الكتاب: الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول) المؤلف: عبد الله بن صالح العثيمين الناشر: عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1420هـ/1990م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- عن الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول) عبد الله بن صالح العثيمين الكتاب: الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول) المؤلف: عبد الله بن صالح العثيمين الناشر: عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1420هـ/1990م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب للدكتور: عبد الله بن صالح العثيمين رئيس قسم التاريخ -كلية الآداب جامعة الملك سعود بسم الله الرحمن الرحيم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعيدة الأثر في مسيرة التاريخ الإسلامي الحديث. ومن هنا كان الاهتمام الكبير بكل ما يتعلق بصاحبها، وكثرت الكتابات عن حياته ودعوته وما ترتب عليها من نتائج. بل إن نجاح هذه الدعوة أسهم في حفز همم بعض الكتاب إلى التعمق في دراسة شخصيات علمية سبقته زمنيا، ونادت بمثل أو بعض ما نادى به. والكتابات التي ظهرت عن الشيخ محمد مختلفة من حيث العمق والسطحية ومن حيث الإنصاف والتحيز، ومن حيث الجدة وعدمها. والمؤمل أن تكون من نتائج هذا الأسبوع دراسات تجمع بين العمق والحياد والابتكار، وألا نجد الكثير منا في نهاية الأمر يردد مع الشاعر العربي القديم قوله: ما أرانا نقول إلا معارا ... أو معادا من قولنا مكرورا لقد كتب الكثير عن حياة الشيخ محمد شابًا متعطشًا للعلم أينما وجده، وصاحب دعوة مصممًا على بذل كل ما يكفل نجاحها, وزعيمًا مساهمًا مساهمة كبيرة في توجيه أمور دولة فتية. كما كتب الكثير عن أصول دعوته وتأثيرها في مجتمعه وفي مجتمعات إسلامية أخرى. وبحثي المتواضع المقدم إلى هذا الأسبوع لا يتطرق إلى أي جانب من الجوانب السابقة بصفة تفصيلية مستقلة, لكنه محاولة لإيضاح ما تحتوي عليه رسائل الشيخ الشخصية من أهمية, خاصةً فيما يتعلق بشخصيته والظروف المحيطة بدعوته. الرسائل من حيث الصحة من أهم الأمور التي ينبغي للباحث أن يُعنى بها التأكد من صحة النص الذي يحاول دراسته. فما لم يصل إلى قناعة علمية بصحة ذلك النص فإنه من العبث محاولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 استخلاص النتائج منه. وهذا ما سأحاول لفت الأنظار إليه في مقدمة هذا البحث. لقد عاش الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياة طويلة حافلة بنشاط مختلف النواحي: فمن المعروف أن حياته بصفته صاحب دعوة، ومساهمًا في توجيه دولة تقرب من ستين عامًا، وطول حياته، وتعدد جوانب نشاطه، يجعلان المرء يتوقع أنه قد كتب رسائل شخصية كثيرة جدًا, لكن ما أثر عن الشيخ من رسائل لا يتفق مع ذلك التوقع. وعلى هذا الأساس فإن الباحث يكاد يجزم بأن كثيرًا من رسائله الشخصية قد ضاع. وموقف ابن غنام الذي يعود إليه أكبر الفضل في إيراد ما أثر من هذه الرسائل، موقف يدعو إلى التأمل؛ فهو من ناحيته قد أورد من رسائل الشيخ ما هو مختلف الطول والقصر من حيث المضمون، بل إنه في أحيان نادرة قد أورد شيئًا من رسائل خصوم الشيخ تمهيدًا لتدوين رده عليها, لكنه من ناحية أخرى نص على أنه لم يدون كثيرا من أجوبة الشيخ عن بعض المسائل خشية الإطالة1. فهل عامل ابن غنام بعض رسائل الشيخ الشخصية معاملته لبعض أجوبته أم أنه لم يعثر إلا على تلك الرسائل التي أوردها في كتابه؟ مهما يكن من أمر فإن ما أورده ابن غنام منسوبًا إلى الشيخ يبدو صحيحًا. على أن هناك مصادر أخرى نسبت إلى الشيخ رسائل قليلة غير التي ذكر ابن غنام. وقد جاءت هذه الرسائل ضمن القسم الخامس من مؤلفات الشيخ الذي أفرده بعض الإخوة الكرام المهيئين لهذا الأسبوع لجميع الرسائل الشخصية المنسوبة إليه. وقد جعل هؤلاء الإخوة تاريخ ابن غنام أصلاً قابلوا به وأضافوا إليه ما لم يرد فيه. ولا شك أن ما قام به هؤلاء الإخوة يستحق الثناء والتقدير وبمقدار ما يكون الجهد يأتي اهتمام الباحث بما عمل. ولهذا فإنه من المستحسن الوقوف عند بعض ما عمله أولئك الإخوة. من دراسة القسم الخامس من مؤلفات الشيخ محمد تبدو للمتأمل ملاحظتان: الأولى: أنه يوجد اختلاف في بعض عبارات الرسائل المعدة في هذا القسم وبين   1 روضة الأفكار والأفهام.. طبعة أبا بطين, القاهرة 1368هـ جـ1 ص175, وسوف يشار إليه فيما بعد بروضة فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 أصلها في تاريخ ابن غنام دون الإشارة إلى مواضع الاختلاف. من ذلك مثلاً: رسالة الشيخ إلى علماء مكة المكرمة، ورسالته إلى الشريف أحمد بن سعيد1. والملاحظة الثانية: أن بعض الرسائل المضافة إلى ما ورد في تاريخ ابن غنام ليس فيها ما يرجح كونها من رسائل الشيخ نفسه. لنأخذ مثلا: الرسالة التي يقال إن الشيخ أرسلها إلى عالم من أهل المدينة، فهي لم ترد إلا في الدرر السنية، ولم يذكر اسم العالم الذي أرسلت إليه. ومن غير المرجح أن يرسل