الكتاب: الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس الناشر: دار الهدي النبوي، مصر / المنصورة، ودار الففضيلة، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1425هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع محمد بن عبد الرحمن الخميس الكتاب: الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس الناشر: دار الهدي النبوي، مصر / المنصورة، ودار الففضيلة، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1425هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] . {يََا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70، 71] أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1) .   1- هذه خطبة الحاجة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بها خطبه، رواها الإمام أحمد في المسند (1/392 – 293) ، وأبو داود (2118) ، والترمذي (1105) ، وابن ماجة (1892) ، وأخرج بعضها الإمام مسلم في صحيحه (867) و (868) ، وللشيخ الألباني رسالة مطبوعة في إثبات صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد صححها كذلك في صحيح أبي داود (860) ، وصحيح ابن ماجة (1535) ، وتخريج مشكاة المصابيح (2149) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وبعد: فقد انتشرت بين الناس بدع كثيرة في دين الله تعالى، واستبدلوها بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كادت معالم السنة تندثر، وأصبح الباطل حقا، والحق باطلا. وأضحت البدعة سنة، والسنة بدعة. ومن صور العبادات التي انتشرت بين عامة المسلمين، ظاهرة الذكر الجماعي، في المساجد والبيوت، والمنتديات، وغيرها، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية، حتى عمت بها البلوى. كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن الدعاء بعد الصلوات المفروضة بشكل جماعي من مستحبات الصلاة. وهم يعتبرونها مثل الراتبة (1) والتي تصلى بعد الفريضة، أو أكثر منها، ويحرصون عليها أشد الحرص، ويواظبون عليها. فإذا لم يدع لهم الإمام بعد الصلاة ولم يجتمع معهم على الذكر بصورة جماعية، رأوا أن صلاتهم ناقصة، وأساءوا الظن به، واتهموه بأنواع من التهم، ولما كان الذكر عبادة لله تعالى، والعبادات توقيفية لا مجال للابتداع فيها، أو للاستحسان. من أجل هذا كان لا بد من بيان حكم هذا العمل،   1- انظر: تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (1/246) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 والكلام عليه، وذلك كما سيأتي إن شاء الله في مباحث هذا الكتاب. ولما كان بيان (السنة) والذب عنها، ورد البدعة من أوجب الواجبات على العلماء، وطلبة العلم، والدعاة إلى الله تعالى. ولما كانت ظاهرة الذكر الجماعي مما عمّت به البلوى. وشاع بين العامة في كثير من البلدان، واختلف فيه الناس بين مانع منه، ومجوز له. وقد بحثت عمن ألّف في هذا الموضوع خصوصا، بحيث يستوعبه من جميع جوانبه، ويبين السنة فيه – لكني لم أقف على كتاب في هذا الموضوع. لذلك رأيت مستعينا بالله تعالى أن يكون موضوع هذا البحث هو بيان مدى مشروعية الذكر الجماعي، هل يجوز أم لا؟ وقد جمعت أقوال المانعين منه وأدلتهم، والمجيزين له وأدلتهم، في محاولة لاستيعاب هذا الموضوع، والوقوف على مدى مشروعية هذا الفعل. وأسميت هذا البحث "الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع". خطة البحث: اشتمل البحث على: خطبة الحاجة، ومقدمة، وتمهيد، وستة مباحث، وخاتمة. فأما المقدمة: فهي في أسباب اختيار الموضوع، مع بيان خطة البحث. وكذلك التنبيه على اعتقاد بعض العامة في بعض البلدان وجوب الذكر الجماعي بعد الصلاة وغيرها، وذلك كمدخل للبحث. وأما التمهيد: فهو حول بيان منزلة الذكر كعبادة عظيمة، وتوضيح أن العبادات توقيفية لا مجال فيها للرأي ولا للاستحسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وأما المبحث الأول: فهو في تعريف الذكر الجماعي. والمبحث الثاني: حول نشأة بدعة الذكر الجماعي. والمبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم. والمبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم. والمبحث الخامس: في حكم الذكر الجماعي. والمبحث السادس: حول مفاسد الذكر الجماعي. والخاتمة: في بيان خلاصة البحث ونتائجه. والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص والتوفيق، والسداد، وأن يجنبنا الخطأ والزلل والزيغ، وأن يتقبل منا هذا العمل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بقلم: د. محمد بن عبد الرحمن الخميس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 تمهيد مشروعية الذكر ووجوب الاتباع في العبادة من المعلوم أن الذكر من أفضل العبادات، وهو مأمور به شرعا كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41، 42] . فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت، بقلبه، وبلسانه، وبجوارحه، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى، ولا سيما أذكار ما بعد الصّلاة، وطرفي النهار، والأذكار عند العوارض والأسباب، فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو تعب وجهد. لكن ينبغي للمسلم أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزما بحدود الشريعة ونصوصها، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وذلك لأن الاتباع شرط لصحة العمل، وقبوله عند الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) أي باطل مردود على صاحبه. ومما هو معلوم أن العبادات – ومنها الذكر- كلها توقيفيّة، أي: لا   1- أخرجه البخاري (2697) ، ومسلم (1718) من حديث عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مجال فيها للاجتهاد، بل لا بد من لزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وشريعته فيها، لأنها شرع من عند الله تعالى، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم يشرعه الله تعالى، وإلا كان هذا اعتداء على حق الله تعالى في التشريع، ومنازعة لله تعالى في حكمه، وقد قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] . قال السعدي في تفسير هذه الآية: " ... {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} من الشرك والبدع وتحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك، مما اقتضته أهواؤهم، من أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى، ليدين به العباد، ويتقربوا به إليه. فالأصل: الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله تعالى ولا عن رسوله ... " اهـ. (1) فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرع، وبما بين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألاّ يحيد عنها قيد أنملة، وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفا هدي رسول الله صلى الله وسلم في العمل. ولهذا فإن المسلم ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئا مخالفا لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعا في الدين،   1- انظر: تفسير السعدي المسمى (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) (6/ 609) ، ط مؤسسة السعيدية بالرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 محدثا في العبادة ما ليس منها. ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئا في العبادة، فإنه – أي الاستحسان- ليس دليلا على مشروعية تلك العبادة، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادما لحكم الله تعالى، فلا ينبغي أبدا أن يتعبد لله تعالى إلى بما شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 المبحث الأول: تعريف الذكر الجماعي الذكر الجماعي يتركب من كلمتين، وإليك بيان معنى كل منهما: أولا: (الذّكر) : بالكسر: الشيء الذي يجري على اللسان (1) ، وتارة يقصد به الحفظ للشيء. قال الراغب في المفردات: "الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا باحترازه، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان: ذكر عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ" (2) . وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبّدنا الشارع بلفظ منّا يتعلق بتعظيم الله، والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه. (3) ثانيا: معنى (الجماعي) : هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت   1- القاموس المحيط (507) ، لسان العرب لابن منظور (5/ 48) . 2- مفردات الراغب (328) . 3- انظر: الموسوعة الفقهية (21/ 220) ، والفتوحات الربانية (1/ 18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 واحد، يوافق فيه بعضهم بعضًا (1) . والمقصود بكلامنا وقولنا: الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت جماعي أذكارًا وأدعية وأورادا وراء شخص معين، أو دون قائد، لكنهم يأتون بهذه الأذكار في صيغة جماعية ومن صوت واحد، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث.   1- الموسوعة الفقهية (21/ 252) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة - رضي الله عنهم- كما سيأتي ذلك مفصلاً في المبحث الرابع إن شاء الله، وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قلّ انتشار هذه الظاهرة, وخبت بسبب إنكار السلف لها. ثم لمّا كان زمن المأمون، أمر بنشر تلك الظاهرة. فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس. فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام 216 هـ ما نصّه: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة، والرصافة، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، من هذه السنة" (1) وجاء في تاريخ ابن كثير: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس" (2) . فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي وبقوة، بسبب مناصرة السلطان لها. ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمرا، أو قولا ما، ونشره بالقوة بين الناس، فلابد   1- تاريخ الأمم والملوك (10/ 281) . 2- البداية والنهاية (10/ 282) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أن ينتشر ويذيع، إذ إن الناس على دين ملوكهم. واستمرت هذه الظاهرة منتشرةً بين الرافضة والصوفية ومن تأثر بهم (1) . هذا وقد جمعوا بين أمرين، هما: الذكر الجماعي، والذكر بالاسم المفرد. وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا بد من الذكر في جملة لأنها هي المفيدة، ولا يصح الاسم المفرد، مظهرا أو مضمرا، لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة. ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف. ومن صور هذا الذكر كذلك أن يزيدوا ياءً في (لا إله إلا الله) بعد همزة لا إله. ويزيدون ألفاً بعد الهاء في كلمة (إله) فتصبح (لا إيلاها) . ويزيدون ياءً بعد همزة إلا وبعد (إلا) يزيدون ألفا فتصبح (إيلا الله) وكل ذلك حرام بالإجماع في جميع الأوقات (2) . وكذلك يلحن بعضهم في (لا إله إلا الله) ، فيمد الألف زيادة على قدر الحاجة، ويختلس كسرة الهمزة المقصورة بعدها ولا يحققها أصلا، ويفتح هاء له فتحة خفيفة كالاختلاس، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله (3) .   1- دراسات في الأهواء (ص 282) . 2- انظر: الإبداع في مضمار الابتداع (317) . 3- الإبداع في مضمار الابتداع (316) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وكذلك من صوره أنهم يذكرون بالحَلْقِ، أي يحاولون إخراج الحروف من الحلق، وهذا يلزمهم بفتح أشداقهم، والتقعر في الكلام، والتكلف في النطق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان لأنها هي التي تجمع مخارج الحروف (1) . وقد تعددت صور ذلك. فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين، وبصوت واحد: كأن يقولوا: لا إله إلا الله. مائة مرة (2) . قال الشقيري: "والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثا، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين جماعة بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر" (3) . ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعة من الناس: 1- الاستغفار عقب الصلاة، والإتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع (4) . قال الأوزاعي: "حمل الشافعي – رضي الله عنه- أحاديث الجهر على من يريد التعليم" (5) . 2 – أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهرا رافعا يديه، ويؤمن المأمومون ن على دعائه وبصوت واحد (6) .   1- الإبداع في مضمار الابتداع (317) . 2- السنن والمبتدعات (60) ، وعلم أصول البدع (151) . 3- السنن والمبتدعات (60) 4- انظر: علم أصول البدع (151) 5- إصلاح المساجد (ص 111) 6- مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام (123) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 3 – ومنه أن يجتمع الناس في مكان ما – مسجد أو غيره- ويدعون الله، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطا للطريقة (1) . وقد قال التيجاني: "من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة، وإن كان له إخوان في البلد فلا بد من جمعهم وذكرهم جماعة. وهذا شرط في الطريقة" (2) . وقال: الرباطي: "وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة، ويعد تهاونا، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون" (3) . وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه: قال السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر (لا إله إلا الله) ، ويقولون في النهاية (الله الله .... ) بصوت عال. فما حكم فعلهم هذا؟ الجواب: (بعد بيان ضلال هذه الطريقة) . والاجتماع على الذكر بصوت جماعي لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: (الله   1- الحوادث والبدع (126) . 2- تقديس الأشخاص (1/ 336) . 3- تقديس الأشخاص (1/ 336) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 الله ... ) أو: (هو هو ... ) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة (1) . 4 – ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه. 5 – ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل واحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها. وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي: إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية. أو للأخطاء التي تحصل من الداعي، وتحريفه للكلام. ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين: الأول: تخصيص كل شوط بدعاء خاص، مع عدم ورود ذلك. قال الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-: "وأما ما أحدثه بعض الناس: من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي" (2) . الثاني: الهيئة الجماعية، مع رفع الصوت، وحكاية ألفاظ بدون   1- البدع وما لا أصل له ص (425) . 2- التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة (35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 تدبر واستحضار معنى. 6- ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي، أو قبور الشهداء، أو البقيع، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني –رحمه الله- عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة النبوية: "تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة، أو بعيدا عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها" () . 7 – ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات – ولاسيما في العيدين- ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت، ويرددون جماعة بصوت واحد، فهذا كذلك من البدع.   1- مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف للألباني (63) رقم (166) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 المبحث الثالث: حجج الموزين للذكر الجماعي وأدلتهم ... المبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (1) ، نوجزها فيما يلي: أولا: النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تعالى ملائكة سيارة، فضلاً يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا، وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... " وفي نهاية الحديث يقول الله: " ... قد غفر لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم ما استجاروا ... " (2) . فيرى المجيزون للذكر الجماعي أن هذا الحديث يدل على فضل   1- انظر: حجج من أجاز الذكر الجماعي في كتاب (نتيجة الفكر في الجهر بالذكر) للسيوطي (2/ 23- 29) ، مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لحسين السقاف (244- 257) . 2- البخاري (6408) ومسلم (2689) عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الاجتماع للذكر، والجهر به من أهل الذكر جميعا، لأنه قال: "يذكرونك، ويسبحونك، ويهللونك، ويمجدونك" بصيغة الجمع، ثم استدلوا بقول الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري حيث قال: "والمراد بمجالس الذكر هي المجالس التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرها، وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر ... والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوها والتلاوة فحسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسته، والمناظرة فيه، من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى" (1) . ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه أحمد من طريق: إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود، عن يعلى بن شداد، قال: حدثني أبي شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل فيكم غريب" يعني أهل الكتاب، فقلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب، وقال: "ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله" فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم قال: "الحمد لله، بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم" (2) .   1- فتح الباري (11/ 212) . 