الكتاب: البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح المؤلف: زيادة بن يحيى النصب الراسي (كان حيا: ق 11هـ) المحقق: سعود ين عبد العزيز الخلف الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1423هـ / 2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح زيادة الراسي الكتاب: البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح المؤلف: زيادة بن يحيى النصب الراسي (كان حيا: ق 11هـ) المحقق: سعود ين عبد العزيز الخلف الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1423هـ / 2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح تأليف: زيادة بن يحيى الراسي تحقيق: سعود بن عبد العزيز الخلف بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن الله أرسل نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. وجعل سبحانه وتعالى في هذا الدين بينات الهدى، ودلائل الرشاد ظاهرة واضحة لمن نظر إليها بعين بصيرة. وقد اهتدى بتلك الدلائل أمم من ورائها أمم، فتح الله بصائرهم على النور والهدى، فتركوا الغواية والضلالة، وسلكوا سبيل السعادة والفلاح. والمهتدون للحق طوائف، وأصناف شتى من الناس، فيهم الرئيس والمرؤوس، والعالم وغير العالم، والحر والعبد، والذكر والأنثى، حتى عم هذا النور والهدى أرجاء الأرض، ودخل الناس في دين الله أفواجاًًًًًًًًً تلو أفواج. وكان من أولئك المهتدين من هو رأس في العلم في أهل ملته، وخاصة من اليهود والنصارى، ممن سلموا من الحسد والكبر، ممن كتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ومن الملاحظ أن من ذكرناهم وغيرهم كثير لم يكونوا من عوام الناس، وإنما هم رؤوس أهل ملتهم السابقة، فلم تكن تنقصهم دنيا ولا مكانة اجتماعية، كما لا ينقصهم الذكاء والفهم، بل ربما بإسلامهم يفقدون كل الأمور الدنيوية، التي كانت محققة لهم أوضاعاً اجتماعية عالية، بل قد يعرضون أنفسهم للقتل، ومع كل هذا لم يتحملوا الاستمرار على تلك الحال فيغشوا أنفسهم ببقائهم على الباطل بعد أن اقتنعوا قناعة تامة بالإسلام، فأعلنوا إسلامهم متحملين في سبيل ذلك الضرر الجسدي والمادي الذي قد يتعرضون له، بل إنهم قاموا بالدفاع عن الإسلام والدعوة إليه، والهجوم على أديانهم السابقة الباطلة وفضحها، حتى يؤدوا بعض الواجب الملقى على عواتقهم بدخولهم في الإسلام. وهذا كله دليل واضح على أن الإسلام هو الدين الحق، وأن براهين صحته وشرفه وكماله متوفرة بكثرة في كتابه وتعاليمه، ولا يعمى عنها إلا أعمى البصيرة، فاقد الحس بسبب الهوى وحب الدنيا. وكان من هذه الطائفة المباركة، التي اهتدت إلى الإسلام، بتوفيق الله وهدايته ورحمته بعد نظر وتمحيص وبحث وتحقيق وتدقيق؛ الشيخ زيادة ابن يحيى النصب الراسي، الذي كان فيما يظهر من رجال دين النصارى وذوي العلم فيهم، ولكن الباطل لجلج، في ثناياه أدلة بطلانه وبراهين فساده وتهافته، ولا يحتاج إلا إلى قريحة صحيحة، ورغبة جادة في الحق، ليسطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 في قلب الإنسان النور والحق، يضيء له الظلمات، ويطفيء الشبهات والشهوات، ولا يحتاج إلا إلى عزيمة رجل يشتري الآخرة بالدنيا. وهذا ما كان من الشيخ زيادة بن يحي، الذي اتضح له الحق فأعلن إسلامه، وبدأ يدعو إلى هذا الدين بالقدر والطاقة التي مكنه الله منها، ووصل إلى علمنا من جهده في ذلك كتابان: "البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح"، وكتاب "الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية". أما الكتاب الأول، وهو "البحث الصريح" فهو موضوع التحقيق في هذا الكتاب، وأما الكتاب الثاني، وهو "الأجوبة الجلية" فلم أقف له على أثر، وإنما وقفت على تلخيص له للشيخ "محمد بن عبد الرحمن الطيِّببي الدمشقي"1. وقد قسمت عملي في الكتاب إلى قسمين: القسم الأول: دراسة المؤلف والكتاب، وجعلته في فصلين: الفصل الأول؛ يتضمن التعريف بالمؤلف: اسمه ومولده ونشأته ووفاته، وإسلامه، وعلمه، ومصنفاته. الفصل الثاني: دراسة الكتاب، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في موضوع الكتاب.   1 سيأتي التعريف به في مصنفات المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 المبحث الثاني: في وصف النسخ الخطية. المبحث الثالث: عملي في الكتاب. القسم الثاني: تحقيق النص. مما تجدر الإشارة إليه أن لغة الكتاب ركيكة جداً، وأخطاؤه اللغوية لا تكاد تحصر من كثرتها، وهذا أخذ مني جهداً كبيراً في تفهم مقصد المصنف وتصحيح عباراته، وكان ذلك من أكبر العقبات التي واجهتني في الكتاب. فآمل أن أجد لدى القارئ العذر فيما لو وقف على ركاكة في العبارة فاتت، أو خطأ لغوي لم أتنبه له، لكثرة ذلك، وحسبي أني اجتهدت. وكان الشيخ محمد الطيّّّّبي في تلخيصه لكتاب "البحث الصريح" قد عانى من ذلك، فقال -بعد أن ذكر نقل مصطفى بيك، ويوسف شاتيلا لكتابي المؤلف- "فلم يسلما من التحريف الذي يتعسر معه فهم المعنى في كثير من المواضع ... ، وقال: وربما لا تخلو رسالتي عن ركاكة في بعض المواضع سرت إلي من تحريف الأصل".1 هذا وأسأل الله عز وجل أن يجزي مؤلف الكتاب الشيخ زيادة بن يحيى خير الجزاء، بما أظهر في كتابه هذا من النصيحة الصادقة في هداية النصارى، والدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الحق، وأن يتجاوز   1 خلاصة الترجيح للدين الصحيح. بهامش إظهار الحق 2/71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الله لهم الهداية، فإذا اهتدوا إلى الإسلام شعروا بعظيم الضلالة التي كانوا عليها، فيجتهدون في نصرة دين الإسلام ودعوة بني جنسهم، فيصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" 1. فيصبح هؤلاء المهتدون خيار الذين أسلموا من اليهود والنصارى، ويبذلون في نصرة الإسلام مثل أو أكثر مما كانوا بذلوا في نصرة أديانهم الباطلة. ولا شك أن من أوسع المجالات أمام أهل العلم منهم هو فضح الباطل وأهله، والتركيز على نقاط الضلالة في أديانهم السابقة، وإبرازها لتحذير الناس ودعوتهم، ويكون أولئك المهتدون خير من يدعو إلى الإسلام، ويحذر من الأديان الباطلة بتلك الوسيلة، لأن أهل الدار أعرف بما فيها، فقد كانوا يهوداً أو نصارى فيعرفون ما لا يعرفه غيرهم بحكم علمهم المتعمق في الديانة، واحتكاكهم المباشر بأهل ملتهم، وخاصة في ديانة يدعي أصحابها بأنّها ذات أسرار مثل النصرانية، فيكون لدعوتهم وقع مؤثر يستجيب له العديد من أصحاب الملل الباطلة. كما أن تحول بعض أهل العلم من الأديان الباطلة إلى الإسلام ودخولهم فيه، ونصرتهم له، من الأدلة الظاهرة على أن الإسلام حق لا ريب   1 صحيح البخاري 6/446.كتاب أحاديث الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فيه، وأن التحول لم يتم إلا بعد القناعة التامة بصحة الإسلام، فيكون هذا المهتدي شاهداً على قومه وحجة عليهم. ومن المعلوم أن الاهتداء للإسلام من قبل بعض علماء اليهود والنصارى واكب ظهور الإسلام، واستمر وسيستمر إلى يوم القيامة، مادام في الأرض عقلاء يريدون الحق ويبحثون عنه. وكان من أوائل المهتدين عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد كان سيد اليهود وكبيرهم وابن كبيرهم في المدينة، وإسلامه حجة على جميع اليهود إلى يوم القيامة. وممن أسلم من كبار النصارى وملوكهم النجاشي ملك الحبشة، وذلك في العهد المكي، بعد أن اتصل بالإسلام عن طريق مهاجرة الحبشة من الصحابة رضي الله عنهم. ومنهم علي بن ربّن الطبري، الذي اهتدى للإسلام في عهد أبي جعفر المنصور، وكان قبل إسلامه نصرانياً ذا علم بالفلسفة والطب، وكتب في الدعوة إلى الإسلام كتابه "الدين والدولة"، و"الرد على أصناف النصارى". والسموأل بن يحيى المغربي المهتدي، كان من أحبار اليهود، عالماً بالطب، توفي سنة 570هـ، وله كتاب "إفحام اليهود". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ومنهم اللورد هدلي الفاروق، الذي كان عضواً في مجلس اللوردات البريطاني، وأعلن إسلامه عام 1913هـ، وتسمى برحمة الله الفاروق، وكتب كتاباً في الإسلام "رجل من الغرب يعتنق الإسلام". وناصر الدين دينيه الفرنسي، كان نصرانياً رساماً مبرزاً، أسلم عام 1927م، وكتب كتاباً سماه "أشعة خاصة بنور الإسلام"، وتوفي سنة 1929م. وعبد الأحد داود، الذي كان كاهناً كلدانياً، حصل على أستاذ في علم اللاهوت وزعيم طائفة الروم الكاثوليك لطائفة الكلدانيين، وكتب كتابيه "الإنجيل والصليب"، و"محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس ". والقس إبراهيم خليل الذي كان قساً في كنيسة "بافور" الإنجيلية بأسيوط مصر، وكان له نشاط تنصيري كبير، وأعلن إسلامه سنة 1959م، وله كتب عديدة في الدعوة إلى الإسلام، منها: "محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن"، و"المستشرقون والمبشرون في العالم الإسلامي" و"ومحاضرات في مقارنة الأديان"، و"المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن" 1، وغيرها من الكتب. وغير هؤلاء كثير ممن لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل.   1 انظر في ذلك: ((جهود من أسلم من النصارى في كشف فضائح النصرانية)) رسالة دكتوراه. الجامعة الإسلامية. ص2-21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 عن سيآته ويغفر له زلاته. كما أسأله أن يتقبل مني عملي في الكتاب، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، كما أسأله أن يجزي خيراًًً كل من أعانني على إنجازه وإتمامه بإعارة كتاب أو إرشاد إلى معلومة أو طباعة أو تصحيح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وكتبه: سعود بن عبد العزيز الخلف. 1422/11/25هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 القسم الدراسي الفصل الأول: التعريف بالمؤلف ... الفصل الأول التعريف بالمؤلف لم أقف على ترجمة للمؤلف يمكن أن يستقي الباحث منها معلوماته، ولكن هناك إشارات عديدة في عدة مواطن من كتابه، وإشارات طفيفة لدى غيره، يمكن أن نكون منها بعض المعلومات عن المؤلف -رحمه الله-. أولاً - اسمه: ذكر المؤلف اسمه في مقدمة كتابه وهو حسب "النسخة الألمانية" زيادة بن يحيى النصب الراسي. وحسب النسخة المصرية: زيادة بن يحيى الشتل الراسي، وكتب في الهامش الأيمن أمام كلمة الشتل الراسي نسخة "النصب". وسماه إسماعيل باشا البغدادي في الذيل على كشف الظنون: زيادة الله المهتدي1. وسماه صاحب كتاب تلخيص الأجوبة الجلية ب "الشيخ زيادة". وفي كتاب الدعوة إلى الإسلام سماه "زيادة بن يحيى"2.   1 الذيل على كشف الظنون 3/163. 2 الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد ص477. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أما عبد المجيد الشَرَفي فقد ذكر اسمه في قائمة أسماء المؤلفين في الرد على النصارى ب "زيادة الله بن يحيى النصب الراسي المهتدي"1. وعندي أن أوثقها ما ورد في النسخة الألمانية من تسميته: زيادة بن يحيى النصب الراسي، لأن تاريخ نسخها هو 1263 هـ، أما النسخة المصرية فلم يظهر عليها أي تاريخ للنسخ، كما أن فيها تعديلات مبنية على ما في النسخة الألمانية. ولا يظهر لي صحة قولهم في اسمه "زيادة الله"، فإنها لم ترد إلا عند إسماعيل باشا في ذيل كشف الظنون، ويبدو أن عبد المجيد الشَرَفي أخذها عنه. أما تلقيبه بالمهتدي، فيبدو أنه أطلق عليه لاهتدائه إلى الإسلام بعد الضلالة. وأما نسبة الشتل الواردة في النسخة المصرية، فلم يتبين لي فيها وجه، سوى أن الزبيدي في تاج العروس ذكر أن الشتليون جماعة بريف مصر2. وفي نسبته بالنصب الراسي فإني لم أقف على من ذكر سبب هذه النسبة للشيخ. والذي يظهر لي -والعلم عند الله- أنها نسبة لمدينتين في الجزيرة   1 مجلة إسلاميات مسيحيات 4/252. التي تصدر عن المعهد البابوي للدراسات العربية في روما عدد 1976 م. 2 تاج العروس 7/387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 في الشام، وهما مدينة "نصيبين"1، ومدينة "رأس العين"2. والنسبة إلى نصيبين هي النصيبي كما ذكر السمعاني3، ولعلها تحرفت أو خففت، فقيل "النصب". أما النسبة إلى رأس العين فهي الراسي، والرسعني4. ويكون الشيخ زيادة بذلك قد قطن المدينتين فنسب إليهما، كما تقول: "المكي المدني"، وخاصة أن المدينتين كلتيهما من مدن الجزيرة وهما متجاورتان، والله أعلم. ثانياً: مولده، ونشأته، ووفاته: لم أقف على شيء من المعلومات التي تحدد بالضبط التاريخ الذي ولد أو توفي فيه الشيخ زيادة بن يحيى، وإنما تشير المعلومات أنه كان حياً خلال القرن الحادي عشر الهجري؛ يدل على هذا قول الشيخ محمد ابن   1 نصيبين: هي مدينة في الجزيرة على ضفة نهر جعجع، أحد روافد نهر الخابور، وتمر بهذه المدينة الطرق الرئيسية بين سوريا وبلاد ما وراء دجلة، وهي الآن ضمن تركيا على الحدود مع سورية من ناحية الجنوب الشرقي. انظر: معجم الحضارات السامية ص848، أطلس العالم الصحيح ص56. 2 رأس العين: هي مدينة كبيرة من مدن الجزيرة، تقع بين حران ونصيبين على الجنوب منها، وهي ضمن سورية الآن في ناحيتها الشرقية أقرب إلى الحدود التركية. معجم البلدان 3/14، معجم الحضارات السامية ص418. 3 الأنساب ص562. 4 انظر: الأنساب للسمعاني ورقة 244/253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عبد الرحمن الطيِّبي1 في اختصاره لكتاب "الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية" للشيخ زيادة بن يحيى، قال: "لما ألف المرحوم "الشيخ زيادة"كتابه المسمى ب "البحث الصريح" عندما تشرف بدين الإسلام في القرن الحادي عشر" 2. ومما يؤكد أن الشيخ زيادة بن يحيى كان حياً خلال منتصف القرن الحادي عشر الهجري، نقله عن كتاب السيرة الحلبية في كتابه "البحث الصريح"، حيث قال: "كما جاء هذا الخبر في أحاديثه الشريفة في سيرة حياته المنقولة في كتاب مؤلف من الشيخ علي برهان الدين الحلبي، ويسمى: "القصة الحلبية"3. والحلبي هو: علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي أبو الفرج نور الدين ابن برهان الدين الحلبي، مؤلف كتاب "السيرة الحلبية"، أصله من حلب، ومولده في مصر عام975هـ، وتوفي بها سنة 1044هـ4.   1 محمد بن علي بن عبد الرحمن الطيِّبي، عارف بالهندسة والفرائض، من أهل دمشق، تعلم بها وبمصر، وكان له علم بالفقه والأدب، فعين مفتياًفي حوران. توفي سنة 1317هـ. الأعلام 6/301. 2 مختصر الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية، بهامش إظهار الحق، طبعة المحمودية سنة 1317هـ ص 164، وانظره في طبعة مستقلة طبعها نقلاً عن الهامش المذكور أحمد حجازي السقا، وسماه: تلخيص الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية. ص 33. 3 انظر: ص 228. 