أو تسأل عن السائل: هل يسأل أو ما يسأل؟ الشيخ: أنا لا أدري هل أنت عالم أو غير عالم. السائل: الذي يسألني هل أقول: اسأل العالم الفلاني أم ماذا؟ الشيخ: يجوز أن تحول على إنسان آخر. السائل: ولو كنت أعرف أنا الجواب؟ الشيخ: ولو كنت تعرف خصوصاً إذا خشيت على نفسك الفتنة؛ لأن الفتوى في الحقيقة سحر، إذا أفتى الإنسان وصار يفتي أصبح لا ينزل عنها أبداً، فهي في الحقيقة تأخذ بلب الإنسان إذا خشيت الفتنة قل: اسأل فلاناً. السائل: والآية {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] ؟ الشيخ: نعم {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] لكن أنت ما بخلت، أنت أهديته إلى من هو أوثق منك في العلم وأدرى منك وهذا ليس ببخل، ولهذا كان السلف الصالح يتدافعون الفتيا، يقول: اذهب إلى فلان اذهب إلى فلان. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 14 حكم الأذان لمن كان قريباً من البلد وقد حضر وقت الصلاة السؤال إذا كان هناك مجموعة أشخاص قريبين من البلد وحضر وقت الصلاة ويريدون أن يصلوا هل يجب عليهم الأذان أو يكتفون بالإقامة ويصلون؟ الشيخ: هل هم يسمعون الأذان أم لا؟ السائل: يسمعون عبر مكبرات الصوت. الشيخ: نعم لا يخالف، يكفي. ما دام أنهم قد سمعوا الأذان بقي عليهم الإقامة فليقيموا. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 15 حكم الخروج للدعوة إلى الله عز وجل في باكستان السؤال هذا شاب أراد أن يخرج إلى الدعوة إلى الله عز وجل في باكستان، وأراد أن يخرج زوجته معه، فأخرج لها جوازاً وخرج بها إلى الدعوة إلى الله في باكستان، وعندما عاد أخبر كثيراً من الشباب عن حركته في الدعوة هناك وعن نشاطه فتحمس الشباب إلى هذا الأمر، وأرادوا أن يفعلوا أو يحذوا حذوه، فنريد بيان هذه المسألة حفظكم الله إن كان الأمر جائزاً وتبيينه لكثير من الشباب لوقوعهم في ذلك؟ الجواب بارك الله فيهم وفي علمهم ودعوتهم، قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو الناس مرحلة مرحلة، الأقرب فالأقرب، هؤلاء الإخوة الذين ذهبوا إلى باكستان أو غيرها من البلاد الخارجية لماذا لا يعملون في داخل المملكة؟! الآن هناك جهات من المملكة لا يعرفون كيف يتوضئوا، بل وبعضهم لا يعرف كم عدد الصلوات!! فهم في حاجة شديدة. قد يقولون: والله نحن لا نتمكن لأننا لا نعطى رخصة، فإذا وصلت الحال إلى هذا فلا بأس أن يخرجوا، ولكن يجب أن يكون لهم رئيس يرجعون إليه فيما يشكل عليهم، حتى لا يتخبطوا في دين الله فيضلوا ويضلوا عباد الله. السائل: وما حكم خروج النساء؟ الشيخ: خروج النساء لا بد، كون امرأته معه يحفظها وتحفظه خير من كونها تبقى فتضيع وهو أيضاً ربما يضيع. السائل: لكنه يدع أولاده عند الناس يكفلونهم. الشيخ: إذا لزمه أن يذهب بامرأته ويدع الأولاد فإن هذا غلط، حتى هو نقول له: لا تذهب بالأولاد، أولادك أحق منك، والآن الشوارع مخيفة من جهة الشباب، إذا لم يكن عند الإنسان عناية بأولاده مع التوكل على الله وسؤال الهداية لهم فإنهم على خطر. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 16 كيفية التخلص من الشيكات التي تأتي من البنك الربوي للمساهم فيه السؤال شخص ساهم في أحد البنوك الربوية منذ عشرين سنة تقريباً، ويأتيه بين الفينة والأخرى شيكات من هذا البنك، فهو لا يدري كيف يتصرف فيها. ؟ الشيخ: شيكات أي أوراق؟ السائل: هي أرباح من البنك. فهو يسأل الآن كيف يتصرف فيها هل يبيع الأسهم ويتخلص منها أم يأخذ هذه الأرباح؟ الشيخ: المشكلة أنه إذا باعها على من يبيعها؟ السائل: على أناس آخرين. الشيخ: هل يتعاملون بالربا؟ السائل: إي نعم. الشيخ: إذاً أعان على الربا. السائل: إي نعم. الشيخ: أرى أن يبقى على ما هو عليه، ولكن الأرباح التي تأتي -وأقول: أرباحاً تبعاً للعرف وإلا ليست ربحاً إنما هي خسارة- يقول للبنك: لا أريدها. السائل: ما يدعونه، يقولون: خذها. الشيخ: فإذا قالوا: لا نقبلها ضعها على الماسة ما علينا منك، فإنه يأخذها ويتصدق بها. السائل: يرسلونها بالبريد. الشيخ: حتى لو أرسلوها بالبريد يردها بالبريد، لكن إذا قالوا: لا نقبلها إطلاقاً، فيأخذها ويتصدق بها. السائل: يتصدق بها على نية التخلص منها؟ الشيخ: نعم على نية التخلص منها، لا على نية التقرب. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 17 حكم رفع أحد أعضاء السجود أثناء الصلاة السؤال فضيلة الشيخ: إنسان رفع أحد أعضاء السجود هل تبطل صلاته وهو ساجد؟ الجواب الظاهر أنه إن رفع في جميع السجود -أي: ما زال ساجداً وهو رافعٌ أحد الأعضاء- فسجوده باطل، وإذا بطل السجود بطلت الصلاة، وأما إذا كان رفعه لمدة يسيرة مثل أن يحك رجله بالأخرى ثم أعادها فأرجو ألا يكون عليه بأس. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 18 ظهور علاج جديد للسكر السؤال ظهرت الآن في الآونة الأخيرة خاصة في الحجاز شيء يسمى الزهرة، وهي عبارة عن زيت طحلب يوضع في ماء وبعد أسبوع يضعون لها الشاي والسكر والماء. الشيخ: وأين يضعونها؟ السائل: يضعونها وسط الشاي والماء والسكر وتظل أسبوعاً كاملاً الشيخ: ما الذي يوضع؟ السائل: شيء مثل الطحال يسموه الزهرة. الشيخ: قل لي: شجرة. السائل: نعم هم يسموها الزهرة وهي عبارة عن طحال، وإذا استمرت أسبوعاً كاملاً يكون لها مثل رائحة الخمر تقريباً، فهذه يقولون: إنها دواء لجميع الأمراض، وبدأت تنتشر الآن في الحجاز بصفة كبيرة جداً حتى أن الناس يحجزون إلى سنة كاملة، ويقولون: إنه لا يجوز بيعها بل لا بد أن توزع مجاناً، فما حكم هذا الفعل يا شيخ؟ الشيخ: لم أسمع بهذا. السائل: ظهرت ولها ستة شهور. الشيخ: وهذه إن صحت ستغلق جميع المستشفيات، ما دامت شفاء من كل داء. السائل: يقولون: إنها دواء للسكر. الشيخ: السكر إذا أكله المصاب بداء السكر ارتفع عليه وهلك. السائل: إذا شرب من هذه فإنه يشفى منه. الشيخ: المصاب بالسكر؟! السائل: إي نعم. الشيخ: خاصة؟ السائل: إي نعم. الشيخ: إذاً الحمد لله راح عنا التعب الآن. السائل: لكن يا شيخ لو ثبت أنها في انتشار فهل هناك بأس؟ الشيخ: والله يا أخي! انظر الشيء الذي على غير علم هذا لا تصدق به. السائل: وإن ثبت بالتجارب؟ الشيخ: لا أدري هل جربتها؟ السائل: لا ما جربنا الشيخ: هل جربها أحدٌ من أقاربك؟ السائل: إي نعم. الشيخ: بماذا هم مصابون؟ السائل: بالسكر. الشيخ: وهل شفوا من ذلك؟ السائل: يقولون: خف المرض كثيراً. الشيخ: إذا ترك الإنسان أكل الحلا وأكثر من شرب المر يخف أحياناً يقولون للمصاب بالسكر يخف أكثر من اللازم يقولون: وقف لأن المصاب بمرض السكر يكون غير متزن، إذا خف أحياناً كثيراً وينزل كثيراً فلا بد من الانضباط. وعلى كل حال لا أدري عن هذا شيئاً ولا أشير به، شيء ليس له أصول لا يمكن أن يقبل. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 19 حكم التحميد بعد العطاس في الصلاة سرا ً السؤال هل يجوز التحميد بعد العطاس في الصلاة سراً؟ الشيخ: يحمد الله، وهذا ثبت بإقرار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن معاوية بن الحكم دخل في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعطس رجل، فقال: (الحمد لله، فقال له معاوية: يرحمك الله، فرماه الناس بأبصارهم -أي: نظروا إليه نظر المنكر- فقال: واثكل أماه -وهي كلمة تُقال عند التوجع- فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونه فسكت) فلما انصرف من صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال له: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس أو من كلام الآدميين إنما هي للتسبيح والتكبير وقراءة القرآن) . فإذا عطس المصلي فإن من السنة أن يحمد الله، ولكن لو وجد سبب ذكر آخر والإنسان يصلي هل يقول أم لا؟ نقول: يقوله فيما جاءت به السنة، مثلاً: لو حدث أن بدأ يهوجس في الصلاة فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. طيب! لو سمع نباح كلب؟ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سمع صياح الديك؟ يقول: أسأل الله من فضله. سمع المؤذن يؤذن هل يجيب أم لا يجيب؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجيب، لأن هذا ذكر وجد سببه في الصلاة، ولكن في النفس من هذا شيء بالنسبة للأذان؛ لأن الأذان سوف يستغرق جزءاً كبيراً من الصلاة ويشغلك عنها، فالأولى ألا يجيب المؤذنين، لكن من الممكن أنه إذا سلم أجاب المؤذن قضاءً. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 20 حكم تقصير المرأة لشعرها السؤال نقل لي أحد الإخوة عن طريق الهاتف أنكم لا تجيزون للمرأة أن تقصر شعرها أقل من الكتفين، وقد سمعت منكم حفظكم الله في نور على الدرب في فتوى لكم أنكم جوزتم ذلك واستدللتم بدليلين: الأول: ما ورد عن أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صحيح مسلم أنهن بعد وفاة النبي قصرن شعورهن حتى كن كالوفرة. فرجعت إلى لسان الميزان وغيره ووجدت الوفرة إلى شحمة الأذنين، ويفرقون بين الوفرة والجمة واللمة فما الفرق بين هذه وهذه؟ الجواب الفرق أنه لكل حادث حديث، الرجال الآن بدأ كثير منهم يقص رأسه إلى حد الكتف أو أعلى قليلاً، فحينئذٍ وقعت المرأة فيما يباح لها، وقعت في التشبه بالرجال، والتشبه بالرجال ممنوع، على أن بعض أهل العلم يحرم أخذ المرأة من شعر رأسها مطلقاً إلا في الحج والعمرة، ويجيب عن فعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهم بأنهن فعلن ذلك إظهاراً لكونهن لا يصلحن للزواج بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن كثرة الشعر ووفرة الشعر وطول الشعر من الأمور التي تعد جمالاً للمرأة، لكن على كل حال هذا التعليل فيه نظر، والأقرب أنه يجوز لها ما لم يكن قصها على وجه المشابهة للنساء الكافرات، أو مشابهة لرءوس الرجال. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 21 حكم لبس الذهب الأبيض وما هو أغلى من الذهب السؤال ما حكم لبس الذهب الأبيض للرجال؟ الشيخ: الذهب الأبيض!! هل هناك ذهب أبيض؟ السائل: نعم هناك ذهب أبيض. الشيخ: لا يوجد ذهب أبيض يا رجل. الله المستعان! السائل: يسمونه ذهباً أبيض، رأيت رجلاً يلبس خاتماً من ذهب أبيض فقال لي: إنه ذهب أبيض. الشيخ: لا نعرف الذهب الأبيض يا رجل. السائل: موجود يا شيخ. الشيخ: ليس له لون الذهب الأحمر؟ السائل: نعم. الشيخ: إذن لو رأيته فليس بذهب. السائل: لكن اسمه ذهب يا شيخ. الشيخ: الاسم لا عبرة به، الناس الآن يسمون البترول ذهباً أسود، هل نقول: الإنسان لا يجوز أن يلبس البترول؟! يلصقه بيده ويكون لابساً ذهباً؟! على كل حال انظر يا أخي الذهب هو الأحمر وما كان أبيض فليس بذهب ولو سمي ذهباً، لكن إذا لبس هذا فإنه يعد إسرافاً وصار محرماً من جهة الإسراف، وعلى هذا فإذا لبس الفقير هذا الخاتم، قلنا: حرام عليك؛ لأنه يعد في حقه إسرافاً، وإذا لبسه الغني لم يكن حراماً عليه لأنه لا يعد إسرافاً. السائل: وما حكم لبس ما هو أغلى من الذهب؟ الشيخ: إذا كان أصله ذهباً أحمر هذا ينظر فيه، أما إذا كان معدناً مستقلاً فهو جائز ولو سمي ذهباً، ولو كان أغلى من الذهب. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 22 حكم الدراسة للحصول على شهادة من أجل رفع راتب الموظف السؤال موظف قيل له: إن حصلت على شهادة كذا وكذا زاد مرتبك كذا وكذا، فهل يؤجر على إكمال دراسته ليحصل على زيادة في المرتب؟ الجواب هل هذه الدراسة دراسة شرعية أم هي دراسة دنيوية كالهندسة وما أشبه ذلك؟ إن كانت الأولى فلا يجوز، وإن كانت الثانية فلا بأس. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تبارك وتعالى، والحمد لله رب العالمين. الجزء: 221 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [222] فرض الصيام في شهر رمضان فأصبح أحد الأركان الخمسة في الإسلام، وفي هذا اللقاء أزاح الشيخ الستار عن الأحكام المتعلقة بالصيام، فتحدث أولاً عن شروط وجوب صوم رمضان، ثم انتقل إلى تعريف الصيام وذكر مفطراته، كما بين الشروط الواجب توافرها في الصائم حتى إذا ارتكب مفطراً من المفطرات فسد صومه. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 1 من أحكام الصيام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو العاشر من شهر شعبان عام (1420هـ) . وبما أن شهر رمضان المبارك قد قرب، نسأل الله أن يبلغنا وإياكم صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً، وبما أن الخميس القادم ليس فيه لقاء نجعل هذا اللقاء فيما يتعلق بالصيام. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 2 حكم الصيام والتدرج في الأمر به فنقول: الصيام فرض على المسلمين بإجماع المسلمين، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، فهو الركن الرابع بعد الشهادتين والصلاة والزكاة، أي: هو الذي يلي الثلاثة، والخامس حج بيت الله. وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع، فصام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسع رمضانات بالإجماع أيضاً. وكان الصيام أول ما فرض يخير فيه المسلم بين أن يصوم، أو يفدي عن كل يوم إطعام مسكين لقول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] ثم نزلت الآية بعدها فأوجب الله تعالى الصوم عيناً بدون تخيير، فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] . الجزء: 222 ¦ الصفحة: 3 شروط وجوب الصيام لا يجب الصوم أداءً إلا بشروط: أولها: العقل. الثاني: البلوغ. الثالث: الإسلام. الرابع: القدرة. الخامس: الإقامة. السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للنساء. - الأول: العقل وضده فقد العقل، سواءً بجنون خرف يعني: هرم، أو حادث أزال عقله وشعوره، فهذا ليس عليه شيء؛ لفقد العقل، وعلى هذا فالكبير الذي وصل إلى حد الهذرمة ليس عليه صيام ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وكذلك من أغمي عليه بحادث أو غيره فإنه ليس عليه صوم ولا إطعام؛ لأنه ليس بعاقل. - الثاني: البلوغ وضده الصغر، فمن دون البلوغ لا صوم عليه، لكن يؤمر به إذا أطاقه بلا ضرر، فإنه يؤمر به ويأمره به وليه، ليعتاده ويسهل عليه بعد البلوغ. - الثالث: الإسلام، فغير المسلم لا يلزم بالصوم، ولو صام لم يصح منه، لفقد شرط القبول وهو الإسلام، وليس معنى هذا: أننا نسقط عنه عقوبة تركه، بل هو يعاقب على تركه يوم القيامة، لكننا في الدنيا لا نطالبه به ولا نأمره بقضائه بعد إسلامه، والدليل قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] ولم يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحداً ممن أسلم أن يقضي ما أفطره، ولأننا لو أمرنا المسلم أن يقضي ما كان قبل إسلامه لكان في ذلك تنفير عن الإسلام، فكان مقتضى الدليل والنظر الصحيح: ألا يؤمر الكافر إذا أسلم بقضاء ما ترك، لكن لو مات على كفره عوقب على تركه، أي: ترك ما يجب على المسلم. - الرابع: القدرة على الصيام، فالعاجز عن الصيام لا يجب عليه الصوم، ولكن إن كان عجزه مستمراً لا يرجى زواله أطعم عن كل يوم مسكيناً، وإن كان عجزه يرجى زواله كالمريض مرضاً معتاداً فإنه ينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] . - الخامس: الإقامة، وضدها السفر، فالمسافر لا يجب عليه الصوم، ولكنه يقضي إذا رجع عن السفر، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] فإن سافر في أثناء اليوم يعني: كان مقيماً وصام ثم سافر في أثناء اليوم فله الفطر؛ لوجود السبب المبيح للفطر وهو السفر، كما أنه لو أذن للصلاة وهو مقيم ثم سافر بعد الأذان فإنه يصلي ركعتين ولا يصلي أربعاً، لوجود السبب المبيح للقصر، وإن قدم بلده وهو مفطر لم يلزمه الإمساك بل يبقى مفطراً ويقضي ذلك اليوم كما يقضي سائر الأيام التي أفطرها. - السادس: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، فإن كانت المرأة حائضاً فإنها لا تصوم بالإجماع، ولو صامت لم يقبل بالإجماع، فإذا طهرت في أثناء اليوم لم يلزمها الإمساك، بل تبقى على فطرها لأنها ستقضي هذا اليوم، وإن حاضت في أثناء اليوم أفطرت ولا يحل لها الاستمرار في الصوم لوجود المفسد وهو الحيض. واعلم أيها الطالب: أن وضع الشروط والأركان والواجبات عند أهل العلم مما يقرب العلم ويسهل الحصول عليه، لأنهم رحمهم الله جمعوا هذه الشروط من نصوص الكتاب والسنة ورتبوها، فكان في ذلك تسهيل للعلم، وأما قول بعض المحدثين: إن هذا من البدع. فالجواب على هذا أن نقول لهم: ومن البدع بناء المدارس، ومن البدع طبع الكتب، فهل تنكرون بناء المدارس وطبع الكتب؟ سيقولون: لا. نقول: هذا مثله هذه وسيلة لتسهيل العلم وتقريبه وقد وجد في السنة ما يدل عليه، أحياناً يقول النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة كذا وكذا خمسة كذا وكذا سبعة كذا وكذا، كما قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكرهم، وقال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) أحياناً السنة تأتي بالحصر. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 4 تعريف الصيام ومفطراته ما هو الصيام الذي يشترط لوجوبه تلك الشروط السابقة؟ الصيام: هو التعبد لله عز وجل بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أي: من حين أن يتبين طلوع الفجر إلى أن تغرب الشمس، تعبداً لله عز وجل لا حرمة عن الأكل والشرب ولا عادة تجري على الإنسان، لابد من قيد: التعبد لله عز وجل. والمفطرات: الأكل والشرب والجماع، وهذا ذكرت في القرآن في مكان واحد، قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] هذه ثلاث ذكرت في موضع واحد في القرآن الكريم. الرابع: الحجامة إذا ظهر الدم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) . الخامس: القيء إذا تعمده لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض) هذه خمسة أشياء منصوص عليها، ثلاثة في القرآن واثنان في السنة. هل هناك شيء يفطر سوى هذه؟ الجواب أما النص فلا نعلم شيئاً يفطر بالنص سوى هذه، أما بالقياس فنعم، فمثلاً الأكل والشرب يقاس عليهما الحقن التي تحقن في المريض عوضاً عن الأكل والشرب، وهي ما يعبر عنه: بالإبر المغذية، فهذه تفطر؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية: ألا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين متفرقين. أما الإبر التي ليست للتغذية كإبر العلاج والتنشيط، هذه الإبر التي للعلاج لا تفطر سواء أخذت مع العضلات أو مع الوريد أو مع أي مكان، لأننا نقول: إنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب، وإذا لم تكن أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فلا يمكن أن نفسد عبادة خلق الله بدون دليل شرعي، لأننا مسئولون عما نحل وعما نحرم، فالمعنى: أننا إذا قلنا: هذا حلال فإننا سنسأل عنه يوم القيامة ما الدليل؟ وإذا قلنا هذا حرام سنسأل عنه يوم القيامة، وإذا شككنا في الشيء هل هو مفطر أو غير مفطر فما الواجب؟ أن يكون غير مفطر؛ لأن العبادة ثبتت بدليل شرعي، فلابد من دليل شرعي يدل على أنه يفطر. كذلك أيضاً مما يفطر: إنزال المني بشهوة بفعل العبد، أي: بفعل من الإنسان، مثل: أن يستمني بيده، أو يباشر زوجته حتى ينزل، أو ما أشبه ذلك، فأما إذا أنزل بمجرد التفكير فإنه لا يفسد صومه إذا لم يمس ذكره لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) قد يعترض معترض ويقول: ما هو الدليل على أن إنزال المني بشهوة يفسد الصوم؟ فجوابنا على هذا أن نقول: إنه جاء في الحديث القدسي أن الله قال في الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) والإنزال شهوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) . وعلى هذا تكون المفطرات سبعة: الأكل، والشرب، والجماع، والحجامة، والقي، وما في معنى الأكل والشرب، والإنزال بفعل من العبد. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 5 شروط وقوع المفطرات على الصوم هذه المفطرات لا تفطر إلا إذا كان الصائم ذاكراً عالما قاصداً، إذا كان عالماً يعلم أن هذا مفطر، ذاكراً وما نسي، قاصداً لم يأتِ بغير قصد بل فعله قصداً، ثلاثة شروط: الأول: أن يكون عالماً وضد العلم الجهل، فإن كان جاهلاً لا يدري أن هذا يفطر، أو جاهلاً لا يدري أن الفجر طلع، فإنه لا يفسد صومه، صومه باقٍ، لقول الله تبارك وتعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. ولقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا لم يتعمد. الثاني: أن يكون ذاكراً وضده الناسي، فإذا أكل أو شرب ناسياً أنه صائم فلا شيء عليه، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) ولكن يجب على الجاهل متى علم أن يمسك وعلى الناسي متى ذكر أن يمسك، حتى لو كانت اللقمة في فمه أو الشربة في فمه وجب عليه أن يلفظها، لارتفاع الجهل أو النسيان. الثالث: أن يكون قاصداً وضده من لم يقصد، كشخص يتوضأ فتمضمض فنزل الماء بغير قصد إلى بطنه فإنه لا يفسد صومه، لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب:5] وهذا الرجل ما تعمد وإنما كان غصباً عليه، وكذلك المكره لو أن الرجل أكره امرأته فجامعها وهي صائمة، فإن صومها لا يفسد؛ لأنها مكرهة، ولا تستطيع أن تتخلص. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 6 ما ينبغي أن يكون عليه الصائم ينبغي للصائم أن يكون صومه صوماً حسياً وصوماً معنوياً، الصوم الحسي عن المفطرات، والصوم المعنوي عن المنكرات، أن يمسك عن المنكرات في حال صومه، وأن يقوم بالواجبات لأن هذه هي الحكمة من وجوب الصوم كما قال الله عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) . والكثير من الناس اليوم وقبل اليوم يصومون الصوم الحسي ولا يصومون الصوم المعنوي، فتجده يصوم ولكنه لا يمسك عن المنكرات التي كان يفعلها في حال فطره، فيغتاب الناس ويسبهم ويعتدي عليهم بأكل الأموال وهضم الحقوق وما أشبه ذلك، وهذا لم يصم صوماً معنوياً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، وإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) يعني: ولا يرد عليه، ليقل: إني امرؤ صائم، أحدهم رفع صوته عليك وسبك فلا ترد عليه؛ لأنك إن رددت عليه زاد وإذا زاد زدت أنت، ثم تبقيان في خصومة، لكن إذا قلت: إني صائم. فإنك تخجِّله وتبين له أنه لولا الصيام لرددت عليه، وأنك لم تترك الرد عليه لعجزك ولكن لأنك صائم. بعض الناس يصوم الصوم الحسي ولكن لا يصوم الصوم المعنوي، تجده إذا تسحر نام إلى الغروب، هل هذا صائم؟ صائم صيام بهيمة عن الأكل والشرب وبقية المفطرات لكنه لم يصم صوم أهل التقوى الذين يصومون عما حرم الله، بل إني في شك من قبول صيام هذا الرجل لأنه ترك الصلاة في وقتها عمداً، وقد قال بعض العلماء: إن من ترك صلاة واحدة عمداً حتى خرج وقتها فقد كفر وارتد. نسأل الله العافية. وينبغي للصائم أن يكثر من العبادات: من قراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتحميد والصدقات وغيرها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، حتى إذا خرج رمضان خرج على حال ليس عليها قبل رمضان، يخرج ملتزماً متقياً ربه، لأنه تمرن على هذا شهراً كاملاً، وإنني بهذه المناسَبَة أدعو إخواننا الذين ابتلوا بشرب الدخان: أن ينتهزوا الفرصة في رمضان، فيمسكوا عن شربه؛ لأنهم في النهار لن يشربوا وفي الليل يتلهون عن الشرب، فإذا مضى عليهم شهر كامل؛ فإن ذلك سوف يؤثر فيما خالط دماءهم من مضار الدخان ويسهل عليهم تركه، فهي فرصة في الواقع لا ينبغي أن تفوت. أسال الله تعالى للجميع التوفيق لما فيه الخير والصلاح إنه على كل شيء قدير. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 222 ¦ الصفحة: 8 حكم وضع علامات لتمييز القبور فقط السؤال هناك بعض الناس يضع علامات على القبور لكي يعرفه به يميزه ويدعو له فهل هذا جائز؟ الشيخ: ما هي العلامة التي وضعها على القبر؟ السائل: يضع على منتصفة -مثلاً- عوداً أو حجراً مميزاً أو يضع خرقة أو أي شيء. الجواب لا بأس أن يضع الإنسان على قبر قريبه، أو من يحب أن يزوره بخصوصه علامة، لكن بشرط: ألا يكون ذلك تشييداً للقبر، أو تجصيصاً، أو ضربه ببوية، أما مجرد علامة كعصا أو حجر مع النصيبة فهذا لا بأس به. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 9 الرد على شبهة من يقول: إن الدخان لا يفطر الصائم السؤال بعض الإخوان يقولون: إن الدخان ليس بمعنى الأكل والشرب فشربه لا يفطر، فما الجواب على هذه الشبهة يا شيخ؟ الجواب الشبهة: أن تقول: إنه شرب دخاناً. السائل: لكنهم يقيسونه على الطيب ويقولون: أنتم تستنشقونه!! الشيخ: لا. نحن لا نستنشقه، الطيب لا يستنشقه الصائم بحيث يصل إلى جوفه، أما التطيب فلا بأس. السائل: فهل الدخان يكون مفطراً؟ الشيخ: ينبغي لمن شرب الدخان وهو صائم أن يجلد مرتين: مرة على فطره، ومرة على شربه الدخان. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 10 حكم قول: كرم الله وجهه السؤال هل يجوز أن نقول: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أو الإمام علي بن أبي طالب، أو علي بن أبي طالب بيض الله وجهه، وما الأفضل أن نقول؟ الجواب علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحد الخلفاء الراشدين أحسن ما نلقبه به أن نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، هذا أحسن شيء، ولا شك أن علي بن أبي طالب وعثمان وعمر وأبا بكر كلهم أئمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن نقتدي بهم، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وأعلاهم قدراً ومرتبة وإمامة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. أما أيهما أفضل: أن نقول: كرم الله وجهه أو رضي الله عنه؟ فإن رضي الله عنه أفضل، وهو الحكم الذي ارتضاه الله للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] إذاً: أحسن ما نقول: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 11 حكم من تعمد الأكل أو الشرب بعد سماع المؤذن بعلة أن التقويم غير دقيق السؤال من تعمد الأكل أو الشرب بعد سماع المؤذن بخمس دقائق مثلاً، بحجة أن المؤذن يؤذن على التقويم والتقويم غير دقيق؟ الجواب لا بأس لأنه متأول، والتقويم الموجود بين أيدينا -تقويم أم القرى - فيه تقديم خمس دقائق يقيناً بالنسبة للفجر، ولكن يبقى النظر الآن حتى لو فرضنا أنه دقيق للغاية أليست الساعات تختلف، إذا قدرنا أن الأذان الساعة الخامسة والربع مثلاً وساعة المؤذن مقدمة خمس دقائق، معناه أن المؤذن أذن الساعة الخامسة وعشر دقائق. لكن إذا علم أن هذا المؤذن رجل حازم ثقة يضبط الساعة تماماً وأذن على التقويم فكما قلت لكم: التقويم بالنسبة للفجر مقدم خمس دقائق، فليس هناك إشكال. بالنسبة للغروب حدثني أناس شاهدوا الشمس مع أنها في التوقيت قد غابت، وهذا يدل على أن التقويم قد يكون فيه تقديم، لكن نقول على الشيء الذي ما بان الأصل إن شاء الله أن التقويم على صواب، وأما الذي يتبين خلافه فيخالف. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 12 مدى صحة فضائل ليلة النصف من شعبان السؤال بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقاد أن له مزية وأن له فضلاً؟ الجواب بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ما له مزية هو كغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء. والمرأة يجب عليها أن تمتثل وألا تتصدق بعد أن علمت أن هذا من البدع وليس وارداً. السائل: وإذا لم تمتنع؟ الشيخ: سبحان الله! إذا لم يمتنع المبتدع الآخر من بدعته ماذا نعمل؟ إذا بينا للناس فما علينا إلا البلاغ. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 13 ضابط صغير الكذب وكبيره السؤال ذكرت في أحد دروسك: أن بعض الكذب منه ما هو صغائر ومنه ما هو كبائر، فما هو الضابط؟ الجواب هذا على حسب النصوص، فمثلاً: الكذب على الرسول عليه الصلاة والسلام هذا من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من فعل ذلك. والكذب بأن فلاناً جاء وهو ما جاء مثلاً، هذا لا يصل إلى حد الكبائر. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 14 التعليق على قول والد يحيى بن كثير: (لا ينال العلم براحة الجسد) السؤال في صحيح مسلم عن يحيى بن كثير قال: سمعت أبي يقول: لا ينال العلم براحة الجسد. ما هو التعليق حفظكم الله؟ الجواب صحيح العلم التام لا ينال براحة الجسم، لابد من تعب، ولهذا يقال: (أعط العلم كلك تنل بعضه، وأعطه بعضك يفوتك كله) . فلابد من تعب، لكن إذا قرأت التاريخ بالنسبة للعلماء الكبار عرفت أنهم يتعبون تعباً عظيماً، يسهرون الليل من أجل مسألة واحدة، ومع ذلك ما يسهرون على مثل هذه الأنوار، بل على شمع يتعب العين عند القراءة في ضوءه، لكنهم مجتهدون لأنهم يعلمون أن هذا جهاد في سبيل الله. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 15 الضابط في التفريق بين الأوامر والنواهي من حيث الأصل فيها السؤال بعض أهل العلم يقول: إن الأصل في الأوامر الوجوب إلا في الآداب والمستحب، والأصل في النواهي التحريم إلا في الآداب فمكروه. فما هو الضابط في التفريق بين أن هذا الأمر من الآداب أو أنه غير ذلك؟ الجواب الآداب ما يتعلق بالمروءة والمنهج الذي يسير عليه العبد، وأما العبادات فهي التعبد لله عز وجل، على أن هذا حتى في العبادات ليس له ضابط، وكثير من هذه الأوامر في العبادات يجمع العلماء على أنها مستحبة، لكن هذه كلها مسائل يتجادل فيها أصحاب أصول الفقه: هل الأمر للوجوب أو الاستحباب؟ بعضهم قال: الأصل الوجوب، لقول الله تبارك وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] وبعضهم قال: للاستحباب لأن الأصل في الأمر المشروعية، والأصل عدم التأثيم بالترك، وهذا حقيقة الاستحباب، والمسألة عند التدبر ليس لها ضابط معين. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 16 حكم من أفطر قبل غروب الشمس ظناً أن المغرب قد دخل السؤال إذا قلنا: إذا أكل الإنسان بعد طلوع الفجر ظناً أن الفجر لم يطلع فصومه صحيح، فما رأيك فيمن أكل قبل غروب الشمس، مؤذن أذن قبل الوقت ظناً أن المغرب قد دخل فأكل، فلما تبين له فإذا المغرب لم يأت فهل نقول بفساد صومه؟ الجواب لا. نقول بصحة صومه، فالسائل كان جاهلاً فصومه صحيح، وفي هذا نص بعينه تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم نؤمر بالقضاء) . الجزء: 222 ¦ الصفحة: 17 حكم التكشف لمن أحدث بعد غسل الجنابة يريد الوضوء السؤال اغتسل رجل من الجنابة وبعدها فهل يتوضأ وهو متكشف، أو عليه أنه يلبس اللباس ويتوضأ؟ الجواب اعلم بارك الله فيك: أن العري إنما يكون عند الحاجة فقط، ولا حاجة به أن يبقى عرياناً حتى يتوضأ، فليلبس الثياب ثم ليتوضأ، أما الوضوء الذي قبل الاغتسال فمعلوم أنه سوف يخلع ثوبه ثم يشرع في الاغتسال وهو مسبوق بالوضوء وهذا لا يضر. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 18 الضابط الشرعي في التمثيل السؤال ما رأيك في التمثيل في المدارس، يأمرون بإقامة حفلات، لكن التمثيل في المدارس ما هو الضابط الشرعي فيه؟ وجزاك الله خيراً. الجواب بعض العلماء المعاصرين يمنع من التمثيل مطلقاً، وبعضهم يسرف فيه ويتجاوز الحد، والوسط خير الأمور، بعضهم يسرف في إباحته ويجعل الذكر يمثل دور الأنثى ويجعل الأنثى تمثل دور الذكر، وربما يمثل العبادات كالصلاة مثلاً وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز، وبعضهم يمنع مطلقاً، والذي أرى القول الوسط: أنه إذا كان المقصود معالجة مشكلة اجتماعية دون أن ينسب القول إلى شخص معين فهذا لا بأس به. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 19 معنى قوله تعالى: (والتفت الساق بالساق) السؤال ما معنى قوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] ؟ الجواب اقرأ التي قبلها: - {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26-30] . - الساق ساق الرجل (التفت الساق بالساق) أي: انضم بعضهما إلى بعض، تذكيراً للإنسان بأن هذه الساق التي الآن يمشي بها ويخطو بها سوف يأتي اليوم الذي يلتف بعضها إلى بعض فلا تتحرك. ويحتمل أن معنى: (والتفت الساق بالساق) أي: تراكمت الشدائد؛ لأن الساق تطلق على الشدة، لكن المعنى الأول أبلغ وأعظم تصويراً لحال الإنسان إذا بلغت روحه التراقي وطلب من يقرأ وأيقن أنه مفارق، والتفت ساقه بالساق الأخرى هذا أشد وأبلغ في الزجر وتذكير بهذه الحال، نسأل الله أن يميتنا وإياكم على الإسلام. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 20 حكم مصافحة زوجة الجد السؤال هل يصح لولد الابن أن يسلم على زوجة جده؟ الجواب نعم يصح، وجد جده. السائل: كذلك غير جدته. الشيخ: نعم غير جدته؛ لأن الأصول وإن علوا زوجاتهم من محارم أحفادهم وأسباطهم أيضاً. بهذه المناسبة أقول لكم بارك الله فيكم: إذا تزوج الإنسان امرأة، صار أصله محرماً لها، وأصله هم الآباء والأجداد وإن علوا، وصار أبناؤه محارم لها وأبناء أبنائه وأبناء بناته محارم لها، وصارت أصول الزوجة من محارم الزوج، يعني: أمهاتها وجداتها، فهذه الثلاثة بمجرد العقد يثبت الحكم. الرابع: فروع الزوجة -أي: بناتها- لا يكون الزوج محرماً لهن حتى يدخل بأمهن، كما قال عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] . الجزء: 222 ¦ الصفحة: 21 حكم الرسوم التي تمثل غيبيات كالجنة والنار السؤال ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة، ونار كأنها تمثل النار؟ الجواب هذا لا يجوز، لأننا لا نعلم كيفية ذلك، كما قال عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] ولا يعلم كيفية النار، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءاً بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها وما هو أشد، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار؟ لا أحد يستطيع، ولهذا بلِّغ من يفعل ذلك أن هذا حرام، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدءوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة. رأيت ورقة مكتوب فيها مربعات كذا الموت وآخر القبر وآخر القيامة وهكذا، فهذا كأنه صور ما بعد الموت خطوط ومربعات هندسية، جرأة عظيمة والعياذ بالله، ثم يقال: ما الذي أدراك أن هذا بعد هذا؟ نحن نعرف أن القبر بعد الحياة الدنيا وأن البعث بعد القبر، ولكن تفاصيل ما يكون يوم القيامة من الحساب والموازين وغير ذلك من يعلم الترتيب؟ لكن هذه جرأة عظيمة، والغريب أن هذه الورقة توزع، لكن هذا من جملة ما يوزع الآن على الناس من الأوراق المكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام، فيجب الحذر والتحذير من هذه الأوراق. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 22 حكم دفع الزكاة إلى أصنافها إذا لم يُدرَكْ عامل الزكاة السؤال من جهة زكاة بهيمة الأنعام إذا لم أدرك عامل الزكاة المبعوث من قبل ولي الأمر -يا شيخ- هل تدفع لأصناف مصارف الزكاة؟ الجواب إي نعم، لكن هل أنت لا تخشى أن يرجع إليك؟ السائل: المسافة بعيدة يا شيخ! الشيخ: حسناً! إذا علمت أنه لن يرجع أخرجها أنت. السائل: هل أخرجها إلى أصناف الزكاة المستحقين الباقين؟ الشيخ: نعم. ليس هناك إشكال. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 23 حقيقة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب السؤال السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ذكرتم في كتابكم القول المفيد ثلاثة أقوال، قلتم: قد يكون الصحابة ونفيتم ذلك، وقلتم: إن الصحابة أكثر من سبعين ألف، وذكرتم أنهم قد يكونون مهاجرين، أو قد يكونوا من كان مع صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، ثم قلتم: هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من البحث، فما الذي ترجح لديكم حفظكم الله؟ الجواب حديث السبعين ألفاً وارد في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: أن مع كل واحد سبعين ألفاً. فلا يستطيع الإنسان الحصر، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم حصر هؤلاء بالأوصاف لا بالتعيين، فقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) . الجزء: 222 ¦ الصفحة: 24 الراجح في سماع الموتى كلام الأحياء السؤال ما هو الراجح في سماع الموتى؟ الجواب الراجح ما جاءت به السنة وهذا ثابت وليس فيه إشكال كما في الحديث: (إن الإنسان إذا انصرف منه أصحابه بعد دفنه يسمع قرع نعالهم) وكما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف على القتلى في قليب بدر يؤنبهم ويوبخهم ولما قالوا: (يا رسول الله! كيف تكلم هؤلاء؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ومثلما جاء في الحديث أيضاً: (ما من مسلم يسلم على قبر يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام) وإلا فالأصل أنهم لا يسمعون؛ لأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم، لكن ما جاءت به السنة لابد من الإيمان به. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 25 حكم قضاء الصوم لمن جن أو أغمي عليه السؤال إذا جن الإنسان أو إذا أغمي عليه في رمضان هل يقضي أم لا؟ الشيخ: هل في أثناء اليوم أو في كل الشهر؟ السائل: يومين أو ثلاثة أيام. الجواب أما المجنون فلا يقضي بالاتفاق؛ لأنه رفع عنه القلم، وأما المغمى عليه ففيه خلاف، والصحيح: أنه لا يلزمه القضاء، ولا يصح قياسه على النائم لوجهين: الوجه الأول: أن النائم صومه صحيح ولو استغرق ثلاثة أيام. الوجه الثاني: أن النائم يستيقظ إذا أوقظ والمغمى عليه لا يستيقظ، فهو فاقد العقل وليس عليه قضاء. السائل: وإذا أفاق المجنون فماذا يعمل؟ الشيخ: وإذا فاق يصوم بقية الشهر ولا يقضي ما فاته. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 26 طفل وقع البيت عليه من غير تفريط أمه، فماذا عليها؟ السؤال امرأة تسكن في البدو ووضعت طفلها في بيت الشعر، فجاءت رياح ووقع البيت على الطفل فمات، فهل عليها شيء؟ الجواب ليس عليها شيء؛ لأن المرأة لم تفرط، وضعته في البيت حسب العادة، وجاء أمر من الله عز وجل فليس عليها شيء أبداً. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 27 هل من الصحابة من قد يكون فاسقاً؟ السؤال جاء في قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] وذكر بعض المفسرين: أنها نزلت في الوليد بن عقبة. وهل يعني هذا أن من يرمى من الصحابة بالفسق أن هذا سبب نزول صحيح أم ماذا؟ الجواب مسألة: أنه سبب النزول هذا شيء، ومسألة: أنه هل يكون في الصحابة فاسق؟ نعم يكون فيهم فاسق، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، قليل جداً، والأصل فيهم العدالة، وإلا فيهم من زنى وفيهم من سرق وفيهم من شرب الخمر لكن هذا نادر، فلا يجوز أن يجعل من هذا قاعدة: في أن الصحابة غير عدول كما فعلت الرافضة، الرافضة لا يرون الصحابة عدولاً إلا نفراً قليلاً من آل البيت ومن عينوا من غيرهم. والصواب: أن الأصل في الصحابة العدالة، وأن ما جرى من بعضهم من الذنوب مغمور في بحر الفضائل التي اتصفوا بها. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. الجزء: 222 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [223] تحدث الشيخ عن آداب الصوم ، وأهمية متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أوصى بالإكثار من الطاعة وقراءة القرآن والذكر والصدقة والإحسان في رمضان، وذكر من الآداب التبكير بالفطر، وذكر أهمية الدعاء عند الإفطار وأهمية القيام في رمضان لما يترتب عليه من الأجور العظيمة، ثم تطرق للإجابة عن أسئلة شتى من الحاضرين. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 1 آداب الصوم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر شعبان عام (1420هـ) وهو آخر خميس من شهر شعبان، وستستأنف اللقاءات إن شاء الله بعد تمام شهر رمضان وستة أيام من شهر شوال. نفتتح هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من آداب الصوم: الجزء: 223 ¦ الصفحة: 2 تأخير السحور من آداب الصيام: أن يعتني الإنسان بآدابه التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمنها: أكلة السحور، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) أمر وبين الحكمة، (تسحروا) هذا فعل أمر (فإن في السحور بركة) هذا بيان الحكمة من هذا الأمر بالسحور. من بركة هذا السحور: أولاً: أن فيه امتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم خير وبركة، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] هذه المباركات. ثانياً: من بركة هذا السحور: أنه فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب، لأن أهل الكتاب لا يتسحرون، يأكلون الطعام قبل منتصف الليل ويبدءون بالصوم من منتصف الليل إلى منتصف النهار، لكن المسلمين يأكلون السحور في آخر الليل. ثالثاً: من بركته أنه يغذي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب، حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس ست مرات، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركة فيتحمل الجسم. رابعاً: من بركة السحور: أنه عون على طاعة الله، يعني على الصيام، وكل ما كان عوناً على طاعة الله فهو خير وبركة، أهم شيء الآن الذي أريد أن نفعله، عندما يقدم لك السحور استشعر الآن عندما تأكل أنك تمتثل أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس مجرد أكل من أجل تتقوى على الصوم. ثانياً: استشعر بأنك تتأسى به؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتسحر ثم يقوم إلى الصلاة، وبين سحوره وبين الصلاة مقدار خمسين آية، يعني: يؤخر السحور عليه الصلاة والسلام، استشعر هذا -يا أخي- حتى يكون أكلك عبادة. أيضاً: استشعر أمراً آخر وهو أنك بهذا تخالف أهل الكتاب، فهم في مثل هذا الوقت صائمون؛ لأنهم يصومون من منتصف الليل أما أنت الآن تأكل، مخالفة لهم، لأن مخالفة أهل الكتاب رضاً لله عز وجل، فإنهم أعداء الله فمخالفتهم رضاً لله تبارك وتعالى، وموافقتهم يخشى أن ينزل على الإنسان فيه السخط، ولهذا نهى عمر رضي الله عنه عن دخول الكنائس حين يتعبد فيها النصارى وقال: [أخشى أن تنزل عليكم السخطة] . الجزء: 223 ¦ الصفحة: 3 الانشغال بطاعة الله ومن آداب الصيام: أن يكون الإنسان شاغلاً وقته بطاعة الله عز وجل، من الذكر وقراءة القرآن والصدقة والإحسان إلى الناس، لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم -حين يدارسه جبريل القرآن- أجود بالخير من الريح المرسلة) . لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك، اجعل عليك الخشوع والتعبد أكثر من قراءة القرآن، لأن شهر رمضان هو شهر القرآن، وأنزل القرآن في رمضان، إذاً هو شهر القرآن أكثر فيه من قراءة القرآن بتأمل وتدبر واستحضار بأنك تقرأ كلام الله عز وجل، كلام رب العالمين. أرأيتم لو أن إنساناً يقرأ كتاباً ورد إليه من صديقه، ماذا يكون شعوره حين قراءته هذا الكتاب؟! يستشعر أن صديقه بين يديه. أيضاً أنت تقرأ كلام الله عز وجل. يا أخي! تأدب بآداب القرآن، كأن الله يخاطبك الآن، إذا قال: (يا أيها الذين آمنوا) أول من ينتبه أنت، يخاطبك، فاستشعر هذا حتى يكون للقرآن في قلبك عظمة، ولذلك يحرم على الجنب أن يقرأ القرآن تعظيماً للقرآن حتى يغتسل، ويحرم على المحدث حدثاً أصغر أن يمس القرآن حتى يتوضأ، ويحرم على الإنسان أن يدخل المصحف في الأماكن القذرة، كالحمام وشبهه إلا للضرورة، المهم أن القرآن كلام الله عز وجل استشعر أنك حينما تقرأه تقرأ كلام رب العالمين عز وجل، ليس كلاماً عادياً إنه كلام الله. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 4 تقديم الفطور ومن آداب الصوم: أن الإنسان يفطر مبكراً من حين غياب قرص الشمس أفطر ولو كان أثر النهار واضحاً، سواءً أذن أم لم يؤذن، يعني: لو فرضنا أنك في مكان عالٍ ورأيت الشمس قد غابت وغاب القرص والمؤذنون لم يؤذنوا أفطر، لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وبادر بالفطر قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) انظر لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر، معناه: إذا لم يعجلوا الفطر فليسوا في خير، هذا مفهوم الحديث. أفطر على رطب، الرطب الآن والحمد لله متيسر، إن كنت في أيام الرطب فهو متيسر، وإن لم تكن فإنه متيسر لأن الناس يجعلونه في الثلاجات و (الفريزرات) كأنه قطف الآن، فإن لم تجد فعلى تمر، فإن لم تجد فعلى ماء، حتى لو كان عندك طعام آخر خبز أو رز أو حلوى لا تفطر عليها وعندك ماء، أفطر على الماء وإذا عندك حليب وماء أفطر على الماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) وكان صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء. وإن كنت مثلاً في بر وغابت الشمس وليس عندك رطب ولا تمر ولا ماء فعلى أي طعام معك، أي طعام، فإن لم تجد شيئاً فالنية تنوي أنك أنهيت الصوم وقطعت الصوم، ولا حاجة أن تفعل كما يقول العوام، يقول العوام: بِلَّ شماغك بالريق ثم أخرجه ثم أردده ومصه، لأن الريق إذا انفصل ثم رددته وبلعته أفطرت، فهذا مما ليس له أصل، إذا لم تجد انوِ والنية كافية. وينبغي عند الإفطار أن تدعو الله سبحانه وتعالى بما شئت، من خيري الدنيا والآخرة، وإذا كنت في يوم حار صائف وأنت عطشان وشربت فقل: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل هذا. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 5 قيام الليل قيام الليل هو التراويح، (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه) و (إذا قام الإنسان مع الإمام حتى ينصرف الإمام كتب له قيام ليلة) ليلة كاملة والحمد لله وأنت على فراشك، وهذه نعمة، ولهذا لما طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتمم بهم الليل، أي: يقوموا الليل كله قال لهم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وأنت على فراشك، انتبه لهذا، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم قوموا، إذا انصرفت فقوموا أنتم إلى الفجر إن شئتم، مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أراد بهم اليسر بأنهم ينهون قيام الليل بتسليم الإمام، ولا حاجة أنهم يقومون في آخر الليل. وإذا فعلوا ذلك أي: قاموا مع الإمام حتى ينصرف كتب الله لهم قيام ليلة كاملة، ولو كانوا نائمين على فرشهم، فلله الحمد رب العالمين. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 6 الاعتكاف الاعتكاف أيضاً مما يتعلق برمضان: وهو أن يبقى الإنسان ملازماً للمسجد من غروب الشمس ليلة عشرين، إلى غروب الشمس، آخر يوم من رمضان، ليتفرغ للعبادة، فهذا طيب وفيه أجر واقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإن لم يتيسر لكونك مشغولاً بعائلتك، والعائلة ليس عندهم من يقوم عليهم، فاشتغالك بهم ورعايتهم أفضل من الاعتكاف. أسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالتوفيق والهداية لما يحب ويرضى، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 223 ¦ الصفحة: 8 حكم الصلاة أمام المدفأة الكهربائية السؤال هل يجوز الإنسان أن يصلي والدفايات الكهربائية أمامه؟ الجواب أقول: نعم، لا بأس به ولا كراهة ولا شيء. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 9 بعض أحكام حداد المرأة السؤال نسأل عن حداد النساء يقولون: إننا نذهب إلى الطبيب وهم رجال هل يجوز أم لا؟ الجواب المرأة المحدّة معروف أنها تبقى في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة في النهار، الحاجة مثل: امرأة ليس عندها أحد يشتري لها خبزاً، ولا طعاماً تخرج تشتري من السوق وترجع، امرأة احتاجت إلى المستشفى تخرج إلى المستشفى وترجع، امرأة احتاجت إلى المحكمة لحصر الإرث أو لغير ذلك، تخرج وترجع، المهم أنها لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، حتى إذا كان الذي يباشر علاجها رجلاً فلا بأس. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 10 حكم المراهنة بعوض السؤال ما حكم المراهنة بعوض في جميع الأمور؟ الجواب المراهنة على عوض لا تجوز إلا في ثلاث مسائل: الأولى: الإبل يتسابقون عليها. الثاني: الخيل. الثالث: السهام يعني: الرمي. هذه أجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيها العوض وما عدا ذلك لا يجوز. السائل: وهل مراهنة أبي بكر لكفار قريش تدل على العوض؟ الشيخ: حديث أبي بكر من باب العلم، والعلم الشرعي كالجهاد في سبيل الله. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 11 حكم المسابقات والجوائز المترتبة على الشراء السؤال يوجد الآن في الأسواق بعض السلع يضع فيها أصحابها نقوداً تقل وتكثر حسب حظ المشتري يقولون، فتجد أن السلعة بثلاثين ريال وربما تجد فيها إلى ثلاثين ألف ريال، كما يزعمون وأعلنوا في الجريدة قبل يومين: أن شخصاً حصل على ثلاثين ألفاً في علبة حليب قيمتها ثلاثون ريالاً؟ الجواب هذه دعاية، على كل حال: إذا كان سعر الحليب لا زيد واشترى الإنسان الحليب لأنه محتاج إليه فلا بأس. السائل: ما يدخل في الميسر يا شيخ؟! الشيخ: لا، ما هو بميسر؛ لأن هذا الذي اشترى إما سالم أو غانم، لا يكون إما غارماً أو غانماً، الميسر: هو الذي يكون إما غارماً وإما غانماً، وأما هذا إما سالم وإما غانم. السائل: إن كان الدافع للشراء هو الجائزة؟ الشيخ: لا، إن كان الدافع للشراء هو الجائزة فلا يجوز. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 12 حكم الجمع بين الصلاتين لوجود المشقة السؤال جدتي عندها غسيل كلى تفوتها صلاة العصر والمغرب صلاتين فما العمل؟ الجواب هذا سهل تجمع العصر إلى الظهر قبل أن تبدأ بالغسيل، وتجمع المغرب إلى العشاء. السائل: قبل أو بعد؟ الشيخ: قبل لأنني فهمت من كلامك أنها تبدأ بالتغسيل بعد الظهر. السائل: الساعة الثانية. الشيخ: إيه! الساعة الثانية بعد الظهر، نقول: تصلي الظهر أول ما يؤذن ثم العصر، وتجمع المغرب مع العشاء الآخر ولها إلى نصف الليل. لكن كيف حالها في الصيام، هي تستطيع تصوم؟ السائل: نعم. الشيخ: الحمد لله. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 13 متى يقال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق) السؤال قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت ذكرت -يا شيخ- إذا كان في وقت صيف وعطشان يسن له أن يقول: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) فلا يقال هذا إلا في الصيف أو العطش؟ الجواب نعم. السائل: أما فصل الشتاء لا يقال؛ لأنه لو قال: "ذهب الظمأ". قيل له: كذبت لا يوجد ظمأ، ولو قال: "ابتلت العروق". قلنا له: كذبت العروق ما يبست حتى تبتل. والرسول صلى الله عليه وسلم ما قال إلا حقاً، قال: (ذهب الظمأ) معناه: أنه بالأول ظمآن، (وابتلت العروق) معناه: أن العروق يابسة. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 14 حكم الانتقال من مسجد إلى آخر إذا فاتته تكبيرة الإحرام أو الركعة الأولى السؤال إنسان إذا أتى المسجد ووجد الإمام قد شرع في تكبيرة الإحرام أو الفاتحة أو أنهى ركعة، هل الأفضل له أن يدخل في هذا المسجد، أو إذا رغب أنه يحصل الفضيلة بإدراك الصلاة من تكبيرة الإحرام أنه يذهب مسجداً مجاوراً أو كذا. الشيخ: وإذا ذهب إلى المجاور وإن كان فاتته التكبيرة. السائل: يضمن يعني: بعض المساجد معروفة بأنها تتأخر، إذا كان يضمن أنه إذا أتى أنه يدرك تكبيرة الإحرام الشيخ: الحمد لله أنا أرى أنه يبقى بمسجده، (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) . السائل: حتى ولو كان يريد الفضيلة يا شيخ؟! الشيخ: لا يكلف نفسه، الحمد لله! السائل: إذا لم يكن فيها تكليف؟ الشيخ: ما أرى هذا، أرى أن يدخل المسجد الذي هو داخل فيه ومع إمامه، (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) . نعم إذا كان بالأول قبل أن يدخل فلا بأس، أما إذا دخل انتهى. السائل: يعرف لأنهم يصلون في مكبرات الصوت الشيخ: المهم هل أنت عدلت المسجد هذا قبل أن تدخل المسجد، أو بعد؟ السائل: قبل ما أدخل المسجد. الشيخ: قبل لا بأس، أما بعد فلا يمكن، إذا كان الإنسان لا يجوز أن يطلع من المسجد إذا أذن، فكيف والناس يصلون، إذا دخلت فلا تخرج إلا بعد أن تصلي. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 15 حكم لعب الشطرنج السؤال ما حكم لعب الشطرنج؟ الجواب تعرف الشطرنج؟ السائل: نعم هو الطاولة. الشيخ: ماذا عليها؟ السائل: أشكال لعب. الشيخ: يعني: هي مثل القرش أو مثل البيضة؟ السائل: أصنام. الشيخ: أصنام لا يجوز، هذه تصلح للصبيان، الصبيان لا بأس؛ لأنهم ما كلفوا، لكن الإنسان المكلف لا يرخص فيها يمضي حياته باللعب هذا. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 16 كيفية الجمع بين الاختبارات الدراسية والعبادة في رمضان السؤال يا شيخ! الآن نستقبل رمضان ونستقبل اختبارات، كيف يجمع الطالب بين هذين، علماً أن الاختبارات بها ضغط ورمضان أيضاً فيه ضغط من ناحية العبادة؟ الجواب اتق الله ما استطعت، حافظ على هذا وعلى هذا، والإنسان الذي حرص على المقررات من أول السنة تراه يسهل عليه. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 17 حكم من نسي وقال في سجوده: سبحان ربي العظيم السؤال شخص مثلاً هو في الصلاة مع الإمام مثلاً بالسجود قال: سبحان ربي العظيم، ثم تذكر هل يسجد سجود السهو؟ الشيخ: هل قال: سبحان ربي الأعلى؟ السائل: لا. لأنه ما تذكر وهو في السجود، تذكر يوم قام، هل يسجد سجود السهو؟ الجواب نعم يسجد سجود السهو، إذا صار مع الجماعة، وإذا لم يفته شيء لا يسجد. السائل: وإن فاته شيء. الشيخ: يسجد قبل السلام؛ لأنه ترك واجباً. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 18 حرمة البنت التي من الزوج الثاني على الزوج الأول السؤال امرأة تزوجت برجل فطلقها ثم تزوجت آخر فأتت ببنت هل هذا الرجل يكون محرماً لهذه البنت؟ الجواب هل دخل بها أو لا؟ يعني: هل الزوج الأول جامع المرأة؟ السائل: جامعها. الشيخ: إذاً يكون محرماً لها، اقرأ قول الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23] . حتى البنت التي من قبل يكون محرماً لها، يعني: الإنسان إذا تزوج امرأة -خذوها قاعدة- كل بناتها هو محرم لهن، إذا كان قد دخل بها. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 19 حكم من احتلم وهو صائم السؤال إنسان احتلم وهو صائم هل يتم صومه، أم يقطعه إذا كان في رمضان؟ الجواب هل هذا باختياره؟ السائل: ما هو باختياره. الشيخ: شروط مفسدات الصوم ثلاثة: أن يكون ذاكراً عالماً قاصداً. السائل: يعني يتم صومه؟ الشيخ: نعم يتم صومه، كل شيء يكون الإنسان فيه ناسياً أو جاهلاً أو بغير اختياره ما عليه شيء. لو أكلت ناسياً هل يفسد صيامك؟ لا يفسد. جاهل حسب أن الشمس قد غربت لا يفسد، تمضمضت ودخل الماء إلى جوفك غير قاصد لا يفسد، إذا عرفت الشروط هذه استرحت. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 20 حكم من أتى والإمام راكع فكبر وركع ولم يقرأ الفاتحة السؤال أتيت والإمام راكع فكبرت وركعت، فلم أقرأ الفاتحة، ما حكم هذه مصداقاً لما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ؟ الجواب صلاتك صحيحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) هو الذي أقر أبا بكرة حينما دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع وركع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بإعادة الركعة، ولأن هذا الإنسان لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 21 حكم أكل السحور مع أذان الفجر الثاني السؤال بعض كبار السن يأكل السحور والمؤذن يؤذن الفجر؟ الشيخ: لماذا؟ السائل: يقولون: لأنه لم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. الشيخ: أجل وإذا لم يتبين له إلا وقت الظهر سبحان الله! لا، قل له: هذا حرام عليك، لكن الحمد لله إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم، التقويم فيه تقديم خمس دقائق في الفجر، أما أن يقول: لم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إن كان نظره ضعيفاً متى يتبين. لكن هذا قصته مثل قصة عدي بن حاتم رضي الله عنه، كان يتسحر وجعل عقالين -الذي تربط به البعير- واحد أبيض وواحد أسود تحت وسادته، وكلما أكل نظر إلى العقالين ولم يتبين الأبيض وأكل، ولما تبين الأبيض أمسك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والخيط الأسود، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) ولم يأمره بالإعادة لأنه جاهل، فالمهم بلغ هذا -جزاك الله خيراً- أنه يجب عليه أن يمسك، وغاية ما هنالك إذا كان المؤذن يؤذن على التقويم، له أن يأكل إلى أن ينتهي من الأذان. السائل: من حين يقول: المؤذن الله أكبر يمسك، أو عندما ينتهي من الأذان؟ الشيخ: لا، قلت: إذا كان يؤذن على التقويم فالتقويم فيه خمس دقائق تقديم. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 22 حكم الزواج في سن مبكر السؤال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) إذا استطاع الشاب المهر، أو القدرة على الزواج وهو في سن الخامسة عشر مثلاً فهل يجوز له التأخير؟ وهل هناك سن معين للزواج؟ الجواب أبداً لا يوجد سن معين، يجوز أن يتزوج وعمره عشر سنين، يقال: إن عمرو بن العاص وابنه عبد الله بينهم عشر سنين، كلما تقدم الشاب فهو أحسن. ويقال: بين عمرو بن العاص وابنه عبد الله إحدى عشرة سنة، ويقول الشافعي رحمه الله: (رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة) . وهي جدة معناه: أنها تزوجت مبكرة، وبنتها تزوجت مبكرة. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 23 وجوب إتمام الصلاة لمن وصل إلى بلده السؤال لما دخل وقت العصر خرجت من مدينة الدمام مسافراً قاصداً مدينة الدوادمي، ففاتتني صلاة المغرب والعشاء ووصلت متأخراً مدينة الدوادمي هل أصليها قصراً؟ الشيخ: الدوادمي هي بلدك أم لا؟ السائل: نعم. الجواب لا ما تقصر، متى وصل الإنسان إلى بلده انتهى القصر. السائل: أنا ما صليت المغرب. الشيخ: نعم ولو ما صليت، صلِّ المغرب ثم صلِّ العشاء أربعاً. الشيخ: صليت ركعتين؟ السائل: نعم صليت ركعتين. الشيخ: أعد أربعاً، أنت على وضوء الآن؟ السائل: لا. الشيخ: أجل! إذا توضأت قبل صلاة الظهر من أجل الترتيب، قبل أن تصلي الظهر صلِّ أربعاً. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 24 حكم وضع علامة على القبر السؤال ما حكم وضع الأسيام على القبور لتكون علامة على القبر، وأيضاً حك الحصاة التي على القبر بحصاة أخرى، لتكون أيضاً علامة، ما حكم وضع هذا على القبر وفقكم الله؟ الجواب لا بأس بهذا، يعني: لا بأس أن يضع الإنسان على قبر قريبه أو صديقه علامة بشرط: ألا يكون طلاء ملوناً، فإن كان ملون فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يجصص القبر) أما حصاة عادية أو عصاً أو حديدة فلا حرج. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 25 دفع التعارض بين الدراسة وحفظ القرآن السؤال أيهما أفضل للدراسة القرآن أم الدراسات علماً أن رغبة الوالدين في الأغلب الدراسات الحاضرة الآن مثل الدكتوراه؟ الجواب يعني قصدك في رمضان أو في غير رمضان. السائل: لا في الدراسة عموماً. الشيخ: الدراسة أو حفظ القرآن. السائل: حفظ القرآن أو الدراسة تقدم؟ الشيخ: على كل حال: أنا عندي ليس هناك منافاة، يعني: يمكن أن يقرأ دراسة نظامية ويحفظ القرآن، عندنا الآن طلاب يحفظون القرآن ويدرسون في المدارس، يمكن هذا وهذا. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 26 حكم المنة في العطية السؤال ما حكم المنة في العطية؟ الجواب هل تقرأ القرآن؟ فاقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264] أنت إذا أعطيت فاجعلها لله إن كانت صدقة، وإن كانت هدية فانوِ بها التقارب بينك وبين الشخص؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (تهادوا تحابوا) وقال: (الهدية تذهب السخيمة) أي: ما في القلب من الضغينة وما أشبه ذلك، ولا تمن -يا أخي- لا تمن، لكن اضرب لي مثلاً بالمنة؟ السائل: مثلاً: اشترى لي أخي من البقالة، فبعد فترة جاء قال: أنا اشتريت لك قبل فترة فاشتر لي. الشيخ: لا، هذه ليست طيبة، أو يكون مثلاً: أهدى له هدية ولما صار بينهم خلاف أو شيء قال: هذا جزائي يوم أني أعطيك كذا وأعطيك كذا، هذا لا يجوز. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 27 حكم فعل المعاصي في نهار رمضان السؤال ما رأيكم في رجل يصوم: وفي نهار رمضان يرى التلفاز، ويسمع الغناء، ويرى النساء، وفي نهار رمضان يتكلم بالكلام البذيء ونحو ذلك؟ الجواب أقول: رب صائم حظه من صيامه الجوع والظمأ، هذا في الحقيقة ما صام، وإن كانت ذمته برئت، ولا نلزمه بقضاء الصيام لكنه حقيقة ما صام، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ما هي الفائدة من الصوم؟! لكن عليك أن تنصحه جزاك الله خيراً، وتقول: يا أخي! هذا شهر مبارك، شهر طاعة، شهر تقوى، ولا تدري لعله لا يعود عليك بعد هذا العام. انصحه الجزء: 223 ¦ الصفحة: 28 حكم دفن الأوراق التي فيها ذكر الله في الأرض السؤال هل يجوز دفن الأوراق التي فيها ذكر الله عز وجل مثل الجرائد ونحوها؟ الجواب إي نعم لا تكون في أرض قذرة تكون في أرض نظيفة، كذلك أيضاً: ما يتلف من المصاحف أدفنه في أرض نظيفة، وأحسن من هذا، أن تحرقه أولاً ثم تدفنه ثانياً؛ لأنك إذا دفنته ربما تأتيك السواقي وتطلعه، فإذا أحرقته أولاً ثم دفنته صار أحسن. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 29 حكم مقولة: هذا يوم نحس أو تعيس السؤال ما حكم قول القائل: هذا يوم نحس، أو يوم تعيس؟ الجواب أتقرأ القرآن؟ السائل: نعم. الشيخ: انظر ماذا قال لوط حين نزلت به الملائكة قال: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] أي: شديد، فإن كان قصد القائل لما قال: هذا يوم نحس سب اليوم هذا فهذا حرام، وإن كان قصده الإخبار فقط فهذا لا بأس به، أما يوم سعيد فهذا طيب، من باب التفاؤل والتفاؤل كله خير. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 30 حكم بيع السلعة في مكان شرائها السؤال هذا تاجر لديه مستودع وفيه كمية من البضاعة، أتى أحدهم واشترى من هذا التاجر البضاعة التي في المستودع جميعها بعلمه. الشيخ: كلها؟ السائل: نعم. الشيخ: بدون أن يعلم بها؟ السائل: وجاء وأخذها لكن بقت في المستودع وجاء آخر واشترها من هذا المشتري الأول أيضاً، بعد مدة، صاحب المستودع اتصل بالمشتري الثاني وقال: إني أحتاج البضاعة هذه وأريد أن أشتريها منك، وهي في المستودع ما تحركت فهل يجوز للتاجر أن يشتريها؟ الجواب إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن تباع السلع في مكان شرائها، فالواجب على المشتري الأول إذا أراد أن يبيعها، أن ينقلها إلى بيته، أو إلى دكانه، أو إلى السوق ويبيعها. السائل: هو أبقاها على أنه سوف يأخذها. الشيخ: ما يصح حتى ينقلها، لكن إن كان الأمر وقع، فالأمر ماضٍ إن شاء الله، وما فيه شيء، يعني: يتوبون إلى الله ولا يعودون. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 31 أسباب تحريم المعاملات المالية المحرمة في الشريعة الإسلامية السؤال الأصل في المعاملات الحل والإباحة كما في القاعدة الفقهية، لكن -يا شيخ- ما هي أسباب تحريم المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية، والتي يصل بها المجتهد إلى الحكم على المعاملة الفلانية على أنها محرمة شرعاً؟ الجواب هذا يدور على ثلاثة أشياء: الظلم، والغرر، والربا، كلها تدور على هذه الثلاثة. الظلم: كالغش مثلاً، والغرر كبيع المجهول، والربا كبيع درهم بدرهمين، هذا هو أصل التحريم في المعاملات، يعني يدور على هذه القواعد الثلاث، ثم طبق كل جزئية على هذه القواعد. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 32 حكم تحويل الراتب إلى بنك ربوي السؤال من اضطر إلى تحويل راتبه إلى بنك ربوي فما العمل في ذلك؟ الجواب العمل يقبل الحوالة لأنك عاملت البنك معاملة نزيهة سليمة فلا حرج. السائل: بعضهم يتحرج يذهب بالكوبون فيعمل بطاقة يسحب قبل ما يستثمر المال هل هذا العمل يصح؟ الشيخ: ما معنى ذلك؟ السائل: يعمل بطاقة صرف -بطاقة صراف- إذا وصل الراتب يأخذه بسرعة من أجل ألا يستفيدوا منه. الشيخ: جزاه الله خيراً، هذا لا يمنع. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 33 الجمع بين حديث (إن الشيطان يئس أن يعبد في الجزيرة) مع وجود الشرك في الجزيرة السؤال ورد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (يئس إبليس أن يعبد في هذه الجزيرة) ومع ذلك حصل شرك وعبادة الأصنام في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فكيف نجمع بين الأمرين؟ الجواب نعم (الشيطان يئس) إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إن الله لا يعبد معه غيره في الجزيرة. لو كان الرسول أخبرنا هو نفسه أنه لا يمكن أن يقع الشرك في الجزيرة لكان فيه إشكالاً، لكن يقول: (الشيطان يئس) لأن الشيطان لما رأى الفتوحات وانتصار الإسلام يئس أن يعبد غير الله في الجزيرة، لكن هل يأسه يعني: أنه لا يمكن؟ لا. لأن هذا ظن إبليس وتبين أن ظنه غير صحيح. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 34 الفرق بين الجدال والنقاش والمراء السؤال كيف نفرق بين الجدال والمناقشة، ومتى تخرج المناقشة من كونها مناقشة إلى كونها جدالاً؟ الجواب الجدال هو المناقشة أو أن المناقشة أعم، والجدال هو: أن الإنسان يجادل من أجل أن يغلب خصمه، والمناقشة: يستفهم ويستطلع المعنى والعلم وما أشبه ذلك، لكن الجدال إذا كان مراءً هذا هو المحرم، إذا كان المقصود بالجدال أن ينتصر لنفسه بحق أو بباطل فهذا لا يجوز، أما إذا كان الجدال يصل إلى الحق ويبطل الباطل فهذا حق مأمور به. فعندنا الآن مراء وجدال ومناقشة. المراء: أن يجادل لينتصر قوله. الجدال: أن يجادل لانتصار الحق. المناقشة: قد يكون يناقش مع أستاذه لأجل أن يتبين له العلم، ويتبين له وجه الحكم، هذا أيضاً لا بأس به. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء لأنه أذن، نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، إن شاء الله تعالى إلى اللقاء الذي بعد رمضان وصيام الست إن شاء الله. الجزء: 223 ¦ الصفحة: 35 لقاء الباب المفتوح [224] إن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بإرسال الرسل إلى بني البشر ليقيموا عليهم الحجج والبراهين الدالة على صدقهم من آيات ومعجزات شرعية وكونية، وما ذلك إلا لأجل أن يقوم الناس بالقسط والعدل وعبادة الله سبحانه، وليعلم الله أولياءه وأصفياءه من أعدائه المحاربين لهذا الدين. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 1 تفسير آية من سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس الحادي والعشرون من شهر شوال، عام (1420هـ) . نبتدئه بالكلام على قول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] . الجزء: 224 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) قال الله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات حسب قواعد اللغة العربية: المؤكد الأول: القسم المقدر. المؤكد الثاني: اللام. المؤكد الثالث: قد. لأن تقدير اللام: والله! لقد أرسلنا رسلنا بالبينات. والتوكيد هنا ليس منصبَّاً على إرسال الرسل؛ لأن إرسال الرسل معلوم: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] لكنه منصبٌّ على قوله: (بالبينات) أي: أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير: بالآيات البينات. أي: العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة. أما كونه من الحكمة فلأنه ليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس: أنا رسول الله إليكم بدون آية وبدون بينة. وأما من الرحمة فلأن الناس لو كلفوا بالإيمان برسل الله دون بينات معهم لكان في ذلك مشقة عظيمة، فمن رحمة الله أن الله أيد الرسل بالآيات البينات الظاهرة. قال العلماء: والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالته، وقالوا: إن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بآيات بينات تعجز عنها السحرة مع قوة علم السحرة وانتشار السحر، لكن عجزوا أن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا يخفى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان معه عصا إذا ألقاها صارت حية، وإذا حملها صارت عصاً يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، وله فيها حاجات أخرى. عيسى عليه السلام قالوا: إنه انتشر في وقته الطب وارتقى ارتقاءً بالغاً، فأتى بآية يعجز عنها الأطباء، ألا وهي: إحياء الموتى وإخراجهم من القبور، إبراء الأكمه والأبرص، وهذا يعجز عنه الطب. أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه أتى في زمن فشت فيه البلاغة باللسان العربي، وارتقت إلى أعلى مستوياتها البشرية فأنزل الله تعالى عليه هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء العرب الفصحاء أن يأتوا بمثله، وتحدوا عدة مرات، فمرة قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معاوناً. وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38] وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور:33-34] أي حديث، وعجزوا عن ذلك. فالمهم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالآيات البينات حتى لا يبقى للناس عذر. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد:25] (وأنزلنا معهم الكتاب) المراد به: الكتب، فهو اسم جنس، لأن موسى عليه السلام نزلت عليه التوراة، وعيسى الإنجيل، وداود آتاه الله زبوراً، وإبراهيم آتاه الله صحفاً، فالكتاب هنا اسم جنس يشمل الكتب كلها، ما من رسول إلا ومعه كتاب فيه الأمر والنهي، والخبر والقصص، وغير ذلك مما تقتضيه الحال. (والميزان) يعني: العدل، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90] العدل الذي توزن به الأشياء في كل شيء، حتى في الموازنة بين الأصنام ورب العباد، انظر إلى قول الله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:59] يوازن (آلله خير أما يشركون) و الجواب الله خير، هذا عدل: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140] وأشياء كثيرة فيها العدل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فأحكامه كلها عدل، وأخباره كلها أصول، ولهذا قال: (الميزان) وقد استدل العلماء رحمهم الله بهذه الآية: على أن القياس دليل شرعي، وهو حق، القياس في الأحكام الفقهية دليل شرعي لا إشكال فيه، وله أدلة ليس هذا موضع ذكرها. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ليقوم الناس بالقسط) قال تعالى: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] أي: بالعدل، يعني: ما دام أنزلت كتب بوحي الله عز وجل نوزنه بالعقل إذاً لابد أن يقوم الناس بالقسط، فاللام في قوله (ليقوم) للتعليل، يعني: أرسلنا الرسل وأنزلنا معهم الكتاب، وأنزلنا معهم الميزان لهذه الحكمة: (ليقوم الناس بالقسط) ولهذا لا تجدوا أعدل من دين الله تعالى في كل زمان ومكان، وكل ما خالف دين الله عز وجل فهو جور وظلم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن أظلم الظلم أن تجعل لله نداً وهو خلقك، حين سئل: (أي الظلم أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فلو مشى الناس على شريعة الله لقاموا بالقسط، لكن كل من لم يتمشَ على شريعة الله فهو جائر، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل:9] يعني: ومن السبيل ما هو جائر وهو سبيل الظالمين. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25] (أنزلنا الحديد) أي: خلقناه لهم من المعادن، واستنبط بعض العلماء من قوله: (أنزلنا الحديد) على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما كان في الأسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم، هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن (أنزلنا) بمعنى: وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن. قوله: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} بأس شديد في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب؛ لأن الدين لا يقوم إلا بهذا، بالدعوة والقتال، فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي حينئذ يقاتلون، وبماذا؟ بالحديد، (فيه بأس شديد) أي: في الحرب. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (ومنافع للناس) قال تعالى: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25] جمع المنافع؛ لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، من يحصي لي المنافع التي تحصل في الحديد؟ نعطيكم مهلة أسبوع، لا تستطيعوا أن تحصوه، ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، (ومنافع للناس) دينية ودنيوية، فردية واجتماعية. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 7 تفسير قوله تعالى: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد:25] معطوفة على (ليقوم الناس بالقسط) . وقوله: (ليعلم من ينصره) المراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عالماً بكل شيء، فلا يشكل عليك الأمر لا تقل: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: نعم. العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده، ما هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن العلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن الناس. إذاً: (ليعلم الله) أي: علم ظهور، أي: أنه ظهر ووقع بالفعل، هذه واحدة، وعلماً يترتب عليه الثواب والعقاب، أما العلم بأنه سيكون فهذا معلوم من الأزل. قوله: {مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: ينصر دينه، وليس المعنى: ينصر نفس الله، لا، لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:4] إذاً: ينصره بماذا تفسرها؟ ينصر دينه، فلو قال القائل: كيف ينصر دينه والله يقول: {مَنْ يَنْصُرُهُ} ؟! هذا تفسير مخالف للفظ، وأنتم تنكرون على من يفسر القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ فما الجواب؟ الجواب نحن لا ننكر على الناس إذا فسروا القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ إذا كان ذلك بدليل، إذا كان هذا بدليل فإننا لا ننكر عليهم، ولهذا إذا قال قائل في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] إذا قال قائل: إن المعنى: إذا قرأت القرآن أي: أردت قراءته، فهذا فسره بخلاف ظاهره، هل نقول: هذا التفسير صحيح أو غير صحيح؟ صحيح؛ لأن الإنسان يستعيذ بالله إذا أراد أن يقرأ ما هو إذا أتم القراءة، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ولأن هذا هو الذي يفيد أن يستعيذ الإنسان بالله قبل أن يقرأ ليقرأ والشيطان بعيد عنه. على كل حال: إذا قال لك قائل: كيف تفسر قوله تعالى: {مَنْ يَنْصُرُهُ} أي: من ينصر دينه، وأنت تنكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره؟ فالجواب: أننا لا ننكر من يفسر القرآن بخلاف ظاهره إذا كان في ذلك دليل صحيح، والدليل على أن المراد ينصر دينه قوله: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] لا يحتاج إلى أحد، فهو قوي عزيز غالب بقوة لا يلحقها ضعف. وقوله عز وجل: {مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} [الحديد:25] نصر الرسل هل المراد أن ينصر الرسول نفسه أو أن ينصر الشريعة التي جاءت بها؟ الأمران إذا كان الرسول حياً فالمراد ينصر الرسول نفسه وشريعته، وبعد موته ينصر شريعته، وفي هذا دليل على أن نصر الشريعة نصر لمن جاء بها، فلا يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد يميت الرسول قبل أن يرى النصر الواسع له، فنحن نقول: نصر شريعته نصر له. وقوله: ((بِالْغَيْبِ)) أي: أنه ينصر الله عز وجل، وينصر رسله وهو لم ير الله؛ لأن الله تعالى يُنْصَر ولا يُبْصَر، لا يرى في الدنيا، ولهذا قال بعض السلف: ينصرونه ولا يبصرونه، تفسيراً لقوله: (بالغيب) ينصرونه ولا يبصرونه، والمراد لا يبصرونه في الدنيا أما في الآخرة فنسأل الله تبارك وتعالى، فنظر الله تعالى حق، ثابت في القرآن والسنة وإجماع الصحابة. إذاً: (بالغيب) أي: ينصرون الله وهو غائب، ويحتمل أن يكون المعنى (بالغيب) أي: بغيبتهم عن الناس، فيكون في هذا دليلاً على إخلاصهم، وأنهم ليسوا ممن يعبدون الله إذا كانوا بين الناس بل يعبدون الله تعالى في الغيب والشهادة. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 8 تفسير قوله تعالى: (إن الله قوي عزيز) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25] هذه الجملة استئنافية لبيان أن نصر الله عز وجل ليس عن ضعف ولا عن قهر، بل هو قوي عزيز لا يحتاج إلى أحد ينصره بنفسه ولكن النصر لدينه. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 9 الأسئلة الجزء: 224 ¦ الصفحة: 10 أفضلية صلاة العيد داخل البلد لوجود عذر أو مشقة السؤال لا شك أن صلاة العيد في المصلى هي أفضل، لكن إذا كان هناك عذر من برد شديد أو أمطار فهل الأفضل ننصب الخيام في المصلى، أو نصلي في البلد؟ الجواب الأفضل أن نصلي في البلد، لأن إقامة صلاة العيد في البلد عند العذر جاءت بها السنة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يصلي بالعاجزين عن الصلاة في المصلى في نفس البلد، ولأن هذا أقل تكلفاً، ولأنه قد يكون مشقة على الناس قبل أن يصلوا إلى الخيام، فالمصلى ليس بين البيوت حتى نقول: يخرج الإنسان من بيته إلى الخيمة مباشرةً لابد من مسافة، هذه المسافة يلحق الناس منها أذىً ومشقة. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 11 كيفية تقدير وقت صلاة الفجر على الطائرة السؤال رجل سيسافر من الرياض إلى أمريكا الساعة الواحدة ليلاً فكيف يقدر وقت صلاة الفجر؟ الشيخ: يمشي فإذا طلع الفجر صلى ولو طالت المدة بين العشاء والفجر؛ لأنه إذا كان سيسافر غرباً فستطول المدة، المهم أنه لا يلزمه أن يصلي إلا إذا طلع الفجر، فإذا قال مضيف الطائرة: إنه طلع الفجر صلى. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 12 حكم مس الصبي للمصحف من غير طهارة السؤال حكم مس المصحف للأطفال على غير طهارة؟ الجواب رخص به بعض العلماء بحجة: أن الطفل غير مكلف وغير ملزم، فالتكليف ساقط عنه فليمسه ولو بغير طهارة، لكن هذا التعليل عليل بل ميت؛ لأننا نقول لهذا الرجل: أرأيت لو صلى بلا طهارة هل تقول: إنه غير ملزم بالوضوء؟ لا. نقول: يجب عليه الوضوء وإلا فلا يصلي. كذلك مس المصحف نقول: إذا دلت الأدلة على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة فليتطهر الصبي، لكن رخص بعض العلماء ترخيصاً أهون من هذا، قال: بالنسبة للصغار لهم أن يمسوا المصحف بشرط: ألا تقع أيديهم على الحروف، بل يمسه من الجانب وبشرط: أن يكون هذا من قطع الألواح التي يحملها الصغار عادة، فأجازوها والعمل على هذا القول. أما إذا كان الصبي يقرأ في المصحف فلابد من الوضوء. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 13 جواز دخول مدائن صالح لمن دخلها باكيا ً السؤال هل يجوز زيارة مدائن صالح للعظة؟ الجواب يجوز بشرط: ألا يدخلها الإنسان إلا وهو يبكي. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون) أما أن يذهب إليها لينظر مدى قوة القوم فيما سبق فهذا لا يجوز، والفرق ظاهر، لأن هذا الذي يذهب إليها من أجل أن ينظر قوة هؤلاء ذهابه إليها نزهة وترف ولا كأنه وقع بهم من العذاب ما وقع، أما الذي يذهب إليها وهو يبكي ويخاف فهذا لا حرج فيه. ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذه الديار في سفره إلى تبوك قنع رأسه وأسرع في السير. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 14 حكم حراسة البنوك الربوية السؤال ما حكم عمل حارس في بنك الراجحي؟ الجواب لا بأس أن يحرس بنك الراجحي، والبنك الأهلي، والبنك السعودي الأمريكي، والبنك السعودي البريطاني، والبنك السعودي الهولندي، وكل البنوك لا بأس أن يحرسها؛ لأنه يحفظ أموال الناس؛ ولأنه مأمور من الدولة، والدولة عليها حفظ أموال الناس المعاهدين والمسلمين. السائل: حتى لو كان في هذا البنك رباً يا شيخ؟! الشيخ: هو غالب معاملة البنوك بالربا، فنقول: لا بأس أن يحرسه ولا إثم عليه. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 15 حكم كشف المرأة رأسها لعذر مرضي السؤال سائلة تسأل في إحدى الدول العربية فتقول: إنها بدأت ترتدي الحجاب في سن الخامسة عشرة وبعد سنتين تقريباً أصيبت بمرض السرطان في أذنها اليسرى، واحتاجت إلى عملية جراحية وتم استئصال هذا المرض، ثم أشار الطبيب وقال: إنه لابد من نزع الحجاب حتى يتعرض الرأس لأشعة الشمس، وبعده بسنة أصيبت بهذا المرض مرة أخرى وأصيبت بانتفاخ في الرأس، وذهبت إلى طبيب آخر وأشار إليها بمثل كلام الطبيب الأول وإزالة شعر رأسها حيث أن شعرها طويل وأنه يمنع وصول أشعة الشمس لتنفس شعر الرأس، فما هو قولكم في هذا؟ الجواب قولنا: ألا يطاع هؤلاء، يجب عليها أن ترتدي الحجاب وأن تغطي رأسها ووجهها، وأنا أسأل: هل هي دائمة في السوق؟ ليست دائماً في السوق، أكثر الوقت في بيتها، وإذا كانت أغلب الوقت في بيتها تخرج إلى السطح وتخلي رأسها يبين للشمس ساعة أو ساعتين أو ما شاءت، وكل هذا إما تخرص من هؤلاء الأطباء، وإما لغرض سيئ من أجل أن يذهب عنها الحياء؛ لأن المرأة إذا ذهب عنها الحياء صارت كأنها رجل أو أردى من الرجل. وذهاب الحياء له أسباب: منها: الاختلاط، ومنها: أن ترتدي المرأة من صغرها ألبسة بعيدة عن الحشمة وعن الحياء فتألف هذا الشيء. المهم قل لها: لا تطع هؤلاء، تحتجب، وما يدريها لعلها تطيعهم ثم يعود المرض فتكون آثمة والمرض باقٍ. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 16 توجيه حديث ابن عباس: (إن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا) السؤال توجيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [إن القرآن أنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا] ؟ الجواب هذا الأثر لا تطمئن إليه النفس لا من جهة سنده ولا من جهة معناه، القرآن الكريم تكلم الله به حين إنزاله، وهو في اللوح المحفوظ هذا الذي جاء به القرآن: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21-22] وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77-79] وهذا اللوح المحفوظ، إما أنه نزل إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا فهذا يحتاج إلى نص صريح من الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 17 لزوم رفع من يستهزئ بالدين إلى المحاكم السؤال هناك كُتَّاب يستهزئون بالدين ويستهزئون بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وبالحدود الشرعية، وببعض قضايا الدين الغيبية، فما حكم رفع القضاء عليهم في بلد لا يحكم شرع الله ولا يقيم حد الردة بل يكتفي بتغريمهم أو سجنهم شهراً أو إيقاف حكم التنفيذ، فهل يجوز رفع قضايا عليهم؟ الجواب أسألك الآن: لو كانوا في بلد يقيمون الحدود هل يرفعون إلى الحاكم، أم لا؟ السائل: نعم يرفعون. الشيخ: لو كانوا في بلد لا يقيمون الحدود أبداً ولا يتعرض الفاعل لا بحبس ولا تغريم يرفعون أو لا يرفعون؟ السائل: لا يرفعون. الشيخ: بلد يعطيهم شيئاً من العقوبة ولكن ليست العقوبة التامة يرفعون أو لا يرفعون؟ السائل: قد يرفعون وقد لا يرفعون. الشيخ: (قد) ليس بصحيح بل يرفعون؛ لأن في هذا من المصلحة أن يعرف أن شعائر الله محترمة ودين الله محترم بدليل أنها أنزلت العقوبة بهذا. فالآن عندك ثلاثة أقسام: قسم يطبق الشريعة ويعطي هذا حقه من العقوبة كاملاً، فهذا لا شك أنه يجب رفعه. قسم آخر لا يبالي، ولا يرفع بهذا رأساً، ولا يرى في هذا بأساً هذا لا يرفع! ما الفائدة؟! الثالث: يعطي نوعاً من العقوبة فيرفع. السائل: حتى لو كان مخالفاً لحكم الشرع؟ الشيخ: لكنها عقوبة فأيهما أولى أن يعاقب عقوبة ويشتهر عند الناس: أنه عوقب لأنه فعل كذا وكذا، أو أن يسكت عنه يفعل ما شاء ويقتدي به من شاء، أيهما أولى؟ السائل: يعاقب. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 18 كراهية فرقعة الأصابع في الصلاة السؤال ما حكم فرقعة الأصابع في الصلاة؟ الجواب هي عمل أو غير عمل؟ السائل: عمل. الشيخ: لمصلحة الصلاة، أو لغير مصلحة الصلاة؟ السائل نفسه: لغير مصلحة الصلاة. الشيخ: إذاً هذا مكروه، كل عمل لغير مصلحة الصلاة فهو مكروه، وأما العمل لمصلحة الصلاة كما لو تقدم الإنسان للصف، أو قرب إلى الصف فهذا لا بأس به. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 19 كيفية التعامل مع جماعة التبليغ السؤال نسب إليكم أحد الأشخاص أنكم تؤيدون جماعة التبليغ، ما قولكم في هذا؟ الجواب كيف نؤيدهم ماذا نقول؟ السائل: يقول: بأنك تقول: جائز الذهاب معهم. الشيخ: نعم. أنا أقول: جائز، وقد يتعين على طالب العلم الذي إذا خرج معهم أرشدهم إلى الحق، الجماعة ليسوا يفعلون المنكرات الظاهرة، لكن صحيح أنه ثبت عنهم قصور ويحتاجون إلى من يعلمهم ويرشدهم، وإلا فمن عرف حالهم وعرف إيثارهم وأخلاقهم وآثارهم يقول: هذه جماعة لا يوجد لها نظير. فهم أسلم على أيديهم كثير من الناس، وصلح على أيديهم كثير من الفساق، وهذا أمر لا ينكر، وفيهم من الإيثار واللطافة وحسن الخلق ما لا يوجد في غيرهم، لكن عندهم جهل لا شك، فإذا خرج الإنسان معهم ليرشدهم ويقول: يا إخواني! هذه مثلاً بدعة، هذه لم تأت بها السنة، فهذا خير، أنا أحب أن طلاب العلم يأتون بهم ويرشدونهم أو يخرجون معهم ويرشدونهم. أما أن نبقى نتلاعن فيما بيننا، ونبدع أو نكفر أو ما أشبه ذلك، فهذا غلط، ولا مجال لذكر الوقائع التي وقعت من تأثير هؤلاء في فساق وكفار وملحدين. لكن لو قال شاب: هل الأفضل أن أخرج معهم، أو أطلب العلم؟ قلنا: الأفضل تطلب العلم لا شك؛ لأنهم هم ليس عندهم زيادة علم، أكثر ما عندهم النظر في الأخلاق والفضائل وما أشبه ذلك، وهم كثير منهم لا يميز بين الصحيح والضعيف. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 20 حكم زراعة الشعر السؤال ما حكم استزراع الشعر؟ الجواب أنا أتوقف في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، واستأذنته امرأة في أن تصل شعر ابنتها لأنه مزقته الحصبة فمنع من ذلك. والحمد لله الإنسان إن كان عنده نشاط فذهاب الشعر لا يضره، وإن كان ضعيفاً لو زرع الشعر لا ينفعه. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 21 حكم من قال: إن إبليس ليس بكافر السؤال ما حكم من قال: إن إبليس ليس بكافر، وأنه أقسم بعزة الله؟ الجواب وقول الله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] الذي يقول ليس بكافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه كذب القرآن، وإقسامه بعزة الله لأنه يعرف أن الله عزيز، فأقسم بعزة الله عز وجل، وهو قال أيضاً: إني أخاف الله رب العالمين: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] لكن هذا ليس خوف عبادة، هذا مثلما نحن نخاف الآن من الذئب والسبع وما أشبه ذلك. قل لهذا الأخ الذي قال لك: يتوب إلى الله عز وجل، ولا يكذب كلام الله عز وجل: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] . السائل: يا شيخ هذا في كتاب؟ الشيخ: ما أظنه في كتاب أين الكتاب؟ الجزء: 224 ¦ الصفحة: 22 حكم صلاة الكسوف في أوقات النهي السؤال بأمر الله سبحانه وتعالى يوم الجمعة الماضي خسف القمر بعد أذان الفجر، واختلف الناس هل يصلون أو لا يصلون، بعضهم صلى وبعضهم لم يصل، وإذا كان القمر طالعاً في النهار في الصباح أو في المساء وخسف فهل يصلي الناس أم لا؟ الجواب هو القمر كما تفضلت خسف بعد طلوع الفجر، فعلى من يرى أن ذوات الأسباب من النوافل لا تفعل في وقت النهي ورأى أن النهي يدخل من طلوع الفجر يقول: يحرم أن يصلي لأن هذا وقت نهي، وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. ومن يرى أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي يقول: يصلي ولو بعد طلوع الفجر، بل ولو بعد صلاة الفجر، لكن بشرط: ألا يخفي النهار ضوء القمر، فأما إذا انتشر النهار وصار وجود القمر وعدمه سواء فإنه لا يصل، لقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12] وآية الليل هو القمر كما فسره بذلك مجاهد وغيره. وهو لا يمكن أن يكون له أثر إلا إذا كان الجو مظلماً، أما إذا ارتفع ضوء النهار فلا يصلى، هذا القول هو أرجح وأعدل الأقوال. على أن بعض أهل العلم يقولون: إن صلاة الكسوف فرض كفاية. وهذا هو القول المتعين، أنه لا يجوز للمسلمين تركه، والأفضل: أن تصلى في الجوامع أيضاً، ولذلك صلاتها يجهر فيها حتى لو كان ذلك في النهار إذا كسفت الشمس، لأنها صلاة اجتماع، وصلاة الاجتماع كلها أن يجتمع الناس في مكان واحد. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 23 حكم الشرب من ماء زمزم بعد ركعتي الطواف السؤال بعض الكتب لم تذكر بعد الطواف وصلاة ركعتي الطواف الذهاب إلى زمزم، فهل ورد في الحج أم في العمرة أم في كليهما؟ الجواب هذه اختلف فيها العلماء: هل إن الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك تعبداً، أو إنه احتاج إلى الشرب وقام يشرب؟ ما ندري، فما دامت المسألة مشكوك فيها هل هي عبادة أو طبيعة لا نشرعها إلا لو أمر الرسول بهذا، فقال: من طاف فليشرب من ماء زمزم، أليس من الممكن أن الرسول لما طاف احتاج إلى الشرب؟ هذا ممكن لا شك، ولهذا لم يبلغني الآن أنه شرب حين طاف للعمرة عمرة الجعرانة ولا عمرة القضاء، وعلى هذا فيه احتمال قوي جداً: أنه شربه لحاجته إليه، فالذين لم يذكروه لأنهم لا يرون هذا، يرون أن هذا احتاج الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشرب فشرب. إنما الشرب من ماء زمزم من حيث الأصل أمر مطلوب؛ لأنه (لما شرب له) كما جاء ذلك في حديث حسن عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن لما شرب له لأي شيء؟ قيل: إنه لما شرب له لإزالة العطش أو لإزالة الجوع أو لإزالة المرض العضوي البدني، وأما تعميمه لكل شيء حتى الواحد يشرب لأجل أنه يتزوج، والله! في النفس من هذا شيء، أو يشرب لكي يصير ابن هشام في النحو وابن تيمية في الدين والعلم، ما أظن هذا، لكن نعم هو ينتفع به البدن بإزالة العطش وإزالة الجوع وإزالة السقم، كما جاء في حديث آخر أنه (شفاء سقم وطعام طعم) . الجزء: 224 ¦ الصفحة: 24 حكم من فاته الركوع الأول من الركعة الأولى من صلاة الكسوف السؤال من فاته الركوع الأول من الركعة الأولى في صلاة الكسوف فهل يقضيها؟ الجواب يقضي الركعة كاملة، الكسوف في كل ركعة ركوعان والذي تدرك به الركعة هو الركوع الأول، أما الركوع الثاني فلا تدرك به الركعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) ولابد أن يصلي ركعة كاملة بركوعيها بعد سلام الإمام. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 25 عدم إثم الشخص إذا لم يأمر أهله بالخروج لصلاة العيد السؤال هل يأثم ولي أمر الأسرة بعدم أمره لأهله بالخروج لصلاة العيد؟ الجواب إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للناس: مروا أهلكم؛ لكنه أمر أن يخرج الناس حتى العواتق وذوات الخدور والحيض، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى؛ لأن مصلى العيد مسجد، ولذلك يسن للإنسان إذا دخل مسجد العيد أن يصلي ركعتين إذا لم يكن الإمام قد حضر يصلي ركعتين تحية المسجد. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 26 تشجيع الطلاب على الصلاة في الصف الأول السؤال في المدارس تقام صلاة الظهر ويتفاوت الطلاب بإدراكهم لأهمية الصلاة وفعلها على الكيفية المطلوبة، ويتسابقون على الصف الأول، فهل ممكن جعل الصف الأول للأكبر سناً، وكذلك الصف الثاني للذين يلونهم، حتى يتم تدريبهم على السنة القبلية قبل الظهر والسنة البعدية بعد الظهر لإدراكهم لذلك؟ الجواب هذا يتطلب أن نقول: أعطونا شهادة المواليد، ما دام أنه سنقدم الأكبر فالأكبر لازم يحضرون شهادة المواليد، لأنه ما يدري كثير من الناس تراه تقول: هذا عمره -مثلاً- عشرون سنة وإذا عمره أربعون سنة. السائل: المرحلة الابتدائية يا شيخ! الشيخ: المرحلة الابتدائية لو قيل: إنك تقدم الصغار لم يكن بعيداً لأنه أحفظ لهم، إذا تأخر الصغار فإنهم يلعبون، لكن نقول: نشجع الجميع نقول: الأسبق هو الأحق، من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 27 حكم أخذ بدل الوديعة صرفاً من عملة أخرى السؤال عندي بطاقة سحب (اكترون) صادر من دولة الكويت. الشيخ: أيش؟ السائل: بطاقة سحب (اكترون) فيزة صادرة من دولة الكويت هل يجوز أن أسحب بها من لجنة الصرف الآلي في السعودية بالعملة السعودية، علماً بأنه يتم الحجز على المبلغ ثم يستقطع بعد أيام؟ الجواب إذا دعت الحاجة لهذا فلا بأس، وإلا فاصرفها دنانير كويتية ثم اصرف الدنانير ريالات سعودية. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 28 استحباب رفع اليدين في تكبيرات العيد والجنازة السؤال بالنسبة لصلاة العيد وصلاة الجنازة هل يجب على المأموم أن يرفع يديه، أم فقط يكبر بالصوت؟ الجواب يرفع يديه عند كل تكبيرة في الجنازة وفي تكبيرة العيد؛ لأنها تكبيرات في حال القيام فاستحب فيها رفع اليدين، كما جاء هذا في السنة أيضاً وهي الأصل. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 29 جواز الجمع في الصلوات لشدة البرودة السؤال هل يجوز جمع الصلاة في البرد الشديد وتكرار ذلك وخاصة في الظهر والعصر؟ الجواب والله! هذا ينظر: هل في هذا البرد الشديد هواء يلفح الناس ويؤذيهم فنعم يجوز الجمع، ودليل هذا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا له: ما أراد إلى ذلك؟ -يعني لماذا صنع هذا- قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أنه كلما وجدت المشقة جاز الجمع. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 30 حكم سداد الضامن للدين عمن ضمنه بزكاة ماله السؤال رجل اشترى سيارة وضمنه ضامن وتأخر هذا المشتري في السداد، فهل لهذا الضامن أن يسدد عن هذا بزكاة ماله؛ لأنه إن لم يسدد فسوف تقوم الشركة باستقطاع من مال الضامن؟ الجواب أرأيت إذا سدد من زكاة ماله أليس يدفع عن نفسه؟ بلى هو يدفع عن نفسه، والزكاة يجب أن تكون خالصة لله، ما للإنسان فيها شيء، لكن له أن يعطي الرجل دراهم من الزكاة إذا كان فقيراً ويقول: اقض دينك، أما أن يدفع عن نفسه المطالبة بزكاته فهذا لا يجوز. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 31 حكم تحية المسجد إذا خرج من المسجد بنية الرجوع السؤال هل يلزم تكرار تحية المسجد بتكرار الخروج من المسجد؟ الجواب لا يلزم، إذا كان الإنسان من نيته أن يرجع عن قرب فلا يلزم كما لو خرج وتوضأ، أو خرج يكلم أحداً، فلا يلزم أن يكررها، أما لو خرج بنية عدم الرجوع، فهذا إذا رجع ولو بخطوة واحدة يصلي تحية المسجد، فيفرق بين من رجع عن قرب وبين من خرج لا ليرجع عن قرب، فالأول لا يحتاج إلى صلاة تحية المسجد، والثاني: يصلي تحية المسجد ولو لم يخط إلا خطوة واحدة. وفي تعبيرك: كلمة (يلزم) لا تظن أنها واجبة بمعنى: أن الإنسان يأثم بتركها، فإن الظاهر أن تحية المسجد ليست واجبة، لكنها سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان أن يدعها. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 32 عدم جواز وضع الدين عن المدين المعسر على حساب الزكاة السؤال رجل أقرض شخصاً ثم عجز المدين عن السداد لحاجته وفقره، فهل يجوز أن يتنازل عن هذا الدين ويعتبره من زكاة ماله؟ الجواب لا يجوز، يعني: لا يجوز للإنسان إذا كان عليه زكاة وله غريم معسر أن يسقط عنه من دينه بقدر زكاته، قال شيخ الإسلام: هذا لا يجوز بلا نزاع. ووجهه ظاهر، لأن الزكاة أخذ وإعطاء، قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) والدين ليس كذلك. ثالثاً: الدين على المعسر مال تالف في الواقع لأنه ربما يموت بلا وفاء، والمال الذي بيدك مال حاضر، لا يمكن أن تجعل التالف زكاة عن الحاضر، فإن هذا يشبه إخراج الزكاة الرديئة عن الزكاة الطيبة، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] يعني: لا تقصدوا الرديء فتخرجوا منه الزكاة. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 33 أهمية العدل بين الأولاد في العطية السؤال بالنسبة للوالد أحياناً يعطي بعض أبنائه مالاً لحاجته، وهذه نقطة قد يرضى بها بقية الأبناء لكن على مضض مثلاً، وقد يعطي هبة هكذا يعني: للصغير مثلاً يراه احتاج دون غيره لأنه صغير كون عندهم بعض المال وهو ليس عنده شيء، هذه الأمور كثير منا يتحرج منها، قد يقع فيها ظلم، لكن هذا يحدث يفضل ولد على ولد لحاجته أو غير ذلك، ما قولكم في ذلك؟ الجواب الواجب في عطية الأولاد أن تكون بالعدل، لحديث بشير بن سعد حين أعطى ابنه النعمان بن بشير ولم يعط بقية أولاده، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والعدل بين الأولاد: أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه، فمثلاً: هذا الولد طالب يحتاج إلى الكتب يحتاج إلى أجرة للمعلم، فنعطيه وإن لم نعط إخوانه؛ لأن إخوانه لا يحتاجون، هذا ابن يحتاج إلى تزويج ما عنده فلوس فزوجه أبوه لا يلزم أن يعطي إخوانه مثلما أعطاه للزواج، يلزمه إذا بلغ إخوانه النكاح أن يزوجهم إذا كان عنده شيء، ألم تر أن الإنسان يكون له ابن وبنت الابن يحتاج إلى غترة وطاقية والبنت تحتاج إلى خروص وإلى أسورة وإلى خواتم يعطي الولد قيمة الغترة والطاقية والبنت قيمة الخروص والأسورة والخواتم، أيهم أكثر؟ الثاني أكثر، لكن لأنها تحتاج. ولهذا من الخطأ الفادح والجهل الفاضح: أن بعض الناس إذا زوج أولاده الكبار الذين لا يستطيعون الزواج لأنفسهم وله أولاد صغار أوصى لأولاده الصغار بقدر ما أعطى الكبار للنكاح، وهذا غلط، حتى لو مات فالوصية لا تنفذ، ويعطى ما أوصى به للصغار يدخل في التركة ويقسم على فرائض الله. حسناً ما تقول: فيما لو كان له ولدان احتاج كل منهم إلى سيارة، فأعطى واحد أعلى السيارات والثاني الوسط، يجوز أو لا يجوز؟ السائل: يجوز، إذا كان هذا يحتاج إلى سيارة كبيرة الشيخ: لا، كلهم يقرءون في مدرسة سواء. السائل: هذا لا يجوز إذا كانوا سواء. الشيخ: إذا قال: أنا أعطي لهذا ما يوصله إلى المدرسة ويرده سيارة، نقول: لا يجوز، لأن السيارة تختلف هذه مثلاً بستين ألفاً وهذه بأربعين ألفاً، كذلك لو ألبس أحد الأولاد لباساً فاخراً والآخر دون ذلك فإنه لم يعدل، لا يقول: أنا أعطيتهم ما يستر العورة، نقول: لا، هذا لا يجوز لابد أن يكونوا سواء أو متقاربين؛ لأن التسوية من كل وجه قد تكون متعذرة لكن متقارب. حسناً: لو أعطى الصبي الصغير حلوى لأنه صاح فأعطاه حلوى يسكته نقول: أعط الكبير حلوى؟ السائل: لا أعطيه. الشيخ: لا تعطيه، حتى لو أعطيته ينقد عليك، لأنه هذا يرضى به عادة. السائل: بالنسبة للسيارة -يا شيخ- أحياناً يحتاج الأخ أو الأخوان إلى سيارة رحلات بعيدة مثلاً بخلاف الثاني. الشيخ: ما يضر، على كل حال: إذا أعطى كل واحد ما يحتاج فلا بأس. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 34 حكم امرأة خرجت للحج فسمعت بوفاة زوجها السؤال إذا خرجت المرأة حاجة وبعد وصولها إلى جدة سمعت بوفاة زوجها، فهل لها أن تتم الحج، أو أن تجلس للحداد؟ الجواب تتم الحج؛ لأن الآن إن رجعت سترجع بسفر، وإن بقيت بقيت في سفر مستمر، فتتم الحج لا سيما إذا كان فريضة ثم بعد ذلك ترجع، وحتى لو كان نافلة لها أن تستمر. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 35 وجوب المهر الجديد والعقد الجديد على الزوج إذا انتهت عدة زوجته المطلقة السؤال رجل طلق زوجته لأول مرة طلاقاً رجعياً ولم يراجعها حتى انتهت مدة المراجعة فيقول: هل ترجع لي الآن بعقد جديد، أم يكتفى بالشهود، مع العلم: أنه لو كان بعقد جديد ربما طمعوا بي وتعسرت المراجعة؟ الجواب إذا تمت العدة حرمت على الزوج وصار الزوج كسائر الناس، يخطبها من جديد ويعقد لها من جديد ويسلم المهر الذي يتفق الطرفان عليه، ولابد، قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:2] . الجزء: 224 ¦ الصفحة: 36 الفرق بين وسائل الدعوة ووسائل التأليف السؤال ما رأي فضيلتكم هل وسائل الدعوة توقيفية، أم اجتهادية كالأناشيد الإسلامية تعطى للشباب لغرض هدايتهم؟ الشيخ: هو على كل حال: الدعوة إلى الله عز وجل بأي طريقة، لكن المعلوم أن أفضل ما يدعى به الناس كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] هذا أفضل شيء. لكن إذا كان هناك شباب بعيدون وأردنا أن نتألفهم تألفاً إما بإحداث رياضة مباحة، وإما بأناشيد غير محرمة فلا بأس. إذا كان الآن التأليف على الإسلام لا يكون بالدراهم، المؤلفة قلوبهم يعطون من الزكاة يزاحمون الفقراء ويعطون من الزكاة وهي مال لتأليفهم، فما يقال: إنه وسائل دعوة فهذا فيه إيهام في الواقع، الدعوة لا تكون إلا بالكتاب والسنة، لكن التأليف بأي سبب بأي طريقة غير محرمة ألِّف الناس، وكثير من الشباب مثلاً قد ينفر من الدعاة لأن بعض الدعاة لا يلينون لهم، فإذا أراد أن يجذب شباباً بأن يخرج مثلاً بعد العصر للعب الكرة أو للمسابقة على الأقدام أو ما أشبه ذلك هذا طيب من باب التأليف. السائل: ما هي شروط الأناشيد حتى تكون مشروعة؟ الشيخ: ما أستطيع لأنه الآن تنوعت الأناشيد، حتى أصبحت تشبه في أدائها أداء الأغاني الهابطة هذه. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 37 حكم الحج على من عليه دين السؤال هل الدين يمنع من الحج، وإذا كان مانعاً من الحج فما الحكم بالنسبة لديون البنوك الطويلة، لا سيما بنك التسليف فالديون فيه ربما تستغرق العمر كله، ولا نستطيع سدادها إلا؟ الجواب الدين إذا كان حالاً مقدم على الحج لسبقه وجوب الحج، فيوفي الدين ويحج، فإذا لم يكن عنده شيء وبعد وفاء الدين ينتظر حتى يغنيه الله، وإذا كان مؤجلاً نظرنا: إن كان الإنسان واثقاً من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل يسدده فإن الدين هنا لا يمنع وجوب الحج سواء أذن له الدائن أم لم يأذن، وإن كان لا يضمن من القدرة على الوفاء فإنه ينتظر حتى يحلَّ الأجل ويوفي، وبناء على ذلك نقول: من عنده لصندوق التنمية العقارية ديون إذا كان يعرف من نفسه أنه إذا حلَّ الأجل أوفاه يجب عليه الحج ولو كان عليه دين. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 38 عدم جواز الاستنابة لمن لا يقيم الحروف في الإمامة السؤال شخص استناب في الإمامة لإقامة الصلاة عنه رجلاً، لكن هذا الشخص النائب لا يقيم الحروف مثل القاف والغين وهكذا، فهو يسأل هل يجوز له علماً بأن الحضور من المأمومين لا يستطيعون الصلاة، وهو الآن في حرج يا شيخ؟ الجواب أقول: إنه لا يحل للإمام أن ينيب عنه من لا يقيم الحروف، وإذا لم يجد إلا هذا يبقى لا يذهب لا يميناً ولا يساراً، أو يستقيل من الوظيفة. هذا أمر. بالنسبة للمأمومين يرفعون الأمر إلى الجهات المسئولة ويطلبون من الجهات المسئولة بأن ينظروا شخصاً يقيم القراءة. السائل: هي منطقة سوق. الشيخ: حتى منطقة السوق لا يصلون خلف من لا يقيم القراءة مع القدرة على غيره، أما لو تعذر إلا هذا فاتقوا الله ما استطعتم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 224 ¦ الصفحة: 39 لقاء الباب المفتوح [225] إن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض وحد حدوداً وأمرنا بالالتزام بها وأدائها، فمن هذه الفرائض فريضة الحج، ولذلك تحدث الشيخ عن الحج وفريضته، ومتى يجب على المرء أن يحج، وصفة الحج وأنساكه الثلاثة، ثم ختم ذلك بأسئلة متنوعة. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 1 مسائل تتعلق بالحج الجزء: 225 ¦ الصفحة: 2 مرتبة الحج في الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بـ (لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر شوال عام (1420هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا} [الحديد:26] ولكن نظراً لقرب موسم الحج فإننا نتكلم عن الحج، لأن كل شيء في وقته أهم وأنفع، والكلام عن الحج في أمور: الأول: ما مرتبة الحج في دين الله عز وجل؟ والجواب على هذا أن نقول: مرتبته أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام) . وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفريضته معلومة من الدين بالضرورة بمعنى: أن كل إنسان يعرف أن الحج فرض عليه إذا كان يعيش بين المسلمين، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فهو كافر، إذا كان قد عاش بين المسلمين؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة، كل إنسان يعرفه حتى الصبي في السوق يعرف أن الحج فرض. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 3 على من يجب حج بيت الله على من يكون الحج فرضاً؟ الجواب يكون فرضاً على من جمع خمسة أوصاف: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة. فأما الإسلام: فإن الكافر لا يجب عليه الحج ولا يصح منه؛ لأننا نقول له: أسلم أولاً، ثم حج ثانياً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) . وبناءً على ذلك: لو أن رجلاً حج وهو لا يصلي فإن حجه غير صحيح وليس مقبولاً منه ولا مجزئ عنه، فإذا صلى دخل في الإسلام، وحينئذ نقول: يجب عليك أن تحج، فإذا قال: إنه قد حج، نقول: نعم. لكن حججت في حال لا يصح منك الحج؛ لأنك حججت وأنت مرتد. وأيضاً: لا يحل لك أن تدخل حدود حرم مكة، لأن الكافر لا يحل له أن يدخل حدود حرم مكة، وهو آثم من حينما يدخل إلى أن يخرج، آثم إثماً زائداً عن إثم الكفر، وهذه مسألة قلَّ من يتفطن لها، فالواجب التنبه لهذه المسألة، وأن يقال لمن عرف أنه لا يصلي: يا فلان! لا تتعب نفسك فإن حجك غير مقبول ولا مجزئ، ولو هداك الله إلى الإسلام ورجعت وصليت لوجب عليك أن تحج، لأن الحج الأول لم يجزئ فلا يسقط به الفرض. الثاني: العقل وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه حتى لو كان عنده من الأموال الشيء الكثير، مثل: أن يكون أبوه قد ورَّث له مالاً ولكنه مجنون، فلا حج عليه، ولا يصح منه الحج، ولا يحج عنه؛ لأنه مجنون. والثالث: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فحجه صحيح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر) لكنه لا يجزئ عنه، بمعنى: أنه إذا بلغ يجب أن يحج حجة الإسلام. الرابع: الحرية بمعنى: ألا يكون الإنسان رقيقاً مملوكاً، فالرقيق المملوك لا حج عليه، لكن لو حج لصح حجه، وهل يجزئه عن الفريضة أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال: يجزئه، ومنهم من قال: لا يجزئه. الخامس: الاستطاعة، لقول الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] بأن يكون الإنسان عنده مال زائد عن حاجته وعن ديونه، قادراً في بدنه، فهنا يلزمه الحج ويلزم أن يبادر إلى الحج ولا يتأخر؛ لأن أوامر الله تعالى على الفور ما لم يدل دليل على التراخي، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، قد يكون هذه السنة قادراً والسنة الثانية عاجزاً، وقد يموت، فعليه أن يبادر ولا يتأخر. من الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإذا لم تجد المحرم فلا حج عليها، وإن حجت فهي آثمة، لو ماتت وهي غنية قادرة لكن ليس عندها محرم فهل تحاسب على ذلك أم لا؟ الجواب: لا تحاسب؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى البيت، من منعها؟ منعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) أرأيت -لا قدر الله إلا الخير- لو أن عدواً في طرق مكة يمنع الناس هل يلزم الإنسان أن يحج؟ الجواب: لا. لا يلزمه، فإذا كان العدو المانع حساً يسقط به فريضة الحج فالمانع شرعاً تسقط به فريضة الحج، فلتهنأ المرأة التي لا تجد محرماً، ولتطمئن، ولتعلم أن الله لن يحاسبها على ترك الحج، لأنها غير قادرة شرعاً. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 4 العام الذي فرض فيه الحج متى فرض الحج على المسلمين؟ هل هو في أول البعثة، أو قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، أم ماذا؟ فنقول: التوحيد والرسالة والشهادة بهما من أول البعثة، فمن أول البعثة فرض على الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة فرضت ليلة المعراج، قبل الهجرة إما بسنة أو نحوها، والزكاة: فرضت على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، والصيام: كذلك في السنة الثانية من الهجرة، والحج: فرض في السنة التاسعة من الهجرة، انظروا أركان الإسلام كيف كان ترتيبها في الفريضة. إن قال قائل: لماذا تأخر فرض الحج إلى السنة التاسعة؟ ف الجواب إن مكة -شرفها الله- كانت إلى وقت الفتح تحت سيطرة المشركين، ولا يتمكن المسلمون عن الحج؛ لأن المشركين صدوهم عن العمرة فضلاً عن الحج. إذا قال قائل: لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؟ فالجواب: تأخر في المدينة لكثرة الوافدين من المسلمين إلى المدينة ليعلمهم دينهم، هذا من وجه. ومن وجه آخر: في السنة التاسعة حج مع المسلمين المشركون، وفي هذه السنة نادى المنادي: ألا يحج بعد العام مشرك، فصار العام العاشر خالياً من المشركين وهو الذي فيه تمت حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يحج معه إلا المسلمون ولم يطف بالبيت عريان. وكان العرب في الجاهلية بعضهم يطوف بالبيت عرياناً؛ لأنهم يقولون: لا يمكن أن يطوف الإنسان إلا بثياب من ثياب الحمس، فإذا لم يجد ثوباً طاف عرياناً، وكانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله وذلك جهلاً. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 5 صفة الحج وأنساكه الثلاثة ثم كيفية الحج؟ الجواب الحج أن تحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ذلك من شرط قبول العبادة؛ بل شرط قبول العبادة اثنان: الأول: الإخلاص لله تعالى. الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول للناس: (خذوا عني مناسككم) فلا بد من الإخلاص لله والمتابعة. وعليه لو حج الإنسان للمال فقط فحجه مردود، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ومن ذلك ما يأخذه بعض الناس الآن من النيابة في الحج لو سألته: لماذا أخذت هذه النيابة؟ قال: لأجل الدراهم، هذا ليس له في الآخرة من خلاق، قال شيخ الإسلام رحمه الله: من أخذ ليحج فلا حرج؛ لأنه أخذ المال يستعين به على طاعة، ومن حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق. فانتبه لهذا، لا يحملنك الطمع على أن تأخذ النيابة خمسة آلاف أو أكثر أو أقل لأجل المال، فيحبط عملك ولا تنتفع أنت ولا صاحبك، لا بد من الإخلاص لله عز وجل، أن تنوي بحجك التقرب إلى ربك تبارك وتعالى، ورجاء ثوابه، لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: حج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكما أمر، وأمامك ثلاثة أنواع من الأنساك: التمتع، والقران، والإفراد، ثلاثة يختلف بعضها عن بعض. أما التمتع: فأن تحرم بالعمرة في أشهر الحج، أي: بعد دخول شهر شوال، وتحل منها إحلالاً تاماً ثم تحرم بالحج، وفيه هدي للقادر عليه، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. الثاني: القران، تحرم بالحج والعمرة جميعاً من الميقات، وتبقى على إحرامك حتى تحل يوم العيد، وفيه هدي لمن وجد، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. الثالث: الإفراد، وهو أن تحرم بالحج وحده من دون عمرة، وتبقى على إحرامك إلى يوم العيد ولكن لا هدي فيه؛ لأن أصل الهدي في التمتع والقران هو شكر الله عز وجل على ما أنعم به على العبد من تحصيل النسكين في سفر واحد. ولهذا يجوز للإنسان أن يأكل من هدي التمتع ويهدي ويتصدق، وليس كالدم الواجب لفعل محظور أو ترك واجب؛ لأن هذا لا يأكل منه الإنسان بل يطعمه الفقراء. وأفضل هذه الأنساك: التمتع، وإن أفرد أو قرن فلا حرج، لكن الأفضل أن يتمتع؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه في حجة الوداع. ويأتي إن شاء الله صفة التمتع والقران والإفراد على وجه التفصيل في لقاء قادم، كما يأتي إن شاء الله الكلام على محظورات الإحرام. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 225 ¦ الصفحة: 7 الزمن الذي تقطع فيه التلبية للمعتمر والحاج السؤال فضيلة الشيخ! متى يقطع التلبية من أراد العمرة أو الحج؟ الجواب المعتمر يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، والقارن أو المفرد أو المتمتع يقطع التلبية عند شروعه في جمرة العقبة يقطع التلبية قبل الرمي. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 8 عدم جواز إحضار الخادمات إلى البيوت إلا بمحرم السؤال سؤال يتعلق بقضية الخادمات ووجودهن الآن في البيوت، والتساهل في أمر المحرم، لكن إذا جاء بها وصارت غير متحجبة وليست ملفتة النظر في جمالها ولا يؤبه بها فهل تبقى بدون غطاء على وجهها؟ الجواب هذا يسأل عن الخادمة هل يجوز أن تحضر بدون محرم وتبقى في البيت بدون محرم؟ نقول: لا، لا، لا. لا بد من محرم، وإنما حملنا على تأكيد ذلك ما سمعنا من الفضائع في المرأة الخادمة إذا جاءت بلا محرم، فلا يحل للإنسان أن يستجلب خادمة إلا بمحرم، فإن كان قادراً على مئونتهما جميعاً فذاك، وإن لم يقدر فلا يأتي بها، قد عاش الناس أزمنة كثيرة طويلة بدون خوادم. السائل:. كشف وجهها في البيت مع وجود محرمها معها ولكن لا يؤبه بها؟ الشيخ: لا. لا تكشف وجهها، حتى ولو كان معها محرم لا تكشف الوجه. السائل: ولا ينظر إليها نظر شهوة الشيخ: الخادمة وغيرها سواء لا تكشف وجهها، ولا تقل: لا يوجد محظور (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) . الجزء: 225 ¦ الصفحة: 9 وجوب إعادة الصلاة لمن مسح على الخفين بعد انتهاء مدة المسح السؤال مسحت على الخفين بعد انتهاء وقت المسح عليهما ثم صليت الفجر ولم أذكر أني مسحت عليهما بعد مرور يوم إلا بعد خروج الوقت فهل أعيد صلاة الفجر أم لا؟ الجواب يعني: مسحت بعد تمام المدة في الخفين، إذا مسح الإنسان بعد تمام المدة فإنه يعيد وضوءه ويغسل قدميه ويصلي من جديد ويعيد الصلاة. السائل: ولو خرج وقتها؟ الشيخ: نعم ولو خرج وقتها، يصليها قضاءً. السائل: وإذا ذكر وأثناء الصلاة؟ الشيخ: إذا ذكر أثناء الصلاة يقطع الصلاة ويتوضأ ويغسل قدميه ويبدأ الصلاة من جديد. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 10 حكم حضور صلاة الجمعة لمن صلى العيد في اليوم نفسه السؤال من صلى العيد في يوم جمعة وأراد أن يصلي الظهر، هل تجب عليه الجماعة، أو له أن يصليها لوحده؟ الجواب إذا صادف العيد يوم الجمعة وصلى الإنسان مع الناس يوم العيد، فإن شاء حضر الجمعة وهو أفضل، وإن شاء لم يحضر وصلى في بيته منفرداً ولا حرج؛ لأن الجماعة لم تقم في البلد، الذي يقام في البلد هو الجمعة، ومن حضرها صلى جمعة ومن لم يحضرها صلى ظهراً. السائل: هل تقام في مسجد الحي؟ الشيخ: أصلاً لا تقام في مسجد الحي تمنع؛ لأنه لا يمكن أن تقام جمعة وجماعة في مسجدٍ واحد. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 11 معنى قوله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) السؤال ما تفسير قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ؟ الجواب أي: ظهر لهم من العذاب ما لم يكونوا يظنونه، يعني: العذاب لم يخطر لهم على بال. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 12 حج المرأة إذا كان لديها مال وليس لها محرم السؤال المرأة إذا كانت ذات مال ولا محرم معها أفلا نقول: لها أن تنيب من يحج عنها؟ الجواب لا يجب، والسبب في ذلك: أنه غير واجب عليها الحج الآن هي لا تستطيع، وفي نفسي من هذا شيء. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 13 معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مادام في مصلاه) السؤال ورد في الحديث: (أن الملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه) هل مقصود المصلى: مكان الصلاة، أو المسجد عموماً؟ الجواب ثبت في الصحيحين: (أن الرجل إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء وخرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا دخل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، تقول: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) مصلاه هل المعنى: ما دام في صلاته، أو المعنى: ما دام في مكان صلاته، بمعنى: أنه انتهى من الصلاة وجلس، أو المعنى: ما دام في المسجد الذي هو أعم من مكان صلاته؟ كل هذا محتمل، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون الأخير، أي: ما دام في المسجد، وفضل الله واسع. السائل: إمام المسجد سلم من الصلاة ثم غير مكانه، هل ينطبق عليه أنه لا زال في مصلاه؟ الشيخ: إمام المسجد كيف؟!! إذا انتهت الفريضة لم يبق شيء فلا يكتب، تصلي عليه ما دام في مصلاه منتظراً للفريضة، وإذا انتهت الفريضة لم يكتبوا له ثواب البقاء في المسجد. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 14 حكم صلاة المرأة بالبنطال والفنيلية السؤال صلاة المرأة في منزلها بما يسمى (بالبجامة) وهي عبارة عن بنطال وفنيلة من غير غطاء يشمل جميع البدن؟ الجواب أنا لا أرى جواز البنطال، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة، فقط انتهى، أي: إذاً لا تصلي، ومن قال من العلماء: إن من صلى في ثوب محرم عليه فصلاته باطلة، فتكون صلاتها باطلة. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 15 (هدايا العمال غلول) السؤال بعض الطالبات تهدي إلى المدرسات هل في ذلك شيء؟ الجواب لا يجوز للمدرسة أن تقبل هدية من الطالبة؛ لأن هذا داخل في عموم الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده: (هدايا العمال غلول) ولأن الهدية ستوجب المودة، كما جاء في الحديث: (تهادوا تحابوا) ، فإذا ازدادت محبتها لهذه التلميذة يخشى عليها أن تحيف، فيجب عليها أن ترفض، أي: يجب على المعلمة أن ترفض الهدية وتقول: لا أقبل. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 16 سبب نزول قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك) السؤال ما تفسير قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110] ما المقصود بالصلاة يا شيخ؟ الجواب الدعاء والاستغفار حقيقة شرعية، المخافتة يعني: لا تسر، وهذه الآية نزلت لسبب: وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجهر في قراءته فحصل بذلك من المشركين اعتراض، فقال الله عز وجل: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110] . الجزء: 225 ¦ الصفحة: 17 يسن الاستسقاء ولو كان القحط في غير أرضنا السؤال إذا أمر ولي الأمر بصلاة الاستسقاء فنزل المطر قبل الصلاة، فهل تصلى الصلاة؟ الجواب إن كان ولي الأمر قال: استسقوا لبلادكم خاصة، ونزل المطر فلا تستسقي، لكن هل يرد أمر ولي الأمر أن تستسقي لبلدك خاصة؟ السائل: يعمم على البلاد؟ الشيخ: أنت مثلاً من أي بلد؟ السائل: من الرياض. الشيخ: قال ولي الأمر: استسقوا للرياض فقط. ثم نزل المطر على الرياض نستسقي أم لا؟ لا نستسقي؛ لأن السبب الذي شرع من أجله الاستسقاء زال، لكن الأوامر التي تأتي من ولي الأمر استسقاء عام، أمر عام، وكما تعلم المملكة واسعة الأرجاء إذا نزل المطر في الرياض قد يكون لم ينزل في الخرج أقرب شيء له، فيستسقون ولو نزل المطر، ولهذا قال العلماء: يسن الاستسقاء ولو كان القحط في غير أرضهم. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 18 جواز صيام النافلة دون تبييت نية السؤال الآن في الصيام الشخص إذا قام في الصباح وهو لم ينو الصيام فلم يجد الإفطار فقد يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: هل من فطور. فإن لم يكن هناك فطور استمر في الصيام طيلة ذلك اليوم؟ الجواب تشهد أن الرسول قال: أين الفطور؟ السائل: في معنى الحديث. الشيخ: نعم لا تقول ذلك قل: إنه طلب أكلاً وقالوا: ما عندنا، فقال: إني إذاً صائم، لا ندري هل هو طلب -الرسول- في الضحى أو قبل الظهر لا ندري. إذاً حتى روايتك هذه بالمعنى غير صحيحة، أنا قصدي من هذا: أن ما ينسب إلى الرسول يجب أن يكون محرراً معلوماً غير مشكل، خطير أن يقول الإنسان عن الرسول ما لم يقله، وهذا الكلام أفيد من الجواب على سؤالك. الجواب على سؤالك: إنسان مثلاً لم ينو الصيام لكن عندما أصبح ولم يجد طعاماً نوى الصيام نقول: لا بأس، لأن النفل يجوز أن ينويه الإنسان في أثناء النهار، بشرط: ألا يفعل مفطراً من قبل، فإن كان فعل مفطراً من قبل -يعني: أفطر أول النهار عندما صلى الضحى قال: أريد أن أصوم- هل يصح أم لا يصح؟ السائل: لا يصح. الشيخ: كيف؟ السائل: لأنه فعل مفطراً من قبل. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 19 حرمة الهدية من الموظف لرئيسه السؤال هل يجوز الهدية من الموظف لرئيسه؟ الجواب الهدية من الموظف لرئيسه لا تجوز؛ لأنك كما تعلم أن عبد الله بن اللتبية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليأتي بالصدقة، فجاء بالصدقة فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما بال الرجل نستعمله على العمل فيأتي إلينا ويقول: هذا لي وهذا لكم فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدى له أم لا) انظر الكلام، هذا الرئيس لولا أنه رئيس هل ستعطيه؟ لا تعطيه. إذاً لا تعطه. السائل: ولو كان قلماً؟ الشيخ: ولو سواكاً. السائل: وإن كان من باب الدعوة؟ الشيخ: لا ليس من باب الدعوة، الدعوة اذهب المسجد، لأن الهدية تجذب الإنسان غصباً عليه، إذا أهديت للرئيس تريد في المستقبل يحابيك ويتغاضى عن تقصيرك ويرخص لك في وقت ليس فيه ترخيص، الهدية تجبر الإنسان أنه يحابي صاحبه. أنا لو أعطيك قلماً أو غير قلم أليس تنظر إليَّ؟ السائل: بلى. السائل: فكيف يصنع للرئيس؟ الشيخ: نعم يرده. السائل: ولو بعد سنة. الشيخ: هذه إذا مرت سنة ربما يعزل هذا وينتهي الموضوع. وأنا والله في الحقيقة أخاطب الرئيس والمرءوس، المرءوس لا يهدي، والرئيس لا يأخذ. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 20 لزوم التأدب في حلقات العلم السؤال إذا دخل إنسان مجلس علم أو عطس في مجلس العلم نفسه هل يلقي السلام بصوت مرتفع أو يحمد الله بصوت مرتفع أم بصوت منخفض؟ الجواب إذا كان يشوش على الحاضرين فلا يرفع صوته، يجلس وإذا انتهى المجلس يسلم، وإن كان لا يشوش بمعنى: أن الناس اعتادوا هذا، وأنه إذا سلم رد عليه أحدهم فلا بأس، وكذلك العطاس لا أرى أن يحرج القوم فيحمد الله برفع صوته؛ لأنه سيحرجهم، إن قلنا: بأن تشميت العاطس فرض عين معناه: كل الناس ألف نفر مثلاً يستمعون كلهم يقولون -إذا قلنا: إنه فرض عين- يرحمك الله ألف صوت، وهذا محرج ومسبب لتشويش المجلس، الحمد لله يحمد الله خفية ويثيبه الله عز وجل على حمده. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 21 الراجح في الدعاء دبر الصلاة أن يكون قبل السلام السؤال هل الأفضل في دعاء: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) أن يكون قبل السلام أو بعد السلام، أم الأفضل أن يكون في الموضعين معاً؟ الجواب الأفضل أن يكون قبل السلام، لأنه هكذا ورد في بعض الروايات، ولأن الدعاء يكون قبل السلام كما في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وعلى هذا فيقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قبل أن يسلم، وبعد السلام ماذا قال الله؟ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] ما قال: فادعوه. وأما قول المصلي حينما يسلم: أستغفر الله، ثلاث مرات، فهذا لأن المقصود بهذا الاستغفار ترقيع ما حصل من نقص في الصلاة، فناسب أن يكون بعد السلام مباشرة. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 22 كيفية الوقاية من النفاق السؤال كيف نتوقى النفاق؟ الجواب النفاق يتوقى بأشياء: أولاً: بتمرين النفوس على الإخلاص لله عز وجل. وهذه قبل كل شيء. ثانياً: أن يتجنب خصال النفاق، وهي: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان، لأن هذه من أعمال المنافقين، فمن مارسها يخشى أن يكون في قلبه النفاق الأكبر والعياذ بالله. ثم إن الشيطان قد يوحي إلى الإنسان أنه مراءٍ في عبادة مثلاً، يقول: لا تصلي لا تتعبد يعني: لا تصلي نافلة فتكون مراءٍ، هذا يوجب أن يطرحه وألا يهتم به وألا يلتفت إليه، وحينئذٍ لا يضره والحمد لله. عليك بالصدق في القول، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة، وعدم الفجور في المخاصمة، ثم اسأل الله عز وجل: اللهم أزل ما في قلبي من الرياء، وما في قلبي من النفاق، وما أشبه ذلك. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 23 حكم قصر المسافر للصلاة بعد إمام مقيم السؤال أنا قادم من سفر بعيد ووجبت صلاة الظهر وحان وقتها، فقصرتها مع صلاة العصر، علماً أن الإمام قد صلى العصر، فصليت العصر الركعتين الأولى معه، ثم سلمت وأكملت صلاة العصر معه، هل هذا صحيح؟ الجواب من صلاة الظهر. السائل: صليت الركعتين الأولى، وصليت الركعتين الأخرى. الشيخ: يعني: دخلت مع الإمام في صلاة الظهر وصليت الركعتين الأوليين ثم سلمت على أنها الظهر، ثم دخلت معه في الثالثة والرابعة على أنها العصر؟ السائل: نعم. الشيخ: هذا لا يجوز وعليك الآن أن تعيد الصلاتين جميعاً على أربع أربع، لماذا؟ لأن الإنسان إذا كان مع الإمام يجب أن يقتدي بالإمام، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وسئل ابن عباس: [ما بال الرجل في السفر يصلي ركعتين ومع الإمام يصلي أربعاً؟ فقال: تلك هي السنة] فقل للأخ: عليه الآن أن يصلي أربعاً للظهر وأربعاً للعصر. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 24 كل من شرع في واجب حرم عليه قطعه إلا لعذر السؤال رجل صام هذا اليوم (الخميس) ونواه قضاءً عن يوم من أيام رمضان، فهل يحرم عليه أن يقطع هذه النية في النهار؟ الجواب يقول: رجل شرع في صوم قضاء رمضان فهل يجوز أن يقطع هذا الصوم في أثناء النهار؟ فالجواب: أنه لا يجوز، وسأعطيكم قاعدة مفيدة: كل من شرع في واجب حرم عليه قطعه، إلا لعذر شرعي يبيح القطع. فإذا شرع في قضاء رمضان وجب عليه أن يتم اليوم ولا يجوز له القطع، وإذا شرع في صلاة مفروضة وجب عليه أن يتمها ولا يجوز له القطع، وعلى هذا فقس، فإذا كان قد فعل فعليه أن يتوب ويأتي بدله بيوم. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 25 كراهية تخصيص صيام يوم الجمعة السؤال هل يجوز صيام يوم الجمعة؟ الجواب صيام يوم الجمعة جائز، لكنه مكروه إذا صام يوم الجمعة لكونها يوم الجمعة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام) ، ولأنه وجد إحدى نسائه صائمة يوم الجمعة فقال لها: (أصمت أمس؟ قالت: لا. قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا. قال: فأفطري) فأمرها أن تفطر لأنها لا تريد إلا صوم يوم الجمعة، لكن إذا كان لعذر: كرجل عليه القضاء من رمضان ولا يتسنى له أن يصوم في بقية الأيام إلا يوم الجمعة، فلا بأس أن يصومه. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 26 حكم إلقاء الشعر في حفلات الأعراس والرقص للرجال السؤال بعض الناس في حفلات الأعراس يجتمعون وعندهم بعض الشعراء فيترادون بعض الشعر لكن لا يكون فيه لا سفه ولا فجور ولا فساد فهل يجوز هذا، مع أنه تصحبه أحياناً تصفيق وأحياناً الطبول أو الدفوف؟ الجواب أما مجرد المرادة إذا لم يكن فيها إقذاء في الهجاء أو غلو في المدح فلا بأس بها، فقد كان الناس ينشدون الأشعار في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحسان بن ثابت ينشد الشعر في المسجد النبوي لحظ إليه، فقال حسان: [قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك] أي: الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إن تبعه رقص أو طبول فهذا لا يجوز، لأن الرقص للنساء، والرجال لا يجوز لهم أن يقتدوا بالنساء، والطبول آلة عزف وآلة العزف محرمة إلا ما خصه الدليل كالدف في المناسبات. السائل: خاص للنساء في المناسبات؟ الشيخ: لا للنساء ولا للرجال، لكن في مسألة العرس لا نفتي به خوفاً من المحظور، لكن مثلاً قدوم إنسان له قيمته إلى البلد لا بأس أن يضرب الدف لقدومه، وكذلك العيد. السائل: التصفيق؟ الشيخ: التصفيق لا أحبه لكنه ليس حراماً، إذا كان مجرد تصفيق هكذا ما أرى أنه حرام. السائل: والرقصة تسمى رقصة الحرب؟ الشيخ: المحاربون سوف يرقصون؟! السيوف فوقهم وتقول: يرقصون، أيش هذا الكلام؟! السائل نفسه: يسمونها عرض الحرب؟ الشيخ: عرض الحرب لا بأس لكن ليس فيه رقص. السائل: رقص لكن لا يشبه النساء. الشيخ: لا أدري أنا إلى الآن ما دخلت فكري هذه. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 27 معنى قوله تعالى: (وليالٍ عشر) السؤال قال تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] هل المقصود بها عشر ذي الحجة أو العشر الأواخر من رمضان؟ الجواب فيها خلاف بين العلماء: - منهم من قال: إنها عشر رمضان؛ لأنه قال: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] . - ومنهم من قال: عشر ذي الحجة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -أي: عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) . ولو قال قائل: يشمل هذا وهذا لا بأس كلها عشر فاضلة، لكن عشر رمضان أفضل بلياليها، وعشر ذي الحجة أفضل بنهارها. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 28 الوكالة تكون بالقول والفعل السؤال ما حكم استلام مكافئة من الجامعة عن زميلي بدون وكالة شرعية؟ الجواب وهل الجامعة تسلمك بدون وكالة؟ السائل: لا. بموجب البطاقة يعطوني يا شيخ. الشيخ: هل تسلمك بدون وكالة؟ السائل: إذا أتيت بالبطاقة الشيخ: بطاقة من؟ السائل: بطاقة زميلي. الشيخ: إذاً ما أعطاك البطاقة إلا هذا دليل التوكيل، والوكالة تنعقد بما دل عليها من قول أو فعل، حتى قال العلماء: لو فرضنا أن هذا دلال صاحب دكان تجبى إليه التمور ليبيعها، ثم جاء شخص ولم يأت صاحب الدكان فوضع التمر على العتبة فلصاحب الدكان أن يبيعه، بناءً على ماذا؟ على أنه ما وضع إلا ليبيعه، وهذه صيغة فعلية وليست قولية. السائل: يحسبون أني صاحب البطاقة يا شيخ؟ الشيخ: هذه ترجع إلى صاحب الصندوق في الجامعة، وسوف يتحرى. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 29 جواز إلقاء السلام على المصلي السؤال شخص قد يكون يصلي تحية المسجد أو السنة الراتبة في المسجد فيأتي إليه أخوه يصلي فيأتي إليه قبل أن يصلي يسلم عليه يقول: السلام عليكم. هل يشرع السلام؟ وكيف يرد عليه وهو يصلي، وكثيراً ما يحصل هذا؟ الجواب السلام على المصلي سواء الراتبة أو تحية المسجد أو الفريضة يشير المصلي برد السلام بيده، يرفعها هكذا إشارة إلى أنه فطن له ورد عليه، فإن بقي هذا المسلِّم حتى سلم المصلي رد عليه بالقول، وإن انصرف كفت الإشارة، لكن هل يسن للإنسان أن يسلم على المصلي أو لا؟ نقول: هو جائز، وإن خاف أن المصلي يكون ساهياً فإذا سلم عليه قال: وعليكم السلام؛ لأن المصلي أحياناً يكون ساهياً، فإذا سلم عليه قال: وعليكم السلام. فلا يسلم. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 30 حكم مسابقة الإمام في الصلاة بدون قصد السؤال أقيمت الصلاة في المسجد فصليت مع الجماعة فكبر الإمام للسجود وأثناء السجود رفع الإمام صوته في قول: سبحان ربي الأعلى، فظننته قد كبر للقيام فقمت وحدي قبل الإمام فما الحكم في ذلك أحسن الله إليك؟ الجواب رجل يصلي مع الإمام فسمع صوت الإمام فظن أنه رفع من السجود فقام، ثم تبين أن الإمام ساجد نقول: ارجع واسجد مع الإمام ثم تابع الإمام فيما بعد، ولكن ينبغي للإمام ألا يرفع صوته بما يسر فيه إلا بعض الآيات أحياناً في الظهر والعصر، وأما الأذكار: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي العظيم فلا يجهر بها فيشوش على الناس. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 31 توجيهات ونصائح لطلاب العلم السؤال نحن أبناؤكم من منطقة الحدود الشمالية من مدينة رفحة جئنا لننهل من بحر علمكم الزاخر، ونحن في بداية طلبنا للعلم، فهل يا شيخنا أحسن الله إليكم من وصايا جامعة نافعة في هذا المجال والله يحفظكم؟ الجواب أولاً: نهنئكم على هذه الهمة العالية، وهي سلوك الطريق لطلب العلم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا أمر. ثانياً: أبشروا بالخير ما دام أن هذه النية موجودة واثبتوا على طلب العلم، وكرسوا جهودكم واجعلوا أكبر همكم ما جئتم له من طلب العلم، ولا تلتفتوا إلى غيره، لأن العلم كما قال بعضهم: إن أعطيته كلك -يعني: جعلت نفسك كلك للعلم- أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك حرمت منه. فالعلم يحتاج إلى جهد وتعاهد وصبر؛ لأنه جهاد في سبيل الله، بل طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ لأن طلاب العلم كل الأمة تحتاج إليهم، الكافرة والمسلمة، والجهاد لا نحتاج إليه إلا لرد الأعداء. ثم احرصوا على البدء بالكتب المختصرة احفظوها بعد حفظ كتاب الله عز وجل، مثلاً: احفظ الكتاب أولاً، ثم انظر للسنة تخير الأحاديث الصحيحة منها فاحفظها، وهنا شيء (لقمة سائغة) على ما يقولون عمدة الأحكام لـ عبد الغني المقدسي رحمه الله، جاهزة، جمع فيها ما يحتاجه غالب الناس إليه من الأحكام مما في الصحيحين، احفظوها. وأخيراً: طبقوا العلم بالعمل، لا تكن نسخة كتاب، بل كن متأثراً بعلمك في عبادتك وفي أخلاقك وفي معاملتك للناس، لا يكون أكبر همك أن تجمع وتحوش العلم فقط، العلم المراد به العمل، ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم. كذلك أوصيكم: ألا يكون همكم وشغلكم الشاغل ما فتن به بعض الشباب الآن في مسألة التكفير: هل هذا كافر أو مسلم؟ هل هذا الحاكم كافر أو مسلم؟ وإذا حصل أي اختلاف بين الشباب قال: هذا اتركوه هذا مبتدع، هذا إخواني هذا تبليغي، هذا سلفي، وما أشبه ذلك. الدين الإسلامي يأمر أهله بالاتحاد، وأن يكونوا على شريعة الله، قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وقال الله تبارك وتعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشورى:13] وقال الله لنبيه مؤكداً: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] لا يكن همكم أن تقولوا: العالم الفلاني أيش فيه! العالم الفلاني أيش فيه! لا، دعوا هذا، اتجهوا لطلب العلم والعمل به ودعوا الناس. العلماء ما منهم أحد معصوم، كل يخطئ ويصيب، فمن أخطأ لم نقبل خطأه، ومن أصاب قبلنا صوابه لا لأنه فلان بن فلان ولكن للصواب، ألم تعلموا أن الله تبارك وتعالى قبل قول المشركين وهم مشركون؟ بلى، قال الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] هذه حجة {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] هذه حجة ثانية، ماذا قال الله؟ {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:28] أبطل هذه الحجة لأنها غير صحيحة، وسكت عن قولهم: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:28] لأنها صحيحة، قبلها الله مع أنها من قول المشركين. ألم تعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الشيطان لـ أبي هريرة: ألا أدلك على آية من كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، قال له أبو هريرة: بلى. قال: آية الكرسي، فلما أخبر أبو هريرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له: (صدقك وهو كذوب) وهو الشيطان صدقه الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه احترز عليه الصلاة والسلام قال: (صدقك وهو كذوب) أي: احذره، لا تقل: صدقني في هذا وأصدقه في كل شيء، لا، صدقك وهو كذوب. ألم تعلموا أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: يا محمد! إننا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع. وذكر بقية الحديث، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقول الحق أقره على هذا، ثم أيد هذا بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] يهودي قال الحق فقبل، مشركون قالوا الحق فقبلوا، الشيطان قال الحق فقبل. يا أخي! لا تجعل ديدنك وهمك ما تقول في فلان؟! ما تقول في فلاناً؟! كفر فلاناً! بدع فلاناً! فسق فلان! ما ينفع هذا، من المؤسف أن هذه اليقظة الإسلامية في الشباب والحمد لله ونسأل الله أن يثبتهم ضربت بهذه الفتنة والعار، تفرق الشباب لأجل العالم الفلاني والعالم الفلاني، مالنا وللعلماء! العالم إن كان ميتاً قد قدم على ربه والله تولاه، وإن كان حياً فالحق مقبول من أي إنسان والباطل مرفوض من أي إنسان، وبارك الله فيكم يا أهل رفحة، وما ندري البرد الذي جاءنا هذا جاء معكم أو هو من قبل؟ أجب جزاك الله خيراً أجبتك فأجبني؟ السائل: لا. الشيخ: أنا أدري هو من عند الله عز وجل، لكن الله حكيم، ذكر العلماء: أن في الجو أشياء لا يقتلها إلا البرد القارس، سبحان الله! وهذا شيء مشاهد، البعوض يقل مع البرد حتى الذباب يقل مع البرد ويموت، وفي أشياء سبحان الله! لا تموت إلا مع الحر الساخن جداً والله على كل شيء قدير، وهو عز وجل حكيم. أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأنا أسمح لكم عن الحضور في الأسبوع القادم، يمكن يصل لكم شغل الظاهر، ما لكم شغل، كل يوم الإنسان في شغل الواقع، لكن نرجو المعذرة إن شاء الله الأسبوع الذي وراءه من أجل أن نكمل الكلام على الحج. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. الجزء: 225 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [226] في هذا الدرس تحدث الشيخ عن أمور تتعلق بالمناسك، فذكر أنواع الأنساك بالإضافة إلى ذلك ذكر صفة العمرة وما يتعلق بها. ثم انتقل بعد ذلك إلى صفة الحج وما يتعلق به من أركان وواجبات وسنن. وختم كلمته بوقفات ومسائل مهمة تتعلق بالحج على سبيل الإيضاح، وسبب ذلك يعود إلى أهمية الموضوع لما يقع فيه من مخالفات شرعية. ثم بعد ذلك انتقل الشيخ للإجابة عن الأسئلة المهمة التي تركز أكثرها على مسائل الحج والعمرة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 1 أنواع أنساك الحج وصفتها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الحادي عشر من شهر ذي القعدة من عام (1420هـ) . كنا نبدأ هذا اللقاء بتفسير آيات من كتاب الله عز وجل، ونعم الكتاب، شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ولكن بمناسبة قرب الحج أحببنا أن نتكلم فيما يتعلق بالمناسك، وقد سبق شروط وجوب الحج وأنها خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، القدرة، وبينا ما يترتب على هذه الشروط فيما اجتمعت فيه وما اختلفت. أما الآن فنتكلم عن أنواع الأنساك، فأنواع الأنساك حسب التتبع ثلاثة: التمتع والقران والإفراد. فأما التمتع: فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه، وأشهر الحج: شوال، ذو القعدة ذو الحجة. مثال ذلك: رجل أحرم بعد دخول شهر شوال بالعمرة ناوياً الحج، فطاف وسعى وقصر ثم بقي في مكة إلى وقت الحج فحج. وأما القران فله صفتان: الصفة الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً، فيقول: لبيك عمرة وحجاً. الصفة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافه. مثال هذا: رجل أحرم بعمرة في أشهر الحج، وفي أثناء الإحرام نوى إدخال الحج على العمرة قبل أن يشرع في طوافها، فلا حرج. وأما الإفراد فهو: أن يحرم بالحج مفرداً من أول الأمر، فيقول: لبيك حجاً. وأفضل هذه الأنساك هو التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أصحابه بذلك وحتم عليهم، وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم) . والتمتع هو: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه. هذا هو الأفضل الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، وهو أيضاً أيسر للمكلف؛ لأنه يحل حلاً تاماً بين العمرة والحج، وهذا لا شك أنه يعطي الإنسان راحة. ثالثاً: أنه يحصل على نسكين مستقلين: العمرة وحدها والحج وحده، فلو وصل إلى مكة في اليوم الثامن، فربما يقال: إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون قارناً؛ لأنه ليس هناك زمن يحصل به التمتع بين العمرة والحج. ثم يلي التمتع القران؛ لأن فيه جمعاً بين النسكين الحج والعمرة، وفيه الهدي كالتمتع. ثم الإفراد. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 2 صفة العمرة الجزء: 226 ¦ الصفحة: 3 كيفية الإحرام والتلبية إذا وصل الميقات اغتسل اغتسالاً تاماً كما يغتسل للجنابة، لا فرق في هذا بين الرجال والنساء، ولا بين النساء الطاهرات والنساء الحائضات، الكل يغتسل كما يغتسل للجنابة، ثم يتطيب الرجل في رأسه ولحيته بأطيب ما يجد، ويكثر حتى يرى بريق الطيب في رأسه، ثم يلبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين أو جديدين، ثم يلبي قائلاً: لبيك اللهم عمرة إذا ركب السيارة، وإن شاء بعد الصلاة إن كان هناك صلاة، لبيك عمرة لبيك عمرة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يصوت بها الرجل وتخفيها المرأة، ويقول: لبيك عمرة، أي: يسمي نسكه في التلبية، فإذا وصل إلى مكة دخل المسجد الحرام، ويقدم رجله اليمنى ويقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 4 صفة الطواف بالبيت ثم يتجه إلى الكعبة ليطوف، وإذا شرع في الطواف قطع التلبية، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه، أي: يمسحه بيده اليمنى ويقبله إن أمكن، فإن لم يمكن التقبيل واستلمه باليد قبَّل اليد، فإن لم يمكن أشار إليه، ويقول في ابتداء الطواف: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يستمر في الطواف، وفي هذا الطواف يسن أن يضطبع في جميع الأشواط، ومعنى الاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، ويُسن أيضاً: أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط. والرمل: أن يسرع المشي مع مقاربة الخطا، أي: لا يمد خطوته كما هي العادة أن الإنسان إذا أسرع لا بد أن يمد خطوته، لكن هنا لا يمد خطوته في الأشواط الثلاثة الأولى. ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر أو قراءة قرآن أو دعاء، فإذا وصل إلى الركن اليماني مسحه بيده، فإن لم يستطع مر به ولا يفعل شيئاً لا إشارة ولا غيرها، ولا تكبيراً أيضاً، ويقول بينه وبين الحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فإن انتهى من هذا الدعاء قبل أن يحاذي الحجر الأسود فإنه يكرره. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 5 صلاة ركعتين خلف المقام فإذا أتم سبعة أشواط، تقدم إلى مقام إبراهيم وقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] فصلى ركعتين خلف المقام لكن يبعد عن الطائفين؛ لئلا يتأذى بهم ويتأذوا به، يقرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] مع الفاتحة ويخففهما، ولا يبقى بعدهما في مكانه، بل ينصرف فوراً ليدع المكان لمن يحتاجه من الناس. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 6 السعي بين الصفا والمروة يتجه إلى المسعى من ناحية الصفا فإذا أقبل على الصفا ودنا منه قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ويرفع يديه يدعو، فيقول: الله أكبر ثلاث مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ثم يدعو بما أراد، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو بما أراد، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة ثم ينزل متجهاً إلى المروة، فإذا مر بالركن الأخضر -العمود- سعى -يعني: ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع- حتى يصل إلى الركن الأخضر الآخر، ثم يمشي طبيعياً حتى يصل إلى المروة، فيصعد عليها ويستقبل القبلة ويرفع يديه يدعو الله تعالى بما دعا به في الصفا. هذا شوط. ثم يرجع إلى الصفا يمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه، فيرقى على الصفا ويفعل كما فعل أولاً، وهذا شوط آخر، حتى يتم سبعة أشواط. وفي طوافه يدعو بما شاء، ويذكر الله بما شاء ويقرأ القرآن ولا يعيد قراءة الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} لا يعيدها لا عند الصفا ولا عند المروة؛ لأن هذه الآية إنما تتلى أول مرة إذا دنا من الصفا. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 7 التقصير من جميع الرأس فإذا أتم سبعة أشواط فإنه يقصر من شعره من جميع الرأس، وبذلك تمت العمرة وحل من إحرامه، الحل كله حتى من النساء، فإذا كان معه أهله فلا حرج أن يباشرهم. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 8 صفة الحج الجزء: 226 ¦ الصفحة: 9 ما يفعله القارن والمنفرد القارن والمفرد يفعل عند الميقات كما فعل المتمتع، يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء، ويقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويقول إن كان مفرداً: لبيك حجاً، وإن كان قارناً: لبيك عمرة وحجاً. ويستمر في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، فإذا وصل إلى الكعبة، فعل كما فعل المتمتع في الطواف وفي السعي، ولكنه لا يقصر بعد انتهاء السعي؛ لأنه لا يحل إلا يوم العيد، ويبقى على إحرامه، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج إن كان متمتعاً، وإن كان قارناً فهو لا يزال على إحرامه، ويفعل عند إحرامه في الحج كما فعل عند إحرامه في العمرة، فماذا يصنع في اليوم الثامن؟ يغتسل ويلبس إحرامه ثم يقول: لبيك حجاً يلبي بالحج: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 10 النزول بمنى والوقوف بعرفة ومزدلفة يخرج الحجاج كلهم -المتمتع والقارن والمفرد- فينزلون بـ منى، ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، فإذا كان اليوم التاسع، دفعوا بعد طلوع الشمس إلى عرفة، فينزلون بـ نمرة إن تيسر وإلا استمروا إلى عرفة ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس -يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر- صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس. ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يروح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مر بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع فيدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ويبيت بها إلى طلوع الفجر. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 11 رمي الجمار فإذا طلع الفجر صلى الفجر بسنتها، وبقي يذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة -جمرة العقبة- لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة -جمرة العقبة- بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبـ الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) . الجزء: 226 ¦ الصفحة: 12 النحر والحلق ثم ينحر هديه، إن كان متمتعاً أو قارناً، فالهدي واجب، وإن كان مفرداً فالهدي تطوع، ثم يحلق رأسه، والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلق ودعا للمحلقين ثلاث مرات، وفي الرابعة بعد المراجعة دعا للمقصرين. وبالرمي والحلق أو التقصير يحل التحلل الأول وإن لم ينحر؛ لأن النحر لا علاقة له بالتحلل. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 13 طواف الإفاضة ثم ينزل إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة: وهو طواف الحج بالنسبة للمتمتع والمفرد، وبالنسبة للقارن طواف حج وعمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة وقد قرنت: (طوافك بالبيت يسعك لحجك وعمرتك) . الجزء: 226 ¦ الصفحة: 14 السعي بعد طواف الإفاضة ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعاً؛ لأن السعي الأول للعمرة، وإن كان قارناً أو مفرداً سعى أيضاً إلا إذا كان قد سعى بعد طواف القدوم فيكفي السعي الأول. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 15 المبيت بمنى ورمي الجمرات ثم يخرج إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال يرمي الجمرات الثلاث الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، الأولى تسمى الصغرى، والوسطى الوسطى، والعقبة جمرة العقبة، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات، يقول عند رمي كل حصاة: الله أكبر. فإذا فرغ من الجمرة الأولى، تقدم قليلاً حتى لا يتأذى بالمزاحمة، فوقف مستقبلاً القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب، وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى، أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعدها. فإذا رمى اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة وينهي الحج، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] . الجزء: 226 ¦ الصفحة: 16 طواف الوداع إذا أراد أن يرجع إلى بلده طاف طواف الوداع سبعة أشواط بثيابه المعتادة وبدون سعي ويكون الطواف عند السفر. وبذلك تمت صفة الحج والعمرة، والذي يجب على المرء الذي يريد الحج أن يتعلم كيف يعتمر وكيف يحج، وأن يعرف محظورات الإحرام ما هي حتى يتجنبها، فيعبد الله تعالى على بصيرة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 17 مسائل هامة في الحج وهنا وقفات: الجزء: 226 ¦ الصفحة: 18 الوقوف بعرفة دون النزول قبلها في منى منها: لو أن الإنسان أحرم بالحج اليوم الثامن وسار إلى عرفة دون أن ينزل إلى منى؟ فهذا جائر، ولكنه خلاف الأصل، ودليل هذا: حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي الفجر في مزدلفة وأخبره أنه من طيء، وأنه ما ترك جبلاً إلا وقف عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من شهد صلاتنا هذه -يعني بـ المزدلفة - فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر المبيت في منى ليلة التاسع، فدل هذا على أنه ليس بواجب. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 19 الوصول إلى عرفة بعد العصر ومنها: لو لم يحضر الإنسان إلى عرفة إلا بعد العصر فإنه يجزئه، لكن كلما تقدم فهو أفضل، والوقوف بعد الزوال. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 20 الدفع من عرفة قبل غروب الشمس ومنها: لو وقف بـ عرفة ودفع قبل غروب الشمس كان ذلك حراماً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى غابت الشمس ثم دفع وقال: (خذوا عني مناسككم) . الجزء: 226 ¦ الصفحة: 21 الوصول إلى عرفة بعد غروب الشمس ومنها: لو لم يأت إلى عرفة إلا بعد غروب الشمس فوقف بها ثم دفع فإن حجه صحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عروة بن المضرس وقد وقف قبل ذلك بـ عرفة ليلاً أو نهاراً، وليس عليه دم. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 22 الدفع من مزدلفة قبل الفجر ومنها: لو دفع من مزدلفة قبل الفجر فهل هذا جائز؟ الجواب نعم هو جائز، لكن الأفضل أن يبقى حتى يصلي الفجر فيها ويسفر جداً، إلا أنه إذا كان يخشى من الزحام فالأفضل أن يتقدم، ويرمي الجمرة متى وصل إلى منى ولو قبل الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أذن للضعفة والنساء أن يتقدموا إلى منى فيرموا قبل زحمة الناس. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 23 تأخير رمي جمرة العقبة من الصباح إلى المساء ومنها: لو أخر رمي جمرة العقبة من الصباح إلى المساء فلا بأس، لكنه يبقى على إحرامه؛ لأنه لا يحل التحلل الأول إلا إذا رمى وحلق أو قصر. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 24 تقديم أعمال اليوم العاشر بعضها على بعض ومنها: لو قدَّم النحر على الرمي، أي: أنه وصل إلى منى بعد أن ارتفعت الشمس، ورأى أن المنحر أقرب إليه من الجمرة فنحر قبل أن يرمي، فلا حرج. ومنها: لو حلق قبل أن ينحر، يعني: رمى الجمرة ووجد أن الحلاقين قريبون منه فحلق قبل أن ينحر فلا بأس. ومنها: لو نزل من مزدلفة إلى مكة رأساً وطاف وسعى ثم خرج إلى منى فرمى ونحر وحلق، فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم العيد يسأل في التقديم والتأخير فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) وهذا من تيسير الله عز وجل. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 25 التعجيل لمن لم يتيسر له الرمي إلا بعد الغروب ومنها: لو تعجل الإنسان، أي: أراد أن يخرج من منى يوم الثاني عشر وارتحل لكن لم يتيسر له الرمي إلا بعد الغروب فهل يلزمه أن يبقى في منى ويرمي اليوم الثالث، أو يستمر في سيره؟ الجواب يستمر في سيره؛ لأن الرجل تعجل وارتحل وحبسه حابس عن الخروج قبل الغروب فيستمر. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 26 حكم طواف الوداع قبل رمي الجمار ومنها: لو طاف للوداع في صباح اليوم الثاني عشر، ثم خرج إلى منى ورمى الجمرات بعد الزوال ومشى إلى بلده، فهذا لا يجوز؛ لأن طواف الوداع يجب أن يكون آخر شيء، وهذا جعل آخر شيء الرمي فلا يجوز. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 27 النزول إلى الأبطح ثم الرجوع إلى منى لرمي الجمرات ومنها: لو ارتحل من منى في الضحى ونزل في الأبطح، أو في بيته ولما زالت الشمس خرج إلى منى ورمى الجمرات، فهذا جائز؛ لأن بعض الناس يختارون هذا؛ لأنه أسهل في الزحام أن يتقدم قبل أن ينصرف الناس، فيتقدم وينزل في أي مكان شاء، وإذا زالت الشمس رجع إلى منى فرمى الجمرات الثلاث، ثم يطوف للوداع إذا كان يريد المشي. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 28 هل يجزئ طواف الإفاضة عن طواف الوداع ومنها: لو أخر طواف الإفاضة، فطافه عند الخروج فإنه يجزئه عن طواف الوداع؛ لأن المقصود بطواف الوداع أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف وقد حصل بالبيت، كما لو دخل المسجد وصلى الفريضة أجزأته عن تحية المسجد. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 29 عدد طواف النبي عليه الصلاة والسلام بالبيت في حجة الوداع ومنها: لو أن الإنسان طاف وسعى وقصر وحل، فهل الأفضل أن يأتي إلى البيت ويطوف، أو الأفضل ألا يطوف؟ الأفضل ألا يطوف، بل يدع المطاف لمن يحتاجه، ولذلك لم يطف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع إلا طوافاً واحداً فقط، الفريضة: طواف الإفاضة والوداع وطواف القدوم، ثلاثة طوافات، ولم يطف طواف تطوع أبداً، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنت إذا جئت لتطوف ستتأذى من الزحام وتؤذي غيرك وتضيق المكان مع أنه ليس بسنة في هذه الحال، فاعرف هذه الأمور حتى تعبد الله على بصيرة. وإلى هنا ينتهي ذكر صفة الحج والعمرة، نرجو الله تعالى أن ينفع به. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 30 الأسئلة الجزء: 226 ¦ الصفحة: 31 حكم إحرام من خرج من مكة بعد العمرة بنية الرجوع وهو متمتع السؤال من كان متمتعاً وأتم أعمال العمرة ثم خرج إلى المدينة هل يلزمه الإحرام في مثل هذه الحالة؟ الشيخ: خرج إلى المدينة بنية الرجوع؟ السائل: نعم بنية الرجوع. الشيخ: لا يلزمه الإحرام؛ لأنه متمتع، ويبقى على حله، وفي اليوم الثامن يحرم بالحج. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 32 حكم المبيت بمنى لمن يعمل في مصلحة الحجاج السؤال رجل سائق ويشتغل وهو مُحرم هل يلزمه أن يبيت بـ منى، كما إذا كان داخل مكة وفي مكان خارج منها؟ الجواب السائق هذا هل هو يسوق بمعني: يستعمل سيارته في مصلحة الحجاج أم لا؟ إن كان في مصلحة الحجاج فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص للرعاة في ترك المبيت في منى، وإن كان لمصلحة نفسه فلا، لا بد أن يبيت في منى. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 33 الدعاء للوالدين المتوفيين أفضل لهما من الحج والعمرة السؤال بعض الناس يتوفى والده أو والدته فيريد أن يقدم لهم عملاً صالحاً فأول ما يتبادر إلى ذهنه أن يحج عن عنهما وهو قد حج الواجب، فهل الأفضل في هذه الحالة أن يدعو لهما ويكثر الدعاء في الأماكن الطيبة والأزمنة الطيبة، أم أنه يحج عنهما ويعتمر عنهما؟ الجواب الأفضل أن يدعو لهما، ويجعل الحج والعمرة لنفسه، ودليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل: يحج عنه أو يعتمر عنه، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن ليدع الأفضل ويذكر المفضول، بل لا يذكر للأمة إلا الأفضل؛ لأننا نعلم أنه أنصح الخلق للخلق. وأنت أيها الإنسان محتاج للعمل الصالح، وسيأتي يوم تتمنى أن في ميزانك حسنة واحدة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 34 حكم دفع المال إلى شخص ليحج به عن شخص متوفى السؤال بعض الناس يدفعون مبلغاً من المال عن شخص متوفٍ ويقول: هذا المبلغ حج به عن أبي أو أمي أو خالي أو كذا، فما حكم هذا؟ وما هو الأفضل؟ الجواب الأفضل ألا يفعل، والنقود التي يعطيها هذا الرجل ليحج عن أبيه أو أمه يعطيها إنساناً لم يؤد الفريضة ليؤدي الفريضة، وهذا أفضل بكثير؛ لأنه إذا أدى هذه الدراهم لشخص لم يؤد الفريضة، كان له مثل أجر هذا الذي أدى الفريضة. السائل: إذا كان المتوفى لم يؤد الفريضة؟ الشيخ: إذا كان لم يؤد الفريضة فلا بأس أن يؤدي الفريضة عنه. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 35 وصية لطالب العلم المبتدئ السؤال هل من وصية لطالب العلم المبتدئ؟ الجواب الوصية لكل إنسان أن يخلص النية لله عز وجل، وألا يكون قصده بذلك الرئاسة ولا الجاه ولا المال، بل ويكون مقصده أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وأن يقيم الملة ويدافع عنها ويحميها، هذا أفضل شيء. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 36 حكم الزكاة على من كان مدينا ً السؤال توفي رجل وخلف وراءه عشرة آلاف ريال، فمضى عليها الحول، هل تزكى وهو عليه دين بنحو خمسة عشر ألفاً؟ الجواب نعم تزكى، لأن الصحيح أن الزكاة واجبة حتى على المدين، فتزكى أولاً مائتين وخمسين ريالاً على العشرة آلاف، ثم يقضي الدين. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 37 التحذير من صاحب البدعة ولو كان من أهل الخير السؤال رجل صاحب طريقة من طرق الصوفية يرى التصوف ويقيم بعض البدع، إلا أن هذا الرجل يساعد في إقامة أعمال الخير، فمثل هذا الرجل إذا أُنِكر عليه بدعته وشهر بين الناس انقطع عن مساعدة أهل البر وأهل الخير، فما رأيكم يا شيخ؟ الجواب هل هذا الرجل مؤثر في دعوته؟ السائل: نعم يا شيخ يدعو إلى بدعته. الشيخ: إذاً أيهما أعظم: الفقر، أو الضلال؟ السائل: الضلال. الشيخ: الضلال أعظم، فيجب إن كان هذا الرجل داعية ومؤثراً أن يحذر منه حتى لو قطع هو إحسان نفسه فإنما حرم نفسه، أما أن يبقى يضل عباد الله من أجل أن يكسب من ورائه درهماً أو درهمين لا يمكن. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 38 حكم الأكل من الشيء المنذور به السؤال من نذر أن يذبح لله شاة هل له أن يأكل منها؟ الجواب ما هو سبب النذر؟ السائل: إن شفاه الله. الشيخ: لا يأكل منها، إذا نذر الإنسان لله نذراً في مقابلة نعمة أو دفع نقمة فإنه لا يأكل منها؛ لأنها شكر لله عز وجل لهذه النعمة، فمثلاً إذا قال: إن ولد لي ولد ذكر فلله عليَّ نذر أن أذبح شاة، نقول: إذا حصل هذا اذبح شاة وتصدق بها. السائل: هل يذبح شاة أخرى وقد أكل من الأولى؟ الشيخ: لا، لكن يضمن مقدار ما أكل، فكم كيلو أكل؟ السائل: لا أعلم. الشيخ: كيلوين؟ السائل: تقريباً. الشيخ: إذاً يشتري كيلوين لحم ويتصدق بهما. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 39 حكم نقل القبر المنفرد السؤال هل يجوز نقل القبر إلى المقبرة للمصلحة، حيث وأنها قريبة من البيت؟ الشيخ: وهل البيت قريب من المقبرة؟ السائل: لا. القبر لوحده. الشيخ: لماذا؟ السائل: كان قديماً لوحده. الشيخ: هذا تراجع فيه جهتان: القضاء ليبين لك الحكم الشرعي، والبلدية لتبين لك موضع القبر. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 40 حكم الهدية من ولي أمر الطالب للمدرسة السؤال إذا قدَّم ولي أمر طالب للمدرسة هدية، وهذا الطالب متفوق ولا يريد بهذه الهدية إنجاحه ولا زيادة درجاته، وإنما هدية لمدرسة خيرية أو مدرسة تحفيظ قرآن. الشيخ: هل هي مساعدة للمدرسة؟ السائل: نعم. الشيخ: لمصلحة المدرسة؟ السائل: نعم لمصلحة المدرسة. الشيخ: لا بأس، الممنوع أن يكون لشخص من القائمين على المدرسة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 41 حكم تأخير طواف القدوم للقارن السؤال بالنسبة لطواف القارن في العمرة هل يلزم أن يكون في البداية، أو يؤجله مع الحج؟ الشيخ: تعني طواف القدوم. السائل: نعم. الشيخ: لا. ليس بلازم، لو ذهب الإنسان -مثلاً- في اليوم الثامن إلى منى رأساً فلا حرج، لأن طواف القدوم بالنسبة للقارن والمفرد سنة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 42 حكم من نسي الحلق أثناء تأدية المناسك السؤال رجل طاف طواف العمرة وسعى ولم يحلق رأسه إلا عندما قدم إلى بلده أو أثناء الطريق، ثم خلع ثيابه وحلق رأسه وتحلل يعني لبس ثيابه مرة الشيخ: لماذا؟ السائل: لم يذكر يا شيخ. الشيخ: هل نسي؟ السائل: نعم. الشيخ: أرجو إن شاء الله أن لا شيء عليه، لأن المشكلة الآن أنه قد طاف طواف الوداع. السائل: نعم. طاف وتذكر أثناء الطريق. الشيخ: أرجو ألا يكون عليه شيء. السائل: لم يطف يا شيخ؛ لأنه طاف وسعى ثم خرج ولم يطف. الشيخ: الحمد لله هذه أهون، حلق بعد ذلك؟ السائل: حلق أثناء الطريق وهو في الطائرة. الشيخ: لا بأس. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 43 حكم الجمع والقصر في الصلاة بمنى للحاج السؤال الحاج إذا جمع وقصر في منى هل ينكر عليه؟ الجواب في منى لا يوجد جمع. السائل: إذا جمع عن جهل. الشيخ: إذا جمع فلا بأس؛ لأنه مسافر، والمسافر يجوز له الجمع، لكن هل يختار الجمع وعنده هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ السائل: لا ما يختار لكن لا ننكر عليه. الشيخ: لا. تبين له وتقول: هذا خلاف السنة، لكن قد يكون الإنسان معذوراً، إما لأنه يشق عليه الوضوء، أو أن الماء قليل، أو ما أشبه ذلك من الأعذار، فلا بأس أن يجمع. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 44 حكم من نسي التقصير ثم دخل في الحج وكان متمتعا ً السؤال المتمتع إذا نسي التقصير من شعره ثم دخل في الحج، وتذكر بعد ما دخل في الحج؟ الجواب هذه مسألة عظيمة، وبعض العلماء يقول: لا حج له؛ لأنه أحرم بالحج في غير موضعه، إذ أنه لو كان يريد أن يكون قارناً لأحرم بالحج قبل الطواف، فهو الآن غير قارن ولا متمتع. والذي نرى: أنه متمتع، وأنه يلزمه فدية لترك الحلق، أو لترك التقصير، فإن عمرة المتمتع ليس فيها حلق، فيلزمه فدية لترك التقصير، وحجه صحيح إن شاء الله. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 45 حكم تقصير المرأة شعرها بنفسها السؤال المرأة إذا قصرت شعرها بنفسها هل يلزمها شيء؟ الجواب لا. إذا قصرت المرأة شعرها بنفسها، أو حلق الرجل رأسه بنفسه، أو حلقه له محرم، أو حلقه له محل، كل هذا جائز. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 46 حكم صيام الست من شوال قبل القضاء السؤال ذكر عن سماحتكم أنك أفتيت في صيام ستة من شوال: أنها تجوز قبل قضاء المرأة لصيامها من رمضان، وهذا انتشر في مدينة الرياض في حي من أحيائها عن سماحتكم؟ الجواب أين وجدوا هذه الفتوى؟ السائل: ذكرتها إحدى المدرسات. الشيخ: أين السند من هذه المدرسة إلى الفتوى. السائل: أحد طلبة العلم الموجودين حولكم يا سماحة الشيخ. الشيخ: أين هو مجهول أو معلوم؟ السائل: معلوم إلا أنه لا يسعني ذكر اسمه. الشيخ: ممنوع. السائل: لا. يذكر اسمه إن شاء الله بعد الدرس. الشيخ: لا. بلغه سلامي وقل: إنه كذب عليَّ، فعليه إثم الكاذبين، وكذب في حكم شرعي فعليه إثم الحاكمين بغير الشرع، نحن صرحنا في عدة أماكن بأنه: إذا صام الست من شوال ولو بقي عليه يوم واحد من رمضان فإنه لا يثاب عليها ثواب الصائم ستاً، بل يثاب ثواب صيام فقط، على أن بعض العلماء يقول: لا يثاب ولا ثواب صيام؛ لأنه لا يمكن أن يتنفل بالصوم وعليه فريضة. بلغه سلامي وقل له: يستغفر الله من كذبه عليَّ، وإذا شاء أن يأتي إليَّ كي يستحلني حتى ننظر كيف نعزره، ويبين لكل من قال لهم: إني أفتيت بهذا يقول: إنه كان متوهماً. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 47 حكم طواف الإفاضة يوم عرفة السؤال رجل حج خمس حجات وهو مفرد، وكل حجة يأتي يوم عرفة إلى مكة ويطوف طوافاً بنية طواف الإفاضة فما حكم فعله هذا يا شيخ؟ الشيخ: كل الحجات هذه غير صحيحة، وكلها باطلة؛ لأنه ترك طواف الإفاضة وهو ركن لا يتم الحج إلا به بالإجماع، ووقت طواف الإفاضة بعد الوقوف بـ عرفة ومزدلفة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 48 إحياء الموتى ليس كرامة للأولياء السؤال هل من كرامات الأولياء: إحياء الموتى؟ الجواب هذه من آيات الأنبياء، وليس كل الأنبياء أيضاً، بل لا نعرف أن الله أحيا الأموات على سبيل العموم، إلا لعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وأما كرامات الأولياء فربما تكون قضية معينة يكون الإنسان مثلاً ماتت راحلته فدعا الله أن يحييها حتى توصله البلد، أو ما أشبه ذلك، فهذا يذكر عن بعض التابعين أنه حصل له مثل هذا، وأما على سبيل العموم فلا. انتبه! لا يكون في هذا تغرير وخداع، يأتي إنسان من الذين يدعون أنهم أولياء ويقول: أنا أحيي الموتى، كيف؟ فيعطي الشاة إبرة بنج وإذا قارب انتهاء المفعول البنج، قال: أيها الشاة احيي بإذن الله، وإذا انتهى البنج تحركت، لأنه يوجد من هؤلاء الكذبة من قد يصنع مثل هذا. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 49 حكم زواج التحليل وما يترتب عليه من أحكام السؤال رجل تزوج امرأة بنية تحليلها للزوج الأول، فما حكم رجوعها للزوج الأول؟ الجواب أولاً نقول: إن هذا الرجل الذي تزوجها هو تيس، هل تعرف التيس؟ السائل: ذكر الماعز يا شيخ. الشيخ: إذاً هذا يسمى التيس المستعار. ثانياً: إذا كان الزوج الأول عالماً بذلك أو مواطئً لهذا الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لعن المحلل والمحلل له) كلاهما ملعون، مطرود عن رحمة الله. ثالثاً: نكاح الثاني نكاح باطل، ووطئه هذه المرأة وطئ زنا. رابعاً: هذه المرأة لا تحل للزوج الأول، لأن الله تعالى قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] وهذا ليس زوجاً، الثاني هذا غير زوج؛ لأن عقده باطل. وإذا كان هذا الأمر واقعاً بلغهم عني: أن الثاني ملعون والأول ملعون، إذا كان باتفاق معه، وعلى الثاني أن يتوب إلى الله عز وجل، والأول لا تحل له الزوجة، بلغهم عني وإن شاء الله تعالى أنت أمين. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 50 حكم من أفطر رمضان لعذر ولم يقض إلى أن دخل رمضان الثاني السؤال والدتي جاءها مرض في عام (1419هـ) قبل رمضان فلم تصم شهر رمضان كله، واستمر معها المرض تقريباً إلى (1420هـ) الذي هو رمضان (1420هـ) وقبله بأيام شفيت، وأعانها الله وصامت رمضان الذي عام (1420هـ) ما حكم رمضان (1419هـ) الذي ما صامته التي كانت فيه مريضه؟ الجواب تستطيع أن تقضيها أو ما تستطيع؟ السائل: حالياً يعني يمكن وما يمكن. الشيخ: ولو يوم وراء يوم. السائل: إذا كانت تقدر لو ثلاثة أيام يومين إلى أن ينتهي؟ الشيخ: يلزمها أن تفعل. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 51 حكم سجود التلاوة في غير موضعه السؤال إمام في صلاة العشاء قرأ قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] فسجد يا شيخ سجود تلاوة، ظناً منه أنها محل سجدة، فما حكمه؟ الجواب هذا صلاته صحيحة؛ لأنه جاهل، فليُعلَّم ويقال: الحمد الله، المصحف الآن فيه بيان مواضع السجود احفظها. السائل: المشكلة أنه من طلبة العلم يا شيخ، أي: أنه في جامعة من الجامعات الشيخ: والله من طلبة العلم كل إنسان عالم بكل شيء، ما أكثر ما يفوت الإنسان من العلم، لكن بلِّغه وقل له: إن هذا ليس محل سجود، وإنما السجود توقيفي، لو قلنا: إذا قرأت قول الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:98-99] لقلنا: يسجد، مثل: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] لكنه لا يسجد في (وكن من الساجدين) . فالمهم أنك تقول له: محل السجود -والحمد الله- مبين على هوامش المصاحف فارجع إليه، وقيده في ورقة حتى لا تنسى. السائل: هل يسجد سجود سهو؟ الشيخ: لا. الآن قد مضت من زمان. السائل: ما فهمت؟ الشيخ: أقول: مضت ليس ممكن أن يسجد الآن، متى هم صلوا؟ مداخلة: يقصد إذا تكرر. الشيخ: إذا تكرر يسجد للسهو عن زيادة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 52 حكم من حج وعليه دين مقسط السؤال رجل حج وعليه دين مقسط من غير أن يستأذن من صاحب الدين ومتأخر في بعض الأقساط ما حكم حجه يا شيخ؟ الجواب هل عنده مال يثق من نفسه بوفائه إذا حل؟ السائل: لا يا شيخ؛ الدين مقسط. الشيخ: أنا فاهم أنه مقسط، لكن -مثلاً- إذا قدم الدين مثل البنك العقاري الآن الدين -مثلاً- يحل في جمادى وجاء وقت الحج وعنده مال، ويعرف من نفسه أنه إذا جاء وقت القسط يوفي، فهذا لا بأس أن يحج وإن لم يستأذن من صاحب الدين، أما إذا كان لا يثق من نفسه أو كما قلت: عليه أقساط ما أوفى بها فلا يحج. السائل: ما حكم حجه؟ الشيخ: هو يكون آثماً لكن حجه صحيح، وكيف الله سبحانه وتعالى يرخص له وهو يذهب يكلف نفسه؟!! أفلا يخشى أن يموت في طريقه إلى الحج أو بعد رجوعه؟!! الجزء: 226 ¦ الصفحة: 53 حكم من حل من إحرامه ولم يذبح الهدي السؤال قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال الناس حلوا ولم تحل يا رسول الله؟ قال: لبَّت رأسي وقلَّدت هديي فلم أحل حتى يبلغ الهدي محله) وقلنا: إذا قصر الإنسان رأسه أو حلق ورمى الجمرة هل حل وهو لم يذبح الهدي حتى الآن؟ الجواب إي نعم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحل حتى أنحر) لأنه ساق الهدي، أما غيره الذي ما ساق الهدي، فله أن يقدم ويؤخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التقديم والتأخير فلم ير في هذا بأساً. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 54 حكم المسح على الحجر الأسود في جميع الأشواط السؤال بالنسبة للذي يطوف بالبيت قلنا في الطواف الأول: يقبل الركن الأسود إن أمكن وإلا يلمسه أو يكبر، فهذا في الشوط الأول، فما الحكم في بقية الأشواط؟ الجواب الحكم نفسه. السائل: وإن لم يفعل، يعني: تركها قصداًَ؟ الشيخ: إن لم يفعل ليس عليه شيء؛ لأن هذا سنة، والمقصود هو الطواف. السائل: والتكبير؟ الشيخ: التكبير والمسح والتقبيل كل هذا سنة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 55 الحج دين مقدم على الوصية والإرث السؤال رجل توفى وله من البقر قرابة الأربعمائة وله أولاد، فتوفي وورثه أبناؤه وهم بعيدون. الشيخ: وهل معه زوجاته؟ السائل: نعم. الشيخ: وأمه وأبوه؟ السائل: أمه وأبوه متوفيان، فهل يجب على هؤلاء الأولاد أن يحجوا عن أبيهم؟ الشيخ: هل أدى الفريضة؟ السائل: لا. الشيخ: الحج دين مقدم على الوصية وعلى الإرث. السائل: وهم أيضاً لم يحجوا بعد. الشيخ: ليس لهم من التركة شيء حتى يقضى الدين. السائل: حتى يحجوا له. الشيخ: نعم، حتى يقضى الدين. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 56 الجمع بين قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ويوم الجمعة السؤال ورد الأمر بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلة الجمعة، هل الأفضل الإكثار من قراءة القرآن، أو من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب يجمع بين هذا وهذا. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 57 حكم ركعتي الطواف خلف المقام السؤال هل ركعتي الطواف لا بد أن تكون خلف المقام أو تجوز في أي مكان؟ الجواب خلف المقام هو الأفضل، وإن صلى في مكان آخر بعيد وهو أيسر له فهو أفضل؛ لأن المحافظة على ذات العبادة أولى من المحافظة على مكانها. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 58 حكم المسح على الجورب (الشراب) الخفيف السؤال شاب لبس جورباً (شراباً) من النوع الخفيف يبين البشرة، ومسح عليه ثلاث صلوات، وعلم أن الجورب الخفيف لا يجزئ المسح عليه، هل عليه إثم أم لا؟ الجواب أولاً أسألك: لماذا قلت: شاب، وغير الشباب ما يفعل مثل هذا؟ السائل: يعني وقع. الشيخ: أو بيان الواقع؟ على كل حال: المسح على الجورب الخفيف جائز؛ لأنه لا يوجد دليل على أنه لا بد ألا يصف البشرة، ولا شيء عليه. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 59 حكم السعي بين الصفا والمروة عريانا ً السؤال ينص المذهب الحنبلي: على أن من سعى عرياناً يصح سعيه، أفلا يمكن أن ندخل هذا العمل في حديث رسول الله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ؟ الجواب إي نعم. لكن السعي ليس له دخل في هذا الموضوع. السائل: من العمل. الشيخ: لا يشترط، لو يشترط ستر العورة لكان نعم، إذا طاف عرياناً يصح. السائل: ما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم طاف عرياناً. الشيخ: على كل حال: هذا ليس له دخل في السعي، هذا حرام عليه، حتى لو فرض أن المسعى لا يوجد فيه أحد وأنه في ظلمة فهذا لا يجوز. السائل: لكن الآن إذا سعى عرياناً أمام الناس هل يصح منه؟ الشيخ: هذا أحسن شيء له أن يغل ويذهب به إلى شهار، هل تعرف شهار؟ شهار هو محبس المجانين. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 60 حكم شراء الشيء باسم شيء آخر من أجل التخفيض السؤال أعمل في إحدى المكتبات التابعة لإحدى الجامعات، وبعض المطبوعات يكون لها سعرين، سعر للأشخاص والأفراد العاديين، وسعر للمؤسسات والحكومات هل يصح أن نشتري المطبوعات بالسعر الخاص للأشخاص؛ لأنه يكون أقل بكثير من أسعار المكتبات؟ الجواب المعروف أن أسعار المكتبات أرخص؛ لأنهم يأخذون بالجملة. السائل: بالعكس للأشخاص رخيصة جداً وللمؤسسات تكون الأسعار مرتفعة. الشيخ: المهم على كل حال: لا يجوز أن يشترى باسم أحد الشيئين من أجل التخفيض، هذا حرام. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 61 حكم الجمعية التي تقام بين عدة أشخاص السؤال إذا اجتمع عدة أشخاص على أن يأخذ الراتب كل شهر شخص منهم، فما حكمه يا شيخ؟ الجواب لا بأس، هذه يسمونها الجمعية، فهم يكونون -مثلاً- عشرة، فيأخذون من كل شخص ألف ريال لشخص منهم، وفي الشهر الثاني ألف ريال من كلٍ لشخص آخر، وهكذا، فهذا لا بأس به؛ لأنه من باب التعاون. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 62 مدى صحة الترجيحات التي في الممتع عن الشيخ ابن عثيمين السؤال بالنسبة لكتاب الممتع هل يؤخذ الترجيحات المنقولة عنك فيه، لأننا سمعنا بعض طلبة العلم يقول: إنها ليست ترجيحاتك؟ الجواب لا. التي في الممتع صحيحة عني. السائل: صحيحة؟ الشيخ: كلها صحيحة. الجزء: 226 ¦ الصفحة: 63 لقاء الباب المفتوح [227] تحدث الشيخ في هذه المادة عن محظورات الإحرام التي تجب على الحاج إذا أحرم من الميقات ولبس ثوب الإحرام، ثم بين أحكامها بأن الإنسان إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً لا شيء عليه، وإن فعلها تعمداً فيكون في بعضها فدية وبعضها قد يبطل الحج كالجماع، وكل هذا رحمة بالعبد حتى يكون حجه صحيحاً مقبولاً عند الله تعالى. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 1 محظورات الإحرام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السابع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) . نفتتح هذا اللقاء بذكر محظورات الإحرام أي: الأشياء التي تمنع بسبب الإحرام، وذلك أن من حكمة الله عز وجل أنه جعل للعبادات شروطاً لا تتم إلا بها، وجعل لها موانع أي: ممنوعات تفسدها أحياناً وهو الأصل، والأصل أن الممنوعات تفسد العبادات، لكن قد لا تفسدها أحياناً لسبب. محظورات الإحرام: هي الأشياء التي تمتنع بسبب الإحرام، فأما الأشياء العامة فإنها ليست من محظورات الإحرام، الفسوق نهى الله عنه في الحج، قال: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] لكن هل هو من محظورات الإحرام، أو هو محظور على كل حال؟ الجواب محظور على كل حال، إذاً ليس من محظورات الإحرام. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 2 حلق شعر الرأس نبدأ بمحظورات الإحرام: منها: حلق شعر الرأس، فلا يحل للمحرم بحج أو عمرة أن يحلق شعر رأسه، والدليل: قول الله تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] والتعليل: لأن شعر الرأس يتعلق به نسك، ما هو النسك؟ الحلق أو التقصير عند الفراغ من الحج أو العمرة، فلو حلق وهو محرم ما بقي محلاً للنسك، ولهذا حرم على المحرم أن يحلق شعر الرأس، فأما شعرة أو شعرتان أو ثلاث فلا يسمى حلقاً. ولهذا لو سقط من رأس المحرم شعرة أو شعرتان أو ثلاث شعرات أو أربع فإنه لا يعتبر فاعلاً للمحظور؛ لأن هذا لا يسمى حلقاً لا في الشرع ولا في العرف. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 3 الجماع ومقدماته من المحظورات: الجماع؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] (رفث) الجماع، ومقدمات الجماع مثل المباشرة، التقبيل، الضم، تكرار النظر بشهوة، كل هذا حرام في الإحرام، بل أشد من هذا: أن عقد النكاح حرام، يحرم على المحرم أن يعقد النكاح، فإن عقده فالنكاح باطل يعني: غير صحيح، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يَنكح المحرم ولا يُنكح) بل لو كان الإنسان محرماً وعقد لابنته النكاح وهي غير محرمة لرجل غير محرم فالزوجان غير محرمين لكن الولي محرم لم يصح النكاح. إذاً: يحرم على المحرم أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة. كذلك خطبة المحرم حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب) لماذا؟ لأنه إذا خطب تعلق قلبه بمخطوبته فصده عن إتقان الحج والعمرة، وقد قال الله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح:7] . كم محظورات: حلق الرأس، الجماع، عقد النكاح، خطبة النكاح، المباشرة، التقبيل، الضم، كل هذا حرام في الإحرام. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 4 استعمال الطيب من محظورات الإحرام: الطيب. فلا يجوز للإنسان أن يتطيب بعد عقد الإحرام، أما ما بقي من الطيب الذي تطيب به قبل عقد الإحرام فلا يضر، الدليل على تحريم الطيب على المحرم: قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بـ عرفة، يعني: هو على بعيره وسقط ومات، فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه) أربعة أشياء: أولاً: اغسلوه بماء وسدر. ثانياً: كفنوه في ثوبيه، يعني: في إحرامه لا تكفنوه كفناً جديداً لا، يكفن في إحرامه كما يدفن الشهيد في ثيابه التي استشهد فيها. الثالث: لا تخمروا رأسه. والرابع: لا تحنطوه، الحنوط: أخلاط من الطيب يوضع على جسد الميت في مواضع معروفة. ثم قال: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. إذاً الطيب على المحرم حرام إذا كان بعد عقد الإحرام، أما إذا كان من الطيب الذي تطيب به قبل أن يعقد الإحرام فلا بأس به، ولا يلزمه أن يزيله، دليل هذا: قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو محرم) (وبيص) يعني: بريقه ولمعانه. هذا من محظورات الإحرام. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 5 قتل الصيد من محظورات الإحرام: قتل الصيد. قتل الصيد يعني: الحلال البري المتوحش، ثلاثة قيود: 1/ أن يكون برياً. 2/ وأن يكون حلالاً. 3/ وأن يكون متوحشاً طبعاً، أي: ليس من الذي يألف الناس، كالدجاج مثلاً هذا لا بأس به. وأن يكون برياً ضده البحري، فلو فرض أن قوماً أحرموا في البحر لمحاذاة الميقات، ونزلوا يصيدون السمك فلا حرج عليهم لأنه بحري. الثاني: الحلال، فالمحرم وإن كان برياً وصاده المحرم فلا شيء عليه. الثالث: أن يكون متوحشاً طبعاً، يعني: أصله متوحش لا يألف، مثاله: الحمام تنطبق عليه الشروط، فإن توحش عارضاً لا طبعاً كشاة شردت وعجزوا عنها، هذه حكمها حكم الصيد، لكن بالنسبة للمحرم هي حلال؛ لأن توحشها عارض ليس بأصلي. ثلاثة شروط: أن يكون برياً، حلالاً، متوحشاً طبعاً يعني: في الأصل، دليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95] أي: محرمون. وقال تعالى في صيد البحر: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} [المائدة:96] لو قتل الصيد شخص غير محرم فهل يجوز للمحرم أن يأكله؟ الجواب نعم يجوز، إلا إذا كان صاده لأجل المحرم فإنه لا يجوز، لحديث جابر وهو في السنن: (صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم) . الجزء: 227 ¦ الصفحة: 6 لبس القميص والسراويل والعمائم والبرانس والخفاف من محظورات الإحرام: ما بينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سئل: ما يلبس المحرم؟ يعني: ما هي الثياب التي يلبسها المحرم؟ قال: (لا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمائم، ولا البرانس، ولا الخفاف) خمسة أشياء، والباقي يلبسه. القميص: هو الدرع، ثيابنا هذه التي لها أكمام تسمى قميصاً وتسمى درعاً. السراويل: معروفة. البرانس: لباس واسع له غطاء للرأس متصل به، يلبسه أهل المغرب. العمائم: ما يطوى على الرأس. الخفاف: ما يلبس على الرجل. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إلا من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين) فاستثنى هذا للحاجة إلى ذلك. لبس النعل المخروز جائز أو غير جائز؟ الجواب جائز لأنه ليس من هذه الممنوعات الخمسة، القميص، البرانس، العمائم، الخفاف، السراويل. لباس الإزار المخيط جائز أو غير جائز؟ الجواب: جائز؛ لأنه إزار وليس سراويل، حتى لو خيط وصار من جنس (التنورة) فإنه جائز؛ لأنه لا زال إزاراً، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: وعلى الإزار المخيط، قال: ولا السراويل. لو لبس رداءً مرقعاً فيه رقع مخيطة يجوز أو لا يجوز؟ الجواب: جائز، لأنه ليس قميصاً ولا من هذه الخمسة، فاعرف ما حدده النبي صلى الله عليه وسلم واقتصر عليه. طيب لو لبس غترة؟ الجواب: لا يجوز، لأنه لباس في الرأس كالعمامة، ولأنها تستلزم تغطية الرأس وتغطية الرأس حرام كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم الذي مات: (لا تخمروا رأسه) . لو لبس ساعة؟ الجواب: جائز. لبس نظارة عين؟ الجواب: جائز. سماعة أذن؟ جائز. (كمر) يربطه على وسطه؟ جائز. هو مخيط يا جماعة؟ جائز. نعم جائز؛ لأنه ليس من الممنوعات، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطي جوامع الكلم. هذه المحظورات ليس فيها إثم ولا فدية إلا إذا فعلها عالماً ذاكراً مختاراً، هذه شروط ثلاثة: عالماً: ضده الجاهل، فلو أن الإنسان أبقى سراويله عليه ظناً منه أنه لا بأس به، ولبس الإزار فوقه فلا شيء عليه، لا إثم ولا كفارة. لو نسي أن يخلعه وبقي عليه حتى انتهى النسك، أو في أثناء النسك تذكر وخلع السراويل، لا شيء عليه، لأنه ناسٍ. لو وطئ أرنباً ما علم بها ماذا عليه؟ لا شيء عليه؛ لأنه جاهل لم يعلم بها. لو أن رجلاً حلالاً وزوجته محرمة بعمرة وجامعها كرهاً عليها ماذا عليها؟ لا شيء عليها. لو جامع الرجل زوجته في ليلة مزدلفة يظن أن الحج عرفة وانتهى ماذا عليه؟ لا شيء عليه. فإذا قال قائل: أين الدليل على هذا؟ قلنا: الدليل قول الله تبارك وتعالى في الصيد: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:95] وقال تعالى في عموم المحرمات: ( {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فقال الله: قد فعلت) . وقال في الكفر وهو أعظم الذنوب: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106] فإذا كان الرجل إذا أكره على الكفر وهو أعظم الذنوب فلا شيء عليه فما دونه فلا شك أنه من باب أولى، وهذا من نعم الله عز وجل، أن يسر على العباد ولم يؤاخذهم بما أخطئوا به، ولكن ما تعمدت قلوبهم. والعلماء الفقهاء رحمهم الله لهم في ذلك تفاصيل ليس عليها دليل، لا من القرآن ولا من السنة، ما هي إلا اجتهادات أو أخذ بعمومات مقيدة في الآيات الأخرى التي يسقط بها الإثم، والفدية والجزاء عمن كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 227 ¦ الصفحة: 8 حكم أخذ أوراق الأشجار في الحرم وإيقادها للتدفئة السؤال بالنسبة للمحرم إذا كان أخذ بعض أوراق الشجر لكي يوقدها للتدفئة مثلاً إذا كان الجو بارداً، فهل يجوز له ذلك أم لا؟ الجواب أولاً: اعلم أن قطع الشجر ليس من محظورات الإحرام، ولا له تعلق بالإحرام، قطع الشجر متعلق بالمكان فما كان داخل حدود الحرم فأخذه حرام، للمحرم وغير المحرم، وما كان خارج حدود الحرم فأخذه حلال للمحرم وغير المحرم، وعلى هذا فالأشجار التي في عرفة مثلاً لا بأس بأخذها للمحرم وغير المحرم، والتي في منى ومزدلفة حرام على المحرم وغير المحرم، إلا الأشجار التي غرسها الإنسان فهذه حلال، ولو كانت داخل حدود الحرم. وأما قولك: أنه يأخذ الأشجار للتدفئة، فالأشجار الخضراء ما فيها تدفئة ما فيها إلا دخان يعميك. السائل: بعض اليابسة. الشيخ: على كل حال: اليابس ما له حرمة، خذه ولا حرج عليك. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 9 مشكلة التساهل بالسنن والرواتب والأسباب المؤدية لذلك السؤال فضيلة الشيخ: وفقكم الله يرى الإنسان المسلم من الشباب عموماً تساهلاً في أمور الدين كالسنن الرواتب وغيرها، مما يغيض قلب كل مسلم، من وجهة نظركم ما هي الأسباب لهذا التساهل، وما هو الحل وفقكم الله؟ الجواب الأسباب لهذا التساهل هو الهوى والشيطان، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة:91] فالشيطان يثبط بني آدم عن الطاعات كلها ولا سيما الصلاة، ويقاوم هذا قوة الإيمان بالله عز وجل والرغبة فيما عنده؛ لأن الإنسان إذا علم أن الحسنة بعشر أمثالها مدخرة له في يوم هو أحوج ما يكون إليها، لا مال، ولا بنون، ولا شفاعة إلا بإذن الله عز وجل، فإنه يحرص. وإذا تأمل أنه لا بد من ملاقاة الله عز وجل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] كلنا سنلاقي الله عز وجل ويكلمنا، فإذا آمن بهذا استعد له. ثم هناك أيضاً أسباب لهذا التهاون: وهو كثرة المغريات في وسائل الإعلام وغير وسائل الإعلام، التي أوجبت في القلوب أن تكون قاسية والعياذ بالله. فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، ويستعين بالله عز وجل، ولا يكسل، وأن يسأل الله الثبات، وإذا نزغه من الشيطان نزغ بتثبيط عن واجب أو حض على محرم، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] . الجزء: 227 ¦ الصفحة: 10 حكم بيع الذهب عن طريق بطاقة الصرف السؤال ما حكم شراء الذهب من محلات بيع الذهب عن طريق بطاقة الصرف (الشبكة السعودية) حيث أن بعض المحلات يوجد بها جهاز لهذا الغرض، وهل هذا من التقابض؟ الجواب إذا اشترى ذهباً فهل يكفي أن يعطيه بطاقة الصرف؟ نعم. بشرط أن يكون تحويل المال من حساب المشتري إلى حساب البائع في نفس الوقت، فإذا كان كذلك فهذا قبض، أما مجرد شيك ولو كان مصدقاً فليس بقبض. السائل: هو يأخذ من الصرافة ثم يذهب إلى البنك. الشيخ: لا. أنا سمعت أن هناك بطاقة يدخلها في الجهاز ثم يحوله إلى حساب الثاني، المهم إذا كان كذلك فهذا قبض، أما مجرد التحويل فليس بقبض، والدليل أنه ليس بقبض: أنه لو ضاع هذا الشيك فهل الذي قبض الشيك يرجع على صاحبه أم لا يرجع؟ السائل: نعم يرجع. الشيخ: يرجع؟! الشيخ: شيك مصدق حولتك على بنك أو على الراجحي شيك مصدق من نفس البنك وضاع منك، هل ترجع عليه أم لا؟ السائل: يرجع. الشيخ: عجيب! السائل: يرجع على حساب يعوض. الشيخ: ترجع إليه أم لا؟ السائل: ترجع. الشيخ: ترجع؟! السائل: والله على حسب معلوماتي. الشيخ: جسناً! لو أعطيتك الثمن نقداًَ وضاع منك ترجع إلي أم لا؟ السائل: لا ما ترجع. الشيخ: إذاً فليس الشيك قبضاً، صار تحويلاً، ولا يمكن يكون قبضاً حتى تذهب إلى البنك الذي حولت عليه ويخصم من حساب المشتري إلى حسابك. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 11 حكم المرور بين يدي المصلي تعمدا ً السؤال ما حكم من مر بين مصلٍ وسترته متعمداً، أو كان لضرورة؟ الجواب لا يحل له أن يمر، لو يبقى أربعين سنة، نحن نقول له: الحمد لله ابق أربعين سنة وإذا تمت مر، هل سوف يستطيع أن يبقى أربعين سنة؟ السائل: لا. الشيخ: لا يقدر، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه) نعم للضرورة مثل: لو اشتعلت النار في المسجد وهرب الإنسان فهذا ضرورة، حتى المصلي يجب عليه أن يهرب. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 12 جواز أخذ الجائزة نقداً في الإجابة على السؤال السؤال هل يجوز أخذ مبلغ من المال مقابل الإجابة عن سؤال، بحيث يلقي السؤال على مجموعة من الطلاب والذي يجيب إجابة صحيحة يأخذ هذا المبلغ من المال؟ الجواب يقول: لو ألقى شخص سؤالاً على جماعة وقال: من أجاب إجابة صحيحة فله ألف ريال، هل يجوز لمن أجاب إجابة صحيحة أن يأخذ ألف ريال؟ نقول: نعم، يجوز لأن هذه جائزة، وليست رهاناً. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 13 كيفية معالجة مواقع الشر في الإنترنت السؤال هجم علينا أسد كاسر هذا الزمن، بأسه شديد، وبطشه أشد، ألا وهو شبكة الإنترنت التي انتشرت بين الشباب وانتشرت المقاهي في كل مكان، واللافت للنظر أن معظم الذين يذهبون للمقاهي هم هؤلاء الشباب، فأي آفة هذه أفتونا؟ الجواب ماذا يحصل من هذا الإنترنت؟ السائل: فيها أشياء. الشيخ: فيها خير وفيها شر، أليس كذلك؟ السائل: بلى. الشيخ: لكن أيهما أغلب الشر أو الخير؟ أما أهل الخير فلا يرجعون إلى الشر، وأما أهل الفسق والشر فهم يرجعون ويجدون بغيتهم، ولهذا يجب أن يكون لها ضوابط، ضوابط تحبس هذا الشر وتبقي الخير، وهذا لا يكون إلا من جهات عليا يمكنها أن تمنع أو لا تمنع. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 14 حكم مقولة: (تباركت علينا) السؤال أصبح عندنا مقولة: (تباركت علينا يا فلان) فإذا كانت لا تجوز فكيف التوفيق مع قول أسيد بن حضير: [ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر] ؟ الجواب يقولون: أن كلمة (تبارك) خاصة بالله عز وجل، وأما (نزلت فينا البركة حين نزلت) أو ما أشبه ذلك فلا بأس بها، لكن (تبارك) بهذه الصيغة يقولون: إنها خاصة بالله، والعوام لا يقصدون المعنى الخاص بالله أبداً، وإنما يقصدون بقولهم: (تباركت علينا) أنه حصل في مجيئك بركة وخير. ثم هذه البركة إن كانت بركة صوفية بمعنى: أن البركة في شخصه فقط، فهذه حرام، وإن كانت البركة أنه أسدى إليهم علماً بأن جلس وعلمهم مثلاً، أو نفعهم بمال، فهذا حق، وإن لم ينفعهم فهو كذب لا يجوز. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 15 حكم صلاة الظهر في المدرسة مع وجود طلاب يصلون بغير وضوء السؤال تقام صلاة الظهر أحياناً في بعض المدارس، وأحياناً يعلم أن بعض الطلاب يصلون بلا وضوء، فهل الأفضل ترك المجال لمن أراد أن يصلي في المدرسة يصلي، ومن أراد أن يصلي في بيته يصلي؟ الجواب إذا لم يكن في المدرسة مواضئ تكفي فنعم، أعطوا الطلاب الحرية، وكل إنسان على نفسه بصيرة، أما إذا كان فيه محلات تكفي فالطلاب لا بد أن يصلوا، لأنه ما له عذر. السائل: لكن الطلاب أحياناً يصلون متعمدين بلا وضوء. الشيخ: لا. هؤلاء يؤدبون، وينبغي أن يؤدبوا أدباً بين الطلاب، بالإيقاف، أو بخصم درجات من حسن السيرة والسلوك، أو ما أشبه ذلك. السائل: يا شيخ! أحياناً ما يعلم نفس الطالب لكن يعلم أن هناك طلاباً يفعلون ذلك. الشيخ: أنت قلت الآن: يعلم. السائل: يعلم يعني: الكل لكن بالتفصيل لا يعلم ذلك. الشيخ: ما تقدر تعلم بالكل، ما يدريك؟ السائل: من جهة الطلاب يخبروني أن كثيراً منهم. الشيخ: ما يخالف إذا أخبرك ووثقت بخبره في اليوم الثاني أعلن مخالفة هذا الطالب. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 16 وجوب إخراج زكاة الحلي إذا بلغ النصاب السؤال هل المرأة تزكي في الذهب الذي في يدها؟ الجواب نعم، الذهب الحلي الذي على المرأة تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب، والنصاب خمسة وثمانون جراماً، فلما يبلغ هذا الحد وجب عليها أن تزكي، إن كان لديها مال أخرجت من مالها، وإن لم يكن لديها مال وأخرج عنها زوجها أو أبوها أو ابنها حصل المطلوب، وإلا تبيع من الذهب بقدر الزكاة وتزكي. قد يقول قائل: إذا قلتم هكذا وصارت تبيع كل سنة من ذهبها انتهى. نقول: ما يمكن ينتهي أبداً، لأنه إذا نقص على النصاب انتهت الزكاة، فلابد أن يبقى عندها شيء. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 17 لزوم طاعة ولي الأمر في عدم القنوت في الصلوات للمجاهدين في الشيشان السؤال تعلم وسبق أن اطلعت على نداء الإخوان المجاهدين في الشيشان بمناشدة القنوت من المسلمين في العالم الإسلامي، وتعلم أيضاً -يا شيخ- أنه قد تم منع ذلك إلا بإذن ولي الأمر، فما هو الواجب تجاه هذا النداء وهم يناشدون المسلمين بالدعاء والتعارض مع هذا المنع، فما هو الجواب على ذلك جزاك الله خيراً؟ الجواب حسناً، من الذي تجب عليك طاعته، أولي أمرك، أم أناس آخرون؟ السائل: ولي الأمر. الشيخ: حسناً، إذاً: ما يحتاج إلى سؤال، ما دام ولي الأمر قال: لا. إلا بإذن؛ الحمد لله، ثم هل الأبواب سدت إلا باب القنوت أعني في الدعاء؟ السائل: لا. الشيخ: لا. تدعو الله لهم في السجود، بعد التشهد، في آخر الليل، بين الآذان والإقامة، الأبواب مفتوحة والحمد الله. السائل نفسه: لكن في دعاء القنوت هذا يحيي أنفس الناس وواقع المسلمين هناك وكذا. الشيخ: إيه نعم. لكن ما دام لنا ولي أمر وقال: لا. فنقول: الحمد لله، سمعاً وطاعة لله ما هو لولي الأمر، لأننا مأمورون بأمر الله أن نطيع ولاة أمورنا إلا في المعصية، وترك القنوت لهم ليس بمعصية، هذا أمر. ثانياً: ألم تعلم أن فقهاء الحنابلة يقولون: إن القنوت للإمام الأعظم فقط. غيره من الناس ما يقنتون، ومن الإمام الأعظم عندنا؟ السائل: الملك. الشيخ: الملك فهد بن عبد العزيز فقط، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قنت حين قتل القرَّاء ولم يأمر أحداً بالقنوت في مساجد المدينة، ولا علمنا أن أحداً من مساجد المدينة قنت، إذاً فالقنوت لولي الأمر الذي له السلطة على كل المسلمين. ثم إن الإمام الأعظم في وقتنا لا يوجد إمام أعظم لماذا؟ الإمام الأعظم هو الذي له السلطة على كل المسلمين، وهذا قد انقرض من زمان. يقولون: الإمام الأعظم، ويستدلون بأنه لم يقنت إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من جهة الأثر، من جهة النظر: الإمام الأعظم هو المسئول عن المسلمين عموماً، أما الأفراد لا. وأنا أقصد أن بعض الناس الآن يستنكر لماذا لا نقنت؟ والله! ندعو لهم حتى في الفريضة، وفي يوم الجمعة في الخطبة وهو وقت إجابة، ونسأل الله أن يفرج عنهم، لكن لا ينبغي أن يجعل هذا ناقوساً يدق به في لوم الحكومة ولوم الناس؛ لأنه الحمد لله الدعاء في الخطبة، الدعاء في السجود، في كل مكان. سمعت عن بعضهم أنهم قالوا: لما كان الناس يقنتون لنا في رمضان، كنا أشداء وأقوياء، قنوت الناس في رمضان هل هو في الفرائض؟ في قنوت الوتر المشروع. ثانياً: من الناحية الحسية، هم في رمضان أقوى من اليوم، في رمضان عندهم قوة في الجسد وعندهم مال وعندهم ذخائر وفي عاصمتهم، فلابد أن يكونوا أقوى من الآن، الآن هم مجردون من السلاح إلا القليل، وأنا سألت من له صلة بهم: لماذا خرجتم من العاصمة؟ قال: نفذت الذخيرة، يعني: يمسكون الروس كمسك العصافير ما يقع، وهذا الانحياز إلى المأمن قد جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قصة خالد بن الوليد، وفي قصة عمر لما قال: [يا سارية الجبل] فنحن انحزنا إلى هذه الجبال لئلا نقتل؛ لأنه ما معنا شيء ندافع به، فكان انحيازهم والحمد لله نصراً وتجاوزهم الأطواق الثلاثة التي طوقت الروس قاتلها الله العاصمة قروزني صار ما صار. فأنا أرجو من إخواني المسلمين أن يساعدوهم بالدعاء في مواطن الإجابة، ومن الخطباء أن يدعوا لهم في الخطب، وكذلك أيضاً في التبرع بالمال، إذا كان الذي يحمله يداً أمينة توصله إياهم. السائل: بعض المساجد ما وصلهم البيان التعميمي هذا، فهم يقنتون، هل يجوز لهم ذلك؟ الشيخ: لا. السائل: وإن لم يصلهم، وإن لم يعلموا بذلك؟ الشيخ: يمكن يكونوا معذورين بالجهل لكن يعلمون؛ لأن كون بعض الناس يقنت وبعض الناس لا يقنت هذا مشكلة، سيقول الناس: هؤلاء الذين لا يقنتون لا يحبون انتصار المسلمين ويتهمونهم، مع أن الذين لا يقنتون تركوا القنوت تقرباً إلى الله عز وجل؛ لأن الله أمرهم أن يطيعوا ولاة أمورهم، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس المتحمسين، مع أنه خلاف هدي الصحابة. أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة لما كان الأمراء في الحج يخالفون السنة النبوية في بعض الأشياء كانوا يبينون السنة النبوية ويقول: افعل ما يفعل أمراؤك. لكي لا يحصل خلاف، فمثلاً: في الحج السنة أن الناس في اليوم الثامن يصلون الظهر في منى بعض الأمراء يتخلف ما يصلي إلا في مكة فيقول الصحابة: افعل ما يفعله أمراؤك. ويبينون السنة، وهذا دليل على أن مسألة المخالفة ما هي هينة. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 18 ضرورة معاهدة ومراجعة القرآن الكريم السؤال نحن طلبة تحفيظ القرآن الكريم، وفي ختام دراستنا نتخرج وقد حفظنا القرآن الكريم، ولكن نكون قد نسينا أغلب ما حفظنا، فهل نحن آثمون بذلك؟ وما هو الحل الأمثل للحفاظ على هذه الثروة الكبيرة؟ الجواب بارك الله فيكم، الحل الأمثل ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) فالدواء أن يردده الإنسان كثيراً، ويخصص الأماكن التي نسيها بزيادة تكرار، أما كونه يحفظ وينسى ما سبق هذا غلط. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 19 حكم الجوائز التي تجعلها الشركات في البضاعة السؤال بعض الشركات تعمل مهرجان في بعض البضاعة عندهم، تشتري بضاعة والأخرى مجاناً هل يجوز هذا؟ الشيخ: يعني تعطي جوائز؟ السائل: تشتري نفس البضاعة والثانية مجاناً نفسها بالضبط، والمحلات الثانية ما تعمل يعني: تكسد سوقهم. الشيخ: يعني: تعطي جوائز، أسألك: يعني: يشتري مثلاً قلماً وتعطيه قلماً آخر السائل: مجاناً. الشيخ: إذاً مكافئة أو لا؟ السائل: نعم. الشيخ: إذا باعت القلم بعشرة وأعطت الثاني مجاناً صار الاثنان بعشرة كم قيمة الواحد؟ السائل: تقريباً ديناراً. الشيخ: خله نقول: عشرة، لا نقول: ريالاً ولا ديناراً ولا شيئاً. السائل: نعم. الشيخ: قيمة القلم خمسة فهمت. السائل: نعم. الشيخ: أعطته هذه الشركة قلماً آخر قيمته خمسة، كم صار قيمة القلم الواحد؟ السائل: عشرة. الشيخ: لا. ريالين ونصف، اثنين ونصف، التبس عليك الأمر. السائل: نعم يا شيخ. الشيخ: طيب أعطته هذا القلم بعشرة وقيمته عشرة، أعطته قلماً مثله بعشرة كم صار قيمة الاثنين؟ السائل: خمسة دنانير. الشيخ: عشرة كل واحد بخمسة، عرفت فهمت الآن أو ما فهمت؟ السائل: فهمت. الشيخ: طيب أنت تقول: إذا عملت هذا العمل كسبت السوق على الآخرين؛ لأن الناس يبيعون القلم الواحد بعشرة وهذه باعت اثنين بعشرة، وهذا يضر الأسواق، بعض العلماء يقول: لا بأس لينزل ما شاء؛ لأنه لم يذهب إلى شخص وقف عنده الزبون يريد يشتري يقول: تعال سوف أعطيك أرخص منه، هذا مفتوح، وإذا نزل السعر إلى النصف فلينزل الآخرون السعر إلى النصف ما منعوا. وبعض العلماء يقول: لا. لابد أن الناس يكونون سواء أو متقاربين؛ لئلا يفسد بعضهم على بعض، ولئلا تحصل العداوة والبغضاء بين الناس. والمرجع في هذا فيما أرى ما دامت المسألة خلافية بين علماء الفقه فيرجع في هذا إلى ولي الأمر، الأمير أو المحافظ وليقدر ما شاء. أما لو كانت المسألة الهدية منقطعة يعني: في أول بيعة فقط معناه: ما صار شيء، لأن بعض الناس يجعل هدية في أول بيعة ولما الناس توجهوا إليه وقف الجائزة، هذه إن شاء الله ما فيها شيء. السائل: طيب يا شيخ إذا اشترى البضاعة تدخل السحب. الشيخ: نعم. السائل: اشتري البضاعة هذه ويدخل السحب، على جائزة سيارة. الشيخ: سهم؟ السائل والحضور: سحب سحب. الشيخ: ما فيه بأس إذا كانت القيمة هي القيمة، وأنت شاري السلعة لغرض، يعني مثل: محطة البنزين الآن، السعر واحد، وأنت أتيت تشتري بنزيناً لابد تشتري، فلا حرج إذا جاءتك جائزة سيارة فالحمد لله؛ لأنك أنت الآن إما سالم أو غانم فلا يدخل في الميسر. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 20 الحلول المعالجة لداء التعالم السؤال من المعلوم أن مقاصد الشريعة الكلية تزكية النفوس، ولكن نرى بين أوساط الشباب وخاصة ما يطلق عليهم الدعاة إلى الله يعني: الموجهين للناس، يتعلم العلم الشرعي لا لتزكية النفس، وإنما ليماري به السفهاء، ويجاري به العلماء. الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون. السائل: فتكثر وتتغلغل الفتن بكل سهولة بين أوساط الشباب يا شيخ! فالتفرقة واقعة، وأهل الدين الذين يريدون النصر لدين الله والعلو له، يتذمرون من هذا الشيء، فما هو الحل الجذري لهذه المشكلة، إن الناس عندما تتأمل الواقع لا ترى فيها ديناً وإنما أي فتنة تتخللهم وتتغلغل فيهم، فما هو الواقع السليم الذي يجب أن يطبق حتى ترتفع هذه الظاهرة؟ الجواب الواقع السليم تقوى الله عز وجل، الذي يرفع هذا الأمر هو تقوى الله عز وجل، وأن يعلم المفتي أنه أجرؤ الناس على النار، كما جاء في الأثر: [أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار] . وليعلم المفتي أنه يتكلم عن الله عز وجل، فليحذر أن يقول على الله ما لا يعلم، لكن المشكل كما تفضلت: أن بعض الناس يريد أن يجاري العلماء، ويماري السفهاء، ويجعل لنفسه منصباً، وكما يقول العوام: (خالف تذكر) وهذه مشكلة، هذا عمله حابط وما تجر فتواه من مخالفة الشريعة فإثمه عليه. والحمد لله -يا أخي- أنت في سعة في حِلَّ، كان الصحابة يتدافعون الإفتاء حتى ترجع المسألة إلى الأول، وما بالنا نتعجل السيادة، إن أراد الله أن تكون إماماً للمسلمين أو للمتقين سيحصل لك، لكن ثق بأنك لن تكون إماماً للمتقين وأنت تقول على الله ما لا تعلم، أو تسلك بنيات الطريق لتذكر، ويقال: قال فلان قال فلان. فما أرى حلاً لهذا إلا تقوى الله عز وجل، ويعلم الإنسان أن أي كلمة تصدر منه فهي مكتوبة، وأي كلمة يكون بها ضرر الناس فهو مسئول عنها وعليه إثمها وإثم من اتبعها. السائل: نتيجة هذا الأمر يا شيخ! أن هناك في بعض الإخوان والجماعات الدعوية لا يوجد لديهم كفاية من العلم وكذا تجد منهم التحمس الزائد عن حده الذي يفسد الأمر من أصله، وبعضهم مقصر جداً، وكل ذلك ناتج عن بعض الموجهين أو التمسك بفتاوى من غير أمر يقتضي هذا التمسك، تأتي فتوى على عاتقها فتتمسك بها هذه الجماعات وأخرى تنبذها وهكذا يا شيخ! فما هو الحل؟ الشيخ: كما قلت لك يا أخي! الحل التقوى. السائل: من الناحية العلمية يا شيخ. الشيخ: حتى من الناحية العلمية، أما من ناحية الشباب الذين لا يتصدرون لهذا نقول: احذروا أنصاف العلماء، قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه: الفتوى الحموية يقال: ما أفسد الدنيا والدين إلا نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب. فنصف المتكلم أفسد الأديان، ونصف الفقيه أفسد البلدان، ونصف النحوي أفسد اللسان، ونصف الطبيب أهلك الأبدان، وهذا صحيح يجب أن يحذر من هؤلاء ويحذر منهم أيضاً ويقال: الحمد الله عندكم علماء راسخون اسألوهم. ولهذا قال بعض السلف: [إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم] . ثم إن بعض المتحمسين لو فكرت في أحوالهم لوجدت عندهم تقصيراً كثيراً في أمور كثيرة، وكم من نساء الآن يبكين ندماً حين تزوجن ملتزمين ووجدن أنهم من أسوأ الناس معاملة لزوجاتهم، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) يحتج هذا المسكين يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن النساء عوان عندكم) والعواني: جمع عانية وهي الأسيرة، ولكن يقال: الرسول قال هذا حثاً على الرفق بهن، لا فتحاً لأبواب الاسترقاق لهن. إلى الله المشتكى يا إخوة! الله المستعان. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 21 حكم مشاهدة المباريات الرياضية السؤال ما حكم مشاهدة المباريات الرياضية؟ الجواب لماذا تشاهد المباريات الرياضية؟ ما الفائدة منها؟ ما تستفيد منها إلا إضاعة الوقت، وصرف المال، ودمار العين، وحب من لا يستحق أن يُحب، وتعظيم من أمرنا بالغلظة عليه، يوجد من يجيد هذه اللعبة كافر متمرد فيقع في قلوب الهواة لهذه الرياضة تعظيم هذا الرجل ومحبته. إذاً: يا أخي! أبعد عنها، اربأ بنفسك أن تشاهدها، وماذا جلبت الألعاب الرياضية على الناس؟ ما جلبت إلا التلهي بها، وإضاعة كثير من الأمور المهمة، وصرف الأبناء عن آبائهم، مع أن آباءهم قد يحتاجون إليهم في تجارة أو زراعة أو سفر أو ما أشبه ذلك. وقد ذكر لي: أن هذه من دسائس اليهود التي يسمونها (برتوكولات صهيون) فالله أعلم هل هي منهم أو من غيرهم؟ المهم أنها ما جلبت للإنسان نفعاً، بل هي إلى الضرر أكثر. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 22 وجوب الخروج من البيت الذي فيه معاصٍ بعد الإنكار عليهم السؤال عند زيارة بعض الأقارب وعندما يفتحون التلفاز في المجلس تأتي بعض الأحيان الموسيقى وبعض المعاصي الأخرى، فهل يخرج المرء على الفور إذا أنكر ولم يسمع لإنكاره، أو لم يستطع المرء الإنكار؟ وكيف تكون صلة هؤلاء ومن عندهم المعاصي أتكون بالهاتف فقط، أم يسكت عنها -أي: عن المعاصي- مع الدعوة والتأليف؟ الجواب هذا يسأل يقول: إذا زرت أقاربي وصار عندهم شيء محرم مشاهداً في التلفاز أو مسموعاً بالإذاعة، فهل يجوز أن أبقى أو لا؟ أقول: إذا كان يمكن أن تبقى وتنصحهم فافعل، وإذا كان لا يمكن ولو تكلمت لم يسمع فاخرج بعد أن تقول: إما أن تغلقوا هذا، أو أخرج؟ ولكن لا تترك صلتهم ولو كانوا على معصية؛ لأن الأقارب لهم حق ولو كانوا عصاة، وأنت لا تحضر المعصية. السائل: على هذا لأنه بعض البيوت يكون فيها التلفاز والمذياع في بعض الأحيان يعمل أربعة وعشرين ساعة يعني: على طول اليوم الشيخ: إيه: لكن إذا حضرت وقلت: يا إخواني! هذا حرام عليكم ولا يجوز وأبقوه، فقلت لهم: إما أن تغلقوه وإما أن أخرج، ما أظنهم يقولون: اخرج، سيغلقونه حياءً وخجلاً، فإن كانوا متمردين وأبقوه فاخرج، لأن الله تعالى قال: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] . الجزء: 227 ¦ الصفحة: 23 حكم ترك الجماعة الثانية لأجل الالتحاق بالجماعة الأولى السؤال مجموعة من الأشخاص دخلوا المسجد فوجدوا الجماعة قد فاتتهم، والإمام يسلم صلوا جماعة ثانية، وأثناء ذلك تذكر إمام الجماعة الأولى أنه لم يأت بركعة حيث صلى الظهر ثلاثاً فقام ليأتي بها فتردد إمام الجماعة الثانية، هل يقطع الصلاة ويدخل مع الجماعة الأولى، أو يستمر في الصلاة، وركع الإمام وسجد وسلم وهذا لا زال متردداً هل يقطع الصلاة أو لا، ثم قطع صلاته لتردده في النية وصلى من جديد هو وجماعته، سؤالي: هل يلزمهم قطع صلاته والدخول مع الجماعة الأولى؟ الجواب أرى أن يقطع صلاته ويدخل في الجماعة الأولى، وهذه مسألة نادرة الوقوع يعني: تحتاج أن تكتب في التأليف الجديد في الفقه، لأنه ما مرت عليَّ في كلام الفقهاء السابقين ولكنا لم ندرك كل شيء، لكنها مسألة نادرة، فنقول: هؤلاء الأفضل أن يقطعوا صلاتهم ويدخلوا مع الإمام؛ لأنهم ينالون بذلك كثرة الجمع، وينالون الجماعة الأم التي فيها فضل سبع وعشرين درجة؛ لأن جماعتهم الثانية ما لها سبع وعشرون درجة، لكنها أفضل من الانفراد، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) فهم لا يدركون سبعاً وعشرين درجة لكنهم أفضل مما لو ما صلوا فرادى. فأقول: الأفضل في هذه الحال أن يقطعوا صلاتهم وأن يدخلوا مع الإمام ليدركوا الركعة وإذا سلم أتوا بما بقي. أما هذا الذي تردد فصلاته لا تبطل بالتردد؛ لأنه لم يتردد في الدخول إنما تردد في القطع، والتردد في القطع لا يضر حتى يقطع، أما التردد في الدخول نعم يمنع الدخول، فانتبه لهذه القاعدة: التردد في الدخول يمنع الدخول، والتردد في القطع لا يقطع، لماذا؟ لأن الأصل في الأول عدم الدخول، ما دمت متردداً لا تدخل، وفي الثانية الأصل عدم القطع فاستمر حتى تقطع. ولهذا: لو أن الصائم عزم أن يأكل أو يشرب، ولكن لم يأكل ولم يشرب يبطل صيامه أو لا يبطل؟ لا يبطل. المصلي عزم أن يقطع صلاته لوعد نسيه ولكنه لم يقطعها؟ ما تبطل صلاته حتى يقطعها بالفعل، حتى يعزم على الخروج منها، فانتبه لهذه الفائدة: التردد في القطع ليس كالقطع، والتردد في الدخول ليس دخولاً. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 24 تخيير المسبوق في الالتحاق بالإمام وعدمه إذا كان الإمام نسي ركعة ثم أتمها السائل نفسه: تابع للسؤال يا شيخ: بعض المسبوقين قام ليكمل ما فاته وذلك بالجماعة الأولى فهل يلزمهم متابعة الإمام حينما قام ليأتي بالركعة الناقصة، أم له أن يستمر في صلاته، أو ما حكم صلاة من لم يتابع الإمام من المسبوقين؟ الشيخ: هذا سؤال ثانٍ لا نجيب عليه إلا إذا سمح الإخوة، تسمحون؟ الحاضرون: نسمح يا شيخ! الشيخ: يعني يقول: هذا الرجل الذي نسي ركعة سلم من ثلاث قام المسبوقون الذين فاتهم شيء من الصلاة ليقضوا ما فاتهم، فهل إذا تذكر الإمام وقام يلزمهم أن يرجعوا معه، أو يستمرون في قضاء صلاتهم؟ الجواب هم مخيرون إن شاءوا رجعوا مع الإمام، وإن شاءوا استمروا في صلاتهم. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 25 حكم وجود التلفاز في المنزل السؤال ما حكم وجود جهاز التلفاز في المنزل؟ الجواب والله! أما الإنسان الذي يقتني التلفاز لمشاهدة ما ينفع فلا حرج عليه، وهذا لا يكون إلا في شخص يملك التصرف في هذا التلفاز تماماً، بألا يكون في البيت إلا هو، أو من كان مثله ممن يتحاشى المحرم، وأما إذا كان يقتني التلفاز ليشاهد ما هب ودب فليَحْذَرْ اقتناءه. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 26 وجوب الاستمرار في اعتبار الحيض حتى تطهر وإن تخلله طهر يسير السؤال امرأة أجرت عملية اللولب وكانت عادتها قبل العملية سبعة أيام، وبعد العملية زادت دورتها إلى عشرة أيام، مع العلم أنها في اليوم السابع يقلُّ خروج الدم، وفي الثامن والتاسع يشتد خروج الدم، ثم انقطع بعد العاشر؟ الجواب تستمر حتى تطهر. السائل: تكون من دورتها؟ الشيخ: لأن هذا اللولب يغير العادة؛ لأنه يضيق مخارج الدم، ويكون الدم مترسلاً فتطول المدة. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 27 الوسائل لها أحكام المقاصد السؤال إذا كان متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أحد شرطي قبول العمل، ونعلم أن الأعمال المتعدية النفع ليست توقيفية على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هو فقه هذه المسألة حيث نرى كثيراً من الناس في دعوتهم يتخلل مواعظه بالمزاح الكثير، والدخول فيما لا يعنيه من سياسة أو غير ذلك، فما فقه هذه المسألة الصحيحة؟ الجواب الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل لا تنحصر، قد تكون وسيلة اليوم وغير وسيلة في اليوم الثاني، أما العبادات الثابتة فهذه لا يجوز فيها التغيير، لا في زيادة ولا نقص، مثلاً الآن في وسيلة لإيصال خطبة الجمعة إلى المسجد ولو كان كبيراً ما هو؟ مكبر الصوت، نقول: هذا طيب ومفيد، أو وسيلة الخطوط التي في فراش المسجد هذه أيضاً طيبة، لأنها وسيلة إلى ماذا؟ إلى تسوية الصفوف، وكم كنا نعاني في الأول قبلها من تسوية الصفوف، الآن والحمد لله صارت وسيلة إلى هذا الأمر المطلوب، والأمثلة على هذا كثيرة. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 227 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [228] الأضحية سنة مؤكدة، وهي عبادة وقربة، ولها شروط مخصوصة، وفي هذا اللقاء بيان لفضل الأضحية، ووقتها، وأيام التشريق، وفضل عشر ذي الحجة، وما يسن للمضحي فيها. بالإضافة إلى ذلك تشتمل هذه المادة على فقرة للأسئلة وإجابات الشيخ عليها. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 1 مشروعية الأضحية وشروطها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) نتكلم فيه عما يناسب هذا الوقت وهو الأضحية. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 2 تعريف الأضحية وأيامها الأضحية هي: التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي أيام النحر، وهي أربعة: يوم العيد، وثلاثة أيام من بعده، وهي سنة مؤكدة، حتى أن بعض العلماء قال بوجوبها، وأن من تركها مع القدرة عليها فهو آثم، وهي من شعائر الدين التي شرعها الله عز وجل لعباده في الأقطار التي ليس فيها هدي. وذلك أن المسلمين يتقربون إلى الله تعالى في هذه الأيام بالهدي إن كانوا حجاجاً، وبالأضاحي إن لم يكونوا حجاجاً، فمن حكمة الله عز وجل أن تكون الأرض معمورة للتقرب إلى الله بالذبح إما هدياً وهذا بالنسبة للحجاج، وإما أضاحٍ وهذا بالنسبة لغير الحجاج. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 3 الأضحية عبادة وقربة الأضحية سنة مؤكدة ولكن نظراً لأنها قربة صار لابد فيها من شروط، إذ لو كان المراد مجرد اللحم لجازت بكل شيء، حتى بالدجاج والضباء والأرانب والصغار والكبار، لو كان المراد مجرد اللحم، لكن المراد التقرب إلى الله تعالى بالذبح، الذي قرنه الله بالصلاة في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162-163] وبذلك نعرف قصور من ظنوا أن المراد بالأضحية الانتفاع بلحمها، فإن هذا ظن قاصر صادر عن جهل، فالمراد هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح، واذكر قول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وإنما نبهت على هذا لأن بعض إخواننا العطوفين الرءوفين صار يرسل الدراهم إلى البلاد الفقيرة الإسلامية، ليضحى بها هناك، وهذا من جهله وتقصيره وقصوره أيضاً، لأن الأضحية يقصد بها التقرب إلى الله بالذبح وإذا ذبحتها فأدها إلى من شئت إلى بلادك أو خارج بلادك، أما قبل الذبح فلا، لا تذبح إلا في بلدك والأفضل في بيتك ليشاهد ذلك الأهل ويعرفوا هذه الشعيرة العظيمة، أما إرسال الدراهم ليضحى بها هناك ففيه تفويت مصالح وفيه التعرض للمخاطر، أما المصالح التي تفوت فهي ظهور هذه الشعيرة العظيمة لأنه ربما على طول السنين تنسى هذه وتكون دراهم تبعث إلى البلاد الإسلامية وكذا، وتبقى البلاد الإسلامية خالية عن هذه الشعيرة العظيمة، ويفوت بها أيضاً أن الإنسان مأمور أن يذبح بيده ويذكر اسم الله عليها، وهذا يفوت. قال العلماء: وإذا كان لا يحسن الذبح فليوكل وليشهد الذبح ويسمي الذابح. ويفوت من المصالح أيضاً: أن الإنسان لا يأكل منها وقد أمر الله بالأكل منها وقدمه على إطعام الفقير فقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] وقد قال كثير من العلماء: إن الأكل من الأضحية واجب لأن الله أمر به وقدمه على إطعام الفقير، فكما أن إطعام الفقير واجب من الأضحية فالأكل منها واجب، وهذا قول له حظ من النظر. أما ما يخشى من المخاطر فهو أن هذه الدراهم قد تقع في يد أناس لا يعرفون الشروط فيضحون بالصغير والكبير، والسليم والمعيب، وربما تكثر الضحايا في المنطقة فلا توجد المواشي، قد تكون الدراهم التي وصلت ليضحى بها تبلغ خمسة آلاف ستة آلاف، والقرية ليس فيها ذلك العدد من المواشي، فتبقى متعطلة، وقد يكون المنفذون للذبح قليلين والضحايا كثيرة، فيعجزون عن التضحية في أيام الأضاحي فتخرج الأيام وهم لم يضحوا، فالمخاطر كثيرة، لذلك نقول لإخواننا المسلمين عموماً: إياكم أن ترسلوا بالدراهم ليضحى بها في أي بلاد كانت ضحوا ببلادكم وأطعموا وأرسلوا إن شئتم. ثم إخواننا هناك ماذا تغني عنهم نتفة لحم، يأكلونها يوماً أو يومين، ألا يكون من الأفضل أن ترسل إليهم الدراهم يشترون بها القمح والثياب والفرش وغيرها، أو ترسل إليهم أطعمة أو خياماً أو تحفر لهم الآبار هذا هو الذي ينبغي، أما أن نفسد هذا النسك العظيم ونخرجه من بلادنا إلى بلاد أخرى فليس ذلك من الشريعة ولا من المستحب بل ينبغي التحذير منه والحذر منه. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 4 شروط الأضحية الأضحية عبادة يتقرب بها إلى الله ولهذا لابد فيها من شروط: - الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم (الضأن والمعز) فإن ضحى بغيرها ولو أكثر منها قيمة لم تقبل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . - الشرط الثاني: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان، وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، فما دون ذلك لا يضحى به ولو ضحي به لم يجزئ، ما دون هذا السن لا يضحى به ولو ضحي به لم يقبل، ودليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة -أي: ثنية- إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) والجذعة من الضأن ما له ستة أشهر. - الشرط الثالث: أن تكون سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، وأصلها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا مخ فيها) هذه أصول العيوب التي تمنع من الإجزاء، والحديث نص فيها، أربع لا تجوز في الأضاحي، ما عدا ذلك من العيوب إن كان مثلها أي مثل هذه العيوب أو أولى منها فإنه لا تجزئ التضحية بما تعيَّب بها، وإن كانت دون ذلك أجزأت، لكن كلما كانت الضحية أكمل فهي أفضل. وعليه: لو ضحى بمكسورة القرن كله أو أكثره فالأضحية مجزئة، أو بمقطوعة الأذن فالأضحية مجزئة، أو بعوراء لا تبصر بعينها لكن عورها ليس ببين، يعني: من رآها لا يظن بأنها عوراء، أو بعرجاء لكن ليس عرجها بيناً، أو بهزيلة قليلة اللحم والشحم لكن فيها مخ أجزأت، كل هذه تجزئ لأنها ليست من العيوب المنصوص عليها ولا بمعنى العيوب المنصوص عليها. - الشرط الرابع: أن تكون في الوقت الذي يضحى به، فإن ضحى قبل دخول الوقت فهي شاة لحم، وإن ضحى بعد الوقت فهي شاة لحم، إلا لعذر، كالنسيان وضياع البهيمة فلم يجدها إلا بعد فوات أيام النحر فإنه يضحي بعد فوات الأيام ولا بأس. فما هي الأيام التي يضحى بها؟ الأيام التي يضحى بها يوم العيد عيد الأضحى من بعد الصلاة واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فالأيام إذاً كم؟ أربعة، كلها أيام للذبح ليلها ونهارها سواء، وإن كان النهار أفضل لأنه أتم للتضحية والتوزيع، فالشروط إذاً أربعة. وكون الشارع يجعل لها شروطاً معينة محددة يدل على أنه ليس المقصود هو اللحم، المقصود عبادة موصوفة بأوصاف معينة وشروط معينة ولذلك فرق بينها وبين المقصود بها اللحم، واسمع إلى حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه حين ذبح أضحيته قبل الصلاة، فلما خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، قال أبو بردة: يا رسول الله! إني ذبحت نسيكتي قبل الصلاة، قال له: شاتك شاة لحم) انظر الفرق: شاتك شاة لحم، يعني: ليست شاة أضحية ونسك، شاتك شاة لحم، يعني: لا تجزؤك، مع أنه جاهل ومجتهد وأحب أن يكون أول ما يؤكل في البيت أضحيته، ومع ذلك لم يعذره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه أوقع العبادة قبل وقتها، كما لو صلى الظهر قبل الوقت ظاناً أن الشمس قد زالت، فتبين أنها لم تزل فإن صلاته باطلة لا تجزؤه عن الظهر بل تكون نفلاً، ويعيدها صلاة ظهر بعد دخول الوقت. لو ضحى في اليوم الرابع عشر أتجزئ أم لا؟ لا تجزئ لأنها في غير الوقت بل تكون شاة لحم، إلا إذا كان لعذر كإنسان نسي أن يضحي ثم ذكر يعني قد عين الشاة وجعلها أضحيته لكن نسي ثم ذكر بعد تمام أيام التشريق فليذبحها وتكون أضحية، أو إنسان جهل، إنسان في بادية ولم يعلم عن دخول الشهر وظن أن اليوم الرابع عشر هو الثالث عشر ثم ذبح فلا بأس تجزؤه لأنه جاهل، أو إنسان عين الشاة أضحية فهربت ولم يعثر عليها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، أو سرقت ثم لم يجدها إلا في اليوم الرابع عشر فليذبحها ولا حرج، لماذا؟ لأنه معذور، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلاة: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) . ولكن كيف يكون أكل الأضحية؟ نقول كما قال الله عز وجل: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ولم يحدد الله شيئاً، تأكل النصف وتطعم النصف للفقير لا بأس، تأكل الثلث وتطعم الثلث صدقة والثلث الآخر هدية لا بأس، المهم أن تعطي الفقير منها على كل حال والباقي أنت فيه حر تصرف كما شئت إلا أنك لا تبيع شيئاً منها، لأنك أخرجتها لله، وما أخرج لله لا يمكن أن يعتاض الإنسان عنه شيئاً من الدنيا. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 5 ما يسن للمضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة اعلم أنه إذا دخل العشر -أعني عشر ذي الحجة- وأنت تريد الأضحية، فقد نهاك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ شيئاً من شعرك أو ظفرك أو بشرتك، البشرة ما هي يا أخي؟! المسئول: الجلد. الشيخ: هل الإنسان يأخذ من جلده؟ المسئول: الشعر. الشيخ: لا. يقول: (لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته) . المسئول: لا أدري. الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم كلامه جد، فكيف قال: ولا من بشرته؟ من يعرف؟ مسئول: تقصير شيء من جلده. الشيخ: كيف يقطع شيئاً من جلده. المسئول: إذا كان فيه ألم فيجوز قطعه. الشيخ: ما وصلنا إلى متى يجوز، لكن كيف يتصور أن يقطع جلده؟ المسئول: يعني إذا أصابه شيء واحتاج إلى قطع. الشيخ: لا. إذا احتاج هذا فلا بأس جائز. المسئول: القشرة الزائدة على سطح الجلد. الشيخ: نعم. المسئول: بعض الناس حافة القدم يكون فيه جلد زائد، فيقشرونه ويأخذون الزائد. الشيخ: هو على كل حال أمر متصور، أحياناً كما قال الأخ: توجد قشرة منجرحة من قبل وجفت وصار عليها شيء متجمد لا تأخذه، هذه واحدة. الثاني: بعض الناس يكون في أقدامه ولا سيما في أعقابه شقوق فيبدأ يقشرها، فلا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة، وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحى عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فعلى الإنسان إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به هو نفسه، أما أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا من ذلك شيئاً، خلافاً لمن قال من العلماء: إن من يضحى عنه كمن يضحي، أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف لأن الحديث صريح: (إذا أراد أحدكم أن يضحي) ولم يقل: أو يضحى عنه. ثم إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينههم عن ذلك. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 6 فضل عشر ذي الحجة أخي المسلم! أنت مقبل على العشر الأول من شهر ذي الحجة، هذه العشر حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأعمال الصالحة حتى قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر -يعني: عشر ذي الحجة- قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) يعني: أنه قتل وسلب الكفار ماله هذا أفضل. فعليك -أخي المسلم- عليك بكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر من قراءة القرآن والذكر والصدقة والصيام، وأظنكم ترون ما أرى من غفلة الناس عن فضل هذه الأيام، حتى أنك ترى الناس تمر بهم هذه الأيام لا يحدثون شيئاً، بينما الناس في عشر رمضان يكثرون من الأعمال الصالحة، والمساجد فيها القارئ وفيها الداعي ويتهجدون في الليل، لكن هذه الناس في غفلة عنها، فعليكم -طلبة العلم- أن تبينوا فضلها للعامة، والعامة يحبون الخير ولكن قد غفل الناس عن تنبيههم فتجدهم لا يختلف عملهم فيها عن عملهم فيما قبلها، حثهم على الأعمال الصالحة ولا سيما التكبير في هذه الأيام: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو تثلثوا: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت وتسر بها النساء. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعاً اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وأن يجنبنا وإياكم منكرات الأخلاق والأعمال والأقوال، إنه على كل شيء قدير، وإلى الأسئلة . الجزء: 228 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 228 ¦ الصفحة: 8 مجاهدة النفس على طلب العلم السؤال ما أفضل الطرق لمجاهدة النفس على طلب العلم؟ الجواب أنت فسرت أقرب الطرق، أنت تجاهد نفسك، جاهد نفسك وصبرها على طلب العلم بلزوم العلماء وحفظ كتاب الله عز وجل، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كـ عمدة الأحكام، ثم في كتب الفقهاء مع ملازمة الشيوخ، ورجاء الثواب والرفعة في الدنيا والآخرة، إذا كان التجار تجار المال يكدحون ليلاً ونهاراً لزيادة أموالهم، فطالب العلم يطلب ما هو أشرف من المال، فليكدح ليله ونهاره حتى ينال ما وعد الله به في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] . الجزء: 228 ¦ الصفحة: 9 صورة من صور النعي المحرم السؤال أحد الأشخاص توفي له قريب في حادث، جاءته تعزية في الجريدة فأخذ هذه التعزية وعلقها في البيت، ووضعها في طاولة عمله، وصور السيارة التي كان فيها الحادث ووضعها أيضاً في البيت وفي الطاولة، فقال له أحد الأشخاص: هذا من نعي الجاهلية فهل هذا صحيح؟ الجواب صحيح، هذا من نعي الجاهلية، الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا نعي، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي، فكل ما يكون سبباً لتهييج الأحزان وتجديدها فإنه داخل في هذا، فوصيتي: أن تتصل بهذا الرجل وتقول: إني أسلم عليه، ولينزع هذا من بيته ومن طاولة مكتبه، وليستعن بالله على الصبر؛ لأنني أخشى أن هذا العمل مع كونه قريباً من الإثم أخشى أن يحرم الصبر. السائل: إذا كان ما علقها صور السيارة فقط؟ الشيخ: أبداً أبداً وليتناسها ويعرض عن هذا، كأن شيئاً لم يجر والحمد لله {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] . الجزء: 228 ¦ الصفحة: 10 تفاوت المؤمنين في رؤية ربهم سبحانه السؤال هل هناك تفاوت بين المؤمنين في رؤية الله عز وجل؟ الجواب الظاهر أنها حسب العمل والدرجة؛ لأنه لا يستوي أبو بكر رضي الله عنه مع مؤمن ناقص الإيمان. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 11 صحة وصية الميت بثلث ماله في أعمال البر السؤال رجل توفي وكان له تركة، وقال لأبنائه: هذا الثلث لي ويجب أن يضحى عني، هذا الثلث لا يأخذ أحد منه فقط أن يضحى عني وقت الأضحية؟ الجواب له أن يوصي بثلث ماله فيما يرى من أضحية أو عمارة مساجد أو طبع كتب نافعة أو ما أشبه ذلك، المهم أن الله تصدق علينا بثلث أموالنا بعد موتنا نوصي بها بما شئنا من عمل البر. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 12 هروب الموكل بالحج قبل أدائه السؤال رجل أناب آخر في الحج ثم هرب بالمال الشيخ: من الذي هرب؟ السائل: المناب. الشيخ: أين ذهب؟ السائل: هرب بالمال يا شيخ! الشيخ: أين ذهب؟ السائل: لا يعلم أين ذهب. الشيخ: بعد أن أدى الحج؟ السائل: لا قبل ذلك. الجواب حسناً إذا كان حجه واجباً ينيب غيره، ويسعى في طلب هذا الهارب. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 13 حكم حج من توفي بعد الوقوف بعرفة السؤال رجل حاج توفي بعد يوم عرفة فهل يحج عنه وليه؟ الجواب لا، يقول: رجل حاج توفي بعد أن وقف بـ عرفة فهل يتمم عنه الحج، أم يحج عنه في السنة الأخرى؟ الجواب: لا، لأن هذا أدى الواجب عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة قال لهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ولم يقل أتموا عنه. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 14 جواز رمي جمرة العقبة ليلا ً السؤال سؤال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عند قوله: (رميت بعدما أمسيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج) في رمي جمرة العقبة وتأخيرها إلى الليل، والمساء في اللغة يطلق على ما بعد الزوال إلى قدوم الليل، فكيف نجيز الرمي إلى ما قبل الفجر من اليوم الحادي عشر؟ الجواب لأن قوله: (رميت بعدما أمسيت) هذه قضيته واقع يعني، قضية عين يسأل عنها، وليس هنا سنة تدل على أنه إذا غابت الشمس انتهى وقت الرمي، والأصل بقاء الوقت، كما قلنا في الوقوف بـ عرفة يمتد إلى الفجر. السائل: يا شيخ! عند الرجوع إلى اللغة في المساء أنه يمتد إلى قدوم الليل. الشيخ: نعم لكن هل قال الرسول لا يرمين أحد بعد المساء؟ هذا الرجل يحكي قضية وقعت له: بعدما أمسيت، قال: لا حرج. فدل هذا على أن هذه العبادة لا تختص بالنهار، وإذا لم تختص بالنهار فالليل كله وقت. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 15 مدى مشروعية أنشطة جماعة التبليغ السؤال عندي سؤال عن جماعة التبليغ، وحركتهم في المجتمع. الشيخ: من هم جماعة التبليغ؟ السائل: هؤلاء الذين يطلع عليهم الإخوان يا شيخ! الشيخ: من هم الإخوان؟ السائل: هذا يا شيخ! والله! ما أدري أيش أشرح لك. الشيخ: اشرح لي كي أجيب عليك. السائل: هذا يا شيخ! عندهم مثل: الخروج يمشون بين الناس يدعون إلى الله. الشيخ: الله أكبر سنة رسول الله. السائل: سنة رسول الله، لكن عندهم الخروج في الشهر ثلاثة أيام يذهبون إلى مدينة أخرى يجتمعون مع أناس يحيون سنناً، فعارضهم أناس وقالوا: هذه بدعة من أين أتيتم بنظرية الخروج هذه، هذه لم ترد عن الرسول، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . الشيخ: نعم! السائل: يعني يقول: هذه بدعة كيف أنتم أتيتم من عندكم. الشيخ: نعم! السائل: وهناك مؤيدون لهم ومعارضون، وليسوا موجودين في المنطقة. الشيخ: قل: وهناك متوقفون، لكي يكون وسطاً وطرفين. السائل: وهم في كل منطقة نشيطون، وقد التزم على أيديهم أناس كثيرون، وفي وقت العصر يجتمعون ويشكلون مجموعات، مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية، وأنتم عندكم مجموعة زيارة للمنطقة الفلانية. الشيخ: ترتيب؟ السائل: ترتيب يا شيخ! الجواب أما المشي في دعوة الناس فهذا نبيك صلى الله عليه وسلم كان في أيام موسم الحج يدور على الناس في منازلهم ويدعوهم، هذه واحدة، وهاجر إلى المدينة للدعوة، لأن أهل مكة كما هو معروف آذاه أهلها ومنعوه من الدعوة فأمر بالهجرة إلى المدينة لتتم الدعوة، إذاً هذه ما فيها شيء. السائل: إذاً: ما في ذلك بدعة يا شيخ؟! الشيخ: اصبر يا رجل! نأخذها قليلاً قليلاً، كما أعطيتنا إياها. وأما ترتيبها بثلاثة أيام أو بأربعين يوماً أو بستة أشهر أو ما أشبه ذلك فهم يقولون: نحن لا نقول إن هذه سنة نقول هذه ترتيب وسيلة للاستقامة في الدعوة، والوسائل ما لها حصر ألست الآن أخطب بـ (الميكرفون) ؟ السائل: نعم. الشيخ: حسناً هل الرسول خطب بـ (الميكرفون) ؟ لم يكن موجوداً أصلاً، لكن لم يقل: لا تخطبوا بوسيلة، وإذا كان الرسول لا يعلم أنه سيكون (ميكرفون) فالرب عز وجل يعلم، فالوسائل وسائل العبادات ليست مقصودة لذاتها إنما هي لغيرها، فهم يقولون: نحن نقول: اخرج ثلاثة أيام، من أجل أن يبتعد عن الدنيا ولذاتها، ونريد أن نركز على أن نشغل وقته بالذكر والتسبيح وقراءة القرآن وما أشبه ذلك. وأما ترتيب اتجاههم كل يذهب إلى جهة فهذا أيضاً لا بأس به؛ لأن كونهم يجتمعون كلهم في جهة واحدة أو كونهم يتفرقون، أيهما أولى؟ أجيبوا يا جماعة. الحضور: يتفرقون. الشيخ: كونهم يتفرقون أولى، لأنه أوسع انتشاراً؛ ولأنهم إذا اجتمعوا جميعاً وهم مثلاً أربعون رجلاً أو خمسون رجلاً لم يتكلم إلا واحد أو اثنان أو خمسة، فتوزيعهم على الجهات ليس فيه بأس، وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يرسل واحداً إلى اليمن وواحداً إلى جهات أخرى لدعوة الناس، إذاً: ما فيها بأس. إذا رجعنا إلى التأثير: فاعتقادي أنه لم يؤثر أحد من أي جهة أو من أي حزب أو من أي طائفة مثل تأثيرهم، لهم تأثير عجيب، كم من ضال اهتدى على أيديهم وكم من فاسق اعتدل، بل وكم من كافر أسلم، إنه يقال: إنهم تهبط الطائرة في مطار موسكو بلد الإلحاد ثم يؤذن المؤذن ويقيمون الصلاة جماعة أمام الناس، من يقدر على هذا؟ ويحجب الله عنهم السوء، فهم لهم تأثير ولا شك في تأثيرهم، وهناك قصص عجيبة أخبرنا عنها. حدثني من أثق به وتوثيق الثقة مقبول عند علماء الحديث يقول: إن رجلاً كان له ابن أخت من أفسق عباد الله وأقبحهم منظراً سكر وبلاوٍ وعدم صلاة، وإذا رأيت وجهه كرهته، فغاب يوماً من الأيام لمدة نصف شهر أو أقل أو أكثر المهم مدة، يقول: فقلنا فيما بيننا: لعل الله سلَّط عليه أحداً من هؤلاء الطائشين دهسه وتركه، انظر إلى هذا الحد، يقول: فبينما نحن كذلك إذا بالرجل يقرع الباب بعد الظهر، يقول خاله: وكنت في مكتبتي فقلت في نفسي: من هذا الغشيم الذي يأتي بعد الظهر الناس ما بين قائل ومتردٍ وما هذا؟ فقلت له: ادخل، وإذا الباب مغلق فلم يستطع أن يدخل، فجعل يقرع الباب وأقول: ادخل، فيقول: الباب مغلق، يقول: فقمت ففتحت الباب وإذا هذا الرجل النير الوجه الملتحي الذي أحببته قلت: وماذا عندك ولماذا تجيء -يا أخي- في هذا الوقت؟! لو جئت بوقت مناسب نجلس معك! قال: أنا ابن أختك فلان بن فلان، فقلت له: كذبت، ابن أختي حليق، وجهه مكفهر، لا تحب العين أن تراه، لست هو فأنكرته! فقال لي: بل أنا ابن أختك، وإذا شئت أن أعد عليك بيتك الآن حجرة حجرة عددتها لك، إذا دخلت رحت من اليمين إلى الحجرة الفلانية، ومن اليسار الحجرة الفلانية، ومن الأمام المكان الفلاني!! فقلت: أنت هو؟ قال: أنا هو. قلت: ادخل، وما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟ والرجل -هذا الخال- فيه شيء من العنف. ما الذي قلبك من تلك الحال إلى هذه الحال؟ فقال: إنه أتاني الإخوان وأمسكوني برفق وقالوا: إلى المسجد. فقلت: مالي وللمسجد! ما دخلته قط! قالوا: وإن لم تدخله في حياتك فإن الله غفور رحيم، امش معنا! يقول: فلما دنونا من المسجد قالوا لي: ادخل الحمام واغتسل ما دمت على حالك الأولى أنت كافر، والكافر إذا أسلم لابد يغتسل، يطهر ظاهره وباطنه، يقول: فاغتسلت، يقول: ألان الله قلبي لهم فاستجبت، يقول: دخلت المسجد وصليت وهم جعلوا يدعون لي بالثبات رافعي أيديهم يبتهلون إلى الله وقالوا: اخرج معنا، فوالله! يا خالي! ما ذقت لذة الدنيا إلا بهذا، وكأني بعثت الآن، والحمد لله الذي هدانا لهذا. لكن لأجل أن نقول الحق الذي بيننا وبين الله: القوم عندهم جهل عظيم أكثرهم جاهل جداً، ولذلك لا يحبون النقاش في العلم ولا الكلام فيه، عندهم هذا المسلك نمشي عليه: تسبيح وتكبير وتهليل وقرآن وصلاة ودعوة للخير، لكن نقاش أو خلاف فقهي بل وعقدي أيضاً لا يتكلمون فيه، هذا وجه النقص فيهم. لو أن طلبة العلم الذين يشار إليهم صحبوهم ودرسوهم وعلموهم ما يجب في العقائد لكان فيهم خير كثير، لكن هم من هذا الباب صار فيهم نقص، وصار بعض المشايخ ينتقدهم من هذا الباب انتقاداً مطلقاً بدون أن ينظر إلى محاسنهم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ولو أننا عاملنا هؤلاء بالعدل وقلنا: أنتم -جزاكم الله خيراً- نيتكم طيبة وقلوبكم طيبة أخلاق إيثار، إلى غير ذلك من المحاسن، ونشكركم على هذا، لكن نريد أن نتكلم معكم في العقيدة وفي الأقوال الراجحة من أقوال الفقهاء في المسائل العملية، فانتدبوا لنا الكبار منكم حتى نعلمهم، لو حصل هذا لحصل خير كثير، لكن مع الأسف أن بعض الناس ينفر منهم تنفيراً بالغاً. فنسأل الله أن يجمع كلمة الجميع على الحق. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 16 نهي التحريم ونهي الكراهة السؤال كيف أعرف أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي للتحريم أو للكراهة؟ الجواب لا توجد قاعدة عامة، وإن كان بعض العلماء قال: الأصل في النهي التحريم، ولا نعدل عنه إلا بدليل، وبعضهم قال: الأصل في النهي الكراهة ولا نحرمه إلا بدليل، وبعضهم فصل فقال: الأصل في العبادات أن النهي للتحريم، وفي الأخلاق والآداب أن النهي للإرشاد والكراهة، يعني: للإرشاد إلى تركه وكراهة فعله، لكن بعدما أجلنا الفكر والنظر لم نجد قاعدة مستقرة، فيحكم على كل نص بما يقتضيه وبالقرائن الشرعية من الأدلة الأخرى. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 17 حكم التراسل بواسطة الأجهزة السؤال ما حكم استعمال جهاز (الكِنْوِدْ) ؟ الجواب أيش هذه؟ كأنها أعجمية! السائل: المراسلات. الشيخ: مراسلات ماذا؟ السائل: المراسلات على جهاز، يراسلون بعضهم. الشيخ: إذاً المراسلات إذا كان فيها خير وهي بين رجال ورجال أو نساء ونساء فهي طيبة، وأما بين رجال ونساء فلا. السائل: لا. يخلطون رجال مع نساء. الشيخ: كيف تختلط؟ أليست رسائل؟! السائل: نعم. الشيخ: لا يجوز للمرأة أن تكتب للرجل. السائل: هذا جهاز. الشيخ: ما فهمت! أحد الحضور: مثل التلفون يا شيخ: جهازين؛ جهاز مع شخص، وجهاز مع الثاني، والأجهزة التي تشترى تختلط مع بعضها، لها قنوات كالمذياع. الشيخ: يعني قصدك أنك قد تفتح على أحد وتسمع ما يقول لصاحبه؟ هذا لا يجوز، لا يجوز لأن الكلام بين الاثنين سر، فلا يجوز لأحد أن يتصنت عليهم. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 18 حكم أخذ الأظفار والشعر عند الإحرام السؤال إذا وكل من يريد أن يحج أحداً أن يذبح أضحيته، فعند الميقات أراد أن يأخذ من شعره وأظفاره هل يجوز له ذلك؟ الجواب أولاً بارك الله فيك: هل يسن أن تؤخذ الأظفار والشعر عند الإحرام، أسألك؟ السائل: لا. الشيخ: قل: نعم، أو: لا، أو: لا أدري. السائل: يسن يا شيخ! الشيخ: أين الدليل؟ هل عندك دليل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أراد أن يحرم قلم أظفاره وقص شعره. السائل: لا، يا شيخ! الشيخ: ما عندك دليل، عندك دليل أنه اغتسل، إذاً: ليس لإزالة الأشعار والأظافر دليل عند الإحرام لكن بعض العلماء استحبها، لأنهم كانوا فيما سبق يبقون على الإحرام عشرين يوماً أو نحوها، فتطول هذه الفضلات فقالوا: الأحسن أن الإنسان يزيلها عند الإحرام وإلا فلا دليل، هذه واحدة. لكن لو فرض أن الإنسان لما وصل الميقات وجدها طائلة وأراد أن يقص وأن يحلق الشعور وينتف الآباط، فليفعل. فإذا كان في عمرة وطاف وسعى وقصر فلا بأس، لأن التقصير حينئذ واجب، فهمت. أهم شيء أنك تفهم: أنه ليس من السنة إزالة هذه الأشياء عند الإحرام بذاته، ما لم تكن طويلة ويريد أن يأخذها على كل حال. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 19 تحديد أيام التشريق السؤال اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، هل هو من أيام التشريق؟ الشيخ: الثالث من أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة. السائل: الثالث عشر من ذي الحجة يا شيخ! الذي هو آخر يوم من أيام التضحية متى تنتهي وقت الأضحية؟ الشيخ: إذا غابت الشمس. السائل: بغياب الشمس. الشيخ: إي نعم، يعني: لو ذبحتها قبل غروب الشمس بدقيقة فهي أضحية، ولو سلختها فيما بعد فلا حرج. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 20 حكم أخذ العوض على نشر الخير السؤال رجل يريد الحج لكن لا يستطيع، فعرضت عليه أحد الحملات قالوا: تحج معنا على حساب الحملة بشرط: أن تلقي محاضرات وتفتي ونحو ذلك، فهل يجوز ذلك، وماذا يجب عليه؟ الجواب إذا كان شرطاً لا يجوز، لأنه الإنسان لا يجوز أن يأخذ على أمر الآخرة شيئاً من الدنيا، أما إذا كان لم يقولوا له هذا قالوا: نريد أن تحج معنا ونحن نحملك مجاناً لما نرجو منك من الخير والمنفعة، فلا بأس، أما إن كان معاوضة لا. على أن بعض أهل العلم رحمه الله يقول: إن هذا لا بأس به لأنه أخذ العوض على تعليم العلم جائز، بل حتى على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) . الجزء: 228 ¦ الصفحة: 21 كيفية أداء الصلاة في الطائرة السؤال الظهر والعصر تجمع، فإذا كنت في طائرة ومدة الرحلة ثمان ساعات ووصلنا بعد صلاة العشاء هل أصلي الظهر والعصر جمعاً مع المغرب والعشاء؟ الجواب لا. صلِّ الظهر والعصر في الطائرة، على أي حال الذي تقدر عليه افعله؛ لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها. السائل: لكن القبلة تتغير؟! الشيخ: استدر، كلما اختلف اتجاه الطائرة فاستمر على القبلة، في طائراتنا الأخيرة -والحمد لله- لائحة معلقة بالسقف تبين لك اتجاه القبلة. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 22 تقديم حجة الإسلام على الحج عن الغير السؤال امرأة لم تحج وأرادت أن تبعث بمال لمن يحج عن أخيها الذي توفي وكان عمره سبعة عشر، وهو من العاشرة إلى السابعة عشر كان مشلولاً فهل يجوز لها ذلك، أم لا يجوز؟ الشيخ: هل يجب عليها أن تحج هي أم لا؟ السائل: يجب عليها أن تحج. الشيخ: إذاً تبدأ بنفسها، أما إذا كان لا يجب عليها بحيث لا يكون عندها محرم يحج معها فلا بأس أن تحجج عن أخيها. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 23 حكم نقل المصاحف من مسجد إلى آخر السؤال ما حكم أخذ المصاحف الزائدة من مسجد إلى مسجد للحاجة إليها؟ الجواب لا بأس به بإذن المسئولين، انظر إلى الإدارة التي عندك في البلد بلغها عن هذا واستأذنها في نقلها إلى المسجد الآخر المحتاج، أما بدون إذن بل باجتهاد من الإمام إمام المسجد الزائد وإمام المسجد الناقص فهذا لا يجوز. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 24 الأضحية تابعة لمكان المضحي السؤال التضحية هل هي تابعة لمكان الشخص أم لمكان ماله؟ الشيخ: مكان ماذا؟ السائل: المكان الذي يضحي فيه، يضحي في المكان الذي هو يسكن فيه، أم الذي فيه ماله، أم الذي فيه عائلته؟ الشيخ: لا. المكان الذي هو فيه. السائل: مثل زكاة الفطر، زكاة على الشخص. الشيخ: نعم. كزكاة الفطر. السائل: في بلد وأهله في بلد كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية. الشيخ: ماذا؟ السائل: كمن حج مثلاً وهو يريد التضحية. الشيخ: لا. الحاج -كما قلت لكم- ليس عليه إلا الهدي فقط، أما التضحية في بلده، فيوكل من يضحي عن أهله. السائل: ومثل الذي يعمل هنا وأهله في بلد آخر. الشيخ: يضحي هنا في مكانه هو، وأهله يضحون لأنفسهم من عندهم. السائل: ألا يضحي عنهم؟! الشيخ: يضحون عن أنفسهم عندهم؛ لأنه لو ضحى عنهم في هذا المكان لن ينتفعوا بهذه الأضحية. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 25 حلاقة رأس الحاج إذا لم يوجد فيه شعر السؤال إذا صار في الحج وكان حالقاً شعره ولا يوجد شعر وجاء وقت الحلق، فماذا يعمل؟ الجواب هو أصلع أم له شعر ولكنه محلوق. السائل: محلوق. الشيخ: محلوق، ألم تعلم أن الحلق يتبين في خلال أربعة وعشرين ساعة؟ السائل: هو يتأخر. الشيخ: سؤالي: هل تعلم هذا أم لا؟ السائل: لا. الشيخ: هذا هو، يكفي أن يمر الموس على رأسه، لأن الشعر سبحان الله! ينمو بالثانية، أنت ترى إذا حلقت رأسك وصار من الصباح على طول الإصبع، تظن هذا أم لا؟ السائل: لا. الشيخ: لا. إذاً هو ينمو شيئاً فشيئاً في اللحظة الواحدة ينمو، لكن بعض الناس يكون نموه سريعاً ويكون بعضهم أقل. السائل: فهمت. الشيخ: الحمد لله، إذاً لو قدر أنه حلق قبل أن يمشي بيوم ومشى إلى الحج، سوف يبقى عنده اليوم الثامن والتاسع يومين، في اليوم الثالث سيجد شعراً. السائل: ماذا يعمل الأصلع؟ الشيخ: ما هو الأصلع. السائل: الذي لا ينبت له شعر مطلقاً. الشيخ: هذا ما عليه شيء. السائل: لا يمر بالموسى؟ الشيخ: يمر بالموسى! ماذا يحلق؟ أم تريده أن يقشر الجلد!! الله المستعان! أرأيت رجلاً قطع ذراعه من المرفق نقول له: اغسل العضد؟ أسألك. السائل: لا. الشيخ: لا نقول هذا، لأن مكان الواجب قد زال، فلا يمرر موسىً، هل بلغك خلاف في هذا بين العلماء؟ السائل: سمعت أحد الأشخاص ينقل لي عن بعض العلماء. الشيخ: نعم. صحيح بعض العلماء يقول: يمر الموسى عليه، لكن هذا عبث، مثل ما قال بعض العلماء: إن الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم إذا أراد يقرأ الفاتحة في الصلاة يحرك لسانه وشفتيه، ما الفائدة؟ هذه زيادة حركة في الصلاة لا قيمة لها، وإلى هنا ينتهي هذا المجلس أو هذا اللقاء حتى أول خميس من شهر محرم إن شاء الله تعالى. نسأل الله أن يعيدنا وإياكم معاد الخير، ويجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، إنه على كل شيء قدير. الجزء: 228 ¦ الصفحة: 26 لقاء الباب المفتوح [229] في هذه المادة تفسير آية من سورة الحديد وهي قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم. ) إلى آخرها، وفيها بيان ذكر فضيلة نعمة إرسال الرسل، وأقسام الناس تجاه الرسل، مع فك معاني الكلمات، والفوائد المستنبطة من الآيات، ثم ختم الدرس بإجابات على أسئلة متنوعة. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من آخر سورة الحديد الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة باسم لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو اليوم الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة عام (1420هـ) وبه يختتم لقاءات هذا العام، نسأل الله تبارك وتعالى أن يحسن لنا جميعاً الخاتمة والعاقبة، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم) نتكلم في هذا اللقاء على ما كنا نسير عليه سابقاً بأن نفسر بما يفتح الله به آيات من القرآن الكريم، انتهينا إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] . هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: الأول: القسم المحذوف. الثاني: اللام. الثالث: قد. قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ} نوح هو أول الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو من أولي العزم الخمسة، وإبراهيم هو أبو الأنبياء من بعده وإليه يرجع الأنبياء أي: إلى ملته، ولهذا يتنازع فيه المسلمون واليهود والنصارى فاليهود يقولون: إنه يهودي، والنصارى يقولون: إنه نصراني، والمسلمون يقولون: إنه حنيف مسلم. وهذا هو الحق. والعجب من النصارى واليهود أن يقولوا إنه نصراني أو يهودي، وما كانوا نصارى ولا يهوداً إلا من بعده، لكنهم ليس لهم عقول. قوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا} أي: ذرية نوح وإبراهيم: {النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي: الرسل عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا دليل على أن آدم ليس برسول وأن إدريس ليس قبل نوح، كما ذكره بعض المؤرخين وهو خطأ مخالف للقرآن الكريم، فليس قبل نوح رسول، وآدم نبي مكلم كلمه الله عز وجل بما شاء من وحيه، ثم سار على نهجه بنوه من بعده، فلما انتشر الناس وكثر الناس صار بينهم الخلاف كما قال الله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة:213] وقوله: {وَالْكِتَابَ} المراد به الجنس؛ لأن كل رسول معه كتاب كما قال عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] . قوله: {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} منهم: أي بعضهم مهتدٍ وحذفت الياء كما هي القاعدة في اللغة العربية أصلها مهتدي بالياء لكن حذفت للتخفيف. {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي: غير مهتدين، وهذا هو الواقع أن بني آدم أكثرهم ضال كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] . الجزء: 229 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ثم قفينا على آثارهم برسلنا) قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} [الحديد:27] (قفينا) بمعنى: أتبعنا، مأخوذ من القفاء؛ لأن من يمشي من قفاك هو تابع لك. {عَلَى آثَارِهِمْ} أي: آثار نوح وإبراهيم ومن كان من الرسل الآخرين. {بِرُسُلِنَا} أي: التابعين لهم. {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} نص عليه لأنه عليه السلام ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم رسول، بل ولا نبي أيضاً، ليس بينهما رسول ولا نبي، وما يقال عن خالد بن معدان وغيره: لهم نبوة. فكله كذب. {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} هو كتاب أنزله الله عز وجل على عيسى، ويعتبر مكملاً للتوراة؛ لأن التوراة هي أم الكتب في بني إسرائيل. قوله: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} . ثلاثة أشياء جعلها الله في قلوب النصارى الذين اتبعوا عيسى رحمة، فهم من أرق الناس لما كانوا على شريعة عيسى، من أرق الناس قلوباً وأرحمهم بالخلق، لكن بعد أن كفروا بمحمد صاروا من أغلظ الناس، كما تعلمون ما جرى بين المسلمين وبين النصارى في الحروب الصليبية وغيرها. (رَأْفَةً) الرأفة أرق من الرحمة وأبلغ منها، فهي من نوع الرحمة لكنها أرق وألطف. (وَرَهْبَانِيَّةً) هي الانقطاع عن الدنيا للعبادة. (ابْتَدَعُوهَا) أي: من عند أنفسهم، كما فعل بعض فرق المسلمين ابتدعوا رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان، لكن معهم رقة ورحمة. قوله: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي: أننا لم نفرضها عليهم ولكنهم طلبوا رضوان الله، ولهذا نقول: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} استثناء منقطع، ولكن مع ذلك مع كونهم ابتدعوها واختاروها لأنفسهم ما رعوها حق رعايتها أي: ما قاموا برعايتها الرعاية الواجبة من إحسان هذه الرهبانية التي ابتدعوها وإنما تصرفوا فيها كما يشاءون. قوله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} . {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي: ثوابهم. {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} كثير من هؤلاء النصارى فاسق، أي: خارج عن طاعة الله عز وجل. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا ابتدع بدعة فإنه لا يوفق لإقامتها، فيكون ضالاً في الأصل وضالاً في الفرع، حتى لو اجتهد حتى خشع. إنك تجد بعض الناس الذين ابتدعوا أذكاراً أو صلوات أو أدعية أو ما أشبه ذلك تجدهم خاشعين، قلوبهم باكية، قلوبهم خاشعة لكن لا ينفعهم ذلك، لأنهم على ضلال، نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 229 ¦ الصفحة: 5 حكم إلقاء موعظة بين صلاة التراويح في رمضان السؤال عندنا في الكويت موعظة بعد أربع ركعات في صلاة القيام هل تجوز هذه، وإذا جاز كيف تكون هذه الموعظة؟ الجواب الذي أرى ألا تفعل، أولاً: أنها ليست من هدي السلف. ثانياً: أن بعض الناس قد يحب أن يأتي بالتهجد وينصرف إلى بيته، وفي هذا إعاقة وإملال لهم، وإكراه على هذه الموعظة، والموعظة إذا لم تكن متقبلة فضررها أكثر من نفعها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم يتخول أصحابه بالموعظة ولا يثقل عليهم ويكرر، فأرى أن تركها أولى، وإذا أراد الإمام أن يعظ الناس فليجعله في آخر شيء، إذا انتهت الصلاة نهائياً حتى يكون الناس باختيارهم إن شاءوا بقوا وإن شاءوا انصرفوا. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 6 استقرار الإجماع على تحريم الدخان السؤال هل يوجد خلاف في حكم التدخين أنه حرام أو مكروه، وهل الخلاف يراعى بالإنكار إذا دخن الإنسان في المجلس أو يأتي ويدخن في المجلس هل يطرد من المجلس؟ الجواب الدخان أول ما خرج اختلف فيه العلماء كسائر الأشياء الجديدة، اختلفوا فيها على أقوال متعددة، لكن في الوقت الحاضر تبين للعلماء من قواعد الشريعة: أنه حرام بلا إشكال، ولا يقول قائل: إنه حرام على من يضره حلال لمن لا يضره، لأن هذا قياس لا يمكن ضبطه، في بعض الأطعمة تحل لشخص وتحرم على الآخر، لو قيل لرجل مصاب بالداء السكري: لا تأكل التمر ولا الحلوى، صار التمر والحلوى حرام عليه، لأنها تضره ووجب عليه اجتنابها وهي حلال للآخرين، فالدخان لا يقول قائل: إننا نجد أناساً يشربونه ولا يتضررون به. نقول: نعم قد يكون في أجسامهم مناعة ولكن على المدى الطويل سوف يتضررون به، ولا عبرة بالنادر العبرة بالغالب والغالب الآن باتفاق الأطباء واتفاق الأمم التي يقولون إنها حضارية أنه مضر للفرد والمجتمع. ولهذا كان في أمريكا وهي الدولة المتقدمة يمنعون شرب الدخان في المجامع وفي الأسواق وفي الطائرات، حتى حدثني بعض إخواننا الذين يذهبون في الطائرات إلى أمريكا: أنهم إذا حاذوا الأجواء إلى أمريكا -وأعني بذلك الولايات المتحدة - إذا حاذوها أعلنوا منع الدخان في الطائرة، فعلى هذا نقول: إنه حرام بلا إشكال، والخلاف السابق إنما كان مبنياً على عدم ظهور أسباب التحريم، هذا بالنسبة لحكمه. فلا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا تأجير الدكاكين لمن يبيعه، ولا حمله ولا استيراده ولا شربه. أما من دخل إلى مجلس وأراد أن يشرب فلأهل المجلس أن يمنعوه بالقوة؛ لأنهم عدد وهو واحد، ولا يحل له هو أن يشرب أمامهم فيؤذيهم فيكون حراماً على هذا الداخل من وجهين: الوجه الأول: أنه محرم شرعاً في كل وقت. والوجه الثاني: أنه حرام لأذية أهل المجلس. ولهم أن يطردوه عن المجلس بالقوة، إلا أن ينتهي إذا قيل له: لا تشرب، فهذا يحصل منه المقصود. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 7 حكم استعمال الفيديو السؤال فضيلة الشيخ! إذا لم يكن عند الإنسان فيديو وكان الأطفال يجتمعون يوم الخميس فيحصل من الإزعاج والعبث شيء كثير هل يحسن أن يدخل فيديو في هذه الحالة، أم ماذا يفعل؟ الجواب أنا أرى أن الفيديو آلة فقط إن استعملتها في خير فهي خير، وإن استعملتها في شر فهي شر، وإن استعملتها في لغو فهي لغو، فلينظر ماذا سيجعل فيها؟ قد يكون فيها أشرطة مفيدة من وعظ وندوات وغيرها، وقد يكون فيها أشياء فاسدة، المهم على حسب ما يوضع في هذا الفيديو، فإذا كان هؤلاء الصبيان لا ينتهون عن التشويش والركض وإفساد البيت، وربما يخرجون إلى الشوارع وإلى الجيران إذا كان لا يمكن دفع هذا إلا بشراء الفيديو فاشتر لهم فيديو ولكن ضع فيه أشرطة نافعة. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 8 بطلان قول: إن العنكبوت عشعشت على الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم السؤال هل عش العنكبوت والحمامتين وارد يوم اختفى الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور؟ الجواب لا، يذكر المؤرخون: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اختفى في غار ثور عششت عليه العنكبوت ووقعت الحمامة على غصن شجرة وهذا كذب لا صحة له، ولا فيه آية للرسول عليه الصلاة والسلام ينقل، أي إنسان تعشش العنكبوت وتكون حوله حمامة إذا رآه من يراه يقول: ما في أحد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أعمى الله أبصارهم عنه ولهذا قال أبو بكر: [يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا] لأنه لا يوجد مانع، فالعنكبوت والحمامة لا صحة لذكرهما عند اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم في غار ثور، ولهذا يحترم كثير من الناس العنكبوت، يقول: لا تقتلها؛ لأنها عششت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الوزغ يُقتل؛ لأنه كان ينفخ في النار على إبراهيم فهذه تكرم فنقول: لا، العنكبوت تقتل إذا آذت مثل غيرها، وهي تؤذي بعض الأحيان تعشش على الكتب وعلى الجدار فتقتل، بل في حديث لكنه ضعيف الأمر بقتل العنكبوت. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 9 حكم أخذ الدين من شخص ماله حرام السؤال فضيلة الشيخ! أقرضت شخصاً من زملائنا مبلغاً وباع سيارة واشترى سيارة بالربا، وأراد أن يسددني من مبلغ السيارة، طلبت منه أنه يسددني من الراتب وقال: إنها كلها برقم حساب واحد، فهل يجوز لي أن آخذ منه؟ الجواب أما إذا كنت ضيقت عليه حتى أحوجته إلى الاستدانة فهذا حرام عليك، وأما إذا كان هو من نفسه جاء إليك بالوفاء فاقبل فهذا حقك، وما عليك منه إذا أخذه عن طريق محرم أو عن طريق مباح. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 10 ضرورة الفصل بين السنن الراتبة إذا كانت أربعاً بالسلام السؤال بالنسبة للأربع الركعات التي قبل الظهر والتي قبل العصر -يا شيخ- هل بالإمكان أنها تؤدى بدون الفصل فيما بينها؟ الجواب لا، أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وأربع ركعات قبل العصر بسلامين، لكنها ليست راتبة العصر. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 11 عدم جواز أخذ الاستحقاق من البنك العقاري لمن لا يريده السؤال الاسم من البنك العقاري إذا نزل استحقاق إنسان من البنك العقاري هل يجوز له بيعه؟ الجواب لا، إذا نزل اسم إنسان فإن كان محتاجاً إليه فليستعمله، وإلا يجب أن يرده إلى المسئولين حتى يضعوا فيه من هو مستحق؛ لأن هذا الذي باعه معناه أنه مستغنٍ عنه أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: قل: (بلى) في جواب أليس. إذا كان مستغنياً عنه ما الذي يحل له أن يأخذ دراهم من هذا الرجل الذي جاء متأخراً وقبله أناس كثيرون سابقون عليه؟ لا يحل. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 12 جواز رمي الجمار مرة واحدة إذا كان لحاجة السؤال فضيلة الشيخ! هناك من يرى جمع رمي الجمار لأيام التشريق مرة واحدة ويرمى يوم الثالث عشر (62) أو (63) حصاة فما رأي فضيلتكم؟ الجواب رأينا أن هذا قول لبعض العلماء: أنه لا بأس أن يجمعها في آخر يوم، والصحيح أنه لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرمي كل يوم في يومه، إلا إذا كان هناك حاجة، مثل: أن يكون منزل الإنسان بعيداً في أقصى منى، ويشق عليه أن يتردد كل يوم فهنا لا بأس أن يجمع ولكن يرمي الثلاث عن اليوم الأول، ثم يرجع ويرمي الثلاث عن اليوم الثاني، ودليل جواز هذا عند الحاجة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رخص لرعاة الإبل أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 13 جواز الاستماع إلى الدف في المناسبات السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الدف وما حكم الاستماع للأشرطة في غير الاحتفال مثلاً في المناسبات أو غيرها؟ الجواب أولاً: اعلم بارك الله فيك أن الأصل في المعازف التحريم هذا الأصل، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) يعني: يستحلون الفرج الحرام، ولبس الحرير، والخمر، والمعازف، فالأصل في جميع المعازف من دفوف وطبول وزمور وغيرها فيها التحريم، وإذا كان الأصل فيها التحريم فإننا لا نخرج من هذا العموم وهذا الأصل إلا ما دل الدليل على جوازه، والذي دل الدليل على جوازه هو الدف في المناسبات إما الزواج أو العيد أو قدوم غائب، فهذا له قيمته في المجتمع، أما الزواج فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أن يدف فيه ويغنى، وأما يوم العيد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الجاريتين اللتين تغنيان في أيام العيد فزجرهما أبو بكر فقال: (دعهما فإنها أيام عيد) وأما قدوم غائب فلأن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد قدومه المدينة وقالت: (يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك فقال لها: أوفي بنذرك) ولو كان حراماً لم يأمرها أن توفي بنذرها، ما عدا ذلك لا يجوز، وعليه فإذا استعمل الإنسان الدف في المسجل في غير مناسبة فإنه لا يجوز. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 14 حكم الأناشيد الإسلامية السؤال ما حكم الأناشيد الإسلامية؟ الجواب الأناشيد الإسلامية -بارك الله فيك- تغيرت حسب ما نسمع، صار الآن يترنم فيها المنشد حتى تكون مثل الأغاني الماجنة. ثانياً: فيها أصوات رخيمة جميلة تفتن، هذا بقطع النظر عن موضوعها، فلذلك لا نحكم عليها بحل ولا حرمة إلا بشيء معين نعرفه. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 15 سكن الأولاد بعد تفرق الزوج والزوجة السؤال إذا تفرق الزوج والزوجة وبينهما أولاد من بنين وبنات فمع من يكونون؟ الجواب يكونون مع من يقضي القاضي به؛ بمعنى: أنهم إذا لم يتفق الزوجان على أن يكون الأولاد عند أحدهما فإن المرجع هو الحاكم الشرعي، وهو ينظر المصلحة، ولهذا يجب أن نعلم أن الحضانة المقصود منها إصلاح المحضون، ولا يجوز أن يقر المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه، حتى لو كان له حق الحضانة من حيث الترتيب إذا علمنا أن هذا مهمل لا يبالي، أو علمنا أنه صاحب منكرات، فهنا لا يكون الأولاد عنده ولا حضانة له، المهم أن المرجع في هذا إلى القاضي، وهو عليه أن يتقي الله ويراعي مصلحة المحضون. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 16 وجه الجمع بين حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) وحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم) السؤال كما هو معلوم في علم المصطلح من الأحوال التي يعرف بها الناسخ من المنسوخ معرفة التاريخ فهناك من الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث شداد رضي الله عنه: (أفطر الحاجم والمحجوم) في عمرة الفتح، أليس هو منسوخ بحديث ابن عباس عما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه احتجم وهو محرم في حجة الوداع؟ الجواب ما يمكن هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سافر في رمضان إلا في غزوة الفتح ولم يصم، ولـ شيخ الإسلام رحمه الله رسالة تسمى: حقيقة الصيام بين فيها هذا الحكم أتم بيان فارجع إليه. ثم هو في الواقع من مصلحة الإنسان أن نقول: إنه يفطر بالحجامة؛ لأننا إذا قلنا: إنه يفطر بالحجامة لزم من ذلك أن تحرم الحجامة في صوم الواجب إلا للضرورة، فإذا اضطر إليها واحتجم صار من مصلحته أن نقول له: أفطرت، فكل واشرب حتى تسترد قوة بدنك، فهي في الحقيقة من حكمة الله عز وجل أعني الحكم بأن الحجامة تفطر من حكمة الله عز وجل ورحمته بالصائم، لو قلنا: لا تفطر ثم حجم ثم ضعف بدنه وانهار نقول: تبقى حتى تغرب الشمس! الجزء: 229 ¦ الصفحة: 17 حكم السلام على قارئ القرآن السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم السلام على قارئ القرآن؟ الجواب السلام على قارئ القرآن إن كنت تشغله وتلبِّس عليه قراءته فلا تسلم عليه، ما لم تعلم أنه يرتقب سلامك وأنك لو لم تسلم عليه صار في قلبه شيء؛ لأن بعض الناس إذا كان يقرأ عن ظهر قلب ثم سلَّم عليه إنسان ضاع موقفه، بمعنى: أنه لا يدري إلى أين انتهت القراءة فيشوش عليه، أما إذا كان يقرأ من مصحف فقارئ المصحف يعرف حيث انتهى، فلا بأس بالسلام عليه. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 18 وقوع الحرمة بالرضاع المباشر وغير المباشر السؤال امرأة أرضعت طفلة خمس مرات ولكن كانت تضع لها الحليب في الرضاعة هل تحرم بهذا الرضاع مع أن مقدار الرضعة قليل لا يكاد يبلغ ما في الرضاعة؟ الجواب حسناً! هذه المرأة التي تضع لبنها في رضاعة هل ينقلب هذا اللبن الذي وضع في الرضاعة عصير برتقال؟ لا ينقلب، اللبن هو اللبن، فعلى هذا نقول: العبرة بمعاني الأمور لا بألفاظها، فقوله عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] لا شك أن الرضاع المباشر أنه أبلغ لأن اللبن يخرج من ثدي المرأة إلى فم الطفل، وجميع المقومات التي فيه لا تتغير لأنه لا إمكان للتغيير، وإذا وضع في إناء ثم شربه فهو لابد أن يتغير ولكن الأصل موجود، فالقول الراجح: أنه لا يشترط أن المرأة ترضع الطفل مباشرة بل متى شرب لبنها خمس مرات متفرقات فهو ابنها من الرضاعة. السائل: ولو كان قليلاً يا شيخ؟! الجواب: ولو كان قليلاً ما دام أنه متفرق ولو كان قليلاً. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 19 حكم التصوير بكاميرا الفيديو السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التصوير بكامرات الفيديو وغيرها؟ الجواب أما التصوير بكاميرا الفيديو فلا بأس به، إلا أن يصور فيه شيئاً محرماً كأن يصور المردان مثلاً الذكور الصغار، أو يصور فيه حفل عرس، أو ما أشبه ذلك مما تكون فيه الفتنة فهذا حرام، وأما إنسان خرج بأهله إلى النزهة وأراد أن يصور رحلتهم فلا بأس به، وكذلك إذا أراد أن يصور محاضرات أن ندوات أو مجالس علم، فلا بأس به، أما الكاميرا الورقية فهذه لا تجوز إلا عند الحاجة فقط، الحاجة مثل: رخصة قيادة بطاقات شخصية وما أشبه ذلك، وإنما قلت ذلك: لأن هؤلاء الذين يصورونها لغير هذه الأغراض المحتاج إليها يجعلونها عندهم يقتنونها كما يقولون للذكرى، واقتناء الصور محرم، إلا ما دعت الحاجة إليه. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 20 نفي رؤية الله عز وجل في الدنيا السؤال فضيلة الشيخ! في الحديث أو في الأثر: أنه لن يرى أحد ربه أي: في الدنيا، وقيل: أن أحمد بن حنبل رحمه الله رأى ربه، إن كان رآه هل رؤية أحمد بن حنبل رؤية حقيقية لربه أم غير ذلك؟ الجواب هو ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم أنه لما تكلم عن الدجال قال: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) ولو كان يمكن رؤية الرب في الدنيا لأمكن ذلك في حق موسى عليه الصلاة والسلام، وموسى قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] . فرؤية الرب عز وجل يقظة لا يمكن حتى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أعرج به لم ير ربه، وقد سئل: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه) وفي رواية: (رأيت نوراً) يعني ولم أر الله. أما في المنام فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام، وأما ما يذكر عن أحمد بن حنبل فلا أدري عنه هل ثبت عنه بسند صحيح أو لا؟ فإن ثبت عنه بسند صحيح فهو مثل ضرب له على حسب تمسكه بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 21 ضابط المبيت بمنى أيام التشريق السؤال فضيلة الشيخ! ما هو الحد الأدنى في المبيت في منى ليالي التشريق كم ساعات؟ الجواب الأكثر. يعني: إذا بقي في منى أكثر الليل فقد أدى الواجب سواءً من أول الليل أو من آخره، فمثلاً: لو بقي في منى حتى انتصف الليل فله أن يغادر، وإذا أراد أن يغادر في آخر الليل لابد أن يغادر قبل منتصف الليل. الحاصل أن الواجب أن يبيت بـ منى معظم الليل. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 22 الكافر لا يرى ربه يوم القيامة السؤال الكافر يرى ربه يوم القيامة؟ وماذا يجاب عن الآية: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ؟ الجواب أولاً: هل ثبت -بارك الله فيك- أنه يرى ربه قبل كل شيء حتى تقول: ماذا يجاب عن الآية؟ فهو لا يرى الله، الكافر لا يرى ربه عز وجل في الآخرة، لقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] ولقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة:24] أي: لا ترى ربها. أما المنافق فإنه يرى الله عز وجل ولكن في النهاية يحال بينه وبين الله عز وجل كما جاء في حديث أبي سعيد الطويل في كشف الرب عن ساقه فسجد من كان يسجد للرب بإخلاص، ويعجز عن السجود من كان لا يسجد إلا رياء وسمعة نعوذ بالله من هذا. السائل: يا شيخ! قال في الباب المفتوح: أن الكافر يرى ربه مرة والمنافق يراه مرتين. الشيخ: لا ما قرأته راجع. السائل: يا شيخ ألا يوجد كلام لـ شيخ الإسلام في أن الكافر يرى ربه؟ الشيخ: ما أدري، لكن كلام الله الذي بين أيدينا هو ما سمعته. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 23 حكم نسخ برامج أشرطة الكمبيوتر السؤال فضيلة الشيخ: حكم نسخ البرامج أشرطة الكمبيوتر إذا كانت غالية السعر؟ الجواب هي لا شك أنها تكلف تكاليف عظيمة على المخرج الأول وربما يقدرون الثمن حسب التكاليف، فإذا نسخت منها وبعت منها بأقل فهذا من بيع المسلم على بيع أخيه، وإذا قدر أنه كافر فالكافر والمعاهد له حق، لا يجوز الاعتداء على حقوقه، لكن إذا قدر أن الثمن في الأصل باهظ جداً جداً وأن هذه المؤسسة قد استوفت أكثر مما أنفقت فهنا تتدخل الحكومة في الموضوع وترغم الشركة بسعر مناسب وإلا ترفع حقوقها. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 24 نصيحة من يزاول المنكرات السؤال يا شيخ! بالنسبة للموظف أو العامل يكون معنا فمنهم حليق وآخر شعره قزع فتنصحه ولا يستمع، فهل تكرر النصيحة له حتى ينتهي؟ الجواب إذا كان الإنسان في وظيفة ومعه أناس حالقو اللحى أو مسبلو الثياب فهنا يجب عليه المناصحة، يجب أن يناصحهم بقدر المستطاع، ولا يحرم عليه أن يبقى في هذه الوظيفة لأنهم لا يفعلون منكراً أمامه، وإنما الذي أمامه آثار المنكر وليس المنكر، ولهذا نقول في مسألة شرب الدخان: إذا كانوا لا يمتنعون عن شرب الدخان وأظن أنه ممنوع نظاماً في الدوائر الحكومية، لكن لو فرضنا أن إنساناً لم يبال فإنه لا يحل لك أن تبقى معه إذا كان يشرب الدخان في وقت العمل؛ لأنك بهذا تشاركه في الإثم. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 25 حكم من يتقاضى راتباً على إمامة مسجد لا يصلي فيه إلا الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! أنا إمام مسجد وخطيب في قرية نائية تبعد عن مقر سكني ستين كيلو متراً تقريباً أو خمسين، وأنا مدرس في القرية التي أسكن فيها، ولا أستطيع أن أصلي إلا وقت الجمعة فقط خطبة الجمعة، أما بقية الأوقات لا أستطيع، والأوقاف لا علم لها بذلك، وتبعد عني ولا أستطيع السكن، والقرية ليس فيها إلا سبعة بيوت تقريباً والبقية يأتون من البادية، ما الحكم في الراتب؟ الجواب حرام أن تأخذ الراتب وأنت لا تصلي إلا يوم الجمعة؛ لأن الراتب للصلوات الخمس والجمعة، فالذي أشير عليك أن تترك هذه الوظيفة، فإذا كانت القرية محتاجة يعني: ليس فيها من يقوم بهذه الوظيفة السائل: فيها إنسان. الشيخ: إذا كان فيها إنسان يقوم بالوظيفة بالصلوات الخمس ولا يقوم بالجمعة فأنت اتفق مع الجهة المسئولة عن المسجد على أن تكون إماماً خطيباً فقط. السائل: وإذا ما وافقت؟ الشيخ: اترك الوظيفة. السائل: الآن التنازل مثلاً عن الوظيفة ليستلمها هذا الشخص الموجود الذي يختار فيها مثلاً أترك الراتب يستلمه هو ويبقى أو أبلغ الأوقاف وأوقف الوظيفة؟ الشيخ: لابد أن تبلغ الأوقاف. السائل: إلى شهر أربعة مثلاً فقط. الشيخ: ولا إلى شهر واحد. لا بد أن تبلغ الأوقاف وهي تدبر الموضوع. السائل: طيب الراتب هذا الشيخ: الراتب حرام عليك يا رجل، رده للوزارة وقل لهم: ما أصلي إلا يوم الجمعة فقط. السائل: والذي فات؟ الشيخ: الذي فات إن كنت تدري عن الموضوع فرده للوزارة. السائل: سبق أن أفتاني قبل ذلك شيخ جزاه الله خيراً والله أنا لا يحضرني اسمه الشيخ: أفتاك عالم من العلماء؟ السائل نفسه: إي نعم. الشيخ: ماذا قال؟ السائل: قال: الموافقة من الجماعة فقط، إذا وافقوا عليك الجماعة تصلي فيهم الجمعة لا بأس بذلك، واستمررت على ذلك إلى الآن حتى جئت وسألتك. الشيخ: على كل حال: ما دمت مستنداً إلى فتوى عالم ليس بعامي من هؤلاء العوام فلا إثم عليك، لكن لتعلم أن هذه الفتوى غلط، فما أخذته بناءً على الفتوى فهو حلال، لكن في المستقبل من الآن انقطع، قدم استقالة. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 26 حكم الخراج الذي يعطى للشخص بعد وفاته السؤال فضيلة الشيخ! لي عم توفي واستخرجت له خرجية من الخراج وهو متوفى، ما حكم الشيء هو ما كان حي إنما أنها طلعت الخرجية بعد ما توفي وهو صاحب الخرجية، والورثة الآن يستلمون الخرجية، ما حكم ذلك يا شيخ؟! الجواب الذي حصل قبل أن يموت حكمها أنها تِركة، يضاف إلى التركة ويقسم قسمة ميراث، وأما المستقبل فالواجب إبلاغ الجهة المسئولة بأن الرجل الذي يصرف له هذا الخراج قد توفي، ثم الجهة تتصرف. السائل: لكن -يا شيخ- أنت تعلم أن الخراج يمشي لكل واحد متوفى. الشيخ: لا ما أعلم هذا، أعلم أنه يمشي إلى أن يموت الإنسان، وإذا مات الإنسان فلابد من ترتيب جديد. السائل: حسناً! يا شيخ! والحل الآن؟ الشيخ: الحل أن يبلغ الجهات المسئولة أن الرجل توفي سنة كذا وكذا، لا تجعل طعامك مشتبهاً اجعل طعامك طيباً، لا تبق على خطر، الغذاء غذاء الروح وليس غذاء البدن، لو يأكل الإنسان لحى الشجر ونبات الأرض خير له من أن يأكل درهماً واحداً حراماً. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 27 حكم رد السلام على المذيع أو الشيخ في الإذاعة السؤال ما حكم لو سمع المسلم إلقاء المذيع أو الشيخ السلام هل يجب عليه رد السلام جزاكم الله خيراً؟ الشيخ: هل هو صوت مباشر؟ السائل: نعم هو يسمع من الإذاعة الشيخ أو المذيع. الشيخ: أحياناً يكون مسجلاً ويضعونه على الشريط ويسحبون عليه، إن كان مسجلاً فلا يجب أن ترد؛ لأن هذا حكاية صوت، أما إذا كان غير مسجلاً وهو مباشر فهذا قد أقول بالوجوب وقد لا أقول، أما إذا قلت بالوجوب فالأصل أن هذا سلم إلى كل من يصل إليه خطابه فيجب أن يرد عليه، وأما إذا قلت بعدم الوجوب فلأن المسلِّم لا يسمع الإجابة، ولا يتوقعها أيضاً، حتى المسلِّم في الإذاعة لا يتوقع أن الناس يردون عليه، ولكن الاحتياط أن نرد السلام فيقول: وعليك السلام. السائل: هذا الأحوط يا شيخ؟! الشيخ: هذا الأحوط وليس بواجب. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 28 حكم الزكاة في مال جمعية موظفين في دائرة حكومية السؤال فضيلة الشيخ! هؤلاء موظفون في دائرة حكومية يجمعون في كل شهر مائتي ريال من الراتب وهم عددهم خمسون رجلاً ولهم عدة سنوات يجمعون هذه الجمعية؟ الشيخ: كل واحد؟ السائل نفسه: يعني: مائتي ريال في الشهر. الشيخ: كل شخص مائتين أو المجموعة؟ السائل: مائتان من كل موظف. الشيخ: كم يصير في الشهر؟ السائل: مائتان من خمسين. الشيخ: عشرة آلاف. السائل: الآن -يا شيخ- وصل كل موظف رصيده ما يقارب خمسة عشرة ألفاً فالمبالغ هذه تقرض للمشتركين يعني: للمساهمين، تقرض قرضاً حسناً، ولكن في نهاية العام عند حلول الحول ليس في الصندوق ريالاً واحد هل تجب الزكاة عليهم يا شيخ؟! الشيخ: أولاً: بارك الله فيك! هؤلاء المتبرعون هل هم يتبرعون على أن هذا المبلغ خرج من ملكهم؟ السائل: لا -يا شيخ- هو لهم. الشيخ: لو طلب أن يسترده يرد عليه؟ السائل: نعم يا شيخ. ! الشيخ: ولو مات يعطون ورثته؟ السائل: نعم يا شيخ! الشيخ: إذاً هو ملكهم. السائل: نعم؛ لكن ليس موجوداً في الصندوق الآن الشيخ: ليس موجوداً إلا أنه دين. السائل: نعم دين يا شيخ! الشيخ: فعلى كل واحد منهم أن يزكي نصيبه. السائل: بعضهم مقترض من نفس الصندوق. الشيخ: لا يضر. السائل: هم الآن -يا شيخ- يفكرون أن يشتروا سيارات الشيخ: إذا كان الشخص مقترضاً فنصيبه ما فيه زكاة؛ لأنه استهلكه ونصيب الآخرين. السائل: المقترض ليس عليه زكاة يا شيخ؟ الشيخ: المقترض ما عليه زكاة لأنه راح. السائل: نعم عنده مثلاً عشرين أو ثلاثين ألفاً. الشيخ: ما أخذه أنفقه في طعام ولباس وشراب وبناء وما أشبه ذلك. السائل: وغير المقترض هل عليه زكاة؟ الشيخ: والمقرض عليه الزكاة. السائل: يا شيخ! هم الآن يفكرون بأن يشتروا سيارات ويقصدونه حتى ما ينقص المال من الزكاة يقسطونه بعضهم على بعض من رأس المال؟ الشيخ: والله ما أشير عليهم بهذا، وإن كان بعض العلماء يجوزه، لكني لا أشير عليهم لأن هذا فيه نوع من التحيل، وقليل حلال خير من كثير حرام. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. الجزء: 229 ¦ الصفحة: 29 لقاء الباب المفتوح [230] مرور الزمن وتقضيه، وانصرام أيامه ولياليه، مدعاة لمراجعة الذات، وأخذ العبر والعظات، وإبصار المستقبل وفقاً لذلك. وفي هذا اللقاء تفسير لآية من سورة الحديد تتضمن دعوة المؤمنين إلى تقوى الله، والإيمان برسوله، وبيان ما لهم عند الله إن هم فعلوا ذلك. وكل ذلك كان مستهلاً لفقرة الأسئلة، وإجابات الشيخ عليها. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 1 دروس وعبر من مرور الأيام وتقضي الزمان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء المتمم للثلاثين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو أول يوم من شهر محرم عام 1421هـ أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة ونصر وعز للإسلام والمسلمين. نتكلم في هذه المناسبة على مرور الزمان والأيام، مرور الزمان والأيام كما تعلمون لحظات ودقائق، وساعات وأيام، وشهور وسنوات، كلها تمر وكأنها ساعة من النهار، لو سألت نفسك: كم سنة مرت عليك كم شهراً كم يوماً كم ساعة كم دقيقة كم لحظة؟ لوجدتها وإن طالت كأنها ساعة، قال الله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35] . وعلينا أن نعتبر المستقبل بالماضي، فسيمر المستقبل إن طالت بنا الحياة، سيمر كأنه ساعة، وهذا يجعل المسلم بل المؤمن الحازم في أتم الاستعداد ليوم المعاد، بحيث لا تمضي عليه ساعة إلا وقد عمرها بطاعة الله، إن كان يريد العمر الحقيقي، لأن عمر الإنسان حقيقة هو ما أمضاه في طاعة الله، وما بقي فهو خسارة عليه، إما عذاب وإما سلامة، وما أقل السلامة. تأمل في الدنيا كلها تجد أنها إقبال وإدبار، ففي اليوم يطلع الفجر منيراً للأفق ثم يزداد إنارة وقوة، ثم يتراجع إلى النقص والاضمحلال بالكلية، تجد القمر أول ما يبدو هلالاً صغيراً كالعرجون القديم ثم يتزايد نوراً حتى يتم ثم يتراجع إلى النقص، هكذا عمر الإنسان يبدو الإنسان مستقبلاً الحياة بنشاط وحزم ثم يعود فيضعف ثم يزول. قال الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] . أوصيكم -أيها الإخوة- بالمبادرة واغتنام الأوقات، وكثرة التوبة والاستغفار كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس! استغفروا الله وتوبوا إليه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) هذا وهو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أخبر الله أنه فتح له فتحاً مبيناً ليغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أكثروا من الذكر، أكثروا من التسبيح والتحميد، وهذا لا يضر، لأنه عمل لسان، وعمل اللسان ليس فيه تعب. أكثروا من العمل الصالح ما استطعتم، أحسنوا الخلق مع الله عز وجل ومع العباد، ابذلوا ما تستطيعون من الخير والنفع، فإن ذلك من أسباب انشراح الصدر واطمئنان القلب. وفكر في نفسك ماذا عملت في هذا اليوم؟ إن وجدت نفسك عملت خيراً فاحمد الله، فإنه بتوفيق الله، ولولا توفيق الله لك ما عملت، وإن عملت سوى ذلك فتدارك تدارك بالتوبة، فإن التوبة تهدم ما قبلها، وما أسرع ما نقول: دخل العام ثم خرج. فالعام الذي مضى كأنه ساعة من نهار، وهكذا ما يستقبل، ولا سيما في آخر الدنيا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر: أنه يتقارب الزمان، بينما أنت في أول أسبوع وإذا الجمعة، وفي أول الشهر وإذا الهلال، وفي أول السنة وإذا الهلال، بسرعة فائقة، وهذا مصداق الحديث: (ويتقارب الزمان) وليس المعنى كما ظنه بعض أهل العلم: اتساع البلدان حتى يقرب بعضها من بعض، وتكون المسافة التي بين البلدتين يومين بعد أن كانت أربعة أيام، وليس كذلك أيضاً سرعة الاتصالات أو المواصلات بل أهم شيء أن الله سبحانه وتعالى يجعل الزمن بعضه قريبٌ من بعض، وهذا هو الواقع. اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 2 تفسير آيات من سورة الحديد الجزء: 230 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله) نعود إلى الدرس في التفسير يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} المراد بهم هذه الأمة. فيكون قوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} يعني: اثبتوا على الإيمان لا جددوا الإيمان، لأن الإيمان قد حصل حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فيكون المعنى: يا أيها الذين آمنوا بقلوبكم! اتقوا الله بجوارحكم! {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه، وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقاً، وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم: هذا نفي كمال الإيمان، مثل قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ليس المراد نفي مطلق الإيمان بل نفي الإيمان الكامل. وقد زعم بعض المفسرين: أن هذه الآية في أهل الكتاب، لأنه قال: {وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} ولكن هذا قول ضعيف جداً، ولا يمكن أن ينادي الله عز وجل أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً، يعني: لا يمكن أن يكون المراد بقوله: يا أيها الذين آمنوا، لا يمكن أن يكون اليهود والنصارى، لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم فليسوا مؤمنين. {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل، كما قال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285] يعني في الإيمان به لا في الاتباع، في الاتباع نفرق بين الرسل، من نتبع منهم؟ محمد صلى الله عليه وسلم لكن الإيمان كلهم على حد سواء، نؤمن بأنهم رسل الله حقاً. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يؤتكم كفلين من رحمته) قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] أي: نصيبين من رحمة الله، ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الأمة بالنسبة لما قبلها كرجل استأجر أجراء، منهم طائفة من أول النهار إلى نصف النهار، وطائفة من نصف النهار إلى العصر، وطائفة من العصر إلى غروب الشمس، فالطائفة الأولى أعطى كل واحد منهما ديناراً، والثانية أعطى كل واحد ديناراً، والثالثة أعطى كل واحد دينارين، فاحتج الأولون: لماذا تعطي هؤلاء دينارين وهم أقل منا عملاً؟ فأجابهم بقوله: هل نقصتكم من أجركم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء -الحمد لله- فهذه الأمة لها مثل أجر الأمم السابقة مرتين. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم) قال تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] يعني: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثيبكم ثوابين ويجعل لكم نوراً تمشون به، أي: علماً تسيرون به إلى الله عز وجل على بصيرة، وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم، وما أكثر الذين ينشدون العلم، ينشدون الحفظ يعني يطلبونه، يطلبون الفهم، فنقول: إن تحصيله يسير وذلك بتقوى الله عز وجل وتحقيق الإيمان الذي هو موجَب العلم، اعمل بما علمت يحصل لك ما لم تعلم، فتقوى الله عز وجل من أسباب زيادة العلم ولا شك، ولهذا قال: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} أي: تسيرون به -أي: بسببه- سيراً صحيحاً يوصلكم إلى الله عز وجل. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم} أي: يسترها عليكم ويعفو عنكم، فلا عقاب ولا فضيحة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: ذو مغفرة ورحمة، كما قال الله عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6] وقال عز وجل: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58] فالغفور أي: ذو المغفرة، والرحيم أي: ذو الرحمة، وذلك أن الإنسان محتاج إلى مغفرة لذنوب وقعت منه وإلى رحمة تسدده ويتجنب بها المعاصي ويهتدي للتوبة إن عصى. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 6 تفسير قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله) ثم قال: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الحديد:29] أي: جعل لكم هذا الثواب ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، وأنهم لا يستطيعون أن يحسدوكم على ما آتاكم الله من فضله مع محاولتهم الشديدة أن يحسدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] . فيقول عز وجل هنا: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لا إعطاءً ولا منعاً، ((وأن الفضل بيد الله)) هو المدبر لكل ما يريد على حسب ما تقتضيه حكمته {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:29] أي: صاحب الفضل العظيم، وما أعظم فضل الله عز وجل على عباده فقد قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] . نسأل الله تعالى أن يؤتينا وإياكم من فضله، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 7 الأسئلة الجزء: 230 ¦ الصفحة: 8 حكم قنوت الوتر وكيفيته السؤال فضيلة شيخنا! القنوت في صلاة الوتر هل له دعاء مخصوص، أم للمصلي أن يتخير ما يشاء من الأدعية؟ الجواب أولاً: القنوت في صلاة الوتر ليس من السنة أن يداوم عليه الإنسان؛ لأن جميع الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده لا يذكرونها، لكنه قد علمه صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب في قوله: (اللهم اهدني فيمن هديت) والأولى في كل موضع فيه دعاء مأثور أن يبدأ بالدعاء المأثور قبل كل شيء، ثم يدعو بما شاء، ولكن إذا كان إماماً فلا ينبغي أن يطيل على الناس، فلقد بلغني أن بعض الناس في القنوت يبقى نصف ساعة أو أكثر وهذا غلط، لأن هذا يمل الناس ويتعب الناس، وإذا قدرنا أنه يتلاءم مع 10% فلا يتلاءم مع 90% وما أكثر الذين يشكون من أئمتهم طول القنوت، فلذلك نقول للإمام: قصر ما استطعت، ودعاء قليل ينصرف الناس بعده وهم يقولون: ليته زاد، خير من دعاء كثير ينصرف الناس بعده وهم يقولون: أطال بنا قطع أعناقنا أتعب أرجلنا، وما أشبه ذلك. السائل: والمنفرد يا شيخ؟! الشيخ: المنفرد يدعو بما يشاء. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 9 حكم التسليم والدعاء عند المرور بالمقابر السؤال فضيلة الشيخ! إذا مر الإنسان من عند المقابر هل يشرع له أن يسلم وهو في الطريق، سواء كان يرى القبور أو لا يراها وهو في السيارة مثلاً؟ الجواب أما إذا كان يراها، فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله: أن المار بها كالواقف -يعني: يسلم ويدعو- وأما من وراء الجدار ففي النفس من هذا شيء، قد يقال: ما دامت هذا الجدار سوراً على هذه المقبرة فإنه يسلم عليها، وقد يقال: أنه لا يسلم لأنه لا يرى قبوراً، لكن في مثل هذه الحال لو دعا دعاءً عاماً لا على أنه دعاء زيارة فهذا حسن. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 10 حكم من سب الدين أو سب الرب السؤال فضيلة الشيخ! مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟ الجواب هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ قل: نعم، أو: لا؟ السائل: لا. الشيخ: لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع. وعلى كل حال: كل من سب الله فهو كافر مرتد، حتى وإن كان يمزح، فيجب أن يقتل، ويجب أن يرفع أمره إلى ولي الأمر، ولا تبرأ الذمة إلا بذلك، ثم إن تاب وأناب وصلحت حاله وصار يسبح الله ويعظمه ويقوم بعبادته، فقال بعض أهل العلم: إن توبته لا تقبل، وإنه يقتل كافراً، قالوا: وذلك لعظم ذنبه وردته، فيقتل، وفي الآخرة أمره إلى الله لكن في الدنيا نقتله على أنه كافر، فلا نغسله ولا نكفنه ولا نصلي عليه ولا ندفنه مع المسلمين ولا ندعو له بالرحمة، هذا هو مذهب الحنابلة المشهور عند الحنابلة الآن، والذي يُعمل به. وقال بعض أهل العلم: إذا تاب وصلحت حاله وعرفنا أنه استقام وندم، فإنها تقبل توبته ويرفع عنه القتل، وإذا مات فشأنه شأن المسلمين، لأن هذا حق لله، وقد بين الله بكتابه أنه يغفر الذنوب جميعاً فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وهذا القول هو الراجح: أننا إذا علمنا صدق توبته وحسن حاله فهو مسلم، لا يحل قتله. أما من سب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيقتل بكل حال كافراً مرتداً، ولا تقبل توبته أيضاً عند الحنابلة رحمهم الله لعظم ذنبه، ولكن لو تاب وحسنت حاله ورأينا منه تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيم شريعته فهل نقبل توبته ونرفع عنه القتل، أم نقبل توبته ولا نرفع عنه القتل؟ هذا القول الثاني هو الصحيح، أننا نقبل توبته ونقول: أنت الآن مسلم، ولكن لابد أن نقتله. فإن قال الإنسان: كيف تقول: لابد أن نقتله، وأنت تذكر أن سب الرب عز وجل: إذا تاب منه الإنسان فإنه لا يقتل؟ هل حق الرسول أعظم من حق الله؟ الجواب: لا، حق الله أعظم بلا شك، ولكن الله أخبر عن نفسه بأنه يتوب على من تاب إليه والحق لله، إذا تاب الله على هذا العبد وعفا عن حقه فالأمر له، لكن رسوله عليه الصلاة والسلام إذا سبه الساب فقد انتقصه شخصياً والحق لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن الآن لا نعلم هل الرسول عفا أم لا، لأنه ميت، فيجب علينا أن نأخذ بالثأر ونقتله، وإذا علمنا أنه تائب حقيقة قلنا: هو مسلم يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أقوامٍ سبوه بعد أن أسلموا، عفا عنهم وسقط عنهم القتل. السائل: وسب الدين؟ الشيخ: سب الدين كسب الرب عز وجل. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 11 حكم من اشترى سلعة بثمن مؤجل وباعها لصاحبها بنفس الثمن السؤال فضيلة الشيخ! لو أتى رجل واشترى سلعة الرجل بثمن مؤجل، ثم رجع فباعها على نفس الرجل بثمن نقد، ولكنها بنفس ثمن المؤجل فهل يعتبر هذا من العينة؟ الجواب لا، إذا باع شخص على إنسان سلعة بألف ريال مقسطة، ثم عاد فاشترى السلعة منه بألف ريال نقداً فلا بأس بذلك؛ لأنه ليس ربا، إذ أنه باعها بألف واشتراها بألف، العينة: أنه إذا باعها بثمن مؤجل اشتراها بأقل منه نقداً، مثل: أن يبيعها بعشرة آلاف مؤجلة مقسطة ثم يشتريها نقداً بتسعة آلاف، هذه حرام وهي مسألة العينة. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 12 حكم البيع بربح مضاعف أضعافاً كثيرة السؤال شخص يبيع سلعته تقريباً بأضعاف ما يقارب العشرة أو الخمسة عشر ضعفاً، ما حكمه؟ الجواب إذا ربح الإنسان في السلعة ضعفين أو ثلاثة أو عشرة أو ألف ولكنه لم يزد عن سعر السوق فلا بأس، إلا أنه يلاحظ: لماذا اشتراها بهذا الثمن القليل: هل هو لأن البائع الذي باع له أولاً رجل غريب لا يعرف الأثمان، فهذا يجب عليه أن يبلغه، أو إن الأشياء طفرت وزادت بسرعة، فهذا لا شيء عليه. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 13 حكم استعمال العطور المحتوية على الكحول السؤال ما حكم استعمال العطور على الجسم والملابس، فمن الناس من يمنع هذا ويعلله بوجود الكحول فيها؟ الشيخ: ما هي العطور؟ السائل: الأطياب يا شيخ! الشيخ: الأطياب! هل أحد يسأل عن حكم الطيب، الناس يبحثون عن الطيب (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) وقال عز وجل: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة:100] ما أظن هذا السؤال الذي تريد لعلك تريد شيئاً آخر. السائل: يا شيخ! العطور الشرقية يقولون: فيها كحول؟ الشيخ: هل الناس يشربونها أم يتطيبون بها؟ السائل: يضعونها على الجسم والملابس. الشيخ: يعني يتطيبون بها أم يشربونها؟ السائل: لا، لا يشربونها. الشيخ: أقول: لا بأس باستعمالها، فإن كان الخلط يسيراً كـ 30% أو 40% فهذا لا إشكال فيه، لأن الحكم على الأغلب، وإن كان يسيراً لا يظهر على المخلوط معه فهذا لا بأس فيه لا إشكال في ذلك أيضاً، وإن كان هناك احتمال فلا أحرم ذلك لكنني لا أستعمله، لا أحرمه؛ لأن الآية الكريمة إنما تدل على تحريم الخمر شرباً أو أكلاً، فإن ذلك هو الذي يذهب العقل ويحدث العداوة والبغضاء، أما التمسح به فهذا لا يحدث عداوة ولا بغضاء، ولهذا قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:90-91] ومعلوم أن هذا أعني إلقاء العداوة والبغضاء لا يكون إلا بالشرب، فلا يظهر أن قوله: (اجتنبوه) يعني: أكلاً وشرباً واستعمالاً، لا يظهر هذا، (اجتنبوه) في هذه الحال التي يكون فيها سبباً للعداوة والبغضاء. وخلاصة الجواب أولاً: الخمر ليس بنجس، أصل الخمر ليس بنجس؛ لأنه لا دليل على نجاسته، ولا يلزم من التحريم أن يكون نجساً، فقد يكون شيئاً محرماً وليس بنجس، كما في السم فهو محرم، وليس بنجس الدخان محرم، وليس بنجس؛ لكن يلزم من النجاسة التحريم، فكل نجس محرم وليس كل محرم نجساً. هذه واحدة فلا دليل على نجاسة الخمر. وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:90] فالمراد بذلك الرجس المعنوي، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] (نجس) نجاسة حسية أم معنوية؟ معنوية، ولهذا بدن الكافر طاهر. إذاً النجاسة التي في الآية نجاسة معنوية، وهي نجاسة العمل. ثانياً: يدل لهذا أيضاً: أنه لما حرمت الخمر وكانت مع الصحابة في أوانيهم أراقوا الخمر في الأسواق ولم يؤمروا بغسل الأواني، ولو كانت نجسة لأمروا بغسل الأواني كما أمروا بغسل الأواني من لحم الحمير حين حرمت. ثالثاً: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية من خمر -قربة كبيرة- خمر أهداها للرسول عليه الصلاة والسلام فقال: إنها حرمت -يعني: ولن أقبلها وهي حرام- فسكت الرجل فتكلم معه أحد الصحابة سراً وقال له: بعها. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بم ساررته؟ قال: قلت يا رسول الله: بعها، قال: لا، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية، ولو كان الخمر نجساً لأمره بغسل الراوية. رابعاً: إذا قلنا أن الخمر ليس بنجس فما خلط فيه ليس بنجس من باب أولى. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 14 حكم اتخاذ السبحة للتسلية السؤال ما حكم السبحة للتسلية؟ الجواب التسبيح بالسبحة لا بأس به، لكن الأفضل بالأصابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعقدن بالأصابع -يخاطب نساءً- فإنهن مستنطقات) وكان هؤلاء النسوة معهن حصى يحصين بها الذكر فقال: (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) الأنامل يعني الأصابع، ففي الأصابع أفضل، في السبحة لا بأس به، لكن كما ترى السبحة مشكلة: أولاً: أن بعض الناس يرائي فيها، يشتري سبحة كم فيها من خرزة؟ بعضهم إلى ألف، ثم يعلقها في رقبته كأنما يقول للناس: انظروا فإني أسبح ألف مرة. وهذا نوع من الرياء. ثانياً: أن الإنسان الذي يسبح بالمسبحة يكون قلبه غافلاً في الغالب، ولهذا نراهم يعددون هذه الخرزات وهم يلتفتون يميناً وشمالاً مع الذاهب والآتي، فلذلك نرى أن السبحة لا بأس بها، ولكن الأفضل الأصابع. السائل: أقول: للتسلية هل هي جائز؟ الشيخ: للتسلية ما فيها شيء، كما أن الإنسان أحياناً يتسلى إذا صار معه (مشلح) وفي هذا نسميه (القيطان) تجده يعبث بهذه (القيطان) فلا بأس به. لكن لا يحدث أن بعض الناس قد تكون في حقه خلاف المروءة يعني مثلاً: لو وجدنا رجلاً فاضلاً عالماً يدخل السبحة في المجالس يلعب بها كذا كذا يُنتقد. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 15 حكم بيع السلعة المشتراة قبل حيازتها السؤال فضيلة الشيخ! انتشر في الآونة الأخيرة شراء الصابون بالتقسيط، وعدم انتقال الصابون من أجل القيمة، والذهاب بالفاتورة إلى محل آخر لبيع الصابون وهو في مكانه، ويشترط على من اشترى منه: أن يأخذ الصابون من المحل السابق فما رأيكم؟ الجواب رأينا أن هذا لا يجوز في ظاهر السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تشترى، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فنقول: هذه الكراتين التي اشتريت لا تبع منها ولا واحداً حتى تنقله إلى الدكان أو إلى بيتك. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 16 حكم المتاجرة بالمال الذي نذر به لله تعالى السؤال فضيلة الشيخ! شخص نذر قيمة قطعة أرض لله سبحانه وتعالى الشيخ: القيمة أم الأرض؟ السائل: قيمة الأرض. الشيخ: نعم. السائل: وباع الأرض وحصل على القيمة، ثم نذر في نفس الوقت بأنه إذا ربح في تجارة أن ينفق جزءاً منها في سبيل الله وحصل هذا الشيء له، فجمع المبلغين، هل يجوز له أن يتاجر فيها لله سبحانه وتعالى، أم ينفق المبلغ كاملاً؟ الجواب الواجب على من نذر شيئاً أن يبادر بالوفاء به، ولا يتأخر، فإذا نذر أن تكون قيمة هذه الأرض في مسجد مثلاً أو في أعمال البر؛ وجب عليه أن يبيعها فوراً، ولو كانت لا تساوي إلا (10%) من قيمتها، ثم يتصدق بها، يصرفها في المسجد أو غيره مما يتعين، وأما كونه يقول: سأتاجر بها لعلها تزيد، فهذا حرام عليه؛ لأنه قد نذرها لله، ولأنه لا يأمن فقد يتاجر ويخسر، ولا يأمن أيضاً أن نفسه الشحيحة إذا حصل الربح قال: لي نصفه أو لي كله، ثم لا يأمن الموت قد يموت ويتولاها الورثة ولا ينفقونها، فالواجب إذا نذر الإنسان أن يتصدق أو يصرف قيمة هذه الأرض في مسجد أو عمل خير أن يبادر فيبيعها ويصرفها في أعمال الخير. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 17 شبهتان في أن (ذلك الكتاب) لا تعني القرآن وفي تسمية الرسول أحمد السؤال فضيلة الشيخ! أحد الناس من غير المسلمين قال بشبهتين ما عرفنا الإجابة عليها: في قوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1-2] فيقول هو: الكلمة: (ذلك الكتاب) لا تعني هذا الكتاب. والشبهة الثانية: عن قول رسول الله عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] واسم الرسول صلى الله عليه وسلم محمد، فكيف يكون الرد عليه حفظكم الله؟ الجواب أما قوله عز وجل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فقد أجمع المسلمون من مفسرين وفقهاء: أنه كتاب الله عز وجل، هذا القرآن، لأنه أشار إليه {ذَلِكَ الْكِتَابُ} وكون الإشارة إليه بالبعيد مع قربه دليل على عظمته وارتفاع منزلته، ولهذا قال في آية أخرى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] هذا القرآن ولا لبس في هذا ولا تلبيس. وأما قول عيسى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] فيقال: نعم، الرسول عليه الصلاة والسلام له أسماء متعددة: أحمد محمد العاقب الحاشر، أسماء كثيرة معروفة، ولا مانع من أن يتسمى الواحد بعدة أسماء فهو أحمد ومحمد ويدل على هذا قوله عز وجل في نفس السورة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الصف:6] من الذي جاءهم؟ أحمد {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وجاء فعل ماض يدل على أن المجيء قد سبق بعد البشارة، ولا نعلم في التاريخ أن بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسولاً. وألهم الله تعالى عيسى أن يقول: اسمه أحمد، لحكمة بالغة عظيمة حيث جاء باسم التفضيل أحمد لينبه بني إسرائيل على أن هذا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحمد الناس لله عز وجل. والثاني: أنه أحمد من حمد فالناس يحمدون فلان وفلان وفلان وأحمد الناس أحق أن يحمد وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى لا يقول بنو إسرائيل: إن هناك رسولاً أفضل منه. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 18 حكم بيع الدش للانتفاع بثمنه السؤال شخص توفي وعنده طبق استقبال (جهاز رسيفر مع الدش) الحكم في بيعها -يا شيخ- ووضعها في بيارة مسجد أو شارع؛ أليس أحسن من تكسيرها يا شيخ؟ الجواب يبيعها على من؟ السائل: على أي إنسان يستخدمه، وأصلاً تباع في السوق يا شيخ! الشيخ: على من يبيعها؟ السائل: على أي شخص. الشيخ: لا يصلح. السائل: هي موجودة في السوق يا شيخ! الشيخ: ولو وجدت في السوق. السائل: الذي سيشتريها يشتريها من هذا الشخص أو من شخص آخر. الشيخ: ما علينا منه. السائل: أما ترى يا شيخ! أن تكسيرها فيه إضاعة للمال؟ الشيخ: ليس فيه إضاعة للمال لأنه محرم، لو باعها على شخص واستعملها في محرم صار هذا البائع معيناً له عليه، أليس كذلك؟ أجب. السائل: حسناً لو باعها على كافر يا شيخ؟ الشيخ: اسمع يا رجل! لا تحاول أن تحيد، لو باعها على واحد واستعملها في محرم هل يكون معيناً أو لا؟ السائل: نعم معين. الشيخ: والتعاون على الإثم حرام في دينك أم حلال؟ السائل: حرام. هل ترى تكسيرها يا شيخ؟ الشيخ: أنا أرى تكسيرها نعم، إلا لو جاء إنسان عرفت أنه رجل تقي وأنه يتقي من الشر وأنه سوف ينتفع بها في عرض الأفلام المباحة فهذا ربما نقول لا بأس، وإتلاف المال للمصلحة جائز، أليس الغال الذي يغلِّ في الجهاد من الغنيمة أليس يحرق رحله؟ يحرق رحله لو هي حتى سيارة حرقت. أليس سليمان عليه السلام لما عرضت عليه الخيل حتى غابت الشمس قال: ردوها علي فعقرها وقتلها، فهو إتلاف لكن لمصلحة. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 19 حكم تألف الطلاب بزيادة درجاتهم السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لتألف الطلاب في زيادة الدرجات هل هذا من باب تألف النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأقوام في الإبل. ؟ الجواب لا، هذه خيانة، تأليف الطالب أن تعامله باللطف والإحسان والهدايا المشجعة وما أشبه ذلك، أما أن تعطيه درجات لا يستحقها فهذا خيانة، وظلم للتلاميذ الآخرين، ولو فتح هذا الباب لكان كل واحد يعطي الطلبة مائة بالمائة، لماذا يا رجل؟ قال: نؤلفهم. لأن المسألة لها طرف آخر بين الطالب من الطرف الآخر؟ بقية الطلاب، إذا أعطيته مثلاً مائة وهو يستحق خمسين وصاحبه الآخر يستحق ثمانين معناه: أنك ظلمت الثاني، جعلت هذا قبله وهو دونه في الدرجات، عسى ما أنت فعلت؟ السائل: يصير يا شيخ! الشيخ: يصير، انظر الذي نجح من هذا التأليف ألفه ثانية وقل له: ارجع وأعد الامتحان، إن كان في الشهادة أما في غير الشهادة إن شاء الله فهو أهون، خله يمشي وغير اليوم لا تؤلفه على هذا الوجه. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 20 أجر المشتركين في بناء مسجد السؤال فضيلة الشيخ! أطال الله في عمرك على طاعته، شخصان أو ثلاثة أشخاص أو أكثر اشتركوا في بناء مسجد هل يكتب لكل واحد منهم أجر بناء مسجد، أم أقل من ذلك؟ الجواب هل قرأت إذا زلزلت؟ ماذا قال الله في آخرها؟ السائل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] . الشيخ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] كل واحد له أجر ما عمل، لكن يكون له أجر ثان من جهة ثانية وهي التعاون على البر؛ لأنه لولا اجتماع هؤلاء كل واحد أتى بقليل ما قام البناء، فنقول: له أجر عمله وله أجر المساعدة والمعارضة، مثال ذلك: رجل أنفق مائة ريال صدقة له أجرها، أنفق مائة ريال في بناء مسجد، هذه النفقة صار فيها نفع من وجهين: أولاً: العمل يعني: أجر هذه الدراهم، والثاني: المساعدة حتى يتكون المسجد، لكن إذا تبرع هذا الرجل للمسجد بعشرين ألفاً، وهذا بعشرين ريالاً، فلا يمكن أن نقول: هم سواء، كل له أجر البناء كاملاً، هذا لا يمكن. انظر يا أخي! الثواب حسب العمل، نقول: هذا له أجر عمله على قدر ما أنفق وله أجر التعاون على إقامة هذا المسجد. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 21 حكم سجود التلاوة داخل الفصل الدراسي السؤال بالنسبة لسجود التلاوة للطلاب هل يلزم سجود التلاوة داخل الفصل؟ الجواب لا، لا يلزم داخل الفصل، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن زيد بن ثابت قرأ عليه سورة النجم ولم يسجد فيها، وثبت عن عمر أنه قرأ سجدة النحل على المنبر فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الثانية ولم يسجد، وقال: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] وأنت تعلم أننا لو قلنا للطلاب: اسجدوا، لكان فيها مفاسد في الواقع: أولاً: الاتجاه إلى القبلة، وقد لا يمكن الاتجاه إلى القبلة. ثانياً: الاضطراب في الفصل. ثالثاً: قد يكون بعضهم على طهارة وبعضهم على غير طهارة. رابعاً: أن ظني أنه سيكون هناك ضحك، كل واحد يضحك على الثاني. فلذلك لا أرى أن يسجد الطلاب في مدارسهم، والحمد لله ما دام الأمر ليس بواجب فنحن في سعة وحل. السائل: هل تلزم الطهارة لهذا السجود؟ الشيخ: نعم لابد من ذلك لأنها صلاة. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 22 بناء بيت لإمام المسجد ليس كبناء المسجد السؤال بناء بيت للإمام أو المؤذن هل يعتبر من عمارة المسجد؟ الجواب لا، لكن لا شك أن فيه خيراً وفيه مساعدة، لكن لا يعتبر كبناء المسجد لأن بينهما فرقاً عظيماً، وكم من إنسان أتى إلى المسجد إماماً أو مؤذناً بدون بيت، وكم من إنسان ترك ذلك مع وجود البيت، لكن صحيح أن وجود البيت للإمام والمؤذن يعينه على أداء الواجب؛ لأنه يكون قريباً يسهل عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي، أو يذهب إلى المسجد ويؤذن. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الجزء: 230 ¦ الصفحة: 23 لقاء الباب المفتوح [231] في هذا اللقاء تفسير آية الظهار مع بيان بعض الأحكام التي تتعلق بالظهار من حيث الجواز والمنع والكفارة وغيرها من الأحكام المتناثرة في هذه المادة. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا اللقاء هو اللقاء الحادي والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف باسم لقاء الباب المفتوح، وتتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر محرم عام (1421هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على سورة المجادلة ويقال: المُجَادَلَة، والمُجَادِلَة: على أنها اسم فاعل، والمُجَادَلَة: على أنه مصدر جادل يجادل مجادلة. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك) يقول الله عز وجل بعد ذكر البسملة -والبسملة تقدم الكلام عليها كثيراً- يقول عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] (قد) هنا للتحقيق والتوكيد {سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] وهي امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تشكو زوجها، أنه بعدما كبر سنه وسنها ظاهر منها، وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وهذا هو الظهار، وكان الظهار في الجاهلية يعني: الطلاق البائن الذي لا تحل به المرأة، وتكون حراماً عليه أبداً، هذه المرأة جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعد هذا السن والأولاد والتعب مع هذا الزوج يظاهر منها، فبين الله عز وجل أنه قد سمع قولها، وقوله: {تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1] أي: في شأن زوجها، حين قال: أنتِ عليَّ كظهر أمي. {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1] أي: ترفع الشكوى إلى الله عز وجل؛ ليقضي حاجتها تبارك وتعالى، فنزل الوحي في الحال على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأفتاه الله في ذلك، ثم أكد هذا السمع بقوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] أي: تراجعكما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراجعها ويأمرها أن تصبر وأن تنظر حتى يأتي الله بأمره. وفي هذه الآية: دليل على سعة سمع الله عز وجل، وأنه يسمع كل شيء، قالت عائشة رضي الله عنها: [الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات] وفي حديث آخر: [تبارك الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجادله في زوجها وإني في الحجرة ويخفى عليَّ بعض حديثها] فحمدت الله عز وجل على كمال صفاته، حيث يسمع الله فوق العرش فوق سبع سماوات حديث هذه المرأة وعائشة في الحجرة لا تسمع. وفي هذا التحذير من قول الإنسان ما لا يرضي ربه عز وجل، وأنه مهما أخفى القول فإن الله تعالى يسمعه، قال الله تعالى في آية أخرى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] يعني نسمع (سرهم) ما أخفوه في نفوسهم (ونجواهم) ما تناجوا به. ولكن الصحيح: أن قوله: (سرهم) يعني: ما تسار به الرجلان، والنجوى: ما كان حديثاً بين القوم، لأن قوله نسمع لا ينطبق على السر الذي في القلب، إذا كان إلى جنبك ثم كلمته سراً لا يسمى نجوى، وإذا تكلمت في المجلس بكلام مرتفع فإنه يسمى نجوى. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] يسمع كل شيء، ويرى كل شيء عز وجل، فإياك أن تسمع ربك ما لا يرضى، وإياك أن تري ربك بأفعالك ما لا يرضى، كل شيء معلوم عند الله عز وجل. لكن إذا قال الإنسان: أنتِ عليَّ كظهر أختي هل يكون كقوله: كظهر أمي؟ الجواب نعم يكون؛ لأنه لا فرق، وأما ذكر الآيات من ظاهر من أمه فهذا بناءً على أنه الغالب، أن الإنسان يظاهر بأمه، لكن لو قال: أنت عليَّ كظهر عمتي، فالحكم كذلك، والضابط في هذا: أن يشبه زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً. فالأم أو البنت أو الأخت أو العمة أو الخالة أو بنت الأخ أو بنت الأخت الحكم فيهن واحد، ولو شبهها بغير الظهر بأن قال: أنت عليَّ مثل رأس أمي أو مثل فرج أمي فهل الحكم واحد؟ الجواب: نعم الحكم واحد، هو كالظهر، لكن ذكر الظهر بناءً على الغالب المعروف في ذلك الوقت. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم) ثم قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة:2] بين الله عز وجل كذب هؤلاء فقال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الخبر: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أي: لسن أمهاتهم، من الأم؟ التي ولدتك {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} فكيف يجعل هذه المرأة المحللة له، التي يجوز أن يجامعها أمه التي لا يمكن أن تحل له بأي حال من الأحوال، هل هذا حق وصدق أم لا؟ الجواب؟ لا، ولهذا قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} (منكراً من القول) لأنه حرام، (وزوراً) لأنه كذب، فليست أمه، وفي هذا دليل واضح على تحريم الظهار، وأنه من المنكرات ومن الزور، ولا يحل لإنسان أن يظاهر من امرأته، فإن حرَّم امرأته بلا ظهار بأن قال لها: أنت عليَّ حرام، فهل هو ظهار، أو طلاق، أو يمين؟ في هذا خلاف بين العلماء رحمهم الله، والصحيح أنه يمين، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت عليَّ حرام فهو يمين لدخولها في عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:1-2] وبين الله عز وجل أن تحريم الحلال يمين {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فتحريم الحلال يمين لا فرق فيه بين الزوجة وغيره، قد يقول قائل: إن التحريم إذا قال لزوجته: أنت عليَّ حرام مثل أنت علي كظهر أمي؟ و الجواب أن هذا خطأ؛ لأنه إذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي فقد شبه أحلَّ شيء له في الاستمتاع بأحرم شيء عليه، ثم إن فيه استخفافاً بالشريعة أن يشبه هذا بهذا، ثم إنه قد يكون فيه أيضاً استهانة بالأم أن يجعل الزوجة مثلها، فعلى كل حال الفرق بين العبارتين واضح، والحكم الشرعي بينهما في الفرق بينهما واضح، فقد جعل الظهار له حكم، وجعل الله التحريم له حكم آخر، فهذا القول هو الراجح: أن تحريم الزوجة كتحريم غيرها يمين، فهو كما لو قال: حرام عليَّ أن ألبس هذا الثوب. ثم لبسه نقول: عليك كفارة يمين. فإن قال لزوجته: أنت عليَّ حرام. ثم جامعها نقول: عليه كفارة يمين ولا فرق. ثم قال عز وجل: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2] (عفو) عن التقصير في الواجبات (غفور) عن فعل المحرمات، وما أوسع عفو الله عز وجل، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45] . الجزء: 231 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) ثم بين الله حكم الظهار الحكم الذي يسميه الأصوليون الحكم الوضعي بمعنى: ماذا نعمل إذا حصل الظهار؟ فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة:3-4] الآن كم خصلة ذكر الله عز وجل؟ ثلاثاً: تحرير رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكيناً. هذه كفارة الظهار إذا عاد الإنسان لما قال، ومعنى عودته لما قال: أن يعود لامرأته التي جعلها كظهر أمه بأن يعزم على أن يجامعها، فنقول: قبل أن تجامع كفر. أولاً: تحرير رقبة ومعنى التحرير: تخليصها من الرق، يعني: يكون عند الإنسان عبداً مملوكاً فيعتقه، أو يشتريه من السوق ويعتقه، فإن لم يجد ثمن الرقبة أو لم توجد الرقبة، كمثل هذا العصر الآن فإنه لا يوجد فيما نعلم رقيق. {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أي: فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي، الشهران هل هما ستون يوماً، أو هما هلالان؟ الجواب الثاني، أي: هلالان، فلو قدر أن الشهر الأول ناقص والثاني ناقص، ستكون الأيام ثمانية وخمسين يوماً، ولا حرج؛ لأن الله لم يقل ستين يوماً، قال: (شهرين متتابعين) وقوله: (متتابعين) يعني: يجب ألا يفطر بينهما إلا لعذر، كالسفر والمرض، فإن لم يتابع بأن أفطر يوماً في أثناء الشهرين بدون عذر فعليه أن يستأنف؛ لأن الله اشترط أن يكون الشهران متتابعين، فلابد أن يستأنف. {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي: من قبل أن يجامع أحدهما الآخر، فيبقى صابراً عن امرأته مدة شهرين، هذا إن شرع في الصوم مباشرة، أما إذا تأخر ربما يتأخر -مثلاً- شهر ثم يصوم، فيبقى عن أهله ثلاثة أشهر. {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} [أي: تزجرون به عن هذا القول المحرم المنكر. فمن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين، إما لمرض وإما لشدة شبق يعني: شهوة للجماع وما أشبه ذلك {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} أي: فعليه أن يطعم ستين مسكيناً، وهل يطعم ستين مسكيناً قبل أن يجامع، أو له أن يجامع قبل أن يطعم؟ في الرقبة قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وفي الصيام قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} وفي الإطعام لم يذكر الله هذا الشرط: (من قبل أن يتماسا) فظاهر الآية الكريمة: أنه يجوز أن يرجع إلى زوجته ويجامعها قبل أن يطعم، ولكن أهل العلم يقولون: إن الإطعام كغيره، لا يرجع إلى زوجته حتى يطعم، وقالوا: إذا كان الله تعالى أوجب أن تكون الكفارة قبل الجماع في العتق وهذا قد يتأخر ربما يبقى الإنسان يبحث عن رقبة شهراً أو شهرين أو أكثر، في الصيام وهو شهران يبقى لا يجامع زوجته حتى يصوم، فما بالك بالإطعام؟ الإطعام يمكن أن يطعم خلال نصف ساعة أليس كذلك؟ يقولون: فإذا كان العتق والصيام يجب أن يتقدم الرجوع فالإطعام من باب أولى، ولكن كيف يطعم ستين مسكيناً؟ إطعامهم على وجهين: الوجه الأول: أن يصنع غداءً أو عشاءً ويدعو ستين مسكيناً، فإن لم يتسع المكان للستين دعا عشرة اليوم وعشرة آخرين من الغد وعشرة آخرين من الغد حتى يكمل ستين مسكيناً، غداء أو عشاء، فإن لم يصنع غداء أو عشاء فليطعم كل مسكين كيلو من الرز ومعه لحم، يعني: يأخذ أكياساً من (النايلون) ويجعل فيها كيلو من الرز ومعه لحم، لحم قليل يكفيه لوحده، ويوزعه على ستين مسكيناً، وبذلك تتم الكفارة. لكن إذا كان الإنسان لا يستطيع حتى الإطعام، فهل نقول: لا تقرب زوجتك حتى تقدر على الإطعام أو الصيام أو إعتاق الرقبة؟ نقول: قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وعلى هذا فيأتي أهله ولا حرج عليه. {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: أوجبنا ذلك ليتحقق لكم الإيمان، فإنه كلما كان الإنسان ممتثلاً لأمر الله مع المشقة، ازداد إيمانه ورغبته فيما عند الله. {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني: محمد صلى الله عليه وسلم {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ختم الآيات بهذه الجملة، كأنه يقول: استعدوا للعذاب الأليم إن لم تؤمنوا بالله ورسوله فتؤدوا ما أوجب الله عليكم من الكفارة. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 231 ¦ الصفحة: 6 حكم تأجير المنزل لمن يستخدم الدش السؤال فضيلة الشيخ! شخص عندنا له استراحة قد أجرها على أناس أو على شباب وضعوا فيها دشاً وقد نصح مراراً لكن لم يستفد، وهذا الشخص يظهر عليه الصلاح وهو إمام مسجد، السؤال: هل المال الذي يأخذه منهم حلال؟ وما هي النصيحة التي توجهونها إليه وفقكم الله؟ الجواب هذا يقول: أن رجلاً أجر استراحة له لقوم وضعوا فيها الدش فهل الأجرة حلال أو حرام؟ هذا ينبني على عقد الإجارة لهؤلاء هل هو حلال أو حرام؟ إن كانوا استأجروها من أجل أن يضعوا فيها هذا الدش ويسهروا عليه فهذا العقد حرام والكسب حرام، وأما إذا أجرها من أجل أن يخرجوا إليها في آخر النهار ويسهروا فيها ما شاء الله ثم يرجعوا إلى بيوتهم فهذا ليس بحرام، ولكن إذا رآهم وضعوا الدش فإذا تم العقد الذي بينهم يقول لهم: إما أن تخرجوا الدش، وإما أن تخرجوا. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 7 حكم لبس الخاتم للرجال السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم لبس الخاتم للرجال؟! الجواب التختم للرجال -يعني: لبس الخاتم- إن كان من ذهب فهو حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير: (حِلٌّ لإناث أمتي حرام على ذكورهم) ورأى رجلاً عليه خاتم ذهب فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار يضعها في يده، ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم بيده ورمى به) فلما انصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك، قال: لا آخذ خاتماً رمى به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما إذا كان من غير الذهب كالفضة، فإذا كان لحاجة فهو سنة، كالقاضي والأمير والوزير ومن لهم معاملة يحتاج إلى إثبات بختمه، فهذا سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يكاتب الملوك قيل له: إنهم لا يقبلون إلا كتاباً مختوماً فاتخذ الخاتم، وأما لمجرد الزينة فلا يسن له. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 8 الأفضل في صوم يوم عاشوراء السؤال هل يكفي أن يصوم المسلم العاشر فقط من المحرم حتى تكفر عنه سنة كاملة؟ الجواب يعني عاشوراء: وهو العاشر من شهر المحرم، إذا صامه الإنسان فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يكفر السنة التي قبله، لكن الأفضل ألا يفرده بصوم، بل يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 9 حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟ الجواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأول اختلف فيها العلماء: منهم من قال إنها سنة، ومنهم من قال ليست بسنة، وهذا هو الصحيح أنها ليست بسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم التشهد، لم يذكر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما قيل له: (يا رسول الله! علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد) ثم إنه قد ورد حديث في السنن ذكره ابن القيم في زاد المعاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هذا الجلوس حتى كأنما جلس على الرضف والرضف: الحجارة الحامية. القول الراجح: أنه لا يزيد على قوله وأن محمداً عبده ورسوله. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 10 حكم لبس النظارات السوداء السؤال ما حكم لبس النظارات السوداء لغير الحاجة؟ الجواب ماذا يريد بها إذا كانت لغير حاجة، كيف يلبس نظارات سوداء لغير الحاجة؟ السائل: كالشمسية مثلاً. الشيخ: طيب إذاً هذه حاجة، إذا كان عينه ما تتحمل نور الشمس الساطع هذه حاجة. السائل: يقصد الزينة. الشيخ: لا. لا يقصد الزينة لا أحد يتزين بهذه أبداً، هل يتزين بنظارة سوداء؟ أبداً. على كل حال للحاجة لا بأس بها، حتى لغير الحاجة لا أستطيع أن أقول: إنها حرام؛ لأن الأصل الحل في كل شيء. فمن قال حرام يقال: عليك الدليل، إلا شيئاً واحداً وهو العبادات، فالأصل فيها التحريم إلا ما دل الدليل عليه. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 11 حكم من أحدث أثناء الطواف السؤال إذا كنت حاجاً ثم في طواف الحج أحدثت في الشوط الرابع فذهبت وتوضأت ورجعت فهل أبدأ من الأول أو أتم الرابع؟ الجواب لا، هذه المسألة خطيرة، طوافك غير صحيح، لماذا؟ لأن الذين يقولون: إنه لابد من الوضوء يقول: لما انتقض الوضوء بطل الطواف، وإذا بطل لا يمكن البناء عليه، والذين يقولون: إن الوضوء ليس بشرط تكون هذه المدة قطعت الموالاة يعني: متى يخرج؟ ومتى يجد مكاناً فارغاً يتوضأ فيه؟ ومتى يرجع؟ فعلى هذا الرجل الآن: أن يذهب إلى مكة وإن كان صاحب زوجة لا يقربها، حتى يذهب إلى مكة ويطوف بثيابه طواف الإفاضة ويرجع، وإن أحب أن يحرم من الميقات بعمرة فيطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف طواف الإفاضة فلا بأس. فبلغه. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 12 حكم الاجتماع للتعزية السؤال بالنسبة للتعزية في البيت يقيمونها ثلاثة أيام، أحياناً العمة وابن الخالة وابن العم يأمرك بالتواجد في التعزية وتحدث لنا إحراجات يعني قد يكون خصام بين العم، وقد لا يكلمك أشهراً وقد حدث هذا معي، فما قولك؟ الجواب الاجتماع للتعزية بدعة، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يجتمعون لها، مع أنه أحياناً يصحبها من المنكرات أشياء كثيرة، فلا تحضر الاجتماع، ولا تفتح بابك للاجتماع، ومسألة: أن فلان يغضب أو لا يغضب، لا عبرة به، ما دام هدي النبي صلى الله عليه وسلم يخالف هذا، نحن مأمورون باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] . ثم إن في فتح الباب للتعزية إشعاراً بأن أصحاب المصيبة ما رضوا، كأنهم يقولون للناس: يا أيها الناس! تعالوا عزونا. وفي الله عز وجل عزاء من كل هذا، فأرى أن تقاطعها، ومن هجرك أو قطع صلتك فالإثم عليه هو، وأنت لا تهجره ولا تقطع صلته والإثم عليه هو. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 13 حكم المداومة على ذكر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت معين السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم المداومة على ذكر لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت معين كأن يقول بعد كل صلاة عصر: باسم الله عليَّ وعلى ذريتي وعلى أهلي وعلى أهل بيتي وعلى؟ الجواب هو على كل حال هذا من الأوراد، والأوراد المسائية تكون من بعد العصر ومن بعد الغروب، أما لو اعتقد أن هذا ذكر متصل بالصلاة لا لأنه آخر النهار فهنا يمنع؛ لأن العبادة لا تتم فيها الموافقة إلا إذا اجتمع فيها ستة شروط: أن تكون موافقة للشريعة في السبب، وفي الجنس، وفي القدر، وفي الهيئة، وفي الزمان، وفي المكان. وإذا خالفت الشريعة في واحد من هذه فليس من الشريعة، ولو أن الإنسان كلما دخل بيته صلى ركعتين وقال: هذا تطوع بالصلاة، نقول له: لا، تقييدك هذا بدخول البيت بدعة لم يرد في الشريعة أن دخول البيت سبب في صلاة الركعتين، فتكون مردودة على صاحبها، وهو آثم أيضاً. فهذا الذي قيد هذا الدعاء بصلاة العصر نسأل: هل أنت قيدته تبعاً للصلاة، أو لأنه وردك الذي تريد أن تقرأه في آخر النهار؟ إن قال: إن هذه نيتي فليس عليه شيء، وإن قال الأول، قلنا: لا. السائل: إن كان هذا ورده ليس عليه شيء؟ الشيخ: نعم إذا كان ورده فلا. إذا كان لصلاة العصر، لكن لأنه آخر النهار لا شيء عليه. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 14 حكم الاشتراك مع شركة هاتف مقابل مبلغ معين السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة للعروض التجارية لشركة الهواتف المتنقلة -الهواتف الجوالة- في الأصل الشركات تلزم المشترك باشتراك سنوي يدفعه بالإضافة إلى تكاليف المكالمات الشهرية التي يتكلم فيها بالدقائق، وفي بعض العروض حالياً -يا شيخ- تقول الشركة: نحن نسقط عنك الاشتراك السنوي بشرط أن تدفع عشرة دنانير شهرياً، والعشرة دنانير هذه من ضمنها المكالمات، فإذا تحدثت بمبلغ عشرة دنانير لا طالب ولا مطلوب، وإن زادت مكالماتك عن عشرة دنانير يأخذوا منك بقدر الزيادة بسعر معين للدقيقة، أما إذا جاء مشترك وتحدث -مثلاً- بستة دنانير وانتهى الشهر تقول الشركة: الأربع الدنانير الباقية لا تعود إليك وما ترحل للشهر القادم فما حكم هذه المعاملة؟ الشيخ: يعني الإشكال الآن: هل هو في الشركة التي اشترط فيها أن يلتزم إلى مدة سنة، أو الإشكال في أنه إذا كلم فما زاد على العشرة الدنانير فهو عليه وما نقص فهو عليه؟ السائل: الإشكال في الثاني. الشيخ: هذا ليس فيه إشكال، لأنه إذا حدد السقف الأعلى انتهى ولم تبق مشكلة. إذا قيل لك: مكالمة في حدود عشرة دنانير فلا إشكال في هذا، لأنه إذا تكلم في خمسة دنانير يعني مقدار خمسة دنانير فهو قد عرف أن الزائد قد ذهب عليه من أصله. السائل: الزائد يذهب عليه. الشيخ: يذهب عليه باختياره. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 15 حكم بقايا الأكل بين الأسنان في الصلاة وحكم مس المصحف بغير طهارة السؤال سماحة الشيخ! ما حكم بقايا الأكل بين الأسنان في الصلاة؟ وما حكم مس المصحف بغير طهارة؟ الشيخ: أما بالنسبة لبقايا الطعام بالأسنان فلا بأس أن يبقى بين الأسنان ولو صلى الإنسان، لكن لو انفصل منه شيء فلا يبتلعه، أحياناً يبقى بين الأسنان ثم بعد مدة يخرج من بين الأسنان، أو ربما يحركه بلسانه ويخرج، نقول: هذا لا بأس به لكن لا يبتلعه. وأما بالنسبة لمس المصحف فالقول الراجح قول الجمهور: أنه لا يجوز أن يمس المصحف إلا بوضوء، وإذا كان محتاجاً إلى القراءة من المصحف وليس هو على وضوء فليلبس قفازين أو يضع منديلاً على المصحف حتى لا يباشر مسه. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 16 حكم استخدام بخاخ الربو في رمضان السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم البخاخ للربو في رمضان؟ الجواب البخاخ لمعالجة الربو والإنسان صائم في رمضان أو غيره لا بأس به؛ لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة التي هي مجمع الطعام والشراب، وإنما غاية ما فيه أنه يفتح قنوات التنفس ولا يصل إلى المعدة، فلا بأس به. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 17 من آداب المصافحة السؤال بعض الناس إذا سلمت عليه وهو جالس يعتذر بقوله: أعز الله مقامك أو كذا؟ الشيخ: عز الله مقامك، وماذا تعني هذه؟! السائل: إذا سلمت عليك وأنت جالس يا شيخ! الشيخ: يعني مررت بشخص وهو جالس وسلمت عليه؟ السائل: صافحته وأنت واقف وهو جالس؟ الشيخ: ينبغي للإنسان إذا سلم عليه أحد ومد يده إليه أن يقوم؛ لئلا يكسر قلب صاحبه، إلا إذا كان يشق عليه القيام، مثل: أن يكون المسلِّمون كثيرين وهو جالس ويشق عليه كلما أتى شخص أن يقوم، فلا بأس أن يمد يده وهو جالس. أما مسألة: أعزك الله فلا داعي لها، فلا يقولها، ثم هاهنا مسألة وهي: أنه شاع عند كثير من الناس اليوم، أن الداخل إذا دخل بدأ بأول شخص يليه عند الباب مصافحة ثم مشى على الناس، وهذا خطأ من وجهين: الوجه الأول: أنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا دخل على مجلس أن يصافحهم، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس بدون مصافحة، والمصافحة تكون عند الملاقاة في الشارع. ثانياً: أنه يبدأ بالأيمن مع وجود من هو أكبر منه، وهذا غلط أيضاً، لأنك إذا دخلت على مكان وفيه صغار وكبار ابدأ بالكبار، بخلاف ما إذا كانوا جالسين على يمينك وعلى يسارك فابدأ باليمين ولو كان أصغر، ولهذا لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى في المنام رجلين ومعه سواك لما أراد أن يناولهما قيل له: كبر كبر. وهذه سنة، الناس لا شك أنهم يريدونها لكنهم ما اهتدوا إليها. فيقال: الأفضل إذا دخل الداخل أن يسلم على العموم ثم يجلس حيث انتهى به المجلس، وإن كان قد أعد له مكان يذهب إلى مكانه، يعني: ربما يكون المدعو صاحب جاه، أو مال، أو علم، وقد أعدوا له مكاناً خاصاً، فهنا يذهب إلى مكانه فقط، ولا يمر عليهم في المصافحة. ثانياً: إذا دخلت المجلس ومعك الشاي تريد تناوله الناس تبدأ بالأكبر. ثم بالذي على يمينك أنت، مثلاً: إذا كان الأخ هو الأكبر تعطيه إياه أولاً، ثم يعطيني إياه ولا يعطيه الثاني؟ الثاني الذي على يمينه هو. لأنه له يمين ويسار، فإذا ناول الأكبر قلنا من على يمينك؟ الذي على يمينه هو الذي على يسار الأكبر. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 18 معنى قوله تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل) السؤال قول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:110] ما تفسير هذه الآية أحسن الله إليك؟ الجواب {إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} أي: استبعدوا نصر الله عز وجل {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي: أن الذين أظهروا لهم الإيمان أظهروه كذباً، وهذه تفسرها القراءة الثانية: (وظنوا أنهم قد كذِّبوا جاءهم نصرنا) . وإنما يظنون ذلك لأنه إذا لم يأت النصر وهؤلاء المؤمنون، والمؤمنون موعودون بالنصر ظن الرسل أن هؤلاء الذين يقولون: إنهم مؤمنون كاذبون عليهم. السائل: الإشكال في الضمير (أنهم) يعود على من؟ الشيخ: على الرسل. السائل: (قد كذبوا) ؟ الشيخ: (قد كذبوا) أي: من قبل قومهم. السائل: يعني يوضحه في القراءة الأخرى: قد كذِّبوا؟ الشيخ: (قد كذِّبوا) نعم. السائل: تفسر عليها؟ الشيخ: تحمل عليها وهو كذلك، لأنه لا يمكن أن الرسل يظنون أن الله قد كذبهم بوعد النصر، هذا لا يمكن بل نقول: قد كذبوا أي: قد كذبهم قومهم في قولهم: إنهم مؤمنون. مثل قوله: قد كذبك وهو صدوق، أو صدقك وهو كذوب، أو ما أشبه ذلك. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 19 حكم إهداء الطعام لمن عنده اجتماع للعزاء السؤال للعزاء في منطقتنا هناك تجمع لمدة ثلاثة أيام، ولكن السؤال: هل يعمل لهم طعام خاصة إذا كان الميت قريباً أو جاراً كمساعدة أو كصلة، فهل نصنع هذا الطعام لهم ونأكل معهم؟ الجواب لا، والله! لا تصنع، إذا فعلت هذا فأنتم على ما هم عليه، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما أشغلهم) فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم العلة. السائل: كيف المخرج من هذا؟ الشيخ: لا يوجد دليل لهؤلاء المبتدعين، هؤلاء ما أتاهم شيء يشغلهم، بل اشتغلوا بصف الكراسي ووضع اللمبات وما أشبه ذلك، فكيف نحمل اللفظ على عمومه مع بيانه علته: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم) ولذلك لم يكن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن كل من مات له ميت صُنع له طعام، إنما يصنع لمن يشتغل لحزنه عن صنع طعامه. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 20 حكم لبس النقاب للمرأة التي في نظرها ضعف السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم لبس النقاب للمرأة التي يكون في نظرها ضعف؟ الجواب لبس النقاب لا أفتي بجوازه نظراً لما يترتب من الشر، حيث توسع النساء فيه حتى أصبحت المرأة توسع الخط لعينها وتكتحل وتجمل عينها بأجمل ما يكون، وبعضهن يوسعن الدائرة هذه أو الخط هذا حتى يصل إلى الوجنة، أو إلى الحاجب، فلذلك لا أفتي بجوازه ولكني لا أفتي بعدم جوازه، إذا قلت لا أفتي بعدم جوازه يعني: لا أقول أنه ليس بجائز، أما إذا قلت لا أفتي بجوازه فالمعنى: أني أتوقف عن الفتوى بجوازه. السائل: من أجل النظر؟ الشيخ: أبداً {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] وهذه التي تقول: إنها ضعيفة النظر وتأتي امرأة شابة من أحسن النساء نظراً تقول: عندي ضعف نظر. السائل: حتى -يا شيخ- لو اضطر. ؟ الشيخ: ماذا قلنا؟ أنت مثل الرجل الذي قيل له: الحلف بالنبي حرام ولا يجوز، وجاب الأدلة على المفتي قال: (والنبي ما أحلف بالنبي) على الفور!! الجزء: 231 ¦ الصفحة: 21 حكم لفظة (حرمت الحرام) السؤال بالنسبة لقولك: من يحرم الحلال، لكن لو قال: حرمت الحرام أن تشرب القهوة عندي، فقلت: لا تحرم جزاك الله خيراً، قال: أنا ما قلت حرمت الحلال، قال: حرمت الحرام. وأنت ذكرت -يا شيخ- في كلامك أحسن الله إليك أول سورة المجادلة: أن من يحرم أي حلال فهو يقع موقع اليمين، فلو قال: حرمت الحرام يعني كل ما حرمه الله سبحانه وتعالى فأنا أحرمه لكن من باب هل يقع موقع اليمين؟ الجواب لا، هذا لا يقع، وهذا حق وصدق، وليس بشيء على أننا نحمد الله أن نحلل كل حلال حلله الله، ونحرم كل حرام حرمه الله. السائل: يعني أحسن الله إليك بعضهم يستخدمها من باب التغيير والعزيمة للآخرين نقول: حرمت الحرام أن تشرب القهوة عندي. الشيخ: لا، هذا إن كان يفعل التورية يظن صاحبه أن هذا يمين. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى في الأسبوع القادم، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً إنه على كل شيء قدير. الجزء: 231 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [232] توعد الله الذين يحادونه ويحادون رسوله بالكبت والإذلال والعذاب المهين. وأخبر سبحانه أنه في يوم القيامة حين يبعثهم، سوف ينبئهم بكل أعمالهم التي لم يذكروها، ولكن الله قد أحصاها. وهذا اللقاء تفسير لآيات من سورة المجادلة، تتحدث عن هذا الموضوع الهام. وفي جزئه الثاني -كعادة هذه اللقاءات- فقرة للأسئلة وإجابات الشيخ عليها. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، تتم كل يوم خميس، هذا الخميس هو الخامس عشر من شهر محرم عام (1421هـ) . نبتدئ لقاء هذا اليوم بما جرت العادة به من تفسير كتاب الله عز وجل، وقد سبق في اللقاء السابق أن تكلمنا على آيات الظهار فلنسأل الآن: ما هو الظهار؟ هو أن يشبِّة الرجل زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبداً مثل أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي، أو: كظهر أختي، أو: كظهر عمتي، أو: خالتي. حكمه: أنه منكر من القول وزور. كفارته: إذا أراد الإنسان أن يعود إلى هذه المرأة التي ظاهر منها: أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين من قبل أن يمس امرأته، فإن مسها أثناء الشهرين أعاد من جديد، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين أطعم ستين مسكيناً، هذا الظهار وهذا حكمه. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (إن الذين يحادون الله ورسوله) ثم قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة:5] (الذين يحادون الله ورسوله) أي: يخالفون الله ورسوله فيفعلون ما نهى الله عنه ورسوله أو يتركون ما أمر الله به ورسوله، أو يجمعون بين هذا وهذا، وسميت المخالفة محادة لأن هذا المخالف كان في جهة وكانت الشريعة في جهة، وبينهما حد، وتسمى مشاقة أيضاً، كما قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:4] قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة:5] (كبتوا) بمعنى: أذلوا وأهينوا كما جاء في آخر السورة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20] وما من إنسان يحاد الله ورسوله إلا أذله الله عز وجل، ويكون إذلاله بقدر ما حصل منه من المحادة، جزاءً وفاقاً، ثم هذا الذل هل يكون في الدنيا أم في الآخرة أم فيهما؟ الجواب قد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط، وقد يكون فيهما جميعاً، المهم أن غايتهم هو الذل. جزاء ما تعالوا عن الحق واستكبروا عنه، أذلوا، (كما كبت الذين من قبلهم) أي: ممن حاد الله ورسوله من الأمم السابقة ماذا حصل لهم؟ حصل لهم الإهانة والخزي -والعياذ بالله- وصارت أخبارهم تقرأ في كتاب الله عز وجل، يتقرب المسلمون إلى الله تعالى بقراءة أخبارهم، ويقرءونها في صلاتهم. {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [المجادلة:5] يعني: أن هؤلاء الذين يحادون الله ورسوله قد حادوا الله ورسوله عن علم، لأن الله أنزل آيات بينات، أي: علامات على صدق الرسل وصحة رسالتهم (بينات) ظاهرات لا تخفى على أحد، ومع ذلك يحادون الله ورسوله. {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] أي: لكل كافر، وهنا قد يقول قائل: لماذا لم يكن سياق الآية: ولهم عذاب مهين؟ لأنه قال: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] فأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله كفار، وليعم هؤلاء وغيرهم وإن كان كل من كفر فهو محاد لله ورسوله، لكن ذكر الوصف أبلغ. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعاً) قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [المجادلة:6] (يوم) متعلقة بما سبق، يعني: لهم هذا العذاب المهين إذا بعثهم الله عز وجل، يبعثهم الله جميعاً لا يترك منهم نفساً واحدة، كل الخلق يبعثون، فينبئهم أي: يخبرهم بما عملوا، وهذا الإنباء من أجل أن يعرفوا أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، قال الله عز وجل: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] يا إخواني! الذي يعطيك الدفتر من التجار ويقول: انظر حسابك هل يكون قد أنصفك أم جار عليك؟ أنصفك، الإنسان يقول: خذ الدفتر أنت الآن قيم أو مقيد عليك بحضرتك انظر الدفتر، هذا غاية الإنصاف، ولهذا قال بعض السلف: لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك. فإذا قرأ الكتاب وجد أنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، أؤمن بهذه الحقيقة واعلم أن ذلك سيكون لك: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} كل إنسان مؤمن أو كافر {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13-14] . الجزء: 232 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (أحصاه الله ونسوه) قال الله عز وجل: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] (أحصاه) بمعنى: ضبطه مأخوذ من الحصى، لأن العرب كانوا في الجاهلية لا يقرءون ولا يكتبون، فيضبطون الأشياء بالحصى، يعدوها بالحصى، وعلى هذا جاء قول الشاعر: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر يعني: أنهم في الجاهلية إذا أرادوا أن يعدوا قومهم عدوهم بالحصى، فيأخذ حصى بعدد القوم ثم يضعه في كيس أو إناء حتى إذا شاء أن يستعيد العدد وإذا هو موجود، الحصى موجود، فأصل (أحصاه الله) يعني: ضبطه وهو مأخوذ من الحصى لأن الناس في الجاهلية إنما يحصون الأعداد بالحصى، (أحصاه الله ونسوه) بماذا أحصاه؟ أحصاه عز وجل بعلمه وأحصاه بواسطة رسله الذين يكتبون، كما قال عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] يعني: نسمع السر والنجوى والرسل حاضرة يكتبون. {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6] هذه الجملة تأكيد لما سبق من حيث المعنى، يعني أن الله شهيد على كل شيء سواء كان فعلاً أو قولاً أو إضماراً في القلب، كل ذلك فالله شهيد عليه، والمقصود من هذا: بيان إحاطة علم الله عز وجل، ثم التحذير من المخالفة، لأن الإنسان إذا علم بأن الله على كل شيء شهيد ماذا يحصل؟ يحذر ويكف عن المعاصي ويقوم بالواجبات، اقرءوا القرآن وأنتم تعرفون معناه، ليس المراد مجرد الإخبار بأن الله شهيد على كل شيء، هذا المراد لا شك لكن ليس هو المراد فقط، المراد أن تحذر من أن يشهد الله عليك بشيء لا يرضاه عز وجل، انتبه لهذه النقطة، فأكثر الناس يقرءون ولا يفهمون، لا بد أن نفهم {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:265] {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6] {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:64] وما أشبه ذلك المقصود منها ماذا؟ أن نعرف هذه الصفة لله عز وجل فقط، أم أن نتعبد لله بمقتضاها؟ الجواب الثاني مع الأول، يا أخي! إذا عرفت أن الله بكل شيء عليم هل تخالف الله؟ لا تخالفه لا في السر ولا في العلانية، إذا علمت بأنه على كل شيء شهيد، وأنه سينبئك بما عملت، ستخشى، والله! ستخشى، لأنك سوف تلاقي ربك عن قريب {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] الفاء تدل على قرب الشيء، تفيد الترتيب والتعقيب، فملاقيه عن قرب، وما أقرب الآخرة من الدنيا، أحسن ما خلفت وراءك من الزمن كأنه لحظة، المستقبل كذلك سيمر بك كأنه لحظة، وإذا بك على الباب قد لاقيت ربك، احذر يا أخي! لا تغرنك الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور، الدنيا زائلة، كم من إنسان خطف شبابه وهو في غاية ما يكون من الفرح والمرح وفارق الدنيا، وكم من كهل قد استوى على الدنيا وحاز من الأموال والجاه والشرف ما لم يجز عليه أمثاله؛ وإذا هو يدس في التراب، أليست هذه هي الحقيقة؟ ثم ما وراء ذلك؟ وراء ذلك اليوم الموعود الشاهد والمشهود، الأهوال والأفزاع {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17-18] اللهم أحي قلوبنا بالموعظة يا رب العالمين. إخواني! الدنيا ليست دار قرار، ما هي دار القرار؟ الآخرة، ولهذا قال مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] أكثر الناس الآن جعلوا الدنيا هي القرار ونسوا الآخرة، ولهذا قال في نفس الآية: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] لما مر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوم يعدون التسبيح بالحصى قال لهم: [مهلاً! ما من عمل صالح تعملونه إلا وقد أحصاه الله -لا حاجة لأن تضعوا الحصى- لكن أحصوا أعمالكم السيئة لتتوبوا منها] وهذا من فقهه رضي الله عنه. أنت لا تحصي أنك سبحت ثمانين أو ألف أو ألفين أو صليت على النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، لا، هذا معلوم مكتوب لا يضيع، لكن أحصِ العمل السيئ ماذا عملت من العمل السيئ حتى تتوب إلى الله وترجع منه؟ نعم الذكر المحدود بعدد حدده مثل: التسبيح خلف الصلوات، (من قال: سبحان الله، مائة مرة. ) (إني لأستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة) وما أشبه ذلك. المحدد حدده غير المحدد لا تحدد، لا يضيع شيء، إنك إذا حددت ثم فخرت وقلت: إني صليت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مليون مرة، المعنى أنك مننت على الرسول، أو قلت: إني ذكرت الله ألف مرة، المعنى أنك مننت على الله. لا تحدد إلا ما حدده الشرع والباقي أطلقه، اذكر الله ذكراً كثيرا، صل على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وكل شيء محصى. نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاتعاظ في الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية والمخلوقات العظيمة. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 5 الأسئلة الجزء: 232 ¦ الصفحة: 6 الفتور طبيعة بشرية السؤال أريد أن أسألك بخصوص الفتور أسبابه وعلاجه، فالإنسان يشعر بضعف دينه أحياناً؟ الجواب الإنسان لا يمكن أن يكون على وتيرة واحدة، حتى الصحابة قالوا: (يا رسول الله! إننا عندك نتعظ ونؤمن، وإذا ذهبنا إلى أهلنا -النساء والأولاد- نسينا، فقال: ساعة وساعة) لا يمكن للإنسان أن يكون على وتيرة واحدة، لكن يحافظ الإنسان على صلاح القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، يدع الخوض فيما لا يعنيه، يدع النزاع الذي لا فائدة منه، يدع التحزب الذي فرَّق الأمة ويقبل على الله عز وجل، ولهذا ترى العامي خيراً في عقيدته وإخلاصه من كثير من طلاب العلم، الذين ليس لهم هم إلا الأخذ والرد، والقيل والقال، وماذا تقول يا فلان؟ وماذا تقول في الكتاب الفلاني؟ وفيما كتبه فلان، هذا هو الذي يضيع العبد ويسلب قلبه عن الله عز وجل، ولا يجعل له هماً إلا القيل والقال. فنصيحتي لكل إنسان: أن يكون مقبلاً على الله عز وجل، وأن يدع الناس وخلافاتهم، هذا أحسن شيء. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 7 تركيب اللحى الصناعية في المسارح السؤال بعض المسارح المدرسية والمشاهد يركبون بعض اللحى الصناعية، هل تعتبر من الوصل؟ الجواب لو كان السؤال غير هذا، كأن نقول: هل يعتبر هذا من الاستهزاء باللحية؟ لكان قريباً، أما الوصل، فهي ليست من شعره، فهو يضعها أثناء التمثيلية فقط، لكن هل يليق أن يفعل هذا؟ أنا أرى أن ترك هذا أولى، وأن هذا يؤدي إلى أن يسخر الحاضرون أو بعضهم بأصحاب اللحية. ثم إن أصل التمثيلية فيها نزاع بين علماء العصر: هل تجوز أم لا تجوز؟ يأتي واحد يمثل شخصاً ويحضر له كبة من الشعر ويضعها هكذا، فيها نوع من السخرية. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 8 سنة السلام والمصافحة السؤال في الصباح دوام السلام والمصافحة ما رأيك فيها يا شيخ؟! الجواب إذا لقيت أخاك فصافحه هذا طيب، لكن الشيء الذي أحدثه الناس ولا أعلم له أصلاً في السنة: أنه إذا دخل المجلس قام يصافحهم واحداً واحداً يمر عليهم، هذا ليس من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المجالس ولا يصافح الناس وإنما يجلس حيث ينتهي به المجلس، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشايخنا السابقون لا يفعلون هذا ولا يُفعل عندهم أيضاً، لكن حدث هذا من بعض الإخوة المستقيمين ظناً منهم أن هذه المصافحة كالمصافحة مع الملاقاة وليس كذلك، الملاقاة كل واحد يلاقي الثاني، أما هذا فرجل دخل على أناس جالسين، فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دخل يسلم على الناس واحداً واحداً؟! من كان عنده سنة في هذا فليخبرنا بها، ومن ليس عنده سنة فخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً بعض الناس إذا دخل بدأ باليمين من عند الباب، ولو كان أصغر القوم، وهذا غلط، إذا دخلت فابدأ بالأكبر كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بمن عن يمينك، إنما تبدأ باليمين إذا كانوا عن جنبيك واحداً عن يمينك وواحداً عن شمالك، تبدأ باليمين ولو كان أصغر، أما عند الدخول وإعطاء القهوة أو الشاهي أو البخور فابدأ بالأكبر، ثم بمن عن يمينك حتى تنتهي، ثم عد إلى من على يمين الأكبر، وخذهم واحداً واحداً. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 9 نصيحة للمتخرجين من الجامعة السؤال فضيلة الشيخ! ما نصيحتك لمن هم على أبواب التخرج من الجامعة؟ الجواب نصيحتي لهم: أولاً: أن يشكروا الله عز وجل، أن أوصلهم إلى هذا المستوى. ثانياً: أن يجتهدوا في نشر العلم الذي ألهمهم الله إياه في كل مناسبة. ثالثاً: أن يكونوا قدوة في الأخلاق ومعاملة الناس لأن بعض طلاب العلم الآن أجفى من الأعراب، لا عنده بشاشة ولا تسليم ولا تواضع، بل بعض الناس كلما ازداد علماً يزداد كبراً والعياذ بالله، والعالم حقاً هو الذي إذا ازداد علماً ازداد تواضعاً، ثم لا حرج عليهم أن يقدموا في الوظائف ولا يقال: أن هذا من باب السؤال المذموم، لأن كل إنسان يريد أن يعمل لينفع الناس فإذا قدموا فلا حرج لا سيما إذا نووا بذلك أن يتبوءوا مكاناً ينفعون به عباد الله. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 10 صلاة الجماعة في البحر على مركب ضيق السؤال نحن من الكويت نركب البحر بواسطة قارب، فنكون مجموعة كبيرة يعني سبعة أشخاص فحين نصلي تكون صفوفنا غير متساوية، هناك متقدم وهناك متأخر، فهل نقيم جماعتين أم يصلي كل واحد بمفرده؟ الشيخ: لماذا؟ هل القارب صغير؟ السائل: نعم. صغير يا شيخ! الشيخ: لكن هو حوض؟ السائل: نعم مثل الحوض. الشيخ: حسناً! هذا الحوض لم لا يصلون فيه. أولاً: إذا أمكن يوجهونه إلى القبلة لكي يتسع لصفوف أكثر. السائل: لكن الصف لا يكفي. الشيخ: لا إشكال، الإمام وحده. السائل: نعم في الأمام. الشيخ: وراءه اثنان. السائل: نعم. الشيخ:. هل يتسع لاثنين آخرين؟ السائل: لا هؤلاء الاثنين الآخرين يكونا متقدمين أو متأخرين قليلاً. الشيخ: لا بأس أن يفصل بينهم وبين الآخرين. السائل نفسه: يفصل أم يكون هذا متقدماً عن الصف قليلاً. الشيخ: أما مسألة الفاصل لا يضر، لكن مسألة الاستواء التي في نفسي منها شيء، لأن تسوية الصفوف عند كثير من العلماء واجبة، فهذا الذي لم يجد مكاناً في الصف لا بأس أن يصلي ولو كان منحازاً عن الصف، كما أن الإنسان إذا جاء في المساجد العادية ووجد الصف مملوءاً له أن يصلي وراء الصف مع الجماعة. السائل: هل يصلي منفرداً؟ الشيخ: يصلي مع الجماعة لكن في المكان الذي هو فيه. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 11 لباس المرأة في البيت وخارجه السؤال بالنسبة لحدود لباس المرأة عند النساء، ما هي ضوابطه؟ الجواب ضوابطه كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه من الكعب -كعب الرجل- إلى الكف -كف اليد- هذه ضوابط لباس النساء في البيوت في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما في السوق فإنه يجب أن تكون عليهن ثياب طويلة تستر الأقدام، حتى أن أم سلمة استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها إلى شبر، قالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: (فيرخين إلى الذراع لا أزيد) . الجزء: 232 ¦ الصفحة: 12 إثم من يسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان السؤال ما حكم من يسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان من أهل السنة؟ الجواب لا شك أنه فعل معصية، وأنه آثم، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من خلفاء المسلمين، وأحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ائتمنه على كتابة الوحي وهو من أعظم ما يكون فهو أمين، ولا يجوز أن نسبه لما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن هذا جرى عن اجتهاد، والمجتهد من هذه الأمة ينال أجراً أو أجرين، إن أخطأ فأجراً، وإن أحسن فأجرين، ونحن لا نشك في أن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الصواب من معاوية، لكننا لا نسب معاوية لما حصل، لأنه عن اجتهاد، ولهذا قال في العقيدة: ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً. وأصل هذا -أعني سب معاوية كما يزعم الساب- انتصار لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب يقول: [إني لأرجو أن أكون أنا ومعاوية من الذين قال الله فيهم: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]] يعني: في الجنة، ثم إن معاوية رضي الله عنه كان خليفة بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحسن بن علي رضي الله عنه وهو أفضل من أخيه الحسين قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين متقاتلين من المسلمين) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لـ معاوية جعلها إصلاحاً وهذا نوع من الإقرار لـ معاوية رضي الله عنه، ولا يخفى على أحد من المسلمين أن الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنهما جميعاً، وأن ما حصل من القتال فـ علي فيه أقرب إلى الصواب، لكننا نحب أيضاً معاوية، ونرى أنه خليفة ذو خلافة شرعية، وأن ما جرى منه فهو على سبيل الاجتهاد الذي لم يكن صواباً، وكل إنسان يخطئ ويصيب. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 13 مدى صحة قتل خالد بن الوليد خمسة آلاف من الكفار في غزوة مؤتة السؤال سمعت من بعض الإخوة أن خالد بن الوليد رضي الله عنه قتل في غزوة مؤتة خمسة آلاف شخص، فهل هذا صحيح؟ الشيخ: قتل من الكفار؟ السائل: من الكفار. الشيخ: إن كان حقاً فجزاه الله خيراً. السائل: في البداية والنهاية يا شيخ! الجواب البداية والنهاية تاريخ معتبر، لكن يجب أن تعلموا جميعاً أن كتب التاريخ إلا ما شاء الله يكون فيها الضعيف لماذا؟ لأن التاريخ يخضع للسياسة، دائماً يخضع للسياسة، حتى عصرنا الآن تجد مثلاً الرئيس في هذه الجهة يمدح ما دام رئيساً، وتجعل له وقائع حق أو باطل، وإذا مات أو عزل فهو لكع بن لكع بمعنى: أنه لا يمدح، ويغفل عنه وربما يسب، كذلك التاريخ فيما سبق. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 14 حكم قراءة الفاتحة في الصلاة السؤال هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم سواء في الصلاة السرية أو الجهرية؟ وإذا ركع الإمام قبل أن يقرأها ما الحكم؟ وهل يأثم الإمام إذا ركع قبل أن يقرأ المأموم الفاتحة؟ أفيدونا وفقكم الله! الجواب المسألة هذه فيها خلاف: أولاً: هل تجب الفاتحة أم لا تجب؟ من العلماء من قال: الفاتحة لا تجب على أي مصلٍّ لقوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] وقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) لكن هذا مذهب غير صحيح، لأن قوله: (ما تيسر من القرآن) فسر بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) . ثانياً: بعض العلماء يقول: الفاتحة لا تجب على المأموم مطلقاً لا في السرية ولا في الجهرية. وهذا أيضاً ضعيف لأن حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) عام. ومن العلماء من يقول: تجب على المأموم في السرية دون الجهرية لأن الإمام يقرأ له ولمن وراءه، والدليل على أنه يقرأ له ولمن وراءه أنهم يؤمنون على قراءته، فالقراءة للجميع. ومن العلماء من يقول: تجب على كل مصل، الإمام والمأموم والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وهذا أقرب الأقوال إلى الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح ذات يوم فسأل الصحابة: (هل قرأتم خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا نص في صلاة جهرية مؤيدٌ بالعموم، إلا أنه يستثنى من هذا مسألة واحدة: المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويركع وتسقط عنه الفاتحة، ودليل ذلك: حديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي بالناس وكان راكعاً فأسرع أبو بكرة وكبر ودخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ولم يأمره بإعادة الركعة، ولا إعادة الصلاة. من جهة النظر أن نقول: هذا الرجل لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة، وإذا سقط المحل سقط الحال، بدليل: أن الإنسان لو قطعت يده من المرفق؛ سقط عنه غسل العضد؛ لأن محل التطهير قد زال. فالذي يترجح عندي القول بوجوب قراءة الفاتحة على كل مصل بلا تفصيل، إلا المسبوق إذا جاء والإمام راكع فتسقط عنه. كذلك لو جاء والإمام لم يركع لكن لم يتمكن من قراءة الفاتحة فليركع ولا شيء عليه. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 15 طلب العلم قبل الدعوة والإفتاء السؤال إذا كان أحد الإخوان يطلب العلم عند المشايخ، وكان جماعته وأهل قريته يقعون في المنكرات، وأغلبهم ممكن يقع في الشركيات، وحين تقول له: اذهب إلى قريتك بلغ دين الله سبحانه وتعالى وكذا بالذي عندك، يقول: لا زلت أطلب علماً، فهل تكون الحجة عليه -يا شيخ- بالنسبة لقريته؟ لجواب: نقول له: اطلب العلم أولاً، ثم ائت إلى قريتك ثانياً، لأنه كيف يدعو قومه وهو لا يعرف؟ وما ضر الناس إلا هؤلاء الذين يتكلمون بما لا يعلمون، وتأمل الفتاوى التي على الساحة تجد العجب العجاب من إفتاء أنصاف العلم، الفتاوى التي ليس لها زمام، ويا ويل هؤلاء الذين يتعجلون في الفتوى، إنهم سيسألون يوم القيامة، حيث قالوا على الله ما لا يعلمون، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] ويا سبحان الله! لو أن طبيباً صار يتطبب في الناس وهو لا يعلم، وهلك كثير من الناس على يده ماذا يقول الناس عن هذا الطبيب، أساء أم أحسن؟ أساء أي إساءة، هذا في طب الأبدان فكيف في طب القلوب وهو الشريعة؟!! ثم عجباً لهؤلاء الذين يتسرعون السيادة أن يشار إليهم بالأصابع، ويقال: فلان عالم!! يا أخي: لا تتسرع! اصبر! إن كان الله قد قدر لك السيادة حصلت لك، وإلا لم تحصل لك، ولا يزيدك هذا التسرع إلا هواناً عند الله وعند عباد الله، كل شيء مكتوب للإنسان سوف يعطاه في حياته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) لو لم يبق له من الرزق إلا حبة أرز لأكلها، ولو لم يبقَ عليه إلا لحظة من الأجل أدركها، فأنا أحذر هؤلاء الذين يتسرعون في الفتوى وأقول: اصبروا، انهلوا من العلم ثم أفتوا، وأحذر الناس أيضاً من الالتفات إلى فتاويهم. فهذا الرجل نقول: اقرأ العلم أولاً ثم اذهب إلى قريتك، وإذا أمكن أن تجمع بين هذا وهذا بأن تأتي إلى قريتك يوماً من الأسبوع وتبين لهم الحق فهذا طيب. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 16 حكم سماع الشباب للأناشيد الإسلامية السؤال فضيلة الشيخ! انتشر في هذه الفترة عند بعض الشباب ما يسمى بالأناشيد الإسلامية، وأحياناً يكثر الشباب الملتزم منها لدرجة مفرطة، ما رأيك فيها؟ الشيخ: أولاً أنت قلت لي: الشباب الملتزم، من أعطاك هذه العبارة؟ السائل: نحسبه من الشباب الملتزم. الشيخ: لا أقصد هذا، ولا أقصد تزكيته من عدمها، لكن كلمة الملتزم إطلاقها على الإنسان الطيب ليس صحيحاً، اقرأ قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] أم التزموا؟ طيب اقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم) . فأرجو من إخواننا أن يبدلوا هذه الكلمة؛ لأن هذا هو الذي جاء في القرآن والسنة. على أن كلمة ملتزم عند الفقهاء لها معنى آخر، يقولون: "ملتزم" من التزم أحكام الإسلام ولو كان يهودياً أو نصرانياً، فيسمون أهل الذمة ملتزمين، اقرأ كتاب الحدود في الفقه تجد أنه يجب الحد على كل بالغ عاقل ملتزم عالم بالتحريم، قالوا: والملتزم هو المسلم واليهودي والنصراني (أهل الذمة) . خذها معك وأدها إلى أصحابها، غيِّر (ملتزم) إلى (مستقيم) اتباعاً للقرآن والسنة، واحترازاً مما اصطلح عليه الفقهاء في كتبهم. أقول: الأناشيد الإسلامية كانت أول ظهورها لا بأس بها، سمعناها، فيها حماس، تحريك للقلب وإن كان تحريكاً ليس كالتحريك التعبدي، لأن الإنسان يأتي من نفسه حماس وإقدام، ولا يجد زهداً وورعاً وتعبداً كما لو سمعه من الأناشيد الأخرى، يعني: فيه قصائد ترقق القلوب وتوجب الخشية، وفيه قصائد بالعكس للحماس والاندفاع، لكن قيل لي: إنها الآن تطورت لتتدهور، صار فيها موسيقى أحياناً أو دفوف، فيها أيضاً أنها تصاغ على صفة الأغاني الهابطة، فيها أيضاً أصوات جميلة تفتن الرجال والنساء، فلهذا لا يمكن أن نحكم عليها بحكم عام حتى نعرف الشريط الذي في هذا. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 17 ضوابط تغيير المنكر باليد السؤال ما هي الضوابط الشرعية في تغيير المنكر باليد؟ وهل يجوز التجسس على أهل المنكرات للإنكار عليهم لمن ليس من أهل الحسبة؟ الجواب التغيير باليد لا يمكن إلا من ذي السلطان، يعني الأمير أو نوابه الذين جعلهم قائمين مقامه، لا من أفراد الناس، خصوصاً في عصرنا هذا؛ لأنه قد يظن الفرد منا أن هذا منكر وليس بمنكر، فيغيره بيده ويحصل في هذا مفاسد عظيمة. إذاً التغيير باليد الآن هذا لا يمكن، هذا للحكام. أما التغيير باللسان فنعم تغير باللسان وتنصحه برفق ولين، وتبين له المصالح من ترك هذا المنكر، والمفاسد إذا أصر عليها. التجسس لا يجوز، إلا إذا وجدت قرائن تدل على وجود المنكر، قرائن قوية، ثم لا يجوز أن يتجسس كل واحد، لأن هؤلاء الذين على منكر لو خرج واحد منهم ووجد هذا الرجل ماذا يصنع به؟ السائل: يؤذيه. الشيخ: لا يؤذيه، ربما يقتله. لكن إذا جاءت من الجهات المسئولة، فهذا ممكن، لكن مثلما قلت: بشرط أن توجد قرائن ظاهرة، كأن يدخل على هذا البيت نساء أو مردان أو ما أشبه ذلك. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 18 حكم تحريك الخاتم أثناء الوضوء السؤال فضيلة الشيخ! هل يجب تحريك الخاتم والساعة أثناء الوضوء؟ الجواب الفقهاء قالوا: يسن تحريكه. ولكن إذا كان ضيقاً فلابد من تحريكه، لأنه إذا لم يحركه لم يصل الماء إلى ما تحته، والله عز وجل يقول: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة:6] فلابد من غسل اليد كلها من أطراف الأصابع إلى المرفق. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 19 صفة الاحتباء السؤال فضيلة الشيخ! صفة الاحتباء، كيف تكون؟ الجواب الاحتباء: أن الإنسان يقيم فخذه وساقه ويربطها بسير، هذه يفعلها الناس عند طول الجلوس، لكنها عند مجيء الإمام لخطبة الجمعة لا ينبغي، ولو قيل بكراهتها لكان جيداً، لأنه إذا فعل هذا أتاه النوم. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 20 حكم تعليق الدعاء بالمشيئة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قول: بالتوفيق إن شاء الله، دعاء مثلاً يقول: وفقك الله أو؟ الجواب الأفضل أن الإنسان لا يعلق ذلك بالمشيئة بل عليه أن يجزم، لكن إذا قال: (إن شئت) -يخاطب الله عز وجل- صار محرماً، يعني: يجب أن تعرف الفرق بين (إن شاء الله) وبين (إن شئت) ، (إن شئت) أعظم وأقبح، لأنها خطاب لله عز وجل، فكأن الإنسان يخاطب الله ويقول: إن شئت فاغفر لي وإن شئت لا تغفر لي، أنا لا يهمني، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه) وفي رواية: (لا مكره له) . الجزء: 232 ¦ الصفحة: 21 الفترة الزمنية بين أذان الفجر وإقامته السؤال أذن المؤذن لصلاة الصبح ثم دخل الإمام بعد خمس دقائق فأقام الصلاة وصلى، فما حكم الصلاة؟ الشيخ: في أي بلد؟ السائل: في المسجد. الشيخ: أي بلد؟ السائل: في مصر. الشيخ: والله! اسأل عنها شيخ الأزهر. السائل: هناك خلاف بين العلماء عندنا الشيخ: إذا وجد الخلاف فخذ بالأحوط، انتظر حتى تعلم أو يغلب على ظنك أن الوقت قد دخل السائل: يعني إذا صلى. الشيخ: أنت تريد أن أفتيك أم لا؟ السائل: نعم أريد أن تفتيني. الشيخ: فتوى تأخذ بها؟ السائل: فتوى آخذ بها. الشيخ: قل: إن شاء الله، قل: إن شاء الله. السائل: إن شاء الله، وأريد كتابتها. الشيخ: اصبر، أفتيك فتوى تأخذ بها إن شاء الله؟ السائل: إن شاء الله. الشيخ: ارجع إلى شيخ الأزهر. الجزء: 232 ¦ الصفحة: 22 لقاء الباب المفتوح [233] تحدث الشيخ رحمه الله عن تفسير آية من كتاب الله عز وجل وهي قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض. ) وقد تحدث فيها عن مدى سعة علم الله عز وجل، وأنه هو الذي أمر القلم فكتب كلما هو كائن إلى قيام الساعة، وفصل في معية الله مع عباده، وبين أن المعنى ليس أنه في الأماكن التي نحن فيها، وإنما هو محيط بنا، ويسمع أقوالنا، ويرى أفعالنا، وله السلطة علينا. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث والثلاثون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني والعشرون من شهر محرم عام (1421هـ) . نفتتح هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير آيات من كتاب الله عز وجل. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] . (أَلَمْ تَرَ) أي: ألم تعلم؟ والمراد بذلك كل من يتوجه إليه الخطاب، فكل أحد يعلم هذا، إلا من أعمى الله بصيرته، والهمزة هنا للتقرير، وهكذا كلما وجدت همزة الاستفهام داخلة على (لم) فهي للتقرير، مثاله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] المعنى: قد شرحنا لك صدرك {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ} [المجادلة:7] المعنى: قد رأيت أن الله. {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من صغير وكبير، يعلم ذلك قبل وبعد وقوعها عز وجل، فلا يضل الله ولا ينسى سبحانه وتعالى. واعلم أيها الأخ المسلم! أن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلاً قبل أن يكون، علم متى يكون، وأين يكون، وكيف يكون، ثم كتب في اللوح المحفوظ -وهو لوح عظيم واسع- كتب فيه مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، (لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب. قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، فما كُتب على الإنسان فلا يخطئه، وما لم يكتب عليه لم يصبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف) إذا آمنت بهذا اطمأننت واستقررت ولم تندم على فعل، ولا تحزن على مستقبل؛ لأن الإنسان إذا آمن بالقدر اطمأن، ولا حياة سعيدة إلا بالإيمان بالقدر، لو أن إنساناً سافر وأصابه حادث، وكان مؤمناً تمام الإيمان بالقدر ماذا يصنع؟ نقول: هذا قدر الله، فيرضى ويسلم ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيطمئن وينشرح صدره، إذا أصيب بمرض يعلم أن هذا مكتوب عليه، ثم إذا ذكر الأجر هان عليه؛ لأن الأمراض والآلام في الدنيا مآلها إلى الزوال، والأجر ثابت، ولهذا قالت بعض النساء العارفات لما أصيبت إصبعها ولم تحزن ولم تتحدث بشيء قيل لها في هذا، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. انظر الإيمان! كتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة. ثم هذا الذي يكون أيكون بمشيئة الله أم بغير مشيئة الله؟ الجواب يكون بمشيئة الله، ما من شيء يحدث إلا بمشيئة الله، هو الذي شاء من قبل وشاءه عند وقوعه، ثم هذا الذي حصل مخلوق لله عز وجل، كل شيء مخلوق لله، حتى حركات الإنسان مخلوقة لله، أفعال الإنسان مخلوقة لله، حركاتي الآن وحركاتكم أنتم مخلوقة لله، كيف هذا؟ لأن هذه الحركة حدثت مني بأمرين: بإرادة وقدرة. لولا أني أردت أن أتحرك ما تحركت، ولو كنت عاجزاً ما تحركت، من خلق هذه الإرادة والقدرة؟ الله عز وجل هو الذي أودع فيك الإرادة وأودع فيك القدرة، فكل شيء مخلوق لله عز وجل، إذا علمت أن الله يعلم ما في السماء والأرض وأن كل شيء مكتوب، أوجب لك ذلك أن تتقي الله في سرك وعلانيتك؛ لأن الله يعلم حتى ما توسوس به نفسك، ما يخفى عليه شيء. اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، اخش الله في غيبك وشهادتك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، اللهم أخلص نياتنا وأصلح أعمالنا. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] أربعة أشياء، (من نجوى ثلاثة) أي: ما من متناجين ثلاثة إلا والله معهم وهو رابعهم {وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} أدنى من ذلك كم؟ اثنان، أكثر؟ سبعة فأكثر أو ستة فأكثر {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أي: في أي مكان كانوا، والمعية هنا ليست معية الحلول بمعنى: أن الله حالٌّ في أماكننا معنا، هذا ليس كذلك، والسلف ما فهموا هذا الفهم، ولا يمكن لإنسان يقدر الله حق قدره أن يتوهم هذا المعنى الباطل، ليس الله معنا في المكان هنا لا، فيكون معنى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} أي: عالم بهم محيط بهم، سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم، له السلطة عليهم، هذا معناه، وليس المعنى: أنه في الأماكن التي نحن فيها! كلا والله، من زعم ذلك فقد أساء الظن بالله أكبر إساءة نسأل الله العافية؛ لأنه يلزم على هذا الفهم الباطل الفاسد المنكر إما أن يكون الله واحداً متجزئاً بعضه هنا وبعضه هناك، وإما أن يكون متعدداً بتعدد الأمكنة؛ لأن أناساً هنا وأناساً في السوق، وأناساً في المسجد، وأناساً في الجو، وأناساً في البحر، هل الله متجزئ؟! هل الله متعدد؟! لا والله، ويلزم من ذلك ما هو أخبث: أنك إذا كنت في الحمام -في المرحاض- كان الله معك في نفس المكان. هل أحد يقول هذا؟!! والله ما يقوله إلا إنسان ما يعرف الله عز وجل ولا يقدره حق قدره، يا سبحان الله!! كيف تتصور أن ربك العلي الأعلى يكون معك في المرحاض -نسأل الله العافية- لا يتصوره الإنسان هذا أبداً، إلا شخص متنقص لله عز وجل أعظم تنقص. إذاً كيف نُخرِّج قوله: (إلا هو معهم) ؟ نخرج هذا: على أن المعية لا تستلزم الحلول والإحالة في المكان، العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا. وأين مكانه؟ في السماء، يقول: ما زلنا نسير وسهيل معنا. وسهيل في السماء، هذا وهي مخلوقات صغيرة في جنب الله عز وجل، ومع ذلك تكون مع الإنسان وهي فوق. إذاً الله معنا وهو فوق كل شيء، لا يخفى عليه شيء من أعمالنا، يجب أن تعتقد هذا الاعتقاد، فإن مت على العقيدة الأولى: إن الله معك في المكان، فلا أدري أتموت كافراً أم مؤمناً؛ لأن هذا تنقص لله تعالى غاية التنقص. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة) قال تعالى: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:7] (ينبئهم) أي: يخبرهم بما عملوا، ويقربهم به، إن كان مؤمناً -جعلني الله وإياكم منهم- فإن الله يخلو به وحده، ويقرره في ذنوبه، ويقول: (عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا، فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) اللهم لك الحمد، وما أكثر الذنوب التي سترها الله علينا، ما أكثر الذنوب التي عملناها وسترها الله، ولو شاء الله لكشفها وبينها وأظهرها على فلتات اللسان وصفحات الوجوه، كان بنو إسرائيل إذا أذنب الإنسان منهم ذنباً في البيت أصبح الذنب مكتوب على بابه، فضيحة وعار، وهذه الأمة -والحمد لله- شملها الله بالستر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من؟ قال: المجاهر الذي يعمل الذنب سراً ثم يصبح يتحدث به على الناس) سماه مجاهراً وإن كان فعلها خفية؛ لأنه كشفه هو بنفسه، من الناس من يفعل هذا -والعياذ بالله- تبجحاً، خصوصاً الذين يسافرون في أيام الإجازات ويزنون هناك ويلوطون ويشربون الخمر يأتون إلى أصحابهم ويقولون: والله السفر أنس وفرح، فعلوا كذا، زنى بامرأة أو أكثر أو أقل، تلوطوا بكذا وكذا من الغلمان، شربوا من الخمر كذا وكذا، هؤلاء مجاهرون والعياذ بالله، نسأل الله العافية. فالله سبحانه وتعالى يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه، ثم يقول: (سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) أما الكافر فإنه لا يحاسب هذه المحاسبة ولا ينظر الله إليه، لكن تحصى أعمالهم وتكشف وينادى على رءوس الأشهاد: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] ولهذا لم يقل عز وجل: ثم يعاقبهم بما عملوا، قال: (ينبئهم) والإنباء قد يكون معه عقوبة وقد لا يكون. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إن الله بكل شيء عليم) قال تعالى: إن الله بل شيء عليم) اللهم ارزقنا الإيمان بهذا، واعصمنا به من الزلل. أنت -يا أخي- إذا آمنت أن الله عليم بكل شيء حتى الذي في قلبك لا بد أن تخشى الله. قال الله عز وجل: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء:108] فاحذر احذر احذر! أن يعلم الله منك ما يكون مغضباً لله عز جل، واعلم أن لديك رقيب، ما من إنسان إلا لديه رقيب عتيد، رقيب مراقب وعتيد حاضر {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] يكتب كلما يلفظ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ونسألك ألا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأن تهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. العجيب أن بعض الطوائف انحرفت انحرافاً شديداً في مسألة المعية! بعضهم قال: إن الله معنا حال في الأمكنة! وهذا كما علمت خطير جداً، إذا مات الشخص على هذا الحال فلا ندري أمات كافراً أم مسلماً حتى وإن كان يصلي؛ لأنه تنقص الله عز وجل؟ والعجب أن هؤلاء لو قلت لهم: ادعوا الله، أين يرفعون أيديهم؟ إلى السماء، يقولون: يا الله، لا يحرفونها يميناً ولا يساراً ولا أسفل، إنما إلى السماء، فهم بفطرتهم يقرون بأن الله في السماء ولكن بأهوائهم لا يقرون بهذا، حجتهم يقولون: لو كان فوق لكان محدوداً ولكان جسماً، وما أشبه ذلك من إلهامات الشيطان، فنقول: لا. لا يكون محدوداً، هو فوق وليس شيء يحده، فوق كل شيء، كل شيء تحته، ولا شيء يحده، يقولون: يلزم أن يكون جسماً. نقول: إن كان يلزم من إثبات ما أثبته الله جسماً فليكن، وإذا لزم أن يكون جسماً وهو مما يستلزمه كلام الله ورسوله فليكن، ولكننا نطهر ألسنتنا أن نقول: إنه جسم أو غير جسم، مالنا حق أن نتكلم بهذا، نؤمن بما أخبر الله به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله، ولا نقدر جسم غير جسم عرض! ليس لنا حق؛ لأن الله تعالى بذاته يفارق كل ذات، فهو ليس من جنس المخلوقات في أي حال من الأحوال، قال الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] . فوصيتي لمن يسمعني: أن يثبت لله ما أثبته لنفسه، ولا يقول: كيف ولا لم؟ لأن الله أعظم مما تحيط به العقول، وأن ينفي ما نفاه الله عن نفسه، وأن يسكت عما سكت الله عنه ورسوله، هذه حقيقة الإيمان، أما الذي يحكم على الله بعقله فهذا ضال متبع لهواه، لا ينفعه إيمانه. وعكس هذا طائفة أخرى ضالة تقول: لا تقل: إن الله فوق ولا تحت، ولا هو يمين ولا شمال، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم، أين يذهب؟ ما في شيء! إذا وصفنا الله بهذه الأوصاف السلبية يعني: أن الله لم يكن شيئاً، ولهذا قال محمود بن سبكتكين رحمه الله وهو من أمراء الدولة العباسية العظماء، سأل أحد أئمة الكلام وهو أبو بكر ابن فورك سأله عن الله عز وجل فقال: إنه ليس فوق ولا أسفل، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل. فقال له محمود: فرِّق لي بين العدم وبين ما تقول؟ هل صحيح أم غير صحيح؟ صحيح، إذا كان هكذا معناه معدوم، فرِّق لي بين إلهك الذي تدعيه وبين العدم؟ فبهت الذي كفر -عجز على أن يتكلم- فانظر إلى انحرافين باطلين: الأول: الانحراف الحلولي. والثاني: الانحراف السلبي. أما السلف والأئمة فقالوا: نؤمن بأن الله فوق كل شيء، وحاشاه أن يكون في الأسفل، ولكنه مع الخلق محيط بهم عالم سميع بصير إلخ. اللهم اهدنا فيمن هديت، وإلى هنا ينتهي التفسير. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 233 ¦ الصفحة: 7 صحة من حج بنفقة غيره وهو قادر أن يحج بنفسه السؤال إذا حج الرجل على نفقة غيره وهو قادر على أن يحج بنفقته فهل يلزمه أن يحج حجة أخرى؟ الجواب إذا حج الإنسان بنفقة من غيره وهي الفريضة فإنها مجزئة ولا يلزمه شيء. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 8 حكم الأذان والإقامة في أذن الطفل وحكم التحنيك وكيفيته السؤال ما حكم الأذان في أذن المولود والإقامة، والتحنيك: هل هو خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام وما كيفيته؟ الجواب على كل حال: الإقامة حديثها ضعيف، والأذان حديثه مقبول. وأما التحنيك فإن كانت العلة أن يكون أول ما يصل إلى معدة الطفل التمر فهو مشروع لكل أحد، وإن كان مقصود التبرك بالريق فهذا خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم. وما دمنا الآن في شك: هل هي على سبيل السنة أو التبرك؟ فإننا نتركه ولا نحنكه، وإن حنكناه فلا بأس لاحتمال أن يكون كذلك. السائل: هل يكون الأذان والإقامة في أذن واحدة؟ الشيخ: الأذان في اليمنى والإقامة في اليسرى على القول بأنها مستحبة. كيفية التحنيك: أن الإنسان يمضغ التمرة ويخرجها من فمه ويجعلها في فم الصبي، والصبي إذا استطعم هذه يبلع الطعام. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 9 معرفة مذهب القدرية السؤال ذكرت عن الإيمان بالقدر، فهناك طائفة تسمى الطائفة القدرية فنتمنى أن نعرف ما هو مذهبهم؟ الجواب القدرية يعني: نفاة القدر، وهذا من النسبة السلبية؛ لأن العادة أن المنسوب للشيء متصف به، ولكن هؤلاء بالعكس، هؤلاء منسوبون للقدر وليسوا يؤمنون به القدري يزعم أن الإنسان مستقل بعمله ما لله فيه تدخل، وبعضهم يغلو حتى يقول: إن الله لا يعلم من فعل العبد إلا ما وقع، هؤلاء يسمون عند أهل السنة المجوسية، فيقولون: القدرية مجوس هذه الأمة، كيف ذلك؟ القدرية يقولون: هذا الكون له خالقان: نور وظلمة، فما فيه من شر فخالقه الظلمة، وما فيه من خير فخالقه النور، فجعلوا للكائنات والحوادث خالقين، القدرية كذلك أفعال العباد وما يحدث منهم للعبد مستقل به، وما يفعله الله فهو لله، فشابهوا المجوس من هذه الناحية، فسموا مجوس هذه الأمة وفيها حديث لكنه ضعيف إلا أن أهل السنة أخذوا بهذا اللقب الجزء: 233 ¦ الصفحة: 10 حكم إمامة الصلاة بدون إذن الإمام الراتب السؤال هل تجوز الصلاة على الإمام إذا تأخر قليلاً دون إذنه، وما حكم صلاة ذلك الإمام وصلاة المأمومين إذا كانوا يعلمون أن الإمام يكره ذلك؟ الجواب إن كان قد أذن لهم وقال: إذا تأخرت لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة فصلوا فالأمر واضح، إذا انتهت المدة يصلون، وإذا لم يأذن لهم حرم عليهم أن يصلوا، إلا إذا تأخر تأخراً كثيراً وكان الاتصال به غير ممكن فيصلون، فإن صلوا من دون إذنه فقال بعض العلماء: إن صلاتهم باطلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه) فقالوا: هذه صلاة محرمة فتكون باطلة. وقال بعض أهل العلم: الحرام هو الفعل والصلاة صحيحة والذي أرى بالنسبة للإمام: إذا كان له أحوال توجب أن يتأخر أن يقول للمؤذن: إذا تأخرت عشر دقائق -مثلاً- فأقم الصلاة. السائل: هل يكون المأموم آثماً إذا صلى بدون إذن الإمام؟ الشيخ: الذي صلى بدون إذنه وبدون سبب آثم، ولكن قلت لك الآن أهم من هذا: الصلاة باطلة عند كثير من العلماء يعني: يجب عليهم أن يعيدوا الصلاة. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 11 حكم نتف الشعر الزائد في المرأة عند الحاجب السؤال الشعر الزائد عند الحاجب في المرأة، هل نتفه أو حفه يدخل في النهي؟ الجواب الحواجب لا يجوز نتفها إلا إذا كانت مشوهة؛ لأن لدينا ثلاث حالات: إما أن تكون جميلة لدقتها وعدم اتصال بعضها ببعض، هذا لا يسأل عنه أحد. وإما أن تكون مشوهة كثيرة بمعنى: أن تأخذ من الجبهة شيئاً، كل من رآه يتقزز منها، فهذا لا بأس أن تأخذ ما فيه التشويه لكن بدون نتف، إما بالمزيلات -الأدهان- التي يدهن بها أو بالقص، هذا جائز والأول لا يسأل عنه، وإما أن تكون ما فيها تشويه لكن لم تصل إلى حد الجمال فهذا لا يجوز أن يغير. السائل: إذا كان التشويه يُرى من قريب ولا يرى من بعيد؟ الشيخ: ما دام ما في تشويه لا يغير. السائل: المسألة على التشويه، إذا لم يوجد تشويه يبقى على ما هو عليه؟ الشيخ: نعم. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 12 حكم توجيه الإمام للمأمومين الذين يزدحمون في يمين الصف أو يساره السؤال عندما يصطف المأمومون للصلاة تكون الجهة التي على الشمال ترجح على التي على اليمين أو العكس، هل يشرع للإمام أن يوجههم إلى تعديل الكفتين؟ الجواب يسأل يقول: إذا كان الصف عن يمين الإمام أكثر عن يساره أو بالعكس، فهل يشرع للإمام أن يقول للزائد: تعالوا إلى هذا الناقص؟ أقول: نعم. لأن المشروع أن يكون الإمام متوسطاً، والدليل على هذا: أنه ثبت في صحيح مسلم وغيره أن المأمومين إذا كانوا ثلاثة في أول الأمر يكون وسطهم، ثم نسخ وصار الثلاثة يكون الإمام أمامهم. ووجه الدلالة: أنهم لا يكونون عن يمينه -يعني: الاثنين عن يمينه ولا عن يساره- بل يكون هو بينهم. وأيضاً: هو إمام وهو مأمور بالعدل، وليس من العدل أن يكون أحد الجانبين بعيداً والآخر قريباً. وأيضاً: لم يقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أكمل الأيمن فالأيمن، ولو كان الأيمن أكثر مطلقاً لقال: أكملوا الأيمن فالأيمن كما قال في الصف الأول: أكملوا الأول فالأول. وأيضاً: نظرة الناس مثلاً: لو فرضنا أن أحداً خلف الإمام والباقين كلهم على اليمين وليس عن الشمال أحد، هذا المنظر ينافي أن يكون هناك إمام حقيقة؛ لأنه متطرف. هذه هي المسألة. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 13 كيفية إخراج الزكاة لمن له أقساط عند الناس السؤال بالنسبة للذين يقسطون السيارات، أحياناً مقسط السيارات أو بائع السيارات يقسط سيارة فيأتي أول قسط منها فما يلبث أن يمكث شهراً أو شهرين أو ثلاثة ثم يضعه في سيارة أخرى ويقسط والقسط الثالث أو الرابع يتأخر ستة أشهر أو سبعة أشهر، فوصول المال إليه غير منضبط، فهل هناك طريقة يتورع بها الشخص ويزكي زكاة تبرئ بها ذمته من غير طريقة كتابة كل دخل عليه؟ الجواب الطريق لمن له ديون عند الناس تأتي مختلفة أو رواتب تأتي مختلفة، إذا جاء وقت الزكاة يحصي ما عنده وما في ذمم الناس ويزكيها، وتبرأ الذمة ويرتاح. فمثلاً: إنسان زكاته في رمضان، نقول: إذا جاء رمضان احص ما عندك من النقود ثم أضف إليها الديون التي في ذمم الناس، ثم أخرج زكاة الجميع واسترح. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 14 حكم رد الخاطب الذي ليس له مال وهو ذو أمانة ودين السؤال فضيلة الشيخ! في قصة المرأة التي أتت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في الذين تقدموا لخطبتها فقال: أما فلان فصعلوك لا مال له. فهل يجوز رد خاطب مع أمانته ودينه ولكن لا مال له؟ الجواب الحديث الذي أشرت إليه فاطمة بنت قيس تقدم لخطبتها ثلاثة: معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم تقول: هؤلاء تقدموا، فأشار عليها، والمستشار مؤتمن، يجب أن يبين العيوب ويبين المناطق، قال لها: (أما معاوية فصعلوك لا مال له) هذا الذي ليس له مال صار خليفة المسلمين وقائدهم (وأما أبو جهم فضراب للنساء) يكثر ضرب النساء. (فانكحي أسامة، قالت: فنكحت أسامة فاغتبطت به) وهذا دليل على أن للمرأة أن ترد الخاطب إذا كان فقيراً، ولكن الأفضل إذا كان ذا خلق ودين أن تتزوج به، وهذا كما هو في الرجال هو في النساء أيضاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) . الجزء: 233 ¦ الصفحة: 15 الضابط في هجر العاصي السؤال ما ضابط هجر العاصي الذي لم تظهر معصيته علانية للناس إذا كان في هجره مصلحة؟ الجواب الضابط: أن هجر العاصي إن كان فيه مصلحة بحيث يرجع العاصي عن معصيته فليهجر، وأما إذا لم يكن فيه مصلحة فهجره حرام؛ لأن العاصي مسلم ولو فعل ما فعل من الكبائر إلا الكفر إذا كفر هذا معلوم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان ويعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فلا تهجره، ولأن بعض العصاة إذا هجرته زاد في معصيته، وكرهك أيضاً، ولم يقبل منك أي نصيحة، أما لو كان هجره ينفع، كما لو كان أحد الأبناء أو أحد الإخوة وهو يقدرك وإذا هجرته ارتدع، فهنا اهجره حتى يرتدع، فإن أخلف الظن -بمعنى: أنك هجرته ولكنه لم يرتدع- فعد وسلم عليه ولا تنس النصيحة. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 16 حكم الجهر بالأذكار بعد الصلاة المفروضة السؤال ما حكم الجهر بالأذكار بعد الصلاة المفروضة؟ الجواب الجهر بذلك سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بذلك وكذلك الصحابة، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) لكن لو كان إلى جنبك رجلٌ يقضي الصلاة، فهنا لا تجهر؛ لأنك لو جهرت شوشت عليه وأفسدت عليه صلاته. السائل: الجهر بعد الفجر والمغرب؟ الشيخ: بعد الفجر والمغرب وبعد الظهر والعصر والعشاء كل الصلوات. السائل: بعد الفجر والمغرب يقال عشر مرات: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) هل هذه خاصة بالمغرب والفجر؟ الجواب: بعد المغرب والفجر يقال عشر مرات: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) عشر مرات، وما سواها فثلاث مرات. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 17 نصاب الزكاة بالريال السعودي السؤال فضيلة الشيخ! كم يساوي الدرهم بالريال السعودي الآن؟ وكم نصاب الزكاة بالريال السعودي؟ الجواب يقولون: إن الدراهم مائتين ريال تساوي ستة وخمسين ريالاً، أي: وزنها ستة وخمسين ريالاً، هذا هو. مائتين درهم إسلامي زنتها ستة وخمسين ريال عربي سعودي فضة. فعلى هذا: يكون النصاب ستة وخمسين ريالاً، وهذا يختلف من وقت لآخر، قد تكون الفضة غالية فيبلغ مثلاً أربعمائة ريال ورق، وقد تكون رخيصة فينزل، المهم أنك تعتبر النصاب بالفضة وهي ستة وخمسون ريالاً. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 18 حكم تزويج المرأة من غير خطبة ولا مهر السؤال ما الحكم إذا أراد الأب تزويج ابنته من شخص بدون خطبة وبدون مهر؟ الشيخ: كيف بدون خطبة؟ يعني: هو يخطب الرجال؟ السائل: لا. الرجل لم يخطب ابنة الأب؟ الشيخ: يعني: إنسان خطب بنتاً من أبيها السائل: بدون خطبة وبدون مهر، هو طلب منه أن يزوجه ابنته الشيخ: كذا هبة -هدية يعني-؟ السائل: نعم. الشيخ: لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب:50] يعني: خاصة {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50] . ولا يحل لأي إنسان أب أو أخ أو عم أن يزوج المرأة بدون إذنها، سواءً كانت بكراً أم ثيباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الأيم حتى تستأمر، قالوا: وكيف إذنها؟ -أي: البكر- قال: أن تسكت) وما يفعله بعض الناس -والعياذ بالله- من الظلم الغاشم من تزويج بناتهم بمن لا يرضينه لكن لأنه ابن عم أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام عليه، والنكاح غير صحيح، وهذا الرجل لا يحل له أن يجامعها، إن جامعها فهو بمنزلة الزنا -والعياذ بالله- لا تحل له، ليست امرأته حتى تأذن وإن كان ليس مثل الزنا بمعنى: أنه يقام عليه حد الزنا؛ لأنه فيه شبهة، هو يعتقد أن هذا صحيح، فهذه شبهة تمنع الحد. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 19 معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من تعزى بعزاء الجاهلية) ومدى صحته السؤال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعزى بعزاء الجاهلية عضوه بهني أبيه ولا تكنوا) ما معنى هذا الحديث؟ وهل هو صحيح، علماً أن الألباني قال: رواه الترمذي وأحمد؟ الجواب هو صحيح، ومعنى: (تعزى بعزاء الجاهلية) أي: افتخر بالحسب والنسب؛ لأن التعزية بمعنى التقوية، وقوله: (عضوه بهني أبيه ولا تكنوا) أي: ذكر أبيه، أي: قولوا له: عض ذكر أبيك وإن شاء أن يقوله باسمه المعروف عند العوام، وهذا مثل قول أبي بكر رضي الله عنه في صلح الحديبية قال له: [امصص بضر اللات] (البضر) الفرج، وهي كلمة تقبيح وتهجين. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 20 معنى قوله عليه الصلاة والسلام للصحابي: (استفت قلبك) السؤال في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استفت قلبك) هل هذا الحديث يفعله كل الناس؟ الجواب لا. هذا لا يفعله كل الناس، إنما يفعله من كانوا على الفطر السليمة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (استفت قلبك) ليس لكل أحد؛ لأن الفاسق لو استفتى قلبه ماذا يكون؟ السائل: يتبع هواه ويفسق الشيخ: يفتيه قلبه بأن هذا حسن، هذه المعصية حسنة، لكن المراد: من كان سليم الفطرة. أو يقال: إن الرسول علم من هذا الرجل أنه على الفطرة وقال: (استفت قلبك) يخاطبه وحده. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 21 حكم صلاة أربع ركعات بتسليمة واحدة السؤال قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً) إذا كانت صفة الصلاة أربع ركعات بتسليم واحد؟ الجواب أولاً بارك الله فيك: هذا الحديث فيه مقال عند الحفاظ، بعضهم طعن فيه وقال: لا يصح. والثاني على تقدير صحته: فلا بد من ركعتين وركعتين، لحديث: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وعلى هذا نقول: كل حديث أطلق فيه أربع ركعات مثلاً فالمراد أربع ركعات بتسليمتين. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 22 كيفية الصلاة لمن لا يستطيع أن يصلي مستلقيا ً السؤال فضيلة الشيخ! يصلي المسلم قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى أحد جنبيه، فإن لم يستطع فيسترخي على ظهره، فإن لم يستطع فكيف يصلي؟ الجواب بعض العلماء يقول: يصلي بعينه، يؤشر بعينه في الركوع بأن يغمض قليلاً، وفي السجود أكثر. وبعضهم قال: لا. هذا ما ورد إلا في حديث ضعيف فلا عبرة به، ويصلي بقلبه -أي: ينوي تكبيرة الإحرام- فيقول: الله أكبر، ويقرأ ثم ينوي الركوع فيكبر ويقول: سبحان رب العظيم، ثم ينوي الرفع ويقول: سمع الله لمن حمده؛ لقول الله تبارك وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] . الجزء: 233 ¦ الصفحة: 23 حكم أخذ المال على الشفاعة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الشفاعة للغير بتسجيله في وظيفة وأخذ مبلغ مالي على ذلك؟ الجواب الشفاعة للإنسان أن يكون في وظيفة لأخذ مال هذا لا يجوز؛ لأننا نعلم أن هذا الذي أخذ المال سوف يرشي المسئولين؛ لأنا نسمع عنه أنه يأخذ عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو ما أشبه ذلك فيرشي المسئولين، والرشوة معروف أنها محرمة بل من كبائر الذنوب. السائل: أتعاب يا شيخ. الشيخ: أتعاب عشرة آلاف؟! يأخذ تكسي بريالين إلى الدائرة، لو قومت أتعابه لا تساوي خمسمائة ريال. السائل: هو لا يرشي المسئولين لكن له جاه عند المسئولين الشيخ: إذا كان له جاه لا يجوز؛ لأن الجاه أمر معنوي ما خسر شيئاً. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 24 حكم ترك سجدة السهو في ركعة فائتة السؤال فضيلة الشيخ! من ترك سجدة سهو في ركعة فائتة فما حكمها؟ الشيخ: يعني: في صلاة فائتة؟ السائل: في صلاته. الشيخ: بعض العلماء يفصل يقول: إن ترك سجود السهو الواجب قبل السلام فصلاته باطلة إذا تعمد، وأما إذا كان بعد السلام فلا، وعللوا كلامهم: بأنه إذا كان سجود السهو في نفس الصلاة فهو واجب فيها، وإذا كان بعد السلام فهو واجب لها. وبعض العلماء يقول: سواءً بعد السلام أو قبل السلام إذا تركه متعمداً فصلاته باطلة؛ لأنه عصى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: (فليسجد) . ولا أظن مسلماً يتعمد ترك سجود السهو وهو سجدتان متعمداً ويعلم أن الرسول أمر بها أبداً. فإما أن يكون جاهلاً وإما أن يكون ناسياً. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 25 حكم إقامة المسابقات التي فيها خسارة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم عمل مسابقة أسئلة على شريط أو كتيب في المدرسة -مثلاً- ثم أعرض هذه المسابقة بشرط شراء هذا الشريط أو الكتيب بسعر رمزي قد يكون قيمة هذا الشريط أو أقل الشيخ: كيف هذا؟ السائل: شريط معين محاضرة -مثلاً- أفرغها ثم أضع أسئلة على هذه المحاضرة مكتوبة في عشر صفحات مثلاً، ثم أطرح هذه المسابقة مجاناً لكن بشرط: شراء هذا الشريط بسعر التكلفة أو أقل الشيخ: من الذي يشتريه؟ السائل: المتسابقون. الشيخ: الذين يدخلون المسابقة. السائل: نعم يا شيخ. الشيخ: هل يضمن النجاح؟ السائل: قد ينجح وقد لا ينجح. الشيخ: طيب إذا لم ينجح هل يعطى قيمة الشريط؟ السائل: لا. الشيخ: لا يجوز هذا السائل: لكنه سيستفيد من هذا الشريط يا شيخ الشيخ: هو على كل حال يمكن لولا المسابقة ما اشتراه أبداً، أو اشتراه بنصف الثمن، وعلى هذا فيقال: من حاز السبَق فهو له، ومن لم يحز رد عليه ثمن الشريط ونأخذ الشريط منه، وإن شاء بقيت قيمته. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 26 حكم امرأة جامعها زوجها في صيام القضاء السؤال إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فصامته بعد انتهاء رمضان وحصل جماع من زوجها هل يكون عليه كفارة مغلظة، أم الحرمة خاصة في رمضان؟ الجواب يقول: هذه المرأة تصوم قضاء رمضان فجامعها زوجها إذا كان بغير اختيار منها بل أكرهها فلا شيء عليها وصيامها تام، وإذا كان برغبة منها فهي آثمة وعليها أن تقضي هذا اليوم وليس عليها كفارة؛ لأن الكفارة خاصة في نهار رمضان لمن وجب عليه الصوم، وأما من لم يجب حتى لو كان صائماً في رمضان فليس عليه كفارة، مثال ذلك: رجل ذهب بأهله إلى مكة في أيام رمضان وصام وفي أثناء النهار أراد أن يأتي أهله فنقول: نعم. لك أن تأتي أهلك ولا شيء عليك إلا قضاء اليوم؛ وذلك لأن المسافر لا يجب عليه الصوم. انتبه إلى هذه النقطة! لا يستفتيك معتمر في مكة جامع أهله في رمضان فتقول: عليك كفارة. السائل: يا شيخ! الكفارة خاصة في رمضان؟ الشيخ: الكفارة لا تجب إلا إذا كان الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 27 جواز جمع الصلاة لمن يشق عليه أن يصلي كل فرض في وقته السؤال فضيلة الشيخ! هل يجوز لامرأة مقعدة أن تجمع الصلاة عند الذهاب إلى الزيارة أو إلى البر، حيث أن تكرار الوضوء يكلف عليها، ولا تستطيع أن تبقى على وضوء واحد؟ الجواب يجوز للمرأة أو غير المرأة إذا كان يشق عليها أن تصلي كل صلاة في وقتها، أن تجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء، ويجوز أن تؤخر الظهر إلى العصر وتتوضأ لهما، فإذا غابت الشمس قدمت العشاء إلى المغرب بالوضوء الأول، فيكون هذا الوضوء يكفيها لأربع صلوات. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 28 كيفية الحصول على قيراطين في حضور الجنازة السؤال هل يلزم لحضور أجر الجنازة كاملاً الذي هو القيراط أن يخرج من دار بيته أو دار بيت المتوفى ثم يصلي عليه ثم يخرج معه إلى المقبرة؟ الجواب إذا ذهب إلى بيت الميت وشاركهم في تشييعه إلى المسجد ثم إلى المقبرة حصل على قيراطين، وإن شهد الصلاة فقط فقيراط واحد. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 29 حكم شراء سيارة بالتقسيط بثمن أرفع من قيمتها السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم التدين وأخذ سيارة من البنك الأهلي بالتقسيط، مع العلم أنه لا يملكها، ويدفع قيمتها ويشتريها من الشركة ويعطيهم بتقسيط عالٍ بأقساط ميسرة؛ وذلك لأنه في أشد الحاجة إلى التقسيط فهل تطبق عليها حكم الربا؟ الجواب نعم. هذا التقسيط حرام، مثلاً: يأتي الإنسان إلى البنك أو غير البنك يقول: أنا أحتاج إلى سيارة صفتها كذا وكذا فيقول: اذهب إلى المعرض واختر السيارة التي تريد، ثم يأتي ويقول: أريد السيارة الفلانية، فيذهب التاجر أو البنك إلى المعرض ويقول: بع عليَّ هذه السيارة فيشتريها منه نقداً بخمسين ألفاً، ثم يبيعها على الأول الذي طلبها يبيعها مقسطة بستين ألفاً، هذا حرام ولا يحل، وهو حيلة واضحة على الربا؛ لأن هذا البنك الذي اشتراها له ثم باعها عليه كأنما أقرضه قيمتها بزيادة وهذا حرام، العقد هنا صوري، ولولا أن هذا طلب السيارة ما اشتراها البنك، فلذلك يجب الحذر من هذا، وإن كان بعض الناس يفتي بذلك لكنه لم يتأمل المسألة، ولو تأملها لوجدها خديعة واضحة، وهي أخبث من خديعة اليهود الذين لما حرم الله عليهم الشحم أذابوه فصار ودكاً ثم باعوه وأكلوا ثمنه، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم الله عز وجل، وهذه الحيلة التي ذكرت أقرب إلى الحرام من الحيلة التي فعلها اليهود. فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل، وإذا قال: أنا ما وجدت أحداً، يقول: الحمد لله عليك ثيابك ولك مسكنك سواءً بأجرة أو بملك، وهذا كافٍ ليس لك من الدنيا إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، لو تبقى لا تأكل إلا مرة في اليوم ولا تشتري السيارة على هذا الوجه. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء؛ وإلى جلسة قادمة إن شاء الله تعالى. الجزء: 233 ¦ الصفحة: 30 لقاء الباب المفتوح [234] تحدث الشيخ رحمه الله في هذا اللقاء عن تفسير آيات من سورة المجادلة ، وقد بين من خلالها النهي عن التناجي بالإثم والعدوان؛ لما فيه من أذى للمؤمنين، واجتناب ما وقع فيه اليهود من عدم الانصياع لأمر الله في هذا. ثم بين حكم السلام على أهل الكتاب وكيفية الرد عليهم، وفي آخرها التذكير بيوم القيامة، وحرص الشيطان على أذية المسلمين وإيقاعهم في الإثم. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع والثلاثون بعد المائتين، من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر محرم عام (1421هـ) . الجزء: 234 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بتفسير ما يسر الله عز وجل، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة:8] (نهوا) أي: نهاهم الله عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عن النجوى) أي: عن التناجي فيما بينهم والكلام السر الذي يريدون به إرغام المؤمنين، حيث يظن المؤمن إذا مر بهم وجعلوا يتناجون أنهم يتناجون في أمر يكيدون له به، فنهوا عن ذلك {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} [المجادلة:8] تجدهم يتناجون فيما بينهم، فيما يأثمون به أي: يكسبون به عقوبة في الآخرة، والعدوان هو: الاعتداء على المؤمنين بإحداث الهم والغم لهم، (ومعصية الرسول) أي: أنهم يتواصون فيما بينهم أن يعصوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك) قال تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة:8] أي: إذا مروا بك أو أتوا إليك وأنت في مجلس حيوك بما لم يحيك به الله، وذلك بقولهم: السام عليك -يعني: الموت- ولكنهم لا يفصحون بها جيداً، فيظن السامع أنهم يقولون: السلام عليكم. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذا سلم علينا أهل الكتاب أو غير أهل الكتاب ممن نظن أنهم يقولون السام عليكم أن نقول: وعليك. إن كان دعا بالسلام فعليه، وإن كان دعا بالسام فعليه، وهذا غاية العدل، لكن إذا سلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيره بقوله: السلام عليك واضحة فلك أن تقول: وعليك السلام. لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] ولأن النبي صلى الله عليه وعلى سلم قال: (إن أهل الكتاب إذا سلموا يقولون: السام عليكم فقولوا: وعليكم) وهذا يدل على أنهم لو قالوا السلام لقلنا وعليكم السلام. {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة:8] أي: يحدث شخص منهم نفسه أو المعنى يقولون فيما بينهم {لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة:8] أي: هلاَّ يعذبنا الله بما نقول لو كان ما نقول خطأً، كأنهم يتحدون الله عز وجل ويقولون: لو ارتكبنا خطأ لعذبنا الله، قال الله تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} [المجادلة:8] أي: كافيتهم {يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة:8] وهذا وعيد شديد لهؤلاء الذين نجوا من عذاب الدنيا، أن لهم عذاب الآخرة. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان) ثم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المجادلة:9] لما ذكر الله عن حال اليهود أنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم، فقال: {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} وضد ذلك: {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (بالبر) أي: فعل الخير، (والتقوى) اجتناب الشر. أي: ليناجِ بعضكم بعضاً بما فيه الخير، إما براً يأمرون به، وإما محرماً يأمرون بتقواه واجتنابه {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} اتقوا الله تعالى يعني: أطيعوا الله، لأن التقوى هي: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنه لا شيء يقي من عذاب الله إلا هذا. قوله تعالى: {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي: تجمعون إليه يوم القيامة فإن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد متساو، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر نحن في الدنيا لسنا على أرض متساوية، بل على أرض تشبه الكرة ولذلك لا ينفذ البصر إلى ما وراء المنحنى: منحنى الكرة ولا يسمع الداعي، لكن في الآخرة يقول الله عز وجل: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق:3] يعني: تمد مداً واحداً ليس فيها جبال ولا انحناء ولا مساكن، ولهذا يسمعهم الداعي لأنه لا يوجد شيء يرد الصوت، وينفذهم البصر: يرى أقصاهم كما يرى أدناهم فيحشر الخلائق كلهم على هذه الأرض المسطوحة، لا جبال ولا أنهار ولا شعاب ولا غيرها. وفي قوله: وقوله: {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} منه إثبات المعاد وهو اليوم الآخر، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة. وأركان الإيمان هي: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فمن أنكر البعث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، بل من شك فيه فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، فلينقذ نفسه قبل الموت، وليوطنها على الإيمان باليوم الآخر، فنحن نحشر إلى الله ونبعث يوم القيامة ونجازى بأعمالنا إن خيراً فخير وإن شراً فشر. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (إنما النجوى من الشيطان) ثم قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:10] أي: من أوامره، أي: هو الذي يأمركم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول لماذا؟ {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10] أي: يلحقهم الحزن في نفوسهم، ولكن هل هذا يضرهم؟ الجواب لا يضرهم، ولهذا قال: {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة:10] كل الأسباب يبطلها الله عز وجل إذا شاء، وإذا شاء نفذ قدره فيها، فهؤلاء الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ليحزنوا الذين آمنوا لن يضر المؤمنين نجواهم إلا بإذن الله، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يتناجى اثنان دون الثالث -أي: إذا كانوا ثلاثة لا يتسامع اثنان من دون الثالث- من أجل أن ذلك يحزنه) ومثله إذا كانوا ثلاثة واثنان منهم يعرفون لغة غير عربية والثالث لا يعرف هذه اللغة فلا يجوز أن يتحدث بعضهم إلى بعض باللغة التي لا يعرفها الثالث لأن ذلك يحزنه، وهذا من عمل الشيطان، نسأل الله العافية. قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة:10] أي: يجب على كل مؤمن أن يتوكل على الله عز وجل، وإذا توكل على الله فهو حسبه لن يضره أحد. اللهم نسألك التوكل عليك وصدق الإيمان بك إنك على كل شيء قدير. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 234 ¦ الصفحة: 7 معنى قول الترمذي: (حديث حسن صحيح) السؤال أشكل عليَّ قول الترمذي في سننه: هذا حديث حسن صحيح ما معناه؟ الجواب المعنى عند العلماء: أنه يحتمل أن المعنى حسن صحيح أي: جامع بين الحسن والصحة، بأن يكون له طريقان: أحدهما حسن والثاني صحيح، وعلى هذا الاحتمال يكون قول المحدث: حسنٌ صحيح أقوى من قوله: صحيح. والثاني: أن يكون المعنى حسن أو صحيح يعني أن الحافظ تردد هل الطريق تصل إلى الصحة أو إلى درجة الحسن، وعلى هذا يكون قوله: حسن صحيح أضعف من قوله: صحيح. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 8 الأصل في اللحوم السؤال الأصل في اللحوم هو الحل أو التحريم؟ الجواب الأصل في اللحوم التحريم لا في الحيوان، الأصل في الحيوان الحل والأصل في اللحوم التحريم حتى نعلم أو يغلب على ظننا أنها مباحة. يعني: لو شككنا في هذا الحيوان هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال فنذكيه ونأكله، لكن لو شككنا في هذا اللحم هل هو مذكى أو ميتة؟ فالأصل التحريم، حتى يغلب على ظننا أنه حلال، ومن ذلك: إذا جاء هذا اللحم ممن تحل ذبيحته فهو حلال، وليس علينا أن نسأل كيف ذبح، ولا أن نسأل هل سمى الله عليه أم لا، ليس علينا هذا بل وليس لنا ذلك أيضاً؛ لأن السؤال عن هذا من باب التعمق في الدين، ولهذا لما جاء أناس يستفتون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولون: (إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا) لم يقل اسألوهم قال: (سموا أنتم وكلوا. قالت عائشة راوية الحديث رضي الله عنها: وكانوا حديثي عهد بكفر) وحديث العهد بالكفر قد يخفى عليه وجوب التسمية عند الذبح. على كل حال: إذا جاءك اللحم ممن تحل ذبيحته، والذي تحل ذبيحته هو ثلاثة أصناف من الناس: المسلم واليهودي والنصراني، لا تسأل ولهذا لو جاءنا الآن ذبيحة في أسواقنا هل نسأل من ذبحها؟ لا, لا نسأل، وهل نسأل هل الذابح يصلي أو لا؟ لا نسأل، وهل نسأل أذكر اسم الله عليه أم لا؟ لا نسأل، وهل نسأل أنهر الدم على وجه الشرعي أو لا؟ لا نسأل، السؤال يعتبر من باب التعمق، ولو قلنا بوجوب السؤال لقلنا: باقي أسئلة: نسأل هل الذبيحة ملكاً للذابح أو لا؟ فإذا قالوا: ملكاً، قلنا: بأي وجهاً ملكها؟ هل اشتراها أو استوهبها أو سرقها؟ ثم نسأل بعد ذلك الأول كيف ملكها؟ ثم تتسلسل، لكن الحمد لله، الله وسع وقطع دابر هذا التساؤل بألا نسأل. كان اليهود يهدون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام اللحم ويأكل دون أن يسأل، وكان يدعوه اليهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة لا يسأل عن هذه الإهالة كيف ذبحت، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما ما يتناقله بعض الناس من اللحوم الواردة إلى أسواقنا بأنها لم تذبح على طريقة شرعية، فهذا خطأ وهذا وسواس، ولا ينبغي أن يروج هذا بين الناس، فيبقى المؤمن يأكل الأكل من اللحم ويشك في حلِّه، دعوا الناس، ثم الذي يرد إلى بلادنا والحمد لله مزكى من قبل لجان هناك عند المذابح التي في البلاد الأخرى تذبح على حسب الطريقة الشرعية. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 9 حكم تقليد الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! شخص قلد الصلاة سواء صلاة الميت أو صلاة الاستسقاء أو الصلاة المفروضة، مثلاً: قوم جالسون في مجلس وشخص كبر -مثلاً- كأنه يصلي صلاة الميت وقرأ الفاتحة الشيخ: تعليماً أم ماذا؟ السائل: لا لشيء، هل يعتبر هذا من الاستهزاء بالصلاة؟ الشيخ: ليس من الاستهزاء إلا إذا كان قصد الاستهزاء؛ لأن هذا قد يكون مراده التعليم، وإذا انتفى مراد التعليم بقي هل هو استهزاء أو لا؟ نقول: الأصل عدم الاستهزاء، لكن مع ذلك ينهى عن ذلك أشد النهي، ولهذا ننهى عما يفعله بعض الناس بالتمثيليات من قيام، ويأتي آخر ويتحدث إليه وهو يصلي أو ما أشبه ذلك فهذا ننهى عنه نهياً مطلقاً مشدداً. السائل: لكن لا يخرج من الملة؟ الشيخ: لا، الإخراج من الملة صعب وليس بالهين. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 10 حكم التسول في المساجد السؤال لو وجدت شخصاً يتسول في المسجد يسأل الناس مالاً وأنا لا أعرف هل هو غني أم لا هل أعطيه أو لا أعطيه؟ الجواب أولاً -بارك الله فيك- حسب علمي أن الدولة مانعة من هذا منعاً باتاً؛ لأن هؤلاء قد يكون بعضهم كاذباً، وإذا لم يكن كاذباً شوش على الذين يقضون الصلاة، ثم إن المساجد بنيت للصلاة والذكر وقراءة القرآن وما بنيت للسؤال، فيقال لهذا الرجل: اخرج عند الباب واسأل. السائل: هل أعطيه يا شيخ؟! الشيخ: أنت تعطيه أو لا تعطيه، هذا الذي يغلب على ظنك، لكن أصلاً السؤال في المسجد من الناحية النظامية ممنوع، ومن الناحية الشرعية قد يقول قائل: إنه لا يجوز، وإن كان يوجد حديث في أبي داود: (أن رجلاً سأل الناس في المسجد وأقره النبي صلى الله عليه وسلم) . لكن هذا قد يكون لضرورة، والضرورة لها أحكام. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 11 حكم إعطاء المؤذن من ينوب عنه شيئاً مقابل الأذان السؤال أنا مؤذن وأحياناً أوكل غيري بالأذان فهل أعطي الموكل نصيب الوقت الذي قام فيه بالأذان عني؟ الجواب أولاً: لماذا توكل وأنت مؤذن موكول إليك الأذان؟ السائل: للضرورة. الشيخ: إن كانت ضرورة فلا بأس، لكن الضرورة يوم أو يومان مثلاً في الشهر ولا تعطه شيئاً ما جرت العادة بذلك، نعم لو قال لك: أريد شيئاً فأعطه شيئاً، مع أنه لا ينبغي له أن يقول: أريد شيئاً؛ لأن هذه عبادة. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 12 لباس المرأة عند المحارم السؤال هل يجوز للمرأة أن تلبس ثوباً ذا كمٍ قصير عند محارمها؟ الجواب المرأة مأمورة باللباس الساتر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لباس نساء الصحابة في البيوت القمص وستر ما بين الكف والكعب. هذه هي ثياب نساء الصحابة، كل الجسد يستر، وهذا لا شك أنه أكمل في الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان) وإذا فتح للنساء باب التوسع في اللباس أصبح لا ضابط له، وصارت المرأة تلبس ما شاءت، لكن لو أنها مثلاً امرأة تعمل في البيت وكشفت الذراع لأجل العمل أو الساق لأجل العمل فلا بأس مع كون الثوب ساتراً من أصله. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 13 حكم اعتزال الناس بحجة ازدياد الإيمان السؤال بعض طلاب العلم يحس أنه إذا اعتزل الناس أنه يزداد إيمانه ويترقى في درجات الصلاح، وأنه إذا خالط الناس يضعف إيمانه، فيشكل عليه، هل يخالطهم مع ضعف الإيمان، أو يعتزلهم مع ازدياد الإيمان وارتفاع درجات الصلاح؟ الجواب هذا يسأل يقول: إن بعض الناس إذا اعتزل الناس قوي إيمانه ورغبته في الخير، وإذا خالطهم غفل ولها، فأيهما أفضل؟ نقول: إن كان هذا الرجل معه علمٌ ينفع به الناس ويرشدهم فاختلاطه بالناس أولى، (فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) أما إذا كان رجلاً عادياً لكن انعزاله عن الناس أخشع له وأقوم لعبادته فليفعل، لكن لا ينعزل عن أهله؛ لأنه مسئول عن أهله (الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) . السائل: لو كان يا شيخ! عنده علم هل يدعو؟ الشيخ: لو كان عنده علم يجب عليه أن يبذل العلم، ويجب عليه ألا ينفر، سبحان الله! الإنسان ليس عاقل! ابذل العلم وانشر العلم ولا تنفر. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 14 حكم من أسلم في نهار رمضان السؤال فضيلة الشيخ! الكافر إذا أسلم في نهار رمضان فهل يؤمر بقضاء هذا اليوم أو لا يؤمر؟ الجواب إذا أسلم الكافر في أثناء النهار في رمضان وجب عليه الإمساك ولا يجب عليه القضاء؛ لأنه في أول النهار غير مأمور بالصوم، فيجب عليه الإمساك ولا يلزمه القضاء؛ لأنه في الأول ليس أهلاً للوجوب. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 15 حكم إعطاء الكأس الذي يكون في المسابقات السؤال فضيلة الشيخ! بعض المدارس يفعلون مسابقات، وهذه المسابقات الجائزة عليها كأس فما حكم الكأس؟ الشيخ: كأس ماذا؟ السائل: كأس حديد يا شيخ! الشيخ: هل الكأس هذا زجاج أو طين؟ السائل: لا، يا شيخ! حديد بعض الأحيان يكون ذهبياً، لكن المدارس يكون الكأس فيها حديداً. الشيخ: لا بأس بذلك، ولكن لماذا لا يكون شيئاً ينتفع به؛ لأن هذا الكأس يمكن أن يكون كأس النايلون أحسن منه، لماذا لا يكون شيئاً نافعاً إما ساعة وإما قلماً أو كتاباً هذا أفضل. السائل: يا شيخ هذا الكأس يعطى للفصل كله، فهم يعطون كل طالب جائزة عينية إما شريطاً أو كتاباً، ثم للفصل كله كأساً من أجل أن يوضع في الفصل. الشيخ: أنا أقول: أصل هذا الكأس الظاهر أنه مأخوذ من غير المسلمين، هذا الذي أفهمه أنا، أن الكأس الذي تقوله أنت ليس هو كأساً يشرب به. السائل: هو لا يستخدم -يا شيخ- للأكل ولا للشرب ولا لشيء. الشيخ: لا يستخدم ولا يصلح؟ السائل: فقط زينة. الشيخ: زينة، بدل هذا نأتي بشيء غير هذا الكأس هذا الذي أرى. السائل: هل هو جائز يا شيخ؟! الشيخ: لا أقول ما يجوز، التحريم صعب، لكن أرى أن يعطى شيئاً ينفع. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 16 حكم ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال هل ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الله ورسوله؟ الجواب وهل يمكن لأحد أن يترك الصلاة على النبي؟! أليس سيصلي؟! السائل: أي يتركها في خارج الصلاة. الشيخ: لا يلزم ذلك، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة ليست بواجبة، حتى في الصلاة فيها خلاف بين العلماء: بعضهم يقول ركن، وبعضهم يقول واجب، وبعضهم يقول سنة، لكن لا أظن أحداً يحب الله ورسوله يدع الصلاة على النبي، أبداً. إذاً: ليس ترك الصلاة على النبي صلى عليه وسلم، في خارج الصلاة من أذية الله ورسوله. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 17 حكم جلسة الاستراحة في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ، جلسة الاستراحة هل هي سنة دائمة، أم هي مشروعة للكبير أو للحاجة؟ الشيخ: وما هي الجلسة؟ السائل: أن يجلس قبل أن يقوم للثانية وأن يجلس قبل أن يقوم للرابعة الشيخ: في الصلاة؟ السائل: إي نعم، جلسة الاستراحة في الصلاة. الشيخ: الصحيح أن فيها تفصيلاً: من احتاج إليها فليجلس اتباعاً للسنة وإراحة للبدن، ومن لم يحتج إليها فلا يجلس، هذا هو التفصيل الذي تجتمع به الأدلة. ثم إذا كان المأموم خلف إمامٍ لا يرى الجلسة فلا يجلس المأموم، لأنه في جلوسه يكون مخالفاً للإمام حيث جلس في محل قيام الإمام، وإذا كان مع إمام يرى الجلسة والمأموم لا يراها فليجلس تبعاً لإمامه، فالمأموم تابع، فإن جلس إمامه جلس وإن لم يجلس لا يجلس على كل حال. السائل: وإذا كان محتاجاً كمرض؟ الشيخ: لا بأس أن يجلس فهذا لحاجة. السائل: ولو كان الإمام ما يجلس؟ الشيخ: هذه حاجة، لكن كما قلت: الأولى ألا يتخلف إلا للضرورة. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 18 حكم من نسي دعاء الاستفتاح في الصلاة السؤال ذات يوم صليت صلاة المغرب وفاتتني ركعة والركعة الثانية نسيت دعاء الاستفتاح ويوم قمت إلى الثالثة تذكرت فقلتها، فهل علي سجود سهو؟ الجواب لا، أولاً بارك الله فيك دعاء الاستفتاح في صلاة المغرب وغيرها ليس بواجب إنما هو سنة، وإذا فات فات، يعني: لو شرعت في الفاتحة أول ركعة قبل أن تستفتح فلا تعد وتستفتح، لأن هذا سنة فات محلها، فهمت أم لا؟ السائل نفسه: أعد. الشيخ: أقول: الاستفتاح سنة ليس بواجب، فإذا نسيتها حتى شرعت في القراءة سقط ولا حاجة أن تعيد ولا أن تقوم، وكذلك لو لم تذكر إلا في الركعة الثالثة لا تقوله. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 19 حكم السلام على من لا يرد السلام السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم السلام على شخص لا يرد السلام مع العلم أنه مسلم؟ الجواب سلِّم على من عرفت ومن لم تعرف، وعلى من يرد ومن لا يرد، إذا سلمت ولم يرد نلت الأجر ونال هو الوزر، لكن لا تسلِّم سلاماً خفياً؛ لأن بعض الناس يسلم سلاماً خفياً لا يسمع، سلِّم سلاماً يسمعه المسلَّم عليه، وإذا قدر أنه لا يسمع أشر بيدك مع السلام. يظن بعض الناس الجهال أن الرجل إذا كان معروفاً بعدم الرد فلا تسلم عليه فتوقعه في الإثم، وهذا خطأ، الحديث: (ألق السلام على من عرفت ومن لم تعرف) وإذا لم يرد باء بالإثم، أنا فاعل سبب الخير لي وله، وإذا ترك الخير فعليه. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 20 حكم إنزال الشماغ في الصلاة السؤال ما حكم إنزال الشماغ في الصلاة في الركوع والسجود؟ الشيخ: ليس فيه شيء، لكن إذا سجدت وهو مسترخ لا تكفه أما لو كففته من الأصل ووضعته على رأسك أو جعلته خلف ظهرك فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وألا أكف شعراً ولا ثوباً) يعني: حال السجود ليس مطلقاً، فمثلاً: إذا كان الشماغ أو الغترة كما قلت لي الآن أنه مسدول لا تكفه عند السجود ودعه يسجد، أما إذا كان من الأصل أنت وضعته على الظهر فلا حرج، أو وضعته على الرأس فلا حرج، لأن النهي أن يكفه الإنسان عند السجود، وكذلك الكم، لو كان الإنسان من الأصل يعمل في حرثه أو في أي شيء وقد كف ثوبه فلا حرج، لكن إذا أردت تسجد لا تكف الكم من أجل السجود. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 21 حكم من صلى في مسجد ثم أدرك الصلاة في مسجد آخر السؤال إذا صليت الفريضة في المسجد -مثلاً- صلاة العشاء ثم خرجت لمسجد آخر فوجدتهم يصلون وكانوا في الركعة الثالثة هل أشرع معهم، وإذا انتهت الصلاة هل أقضي ما عليَّ أو لا؟ الجواب هذا يسأل يقول: إذا صليت في مسجدي ثم أتيت مسجداً آخر وهم يصلون صلاة العشاء ودخلت معهم في الثالثة فهل إذا سلم الإمام أسلم لأني صليت ركعتين، أو أتم فأصلي كما صلى الإمام أربعاً؟ الجواب: ينظر في هذا، إن كان الإنسان أتى للمسجد الثاني لحاجة ربما تفوته لو أتم الصلاة، فلينوِ ركعتين من أول ويسلم مع الإمام، مثاله: إنسان جاء يصلي على جنازة في مسجد آخر وقد فاتته ركعتان من صلاة العصر فهل نقول: ادخل معهم في الركعتين الباقيتين ثم اقض الركعتين الفائتتين، أو نقول: سلم؟ في أي الحالين يدرك صلاة الجنازة إذا سلم، أو إذا قرأ؟ إذا سلم، إذاً نقول: سلم، لكن من أول انو أنك داخل على أنك ستصلي ركعتين فقط. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 22 حكم تسمية نوع من المناديل بـ (أجنحة الملائكة) السؤال هناك ما يسمى عند النسوة سفط المناديل في أجنحة الملائكة فما حكم هذه التسمية؟ الشيخ: ما سفط المناديل على الملابس؟ السائل: المناديل عادية. الشيخ: سفط المناديل على الملابس؟ السائل: تسفط سفطة معينة وتسمى بأجنحة الملائكة. الشيخ: الملائكة!! أعوذ بالله. الشيخ: النساء يخلين على الملائكة، لكنا ما سمعنا بهذا هل سمعتم بهذا؟ مداخلة: نعم، وهي مناديل حقيقية. الشيخ: يقول مناديل حقيقية. السائل: شكل المنديل يسفط بشكل معين فيسمى بأجنحة الملائكة. الشيخ: هذه التسمية لا تجوز، أما الفعل فينظر بعد إذا كان هذا الفعل موروثاً عن نساء الكفار فلا يجوز، لأنه: (من تشبه بقوم فهو منهم) وإن كان عادة اخترعها بعض الناس من أهل الإسلام فلا بأس بها في الأصل. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 23 حكم من صلى المغرب خلف رجل يصلي العشاء السؤال كنت مسافراً فوجدت شخصاً -أكرمك الله- في دورة المياه واتفقت معه، وقلت له: صليت المغرب والعشاء؟ قال: لا، ونحن بين المغرب والعشاء، فلما دخلنا المسجد وجدنا شخصاً يصلي ولم نعلم ماذا يصلي، دخلنا معه لأننا نريد صلاة المغرب فكان يصلي العشاء -يصليها أربعاً- فصلينا معه من أول ركعة، فلم نجلس في الثالثة، أو أني جلست لكن شككت عندما قام الذي بجانبي الذي دخل معي، حيث قام مع الإمام للرابعة، شككت أن الإمام يصلي المغرب، فشككت أني أنا ساهي ولم انتبه ولم أعلم أن المفروض أن أجلس في الثالثة، المهم صلينا معه أربعاً، فلما انتهيت من الصلاة، سألت الذي بجانبي الذي دخل معي، فقال: إنه صلى أربعاً، قال: ما الحكم؟ اجتهدنا فأعدنا صلاة المغرب ثلاثاً ثم صلينا بعدها العشاء اثنتين فما الحكم أثابك الله؟ الجواب هذا لا بأس به، يعني: ما صنعتم فهو صحيح، لكن لو أنكم نويتم المغرب، فإذا قام إلى الرابعة اجلسوا واقرءوا التشهد وسلموا، ثم ادخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء وأتموا، هذه طريق المسألة، لكن أنتم أعدتم جزاكم الله خيراً على خير. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 24 حكم زيادة لفظة الشكر في قول المصلي: (ربنا ولك الحمد) السؤال فضيلة الشيخ حفظك الله قول: ربنا ولك الحمد والشكر. زيادة والشكر هل هي واردة أم لا؟ الجواب لا. لم ترد، قول المصلي إذا قال: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد ولا يزيد، وما يزيده بعض العوام فهو عن جهل، قول ما جرى على لسانه الحمد لله والشكر لله لكن الأفضل اتباع النص. السائل: وهل يقال أنها بدعة؟ الشيخ: لا. هو ما قصد أنه يبتدع، هذا إما أن يكون جارياً على لسانه، أو أنه من باب محبة الذكر، لكن يقال له: الأفضل الاقتصار على ما جاء به النص. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 25 حكم الإيداع في البنوك التي يتم فيها خصم من المال المودع عندهم السؤال بعض البنوك إذا أودعت مبلغاً من المال أقل من خمسة آلاف ريال يخصمون شهرياً عشرة ريالات من هذا المبلغ فما حكم الإيداع على هذه الطريقة؟ الشيخ: يعني أودعت في البنك أربعة آلاف. السائل: أربعة آلاف -مثلاً- إذا أتى بعد شهر وسحبت المبلغ نقص منة عشرة. الشيخ: لماذا؟ السائل: يخصمونها يقولون: لا يقل الرصيد عن الخمسة الآلاف من باب رفع أرصدة المودعين. الشيخ: العشرة ريالات عوض عن ماذا؟ السائل: لا أدري يا شيخ. الشيخ: كيف لا تدري عليك أن تدري، أرى أنهم أخذوها بغير حق؛ لأنه إذا كان هذا الذي أودعهم انتفع بكونها مأمونة هم انتفعوا أيضاً باستعمالها؛ لأنه حقيقة الأمر أنه يقرضهم إياها، أليس إذا دخل صندوق البنك فالبنك يتصرف فيها كما شاء؟ السائل: نعم. الشيخ: إذاً: هذا قرض، فكيف يأخذ على القرض فائدة، وقد جاء في الحديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فأخذ البنك هذه العشرة ظلم وربا ولا تحل له. السائل: إذاً ما يجوز الإيداع على هذه الصورة يا شيخ؟ الشيخ: على هذه الصورة لا، لأنك ستكون قد أوكلت الربا، والرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن آكل الربا وموكل الربا) . السائل: لكن يا شيخ الخمسة قد تقل مع الأيام. الشيخ: ستقل إذا سحبت منها، ليس فيها شيء إذا صاروا لا يأخذون منها شيئاً. السائل: لا يأخذون. الشيخ: أنت تقول أربعة فأقل؟ السائل: خمسة فأقل. الشيخ: الخمسة ما يأخذون؟ السائل: نعم. الشيخ: ليس فيها شيء. السائل: لكن مع الأيام الرصيد سيقل. الشيخ: نعم سيقل لكنهم راضون، وصاحب البنك راضٍ أليس كذلك؟ السائل: نعم. الشيخ: انتهى. السائل: إذاً: يجوز إذا كان أكثر من خمسة؟ الشيخ: المهم أنه يجوز إذا لم يأخذوا منك شيئاً، ولا يجوز إذا أخذوا منك شيئاً، ثانياً: على القول بالجواز لا يودع البنك إلا عند الحاجة، لأن البنك سوف يستعملها فلا تودع عنده إلا لحاجة. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 26 حكم صبغ الشعر بالسواد السؤال أريد جواباً شافياً كافياً عن حكم صبغ الشعر باللون الأسود وبالكتم لأن الكتم يشبه اللون الأسود جزاكم الله خيراً؟ الجواب الجواب الشافي الكافي إن شاء الله: أنه لا يجوز صبغ الشيب بالسواد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جنبوه السواد) وهذا في صحيح مسلم، وورد الوعيد على ذلك في السنن: (أنه يكون في آخر الزمان أقوام يصبغون بالسواد كخوافت الطير لا يدخلون الجنة أو قال: لا يجدون ريحها) وهذا يقتضي أن يكون من الكبائر. أما الكتك فالكتنم يخلط مع الحناء حتى يكون اللون بنياً بين السواد والصفرة، وليس الكتم وحده؛ لأن الكتم وحده لونه أسود لكن الكتم مع الحناء يخلط ويصبغ به. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 27 حكم اقتناء صور الحيوانات والطيور السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم اقتناء الصور التي على شكل قط أو حصان أو طيور ووضعها في السيارة، أو زوايا المنزل، أو ليلعب بها الأطفال؟ الجواب هذا لا يجوز وهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر: (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة) وهذا الخبر المراد به التحريم، فلا يحل لأحد أن يضع صورة مجسمة في منزله، سواءً كانت الصورة صورة فيل أو أسد أو بعير أو غير ذلك. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 28 حكم مصافحة الكافر السؤال ما حكم مصافحة الكافر إذا كان هو المبتدئ بالمصافحة؟ الجواب إذا مد الكافر يده للمصافحة فصافحه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ابتدائهم، أن نبدأهم بالسلام، أما إذا بدءونا هم أو صافحونا يجب أن نصافحهم، لكن لا نمد أيدينا إليهم للمصافحة نحن، لكن الكافر إن سلم فرد عليه، وإن صافح تمد يدك إليه، وإن لم يسلم لا تسلم عليه، وإن لم يصافح لا تصافحه، إليك هذه الآية الكريمة بارك الله فيك: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] لم يقل: إذا حيا بعضكم بعضاً (إذا حييتم) فأي شخص يحيينا ولو هو أكفر عباد الله فإننا نرد عليه مثل تحيته أو أكثر، لكن الأولى في غير المسلمين ألا ترد عليه أحسن، رد عليه مثل تحيته؛ لأنك إذا رددت عليه أحسن زدته خيراً وفرح به. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 29 حكم دعاء صفة من صفات الله سبحانه وتعالى السؤال ما حكم أن يدعو الإنسان صفة من صفات الله سبحانه وتعالى مع بيان وجه ذلك الحكم؟ الشيخ: هل الصفة تفعل؟ السائل: لا، لا تفعل. الشيخ: إذا دعوت من لا يفعل هل يجوز؟ السائل: لا يجوز. الشيخ: لا يجوز ولهذا قال شيخ الإسلام: دعاء الصفة كفر بالاتفاق. هكذا قال في كتاب الاستغاثة، ولأنك إذا دعوت الصفة جعلتها مستقلة، تجلب إليك الخير وتدفع عنك الشر، وهذا يعني أنك جعلتها إلهاً مع الله. السائل: هل من ذلك قول العامة: يا وجه الله. أو ما إلى ذلك؟ الشيخ: لا، يا وجه الله يريد الله عز وجل، كقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] أي: الرب عز وجل. السائل: وهل يترتب على ذلك محظور؟ الشيخ: ما هو؟ السائل نفسه: أنه قد يشتبه عليه أنها تكون من دعاء الصفة. الشيخ: لا، هذا بعيد، لكن لو أراد بقوله: يا وجه الله! أن يستشفع بالله على هذا الرجل، أي: يجعل الله شافعاً، فهذا حرام، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يكون شافعاً، فهو يشفع عنده ولكنه لا يستشفع به. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 30 حكم تقدم المأموم إلى سترة بعد سلام الإمام السؤال أحياناً المأموم تفوته ركعة أو ركعتان، فعندما يسلم الإمام يجد السترة بعيدة عنه بمقدار خطوتين أو ثلاثاً فهل يجوز له أن يتقدم إلى السترة؟ الجواب الذي يظهر لي من صنيع الصحابة رضي الله عنهم، أن المسبوق لا يتخذ سترة، وأنه يقضي بلا سترة. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 31 حكم الاستثناء في الدعاء للغير السؤال ما حكم الاستثناء في الدعاء للغير؟ الشيخ: مثاله؟ السائل: مثاله: غفر الله لك إن شاء الله، أو وفقك الله إن شاء الله. الشيخ: أو تقول: اللهم اغفر لي إن شاء الله. السائل: وهل من ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمريض: (طهور إن شاء الله) ؟ الشيخ: أما قول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، فهذا محرم، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما قوله: إن شاء الله فهو أقل رتبة لكن لا ينبغي، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا بأس طهور إن شاء الله) فهذا من باب الرجاء؛ وذلك لأن المريض قد يكون مرضه طهوراً له وقد لا يكون، فلو كان هذا المريض لم يصبر، وقلبه مملوء من التسخط على الله عز وجل لم يكن طهوراً، فيكون إن شاء الله من باب الرجاء، يعني: أسأل الله أن يكون طهوراً لك إذا صبرت واحتسبت الأجر. السائل: يعني الدعاء للغير إذا كان فيه إن شاء الله. الشيخ: غفر الله لك إن شاء الله؟ السائل: إي نعم. الشيخ: لا تقل هذا، الشيء المعلوم منفعته لا تقل فيه: إن شاء الله، لأن الله لا يفعله إلا بمشيئة، فإذا قيدته بالمشيئة فكأن هذا يوحي أنك مستغنٍ عن ربك عز وجل. الجزء: 234 ¦ الصفحة: 32 لقاء الباب المفتوح [235] لقد أمر الله عباده إذا قيل لهم: تفسحوا في المجالس أن يفسحوا، وجعل لذلك جزاءً عظيماً وهو أن يوسع لهم الأمور التي تستعصي عليهم في شئون دينهم ودنياهم، وأيضاً أمرهم أن إذا قيل لهم: انشزوا أن ينشزوا، والنشز معناه: القيام، وأخبر عز وجل أنه يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وأطلق الدرجات؛ لأنها على حسب الإيمان والانتفاع بالعلم. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 1 تفسير آية من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الخامس والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح، والتي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو السابع من شهر صفر عام (1421هـ) . نبتدئ هذا اللقاء بما يفتح الله به علينا من تفسير آيات من كلام الله تبارك وتعالى، وليعلم أن القرآن كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة وألقاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوعاه وحفظه، وكان يعاجل جبريل القراءة شوقاً للقرآن وحرصاً عليه، فقال الله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:16-18] يعني: إذا قرأه جبريل فاتبع قرآنه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:19] . والقرآن خير الكلام في أخباره وأحكامه وآثاره وتأثيره، ولهذا أحث كل إنسان على حفظ القرآن وتدبر معانيه والعمل به؛ لأن الله تعالى رفع به هذه الأمة لما كانت تجاهد بالقرآن وللقرآن رفعها الله، ولما تولت وأعرضت حصل لها من الذل ما تعلمونه الآن، ولو عادت إلى القرآن والسنة كما كان عليه الأسلاف لعادت إليها عزتها وكرامتها. أحث إخواني على تعلم القرآن وتفسيره، وليأخذ التفسير من طريقين: الأول: العلماء المأمونين في علمهم، المأمونين في ثقتهم وعقيدتهم. الثاني: كتب التفسير، ولكن يجب أن تبتعد عن التفاسير التي تشتمل على تحريف القرآن في صفات الله تعالى وأسمائه فلنحذر منها. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) نعود إلى موضوع كلامنا حيث انتهينا إلى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:11] (تفسحوا) أي: اجعلوا فسحة وتوسعوا، وقوله: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ} يشمل ما إذا قاله الداخل أو قاله من يدير المجلس، ولهذا تجد أن الفعل (قيل) ولم يذكر القائل ليشمل هذا وهذا، فمثلاً: إذا كان المجلس له مديراً يجلِّس الناس وقال لبعضهم: توسعوا لفلان يجلس فليتوسعوا، أو أن رجلاً دخل والمجلس مكتظ بالجالسين فقال: توسعوا فليتوسعوا، وما هو جزاء المتوسعين؟ جزاؤهم مثل عملهم: (يفسح الله لكم) يوسع لكم الأمور التي تستعصي عليكم في أمور دينكم ودنياكم، وهذا ثواب عظيم بعمل يسير، وكانوا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجلسون، فيأتي إلى المجلس أناس من كبار الصحابة، من أهل بدر أو غيرهم، فيقفون؛ لأنهم لا يجدون مكاناً فربما يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقوم: تفسحوا، وربما يقول هؤلاء الواقفون: تفسحوا، فأمر الله تعالى من وجه إليه الأمر بالتفسح أن يفسح وبين توابعه. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة:11] وهذه أشد من الأولى، يعني: إذا قيل: قوموا عن هذا المكان قوموا، لكن هذا لا يكون إلا ممن يدير المجلس؛ لأن له إمرة وسلطة، أما الداخل فلا، لا يحل له أن يقيم أحداً من مكانه ويجلس فيه لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، لكن لو رأى من يدير الجلسة أن يقيم فلاناً ليجلس فلان، فلا حرج ولكن لا يفعل هذا إلا لمصلحة راجحة؛ لئلا يقع في قلب الذي قيل له: (انشز) شيء وربما يغضب ويغادر المجلس. الخلاصة الآن: في هذه الآية دليل على أن الإنسان إذا قيل له: تفسح فليفسح، وأن ثوابه أن الله يفسح له في دينه ودنياه وفي قبره. (إذا قيل انشزوا) يعني: قوموا فليقوموا، ولكن هذا إنما يكون من الذي يدير الجلسة كصاحب البيت -مثلاً- أو من ينوب منابه، وقد قال الله عز وجل: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28] . الجزء: 235 ¦ الصفحة: 4 تفسير قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ثم قال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] أي: أخبر الله عز وجل أنه يرفع أهل العلم (الذين أوتوا العلم) أي: أعطوا العلم، والمراد بذلك العلم الشرعي، كعلم الكتاب والسنة وما يساندهما {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وأطلق الدرجات؛ لأنها على حسب الإيمان والعلم والانتفاع بالعلم، فمن كان إيمانه أقوى كان رفعه أعلى، ومن كان علمه أوسع وأكثر انتشاراً ونفعاً للمسلمين كان رفعه أعلى؛ لأن الجزاء من جنس العمل. وفي هذه الآية: حث على تحقيق الإيمان وعلى طلب العلم؛ لأن الله يرفع أهل العلم، وفي هذا يقول الشاعر: العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف عليك بالعلم قال بعضهم: (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم) . الجزء: 235 ¦ الصفحة: 5 تفسير قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) قال تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11] أي: عليم بكل ما نعمل سواءٌ في السر أو في العلانية، وسواءٌ في الأقوال أو في الأفعال، وسواءٌ في أعمال القلوب أو في أعمال الجوارح، كلما نعمل فالله عليم به لو سألكم سائل: من الذي خلقكم؟ الله، من الذي جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة؟ الله، إذا كان هو الله عز وجل فلابد أن يعلم بما نعمل، ولهذا قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] الجواب بلى. الخالق لابد أن يعلم مخلوقه، وفي هذا دليل على تحذير الإنسان أن يعمل بما يسخط الله، لا تعمل بما يسخط الله لا بالقول ولا بالفعل ولا بالاعتقاد؛ لأن الله عليم به، احذر كما قال عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] . نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح. الله! الله! يا إخوان! بتدبر القرآن وتفهم معانيه والتقرب إلى الله تعالى به والعمل بما فيه، فهو والله سعادتكم في الدنيا والآخرة. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 6 الأسئلة الجزء: 235 ¦ الصفحة: 7 حكم تأخير الصلاة بعذر الجامعة السؤال عندنا في الجامعة محاضرة من الساعة الثالثة إلى الساعة الخامسة، ولا يسمح لنا الدكتور نخرج نصلي العصر، هل صلاتنا بعد الساعة الخامسة جائزة؟ الشيخ: والله! ما أدري في أي منطقة هذه؟ السائل: بـ الرياض. الشيخ: الساعة الخامسة الوقت باقٍ. السائل: ولكن يختلف في الشتاء عن الصيف. الشيخ: المهم أنه ما دام الوقت باقياً فلا حرج. السائل: يعني: الوقت هو الاصفرار. الشيخ: الاصفرار، إذا اصفرت الشمس خرج وقت العصر إلا للضرورة. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 8 أخذ العلم من الأشرطة والكتب السؤال إذا كان طالب العلم لا يقدر على حضور مجلس الشيخ -الحلقة- وأخذ يطلب العلم عن طريق الأشرطة هل هذه تكون كقول القائل: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه. إذا كان يطلب عن طريق الأشرطة؟ الجواب هذا يقول: أنه إذا كان لا يستطيع أن يحضر الدرس وتلقى العلم من الأشرطة فهل هذا يقوم مقام الحضور، أو أنه يقال فيه ما يقال في أخذ العلم من الكتب: وأن من أخذ علمه من كتابه فخطأه أكثر من صوابه؟ الجواب: هي ثلاث درجات: الدرجة الأولى وهي أعلاها: أن يأخذ من أفواه الشيوخ ويحضر المجالس، وهذه أعلاها بلا شك؛ لأن الإنسان يتأثر بنبرات القول وانفعال المدرس، ويفهم حسب ذلك. الدرجة الثانية: الأشرطة، الأشرطة تفوته المشاهدة لكنه يسمع الصوت كما هو، وهذا أقل من المشاهدة، لكن فيه خير كثير. الثالث: الكتاب، وهذا نافع بلا شك. فهذه ثلاثة طرق، كان في الأول ليس هناك إلا طريقان وهما: المجالسة أو الكتاب، أما الآن والحمد لله صار هذا الوسط. وأما قول من قال: إن من كان علمه من كتابه فخطأه أكثر من صوابه. فهذا غير صحيح، يعني: معناه ليس عاماً؛ لأنه يوجد أناس قرءوا العلم بالكتب وحصلوا خيراً كثيراً، لكن القراءة في الكتب تحتاج إلى وقت أكثر وتحتاج -أيضاً- إلى فهم؛ لأن الطالب المبتدئ قد يفهم العبارة على خلاف المقصود به فيضل. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 9 حكم زيادة كلمة: (ونستهديه) في خطبة الحاجة وكيفية تحديد الساعة الأولى والثانية من الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! ما رأي الشرع في نظركم بزيادة: (ونستهديه) في خطبة الجمعة وغيرها، وهل هناك ساعة تقريبية لتحديد الساعة الأولى والثانية. ؟ الجواب أقول -بارك الله فيك- الألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا ينبغي أن يزاد في جوفها شيء، كلمة (نستهديه) لم ترد في الحديث، كلمة (نتوب إليه) لم ترد، تقول: (الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) أما إذا انتهى الوارد فلا حرج أن تزيد ما ترى أنه مناسب؛ لأن هناك فرقاً بين أن تكون الزيادة في جوف الوارد وأن تكون بعده. أما بالنسبة لساعة الجمعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام شتاءً أو صيفاً، القسم الأول الساعة الأولى، الثاني الساعة الثانية وهكذا، ولهذا تختلف الساعات طولاً وقصراً بحسب طول النهار وقصره. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 10 حكم الصلاة بدون أذان السؤال هل تجوز الصلاة بدون أذان؟ الجواب الإنسان الذي في البلد يسمع المؤذنين يكفي أذانهم، لكن الذي في البر لنفرض أن قوماً في نزهة، إذا صلوا بدون أذان فالصلاة صحيحة، لكنهم آثمون بعدم الأذان؛ لأن الأذان فرض كفاية، فيجب عليهم أن يؤذنوا فإن تركوه أثموا، أما الصلاة فإنها صحيحة. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 11 الواجب على المسافر إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب السؤال رجل دخل المسجد وهو على سفر أو في حضر فلظرف ما أدرك صلاة المغرب هل يصلي العشاء أولاً، أم يبدأ بالمغرب؟ الشيخ: الناس يصلون العشاء؟ السائل: نعم. الشيخ: وهو لم يصل المغرب؟ السائل: وهو لم يصل المغرب. الشيخ: نقول: يدخل معهم بنية المغرب، الرجل دخل المسجد ولم يصل المغرب ووجد الناس يصلون العشاء، نقول: ادخل معهم بنية المغرب ولا حرج؛ لأن اختلاف نية الإمام والمأموم لا يضر. بقي إن دخلت في الركعة الثانية سلم مع الإمام؛ لأنك صليت ثلاثاً، في الثالثة إذا سلمت ائت بركعة، في الأولى إذا قام الإمام إلى الرابعة فاجلس وتشهد وسلم، ثم ادخل معه فيما بقي من صلاة العشاء. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 12 كيفية صفوف الصبيان لمن صلى بهم السؤال فضيلة الشيخ! إذا صليت أنا مع مجموعة صبيان فهل أتقدمهم أو أجعلهم عن يميني؟ الجواب إذا كان الذي معك صبيان لم يبلغوا فاجعلهم من ورائك؛ لأنهم اثنان فأكثر صف، اجعلهم وراءك إلا إذا خشيت أن يلعبوا فاجعلهم عن يمينك وعن يسارك. وفي قولك: أو أجعلهم عن يميني. ما يشعر بأنك ترى أن المأمومين إذا لم يكن لهم صف من الخلف يكونون عن يمين الإمام، وهذا غلط، السنة أن يكونوا عن يمينه ويساره؛ لأن المسلمين في أول الأمر كان الثلاثة يكون أحدهم عن يمين الإمام والثاني عن يساره والإمام وسطه، ثم نسخ هذا بأن يكون الإمام مع الاثنين أمامهم، وأما تفضيل اليمين على اليسار مطلقاً فهو فهمٌ خاطئ، غير صواب؛ لأنه لو كان الأيمن من الصف هو الأفضل مطلقاً لقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتموا الأيمن فالأيمن كما قال في الصف الأول: (أتموا الأول فالأول) وعلى هذا فنقول: إذا تساوى يسار الإمام ويمين الإمام فالأيمن أفضل، أما إذا كان بينهما فرق فالأيسر الداني من الإمام أفضل، ثم إنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (وسطوا الإمام) ثم إنه ليس من المنظر الذي ينِمُّ عن العدل أن يكون الناس كلهم على يمين الإمام والإمام آخر واحد من يسار المأمومين هذا ليس بعدل. الخلاصة: أن كثيراً من الناس اليوم ولا سيما الذين يريدون الخير تجده يصف في أبعد ما يكون من اليمين ويترك اليسار القريب، وهذا فهم خاطئ، بدليل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل أكملوا الأيمن فالأيمن، وهذا أمر معروف. الدليل الثاني: أنه لما كان الثلاثة يكونون صفاً واحداً صار الإمام وسطهم، ولو كان الأيمن أفضل مطلقاً لكان المأمومان عن يمينه. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 13 معنى كلمة (ليبرالي وعلماني) وحكم إطلاقهما على من يتفاخر بهذه التسمية السؤال هل يجوز إطلاق لفظ علماني أو لبرالي على من يتفاخر بهذه التسمية ويقول: أنه علماني ولبرالي، ويعارض علناً تطبيق الشريعة. الشيخ: من هو اللبرالي؟ السائل: الذي يدعو إلى الحرية المطلقة بدون قيود. الشيخ: الواجب على ولاة الأمور أن مثل هؤلاء القوم يحاكمون ويحكم عليهم بما يقتضي الشرع؛ لأن الذي يدعو إلى التحرر مطلقاً من كل قيد ولو كان دينياً هذا كافر، وما معنى أن نقول: أنت حر، صل أو لا تصل، صم أو لا تصم، زك أو لا تزكِ؟ معناه: أنه أنكر فريضة من فرائض الإسلام، بل فرائض الإسلام كلها، وأباح الزنا واللواط والخمر، فكيف يكون هذا مسلم؟!! هذا مرتد كافر، يحاكم فإن رجع إلى دين الإسلام وكف شره عن المسلمين وإلا فالسيف. أما العلمانيون فليس عندي تصور فيهم، وإن كان عندك تصور فصفه لنا ونفتي بما نرى أنه واجب؟ السائل: هم الذين يرون فصل الدين عن الدولة. الشيخ: هؤلاء أهون من الأولين؛ لأن هؤلاء أخطر، والدولة إذا لم تعمل بالدين فهي خاسرة، وسبحان الله العظيم كل آيات القرآن وأحاديث السنة كلها تدل على أن الإسلام هو الدولة، بمعنى: أنه يجب على الدولة أن تطبق الإسلام في نفسها وقوانينها وفي شعبها. وعلى كل حال: أنا أوصي إخواني المؤمنين حقاً أن يثبتوا أمام هذه التيارات؛ لأن الكفار الآن بما أعطاهم الله تعالى من قوة الصناعة والسيطرة على الناس صاروا يريدون أن يخرجوا المسلمين من دينهم بألفاظ تشبه الحق وليست بحق، كالعولمة مثلاً، العولمة معناها: أن الناس أحرار كلهم سواء، سوق عواصم الكفر وسوق عواصم الإسلام على حد سواء، بع ما شئت واشترِ ما شئت ولك الحرية في كل شيء، ولهذا يجب على المسلمين -على الحكام أولاً ثم على الشعوب ثانياً- أن يحاربوا العولمة، وألا يتلقوها بسهولة؛ لأنها في النهاية تؤدي إلى أن يكون اليهود والنصارى والمجوس والملحدون والمسلمون والمنافقون كلهم سواء، عولمة عالمية، فالواجب علينا نحن أن نرفض هذا الفكر. والحمد لله الحكام ربما إذا وجدوا الضغط من الشعب استجابوا له، حتى في الحكام الذين لا يبالون بتطبيق الشريعة، أما الحكام الذين يهتمون بتطبيق الشريعة وينادون لذلك في كل مناسبة فهؤلاء نرجو أن يكون الدواء في أجوافهم، لا يحتاجون إلى دواء من الخارج. وأنت أفدتنا الآن، اللبرالي نحن دائماً نسمع اللبرالي، فإذاً: معناها: التفسخ من الدين! الجزء: 235 ¦ الصفحة: 14 ترك سد الفرجة إذا كان سيؤدي إلى فوات ركعة بسبب مساحة المسجد الكبيرة السؤال إذا دخلت المسجد وكان ذا مساحة كبيرة فإما أن أذهب إلى أن أسد فرجة في آخر المسجد فتفوتني الركعة وربما تفوتني الجماعة، أو أصلي في صف آخر غير مكتمل؟ الجواب إذا كانت الركعة هذه الأخيرة فلا بأس أن تصلي في الثاني مع فرجة في الأول، وأما إذا كانت غير الأخيرة فأكمل الأول فالأول، دليل هذا: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) إذا ضممناه إلى قوله: (أتموا الأول فالأول) صار المعنى: أن الإنسان متى كان يدرك الصلاة فليكمل الأول فالأول. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 15 التدرج في الدعوة إلى الله السؤال إذا كان الإنسان ممن يسافر إلى الخارج لدعوة المسلمين وغير المسلمين، في بعض الدول الإسلامية قد لا يعرفون الحجاب بشكله فهل يصح أن يبدأ معهم بالتدرج مثلاً يبدأ بتغطية الرأس، ثم إذا تمكنوا من تغطية الرأس وتعودوا على هذا الأمر ينتقل بهم إلى تغطية الوجه وهكذا، أم أنه يبدأ معهم بالحجاب الشرعي مباشرة؟ الجواب الذي نرى: أنه إذا قدم إلى بلد لا يعرفون الحجاب إلا ما ستر الرأس والشعر والجسم ويرون أن كشف الوجه والكفين لا بأس به فلا يجابههم من الأول، بل يأت إليهم شيئاً فشيئاً كما كان في الدعوة في أول الإسلام شيئاً فشيئاً، فهؤلاء حجاب الوجه عندهم غريب، وربما لا يقبلون أبداً، ويحذر بعض سفهائهم من التلقي عن هذا الداعية، والإنسان الحكيم من يدرأ أكبر الشر بما هو أصغره. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 16 حكم كتابة الأسماء التي فيها لفظ الجلالة على الأكياس التي يوضع فيها أشياء نجسة السؤال فضيلة الشيخ! بعض الأكياس يوضع فيها اسم عبد العزيز أو عبد الله على نفس الكيس، ثم بعد إفراغ ما فيها يوضع فيها بعض الأسمدة من البهائم وغيرها ما حكم ذلك؟ الشيخ: أسمدة نجسة أم طاهرة؟ السائل: بعضها نجسة. الشيخ: لا. نجسة لا يجوز، لأن هذا امتهان لاسم الله عز وجل، أما إذا كانت طاهرة فلا بأس، لكن الأولى للتجار ألا يكتبوا أسماء يكون فيها لفظ الجلالة أو اسم من أسماء الله عز وجل، بل يذكرون فلاناً وينسبونه إلى قبيلته، وإذا كان اسمه فيه لفظ الجلالة أو اسم من أسماء الله فليكتب القبيلة أو الحمولة التي ينتسب لها؛ لأنه ربما إذا أخذوا ما فيها رموها في الأرض فتمتهن. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 17 حكم تسمية المنهج السلفي بالمنهج التلفي السؤال ما حكم من يسمي المنهج السلفي بالمنهج التلفي والعياذ بالله؟ الجواب حكمه أنه هو التالف، وأنت لا تستغرب -يا أخي- أن يلقب أهل الخير بألقاب السوء، ألم تعلم أن الأنبياء وصفوا بأنهم سحرة ومجانين؟!! قل نعم أو لا؟ السائل: نعم. الشيخ: نعم؟! الصواب: بلى. قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] هل ضر الأنبياء هذا اللقب؟ الجواب: لا. العاقبة لهم والحمد لله، لا تستغرب أن يلقب أهلُ السوء أهلَ الخير بألقاب السوء، ألم تعلم أن الذين ينكرون صفات الله عز وجل يصفون المثبتين لها بأنهم مجسمة وبأنهم حشوية بأنهم نوابت؟ فلا يضر، نعم. لو فرض أن السلفي صار عنده مخالفة للسلف في منهجه فهنا نقول: هذا تالف ولكن لا ننسبه للمذهب؛ لأنه يوجد من إخواننا الذين هم على مذهب السلف بل الذين يريدون مذهب السلف يوجد منهم من يخالف السلف في تصرفاتهم، ويسيئون إلى الإسلام وإلى أهل الإسلام أكثر مما يحسنون إليه، وربما أن هذا القائل ربما رأى شخصاً نابياً في تصرفه ومنهجه من السلفيين فقال: إن السلف هو التلف. ما ندري في الواقع، لكن إن أراد السلف حقيقة فنقول: أنت التالف وليس مذهب السلف. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 18 حكم الكلام في الصلاة السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم قول المأموم عندما يسمع قراءة الإمام: ما شاء الله تبارك الرحمن، خشية أن يصيبه بعين -خلال الصلاة- يعني: ربما تكون قراءته مميزة أو كذا. الشيخ: يقولها قبل أن يدخل معه. السائل: أحياناً تحدث عفوية. الشيخ: العفوي هذا شيء ما يلام عليه الإنسان، العفوي ما يلام عليه الإنسان ولا يؤخذ به حتى لو تكلم، لو أن إنساناً سقط عليه وهو يصلي حجر فقال: أح، عفواً. بدون قصد فلا شيء عليه. لكن على كل حال: الأحسن إذا كان الإنسان يخاف أن تصيب عينه أحداً لإعجابه به أن يقول: تبارك الله عليك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للرجل الذي أصاب أخاه بعين: (هلا بركت عليه) أما ما شاء الله لا قوة إلا بالله فهذه يقولها: من أعجبه ملكه، كما قال صاحب الجنة لصاحبه قال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف:39] وفي الأثر: [من رأى ما يعجبه في ماله فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يصبه في ماله أذىً] أو كلمة نحوها. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 19 حكم بيع العملة القديمة بأكثر من قيمتها السؤال ما حكم بعض الأشخاص وضعوا عملة قديمة على شكل مزاد، ونقود المزاد إلى دعم الإخوان الذين في الشيشان؟ الشيخ: يعني: عنده عملة قديمة يريد بيعها بأكثر من قيمتها؟ السائل: نعم. الشيخ: ليس فيه بأس؛ لأن العملة القديمة أصبحت غير نقد السائل: لكنها مستعملة. الشيخ: فإذا كان مثلاً عنده من فئة الريال الأولى الحمراء أو من فئة خمسة أو عشرة التي بطل التعامل بها وأراد أن يبيع ذات العشرة بمائة فلا حرج؛ لأنها صارت سلعة لها قيمة، الآن النقود السابقة يشترونها بأكثر من قيمتها، لكنها أصبحت سلعة ليست بنقد، فلا حرج. السائل: تستعمل. الشيخ: أبداً ما تستعمل، الحكومة ما ترضى باستعمالها أبداً. السائل: دولار. الشيخ: الدولار تغير عن قبل؟ السائل: الآن يستعمل يا شيخ؟ الشيخ: الدولار بارك الله فيك نقد ما أُبطل ما زال يمشي، وقيمته ترتفع وتنخفض حسب قوة الدولة الأخرى؛ لأنه كلما ضعفت الدولة ضعفت نقودها، لكنك قلت كلمة الشيشان ما أدري ما ارتباط الشيشان بهذا؟ السائل: فلوس المزاد هذه للشيشان. الشيخ: الأرباح للشيشان؟ السائل: نعم. الشيخ: وله شريك أم ليس له شريك؟ السائل: لا. الشيخ: هو مستقل بماله؟ السائل: نعم. الشيخ: ما في بأس لو يجعل كل ماله للشيشان جزاه الله خيراً. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 20 قراءة التفاسير التي ليست على مذهب السلف في الأسماء والصفات إذا كان فيها فوائد لغوية السؤال ذكرتم أن نبتعد عن التفاسير التي فيها تحريف لأسماء الله وصفاته، لكن أحياناً يكون في هذه التفاسير فوائد لغوية لا يوجد في غيرها من كتب التفسير؟ الشيخ: لا بأس إذا كان هذا التفسير ليس على مذهب السلف في الأسماء والصفات لكن فيه فوائد لغوية لا توجد في غيره، فلا حرج أن يقرأ فيه بشرط: أن يكون عنده علم، وأما العامي لا، لو كان فيه فوائد لغوية لا يقرأ؛ لأن الحفاظ على العقيدة أولى من الحفاظ على اللسان. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 21 حكم الصلاة على النبي في حالة النسيان السؤال فضيلة الشيخ! يحصل بين كثير من الناس أنه إذا نسي أحدهم قال: اللهم صل على محمد. علماً بأنه يقصد به الذكر فهل هذا جائز؟ وإذا قلت له: الذكر ذكر الله يقول لك: مأخوذ عن طيب الذكر؟ الجواب أو إذا رأى شيئاً قال: اللهم صل على محمد أما الأول فلا أعلم له أصلاً ولا علاقة للصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تذكره، اللهم إلا أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن من جعل صلاته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه يكفى همه. لكن أخذها من هذا الحديث بعيد، فالأولى إذا نسي شيئاً أن يذكر الله. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 22 حكم لبس البنطال الذي لا يتعدى الركبة السؤال ما حكم من يلبس البنطال الذي لم يتعد الركبة؟ الشيخ: هو رجل أو امرأة؟ السائل: رجل. الشيخ: هل غيره يلبسه، يعني هل هو في قوم يلبسون البناطيل؟ إن كان كذلك فلا بأس، إذا صار يغطي إلى الركبة، وأما إذا كان في أناس لا يلبسونه فإنه لا يلبسه؛ لأنه إذا لبسه صار لباس شهرة، ولباس الشهرة منهي عنه، واترك البناطيل يا ولدي! لباسك هذا القميص أستر وأرفق بك، البنطلون يقيدك، إن سجدت أتعبك، وإن جلست أتعبك، ثم ما الفائدة منه؟ نعم. يمكن الذي عندهم شغل مكاين أو ما أشبه ذلك يحتاجون إلى أن تكون ثيابهم منظمة إلى أجسادهم فهؤلاء قد يعذرون، أما بقية الشعب فسبحان الله! أن ندع لباسنا الذي هو أقرب إلى الحركة بسهولة وهو لباس آبائنا وأجدادنا إلى لباس جديد!! مشكلة هذه!! واعلم أن للتقليد -أي: تقليد غير المسلمين- تأثيراً على القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) قال العلماء: لأنه إذا تشبه بهم في الظاهر ألف أخلاقهم وأزياءهم ثم أحبهم قلبه، ثم تشبه بهم في العقيدة -والعياذ بالله- ولهذا قال: (فهو منهم) لا نقول: فهو منهم فيما تشبه به، نقول: هو منهم فيما تشبه به ويخشى أن تنتقل هذه الجرثومة إلى العقيدة. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 23 حكم إطلاق لفظ المتأسلم على المسلم السؤال هل يجوز إطلاق لفظ المتأسلم على المسلم وكذلك على الدعاة على وجه الخصوص؟ الجواب انظر! يا أخي! يبدو لي من سؤالك هذا والأول أن هذه موجودة في بلادكم. السائل: كثيرة يا شيخ! الشيخ: نحن عندنا ما هي موجودة، عندنا مسلم وليس عندنا متأسلم، ولكن لا تتعجب، لا تتعجب، لا تتعجب، ألم يكن المنافقون يقولون للمؤمنين إذا أنفقوا كثيراً قالوا: هذا مراءٍ. وإذا أنفقوا يسيراً قالوا: إن الله غني عن صدقتك. ويتهمون المسلمين بالنفاق وغير ذلك، لا تتعجب، العدو عدو يريد أن ينفر الناس بأي وسيلة، ولا يجوز أن نتهم المسلمين ونقول: متأسلم يعني: أنهم مسلمون بالظاهر فقط، هذا حرام. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 24 علاج من أصيب بالوسوسة في الوضوء السؤال امرأة مصابة بالوسوسة في الوضوء فما العلاج لمثل هذا وقد أتعبها قليلاً؟ الشيخ: والله! يا أخي! أقول: الشيطان يحرص على إغواء بني آدم إما في العبادة وإما في العقيدة، والدواء شيئان: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، والثاني: أن يعرض عن هذا ولا يلتفت إليه، فمثلاً: إذا دخل ليتوضأ وتوضأ غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل رجليه، يكفي ولا يعيده، حتى لو قال الشيطان: إنك ما أكملت العضو. لا يلتفت لهذا، لو قال الشيطان: لم تتمضمض ولم تستنثر. لا يلتفت لهذا، كذلك في الصلاة، دخل الصلاة وفي أثناء القراءة شك هل كبر للإحرام أم لا؟ لا يلتفت لهذا يستمر، شك هل سجد سجودين أو سجدة واحدة؟ لا يلتفت لهذا، فالموسوس لا حكم لوسواسه، حتى الإنسان لو طلق زوجته وهو موسوس لم يقع الطلاق. الشيطان يأتي للإنسان حتى في العقيدة يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق الله؟ فليقل: الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ويعرض. ثم إنه وإن تحمل المشقة في الصبر على الإعراض عن هذا الشيء ففي النهاية سيزول عنه، نسأل الله تعالى أن يعافي من ابتلي بهذا وأن يعافينا مما ابتلاه به. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 25 موضع منبر النبي عليه الصلاة والسلام السؤال فضيلة الشيخ! بالنسبة لموضوع منبر النبي صلى الله عليه وسلم هل كان في موضعه الآن، في زاوية مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أم كان متوسطاً كما هي المنابر الآن؟ الشيخ: لا. الظاهر أنه في مكانه الآن ما تغير، وهذا يحتاج إلى الرجوع إلى تاريخ المدينة. السائل: يعني الآن حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) يشمل جميع المسجد؟ الشيخ: لا. يشمل ما بين البيت والمنبر. السائل: لأن منبره في الزاوية بالنسبة للروضة. الشيخ: المنبر قريب من بيته ولا يشمل المسجد كله. السائل: أعني مسجده في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. الشيخ: نعم. يشمل ما بين بيته ومنبره. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 26 حكم من ترك صيام رمضان جاهلا ً السؤال فضيلة الشيخ! هذا الشاب بلغ عشرين عاماً ولم يصم إلا هذا العام، وقد بلغ سن البلوغ وعمره اثنا عشر عاماً، وكان يسكن البادية، ويعم عندهم الجهل، فماذا يفعل؟ الجواب لا شيء عليه، ولكن يحسن الصيام من جديد، وما دام في الأول لا يدري أنه واجب وهو بعيد أنه لا يدري، أو يدري أنه واجب ولكن تركه تهاوناً، أما الأول فلا يقضي؛ لأنه معذور بالجهل، وأما الثاني فلا يقضي؛ لأنه لا يقبل منه إلا القضاء، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وخذ هذه القاعدة: كل عبادة مؤقتة بوقت إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي وفعلها لم تقبل منه لو فعلها ألف مرة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: لو أن الإنسان ترك الحج مع استطاعته لكن تهاون حتى مات فإنه لا يحج عنه، قال: لأنه لو حج عنه لا يبرئ ذمته. إذ أن الرجل لا يريد إبراء ذمته من أصله وإلا لحج، وهذا القول قوي، وإليه أميل، وقال أيضاً حتى في الزكاة: لو أن الإنسان كان بخيلاً لا يؤدي الزكاة فلما مات قال ورثته: سنؤدي الزكاة عنه، فإن ذلك لا يقبل منهم، وسوف يكوى بها جنبه وجبينه وظهره يوم القيامة حتى لو أداها أهله. ابن القيم يقول: لا تؤدي زكاته أصلاً؛ لأنه لما مات صار المال لمن؟ للورثة، فلا تؤدى عنه الزكاة. لكني أرى أن الأحوط: أن تخرج الزكاة عنه لتعلق حق الفقراء بها، فتهاونه بها لا يسقط حق الفقراء، فتخرج زكاة للفقراء ولكنها لا تبرئ ذمتهم، يعاقب عليها، كيف تمضي السنوات لا يؤدي الزكاة وإذا مات نحن نؤديها عنه؟ ما يمكن هذا، كلامه رحمه الله قوي قوي جداً جداً، والنفس تميل إليه. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 27 حكم مجادلة العلمانيين وغيرهم في مناظرات علنية السؤال هل يجوز لطلبة العلم المتمكنين من العلم الشرعي مناظرة أهل الأهواء كالعلمانيين وغيرهم في مناظرات علنية دحضاً لشبهاتهم ورداً على افتراءاتهم على الدين الإسلامي؟ الشيخ: تقول: هل يجوز؟ السائل: نعم. الشيخ: أنا أقول يجب، يجب على المتمكنين أن يجادلوا هؤلاء، لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وإذا تبين الحق ولم يرجع إليه هؤلاء فعلى ولي الأمر أن يلزمهم بذلك، أو يعزرهم تعزيراً يردعهم عن الدعوة الباطلة؛ لأنه لا يمكن أن نجعل الناس وشياطينهم أحراراً يقولون ما شاءوا، ما دام لنا قدرة والحمد لله وسيطرة وسلطان، فيجب أن نردع هؤلاء حتى لا يعيثون في الأرض فساداً، وإذا كان الحرابة في أخذ الأموال من الناس حكمها معروف: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33] إذا كان هذا في أخذ أموال الناس والاعتداء على حياتهم فكيف بمن يسلب الناس دينهم، ويحرمهم الدنيا والآخرة؟!! لأن الكافر خاسر في الدنيا والآخرة كيف ذلك؟ في الدنيا كل يوم يمضي لن يعود إليه أليس كذلك؟ وما الذي استفاد؟ ما الذي استفاد من هذا اليوم الذي مضى؟ لم يستفد شيئاً، حتى وإن بلغ المتعة أعلى المتعة الجسدية فإنه لم يستفد، واليوم التالي والتالي إلى أن يموت كذلك خسران. في الآخرة خاسر أم غير خاسر؟ خاسر: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15] هؤلاء الذين يدعون الناس إلى الكفر والإلحاد معناه: يريدون من الناس أن يخسروا الدنيا والآخرة، أيهما أعظم فساداً، هؤلاء أم الذين يأخذون المال، أو يقتلون الناس؟ الأول أشد وأعظم، ولذلك نحن نحذر من الاستعمار الفكري والخلقي والمنهجي الذي يبثه أعداء المسلمين اليوم في القنوات الفضائية وفي الإنترنت وما أشبه ذلك. هم الآن لا يستطيعون أن يغزونا بالسلاح إذا كنا على هذا الوضع والحمد لله لكن يغزوننا بالأفكار والأخلاق والشبهات، أما لو كانت دولة ضعيفة غزوها بالسلاح أليس كذلك؟ نعم. وانظر الحوادث الآن في الشيشان وغيرها، ولهذا يجب علينا أن نفكر في الأمر تفكيراً جدياً، على الأقل أن نتحصن ونحصن أنفسنا من هذه الوافدات علينا. اللهم احفظ علينا ديننا وثبتنا عليه إلى الممات، وقوِ ولاة أمورنا على أعدائنا، وسلطهم عليهم تسليطاً يردعهم عن الشر والفساد. وانتهى الوقت، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وفقكم الله وأعاننا وإياكم. الجزء: 235 ¦ الصفحة: 28 لقاء الباب المفتوح [236] تكلم الشيخ في هذا اللقاء عن تفسير الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من سورة المجادلة، فبين وجوب تقديم الصدقة عند مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، ثم بين أن هذا الأمر قد نسخ بالآية التي تلي الآية الأولى، وتكلم عن النسخ، وذكر بعض الأمثلة لنسخ القرآن بالقرآن، وبين سبب تقديم الصدقة، وهو جود الإنداء للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم فتح باب الأسئلة. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 1 تفسير آيات من سورة المجادلة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء السادس والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر صفر، عام (1421هـ) وسيكون هذا هو ختام هذا الفصل إلا أن يحدد بعد إن شاء الله تعالى؛ نظراً لأن الطلاب مشغولون بالامتحانات، ونخشى أن يبقى الإنسان نادماً على عدم الحضور، وإذا حضر ربما يفوته بعض الأشياء؛ لذلك سنؤجل -إن شاء الله- بعد هذا اليوم حتى يتبين فيما بعد. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 2 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) نبتدئ هذا اللقاء بقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة:12] ، نداء المؤمنين من عند الله شرف لهم بلا شك، وتصدير الخطاب بالنداء يدل على أهمية ما يخاطب به، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرعها سمعك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه] . يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (ناجيتم) أي: أردتم مناجاة الرسول، والمناجاة: هي الكلام السر بين المتناجيين، والرسول هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان الصحابة رضي الله عنهم لمحبتهم الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتحدث إليه سراً، كانوا يكثرون على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكثرون التردد عليه، ولا يخفى ما في هذا من الإزعاج، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الذين يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضيوفاً أمرهم أنهم إذا انتهوا لا يبقون؛ لأن ذلك يؤذي النبي فيستحي النبي، كذلك هذه المناجاة إذا كثرت لا شك أنها تؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأراد الله تعالى أن يمتحنهم فأمرهم أن يقدموا بين يدي مناجاته -أي: قبلها وأمامها- صدقة، ولم يحدد، فيتصدق بالرغيف وبالتمرة وبالدرهم وبالدينار وبالثوب وغيرها، والصدقة تحتاج إلى مال وتحتاج إلى عمل وتحتاج إلى بحث عن فقير، فليست بالأمر الهين، فسوف تقل المناجاة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان الإنسان لا يناجيه إلا إذا قدم صدقة، وهذا هو الواقع، فإن المناجاة قلَّت. قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} (ذلك خير لكم) في الدين؛ لأنه يدل على رغبتكم التامة لمناجاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأطهر لأن الصدقة تطهر الإنسان من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) . قوله: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} أي: إن لم تجدوا مالاً تتصدقون به {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: فقد غفر لكم ورحمكم فناجوا الرسول بدون تقديم صدقة، وهذه هي القاعدة العامة الشاملة في هذه الشريعة المبنية على اليسر والسهولة؛ وهو أنه (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة) بمعنى: أن الإنسان إذا عجز عن الواجب سقط عنه، وإذا اضطر إلى المحرم حل له، بشرط أن يضطر إليه بألا يجد سواه مما يدفعه إلى الضرورة، وأن يكون تناول هذا المحرم رافعاً لضرورته. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 3 تفسير قوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) ثم قال عز وجل: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} [المجادلة:13] (أأشفقتم) أي: أخفتم من المشقة إذا قدمتم بين يدي نجواكم صدقات؟ وهذا هو الواقع، أنه شق على الصحابة، وأنتم تعلمون أن الصحابة غالبهم فقير يشق عليه ذلك، فقال الله عز وجل: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المجادلة:13] المعنى: فقد أسقطنا عنكم الوجوب، (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) بإسقاط هذا الواجب (فأقيموا الصلاة) أي: لا تضيعوا ما أوجب الله عليكم من الأمور الأخرى من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله. {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة:13] أي: عليم بكل ما نعمل من خير وشر، وسنلاقيه إن شاء الله تعالى فيحكم بيننا بما تقتضي حكمته ورحمته. وفي هذه الآية كما رأيتم نسخ، فما هو الناسخ وما هو المنسوخ؟ الناسخ هذه الآية الأخيرة، والمنسوخ الآية التي قبلها، فقد أوجب الله الصدقة ثم أسقطها، وهذا نسخ من الوجوب إلى الجواز، والله تبارك وتعالى ينسخ ما شاء كما قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] . من الأشياء المنسوخة: استقبال القبلة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول ما قدم المدينة يستقبل بيت المقدس، ثم نسخ ذلك إلى وجوب استقبال القبلة أول بيت وضع للناس. ومن المنسوخ: أنه أول ما وجب الصيام كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم أو يفطر، يقال للإنسان: إن شئت فصُم، وإن شئت فأطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نسخ ذلك إلى وجوب الصيام عيناً. ومما نسخ أيضاً: أن الواجب على المسلمين الجهاد في سبيل الله ألا يفروا من عشرة أمثالهم، بمعنى: أنه إذا كانوا مائة فإنهم لا يفرون من الألف، وإذا كانوا مائتين لا يفرون من الألفين، فقال الله عز وجل: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66] . والنسخ لا يعني أن الله سبحانه وتعالى لم يعلم المصلحة ثم بدا له، الناسخ تابع لحال العباد، فقد يكون الأصلح لهم إيجاب هذا الشيء في وقت ونسخه في وقت آخر؛ لأن الأحكام تابعة للمصالح، والمصالح تختلف في كل زمان ومكان وأمة، ولهذا تجدون أن التوحيد وجب من أول الرسالة، والصلاة تأخر إيجابها عشر سنوات بعد البعثة، والزكاة تأخرت إلى الهجرة، والصيام كذلك إلى الهجرة، والحج إلى السنة التاسعة، كل ذلك صار تبعاً لما تقتضيه المصلحة والتدرج في التشريع الإسلامي. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 4 الأسئلة الجزء: 236 ¦ الصفحة: 5 من نسي ركعة من صلاته هل يعيد الصلاة أم الركعة؟ السؤال دخلت أنا وشخص وقت صلاة الظهر، فكنا داخلين والإمام قد بدأ في الركعة الثالثة، فعندما انتهى قمنا كي نكمل الركعتين، فأكملت الركعتين وهو لم يكمل إلا الركعة الثالثة ثم جلس، وعندما سلمت كنت أريد أن أعلمه أنه نقصت عليه ركعة، فإذا به يدخل مع الإمام في صلاة الجنازة، فعند الانتهاء من صلاة الجنازة أخبرته أنه فاته ركعة ما صلاها، ففي هذه الحالة هل يعيد الصلاة أم يعيد الركعة فقط؟ الشيخ: السؤال يقول: إن رجلاً دخل مع الإمام في أثناء صلاة الظهر وقد فاته ركعتان، ولما سلم الإمام قدمت جنازة، وهذا الرجل صلى بعد سلام الإمام ركعة وخاف أن تفوته الجنازة، فتراجع بقية صلاته ودخل في صلاة الجنازة ثم أراد أن يقضي ركعة واحدة السائل: كان ناسياً. الشيخ: نعم. ما قلت كان ناسياً الجواب هذا الرجل لما صلى ركعة بعد سلام الإمام نسي فسلم ودخل مع الإمام في صلاة الجنازة ثم أتم صلاته بعد صلاة الجنازة، فنقول: هذا لا تصح صلاته لوجود الفاصل بين أجزاء الصلاة، والواجب عليه أنه لما ذكر أتم صلاته وإن فاتته صلاة الجنازة؛ لأن صلاته فريضة فرض عين، وصلاة الجنازة فرض كفاية، وقد قام بها من يكفي. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 6 حكم العقيقة بعد الكبر، وما هو مقدارها؟ السؤال إذا لم يعق عن الإنسان وهو صغير فهل تشرع له وهو كبير؟ وما هو حد العقيقة؟ الجواب يسأل عن رجل لم يعق عنه في عهد الصغر فهل يعق عنه بعد الكبر؟ فالجواب: إن كان أبوه فقيراً وقت مشروعية العقيقة فلا شيء عليه، ولو اغتنى فيما بعد، كما أن الرجل إذا كان فقيراً لا زكاة عليه ولو اغتنى فيما بعد، فتسقط العقيقة لعدم القدرة عليها، وأما إذا كان غنياً لكنه يقول كل يوم: اليوم أعق عنه، فهذا يعق ولو كبر الولد. أما الوقت الأفضل فيها فهي اليوم السابع ثم الرابع عشر ثم الحادي والعشرين، ثم بعد ذلك لا تعتبر الأسابيع، وهي للذكر اثنتان، وإن اقتصر على واحدة أجزأ، وللأنثى واحدة والأفضل ألا يزيد؛ لأنه إذا فتحت باب الزيادة صار الناس يتباهون في هذا وربما تصل إلى عشرات، فيقال: اقتصر على السنة، فإذا قال: لي أصحاب، لي أقارب، لي جيران، قلنا: وليكن، إن كفت الواحدة للأنثى أو الاثنتان للذكر فهذا المطلوب، وإن لم تكفِ فاشترِ دجاجاً أو لحماً ولا تذبح سوى ما جاءت به السنة، أما العق عن نفسه ففيها خلاف، والأقرب أنه لا يعق؛ لأن هذا مما يناط بالأب. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 7 المقصود بعدم التفريق بين اثنين يوم الجمعة السؤال فضيلة الشيخ! ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الذهاب إلى صلاة الجمعة ألا يفرق بين اثنين، ما المقصود -يا شيخ- بهذا التفريق؟ الجواب من الآداب الشرعية التي جاءت بها الشريعة: أن الإنسان لا يفرق بين اثنين، بمعنى: أنه لا يجد اثنين في الصف فيفرق بينهما ويجلس؛ لأن في هذا امتهاناً لهما، وتضييقاً عليهما، أما لو وجد فرجة بين اثنين فلا بأس أن يدخل فيها، لأن هذين الاثنين هما اللذان فرطا في هذه الفرجة. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 8 حكم أكل البصل قبل الصلاة السؤال يا شيخ، مجموعة شباب في البر أرادوا أن يأكلوا مع الغداء البصل قبيل الصلاة، فهل يصح لهم؟ الجواب أكل البصل جائز في البر وفي البلد. السائل: قبيل الصلاة؟ الجواب: حتى قبيل الصلاة، ما دام أنه لا يريد أن يتخلف عن الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنه حلال، وليس لي أن أحرم ما أحل الله. ولم يقل: إلا عند الصلاة، كما قال الله عز وجل قبل أن تحرم الخمر: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] ، فلا حرج أن يأكلوا قبل أن تقام الصلاة، وما داموا كلهم اشتركوا في هذه الرائحة فلا حرج. السائل: والملائكة؟ الجواب: الملائكة إنما تكون في المساجد، والحديث: (فلا يقربن مساجدنا) . الجزء: 236 ¦ الصفحة: 9 كفارة القتل الخطأ السؤال جئت ليلاً الساعة الثامنة والنصف قبل أذان العشاء على السيارة، وكان هناك هندي على سيكل والأسفلت غير منور، ولم أنتبه له في الطريق، قدر الله صدمته ولم أره، والسيكل أيضاً غير منور لا قدام ولا وراء، وقدر الله توفي وصار عليَّ خطأ (30%) تقرير المرور، والشيخ حملني دية كاملة وصيام شهرين، فما هو الحكم وجزاك الله خيراً؟ الجواب بارك الله فيك ليس لنا الحق أن نفتي بخلاف ما قضى به القاضي، وإذا كان لديك اعتراض فلك الحق أن تعترض في خلال خمسة عشرة يوماً بأن تطلب رفعها إلى التمييز. السائل: اعترضنا وطلبنا من التمييز وجاءت مؤيدة. الشيخ: مؤيدة؟ السائل: نعم. الشيخ: أجل انتهت ما بعد هذا شيء. السائل: هل يوجد لديكم إعتاق رقبة، فقد أخبرنا بأنه يوجد عندكم عناوين هنا؟ الشيخ: لا والله! يا أخي! لا يوجد لا عندي ولا عند غيري، وقد قال لنا بعض الناس: إن هؤلاء الذين يدعون أنهم سبوا نساءً في الحرب بعضهم وليس كلهم كذبة، يأتي بابنه أو بنته ويقول: هذا عبدي اشتره، فيشتريه بعشرة آلاف، ثم يقول: اعتقه، فيعتقه ويأخذ العشرة الآلاف ويرجع بابنه، فليس هناك عبد ولا شيء. السائل: هل الأفضل إعتاق رقبة؟ الجواب: ليس هو بالأفضل، هو الواجب قبل الصيام، لكن أين الرقبة المؤكدة؟ السائل: قالوا: عندكم عناوين لأناس. الشيخ: لا أبداً، أنا أعرف أناساً كانوا بالأول يفعلون هذا الشيء، ثم تبين لهم أن المسألة فيها لعب وتركوه، لكن الحمد لله قد يكون هذه الأيام فيها مشقة عليك وسط الحر وطول النهار فلا بأس أن تؤخر إلى الشتاء. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 10 عيادة المريض إلى المستشفى مع وجود الفتن السؤال فضيلة الشيخ! هل أترك زيارة المريض في المستشفى إذا كان هناك فتن، وخاصة أن هذا المريض سيخرج بعد أيام؟ الشيخ: ما هي الفتن؟ السائل: نساء كاسيات عاريات. الجواب أرأيت لو احتجت إلى البقول وهي في السوق والسوق ملآن من النساء والفتن، أتبقى في بيتك وتقول: لن أشتري حاجة البيت لأني إذا خرجت وجدت الشر؟ السائل: لا، يا شيخ! الشيخ: هذا مثله. السائل: هذا سيخرج يا شيخ! الشيخ: أنت لا تدري متى يخرج. السائل: هي ولادة يا شيخ! إذا كانت امرأة والدة بعد يومين أو ثلاثة تخرج. الجواب: انظر إذا كان ليس هناك حق بين، بمعنى: أنها ليست أختك ولا عمتك ولا خالتك ولا أمك هذه أمرها واسع، أما إذا كانت من القريبات لك فعدم زيارتها، بل الصواب: عدم عيادة المريض، يقال: عيادة، وهو قال: زيارة، وهذا غلط، ولا ينبغي أن نشدد على أنفسنا، الآن الطائرة فيها منكرات، فهل أقول: ما أذهب بالطائرة لأن فيها منكراً؟ لا يا أخي! اذهب وخفف من المنكر ما استطعت، وغض البصر. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 11 حكم حضور المجالس التي يكون فيها منكرات السؤال فضيلة الشيخ! يدعى الإنسان إلى المجالس وغالب مجالس الناس يكون فيها غيبة، فهل يجب على الإنسان أن يحضر؟ وإذا كان لا يستطيع أن ينكر هل يجب عليه أن يحضر لهذا؟ الشيخ: تعني إلى وليمة يحضر؟ السائل: لا، إلى مجالس عادية. الجواب أولاً: بارك الله فيك ينبغي للإنسان أن يكون مباركاً بقدر الاستطاعة، فليحضر المجالس، وإذا رأى منكراً نصح، فإن اهتدى أهل المجلس -وهذا هو الغالب- وإلا قام وتركهم؛ لأن كون الإنسان ييأس ويقول: لو ذهبت ما نفعت، هذا فيه نظر، بل الذي أرى أن يذهب ثم إذا رأى المنكر أنكره، وإذا لم ينتهِ الحاضرون قام وتركهم، هذا هو الصواب. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 12 كيف يصلي المغرب من أتى والناس يصلون العشاء؟ السؤال فضيلة الشيخ! إذا كان الشخص مسافراً وأتى وقت صلاة العشاء وهو لم يصل المغرب، فأراد أن يصلي المغرب مع الجماعة الذين يصلون العشاء بنية المغرب، ماذا يفعل في هذه الحالة؟ الجواب إذا قام الإمام إلى الرابعة وهو قد دخل معهم في أول ركعة فإنه يجلس ويتشهد ويسلم ثم يلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، ويتم أربعاً، إذا أدرك ركعة، والغالب أنه يدرك لأنه يأتي بالتشهد ويعجل فيه وبالتعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ثم يدخل مع الإمام ويدرك الركوع، أما إذا لم يدرك الركوع فقد فاته الأجر. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 13 حكم الدم المسفوح السؤال فضيلة الشيخ! ما حكم الدم المسفوح إذا أصاب الثوب؟ وهل هناك فرق بين كثيره وقليله؟ الجواب الدم المسفوح نجس، لقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ} أي المذكور ((رِجْسٌ)) [الأنعام:145] أي: نجس. قال أهل العلم: ويعفى عن يسيره؛ وذلك لمشقة التحرز منه، لأنه قلَّ أن يقوم إنسان بذبح بهيمة ولا يناله منها، فعفوا عن يسيره رحمهم الله، ولكن ما هو اليسير؟ هل اليسير ما استيسره الإنسان بنفسه، أو ما استيسره عامة الناس؟ ما استيسره عامة الناس، لأننا لو جعلنا كل إنسان وما يرى في نفسه لكان صاحب الوسواس يرى اليسير كثيراً، والمتهاون يرى الكثير يسيراً، فلذلك نقول: العبرة بأوساط الناس، وأما تقديره بربع درهم أو ما أشبه ذلك فلا حظ له من النظر؛ لأن هذه التقديرات لابد أن يكون فيها دليل. السائل: ما رأيك بالدم الذي يبقى بعد موت الشاة؟ الجواب: الدم الذي يبقى بعد موت الشاة ولو كان كثيراً طاهر، ولذلك لو أن الإنسان بعد أن ماتت الذبيحة ووصل إلى قلبها أخذ القلب وشرب الدم الذي فيه كان ذلك جائزاً لأنه طاهر. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 14 الاهتمام بأمر التوحيد في الدعوة إلى الله السؤال قال بعضهم: إذا بدأ الإنسان في الدعوة في قوم كثُر فيهم الشرك والطواف بالقبور والاستغاثة والاستعانة بغير الله يبدأ الإنسان بتوحيد الربوبية ولا يتكلم عن توحيد الألوهية؛ لأن توحيد الألوهية سيفرق الناس من حوله، فهل هذا القول صحيح؟ الجواب يجب على الإنسان أن ينظر في الأمر ويصبر حال القوي، وهم إذا دعوا أو إذا بين لهم توحيد الربوبية فلابد أن الإنسان يستغرب ويقول مثلاً: هذا الرب الذي خلق كل شيء لا يجوز أن نسوي به غيره ممن لا يخلق شيئاً، كما قال عز وجل: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف:191] ، لأني أخشى إن استمر في تقرير توحيد الربوبية أن يعجز فيما بعد عن تقرير توحيد الألوهية، فليهتم بهذا وكما كانت الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا دعوا قومهم يقولون: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] . الجزء: 236 ¦ الصفحة: 15 حكم وضوء من شرب مرق لحم الإبل السؤال مرق لحم الإبل هل ينقض الوضوء أم لا؟ الجواب مرق لحم الإبل لا ينقض الوضوء على القول الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل) ، ولأنه لما أمر العرنيين أن يذهبوا إلى إبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها لم يأمرهم بالوضوء مع أنهم يشربون لبنها، فالذي ينقض هو اللحم سواءٌ كان لحماً أحمر أو شحماً أو أمعاءً أو كرشاً أو كبداً أو رئة أو قلباً، كل ما كان يؤكل من البعير فإنه ينقض الوضوء. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 16 قضاء الوتر في النهار السؤال فضيلة الشيخ! هناك بعض الناس يقضون الوتر بالنهار، وبعضهم يصلونه قبل صلاة الصبح بثلاث ركعات، فما هي كيفية قضاء الوتر؟ الجواب هذا غلط، الوتر إذا طلع الفجر انتهى وقته، ويقضيه الإنسان في النهار، فإذا كان يوتر بثلاث في العادة فليقضه أربعاً، وإذا كان يوتر بخمس فليقضه ستاً، وإذا كان يوتر بإحدى عشرة فليقضه باثنتي عشرة، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا غلبه وجع أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. السائل: بتشهد واحد أم يفرق التشهد؟ الشيخ: بتشهد واحد، ولا يجوز بتشهدين؛ لأنه لو جعله بتشهدين أشبه صلاة المغرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الوتر بما يشبه صلاة المغرب. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 17 حكم قراءة القرآن للحائض السؤال هل تقرأ الحائض القرآن؟ الجواب الحائض لا تقرأ القرآن إلا لحاجة أو مصلحة، فالحاجة مثل أن تخاف من نسيانه، أو تكون معلمة تقرأ القرآن على الطالبات، أو تكون متعلمة تسمع للمدرسة ما حفظت من القرآن، هذه حاجة، فإذا كان هناك حاجة فلا بأس، أو امرأة تخاف أن تنسى القرآن فلا بأس أن تقرأ القرآن، وما عدا ذلك فالأفضل ألا تقرأ، ومن المصلحة والحاجة الأوراد مثل آية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة الفلق، وسورة الناس، فتقرؤها. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 18 حكم قطع الصلاة إذا أقيمت الفريضة السؤال إذا دخل الشخص في السنة الراتبة وتحية المسجد وأقيمت الصلاة، فهل يكمل الصلاة أم يقطعها؟ الجواب إذا أقيمت الصلاة والإنسان في صلاة سواء تحية المسجد أو الراتبة، فإن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى قطعها، وربما يستأنس لهذا التفصيل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فهذا الرجل أدرك ركعة كاملة قبل أن تقام الصلاة، فيكون له الحق في أن يكمل صلاته لكن تكون خفيفة، وأما إذا أقيمت الصلاة ولو أنت في السجدة الثانية من الركعة الأولى فاقطعها بدون سلام، انو القطع وقم مع الناس. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 19 كفارة اليمين على شيء لم يملك السؤال حلف شخص على شيء لا يملكه فما حكمه؟ الشيخ: مثل ماذا؟ السائل: مثل أن يحلف عبد الله على أن يعطي خالداً مالاً عند ناصر، أن يأخذ عبد الله المال من ناصر. الشيخ: يعني قال عبد الله: واللهِ! لتأخذنَّ المال من فلان ولكنه لم يأخذه. السائل: نعم. كأن يقول: إذا فعلت يا عبد الله! هذا الشيء فإنك تأخذ المال من ناصر. الشيخ: أجرة؟ السائل: شيء حلف عليه ليس أجرة. الشيخ: ما تصورت هذا جيداً. السائل: الآن خالد ليس عنده مال فحلف على أن يأخذ عبد الله المال من خالد. الشيخ: هم ثلاثة ولا اثنين؟ السائل: هم ثلاثة، والشخص الذي حلف حلف على عبد الله أن يأخذ المال من خالد، فما الحكم هنا؟ الشيخ: أخذه أم لم يأخذه؟ السائل: ما أخذه. الجواب عليه كفارة يمين، على الحالف كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 20 حكم إسبال الثياب والرد على من يجيزه السؤال بعض الناس يستدل في الإسبال إذا كان غير خيلاء بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ أبي بكر: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) ، كيف نرد عليه؟ الجواب نرد عليه بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) ، وقال: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) ، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: (يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي عليَّ إلا أن أتعاهده) يستخري عليَّ، ما هو بقصد، ومع ذلك هو يتعاهده، فقال: (إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء) ، فنقول للرجل: إذا كانت حالك كحال أبي بكر لم تتعمد أن يكون الثوب نازلاً عن الكعب وإنما يسترخي عليك وترفعه، وإذا شهد لك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنك لا تصنع هذا خيلاء، فعلى العين والرأس، لكن أنى له ذلك، وهذا وأمثاله ممن يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، يأتون بالمتشابه ويتركون المحكم، كالذي يقول: إذا قيل له: يا فلان، هذا البيع والشراء الذي أنت تستعمله لا يجوز، اسأل العلماء، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101] الآية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يسألون عن أشياء لم تحرم فتحرم من أجل مسألتهم، أو لم توجب فتوجب من أجل مسألتهم، فهذا هو الذي وردت به الآية، أما الآن فيجب على كل إنسان ذكر له أن هذا واجب أو أن هذا محرم أن يسأل ويستثبت، وفي هذه الحال لا يعذر بالجهل، فلو أنه -مثلاً- فيما بعد فرط في واجب أو فعل محرماً وقد نبه ولكنه تهاون، فهذا لا يعذر بجهله؛ وذلك لتفريطه في عدم السؤال. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 21 حكم بيع تذاكر السفر بالتقسيط مع الزيادة السؤال يا شيخنا! جزاك الله الجنة ورفع منزلتك في الدنيا والآخرة. الشيخ: وإياكم ومن سمع. السائل: الآن في الصيف تعرض مكاتب الخطوط للسفريات تذاكر بالتقسيط، تأخذ هذه المكاتب أو المقاعد تحجزها من الخطوط العامة وتزيد عليها مبالغ ثم تقسطها على من أراد أن يسافر، وهذا يكثر جداً في الصيف، فنريد الحق في ذلك جزاك الله خيراً؟ الجواب الحق -إن شاء الله- أنه ما فيها شيء، لكن أقول: أصل السفر إلى البلاد الأوروبية أو البلاد الغير أوروبية لكنها كلها خلاعة وفساد، الخمر في الأسواق يباع علناً، والنساء يتبرجن ويعرضن أنفسهن ليس بالقول ولكن بالفعل وما أشبه ذلك، أرى ألا يسافر أحد لهذا؛ لأنه سيخسر وقتاً، وسيخسر مالاً، وسيخسر ديناً، وسيخسر خلقاً، فهذا لا يحل له أن يسافر على هذا الوضع أصلاً، ثم يجب أن نعلم أن هذه المكاتب منها ما هو خبيث يسهل على السفهاء الأمر ويقول: نعطيك تذكرة مؤجلة لإغرائه على السفر، فينبغي لنا أن نقف ضد هذا الرأي، وإلا فإنه لا بأس أن الإنسان يؤجر شخصاً بمائة إن كان نقداً، وبمائتين إن كان مؤجلاً، ما فيه شيء، لكن أصل الغرض غرضٌ سيئ. السائل: هل يجوز السفر؟ الشيخ: لا، أنا قلت: أصل السفر ما يجوز. السائل: أجرة الراكب كيف يزيد عليها مبلغاً من المال؟ الجواب: ما فيه شيء، أنا جعلت المبلغ لأني أجلت الثمن الأجرة، مثلما لو قلت: هذا البيت أؤجره بألف ريال في السنة لمن أعطاني إياها نقداً، وبألف ومائتين لمن أعطاها بالتقسيط. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 22 متى يثبت النفاس؟ السؤال إذا سقط الجنين قبل تمام أربعة أشهر فهل تعتبر المرأة نفساء؟ الجواب قال العلماء: يثبت النفاس إذا تبين في الجنين خلق الإنسان، ويتبين خلق الإنسان من ثمانين يوماً فما فوق، لقول الله تعالى: {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج:5] المضغة تبدأ من ثمانين يوماً، فمن ثمانين يوماً فما فوق يمكن أن يخلَّق، فمتى خُلِّق وتميزت رجلاه ويداه ورقبته ورأسه صار الدم دم نفاس، وما قبل ذلك الدم فهو دم فساد لا يمنع من صلاة ولا صيام ولا زوج. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 23 حكم استعمال مال الغير بدون إذنه السؤال ما حكم التصرف في المال الذي أوصى به شخص أن يسلمه إلى أحد، فتصرف هذا الشخص دون إرادته، كأن كان -مثلاً- في بقالة ولم يجد عنده مالاً ووجد هذا المال الذي وكِّل به لكي يسلمه فتصرف فيه، علماً بأنه سيرده؟ الجواب هذا يسأل ويقول: إنسان أعطي دراهم ليسلمها لشخص وقبل أن يصادف الشخص احتاج للدراهم، فهل يجوز أن يستعملها في حاجته؟ فالجواب: لا يجوز، وكان عليه لما أعطاه الدراهم أن يقول: أنا أخشى أني أحتاجها؛ حتى يأذن له بالتصرف فيها، وأما بدون إذن فلا يجوز. السائل: ولو وثق من نفسه أنه سيسلمها؟ الجواب: ولو وثق، لا يمكن أن يثق الإنسان من دفع درهم واحد، فقد يموت الإنسان بغتة ويبقى الدين في ذمته والورثة ينكرون هذا. السائل: عند الحاجة؟ الجواب: أبداً، ولو عند الحاجة لو أكل الميتة ولا يأخذه. السائل: لكنه تصرف به، فما عليه؟ الجواب: الآن عليه أن يسترخص من صاحبه، فإذا أجازه فلا حرج. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 24 الفرح المنهي عنه السؤال ما هو الفرح الذي نهى عنه الشرع؟ الجواب الفرح بالمعاصي، هذا هو الذي نهى عنه الشرع. السائل: ودون المعصية يفرح كما شاء؟ الجواب: بشرط ألا يحمله الفرح على البطر والكبرياء وما أشبه ذلك، فيحرم من هذه الجهة. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 25 حكم جلوس الخطيب في المسجد قبل وقت الخطبة السؤال إمام الجمعة ليس له مكان ليحضِّر الخطبة إلا في المسجد في يوم الجمعة، يذهب إلى المسجد وله في زاوية أو مكان مناسب يذاكر فيه وأخيراً يخطب، هل في هذا بأس؟ الجواب لا بأس به إن دعت الحاجة إليه. وأنت قلت: ليس له مكان، أين بيته؟ السائل: بيته ما يمكنه أن يذاكر. الشيخ: أين المساجد الأخرى؟ السائل: المساجد الأخرى موجودة. الشيخ: إذاً يذهب إلى أحد المساجد. السائل: تعني مسجداً آخر؟ الشيخ: مسجد آخر، ويهيئ فيه الخطبة ثم يأتي إلى مسجده الذي يريد أن يخطب فيه في وقته. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 26 حكم رفع اليدين حذو المنكبين عند القيام إلى الفائتة السؤال إذا قمت إلى فائتة من الصلاة، فهل أرفع يدي كالرفع لتكبيرة الإحرام؟ الجواب إذا قام المسبوق بعد سلام إمامه فلم أعلم في ذلك سنة، لكن بناءً على أن القيام من التشهد الأول ترفع فيه الأيدي فهذا مثله. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 27 حكم الصلاة في المسجد المبني على قبر السؤال مسجد بني على قبر والمصلي لا يعلم أن فيه قبراً، أو يعلم ويجهل الحكم، فما حكم صلاته، سواءً كانت كثيرة أو قليلة؟ الجواب إذا كان لا يعلم أن فيه قبراً فلا شيء عليه، لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] . السائل: وإن كان يعلم أن فيه قبراً لكنه يجهل الحكم؟ الجواب: كذلك لو كان يعلم أن فيه قبراً ويجهل الحكم لا شيء عليه؛ لأن هذا فَعَلَ محرماً جاهلاً، وفعل المحرم إذا كان عن جهل لا يؤثر. السائل: هل إذا كان المسجد مبنياً على قبر، أو قبر أدخل المسجد على حد سواء؟ الجواب: لا، إذا بني المسجد على قبر وجب هدمه، ولا تصح الصلاة فيه، وإذا دفن أحدٌ في المسجد لم يجب هدم المسجد وإنما يجب نبش القبر ودفنه مع الناس، ثم الصلاة في هذا المسجد صحيحة، لكن لا يجعل القبر بينه وبين القبلة. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 28 حكم الوضوء من مس المرأة بشهوة السؤال من مسَّ امرأته بشهوة هل يجب عليه الوضوء؟ الجواب لا يجب الوضوء ولكنه سنة، الوضوء سنة من مس المرأة بشهوة وليس بواجب. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح. الجزء: 236 ¦ الصفحة: 29