الكتاب: البيان المبدي لشناعة القول المجدي المؤلف: سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مصلح بن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي , التبالي , العسيري , النجدي (المتوفى: 1349هـ) الناشر: مطبع القرآن والسنة الواقع في بلدة أنر تسر عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- البيان المبدي لشناعة القول المجدي سليمان بن سحمان الكتاب: البيان المبدي لشناعة القول المجدي المؤلف: سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مصلح بن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي , التبالي , العسيري , النجدي (المتوفى: 1349هـ) الناشر: مطبع القرآن والسنة الواقع في بلدة أنر تسر عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] البيان المبدي لشناعة القول المجدي تأليف: الشيخ سليمان بن سحمان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي يقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وأوضح الحق وأعلاه فأضاء نوره ما بين المغارب والمشارق، وأدحض الباطل وأهله من كل معاند للحق ومشاقق، أحمده سبحانه وأشكره على قمع كل منافق ومارق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلهيته وربوبيته لجميع الخلائق، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ذو المناقب والسوابق صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انغدق الودق وأومضت البوارق، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد، فقد رأيت كلاماً لمحمد سعيد بن محمد بابصيل الشافعي المكي ردّاً على ما كتبه العالم الفاضل الألمعي والنبيل الجليل اللوذعي المسمّى بعبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 ابن عبد الرحمن بن عبد الرحيم السنديّ، وما كتبه عبد الكريم فخر الدين على رسالة أحمد زيني دحلان التي سمّاها: الدّرر السّنية في الرد على الوهابية، وقد ضمنها دحلان من الأكاذيب والترهات ما يستحي العاقل من حكايتها مع ما اشتملت عليه من إباحة الشرك والالتجاء إلى الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم إلى غير ذلك مما تمجه الأسماع ويتفر عنه الطباع وكذلك ما قرره من الزيارة البدعية الشركية واستدل على ذلك بأحاديث مكذوبة موضوعة يعرفها كل من له إلمام بمعرفة الحديث ورجاله فردا عليه فأجادا وأفادا وانتصرا لله ورسوله وأئمة المسلمين، فجزاهما الله عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء. ثم إنّ هذا المكيّ المسمّى بابصيل اعترض عليهما فيما كتباه بما نقله عن ابن حجر الهيثمي في مسبة شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه باعتراضات بعضها حق وهو قائلها ومعه الكتاب والسنة وأقوال الأئمة من الصحابة والتابعين ولم يخرج رحمه الله في قول قاله عن قول أحد من السّلف منفرداً به بل قد قاله غيره من الأئمة و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 باعتراضات أخرى يعرف كل منصف أنها دعاوى باطلة وأكاذيب محضة وبما نقله أيضاً عن علوي بن أحمد بن حسن بن عبد الله الحداد، وجعل ما اعترض به ما على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردّاً واعتراضاً على الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأصيلا منه أنه إنما درج على منواله، واحتذل حذوه في مقاله، وبمناقضات زعم أنه أخذها عليهما وأنه باعتراضه قد وجد الضالة المنشودة، وسقط على الدرة المفقودة وهي على غير ما توهمه، وعنه التحقق على خلاف ما زعمه فردّ عليهما لاعتماده واعتقاده أنهما من الوهابية، وأنهما من اتباع شيخ الإسلام ابن تيمية فاستعنت الله تعالى على رد أباطيل هذا المعترض الأفاك الذي نصب نفسه للانتصار لأهل الباطل والإشراك، وذلك بعد ما أكثر عليّ بعض الإخوان، وإن كنت لست من أهل هذا الشأن ولا ممن يجري الجواد في مثل هذا الميدان. ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح بنتها رعى الهيثم وقد تأملت ما كتبه هذا المفتري فإذا هو لم يأت إلا بتمويهات وترهات وخزعبلات وخرافات، لا تروج على ذوي العقول السليمة، وليست بحمد الله بصائبة ولا مستقيمة بل عواقبها ذميمة، ومراتعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وخيمة، والله المسؤول المرجو الإجابة، أن يوفقنا الطريق السداد والإصابة وأن يجزل لنا بمنه وكرمه الإثابة، وهذا جهد المقل، وأسأل الله أن يحسن لنا النية والعمل وسميت هذا: "الرّد بالبيان المبدي لشناعة القول المجدي". قال المعترض بعد أن ذكر أنه وقف على رسالتين أحدهما مؤلفها عبد الكريم بن فخر الدين، والأخرى مؤلفها عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم السنديّ، قال: ولم ألتفت لمعارضة كل واحد منهما في رد مقالته ببرهان عقلي أو شرعي إلى آخره. فالجواب ومن الله استمد الصواب أن هذا المعترض الجاهل قد خصم نفسه باعترافه أنه لم يعترض عليهما في الرد ببرهان عقلي أو شرعي ولو ظفر ببرهان عقلي أو شرعي يرد به ما زعم أنه الباطل لما أهمله في هذا المقام، ولصال بخيله ورجله لينال من خصمه المرام، وما يحسن بمن عنده علم وفضل كلام عند مقاومة الخصوم وإرخاء أعنة الأقلام أن يرتدي برداء العيّ والإحجام، ولكنه ولله الحمد والمنة مزجي البضاعة من العلوم النبوية والآثار السلفية وليس له ملكة ولا روية ولا معرفة بمدارك الأحكام ولادرية، وأنى لهذا المعترض يد بمقاومة جند الله ورسوله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 المعتصمين بكتاب الله والسالكين على سنة رسوله وسبيله، ولكن بهذا الهذيان البارد، والأكاذيب المظلمة المسالك والموارد التي لا يعجز عنها أحد ممن تجاوز الحد وأفرط والحد، هيهات هيهات {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} {القمر:45ـ46] . لعمرك ما يدري الغبي بأنه ... أتى موئداً من مورد الشرك مظلماً وردّ على من شاد سنة أحمد ... باوضاعه اللاتي بها قد تكلما وأعلى من الكفر الصريح معالما ... أشاد لها دحلان من كان أظلما وأرسى لها في قلب كل معطل ... جهول وأفاك رسوما وسلما لترسورير في كل من رام فرية ... بأسبابها طوداً من الكفر قدطما ويسعى بان يدعى حسين وخالد ... وزيد ومعروف ومن كان أعظما ويدعى الرفاعي بل على وحمزة ... ويدعى لعمري العيدروس بكلما به يقصد الرحمن جل جلاله ... فبعداً لأرباب الضلالة والعما وقد قام هذا الوغد منتصرا له ... بلا حجة أدلى بها إذ تكلما ولكن ببهتان وسبة مفترٍ ... على علماء الدين ظلما ومأثما وأرخى عنان الجهل والظلم خاليا ... من العقل والبرهان والشرع مانما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ولو ظفر المخذول بالعلم والهدى ... لا بد لهما فورا وما كان أحجما ولكنه والحمد لله وحده ... من العلم بالبرهان قد كان معدما فحادوا بدى نزهات وضيعة ... وأقوال أعداء بها الإفك قد طما وقد قام كالحرباء يرنو بطرفه ... إلى الشمس عدوانا وبغيا ومأثما وما ضرّ إلا نفسه باعتراضه ... ونصرته من كان أعمى وأبكما وأنّى لهذا الوغد علم بمابه ... يدان ويرجى فاطر الأرض والسما ولو كان يدرى ماهدى بضلالة ... وسطر في أوراقه الجهل والعما ولكن أهل الزيغ في غمراتهم ... فليس لهم عن مهيع الكفر مرتما خفافيش اعشاها من الحق شمسه ... وأعمها إشراقه إذ تبسّما فلما دجى ليل الضلالة أقبلت ... وجالت وصالت حين جنوأظلما أيحسب هذا الفدم والوغد اننا ... غفلنا وما كنا غفاة ونوما سنضرب من هاماتهم كل قمحد ... ونبكم صنديدا تحدى وغمغما وتشدخ بالبرهان يافوخ إفكه ... فيصبح مثلوغا وقد كان مبهما وما كان أهلا أن يجاب لجهله ... وهُجنة ما أبداه لما تكلما ولكن ليدرى أن في الربع والحمى ... رماثا اعدّوا للمعادين اسهُما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ويعلم أنا لا نزال ولم نزل ... على ثغرة المرمى قعودا وجثما وفي زعم هذا الأحمق الوغد انه ... وأصحابه أهل الهدى حين قسما وإن ذوي الإسلام أهل ضلالة ... وأهل ابتداع بئسما قال إذ رمى ذوي الدين بالغي الذي هو أهله ... وكان بما أبدى أحق والوما أيوصف بالإسلام من كان مشركاً ... ويوصف بالاشراك من كان مسلما لعمري لقد جئتم من القول منكرا ... وزورا وبهتانا وأمرا محرّماً فيا ويحه أن لم يتب من ضلاله ... لسوف يرى جهراً ويصلي جهنما فصل: قال المعترض بعد أن أصّل أصلين ينبني بزعمه بطلان الأصل الأدنى بالكلام على الأصل إلا بعد قال: فأقول الأصل الأدنى ظهور محمد بن عبد الوهاب، وقد بلغ بدعوته الضالة ما بلغ وملأت البلاد والأقطار وكلامه ودعوته مؤسسة على دعوى من قبله فمن قلد من قبله وهو الأصل الأصيل لهذا الفساد الذي عم العباد والبلاد وهو الشيخ ابن تيمية إلى آخر ما قال. والجواب: أن يقال: سبحان من طبع على قلوب أعدائه فاصمهم وأعمى أبصارهم فإن هذا الجاهل الذي أعمى الله بصيرة قلبه لما لم يكن لديه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 معرفة بأصل هذا الدين الذي بعث الله به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم ومنّ الله بإظهاره بعد أن كان ذلك مهجوراً بين الناس. لا يعرفه منهم إلا النزاع من الأكياس على يدي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين، وإنكار ما كان الكثير عليه من شرك المشركين، بالإلتجاء إلى الصالحين وطلب ما كان لله عنده ضرائح الأموات من المعبودات، وإنزال الحاجات بهم في الملمات لتفريج الشدائد والكربات، ونهيه عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور والطواغيت والأوثان، وعن الإيمان بالسحرة والمنجّمين والكهّان، صار لديه هو أصل الضلال والفساد، الذي ملأ الأقطار وانتشر في البلاد، فلمّا لم يكن لديه معرفة بهذا الدين دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب من إخلاص العبادة لله والشرك الذي نهى عنه وجد أهل نجد عليه من صرف جميع العبادات لغير أمته، تعين أن نذكر هذا الأصل الذي جعله هذا المعترض أصل الضلال والفساد وهو ظهور هذه الدعوة النجدية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 والطريقة المحمدية؛ ليتبين لك فساد تأصيل هذا المكي وليعرف المسلم قدر نعمة الله التي أنعم بها على المسلمين بدعوة هذا الشيخ وأنهم قبله في ضلالة ظلما، وجهالة جهلاً، وفلوات غيّ مفاوزها يهما، ونذكر قبل ذلك ما كان عليه أهل نجد وأهل الأقطار حال تبين الشيخ رحمه الله. قال الشيخ أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله تعالى: الفصل الأول في بيان ما جرى في تلك الأزمان من الشرك والضلال والطغيان في نجد والحسا وغيرهما مما يليهما من البلدان، فنقول: كان غالب الناس في زمانه متضمخين بالأرجاس متلطخين بوظر الأنجاس، وإطفاء نور الهدى بالانطماس بذهاب ذوي البصائر والبصيرة، والألباب المضيئة المنيرة، وغلبة الجهل والجهال، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال حتى نهجوا في تلك الطريق منهجاً وعرا، ونبذوا كتاب الله تعالى وراءهم ظهراً، وأتوا زوراً وبهتاناً وهجراً، وزين لهم الشيطان الهم ينالون بذلك أجراً، ويجوزون به عزا وفخراً، فاركبهم مراكب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الأسلاف قسراً وامتطى كواهلهم في ذلك السنن قهراً، وحسّن لهم أن الأباء بحقيقة الحق أدرى، وأنهم بنهج منهج الشريعة أحرى فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين وخلعوا ربقة التوحيد والدين، فجدّوا في الاستغاثة بهم في النوازل والحوادث ةالخطوب العظلة الكوارث، وأقبلوا عليهم في طلب الحاجات وتفريج الشدائد والكربات من الإحياء منهم والأموات وكثير يعتقد النفع والأضرار في الجمادات كالأحجار والأشجار، وينتابون ذلك في أغلب الأزمان والأوقات ولم يكن لهم إلى غيرها إقبال ولا التفات فهم على تلك الأوثان عاكفون ولها في كثير الأحايين ملازمون {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: من الآية19] ، لعب بعقولهم الشيطان، وأخذ بهم منهج الخسران حتى ألقاهم في قعر الهوان، فلجوا في طغيانهم يعمهون، تسنموا من الأهوى اسمى فنن، وأتوا من الضلال إنما فتن، ورفضوا والله أسنى سنن {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] ، أحدثوا من الكفر والفجور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 والإشراك بعبادة أهل القبور وصرف الدعاء لهم والنذور، {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117] شرعوا لهم شياطينهم من الدين ما لم يأذن به الله، وجعلوا لغيره ما لا يجوز صرفه إلى سواه، وزادوا على أهل الجاهلية فكانوا لا يدعون إذا مسّهم الضرّ إلا إياه، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] ، ملؤوا قلوبهم له بالوجد والمحبة، وبذلوا أعمارهم وألسنتهم في دفع من أبدى لهم مسبة، ولم يشتغلوا بالله وكفى به لعبده رغبة، وليتهم سووا بينهم في المحبة والطلبة، {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء:97ـ99] ، وكانت هذه المحبة في سويداء القلب سارية وعلى صفحة الوجه واللسان بادية، وأفعال الشرك في غالب الأقطار جارية، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] ، وقد حدث الغيّ والإضلال والإسراف، ووقع التغير في الدين والاختلاف من زمان قديم من غير خلاف، وجاء بعدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 من اعتقد أن الدين هو ذلك الضلال والإسراف؛ لأنهم وجدوا عليه الأباء والأسلاف {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] ، وقد نص عليه كثير من العلماء الأعلام في كتبهم المصنفة فيما حدث من البدع من الأنام وماغيروا من منار الدين والإسلام، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: من الآية112] ، وكان أكثر الناس على دعوة الأنبياء والصالحين الأحياء منهم والميتين، مجدين مجتهدين، وبالاعتقاد المحض فيهم مفتونين {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل:51] ، أيدعى من لا يملك لنفسه نفعاً، ولا يصرف عنها من السوء دفعا، ويترك مدبّر الخلائق إعطاء ومنعاً، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] ، فغدوا عليهم في قضاء الحاجات وراحوا، وابتهلوا لديهم في ذلك وباحوا، وأحلوا ما حرم الله واستباحوا، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [لأعراف:33] ، وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم والكل على تلك الأحوال مقيم، وفي ذلك الوادي مسيم {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: من الآية48] ، وقد مضوا قبل بدو نور الصواب يأتون من الشرك بالعجاب وينسلون إليه من كل باب ويكثر منهم ذلك عند قبر زيد بن الخطاب ويدعونه لتفريج الكرب بفصيح الخطاب ويسألونه كشف النوب من غير ارتياب {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: من الآية18] ، وكان ذلك في الجبيلة مشهوراً وبقضاء الحوائج مذكوراً، وكذلك قربوه في الدرعية يزعمون أن فيها قبوراً، أصبح فيها بعض الصحابة مقبوراً، فصار حظهم في عبادتها موفورا، فهم في سائر الأحوال عليها يعكفون، {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات:86] ، وكان أهل تلك التربة أعظم في صدورهم من الله خوفاً ورهبة، وأفخم عندهم رجاء ورغبة، فلذلك كانوا في طلب الحاجات بهم يبتدون، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] وفي شعب غبيرا يفعل من الهجر والمنكر ما يعهد مثله ولا يتصور، ويزعمون أن فيه قبر ضرار بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الأزور، وذلك كذب محض وبهتان مزور مثّله لهم إبليس وصوّر، ولم يكونوا به يشعرون، وفي بليدة الفدا ذكر النخل المعروف بالفحال يأتونه النساء والرجال ويفيدون عليه بالبكر والأصال، ويفعلون عنده أقبح الفعال، ويتبرّكون به ويعتقدون، وتأتيه المرأة إذا تأخرت عن الزواج، ولم تأتها لنكاحها الأزواج، فتضمه بيديها بحضور ورجاء الانفراج، وتقول: يا فحل الفحول أريد زوجاً قبل أن يحول الحول، هكذا صحّ عنهم القول، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: من الآية43] . وشجرة الطرفية تشبث بها الشيطان واعتلق، فكان ينتابها للتبرك طوائف وفرق، ويعقلون فيها إذا ولدت المرأة ذكرن الخرق، لعلهم عن الموت يسلمون، وفي أسفل الدرعية غار كبير يزعمون أن الله تعالى فلقه في الجبل لأمرأة تسمى بنت الأمير أراد بعض الفسقة أن يظلمها فصاحت ودعت الله فانفلق لها الغار بإذن العلي الكبير، وكان تعالى لها من ذلك السوء وجير، فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز ويهدون، {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:95ـ96] قال: وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ما يفعل الآن في الحرم المكي الشريف زاده الله تعالى رفعة وتشريفاً فهو يزيد على غيره وينيف، فيفعل في تلك البقاع المطهرة المكرمة، والمواضع المعظمة المحترمة، من الأمور المحظورة المحرمة ما يحق أن تسفح عند رؤيته العيون والأجفان، وتزال لأجله الدموع وللاتصان، وتلتهب في القلب لوعج الأحزان إذا أبصر الموحد ما يصدر من أولئك العربان من الفسوق والضلال والعصيان، وما عرى فيه الدين من الهوان، فلقد انتهكت فيه المحرمات والحدود، وكان لأهل الباطل فيه قيام وقعود كما هو الآن مشاهد موجود، أين قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] ، ويشهد بذلك من رآه ممن كان له قلب سليم، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: من الآية25] ، ولقد تظاهر بذلك فيهم جمّ غفير، وتجاهر به بين أظهرهم جمع كثير، ولم يكن لأهل العلم إزالة ولا تغيير، بل تألبوا على مصادمة الحق الشهير، وراموا إطفاء مصباحه المنير، وإخماد ضيائه المستنير، وجادلوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 تغيير محيّ الصواب، {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: من الآية5] ، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: من الآية37] . فمن ذلك ما يفعل عند قبر المحجوب، وقبة أبي طالب، وهم يعلمون أنه شريف حاكم متعد غالب، كان يخرج إلى بلدان نجد ويضع عليهم من المال خراج ومطالب، فإن أعطى ما أراد انصرف وإلاّ أصبح لهم معادياً ومحارب، وكذلك عند قبر المحجوب، يطلبونه الشفاعة لغفران الذنوب؛ لأنه عندهم المقرب المحبوب، فلهذا كانوا من شره يحذرون، وإن دخل متعد أو سارق أو غاصب مال قبر أحدهما لم يتعرض له أحد من الرجال، ولا يخشى معاقبة ولا نكال ولا يتوصل إليه بما يكره ولا ينال، وإن تعلق جان ولو أقل جناية بالكعبة سحب منها بالأذيال، فهم في تعظيمها مفرطون، {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ، لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يّس:74ـ75] ، ومن ذلك ما يفعل عند قبر ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها بسرف، وعند قبر خديجة رضي الله عنها في المعلى، مما لا يسوغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 المسلم أن يطلق عليه إباحة وحلا، فضلا عن كونه يراه قربة يدرك بها أجرا وفضلا من اختلاط النساء بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات، وارتفاع الأصوات عندهم بالدعوات وحصول الندب وشدة الاستغاثات، وعند قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الطائف من الأمور التي تشمئز منها نفس الجاهل فكيف بالعارف فيقف عند قبره متضرعاً مستغيثاً كل مكروب وخائف، وينادي أكثر الباعة في الأسواق من غير نكير ولا زاجر على الإطلاق، ويقول بلهجة قلب واحتراق، كثير من أهل الشرك والإبلاس، وذوي الفقر والإفلاس، اليوم على الله وعليك يا ابن عباس، ويسألونه الحاجات ويسترزقون {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} [يّس:23] . وأما يفعل عند قبره عليه الصلاة والسلام من الأمور المحرمة العظام من تعفير الخدور، والإنحناء بالخضوع والسجود واتخاذ ذلك القبر عيداً، وقد لعن عليه الصلاة والسلام فاعله وكفى بذلك زجراً ووعيداً ونهى عن ما يفعل عنده الآن غالب العلماء نهياً شديداً، وغلظوا في ذلك تغليظاً أكيداً، فهو مما لا يخفى ولا ينكر، وأعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 من أن يذكر، فهو في الشهرة والانتشار، كالشمس في رابعة النهار، ويكل اللسان عما يفعل عند قبر حمزة والبقيع وقباء من ذلك القبيل، ويعجز القلم عن بيانه على التفصيل، ولو لم يذكر منه إلا القليل. شعر: وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وأما ما يفعل في جدة فما عمت به البلوى فقد بلغ من الضلال والفحش الغاية القصوى، وعندهم قبر طوله ستون ذراعاً عليه قبة يزعمون أنه قبر حوّى، وضعه بعض الشياطين من قديم وهيئه وسوّى، يجبون عند السدنة من الأموال كل سنة ما لا يكاد يخطر على بالبال، ولا يدخل يسلم على أمه كل إنسان إلا مسلماً دراهم عاجلاً من غير توان، أيبخل أحد من اللئام، فضلا عن الكرامة ببذل الحطام، ويدع الدخول على أمّه والسّلام، وعندهم معبد يسمى العلوي بالغ في تعظيمه جميع الخلائق، وأربوا في الغلو على تلك الطرائق، فلو دخل قبره قاتل نفس أو غاصب أو سارق لم يتعرض بمكروه من مؤمن ولا فاسق، ولم يجسر أحد أن يكون مخرجاً له سائق، أو إلى المساعدة إليه مسارع مسابق، فمن استجار بتربته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أجير، ولم يعرج عليه حاكم ولا وزير. وأما ما في بلدان مصر وصعيدها، من الأمور التي ينزه اللسان عن ذكرها وتعديدها خصوصاً عند قبور الصلحاء والعباد من ساداتها وعبيدها كما ذكرها الثقات في نقل الأخبار وتوكيدها، فيأتون قبر أحمد البدوي، وكذا قبور غيره من العباد، وسائر ترب المشهورين بالخير والزهاد، فيستغيثون ويندبون ويعجلونهم بالإمداد، ويستحثونهم على زوال المصيبة عنهم والأنكاد، ويتداولون بينهم حكايات وينسبون عنهم قضيات، ويحكون في محافلهم ما جريات من أفحش المنكر والضلالات فيقولون فلان استغاث بفلان فأغيث فورا في ذلك الأوان، وفلان شكى لصاحب القبر حاله وأمره فأغاثه وكشف عنه ضره، وفلان شكى إليه حاجته فأزال عنه فقره، وأمثال هذا الهذيان الذي هو زور وبهتان، ويصدر هذا الكلام في تلك البلدان وهي مملوءة بالعلماء من أهل الزمان وذوي التحقيق والعرفان، ولا يزال ذلك المحظور، ولا يغار من صدور تلك الأمور، بل ربما تنشرح منهم له الصدور. وأما ما يفعل في بلدان اليمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 من الشرك والفتن قبل هذا الوقت وفي هذا الزمن فأكثر من أن يحسب أو يحصى، أو يعد ويستسقى، أو يدرك له أقصى، فمن ذلك ما يفعله أهل شرقي صنعاء بقبر عندهم يسمى الهادي والكل على دعوته والاستغاثة به رائح غادي، فتأتيه المرأة إذا تعسر عليها الحمل أو كانت عقيمة، فتقول عنده كلمة قبيحة عظيمة، فسبحان من لا يعاجل بالمعاقبة على الجريمة. وأما أهل بلد برع فعندهم رجل يرحل إلى دعوته، كل ناء عن محله وبلدته، ويؤتي إليه من غير إشكال من مسيرة أيام وليال لطلب الإغاثة وشكاية الحال