4 انظر: الأعلام 4/351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وفيما ذكرت رد واضح على عزو – المستشرق: توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" - الشيخ زيادة بن يحيى إلى القرن الثالث عشر الميلادي 1، وذلك لأن الثالث عشر الميلادي يوافق المنتصف الثاني من القرن السابع الهجري. وفيه رد على عبد المجيد الشرفي الذي أرخ للشيخ زيادة 661هـ/ 1263م2. ولا أدري من أين أخذ ذلك إلا أن يكون بناها على قول المستشرق أرنولد السابق. أما موطن نشأته فالذي يظهر أنه من أهل الشام، ومما يمكن أن يستأنس به في هذا ما سبق أن ذكرت من نسبته إن صح. كما يمكن أن يستأنس في ذلك بما ذكره "محمد بن علي الطيبي"في مقدمة "خلاصة الترجيح للدين الصحيح" بأن كتابي الشيخ زيادة بن يحيى "البحث الصريح" و"الأجوبة الجلية" وجدًا في مكتبة محمد باشا المعظم في دمشق الشام بتاريخ نحو 1265هـ، وقد تقطع ورقهما 3. ثالثاً: إسلامه: يتضح من كتاب "البحث الصريح" أن الشيخ زيادة بن يحيى كان نصرانياً، ثم هداه الله تعالى للإسلام، حيث يقول في مقدمة كتابه:   1 الدعوة إلى الإسلام ص477. 2 مجلة إسلاميات مسيحيات 4/252. 3 تلخيص الأجوبة الجلية ص 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 "أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني، الشيخ زيادة بن يحيى النصب الراسي، المتشرف في الدين المحمدي: إنني لما كنت متفرغاً للبحث والمطالعة عن أيما هو الدين الصحيح، بكل جهد، وبغاية التنقيح، وغب الفحص والتفتيش في ذلك، قصدت أن أحرر ما قد حصلته من المقابلة في تلك المسالك، وأبينه لذوي البصائر القادحة". وقد جاء في حاشية الكتاب في النسخة الألمانية في أول المخطوط ما يلي: "اعلم أن هذا العالم المؤلف لهذا الكتاب النفيس، يشرح في هذه المقدمة اسمه، وأسباب دخوله في الدين، وأنه ما دخل إليه عن ترغيب دنيوي، ولا تخويف، ولا لغبن، ولا لحيف صار له، ولا لأسباب فساد، بل بالمطالعات بالكتب والتأملات، كما قد تراه مفنداً أمامك، وفيه يلاحظ أنه ما سبق له سابق في رفيع معانيه ودقتها" 1. وقد ذكر الشيخ "محمد بن علي الطيبي" ذلك عنه في مقدمة كتابه "خلاصة الترجيح"، حيث قال: "لما طالعت كتاب المرحوم الشيخ زيادة، الذي تشرف بدين الإسلام عامله الحي القيوم بالحسنى" 2. وذكر في بداية "تلخيص الأجوبة الجلية"، أن الشيخ زيادة تشرف بدين الإسلام في القرن الحادي عشر3.   1 انظر: ص 52. 2 خلاصة الترجيح بهامش إظهار الحق ص70. 3 هامش إظهار الحق 2/164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 كما عده المستشرق "توماس أرنولد" من المرتدين -يعني عن النصرانية- الذين كتبوا يبررون تغيير دينهم، ويدافعون عن العقيدة الإسلامية 1 هكذا زعم هذا المستشرق. ويتضح أيضاً أن سبب دخوله في الإسلام، هو مما تولد في نفسه من الشكوك في ديانته، مما جعله ينظر في الإسلام ويبحث ويقابل ويطالع، حتى تبين له أن الإسلام هو الحق، فهداه الله له ودخل فيه، ثم بدأ يحرر ما تبين له به بطلان ديانة النصارى وصحة الإسلام، وجعل ما حرره وسيلة لدعوة النصارى، كما سيتبين عند ذكر سبب تأليف هذا الكتاب. رابعاً: علمه: يتضح من النظر في كتاب الشيخ زيادة "البحث الصريح" أن معلومات مؤلفه عن النصرانية معلومات جيدة ومركزة، فاستدلالاته من العهد القديم والجديد متنوعة وعميقة، حيث يطالع ويقابل بين النسخ المتعددة والترجمات المتعددة من عربية ويونانية وعبرية وسريانية، ويظهر من هذا أنه يجيد كلاً من اللغة اليونانية2، والعبرية3، والسريانية4،   1 الدعوة إلى الإسلام ص477. 2 انظر ص 88، 148، 151، 187. 3 انظر ص 96، 136، 162، 167، 186، 187. 4 انظر ص 188، 189، 190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ويترجم منها إلى العربية، بل يطالع قواعد اللغتين اليونانية والعبرية، ويصحح ويرجح بعض الترجمات على بعض. ومن هذا يظهر لي أنه كان قبل إسلامه من علماء النصارى ورجال دينهم، لأن العلم بهذه الأمور من اختصاص رجال الدين، ولأن هذه اللغات: اليونانية والعبرية والسريانية هي لغات دينية، فقد يكون في الأصل نصرانياً سريانياً، فهو يجيد السريانية، وهي لغة نصارى سورية1 باعتباره من أهلها، أما اللغة اليونانية فإنها لغة العهد الجديد2، واللغة الدينية للنصارى الكاثوليك، أما اللغة العبرية فهي لغة العهد القديم بالنسبة للنصارى البروتستانت، ولا يستغني عنها رجال الدين النصارى. فهذا مما يوحي بأن الرجل كان من علمائهم، خاصة إذا علمنا أن عوام النصارى من أبعد الناس عن العلم الديني النصراني، بل هم في كثير من الأحيان خاصة في زمن المؤلف لا يستطيع أن يقف أحد منهم على شيء من كتب النصارى الدينية، سوى ما تأذن به الكنيسة من مقاطع مخصوصة يمكن تداولها بين العوام.   1 السريانية: إحدى اللغات السامية القديمة المحلية في بلاد ما بين النهرين الشمالية، وهي من ضمن مجموعة اللغة الآرامية، وتشكل اللهجة الخاصة بمدينة الرها، وقد أصبحت اللغة التقليدية لنصارى سورية. وفي القرن السابع الميلادي / الأول الهجري انتشرت اللغة العربية إثر الفتح الإسلامي، وحلت مكان السريانية في اللغة المحلية، وأصبحت السريانية لغة عبادة لكل من اليعاقبة والنساطرة. انظر: معجم الحضارات السامية ص475. 2 قاموس الكتاب المقدس ص122. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 يقول موريس بوكاي: وفي عصور ليست بعيدة تماماً كانت أغلبية المسيحيين لا تعرف من الأناجيل إلا مقاطع مختارة من الأناجيل، ولم يكن هناك تداول للنص بأكمله، وفي أثناء دراساتي الثانوية بإحدى المدارس الكاثوليكية وقعت يدي على مؤلفات لفرجيل وأفلاطون، ولكن لم يحدث أبداً أن وقعت يدي على العهد الجديد1. كما يتضح من الكتاب أن لغة المؤلف العربية ضعيفة، ويظهر-والله أعلم- أنه تعلم اللغة العربية وهو كبير في السن، لأن الركاكة الشديدة ظاهرة في أسلوبه، وذلك شيء غير مستغرب على من كان نصرانياً، وخاصة رجال الدين منهم، فإنهم لا يهتمون بالعربية؛ لأن عنايتهم تكون منحصرة في لغتهم المحلية ولغة كتابهم، فلهذا يكون نطقه للعربية مثل نطق المتحدثين بها من غير أهلها، ممن تعلموها وهم كبار في السن2. خامساً - مصنفاته: صنف الشيخ زيادة بن يحيى كتابين: الأول: "البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح". وهو الكتاب المحقق في هذا العمل. وقد اختصر هذا الكتاب الشيخ محمد ابن   1 القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 65. 2 سنذكر الأمثلة على ضعف اللغة لدى المؤلف رحمه الله في الملاحظات على الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 علي بن عبد الرحمن الطيبي في كتاب سماه "خلاصة الترجيح للدين الصحيح". وقد طبع هذا الاختصار على هامش كتاب "إظهار الحق" لرحمة الله الهندي، في طبع المطبعة المحمودية في القاهرة عام 1317هـ. الثاني: "الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية" وهو الكتاب الثاني للشيخ زيادة بن يحيى -رحمه الله-. وهو مرتبط بالكتاب الأول، كما أفادنا بذلك الشيخ محمد بن علي الطيبي في مقدمة "تلخيص البحث الصريح" وبين أن سبب تأليف كتاب "الأجوبة الجليلة" إنما هو زيادة التوضيح لبعض الإشكالات لدى بعض مطالعي كتاب "البحث الصريح" فقال: "اعلم أن الشيخ زيادة المومأ إليه ألف أولاً "البحث الصريح"1، ثم أرسله إلى بعض محبيه2 من النصارى في محروسة مصر القاهرة، فطالعه وسلم جميع قضاياه، ثم أشكل عليه بعض آيات من القرآن العظيم، كالآيات التي تدل بظاهرها على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة، وكغيرها مما يؤيد قبل فهم معناه بعض ما تعتقده النصارى كوفاة سيدنا عيسى عليه السلام، وغير ذلك. فطلب منه أن يجيبه عنها ليسلم إسلاماً كاملاً، فألف لذلك كتاباً آخر سماه "الأجوبة الجلية لدحض   1 قال في الهامش: وذلك في القرن الحادي عشر. 2 قال في الهامش: واسمه المنيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الدعوات النصرانية"، فصارت النتيجة الكاملة متوقفة على مطالعة هذين الكتابين، أعني: البحث الصريح، والأجوبة الجلية 1. وكان هذا الكتاب الأخير مع الأول سبباً -بعد هداية الله تعالى- في هداية ذلك الرجل المسمى "المنيع"، الذي أرسل له كتابه الأول، فأسلم إسلاماً صحيحاً، وطلب من الشيخ زيادة أن يلخص له الشهادات التوراتية والإنجيلية والزبورية، الدالة على نبوة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليتخذها ترنيمة يترنم بها كلما سبرها، فأجابه الشيخ لذلك، ثم أرسل المنيع رسالة إلى الشيخ زيادة يشكره على ما قدم له، وما وجهه إليه من النصح، وهذا نصها: "شكراً لمن وهبك هذه النعم الجسيمة، وحمداً لمن لا يبخل في أداء العطايا الثمينة، ومجداً للذي جعلك قارورة عطر تنعش قلوب ذوي العقول السليمة، إذ أنك صرت وسيطاً لانتعاش فؤادي، ونشلتني بعد موتي. يا عمدة العلماء المدققين العظام، وقدوة الجهابذة المحققين الفخام، وفضلك لا أنساه على الدوام أبداً، مورثاً إياه لمن يبغي الحياة بعدك سرمداً، ثم بعد ذلك قصدت أن أحرر لك ما قد وعيته من تعليمك، وأبسط لدى الملأ جميع ما تصببت به من تنغيمك، لكي يترنموا به شاكرين لعزته تعالى خير المنعمين، ويعلموا أن من أجله أسلمت إسلاماً حقيقياً قولياً، وفعلياً وفكرياً، وقد أقنعت ضميري بعشرة ضوابط شرعية، وتيقنت أن من يخالفها هو للحق جاحد ببراهين محكية - ثم   1 هامش إظهار الحق ص 71-75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ذكر الضوابط العشرة، وهي حاصل البحث الصريح والأجوبة الجلية، فلا نطيل بها لعلمها من محالهاثم ختم بما نصه – والنتيجة من هذا جميعه أن هذه الضوابط العشرة التي شرحتها من خلاصة كتابيك، هي -بحمد الله- التي قادتني أن أكون مسلماً مؤمناً، وأحوجتني وألزمتني أن أقول بأعلى صوتي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام وأصحابه أجمعين".1 وهذا الكتاب لم أقف عليه، وقد قال الناسخ في آخر النسخة الألمانية من كتاب "البحث الصريح" تم هذا الكتاب الذي هو البحث الصريح في الدين الصحيح، وهو الكتاب الأول للمرحوم الشيخ زيادة بن يحيى الراسي، ويتلوه كتابه الثاني الذي هو "الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية"، إلا أن المجلد الذي يوجد فيه البحث الصريح ينتهي هنا، ولا يوجد فيه ما ذكره الناسخ، فيبدو أنه منزوع منه، لأن المجلد لم يكن مخيطاً بل إن أوراقه مطلقة وغير مرتبطة ببعضها بخيط أو نحوه مما يسهل النزع منه، وهذا فيما يبدو ما حدث لكتاب "الأجوبة الجلية"، إلا أن الشيخ محمد بن علي الطيِّبي قد لخص هذا الكتاب أيضاً في رسالة سماها "مختصر الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية ".   1 تلخيص الأجوبة الجلية بهامش إظهار الحق 2/217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وقد طبعت بهامش: إظهار الحق. طبع المطبعة المحمودية في القاهرة سنة 1317هـ في نهاية المجلد 1/162-220. وانتهى الشيخ من اختصارها سنة 1279هـ في نحو نصف يوم، وقد طبع هذا المختصر أيضاً بتحقيق د. أحمد حجازي السقا، طبع مكتبة الإيمان بالمنصورة في القاهرة 1412هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الفصل الثاني: دراسة الكتاب المبحث الأول: موضوع الكتاب ... المبحث الأول: موضوع الكتاب، وفيه ثلاثة مطالب: أولاً: أهم المباحث التي اهتم المؤلف ببيانها. اهتم مؤلف الكتاب رحمه الله بإبراز النقاط، التي تدل على بطلان ديانة النصارى، كما أبرز أيضاً النقاط الأساسية التي تدل على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كتبهم، مما تقوم به الحجة عليهم من كلامهم، فكانت مباحث الكتاب كما أفاد -رحمه الله- في مقدمة كتابه تشمل الحديث عن: أولاً: بطلان دعوى النصارى ألوهية المسيح عليه السلام، وإثبات أنه نبي كسائر الأنبياء قبله من بني إسرائيل. ثانياً: بطلان استدلال النصارى على ألوهية المسيح عليه السلام بالآيات التي كانت تظهر على يدي المسيح عليه السلام، وإثبات أن آياته ومعجزاته من جنس الآيات والمعجزات، التي أجراها الله على أيدي الأنبياء قبله، بل أجرى الله على أيديهم آيات تفوق آيات المسيح، ولم تدل عند تلك الأمم على ألوهية أولئك الأنبياء الذين ظهرت على أيديهم المعجزات، فكذلك عيسى بن مريم عليه السلام. ثالثاً: في رد مطاعن النصارى في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان بطلان كلامهم، وبيان أن الأنبياء قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقعت منهم أمور من جنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم وأشد منها، ولم يطعن في أولئك الأنبياء بسببها، فكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. رابعاً: في الأدلة الدالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل، وأنه المقصود بكثير من الوعود المذكورة في كتابي اليهود والنصارى. خامساً: في الأدلة الدالة على تحريف التوراة والإنجيل من نصوص الكتابين، مما يكون أصرح دليل على تحريفها. بعد ذلك ذكر المصنف -رحمه الله- خاتمة اشتملت على أهم النتائج التي توصل إليها من خلال بحثه. ثانياً: منهج المؤلف ومصادره. سلك المؤلف رحمه الله منهجاً استقرائياً، استعرض فيه الأدلة الدالة على بطلان دعاوى النصارى، سواء في دعوى ألوهية المسيح عليه السلام، أو دعوى صحة التوراة والإنجيل، وأبان عن بطلانها بما يقابلها وينقضها من المعلومات الواردة في التوراة والإنجيل. كما استعرض شبه القوم ودعاويهم في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأبان عن بطلانها بنصوص من كتبهم. كما استعرض العديد من الأدلة الدالة على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل. وكان من أهم مصادر المؤلف الإسلامية: القرآن الكريم، واعتمد في الأمور التاريخية على كتاب "السيرة الحلبية"، وفي إثبات أسماء النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب "دلائل الخيرات". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 أما مصادره النصرانية، فكان من أهمها: كتابا العهد القديم والجديد، كما رجع في تاريخ الكنيسة إلى كتاب "سعيد بن البطريق"، ورجع أيضاً إلى تاريخ "يوسيفوس" وهو مؤرخ يهودي، ومؤرخ آخر أسماه "لافجانيوس"، كما أشار إلى أنه طالع بعض المختصرات في رد بعض أصحاب الملل بعضهم على بعض، وأفاد منها، إلا أنه لم يسم شيئا منها. كما رجع إلى قواميس وكتب لغة يونانية وعبرية، مما يشعر بمعرفته بكل من اللغتين اليونانية والعبرية كما سبق بيانه. ثالثاً: قيمة الكتاب العلمية. الكتاب كغيره من الكتب التي كتبها أصحابها من منطلق دعوى يقيمون بها الحجة على النصارى ببطلان ديانتهم، ووجوب الإيمان بنبوة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، والدخول في الإسلام، فجل الكتب في هذا المجال -إن لم يكن كلها- تعرضتللموضوعات التي تعرض لها المؤلف - رحمه الله -، بدءاً بصاحب كتاب "تخجيل من حرف الإنجيل" وغيره، ثم من جاء بعد ذلك كشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن جاء بعده كرحمة الله الهندي، والمهتدي عبد الأحد داود. وغيرهم ممن كتب في هذا المجال، لكن المصنف -رحمه الله- رجع إلى مراجع ذات قيمة في الموضوع خاصة من الناحية اللغوية، وذلك فيما يتعلق باللغة اليونانية واللغة العبرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 الملاحظات على الكتاب: ما من كاتب يكتب إلا ويظهر في كتابته ما يعتري البشر من نقص، وما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام. ومؤلف الكتاب الشيخ زيادة بن يحيى -رحمه الله- عليه ملاحظات عديدة في كتابه هذا، من أهمها: 1: ركاكة الأسلوب. من الملاحظات الواضحة ركاكة أسلوب المؤلف -رحمه الله- مما يشعر أنه لم يتعلم العربية إلا وهو كبير السن، حتى أنه يصعب في بعض الأحيان فهم مراده، فمن ذلك: قوله في المقدمة "قصدت أن أحرر ما قد حصلته من المقابلة في تلك المسالك، وأبينه لدى ذوي البصائر القادحة، خواض بحور هذه المعاني الشاسعة، لكي يتفحصوه بكل جهد وتدقيق، ويمعنوا نظرهم فيه من دون غرض وتمحيق، ويفهموا أن الدين المحمدي هو الذي ترجحت عليه البينات، وأنه هو الدين الصحيح، ومن اتخذ سواه دينا فهو من الخاسرين" صريح. ص 53. وقوله في الباب الثاني "رد على الافتخار الذي يفتخرون به النصارى، أي: بسمو آيات عيسى وأنها فائقة، وقصدهم بذلك لكي يثبتوا بدعتهم منها أعني: الألوهية له". ص 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وقوله في الشهادة الثانية "أقول: إن قد تتضمن هذه الشهادة على أن الفريسيين علماء اليهود حتى إلى زمان مجيئ عيسى عليه السلام كان متداول بينهم عن آبائهم وأجدادهم، المتذاكرين في كلام النبي موسى، بأن الله تعالى يرسل نبياً وهم في استنظاره كالمسيح، ومن حيث علماء اليهود كانوا متحيرين في مجئ النبي المخبر عنه من موسى، ومعربسين في قصة يوحنا بن زكريا عليهما السلام" ص 144. وعلى هذا النحو الكتاب كله تقريباً. 2: كثرة الأخطاء اللغوية. مثال ذلك قوله ص55 "إن سيدنا عيسى ليس هو إلاه حقيقي ". قوله ص 80 "أن به يثبتوا الألوهية لعيسى". قوله ص 137 " أن إسحق أبو يعقوب وخلفه بني إسرائيل دعيو أخوة إسماعيل". قوله ص141 "وإن كان بني عيسو أخو يعقوب يسمون أيضاً إخوة لبني إسرائيل". قوله ص 264 "ومثله قد يوجد تناقضاً آخر في أرميا في الإصحاح الحادي والثلاثون". 3- عدم ترتيب المؤلف للبشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك التناقضات الواردة في كتب النصارى حسب ترتيبهم في كتبهم. 4- بعض الأخطاء العلمية، منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 زعمه أن الخلق خلقوا لأجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفي هذا يقول ص88 "ونبينا السيد الأعظم قد ورد عنه بأنه لأجله خلق الوجود". قوله ص 194 "إن كتاب "دلائل الخيرات" جمع أسماء النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة" مع أن كثيراً من الأسماء الواردة ليس عليها دليل لا من الكتاب ولا من السنة. 5- أن الكتاب مليء بالحواشي، وبعض تلك الحواشي يتضح منها أنها ليست للمؤلف كما في الحاشية الأولى ص52، والحاشية ص137، والحاشية ص 140. وبعضها الآخر لم يتضح هل هو للمؤلف أم لغيره، كما أن هذه الحواشيمدخلة في صلب المتن، ويفصل بينها وبين المتن كلمة حاشية، إلا أن نسخة. ت لم يجعل فيها علامة على نهاية الحاشية، أما نسخة. د فيكتب في بدايتها "حاشية" ويضع لها رقماً تسلسلياً، وإذا انتهت كتب "النص" وهذا مما ساعد في تحديد بداية الحاشية ونهايتها، أما لغة الحواشي فهي ركيكة سواء ما كان منها للمؤلف أو لغيره. هذه على العموم أهم الملاحظات على الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 المبحث الثاني: وصف النسخ الخطية : الكتاب له نسختان: النسخة الأولى: وهي نسخة مصورة عن نسخة موجودة في مكتبة جامعة توبنجن بألمانيا، وقد وقفت عليها في مكتبة الجامعة المذكورة، وأرمز لها بحرف (ت) . وخطها جيد مقروء، وعدد أوراقها: ثمان وخمسون ورقة، وتتراوح سطورها ما بين 19 سطراً و24 سطراً، وعدد كلماتها في السطر ما بين 10 كلمات إلى 12 كلمة، وقد تم نسخها في أواخر جمادى الآخر سنة 1263هـ، ولم أتمكن من معرفة ناسخها. وفي النسخة سقط يعادل خمس أوراق من بداية الشك الخامس والعشرين، إلى منتصف الشك الثامن والعشرين. وقد أفادنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن الطيبي أن كتابي الشيخ زيادة: وهما: "البحث الصريح"، و"الأجوبة الجلية" وجدا في مكتبة محمد باشا المعظم في دمشق الشام، بتاريخ نحو 1265هـ، وقد تقطع ورقهما من الأرضة، فأخذهما مصطفى بيك بن ناصيف باشا، والشيخ يوسف شاتيلا، الذي تشرف بدين الإسلام سنة سبع وسبعين1، ونقلاهما بتكلف بسبب   1 هكذا في الكتاب، ولا أدري ماذا يعني، ويبدو أن فيها خطأ، لأنه إذا كان يعني سبعاً وسبعين ومائتين وألف، فلا يتناسب مع التاريخ المتقدم 1265هـ، ولا يمكن أن يعني 1177هـ لأنه بعيد، إذ يعني أن عمره وقت تصحيح الكتاب أكثر من مائة سنة، إلا أن يكون مراده أن هناك فرقاً بين التاريخ الذي أشار إلى وجود النسخة فيه في مكتبة محمد باشا، وتاريخ تصحيحها، فيعني أنه تأخر تصحيحها إلى ما بعد 1277هـ، ولكن هذا يشكل على أن تاريخ نسخ المخطوطة 1263هـ وهي سليمة ليس بها تآكل وخطها جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 اختلالهما بالأرضة، فلم يسلما من التحريف، الذي يتعسر معه فهم المعنى في كثير من المواضع، لذلك لخصت حاصل البحث الصريح"1. لعل هذا الكلام يلقي الضوء على سبب كثرة الارتباك في الجمل والخلل في عبارات الكتاب وصياغته، ويشرح سبب الفروق الكثيرة بين النسختين (ت) و (د) كما سيأتي. النسخة الثانية: وهي نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية، عقائد تيمور برقم 413، وأرمز لها بحرف (د) . وعدد أوراقها 197 ورقة من الحجم المتوسط، وعدد أسطر الورقة 19 سطراً، وعدد الكلمات في السطر يتراوح ما بين 6 إلى 9 كلمات، وخطها جيد مقروء، وليس لها تاريخ نسخ، ولم يتبين لي من هو ناسخها. وتتميز هذه النسخة بأنهاكاملة ليس فيها سقط. وهناك خلافات كثيرة بين النسختين، منها: - أن نسخة (د) تهتم بذكر الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أما نسخة (ت) قليل فإن ذلك لم يذكر فيها إلا في مواضع قليلة.   1 هامش إظهار الحق 2/75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 - أن نسخة (د) تحدد بداية الحاشية بكلمة "حاشية"، ووضع رقم تسلسلي للحواشي، كما تحدد نهاية الحاشية وبداية النص بكلمة "النص". كما يظهر فيها التصحيح اللغوي لكثير من الأخطاء النحوية، وفيها تعديل في العبارات، بحيث تختلف العبارة من ناحية الكلمات عن نسخة (ت) ، وتتفق من ناحية المعنى، كما أن بين النسختين اختلافات كثيرة في استخدام المفردات، فنسخة. د. تستخدم لفظة تختلف عن نسخة (ت) ، وإن كان المعنى واحداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المبحث الثالث: عملي في التحقيق والرموز المستخدمة . انحصر عملي في التحقيق فيما يلي: 1- كتابة النص على طريقة الإملاء الحديثة، إلا أني لم اعتمد نص نسخة محددة، وذلك لأن النسختين تشتركان في ركاكة الأسلوب وكثرة الأخطاء النحوية، وإن كانت نسخة (د) أقل أخطاءً، ويظهر ليأن نسخة (د) معدلة على نسخة (ت) كما في قوله ص170 "وهو الذي نظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة ضيقة" هكذا في نسخة (ت) ، وقد عدلت نسخة (د) وفقها حيث أسقط كلمة " مظلمة " ثم أعاد كتابتها. وكذلك قوله ص 173 "وقرر لهم شريعته الفضلية"، كتبها في (د) "الفضيلة"، ثم عدلت فوقها بخط مختلف مثل (ت) ، فلذلك لم اعتمد نص إحداهما، وإنما آخذ من هذه وهذه حسب صحة العبارة، وأثبت الاختلافات المهمة في الحاشية. 2- عزو الآيات والأحاديث إلى أماكنها، وكذلك النصوص من العهد القديم والجديد. 3- الترجمة للأعلام، وأسماء الأماكن. 4- التعليق على النص بما يوضحه ولا يثقله. 5- بناءً على ركاكة أسلوب المؤلف، وكثرة الأخطاء النحوية، وكذلك كثرة الفروق بين النسختين، ووجود سقط بعض العبارات والجمل والكلمات، مرة من نسخة (ت) ، ومرة من نسخة (د) ، وكذلك وجود زيادات توضيحية في بعضها عن الأخرى -بناءً عليه سلكت في ذلك كله ما يلي:- بسبب كثرة الأساليب الركيكة في الكتاب، والتي لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 يمكن أن يستفاد من الكتاب مع وجودها وبقائها، فإني أصحح العبارات الركيكة بما هو أفصح منها، وأجتهد في أن أبقي الجملة أقرب ما تكون من صياغة المؤلف، هذا في حالة أن تكون النسختان اتفقتا على إيراد الجملة الركيكة، وأضع الجملة المصححة بين قوسين معكوفين هكذا () . وقد أشير إلى عبارة المصنف في الهامش، وقد لا أشير إلى ذلك؛ حتى لا أثقل الحواشي بالهوامش. - استخدم المؤلف كلمات زائدة لا معنى لها، مثل كلمة "قد"، و"حيث"، و"أيضاً" في مواطن تربك الجمل، كما استخدم حروف جر استخداماً غير صحيح، مثل "إلى"، "من"، "حرف الباء"، وكثيراً ما كان يقول كلمة "أعني" من أجل شرح شيء من غامض الكلام، ويكون صوابها "يعني". أضف إلى ذلك خطؤه في الضمائر، مثل "واو الجمع"، و"هن"، و"هو"، و"التذكير والتأنيث" فيضع بعضها مكان بعض، أو يزيدها بما لا معنى له، كذلك أخطاؤه النحوية. فهذه الأشياء كلها أعدلها وأصوبها دون أن أضع لذلك أقواساً لكثرتها، ويكون التصويب إما من نسخة (د) ، أو مني، وهو الأغلب. - في نسخة (ت) زيادات عن نسخة (د) فأضعها بين قوسين هكذا {} ، ويكون في ذلك إشارة إلى نقص الجملة من (د) . - في نسخة (د) زيادات غير موجودة في (ت) ، أو تكون عبارة (د) أصوب أو أكمل، وفي بعض الأماكن تكون عبارة (ت) مختصرة اختصاراً شديداً، وتكون أوضح في (د) ، أو تكون الكلمة المستخدمة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 (د) أصوب مما في (ت) ، فأثبت ما في (د) ، وأضعه بين حاصرتين هكذا [] ، وأشير في الغالب في الهامش إذا كان الخلاف في جملة مختصرة، أو في كلمة وذلك حتى لا أثقل الهوامش. 6- وضعت الآيات القرآنية بين هلالين هكذا {} . 7- وضعت علامات التنصيص للنصوص المنقولة سواء من الحديث الشريف، أو كتاب العهد القديم والجديد. 8 - أثبت الحواشي الموجودة أصلاً في صلب الكتاب كلها في الهامش، وأجعل الإحالة إليها بعلامة هكذا (*) . ولا أعلق على الحواشي، وإنما أثبتها فقط، وأصحح ما فيها من خلل شديد في التركيب، أو خطأ لغوي. 9- عملت الفهارس الفنية الآتية: - فهرساً للآيات. - فهرساً للأعلام. - فهرساً للكتب. - فهرساً للأماكن. - فهرساً للأمم والطوائف. - قائمة للمراجع. وأخيراً فهرساً للموضوعات. 1- استخدمت الرموز التالية طلباً للاختصار: ت: نسخة توبنجن الألمانية. د: نسخة دار الكتب المصرية. ن. ع: النسخة العربية البروتستانتية لكتابي العهد القديم والجديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قسم التحقيق مقدمة الكتاب ... مقدمة الكتاب 1 الحمدلله الذي جعل الدين دَيناً على البشر وصيره كرأس مال، لنربح به عبادة ذاته العليّة الفائقة كل طهر وبر2، المنزهة عن التجسيم3 والتثليث والتجسد المبتدع، ممن لا يرهبون سقر، ليقابلنا بجزاء أثماره يوم القيامة والنشر، بجنة يعلو سموها على الأوهام والفكر، أثماره4 [صلاح نابت] 5 من الأفئدة والفطر، يجمعه بعادٌ عن ضر القريب، وعن الشرك بالله الحذر، فارجوك ربي تسقه من سلسال جودك المطر، ومعه فأنعم بإزالة الكفر، كما يعلم عن حنوك ويشتهر، وأضف عليه صلاة   1 هكذا المقدمة في. د، أما في. ت فلم يورد ذلك، وإنما كتب الفاتحة. 2 في الأصل ((وبرر)) وصوابها ما أثبت. وتعني الخير والاتساع في الإحسان. انظر: القاموس المحيط 444، والمعجم الوسيط 48. 3 مراد المصنف -رحمه الله- التجسيم الذي ادعاه النصارى في الله عزوجل، أما التجسيم الذي ينفيه المتكلمون عن الله عزوجل فهو نفي مبتدع. 4 مراده بالأثمار هنا أثمار الدين. قال في المعجم: والثمرة من الشيء فائدته، وجمعها ثمر وثمار وأثمار. انظر: المعجم الوسيط 100 5 في. ت صلاحاً نابتاً، وما أثبت من. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وسلاماً على حبيبك ورسولك سيد الخلق والبشر، وعلى آله وأصحابه السادات [القادة] الغرر. أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى ربه الغني الشيخ زيادة بن يحيى النصب الراسي [المهتدي] ، المتشرف في الدين المحمدي1 إنني لما كنت متفرغاً للبحث {والمطالعة} عن أيما هوالدين الصحيح، بكل جهدٍ وبغاية التنقيح، فنظرت إلى أصحاب الملل، التي من دأبها أن تفخر على بعضها بسمو اعتقادها، وكل منهم يتصور أن ماذهبت اليه آل ملته هو الدين الصحيح، وسواه على كل فهو قبيح، وقد رأيت أيضاً أن بعضهم راضٍ بدينه من دون فحص ولا معرفة، والبعض مباشر الفحص في قواعد ديانته {فقط} ، من دون أن يقابلها على غيرها، والنادرمنهم من يقابلها على غيرها مع أوليائها. ففي الوجهين الأولين رأيت أن فيهما يدخل التعصب المذهبي والغرض، بحيث لا يمكن للإنسان أن يميز فيما بين الحق والباطل، أعني: {أنه} لا يعود يقدر أن يميز إلا أن دينه الموجود فيه هو [الدين] الحق {الحقيقي} ، وإن كان بالخلاف2.   1 حاشية: (اعلم أن هذا العالم المؤلف لهذا الكتاب النفيس يشرح في هذه المقدمة اسمه وأسباب دخوله في الدين المحمدي، وأنه مادخل إليه عن ترغيب دنيوي ولا تخويف ولا لغبن ولا لحيف صار له ولا لأسباب فساد، بل بالمطالعات بالكتب والمقابلات كما تراه مفنداً أمامك، وقد يلاحظ بأنه ماسبق له سابق في رفيع معانيه ودقتها) . وهذه الحاشية ساقطة من. د. 2 أي بخلاف الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 فحمدت أنا الرأي الأخير، وحددته حالا من دون تأخير، وبدأت أن أقابل كتابي ومعتقدي على كتابي المعتقد الشهيرين1 وأراجعهما على أولي العلم، من دون تعصب مذهبي بكل مكنتي، من دون مين2، {وغب3 الفحص والتفتيش في ذلك} ، قصدت أن أحرر ما قد حصلته من المقابلة في تلك المسالك، وأبينه لدى ذوي البصائر القادحة، خواض بحور هذه المعاني الشاسعة، لكي يتفحصوه بكل جهد وتدقيق، ويمعنوا نظرهم فيه من دون غرض وتمحيق4، ويفهموا أن الدين المحمدي هو الذي ترجحت عليه البينات، وأنه هو الدين الصحيح، ومن اتخذ سواه دينا فهو من الخاسرين صريح. وحيث قد تيسر لي بعد مطالعتي في كتب القواعد وتفاسيرهم، أني وجدت [أيضاً] ملخصات أجوبة [في رد] الملل على بعضهم بأقوال مختصرة صريحة، فضممت إلى كتابي هذا مايناسب منها،   1 العبارة في النسختين ((على كتابين المعتقدين الشهيرين)) ، وصوابها ما أثبت. ويبدو أن المصنف يقصد أنه قابل بين المعلومات الشرعية وعقيدته على كتابين من كتب النصارى، وربما يكون قصده التوراة والإنجيل، لأنهما هما مجال بحثه في هذا الكتاب. والله أعلم 2 المين هو الكذب. انظر: المعجم الوسيط ص 894. 3 غب بمعنى بعد. انظر: المعجم الوسيط ص 642. 4 تمحيق الشيء هو إهلاكه. انظر: المعجم الوسيط ص855، ويبدو أن المصنف يريد (من غير منع وإبطال) . والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وسميته كتاب: البحث الصريح في {أيما هو} الدين الصحيح. وقسمته إلى خمسة أبواب وخاتمة. فأرجو من المطالعين فيه بأن يكرروا [عبارته و] قراءته بكل جهد وإمعان، ويتوسلوا معي إلى الرحيم الرحمن بجاه نبيه1الهادي، سيد الأكوان، أن يكشف لهم المعاني، إذ هو الكريم المنان، [المفيض على عباده الإحسان] .   