الشيخ رسالة إلى عالم من علماء تلك البلدة دون ذكر اسمه. وبالإضافة إلى ذلك: فإنه لم ينص فيها على أنها من الشيخ. والمتتبع لرسائل الشيخ محمد يرى أنه عادة يبدؤها بعبارة: "من محمد بن عبد الوهاب إلى فلان بن فلان. " لكن هذه الرسالة لا تبدأ بمثل هذه العبارة، وإنما تبدأ بأسلوب يختلف تماما عن أسلوب الشيخ المعتاد. وقريب مما سبق يمكن أن يقال عن تلك الرسالة التي يدعى أن الشيخ بعثها إلى عبد الله الصنعاني، فإنها لم ترد إلا في الدرر السنية. ولم ينص فيها على اسم مرسلها. وإذا قورنت بالرسالة التي كتبها عبد الله بن الشيخ محمد عند دخوله مكة المكرمة مع سعود بن عبد العزيز, يتضح أن هناك تشابها كبيرا بين أجزاء من الرسالتين من حيث الأسلوب والمضمون2. ولعل في هذا ما رجح أن الذي كتب الرسالة إلى الصنعاني هو الشيخ عبد الله بن محمد وليس أباه. أما الرسالة التي يقال إن الشيخ محمدًا بعثها إلى أهل المغرب فمن الواضح عدم رجحان كونها له؛ وذلك لعدة أسباب: الأول: ما قيل عن الرسالتين السابقتين المنسوبتين إليه من حيث انفراد صاحب الدرر السنية بإيرادها، وعدم النص فيها على اسم مرسلها. الثاني: أنه من غير المحتمل أن يكون اهتمام زعماء الدعوة بالمغرب قد بدأ قبل استيلائهم على الحجاز ملتقى الوافدين إلى بيت الله الحرام. الثالث: - وهو أهمها- أن هذه الرسالة قد شاعت في تونس زمن الباي حموده باشا. وقد ذكرت المصادر التونسية وصولها إلى ذلك القطر بعد أن تكلمت عن الأمور التي قام بها سعود بن عبد العزيز في الحجاز.   1 القسم الخامس من مؤلفات الشيخ, طبعة جامعة الإمام ص41, 312. وسوف يشار إليه فيما بعد بشخصية وقارن ذلك بروضة 2/81 و114. 2 انظر شخصية ص100-101 وقارنها بالدرر السنية 27جـ1 ص127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وهذا يتلاءم مع السبب الثاني وهو أن الاهتمام بالمغرب ناتج عن الوجود السعودي في الحجاز وعلى هذا الأساس فإنه من المحتمل جدًا أن تكون هذه الرسالة أيضًا من كتابة الشيخ عبد الله بن محمد الذي كان مع سعود بن عبد العزيز عند دخوله مكة كما ذكر سابقًا. وقد ورد في القسم الخامس من مؤلفات الشيخ رسالة قيل إنها جواب منه عن كتاب لم يقف على اسم كاتبه. وقد ذكرت هذه الرسالة في مجموعة الرسائل والمسائل، إضافة إلى ذكرها في الدرر السنية. وأسلوبها مشابه لأسلوب الشيخ في كثير من كتاباته, لكن ورد فيها ما يثير انتباه الباحث. ذلك أنه وردت فيها عبارة: "هو مضمون ما ذكرت في رسالتك أن الشيخ محمدًا قرر لكم ثلاثة أصول"1. وقد يبدو للمرء أن من كتب هذه العبارة لابد أن يكون غير الشيخ محمد. لكن قد يكون الشيخ أورد نص العبارة التي كان قد كتبها من أرسلت إليه هذه الرسالة. وقد وردت في الرسالة أيضا عبارة: " هذا الذي يدعو إليه ابن عبد الوهاب"2. ولو كان الكاتب لها تلميذًا للشيخ أو أحد أنصاره لكان من المرجح أن يضع كلمة "الشيخ" قبل ابن عبد الوهاب. وتعبير الشيخ عن نفسه بابن عبد الوهاب موجود في رسائله3. ومن ناحية أخرى فإن في هذه الرسالة ما يشير إلى أنها قد كتبت وعبد الله المويس لا يزال حيًا. "ومع هذا: يقول لكم شيطانكم المويس إن بنيات حرمة وعيالهم يعرفون التوحيد فضلاً عن رجالهم "4. لكن ورد فيها ما نصه: "فكيف بمن له قريب من أربعين سنة يسب دين الله "5؟   1 شخصية ص172. 2 المصدر السابق. 3 روضة 1/122. 4 شخصية ص173. 5 المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ولو فرض أن دعوة الشيخ قد بدأت في نجد حوالي سنة 1145 هـ - فإن هذه الرسالة - حسب العبارة السابقة - تكون قد كتبت خطيا سنة 1185 هـ تقريبا. ومن المعروف أن المويس قد توفي قبل هذا التاريخ بعشر سنين1. ومما سبق يتضح أنه رغم قلة ما أثر عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب من رسائل شخصية، فإن نسبة قليلة من هذا المأثور تحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر. أسلوب الرسائل إذا كان لأسلوب الكاتب دور في اكتشاف حقائق شخصيته، فإن رسائله أبلغ من كتاباته الأخرى في إلقاء الضوء على تلك الحقائق. ولعل أهم نقطة يلاحظها المتأمل في أسلوب رسائل الشيخ تمسك كاتبها بالأصالة والبساطة. فأغلب هذه الرسائل يبدأ بمثل العبارة الآتية: "من محمد بن عبد الوهاب إلى فلان بن فلان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: ". ومن الواضح أن هذا الأسلوب ينسجم انسجامًا كاملاً مع المحيط العربي الذي كان الشيخ عائشًا فيه ; ذلك المحيط الذي لم يشهد آنذاك غزو المؤثرات الأجنبية، وهو في نفس الوقت يتفق اتفاقًا تامًا مع أساليب السلف الصالح من هذه الأمة الإسلامية. وفي ذلك ما يوضح رغبة الشيخ في تتبع خطى أولئك السلف في هذا المضمار. لكن بالرغم من أن التمسك بالأصالة والبساطة كان الصفة الغالبة في أسلوب الشيخ، فإنه كان - فيما يبدو - على استعداد للتنازل قليلا عن هذا التمسك إذا كان يظن أن في التنازل مصلحة عامة لدعوته ; فهو - مثلا - كان يدرك مكانة علماء مكة ومدى تأثيرهم سلبًا أو إيجابًا في مسيرة الدعوة، ولذلك خرج أسلوبه في رسالته إليهم عن أسلوبه المعتاد في كثير من رسائله, فجاءت ديباجتها مشتملة على نوع من السجع المتكلف: " من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في البلد الحرام. نصر الله بهم سيد   1 ابن بشر: عنوان المجد.. طبعة 2 لوزارة المعارف, 1391 جـ1 ص4-55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 الأنام، عليه أفضل الصلاة والسلام، وتابعي الأئمة الأعلام. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته"1. وكان - أيضاً - يقدر مكانة حاكم تلك المدينة المقدسة وتأثيره الإيجابي لو تعاون مع دعوته. ولذلك بدأ رسالته إليه بعبارات تدل على نوع من المهارة في المجاملة اللبقة. فلم يتوقف به الأمر عند التفخيم والدعاء بالعز في الدارين؛ بل تجاوزه إلى الإشارة الذكية بأن الشريف بصفته النسبية أولى بنصرة الدعوة: "بسم الله الرحمن الرحيم المعروض لديك ـ أدام الله فضل نعمه عليك حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد أعزه الله في الدارين، وأعز به دين جده سيد الثقلين ـ أن الكتاب لما وصل إلى الخادم، وتأمل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف" 2. والشيخ إذ يؤمل انضمام رئيس قبيلة كبيرة إلى دعوته يضيف في أول رسالته إليه ما يعتقده من عوامل التأثير. فهو حين كتب إلى زعيم إحدى القبائل في الشام قال: "من محمد بن عبد الوهاب إلى الشيخ فاضل آل مزيد، زاده الله من الإيمان وأعاذه من نزعات الشيطان.. أما بعد: "3. وإذا كان المتأمل في أسلوب الشيخ يرى تمسك صاحبه بالأصالة والبساطة فإنه يلاحظ - أيضاً - من خلاله ذكاءه ومحاولته بالاستفادة من كل ما يراه مفيدًا لمصلحة دعوته. فبالإضافة إلى ما تقدم نراه حين يحاول كسب أهل منفوحة والرياض عن طريق قاضي الدرعية، يصفه في رسالته إليهم بقوله: "إن عبد الله بن عيسى ما نعرف في علماء نجد ولا علماء العارض ولا غيره أجل منه"4.   1 روضة 2/144. 2 روضة 2/80 ويلاحظ أن كلمة "حضرة" بمعناها هنا لم ترد في كتابات الشيخ إلا في موضعين: أحدهما في هذه الرسالة, والثاني: في رسالته إلى السويدي في العراق. ولعل السبب في استعماله لها في هذين الموضعين فقط اعتقاده أن التأثر بهذا النوع من الأسلوب واضح في القطرين الحجازي والعراقي. 3 روضة 1/151. 4 روضة 1/146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 مع أنه يخاطبه في رسالة أخرى بقوله: "أنتم ومشائخكم ومشائخهم لم يفهموا دين الإسلام ولم يميزوا بين دين محمد صلى الله عليه وسلم ودين عمرو بن لحي"1. ومن ذلك - أيضاً - إثارة النخوة في نفس المخاطب. فهو يحاول إقناع مخاطبه بقوله: "إن لك عقلاً، وإن لك عرضًا تشح به، وإن الظن فيك إن بان لك الحق أنك ما تبيعه بالزهايد"2. ويستثير همم أهل شقراء ضد خصوم الدعوة بقوله: "والله العظيم إن النساء في بيوتهن يأنفن لكم، فضلا عن صماصيم بني زيد" 3. بل إن حبه لنجاح دعوته جعله يقوي عامل الأمل على بادرة اليأس، فهو يخاطب عبد الله بن عبد اللطيف الأحسائي بقوله: "ما أحسنك لو تكون في آخر هذا الزمان فاروقًا لدين الله كعمر رضي الله عنه في أوله"4. مع أنه كان - فما يبدو - يئسًا من استجابته له حيث يقول في نفس هذه الرسالة: "وإنما كتبت لكم هذا معذرة من الله ودعوة إلى الله لأحصل ثواب الداعين إلى الله، وإلا أنا أظن أنكم لا تقبلونه، وأنه عندكم من أنكر المنكرات" 5. ومما يلاحظه المتأمل في رسائل الشيخ اتصافه في حالات قليلة بنوع من الحدة. وهو أمر ذكره عن نفسه في رسالته إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب 6. وكانت هذه الحدة تظهر عادة في التعامل مع خصم نشط الحركة، أو عدو يبدو الأمل في إقناعه ضعيفًا جدًا. فالشيخ - مثلاً - يبدأ رسالته إلى خصمه اللدود سليمان بن سحيم بالعبارة التالية:   1 روضة 1/155. 2 روضة 1/107. 3 شخصية ص292. 4 روضة 1/54. 5 روضة 1/3-54. 6 روضة 1/157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 "الذي يعلم به سليمان بن سحيم أنك زعجت قرطاسة فيها عجائب. فإن كان هذا فهمك فهو من أفسد الأفهام"1. ويخاطبه فيها بقوله: "صار لكم عند ضمامة في معكال، قصاصيب وأشباههم يعتقدون أنكم علماء" وقوله: " أنت رجل جاهل مشرك مبغض لدين الله"2. ويعبر الشيخ عن انفعاله أحيانا بأسلوب تهكمي لاذع. فهو يصور عبد الله المويس بصورة من يقول: " اعرفوني اعرفوني تراي جاي من الشام"3. وأحيانا لا يذكر اسمه، وإنما يرمز إليه "بصاحب الشام" أو "شاميكم"4. وأسلوب الشيخ في رسائله الشخصية متقيد - على العموم - باللغة الفصحى, وقد أعد إعرابها.. لكنه في أحيان قليلة يخرج عن هذا التقيد، فترد فيه عبارات أو كلمات يمكن أن تعتبر لغة عامة. وهذا الأمر شائع في رسائل الشيخ إلى النجديين بصفة خاصة. ففي رسالته إلى محمد بن عباد وردت عبارة: "تذكر أن ودك نبين لك إن كان فيها شيء غاترك"5. وفي رسالته إلى عبد الله بن سحيم يقول: "فلما غربلك الله بولد المويس" ... "لا وجه سميح ولا بنت رجال"6. ورسالته إلى قاضي الدرعية وابنه أكثر احتواء من غيرها على مثل هذه التعبيرات. بل إن هذه التعبيرات هي الصفة الغالبة فيها.   1 روضة 1/138 و142. 