ويقيمون عند قبره للزيارة ويتقربون بالذبائح عنده كما حقق أخباره من شاهد حضرته واحتضاره. وأما أهل الهجرية ومن حذا حذوهم فعندهم قبر يسمى ابن علوان، وقد أقبل عليه العامة في نوائب الزمان، واستغاث به منهم كل لهفان، فهم يلجؤون به في كل وقت وأوان ويسميه غوغاء هم منجي الغارقين كما حكاه بعض السامعين، وأغلب أهل البر منهم والبحر يطربون عند سماع ذكره، ويستغيثون به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وإن لم يصلوا إلى قبره، وينذر له في البحر والبر، وعند أهل بلده من تعظيمه ما يزيد على الحصر، ويفعلون عند قبره السماعات والموالد ويجتمع عنده أنواع المعاصي والمفاسد، فليس في أقطار اليمن في هذا الزمن من يساويه في الاشتهار، بل ولا في سائر الأقطار ولهم في حضرته أمور يفعلونها دينا، ويتوخونها حينا فحينا يطعنون أنفسهم بالسكاكين والد بابيس، وقد جعلها لهم عبادة إبليس ويقولون وهم يرقصون، وبما يغنيه طبون قد ملأ الوجد منهم البابا وذهنا، يا سادتي قلبي بكم معنّا وأمّا أهل حضر موت والشحر ويافع وعدن، فقد ثوى فيهم الغي وقطن، وعندهم العيدروس يفعل عند قبره من السفه والضلال الوبيل ما يغني مجمله عن التفصيل، ويقول قائلهم شيء لله يا عيدروس شيء لله محي النفوس، ثم ذكر ما في بلدان الساحل وما يفعل أهل المخا عند قبر على بن عمر الشاذلي، وأهل الحديد عند قبر الشيخ صديق، وأهل اللحية عند قبر الزيلعي، وعند قبر رابعة، وما يفعل أهل نجران عند سيدهم، قال: وأمّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ما في حلب ودمشق وأقصى الشام وأدناه، فهو مما لم يوقف له على حد ولم يكن ضبط أقصاه ولا يعرف قدره ومنتهاه، ولو استفرغ الإنسان في ذلك قصاراه بحسب ما يحكيه من يشاهد ذلك ويراه من العكوف على عبادة القبور، وصرف القربان إليها والنذور والمجاهرة بالفسوق والفجور، وأخذ الأمكاس والدستور، ووضع الخراج على البغايا من تلك المهور. وفي الموصل وبلدان الأكراد، وما يليها من سائر البلاد، وكذا في العراق خصوصاً المشهد وبغداد مما لا يحتاج إلى حصر وتعداد، فيفعل عند قبر الإمام أبي حنيفة ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر رضي الله تعالى عنهم من الدعاء والاستغاثة بهم ومنهم في سائر الأوقات والأزمان ما لا يعرف له صفة ولا شأن، وتسفح عندهم والخضوع، أعظم مما يصدر بين يدي الله في الصلاة في الحضور والخشوع، بل كثير ممن فعل ذلك مراراً وجرب هم لقضاء الحوائج ترياق مجرب، قال: وأما مشهد علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أبي طالب رضي الله عنه فقد صيرته الرافضة وثنا يعبد ويدعى بخالص الدعاء دون من ذرأ الخلق وأوجد، ويصلي له في قبته ويركع ويسجد، وليس في صدور أولئك الضّلال وغيرهم من الجهّال، وذوي الفسق والضلال من التعظيم والهيبة والإجلال لذي الفضل والنوازل معشار ما فيها لعلي رضي الله عنه من غير إشكال والإسراف في المقال فتراهم يحلفون الأيمان الكاذبة بالله، ولا يخاف أحدهم مولاه، ولا يراقبه سرّاً ولا جهراً، ولا يخشاه، ولا يحلف بعلي كاذباً أبداً يعظم بذلك حماه فلا ينتهك ذلك ولا يتعداه، ويجزمون أن عنده مفاتح الغيب من غير شك قبحهم الله ولا ريب ولهذا يقولون إن زيارته أفضل من سبعين حجة وكفى بما ذكرناه في خروجهم عن الإسلام حجة، وإخراجهم عن واضح السنن والمحجة، ولقد غلوا فيه وأتوا من الشرك القبيح، أعظم مما يفعل النصارى في المسيح سوى دعوى الولدية فلم تصدر من هذه البرية، وساووهم وزادوا عليهم في غيرها من الخصال الرديّة، وزخرفوا على قبره الذي يدعونه قبة مذهبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وخالفوا هديه رضي الله عنه ومذهبه، ولقد كان في حياته حرق ممن غلا فيه أناس، فما أغناهم عن انتهاج منهج الضلال فيه والإبلاس، ومثل ذلك ما يفعل من الشرك والمكر والشين، عند مشهد الكاظم ومشهد الحسين، قال: وأما جميع قرى الشط والمجرة، فقد لبسوا ثياب الشرك والمضرة، بل كانوا أهله وأصله ومقره، وكذلك ما حول البصرة وما توسط فيها من تلك القبب والمشاهد التي أصبح كل إليها مقبلاً وقاصد لا سيما قبر الحسن البصري والزبير رضي الله عنهما، فقد طلبوا الفرج منهما، وصرفوا لهما من العبادة والاستغاثة عند الشدائد، وطلبوا منهما جميع الفوائد، وليس لها منكر ولا جاحد، سوى ما يصدر وما يشاهد في تلك البلدان من المنكرات والفواحش والمفاسد، ولا يجحد ذلك إلاّ مباهت معاند، وأما ما في القطيف والبحرين من البدع الرفضيّة، والأمور القبيحة الشركية، والمشاهد المعظمة الوثنية، وما يفعله أولئك الضلال والأنجاس من الضلال والغي والإبلاس وما يأتونه من الشرك والأرجاس فلا يكاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 يخفى على أحد من الناس، ويقف دون ساحل إحصائه الإدراك ويقصر عن مقتضاه ونظمه في هذه الأسلاك، وما يجحد ذلك الأكل معتد أفاك، وهذا آخر ما أردنا من إيراد ما ذكره الشيخ أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية والطريقة المحمّدية التي سماها هذا الضال أصل الفساد الذي ملأ الأقطار وانتشر في البلاد والعباد، وذلك لجهله بدين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلّم ولألفه بما كان عليه أهل الشرك والضلال من عبادة غير الله تعالى بالالتجاء إلى الصّالحين ودعائهم والاستغاثة بهم فهو لا يعرف إلا ما نشأ عليه الآباء والجدود الراتعين في رياض المحرمات والحدود والأكثر منهم يتدين بالبدع والأهوى ويرفض ما درج عليه السلف الصالح من الدين القديم الأقوى، فلما تفاقم هذا الخطب وعظم وتلاطم موج الكفر والشرك في هذه الأمة وجسم وظهر الضلال والبدع، وأكثر أهل الأرض إلاّ من شاء الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 إلى منهاجها نزع، واندرست الرسالة المحمدية وانمحت منها المعالم وطمست الآثار السلفية ولم يبق منها سوى الإطلال والمراسم، وأقيمت البدع الرفضية، والأمور الشركية، وأعتقد أكثر البرية، إنها محبوبة لله مرضية، وأمور حسنة دهنية، فأقاموا لها أعياداً ومواسم وعكفوا عليها والأغلب لها شائم، ولتشديدها والذب عنها دائم، ولتشديد معالمها بالجد والاجتهاد قائم، انتدب هذا الإمام الذي أضحى بهديه الدين مشرفاً باسم، والباطل يحججه مظلماً سادم منادياً على رؤس العوالم بإخلاص العبادة لله وتنكير الإشراك والمظالم وإبطال دعوة غيره من نبي وولي وظالم وحاكم فلم يخف في الله لومة لائم حتى نال من مولاه المنح العظائم والعطايا الكرام الجسائم، وحاز منه أسنى الصلاة والغنائم واختار الله وما عنده، وبذل في طاعة الله جهده وطاقته وجده، حتى أنجز الله تعالى له وعده، وأكثر بعد ذلك محبه وجنده وصار له بتلك الدعوة والقيام، توكل على ربه واعتصام، فلم يبال بجميع الأنام، وما رموه من الفوادح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 العظام، وما فوقوا له من تلك السهام فلم يكن لهم إليه وصول، وصار كل منهم عنه مغلول، وحد لسانه مفلول حتى بدا له في أفق تلك البلد طالع القبول ولمع فيه بارق سيف الحق المسلوك وانحط ذُرى الضلال وانقطع حبله الموصول وعصفت عليه عواصف الدبور بعد الشمال والشمول وصار لنجمه كسوف وأفول ولعوده المورق باللهو والمزامير والطبول، بعد غصنته ونضارته يبس وذيول ولجسمه الممتلى بالفواحش نحول. وتجرد للدعوة إلى الله وردّ هذا الناس إلى ما كان عليه سلفهم الصالح في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح والإحسان وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم والاعتقاد في الأحجار والأشجار والعيون والمغار، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في الأقوال والأفعال وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار فجادل في الله وقرر حججه وبنيانه وبذل نفسه لله وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عما جاءت به الرسل المعرضين عنه التاركين له وصنف في الرد على من عائد وجادل وما جل حتى ظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الإسلام في الأرض وانتشر في البلاد والعباد وعلت كلمة الله وظهر دينه وانقمع أهل الشرك والفساد، واستبان لذوي الألباب والعلوم من دين الإسلام ما هو مقرر معلوم. واستجاب لهذه الدعوة من أهل الإسلام عصابة حصل بهم من العز والمنعة ما هو عنوان التوفيق والإصابة فكانوا لطريقته المثلى متبعين وبأقواله وبأفعاله مقتدين لا يزالون معه في إخلاص الدعوة مشمرين، وفي إدحاض الباطل وأهله مجتهدين، وبإيضاح مناهج الشرك معلنين، وفيما يرضى الله مشرعين، ولأهل الدين والحق مكرمين ولأهل الضلال موهنين، وللضلال والفساق مهينين، ولقبح عقائهم لهم مبينين قائمين في ذلك لرب العالمين، ولوجهه الكريم محتسبين وللنجاة مرتجين {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ، فلما أظهر الله هذا الدين شرق به أناس من أهل الشرك والارتياب، وأنكرته قلوب الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وقالوا مثل ما قال الأولون ذوو الكفر والإعجاب {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [صّ:5] ، فأخذوا في ردّه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 والإنكار عليه وأتوا بأعظم الأسباب وزجوا الخلق في لجة الضلالة والارتياب وضجوا على دعوة الحق بالتكذيب والأكذاب، وعجوا مطبقين على الشيخ بأنه ساحر أو مفتر أو كذاب وحكموا بكفره واستحلال دمه وماله وجميع من له من الأصحاب {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر: من الآية5] ، وصنفوا في ردّ هذا الدين مصنفات ولفقوا من الأكاذيب على الشيخ وأكثروا من النزهات ولم يكن لهم قصد ولا مرام إلا تنفير الخواص والعوام فتلقى هذا المكي ما في كتبهم من المخرقة، وصريح الإفك والزندقة {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: من الآية112] ، فموه بها على الجهال والطغام وصادف قلوباً قد ملئت بالشرك وعداوة أهل الإسلام فكانوا لما يبديه من الأوضاع يصدقون، {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113] ، وقد تلقى هذه الأوضاع والأكاذيب من نمط هذا المعترض من له في عداوة هذا الدين أوفر حظ ونصيب، فأقام الله في نحره من انتصر لله ولرسوله ولأئمة المسلمين فأباد باطله وأدحض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حجته، وأبان الحق وأوضح محجته، وهو الإمام الفاضل الشيخ مُلا عمران فقال رحمه الله تعالى في ردّ أباطيل هذا الملحد المفترى. شعر: جاءت قصيدتهم تروح وتغتدي ... في سبّ دين الهاشميّ محمّد إلى أن قال: الشيخ شاهد بعض أهل جهالة ... يدعون أصحاب القبور الهمّد تاجاً وشمسان ومن ضاهاهما ... من قبة أو تربة أو مشهد يرجون منهم قربة وشفاعة ... ويؤملون كذاك أخذا باليد ورأى العبّاد القبور تقرّباً ... بالنذر والذبح الشنيع المفسد ما أنكر القرّاء والأشياخ ما ... شهد وأمن الأمر الذي لم يحمد بل جوّزوه وشاركوا في أكله ... من كان يذبح للقبور ويفتد فأتاهم الشيخ المشار إليه بالنـ ... ـصح المبين وبالكلام الجيّد يدعوهمو الله أن لا يعبدوا ... إلاّ المهيمن ذا الجلال السرمد فتنافروا عنه وقالوا ليس ذا ... إلا عجيب عندنا لم يعهد ما قاله أباؤنا أيضاً ولا ... أجدادنا أهل الحجى والسّودد إنا وجدنا جملة الأبا على ... هذا فنحن بما وجدنا نقتدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فالشيخ لما أن رأى ذا الشأن من ... أهل الزمان اشتد غير مقلد ناداهموا يا قوم كيف جعلتموا ... لله أندادا بغير تعددّ قالوا له بل إن قلبك مظلم ... لم تعتقد في صالح متعبد إلى أن قال: لو انصفوا لرأوا له فضلا على ... إظهار ما قد ضيعوه من اليد ودعوا له بالخير بعد مماته ... ليكافئوه على وفاق المرشد لكنهم قد عاندوا وتكبروا ... ومشوا على منهاج قوم حسّد ورموه بالبهتان والإفك الذي ... هم يعملون به ومنهم يبتدي كمقالهم هو للمتابع قاطع ... بدخول جنات وحور خرّد حاشى وكلاّ ليس هذا شأنه ... بل إنه يرجو بها الموحد قالوا له أشقى الورى مع كونه ... ينهى عن الأنداد للمتفرد وهموا يرون الشمس ظاهرة لهم ... لكن أعمى القلب ليس بمهتد قالوا له يا كافر يا فاجراً ... ما ضره قول العداة الحسد قالت قريش قبلهم للمصطفى ... ذا ساحر ذا كاهن ذا معتد قالوا يعم المسلمين جميعهم ... بالكفر قلنا ليس ذا بمؤكد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 بل كل من جعل العديل لربه ... ونهى فصد فذاك كالمتهود قالوا له غشاش أمة أحمد ... وهو النصيح بكل وجه يبتدي هل قال إلاّ وحّدوا ربّ السّما ... وذروا عبادة ما سوى المتفرد وتمسكوا بالسنة البيضاء ولا ... تتنطعوا بزيادة وتردّد هذا الذي جعلوه غشا وهو قد ... بعثت به الرسل الكرام لمن هدي من عهد آدم ثم نوح هكذا ... تترى إلى عهد النبي محمد وكذلك الخلفاء بعد نبيّهم ... والتابعون وكل حبر مهتد منهاجهم هذا عليه تمسكوا ... من كان مستنا بهم فليقتد عجبا لمن يتلو الكتاب ويدعى ... علم الحديث مسلسلا في المسند ويقول للتوحيد غشاً أن ذا ... خطر على من قال فليتشهد ويجدد الإسلام والإيمان معـ ... ـتر فابان الشيخ خير مجدّد ما ذنبه في الناس إلا أنه ... هدم القباب وتلك سيرة أحمد ما صح عهد ثقيف لما عاهدوا ... إلا بهدم اللات لو لم يعبد ما اللات إلا كان عبداً صالحاً ... لتّ السويق لطائف متعبد لما توفي عظموا لضريحه ... كصنيع عباد القبور النكد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 إذ كان حيا قادراً قاموا يا طـ ... ـعام له وبكسوة وتفقد وإذا توارى عنهموا في قبره ... وحديث أبي الهيّاج فيه كفاية جعلوه نداً للاله السيّد ... لذوي البصائر والعقول النقد في طمس تمثال وقبر مشرف ... جاء الحديث به الصحيح لمسند لما نفى الإطراء عنهم والغلو ... قالوا أتيت بذا الجفاء المبعد لو كان حبك للنبي محققا ... لفعلت فعلتنا لعلك تهتد أما الدلائل فهو لم ينكرها ... صلوات أزكى العالمين إلا مجد إلا التظاهر بالغلو وجعلها ... درسا يكرر في كتاب مفرد فترى لهم حرصاً على تجويدها ... حظّا وتذويقاً وحسن مجلّد لا يعتنون بمصحف لهمواكما ... هم يعتنون براتب وبمولد فلو اعتنى ربّ الدلائل بالذي ... يأتي عقيب تشهد المتشهد لكفاه كل مؤنة وتكلف ... ومشى على النهج القويم الأرشد سأل النبي من الصحابة سائل ... كيف الصلوات عليك كالمسترشد فأجاب يرشده إلى ما جاء في ... قول المصلي دبر كل تشهد لوّحت فيه ولم أصرح حيث لم ... يدخل على وزن القريض المنشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 هذا الكلام على الدلائل ليس ما ... قد قاله من شذّ عن ذا المقصد وكذاك في روض الرياحين التي ... فيها الغلو بصالح مُتعبّد والله قد ذمّ الغلو فقال يا ... أهل الكتاب بغلظة وتهدد إذ قال لا تغلوا بنهي لازم ... في دينكم في الحكم لم يتردّد وكذا الرسول نهى وأخبر أنه ... فيه الهلاك لراهب متعبّد عجباً لهم لو كان فيهم منصف ... لرأى المحبّ محمداً لمحمد من حيث إن الاتباع موافق ... للحب في نص الكتاب الأمجد قالوا صبأتم نحوه قلنا لهم ... الحق شمس للبصير المهتد ما بيننا نسب نميل به ولا ... حسب يقربنا له بتؤدد أيضاً ولا هو جارنا الأدنى الدني ... نمتار نعمته ولم نسترفد لكنها شمس الظهيرة قد بدت ... لذي والبصائر فاهتدى من يهتدي فإن اعتراكم في الذي قد قاله ... شك وريب واختلاف يبتدي فزنوا بميزان الشريعة قوله ... تجدوه حقاً ظاهراً للمقتد ولئن وجدتم جاء فيها أو فاسقاً ... أو جاهلا في العلم كالمتردد قد زل يوماً أو هفا لا تنسبوا ... هفواته لجناب ذاك المرشد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فالآل والأصحاب ماذا ضرهم ... من بعدهم تكدير صاف المورد من بعد ذاك الاجتماع على الهدى ... ظهروا ذووا فرق وأهل تبدد ماذا يضر السحب نبح الكلب أم ... ماذا يضر الصّحب سب الملحد ثم الصلاة على النبي محمد ... أزكى الورى أصلاً وأطيب محتد والآل والأصحاب جمعا كلما ... قد ذبّ عن ذا الدين كل موحد وقد اعترض هذا الملحدُ على الشيخ محمّد بن عبد الوهاب رحمه الله بنحو ممّا اعترض به هذا المكي وشنّع وعاوى، وحشر علماء السوء نادى، وقد أرهف هو وأخدانه أسنة المقال، والكل خاض في الإفك ونال، فأبوا بالخسران والإذلال، ولقد عرفوا أن الذي جاء به الحقّ ولكنهم لذلك كانوا يكتمون {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32] ، وكذلك قد عارضه من الغلاظ المارقين، ومن الدعاة إلى عبادة الأولياء والصالحين أناس من أهل وقته فباءوا بغضب الله ومقته، وأظهره الله عليهم بعد الامتحان، ,حقت كلمة ربك على أهل الكفر والطغيان، وهذه سنة الله التي قد خلت من قبل وحكمته إليّ يظهر بها ميزان الفضل والعدل فتتبع هذا المكي هذه الضلالات التي هي اللائقة بتلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الفهوم والقلوب المقفلات {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: من الآية8] ، والمؤمن إذا وقف على مالفقه هؤلاء من النزهات عرف قدر ما هو فيه من نعمة الإسلام وما اختص به من حلل الإيمان والكرامات، وازداد تعظيماً لربه وتمجيداً، وإخلاصاً في معاملته وتوحيداً لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم، فالقلب بين أصابع الرحمن، فلله الحمد والمنة حيث منّ علينا باجتناب طرائق هؤلاء الضّلال الحبارى، السّالكين مناهج الغيّ جهالة واغتراراً، ونسأله أن يثبتنا على دينه القويم، ويهدينا سلوك صراطه المستقيم. فصل: ويزيد هذا المقام إيضاحاً ليزداد به الموحد سروراً وانشرحاً بذكر شيء من سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونذكر طرفاً من أخباره وأحواله ليعلم الناظر فيه حقيقة أمره فلا يروج عليه تشنيع من استحوذ عليه الشيطان وأغراه وبالغ في كفره واستهواه، فنقول: قد عرف واشتهر واستفاض من أمره ودعوته وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته أنه على ما كان عليه السّلف الصالح وأئمة الفقه و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الفتوى في باب معرفة الله وإثبات صفات كماله ونعوت جلاله التي نطق بها الكتاب العزيز وصحّت بها الأخبار النبوية وتلقتها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالقبول والتسليم يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل وقد درج على هذا من بعدهم من التابعين وتابعيهم من أهل العلم والإيمان ويلف الأمة وأئمتها. وأمّا توحيد العبادة والإلهية فلا خلاف بين أهل الإسلام فيما قاله الشيخ وثبت عنه من المعتقد الذي دعا إليه يوضح ذلك أن أصل الإسلام وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله وهي أصل الإيمان بالله وحده وهي أفضل شعب الإيمان وهذا الأصل لا بد فيه من العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه كائناً من كان وهذا هو الحكمة التي خلقت لها الإنس والجن وأرسلت لها الرّسل وأنزلت بها الكتب وهي تتضمن كمال الذّل والحبّ وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم وهذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين فإنّ جميع الأنبياء على دين الإسلام وهو يتضمّن الاستسلام لله وحده فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته فالعبادة بجميع أنواعها لله تعالى لا شريك له فمن صرف منها شيئاً لغيره فقد أشرك مع الله غيره في عبادته، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: من الآية48] ، وقال: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: من الآية72] ، والشرك المراد بهذه الآيات ونحوها يدخل فيه شرك عبّاد القبور وعبّاد الأنبياء والملائكة والصالحين فإن هذا هو شرك جاهليّة العرب الذين بعث فيهم عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم فإنهم كانوا يدعونها ويلتجئون إليها ويسئلونها على وجه التوسل بجاهها وشفاعتها لتقربهم إلى الله زلفى كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} الآية [يونس: من الآية18] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: من الآية3] ، وقال: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الاحقاف:28] ، ومعلوم أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصّالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السموات والأرض أو استقلوا بشيء من التدبير والتأثير والإيجاد ولو في ذرة من الذرات وقد بيّن القرآن في غير موضع أن من المشركين من أشرك بالملائكة ومنهم من أشرك بالأنبياء والصالحين ومنهم من أشرك بالكواكب ومنهم من أشرك بالأصنام وقد ردّ عليهم جميعهم وكفّر كل أصنافهم كما قال تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80] ، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} الآية [التوبة:31] ، وقال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: من الآية172] ، ونحو ذلك في القرآن كثير وهذه العبادات التي صرفها المشركون لألهتهم هي أفعال العبد الصادرة منه كالحب والخضوع والإنابة والتوكل، والاستغاثة والاستعانة والدعاء والخوف والرجاء والنسك والتقوى والطواف ببيته رغبة ورجاء وتعلق القلوب والآمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بفيضه ومده وإحسانه وكرمه فهذه الأنواع أشرف أنواع العبادة وأجلها بل هي لب سائر الأعمال الإسلامية وخلاصتها وكل عمل يخلو منها فهو خداج مردود على صاحبه فمن صرف من هذه الأنواع شيئاً لغير الله من هؤلاء المشركين ممن يعبد الأوثان والصالحين، يحكم الشيخ وكل بأنهم مشركون ويرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية وما عدا هذا من الذنوب التي دونه في الرتبة والمفسدة لا يكفر بها، ولا يحكم على أحد من أهل القبلة الذين باينوا لعبّاد الأوثان والأصنام والقبور بمجرد ذنب ارتكبوه وعظيم جرم اجترموه، وغلاة الجهمية والقدرية والرافضة ونحوهم ممن كفّرهم السلف لا يخرج فيهم عن أقوال أئمة الهدى والفتوى من سلف هذه الأمة، ويبرأ إلى الله مما أتت الخوارج وقالته في أهل الذنوب من المسلمين وأما مسائل القدر والجبر والإرجاء والإمامة والتشيع ونحو ذلك من المقالات والنحل فهو أيضاً فيها على ماكان عليه السلف الصالح وأئمة الهدى والدين يبرأ مما قالته القدرية النفاة والقدرية المجبرة وما قالته المرجئة والرافضة وما عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 غلاة الشيعة والناصبة يوالي جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويكف عما شجر بينهم ويرى إنهم أحق الناس بالعفو عما يصدر منهم وأقرب الخلق إلى مغفرة الله وإحسانه لفضائلهم وسوابقهم وجهادهم ولي أيديهم من فتح القلوب بالعلم النافع والعمل الصالح فمحو آثار الشرك وعبادة الأولياء والنيران والأصنام والكواكب ونحو ذلك مما عبده جهال الأنام ويرى البراءة مما عليه الرافضة وإنهم سفهاء لئام ويرى أن أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر فعمر فعثمان فعلي رضي الله عنهم أجمعين، ويعتقد أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيّد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ويبرأ من رأى الجهمية القائلين بخلق القرآن ويحكي تكفيرهم عن جمهور السلف أهل العلم والإيمان ويبرأ من رأي الكلابية اتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب القائلين بان كلام الله هو المعنى القائم بنفس الباري وأن ما نزل به جبرئيل حكاية أو عبارة عن المعنى النفسي ويقول هذا من قول الجهمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وأول من قسم هذا التقسم هو ابن كلاب وأخذه عنه الأشعري وغيره كالقلانسي، ويخالف الجهمية في كل ما قالوه وابتدعوه في دين الله ولا يرى ما ابتدعه الصوفية من البدع والطرائق المخالفة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسنته في العبادات والخلوات والأذكار المخالف للمشروع ولا يرى ترك السنن والأخبار النبوية لرأي فقيه ومذهب عالم خالف ذلك باجتهاده بل السنة أجل في صدره وأعظم عنده من أن تترك لقول أحد كائنا من كان قال عمر بن عبد العزيز: "لا رأي لأحد مع سنة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلّم" نعم عند الضرورة وعدم الأهلية والمعرفة بالسنن والأخبار وقواعد الاستنباط والاستظهار يصار إلى التقليد لا مطلقاً بل فيما يتعسر ويخفى ولا يرى إيجاب ما قاله المجتهد لا بدليل تقوم به الحجة من الكتاب والسنة خلافاً لغلاة المقلدين ويوالي الأئمة الأربعة ويرى فضلهم وإمامتهم وأنهم من الفضل والفضائل في غاية ورتبة يقصر عنها المتطاول ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 من أهل الحديث والفقه والتفسير وأهل الزهد والعبادة ويرى المنع من الانفراد عن أئمة الدين من السلف الماضين برأي مبتدع أو قول مخترع فلا يحدث في الدين ما ليس له أصل يتبع وما ليس من أقوال أهل العلم والأثر، ويؤمن بما نطق به الكتاب وصحت به الأخبار وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وإعراضهم ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع وأهدره الرسول ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى وقال: ما ليس له به علم ويسجزيه الله وما وعد به أمثاله من المفترين. فهذا اعتقاد الشيخ إذ كنت جاهلاً ... بأحواله بل قلت زورا ومأثما ولم تتحقق أو علمت وإنما ... دعاك إلى ما قلته البغي والعما فلم تبصر الشمس المنيرة في الضحى ... وأعشاك منها ضوؤها إذ تبسما فحدّق بعين القلب فيما مفكرا ... وأنصف بحكم العدل إن كنت مسلما فإن كان هذا أصل كل ضلالة ... وكل فساد في الورى قد تجهّما وليس هو الدّين الحنيفي والهدى ... وكان لدى هذا ابتداعا ومأثما وليس اعتقاد الأئمة كلهم ... وأخرهم فيه قفا من تقدما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فقد خاب مسعى كل حبر وجهبذ ... وقد سلكوا نهجاً من الغي مظلماً وكان هو الآتي بكل فضيلة ... وأصحابه أهل الضلالة والعما وعباد عبد القادر الحبر ذي النهى ... وما في المعلى حيث من كان يرتما ويقصد بالأمر المحرم فعله ... من الكفر والشرك الذي كان أظلما وقبر ابن علوان الذي شاع ذكره ... كذا البُرعي والزيلعي إذ يعظما وقبر ابن عباس وحوّى وزبيب ... وقبر علي والحسين وكلّما على ظهرها من معبد لذوي الرّدى ... ومشهد كفرغيّه قد تعظما لئن كان أصحاب الحديث ومن على ... طريقتهم جاءوا ضلاللا محرما وكانوا على غير الهدى لاتباعهم ... من الدين والتوحيد ما كان أقوما وكان وعباد القبور على الهدى ... يقينا ولمايا لقواقط مأثما فقد هزلت واخلولق الدين وانمحت ... معالمه بين الورى إذ تهدّما فيا منصفا بالله أية عصبة ... على الدين والتوحيد إن كنت مسلما فكن حاكما بالحق لا متعصبا ... ولم من أتى ظلما وإفكا محرماً أم اتخذ الأنداد لله جهرة ... يحب كحب الله عبدا معظّماً ويدعوه في كشف الملمات أن عرت ... وتفريحه كربا أضروا لما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وجبر مهوض وانتصار على العدى ... وعزّ وإسعاف على كل من رما ويرجوه في جلب المنافع جملة ... ويقصده فيما أهمّ وأسئما ويطلب منه الغوث بل يستعينه ... إذا فادح الخطب أدلهمّ واجهما ويخشاه بل ينقاد بالذل رهبة ... ومستصغرا بل مستكينا مسلما ينيب إلى من ليس يملك ذرة ... ويرغب في مأمول ما منه يرتما وقد كان فيما نابه متوكلا ... عليه وينسى فاطر الأرض والسّما ويخضع منقادا له متذللا ... ومستسلما هذا هو الكفر والعما ويهرع بالمنذور والذبح لاجيا ... إليه بما ادّى وأبدى وعظما أهذا أم العبد الذي ليس خائفا ... ولا راجيا إلا إلها معظّما مليكا عظيما قادرا متفردا ... معاذا ملاذا للعباد ومعصما ويعلم أن الله لا ربّ غيره ... هو الخالق الرّزاق بل كان منعما فأفعاله سبحانه وبحمده ... تفرد عن ند بها وتعظما فليس له فيها شريك ولا له ... مثيل فيدعى أو نديد فيرتما كذلك لا يدعى ويلجى ويرتجا ... لكشف ملم أو مهمّ تفخما سواه فأنواع العبادة كلها ... بأفعالنا لله قصدا تحتما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فأيهما أولى وأهدى طريقة ... وأيهما باللوم قد كان ألوما أهذا الذي أدى العبادات كلها ... بأنواعها لله حقا معظما أم المشركون الجاعلون لربهم ... عديلا فأنصف أيّنا كان أظلما وقد كان فيما قد تقدم عبرة ... لمن كان ذا قلب وقد كان مسلما بأخبار أحبار ثقات أئمة ... عن الشرك في الأقطار والظلم والعما وفي نجدنا من ذاك ما مر ذكره ... وفي كل قطر منهل الكفر قد طما فأظهر مولانا بفضل ورحمة ... وجود وإحسان إماما مفهّما تقيا تقيا المعيا مهذبا ... نبيلا جليلا بالهدى قد ترسما تبحر في كل الفنون فلم يكن ... يشق له فيها غبار ولن وما وسبّاق غايات وطلاع انجد ... وبحر خضم أن طلاطم أوطما فأطد للتوحيد ركنا مشيّداً ... وأرشد حيرانا لذاك وعلّما وحذّر عن نهج الرّدى كل مسلم ... وهدّ من الإشراك ما كان قد سما وجادله الأحبار فيما أتى به ... وكل امرء منهم لدى الحق أحجما والزم كلا عجزه فتألبوا ... عليه وعادوه عنادا ومأثما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 فلم يخش في الرحمن لومة لائم ... ولا صده كيد من القوم قد طما وكل امر أبدى العداوة جاهداً ... وبالكفر والتجهيل والبهت قدرما فأظهره المولى على كل من بغى ... عليه وعاداه فما نال مغنما وكيف وقد أبدى نوابغ جهلهم ... فكم مقول منهم تحدّى فأبكما والقمه بالحق والصدق صخرة ... وكان إذا لاقي العداة عثمثما وقد رفع المولى به رتبة الهدى ... بوقت به الكفر ادلهم واجهما فزالت مباني الشرك بالدين وانمحت ... وفل حسام كان بالكفر لهذما وحالت مغاني الغي واللهو والهوى ... فإشراق نور الحق لما تبسّما فيا أيها المكيّ اقصر فإنما ... قصاراك أن تلقى الكماة فتندما فكم من أخي جهل أتى من شقائه ... ليبني من الكفران ركنا مهدما وعاث سفاها في ذوي الدين والهدى ... وكان بما أبدى جريّا عشمشما ففودر مجد ولا على أم رأسه ... وقد خاب مسعاه وما نال مغنما كنجل ابن جرجيس ودحلان إذ هما ... قد اقترحا كذبا وإفكا محرما فمن رام خذلانا لدين محمد ... وناصره نال الشقاء المحتّما سنسقيه بالبرهان كأساً روية ... إذا ما تحسّاها سماما وعلقما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فللدين أنصار حماة تجردوا ... وقد فوقوا نحو المعادين أسهما وقد خلت أن الربع أقفر منهموا ... فأجريت أقلاما من الجهل والعما برد عيييّ سامج لا يقوله ... ويحكيه إلا من يكون مبرسما أو الأحمق المسلوب لبة عقله ... ولو كان ذا عقل إذا ما تكلما ولكنه من غيّه وغبائه ... بثبج خُداريّ من الجهل قد ظما فصل في ذكر شيء من كلام الشيخ في رسائله ودعوته إلى الله التي سماها هذا المكي أصل كل ضلال وفساد، فتأمل ما ذكر الشيخ رحمه الله بعين البصيرة والأنصاف، وإياك ورد ما فيه قبل التأمل بالجهل والاعتساف لما منّ به أهل الضلال والشقاق والخلاف، فقد وضعوا من الأكاذيب والهذيان ما تنفر عنه صبيان العقول من عبدة القبور والأوثان، وتشمئز منه نفوس أهل الغي والطغيان وتراهم عند سماع ذكر الوهابية كالحمرة المستنفرة بلا أرسان ويفزعون منهم كالغيل حين يقال للصبيان فتأمله بشراشر قلبك وسرج ثاقب فكرك في غور معانيه، وفصاحته ورصانة مباينة، قال رحمه الله تعالى في رسالة له المسألة الأولى إن الله خلقنا وصورنا و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 لم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولا معه كتاب من ربنا فمن أطاعه فهو في الجنة ومن عصاه فهو في النار والدليل على ذلك قوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ} الآية [المزمل:15] وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء:13] والآية بعدها. الثانية: أن الله سبحانه ما خلق الخلق إلا لعبادته وحده مخلصين له الدين والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذريات:56] ، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة: من الآية5] . الثالثة: إنه إذا دخل المشرك في العبادة بطلت ولم تقبل وأن كل ذنب يرجى له العفو إلا الشرك والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الآية [الزمر:65] ، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: من الآية72] . ومن أنواع هذا الشرك أن يعتقد الإنسان في غير الله من نجم أو إنسان نبيّاً كان أو صالحاً أو كاهنا أو ساحراً أو نباتاً أو شيطاناً أو غير ذلك أنه يقدر بذاته على جلب منفعة لمن دعاه واستغاث به أو دفع مضرة، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} الآية [فاطر:2] ، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: من الآية107] ، فإذا ثبت في القلب أنه عز وجل بهذه الصفات فوجب أن لا يستغاث إلا به ولا يستعان إلا به، ولا يدعى إلا هو ولا يخاف ولا يرجى إلا هو، ولذلك قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا} [التوبة: من الآية51] ، وقال تعالى توبيخاً لأهل الكتاب الذين يستغيثون بعيسى وأمه وعزير عليهم السلام لما أنزل الله عليهم القحط والجدب: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} الآية [الاسراء:56] ، وقال تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} الآية [الكهف:110] ، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية [لأعراف:188] . ومن أنواع هذا الشرك: التوكل، والصلاة، والنذر، والذبح لغير الله فقد قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: من الآية123] ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: من الآية58] ، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: من الآية23] ، وقال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلى قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:3] ، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] ، وقال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] . ومن أنواع هذا الشرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله واعتقاد ذلك، فقد قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [التوبة:31] ، فقال عدي بن حاتم: "يا رسول الله ما عبدوهم، قال: بلى أما حرموا عليهم الحلال فأطاعوهم؟ قال: بلى، قال: أما حللوا عليهم الحرام فأطاعوهم؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم". وأحبارهم ورهبانهم علماؤهم وعبادهم وذلك أنهم اتخذوهم أربابا وهم لا يعتقدون ربوبيتهم بل يقولون ربّنا ربهم الله لكن أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله وجعل الله ذلك عبادة فمن أطاع إنساناً عالماً أو عابداً أو غيره في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله واعتقد ذلك بقلبه فقد اتخذه ربا كالذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، ومن ذلك أن نفراً من المشركين قالوا يا محمد الميتة من قتلها؟ قال: الله، قالوا: كيف تجعل قتلك أنت وأصحابك حلالاً، وقتل الله حراماً؟ فأنزل الله قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى قوله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121] . ومن أنواع هذا الشرك العكوف على قبور المشهورين بالنبوة والصحبة، والولاية لأنّ الناس يعرفون الرجل الصالح وبركته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ودعائه فيعكفون على قبره ويقصد وأن ذلك فتارة يسألونه وتارة يسألون الله عند قبره وتارة يصلون ويدعون الله عند قبره ولما كان هذا مبدأ الشرك سدّ النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الباب ففي الصحيحين: أنه قال: في مرض موته: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا" قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره لكن كره أن يتخذ مسجداً وقال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا عليّ حيث ما كنتم فإن صلواتكم تبلغني"، وقال صلى الله عليه وسلّم: "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج"، وقال في الموطأ عنه صلى الله عليه وسلّم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"، وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه، قال: "بعثني رسول الله أن لا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته"، فأمر بطمس التماثيل من الصورة الممثلة على صورة الميت، والتمثال الشاخص المشرف فوق قبره فإن الشرك يحصل بهذا وبهذا، وبلغ عمر رضي الله عنه أن قوما يذهبون إلى الشجرة التي بايع النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه تحتها فأمر بقطعها وأرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 إليه أبو موسى أنه ظهر بتستر قبر دانيال وعنده صحيفة فيه أخبار ما سيكون، وفيه أخبار المسلمين ,انهم إذا جدبوا كشفوا عن القبر فمطروا، فأرسل إليه عمر يأمره أن يحفر في النهار ثلاثة عشر قبرا ويدفنه بالليل في واحد منها لئلا يعرفه الناس فيفتتنون به". واتخاذ القبور مساجد مما حرم الله ورسوله وإن لم يبن عليها مسجداً، ولما كان اتخاذ القبور مساجد وبناء المساجد عليها محرما لم يكن من ذلك شيء على عهد الصحابة والتابعين، وكان الخليل عليه السلام في المغارة التي دفن فيها وهي مسدودة لا أحد يدخلها ولا تشدّ الصحابة الرحال لا له ولا إلي غيره من المقابر، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلّم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا". وكان من يأتي منهم إلى المسجد الأقصى يصلون فيه ثم يرجعون لايأتون مغارة الخليل ولا غيرها، وكانت مسدودة حتى استولى النصارى على الشام في أواخر المائة الرابعة ففتحوا البلاد وجعلوا ذلك مكان كنيسة، ولما فتح المسلمون البلاد اتخذه بعض الناس مسجداً، وأهل العلم ينكرون ذلك. وهذه البقاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وأمثالها لم يكن السابقون الأولون يقصدونها ولا يزورنها فإنها محل الشرك ولهذا توجد فيه الشياطين كثيراً، وقد رآهم غير واحد على صورة الإنسان ويقولون لهم رجال الغيب يظنون أنهم رجال من الإنس غائبون عن الأبصار، وإنما هم جن والجن رجال، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] ، وما أحدث في الإسلام من المساجد على القبور هو من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام وما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلّم من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله وحده وسدّ أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان ولهذا يوجد من كان أبعد عن التوحيد والإخلاص ومعرفة الإسلام أكثر تعظيماً لمواضع الشرك، فالعارفون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحديثه أولى بالتوحيد والإخلاص وأهل الجهل بذلك أقرب للشرك والبدء ثم ذكر كلاماً طويلاً، وقال في رسالته إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف، وأمّا ما ذكر لكم عني فإني لم آته بجهالة بل أقول ولله الحمد وله المنة وبه القوة {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:161] ، ولستُ لله الحمد ادعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو أمام من الأئمة الذين أعظمهم مثل ابن القيم أو الذهبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أو ابن كثير أو غيرهم بل ادعوا إلى الله وحده لا شريك له وادعوا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي وصّى بها أول أمّته وآخرهم وأرجو أني لا أرد الحق إذا تأنى بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه أن أتاني منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه لا يقول إلا الحقّ. ومن رسالته لعبد الله بن سحيم قال: ولا يخفى أن المسائل التي ذكرتم أنها بلغتكم في كتاب من العارض جملتها أربعة وعشرون مسألة بعضها حق وبعضها بهتان وكذب وقبل الكلام فيها لا بد من تقديم أصل وذلك أن أهل العلم إذا اختلفوا والجهال إذا تنازعوا ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة هل الواجب اتباع أمر الله ورسوله وأهل العلم أو والواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم، وإنما ذكرت هذا ولو كان واضحاً لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هي موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم الحنابلة وغيرهم، ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها فأنكرها على من أنكرها لأجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 مخالفة العادة وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عياناً وأقروا بها وشهدوا أن كلامي هو الحق لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية [البقرة: من الآية89] وهذا هو ما نحن فيه بعينه فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، وقد بينت له ذلك فأقر به وعندنا كتب يده في رسائل متعددة أنّ هذا هو الحق وأقام على ذلك سنين لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغي أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله: إذا كان هذا هو الحق فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة شمسان وأمثاله فتعذروا أنكم ما سألتمونا قالوا وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة وأن فيه شرفاً لغيرهم، قال: وإذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله: إني مبطل كتب المذاهب، وقوله: إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وقوله: إني أقول: أن اختلاف العلماء نقمة، وقوله أني أكفر من توسل بالصالحين، وقوله: إني أكفّر البوصيريّ، لقوله: يا أكرم الخلق، وقوله: أني أقول: لو أقدر على هدم حجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 الرسول لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزابان من خشب، قوله أني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، وقوله: إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وأني أكفر من يحلف بغير الله، فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: من الآية16] ، ولكن قبله من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين تشابهت قلوبهم وبهتوه بأنه يزعم أن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الانبياء:101] . وأما المسائل الأخر وهي أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، ومنها أني أُعرِّف من يأتيني بمعناها، ومنها أني أقول: لا إله إلا هو الذي فيه السر، ومنه تكفير الناذر إذا أراد به التقرب لغير الله وأخذ النذر لذلك، ومنها أن الذبح للجن كفر، والذبيحة حرام ولو سمّى الله عليها إذا ذبحها للجن، فهذه خمس مسائل كلها حق وأنا قلتها ونبدأ الكلام عليها لأنها أم المسائل وقبل ذلك أذكر معنى لا إله إلا الله، فنقول: التوحيد نوعان: توحيد الربوبية، وهو أن الله سبحانه منفرد بالخلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، وهذا حق لا بد منه، لكن لا يدخل الرجل في الإسلام؛ لأنّ أكثر الناس مقرون به، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} إلى قوله: {أَفَلا تَتَّقُونَ} [يونس:31] ، والذي يدخل الرجل في الإسلام هو توحيد الألوهية، وهو أن لا يعبد إلا الله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث والجاهلية يعبدون أشياء مع الله فمنهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعو عيسى، ومنهم من يدعو الملائكة فنهاهم عن هذا وأخبرهم أن الله أرسله ليوحد ولا يدعى من دونه لا الملائكة ولا الأنبياء فمن تبعه ووحد الله فهو الذي شهد أن لا إله إلا الله، ومن عصاه ودعا عيسى والملائكة واستنصرهم والتجأ إليهم فهو الذي جحد لا إله إلا الله مع إقراره إنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، وهذه جملة لها سبط طويل لكن الحاصل أن هذا مجمع بين العلماء، ثم تكلم رحمه الله تعالى على بقية المسائل الخمس، وذكر ما عليه أهل التحقيق من أهل المذاهب الأربعة، وقال في الرسالة التي أرسلها إلى عبد الرحمن بن عبد الله السويدي بعد أن ذكر أن الأعداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أجلبوا علينا بخيل الشيطان بأشياء قال: ومنها إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلاً عن أن يفتريه منها ما ذكرتم أنى أكفر جميع الناس إلا من اتبعني وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ويا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون وكذلك قولهم أنه يقول لو أقدر أهدم قبة النبي صلى الله عليه وسلّم لهدمتها وأما دلائل الخيرات فله سبب وذلك إني أشرت على من قبل نصيحتي من إخواني أن لا يصير في قلبه أجل من كتاب الله ويظن أن القراءة فيه أجل من قراءة القرآن وأما إحراقه والنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بأيّ لفظ كان فهذا من البهتان والحاصل أن ما ذكر عنا من الأسباب غير دعوة الناس إلى التوحيد والنهي عن الشرك فكله من البهتان، وقال رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الوهاب إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام نصر الله بهم سيد الأنام وتابعي الأئمة الأعلام: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد جرى علينا من الفتنة، ما بلغكم وبلغ غيركم وسببه هدم بنيان في أرضنا على قبور الصالحين فلما كبر هذا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 العامة لظنهم أنه تنقيص للصالحين ومع هذا نهينا عن دعوة الصالحين وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البنيان على القبور كَبُر على العامة جداً وعاضدهم بعض من يدعى العلم ولأسباب آخر لا تخفى على مثلكم أعظمها اتباع هوى العوام ورفعوا الأمر إلى المشرف والمغرب، وذكروا عنا أشياء يستحيي العاقل من ذكرها وأنا أخبركم بما نحن عليه خبرا لا