1 جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عظيم ولا شك، لكن التوسل به في الدعاء لم يدل عليه دليل صحيح فهو لا يجوز وهو من البدع في الدعاء. انظر: مجموع الفتاوى 1/202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الفهرس 1 الباب الاول يفيد أن سيدنا عيسى عليه السلام ليس هو بإله حقيقي بالذات، وغير مساوٍ لله تعالى في الجوهر، وأن تسميته إلها [هو نعت ووصف] 2 كحسب عادة كتب العهدين أعني: التوراة والإنجيل، اللذين كانا يسميان أشراف الشعب وأفاضلهم آلهة، فهو أي المسيح عليه السلام كان من أشراف الأنبياء وأكابرهم، وكانت تحق له هذه التسمية بنوع خصوصي. الباب الثاني رد على الافتخار الذي يفتخر به النصارى، {أي} بسمو آيات عيسى عليه السلام وأنها فائقة، وقصدهم بذلك لكي يثبتوا بدعتهم منها أعني: الألوهية له، وقد قابلت3 آياته فإذا هي آيات خارقة للعادة، إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد عملوا مثلها [وما] يعلوها ويفوقها أيضاً، ثم إن آل زمانهم وأتباعهم لم يعتقدوا فيهم أنهم آلهة بالذات، ولا مساوون4 لله تعالى في الجوهر.   1 في. د. فهرست الكتاب. 2 في. ت ((إلهاً هي نعتاً ووصفاً)) ، والمثبت من. د. 3 في النسختين ((تقابلت)) ، وصوابها ما أثبت. 4 في. د. متساوين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الباب الثالث رد على [ما تدعيه] 1 النصارى ضد الله تعالى ويتوهمونه، بأن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم قد حصل منه [أمور] منافية وغير حسنة، ومنقولة عن القرآن الشريف المعجز، مع كون أن مثل هذه الدعاوى والأمور الملحوظة قد وجدت من 2 الأنبياء الذين سبقوه وأبلغ منها، كما [تشهد] بذلك كتبهم، ولم تحسب منافية ولا غير حسنة. الباب الرابع نورد فيه بينات من كتب العهدين أعني: [من] التوراة والإنجيل على أن نبيِّنا {محمداً} صلى الله عليه وسلم هو النبي الموعود به أيضاً، والمشار [إليه] 3 والمنبأ عنه – كعيسى عليه السلام -بالأدلة الواضحة والبراهين المكينة، كما قد تراها صريحة.   1 في. ت ((يدعوه)) ، وما أثبت من. د. 2 في. ت ((مفعولة عند)) والمثبت من. د. 3 في. ت ((عليه)) ، والمثبت من. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الباب الخامس في الشكوك الناتجة من القضايا [المتناقضة] ، والقصور الحاصل من ركاكة الجمل الغير مرتبطة، الموجودة في كتب العهدين، المفيدة بأن التوراة والإنجيل مزوران وذلك بأصرح عبارة وأجلى بيان. الخاتمة جمعت نتائج هذه الخمسة أبواب بوجه الاختصار، وبعض ملحقات لها [مفيدات] . {تم   ت} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الباب الأول: الرد على النصارى في دعوة ألوهية المسيح عليه السلام ... الباب الأول: الرد على النصارى في دعوى ألوهية المسيح عليه السلام [يفيد] 1 أن سيدنا عيسىعليه السلام ليس هو [بإله] 2 حقيقي بالذات، وغير مساوٍ لله تعالى في الجوهر، وأن تسميته إلهاً هو نعت ووصف3 كحسب عادة كتب العهدين؛ أعني: التوراة والإنجيل، اللذين كانا يسميان أشراف الشعب وأكابرهم آلهة، فهو أي المسيح عليه السلام كان من أشراف الأنبياء وأفاضلهم، وكانت تحق له هذه التسمية بنوع خصوصي. فأقول أولاً: إن هذا الاعتقاد الذي هو: أن سيدنا عيسى عليه السلام [إله] بالذات ومساوٍ لله تعالى في الجوهر 4 هو بدعة حديثة مستجدة في الديانة النصرانية. ثانيا: (إن هذا الرأي) لم يقبل عندما ابتدع [في الابتداء في] الجيل الرابع5 عند (عموم) النصارى، الذين كانوا في تلك   1 في. ت "يفاد منه على أن" وصوابها ما أثبت من. د. 2 في. ت "إله حقيقي" وصوابها ما أثبت من. د. 3 في. ت "نعتاً ووصفاً" وصوابها ماأثبت من. د. 4 أي أن ذات عيسى عليه السلام عند النصارى ذات إلهية لا فرق بينها وبين ذات الله وجوهره؛ إذ هما عندهم ذات واحدة غير منفصلة. انظر: أديان العالم ص 280. 5 يقصد القرن الرابع الميلادي، حيث عقد في ربعه الأول سنة 325م في مدينة نيقية، المجمع المسكوني الأول للبحث في حقيقة المسيح عليه السلام، وقد خرجوا بقرار يقضي بأن المسيح إله من جوهر الله، أي مساو لله تعالى في جوهره-تعالى الله عن قولهم- انظر: مجموعة الشرع الكنسي ص43، وتاريخ الفكر المسيحي 1/631. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الأعصار، إذ أنهم قد اعتلوا1 [واحتجوا] على من ابتدعوه بأن هذه الزيادة، أعني: (أن) الابن (أي عيسى) مساوٍ لله تعالى في الجوهر ليست موجودة في التوراة (ولا) في الإنجيل حرفيا، بل هي [منكم] جملة استنباطية اختراعية 2، وقد ختم على رأيهم هذا جملة مجامع، منها3 مجمع مادلي4، والمجمع الملتئم في سيرمة5، نحو سنة 360 من تاريخ   1 اعتلوا أي احتجوا. انظر: المعجم الوسيط ص623. 2 المحتجون هنا هم: أتباع القس الليبي "آريوس"، الذي كان يقول إن المسيح بشر مخلوق، لكنه أرفع المخلوقات، وهم المعارضون في مجمع نيقية لدعوى ألوهية المسيح عليه السلام، وقد احتجوا على دعوى المؤلهين بأن دعوى: أن المسيح من جوهر الله ليست موجودة في التوراة ولا في الإنجيل، وأقر بهذا المخالفون لهم إلا أنهم ادعوا أن ذلك وإن لم يكن موجوداً بالحرف فهو موجود بالمعنى. هكذا ادعوا. انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/630، تاريخ الكنيسة، جون لوريمر 3/67. 3 في النسختين "ومنهم" وصوابها ما أثبت. 4 لم يتبين لي هذا المجمع وقد يكون في كتابة اسمه خطأ، والذي ذكره مؤرخوا النصارى أن عدة مجامع بعد نيقية اجتمعت للبحث في حقيقة المسيح، هل هو من جوهر مساو لجوهر الله، كما هي دعوى مجمع نيقية، أم هو من جوهر مشابه لجوهر الله، وهو ماقرروه في مجمع أنطاكية سنة 341م، ومجمع فليبوبوليس سنة 343م ومجمع ميلانو سنة 355م، ومجمع سيرميوم في يوغسلافيا سنة 357م، ومجمع أنقرة سنة 358م ومجمع سلوفيا أو سلفكية في تركيا ومجمع ريمينة في إيطاليا وذلك سنة 359م. وبعد اختلافهم أرغم الجميع على التوقيع على قرار أن المسيح من جوهر مشابه لجوهر الله-تعالى الله عن قولهم- وذلك سنة360م. انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/654-660، تاريخ الكنيسة، لوريمر 3/73-80. 5 هكذا سيرمة ويبدو أنه يقصد مجمع سيرميوم في يوغسلافيا سنة 357م والذي صدق قراره من أغلبية النصارى وذلك عام 360م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 عيسى عليه السلام، وكان حاضرا فيه وراضيا به وخاتما عليه فيليكس1، [ومرة أخرى] ليباريوس2 [أسقفي] روما، الذين يسمون في العصور المتأخرة باباوات3، وأساقفة القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس، الذين يسمونهم في الأزمنة المتأخرة بطاركة مع قساوسهم، ورهبانهم ووعاظهم (ونواب ملوكهم) ، الذين من رأيهم موجود جملة ملايين4 إلى يومنا هذا في بلاد أوستريا5، و (ليبا) 6،وأميريكا7،   1 لم أجد له ترجمة. 2 ليباريوس أسقف روما المتوفى سنة 366م. انظر: المنجد ص618. 3 جاء في. د حاشية ونصها "اعلم أن في زمان مجمع صيرما انعزل فيلكس البابا المذكور، وتنصب عوضه ليباريوس، واثنين تصدروا وختموا بعدم قبولهم بالمساواة، أي مساوات عيسى بالله عز وجل وحرموا هم ومجمعهم المجمع النيقاوي الأول، الذي اخترع هذه الزيادة وابتدعها وجعلها دستور إيمانه". 4 في النسختين "مليونات" وصوابها ما أثبت. 5 أوستريا هي النمسا. 6 ليبا لم يتبين لي مراده منها. 7 الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من ضمن قارة أمريكا التي اكتشفها كريستوف كولومبوس عام 1492م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 والإنكليز وغيرها، ويسمون الموحدين 1 2   1 مراده بالموحدين: هم من يرون أن المسيح ليس إلهاً وإنما هو بشر، ولاشك أن الحواريين ومن تابعهم كانوا على هذا المذهب. والذي يجده المطالع لكتب النصارى بروز هذا المذهب لدى طائفة الآريوسيين، الذين نادوا بأن المسيح بشر مخلوق وليس إلهاً ولا ابن إله، وذلك خلال القرن الرابع الميلادي. وذلك لا يعني أن آريوس ابتدع ذلك، بل لابد أن لذلك جذوراً متصلة بالحواريين، ثم بعد آريوس استمر الخط التوحيدي لدى النصارى وإن كان غير ظاهر، وذلك لاستحكام العداوة والتضاد بين الموحدين والمثلثين من النصارى، وقد آلت الغلبة للمثلثين في نهاية القرن الرابع الميلادي. إلا أن التوحيد كان يظهر له أتباع بين الفينة والفينة، وكان بروز التوحيد بين النصارى ظاهراً بعد دعوة الإصلاح الديني "البروتستانت" في القرن السادس عشر الميلادي، حيث تأثر العديد من دعاة الإصلاح بالمعلومات التي وقفوا عليها، مما يتنافى مع العقيدة الكاثوليكية، مما جعلهم يصلون في نهاية المطاف إلى اعتقاد أن المسيح بشر وليس إلهاً، وقد ظهر بذلك ما تسميه دائرة المعارف الأمريكية بـ "الموحدين"، وقد انتشر هؤلاء الموحدون في كل من بولندا، والمجر، وترانسلفانيا، وانجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، ففي بولندا صدر لهم إعلان سنة 1605م يقول بأن الله واحد في ذاته، وأن المسيح إنسان حقيقي، ولكنه ليس مجرد إنسان، وأن الروح القدس ليس أقنوماً، لكنه قدرة الله، ثم هي تنكر الخطيئة الأصلية. أما المجر وترانسلفانيا فقد انتشر فيهما المذهب الموحد بعد إعلان مرسوم التسامح الديني في أعوام 1557،1563، 1568م، ووصل الأمر بالموحدين أن المجر كانت تحت حكم ملك موحد هو جون سيجسموند1540-1571م. واستمر وجود الموحدين في تلك البلاد بين قوة وضعف، إلى أن جاء القرن العشرون، فقويت الجماعات الموحدة بفضل التسامح الديني والتواصل بين الموحدين في سائر الاقطار، فصار في البلاد نحو 160 كنيسة موحدة، كما صار عندهم كلية لاهوتية. أما انجلترا فقد انتشر فيها المذهب التوحيدي أيضاً، وأول من يشار إلى أنه أبو التوحيد فيها "جون بيدل"1616-1626م، ثم بدأ الترقي في هذه الدعوة، إلا أنه كان ضعيفاً، ولكن قد انضم إليها عدد من الشخصيات البارزة منهم المفكر الإنجليزي جون لوك، والكاتب"صموئيل كلارك"، والعالم الطبيعي "جون برستلي"، الذي أصبح موحداً عام 1768م، والذي كتب رسالة باسم "التماس إلى أساتذة المسيحية المخلصين الموقرين" ووزع منها 30000 نسخة في أنحاء بريطانيا. وهو يرى أن الإله واحد وهو الذي أنزل الوحي، وأنه السبب الوحيد في جميع مظاهر الخلق. وكذلك ثيوفليس ليندساي 1723-1818م، والذي فتح محل مزاد بلندن، ثم تحول إلى كنيسة للموحدين. ثم تأسست جمعية للموحدين باسمالجمعية التوحيدية لترقي المعرفة المسيحية وممارسة الفضيلة عن طريق توزيع الكتب. ثم نشط الموحدون وأسسوا اتحاداً باسم "الإتحاد البريطاني الأجنبي للتوحيد". ويوجد في الوقت الحالي من 350-400 كنيسة موحدة، وتوجد مدرستان لتعليم التوحيد، هما "كلية مانشستر" بأكسفورد، "وكلية التوحيد" بمانشستر. أما الولايات المتحدة الأمريكية فقدكان فيها آريوسيين منهم "د. تشارلزتساونس"1705 -1787م راعي كنيسة بوسطن، والقس "د. يوناتان ميهيو". وفي مطلع القرن التاسع عشر استحوذ التوحيد على كثير من الوعاظ في نيو انجلند، ويمتد تأثيره إلىالجنوب والغرب، حيث تأسست كنائس توحيدية في بلتيمور وواشنطن وبفلو وأماكن أخرى. ومن الشخصيات الكبيرة بين الموحدينوليم الري شاننج 1780-1842م راعي الكنيسة في بوسطن، الذي ألقى موعظة عن مسيحية التوحيد عام 1819م في بلتيمور، والذي صار فيما بعد مؤرخاً ورئيساً لجامعة هارفارد. وتعتبر موعظته من أبرز البيانات عن عقائد الموحدين. وفي عام 1825م تكونت "جمعية التوحيد الأمريكي" وآخر إحصائية لكنائس الموحدين بلغت 370 كنيسة. وتوجد مدرستان أنشأهما الموحدون لتعليم رجال الدين، إحداهما في شيكاغو، والأخرى في بركلي بكاليفورنيا. كما أن كثيراً من القسس في كل من بلجيكا والدانمرك وفرنسا وسويسرا وأيسلندا يتعاطفون مع أفكار الموحدين الدينية. انتهى ملخصاً من دائرة المعارف الأمريكية 27/ 295-300 نقلاً عن كتاب طائفة الموحدين من المسيحيين عبر القرون ص40-53. 2 حاشية: ربما أن مثل هؤلاء كان يمدحهم القرآن الشريف ويكفر القسم الثاني، لأن النصارى قسمان قسم موحد وقسم مثلث. وهذا القول في الحاشية ليس على ظاهره بالنسبة للموحدين، إلا في من لم تبلغه دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الدين عند الله الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ثالثاً: إن بعضاً من النصارى القدماء قد كان يعتقد بأن اللاهوت هو مصاحب الناسوت مصاحبة، أوكما يقال إن الله يحل في الصالحين، وأن سيدنا عيسىكان إنساناً خالصاً1 كالأنبياء وليس إلهاً وإنسانا2،   1في النسختين "ساذجا" والساذج: بكسر الذال وفتحها، معرب. يطلق فيما كان على لون واحد لم يخالطه غيره من الألوان. انظر: تاج العروس 2/58. فلعل مراد المصنف أن عيسى عليه السلام إنسان خالص، وبشر خالص، لم يخالط ذاته ألوهية ولا أرى مناسبة إطلاقها على الأنبياء، لأن الساذج في العرف هو من كان من الناس ضحل التفكير وضعيفه، فإطلاقها على الأنبياء يوجد اللبس. 2 هذا القول مما نسب إلى نسطور وسيأتي التعريف به ص 67، الذي كان رئيس أساقفة القسطنطينية، والقول المنسوب إليه هنا يعني أن: المسيح بشر مخلوق وليس بخالق، وأن الله عندهم اتحد به اتحاداً معنوياً، أشبه شيء بالاتصال والقرب عن طريق الأنس والرضوان. وهذا القول ينسبه إليه ابن البطريق، والكتاب النصارى الذين يؤيدون قول رئيس أساقفة الإسكندرية كيرلس، الذي حمل على نسطور، ودعا إلى مجمع أفسس سنة 431م، وخرج بقرار الطبيعة الواحدة في المسيح، وهي طبيعة إلهية بشرية عندهم، ثم لعنوا نسطور، وحكموا عليه بالنفي، فمات منفياً سنة 450م. وينسب هذا القول إلى نسطور أكثر الكتاب المسلمين، ويعتبرونه بهذا موحداً. أما الكتاب الغربيون وهم في الغالب ضد كيرلس أسقف الاسكندرية فيدافعون عن نسطور، ويقولون إنه لم ينكر ألوهية المسيح، إنما علم أن المسيح له طبيعتان منفصلتان، وهما الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، وأن مريم ولدت الإنسان وليس الإله. وبهذا يرى هؤلاء الكتاب أن خطأ نسطور ليس كبيراً، مادام يقر بلاهوت المسيح، وتراهم يطعنون في كيرلس أسقف الإسكندرية، أو يهمزونه. انظر: فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، ص304، ومحاضرات في النصرانية، ص157، وتاريخ الفكر المسيحي 2/170، ومختصر تاريخ الكنيسة 1/340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 الذين قد يوجد من هؤلاء جملة ألوف وكرات1 في بلاد المشرق، في الهند والصين والعجم، وبين النهرين: بغداد وما يحوطها، وغير محلات، ويسمون نساطرة 2.   1كرات في علم الحساب مائة ألف. انظر: المنجد في اللغة ص679. 