2 روضة 1/100. 3 روضة 1/19-121. 4 روضة 1/104. 5 روضة 1/102 و116. 6 روضة 1/6-157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الرسائل والظروف المحيطة بالدعوة الحالة الدينية في نجد عند ظهور دعوة الشيخ تحدث ابن غنام وابن بشر وغيرهما من أنصار دعوة الشيخ محمد عن الحالة التي كان يعيشها النجديون قبيل بدء هذه الدعوة. وقد أعطى هؤلاء صورة قاتمة عن تلك الحالة. لكن ابن بشر نفسه أشار إلى وجود علماء نجديين كانوا يتصفون بصفات جليلة. والدارس لما كتبه أولئك العلماء، مثل المنقور، يرى وضوح تلك الصفات فيهم. والمتأمل في سوابق ابن بشر يلاحظ أن حاضرة نجد ـ على الأقل ـ كانت بصفة عامة تقوم بالواجبات الدينية من صلاة وصوم وزكاة وحج. وما ورد من شعر تلك الفترة، كشعر جبر بن سيار، ورميزان بن غشام، وحميدان الشويعر لا يتفق مع الصورة القاتمة التي تصف بها بعض المصادر حالة نجد آنذاك. ومع ذلك فإن ما ورد في رسائل الشيخ محمد يسهم إسهامًا كبيرًا في إيضاح كثير من جوانب الحالة الدينية في نجد قبيل بدء دعوته. من المعروف أن قضية الاعتقاد بالأولياء أو من تعتقد ولايتهم كانت من الأمور المهمة التي قام حولها نقاش حاد بين الشيخ محمد وخصومه، ورسائله الشخصية حافلة بالحديث عنها من عدة جوانب. فهي تحتوي على أسماء تذكر أن بعض النجديين كانوا يعتقدون بأصحابها. ومن هذه الأسماء: شمسان وداريس وتاج1. وتذكر الرسائل أن مما كان يفعله أصحاب هذه الأسماء أخذ النذور من الناس2. كما أنها تذكر - أيضًا -   1 روضة: 1/130, 155, 178, 180, 188, 216, 226. ويلاحظ أن الشيخ أحيانا يقول. أولاد شمسان وأولاد إدريس (روضة 1/216) , وأحيانا يقول: شمسان وأولاده (روضة 1/22) , أو يقول: محمد بن شمسان (روضة 1/226) . 2 روضة 1/216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أسماء بعض من كانوا يعتقدون بأولئك الأشخاص1. ويستفاد من رسائل الشيخ أن هذه الأمور كانت متوافرة في مناطق نجدية دون أخرى ; فمنطقة العارض وما يليها جنوبا - خاصة الخرج - كانت متأثرة بها، بينما كانت منطقة القصيم - مثلاً - خلاف ذلك. فقد ذكر الشيخ في رسالته إلى عبد الله بن علي ومحمد بن جماز أن " أهل القصيم غارهم أن ما عندهم قبب ولا سادات". لكنه كان يأخذ عليهم عدم معاداتهم لأهل الشرك2. ورسائل الشيخ توضح موقفه ممن يرضون باعتقاد الناس بهم، ويأخذون النذور غاية التوضيح. فقد كان يكفرهم. وغالبًا ما وصفهم بالطواغيت. لكنه أحيانًا يصفهم بصفات أخرى مثل: المردة الشياطين أو الكلاب3. ومما يتعلق بالقضية السابقة موضوع التصوف. ومن المعروف - أيضًا -.. معارضة الشيخ للتصوف أو لبعض أنواعه على الأقل. ولعل من أطرف إشارات معارضته له لمزه لخصمه عبد الله المويس بأن أحد مشائخ مشائخه كان متصوفًا، وكان يلقب بلقب العارف بالله4. ومما يتوقعه المرء خلو محيط مثل المحيط النجدي آنذاك من المذاهب الصوفية. لكن رسائل الشيخ تشير إلى وجود أفراد متصوفة على مذهب ابن عربي وابن الفارض، مثل ولد موسى بن جدعان، وسلامة بن مانع5. وأفراد مغمورون كهذين الرجلين من الغريب أن تكون بينهم وبين مذهب فلسفي في نزعته أية صلة. لكن إذا سلم بصحة ما ورد في رسالة الشيخ، فإنه يلاحظ انحصار ذلك الأمر في معكال التي تكون جزءا من مدينة الرياض الحالية.   1 مثل طالب الحمض. انظر روضة 1/104, 154, 156. 2 شخصية ص232. 3 روضة 1/178 و217. 4 روضة 1/120. 5 روضة 1/147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وتشير رسائل الشيخ - أيضًا - إلى أن سليمان بن سحيم كان يذهب لحضور المولد ويقرأه على الناس، وأنه كان يكتب الحجب المشتملة على الطلاسم1. وكان سليمان من سكان معكال المذكورة سابقا. وعبارة الشيخ لا تنص بصراحة على حدوث الاحتفال بالمولد في نجد. وهي على أية حال الإشارة الوحيدة من الشيخ وغيره التي قد يفهم منها حدوث هذا الأمر في المنطقة. ومن الأمور التي ناقشتها رسائل الشيخ والمتعلقة بالتصوف والأولياء مسألة كتابي دلائل الخيرات، وروض الرياحين. ويفهم من النقاش حولهما أنهما كانا من الكتب المقررة في نجد آنذاك. وقد ادعى سليمان بن سحيم في رسالته التي بعثها إلى العلماء خارج هذه المنطقة أن الشيخ أحرقهما 2. وقد نفى الشيخ في رسالته إلى السويدي إحراقه للكتاب الأول، وذكر أن سبب ما روج عنه حول هذا الموضوع أنه أشار على من قبل نصيحته ألا يصير في قلبه أجل من كتاب الله، ويظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن 3. كما نفى ابن غنام إحراق الشيخ لكتاب روض الرياحين4. وقد يبدو للبعض نوع من الغرابة في تعليل الشيخ لما أشيع عنه حول كتاب دلائل الخيرات. ذلك أن الإحراق شيء والنصيحة بألا يصير في قلوب الناس أجل من كتاب الله شيء آخر. ومن الملاحظ أن الإمام الصنعاني قد مدح الشيخ بقوله: وحرق عمدا للدلائل دفترا ... أصاب ففيها ما يجل عن العد ولم يعلق ابن غنام وابن بشر اللذان أوردا هذا البيت في تاريخيهما بأي شيء عليه5, كما يلاحظ أن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حين تكلم عن الدعوة قال:   1 روضة 1/140. 