2- رواه أحمد في المسند (4/ 124) ، والطبراني في الكبير (7/ 290 ح7163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قلت: الحديث ضعيف. فيه إسماعيل بن عياش. وهو مدلس. ولم يصرح بالسماع، ومدار هذا الحديث على راشد بن داود، قال ابن معين: "ليس به بأس، ثقة"، وقال دحيم: "هو ثقة عندي"، بينما ضعفّه الإمام البخاري -رحمه الله- فقال: "فيه نظر"، وهذا جرح شديد عنده، بمعنى أن متهم أو غير ثقة. كما أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي (1) ، وقال الدارقطني: "ضعيف لا يعتبر به"، فاتفق مع البخاري في تضعيفه، وهو الظاهر من حاله، فإن الحكم بالجرح زيادة علم عن الحكم بالتعديل، فإذا صدر من إمام عالم متمكن غير متشدد كان مقبولاً من غير شك، هذا من جهة. ومن ناحية أخرى، فلو فرضنا جدلاً صحة هذا الحديث فليس فيه دلالة على جواز الذكر الجماعي، فهو صريح الدلالة على أن ذلك كان للبيعة - أو لتجديد البيعة- وليس لمجرد الذكر، لا سيما وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم برفع الأيدي، فهذا للمبايعة، ولا يشترط – بل ولا يستحب- في الذكر. ثانيا: الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل مجالس الذكر، والتي منها: 1- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير   1- انظر الموقظة للذهبي (ص 83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 منهم .... " (1) الحديث. والشاهد في قوله: "وإن ذكرني في ملأ" فدل على جواز الذكر الجماعي (2) . 2 – ما جاء في صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا. فقال: "آلله ما أجلسكم إلا هذا". قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك. فقال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" (3) . 3 – ما رواه أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس – أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس – أحبّ إلي من أعتق أربعة" (4) . وغير ذلك من الأحاديث التي ورد فيها فضل مجالس الذكر وفضل الاجتماع عليه. واستدلوا كذلك ببعض الأحاديث التي ورد فيها ذكر الدعاء الجماعي، وهي أقرب ما يمكن أن يستدل به في هذا الموضوع؛ لو   2- البخاري (7405) ، ومسلم (2657) عن أبي هريرة. 1- ما جاء في البدع (ص48 رقم 25) . 2- مسلم (2701) عن معاوية. 3- أخرجه أبو داود (3667) وهو في صحيح أبي داود (3114) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 سلمت من الطعن، وهاهي بين يديك، مع ما قال الأئمة المعتمدون في علم الجرح والتعديل في رواتها وأسانيدها. الحديث الأول: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعد ما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال: "اللهم خلّص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ويهتدون سبيلا، من أيدي الكفار". أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1) ، وابن جرير في تفسيره (2) . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر في التقريب: "ضعيف" (3) ، ونقل الذهبي في السير (4) تضعيفه عن أحمد بن حنبل والبخاري والفلاس والعجلي، وغيرهم. انتهى. ومع الضعف الذي في علي بن زيد، فليس فيه دليل على الدعاء الجماعي، وهذه الرواية مخالفة لما جاء في الصحيحين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: "اللهم انج عياش ... " (5) الحديث. أي يقول هذا الدعاء في قنوت الفجر، قبل الخروج من الصلاة. الحديث الثاني: عن محمد بن أبي يحيى السلّمي قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلا رافعا يديه بدعوات قبل أن يفرغ من   1- تفسير ابن أبي حاتم (3/ 1048) . 2- تفسير ابن جرير (4/ 438 ح12081) . 3- تقريب التهذيب (401) 4- سير أعلام النبلاء (5/ 206) . 5- البخاري (2/ 225، 226) ، ومسلم (ح392) في الصلاة، وأبو داود (ح 836) ، والنسائي (2/ 233) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 صلاته، فلما فرغ منها قال: إن رسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته. رواه الطبراني في الكبير (1) وسنده ضعيف لضعف فضيل بن سليمان. فقد قال عنه ابن معين: ليس بثقة. وفي رواية: ليس هو بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال صالح جزرة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكر أبو داود أنه استعار كتابًا من موسى بن عقبة فلم يرده. وكان عبد الصمد بن مهدي لا يحدث عنه. وقال أبو ذرعة: لين الحديث، روى عنه علي ابن المديني وكان من المتشددين ومع ضعف فضيل، ففي القلب شيء من رواية محمد بن أبي يحيى عن ابن الزبير، فلا أظن أدركه، لأن وفاة ابن الزبير كانت سنة (73هـ) ووفاة محمد كانت سنة (144هـ) (2) . ومعنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يرفع يديه حتى يفرغ من الصلاة وهو غير رافع يديه للدعاء، أو أنه كان يرفع بعد الفراغ من الصلاة للدعاء؛ ولكن ليس فيه أنه كان يجهر بالدعاء ويجهر المأمومون بالتأمين. وعليه، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفردا. الحديث الثالث: عن أنس –رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يبسط كفيه في دبر كل صلاة ثم يقول: اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل، أسألك أن   1- المعجم الكبير (قطعة من جزء 13 رقم 324) من طريق فضيل بن سليمان بن محمد بن أبي يحيى، وسنده ضعيف. 2- انظر: تهذيب الكمال وحاشيته (23/ 274، 275) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 تستجيب دعوتي فإني مضطر، وتعصمني في ديني فإني مبتلى، وتنالني برحمتك فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني متمسكن. إلا كان حقا على الله ألا يرد يديه خائبتين)) . رواه ابن السني في عمل اليوم الليلة (1) ؛ والحديث فيه عبد العزيز بن عبد الرحمن وخصيف. أما عبد العزيز فقد ضعفه جمع من الأئمة، وأما خصيف فقد قال الحافظ ابن حجر فيه: صدوق سيء الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء. انتهى (2) . وإضافة إلى هذا الضعف الذي في هذا الحديث، فليس فيه دلالة على المطلوب، بل هو كالحديثين السابقين. الحديث الرابع: عن الأسود العامري، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله الفجر، فلما سلم، انحرف ورفع يديه ودعا. قال العلامة المباركفوري (3) : الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند، وعزاه إلى المصنف. ولم أقف على سنده. والله تعالى أعلم. أهو صحيح أو ضعيف؟. انتهى من التحفة. والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (4) ، وابن حزم في المحلى (5) . وليس فيه: (ورفع يديه ودعا) ، وإنما هو هكذا: حدثنا هشيم قال: نا يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد الأسود العامري، عن أبيه قال: صليت مع   1- عمل اليوم والليلة لابن السني (ص 53) . 2- تقريب التهذيب (193) . 3- تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1/ 246) . 4- مصنف ابن أبي شيبة (1/ 337) . 5- المحلى لابن حزم (4/ 261) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 رسول الله الفجر، فلما سلم انحرف. ولفظ ابن حزم: فلما صلى انحرف. فإذن ليس في الحديث: رفع يديه ودعا. ولو سلمنا بثبوت هذه الجملة فإنها لا تكفي للوفاء بالاستدلال المقصود؛ لأنها ليس فيها الجهر بالدعاء من الإمام، ولا تأمين المأمومين جهرا. الحديث الخامس: عن الفضل بن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن، ثم تقنع يديك – يقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب- ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا" (1) . رواه أحمد والترمذي. وفي رواية للترمذي: فهو خداج. قال الترمذي (2) : سمعت محمد بن إسماعيل –يعني البخاري- يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبدربه بن سعيد، فأخطأ في مواضع. انتهى. والحديث ضعيف. فيه عبد الله بن نافع بن العمياء، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: مجهول (3) . وحتى ولو فرضنا صحة الحديث، فليس فيه دليل للدعاء الجماعي، وإنما هو دليل للدعاء منفردا كما هو واضح في سياقه وألفاظه. ثانيا: ومن أدلتهم أيضا بعض الآثار التي جاءت عن بعض السلف،   1- جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1/ 299) ؛ ومسند أحمد (3/ 229- 230) . 2- جامع الترمذي بشرح تحفة الأحوذي (1/ 299) . 3- تقريب التهذيب (1/ 317/ 3757) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فمنها: 1- ما جاء عن عمر –رضي الله عنه- من أنه كان يكبر في قبته في منى فيسمعه أهل المساجد، فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا (1) . 2- أن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، كانت تكبر يوم النحر، وكن النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد (2) . رابعا: ومن أدلتهم أيضا المصالح المترتبة على الذكر الجماعي لأنه فيه -كما يرون- مصالح كثيرة، منها: 1- أن فيه تعاونا على البر والتقوى، وقد أمر الله بذلك في قوله: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة 2] . 2- أن الاجتماع للذكر والدعاء أقرب إلى الإجابة. 3- أن عامة الناس لا علم لهم باللسان العربي، وربما لحنوا في دعائهم، واللحن سبب لعدم الإجابة، والاجتماع على الذكر والدعاء   1- أخرجه البخاري تعليقا مجزوما به (الفتح 2/ 534) ، وابن المندر في الأوسط (4/ 299/ رقم 2197) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 312) . قال ابن حجر في الفتح (2/ 535) : (وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير، ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق، ومن طريقه البيهقي) وذكر ابن حجر نفس الكلام في تغليق التعليق (2/ 379) . 2- أخرجه البخاري تعليقا مجزوما به (الفتح 2/ 534) . قال ابن حجر في الفتح (2/ 535) : (وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيدين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 بصوت واحد يجنبهم ذلك (1) . خامسا: ومما يستدلون به أن هذا العمل عليه أكثر الناس، والغالبية هي الجماعة والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بلزوم الجماعة في غير ما حديث (2) . سادسا: أن الذكر على هذه الهيئة وسيلة، والغاية منها عبادة الله، والقاعدة تقول: إن الوسائل لها حكم الغايات والمقاصد (3) ، وعبادة الله أمر مطلوب، وعليه فيكون الذكر الجماعي أمرا مطلوبا (4) . وأما جوابهم على أدلة المانعين من الذكر الجماعي، فإنهم يرون أن الآثار الواردة عن الصحابة في المنع من الذكر الجماعي، والإنكار على فاعليه، يرون أنها آثار معارضة بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة، وهذه الأحاديث مقدمة على تلك الآثار عند التعارض. قال السيوطي: هذا الأثر عن ابن مسعود (5) يحتاج إلى بيان سنده. ومن أخرجه من الأئمة الحفاظ في كتبهم؟ وعلى تقدير ثبوته فهو معارض بالأحاديث الكثيرة الثابتة المتقدمة وهي مقدمة عليه عند التعارض (6) .   1- وهذه المصالح التي زعموها ذكرها الشاطبي في الاعتصام (1/ 461) وما بعدها. 2- المرجع السابق (1/ 460) . 3- القواعد والأصول الجامعة (ص25) . 4- هذه من الحجج التي احتج بها بعض الناس في إثبات كثير من المحدثات. انظر: علم أصول البدع ص 246. 5- يعني الأثر الذي رواه الدارمي، والذي فيه إنكار الذكر الجماعي. وكذلك وردت آثار أخرى عنه ذكر فيها إنكاره الذكر الجماعي كما في البدع لابن وضاح. 6- الحاوي للفتاوى (2/ 132) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 المبحث الرابع: حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم استدل المانعون من الذكر الجماعي بأدلة. منها: أولا: أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حث الناس عليه، ولو أمر به أو حث عليه لنقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام. وكذلك لم ينقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه. قال الشاطبي:"الدعاء بهيئة الاجتماع دائما لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم" (1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمون جميعا، لا في الفجر، ولا في العصر، ولا في غيرهما من الصلوات، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه، ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة" (2) ثانيا: فعل السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، فإنهم قد أنكروا على من فعل هذه البدعة، كما سيأتي ذلك في النصوص الآتية عن عمر وابن مسعود وخباب –رضي الله عنهم- ولو   1- الاعتصام (1/ 219) . 2- الفتاوى الكبرى (2/ 467) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 لم يكونوا يعدون هذا العمل شيئا مخالفا للسنة ما أنكروا على فاعله، ولا اشتدوا في الإنكار عليه، فممّن أنكر من الصحابة هذا العمل: 1- عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال: "كتب عامل لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه- إليه: أن هاهنا قوما يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك. فأقبل. فقال عمر للبواب: أعدّ سوطا، فلما دخلوا على عمر، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط. فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق" (1) . 2- وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر: عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه- وذلك في الكوفة. فعن أبي البختري قال: أخبر رجل ابن مسعود - رضي الله عنه- أن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا لله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني، فأخبرني بمجلسهم. فلما جلسوا، أتاه الرجل، فأخبره. فجاء عبد الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله غيره، لقد جئتم ببدعة ظلما أو قد فضلتم أصحاب محمد علما. فقال عمرو ابن عتبة: نستغفر الله. فقال: "عليكم الطريق فالزموه، ولئن أخذتم   1- ما جاء في البدع لا بن وضاح (54) ، وابن أبي شيبة في المصنف (8/ 558) . وسنده حسن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا (1) " 3- وممن أنكر عليهم من الصحابة: خباب بن الأرت، فقد روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله ابن الخباب قال: "بينما نحن في المسجد، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي. فأرسل إليّ أبي. فوجدته قد احتجز معه هراوة له. فأقبل عليّ. فقلت: يا أبت! مالي مالي؟! قال: ألم أرك جالسا مع العمالقة (2) ؟ ثم قال: هذا قرن خارج الآن" (3) ، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك هذه البدع ومن جملة ذلك: كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان. وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية (4) . وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب،   1- الدارمي (1/ 68- 69) بإسناد جيد، وابن وضاح في البدع (ص8-10، 11، 12، 13) من عدة طرق عن ابن مسعود. وابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص 16- 17) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع (ص83- 84) قال محقق كتاب (الأمر بالاتباع) للسيوطي: "والأثر صحيح بمجموع طرقه". 2- العمالقة الجبابرة الذين كانوا بالشام من بقية قوم عاد. ويقال لمن خدع الناس ويخلبهم: عملاق، والعملقة: التعمق في الكلام. فشبه القصاص بهم لما في بعضهم من الكبر والاستطالة على الناس. أو بالذين يخدعونهم بكلامهم وهو أشبه. قاله ابن الأثير في النهاية (3/ 301) . 3- ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 32 رقم 32) ، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 559) . 4- كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي ص 62، 63 – 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وقوله: إنه شيء أُحدث، وإن السلف كانوا أرغب للخير، فلو كان خيرا لسبقونا إليه (1) . فهذه النقول، التي أوردناها في هذا الباب، كلها توضح أن السلف –رضي الله عنهم- كانوا لا يرون مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثنا الخلف. ولله در السلف! ما كان خير إلا سبقوا إليه، ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها، محذرين منها. فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركا لسبل الخير، معرضا عنها، مقتحما أبواب الضلال. فلو كان الذكر الجماعي مشروعا أو مستحبا لفعله السلف، ولو فعلوه لنقل عنهم، ولورد إلينا. فلما لم ينقل ذلك عنهم، بل نقل عنهم ما يخالف من الإنكار على فاعله، كما حدث من ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً. ثالثا: النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع في الدين، كحديث عائشة –رضي الله عنها- مرفوعا: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (2) . ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدل عليه، فلو شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمر به وحث الناس عليه، ولشاع ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بينهم مع قيام المقتضي. رابعا: أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكا على شريعة   1- فتاوى الشاطبي ص (206 – 208) . 2- أخرجه: البخاري (2697) ، ومسلم (1718) عن عائشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 النبي صلى الله عليه وسلم بحيث إن المبتدعين له شرعوا أحكاما لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: من الآية21] فلما لم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته. خامسا: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن في هذا الذكر بصوت واحد تشبها بالنصاري الذين يجتمعون في كنائسهم لداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد. هذا مع كثرة النصوص الشرعية التي وردت في النهي عن التشبه بأهل الكتاب، والأمر بمخالفتهم. سادسا: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن فيه مفاسد عديدة تقطع بعدم جوازه، لا سيما وأنها تربو على ما له من منافع زعمها المجيزون له، فمن هذه المفاسد: 1- التشويش على المصلين والتالين للقرآن مع ورود النهي عن هذا التشويش، ومنها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كلكم مناج ربه. فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة" (1) . 2- الخروج عن السمت والوقار الذين يجب على المتسلم المحافظة عليهما. 3- أن اعتياد الذكر الجماعي قد يدفع بعض الجهال والعامة إلى   1- أخرجه أبو داود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1183) ، وفي صحيح الجامع الصغير (2639) ، ونسبه لأحمد والحاكم والبيهقي وابن خزيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجدوا من يجتمع معهم لترديد الذكر جماعة كما اعتادوا. 