2النساطرة نسبة إلى نسطور، وهو راهب سوري صار قسيساً لكنيسة أنطاكية، ثم رئيس أساقفة القسطنطينية، وذلك عام428م، وقد اجتمع مجمع في أفسس سنة 431م للنظر في قوله في المسيح، فخرج بقرار عزله ونفيه حيث مات في مصر منفياُ حوالي سنة 450م، وانتشر قوله في الشرق خاصة فارس والعراق، وصار لهم نشاط في الهند والصين. انظر: مختصر تاريخ الكنيسة 1/398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 رابعاً: وبالإجمال أقول: إن الذي أورده أولئك النصارى القدماء، المار ذكرهم، وخلفهم من بعدهم، من الرد والمجاوبة على مخترعي مساواة عيسى لله (تعالى) في الجوهر، لما أرادوا أن يبحثوا رأيهم في تلك السندات الضعيفة، والبيانات السخيفة1، التي نحن الآن سنورد أقواها وجوابها في هذا الباب، (لكي) 2 يحصل منها إنتاج أيما هو الدين الصحيح. وهي قد تشتمل على ستة بيانات أصولية3 البيان الأول عن قول يوحنا الإنجيليفي الإصحاح العاشر: "أنا والأب واحد"4. فمن قوله أنا والأب واحد، المنسوب إلى عيسىعليه السلام، قد استنبطوا مساواة الابن (أي عيسى) [الأب] في الجوهر. فأجابهم الغير قابلين5 هذه الزيادة: نعم إن يوحنا [الإنجيلي] قال هذا6، إلا أن هذا القول لايفيد المساواة، لأنه (هو) أيضاً يقول   1 في النسختين "الخسيفة" وهو خطأ، وصوابها ما أثبت. 2 في. ت "لكيما" والمثبت من. د. 3 حاشية: "اعلم أنّ لفظة أصولية قد يراد بها أنه إذا وجد مائة شهادة أو أكثر أو أقل من مثل هذه المعاني، فتكون مبينة من مثل هذه الأصول الستة وقد تنحل بحلها المشروح" قال في. د "حاشية ثالثة: اعلم أن كلما يوجد من البينات في هذا الباب قد ترتد إلى هذه الستة الأصولية". 4 يوحنا 30:10. 5 في النسختين "القابلين" وصوابها ما أثبت. 6 في النسختين "هذه" وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 في الإصحاح السابع عشر في طلب السيد المسيح ودعائه: كما أنت يا ابتاه فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحدا فينا1، (هكذا) صلى ودعا (لأجل) حوارييه. فإن كان معناه2أن قوله "أنا والأب واحد" يفيد المساواة في الجوهر، فيلزم أن يكون التلاميذ الذين قال عنهم ليكونوا واحداً فينا هم أيضاً مساوين3 للأب والابن في الجوهر، وهذا رأي4 شنيع5. وأيضاً: أن يوحنا (هذا نفسه قد) استعمل لفظة واحد في رسالته الأولى الكلية في قوله:"ثلاثة شهود في السماء الأب والكلمة والروح والثلاثة هم واحد، وثلاثة شهود على الأرض الروح والماء والدم والثلاثة هم واحد"6. فنرى 7 أنهم ثلاثة جواهر وليس هم جوهراً واحداً، لأن الروح جوهر، والماء جوهر، والدم جوهر8 9   1 يوحنا 22:17. 2 في النسختين "معناكم" وهو خطأ، واستقامتها كما أثبت. 3 في. ت "مساوون" وصوابها ماأثبت من. د. 4 في. د "قول". 5 حاشية: "اعلم أنه يوجد أمثلة كثيرة مستعملة على هذا الأسلوب في كامل اللغات عن المتحدات من شيئين، ولا يقال عنها متساوين في الجوهر" 6 رسالة يوحنا الأولى5: 7-9. 7 في النسختين: وقد ننظرهم نحن بأنهم. وليس فصيحة. 8 أي هم ثلاثة أشياء كل واحد منها مستقل بجوهره "ذاته". 9 حاشية: "اعلم أنّ جملة الأب والكلمة والروح والثلاثة هم واحد ليس لها وجود في جلسات المجمع النيقي، لأن هذه الجملة في بعض نسخ الإنجيل القديمة الموجودة عند النصارى الموحدين، [وعند طائفة السريان في اللغة السريانية] ليس لها أثر كليا، مع أنها لو وجدت في بعض النسخ، [وهي دخيلة ومبتدعة إلا أنها] ؛ لا تفيد المساواة، بحيث قد يحلها مثالها التابع لها، وهو قوله الروح والماء والدم والثلاثة هم واحد، لأننا ننظرهم ثلاثة جواهر، وليس فيهم مساواة في الجوهر كليا. وهذه الشهادة بهذا النسق هي مأخوذة عن كتاب يوناني بخط اليد، ولربما تكون في باقي النسخ مغيرة" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وأيضا قد أوضحوا لهم؛ أعني النصارى القدماء للمبتدعين: أن التوراة والإنجيل يعلمان بوحدانية الله تعالى الواحد الأحد [مراراً] كقوله: إن الله واحد1، و [قوله] "أن لا إله غير الإله الواحد"2، و [قوله] "إله واحد الذي يفعل كل شئ"3، و [قوله] "إله واحد أبو الكل"4، و [قوله] "أنت تؤمن أن الله واحد"5،"ولكي يكون إله سيدنا يسوع المسيح أبوالمجد"6،"وإني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم"7   1في إنجيل مرقس32:12 فقال له الكاتب: "جيد يامعلم بالحق قلت؛ لأنه الله واحد وليس آخر سواه". 2في سفر التثنية 4:6"اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد". 3في سفر نحميا 6:9"أنت هو الرب وحدك أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها والأرض وكل ماعليها والبحار وكل مافيها وأنت تحييها كلها وجند السماء يسجد لك". 4في رسالة بولس إلى أفسس 4: 5 قال "إله واحد وأب واحد للكل". 5رسالة يعقوب 2: 19. 6رسالة بولس إلى أهل أفسس 17:1 وفيه "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد". 7في يوحنا 17:20 "إني أصعد إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 و"يعرفوك أنك أنت إله الحق وحدك"1. وماسمعوا من كتابهم حرفيا أن الله تعالى وحاشاه ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، ولا قرأوا في التوراة والإنجيل أن عيسى مساوٍ للأب في الجوهر. وكما قرر صابليوس 2 في [نحو] القرن الثالث أن المقول في الإنجيل "عمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس"3 هي أوصاف ونعوت لطبائع مختلفة، وليست أقانيم وأشخاص متساوية بالحق، [وهي] كما يقال مثال ذلك في الاستعمال "عن غير الأب الحقيقي" والابن الحقيقي: هذا أبي وهذا ابني وهذا روحي4 5.   1 في يوحنا 3:17 "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك". 2 صابليوس أو سابليوس ولد في نهاية القرن الثاني، وتوفي سنة 261م، كاهن ليبي دعا إلى مايسمى المذهب الانتحالي، ويعني أن الله واحد ولكنه انتحل شخصية الأب ثم انتحل شخصية الابن ثم انتحل شخصية الروح القدس. وكان ينكر الثالوث وكذلك الأقانيم انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/594. 3 متى 19: 28. 4 يقصد أن يقول الشخص لشخص آخر: هو أبي، مع أنه ليس أباه حقيقة، وإنما من ناحية الإجلال والاحترام له نزله منزلة أبيه، أو يقول لمن يراه في مقام ابنه: هذا ابني، مع أنه ليس ابنه، وكذلك لفظة روحي. 5 حاشية "إنه يكفي برهاناً لعدم المساواة بنعت الروح وحده بالقدس، لأنهم لو كانوا متساويين لكان ينبغي أن يقول عيسى عليه السلام: عمدوهم باسم الأب القدس والابن القدس والروح القدس، ولا يعزو هذا النعت وهو القدس إلى أقنوم واحد وهو الأخير ويترك الباقي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وهي نعوت شريفة للتبجيل أعني:؛ إضافة تبجيل1، وفي الكتاب مثل ذلك وسيأتي بيانه2.   1 مراده أن الأوصاف الملحقة بلفظ الجلالة الأب، وكذلك الملحق بالمسيح بأنه الابن، وكذلك الملحق بالملك جبريل بأنه الروح القدس هي نعوت وأوصاف للإجلال والتبجيل. 2 حاشية: في. د، قال: وقوله: عمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس إن كانت غير زائدة في الإنجيل ولادخيلة فهي فريدة، {لم يذكرها غير متى الإنجيلي} ، والشهادة الواحدة لاتقوم برهاناً في الدعوى، أويكون معناها كما قيل في القرآن العظيم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، أو كقوله {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أو كقوله: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، {وقول بولس لتيموثاوس 1/5:21 أناشدك أمام الله ويسوع المسيح والملائكة المختارين} ، فلا تفيد هذه الألفاظ المساواة للمشار إليهم من قوله، عمدوهم أو لتؤمنوا أو أطيعوا، لأن الأب هو الإله، أما الرسول أو عيسى أو الروح أو أولو الأمرجميعهم مخلوقين، عدا أن وصفه وتخصيصه الروح القدس الذي ذكره في هذه الجملة بقوله والروح القدس هو نعت تفضيلي للروح فقط لا للثلاثة، ويفيد هذا مضادة اعتقادهم بالمساواة. وهذا البرهان كاف لهدم آرائهم من نفس كتابهم ومن السند نفسه. وقد أثبت الحاشية من. د لأنها أكمل مما في. ت وأوضح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وهكذا كان اعتقاد النصارى المعاصرين له في الدهور الأولى1، المطابق لقوله تعالى في القرآن الشريف: {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} 2 البيان الثاني استدل النصارى على أن عيسىعليه السلام سمي في الإنجيل إلهاً وابن إله، كقوله: أنت ابن الله3، وإلهاً كان الكلمة4، وإذا كنت أنا الرب والمعلم غسلت أقدامكم5، وهذا ابني الحبيب6.   1 مراده أن الحواريين كانوا يعتقدون وحدانية الله، وهذا ظاهر من النصوص المنقولة في سفر الأعمال، منها ماورد عن بطرس كبير الحواريين في خطبته أمام اليهود22:2 يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون. وقال أيضاً في 13:3 إن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم. فلم يرد عنهم أنهم كانوا يعتقدون بنوة المسيح لله، بل إن أكثر الأوصاف الواردة عن بطرس للمسيح هو وصفه بأنه فتى الله، وذلك يعني خادم الله، أو نحو ذلك. 2 الأنعام آية 19. 3متى 16:16. 4 يوحنا 1:1. وهو قوله وكان الكلمة الله. 5 يوحنا 14:13 وفيهفإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم. 6متى 17:3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ومن هذه الجملة وأمثالها يستنتجون: مساواة الابن (أي عيسى) للأب في الجوهر، وأنه إله بالذات [ورب] . فأجابهم نصارى تلك الأزمنة الحقيقيون1، بلسان مجمعهم قائلين: نعم إن هذه الكلمات هي موجودة في الإنجيل مع أمثالها، إلا أنها لاتفيد المساواة في الجوهر؛ لأن موسى الكليم دعي بهذه التسمية بقوله [له] في سفر الخروج، في الإصحاح السابع: قد أقمتك إلهاًلفرعون2. و [كذلك] سليمان دعي ابن الله في سفر صموئيل الثاني3، في الفصل السابع بقوله: وأنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً. و [كذلك] يوسف، في سفر التكوين، في الإصحاح الحادي والأربعين، [والسابع والأربعين] سمي رباً، ورزق أباه يعقوب بقوله: والمنادي ينادي قدامه أنت رب ومسلط4، وبقوله: وارزق يوسف أباه وإخوته5، وقيل [أيضاً] في المزمور إلى [أئمة] 6 اليهود: إذا قلت إنكم آلهة وبنوا العلي كلكم7،والله قام في مجمع الآلهة8.   1 في. دالمحققون. 2 الخروج 1:7. 3 في النسختين: الملوك الثاني، وصوابه ما أثبت وأنه في سفر صموئيل الثاني 14:7. 4 في سفر التكوين 43:41وأركبه في مركبته الثانية ونادوا أمامه اركعوا. 5 لم أقف عليه بهذا النص ولا قريباً منه، وإنما أورد اليهود قصة إخوة يوسف معه حين جاءوا لطلب القمح، في سفر التكوين، في الإصحاح الثاني والأربعين. 6 في. تأيمات وصوابها ما أثبت من. د. 7 مزامير 6:82. 8 مزامير 1:82 وفيه الله قائم في مجمع الله في وسط الآلهة يقضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 (وفي المزمور المائة والرابع والثلاثين قد قيل فيه: لأن الرب عظيم وربنا أفضل من جميع الآلهة) 1، والملائكةفي سفر أيوب دعيوا أبناء الله 2. والشعب الإسرائيلي بوجه العموم دعي ابن الله حين قال الله لفرعون في سفرالخروج: إن اسرائيل ابني البكر أطلقه حتى يعبدني3، وحتى إني لأقول: إن لفظة إله التي بينا، أنها كانت ينعت بها البشر نعتاً ووصفاً وإضافة قد وجدت في التوراة في اللغة العبرانية اسماً أيضاً يستعمله (كل) من يريد [لنفسه] ، كلفظة ايلياه التي إذا ترجمت إلى اللغة العربية حرفا بحرف تراها اسماً مركباً من اسمين: ايل ياه4، أي: إله أبدي كائن5، و [لفظة] اليشع أيضاً إذا ترجم اسمه يكون إله مخلص طايق 6.   1 في المزمور 5:135أن الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة. 2 أيوب 1/6 3 سفر الخروج 22:4. 4 قال في القاموس: إيل اسم من أسماء الله في العبرية، انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 142، وقال في ص1049: ياه مختصر يهوه، وتفيد معنى القيام بالذات. 5 قال في. د بعد قوله ايل ياه مانصه واعلم أن لفظة ايل إذا عربتها تكون إله، وإذا ترجمتها للعرب تكون طايق مكين، ولفظة ياه هي بالعربي أبدي، فكأن اسم إيلياه بالعربي هو طايق مكين أبدي، أو معرب هو إله أبدي. 6 هكذا في. ت، وقال في قاموس الكتاب المقدس ص111:اليشع اسم عبري معناهالله خلاصوقد وردت العبارة في. د إذا ترجمتها للعربي فهي، طايق مكين مخلص وإذا عربتها فهي، إله مخلص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ومثل هذه (الكلمات) قد وجدت كثيرا في الكتب [القديمة] ، وما كان أحد يتصور أو يعتقد في موسىأو في خلافه المنعوتين بهذه النعوت، أنهم آلهة بالذات، أو مساوون لله تعالى في الجوهر، مع أن الآيات الخارقة المفعولة على أيديهم كان لها الأولوية أن تعطيهم ماتدعونه لعيسى1؛ أعني: الألوهية بالذات. وعدا ذلك 2 أن هذه النعوت أعني: لفظة البنوة لله، والولادة من الله، قد تسمت بها النصارى في تلك الأزمنة في الكتاب؛ لأنهم سموا أبناء الله، ومولودين من الله، والله أبوهم، حيث يقال في إنجيل متّى: وأبوكم السماوي هو كامل3، وقوله: وليس لكم أجر عند أبيكم السماوي4، وكم بالحري أبوكم يعطي الخيرات5، وقوله: ومن دون إرادة أبيكم6، وإن أباكم واحد الذي هو في السماوات 7.   1 في النسختين ماتدعون به إلى عيسى عليه السلام واستقامة المعنى كما أثبت. 2 قال في القاموس ص 1688:عدا الأمرجاوزه وتركه. 3 متى 48:5 وفيه فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموت كامل. 4 متى 1:6 5 متى 12:7. 6 متى 30:10. 7 متى 9:23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وفي إنجيل لوقا يقول: وبنوا الله من أجل أنهم بنوا القيامة 1، وفي إنجيل يوحنا يقول: وأن يجمع أبناء الله المتفرقين 2. وفي رسالة قرنيته يقول: وأنا أكون لكم أبا وأنتم تكونون لي بنين وبنات 3، وفي رسالة غلاطية يقول: وأنتم كلكم أبناء الله بالإيمان4. ويعقوب الحواري يقول: وحسب رحمته ولدنا ثانية5، ويوحنا الحواري في رسالته يقول: وكل من ولده الله فما يخطئ 6، وكل محب فهو مولود من الله7. فهذه الشهادات وأمثالها لم يعتبرها آل السنين (والأجيال) الأولى8، إلا إنها مثل [المقول] على المسيح [عيسى] ، وكانوا يعتقدون9 أن عيسى يمتاز عنهم بالبكورية10، كما قيل   1 لوقا 36:20. 2 يوحنا 52:11. 3 رسالة بولس إلى أهل كورنثوس الثانية 6/ 18. 4 غلاطية 36:3. 5 هكذا، والصواب أنها في بطرس 1: 3 ونصه مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية. 6 رسالة يوحنا الأولى 18:5. 7 رسالة يوحنا الأولى 7:4 وفيهوكل من يحب فقد ولد من الله. 8 يقصد النصارى المتقدمين. 9 في النسختينيعتقدوا على أنوصوابها ما أثبت. 10 في. ت في البكورية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عنه إنه بكر كل خليقة1، وأن الله تعالى كان يظهر الآيات على يديه2، كما [هو] محرر في الإنجيل3، وفي أعمال الرسل 4، ولكونه هو الشفيع5 والوسيط 6، وكما يفضل نبي عن نبي وصالح عن صالح، فهوفي الأولوية أحق، من كونه [مقدماً ورأساً وأخاً] ، كما قال عن نفسه: ها أنا والبنون الذين أعطانيهم الله7، وقول بولس للعبرية: إنه مااستحى (أي عيسى) أن يسميهم8.   1 رسالة بولس إلى أهل كولوسي 15:1. 