2 روضة 1/112. 3 روضة 1/153. 4 روضة 1/129. 5 روضة 1/47, عنوان 1/69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 "ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلاً إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك كروض الرياحين"1. حالة البادية: وتشير رسائل الشيخ محمد إلى مسألة في غاية الأهمية وإن لم تكن من المسائل التي كثر النقاش حولها بين أنصار الدعوة وخصومها. فالشيخ يذكر أن كثيرًا من أبناء البادية كانوا لا يمارسون الواجبات الدينية؛ بل إن كثيرًا منهم كانوا لا يؤمنون بقضية مهمة من قضايا العقيدة، وهي البعث بعد الموت. ففي رسالته إلى محمد بن عيد يقول: "ومن المعلوم عند الخاص والعام ما عليه البوادي أو أكثرهم ... ففيهم من نواقض الإسلام أكثر من مائة ناقض"2. يقول: وفي رسالته إلى سليمان بن سحيم يقول: "ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها، والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها"3. وإذا علم أن البادية آنذاك كانت تشكل قسمًا كبيرًا من سكان هذه المنطقة، أدركت خطورة هذه المسألة. ولقد كان حدوث مثل هذا الأمر متوقعا لسيادة الجهل الديني لدى هؤلاء - كما تشير إليه عبارة الشيخ الأخيرة - ولعدم وجود سلطة مهتمة بهذا الموضوع.   1 الدرر السنية 1/127. 2 روضة 1/108. 3 روضة 1/144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ولعل هذا هو السبب الأساسي في توقف الشيخ في الحكم على من اتصفوا بالصفات المذكورة في بداية دعوته كما ذكر ابن غنام1. لكن لا بد أن ذلك التوقف لم يدم حين توافرت فيهم الشروط التي ذكرها الشيخ في رسالته إلى أحمد بن إبراهيم: "تعرفون أن البادية قد كفروا بالكتاب كله، وتبرأوا من الدين كله، واستهزأوا بالحضر الذين يصدقون بالبعث، وفضلوا حكم الطاغوت على شريعة الله، واستهزءوا بها مع إقرارهم أن محمداً رسول الله وأن كتاب الله عند الحضر، لكن كذبوا وكفروا واستهزءوا عنادا"2. بدء الدعوة في نجد: من المعروف أن دعوة الشيخ قد بدأت في نجد قبل وفاة أبيه سنة 1153 هـ. فقد ذكر ابن بشر أن الشيخ أقام على الدعوة مدة سنين حتى توفي أبوه3. وهذا يعني أن الدعوة قد بدأت سنة 1150 هـ أو قبل ذلك. ومن هنا فإن كلامه لا يحدد السنة التي بدأت فيها الدعوة. وليس في رسائل الشيخ ما يفيد إفادة كاملة في هذا التحديد، لكن فيها ما يلقي بعض الأضواء. فقد وردت في رسالته إلى عبد الله بن عبد اللطيف الأحسائي عبارة: "اجتمعت بك من نحو عشرين"4. وقد ذكر في القسم الخامس من مؤلفات الشيخ أن هذه العبارة وردت في بعض النسخ: "اجتمعت بك من نحو عشر سنين"5.   1 روضة 1/33. 2 روضة 1/3-164. 3 عنوان 1/21. 4 روضة 1/50. 5 شخصية ص250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وواضح أن العبارة في هذه النسخة تبدو أصح من العبارة الواردة في تاريخ ابن غنام. وإذا سلم بصحتها فإن الشيخ كان في الأحساء قبل كتابته لهذه الرسالة بعشرة أعوام. فمتى كتبت هذه الرسالة؟ ليس هنالك نص محدد في تاريخ ابن غنام على زمن أو مكان كتابتها ; لكن المتأمل في رسائل الشيخ يمكنه أن يستنتج بعض الأمور التي قد تساعد في هذا الموضوع. فقد ذكر الشيخ في رسالته إلى عبد الله أنه تألم لكتابته مع أهل الأحساء ضده1. وذكر في رسالتيه اللتين بعثهما من العيينة إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب أنهما كانا يستهزآن بجواب ابن فيروز، وأن أمر عبد الوهاب أشق عليه من أمر أهل الأحساء2. فإذا كان عبد الله بن عبد اللطيف قد كتب مع أهل الأحساء، وكانت كتابتهم حين كان الشيخ في العيينة، فإنه من المرجح أن تكون رسالة الشيخ إليه قد كتبت في هذه البلدة. لكن إذا كان من المعروف متى سافر الشيخ من العيينة إلى الدرعية فإنه من غير المعروف يقينًا متى قدم من حريملاء إلى العيينة. فقد يكون قدومه إليها بعد شهور من وفاة أبيه، وقد يكون بعد سنة أو سنتين. وإذا فإنه من المحتمل أن تكون إقامته في العيينة بين سنتي 1153 و1157هـ، وعلى هذا الأساس فإن رسالته المذكورة تكون قد كتبت في هذه الفترة، ويكون اجتماعه بعبد الله بن عبد اللطيف في الأحساء خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1143 و1147 هـ. وبما أن الشيخ لم يطل الإقامة في الأحساء على الأرجح، فإن وصوله إلى نجد من أسفاره خارجها كان أيضًا في الفترة المذكورة. ومعلوم تاريخيًا أنه بدأ دعوته في حريملاء بعد وصوله إليها مباشرة. ولا شك أن معارضة بعض علماء نجد للشيخ قد بدأت منذ بدئه الدعوة، وقد ذكرت المصادر الأصلية حدوث المعارضة له قبل وفاة أبيه، وفي رسائله ما يؤيد ذلك، فقد جاء في رسالة له من العيينة أن عبد الوهاب بن عيسى كان يعمل ضد الدعوة منذ أكثر من خمس سنين3. وذلك يعني أن معارضته قد بدأت منذ سنة 1152 هـ على الأقل.   