4- أنه قد يحصل من بعض الذاكرين أحيانا تقطيع الآيات حتى يتمكن قصار النَفَس من الترديد مع طوال النفس. فهذه أظهر أدلة المانعين من الذكر الجماعي. وقد سقتها – على وجه التفصيل- في حدود ما وقفت عليه، مع تحري الأمانة فيما نقلت. وأما أدلة المجيزين للذكر الجماعي فقد أجاب المانعون عنها بما يلي: أولا: الجواب على الدليل الأول: وهو احتجاجهم بالنصوص الواردة في مدح الذاكرين بصيغة الجمع، وادعاؤهم أن هذا يقتضي اجتماعهم على الذكر بشكل جماعي، وللجواب على هؤلاء يقال: إن الحث على الذكر بصيغة الجمع ومدح الذاكرين بصيغة الجمع لا يقتضي الدلالة على استحباب أو جواز الذكر الجماعي، ولا يلزم منه ذلك. بل غاية ما في هذه النصوص الدلالة على استحباب الذكر لجيمع المسلمين، والحث عليه، وسواء كان على وجه الانفراد، أو الاجتماع، ظاهرا، أو خفيا. ثانيا: الجواب على الدليل الثاني: وهو استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر. فالجواب على هذا الدليل من وجهين: الوجه الأول: أن ذكر الله ليس مقصورا على التسبيحات والدعوات، وما يقال باللسان، بل إن ذكر الله سبحانه وتعالى يشمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه، والقرآن، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه، بل وغير ذلك. ويدل على ذلك ما ورد في كتاب الحلية لأبي نعيم الأصبهاني، بسنده إلى أبي هزان قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل. قال أبو هزان: قلت لعطاء: ما مجلس الذكر؟ قال: مجلس الحلال والحرام، وكيف تصلى، وكيف تصوم، وكيف تنكح، وكيف تطلق وتبيع وتشتري (1) . وقال الحافظ ابن حجر: "والمراد بالذكر: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل الباقيات الصالحاتوهي: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، ونحو ذلك. والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضا، ويراد به: المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه: كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة" (2) قال العلامة المباركفوري (3) : "المراد بالذكر - هنا- الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها، مثلا الباقيات   1- الحلية (3/ 313) . 2- الفتح (11/ 250) . 3- تحفة الأحوذي (9/314) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة، والبسملة، والحسبلة، والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة. ويطلق ذكر الله أيضا ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدراسة العلم، والتنفل بالصلاة". فإن قال قائل من هؤلاء: إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني. فالرد عليه بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله. وهناك فرق كبير بين هذا وذاك. فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم ويستمعون لقراءته" (1) . وقال الطرطوشي: "هذه الآثار (2) تقتضي جواز الاجتماع لقراءة   1- مجموع الفتاوى (11/ 523) . 2- أي التي تدل على فضل مجالس الذكر والاجتماع عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعليم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المعلم على المتعلم، أو يتساويا في العلم، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم، دون القراءة معا. وجملة الأمر أن هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معا على مذهب الإدارة، وفي قراءة الجماعة على المقرئ .... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على أستاذهم. ورجل واحد يقرأ القرآن، لجاز أن يقولوا: هؤلاء جماعة يدرسون العلم، ويقرؤون العلم والحديث. وإن كان القارئ واحدا (1) . ثالثا: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر -رضي الله عنه-، وميمونة – رضي الله عنها-. فيجاب عنها من ثلاثة وجوه: الأول: أنها غير صريحة في التكبير الجماعي بالشكل الذي يدعو إليه من يقولون بمشروعية الذكر الجماعي، بل غاية ما فيها أن الناس تأسّوا بعمر –رضي الله عنه- فكبروا مثله وبأصوات مرتفعة، وبسبب تداخل واختلاط الأصوات مع كثرة الحجيج فقد ارتجت منى بالتكبير. ولا يفهم منه أن عمر –رضي الله عنه- كان يكبر ثم يسكت حتى يردوا خلفه بصوت رجل واحد. وإلا فإن أئمة المذاهب المتبوعة لم ينقل عنهم الإقرار للذكر والتسبيح والتكبير بصوت واحد فلو فهموا منه ما فهمه   1- الحوادث والبدع ص 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 دعاة الذكر الجماعي لقالو به. ولكنهم فهموا هذه الآثار –والله أعلم- على ما سبق ذكره في أول هذا الوجه. وأما أثر ميمونة فيقال فيه ما قيل في أثر عمر. وليس فيه إلا تكبير النسوة مع الرجال في المسجد. الثاني: أن عمر –رضي الله عنه- قد ثبت عنه أنه عاقب من اجتمعوا للدعاء والذكر وغيره كما في الأثر الذي رواه ابن وضاح. وقد سبق إيراده في بيان حجج المانعين من الذكر الجماعي وأدلتهم. الثالث: أن مثل هذا التكبير من عمر والترديد من الناس لم ينقل في غير أيام منى، ووقت الحج. ولو جاز تعميم الحكم، والقول بجواز الذكر الجماعي في المساجد والبيوت، وبعد الصلوات وفي الأوقات المختلفة، لكان في هذا مخالفة واضحة للآثار السابقة عن عمر، وابن مسعود، وخباب، وغيرهم رضي الله عنهم جميعا. رابعا: وأما الأمر الرابع الذي استدلوا به: وهو دعواهم أن للذكر الجماعي مصالح عديدة، فيجاب عنه بما يأتي (1) : 1- قولهم إن فيه تعاونا على البر والتقوى باطل، يرده فعل النبي صلى الله عليه وسلم. فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أنزل عليه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وكذلك فعل عليه السلام، ولو كان الاجتماع للدعاء والذكر بعد الصلاة جهرا لمن شهد الصلاة، وفي غير ذلك من الأوقات. لو كان هذا   1- انظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 461) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 كله من باب التعاون على البر والتقوى لكان أول سابق إليه هو النبي عليه السلام، ولفاز بالسبق إليه أصحابه رضوان الله عليهم، ومن المعلوم أنهم لم ينقل عنهم ذلك قطعا، وكذب من ادعى عليهم شيئا من ذلك. 2- وأما قولهم إن الذكر الجماعي أقرب للإجابة. فيجاب عليهم بأن هذه العلة كانت موجودة في زمانه عليه السلام، بل هو صلى الله عليه وسلم أعظم من تجاب دعوته ولا شك في ذلك، فهو عليه السلام كان أحق بأن يفعل ذلك ويدعوا مع أصحابه –جماعة- خمس مرات في اليوم والليلة. لكن رغم ذلك لم ينقل عنه أنه فعل ذلك. وبالتالي يصبح من الواجب الحكم على هذا الفعل بأنه بدعة بناء على ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، وبناء على الأدلة الكثيرة في بيان وجوب طاعته، والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته. 3- وأما قولهم إن الذكر الجماعي أبعد عن اللحن في الدعاء والذكر ولا سيما للعوام، فيجاب عليهم بما يلي: أ- أنه ليس من شروط صحة الدعاء عدم اللحن فيه، بل يشترط الإخلاص وصدق التوجه ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقد كان الصحابة متوافرين بعد انشار الفتوحات، وظهور العجمة في الألسنة بعد أن كثر العجم الداخلون في الإسلام، وشاع بين الناس اللحن في الكلام، ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة شيء من هذا الذكر الجماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ب- أن هذا اللحن الذي زعموه، والموجود في الدعاء، يوجد أيضا من هؤلاء العوام في قراءة القرآن، وفي الصلاة، وفي غيرها من شعائر الدين، وكان الجدير بهؤلاء أن يعلموهم بعد الصلوات تلك الأحكام، لأنها أمور واجب تعلمها على المسلم، أما الدعاء فهو أمر مستحب. رابعا: قولهم إن هذا عمل الناس، وعليه الجماعة، وقد اجتمع عليه أكثر الناس. فيجاب عليهم بأن هذا احتجاج بالناس على الشرع، وهذا باطل. بل يحتج بالشرع وبالدليل على الناس، وعلى الرجال، وأما اتباع عامة الناس وأغلبهم في أمور الدين فهذا باب ضلال، وقد ذمه الله عز وجل في كتابه فقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: الآية116] . ولسنا متعبّدين بطاعة الناس واتباعهم، بل بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه. وقدجاء عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري قال: "كان عبد الله بن الحسن – يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا يوما. فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا (أي أن عمل العوام يخالف ذلك) . فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الأنبياء" (1) فبيّن عبد الله بن الحسن أن كثرة الجهال والمبتدعين، وتسلطهم على الناس، ونشرهم لبدعتهم، ليس حجة على السنة وعلى الشرع، ولا ينبغي ولا يجوز أن يعارض شرع الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل أحد من الناس، كائنا من كان. خامسا: دعواهم أن الذكر الجماعي وسيلة لها حكم غايتها، وغاية الذكر الجماعي عبادة الله. فيجاب عليهم بما يلي: 1- أن هذه القاعدة ليست قاعدة مطردة على الدوام، بل إن لها موارد مقصورة عليها. فهذه القاعدة مقصورة على ما ورد في الشرع سواء كان وسيلة أم غاية. ومما يدل على ذلك أن الشيء قد يكون مباحا، بل واجبا، ومع ذلك تكون وسيلته مكروهة أو محرمة. كمن يتوصل إلى تحصيل ماء الوضوء عن طريق الغصب أو السرقة. 2- يدلك على هذا كذلك فعل السلف الصالح، فإنهم –رضي الله عنهم- كانوا يتحرون في أمور العبادات كلها تحريا شديدا من غير التفات إلى الفرق بين ما يسمى "وسائل" و "غايات" (2) . سادسا: وأما قولهم: إن الآثار المانعة للذكر الجماعي تعارض الأحاديث الكثيرة التي تثبت مشروعية الذكر الجماعي (كذا زعموا) . فتقدَّم الأحاديث عليها.   1- الاعتصام (1/460) . 2- علم أصول البدع 246. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فيجاب عليهم بأنه لا تعارض بين هذه الآثار وتلك الأحاديث كما سبق، بل إن تلك الأحاديث ينبغي أن تفهم وتفسر في ضوء فهم السلف الصالح لها، وهذه الآثار الواردة عن السلف تفسر جانبا من هذه الأحاديث، كما سبق وأن ذكرناه. وأما ما رد به السيوطي أثر ابن مسعود بأنه لا يعرف له سند، فمردود بأنه أثر صحيح بمجموع طرقه رواه الدارمي في سننه، وابن وضاح في البدع (1) . والعجب أن الإمام السيوطي –رحمه الله- ذكر هذ في كتابه ((الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع)) (2) . وأما قول الدكتور الزحيلي (3) : "فلا يصح القول بتبديع الدعاء الجماعي بعد الصلاة .... "الخ. فيقال: قوله: "لا يصح". هذه كلمة شرعية، وإطلاق لحكم شرعي، وهذا يقتضي عدم الجواز. فمن أين أتى بهذا الحكم؟ ومن سبقه بهذا من أهل العلم المعتبرين؟ ولا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة. ثم قوله: "وجرى العمل بين المتأخرين بالاجتماع على الدعاء" (4) اهـ   1- ما جاء في البدع (ص 400 وما بعدها) رقم (9، 17، 18، 19، 20، 23) . 2- الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص83) . 3- البدع المنكرة (ص 47) . 4- المصدر السابق (ص 47- 48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فيقال له: ومتى كان اجتماع الناس على عمل ما قاضياً على شرع الله عز وجل؟ فالحجة إنما هي في النصوص، وفي عمل الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، لا في عمل المتأخرين. ثم قوله في إنكار ابن مسعود على المجتمعين على الذكر: "والواقع أن هذا الإنكار ليس بسبب اجتماعهم على الذكر. وإنما لشذوذهم وادعائهم أنهم أشد اجتهادا في الدين من غيرهم" (1) اهـ. فيقال له: ما دليلك على هذا الكلام؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان بسبب أنهم يذكرون الله كثيرا. ومن هنا يتبين لك استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها بأنها لا تنهض لهم بما أرادوا، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى. وكذلك يتبين لك قوة أدلة المانعين من الذكر الجماعي.   1- المصدر السابق (ص 48 – 49) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 المبحث الخامس: حكم الذكر الجماعي سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدون محدثا في الدين لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة –رضي الله عنهم-، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك: 1- ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (1) ، عن أبي حنيفة – رحمه الله تعالى-: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. السنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء الخفي " (2) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وأبعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل   1 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 196) . 2 - أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 44) ، وأبو يعلى في مسنده (2/ 81) (731) ، وابن حبان في صحيحه (3/91) (809) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/81) ، وقال: (رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيب، قد وثقه ابن حبان ... وضعفه ابن معين وبقية رجاله رجال الصحيح) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المخصص. انتهى. وقال العلامة المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (1) : اعلم أن الحنفية في هذا الزمان، يواظبون على رفع الأيدي في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب، فكأنهم يرونه واجبا، ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم قام ولم يدع ولم يرفع يديه. وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الإمام أبي حنيفة، وأيضا مخالف لما في كتبهم المعتمدة". انتهى. 2- ومما يتعلق بمذهب مالك –رحمه الله- في الذكر الجماعي ما جاء في كتاب (الدر الثمين) للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (2) : كره وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبة جهرا للحاضرين. ونقل الإمام الشاطبي في كتابه العظيم (الاعتصام) (3) قصة رجل من عظماء الدولة ذوي الوجاهة فيها موصوف بالشدة والقوة، وقد نزل إلى جوار ابن مجاهد. وكان ابن مجاهد لا يدعو في أخريات الصلوات، تصميما في ذلك على المذهب - مذهب مالك- لأن ذلك مكروه فيه. فكأن ذلك الرجل كره من ابن مجاهد ترك الدعاء، وأمره أن يدعو فأبى. فلما كان في بعض الليالي   1 - تحفة الأحوذي شرح الجامع للترمذي (1/ 246) . 2 - الدر الثمين والمورد المعين، للشيخ محمد بن أحمد ميارة المالكي (ص 173، 212) . 3 - الاعتصام، للشاطبي (2/ 275) ، بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 قال ذلك الرجل: "فإذا كان غدوة غد أضرب عنقه بهذا السيف. فخاف الناس على ابن مجاهد، فقال لهم وهو يبتسم: لا تخافوا، هو الذي تضرب عنقه في غدوة غد بحول الله. فلما كان من الصبح وصل إلى دار الرجل جماعة من أهل المسجد فضربوا عنقه. انتهى. 3- وأما مذهب الشافعي –رحمه الله-، فقد قال الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- في (الأم) (1) : وأختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماما يجب أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تُعُلِّم منه ثم يُسرُّ، فإن الله عز وجل يقول: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الاسراء: 110] . يعني – والله تعالى أعلم- الدعاء، ولا تجهر: ترفع. ولا تخافت: حتى لا تسمع نفسك. انتهى. وقال الإمام النووي في المجموع (2) : اتفق الشافعي والأصحاب – رحمهم الله تعالى- على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ... وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له. انتهى. قلت: ولقائل أن يقول: نفيه للتخصيص في هذين الوقتين يدل على جواز الدعاء في جميع الصلوات، ويبطل هذا الزعم قول النووي نفسه في   1 - الأم، للشافعي (1/ 11) . 2 - المجموع للنووي (3/ 465- 469) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 (التحقيق) (1) : يندب الذكر والدعاء عقيب كل صلاة ويسر به، فإذا كان إماما يريد أن يعلمهم جهر، فإذا تعلموا أسر. انتهى. 4- وأما ما يتعلق بمذهب الحنابلة، فقد قال ابن قدامة في (المغني) (2) : "ويستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب صلاته، ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر، وذكر جملة من الأحاديث، فيها شيء من الأذكار التي كان صلى الله عليه وسلم يقولها في دبر كل صلاة مكتوبة. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- (3) عن الدعاء بعد الصلاة، فذكر بعض ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد المكتوبة، ثم قال: وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. قلت: وفيما يختص بدعاء الإنسان منفردا من غير جماعة فإنه إذا كان إماما أو مأموما أو منفردا فليس ثم مانع يمنعه من الدعاء إذا بدأ بالأذكار المسنونة والتسابيح المشروعة في أعقاب الصلوات، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح –رضي الله عنهم-. أما الدليل من الكتاب العزيز، فقول الله تعالى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح7-8] . وقد ورد في الكلام على هاتين الآيتين، في إحدى الروايتين: فإذا   1 - كتاب التحقيق للنووي (219) . كما في كتاب مسك الختام (137- 141) . 2 - المغني لابن قدامة (2/ 251) . 3- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/515) .   1 - الأم، للشافعي (1/ 11) . 2 - المجموع للنووي (3/ 465- 469) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فرغت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء وسله حاجتك. نقل هذا ابن جرير الطبري (1) في تفسيره، وابن أبي حاتم (2) ، والسمعاني (3) ، والقرطبي (4) ، وابن الجوزي (5) ، وابن كثير (6) ، والشوكاني (7) ، والسعدي، وغيرهم من المفسرين. قال السعدي –رحمه الله- وفي تفسير هاتين الآتين: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} أي إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. {وَإِلَى رَبِّكَ} وحده {فَارْغَبْ} أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك، ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة، وأكملتها فانصب في الدعاء. {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول على مشروعية الدعاء عقب الصلوات المكتوبات. والله أعلم" (8) انتهى.   1 - تفسير الطبري (12/ 628- 629) . 2 - تفسير ابن أبي حاتم (10/ 3446) . 3- تفسير السمعاني (6/ 252) ، ط دار الوطن. 4- تفسير القرطبي (20/ 74) ، ط دار الكتب العلمية. 5- تفسير ابن الجوزي (9/ 166) ، ط دار المكتب الإسلامي. 6- تفسير ابن كثير (4/ 497) ، ط دار الكتب العلمية. 7- تفسير الشوكاني (5/ 462) ، ط دار الوفاء. 8- تيسير الكريم الرحمن (859) ، ط مؤسسة الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وأما من السنة، فعن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات". رواه الترمذي (1) وقال: هذا حديث حسن. وقد جاءت بذلك فتاوى العلماء قديما وحديثا. فمن القديم ما ذكره ابن مفلح قال: قال مهنا سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم، فيدعو هذا، ويدعو هذا، ويقولون له: ادع أنت. فقال: لا أدري ما هذا؟! أي: أنه استنكره. وقال الفضيل بن مهران: سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت: إن عندنا قوما يجتمعون، فيدعون، ويقرأون القرآن، ويذكرون الله تعالى، فما ترى فيهم؟ قال: فأما يحيى بن معين فقال: يقرأ في مصحف، ويدعو بعد الصلاة، ويذكر الله في نفسه، قلت: فأخ لي يفعل ذلك. قال: انهه، قلت: لا يقبل، قال: عظه. لت لا يقبل. أهجره؟ قال: نعم. ثم أتيت أحمد فحكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضا: يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله. قلت: فأنهاه؟ قال: نعم. قلت فإن لم يقبل؟ قال: بلى إن شاء الله، فإن هذا محدث، الاجتماع والذي تصف (2) . وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه: "كالجهر   1- الترمذي (5/ 526/ ح3499) ، وأبو داود (2/ 25) . 2- الآداب الشرعية (2/ 25) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 والاجتماع في الذكر بين متصوفة الزمان. فإن بينه وبين الذكر المشروع بونا بعيدا إذ هما كالمتضادين عادة" (1) . وقال ابن الحاج: "ينبغي أن ينهى الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة، أو بعدها، أو في غيرهما من الأوقات. لأنه مما يشوش بها" (2) . وقال الزركشي: "السنة في سائر الأذكار الإسرار إلا التلبية" (3) . جاء في (الدرر السنية) : "فأما دعاء الإمام والمأمومين، ورفع أيديهم جميعا بعد الصلاة، فلم نر للفقهاء فيه كلاما موثوقا به. قال الشيخ تقي الدين: "ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كان هو والمأمومون يدعون بعد السلام. بل يذكرون الله كما جاء في الأحاديث" (4) وجاء في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا ما يلي: "ختام الصلاة جهارا في المساجد بالاجتماع، ورفع الصوت، من البدع التي أحدثها الناس، فإذا التزموا فيها من الأذكار ما ورد في السنة، كانت من البدع الإضافية" (5) . وقال في موضع آخر: "إنه ليس من السنة أن يجلس الناس بعد الصلاة بقراءة شيء من الأذكار، والأدعية المأثورة، ولا غير المأثورة برفع الصوت وهيئة الاجتماع ... وأن الاجتماع في ذلك   1- الاعتصام (4/318) . 2- إصلاح المساجد للقاسمي (ص111) . 3- إصلاح المساجد للقاسمي (ص111) . 4- الدرر السنية (4/ 356) . 5- (4/ 358) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 والاشتراك فيه ورفع الصوت بدعة" (1) . وجاء في الفتاوى الإسلامية للشيخ ابن عثيمين: "الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلا على مشروعيته" (2) . وقال الشيخ صالح الفوزان: "البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة، لأن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع شيء منها إلا بدليل. وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة ... ثم ذكر بعض البدع. وقال: ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفردا" (3) . فأصل الدعاء عقب الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، وإنما يباح منه ما كان لعارض، قال الإمام الشاطبي –رحمه الله-: "لو فرضنا أن الدعاء بهيئة الاجتماع وقع من أئمة المساجد في بعض الأوقات: للأمر يحدث عن قحط أو خوف من ملم لكان جائزا ... وإذا لم يقع ذلك على وجه يخاف منه مشروعية الانضمام، ولا كونه سنة تقام في الجماعات، ويعلن به في المساجد كما دعا رسول الله دعاء الاستسقاء بهيئة الاجتماع وهو يخطب" (4) . وإنما كان هذا الدعاء بعد الصلوات بهيئة الاجتماع بدعة، مع ثبوت   1- (4/ 359) . 2 - (4/ 318) . 3 - الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد (ص 389) . 4 - الاعتصام للشاطبي (2/23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مشروعية الدعاء مطلقا، وورود بعض الأحاديث بمشروعية الدعاء بعد الصلوات خاصة، وذلك لما قارنه من هذه الهيئة الجماعية، ثم الالتزام بها في كل الصلوات حتى تصير شعيرة من شعائر الصلاة. فإن وقع أحيانا فيجوز إذا كان من غير تعمد مسبق، فقد روي عن الإمام أحمد –رحمه الله- أنه أجاز الدعاء للإخوان إذا اجتمعوا بدون تعمد مسبق، وبدون الإكثار من ذلك حتى لا يصير عادة تتكرر (1) ، وقال شيخ الإسلام: "الاجتماع على القراءة والذكر والدعاء حسن مستحب إذا لم تتخذ ذلك عادة راتبة كالاجتماعات المشروعة، ولا اقترن به بدعة منكرة" (2) ، وقال: "أما إذا كان دائما بعد كل صلاة فهو بدعة، لأنه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح" (3) .   1- الاقتضاء (304) . 2- الاقتضاء (304) . 3 - الفتاوى الكبرى المصرية: (1/ 118) ، مجموع الفتاوى (22/ 492) ، اقتضاء الصراط المستقيم (203) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 المبحث السادس: مفاسد الذكر الجماعي سبق الإشارة إلى بعض مفاسد الذكر الجماعي باختصار ضمن المبحث الرابع. ونظرا لأهمية هذه المسألة فقد أفردتها بهذا المبحث المستقل. فأقول - مستعينا بالله- إن من مفاسد الذكر الجماعي: الأولى: مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم-، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك. ولا شك أن ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه الكرام –رضي الله عنهم-، فهو بدعة ضلالة. ولو كان خيرا لفعله صلى الله عليه وسلم، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، ولنقل ذلك عنهم ولا شك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم يفعلوه. وما لم يكن دينا في زمانهم فليس بدين اليوم. الثانية: الخروج عن السمت والوقار، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب في التمايل، ثم الرقص، ونحو ذلك، وهذا لا يجوز بحال، بل هو مناف للوقار الواجب عند ذكر الله تعالى، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب. الثالثة: التشويش على المصلين، والتالين للقرآن، وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد. ولا شك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها للذكر الجماعي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 الرابعة: أنه قد يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات، أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما يجتمع عليها، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة قد سبقوه، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون. أو أن يكون بعض القارئين مخلا بالأحكام فيضطر المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض، ونحو ذلك. الخامسة: أن في الذكر الجماعي تشبها بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد. وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي. السادسة: أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخا معينا يجارونه فيما يذكر، وفيما يقول، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة، ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوما بعد يوم؛ لأن السنة تجمع، والبدعة تفرق. السابعة: أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجد من يشاركه، وذلك لاعتياده الذكر الجماعي دون غيره. ولا شك أن للذكر الجماعي مفاسد أخرى، وفيما ذكرت كفاية، ولله الحمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الخاتمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فمن خلال هذا البحث، وما ورد من فيه، يتبين لنا أن الذكر الجماعي ليس له أصل في دين الله تعالى، إذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام أنهم يذكرون الله جماعة، ولم يفعله السلف الصالح –رضي الله عنهم-، بل أنكروا على من فعل ذلك، ولم تنتشر هذه البدعة إلا بقوة السلطان، وذلك على يد المأمون بن هارون الرشيد، لما أمر به ودعا إليه، ثم اعتاده الناس، وشاع بينهم حتى أصبح عندهم كالفريضة. وقد احتج أصحاب هذه البدعة بنصوص عامة لا تسعفهم صراحة عند الاستدلال بها. وقد استدلوا كذلك بمصالح - ادعوها- للذكر الجماعي، وقد سقنا – والحمد لله- الجواب عن حجتهم، بل وذكرنا بعضا من مفاسد هذه البدعة في مبحث مستقل خلال هذا البحث، وبينا بعضا من أضرارها على صاحبها، وعلى غيره. وأسأل الله أن أكون قد وفقت في إخراج هذا البحث، وما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني، والله ورسوله منه براء، وأسأل الله القبول، والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فتاوى أهل العلم وكلامهم حول الذكر الجماعي فتاوى الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين ــ رحمهما الله تعالى ــ حول الذكر الجماعي. ... فتاوى أهل العلم وكلامهم حول الذكر الجماعي التلبية الجماعية قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد، وهذا لم يرد عن الصحابة –رضي الله عنهم-، بل قال أنس بن مالك: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في حجة الوداع- فمنا المكبّر، ومنا المهلّل، ومنا الملبِّي، وهذا هو المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه، وألا يكون له تعلق بغيره. (فقه العبادات ص 343) سؤال: ما حكم التلبية الجماعية للحجاج؟ جواب: هؤلاء أيضا عملهم لا أصل له في السنة، وهو بدعة ينبغي على طالب العلم أن يبين لهم هذا، وأنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الالتزام بين الحجر الأسود وبين الكعبة، فهذا قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فعله، ولا بأس به، ولكن مع المزاحمة والضيق كما يشاهد اليوم، لا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يتأذى به أو يؤذي به غيره، في أمر ليس من الواجبات. (دليل الأخطاء التي يقع فيها الحاج والمعتمر ص 43) (الشيخ ابن عثيمين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الدعاء الجماعي في الطواف سؤال: هناك بعض الأخطاء التي تقع في الطواف ما هي هذه الأخطاء..؟ جواب: 1- كثير من الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرؤها من مناسك، وقد يكون مجموعات منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي، وهذا خطأ من ناحيتين: الأولى: أنه التزام دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء خاص. الثاني: أن الدعاء الجماعي بدعة وفيه تشويش على الطائفين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه وبدون رفع صوته. 2- بعض الحجاج يقبّل الركن اليماني، وهذا خطأ لأن الركن اليماني يسلم باليد فقط ولا يقبّل، وإنما الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبّل إن أمكن أو يشار من الزحمة إليه والركن اليماني يسلم ولا يقبل ولا يشار إليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تسلم ولا تقبّل. (الفتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 2/ 30) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الاجتماع على الذكر بصوت جماعي وقول: "لا إله إلا الله أو هو هو" سؤل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر: لا إله إلا الله، ويقولون في النهاية: الله، الله بصوت عال فما حكم عملهم هذا؟ جواب: هذه العقيدة التيجانية من العقائد المبتدعة والطرق المنكرة، وفيها منكرات كثيرة، وبدع كثيرة، ومحرمات شركية يجب تركها، ولا يؤخذ منها إلا ما وافق الشرع المطهر الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. والاجتماع على الذكر بصوت جماعي لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: الله. الله، أو: هو. هو، إنما الذكر الشرعي أن يقول: لا إله إلا الله فهذا هو الذكر الشرعي، أو سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أستغفر الله، اللهم اغفر لي أما الاجتماع بصوت واحد: لا إله إلا الله أو: الله. الله، أو: هو. هو؛ فهذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة. فالواجب على المسلمين ترك البدع، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) يعني فهو مردود ويقول: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (2)   1 - البخاري (2697) ومسلم (1718) . 2 - مسلم (1718) (18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ويقول أيضا علي7هـ الصلاة والسلام: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (1) وكان يخطب في الجمعة صلى الله عليه وسلم فيقول: "أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" (2) . فالواجب المسلمين أن يحذروا البدع كلها سواء كانت تيجانية أو غيرها، وأن يلتزموا بما شرعه الله على لسان نبيه ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب على المسلمين، كما قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) ، وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (4) ، وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (5) ، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (6) . فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء طاعة الله ورسوله والحذر من البدع في الدين، بل الله كفانا سبحانه وتعالى، وأتم لنا   1 - مسند الإمام أحمد 4/ 126، وأبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42) ، وصحيح الجامع (2546) . 2 - مسلم (867) . 3 - سورة الحشر، الآية: [7] 4 - سورة النساء, الآية: [59] 5 - سورة الشورى, الآية: [10] 6 - سورة النور، الآية: [56] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 النعمة وأكمل لنا الدين، كما قال عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (1) . فالإسلام الذي رضيه الله وأكمله لنا علينا أن نلتزم به وأن نستقيم عليه وأن نحافظ عليه، وألا نحدث في الدين ما لم يأذن به الله ونسأل الله للجميع الهداية. (فتاوى نور على الدرب 1/ 358) (الشيخ ابن باز) الاجتماع لقراءة ورد الصباح والمساء سؤال: إذا خرج بعض الإخوان لرحلة أو لعمرة أو نحوهما، يأمرون أحدهم أو بعضهم يوميا صباحا ومساء بقراءة ورد الصباح والمساء الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبقية الجماعة يستمعون إليه فما حكم ذلك؟ جواب: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية يذكر الله ويدعوه بها، صباحًا ومساءً في نفسه، وسمعها منه أصحابه وتعلموها، وذكروا الله ودعوه بها صباحا ومساء، كلٌ منهم في نفسه منفردًا, اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم – فيما نعلم- أنهم كانوا يقولون تلك الأذكار والأدعية مجتمعين، ويقرؤونها، جميعا أو يقرؤها بعضهم ويستمع الآخرون، فينبغي للمسلم أن يهتدي بهدي   1- المائدة، الآية: [3] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه –رضي الله عنهم- في ذكره ودعائه وكيفية ذلك وفي سائر ما شرعه عليه الصلاة والسلام فإن الخير في اتباعه، والشر كل الشر في مخالفته، والاجتماع لذلك واتخاذه طريقة وعادة من البدع المحدثة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (2) . (فتاوى إسلامية 4/ 510) (اللجنة الدائمة) الأذكار أو الصلاة على النبي عليه السلام جماعة عقب الصلاة سؤال: نجد الناس في بعض المساجد في أيام رمضان بين كل ركعتين من صلاة التراويح تجدهم بصوت عال وجماعي يصلون على النبي وعلى الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين والعشرة المبشرين بالجنة وذلك بترتيب محدد يعرفونه هم فما حكم ذلك؟ جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ... وبعد:   1- البخاري (2697) ، ومسلم (1718) . 2- مسند الإمام أحمد 4/ 126، وأبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (42) وصحيح الجامع (2546) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الأذكار أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة عقب الصلاة فريضة أو نافلة أو بين ركعات التراويح بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السؤال الرابع من الفتوى رقم 6260) . ذكر الله جماعة في الخطبة سؤال: لقد رأينا إماما بمدينة البليدة يقول للمسلمين وهو على المنبر وحدوا الله فتنطلق أصوات المسلمين بالتهليل والتكبير، فهل من حق الإمام أن يقول لهم ذلك؟ وهل من حقهم أن يهللوا؟ وما معنى الحديث القائل: إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت نرجو الإجابة والسلام عليكم ورحمة الله. جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... وبعد. أولا: إذا كان قصد الخطيب من قوله للحاضرين: وحدوا الله أن يرشدهم إلى ما يجب من توحيد الله في ربوبيته وإلهيته وفي أسمائه وصفاته ليعتقدوا ذلك لا ليجيبوه بتلك الأصوات المرتفعة بالتهليل   1- البخاري (2697) ، ومسلم (1718) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 والتكبير ولكنهم فهموا منه خلاف ما أراد فأجابوه قولا بهذه الأصوات فلا حرج عليه. أما هم فقد أخطأوا في فهمهم ورفع أصواتهم وعليه أن ينصحهم ويرشدهم إلى ما أراد حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك مرة أخرى. وإن كان قصده أن يجيبوه في الحال بالتهليل والتكبير مع رفع الأصوات بذلك فهو مخطئ مبتدع وهم مخطئون مبتدعون. لأن ذلك لم يعهد من النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه ولا من الخلفاء الراشدين في خطبهم ولا ممن كانوا يستمعون لهم إنما كان يسأل الخطيب بعض من في المسجد عن أمر يتعلق به كما كان من النبي صلى الله عليه وسلم مع سليك لم دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس ولم يصل تحية المسجد فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيصلي ركعتين. وكما كان منه مع أعرابي اشتكى القحط وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله تعالى أن ينزل المطر، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فنزل الغيث واستمر حتى طلب منه في خطبة الجمعة التي بعدها أن يمسكه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعله حيث ينتفع به ولا يضر. وكما كان من عمر مع عثمان لم يبكر إلى الجمعة يوما قال عمر: أية ساعة هذه، فقال عثمان والله لم أزد على أن توضأت فقال عمر: والوضوء أيضا رضي الله عن الجميع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) ، وقال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) ثانيا: الحديث الذي ذكرت رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن   1- البخاري (2697) ومسلم (1718) . 