2 في النسختينكان يأتي الآيات عن يديه. 3 ورد في إنجيل يوحنا 3:9 أن المسيح حين أراد شفاء أعمى قال: لكن لتظهر أعمال الله فيه. 4 ورد في أعمال الرسل 22:2 أن بطرس قال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم. 5 قد يقصد به الشفيع في الدعاء لهم كما في لوقا 34:23 فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم؛ لأنهم لايعلمون ماذايفعلون. وقد يقصد به الشفيع في تكفير الخطايا، وهذا من غلوهم ومن ذلك ماورد في رسالة يوحنا الأولى 1:2 وإن أخطأ أحدنا فلنا شفيع عند الأب يسوع المسيح االبار هو كفارة لخطايانا. 6 قال بولس في رسالة تيموثاوس الأولى 5:2 لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح. والمراد بالوسيط، هو أن النبي وسيط بين الله وبين الناس في تبليغ رسالة الله وشرعه، أما النصارى فيرون أن المسيح وسيط بين الله والناس في مغفرة خطاياهم، وذلك ببذل نفسه على الصليب. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص1027. 7 عبرانيين 13:2. 8 عبرانيين 11:2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وفي رسالته إلى أفسس قال: إنه هو رأس جسد الكنيسة، وكما [أن] الرجل هو رأس المرأة1، فكذلك المسيح هو رأس الكنيسة 2، أعني: أن بولس يريد3 ويستنتج من كلامه أنه كما [أن] المرأة والرجل من جوهر واحد، (فالمسيح والكنيسة من جوهر واحد) ، وكما يمتاز الرأس عن الجسد، هكذا يمتاز المسيح ويتشرفعن الكنيسة، التي هي جماعة النصارى.4 [وبالإيجاز أقول: إن هذه التسميات قد جاءت على موجب اصطلاح اللغة اليونانية والعبرانية استعمالاً وأصولاً، لا العربية، وقد قادت النصارى إلى أن استنتجوا منها، أنّّ عيسى هو ابن بالذات لله تعالى، ومساو له في الجوهر -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وهذه الصيغة قد حرمها القرآن الشريف5، لأن في قطع الأسباب تنقطع المسببات] .   1 في النسختينالإمرأةواستقامتها ما أثبت. 2 رسالة بولس إلى أهل أفسس 23:5. 3 في. تأنه قد يريد بولس وفي. د قد يريد بولس واستقامتها كما أثبت. 4 في النسختين النصرانية، وصوابها كما أثبت. ومراده من ذلك كله أن تسمية المسيح، ابن الله وتسمية غيره ابن الله، مما ورد في الإنجيل يدل على عدم صحة الاعتقاد الذي عليه النصارى في المسيح، كما يدل على تميز المسيح عن الآخرين من الصالحين بأنه أكثر صلاحاً وأرفع مقاماً ممن أطلق عليهم تلك التسميات. 5 يقصد أن الله عز وجل قد حرّم هذا الإطلاق وهو وصف ابن الله في القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 البيان الثالث الذي [يظن] 1 النصارى أن به يثبتون2 الألوهية لعيسى وهي أوصاف القدم المقولة عليه، حيث نقل عنه في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثامن أنه قال: إني قبل إبراهيم كنت3. وفي الإصحاح الأول قال: وهذا كان في البدء عند الله4، وأمثاله. فنجيب: أن هذه لا يفهم منها عند النصارى (القدماء) ،الذين كانوا في القرون الأولى، أنه إله بالذات ومساولله تعالى في الجوهر، بل كانوا يفهمونها من قول سليمان، إنه قديم ومخلوق ومولود قبل صنع الجبال والآكام، لأنه أي سيدنا سليمان أنبأ عن سيدنا عيسى5 بقوله بلسان حاله: الرب خلقني ابتداء طرقه لأعماله وقبل جميع الآكام ولدني 6.   1 في. تيظنوا، والمثبت من. د. 2 في النسختين يثبتواوصحتها ما أثبت. 3 يوحنا 58:8. 4 يوحنا 2:1. 5 مراده أن متقدمي النصارى فهموا منها أن المسيح خلق قديما بدليل كلام سليمان عليه السلام عنه. 6 أمثال 22:8 وفيهالرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم ... من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وأيضا نبينا [السيد] الأعظم1 قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: بأنه مخلوق قبل الكون، وظهوره كان ضمن حساب التاريخ 2. فإذاً: من قول سليمان الذي يرمز به إلى عيسىعلى زعمكم بأن الرب خلقه قبل أن يبدع اللجج والآكام، نعلم أنّ عيسى ليس هو فوق الأزمان ولا هو أزلي، ويتبع ذلك أنه ليس بإله (حقيقي) . وإن قلنا: إن النبوءة كانت مقولة من سليمان على جسد عيسى المخلوق، فجسدهقد كان ظهوره تحت حساب التاريخ، وليس مخلوقاً قبل الآكام كما تزعمون.3 وأيضا داودفي هذا المعنى [في زبوره] يقول: يا رب ملجأً كنت لنا في جيل وجيل من قبل أن تكون الجبال وتخلق الأرض 4. [وهذا يدل على أن أرواحنا مخلوقة قبل أن تخلق الأرض] ولا يفيد أننا آلهة5أزليين، أو أنه   1 يقصد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. 2 لم أقف على شيء من هذا صحيح، وإنما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قالوا: يارسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال:"وآدم بين الروح والجسد". قال الترمذي: حسن صحيح غريب. فمعنى ذلك أنه كتبت نبوته عليه الصلاة والسلام قبل أن ينفخ في آدم الروح. انظر: الترمذي مع تحفة الأحوذي 10/78. 3 مراده أن نبوءة سليمان عليه السلام عن عيسى عليه السلام قد نصت على الخلق قبل الكون، ويعني هذا أنه ليس إلهاً موجوداً منذ الأزل، وإذا كانت النبوءة تتعلق بالجسد فإن الجسد إنما وجد في زمانه الذي وجد فيه وليس قبل خلق الكون. 4 مزامير 1:90. 5 في النسختين وليس يفاد منه واستقامتها كما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كما قيل في الرؤيا (في معنى ذلك) فيما زعموا عن يوحنا أنه سمى (المسيح) - في الإصحاح الثالث عشر- خروفاً، بقوله: الذي للخروف الذي ذبح منذ إنشاء العالم 1. وقد يعلم من هذه أيضاً أنها تفيد قصد الشئ لاوجوده، ولأن المسيح على زعمكم (الباطل) ذبح في عهد بيلاطوس2، وليس منذ إنشاء العالم كما [زعمتم من] قول يوحنا في رؤياه? (وأيضا أقول: نعم إن سليمان قد تكلم على أن الحكمة في الله أزلية، يقول عنها من الأزل أسست، والنصارى فسروا هذه الحكمة أنها عيسى، فنحن لا نعارضهم بهذا التفسير، وأن سليمان يذكرها مراراً على معان كثيرة بعيدة عن فرضهم، حتى وفي هذه الجملة يشير أنها أسست أي مفعولة، بل نجاوبهم بأن الحكمة ليست وحدها في الله أزلية، بل جميع   1 رؤيا يوحنا 8:13. 2 بيلاطس البنطى أحد ولاة الرومان على اليهود زمن المسيح عليه السلام، وهو الذي يزعم النصارى أنه أمر بصلب المسيح، قيل: إنه مات سنة 39م. انظر: معجم الحضارات الرسامية ص 261. ? حاشية: اعلم أنّ نتيجة هذا البيان الذي هو البيان الثالث قد تشير على أنه إن سلمت النصارى على أن عيسى ذبح قبل إنشاء العالم، فعلينا أن نسلم نحن لهم بأن القول عن المسيح كان قبل إبراهيم هو بالفعل، وان أنكروا وقالوا إنه ماذبح عيسى أي قبل إنشاء العالم بالفعل فنجاوبهم نحن ونقول انه ماكان عيسى قبل إبراهيم بالفعل، مع أن هذه القبلية لاتفيد الأولية كيف ما كانت. وهذه الحاشية ليست في. د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 صفاته كالقدرة والرحمة والمعرفة والسمع والبصر وما شابه ذلك، فإذا فسرت النصارى الحكمة وأنها أقنوم عيسى، فيلزم أن يكون في الإلهية أقانيم كثيرة على عدد صفاته، لأن سليمان ذاته قال: إن الله بالحكمة أسس الأرض وبالفطنة أتقن السموات، وبالمعرفة شقق اللجج 1 كما في العبراني، فهاهنا يستنتج أربعة أقانيم في إلههم وهم: الله والحكمة والفطنة والمعرفة، وقد يظهر أيضاً أن الفطنة 2 هي أعظم من الحكمة؛ لأن بها أتقنت السماوات وبالحكمة أسست الأرض) .   1 أمثال 3: 19. 2 المعرفة والفطنة: هذا من تعبيرات اليهود، وليس من الأوصاف المستخدمة عندنا في الشرع. والصواب فيها أن يقال: العليم الخبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 البيان الرابع أنّ النصارى المتأخرين يستندون على أوصاف السيادة المقولة على عيسى، مستنبطين له منها الإلهية، مثل قوله في يوحنا: إن الأب لا يدين أحدًا بل أعطى الحكم كله للابن 1، و [قوله] كل شئ أعطيت من أبي 2. [وأمثال ذلك كثير] . فأجيب: والحال أن مثل هذه الأوصاف وما يتبعها لاينبغي أن تقبل3 (أدنى) شبهة بأن الابن غير مساو للأب في الجوهر، ولأنه يقول أعطى الحكم كله للابن و (كل شئ أعطيت من أبي) ، فيكون الأب هو المعطي والابن هو الآخذ، والأخذ للحكم ليس هومن شيم الألوهية ورتبتها، لأن رتبة الألوهية تعطي الحكم، والمسيح نفسه قد فسر ذلك لما أتبع كلامه إذ قال: لأنه ابن البشر 4. فهذه الأوصاف (كما قررنا) لا تثبت الألوهية (بالذات) لعيسى؛ لأنه في الأول قال: إن الله تعالى أعطى له الحكم، وفي الثاني قد كشف عن الحق (كله) بقوله: لأنه ابن البشر، ولم يقل عنه: إنه يدين ويحكم بحسب طبيعته الخالقة، أو لأنه ابن الله بالطبيعة.   1 يوحنا 22:5. 2 بحثت عنه ولم أجده. 3 في. د تقلل شبهة 4 يوحنا 27:5 وفيه لأنه ابن الإنسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وأما قوله: (إن) من يكرم الابن فقد يكرم الأب (وقوله: ويكرمون الابن كما يكرمون الأب) 1 فهي مثل قوله: من أهانكم فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الذي أرسلني2،ومن سمع منكم فقد سمع مني3،ومن يرحم مسكينا يقرض الله 4، وأمثال ذلك كثير.5   1 يوحنا 23:5. 2 لوقا 16:10 وفيه والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني. 3 لوقا 16:10. 4 أمثال 17:19. 5 حاشية للناسخ: اعلم أنه قد ورد في القرآن الشريف مثلقوله: من يكرم الابن فقد يكرم الأب. خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 البيان الخامس [يستند] النصارى على ماورد عن عيسى من قول بولس في العبرية1 بأنه: أي عيسى شعاع مجده وصورة جوهره 2؛ [يعني مجد الأب] (وهذا الضمير عائد إلى لفظة الله) ، ويستنبطون من قوله شعاع مجده وصورة جوهره 3، مساواته لله تعالى في الجوهر. فأجيب: أن هذا السند هو كالذي قبله، إذ (أنه) لا يفيد المساواة في الجوهر، لأنه قيل في سفر التكوين ما يحل هذا الإشكال فقد قال عن الإنسان أنه خلق على صورة الله، وذلك في الإصحاح الأول إذ قال: وخلق الله الإنسان كصورته 4.   1 في. ت للعبرية. 2 العبرانيين 3:1 وفيهالذي هو بهاء مجده ورسم جوهره. 3 في النسختين. من كون شعاع مجدهواستقامتها ما أثبت. 4 التكوين 28:1 وفيهفخلق الله الإنسان على صورته. وقد ورد هذا في آدم عليه السلام خاصة في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم على صورته". أخرجه. خ في الاستئذان وبدء السلام. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 11/3، وورد إثبات الصورة لله عزوجل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرؤية، وفيه "فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون". أخرجه. خ في التوحيد، باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . انظر: صحيح البخاري مع الفتح 13/419، م. في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، 1/164. فالواجب في مثل هذا الحديث إثبات صفة الصورة لله تعالى، مع نفي التشبيه، وأن الله لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ثم إن بولس كتب أيضاً لقرنيته1 في الإصحاح الحادي عشر: إن الانسان صورة الله ومجده2. وحيث إنّ لفظة صورة الله ومجده قيلت على المسيح وعلى الإنسان أيضاً، فلا تفيد مساواة عيسى لله تعالى في الجوهر، (وكما تجد أقوالا كثيرة من بولس) إلى كولوسي3 في الإصحاح الأول عن عيسى: أنه ابن (محبته4، أي ابن) محبة الله، وأنه صورة الله ومجده، وأنه بكر كل خليقة5، فيلزم أيضاً أن نعرف معانيها، لأنه (على) معنى قوله: إنه ابن محبة الله، فمعلوم وظاهر جداً أن ابن المحبة غير الابن الطبيعي، حسبما أكد ذلك بولس نفسه في رسالته إلى الروم، إذ أنه سمى عيسى ابن الله بالقوة، ولم يقل بالطبيعة، وأتبع ذلك6 بقوله: حسب روح التقديس7، أي بحيث هو مقدس سمي   1 هكذا في النسختين، ومقصده كورنثوس. 2 كورنثوس الأولى 7:11 وفيه فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. 3 في. ت كولص، وفي. د كولوطايس وصوابها ما أثبت. 4 كولوسي 13:1. 5 كولوسي 15:1 وفيه الذي هو صورة الله المنظور بكر كل خليقة. 6 في النسختين، وأطبق. وصوابها ما أثبت. 7 رومية 3:1 وفيه: الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة الروح القدس. ويظهر واضحاً الفرق بينه وبين المعنى الذي أثبته المصنف، لأن كلام المصنف يدل على أن المسيح سمي بهذا الاسم لأنه رجل مقدس أي طاهر، أما النص كما هو في النسخة البروتستانتية فيدل على أنه صار ابن الله بواسطة الروح القدس الذي هو إله عندهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ابن الله بالقوة، وبقوله: إنه صورة الله ومجده، وآدم أيضاً صورة الله ومجده، وبقوله: إنه بكر كل خليقة، فيكون معناه أن (المسيح) قديم ومخلوق وليس بخالق. وأما قوله الذي يتلوه: إنه به خلقت البرايا1 أعني: لأجله أو بواسطته، وقد كتب قدها 2 للعبرانيين3 في الإصحاح الأول: لأن به خلق العالمين 4، لأن هذه الباء (في اليوناني) هي باء السببية الواسطية. ونبينِّا السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم قد ورد عنه أنه5 لأجله خلقالوجود6. وأثبت7 قولي وأختمه بما أورده يوحنا (في رؤياه) ، في الإصحاح الثالث بقوله عن عيسى: إنه رأس خليقة الله 8، أي   1 كولوسي 16:1 وفيهفإنه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض. 2 مراده مثلها ومقدارها. قال في المعجم: القد المقدار، يقال هذا على قد ذاك على مقداره. انظر: المعجم الوسيط ص717. 3 في. تإلى العبريةوما أثبت من. د. 4 العبرانيين 2:1 وفيه الذي به أيضاً عمل العالمين 5 في النسختين بأنوصوابها ما أثبت. 6 لعله يقصد بذلك ما ورد في فضائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم "لولاك ما خلقت الأفلاك"، وهو حديث موضوع كما قال الشوكاني في الفوائد المجموعة ص326، ووصفه بذلك الألباني في الأحاديث الضعيفة رقم 282. 7 في النسختين وقد أثبت ولا يستقيم المعنى بها. 8 رؤيا يوحنا 14:3 وفيهبداءة خليقة الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أنه أول المخلوقين، هذا على زعم كتابكم المطابق قول بولس: إنه بكركل خليقة. والنتيجة لهذا القول جميعه هوكيف أن عيسى قيل عنه1 [في كتبكم] إنه أول المخلوقات، وإنه بكر كل خليقة، وأنتم تدعون أنه خالق؟ 