1 روضة 1/50. 2 روضة 1/7-158. 3 روضة 1/157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أسلوب الدعوة: تبين رسائل الشيخ أن من أساليب نشر دعوته مراسلة من كان يعتقد تأثيرهم على الناس؛ سواء من أمراء المنطقة أو علمائها، وإجاباته عن أسئلة من كتبوا إليه يستفسرون عن حقيقة هذه الدعوة أو جانب من جوانبها1. ومن بين تلك الأساليب - أيضًا - ما كان يقوم به الأنصار والدعاة في البلدان النجدية المختلفة من شرح للدعوة أو مجادلة لخصومها. فكان ابن عيدان - مثلاً - أحد المدافعين عنها في الوشم 2. وكان موسى بن سليم يقرأ رسالة كتبها الشيخ وعلق عليها أحد خصومه معترفًا بصحة ما فيها في عدة بلدان من إقليم العارض3. وكان ابن صالح يجادل سليمان بن سحيم في مجلس زعماء بلدة الرياض4. وفي رسائل الشيخ ما يؤيد قول ابن غنام من أنه كان في بداية أمره يدعو معارضيه بأسلوب هادئ. فهو يقول في رسالته إلى أحمد بن يحيى: "هذا ابن إسماعيل والمويس وابن عبيد جاءتنا خطوطهم في إنكار دين الإسلام.. وكاتبناهم، ونقلنا لهم العبارات، وخاطبناهم بالتي هي أحسن, وما زادهم ذلك إلا نفورًا"5. ويقول عن عبد الله المويس أيضاً: "استدعيته أولا بالملاطفة، وصبرت منه على أشياء عظيمة"6. ويبدو أن هذا الأسلوب اللين كان متبعًا في مرحلة مبكرة جدًا من نشاط الدعوة. وكان   1 هذا الأمر واضح في أكثر رسائله ويبدو أن هذا الأسلوب قد حقق نجاحا طيبا, كما كانت الحال بالنسبة لقاضي الدرعية الذي ذكر الشيخ أنه كان من أكبر أسباب قبول الناس للدين. انظر روضة 1/156. 2 روضة 1/97. 3 روضة 1/140. 4 روضة 1/141. 5 روضة 1/172. 6 روضة 1/103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 اتخاذه في البداية ضروريًا لعدة أسباب، منها ما يتوقعه المرء من أن المعارضة في بداية الأمر لم تكن عنيفة جدا؛ لأن الدعوة آنذاك لم تكن قد حققت من النجاح ما يشعر معارضيها بالخطر، ويدفعهم بالتالي إلى انتهاج أسلوب قوي ضدها. وإذا سلم بذلك فإنه كان من المتوقع أيضًا أن يكون موقف صاحب الدعوة تجاههم غير شديد. ومنها أن الشيخ كان يأمل في اجتذاب بعض المعارضين إلى جانبه. والأسلوب اللين من عوامل كسب الآخرين. ومنها أن الشيخ كان يحس بغرابة بعض ما كان يدعو إليه لدى مجتمعه. ومن هنا كان لابد من انتهاج أسلوب اللين - مرحليًا على الأقل - لئلا يكون رد الفعل في غير صالح الدعوة. يقول الشيخ في إحدى رسائله: "لولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول، وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه لكان شأن آخر، بل والله الذي لا إله إلا هو لو يعرف الناس الأمر على وجهه لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ووجوب قتلهم"1. ومن المعروف بطبيعة الحال أن زعماء الدعوة حين رأوا الظروف مناسبة اتخذوا أهم أسلوب من أساليب نشرها، وهو الجهاد. المعارضة النجدية: واضح من رسائل الشيخ أن دعوته لقيت معارضة شديدة من قبل بعض علماء نجد. فالمتتبع لها يلاحظ أن أكثر من عشرين عالمًا أو طالب علم وقفوا ضدها في وقت من الأوقات. ويأتي في مقدمة هؤلاء المعارضين عبد الله المويس من حرمة، وسليمان بن سحيم من الرياض. ويستفاد من هذه الرسائل أن معارضي الشيخ من النجديين كانوا مختلفي المواقف.   1 روضة 1/6- 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فمنهم من عارضه منذ البداية واستمر في معارضته1. ومنهم من كان يعترف في بداية الأمر بأن ما جاء به الشيخ أو بعضه حق، لكنه غير موقفه مع مرور الزمن2. ومنهم - أيضًا - من كان متأرجحًا في تأييده ومعارضته3. وتوضح الرسائل أن النجديين المعارضين أعطوا أسماء مختلفة لما تضمنته الدعوة؛ قالوا عنه دين أهل العارض4، وقالوا إنه مذهب خامس5؛ كما ادعوا أنه بدعة خرج أول ما خرج من خراسان6. ويبدو أن أسباب معارضة أولئك النجديين للدعوة كانت متعددة؛ رغم توافر بعض الأسباب لدى الجميع، فإن بعضها قد توافر عند شخص دون آخر، ومن غير العدل إهمال جانب الاقتناع الشخصي لدى فريق من هؤلاء بعدم صحة بعض ما كان يدعو إليه الشيخ. كما أنه من السطحية عدم ملاحظة تغير موقف البعض طبقًا لانتقال الدعوة من مرحلة إلى أخرى، ومناداتها بأمور لم تكن تنادي بها، أو تطبيقها أمورًا لم تكن تطبقها في بداية الأمر. ولعل أوضح دليل على ذلك ما ذكره الشيخ نفسه في إحدى رسائله حيث قال: "صدقني من يدعي أنه من العلماء في جميع البلدان في التوحيد وفي نفي الشرك، وردوا علي التكفير والقتال"7. وقوله في رسالة أخرى: "إنهم يقولون لو يترك أهل العارض التكفير والقتال لكانوا على دين الله ورسوله"8.   1 من هؤلاء المويس. 2 مثل ابن سحيم. 3 مثل عبد الله بن عيسى. 4 روضة 1/167. 5 روضة 1/139. 6 روضة 1/102 و116. 7 روضة 1/7-108. 8 روضة 1/150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ومن المعروف أن قتال أصحاب الدعوة لخصومهم لم يحدث في أول بدايتها. ويعطي الشيخ في إحدى رسائله سببين أساسيين لتغير موقف بعض العلماء من الاعتراف بصحة الدعوة إلى مناوأتها: الأول: أن العامة ستقول إذا كان ما يدعو إليه الشيخ هو الحق فلم لم تدعونا إليه قبله؟ وعدم سؤال العامة لهم عنه لا يبرر سكوتهم. وهذا يمكن أن يقال عنه بعبارة أخرى: إن هؤلاء.. المعارضين خافوا أن يفقدوا مكانتهم الاجتماعية؛ لأن الناس سيتساءلون عن علمهم وإخلاصهم، فإن كانوا لم يعرفوا الحكم قبل الشيخ فعلمهم قليل. وإن كانوا علموا الحكم وأخفوه فإخلاصهم مفقود. وفي كلتا الحالتين إضعاف لمكانتهم. والسبب الثاني: لتغير موقفهم في نظر الشيخ إنكاره عليهم أكل السحت والرشوة1. ومن الممكن قبول السبب الثاني من تعليل الشيخ السابق؛ لأن هذا الموضوع كان بطريقة ما بين المسائل التي ذكرها ابن سحيم في رسالته الموجهة إلى العلماء خارج نجد ليقفوا ضد الدعوة2. لكن السبب الأول من التعليل لا يمكن قبوله دون تحفظ، فلو كان سليمان بن سحيم وأمثاله يرون أن اعترافهم بصحة الدعوة قد يهز من مكانتهم الاجتماعية، لما اعترفوا بصحتها منذ البداية. ولعل السبب الأساسي في تغير موقفهم انتقال الدعوة من طور إلى آخر مختلف نوعًا ما. وتشير الرسائل - أيضًا - إلى أن تغير موقف بعض المعارضين النجديين كان نتيجة تأثير البعض الآخر، كما حدث بالنسبة لتأثير المويس على عبد الله بن سحيم3. كما تشير إلى أن عدم انضمام بعض علماء نجد إلى الدعوة ناتج عن عدم القدرة على إقناع الأمراء بها4.   1 روضة 1/114. 2 روضة 1/113. 3 روضة 1/116. 4 روضة 1/109 و162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وتبين الرسائل أن نشاط المعارضة النجدية للدعوة كان مختلف الجوانب. وفي مقدمة أوجه ذلك النشاط الكتابة ضدها. والمتأمل في هذه الرسائل يرى كثرة تلك الكتابة، وإن كان من المتوقع أن أغلبها لم يكن طويل المحتوى. ويأتي في طليعة هؤلاء الكتاب المعارضين، سلمان بن سحيم، وعبد الله المويس، وسليمان بن عبد الوهاب. ومن الجدير بالذكر أن بعض ما كتبه المعارضون النجديون - باستثناء الأخير الثلاثة المذكورين - يكاد يكون مفقودا. ولا شك أن أصول كتاباتهم لو وجدت لكان ارتياح الباحث إليها أعظم. لكن رسائل الشيخ - على أية حال - تلقي أضواء على بعض مضامين تلك الكتابات. فقد ورد في هذه الرسائل أن سليمان بن سحيم كتب أربعة أشياء: أولها تلك الرسالة التي بعثها إلى العلماء خارج نجد والتي أورد ابن غنام نصها في تاريخه1. وقد أورد فيها كاتبها خمس عشرة مسألة اعتبرها مآخذ على الشيخ. الثاني: رسالة وصلت إلى عبد الله بن سحيم. وقد ذكر الشيخ في رسالته إلى عبد الله أنها تحتوي على أربع وعشرين مسألة2. وهي وإن اشتملت على بعض ما جاء في رسالة سليمان إلى العلماء خارج نجد.. إلا أنها لا تحتوي عليها كلها، كما يتضح من جواب الشيخ. وهي - أيضًا - تشتمل على مسائل لم ترد في رسالة سليمان المذكورة أولا3. الثالث: رسالة أشار إليها في رسالته إلى سليمان بقوله: "إنك زعجت قرطاسة فيها عجايب"4. وما ناقشه الشيخ في هذه الرسالة يوضح أن رسالة سليمان أو قرطاسته المشار إليها هنا غير الرسالتين السابقتين5.   1 روضة 1/11-113. 2 روضة 1/13-122. ويلاحظ ان ابن غنام أورد رسالة الشيخ على أنها ردا على رسالة سليمان الموجهة إلى العلماء خارج نجد. 3 قارن ما جاء في الرسالتين: روضة 1/11-113 و1/13-122. 4 روضة 1/138. 5 قارن روضة 1/138-141 , روضة 1/11-113و1/13-122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الرابع: أوراق ذكر الشيخ أنه وقف عليها. ومضمونها مختلف عما جاء في الكتابات المذكورة سابقاً1. أما المويس، فقد أشار الشيخ في رسالته إلى عبد الله بن سحيم إلى أنه ألف كتابًا بعثه إلى أهل الوشم. وقال إنه مشتمل على ثلاثة موضوعات: الأول: علم الأسماء والصفات أو العقائد. والثاني: التوحيد والشرك. والثالث: الاقتداء بأهل العلم. وقد ناقش الشيخ الموضوعين الأولين في رسالته إلى عبد الله، لكنه ترك مناقشة الموضوع الثالث ; لأنه كما يقول قد أرسل رأيه حوله إلى المويس نفسه2. الوجه الثاني من أوجه نشاط المعارضة النجدية: مجادلة أنصار الدعوة في البلدان المختلفة. مثال ذلك: مجادلة ابن إسماعيل جماعة الشيخ في ثرمداء، ومجادلة سليمان بن سحيم لابن صالح في مجلس الشيوخ في الرياض3. الوجه الثالث من أوجه ذلك النشاط: الاتصال بالعلماء، وذوي النفوذ خارج نجد وتحريضهم ضد الشيخ ودعوته. مثال ذلك: ما ذكر سابقًا من إرسال سليمان بن سحيم كتابًا إلى العلماء خارج نجد، وشكواه له عند أهل الحرمين4. وقد ركب المويس وخواص أصحابه إلى أهل قبة الكواز وقبة رجب يخبرونهم بإنكار الشيخ لما هم عليه، ويستثيرونهم ضده5. كما ركب المويس مع ابن ربيعة وابن إسماعيل إلى أهل قبة أبي طالب وأغروهم بعدم اتباع الشيخ6.   1 روضة 1/18-220. 2 روضة 1/97-103. 3 روضة 1/106 و141. 4 روضة 1/139. 5 روضة 1/109 و160. 