2 - مسلم (1718) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ومعناه: إذا تكلمت مع جليسك والإمام يخطب خطبة الجمعة ولو بنصيحة وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكقولك اسكت واستمع للخطبة فقد أسأت، وارتكبت ما لا ينبغي، والذي ينبغي في ذلك أن يوجه الكلام على الخطيب لينصح من يراد نصحه ليكف عن الشر ويقبل على الخير وذلك حتى لا يتتابع الحاضرون بالمسجد وقت الخطبة في اللغط واللغو من الكلام ولا ما نع من أن يشير إلى المسيء إشارة يفهم منها الكف عن الإساءة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السؤال الثاني من الفتوى رقم 3246) ذكر الله مع التمايل يمينا وشمالا سؤال: ما حكم الإسلام فيمن يذكرون وهم يتمايلون يمينا وشمالا في حالة قفز وفي جماعة وفي صوت عال؟ جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد: لا يجوز لأنه بهذه الكيفية بدعة محدثة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (1) .   1 - البخاري (2697) ، ومسلم (1718) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 سؤال: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الفاتحة بعد الدعاء؟ جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ الفاتحة بعد الدعاء فيما نعلم، فقراءتها بعد الدعاء بدعة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. السؤال الثامن من الفتوى رقم 5881) قراءة الفاتحة والصلوات الإبراهيمية جماعة سؤال: نحن جماعة من العماء المسلمين المهاجرين بفرنسا اجتمعنا على تقوى الله واتباع سنة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم وفقنا بمشيئة الله سبحانه على الحصول على قاعة نؤدي فيها الصلوات الخمس يوميا وقد اخترنا لنا إماما أعانه الله على حمل هذا العبء الثقيل الملقى على أعتقه، وبالإضافة إلى الصلوات الخمس التي تقام يوميا هناك دروس في الوعظ والإرشاد من حين لآخر ومشكلتنا الحالية أن هذه الجماعة قد بدأت تتفكك شيئا ما والسبب في ذلك هو أننا بعد الانتهاء من الصلاة بعد السلام مباشرة كل واحد منا يسبح الله 33 مرة ويحمد الله 33 مرة ويكبر الله كذلك، وذلك مصداق واتباع لحديث سيد الخلق وحبيب الخلق محمد صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو هريرة في الحديث الشريف: "جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 نصوم ولهم فضل أمول يحجون بها ويعتمرون ويتصدقون فقال: "ألا أحدثكم بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين.." (1) الخ. الحديث وهذه الصيغة الواردة في الحديث الشريف يأتي بها كل مصل سرا وبعدها نقرأ جماعة فاتحة الكتاب والصلوات الإبراهيمية ونختم بسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. فقام من بيننا إخوة قالوا: إنا براء منكم إنكم بقراءتكم هذا جماعة ابتدعتم بدعة يبقى عليكم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين، أفتنا في أمرنا هل قراءة الفاتحة والصلوات الإبراهيمية والآيات الأخيرة من الصافات 180، 181، 182 جماعة سنة حسنة أم بدعة ابتدعناها، وليس هذا كل ما في الأمر بل هؤلاء الإخوة أصبحوا لا يحضرون معنا الصلاة قائلين لن نصلي معكم حتى تقلعوا عن هذه البدعة لا بد لنا من فتوى تكون حسما للخلاف القائم حاليا بين هؤلاء الإخوة فإن كنا على غير هدي فإننا نقلع عن هذا حتما ونستغفر الله على ما سلف، وإن كنا على بينة نطلب الله أن يلهم هؤلاء الإخوة رشدهم وكفى ما بالمسلمين من خلافات مزقت وحدتهم وفرقت شملهم؟ جواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد:   1 - البخاري (834) (6329) ، ومسلم (595) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ما ذكرتم من أنكم تقرءون جماعة فاتحة الكتاب والصلوات الإبراهيمية وتختمون بسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين لا يجوز فعله بل هو بدعة لعدم وروده عن المصطفى صلى الله عليه وسلم. أما الإخوة الذين تركوا الصلاة معكم من أجل البدعة المذكورة فما كان ينبغي منهم ذلك بل الواجب عليهم أن يصلوا معكم أداء للواجب مع النصيحة بالمعروف أصلح الله حال الجميع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى رقم 6917) الاستغفار جماعة بعد الصلوات سؤال: لنا مسجد نصلي فيه وعندما ينتهي الجماعة من الصلاة يقولون بصوت جماعي: استغفر الله العظيم وأتوب إليه.. هل هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ جواب: أما الاستغفار فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سلم استغفر الله ثلاثا قبل أن ينصرف إلى أصحابه وأما الهيئة التي ذكرها السائل بأن يؤدى الاستغفار بأصوات جماعية فهذا بدعة. لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل كان يستغفر لنفسه غير مرتبط بالآخرين ومن غير صوت جماعي والصحابة كانوا يستغفرون فرادى بغير صوت جماعي وكذا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بعدهم من القرون المفضلة. فالاستغفار في حد ذاته سنة بعد السلام لكن الإتيان به بصوت جماعي هذا هو البدعة فيجب تركه والابتعاد عنه. (نور على الدرب فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 1/ 23) ترديد الأذكار بعد الصلاة جماعة سؤال: الأذكار بعد الصلاة هل تردد بشكل جماعي من قبل المصلين؟ وهل وراء الإمام أو من يساعده وهو عندنا المؤذن الذي يؤذن للصلاة والإقامة؟ هل من المسنون أن يقول وبصوت عال بعد الصلاة: جلّ ربنا الكريم. جل ربنا العظيم سبحانك يا عظيم "سبحان الله": يعني قولوا سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة. ثم يقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا يا ربنا دائما نشكرك شكرا كثيرا "الحمد لله" يعني قولوا: الحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة. ثم يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله جلّ شأنه "الله أكبر" يعني قولوا: الله أكبر أربعا وثلاثين مرة ثم يقول بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟ هل من السنة أن يصوت والمصلون يستمعون إليه ثم يسبحون ويحمدون ويكبرون؟ أو السنة أن يستغفر المصلي ربه ثلاثا فيقول ثلاث مرات أستغفر الله. أستغفر الله. أستغفر الله العظيم، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثم يقول: اللهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين مرة بشكل منفرد؟ هل تجري هذه الأذكار بشكل أم أن الإمام يأمر بها واحدة واحدة؟ جواب: هذه الصفات التي ذكرها السائل في كون الإمام يقول: سبحان الجليل العظيم وما أشبه هذه بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم: وإنما الوارد أن كل إنسان يستغفر الله ويذكر لنفسه. لكن السنة الجهر بالذكر بعد السلام من الصلاة: فقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما- أنه قال: كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وأنه كان يعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعهم، وهذا دليل على أن السنة الجهر بالذكر بعد الصلاة خلافا لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليلات دون التسبيح والتحميد والتكبير، ولا أعلم لهذا أصلا من السنة في التفريق بين هذا وهذا. وإنما السنة الجهر، وقول بعض الناس: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جهر بالذكر بعد الصلاة من أجل أن يعلمه الناس، هذا قول فيه نظر؛ وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام قد حصل بالقول كما قال للفقراء من المهاجرين: "تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثين وثلاثين" (1) . ثم إننا نقول: هب أن المقصود بذلك التعليم. فالتعليم كما يون في صل الدعاء. أو في أصل الذكر يكون أيضا بصفته، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم هذا الذكر أصله وصفته وهو الجهر، كون الرسول   1- البخاري (843) (6329) ومسلم (595) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 عليه الصلاة والسام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة، ولو كان من أجل التعليم فقط لكان النبي عليه الصلاة والسلام يقتصر على أن يعلم الناس ثم يقول للناس هذا الذكر سرّا؛ فالمهم أن القول الراجح في هذه المسألة أنه يسن الذكر ورفع الصوت به. (كتاب سؤال وجواب من برنامج نور على الدرب 1/ 14) (الشيخ ابن عثيمين) الدعاء جماعة بعد الصلاة مع رفع الصوت والتأمين سؤال: نرى في بعض المناطق أن الإمام يرفع يديه بعد الصلوات المكتوبة والمأمومون كذلك ... يدعو الإمام ويؤمن المأمومون على دعائه فأرجو إثباته أو نفيه بالدلائل؟ جواب: العبادات مبنية على التوقيف فلا يجوز أن يقال إن هذه العبادة مشروعة من جهة أصلها أو عددها أو هيأتها أو مكانها إلا بدليل شرعي يدل على ذلك ولا نعلم سنة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره والخير كله باتباع هديه صلى الله عليه وسلم وهديه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ثابت بالأدلة الدالة على ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بعد السلام وقد جرى خلفاؤه وصحابته من بعده ومن بعدهم التابعون لهم بإحسان، ومن أحدث خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود عليه قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (1) فالإمام الذي يدعو بعد السلام ويؤمن المأمومون على دعائه والكل رافع يديه يطالب بالدليل المثبت   1- مسلم (1718) (18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 لعمله وإلا فهو مردود عليه. (فتاوى إسلامية 4/ 179) (اللجنة الدائمة) الدعاء الجماعي بعد الصلاة بصوت واحد قالت اللجنة الدائمة الدعاء الجماعي بعد سلام الإمام بصوت واحد لا نعلم له أصلا يدل على مشروعيته وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في ذلك، هذا نصها: "ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان ذلك برفع الأيدي سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به لورود بعض الأحاديث بذلك". وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. (فتاوى إسلامية 1/ 318) (اللجنة الدائمة) قراءة القرآن جماعة بصوت واحد سؤال: من عادتنا نحن المغاربة نقرأ القرآن جماعة صباحا ومساءً بعد صلاة الصبح والمغرب فهنا من يقول إنها بدعة. جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وصحبه ... وبعد: التزام قراءة القرآن جماعة بصوت واحد بعد كل من صلاة الصبح والمغرب أو غيرهما بدعة. وكذا التزام الدعاء جماعة بعد الصلاة، أما إذا قرأ كل واحد لنفسه أو تدارسوا القرآن جميعا كلما فرغ واحد قرأ الآخر واستمعوا له فهذا من أفضل القرب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" (1) . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال الثالث من الفتوى رقم 4994) سؤال: ما حكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد وخاصة يوم الجمعة قبل دخول الإمام؟ جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد: لا يجوز ذلك وتخصيصه بيوم الجمعة قبل دخول الإمام بدعة محدثة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال الحادي عشر من الفتوى رقم 6364)   1- مسلم (2699) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الدعاء جماعة عند القبر والتأمين سؤال: ما حكم دعاء الجماعة عند القبر بأن يدعو أحدهم ويؤمن الجميع؟ جواب: ليس هذا من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا من سنة الخلفاء الراشدين، وإنما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرشدهم إلى أن يستغفروا للميت ويسألوا له التثبيت كلٌّ بنفسه وليس جماعة. (فتاوى التعزية ص 40) (الشيخ ابن عثيمين) رفع الصوت بالتهليل الجماعي أثناء الخروج بالجنازة سؤال: ما حكم رفع الصوت بالتهليل الجماعي أثناء الخروج بالجنازة والمشي بها إلى المقبرة؟ جواب: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تبع الجنازة أن لا يسمع له صوت بالتهليل أو القراءة أو نحو ذلك ولم يأمر بالتهليل الجماعي – فيما نعلم- بل قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه "نهى أن يتبع الميت بصوت أو نار" (1) رواه أبو داود. وقال قيس بن عباد وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز   1- أبو داود (3171) وضعيف سنن أبي داود (696) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وعند الذكر وعند القتال. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفا. وقال أيضا: وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون المفضلة. وبذلك يتضح لك أن رفع الصوت بالتهليل الجماعي مع الجنائز بدعة منكرة وهكذا ما شابه ذلك من قولهم وحدوه أو اذكروا الله أو قراءة بعض القصائد كالبردة. (فتاوى إسلامية 2/ 49) (اللجنة الدائمة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 كلام الشيخ حمود التويجري في كتابه (إنكار التكبير الجماعي وغيره) ... كلام الشيخ حمود التويجري في كتاب (إنكار التكبير الجماعي وغيره) قال الشيخ حمود: صليت في المسجد الحرام صلاة عيد الفطر في سنة 1377 فسمعت من في أعلى زمزم ومن في أعلى المقام الحنفي يتجاوبون بالتكبير والتهليل والتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصوات عالية ملحنة يخرجونها مخرجا واحدا على نحو ما يفعله أهل الغناء. وكذلك كانوا يفعلون في أعلى زمزم في سنة 1378هـ بعد ما هدم المقام الحنفي. وأخبرني بعض الحجاج أنهم كانوا يفعلون مثل ذلك في عيد الأضحى. وقد رأيت بعض الحاضرين يطربون لهذه الأصوات كما يطرب المفتونون بالغناء للغناء. وفعلهم هذا من الاستهزاء بذكر الله تعالى ومن البدع التي يجب إنكارها. وقد أنكر ابن مسعود وأبو موسى الأشعري – رضي الله عنها- ما هو دون ذلك وعده ابن مسعود – رضي الله عنه- من البدع فروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن سلمة قال كنا قعودا على باب ابن مسعود – رضي الله عنه- بين المغرب والعشاء فأتى أبو موسى – رضي الله عنه- فقال اخرج إلينا أبا عبد الرحمن فخرج ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال أبا موسى ما جاء بك هذه الساعة قال لا والله إلا أني رأيت أمرا ذعرني وإنه لخير ولقد ذعرني وإنه لخير قوم جلوس في المسجد ورجل يقول سبحوا كذا وكذا احمدوا كذا وكذا قال فانطلق عبد الله وانطلقنا معهم حتى أتاهم فقال ما أسرع ما ضللتم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء وأزواجه ثواب وثيابه وأبنيته لم تغير احصوا سيئاتكم فأنا أضمن على الله أن يحصي حسناتكم. وروى الدارمي عن عمرو بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال كنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 نجلس على باب عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري –رضي الله عنه- فقال أحرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا لا فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا نكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا قال فما هو؟ فقال إن عشت فستراه قال رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة قال فماذا قلت لهم قال ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتحوا باب ضلالة؟ قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال كم من مريد للخير لن يصيبه. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد والطبراني وأبو نعيم في الحلية وأبو الفرج ابن الجوزي واللفظ له عن أبي البختري قال أخبر رجل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- أن قوما يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 كبروا الله كذا وكذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوا الله كذا وكذا، قال عبد الله فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم فجلس فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود –رضي الله عنه- فجاء وكان رجلا حديدا فقال أنا عبد الله بن مسعود والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما. عليكم بالطريق فألزموه ولئن أخذتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا. وفي رواية الطبراني فأمرهم أن يتفرقوا. وروى محمد بن وضاح أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حدث أن ناسا يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم كومة من حصى فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول لقد أحدثتم بدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما. إذا علم هذا فصنيع المتجاوبين بالتكبير يوم العيد مما لا ريب أنه من المنكرات وأنه أعظم مما أنكره ابن مسعود وأبو موسى -رضي الله عنهما- وأولى بأن ينكر على فاعليه ويمنعوا منه. وبيان ذلك من وجوه: أحدها: في فعل المتجاوبين بالتكبير من التطريب به واجتماع الجماعة على إخراجه بأصوات عالية متطابقة كأنها من تطابقها صوت احد على نحو ما يفعله المغنون. وهذا المسلك مما ينبغي تنزيه ذكر الله وإجلاله عنه. الثاني: ما في ذلك من التشويش على من في مسجد الحرام من التالين للقرآن والذاكرين لله تعالى بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد وغير ذلك من أنواع الذكر والدعاء فتلتبس القراءة على القارئ والذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 على الذاكر والدعاء على الداعي. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهر بالقرآن إذا حصل من الجهر به تشويش على الغير كما في الموطأ (1) عن أبي حازم التمار عن البياضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. وروى أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري (2) -رضي الله عنه- قال: اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة" قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه وقال ابن عبد البر – رحمه الله تعالى- حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان انتهى. وفي المسند (3) من حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف وخطب الناس فقال أما إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجي ربه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة في الصلاة. وإذا كان المصلي منفردا ومثله التالي للقرآن في غير صلاة منهيا عن الجهر الذي يحصل منه تشويش على من حوله من المصلين والتالين فنهي المتجاوبين   1- رواه الإمام مالك في الموطأ رقم (176) . 1/ 80. 2- رواه أبو داود رقم (1331) 2/ 38، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجاه رقم (1169) 1/454، قال الألباني: صححه في صحيح الجامع رقم (1951) . 3- رواه الإمام أحمد رقم (4928) 2/ 36. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 بالتكبير أولى لأن صنيعهم هذا من المحدثات مع ما في ذلك من التشويش على التالين والذاكرين والداعين (3) 1. الوجه الثالث: ما في فعلهم من مخالفة ما أمر الله به من خفض الصوت بالذكر والدعاء وارتكاب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم من رفع الصوت بذلك قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} . قال مجاهد ابن جريج: أمر أن يذكروه في الصدور وبالتضرع إليه في الدعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح بالدعاء. وقال تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} . قالت عائشة –رضي الله عنها- أنزل ذلك في الدعاء رواه البخاري. قال المروذي سمعت أبا عبد الله –يعني أحمد بن حنبل- يقول ينبغي أن يسر دعاءه لقوله: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} قال هذا في الدعاء. قال وسمعت أبا عبد الله يقول وكانوا يكرهون أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء. وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . وقد فسر الاعتداء بأمور منها: رفع الصوت في الدعاء قال ابن جريج من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصياح حكاه عنه البغوي في تفسيره. وإذا كان رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء فالتطريب به وتشبيهه بالغناء أولى بأن يكون من الاعتداء الذي لا يحب الله فاعله. والتهليل والتسبيح والتحميد من أنواع الدعاء المأمور بخفض   1- رواه مالك في الموطأ: رقم (500) 1/ 214 و 422. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الصوت به وهي أفضل أنواع الدعاء كما () في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له". وفي جامع الترمذي (1) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" قال الترمذي: حسن غريب ورواه الإمام أحمد في مسنده ولفظه قال: "كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير" (2) وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله" قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه (3) . وروى ابن حبان والحاكم   1- رواه الترمذي رقم (3585) 5/ 572 قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. حسنه الألباني في صحيح الترمذي رقم (3585) 471 باب في دعاء يوم عرفة. 2- رواه أحمد في مسنده رقم (6961) 2/ 210) . 3- رواه الترمذي رقم (3382) 5/ 462، قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث موسى بن إبراهيم بن ماجه رقم (3800) 2/1249، والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه رقم (1852) 1/681، قال الألباني: حسن، الترغيب رقم (1526) ، والترمذي رقم (3383) 3/ 389. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أيضا عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله. وذكر تمام الحديث". قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه (1) وقد قال الله تعالى مخبرا عن أهل الجنة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} الآية. وقال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} . وفي المسند وجامع الترمذي ومستدرك الحاكم عن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه وسلم: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له" قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه (2) . وفي جامع الترمذي أيضا عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال سبحان الله العظيم (3) . وفي مستدرك الحاكم عن   1- رواه ابن حبان رقم (6218) 14/ 102، والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه رقم 1936) 1/ 710. 2- ورواه أحمد رقم (1462) 1/ 710، والترمذي رقم (3505) 5/ 529، والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه رقم (1863) (1863) 1/684 و 685. 3- رواه الترمذي رقم (3436) 5/ 495 قال حديث حسن غريب، قال الألباني: ضعيف باب ما جاء ما يقال عند الكرب رقم (3436) ص 374. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاء إلا استفتحه بسبحان ربي العلي الأعلى الوهاب. قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه (1) . وفي الصحيحين والمسند وجامع الترمذي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات عند الكرب لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم (2) رواه ابن ماجه ولفظه كان يقول عند الكرب لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم (3) . وفي المسند أيضا عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين (4) . والغرض من إيراد هذه الأحاديث بيان أن التهليل والتسبيح والتحميد من أنواع الدعاء الذي أمر الله تبارك وتعالى أن يكون بتضرع وخفية وأخبر أنه لا يحب المعتدين أي في الدعاء ولا في غيره.   1- رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه رقم (1835) 1/ 176. 2- متفق عليه: رواه البخاري رقم (5985) 5/ 336، (6990) 6/ 2701، (6994) 6/ 2702، ومسلم رقم (2730) 4/2092 و 2093. 3- رواه ابن ماجه رقم (3883) 2/ 1278، وقال الألباني صحيح، باب الدعاء عند الكرب رقم (3147) 3/269. 4- رواه أحمد رقم (701) 2/ 109، وقال الأرناؤوط حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 قال ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع قال وفي قوله: إنه لا يحب المعتدين عقب قوله ادعوا ربك تضرعا وخفية دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم فقسمت الآية الناس إلى قسمين داع لله تضرعا وخفية ومعتد بترك ذلك". انتهى. ولا يخفى على من في قلبه أدنى حياة ما في فعل المطربين بالأذكار يوم العيد من منافاة التضرع والخفية بل ومنافاة الخوف من الله تعالى فإنهم لو خافوه لمنعهم خوفه من مخالفة أمره وارتكاب نهيه والاستهزاء بذكره وإيقافه بأفعال تشبه أفعال المغنين. فهم إذاً من المعتدين. والله لا يجب المعتدين. وقد تقدم ما ذكره الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- عن السلف أنهم كانوا يكرهون أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء. وروى الخلال بإسناد صحيح عن قتادة عن سعيد بن المسيب إنه قال أحدث الناس الصوت عند الدعاء. وعن سعيد بن أبي عروبة أن مجالد بن سعيد سمع قوما يعجون في دعائهم فمشى إليه فقال أيها القوم إن كنتم أصبتم فضلا على من كان قبلكم لقد ضللتم قال فجعلوا يتسللون رجلا رجلا حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها. العج رفع الصوت بالدعاء وغيره. وروى الخلال أيضا بإسناده عن ابن شوذب عن أبي التياح قال: قلت للحسن أمامنا يقص فيجتمع الرجال والنساء فيرفعون أصواتهم بالدعاء فقال الحسن إن رفع الصوت بالدعاء لبدعة وإن اجتماع الرجال والنساء لبدعة ... وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر رفع الصوت بالذكر ونهى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ذلك كما في الصحيحين وغيرهما من حديث خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجلنا لا نصعد شرفا ولا نعلو شرفا ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير قال فدنا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا بصيرا. هذا لفظ البخاري. وفي رواية لهما عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن أبي موسى – رضي الله عنه- قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ارشرفوا على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبا وهو معكم. هذا لفظ البخاري (1) . وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على الذين رفعوا أصواتهم بالتكبير والتهليل وهم في الفضاء فالإنكار على المتجاوبين بذلك بالأصوات العالية في المسجد الحرام أولى لأنهم قد ضموا إلى رفع الأصوات به بدعة وهي اجتماع الجماعة على إيقاعه بأصوات متطابقة كما يفعله المغنون. وضموا إلى ذلك أيضا تطريبا وتشويشا على الحاضرين وكل من هذه الأفعال غير جائز. وفي الصحيحين وسنن أبي داود وابن ماجه عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (2) . وفي رواية لأحمد   1- متفق عليه رواه البخاري رقم (1830) 3/ 1091، ومسلم رقم (1704) 4/ 2077. 2- متفق عليه رواه البخاري رقم (2550) 2/ 959، ومسلم رقم (1718) 3/1343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ومسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"- أي مردود- (1) . ومن الأعمال المردودة بلا ريب صنيع المتجاوبين بالتكبير بالأصوات العالية المتطابقة لأنه لم يكن من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وليس هو من عمل التابعين وتابعيهم بإحسان وإنما هو من محدثات الأمور التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كما في المسند والسنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وقال ليس له علة ووافقه الذهبي في تلخيصه (2) . قال ابن الحاج المالكي في المدخل قد مضت السنة أن كل واحد يكبر لنفسه ولا يمشي على صوت غيره فإن ذلك من البدع إذ أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده وفيه خرق حرمة المسجد والمصلي برفع الأصوات والتشويش على من به من العابدين والتالين والذاكرين. وقال أيضا   1- رواه أحمد رقم (25171) 6/ 146، (25511) 6/ 180، (26234) 6/ 256، ومسلم رقم (1718) 3/ 1343، والبخاري تعليقا مجزوما به 6/ 2675. 2- ورواه أحمد وغيره 4/126، وقال الترمذي حديث حسن صحيح رقم (2676) 5/44، وصححه ابن حبان، صحيح ابن حبان 1/ 179، والحاكم رقم (329) 1/ 174، وقال الألباني: صحيح صحيح الترمذي رقم (2676) 3/ 69، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 والسنة الماضية أن يكبر عند خروجه إلى المصلى وأن يجهر بالتكبير فيسمع نفسه ومن يليه والزيادة على ذلك من البدع إذ أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ذكر ورفع الصوت بذلك يخرج عن حد السمت والوقار ولا فرق في ذلك بين الإمام والمؤذن والمأموم فإن التكبير مشروع في حقهم أجمعين بخلاف المشي على صوت واحد فإنه بدعة لأن المشروع أن يكبر كل إنسان. لنفسه ولا يمشي على صوت غيره انتهى. فإن احتج أحد من المبتدعين الذين أشرنا إليهم أو احتج لهم غيرهم بأن عمر –رضي الله عنه- كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا. وأن ابن عمر وأبا هريرة –رضي الله عنهما- كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. فالجواب: أن يقال أن سماع أهل المسجد لعمر –رضي الله عنه- لا يدل على أنه كان يرفع صوته بالتكبير رفعا منكرا كما يفعله المتجاوبون في المسجد الحرام وإنما كان –رضي الله عنه- جهير الصوت وكانت قبته إلى جانب المسجد فكان إذا كبر وهو فيها سمعه أهل المسجد فتنبهوا من غفلتهم وكبروا وكذلك أهل الأسواق وإذا سمعوا تكبير من في المسجد تنبهوا من غفلتهم وكبروا. ومثل ذلك فعل ابن عمر وأبي هريرة –رضي الله عنهما- فإنهما كانا إذا مرا في السوق كبرا فتنبه أهل السوق من غفلتهم وكبروا بتكبيرهما. ولم يذكر عن عمر وابنه وأبي هريرة –رضي الله عنهم- أنهم كانوا يبالغون في رفع أصواتهم بالتكبير وحاشهم أن يخالفوا قول النبي صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم فإنكم لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 تدعون أصم ولا غائبا. وأيضا فإن عمر وابنه وأبا هريرة –رضي الله عنهم- كان كل منهم يكبر على حدته وكذلك كل من سمعهم فإن كلا منهم يكبر على حدته ولم يكن في فعلهم تلحين وتطريب ولا اجتمع اثنان منهم فضلا عن الجماعة على التجاوب به وإخراجه بأصوات عالية متطابقة كما يفعله المغنون وكما يفعله المتجاوبون في المسجد الحرام. فعمر وابنه وأبو هريرة – رضي الله عنهم- كانوا على طريقة حسنة بخلاف المتجاوبين في المسجد الحرام فإنهم على طريقة مبتدعة وكل بدعة ضلالة. وأيضا ففعل عمر وابنه أبي هريرة –رضي الله عنهم- ليس فيه تشويش على الناس وتخليط عليهم وإنما فيه إيقاظ الغافلين منهم وبعث هممهم على ذكر الله تعالى. وهذا بخلاف فعل المتجاوبين في المسجد الحرام فإنهم كانوا يشوشون على الحاضرين غاية التشويش فتلتبس القراءة على القارئين والذكر على الذاكرين والدعاء على الداعين في حال تجاوب أولئك. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا كما تقدم في حديث البياضي وأبي سعيد وابن عمر –رضي الله عنهم-. وقد ذكر كثير من الفقهاء أنه يستحب الجهر بالتكبير في العيدين وأيام العشر. ومرادهم بالجهر ضد الإسرار لا رفع الأصوات المنكرة به فإن ذلك لا يجوز لما ذكرنا من حديث أبي موسى –رضي الله عنه-. وقد تقدم قول ابن الحاج المالكي أن الزيادة على إسماع نفسه ومن يليه بدعة. وإذا ضم إلى رفع الأصوات به التلحين والتطريب والتشويش على الغير وتشبيه ذكر الله بالغناء فذلك زيادة منكر إلى منكر. فالواجب على ولاة الأمور أن يأخذوا على أيدي أولئك الجهال ويمنعوهم من التجاوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 بذكر الله تعالى ورفع الأصوات المنكرة به ويأمروهم أن يفعلوا كفعل غيرهم ممن في المسجد الحرام فكل رجل منهم يكبر الله ويحمده ويهلله ويسبحه على حدته بصوت غير رفيع يشوش على الناس والاستخفاف بشأن الأذان مما لا يخفى على من في قلبه حياة. وتسمية أهلها بالمستهزئين بذكر الله تعالى أولى من تسميتهم بالمؤذنين. والواجب على ولاة الأمور أن يفعلوا مع المطربين بالأذان ونحوهم من المبتدعين فيه مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه فعله مع سلفهم في هذه البدعة وما فعله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أيضا ففي سنن الدارقطني عن ابن عباس رضي الله عن ابن عباس رضي الله عليه عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأذان سمع سهل فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن (1) . وذكر البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به ووصله ابن أبي شيبة أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز: أذن أذانا سمحا وإلا فاعتزلنا (2) وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على المطرب في الآذان فالإنكار على الذين يجعلونه شبيها بالغناء والأصوات الموسيقائية أولى وأحرى. وكذلك الذين يمططونه ويتنطعون فيه. ويتعين على ولاة الأمور أيضا منع الجماعات الذين يقفون للدعاء تحت باب الكعبة وما حوله فيضيقون على الطائفين في   1- رواه الدارقطني رقم (1858) المجلد الأول، الجزء الثاني ص 73 دار الكتب العلمية. 2- رواه البخاري تعليقا مجزوما به (باب رفع الصوت بالنداء) الفتح 2/ 530 دار أبي حيان، ووصله ابن أبي شيبة رقم (2375) 1/207. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أضيق في المطاف ويضطرونهم إلى التزاحم فيما بينهم وبين مقام إبراهيم ووقوفهم للدعاء في هذا المكان لم يكن عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمل أصحابه والتابعين لهم بإحسان وإنما هو من محدثات المطوفين وتزيينهم للهمج الرعاع. وفي وقوفهم هناك مفسدة أخرى وهو اجتماع الرجال والنساء ومضاغطة بعضهم بعضا وهذا مما لاينبغي إقراره. وقد تقدم قول الحسن البصري –رحمه الله تعالى- أن اجتماع الرجال والنساء بدعة. ومما لا ينبغي إقراره أيضا مضاغطة النساء للرجال الأجانب عند الحجر الأسود والركن اليماني. وقد أنكرت عائشة –رضي الله عنها- على من فعلت ذلك أشد الإنكار، قال الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- في مسنده أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين – رضي الله عنها- فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها يا أم المؤمنين طفت البيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا فقالت لها عائشة –رضي الله عنها- لا آجرك الله لا آجرك الله تدافعين الرجال ألا كبرت ومررت. رواه البخاري في صحيحه (1) . عن عطاء قال كانت عائشة –رضي الله عنها- تطوف حجر (2) من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك رأيت. وإذا كانت عائشة –رضي الله عنها- قد أنكرت   1- أي ناحية هي بفتح الحاء وسكون الميم. 2- رواه البخاري [3643] ، البيهقي رقم (9050) 5/ 81، مسند الشافعي 1/ 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 على مولاتها مزاحمة الرجال على الركن فكيف لو رأت ما يفعله كثير من النساء في زماننا من مضاغطة الرجال الأجانب عند الركنين مع كشفهن لما يحرم عليهن كشفه عند الرجال الأجانب فترتكب إحداهن محظورين أو أكثر من أجل استلام أو تقبيل الحجر الأسود فهؤلاء أولى بالإنكار والمنع. وليس الاستلام والتقبيل جائزا لهن والحالة هذه وإنما يجوز لهن إذا تسترن غاية التستر ولم يزاحمن الرجال. قال النووي. في شرح المهذب قال أصحابنا لا يستحب للنساء تقبيل الحجر ولا استلامه إلا عند خاو المطاف في الليل أو غيره لما فيه من ضررهن وضرر الرجال بهن. وقال أيضا وأما الدنو من البيت فمتفق على استحبابه – إلى أن قال – قال أصحابنا وهذا الذي ذكرناه من استحباب القرب هو في حق الرجل أما المرأة فيستحب لها أن لا تدنو في حال طواف الرجال بل تكون في حاشية المطاف بحيث لا تخالط الرجال ويستحب ما أن تطوف في الليل فإنه أصون لها ولغيرها من الملامسة والفتنة فإن كان المطاف خاليا من الرجال استحب لها القرب كالرجل انتهى. ويتعين على ولاة الأمور أيضا تغيير جميع المنكرات الظاهرة كالغناء وآلات الملاهي وشرب المسكرات؟؟؟ وبيعها والتمثيل باللحى وتصوير ذوات الأرواح وبيع الصور والجرائد والمجلات المصورة ومزاحمة النساء للرجال في مطاف مع إمكان طوافهن على حدة وتبرجهن وسفورهن بين الرجال الأجانب وتشبههن بنساء الأفرنج في اللباس وغير ذلك فإني قد رأيت في مكة شرفها الله تعالى كثيرا من البنات المراهقات فمن دونهن لابسات يوم العيد لباس بنات الإفرنج وما رأيت أحدا ينكر ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فالله المستعان. وليعلم ولاة الأمور أنه مسؤولون يوم القيامة عما هو منوط بهم ومتعين عليهم من تغيير المنكرات الظاهرة وتطهير البلاد الإسلامية منها كما في الصحيحين وعند الإمام أحمد والسنن إلا ابن ماجه عن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. وقد قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1) قال ابن عباس –رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى وهذا تفسير حسن جدا. وفي المسند والسنن عن قيس بن أبي حازم قال: قام أبو بكر الصديق - رضي الله عنه – فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ... } إلى آخر الآية وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه قال الترمذي هذا حديث صحيح   1- متفق عليه: البخاري رقم (1719) 6/ 2611، ومسلم رقم (1829) باب الإمارة 3/ 1059. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وصححه أيضا ابن حبان (1) . وفي المسند أيضا من حديث عدي بن عميرة الكندي –رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرون فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة" (2) ، وفي الموطأ عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى- يقول كان يقال أن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم.   1- رواه أحمد وغيره رقم (1) 1/ 2 وقال الترمذي حديث حسن صحيح رقم (3057) 1/ 540. وقال الألباني: صحيح، الترمذي رقم (3057) 3/ 333. 