2   1 في النسختين والنتيجة لهذا القول جميعه في أن كيف عيسى هو مقول عنهوركاكتها ظاهرة وصوابها ما أثبت. 2 حاشية: اعلم أنّ هذه الجملة الموجودة في البيان الخامس التي هي قوله: شعاع مجده وصورة جوهرهإذا قرئت في الإنجيل العبراني لايلزم لها حل مطلقا لأنها محلولة من عين ذاتها ظاهرة جلية إذ أن لفظة شعاع مجده هي في العبراني توكادها كابود وتفسيرها بالعربي الزهرة المجيدة، وهي اسم لكوكب الزهرة، وأن بولس نعت بها عيسى، وأنه أي عيسى هو الزهرة المجيدة وصورة جوهرها، وبالمذكر تقال كوكب الغراء المجيد، وصورة جوهره وسايس الجميع بكلامه القوي. هكذا وجدت هذه الجملة في الإنجيل العبراني وليس عائد هذا الضمير على لفظة الله بل على النجم المشبه عيسى به، كذا وجدت في اللغة العبرانية كما قررنا، وهكذا يفهمها اليهود إلى الآن، وعليك بترجمتها من العبراني تكتفي عن كل ما شرحه المؤلف في هذا البيان. وقد اختلف نص الحاشية في. د على النحو الآتي اعلم أن جملة شعاع مجده التي رقمها بولس في هذه العبارة وقد حلها المؤلف -رحمه الله تعالى- هي في اللغة العبرانية غير مفتقرة إلى حل، لأنها واردة بمعنى آخر يبعد كثيرا عن صورتها العربية، والوجه الآخر هو: أن هذه الرسالة الوارده فيها هذه العباره هي من الست رسالات المشبوهات والغير مسلمات فى قدمية النصرانية كما ذكر عنها صاحب كتاب مرشد الطالبين، والدليل على ذلك أن المجمع الأول النيقاوى الذي كان مجتمعا لإثبات هذا المعنى ماأورد هذه العبارة في سنداته التي قررها، أي أنه بعد تاريخ عيسى بثلاث مائة سنة وعشرين ماكان المسيحيونقبلوا هذه الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 البيان السادس أنّ بولس قد كتب إلى فيلبي قائلاً عن عيسى: الذي إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله1، فعلى هذا يستندون أن عيسى عديل الله في الجوهر- تعالى شأنه-. فأجيب: أنّ هذه الجملة 2غير كافية في اللفظ والمعنى، لأننا إذا تعقلنا جملتها فنراها3أنها لاتفيد مساواة عيسى لله تعالى في الجوهر، بل إنها تظهر المعادلة في الصورة وليس في الجوهر؛ لأنه قال عنه: إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله؛ يعني بالصورة. فهذه المعادلة [من القرائن] قد علمت بهذا الوجه المشروح، وأما بالجوهر فلم يقال عنه إنه عديل الله بالجوهر ومساويه4. وهكذا لفظة   1 فيلبي 6:2 وقوله لم يحسب خلسة أن يكون عديل اللهمعناه عند النصارى إما أن مساواته لله حق له فلم يكن بحاجة إلى اختلاسها وخطفها، أو أنه مع أنه على صورة الله فقد تخلى عن أن يكون عديلاً لله باتخاذه صورة البشر. انظر: تفسير العهد الجديد، وليم باركلي، ص52. 2 في. ت الجملة هي غير، وما أثبت من. د. 3 في. ت فقد نراها أنها وهي ركيكة، والمثبت من. د بعد حذف فقد. 4 وردت في. د هنا حاشية، وقد وردت في. ت في موضع آخر مع اختلاف في اللفظ، وسأبينه عند موضع الحاشية في. ت. انظر: ص 92 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 المعادلة في الاستعمال في كامل قواعد اللغات، وأنها لاتفيد إلاالوجه المقصود فقط من القرائن1، لأن بطرس الحواري أيضاً يقول في رسالته الثانية في الإصحاح الأول قولا أبلغ من المعادلة في الصورة عن الناس المؤمنين بعيسى: إنهم صاروا شركاء الطبع الإلهي2، ويعقوب أبوالإسرائيليين3 في سفر التكوين في الإصحاح الثالث والثلاثين يقول إلى العيص أخيه: إني نظرت وجهك كوجه الله 4، وسيدنا داودقيل عنه إنه نظير قلب الله بقوله: إني نظرت داود بن يسى رجلا نظير قلبي؛ يعني نظير قلب الله (تعالى) . وفي الإصحاح الثالث من [نبوة] إرميا (النبي) 5 يقول [عن الله تعالى] : وأعطيكم رعاة كقلبي6، [يعني نظير قلب الله] ، ولم يُقَل عن المقول   1 يعني أن قوله عديل الله: أي مشابهه، والمقصود بالمشابهة يفهم بالقرائن، وهي هنا في الصورة وليس في الجوهر وقول المصنف هذا في إبطال دعوى النصارى، وإلا فلا يجوز إثبات المشابهة بين الخالق والمخلوق بحال بل يجب نفيها كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى11. وقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص4 2 بطرس الثانية 4:1 3 في. ت يعقوب أبا الإسرائيلي وصوابها ما أثبت من. د. 4 التكوين 10:33. 5 هو إرميا بن حلقيا، وهو عند بني إسرائيل من الأنبياء. انظر: معجم الحضارات السامية، ص69. ولم يرد عندنا مايدل على نبوته فنتوقف فيه. 6 إرميا 15:3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 عنهم هذه الأقوال إنهم آلهة بالذات ومساوين لله تعالى في الجوهر، وكما (أنه) إذا قلنا: إن زيداً له صورة القمر فهو عديل القمر، ولا يفهم منها أن زيداًً عديل القمر بالجوهر، بل المعادلة له في الصورة1. (وعلى هذا المثال تفهم تلك الجملة التي هي2 قوله الذي إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله، ويستفاد منها أن المعادلة بالصورة وليس بالجوهر)   1 جاء في. د بعد قوله بالصورة نص الحاشية نفسها الواردة في. ت ص 94. 2 في. تقد يفهم من هذه الجملة الذي هو قوله إذا كان وهي ركيكة واستقامتها كما أثبت. 3 حاشية: اعلم أنّ بولس نفسه يؤكد هذا الشرح في غلاقة هذه الجملة بقوله ولكنه أخلى ذاته، أي أنه تنازل وترك شرف هذه الصورة الفائقة. إذ أنه أخذ صورة عبد، أعني: أنه تظاهر بصورة عبد مثل باقي الناس مع سيادته ومعادلته لله في الصورة وشرفه السامي لكي يعلمنا التواضع ويرينا أن الله أثاب هذا الذي ترك ذاته الصائر بشبه الناس رفعة، لأنه يقول: ولذلك رفعه الله، وفي نسخة أخرى يقول: أعلاه الله إعلاءً ومنحه اسما يفوق كل اسم. فهل يجوز عند النصارى أن يقال عن اللاهوت أخلى ذاته، وأنه يعطي مراتب مثل التي ذكرها بولس وعلقها بالمخلي ذاته. أي أن الله رفعه ومنحه اسماً يفوق كل اسم وهذا الرأي ماأظنه يقال ولا من الكافرين. وقد اختلف نص الحاشية في. د كما ذكرت ص 90 على النحو الآتي اعلم أن بولس نفسه يؤكد هذا الشرح في ختام هذه الجملة بقوله ولكنه أفرغ ذاته، أي أنه تواضع وترك شرف هذه الصورة الفائقة، إذ أخذ صورة عبد، أي أنه تظاهر كعبد مثل باقي الناس ورضي أن يحسب مع الخطاة، مع صلاحه ومعادلته لله في الصورة وشرفه السامي، الذي هو صورة الله كيما يعلمنا التواضع، ويرينا كيف أن الله أثاب هذا الذي أخلى ذاته الصائر بشبه الناس رفعة، لأنه يقول وكذلك رفعه الله، وفي نسخة أخرى يقول أعلاه الله إعلاء ومنحه اسماً يفوق كل اسم. فهل يجوز عند النصارى أن يقال عن اللاهوت إنه أخلى ذاته أي انتقل، أو يقال عنه إنه يعطي مراتب جزاء مثل التي ذكرناها، أي أن الله رفعه ومنحه اسما فائقا.؟ ‍ وهذا الرأي ماأظنه يقال، بل إن النصارى تكفر من يقوله. وقد استمر نص الحاشية في. د إلى قوله ووهبه اسما يفوق كل اسمالوارد ضمن المتن في نسخة. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 (وأيضاً نقول: وإن فسروا ذلك بالناسوت1 فلا ينطبق معهم هذا التفسير؛ إذ أنّ الناسوت كان مأخوذا على زعمهم وليس آخذاً، وبولس عزا2 الإعطاء إلى الآخذ لا إلى المأخوذ، أي أن الذي أفرغ ذاته وأخذ صورة عبد هو الذي رفعه الله ووهبه اسماً يفوق كل اسم3) 4.   1 في. تعن الناسوتولا يستقيم بها الكلام. 2 في النسختين وبولس موجه ضمير كلامه بالإعطاء وما أثبت أوضح. 3 نص كلام بولس في رسالته إلى فيلبي 6:2 الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه إسماً فوق كل اسم. 4 ما بين القوسين ورد ضمن الحاشية في. د، وهي المشار إليها في الصفحة السابقة في الهامش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 (فإذاً ينتج من كل ماشرحناه: أن يسوع الإنسان السيد الشريف الآخذ صورة عبد، أعني المتصف1بالذل والتواضع، هو الذي أعلاه الله إعلاءً.2 (تنبيه) 3: اعلم أنّ الذين تنصروا في [ابتداء] الديانة النصرانية كانوا مركبين من يهود ومن عبدة الأصنام، فالبعض من علماء عبدة الأصنام [من] المتنصرين إذا سمعوا4 الإنجيل يقول عن المسيح: إنه إله وابن إله، فكانوا   1 في. ت المتصرف ولا يستقيم بها المعنى. 2 حاشية: وهذا الشك {عينه} هو الذي كان بعض اليهود المبغضين لعيسى يتأولونه عليه {ويطعنونه به} بأنه يعادل نفسه بالله من قوله [أنه] : هو ابن الله. وقد كشفه عليه السلام وأعلنه بأنه ليس هو عديل الله من جوابه لهم، لأنه قال: أما هو مكتوب في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة وبنوا العلي كلكم. فإن كان أولئك قيل عنهم إنهم آلهة فالذي قدسه الأب وأرسله تقولون أنتم إنه يجدف، ومعناه عليه السلام إن كانت لفظة ابن الله التي تؤنبوني فيها ماقيلت {سابقاً} على غيري [من البشر فيكون الحق معكم على أني أجدف، وإن كانت قيلت سابقاً على غيري، فكيف تقولون عني] أني أجدف إذا قلتها على نفسي أنا المقدس من الله والمرسل. وقد وردت هذه الحاشية ضمن المتن في. د. انظر: ص 92. 3 ورد هذا التنبيه في نسخة. د حاشية ثامنة، بدون لفظة تنبيه وقد استمرت الحاشية في. د إلى نهاية البيان. 4 في. تلما كانوا يسمعوا، وفي. د لما كانوا يسمعون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 يتصورون1 أنه إله [بالذات] كالزهرة والمشتري 2، كما ظنوا3 في بولس وبرنابا أنهم آلهة، ولقبوا بولس بهرمس4 وبرنابا بالمشتري5، كما خبرهم شاع في [كتاب] الابركسيس 6. وأما علماء اليهود المتنصرين إذا سمعوا7 الإنجيل يقول عن المسيح في الإنجيل: إنه إله وابن إله، فكانوا يعتقدون فيه كموسى وكباقي المسميين آلهة 8، وأنهم مخلوقون وليسو بخالقين9، لأنهم لم يسمعوا في الإنجيل في أسمائه المكتوبة [والمنبئة] عنه، ولا في التوراة اسماً (صريحاً) من   1 في. تيفتكروا فيه، وفي. د يفتكرون. 2 وذلك لأن مشركي اليونان كانوا يعتقدون ألوهية الكواكب ويعبدونها. انظر: معتقدات يونانية ورومانية ص 177. 3 في النسختينافتكروا. 4 هرمس هو اسم إله الفصاحة والخطابة عند اليونان. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص999. 5 المشتري هو اسم كبير الآلهة لدى كل من اليونان والرومان، ويسميه اليونان زفس ويسميه الرومانجوبتير. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص426. 6 يقصد أعمال الرسل حيث يسمى باليونانية Praxisومعناها أعمال. انظر: الأسفار المقدسة، علي وافي، ص113. والنص المشار إليه في 12:14. 7 في. تاليهود اليهود المتنصرين لما كانوا يسمعوا ويبدو أن إضافة اليهود خطأ من الناسخ، وفي. دعلماء اليهود الذي صاروا نصارى لما كانوا يسمعون 8 انظر ماسبق في البيان الثاني. 9 في. ت وهم مخلوقين وليس بخالق، وفي. د وهم مخلوقين وليس خالقين واستقامتها كما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الأسماء المختصة بذات الله عز وجل، مثل [اسم] ياهوفا1 مفردة?، [واسم] اهيه اشيراهيه2 الذي لم يطلقا إلا على الله تعالى بالذات، بل كانوا [يرون] أنه من الأسماء المشتركة التي كانت تقال على الخالق وعلى المخلوقين كألوهيم 3 [وأدوناي] 4 وأيلواه 5، وأمثالهما.   1 في النسختين يهوبا وصواب نطقها كما أثبت، كما هي في نسخة الملك جيمس الإنجليزية Jehovah، وفي النسخ العربية البروتستانتية تكتب يهوه وهو اسم خاص عند اليهود لله-تعالى-، ولايصح أن يطلق على غيره مفرداً، وإنما يطلق مركباً مثل يهوياداع يهوياكين ونحوها. انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص1096. 2 حاشية: اعلم أنّ لفظة ياهوفا إذاكانت مفردة تمتاز عن ياهوفا المركبة، حيث أن المركبة يجوز أن تقال على البشر وعلى الأحجار كقوله في سفر الخروج في الإصحاح السابع عشر: وابتنى هناك موسى مذبحا ودعى اسمه اليهوبا عظمتي. وهذه الحاشية ليست في. د 3 في الخروج 3/14 فإذا قالوا لي ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى أَهيَه الذي أَهيه وقال هكذا تقول لبني اسرائيل أَهيه أرسلني لكم قال في قاموس الكتاب المقدس ص128: أَهيه: اسم عبرى معناه الكائن، ويعبر هذا الاسم عن أبديته ووجوده. 4 قال في معجم الحضارات السامية، ص122ألوهيم أحد أسماء الله في كتاب العهد القديم، واللفظة جمع كلمة ألوهو، وتدل على الله، أو الإله بلفظ التفخيم، وكذلك على الآلهة بلفظ الجمع. 5 أدوناي: كلمة عبرية تعني السيد، تطلق في العهد القديم على اسم الجلالة، واليهود يكتبون اسم يهوه ويقرؤونه أدوناي لتجنب لفظ اسم الله. معجم الحضارات السامية ص56. 6 ذكر المؤلف ص 224 أن أيلواه تعني إله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ولما تنصر الملك قسطنطين1 في ابتداء الجيل الرابع وجد خلفاً في الديانة النصرانية، وآراء مشكلة2، فقصد الفحص هو وخلفه من بعده، وجمعوا [مجامع] عامة، كما حرر [ذلك] سعيد البطريق3 في تاريخه، وغيره من المؤرخين، فكان تارة يثبت رأي اليهود المتنصرين بأن عيسى ليس [بإله] 4 بالذات، [بل بالتسمية] ، وتارة كان يثبت بأنه إله بالذات [أعوذ بالله] ، كرأي عبدة الأصنام المتنصرين،5 الذين منهم   1 هو الإمبراطور الروماني قسطنطين كان وثنياً يعبد الشمس، ثم تعاطف مع النصارى ورفع الاضطهاد عنهم، وهو الذي دعا إلى مجمع نيقية سنة 325م، الذي كان له أعظم الأثر على النصرانية والنصارى حيث نصر قول المؤلهين للمسيح على الموحدين، توفي سنة 337م. انظر: معجم الحضارات السامية ص686، والمنجد،2/551. 2 في النسختين وتشكلات آراء واستقامتها كما أثبت. 3 هو سعيد بن البطريق بطريرك الإسكندرية على الملكيين. كان طبيباً مجادلاً ومؤرخاً، له مختصر في التاريخ العام سماه: نظم الجوهر، وله كتاب البرهان، توفي عام 940م. المنجد في الأعلام 2/356. 4 في. ت إله والمثبت من. د. 5 حاشية: اعلم أنّ هذا التاريخ المنقول عن سعيد البطريق الذي صار بطريركا على الإسكندرية يستدل منه على أنه لم يوجد دليل لهذا الرأي صريح في الكتب يثبت المساواة، أي أنه لم يجد علماء تلك الأزمنة في الإنجيل والتوراة جملة صريحة تقول عن المسيح إنه مساولله في الجوهر وهذا وحده يكفي للبيان. وهذه الحاشية ليست في. د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 قسطنطين (نفسه) 1، (وخلفه) ، [ونيكولاوس] 2، و (اسبيردولوس) 3، الذين ليس عندهم معرفة في اصطلاح و [قواعد] 4التوراة. وهذا هو الأصل. [والسبب] 5 لهذه الواقعة، مع أنّ هذه السلالة الملكية كان بعضهم يعقل ويميل إلى الرأي بعدم المساواة، و [كان] بعضهم يفضله6، حتى إن الغربيين (مع) أتباع البابا [والبروتستانيين] إلى حد هذا الزمان يعتقدون بأن قسطنطين الملك قد توفي بالمذهب، الذي هو عدم المساواة.   1 في. د الملك. 2 في. ت نيكوادوس والمثبت من. د، ولم يتبين لي من هو. 3 في. د سبيريدونس. ولم يتبين لي من هو. 4 في. ت وعوائد والمثبت من. د. 5 في. ت والفرق والمثبت من. د. 6 في النسختينالسلسلة الملوكية كان بعضها يعقل ويميل إلى الرأي بعدم المساواة، وكان بعضهم يفضل فيه. وصوابها ما أثبت. ومراده أن سلالة قسطنطين من ملوك الروم بعضهم كان يأخذ بمذهب أريوس، وما هو قريب منه، وهو القول بعدم المساواة بين عيسى والله تعالى، مثل: قسطنطينوس بن قسطنطين، وفالنس بن جوفيان بن جوليان، الذين كانا على مذهب أريوس. كما أن قسطنطين الثاني، وقسطانس ابني قسطنطين، وجونيان وثيودوسيوس، هؤلاء كلهم كانوا على مذهب بولس، الذي يقول بألوهية المسيح. انظر: مختصر تاريخ الكنيسة، 1/295-299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 الباب الثاني: الرد على النصارى في استدلالهم على ألوهية المسيح بالمعجزات التي أظهرها الله على يديه رد على الافتخار الذي [يفتخر] 1 به النصارى، [المبتدعون بسمو] 2 آيات عيسى وعجائبه وأنها فائقة، وقصدهم بذلك لكي يثبتوا بدعتهم منها؛ أعني [الألوهية] 3 لعيسى، وقد [قابلت] 4 آياته وإذا هي [في الواقع] آيات خارقة للعادة، إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد عملوا مثلها وما يعلوها ويفوقها أيضاً5، ثم إن آل زمانهم وأتباعهم لم يعتقدوا {فيهم} أنهم آلهة ولا مساوون لله تعالى في الجوهر.   