أستطيع أن أكذب فيه بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبم عند الخاص والعام فنحن ولله الحمد متبعون غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وحتى أن من البهتان الذي أشاع الأعداء عني أني ادعي الاجتهاد ولا أتبع الأئمة، فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور والأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه وتعلمون أعزكم الله أن المطاع في كثير من البلدان لو تبين بالعمل بهاتين المسألتين أنها تكبر على العامة الذين درجو هم وأباؤهم على ضد ذلك فإن كان الأمر كذلك فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة المشرفة شرفها الله مثل الإقناع وغاية المنتهى والإنصاف الذي عليه اعتماد المتأخرين وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 عند الحنابلة كالتحفة والنهاية عند الشافعية وهم ذكروا في باب الجنائز هدم البناء على القبور واستدلوا عليه بما في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعثه فهدم القبور المشرفة وأنه هدمها واستدلوا على وجوب إخلاص الدعوة لله والنهي عما اشتهر في زمانهم من دعاء الأموات بأدلة كثيرة وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك، فإن كانت المسألة إجماعا فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عدل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه. قال: وبالجملة هذا ما نحن عليه وأنتم تعلمون أن من هو أجلّ منا لو تبين في هذه المسائل قامت عليه القيامة وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم أني على دين الله ورسوله، وأني متبع لأهل العلم وما غاب عني من الحق وأخطأت فيه فبينوه لي وأشهد الله أني أقبله على الرأس والعين والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. ومن كلامه رحمه الله تعالى: هذه مسائل مهمة يحتاج إليها من أحب نفسه ولا قوة إلا بالله. الأولى: أن محمداً صلى الله عليه وسلّم جاءنا بالبينات والهدى من عند ربنا ليخرج الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 من الظلمات إلى النور بشيراً ونذيراً فأول ما أنزل عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر:2] أراد الإنذار عن الشرك هذا قبل الإنذار عن الزنا والسرقة وعن نكاح الأمهات، فمن أقرّ بهذا وعرف ما عليه أكثر الناس من المشرق إلى المغرب رأى العجب وفهم المسألة غير فهمه الأول. الثانية: أنه لما هدم هذا وأنذرهم عنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو التوحيد الذي قال الله فيه {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:3] أي عظّم بالإخلاص، وليس المراد بتكبير الأذان والصلوات فإنه لم يشرع عند نزول الآية، فمن عرف هذه وبشر نفسه بها وعرف ما عليه غالب أهل الأرض عرف قدر المسألة. الثالثة: المعرفة بالضرورة أنه الله بعثه ليصدق ويتبع لا ليكذب ويعصى، وأما من أقرّ بالمسألتين ثم صرّح أن من اتبعه في التوحيد وصدقه في النذارة وأطاعه وانتذر خرج من دينه وحل دمه وماله فهذا مع كونه أبلغ من الجنون فهو من أعظم آيات الله وعجائب قدرته على تقليبه للقلوب كيف يجتمع في قلب رجل يشهد أن التوحيد هو دين الله ويعاديه ويشهد أن الشرك هو الكفر ويواليه ويذب عن أهله باللسان و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 والسنان والمال. وهذا آخر ما أردنا إيراده من كلامه في رسائله ودعوته إلى الله ليعلم الموحد المنصف حقيقة ما كان عليه الشيخ رحمه الله، ولا يلتبس الأمر عليه لشناعة من شنع من أعداء الله ورسوله الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين وهذا هو الأصل الذي يزعم هذا المعترض الجاهل أنه أصل كل ضلال وفساد، فالله المستعان. فلما أظهر الله هذا الدين على يديه ورفع الله له به المراتب وشاع جميل ذكره في المشارق والمغارب، وتبدى لأهل الدين كواكب سعد منيرة الإشراق، وظهر دين الله في جميع الأقطار والآفاق، وكثر على ذلك صحبه وجمعه وزاد إعلانه بالتوحيد وصدعه، شرق بهذا الدين من نشأوا على تلك العادات، وصرفوا ما لله من العبادات للمعبودات وانقطعت عنهم بهذه الدعوة الإسلامية المآكل والرياسات فعدلوا إلى إشاعة ما لفقوه من الشناعات، وما زخرفوه من الأكاذيب والتمويهات، وإنما حملهم على ذلك الحسد المحرم المذموم، حيث صار كل منهم لما أمله محروم، وبالخزي والمذلة موسوم، كما قيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسداً وبغياً إنه لذميم وقد شرح الله صدور كثير من العلماء لدعوته وسروا واستبشروا بطلعته وأثنوا عليه نثراً ونظماً فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء محمد ابن الأمير في أبيات له، قال فيها: قفي واسألي عن عالم حل سوحها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشد محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي لقد أنكرت كل الطوائف قوله ... بلا صدر في الحق منهم ولا ورد وما كل قول بالقبول مقابل ... ولا كل قول واجب الرد والطرد سوى ما أتى عن ربنا ورسوله ... فذلك قول جل قدرا عن الرد وأما أقاويل الرجال فإنها ... تدور على قدر الأدلة في النقد وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشارع الشريف بما يبدي وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي ويعمر أركان الشريعة هادما ... مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث وود بئس ذلك من ودّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصمد الفرد وكم عفروا في سوحها من عقيرة ... أهلت لغير الله جهر أعلى عمد وكم طائف حول القبور مقبل ... ومستلم الأركان منهن باليد وقال الشيخ الإمام عالم الأحساء أبو بكر حسين بن غنام في أبيات له: لقد رفع المولى به رتبة الهدى ... بوقت به يعلى الضلال ويرفع سقاه نمير الفهم مولاه فارتوى ... وعام بتيار المعارف يقطع فأحيا به التوحيد بعد اندراسه ... وأوهى به من مطلع الشرك مهيع سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها ... سواه ولا حاذى فناها سميدع وشمر في منهاج سنة أحمد ... يشيد ويحيى ما تعفّى ويرفع يناظر بالآيات والسنة التي ... أمرنا إليها في التنازع نرجع فاضحت به السمحاء يبسم ثغرها ... وأمسى محياها يضيئ ويلمع وعاد به نهج الغواية طامساً ... وقد كان مسلوكاً به الناس تربع وجرت به نجد ذيول افتخارها ... وحق لها بالألمعيّ ترفع فأثاره فيها سوام سوافر ... وأنواره فيها تضيئ وتلمع ولنقتصر في بيان أصل ظهور هذه الدعوة وحقيقة ما كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على هذا المقدار من الإيجاز والاختصار، ومن أراد الوقوف على استيفاء هذا المقام فعليه بمطالعة روضة الأفكار والأفهام للشيخ الإمام أبي بكر حسين بن غنام رحمه الله تعالى. فصل: قال المعترض بعد ذكره أن الأصل الأصيل لهذا الفساد الذي عم البلاد والعباد هو الشيخ ابن تيمية، قال: ولا أطيل في وصفه وحاله بل اقتصر على ملخص ما ذكره العلامة شهاب الدين الشيخ ابن حجر الهيثمي ثم ذكر كلاما بارداً حاصله أن شيخ الإسلام ابن تيمية مقالاته زائغة خارجة عن قانون الشريعة وأنه لا يليق ممن يدعى العلم ويطلب نصرة الدين والشريعة أن يقتدى ويقلد من هذا حاله يعني شيخ الإسلام ثم ذكر كلام الهيثمي. والجواب أن هذا الرجل ممن أعمى الله بصيرته وأضله على علم وقد انقدحت في قلبه الشبهات وصادفت قلباً خالياً فهو لا يقبل إلا ما لفق من الترهات وما فاض من غيض ذوي الحسد والحقد والتمويهات بما لا يجدي عند ذوي العقول السليمة والألباب الزاكية المستقيمة، وما نقم عليه هؤلاء إلا إنّ الله تعالى اطلع شمس سعده في سماء الهداية وفاق بما أعطاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الله تعالى على أقرانه بالرواية والدراية فحسدوه إذ لم ينالوا سعيه كما قيل. حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم وقد عرف من كان له معرفة وعلم أن كلام هؤلاء وبهتم مما يدل على فضله وجلالته وهيبته وفطانته وذلك مما يزيده الله به رفعة وشرفاً في الدنيا والآخرة ويوجب إن شاء الله حسن العاقبة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11] . وقد قال رحمه الله تعالى: لو لم تكن لي في القلوب مهابة ... لم تكدح الأعداء فيّ وتقدح كالليث لمّا هيب خطله الربي ... وعوت لهيبته الكلاب النبح يرمونني شرز العيون لأنني ... غلت في طلب العلى وتصبح وقد كفانا من تقدم من أهل العلم في رد ما قاله ابن حجر وتهجيفه وبيان ما حمله على ذلك وسوف يلتقيان عند الله وكذلك ما قاله غيره من امتثاله من معاصريه فلا نطيل بذكر ذلك لكن نذكر من كلام أهل العلم أنموذجاً يعرف به كذب هولاء المتهوكين المتعمقين الرامين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 البراء بما هم منه بريئون وأنه رحمه الله تعالى بالمحل المحوط والمقام المغبوط، وأن من ذكره بالتحقيق والعلم والديانة، اعلم وأورع وأفضل ممن عثاني عرضه بالكذب وشأنه، وإذا كان ذلك كذلك تبين لك بطلان ما اعتمد عليه هذا المعترض وأنه حاطم سيل وحاطب ليل ولذلك لم يسلك في شيخ الإسلام طريق العدل والإنصاف بل سلك طريق أهل التعصب لأهل الباطل والاختلاف ولو كان له نصيب من عقل ودين وإنصاف لكان الواجب عليه تكذيب ذلك القيل المنسوب إليه إذ غالبها من الموضوعات عليه، قال تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:12] ، وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16] ، وهذا وإن كان قد نزل في شأن أم المؤمنين لما قال فيها أهل الإفك ما قالوا فإن حكمه عام في جميع المؤمنين كما دل عليه قوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} ، ولهذا شرع جلد القاذف وصار باب القذف وحده بابا عظيماً من أبواب الشريعة وكان سببه قصة أمّ المؤمنين فإنه ما نزل بها أمر تكرهه إلا جعل الله فيه للمؤمنين فرجا ومخرجا و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 والله الذي لا إله إلا هو أن شيخ الإسلام أخشى لله واتقى لله من أن يقول على الله وعلى رسوله وفي دين الله ما نسبه إليه هؤلاء الوضّاعون المفترون مما خالف الكتاب والسنة ودرج عليه سلف الأمة وأن تكون طريقته زائغة أو عن الحق رائقة فإن طريقته ولله الحمد والمنة اتباع الحق المحض ومعرفة مقادير جميع طوائف الأمة، وتعظيم من يستحق التعظيم من جميعهم ورد الباطل على كل من جاء به فهو رحمه الله تعالى ملتزم ما أمر الله به من الوصايا العشر التي أنزلها في سورة الأنعام وجمع فيها أصول الشريعة حيث يقول سبحانه: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: من الآية152] ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: من الآية8] ، فإذا كان الله قد أمر المؤمنين أن لا يحملنهم بغض قوم على ترك العدل وهم إنما كانوا يبغضون الكفار فكيف بمن يتكلم فيمن علم الخاص والعام من أهل السنة إمامته وعدالته وجهاده في الله حق جهاده وذبه عن السنة وتمحيضها عن شوائب الشرك والبدع والأهواء ويعترض عليه بغير إنصاف وعدل بل بالجور والظلم والعدوان وقد قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [الأحزاب:58] ، وقد علم الخاص والعام واشتهر من عدله وإنصافه أن ليس عنده في مسائل الفروع ميل إلا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة وإذا ذكر المسألة فإنه يذكر فيها مقالات الأئمة الأربعة وأصحابهم وغير أصحابهم ممن بعدهم أو قبلهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ويذكر دليل كل قول وتقرير على وجه لا يكاد يوجد في الكتب المصنفة لهم فكيف في مسائل أصول الدين التي ليس بين الأئمة في مسائلها المشهورة خلاف وإنما يخالف فيها أهل الأهواء والبدع وهو من أعرف خلق الله بمذاهب أهل الأهواء ووقت حدوثها إذا تحققت ذلك فكل المسائل التي ذكرها هذا المعترض عن ابن حجر قد تكلم عليها شيخ الإسلام بالعدل والإنصاف وذكر أقوال الناس فيها وحقق ما سلكه أهل التحقيق من أهل العلم في ذلك ورد ما خالف الكتاب والسنة وما انفرد رحمه الله في قول قاله عن أهل السنة المحضة بل كل مسألة يذكر المخالف أنه ما قلها أحد قبله قد ذكر من قال بها من السّلف وأهل التحقيق من أهل العلم فرحمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الله تعالى وعفى عنه، قال الإمام الذهبي في معجم شيوخه هو شيخنا وشيخ الإسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويراً إلهياً، وكرما ونصحاً للأمّة وأمر بالمعروف ونهياً عن المنكر سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته، وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقائق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الإشكال ميّال واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث مع شدة استحضاره له وقت الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين وأتقن العربية أصولاً وفروعاً ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم وبنه على خطئهم وحذر منهم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذي في الله تعالى من المخالفين وأخيف في نصر السنة المحفوظة حتى أعلى الله تعالى مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعداءه وهدى به رجالاً كثيرة من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 على الانقياد له غالباً وعلى طاعته وأحيي به الشام بل الإسلام بعد أن كاد ينثلم خصوصاً في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام إني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى هو مثل نفسه لما حنثت" انتهى. فانظر إلى ما قاله هذا الإمام من أنّ الله أحيي به الشام بل الإسلام وأن الله جمع قلوب أهل التقوى على محبته والد عاله وأنه أكبر من أن ينبه الذهبي على سيرته، ثم انظر إلى ما قاله المكي وما نقله عن ابن حجر وما قاله عن علوي نقلاً عن الذهبي، فالله المستعان. وقال الحافظ العماد بن كثير رحمه الله تعالى في رجب سنة 704 سبعمائة وأربع راح الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى مسجد التاريخ وأمر أصحابه وتلامذته بقطع صخرة كانت هناك بنهر فلوحا تزار وينذر لها فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها فأراح من المسلمين شبهة كان شرها عظيماً وبهذا وأمثاله أبرزوا له العداوة وكذلك بكلامه في ابن عربي وأتباعه فحسد وعودي ومع هذا لا تأخذه في الله لومة لائم ولم يبال بمن عاداه ولم يصلوا إليه بمكروه وأكثر ما نالوا منه الحبس مع أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام ولم يتوجه لهم عليه ما يشين وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه كما سيأتي إن شاء الله انتهى، فانظر إلى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله أنه إنما حسد وعودي لأجل إزالة معابد الشرك والكلام في ابن عربي. وقال ابن الوردي في تاريخه ـ وقد عاصره ورآه وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الإحاطة لله تعالى غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي وأما التفسير فسلم له قال وله الباع الطويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين: قل أن يتكلم في مسألة ألا ويذكر فيها مذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معرفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة وبقي سنين يفتى بما قام الدليل عنده، ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية، وكان دائم الابتهال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 كثير الاستغاثة قوى التوكل ثابت الجاش له أوراد وأذكار يديمها لا يداهن ولا يحابي محبوبا عند العلماء والصلحاء والأمراء والتجار والكبراء" انتهى ملخصاً فانظر إلى ما قاله ابن الوردي وقد عاصره ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية وهذا المعترض الجاهل وأضرابه يقولون أنه قد تحقق ضلاله وخروجه عن قواعد الشريعة فبعداً للقوم الظالمين. وقال العلامة الشيخ عماد الدين الواسطي رحمه الله في حقه بعد ثناء طويل جميل ما لفظه: "فوالله ثم والله لم يُر تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماً وعملاً وحالا وخلقاً واتباعاً وكرماً وحلماً وقياماً في حق الله تعالى عند انتهاك حرماته أصدق الناس عقدا وأصحهم علما وعزماً وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة وأسخاهم كفا وأكملهم اتباعاً لسنّة محمد صلى الله عليه وسلّم ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة" فانظر إلى كلام العلامة الشيخ عماد الدين الواسطي وهو ممن عاصره ورآه فرحمه الله وعفى عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ونقل في الشذرات عن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وقد سئل عن الشيخ ابن تيمية بعد اجتماعه به كيف رأيته قال: رأيت رجلاً سائر العلوم بين عينيه يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء فقيل له: فلم تتناظران قال لأنه يحب الكلام وأحبّ السكوت. وقال ابن مفلح في طبقاته كتب العلامة تقي الدين السبكي إلى الحافظ الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ما نصه فالمملوك يتحقق قدره وزخارة بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وأنه بلغ في ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف والمملوك يقول ذلك دائماً وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله تعالى لي من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجرمه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل في أزمان" انتهى. فانظر إلى ما قاله السبكي مع أنه ممن وقع فيه وعاداه والحق ما شهدت به الأعداء. وقال الإمام محمد التافلاني مفتي الحنفية بعد كلام له وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أثنى عليه جمهور معاصريه، وجمهور من تأخر عنه وكانوا خير مناصريه وهم ثقاة صيارفة حفاظ، عريفهم في النقد دونه عريف عكاظ وطعن فيه بعض معاصريه بسبب أمور أشاعها مشيع لحظ نفسه أو لأجل المعاصرة التي لا ينجو من سمها إلا من قد كمل في قدسه، فخلف من بعدهم مقلدهم في الطعن فتجاوز فيه الحد ورماه بعظائم موجبة للتعزير أو الحد، ولو قال هذا المقلد كقول بعض السلف حين سئل عما جرى بين الإمام علي ومعاوية فقال: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا أفلا نطهر منها الستنا لنجا من هذا العناء، وقول الآخر لما سئل عن ذلك فأجاب {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} الآية [البقرة: من الآية134] ، وهذا الإمام تصانيفه قد ملأت طباق الثرى وأطلع عليها القاصي والداني من علماء الورى فما وجدوا فيها عقيدة زائغة، ولاعن الحق رائفة كم سل السيوف الصوارم على فرق الضلال وكم رماهم بصواعق براهين محرقة كالجبال تنادي عقيدته البيضاء بعقيدة السلف، ولا ينكر صحتها وأفضليتها من خلف منا ومن سلف شهد له الأقران بالاجتهاد، ومن منع له فقد خرط بكفه شوك القتاد، وذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 كلاماًَ حسناً تركناه خشية الإطالة. وقال حافظ الإسلام الحبر النبيل استاذ أئمة الجرح والتعديل شيخ المحدثين جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الركن عبد الرحمن المزي الشافعي فيما نقله عنه الحافظ ابن ناصر الدين: "ما رأيت مثله يعني ابن تيمية ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم ولا أتبع لهما منه" انتهى. وقال الشيخ شيخ الإسلام العيني الحنفي فيما كتبه قال: وما هم أي المنكرون على ابن تيمية رحمه الله تعالى الا صلقع بلقع سلقع، والمكفر منهم صلمعة بن قلمعة وهيان بن بيان، وهي بن بي وضل بن ضل وضلال بن التلال، ومن الشائع المستفيض أن الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية من شم عرانين الأفاضل ومن حبهم براهين الأماثل قال: وهو الذاب عن الدين طعن الزنادقة والملحدين والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين وللمأثورات عن الصحابة والتابعين فمن قال إنه كافر فهو كافر حقيق، ومن نسبه إلى الزندقة فهو زنديق، وكيف ذلك وقد صارت تصانيفه إلى الآفاق، وليس فيها شيء مما يدل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 الزيغ والشقاق إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى. وقال الشيخ محمد ابن الشيخ جمال الدين اليافعي الشافعي اليمني في رده على السبكي في أبيات له قال فيها: وما رددت عليه في الطلاق ... حققت عقلاً ولا نقلاً ظفرت به بل فاسد القصد أعتى الذهن منك ... هو عادة الله في قال لمذهبه نزلت حول حماه كي تنازله ... فما علوت عليه بل علوت به وقد أجابك فيها خير أجوبة ... كالسيف حالت منايا عند مضربه أخذت منه علوما فانتصرت به ... على سواه وكانت من مهذبه وحزتها مجملات من مفصّله ... ففصّل الآن ما أجملت تحظ به وهكذا كل من سارت ركائبه ... يقفوا خطان فسائل من مجربه وإن يتمحت في رد فلست له ... كفوا ولا أهل هذا العصر فانتبه كم بحر علم أتاه صار ساقية ... وكم أزال صدى جهل بصيّبه وما نرى لكموا في الخلف فائدة ... غير التنعم في النعماء من شبه أين الثريا مكانا في ترفعها ... من الثرى قال هذا كل منتبه من ذا يقيس نقي الجلد من درن الـ ... ـدنيا وأمراضها يوما بأجربه لو كان عندكموا إنصاف مكرمة ... أو نقد معرفة أوذهن منتبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 لكنت تقفوا ورآه قفو مجتهد ... علماً وديناً وأمراً تفلحنّ به لو وفق الله أهل الأرض قاطبة ... إلى الصواب لساروا خلف مذهبه وما نسبتم إليه عند ذكركموا ... ترك الزيارة أمرا لا يقول به فقد أجابكموا فيها بأجوبة ... أزال فيها صدى الإشكال والشبه وقد تبين هذا في مناسكه ... لكل ذي فطنة في القول والنبه رميتموه ببهتان يشان به ... فالله ينصفه ممن رماه به وفي الجواب أمور من تدبرها ... سقى الأنام بها من صفو مشربه ولم يكن مانعاً نفس الزيارة بل ... شد الرحال إليها فوق مركبه مستمسكاً بصحيح القول متبعا ... خير القرون الأولى جاءوا بمذهبه مع الأئمة أهل الحق كلهموا ... قالوا كما قال قولاً غير مشتبه وقد علمت يقينا حين وأفقه ... أهل العراق على فتياه فانتبه ومن أحسن ما قيل من المراثي فيه ما قاله عمر بن الوردي وهي: عثا في عرضه قوم سلاط ... لهم من نصر جوهره النقاط تقي الدين أحمد خير حبر ... خروف المعضلات به تخاط توفي وهو محبوس فريد ... وليس له إلى الدنيا انبساط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ولو حضروه حين قضى لألفوا ... ملائكة النعيم به أحاطوا قضى نحبا وليس له قرين ... ولا لنظيره لفّ القماط فتى في علمه أضحى فريدا ... وحلّ المشكلات به نياط وكان إلى التقى يدعو البرايا ... وينهى فرقة فسقوا ولاطوا وكان الجن تفرق من سُطاه ... بوعظ للقلوب هو النباط فيا لله ما قد ضمّ لحدٌ ... ويا لله ما غطّى البلاط هموا حسدوه لمّا لم ينالوا ... مناقبه فقد مكروا وشاطوا وكانوا عن طرائقه كُسالى ... ولكن في أذاه لهم نشاط وحبس الدّر في الأصداف فخر ... وعند الشيخ في السجن اغتباط بآل الهاشمي له اقتداء ... فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا بنوا تيمية كانوا فبانوا ... نجوم العلم أدركها انهباط ولكن يا ندامة حابسيه ... فشك الشرك كان به يُماط ويا فرح اليهود بما فعلتم ... فإن الضد يعجبه الخباط ألم يك فيكموا رجل رشيد ... يرى سجن الإمام فيستشاط أمام لا ولاية كان يرجو ... ولا وقف عليه ولا رباط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 ولا جاركموا في كسب مال ... ولم يعهد له بكموا اختلاط ففيم سجنتموه وغظتموه ... أما الجزاء أذيته اشتراط وسجن الشيخ لا يرضاه مثلي ... ففيه لقدر مثلكموا انحطاط إلى أن قال: فها هو مات عنكم فاسترحتم ... فعاطوا ما أردتم أن تعاط وحلوا واعقدوا من غير رد ... عليكم وانطوى ذاك البساط والمقصود مناقضة هذا المعترض بمن أثنى عليه لا لغرض من الأغراض ومن قدح فيه فإنما ذاك لحظ نفسه شنع بما شنع من الاعتراض وإلا ففضل شيخ الإسلام ومناقبه أكثر من أن تذكر وأشهر من أن يحاط بها ويحصر وقد أثنى عليه من الأئمة من تقدم ذكرهم ومن لم نذكرهم فأكثر وأكثر وكلهم حفاظ نقاد وأئمة ثقات زهاد وممن أثنى عليه وبرأه مما نسب إليه من متأخري العلماء الشيخ إبراهيم بن حسن الكوراني المدني الشافعي وأمير المؤمنين في الحديث علامة دهره الشيخ على أفندي السويدي البغدادي الشافعي والشيخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 شهاب الدين محمود الآلوسي ذكر ذلك الشيخ نعمان خير الدين ابن شهاب الدين محمود الآلوسي، وجمهور من ذكرنا ممن أثنى عليه أئمة مذهب هذا المعترض وقد خالفهم وانتحل طريقة عباد القبور، وانتصر لهم بما لا يجدى عنه ولا ينفعه يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: من الآية227] ، وليت هذا المكي راقب ولاحظ فيما كتبه من الانتصار، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] ، وجعل نصب عينيه إذا رأى محصول ما له وما عليه وظنه دليلاً، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27ـ29] . فصل: قال المعترض: فمن تلك الأمور أن السندي المذكور يقول في رسالته أن الأحاديث التي أوردها يعني استدل بها شيخنا السيد دحلان لمذهب أهل الحق منقولة عن التقي السبكي في "شفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الأسقام" ليست فيها أحاديث صحاح ولاحسان إلى آخر كلامه. قال المكي وحاصل ما يجاب به عن شيخنا أن تلك الأحاديث كثيرة مشهورة مسندة إلى مخرجيها قال: وليس المقصود بها تأسيس أيجاب شيء بل المقصود بيان استحباب زيارته صلى الله عليه وسلّم وجواز التوسل به ثم ذكر كلاماً حاثله أنّ الأحاديث الضعيفة يعمل بها وأن معارضته محمد بن عبد الهادي لها في الصارم المنكي غير مقبولة؛ لأنّه من اتباع ابن تيمية وأن كلامه فيها لأجل الهوى. والجواب أن هذا المعترض أجنبي عن معرفة الحديث ورجاله ولا خبرة عنده بما قاله الحفاظ النقاد أهل الجرح والتعديل ولو كان عنده خبرة ومعرفة بهذا الفن لم يكن هذا حاصل ما عنده ومن كان بهذه المثابة سقط الكلام معه اللهم إلا أن يكون لديه معرفة ولكن أراد التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر وما أظن ذلك وما أحسن ما قيل: وقل للعيون الرمد للشمس أعين ... سواك تراها في مغيب ومطلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وسامح نفوسا أطفأ الله نورها ... بإهوائها لا تستفيق وتع ومما يبين لك عدم معرفته بالحديث ورجاله أنه ظن أنه لم يطعن في هذه الأحاديث إلا الحافظ محمد بن عبد الهادي فإنها كلها موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأمثل ما فيها الحديث الذي رواه الإمام الدارقطني وقد تكلم فيه أئمة من حفاظ الإسلام وعلماء السنة الأعلام كالبخاري والبيهقي والنسائي والدارقطني والجوزجاني والعقيلي وأبو حاتم والنووي وغيرهم من العلماء الأعلام ولو سلمنا تسليماً جدلياً أنها أحاديث ضعيفة وأن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال فإنما ذلك إذا لم تخالف حديثاً صحيحاً وكيف وقد خالفت ما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد" الحديث، فبطل الاستدلال بها والعمل بها لمعارضتها للحديث الصحيح الصريح ولو أضرب هذا الجاهل عن الكلام في هذه المسألة لكان خيراً له ولكن {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [المائدة: من الآية41] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وأين أنت يا هذا الجاهل المركب ومعرفة الحديث وأهله فلست من أهل هذه الصناعة ولا ممن يتجر في تلك البضاعة. دع العيس وحاديها ... واعط القوس باريها وقد ذكرت فيما كتبته في المواهب الربانية في رد أضاليل الشبه الدّحلانية ما نصّه من أبيات: وأمّا أحاديث الزّيارة كالتي ... شعبت بها في الرّق واهيته العقد فمحض أكاذيب في أوضاع أفك ... ملفقة أضحت عن الصدق في بعد فلم ترو في شيء من الكتب التي ... عليها اعتماد الناس في الحل والعقد فأما حديث الدارقطني فإنه ... لامثل ما فيها وإن كان لا يُجدي ولم يروه إلا لتبيين ضعفه ... هناك الإمام الدارقطني على عمد وقد طعن الحفاظ فيه فمنهموا ... أبو حاتم والبيهقي في ذوي النقد كمثل البخاري والنووي ومسلم ... وكابن معين والنسائي ذي الجد وكالجوزجاني والعقيلي وغيرهم ... من النبلاء الأثبات من كل مستهد فصل: قال المعترض: ومن تلك الأمور التي في رسالة السمدي أن الأئمة متفقون على كراهة دعاء الزائر لنفسه مستقبلا للحجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الشريفة، والجواب أن يقال: ما ذكره السندي من أنّ الأئمّة اتفقوا على كراهة دعاء الزائر لنفسه مستقبلاً للحجرة الشريفة ثابت عن الأئمة كما نقله الثقات الأثبات ولا يمكن لأحد أن يكابر في دفع ذلك لا بنقل صحيح ولا سقيم، قال شيخ الإسلام قدّس الله روحه في منسك له صنفه في آخر عمره: "ويسلم عليه مستقبلاً الحجرة مستدبر القبلة عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد وأما أبو حنيفة فإنه قال: يستقبل القبلة فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال يجعلها عن يساره واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي إليها ولا يدعو هناك مستقبلاً للحجرة؛ فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الناس كراهية لذلك والحكاية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل القبر وقت الدعاء كذب على مالك بل ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه فإنّ هذا بدعة ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده" انتهى. وقال أيضاً: "وكره السلف رضي الله عنهم قصدها بالدعاء متأولين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم: " لا تتخذوا قبري عيداً" كما ذكرنا ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 عن علي بن الحسن، والحسن بن الحسن ابن عمه، وهما أفضل أهل البيت من التابعين، وأعلم بهذا الشأن من غيرهما المجاورتهما الحجرة النبوية نسباً ومكاناً وقد ذكرنا عن أحمد وغيره إنه أمر من سلم على النبي صلى الله عليه وسلّم وصاحبيه، ثم أراد أن يدعو أنه ينصرف ويستقبل القبلة وكذلك أنكر ذلك غير واحد من العلماء المتقدمين كمالك وغيره من المتأخرين مثل أبي الوفاء ابن عقيل، وأبي الفرج ابن الجوزي، وما أحفظ لا عن صاحب ولا عن تابع ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شيء من القبور للدعاء عندها، ولا روى أحد في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلّم، ولا عن الصحابة، ولا عن أحد من الأئمة المعروفين وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته وذكروا فيه الآثار فما ذكر أحدٌ منهم في فضل الدعاء عند شيء من القبور حرفاً واحداً فيما أعلم، فكيف يجوز والحالة هذه أن يكون عندها أجوب وأفضل، والسلف تنكره ولا تعرفه وتنهى عنه ولا تأمر به" انتهى. وقوله: ثم ذكر عن ابن تيمية، وعن ابن عبد الهادي مثل ما ذكر وزاد أن دعاء الزائر لنفسه إذا كان تبعاً للدعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 لأصحاب القبور لا ينهى عنه أحد من المسلمين لكن زيادتهما المذكورة بعد أن ذكرا أحاديث تدل على ذلك على عادة التابعين لابن تيمية إذا أنكروا شيئاً، ثم ورد عليهم ما يغاير إنكارهم جاهدوا بنحو لم يصح النقل أو بنحو إنما جاز لأجل كذا كدعواه جواز الدعاء بعد صحة الحديث به إنه لأجل التبعية إلى آخر ما قال. فيقال: في جوابه هذا كله هوس وتخليط وليس لك فيه راحة ولا يفيدك شيئاً فإن الأحاديث الواردة في زيارة القبور الزيارة الشرعية ليس فيها إلاّ الدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار كما في حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم، وكذلك حديث بريدة عن أبيه عند مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة بنقل العدل الضابط عن مثله، وقوله بعد أن ذكر أحاديث تدل على ذلك على عادة التابعين لابن تيمية إذا أنكروا شيئاً ثم ورد عليهم ما يغاير إنكارهم. فيقال: نعم هي عادة اتباع ابن تيمية يذكرون الأحاديث ويعتمدون عليها ويستدلون بها على موارد النزاع ويتركون قول من خالفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 كائنا من كان فإنه لا قول لأحد مع سنة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهلا ذكرت ما يغاير إنكارهم إن كنت من أهل العلم والمعرفة ولو كان عندك من الحق ما يغاير إنكارهم لما أهملته ولجبهت به من أنكر ذلك ونقل عن الأئمة خلافه، ولكنها عنقاء مغرب ومن الدعاء ما ليس عنده كذبته شواهد الامتحان. قوله: جاهدوا بنحو لم يصح النقل أو بنحو إنما جاز لأجل كذا كدعواه جواز الدعاء بعد صحة الحديث به أنه لأجل التبعية، فيقال: نعم كل حكم وشرع لم يأذن به الله ورسوله ولا صح به نقل عن الله ولا عن رسوله ولا عن الصحابة والتابعين لا يعملون به ولا يثبتونه ويردونه على من قال به كائنا من كان لقوله صلى الله عليه وسلّم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ودعواه جواز الدعاء بعد صحة الحديث به أنه لأجل التبعية فقد صح الحديث كما تقدم عند مسلم وغيره وكونه إنما جاز تبعاً وضمنا صريح في نفس الحديث بقوله: "اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم"، فالدّعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بهذا ونحوه لا يكره مطلقاً بل يؤمر به كما جاءت به السنة ضمنا وتبعاً، وإنما المكروه أن يتحرى المجيئ إلى القبر للدعاء عنده كما ذكره الحافظ محمد بن عبد الهادي وكما تقدمت الإشارة إليه في حديث علي بن الحسين، والحسن بن الحسن ابن عمه. وقوله: وحقيقة الأمر منع ابن تيمية للدعاء ونحوه تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلّم لما هو معتقده ومعتقد متابعيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعد موته لا جاه له. فيقال: إنما منع ذلك الأئمة الأربعة المقلدون المتفق على هدايتهم ودرايتهم وجلالتهم وعلمهم فاتبعهم ابن تيمية في المنع من ذلك وأنت خالفتهم وتركت طريقتهم وهديهم وما أمروا به، وما نهوا عنه فإن كان منع ابن تيمية من ذلك يلزم منه اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا جاه له فكذلك هو لازم للأئمة الأربعة حيث منعوا من ذلك وهذا لا يقوله من يدري ما يقول وأين هذا من قولك عند ردّ كلام السندي ثبوت توسّل الإمام الشافعي بأبي حنيفة وهو كذب محض فقلت: وكفى بقولك تعني السندي أقوال من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ذكروا فعالهم ليست من الحجة في شيء قبحا وسوء أدب مع الإمام الشافعي وأضرابه وإذا لم تقتد وتعتبر بأقوال وأفعال من ذكر في مثل هذه الفضائل مع كونهم أئمة الشريعة والمجمع على تحققهم بمرتبة الاجتهاد المطلق فيمن يحسن الاقتداء فقد نقضت أصلك وعدت عليه بالهدم والرد في هذا الموضع بالرد على ابن تيمية واتباعه حيث اتبعوا ما صح عن الأئمة الأربعة ولم تذكر ما ينقض ذلك عنهم وإني لك بذلك فكان داؤك هو الداء العضال الذي قد ختم بالطبع والأقفال وأيضاً قوله: أن معتقده ومعتقد متابعيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعد موته لا جاه له كذب بحت، بل هم من أعظم الناس رعاية لحقه واحتراما له يأتمرون بأمره وينتهون عما نهى عنه ولا يشرعون في دين الله ما لم يأذن به فيزورون القبور لأمره بذلك ولا يشدون الرحال إليها لنهيه عن ذلك ويدعون لأهل القبور ولا يدعونهم ويستغفرون لهم ويطلبون لهم العافية ولا يطلبون منهم بخلاف الذين بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم بدلوا الدعاء لهم بدعائهم والطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 لهم بالعافية بالطلب منهم فالله المستعان. شعراً: نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت بالبيدآء أبعد منزل فصل: قال المعترض فيما اعترض به على كلام محمد بن إسماعيل الصنعاني: إنّ الذين ينادون الأموات وينحرون لهم وينذرون لهم كذب وزور، فإن المعرفة من عوام مكة أن من كان عنده مريض مثلاً نوى أنه يتقرب إلى الله تعالى بصدقه لأجل أنه تعالى يتفضل عليه بعافية مريضه فقد يقول لله عليّ صدقة كذا أن شفى الله مريضي وإما كون أحد يذبح للميت الفلاني فلا سمعنا قط به وأمّا تخصيصهم الصدقة بكونها عند ذلك الميت الولي الصالح فغرضهم أن الصدقة للفقراء الحاضرين عنده أولى وأحسن؛ لأنهم يتوسلون بالولي إلى ربه ويطلبون منه أن يتوجه إلى ربه في قبول دعواتهم من ربهم لا منه، فلو سألت صغيرهم وغبيهم وعبدهم هل الميت الولي ينفعك أو يضرك أو يشقى مريضك لصاح لك وأنكر ذلك واعترف أن الضار والنافع هو الله تعالى لا غير إلى آخر ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 اعترض به، فالجواب أن يقال: إن الصدقة بهذا النذر للسدنة والمجاورين نذر معصية لا يجب الوفاء به باتفاق العلماء والمعصية تصدق بالعبادة للمنذور له ومعلوم أن إخراجه على وجه القربة والتعظيم لأهل القبور عبادة وشرك وتقرب إلى غير الله وشرع لما لم يأذن به الله ولم تأت به شريعة ولم يكن من هدي السلف والقرون المفضلة، ولأن العكوف عند القبور وسدانتها أصل عبادة الأصنام كما ذكره ابن عباس وغيره في الكلام على قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} الآية [نوح: من الآية23] . وأما قوله: لأنهم يتوسلون بالولي إلى ربه فجوابه أن التوسل بالولي بعد موته والطلب منه أن يتوجه إلى ربه مصادمة لقوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] ، فأخبر تعالى أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولو سمعوا على سبيل الفرض والتقدير ما استجابوا لهم لأن ذلك ليس لهم فإن الله تعالى لم يأذن لأحد من عباده في دعاء أحد منهم لا استقلالا ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 واسطة وأخبرنا سبحانه وتعالى أن هذا الدعاء شرك بقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: من الآية14] ، وهذا الطلب والتوجه إلى الأموات في قضاء الحاجات وتفريج الكربات هو شرك جاهلية العرب الذين بعث فيهم عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم فإنهم كانوا يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ويلتجئون إليهم ويسألونهم على وجه التوسل بجاههم وشفاعتهم ليقربوهم إلى الله زلفي كما حكى الله ذلك عنهم في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} الآية [يونس:18] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: من الآية3] ، وقال تعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الاحقاف:28] . ومعلوم أن المشركين لم يزعموا أن الأنبياء والأولياء والصالحين والملائكة شاركوا الله في خلق السموات والأرض أو استقلوا بشيء من التدبير والتأثير والإيجاد ولو في خلق ذرة من الذرات، وإنما عبدوهم والتجأوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 إليهم ودعوهم على وجه التوسل بجاههم وطلب الشفاعة منهم، فقول هذا المكي أنهم يتوسلون بالولي إلى ربه ويطلبون منه أن يتوجه إلى ربه هو كقول جاهلية العرب الذين نزل القرآن بتكفيرهم سواء بسواء. وقوله: وأما كون أحد يذبح للميت الفلاني فلا سمعنا قط به فيقال: ولا سمعت أحداً منهم يقول: يا رسول الله، يا كعبة الله، يا مقام إبراهيم، وهل هذا إلا مكابرة محضة فإن من لم ينكر هذا وهو ينادي به على رؤس الأشهاد ولا رآه شركاً كيف ينكر الذبح لغير الله عند ضرائح الأموات ولا سمعت أيضاً ما يقال عندها في المعلات ولا رأيت ما فيها من المساجد المبنية على القبور ولا ما يصرف إليها من النذور ولا رأيت إيقاد السرج فيها وقد قال صلى الله عليه وسلّم: "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" والذي رأيت في المعلات أكثر من مائة قنديل. وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وأيضاً قوله لأنهم يتوسلون بالولي إلى ربه ويطلبون منه أن يتوجه إلى ربه إلى آخره مراد هؤلاء الملاحدة أنهم يجعلونهم وسائط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 بينهم وبين الله كالمجاب الذين بين الملك وبين رعيته بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه فيسألونهم وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس يسألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك أو لأن طلبهم من الوسائط انفع من طلبهم من الملك لكونهم أقرب إلى الملك من الطّالب فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل. قال شيخ الإسلام: "وهؤلاء المشبهون شبهوا الخالق بالمخلوق وجعلوا لله أنداداً وفي القرآن من الرّد على هؤلاء ما تتسع له هذه الفتوى فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس على أحد وجوه ثلاثة: أما لأخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفون ومن قال: إن الله لا يعرف أحوال العباد حتى يخبره بذلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر بل هو سبحانه يعلم السّر وأخفى لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات لا يشغله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين. الوجه الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته ودفع أعاديهم الأباء وأن يعينونه فلا بدّ له من أعوان وأنصار لذله وعجزه والله سبحانه ليس له ظهير ولا ولي من الذل، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] ، وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الاسراء:111] ، وكل ما في الوجود من الأنساب فهو سبحانه خالقه وربه ومليكه فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم في الحقيقة شركاؤهم والله سبحانه ليس له شريك في الملك لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ولهذا لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه لا ملك ولا نبي ولا غيرهما فإن من يشفع عند غيره بغير إذنه فهو شريك في حصول المطلوب لأنه أثر فيه بشفاعته حتى جعله يفعل ما يطلب منه والله سبحانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وتعالى لا شريك له بوجه من الوجوه ويسمى الشفيع شفيعاً لأنه يشفع غيره أي يصير له شفعاً، قال تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ} [النساء: من الآية85] ، وكل من أعان غيره على أمر فقد شفعه فيه، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد بوجه من الوجوه. الوجوه الثالث: أن يكون الملك ليس مريد النفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظه أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته أما لما يحصل له من الرغبة والرهبة من كلام المدل عليه، والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وكل الأسباب إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهوذا أجرى نفع العباد بعضهم على يد بعض فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله وهو الذي خلق في قلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 هذا المحسن والداعي والشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلمه أو من يرجوه الرب ويخافه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم: "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له"، والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا بإذنه، قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الانبياء: من الآية28] ، وقال تعالى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: من الآية23] ، بخلاف الملوك فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك أو يكون شريكاً لهم في الملك وقد يكون مظاهرا لهم معاوناً على ملكه وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك والملك يقبل شفاعتهم تارة على وجه إنعامهم عليه حتى أنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك فإنه محتاج إلى الزوجة وإلى الولد حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك إلى أن قال والله تعالى لا يرجو أحداً ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني إلى أن قال: والمقصود هنا أن من أثبت وسائط بين الله تعالى و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 بين خلقه كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك بل هذا دين المشركين عباد الأوثان" إلى آخر ما قال رحمه الله، فانظر رحمك الله إلى ما قاله الشيخ رحمه الله، ثم تأمل كلام المكي أنهم إنما يتوسلون بالولي إلى ربه ويطلبون منه أن يتوجه إلى ربه في قبول دعواتهم من ربهم لا منه هل بين كلامه وبين ما ذكره شيخ الإسلام فرق والله المستعان. وقوله: ويعتقدون فيهم ما يعتقده العلماء إن الميت لا تفنى روحه بل هو سميع عليم معارفه باقية وبركته باقية. فالجواب أن يقال: وهذه أيضاً وهلة عظيمة وبليته أخرى فإنها مصادمة ومكابرة لقوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} الآية [فاطر:14] ، ولقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الاحقاف:5ـ6] ، وقد سوى هذا المعترض بين من نفى الله التسوية بينهما وهل هذا إلا مصادمة ومعارضة للقرآن فليهنأ معارضة كلام الله والجمع بين ما فرق الله، قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: من الآية22] ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:20ـ21] ، وقد تقرر أنّ الأموات لا يساوون الأحياء في وجه من الوجوه إذ الموت غير الحياة المعهودة وما ثبت لهم من الحياة فهي برزخية غير الحياة المعهودة في الدنيا فمن أراد بها الحياة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبره وتصرفه ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس فهذا خطأ ظاهر والحس والعقل يكذبه كما يكذبه النص وأما من أراد حياة أخرى غير هذه الحياة بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا ليسأل ويمتحن في قبره ويرد السّلام على المسلمين فهذا حق ونفيه خطأ وقد دل عليه النص الصحيح الصريح وهذه الحياة متفاوتة فحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء وحياة الشهداء أكمل من حياة غيرهم وهذه الحياة حياة برزخية لا يعلم كنهها إلا الله فقول هذا الجاهل المركب إنهم يتوسلون بالولي إلى ربه ويطلبون منه أن يتوجه إلى ربه في قبول دعواتهم قول غير معقول وضلال عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أهل الحق غير مقبول فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً بنص رسول الله صلى الله عليه وسلّم حيث قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" الحديث، فإذا كان قد انفطع عمله لنفسه فكيف يطلب منه أن ينفع غيره أو يشفع له هذا من أمحل المحال وأضل الضلال. وقوله: إن الميت لا تفني روحه بل هو سميع عليم معارفه باقية وبركته باقية إلى آخره. فالجواب: أن يقال: إن سماع الميت مقيد بحال دون حال لا في جميع حالاته كما يشير إليه قول قتادة في أهل القليب وسماع الميت خفق نعال من يدفنونه إذا ولوا عنه وحال الأموات تختلف اختلافاً عظيماً وللأرواح بعد مفارقة هذا الجسم شأن لا يحيط بتفصيله إلا الله ومن زعم أن الاستمداد منهم جائز لا يفرق بين القريب والبعيد كما هو مشاهد ممن يدعو الأنبياء والصالحين ويستمد منهم وأفضل الخلق صلى الله عليه وسلّم قد ثبت عنه أنه يبلغ صلاة أمته مع البعد عن قبره ولا يسمعه فكيف بغيره فإذا ثبت أنه لا يسمعه من بعيد بل يبلغه فغيره أولى فكيف يعتقد في الأموات أنهم يسمعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وينفعون ويضرون وهم جثث بالقبور صارت أجسامهم إلى الفنا والبلا فكيف ذهب الشيطان بعقول هؤلاء المشركين إلى أن بلغ بهم إلى أن نزلوا المخلوق منزلة الخالق والعبد العاجز منزلة المعبود القاهر فوق عباده ونزلوا الميت منزلة الحي القيوم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض فجعلوهم شركاء لله في الإلهية والربوبية والملك وفي علم الغيب واعتقدوا فيهم أنهم يسمعون من دعاهم من الأماكن البعيدة وهم أموات رفات وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ} الآية [النحل:20ـ21] فترك هؤلاء المشركون الإيمان بالقرآن ونبذوه وراء ظهورهم واعتقدوا المحال الذي أحالته العقول الصحيحة وأنكرته الفطر السليمة المستقيمة وإذا كان المدعو في حال حياته واجتماع حواسه وحركاته لا يسمع من دعاه على البعد ولو مسيرة فرسخ فكيف يجوز في عقل من له أدنى مسكة من عقل أنه إذا مات وفارقت روحه جسده وذهبت حواسه وحركته بالكلية وصار رهينا في الثرى جسداً بلا روح أنه والحالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 هذه يسمع من دعاه وإذا كانت أرواح الأنبياء والصالحين في أعلى عليين فيمتنع عقلاء وشرعاً وفطرة وقدر أن الأرواح التي فوق السموات السبع وفي أعلى عليين أنها تسمع دعاء أهل الأرض وتنفعهم وتتصرف فيهم هذا محال قطعا وضلال مبين بدليل قوله تعالى: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الاحقاف: من الآية5] ، فكل من دعى من الأموات والغائبين والأنبياء والصالحين فمن دونهم غافل عن دعاء داعية بنصوص القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فسبحان من أنزل كتابه روحاً وهدى ونورا وبرهانا يهتدى به من هداه الله إلى صراطه المستقيم فمن قال: إنهم بعد مماتهم يسمعون دعاء من دعاهم لأنّ أرواحهم لا تفنى وهم في أعلى عليين فقد سوى بين الأرواح وبين الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ويسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ولا يشغله سمع عن سمع وبين الأموات والحي الذي لا يموت ونسبته اعتقاد ذلك إلى العلماء كذب بحث وتمويه على الجهال فلم يعتقد هذا أحد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 العلماء المعروفين المشهورين بالعلم والصلاح والدين الذين لهم قدم صدق في العالمين وإنما يعتقد هذا من يجوز دعاء الصالحين والالتجاء إليهم في الحياة وبعد الممات وبهذا تعرف خطأ هذا المعترض في اعتراضه على الصنعاني رحمه الله تعالى. فصل: قال المعترض ومن تلك الأمور التي ذكر عبد الله السندي في رسالته قوله في حال زائر قبور الصالحين لكن لأي معنىً قام يمشي إلى القبر إلى آخر ما ذكره ثم قال وإذا لم يكن له اعتقاد في الميت على الصفة التي ذكرنا فهو عاص أثم إلى آخر كلامه نقلاً عن محمد بن إسماعيل الصنعاني هذا ما نقله المكي قال وهو صريح في أن الصنعاني المذكور من التابعين لابن تيمية في معتقد هم الفاسد أن الولي الصالح لا يبقى له قدر ولا تشريف بعد موته إلى آخر ما ذكره وهذا المكي جاهل لا يعرف الرجال بالحق بل من كان معتقده معتقد أهل السنة والجماعة فهو من أتباع ابن تيمية ونعما هي من خصلة سنيته، وحينئذ فالجواب أن يقال: قد تقدم قريباً نفى مساواة الميت بالحي فلا نطيل بإعادته فلم يبق إلاّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ما ذكره العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى وهو أن مشيك إلى القبر لتسمع الميت توسلك به وتعطف قلبه عليك وتتخذ عنده يداً بقصده وزيارته والدعاء عنده والتوسل به إذ قد تقدم أنه قد انقطع عمله فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً فكيف بغيره وهذا المعترض ما وجد ما يرد به كلام الصنعاني إلا أنه من التابعين لابن تيمية ولم يأت بدليل يرد ما ذكره إلا أن معتقد أهل السنة والجماعة المعتصمين بكتاب الله وسنة رسوله معتقد فاسد وذاك لجهله بما كان عليه السلف الصالح والصدر الأول فإنه لم ينقل عنهم أنهم كانوا يشدون الرحال لزيارة المشاهد ويقصدونهم لتفريج الكربات وإجابة الدعوات هذا لم ينقله أحد عنهم ولم يفعله أحد منهم وليس عند هذا المعترض إلا ما عند عبدة القبور والصالحين من الأكاذيب الموضوعة والحكايات المصنوعة والحكايات المصنوعة وتمويهات من كانت أفئدتهم بالشر مطبوعة. قال المعترض: ومما يرد قوله: فهو عاصٍ آثم ما نقله عبد الله السندي عن الشيخ حسين بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 غنام الإحسائي وهو من علمائهم المرضين عندهم إلى آخر ما نقله المعترض. والجواب: أنّ هذا المعترض أسقط من كلام الشيخ ابن غنام ما يهدم أصله ويوافق الصنعاني رحمه الله وذكر ما لا يغني عنه عند التحقيق وجعله مناقضة وأنا أذكر كلام الصنعاني رحمه الله وكلام ابن غنام على أصله ليتبين لك تمويه هذا المعترض وعدم علمه ومعرفته بكلام العلماء والمتوافق المؤتلف والمتناقض المختلف قال الصنعاني رحمه الله: "ومن قال إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم والنذر عليهم عبادتهم فقل له فلأي مقتضى صنعت هذا الصنيع فإن دعاك للميت عند نزول أمر ربّك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك فإن كنت تهذوا بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم فأنت مصاب بعقلك وهكذا إن كنت تنحر لله وتندر لله فلأي معنى جعلت ذلك للميت وحملته إلى قبره فإنّ الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض وفعلك وأنت عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته أو أمر قد أردته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 وإلا فأنت مجنون قد رفع عنك القلم ولا نوافقك على دعوى الجنون إلا بعد صدور أفعالك وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين فإن كنت تصدرها مصدر أفعال العقلاء فأنت تكذب على نفسك في دعواك الجنون في هذا الفعل بخصوصه فراراً عن أن يلزمك ما لزم عبّاد الأوثان الذين حكى الله عنهم في كتابه العزيز ما حكاه بقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً} الآية [الأنعام:136] ، فتأمل كلامه رحمه الله وأن هذا فعل عاقل مختار قاصد معتقد لذلك ثم قال: بعد ذلك في حال الزائر وإذا لم يكن له اعتقاد في الميت على الصفة التي ذكرنا فهو عاص إثم. وأما كلام ابن غنام رحمه الله فقال: "العاشرة: قولهم في الاستسقاء لا بأس بالتوسل بالصالحين وقول أحمد يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم خاصة مع قولهم أنه لا يستغاث بمخلوق فالفرق ظاهر جداً وليس الكلام فما نحن فيه فكون بعض يرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلّم وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه هذه المسألة من مسائل الفقه ولو كان الصواب عندنت قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الجمهور أنه مكروه فلا ننكر على من فعله ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، لكن أنكرنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب منه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً ولكن يقول في دعائه" أسألك بنبيك أو بالمرسلين أو بعبادك الصالحين" أو يقصد قبر معروف أو غيره يدعو عنده لكن لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه فانظر رحمك الله كيف أسقط من كلام ابن غنام مما يهدم أصله وذكر منه ما ظن أنه مناقضة وهو عين الموافقة فإن قوله رضي الله عنه لكن أنكرنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبات موافق لكلام الصنعاني رحمه الله في قوله فإن دعائك للميت عند نزول أمر ربك لا يكون ألا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك فأين المناقضة بين هذين الكلامين. وأما قول الصنعاني في حال الزائر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وإذا لم يكن له اعتقاد في الميت على الصفة التي ذكرنا فهو عاص آثم وقول ابن غنام فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً ولكن يقول في دعائه أسألك بنبيك إلى آخره فإن كلام الصنعاني رحمه الله في شد الرحال لزيارة المشاهد وشد الرحال إليها بدعة محرمة ومن فعل ذلك ولم يكن له اعتقاد في البيت فهو عاص آثم لقوله صلى الله عليه وسلّم: "لا تشد الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد" الحديث. وأما شد الرحال إلى المشاهد فبأي دليل ومن فعل ذلك كان عاصيّا آثما لارتكابه ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكلام ابن غنام في التوسل. وقد اختلف العلماء في جوازه ومنعه كما ذكروا إذا كانت المسألة اجتهادية فهولاء إنكار في مسائل الاجتهاد فأين المناقضة بين هذين الكلامين هذا في التوسل وهذا في شدّ الرحال، وابن غنام رحمه الله من أشد الناس منعاً من شد الرحال إلى المشاهد وليس في كلامه هذا ما يشعر بجوازه لا لفظا ولا معنى إنما كلامه في الفرق بين من يدعو الصالحين ويطلب منهم تفريج الكربات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وإغاثة اللهفات وبين من لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً لكن يقول في دعائه أسألك بكذا وكذا فإن فعل الأول عنده كفر وخروج من الإسلام والثاني فعله مكروه عنده ومن فعله باجتهاد فلا ينكر عليه ولكن هذا المعترض أراد بهذا التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر وإن كلام هؤلاء متناقض فالله يجزيه الذي هو أهله. فصل: قال المعترض ـ بعد أن ذكر كلام الشوكاني في قوله: إن التوسل بأهل الفضل هو في التحقيق توسل بأعمالهم إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله ورد السندي على الشوكاني هذا الكلام بأربعة وجوه ذكرها قال المكي: فانظر كيف أنكر على الشوكاني تقدير المضاف واستدلّ بالرّد عليه بوجوه أربعة كما نقلته آنفاً ثم وقع في تقدير المضاف في قوله، فإن المراد بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم هو التوسّل بدعائه إلى كلامه. ومقصوده بهذا أنهما من اتباع ابن تيمية وقد ناقض أحدهما الآخر، والجواب أن يقال: إذا كان السندي من أتباع ابن تيمية والشوكاني كذلك من أتباع ابن تيمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 واختلفا في مسألة فاختلافهم لا يسقط الحق مع من كان والحق أحق أن يتبع والصواب هو ما قاله السندي فإن حقيقة التوسل بالشيء التوسل بذاته والتوسل بالأعمال أمر خارج زائد على الحقيقة ولا يصرف عن الحقيقة إلى المجازا لا لمانع فلا يتم له الدليل على أن التوسل بذواتهم إنما هو باعتبار ما قام بهم من الأعمال الصالحة فإن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة لم يتوسلوا إلا بأعمالهم الخارجة عن حقيقة الذات ولم يتوسلوا بذواتهم وكونه أعني هذا المعترض جعل كلام السندي متناقضاً لأنه قال في آخر الكلام فإن المراد بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم وبعم النبي صلى الله عليه وسلّم في هذا القول هو التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلّم وبدعاء عمّه هذا ليس بتناقض فإن التوسل بالنبي في عرف الصحابة هو التوسل بدعائه وكذلك لما توسل عمر بالعباس إنما هو بدعائه لقوله: "قم يا عباس فادع الله"، وكقول معاوية ليزيد بن الأسود الجرشي: "قم يا يزيد فادع الله"، وليس هذا توسلاً بالذوات لأن التوسل بالذوات لم يرد إلا بلفظ غير ثابت لا يصح والتوسل بالأعمال قد ثبت بالكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والسنة الصحيحة وليس هذا من تقدير المضاف في شيء حتى يكون تناقضاً. فصل: قال المعترض: ومن تلك الأمور التي ذكرها عبد الله السنديّ بعد أن نقل عن شيخنا السيد دحلان أن العلامة ابن جماعة نقل عن الإمام أبي حنيفة استقبال القبر الشريف أي للزائر عند السلام عليه صلى الله عليه وسلّم، قوله: أقول راجعت منسك ابن جماعة فلم أجد أثراً من هذا النقل وإنما فيه في ذلك الباب إن الذي صححه الحنفية أنه يستقبل القبلة عند السلام عليه والدعاء إلى آخره قال: والجواب: أولاً: أن شيخنا فيما نقله عن ابن جماعة من الأوضاع التي ملأ بها رسالته الوضيعة ومقالاته الواهية الشنيعة فإنه رجل كذاب وضاع لا يستحيي من الكذب على أهل العلم وقد قال صلى الله عليه وسلّم: "إن مما أدرك الناس من أمر النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". والذي يدل على كذبه ما قاله ابن جماعة في منسكه: أن الذي صحّحه الحنفية أنه يستقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 القبلة عند السلام عليه والدعاء وإطلاق دحلان ما نقله عنه ولم يقيده بمنسك ولا باب غير مسلم له صحة ذلك؛ لأنه معروف بالوضع والكذب وإذا كان ذلك كذلك فالمثبت للكذب لا يقدم على النافي له فإن المتقرر عند العلماء إن الجرح مقدم على التعديل فمالك ولهذه الصناعة وأنت لست ممن يتجر في هذه البضاع ولا ممن يسرح النظر في تلك الفياض ويسيم في فيح تلك المطاوح والرياض. فقل لغليظ القلب ويحك ليس ذا ... بعشك فادج طالباً عشك البال ولا تك ممن مد باعا إلى جنا ... فقصر عنه قال ذا ليس بالمجال وقول المعترض: أن في رد هذه المقالة الخاطئة سوء أدب في حق علامة زمانه فهذا من عدم معرفته بما كان عليه أهل الحديث من الجرح والتعديل ونفيهم ما لم يصح نقله عن أهل العلم بالبرهان والدليل إذ نفى الكذب عنهم من نصرهم والذب عنهم والقيام بحقوقهم وبتبرئتهم من الكذب المنسوب إليهم وأما دحلان فهو لا حرمة له لأنه من الدعاة إلى عبادة القبور وطلب الحوائج من الأموات والالتجاء إليهم في كشف الشدائد في الملمات والمهمات ومن كان بهذه المثابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فلا حرمة له ولا كرامة قال: وأرجو بفضل الله إن لم تتب وتندم أن يجازيك الله على سؤضيعك تباً ليفك هذه الرسالة في الرد على شيخنا السيد أحمد دحلان بالذل والهوان في الدنيا والآخرة سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار. والجواب أن يقال: نعم إذا انكشف الغبار، وافترق الناس فريقين فريق إلى الجنة وفريق إلى النار، هل تحته فرس أجراه لنصر الله ورسوله وأئمة المسلمين أو حمار، وستعلم حينئذ من كان على نهج الرسول وطريقه ومن نحى طريقة أبي جهل وكان من فريقه، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: من الآية227] ، و {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:67] ، وليس من نصر الله ورسوله وأئمة المسلمين وذب عنهم وأمر بتوحيد الله بإخلاص العبادة له بالدعاء والخوف والرّجاء والخشية والرغبة والرهبة والخضوع والخشوع والمحبة والتعظيم والتوكل والإنابة والاستغاثة والاستعانة وغيرها من أنواع العبادات كمن ذب عمن صرفها لغيره من المعبودات الأحياء منهم والأموات فأحبهم محبة تأله وخضوع ودعاء مع الله في المهمات والملمات والحوادث التي لا يكشفها ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 يجيب الدعاء فيها إلا فاطر الأرض والسموات وعكف حول أجداثهم وقبل أعتابهم وتمسح بآثارهم طلبا للغوث واستجابة الدعوات. والله لن يستويا ولن يتلاقيا ... حتى تشيب مفارق الغربان وما أحسن ما قيل شعراً: وما يستوي الشخصان هذا مصعد ... إلى المرقب الأعلى وهذا مصوب وما يستوي البرقان هذا مبشر ... بغيث وهذا كاذب للمع خلّب ولولا العيون الرمد ما كان يستوي ... على حالة ضدان نور وغيهب فصل: قال المعترض: ومن تلك الأمور التي ذكرها السندي بعد أن نقل عن شيخنا عن ابن حجر أن الإمام الشافعي أيام هو ببغداد كان يتوسّل بالإمام أبي حنيفة إلى آخر قوله: لا بد فيما ذكر من سند يعتمد عليه وبعده أقوال من ذكروا فعالهم ليست من الحجة في شيء قال: فيقال لعبد الله السندي مثل هذا المطلب لا يتوقف على سند الأحكام إلى آخر ما قال. والجواب إنما قاله عبد الله السندي هو الحق والصواب لما قدمنا أن الناقل لها معروف بالوضع والكذب وهي كما ذكر في إغاثة اللهفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 من أن الحكاية المنسوبة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر بل قد ثبت عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: "أكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس وذكر هذا عن أبي بكر الأثرم وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء ذكره شيخ الإسلام رحمه الله وأما كون هذا المطلب لا يتوقف على سند فهذا لا يقوله من له أدنى إلمام بالعلوم ولا معرفة له بالمنطوق والمفهوم بل لا بد في نقل ذلك من سند يعتمد عليه وإلا فهو كذب والكذب مردود على من افتراه وافترعه. وقول المكي: وكفى بقولك أقوال من ذكروا فعالهم ليست من الحجة في شيء قبحا وسوء أدب مع الإمام الشافعي وأضرابه وإذا لم تقتد بأقوال وأفعال من ذكر في مثل هذه الفضائل فيمن يحسن الاقتداء إلى آخر ما قال، فيقال: لو صحت هذه الحكاية وحاشى وكلاً إن تصح وكان الشافعي رضي الله عنه قد فعلها ولم يفعلها مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد فضلاً عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفكان فعله حجة على مالك وأبي حنيفة وأحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وعلى كل من خالفه في هذه المسألة والصحابة رضي الله عنهم لم يذكر عن أحد منهم أنه فعل هذا ولا جاء به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، ومن نقل هذا عن أحد من الصحابة فعليه الدليل بنقل العدل الضابط عن مثله وإذا لم ينقل فهو مردود على من قال به أو فعله لأن العبادات مبناها على التوقيف وهؤلاء الأئمة الأربعة قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه وذلك هو الواجب عليهم. قال أبو حنيفة رحمه الله: "هذا رأيي فمن جاء برأي خير منه قبلناه"، ومالك كان يقول: "إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فأعرضوا قولي على الكتاب والسنة"، أو كلاماً هذا معناه والشافعي يقول: "إذا صح الحديث فأضربوا بقولي الحائط وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق" فهي قولي والإمام أحمد كان يقول: "لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري وتعلم كما تعلمنا". فإذا كان الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهونا عن تقليدهم إلا فيما وافق الكتاب والسنة ولم يكن مع الإمام الشافعي سنة فيما فعله على سبيل الفرض والتقدير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لم يكن حجة كيف وقد قال: "إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط"، وحسن الأدب معه أن يتمثل أمره في المعروف وسوء الأدب معه أن يرتكب ما نهى عنه مما خالف الحق ويكفيك من سوء معتقد هذا المكي وعدم بصيرته أنه جعل هذه الأوضاع التي لا تصح عن أحد من الأئمة فضائل فالله المستعان. فصل: قال المعترض: ومن تلك الأمور التي ذكرها عبد الله ترجمته لمحمد بن عبد الوهاب ناقلاً عن الشيخ حسين بن غنام الأحسائي مما يفيد الثناء على محمد بن عبد الوهاب، قال: فيقال لعبد الله السندي عندنا معاشر أهل الحق من أهل المذاهب الأربعة ومقلديهم أن ثناءك على ابن عبد الوهاب من أعظم عيوب رسالتك وكيف تثني على من طبق البقاع خبره الشنيع وملأ الأسماع وصفه الوضيع، وقد ذمّه من علماء عصره عدد كثير فذكر منهم عبد الله بن داود الحنبلي، وأحمد بن علي القباني صاحب البصرة وعطاء المكي وأحمد المصري الأحسائي، ومحمّد بن عبد الرحمن بن عفالق، وعلوي بن أحمد الحداد. والجواب أن يقال: إن معاشر أهل الحق ولله الحمد والمنة على خلاف ما زعمت وعلى غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 طريقتك التي انتحلت وقد أثنوا عليها وارتضوها وأقروا ما فيها من الثناء الجميل ويتقنوا فضل الشيخ وعلمه وتحقيقه، وصنفوا مصنفات أوضحوا فيها معتقده وتصديقه وأنه كان على ما كان عليه السلف الصالح في باب العلم والإيمان، والتحقيق والعرفان، ولا عبرة بمن خالفهم وإن كانوا عديد الشاء والبعران وأما من ذمه ممن ذكرت فإن كل هؤلاء ممن شرق بهذا الدين وعصفت عليهم عواصف الشقوة فسفتهم إلى أسفل السافلين، وماذاك إلا لما ألفوه من عادات أهل الزمان من عبادة الطواغيت والأوثان و {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: من الآية23] . وحسداً منهم وبغيا حيث من الله على هذا الشيخ بإظهار هذه الدعوة كما قال إخوانهم {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: من الآية53] ، وكل من هؤلاء قد أدحض الله حجته وألقم حجراً بالعلم والبرهان وصارت مصنفاتهم وردودهم ضحكة للساخرين وشماتته لمن نظر فيها من أهل المعرفة والدين؛ لأنهم إنما نقلوا فيها منكراً من القول وزوراً، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: من الآية5] وعدلوا عن منهج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الإصابة والصدق فهم بما لفقوه يموهون، {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53] ، وأظنوا أنهم بما كتبوه حازوا قصب السبق والغناه وعجوا وضجوا وما أبقوا ممكنا، وحسبوا أنهم لهذا الدين يطفؤن {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: من الآية32] . فلما طلع عليهم باسم هذا النور، وعصفت عليهم عواصف الهوان والدبور، تسنموا غارب البهتان والفجور، وأظهروا أنهم لهذا الدين ينصرون {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11ـ12] . وزينوا للناس سلوك مناهج الضلال والهلاك وزجوهم إلى ما يوقعهم في شبائك الإشراك، وأوهموا الجهّال والطغام أنهم يهدون بالحق وبه يعدلون، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] ، وقد دعاهم الشيخ إلى دين الله ورسوله وأشادلهم المنار والمعالم عن فروعه وأصوله وبين لهم كيف الطريق إلى وصوله وكشف لهم القناع ولكنهم به يستهزؤون {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [لأنفال:23] فمزقهم الله تعالى: أيادي سبا، وأظهر الله من أظهر دين وأحبتي، و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 مكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وحبا فهم بجبله مستمسكون {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5ـ6] . وقول هذا المعترض: أفتريد أيّها السندي أن تروج برسالتك هذه ضلال من اتضح لمن ذكر حاله وحال متبعيه مثلم بل قد زدنا بوصول رسالتك ورسالة التابع لك عبد الكريم بصيرة بأحوالكم وأعمالكم. فالجواب أنه ولله الحمد ما أراد برسالته غير نصر الحق وإدالته وإدحاض الباطل وإزالته، وبيان هوس هذا المكي وجهالته، وسوء معتقد وضلالته ما أراد الترويج كما حرر هذا الجاهل بمقالته الشنيعة، وأظهره في اعتراضاته الوضيعة، وهذا هو الواجب على من أعطاه الله العلم ومنحه بكرمه وفضله الدراية والفهم {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [يونس: من الآية108] ، و {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [لأنفال: من الآية42] ، ثم ذكر بعد هذا ما لخصه من تأليف علوي بن أحمد الحداد فيما جمعه من أقوال من عاصر شيخ الإسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ابن تيمية رحمه الله من حاسديه ومعاديه لأجل حظوظ نفوسهم وبغيا منهم أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده وما أحسن ما قيل، وما ضرّ عين الشمس إن كان ناظراً، إليها عيون لم تزل دهرها عميا. فأما ما نقله عن الذهبي رحمه الله وهو ممن أثنى على شيخ الإسلام ونشر فضله وعلمه، وهو من أجل تلامذته ففيه بعض الألفاظ المخالفة لما تقدم عنه في ترجمته لشيخ الإسلام ولا آمن أن تكون من تحريفات هؤلاء الوضاعين. وأما كلام الشعراني عن أبي الحسن الشاذليّ فشنشنة أعرفها من أخزم فلا جرم أنه ممن تظاهر بعداوة الشيخ وما علمنا أن الشيخ رحمه الله أنكر على أحد من العارفين المعروفين بالصلاح والولاية ولكنه بين كفر ابن عربي وأمثاله كابن الفارض وغيرهما من الملاحدة وهم عند هؤلاء من أولياء الله العارفين وهم من أكفر أهل الأرض عند العلماء المحققين، ومن شكّ في كفرهم فهو كافر كما ذكره الإمام ابن المقرئ الشافعي رحمه الله، وأما ما قال عبد الرحمن الأشموني في حاشيته نقلاً من فتاوى العراقي فقد أثنى عليه إلا في قدر ستين مسألة فروعية ذكر أنه وافقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 عليها غير واحد من الأئمة وحينئذ فلا مطعن عليه ولا لوم يتوجه إليه دون غيره من العلماء وقد تقرر عند أهل العلم أن لا إنكار في مسائل الاجتهاد ثم إنهم ولله الحمد لم يستطيعوا أن يحصروا حسناته كما حصروا لو سلم لهم بزعمهم سيئاته والعصمة إنما هي للرسل ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها، كفى المرأ نبلاً أن تُعدّ معائبه. قال المكي: وإذا تبين مازدناك هنا مما نقله الثقات في بيان حاله علمت واتضح لك أن وصف محمد بن عبد الوهاب، وحاله مبني ومتفرع على ما أصله ابن تيمية فهو ضلال وفساد متفرع على ضلال وفساد إلى آخر ما هذا به. والجواب أنا قد بينا فيما مضى من حال شيخ الإسلام رحمه الله وما قاله أهل العلم والتحقيق ما يعلم به فضله وعلمه وورعه وزهده وسمته وهديه وأنه على ما كان عليه السلف الصالح والصدر الأول من حسن السيرة وسلامة المعتقد وأنه برئ مما نسب إليه أعداؤه مما خالف الكتاب والسنة والسلف الصالح فلا نطيل بإعادته. وكذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد بينا أصل ظهوره ودعوته وما كان عليه أهل الأقطار من الشرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وعبادة الأولياء والصالحين والطواغيت والأوثان خصوصاً أهل نجد قبل دعوته وذكرنا شيئاً من سيرته وأخباره وعقيدته وشيئاً من كلامه في رسائله والعجب كل العجب أن هذا المعترض قد تصفح رسالة السندي من أولها إلى آخرها وهي مملوءة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأولاده وتلامذته فلم يفرح على لفظة واحدة من كلامهم بحق يحقه أو باطل يبطله ولو وجد باطلاً وهو ذو علم ما أهمله ولكنه عدل إلى هذه المعارضة والمناقضة للسندي التي هي أوهن من بيت العنكبوت وقد خصم نفسه في أول وهلة من كتابه حيث قال في رده على السندي وعبد الكريم ولم التفت لمعارضته كل واحد منهما في رد مقالته ببرهان عقلي وشرعي وإذا تبين لك أنه لم يرد مقالتهما ببرهان عقلي أو برهان شرعي كان رده وكلامه من جنس كلام المجازيب الذين ينطقون بما لا يعقلون ومن كلام من يقول على الله بلا علم إذا الكلام الخالي من البرهان الشرعي قول بلا علم والعلم، قال الله وقال رسوله، والكلام الخالي من البرهان العقلي لا يقيم حجة ولا يهدى إلىمحجة بل مجرد هوس وتخليط فالحمد لله الذي جعلهم بهذه المثابة وحرمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ببغيهم وعدوانهم طريق الإصابة، ثم ذكر بعد هذا فصلا فقال فصل، ما كتبته على ما ذكره عبد الله السندي يغني في الرد على رسالة عبد الكريم إذ هي صغيرة كالفرع عن رسالة عبد الله السندي لكني رأيت عبد الكريم في رسالته قال: فإثبات علم المسؤلات مع البعد في المسافات من قبيل إثبات العلم بالمغيبات إلى آخر ما أطال به مما يفيدان من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلّم يعلم الغيب يكفر وأن من ادعى علم الغيب كان كافراً. والجواب أن يقال: إن هذا المعترض قد حذف من كلام عبد الكريم بعضاً وتصرف فيه وإنا أسوقه بحروفه فال عبد الكريم: "ويمكن كونه كناية عن أعلامه بأن فلانا صلى عليك فإثبات علم المسؤلات بناء على الحياة من غير فرق في القرب والبعيد من المسافات ولو في شأن أشرف الكائنات من قبيل العلم بالمغيبات" فحذف هذا المعترض من كلامه قوله: "بناء على الحياة من غير فرق في القريب والبعيد من المسافات ولو في شأن أشرف الكائنات"، وكلام عبد الكريم هذا حق فإن من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلّم أو غيره كان بعد موته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يعلم ما يقع في الأقطار والجهات على بعد المسافات بناء على أنه كان في الحياة كذلك من غير فرق بين البعيد والقريب فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله كما قالت عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمداً رأى ربه فد كذب ومن زعم أن أحداً يعلم الغيب فقد كذب وهل في الوجود أفسد، ومن هذا البناء فما كان في حيوته عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة يعلم ويسمع ما يقع في أقطار الأرض من العرب والعجم بل روى عنه صلى الله عليه وسلّم أنه يسمع سلام المسلم من قريب ويبلغه من بعيد إذا تقرر هذا فقد قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: من الآية59] ، وقال: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: من الآية50] ، وقال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: من الآية65] ، وقال لنبيه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: من الآية188] ، وقال: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النحل: من الآية77] ، وقال له: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ} [الكهف: من الآية26] ، قال المسيح: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الْغُيُوبِ} [المائدة: من الآية116] ، وقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] ، فمدح نفسه وأثنى عليها بانفراده وتخصيصه بعلم الغيب دون خلقه فإن كما العلم وإحاطته بجميع المعلومات كلياتها وجزئياتها وصف كمال استحق به تعالى أن يطاع ويتقي ويرجى ويعبد وعلم الخلائق أجمعين بالنسبة إلى علمه كنسبة ما يأخذه العصفور في منقاره من البحار كما في قصة موسى والخضر لأنهما لما ركبا في السفينة جاء عصفور فنقر في البحر فقال الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر فمن تقرر هذا لديه وأمن بما دل عليه لم يلتفت إلى إطلاق ما أطلقه هذا المعترض بقوله اعتراضاً على عبد الكريم أن كلامه يفيد أن من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلّم يعلم الغيب يكفر وأن من ادعى من المؤمنين علم الغيب لا يكفر بذلك وهل هذا إلا مصادمة ومصادرة لقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: من الآية65] ، وقوله: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 مِنَ الْخَيْرِ} [لأعراف: من الآية188] ، ومن قال ذلك فقد انسلخ من الإسلام والعياذ بالله ولا يمر على سمع الموحد اسمج من هذا واشنع منه فتأمل قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: من الآية59] ، ثم تأمل إطلاق من أطلق أن النبي صلى الله عليه وسلّم أو غيره يعلم الغيب فإن صريح الآية نفى علم مفاتح الغيب عن غيره تعالى وكذلك قوله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: من الآية65] ، فيه نفى علمه عن كل من في السموات والأرض إلا الله تعالى، وهي صريحة في النفي عن غيره، وكذلك قوله لنبيه صلى الله عليه وسلّم: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: من الآية50] صريح في نفي علم الغيب عن سيد ولد آدم فضلا عن غيره، وكذلك قوله: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [هود: من الآية123] تقديم الجار والمجرور يفيد الاختصاص والحصر، فعلم الغيب له تعالى لا لسواه، وقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70] هذا يفيد اختصاصه تعالى وانفراده بعلم الغيب لأن السياق لبيان الكمال والمدح والثناء على نفسه تعالى ولو ثبت ذلك لغيره لفات المقصود من السياق وكذلك قول المسيح يشير إلى هذا كما يدل عليه إقحام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 الضمير بين خبر إن واسمها وكما يفيده التأكيد بأنّ، وفي الخبر أن جارية تغنت بقوله: "وفينا رسول الله يعلم ما في غد، فسمعها النبي صلى الله عليه وسلّم فقال لها: دعي هذا وقولي غيره"، وفي حديث عمر في سؤال جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له: "في خمس لا يعلمهن إلا الله، وتلا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} الآية [لقمان: 34] ، وقالت عائشة رضي الله عنها: "من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ومن زعم أن أحداً يعلم الغيب فقد كذب"، وتأمل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} الآية [سبأ:1ـ2] كيف تجد تحتها من إثبات الحمد والثناء المطلق على نفسه المقدسة بما دلت عليه هذه الآيتان الكريمتان ولو قيل بمشاركة غيره في ذلك لفات الحمد المقصود ولما تأتى هذا الثناء بما يشاركه فيه مخلوق ضعيف، قال مالك بن أنس رحمه الله: "أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلّم لأجل جدله". قال المعترض: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وحاصل ما ينبغي في تحقيق هذه المسألة من غير أن أطول بنصوص كثيرة بل أقتصر فيما يتعلق بما ذكر على صورة سؤال وملخص جوابه من خاتمة الفتاوى للشهاب ابن حجر الهيثمي، قال فيها: "سئل ـ أي الشهاب ابن حجر ـ بما لفظه: من قال: إن المؤمن يعلم الغيب هل يكفر، لقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} ، وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} [الجن:26] . أو يستفصل لجواز العلم بجزئيات من الغيب فأجاب بقوله: لا يطلق القول بكفره لاحتمال كلامه ومن تكلم بما يحتمل الكفر وغيره وجب استفصاله كما في الروضة وغيرها ومن استفصل فقال: أردت بقولي المؤمن يعلم الغيب أن بعض الأولياء قد يعلمه الله ببعض المغيبات قبل منه ذلك لأنه جائز عقلا وواقع نقلا إذ هو من جملة الكرامات الخارجة عن الحصر على ممر الأعصار فيعضهم يعلمه بخطاب وبعضهم يعلمه بكشف حجاب وبعضهم يكشف له عن اللوح المحفوظ حتى يراه إلى آخر ما قال. فالجواب أن يقال: إن العلم بجزئيات الغيب لا يفيد أن من علمه فقد علم الغيب أو أنه ناسخ للنصوص العامة المطلقة غاية ما هناك إثبات ما دلّ عليه الاستثناء في الآيات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الآتي بيانها كبعض الأفراد الجزئية وهو لا يمنع العموم بل العام باق على مفهومه كم لا يخفى على من له أدنى مفهوم وبهذا تعلم بطلان دعوى من ادعى أن الأموات يعلمون الغيب فإن هذه الدعوى مصادمة ومصادرة لما مر من النصوص ولأن الغيب اسم يقع على كل ما غاب عن الخلق من العلوم والمعارف وما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون فمن عرف هذا عرف أنه لا يجوز إطلاق القول بجواز حصول علم الغيب لأحد من الخلق وإما ما جاء من الاستثناء في بعض الآيات كقوله {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26ـ27] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "كقوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ} [البقرة: من الآية255] وهكذا قال ههنا أنه يعلم الغيب والشهادة وأنه لا يطلع أحداً من خلقه على شيء من علمه إلا بما أطلعه الله تعالى عليه ولهذا، قال: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} فهذا يعم الرسول الملكي والبشرى ثم قال: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن:27] أي يختصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ويساقونه على ما معه من وحي الله ولهذا قال: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} الآية [الجن:28] " انتهى. وقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} فهذا يدل على أمرين تأكيداً لنفي وتحققه وإخراج بعض الأفراد التي يعلمها من شاء الله تعالى كما يعلم بالوحي ونحوه كذلك أخباره صلى الله عليه وسلّم عن أشياء وقعت فيما مضى وأخباره عن أشياء تقع في أمته فهذا ونحوه أمر جزئي بالنسبة إلى ما اختص الله بعلمه كما في حديث موسى وقول الخضر له ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر وهذا بالنسبة إلى علم الله وإن كثر واتسع بالنسبة إلى علوم الخلق فإنما يحصل لرسل الله من العلوم والمعارف لا نسبة بينه وبين علم الله الذي أحاط بكل شيء وأحصاه عدداً إذا علمت هذا وتحققته فعبد الكريم لا ينفى وجود الجزئيات في حد الكرامة وخرق الله العادة لوليه كما في قصة عمر وقصته آصف وقصة مريم وكما يذكر عن أبي إدريس الخولاني وعن العلاء بن الحضرمي وأمثالهم وذلك ونحوه داخل في عموم قوله إلا بما شاء وقد دخل فيه ما يحصل للإنبياء عليهم السلام بواسطة وبغير واسطة ولكن لا يقال: إن أحداً ثبت له هذا بجميع أنواع الغيب كلية وجزئية لأن ذلك لا يكون إلا لله كما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 قال تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} الآية [لأعراف:188] ولا عبرة هنا بالمكابرة والدعوى المجردة عن الدليل والبرهان كقول بعض الضالين أن ذلك ثبت للأولياء على سبيل الكرامة فإن هذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة بل ولا قاله من يعتد به من هذه الأمة وإنما يعرف عمن غلظ عن معرفة الله ومعرفة حقه حجاب هم وكثر في دينه وخبره ريبهم واضطرابهم وعجزت عن معرفة قدره وعظمته وعموم علمه إلبابهم وإنما ينكر هو وكل مسلم إطلاق علم الغيب كما هو مصرّح به في كلامه وكما مر وذكره آنفا، وما قاله ابن حجر من أن بعضهم يكشف له عن اللوح المحفوظ حتى يراه وهله عظيمة وقوله مرفوضة ذميمة فما أعظم هذه من فرية وهل يجوز في خلد من يؤمن بالله واليوم الآخر إلا أنها كذب بلا مرية سبحانك هذا بهتان عظيم وهذا لا يقوله إلا أفراخ الجهمية والاتحادية الذين يزعمون أن الولي ارفع منزلته من الرسول لأن الرسول يأخذ عن الله بواسطة الملك والولي يأخذ عن الله بلا واسطة وينشدون في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي وقد جاء في الحديث الصحيح أنه لا ينظر فيه غير الله عز وجل في حديث أبي الدرداء واللوح المحفوظ فوق السموات كما جاء في الحديث: "أن الله كتب كتاباً فهو عنده على العرش" فسبحان الله ما أعظم هذا الإفتراء وما أجراهم على الله وما حصل هذا لأفضل خلق الله وأكرمهم عليه سيد ولد آدم فكيف بغيره من الأولياء. وما جرى للخضر فإنما هو كما قال لموسى: "إنك على علم من الله علمك إياه لا أعلمه وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه" أو كما قال، لا يقال أنه أخذه عن اللوح المحفوظ إلا بدليل ولا دليل على ذلك لا من كتاب ولا سنة ولا عن أحد من أهل العلم. وخبر أبي بكر من قبيل الفراسة، وما ذكر عن عمر رضي الله عنه فهو على سبيل الكرامة والكشف وتقدم أن هذا الجزئي لا يفيد أن من علمه فقد علم الغيب أو أنه ناسخ للنصوص العامة المطلقة غاية ما هناك إثبات ما دل عليه الاستثناء في الآيات كبعض الأفراد الجزئية وهو لا يمنع العموم بل العام باق على مفهومه فسبحان الله ما أجهل من أطلق علم الغيب على غير الله تعالى من حيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أو ميت وما أضله عن سوآء السبيل كيف يعارضون النصوص بهذا الكلام المموه المزخرف ويعتمدون عليه وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم وذلك أن من علم شيئاً من جزئيات الغيب بنوع من الكرامات أو المكاشفات يقال: إنه يعلم الغيب ومن قال إنه يعلم الغيب لا يكفر وهل هذا لا تكذيب ومكابرة للقرآن، وأعظم من هذا من يزعم أن الولي يكشف له عن اللوح المحفوظ فيراه وقد قال بعض العلماء المحقيقين، فمن ادعى أنه إذا راض نفسه يرى ما كتب في اللوح المحفوظ ويعلم الغيب فهو كافر وبما ذكرناه يعلم كذب هذا المكي على عبد الكريم وعلى غيره من العلماء وهم إنما يكفرون من يطلق علم الغيب لغير الله لمصادمته للآيات الواردة في ذلك واختصاصه بالله دون غيره نبيا كان أو وليا وفي كلام ابن حجر ما يرد اعتراض هذا المكي وذلك قوله وحينئذ لا يطلق أنهم يعلمون الغيب والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل: قال المعترض: اعلم أنه من مدة سنين جاء على خاطري أن أهل الحق والصلاح وإن كانت لهم سيما وعلامات كثيرة لكن ظهر أن من أحسن العلامات وأقربها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وضوحا أن أهل الحق والصّلاح يحبون الإمام حجة الإسلام الغزالي ويحبون مصنفاته كإحياء علوم الدين ومنهاج العابدين والأربعين الأصل، ويحبون المطالعة فيها ويرغبون في العمل بمقتضاها وأهل الباطل والضلال على ضد وصف من ذكر فلا يحبون الإمام الغزالي ولا يحبون مصنفاته المذكورة ولا يقرؤنها ولا يرغبون في العمل بمقتضاها فمن كان على الوصف الأول فهو إن شاء الله تعالى من أهل الحق والصلاح ومن أهل السنة والجماعة ومن السواد الأعظم التابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن كان على الضد من ذلك فهو من أهل الباطل والضلال، ثم ذكر شيئاً من سيرته وشيئاً من الترهات السامجة الباردة في فضل كتب الغزالي ومنها قوله: وأما تعظيم السّادة آل ابن علوي للأحياء فكثير جداً، فقد كان سيّدنا تاج العارفين عبد الله بن أبي بكر العيدروس يكاد يحفظه نقلا ويحث على التزام مطالعته والعمل بقوله وفعله ويقول عليكم يا إخواني بمتابعة الكتاب والسنة أعني الشريعة المشروحة في الكتب الغزالية وشرح الكتاب والسنة مستوفى في كتاب الإحياء للإمام حجة الإسلام الغزالي وقال أيضاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وبعد فليس لنا طريق ومنهاج سوى الكتاب والسنة وقد شرح ذلك كله سيّد المصنفين وبقية المجتهدين حجة الإسلام الغزالي في كتابه العظيم الشأن الملقب بأعجوبة الزمان إحياء علوم الدين الذي هو عبارة عن شرح الكتاب والسنة والطريقة وهو موضع نظر الله تعالى وموضع نظر رسول الله فمن أحبه وطالعه وعمل بما فيه فقد استوجب محبة الله تعالى ومحبة رسوله وملائكته وأنبيائه وأوليائه وجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة وصار عالما في الملك والملكوت ولو بعث الله تعالى الموتى لما وصفوا الأحياء إلا بما في الأحياء إلى آخر ما هذا به، وقد تركنا أسمج من هذا وسقنا هذا بحروفه لتعرف حقيقة ما عند هذا المكي وما هو عليه وأنه جعل كتب الغزالي معيارا فمن عمل بها وبمقتضاها فهو من أهل الحق عنده وليس على هذا الهوس من مزيد ولا عن مناقضته بالحق من محيد وإن كان ليس من غرضنا رد ما فيه لكن لما ذكر أن من لم يعمل به فهو من أهل الضلال وقد تكلم العلماء الأجلاء في كتب الغزالي وبينوا ما فيها من الأمور المخالفة للشريعة. ونذكر منها طرفا ليعلم به نسبته أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 العلم إلى الضلال. قال شيخنا شيخ الإسلام: وقدوة العلماء الأعلام الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ عبد الله بن معيذر، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: قد بلغني عنك ما يشغل كل من له حمية إسلامية وغيرة دينية على الملة الحنيفية وذلك أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب الإحياء للغزالي وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ووسائل الكفر والشقاوة، وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة والتأويلات الضالة الخاسرة والشقاشق التي اشتلمت على الداء الدفين والفلسفة في أصل الدين وقد أمر الله تعالى وأوجب على عباده أن يتبعوا رسله وأن يلتزموا سبيل المؤمنين وحرم اتخاذ الولائج من دون الله ورسوله ومن دون عباده المؤمنين هذا الأصل المحكم لأقوام للإسلام إلا به وقد سلك في الإحياء طريق الفلاسفة والمتكلمين في كثير من مباحث الإلهيات وأصول الدين وكسى الفلسفة لحاء الشريعة حتى ظنها الأغمار والجهال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بالحقائق من دين الله الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ودخل به الناس في الإسلام وهي في الحقيقة محض فلسفة منتنة يعرفها ألوا الأبصار ويمجها من سلك سبيل أهل العلم كافة في القرى والأمصار قد حذر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها ومطالعة خافيها وباديها بل أفتى بتحريفها علماء المغرب ممن عرف بالسنة وسمها كثير منهم إماتة علوم الدين وقام ابن عقيل أعظم قيام في الذم والتشنيع وزيف ما فيه من التمويه والترقيع وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل قال شيخ الإسلام: "ولكن أبو حامد دخل في أشياء من الفلسفة وهي عند ابن عقيل زندقة وقد رد عليه بعض ما دخل فيه من تأويلات الفلاسفة ورد عليه شيخ الإسلام في السبعينية وذكر قوله في العقول والنفوس وأنه مذهب الفلاسفة فأفاد وأجاد ورد عليه غيره من علماء الدين وقال فيه تلميذه ابن العربي المالكي: "شيخنا أبو حامد دخل في جوف الفلسلفة ثم أراد الخروج فلم يحسن وكلام أهل العلم معروف في هذا لا يشكل الأعلى من هو مزجي البضاعة أجبني عن تلك الصناعة إلى أن قال: إذا سمعت بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 عباراته المزخرفة قلت: كيف ينهانا عن هذا فلان أو يأمر بالأعراض عن هذا الشأن كأنك سقطت على الدرة المفقودة والضالة المنشودة وقد يكون ما أطربك وهز إعطافك وحركك فلسفة منتنة وزندقة مبهمة أخرجت في قالب الأحاديث النبوية والعبارات السلفية إلى أن قال: ثم جمعت بعض أقوال العلم وما أفتوا به في هذا الكتاب وتحذيرهم للطالب والمسترشد ثم ذكر كلاما طويلاً للذهبي في ترجمته للغزالي قال: ومن معجم أبي علي الصدفي في تأليف القاضي عياض له قال الشيخ: أبو حامد ذو الأبناء الشنيعة والتصانيف العظيمة غلا في طريقة التصوف وتجرد لنصر مذهبهم وصار داهية في ذلك والف فيه تواليفه المشهورة أخذ عليه فيها مواضع وساءت به ظنون أمه والله أعلم بسره ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتثل ذلك، وقال الذهبي أيضاً: قد ألف الرجل في ذمّ الفلاسفة كتاب التهافت وكشف عوارهم ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق أو موافق للملة ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل وحبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 إخوان الصفا وهو داء عضال وجرب مردي وسم قاتل ولولا أن أبا حامد من الأذكياء وخيار المخلصين لتلف فالحذر الحذر من هذه الكتب وأهربوا بدينكم من شبه الأوائل والأوقعتم في الحيرة فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية ولكيثر الاستغاثة بالله واليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة وسادات التابعين والله الموفق فيحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله" انتهى. قلت: فتأمل كلام الذهبي رحمه الله وهو من أئمة الشافعية المشهورين بالصّلاح والمعرفة والدين حيث قال ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن البنوية القاضية على العقل ثم تأمل ما ذكره المكي من أن كتاب الإحياء هو عبارة عن شرح الكتاب والسنة والطريقة وهو موضع نظر الله تعالى وموضع نظر رسول الله: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: من الآية16] ، وقال قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن حمد القرطبي: "إن بعض من يعض ممن كان ينتحل رسم الفقه ثم بترا منه شغفا بالشرعة الغزالية والنحلة الصوفية أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام برعتهم فأين هو من تشنيع مناكيره وتضليل أساطيره المباينة للدين وزعم أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 هذا من علم المعاملة المفضى إلى علم الكاشفة الواقع بهم على سر الربوبية الذي لا يسفر عن قناعة ولا يفوز بإطلاعه إلا من تمطى إلى شيخ ضلالته التي رفع لهم أعلامها وشرع أحكامها قال أبو حامد وأدنى من هذا العلم التصديق به وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر فيه شيئاً فأعرض من قوله على قوله ولا تشتغل بقراءة قرآن ولا بكتب حديث لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جيبه والتدثر بكسائه فيسمع نداء الحق فهو يقول ذروا ما كان السلف عليه وبادروا ما آمركم به ثم إن القاضي أقذع وسب وكفر وقال أبو حامد وصدور الأحرار قبور الأسرار ومن أفشى سر الربوبية كفر ورأمثل قتل الحلاج خير من إحياء عشرة لإطلاقه ألفاظا ونقل عن بعضهم قال للربوبية سر لو ظهر لبطلت النبوة وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم وللعلم سر لو كشف لبطلت الأحكام. قلت: سرّ العلم قد كشف بصفة أشقياء فانحل النظام وبطل لديهم الحلال والحرام قال ابن حمد ثم قال الغزالي بهذا إن لم يرد إبطال النبوة في حق الضعفاء فما قال ليس بحق فإن الصحيح لا يتناقض وإن الكامل لا يطفى نور معرفته نور ورعه وقال الغزالي العارف يتجلى له أنوار الحق وتنكشف له العلوم المرموزة المحجوبة عن الخلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فيعرف معنى النبوة وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة التي نحوه منها على ظاهرها قال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية قلت: صديقا فإذا ذرأيته في النهاية، قلت: زنديقا ثم فسره الغزالي فقال: إذ اسم الزنديق لا يلصق إلا بمعطل الفرائض لا بمعطل النوافل وقال: ذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فيجلس فارغ القلب مجموع الهم يقول الله الله الله على الدوام فيفرغ قلبه ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث فإذا بلغ هذا الحد التزم الخلوة ببيت مظلم ويدثر بكسائه فحينئذ يسمع نداء الحق {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] . قلت: إنما سمع شيطانا أو سمع شيئاً لا حقيقة له من طيش دماغه والتوفيق في الاعتصام بالكتاب والسنة والإجماع. وقال أبو بكر الطرطوشي: "شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما على بسيط الأرض أكذب منه شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا وهم قوم يرون النبوة مكتسبة وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق" انتهى. قلت: والمقصود أنه ذكر في ترجمته للغزالي أن من لم يقرأ في كتبه ويعمل بمقتضاها فهو من أهل الباطل وقد رأيت ما ذكره هؤلاء الأئمة الأفاضل من ذم كتب الغزالي وعلى زعم هذا المكي أن الهدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 لا يؤخذ من الكتاب والسنة ولا يعمل بمقتضاهما ويكفي من ذلك النظر في الإحياء والعمل بمقتضاه وهل هذا إلا نبذ للكتاب والسنة وراء الظهر فالله المستعان ويلزم من كلامه هذا أن أئمة الإسلام المذكوربن أهل ضلال وليسوا من أهل السنة والجماعة لأنهم حذروا عن النظر في كتبه ونبهوا على ما فيها من الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية والطريقة المحمدية وإنه شحن كتابه الأحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وشبكه بمذاهب الفلاسفة وأما أبو حامد نفسه فذكر شيخ الإسلام أنه في آخر عمره استقر أمره على الحيرة والوقوف بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار أهل الكلام والفلسفة وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهادة وفي آخر عمره اشتغل بالحديث البخاري ومسلم" انتهى. وليس المراد بما نقلناه إلا التنبيه على ما في كتبه من التأويلات الجائرة ليكون المسلم على حذر من تلك الورطات ولعله أن يهرب بدينه من شبه الأوائل كما ذكر ذلك الثقات الأثبات وبما ذكرناه تعرف ضلال هؤلاء المتنطعين المتهوكين الحيارى المفتونين وأنهم عن معرفة الهدى وحقائق المعارف ومدارك الأحكام بمعزل وليس عندهم إلاّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 التقليد المحض العاري عن الدليل وتنفير العوام والطغام عن دين الله ورسوله وعن ما عليه السلف الصالح والصدر الأول من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله والتحذير عمن هذه طريقته وهذه نحلته فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن الغي بعد الرشاد وكان الأولى بهذا المكي أن يكون حظه على لزوم الصحيحين والسنن والمسانيد وعلى تفاسير أهل التحقيق كتفسير محمد بن جرير الطبري، وتفسير العماد ابن كثير والبغوي وغيرهم من تفاسير أهل السنة وأما كتب الغزالي فهي كما سمعت كلام العلماء فيها والواجب على كل مسلم الاعتصام بالكتاب والسنة والعض عليهما بالنواجذ والحض عليهما وترك ما خالفهما ولزوم هدي الصحابة وما كانوا عليه فإنهم كانوا هم أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفاً قوم اخترهم الله لصحبة نبيه ولإظهار دينه وقد قال بعض أهل التحقيق من أهل العلم في أبيات له قال فيها: يا باغي الإحسان يطلب ربه ... ليفوز منه بغاية الآمال انظر إلى هدي الصحابة والدي ... كانوا عليه في الزمان الخال واسلك طريق القوم أين تيمموا ... خذيمنة ما الدرب ذات شمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 تالله ما اختاروا لأنفسهم سوى ... سبل الهدي في القول والأفعال درجوا على نهج الرسول وهديه ... وبه اقتدوا في سائر الأحوال نعم الرفيق لطالب يبغي الهدى ... فما له في الحشر خير مال القانتين المخبتين لربهم ... الناطقين بأصدق الأقوال التاركين لكل فعل سيء ... والعاملين بأحسن الأعمال أهواؤهم تبع لدين بنبيهم ... وسواهم بالضد في ذي الحال ما شابهم في دينهم نقص ولا ... في قولهم شطح الجهول الغال عملوا بما علموا ولم يتكلفوا ... فلذاك ما شابوا الهدى بضلال وسواهموا بالضد في أحواله ... تركوا الهدى في دعوا إلى الإضلال فهموا الأدلة للحيارى من يسر ... بهذا هموا لم يخش من إضلال وهم النجوم هداية وإضاءة ... وعلو منزلة وبعد منال يمشون بين الناس هونا نطقهم ... بالحق لا بجهالة الجهّال حلما وعلما مع تقى وتواضع ... ونصيحة مع رتبة الأفضال يحيون ليلهموا بطاعة ربهم ... بتلاوة وتضرع وسؤال وعيونهم تجري بفيض دموعهم ... مثل انهمال الوابل الهطّال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 في الليل رهبان وعند جهادهم ... أسد وهم من أشجع الأبطال وإذا بدى علم الرهان رأيتهم ... يتسابقون بصالح الأعمال بوجوههم أثر السجود لربهم ... وبها أشعة نوره المتلالي ولقد أبان لك الكتاب صفاتهم ... في سورة الفتح المبين العالي وبرابع السبع الطوال صفاتهم ... قوم يجهموا ذووا إذلال وبرآءة والحشر فيها وصفهم ... وبهل أتي وبسورة الأنفال وأما من جعل إنساناً حجة ومصنفاته وكلامه المشحون لكلام الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا موضع نظر الله تعالى وموضع نظر رسول الله فمن أحبها وطالعها وعمل بما فيها فقد استوجب محبة الله تعالى ومحبة رسوله وملائكته وأنبيائه فقد كذب وافترى، وقال على الله بلا عليم {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: من الآية144] ، والمقصود بما كتبه في هذه الأوراق نصرة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وغيرة على دين الله ورسوله من أعداء الشريعة الذين يريدون علواً في الأرض ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ويسعون في الأرض فساداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 والله لا يحب المفسدين والله المسؤل المرجو لإجابه أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين وأن يجعلنا من أنصار دينه الذابين عنه زيغ الزائغين وانتحال المبطلين وتحريف المحرفين وأن يهب لنا من لدنه علما وحكما ويرزقنا في كلامه وكلام رسوله فهماً وإخواننا المسلمين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ونسأله أن يثبتنا على دينه حتى الممات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ما اتصلت عين ينظر وإذن يخبر وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين. صورة ما قرظه العالم الرباني الشيخ أبو سالم صالح بن سالم آل بنياح، قال عفى الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الناصر من نصره، والمدحض حجة من كفره، والمتكفل بالزيادة لمن شكره، الذي أقام للذب عن دينه من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أنا بها درج الجنان، وأجار بها من عذاب النيران، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين، وحجة على العباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ما تعاقب الملوان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد فإني وقفت على رسالة لمحمد سعيد بن محمد بابصيل الشافعي المكي اعترض فيها على ما كتبه العالم المحقق والعلامة المدقق عبد الله بن عبد الرحمن السندي وعلى ما كتبه عبد الكريم بن فخر الدين على رسالة أحمد بن زيني دحلان التي سماها "الدرر السنية في الرد على الوهابية" فأجلت في هذه الرسالة نظري وأسمت في معانيها فِكَري مع قصر باعي وعدم اطلاعي فإذا هي واهية المباني ركيكة المعاني وإن كانت في صدور الطغام أجل من السبع المثاني، ولو لبس الحمار ثياب خزّ ... لقال الناس يا لك من حمار تنادي على صاحبها بالجهالة وتفصح عنه بأنه من أهل الغواية والضلالة، لا يحسن بنقله الإيراد، ولا يعرف مما يورده المراد، والعلم مدينة أحد بابها الدراية، والثاني الرواية، وهو في كلا البابين ذوا بضاعة مزجاة، وظلمه في العلوم الشرعية أقلص من ظل حصاة، و الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 قد اعترف هذا الملحد بما ذكرناه وقدرناه حيث لم يلتفت لمعارضة خصمه ببرهان عقلي أوشرعي فهذه الشهادة منه بإفلاسه من النقل الصريح والعقل الصحيح قد خصم بها نفسه وأراح خصمه وقد أصل في رسالته أصلين ينبني يزعمه بطلان الأصل الأدنى وهو ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب على بطلان الأصل الأبعد وهو شيخ الإسلام ابن تيمية إذ هو عنده أصل ضلال الوهابية فيما جرده من التوحيد لرب البرية، وهذا بناء منه على أن التقليد في أصول الديانات سائغ كما جرى له ولأ قرانه مع من قلدوا وهذا هو الذي أوجب لهم الضلال والشقاء فإن مسائل العلم والعبادة وإفراد الله بالطلب والإرادة وإحكام الشرك به ودعاء الأولياء والصالحين والاستغاثة بهم ومحبتهم مع الله واتخاذهم أولياء من دون الله ليست من المسائل الفروعية الاجتهادية التي قد يخفى دليلها فيحتاج المسلم فيها إلى التقليد كما زعم هذا الملحد بل المعول في هذا على نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة لا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 كلام عالم أوفقية وبهذا تعرف أن هذا المكي أجنبي عن هذه المباحث والعلوم لا يدرى الفرق بين مسائل الاجتهاد وغيرها فكأنه من أهل الفترات لم يأنس بشيء مما جاءت به النبوات، يبين لك هذا ما قرره في رسالته من الشرك بالله رب العالمين وصرف حقه للأنبياء والأولياء والصالحين والاستغاثة بالغائبين من الأحياء والأموات وإنزال الحوائج بهم عند الكربات وقصدهم في الرغبات والرهبات وأن هذه الشركيات كل من الجائزات بل المستحبات كل هذا مما سوله له الشيطان وقلد فيه شيخه دحلان مع ما انضم إلى ذلك من مسبة لعلماء الدين، ومشائخ المسلمين الذين أوضح الله بهم نهج الطريقة المحمدية، وأعلى بهم منار الملة الحنيفية كشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعهما ممن له درية بهذا الدين وروية، وقد هذا الملحد فيهم بالبهت والكذب يشهد لفضلهم، وينبني عن تقدمهم في الإسلام وسبقهم قال أبو الطيب: وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني فاضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وقال: وقد زادني حباً لنفسي بأنني ... بغيض إلى كل أمرئ غير طائل وقال الشافعي رحمه الله تعالى: ما أرى الناس ابتلوا بشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا ليزيدهم الله بذلك ثواباً عند انقطاع أعمالهم وأفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمرو قد ابتليا من طعن أهل الجهالة والسفاهة بما لا يخفى وهذا الملحد وإن لم يرفع بما قرره في رسالته مما ذكرنا رأساً أهل المدارس والطلب لأنه لم يكن ذا حمة فلا وجه للخوف منه والهرب فالرسول صلى الله عليه وسلّم أمر بقتل الوزغ كما أمر بقتل الحية والعقرب فلهذا انتدب لكشف ما لفقه من السفاسف والتمويهات، وما حرره من الأكاذيب والأحموقات الحافظ الفهامة والفاضل التكلامه الذي استفرغ وسعه في المناضلة عن أهل السنة والقرآن والتصدي لقمع أهل الزيغ والطغيان عبده سليمان بن سحمان لا زال قمراً طالعاً في سماء السعادة ساميا مراتب المفاخر والسيادة قدوة لمن اقتدى، وعدة لمن اعتدى وسراجاً منيرا لمن استرشد واهتدى، فيا له من رد ما أنفس فوائده، وأنفع فرائده وأفصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 مقاله وأفسح مجاله، وبهذا يعلم الواقف عليه ولله الحمد أن في الزوايا جنايا، وفي الرجال من أهل العلم بقايا، قد أعدهم الله في كل زمان نصرة لهذا الدين، وحماة لأهل من علماء المسلمين كي لا تبطل حجج الله وبنيانه، ويدرس دينه ويقدم آياته، وأن المنح الإلهية ليست مختصة بقوم دون قوم، ولا مفاضة في يوم دون يوم بل ذاك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فآب هذا الملحد من هذا الرد بالخيبة والحرمان وصفقت فيما حرره أخسر صفقة أبي غبشان فكان كمن كشف عورته بيديه، واستنشق الأوضاز بنحزيه، أو كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه عياذاً بك اللهم من درك الشقاء ومن سوء القضاء. عجبت الدهر يؤتى فيه بالعجب ... ما أن يقوم به ذو الشعر والخطب ومن عجائب ما يأتي وما وردت ... من العجائب في ماض من الحقب رسالة أرسلت بالزور أنشأها ... ثور ولكنه ثور بلا ذنب اعتنى به بابصيل الحضرمي ومن ... ما زال في ظلمات الغيّ والحجب غدى يقرر فيها الشرك منتصرا ... لأهله من ذوي الإشراك بالقبب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الهاتفين بها في كل آونة ... والساجدين على الأبواب والعتب والطائفين بها والناذرين لها ... عرضا من المال والغالي من الذهب والرافعين عليها من سفاهتهم ... مساجدا أسرحت من غير ما سبب شدوا الرحال إليها قاصدين لها ... يرجون من أهلها كشفاً من الكرب هذا ينوح وهذا يستغيث وذا ... كأن في جسمه داء من الكلب فكل قبر له يوم يخص به ... فانظر إلى ما جرى للقوم في رجب وكل هذى نهى عنها الني لكي ... لا نشبه القوم من عبادة الصلب والأحمق الخانع المأفون قررها ... مصادما لنصوص الآي والكتب وقام بثلب أنصار الشريعة من ... تعلو وتغدو بهم ممدودة الطنب الله أكبر لا تخفى سفاسطه ... إلا على عمه في الغيّ محتجب ظن الخبيث بأن الحق أربعة ... قد أقفرت من هزير الأسد مرتقب فثار من غبضة التوحيد منتصراً ... نحو الفريسة في حين من الغضب عبد تجرد للتوحيد محتسباً ... في نصرة الدين لا للجاه والنشب أعني سليمان من أردى العداة أما ... مصارع القوم في قعر من القلب ذا العلم والغوص في إيضاح مشكلها ... والحلم والرأي والتحقيق والأدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يرجو بذاك ثواباً للإله ومن ... يرجو الإله فلا ينسى ولم يخب فالله يجزيه عنا بالسداد له ... وبالبقاء لأهل الدين والأرب فكم له من ردود قد أجاد بها ... نظما ونثر أتى من غير مضطرب فانظر إلى رده ما قال عالمهم ... دحلان ذو والهجر والإشراك والكذب وفي البيان أمور قد أبان لها ... عن ترهات أتت بالظلم والشغب من جاهل بطريق الحق متصف ... بكل وصف قبيح الفعل مكتئب فانظر إليه صريعاً في أظافره ... لا يستطيع حراكا منه كالخرب فاحذر ثعالة أن تدنوا لغابتنا ... فالليث في بابها جاث على الركب اقصر فما أنت أهل أن تصاولها ... فالحوم حول حماها غاية العطب والحمد لله حمداً لإنفاد له ... جار على رغب الأقدار والرهب الواحد الأحد الفرد الذي نزلت ... آيات توحيده في جملة الكتب ومظهر الدين انجاز الموعده ... رغما على شيعة الأشقى أبي لهب ثم الصلاة على المختار سيدنا ... محمد المصطفى من أشرف العرب وأكرم الخلق لا مستثنياً أحداً ... من البرايا بلا هزل ولا لعب من فل جمع ذوي الإشراك فانطمست ... تلك الضلالات بالمرآن والقضب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أكرم به من رسول ذي مناقب لا ... تحصى ومن رامها في غاية التعب والآل والصحب ثم التابعين لهم ... ما أنهل ودق السماء من مدحن السحب وقال غيره: الحمد لله الذي أزال شناعات القول المجدي بما أبانه البيان المبدي، واذهب انتان بصل بابصيل المؤذي باريج شذى عبير جواب المجيب النجدي، وبتك وتين المماحل المعارض المكي، بفرند صارم المجيب المنكي، وشدخ يا فوخ من انتصر لأهل الضلال وأوهى معارضاته فأضحت مثلوغة القماحد والقذال، فعاد خدارى جهله بتنسم صبح الحق إلى اضمحلال وصار بحمد لله بعد كشف حوالك غياهبة كالآل، فلله الحمد على إبانة الحق وأدالته، وإدحاض الباطل وإزالته، فلذلك أقول وبالله أصول. أن الغبي الذي أبدى فضائحه ... للناس منشورة تبدو لمن نظر محمداً بابصيل الحضرمي غدى ... للناصرين لأهل الشرك منتصراً تبا له من جهول قدري أسفها ... فعل الضلال من الكفار مغتفراً الجاعلين مع الرحمن آلهة ... والناد بين لدى الشدات من قبرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 والساجدين لدى الأعتاب من عمه ... والصّارفين لغير الله ما نذرا واللاجئين إذا ما أزمة أزمت ... والناسكين لغير الله ما عقرا والطالبين من الأموات مغفرة ... والخاضعين لهم تبا لمن نصرا سحقا وبعداً لهم من معشر خرجوا ... عن مهيع ناصع بالحق قد عبرا أعلامه قد بدت مشهورة وغدت ... للسالكين إليها القاصدين عرا فردّ من صدّ عن نهج الرسول على ... من أوضحا الطريق الحق وانتصرا فهام في فلوات الغي مفتقرا ... إن التوى منتها من ضل وافتقرا وهكذا كل من في الغي نشئته ... أعمى أصمّ فلم يسمع وليس يرا بل ذا بمشيمة الأهواء في ظلم ... أعني به صاحب المجدي الذي ذكرا والله ما كان بالمجدي المصيب ولا ... والله أقواله تجدي لمن سبرا بل كلها ترهات بل ملفقة ... يدرى بها كل من يدرى ومن خبرا كالآل يبدو فيغتر الأوام به ... والجاهلون به لا من رأى ودرا فانظر إلى رده إن كنت ذا نظر ... قد صار ذاك أحاديثا لمن سمرا أبدى بذاك اعتراضا حين عنَّ له ... أن قد تناقض حبرٌ عندما انتصرا والله ما كان أهلا أن يقارنه ... أوان يقاربه المأفون حين جرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 بل إنما ذاك ضرغام وذا ثعل ... فانظر إلى شيخه دحلان قد قهرا وصار منه صريعاً لا حراك به ... مخالفاً بالعرى ثاو قد انحسرا أين الثريا مكانا في ترفعها ... من الثرى قال هذا القول القول من خبرا وهكذا خدمة الداعي لمذهبه ... والمرتضى نهجه والمقتفى الأثرا قد صار ملقا صريعا لا حراك به ... لما افترى وأجترى في القول بل فجرا فانظر إلى رد من أوهي قواعد ما ... قد أصل الماذق الكذاب إذ نصرا أعني سليمان لا زالت مآثره ... محمودة ولأهل الدين منتصرا أبدى شناعات ما قد كان لفقه ... وما تهور في المجدي لمن سبرا وموهنا ما رآه الفدم من سفه ... تناقضا ما له السندي قد ذكرا وليس هذا عجيباً من غباوته ... إذ لو درى بالذي أبداه لا انبرا فالحمد لله حمداً دائماً أبدا ... من أوضح الحق حتى بان وانتشرا ثم الصلاة على المعصوم سيدنا ... ما طاف بالبيت من قد حج واعتمرا والآل والصّحب ثم التابعين ... والتابعين ومن للدين قد نصرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160