2- رواه الإمام أحمد 4/ 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 كلام الشيخ علي محفوظ الحنفي من كتابه الإبداع في مضار الابتداع حول الذكر الجماعي ... كلام الشيخ علي محفوظ الحنفي من كتاب الإبداع في مضار الابتداع حول الذكر الجماعي رفع الصوت بالذكر قال الشيخ علي محفوظ: ومن البدع المكروهة رفع الصوت بالذكر في المسجد كما يقع من أرباب الطرق الذين ينصبون حلقات الذكر (المحرف) وكذا رفع الصوت بالقرآن فيه إذ المطلوب في القراءة والذكر السر لحديث (السر بالقرآن كالسر بالصدقة) رواه غير واحد، ولقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (1) أي اذكره سرا تذللا وخوفا منه تعالى، (و) فوق السر (دون الجهر) أي قصدا بينهما (بالغدو والآصال) أول النهار وآخره (ولا تكن من الغافلين) عن ذكر الله تعالى. وفسر الاعتداء في قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (2) بالجهر بالدعاء. ومما جاء في الحض على ترك الجهر بالذكر والدعاء قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (3) أي وإن تجهر بذكر الله من دعاء وغيره فاعلم أنه غني عن جهرك لأنه تعالى يعلم ما أسررته للغير وأخفى منه وهو ما لم تبح به لأحد. وقد صح عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه سمع قوما   1- سورة الأعراف، 205. 2- سورة الأعراف، 55. 3 – سورة طه، 7 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 اجتمعوا في مسجد يهللون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم جهرا فذهب إليهم وقال ما عهدنا ذلك على عهده صلى الله عليه وسلم وما أراكم إلا مبتدعين فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد. (ومن هذا) ظهر لك حال ما ابتدع الناس من قراءة العشر جهرا قبل الشروع في الصلاة خصوصا العصر، وكذلك الجهر بختم الصلاة المعروف فإن كل ذلك على هذه الكيفية المعروفة من البدع المكروهة – من حيث أنه جعل شعارا للصلاة جماعة في وقتها، ووضع الشعائر من اختصاصات الشارع وليس لغيره أن يحدث شيئا من الشعائر من عند نفسه وسيأتي هذا في بدع العبادات. الجهر بالذكر: ومن البدع السيئة الجهر بالذكر أو بقراءة القرآن أو البردة أو دلائل الخيرات ونحو ذلك، وكل هذا مكروه للإجماع على أن السنة في تشييع الجنازة السكوت وجمع الفكر للتأمل في الموت وأحواله وعليها عمل السلف –رضوان الله عليهم- ولا يقال إنه بدعة مستحسنة لأن محل استحسان البدعة إذا لم تكن مصادرة لفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلا عن كون الاستحسان لا يكون إلا من أهل الحل والعقد الذين لا يقدمون على ذلك إلا بعد إذن النبي – عليه الصلاة والسلام- لهم صريحا كما نص عليه الإمام الشعراني وغيره من المحققين وأين هم؟ فالصواب عدم رفع الصوت بشيء وترك كل ما خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح إذ الخير كله في اتباعه وكل الشر في الابتداع قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قُلْ إِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) فقد جعل العلامة على محبة العبد لمولاه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. أخرج ابن أبي حاتم أن الحسن البصري –رضي الله عنه- قال: كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فأنزل هذه الآية. فمن ادعى محبة الله تعالى ولم يتبع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كذاب وكتاب الله تعالى يكذبه. وقال تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (2) وسبيل المؤمنين هو الكتاب والسنة، وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من عمل بسنة غيرنا" (3) وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة" (4) ، روه الطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم –رضي الله عنه- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن تتبع الجنازة بنياحة أو مجمرة أو راية (ولكراهة النبي صلى الله عليه وسلم لرفع الصوت مع الجنازة ولو بذكر وقراءة القرآن شنعت الصحابة –رضي الله عنهم- على من رفع صوته بقوله استغفروا للميت حيث قالوا لا غفر الله لك، مع أنه لفظ قليل دال على طلب الدعاء من الحاضرين للميت المحتاج إليه. فما بالك باللغط الواقع الآن) . وقال في المدخل ما ملخصه: العجب من أهل الميت يأتون بجماعة   1- سورة آل عمران 31 2- سورة النساء، 115 3- رواه البخاري [4911] . 4- رواه البخاري [6351] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 يسمونهم بالفقراء يذكرون أمام الجنازة وهو من الحدث في الدين ومخالف لسنة سيد المرسلين وأصحابه والسلف الصالح يجب منعه على من له قدرة مع الزجر والأدب ويزيد بعضهم زعقات النساء من خلفهم وكشف الوجوه واللطم على الخدود وما أشبه ذلك، وكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب والسكون والخشوع حتى أن صاحب المصيبة كان لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكر فيما هم إليه صائرون، وعليه قادمون. حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع له عنده فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئا كما قال الحسن البصري –رضي الله عنه-: "ميت غد يشيع ميت اليوم" وانظر إلى قول ابن مسعود – رضي الله عنه- لمن قال في الجنازة استغفروا لأخيكم يعني الميت فقال له لا غفر الله لك. فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم من رفع الصوت بمثل هذا اللفظ. فما بالك بما يفعله غالب أهل هذا الزمان من رفع الأصوات بنحو ما تقدم اهـ. وقال الإمام النووي –رحمه الله تعالى-: الصواب ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما لأنه أسكن للخاطر وأجمع للفكر فيما يتعلق بالجنازة وهو مطلوب في هذا الحال، هذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه (فقد قال) الفضيل بن عياض –رضي الله عنه- ألزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الهالكين. وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته (وأما) ما يفعله الجهلة من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القراءة انتهى ونحوه لشيخ الإسلام في الروض. وقال الرملي في شرح المنهاج: ويكره ارتفاع الأصوات في سير الجنازة لما رواه البيهقي أن الصحابة –رضي الله عنهم – كرهوا رفع الصوت عند الجنائز والقتال والذكر، وكره جماعة قول المنادي مع الجنازة استغفروا الله له فقد سمع ابن عمر رجلا يقول ذلك فقال لا غفر الله لك، والصواب كما في المجموع ما كان عليه السلف من السكوت في حال السير فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما بل يشتغل بالتفكير في الموت وما بعده وفناء الدنيا وأن هذا آخرها وما يفعله جهلة القراء من القراءة بالتمطييط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام يجب إنكاره انتهى ومثل هذا للعلامة ابن حجر في شرح المنهاج. قال في الفتاوى الهندية ما ملخصه: وعلى متبعي الجنازة الصمت ويكره لهم تحريما رفع الصوت بالذكر وقراءة القرآن فإن أراد أن يذكر الله يذكره في نفسه انتهى ومثله في سائر كتب السادة الحنفية. وقال في دليل الطالب وشرحه للسادة الحنبلية: ويكره رفع الصوت والصيحة معها وعند رفعها يعني الجنازة ولو بالذكر والقرآن ويسن لمتبعها أن يكون متخشعا متفكرا في مآله ومتعظا بالموت وبما يصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 إليه الميت وقول القائل مع الجنازة استغفروا الله ونحوه بدعة عند الإمام أحمد وكرهه وحرمه أبو حفص (ويحرم) ويكره أن يتبعها مع منكر وهو عاجز عن إزالته. وجملة القول أن السنة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار وبهذا كان عمل الصحابة فمن بعدهم، وأن ابتاعهم سنة، ومخالفتهم بدعة، وقد قال الإمام مالك –رضي الله عنه-: " لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها". الذكر المحرف: ومن بدعهم المحرمة أنهم خرجوا عن الذكر الشرعي إلى ذكر محرف يخالف الكتاب والسنة والإجماع على ما سيأتي بيانه، ويقولون وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون بحضرة العلماء وهم ساكتون – فإن الذكر الذي لا يوافق قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (1) وقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله" (3) وغير ذلك من الآيات والأحاديث الصحيحة حرام بإجماع الأمة ومرود على فاعله (كيف لا) وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أصحاب البدع كلاب النار" (4) وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (5) متفق عليه وفي رواية لمسلم "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" (6) وهؤلاء قد أحدثوا في الدين ما ليس منه وتعبدوا بما لم يرد عن   1- سورة محمد 19 2- سورة آل عمران 2. 3- سبق تخريجه 4- ضعفه الألباني في الضعيفة رقم 2792. 5- سبق تخريجه. 6- سبق تخريجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن صالح المؤمنين – ولا ريب أن تحريف أسماء الله تعالى من أقبح البدع المحرمة إذ فيه إخراجها عن حقيقتها الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الإلحاد المحرم بالإجماع. فقد قال الفخر الرازي وغيره من أكابر المفسرين عند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) إن من جملة الإلحاد أن تسميه تعالى بما لم يسم به نفسه كالسخي وأبي المكارم لعدم وروده وإن دل على كمال فما بالك بالألفاظ التي شاع سماعها من غالب أرباب الطرق اليوم المشتملة على الفظاظة والكيفيات المنكرة فهم يتقربون إلى الله تعالى بالسيئات فهي أحرى باسم الإلحاد والضلال. وقال العارف الصاوي في حاشيته على الجلالين: "ويطلق الإلحاد على التسمية بما لم يرد وهو بهذا المعنى حرام لأن أسماءه توقيفية فيجوز أن يقال يا جواد لا أن يقال يا سخي. ويقال يا عالم دون عاقل. وحكيم دون طبيب وهكذا. فمن خرج في ذكره عن الكتاب والسنة فقد أهلك نفسه ومن تبعه اهـ". وأما قولهم وجدنا أشياخنا هكذا يذكرون بحضرة العلماء فهو لا يصدر إلا من جاهل لجواز أن هؤلاء الأشياخ جاهلون بأمر دينهم - أو أكابر استغرقوا في حب خالقهم حتى خرجوا بذلك عن حد التكليف – وعلى كلا الاحتمالين لا يصح الاقتداء بهم لأنه حينئذ لا يصلحون   1- سورة الأعراف، 180 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 للوراثة ولا يورث عن الأشياخ إلا ما يكون منهم حالة الصحو موافقا للشريعة والعارفون منهم لا يخرجون في أحوالهم عنها قيد شعرة ما داموا في صحوهم وقد تبرأوا ممن يخرج في حركاته وسكناته عن الكتاب والسنة. كيف لا يتبرأون وقد تبرأ من ذلك الأئمة المجتهدون الذين وقفوا على حقيقة الأمور فعن أبي حنيفة – رحمه الله تعالى- أنه كان يقول: "إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي وعليكم بالسنة فمن خرج عنها ضل – وكان يقول لا ينبغي لأحد أن يقول حتى يعلم أن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبله وقد تبرأ ممن يخرج عن الكتاب والسنة". (وعن) الإمام الشافعي –رحمه الله تعالى- أنه كان يقول: "إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعملوا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي الحائط، وكان يقول كل شيء خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله تعالى قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم فليس لأحد معه أمر ولا نهي (وروي) عن الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- أنه كان إذا سئل عن مسألة يقول أو لأحدكم كلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما صح عن الثلاثة صح عن الإمام مالك –رحمه الله-، روى ابن عبد البر أن ابن عيسى قال سمعت مالكا ابن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. وقال أبو يزيد البسطامي –رحمه الله- لو نظرتم إلى رجل أعطى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة –وقال سيد الطائفة الجنيد علمنا هذا (يعني التصوف) مقيد بالكتاب والسنة- وقال الإمام الكبير أبو الحسن النوري قرين الجنيد من رأيته يدعي مع الله تعالى حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه فإنه مبتدع لأن من لم تشهد الشريعة لأفعاله وأقواله فهو مبتدع وإن جرت عليه أحوال خارقة العادة لأن ذلك من جملة المكر به. وقال أبو القاسم النصر أباذي الصوفي الكبير: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع. وسئل أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني كيف الطريق إلى الله فقال الطرق إلى الله كثيرة وأوضح الطرق وأبعدها عن الشبه اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية لأن الله يقول: {وَإِنْ تُطِيعُوه تَهْتَدُوا} (1) فقيل له كيف الطريق إلى السنة فقال مجانبة البدع وابتاع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام والتباعد عن مجالس الكلام وأهله ولزوم طريقة الاقتداء، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} (2) إلى غير ذلك مما هو مأثور عند أكابر الصوفية مما يدل على أنهم بنوا طريقهم على أصوات ثلاث – الاقتداء بالنبي – صلوات الله وسلامه عليه- في أخلاقه وأفعاله، وأكل الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال، وأنهم مجمعون على   1- سورة النور، 54 2- سورة النحل 123 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 تعظيم الشريعة مقيمون على متابعة السنة غير مخلين بشيء من آداب الدين، متفقون على أن من خالف الكتاب والسنة وبنى أمره على غيرهما مفتر كذاب هلك في نفسه وأهلك من اغتر به ممن ركن إلى أباطيله. فتبين بهذا أن قول المحرفين للذكر هكذا وجدنا أشياخنا يذكرون لا يصح أن يكون دليلا على الشريعة بل ينادى عليهم بالسفه وعدم الروية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} (1) وأما قولهم بحضرة العلماء وهم ساكتون فهو باطل أيضا لجواز أن يكون سكوت العلماء عن هؤلاء الجهلة لظنهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفيد عندهم بل ذلك هو الظن في هداة الأمة الذين هم ورثة الأنبياء، ويجوز أن من حضرهم كان ممن تسموا باسم العلماء وليسو منهم - وجملة القول حجتهم داحضة. وكما يحرم الذكر بما لم يوافق الكتاب والسنة أو الإجماع يحرم سماعه لأن للسامع حكم المسموع كما أن للناظر حكم المنظور – والساكت على الجريمة شريك الجاني ولذا كان السامع للغيبة في الإثم كالناطق بها نسأله تعالى السلامة.   1- سورة البقرة، 170 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بيان ما هو الذكر الشرعي وأما الذكر الذي يحبه الله ورسوله وأصفياء الأمة ويؤجر عليه فاعله فهو ما ورد به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وضبطه الأئمة الذين يعول عليهم، فقد قال سيدي محمد المنير خليفة الإمام الحنفي في تحفة السالكين: وليحذر من اللحن في لا إله إلا الله لأنها من القرآن فيمد اللام على قدر الحاجة، ويحقق الهمزة المقصورة بعدها ولا يمدها أصلا، ويفتح هاء إله فتحة خفيفة، ولا يفصل بين الهاء وبين إلا الله، وإياك أن تتهاون في تحقيق همزة إله، فإنك إن لم تحققها قلبت ياء، وكذلك همزة إلا، وتسكن آخر لفظ الجلالة - ثم قال وحترز عن تمطيط الذكر والعجلة الشديدة لأنها تخرج الذكر عن حده، فالميزان أن لا يخروجوه عن حده الشرعي انتهى ونحوه للعلامة السنوسي والعلامة السجاعي وأبي البركات الدردير والإمام الشعراني وغيره من السادة الأكابر وشنعوا جميعا على من حرف الذكر عن الطريقة الشرعية وحكموا بأنه لا ثواب له بل واقع في الخسران والضلال البعيد. قال المحقق اأمير في نتائج الفكر – واعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة، فلا يفخم منها إلا لفظ الجلالة فقط، ومخارج حروفها قد انحصرت في أربعة اللام والألف والهمزة والهاء، فمخرج اللام من طرف اللسان، ويوضع في أصل الثنايا العليا، ومخرج الألف من اصل الجوف خارجة من محض النفس، ومخرج الهمزة والهاء كلاهما من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الحلق، غير أن الهمزة أشد من الهاء وأيبس – ونهى العلماء عن السكوت على لا إله لما فيه من إيهام التعطيل بل يصله بالاستثناء والاثبات بقوله إلا الله بسرعة. ثم قال وليحذر مما يقع لبعضهم من تفخيم أداة النفي، وربما مال بألفها إلى جهة الشفتين فتصير كالواو، أو لجهة وسط اللسان وما فوقه فتصير كالياء، أو يبدل همزة إله ياء، أو يشبع الهمزة فتتولد منها ياء، أو يزيد في ألف إله على المد الطبيعي، أو يسكت هنا سكتة لطيفة، أو يشبع همزة إلا فتتولد منها ياء. أو يثبت ألفها فإنه لحن، بل يجب خذف الألف الأخيرة لالتقاء الساكنين، وهؤلاء الجهلة يثبتونها ويمدونها ويتفننون في مدها وبعضهم يمد هاء إله ويولد من إشباعها ألفا، وبعضهم يثبت همزة الله ويمدها فتصير كالاستفهام، وكل ذلك مخالف لما نطق به رسول الله صلى الله عيه وسلم، وأمر به، وتارة يزعمون أنهم (انجذبوا) فيأكلون بعض حروف هذه الكلمة ويحرفونها، وربما لا تسمع منهم إلا أصواتا ساذجة أو شيئا يشبه نهيق الحمار أو هدير الطائر. ثم قال نعم المأخوذ عن حسه الغائب عن نفسه كل ما جرى على لسانه لا لوم عليه فيه، وإنما كلامنا في هؤلاء الذين يتعمدون ذلك وهم لم يخرجوا عن حدث التكليف وتطرأ لهم مواجيد نفسانية يتخليونها وأرادت رحمانية (كلا) والله ما كل واجد بمحمود. إلا إذا ورد على طريق الشرع المحدود. وبخسوا أنفسهم في نطقهم بهذه الكلمة التي توضع في بطاقة صغيرة يوم القيامة في الميزان فترجح على سجلات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 كثيرة من السيئات، كل سجل منها مد البصر كما في الحديث، فيا ليت شعري كيف توزن لهم، بل يخشى من تقطيع أسماء الله تعالى وتحريف أذكاره أنهم يذكرونها وهي تلعنهم اهـ. وفي خزانة الأسرار الكبرى ما نصه: وكذا بعض أهل الذكر يزيدون حروفا كثيرةفي كلمة التوحيد كأنهم يقولون بزيادة الياء بعد همزة لا إله، ويزيادة الألف بعد هاء إله مثالهما (لا إيلاها) وبزيادة الياء بعد همزة إلا وبعد إلا بزيادة الألف مثالهما (ايلاالله) وكلها حرام بالإجماع في جميع الأوقات، فهم يذكرون الله تعالى ويعبدونه بالسيئات. فيصيرون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا اهـ. وضبط باقي الأسماء لا يخفى على من رجع إلى كلام القوم فلا نطيل به (فيجب) على كل ذاكر سواء كان (رفاعيا أو أحمديا، أو بيوميا، أو حفناويا، أو شاذليا، أو بكريا، أو عفيفيا، أو برهاميا) أو غير ذلك من الطرق أن لا يخرج