6 روضة 1/109 و160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وواضح أن الاتجاه إلى الاستنجاد بالخارج يعكس إدراك المعارضين النجديين لضعفهم أمام دعوة الشيخ وفشلهم في إيقافها. الوجه الرابع من وجوه نشاط المعارضين المحليين: ترويج الكتب التي ألفها علماء غير نجديين ضد الدعوة بين الناس، كما روج المويس وابن عبيد كتاب القباني البصري، وكما روج المويس وابن إسماعيل كتاب ابن عفالق1. علماء الأحساء والدعوة: وتلقي رسائل الشيخ أضواء على الدور الذي قام به بعض علماء الأحساء تجاه دعوته، وتبين أوجه النشاط التي كانوا يزاولونها، ومن ذلك كتابة الكتب ضده، وإرسالها إلى زعماء المعارضة النجديين لتأييدهم أو إقناع من كان منضمًا إليه بمفارقته. وتوضح هذه الرسائل أيضًا بعض النقاط التي ركز عليها أولئك العلماء. ومن هذه الأمور: قضية الاجتهاد، والتنويه على أن الشيخ لم يكن مؤهلاً لممارسته2. وقد أوضح الشيخ بدوره موقفه تجاه هذا الموضوع غاية الإيضاح في رسائله3. ومن تتبع رسائل الشيخ، يتضح أنه كان في طليعة العلماء الأحسائيين الذين قاموا بالكتابة ضده القاضي عبد الله بن عبد اللطيف. ومن الواضح أيضا أن الشيخ محمدًا كان شديد الحرص على ضم ذلك العالم إلى جانبه، أو على الأقل التزامه الحياد بينه وبين خصومه4. ومن أولئك العلماء محمد بن عفالق الذي يقول الشيخ عنه: إنه زعم في كتابه أن التوحيد دين ابن تيمية، وأنه لما أفتى به كفره العلماء وقامت عليه الحجة5.   1 روضة 1/106. 2 روضة 1/52. 3 روضة 1/51. 4 انظر مدح الشيخ له وتودده إليه في الرسالة التي بعثها إليه. روضة 1/50 - 60 وقد أشار الحداد في مصباح الأنام ص4-5 إلى أن اسم كتاب عبد الله ضد الشيخ سيف الجهاد لمدعي الاجتهاد. 5 روضة 1/106. ومن بين كتابات ابن عفالق رسالة اسمها: "تهكم المقلدين بمن ادعى تجديد الدين" وربما كانت المقصودة هنا على أن له رسالة أخرى بعثها إلى عثمان بن معمر. وفيها الكثير من الاستشهاد بأقوال ابن تيمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 كذلك كان منهم ابن مطلق وابن فيروز، وقد أورد الشيخ في إحدى رسائله بيتين من الشعر قال.. إن أحدهما ورد في مصنف ابن مطلق والثاني في مصنف ابن فيروز1. وكان الثلاثة الأولون في نظر الشيخ أشد عداوة من ابن فيروز، فقد قال عنهم: "أما ابن عبد اللطيف وابن عفالق وابن مطلق فحشوا بالزبيل. أعني سبابة التوحيد، واستحلال دم من صدق به أو أنكر الشرك ". أما ابن فيروز فإنه - كما يقول الشيخ - أقربهم إلى الإسلام2. ويبدو أن الشيخ كان يدرك خطر أولئك العلماء الأحسائيين؛ لأنه حذر محمد بن سلطان منهم تحذيرًا شديدًا بعد أن سمع أنه سيعرض كلامه عليهم3. ومن الأمور التي أشارت إليها رسائل الشيخ، وجود القبور التي يعتقد فيها أناس من أهل الأحساء 4، بل وجود أمور تضاد أصل الإسلام على حد تعبيره5. ولم يكن غريبًا في مثل هذه الظروف أن يعتبر الشيخ تلك المنطقة بلد مشركين6. الأشراف والدعوة: سبقت الإشارة إلى أن الشيخ كان يدرك أهمية علماء مكة ومدى تأثيرهم، كما كان يدرك مكانة حاكم تلك المدينة؛ لذلك كانت مجاملته لكل منهما واضحة في أسلوبه. وفي رسائله ما يبين أن المعارضة النجدية قد أدركت أيضا هذه المكانة وتلك الأهمية. وكان أن بذل زعماؤها جهودًا كبيرةً لكسب قادة مكة إلى جانبهم ضد الشيخ. وواضح من تلك الرسائل أن جهودهم قد أثمرت. فقد بعث علماء مكة مكاتيب إلى نجد تؤيد المعارضين للدعوة7. واتخذ حكام تلك المدينة موقفًا عدائيًا منها، فسجنوا فريقًا من أنصارها حين قدموا للحج، ومنعوا أتباعها من أداء فريضته مدة طويلة8.   1 روضة 1/161. 2 روضة 1/161. 3 شخصية ص4-145. 4 روضة 1/165. 5 روضة 1/59. 6 روضة 1/161. 7 روضة 1/166. 8 روضة 1/109 و160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وكان الشيخ يعترف بحق آل البيت الذين ينتسب إليهم أشراف مكة ويقول: إن الله شرفهم على أهل الأرض1. بل إنه لام بعض أنصاره الذين انتقدوا أحد الأشراف لسماحه بتقبيل يده ولبسه عمامة خضراء، مشيرًا إلى أن لبسهم الأخضر حدث قديمًا تمييزًا لهم لئلا يظلموا أو يقصر في حقهم من لا يعرفهم. لكن موقفه هذا لم يمنعه من مهاجمة ما كان سائدًا في منطقة تحت حكم الأشراف ; بل إن رسائله لا تلقي الضوء على ما كان سائدًا فيها مما له صلة بالعقيدة فحسب، وإنما تشير إلى نوع من الانحطاط الخلقي الغريب. فيقول في رسالته إلى البكيلي عن الوضع في مكة: "حتى آل الأمر بالهتيميات المعروفات بالزنا والمصريات يأتون وفودا يوم الحج الأكبر، كل من الأشراف معروفة بغيته منهن جهاراً". وواضح ما في هذه العبارة من تعميم دفع إليه - فيما يبدو - شعور عميق بظلم موجه ضد من كتبه. لكن وجود هذا الانحطاط الخلقي عند البعض على الأقل أمر ملفت للنظر. أيها السادة: إن ما ورد في هذا البحث جزء مما تحتوى عليه الرسائل الشخصية للشيخ محمد وهو - كما لاحظتم - لم يتعرض لبعض أصول الدعوة المعروفة، ولم يورد ما في هذه الرسائل من مناقشة حولها. ولا شك أن من له عناية بمثل هذه الأمور سيجد في الرسائل الشيء الكثير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.،،،   1 روضة 2/81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115