عما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضحه أئمة المسلمين وإلا فلا يلومن إلا نفسه. ومن بدعهم أنهم يذكرون بالحلق، ومعلوم أن مورد الذكر اللسان والحلق والشفتان، وبالحلق فقط صوت ساذج، وبالقلب فقط ليس أيضا بذكر بالكسر بل ذكر بالضم وليس الكلام فيه. وقد اختلف في جواز الذكر بالاسم المفرد، فذهب كثير منهم إلى أنه لا بد في الذكر من الجملة لأنها هي المفيدة، ولا يصح بالاسم المفرد مظهرا أو مضمرا لأنه ليس بكلام تام ولا جملة مفيدة، ولا يتعلق به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 إيمان ولا فكر، ولا أمر ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من السلف، ولا شرع ذلك رسول الله، والشريعة إنما ورد به بها من الأذكار ما يفيد بنفسه فقد ورد (أفضل الأذكار لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) . ورأى آخرون من العلماء أن الذكر كما يكون بالجملة يكون بالاسم المفرد، قال العلامة البناني في شرحه على صلاة ابن مشيش: اعلم أن ذكر الاسم المفرد المعظم مجردا على التركيب بجملة وهو قول (الله الله) مما تداولته السادات الصوفية. واستعملوه بينهم إلى أن قال: وفي الصحيح (لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من يقول (الله الله) وهو شاهد في الجملة بذكر هذا الاسم وحده، لا سيما على رواية النصب، ولا نزاع في جواز التلفظ بالاسم الكريم وحده، فأي مانع أن يكرره الإنسان مرات كثيرة، وكونه لم ينقل عن السلف لا يقتضي منعه ولا كراهته، وكم أشياء لم تكن في عهد السلف مع أنها جائزة إلى أن قال: فلا ينبغي التوقف في ذلك، ولا التشغيب بإنكاره وقال الشيخ أبو العباس المرسي –رحمه الله-: ليكن ذكرك الله فإن هذا الاسم سلطان الأسماء وله بساط وثمرة فبساطه العلم وثمرته النور وليس النور المقصودا لذاته بل لما يقع به من الكشف والعيان فينبغي الإكثار من ذكره واختياره على سائر الأذكار لتضمنه لجميع ما في لا إله إلا الله من العقائد والعلوم والآداب والحقوق فإنه يأتي في (الله) وفي (هو) ما لا يأتي في غيرهما من الأذكار اهـ. وقال الشيخ زورق: ولهذا اختاره المشايخ ورجحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 على سائر الأذكار وجعلوا له خلوات ووصلوا به إلى أعلى المقامات والولايات وإن كان فيهم من اختار في الابتداء لا إله إلا الله وفي الانتهاء الله الله. وقال ابن حجر في الفتاوى الحديثية: ذكر لا إله إلا الله أفضل من ذكر الجلالة مطلقا بلسان أهل الظاهر. وأما أهل الباطن فالحال عندهم يختلف باختلاف حال السالك فمن هو في ابتداء أمره ومقاساة شهود الأغيار وعدم انفكاكه عن التعلق بها يحتاج إلى النفي والاثبات حتى يستولي عليه سلطان الذكر فإذا استولى عليه فالأولى له لزوم الإثبات أعني (الله الله) وبهذا يتبين أن الذكر بالاسم المفرد لا مانع منه شرعا. إذ لم يرد نهي عنه من الشارع يفيد كراهته أو تحريمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الشبه التي يتمسك بها الذين يحرفون الذكر وردها قالوا يجوز الذكر بجميع الأسماء. بايل. ولاها. ونسبوا ذلك للفقيه ابن حجر- رحمه الله تعالى- لورود الشرع بذلك لأن أي اسم الرحمن ولاها اسم المحبوب. والجواب أن نسبة هذا لابن حجر فرية مافيها مرية، وكيف يقول مؤمن بصحة هذه النسبة له رحمه الله، وهو قد ألف كتابه المسمى: بكف الرعاع عن محرمات اللهووالسماع: قصد به الرد على هؤلاء الجهلة الكذابين، وشنع عليهم في نسبتهم القول بجواز الرقص للعلامة العز بن عبد السلام. ثم يقال لهم إن أردتم جميع الأسماء الواردة في الشرع كما يدل عليه التعليل بقولكم لورود الشرع إلى آخره. ورد أن الشرع لم يثبت إطلاق ايل ولاها عليه تعالى لابطريق صحيح ولاغيره، فقولهم لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ايل اسم الرحمن ولاها اسم المحبوب ممنوع، ومن أين لهم ذلك {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:111) (على) أن كون لاها اسم لايسوغ إطلاقه على الله سبحانه وتعالى، إلا على قول ضعيف، وهو جواز إطلاق مادل على كمال ولم يوهم نقصا (نعم) قيل إن ايل في نحو جبرائيل بمعنى عبد، وهو غير صحيح كما قال أبو على السوسي هذا لايصح لوجهين: أحدهما أنه لايعرف من أسماء الله ايل: الثاني أنه لو كان كذلك لكان آخر الاسم مجرورا. وإن أرادوا جميع الأسماء مطلقا فالذي عليه المحققون أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز إطلاق اسم أو صفة عليه تعالى إلا إذا كان واردا في القرآن أو الاحاديث الصحيحة. والمراد بالاسم مادل على الذات إما وحدها كلفظ الجلالة. وإما مع الصفة كالرحمن العالم والقادر، وبالصفة مادل على معنى زائد على الذات فقط كلفظ القدرة والعلم – هذا مختار جمهور أهل السنة للاحتياط، واحتراز عما يوهم باطلا لعظم الخطر في ذلك. سلمنا أنهما من الأسماء على ما فيه لكنه مخصوص بذكرهما مفردين بأن يقال يا ايل ويا لاها. ولا واقعين في كلمة التوحيد (كلا ايلاها إلا الله) فإن الواقع فيها محدود قطعا، ولا يقول مسلم بأن ايل ولاها الواقعين اسمان من أسماء الله تعالى لما يلزم عليه من الكفر بنفي وجود ايل وهو الله تعالى على زعمه، والتناقض في الكلمة المشرفة التي هي أفضل الكلام ومفتاح الاسلام، وغير ذلك من المفاسد بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يخشى على فاعلها الكفر كما ذكره العلامة الأخضري والعلامة الأمير والعارف الدردير وغيرهم من المحققين حيث قالوا: يحرم تقطيع أسماء الله تعالى بل ربما يخشى على من حرفها وقطعها الكفر والعياذ بالله تعالى وبينوا التحريف والتقطيع كما سبق. وقالوا أيضا يجوز الذكر بهو وها وهي، الجواب أنها دعوى لا دليل عليها فإن ها وهي من الضمائر المؤنثة فلا يجوز الذكر بها إذ لم ترد لا في كتاب ولا سنة وما وقع في كتب المخذولين لا يلتفت إليه. ويجوز الذكر بهو لأنه من أسماء الله المضمرة وقد ورد كتابًا وسنةً وقالوا يجوز الذكر بلفظ (أه) لما ورد أنه الاسم الأعظم. ونقول لهم لم يثبت من طريق صحيح أنه اسم من أسمائه تعالى، وقد علمت أن أسماءه تعالى توقيفية. فلا يجوز الذكر به - وما قيل في بعض الحواشي من أنه الاسم الأعظم لا سند له، وما يروى من أن النبي صلوات الله وسلامه عليه زار مريضا كان يئن، وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين، وأنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: "دعوه فإنه يذكر اسما من أسمائه تعالى" لم يرد في حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات – وقد أفتى المرحوم الشيخ محمد أبو الفضل شيخ الجامع الأزهر في هذه المسألة فقال –رحمة الله عليه - ما نصه أن هذا اللفظ المسئول عنه (أه) بفتح الهمزة وسكون الهاء ليس من الكلمات العربية في شيء، بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقا، وإن كان بالمد فهو إنما يدل في اللغة العربية على التوجع، وليس من أسماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الذوات فضلا عن أن يكون اسما من أسماء الله الحسنى التي أمرنا أن ندعوه بها إلى أن قال -رحمه الله-: ولا يجوز لنا التعبد بشيء لم يرد الشرع بجواز التعبد به، وفي الصحيحين عن عائشة –رضي الله عنها-، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" الخ ما قرره رحمة الله عليه. وقالوا يجوز الذكر بحرف واحد كما ورد في أوائل السور ككاف وهاء وياء وعين وص – ويجوز الذكر بأسماء الله طرا. ونقول لهم هذا اختراع وابتداع إذ لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف الصالح أنهم ذكروا بحرف واحد وهم القدوة لنا في سائر أنواع العبادات خصوصا ذكرالله الذي هو أكبر- وقولهم كما ورد في أوائل السور تمثيل أو تنظير غير صحيح، إذ لم يرد في كتاب ولا سنة أن هذه الحروف أسماء لله تعالى- غاية ما في الباب أن بعض العلماء وهو قول مغضوض عنه، ثم على تسليمه لا يكون المقتطع من الاسم اسما فلا يكون التكلم بالمقتطع ذكرا لاسم الله تعالى- ونعوذ بالله من سوء التأويل. والجراءة على ذكر الجليل، والأعجب من هذا جعله دليلا على ما ادعاه أو تمثيلا لما افتراه. ويجوز الذكر بجميع أسماء الله تعالى المأخوذة من السنة ولو من غير شيخ عارف لكن به أكمل وأرجى لقطع العلائق الشيطانية، ولتجلي الأنوار الملكوتية- وليس عندنا لله أسماء ثابتة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه الآخذين عنه. إذ لا طريق إلى الله إلا تعالى ومعرفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 أسمائه إلا هو، وغيره طريق الشيطان. وقالوا: يجوز الرقص حالة الذكر بدليل فعل الحبشة في المسجد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم، وكان رقصهم بالوثبات والوجد ففي الصحيحين عن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالحراب والدرق في المسجد حتى أكون أنا التي أسأمه" وكان ذلك يوم عيد الفطر. ونقول لهم هذا قول باطل مناقض لقواعد الشرع الشريف لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" (1) وقائله كأنه ممن يحرفون الكلم عن مواضعه- والاستدلال بفعل الحبشة في المسجد بحضرته صلى الله عليه وسلم استدلال باطل لأن ذلك كان تمايلا بالحراب للتدريب على استعمال السلاح كما شرعت المسابقة، وكما أبيح التبختر في الحرب وإن كان ممنوعا في غيره كما قال عليه الصلاة والسلام: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن" (2) وأين هذا من الرقص الذي هو هز المعاطف والأكمام. الذي لا يفعله إلا الفساق من العوام (قال في المدخل) وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسد له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وحاشا   1- سبق تخريجه 2- سيرة ابن هشام، ج3، ص1281 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 لله أن يقول هذا القول الشنيع حجة المسلمين وإمام العاملين الإمام ابن حجر أمطر الله على جدثه صبيب الرحمة والرضوان انتهى. ونقل القرطبي عن الإمام الطرسوسي أنه سئل عن قوم في مكان يقرؤون شيئا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئًا من الشعر فيرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أو لا؟ فأجاب مذهب السادة الصوفية أن هذا بطالة وضلالة. وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون وهو - أي الرقص- دين الكفار وعباد العجل. وإنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤسهم الطير من الوقار (فينبغي) للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا أن يعينهم على باطلهم هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة المسلمين اهـ. وقال الإمام الكبير ابن قدامة جوابا عن مثل هذا السؤال: إن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة –والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع غير مقبول القول، فإن هذا معصية ولعب ذمه الله تعالى ورسوله، وكرهه أهل العلم وسموه بدعة، ونهوا عن فعله، ولا يتقرب إلى الله تعالى بمعاصيه، ولا يطاع بارتكاب مناهيه، ومن وسيلته إلى الله سبحانه معصية كان حظه الطرد والإبعاد، ومن اتخذ اللهو واللعب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 دينا كان كمن سعى في الأرض بالفساد، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسنته فهو بعيد عن الوصول إلى المراد اهـ. وتمسكوا أيضا بحكايات كثيرة عن المشايخ ذكرها الإمام القشيري وغيره زاعمين أن هؤلاء المشايخ عرفت فضائلهم وصحت كراماتهم فأطباقهم على حضور مجلس السماع والغناء وتواجدهم وركضهم ورقصهم دليل على إباحة ذلك. ونقول لهم إننا لا ننفي جوازه إلا عند وجود تثن وتكسر فمن أي؟ إن أولئك المشايخ تثنوا أو تكسروا (سلمنا) أنه فعلوا ذلك فمن أين؟ إنهم لم يحصل لهم وجد أخرجهم عن حالة الاختيار إلى حالة الاضطرار (على أنا) لا نسلم تلك الحكايات عن أولئك فلعلها مما أدخله أهل الزندقة على أهل الإسلام كما كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بم لا يحصى (سلمنا صحتها) وأنهم فعلوها اختيارا فالحجة فيما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة بعده، وقد بينا أن ذلك لم يكن طريقهم ولا سبيلهم، وأن ذلك مما أحدث بعدهم، فقد تناوله قوله صلى الله عليه وسلم: " وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وظهور الكرامات لا يدل على العصمة، بل على قرب من ظهرت عليه ي حال ظهورها عليه - مع وجواز تلبسه بعد ذلك بكبيرة يتوب الله عليه منها (ومن ثم) قيل للجنيد سيد الطائفة أيعصى الولي فقال: وكان أمر الله قدرا مقدورا- وقال ابن عبد السلام: أخطأ من زعم أن الولاية تنافي ارتكاب الصغائر- ففعلهم لذلك على فرض أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 باختيارهم وفيه تثن أو تكسر يكون صغيرة وهي لا تنافي الولاية- وما أحسن ما قاله الأستاذ الكبير إمام العارفين أبو علي الروذباري لما سئل عمن يسمع الملاهي ويقول هي حلال لأنني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال فقال –رحمه الله-: نعم قد وصل لكن إلى سقر. ومن قبائحهم التصفيق حالة الذكر فإنه خفة ورعونة مشابهة لرعونة الإناث لا يفعله إلا أرعن أو متصنع جاهل، يدل على جهالة فاعله ... إن الشريعة لم ترد به لا في كتاب ولا سنة ولا فعل ذلك أحد من الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعله السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء – وقد حرم بعض العلماء التصفيق على الرجال لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم (إنما التصفيق للنساء) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 مصادر ومراجع ... فهرس المصادر (1) إصلاح المساجد، للقاسمي. ط المكتب الإسلامي، بيروت. (2) اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية. ط بيروت، ت: محمد حامد الفقي، وطبعة أخرى تحقيق: د. ناصر العقل. (3) الآداب الشرعية، لابن مفلح. ط بيروت. (4) الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ. ط دار الاعتصام بمصر. (5) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، لصالح الفوزان. ط دار العاصمة، الرياض. (6) الاعتصام، للشاطبي. ط بيروت. (7) الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، للسيوطي. ط دار ابن القيم، الدمام، وطبعة أخرى مصرية. (8) الأم. للشافعي. ط دار الشروق، بيروت. (9) الأوسط. لابن المنذر. ط دار طيبة، الرياض. (10) بدائع الصنائع، للكاساني. ط دار الكتاب العربي، بيروت. (11) البداية والنهاية، لابن كثير. ط مكتبة المعارف، بيروت. (12) البدع المنكرة، د. وهبة الزحيلي. ط دمشق. (13) تاريخ الأمم والملوك، للطبري. دار سويدان، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 (14) تحفة الأحوذي، للمباركفوري. ط دار الكتاب العربي. (15) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير. ط دار الفكر. (16) تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي لمحمد أحمد لوح. ط دار الهجرة بالدمام. (17) تقريب التهذيب، لابن حجر. ط دار الرشيد، وط دار المعرفة. (18) تيسير الكريم المنان. السعدي. ط السعيدية، وط الرسالة. (19) التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة، لعبد العزيز بن باز. ط الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، الرياض. (20) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) . ط دار الكتب العلمية. (21) الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم. ط دار الكتب العلمية. (22) حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني. ط دار الكتب العلمية. (23) الحاوي للفتاوى، للسيوطي. ط المكتب الإسلامي. (24) الحوادث والبدع. ط دار الراية بالرياض. (25) دراسات في الأهواء. د. ناصر العقل، ط دار الوطن. (26) الدر الثمين والمورد المعين، لمحمد بن أحمد ميارة المالكي. (27) الدرر السنية. جمع ابن قاسم، ط بيروت. (28) سير أعلام النبلاء، للذهبي. ط مؤسسة الرسالة. (29) السنن، لا بن ماجه. ط دار الفكر العربي. (30) السنن، لأبي داود. ط دار الكتاب العربي، وط دار الحديث، سوريا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 (31) السنن، للدارمي. ط بيروت. (32) السنن، والمبتدعات للقشيري. ط القاهرة. (33) السنن الكبرى. البيهقي. ط دار المعرفة، بيروت. (34) صحيح البخاري، للبخاري. ط مصطفى البغا. (35) صحيح سنن ابن ماجه. الألباني. ط مكتب التربية العربي. (36) صحيح سنن أبي داود. الألباني. ط مكتب التربية العربي. (37) صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج. ط الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، الرياض. (38) علم أصول البدع. علي عبد الحميد، ط دار الراية، الرياض. (39) عمل اليوم والليلة، لابن السني. ت: أبي محمد السلفي، ط دار المعرفة، بيروت. (40) عون المعبود، لشمس الحق العظيم الآبادي. ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة. (41) فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا. ط بيروت. (42) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني. ط السلفية، وط الريان. (43) الفتاوى الإسلامية، لابن عثيمين. ط دار الوطن. (44) الفتوى الكبرى المصرية، لابن تيمية. ط دار المعرفة. (45) الفتوحات الربانية. لابن علان، ط دار إحياء التراث، بيروت. (46) القاموس المحيط، للفيروز آبادي. ط مؤسسة الرسالة، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 (47) القواعد والأصول الجامعة، للسعدي. ط بيروت. (48) كتاب التحقيق، للنووي، ط بيروت. (49) كتاب الضعفاء والمتروكين، للنسائي. ط مؤسسة الكتب الثقافية، وط دار القلم. (50) الكتاب المصنف، لابن أبي شيبة. ط الدار السلفية، الهند، وط بيروت. (51) لسان العرب، لابن منظور. ط المؤسسة المصرية العامة للتأليف. وط دار صادر. (52) لسان الميزان، لابن حجر. ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. (53) اللؤلؤ والمرجان. ط دار الحديث، القاهرة. (54) ما جاء في البدع، لابن وضاح. تحقيق: البدر، ط دار الصميعي، وط دار الكتب العلمية. (55) مجموع فتاوى شيخ الإسلام، لابن تيمية. ط مؤسسة الرسالة. (56) مسك الختام في الذكر والدعاء بعد السلام. لأحمد بن سعيد الأنبالي، دار ابن حزم، بيروت. (57) مناسك الحج والعمرة، للألباني. ط بيروت. (58) ميزان الاعتدال، للذهبي. ط دار المعرفة، بيروت. (59) المجموع، للنووي. ط مكتبة ابن تيمية. (60) المحلى لابن حزم. ط دار الآفاق الجديدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (61) المسند، للإمام أحمد بن حنبل. ط المكتب الإسلامي. (62) المغني، لابن قدامة. ط دار هجر بمصر. (63) المفردات، للراغب. ط دار المعرفة، بيروت، طبعة أخرى. (64) الموسوعة الفقهية. ط وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125