1 في. ت ((يفتخرون)) وصوابها ما أثبت من. د. 2 في. ت ((أي المستدعيون بسمو)) وما أثبت من. د. 3 في. ت ((ألوهية بالذات)) والمثبت من. د. 4 في. ت ((تقابلت)) والمثبت من. د. 5 هكذا قال المصنف، والصواب أن يقول: إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد أجرى الله على أيديهم مثلها وما يعلوها، لأن الآيات هي من قدرة الله، التي يظهرها الله على أيدي الأنبياء، كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} المائدة (110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أقول: إن الافتخار الذي [يفتخربه] النصارى بآيات عيسى لكي يثبتوا بها أنه إله ومساوٍ لله تعالى في الجوهر، ذلك لايفيدهم شيئاً؛ لأننا مع اعترافنا أن آيات سيدنا عيسى عليه السلام خارقة، إلا إنها إذا تقابلت [آياته بآيات] 1 سيِّدنا موسى والأنبياء عليهم السلام، فيظهر أن بعضها متساوية وبعضها أقل رتبة منها، فسيدنا عيسى نعم: إنه أطعم خمسة آلاف2 وأربعة آلاف من خبز قليل لما صلى لله تعالى3، إلا أن سيدنا موسى عال جملة ألوف بلواحقهم، ليس يوماً ولا شهراً، بل سنين عديدة في التيه في البرية4، وعيسىعليه السلامبنوع عجيب صام أربعين يوماً فيالبرية5، إلا أن إلياس النبي صام مثله6 وموسى النبي عليه السلام ضاعف الأربعين7.   1 في. ت ((على آيات)) ولا يستقيم بها الكلام، والمثبت من. د. 2 انظر يوحنا 10:6. 3 متى 34:15. 4 وذلك زمن التيه أربعون سنة. انظر: الخروج 35:16. 5 متى 2:4. 6 انظر: الملوك الأول 7:19 وفيه ((ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسه وقال: قم وكل؛ لأن المسافة كثيرة عليك، فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة)) . 7 في النسختين (ثنى الأربعين ضعفين) وقد ورد في سفر الخروج 28: 34 وفيه ((وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءًفكتب على اللوحين كلمات العهد، الكلمات العشر)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ثم إذا قلنا إن سيدنا عيسى صعد وعرج1، فإيليا أيضاً صعد بهولة2 عظيمة، وبمركبة نارية3، وعيسى انتهر البحر (والريح) فهدءا4، ويشوع بن نون أوقف الشمس والقمر5 6. نعم إن عيسى مشى على الماء7، وأيضاً تابوت العهد8 مع كهنة   1 انظر: أعمال الرسل 9:1. 2 في النسختين ((بهيلولة)) وصوابها ما أثبت. قال في المعجم ص1000: الهولة العجب، والهولة كل ما هالك. 3 الملوك الثاني 11:2 وفيه عن إيليا ((إلياس)) و ((اليسع)) ((وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من ناروخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء)) . 4 متى 23:8. 5 يشوع 12:10 وفيه ((حينئذ كلم يشوع الرب ... أمام بني إسرائيل وقال أمام عيون إسرائيل: ياشمس دومي على جبعون وياقمر على وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر، حتى انتقم الشعب من أعدائه)) . 6 حاشية: (اعلم أنّ وقوف الشمس والقمر من يشوع بن نون هو أبلغ من سكون الريح من عيسى؛ لأن الريح قد يمكن سكونه صدفة وأما الشمس والقمر فغير ممكن وقوفهما لا بل ممتنع إلى أقصى غاية) 7 متى 25:14 وفيه ((وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشياً على البحر)) . 8 تابوت العهد حسب دعوى اليهود هو صندوق صنعه موسى عليه السلام، وكان فيه شيء من المن وعصا هارون والألواح، وكان بنو إسرائيل يحملونه أمامهم، ثم لما بنى سليمان عليه السلام الهيكل وضعوه فيه، ثم فقد منهم ولايعلم له أثر ولاخبر. انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 اليهود جازوا في نهر الأردن بأقدام غير مبلولة1. سيدنا عيسى أقام بصلاته أمواتا2، وأيضا إيليا واليشع أقاما أمواتا في حياتهما3، بل إن عظام اليشع من بعد موته وفنائه حينما وضعوا عليها ذاك الميت للحال قام ناهضا4. مرض البرص شفاه المسيح5، واليشعشفى6 نعمان السرياني من البرص أيضاً7 8. [نعم إن] الأعمى9 برئ بسيدنا عيسى10، وبرئ سابقاً من مرارة حوت طوبيا، ومن بخوركبده أخرجت الشياطين11، وماء   1 يشوع 13:3. 2 متى 18:9. 3 انظر في إقامة إيليا لابن الأرملة بعد موته: الملوك الأول 17-24:17. وانظر في إقامة اليسع لابن إمرأةأيضاً: في الملوك الثاني 32:4. 4 الملوك الثاني 21:13. 5 متى 1:9. 6 في النسختين ((إلا أن اليشع أشفا)) واستقامتها كما أثبت. 7 الملوك الثاني 5: 1 – 27. من قوله ((وعيسى انتهر البحر)) إلى قوله ((من البرص أيضا)) وردت في. د بتقديم وتأخير. 8 حاشية: (اعلم أنه قد زاد في هذه الآية أن اليشع نقل البرص من جسم نعمان السرياني إلى جسم جيازي خادمه أي خادم اليشع والمسيح لم ينقل البرص.) وقد وردت هذه الحاشية في. د بتقديم وتأخير في عباراتها. 9 في النسختين ((العمى)) وصوابها ما أثبت. 10 متى 27:9، مرقس 22:8. 11 يشير إلى قصة طوبيا الواردة في سفر طوبيا وهو من الأسفار التي لا تعترف بها الكنييسة البروتستانية، وإنما هو من ضمن النسخة اليونانية المقبولة عند الكاثوليك، وملخص القصة: أن طوبيا دهن عيني أبيه من مرارة الحوت فشفي من العمى، وجعل قطعة من كبد الحوت على حجر فبخر بها زوجته فخرجت منها الشياطين. انظر: سفر طوبيا (8/ 2) و (11/ 13 – 15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بركة المرسلة 1 كان يشفي [المخلعين] 2، {وسيدنا المسيح كان يبرئ المخلعين} . سيدنا المسيح هو حي للآن، وإيليا3 وأخنوخ4 لم يموتا، بل هما باقيين أحياء. [نعم] عيسى أحال شجرة التين المورقة وجعلها يابسة 5، وموسى   1 هكذا في النسختين، والمذكور في يوحنا 7:9 أن المسيح طلا عيني أعمى بالطين، ثم قال له: ((اذهب اغتسل في بركة سلوام، الذي تفسيره مرسل، فمضى واغتسل وأتى بصيراً)) .وقال في قاموس الكتاب المقدس ص479 ((بركة سلوام: وسلوام اسم عبراني معناه: مرسل، وهو اسم بركة قريبة من أورشليم، وقد كان اليهود يستخدمون ماءها في طقوسهم الدينية)) . 2 وردت في. ت ((المخلصين)) والمثبت من. د. والمخلعون: جمع مخلع، وهو المجنون أو من انفصل مفصل يده أوقدمه بدون أن يخرج من مكانه. انظر: المعجم الوسيط ص250 3 سبق ماتعلق بإيليا وهو إلياس ص 102، 103. 4 أخنوخ السابع من أولاد آدم حسب كلام اليهود، وقد قالوا في سفر التكوين 24:5 ((وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه)) . وتفسير ذلك عند النصارى أنه لم يمت، فقد أوردوا في الرسالة إلى العبرانيين 5:11 ((بالإيمان نقل أخنوخ كي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله)) . 5 متى 19:21، مرقس 11: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 تحولت عصاته اليابسة إلى حية1 2 [نعم] عيسى حين3 اليهود أرادوا قتله على زعمهم صارت ظلمة على الأرض من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة4، وربما يكون انكسافاً طبيعياً. وأما الظلمة التي صارت بمصر على يد موسىعليه السلام فقد استقامت ثلاثة أيام5. [نعم] أن عيسى حينما اعتمدشهد له صوت6 من السماء (قائلاً) : هذا هو ابني الحبيب 7، وأما موسى حسبما ورد عنه بأن الله تعالى ناجاه مخاطباً وقائلاً: قد أقمتك إلهاً لفرعون 8.   1 خروج 2:4. 2 حاشية: (اعلم أنّ يبس شجرة التين هو داخل تحت قانون الطبيعة، أي أنه يمكن أن يبس الشجرة كان بنوع الصدفة، لأن الشجرة قد تيبس، إلا أن العصا تتحول إلى حية ليس هو من الأشياء الصدفية الممكنة، بل هو من الممتنع وجوده إلا بقدرة الله وهو أبلغ الخوارق وأكبرها) . وقد وردت الحاشية في. د بتقديم وتأخير 3 في النسختين ((في حين)) واستقامتها كما أثبت. 4 متى 45:27. 5 خروج 21:10 6 في. ت ((صوتاً)) وصوابه ما أثبت من. د. 7 متى 17:3. 8 خروج 1:7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 [نعم] سيدنا عيسى1 لما تجلي عليه لمعت ثيابه كالثلج2، ولكن موسى حينما نزل من الجبل [من مناجاة الله سبحانه له] كان يضع على وجهه برقعا ليغطي به ذاك البهاء الذي كان فيه، وذلك (البهاء) لم يكن3 وجوده (ساعة) كالتجلي بل بقي زماناً طويلاً4. فهذه المقولات والمقابلات قد أوردتها ليس لأن عندي أن سيِّدنا عيسى هو دون [سيدنا] موسى عليهما السلام حاشا وكلا، وإنما ليعلم أن المسيح ليسبزائد عن موسى ولا هو إلهاً له كما [يزعم] النصارى. وبقي علينا أن نشرح ونبين الآيات والعجائب التي فعلهاموسى ولم يفعل سيدنا عيسى مثلها5 ولم يرد على يديه مثل   1 في. د ((المسيح)) . 2 مرقس 2:9 وفيه ((وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيرت هيئته قدامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج)) . 3 في النسختين ((ليس كان)) . 4 خروج 29:34. 5 سبق أن علقنا على عزوه الآيات إلى فعل الأنبياء، وأن الأولى أن يقال: إن الله يجريها على أيديهم. كما أفيد هنا أن الآيات التي يذكرها المصنف هي مما ذكره اليهود والنصارى في كتبهم، وقد تكون الآية من ناحية ثبوتها صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، لأن مصادر اليهود والنصارى في هذا غير موثقة، فلا يمكن الاعتماد على صدق خبرها ما لم يصدق القرآن أو السنة الصحيحة الخبر. وهي مع هذا حجة في هذا على النصارى، لأنهم يفرون بالتوراة الموجودة، ويعتقدون قداستها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أصغرها1، كتحويل بحار المصريين إلى دم، وإيجاد الضفادع الكثيرة2، والوباء المهلك [والجرب] والجراد، والبرد، وموت الأبكار3 وشق البحر الأحمر بعصاته، وإدخال الشعب على الأرض اليابسة في [وسط] البحر4، وعامود الغمام 5، وإنباع الماء من الصخرة التي كانت تتبع الشعب أينما مشى لتسقيه6، وحية النحاس، التي كانت   1 في النسختين ((أصغرها عن يديه)) واستقامتها كما أثبت. 2 في النسختين ((البليغة)) واستقامتها كما أثبت. 3 انظر: في سفر الخروج 7-11. 4 الخروج 14: 21-29. 5 الخروج 21:13 وفيه ((وكان الرب يسير أمامهم نهاراً عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم)) . قال في قاموس الكتاب المقدس ص984 ((إن الله كان يسير أمام بني اسرائيل عند خروجهم من مصر)) ولا شك أن هذا من افتراءآت اليهود على الله عز وجل وذلك ليوهموا غيرهم بعظيم قدرهم عند الله حيث زعموا أن الله بجلاله ينزل ليكون مرشدا ودليلا لهم في الطريق، فإن صح ما زعموا من وجود عمود الغمام والنار فلا يعني ذلك سوى أن الله قد سخر لهم جند من جنوده لهذا والله أعلم. 6 الخروج 5:17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 تمنع الموت عن الناظرين إليها من الذين كانت تلدغهم الحيات1 كما كتب وشرح ذلكبالافراد في سفر الخروج، وفي غير محل من التوراة تجد آيات أخر فائقة لم تعمل من عيسى عليه السلام كنجاة دانيال من جب السباع2، وحفظ الثلاثة فتية، الذين طرحهم الملك في [أتون النار] 3، ولم تمسهم، [ولم تحرق ثيابهم] نار ذلك الأتون (المتوقد) سبعة أضعاف4، وشق نهر الأردن من أثواب إيليا حينما ضربه اليشع بتلك المخملة 5. فهذه جميعها ماعمل مثلهاالمسيح عليه السلام، مع أن الواجب حيث إنّ عيسى (حسبما يزعمون) ، عنه أنه إله ومساو لله تعالى في الجوهر أن تكون آياته وعجائبه أكثر خرقاً للعادة6 وأعلى وأسمى وأغرب من آيات موسى والأنبياء، ولم يقع مثلها في الوجود7 من كونه كما نوهوا عنه أنه خالق الأنبياء وإلههم - أعوذ بالله من ذلك - وعندما   1 العدد 8:21. هكذا زعم اليهود والله اعلم بصحته. 2 دانيال 16:6. 3 الأتون هو الموقد الكبير. انظر: المعجم الوسيط ص4 4 دانيال 12:3. 5 الملوك الثاني 7:2. 6 في النسختين ((أخرق)) وهو خطأ وصوابها ما أثبت. 7 في النسختين ((ولم يكن صار مثلها بالوجود)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 ينحصر المبتدعون لألوهية عيسى1 من هذه التقارير والمقابلات، ربما يقولون: إن أفعال المسيح الخارقة هي عقلية روحانية، مثلما أنه خلص آدم من خطيئته التي لحقتهم2، وأنه صيرهم أبناء الله بالنعمة، وأنه (أنقذهم) 3 من يد الشيطان الرجيم. أقول: إن هذه الدعوى المتضمنة أن عيسى عليه السلام خلص آدم من الخطيئة ونسله أيضاً [معه] هي دعوى لا دليل عليها4، ويكذبها الحس ومنافية للعدل. أما قولي لادليل عليها ويكذبها الحس فلأن آدم لما أخطأ5 على زعمهم مات نفسا وجسداً في الحال: مات بالنفس6، وبالاستقبال   1 في النسختين ((فعندما المبتدعون في الألوهية لعيسى قد ينحصرون)) . واستقامتها كما أثبت. 2 في. ت ((التابعة لهم)) ، وفي. د ((التابعة لسلالاته)) واستقامتها كما أثبت. 3 في. د ((خلصهم)) . 4 في النسختين ((لابيان لها)) وصوابها ماأثبت. 5 في النسختين ((لأن قولي لا بيان وقد يكذبها الحس من حيث أنه لما أخطأ آدم)) وفصاحتها ما أثبت. 6 لعل المصنف يقصد بموت النفس وقوعه في الخطيئة وتدنس النفس بهذا الأمر، واستمرار وقوع ذريته في الخطيئة من بعده. قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} طه (121-122) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطيء آدم فخطئت ذريته". أخرجه ت. في تفسير سورة الأعراف 5/267، وقال: حديث حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 مات بالجسم، وهذين؛ أعني [موت] 1 النفس والجسم قد لحق ذريته بأجمعها، كما حرر [ذلك] بولس [عن موت الجسم لاالنفس] : أن بآدم دخل الموت وعم على الجنس البشري2. ولم نر في كل هذه الدهور من حين جاء عيسى وعمل الخلاص –على زعمهم- لآدم وذريته حتى الآن أن البشر تخلصوا أو أي فرد3 منهم من الموت الجسدي، الذي تبع الموت النفساني [على زعمكم4 حتى نستدل على أن سيِّدنا عيسى   1 في. ت ((من)) وصوابها ما أثبت كما في. د. 2 رومية 12:5. 3 في. ت ((تخلصت البشر وأفراد منهم)) وفي. د تخلصت البشر ولا أفراد منهم واستقامتها كما أثبت. 4 حاشية: (اعلم أنّ الاعتقاد عند النصارى أن المسيح قد جاء مخلصا وفاديا، ويدعون على لسان بولسهم أن عيسى صار لعنة لأجل البشر وفداهم من لعنتهم ورفعها عنهم، ثم يدعون أنه مات عنهم ليفديهم من الموت، وما نرى أنه رفع الموت عنهم بموته الذي (كان سببه) خطيئة آدم فأين الفداء الذي يدعونه؟، وقد يستنتج من ذلك أن الموت (لم يرفع عنهم) بأن تكون اللعنة مع الموت [التي قال عنها بولس] باقية هي أيضاً. هذا على موجب رأيهم واعتقادهم.) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 خلص البشر من الموت النفساني، بل إننا] نراهم يموتون على السواء، حتىالطفل المعمد الذي تخلص من خطيئة آدم وصار ابناً لله على زعمهم الباطل، ولم يعمل خطيئة واحدة، فإننا نراه يمرض ويموت. ثم نرى1 أيضاً أن جميع القصاصات الواردة على البشر بواسطة خطيئة أبيهم2 آدم، المشروحة [في التوراة] ، في الإصحاح الثالث من سفر التكوين، كالإتعاب وأكل الخبز بعرق الوجه، وإخراج الأرض الأشواك التي تفسر بالغموم والهموم، وولادة المرأة بالأوجاع، ولعنة الأرض كلها باقية غير منحلة ولا ناقصة ولا نابها تغير ولا تحويل3.   1 في النسختين ((ننظر)) واستقامتها كما أثبت. 2 في. ت ((جدهم)) وصوابها ماأثبت. ولم ترد هذه الكلمة في. د. 3 التكوين 3: 16-19.ومرادهم بذلك أن آدم وزوجه سيتغير عليهما الحال في الأرض، فلا يجدان الخبز، حتى يعرق جبينهما في تحصيله، والأرض تخرج شوكاً مع ما تخرج من طعام، وتحل على الأرض اللعنة، وهي نقيض البركة، كما ذكر ذلك أصحاب قاموس الكتاب المقدس، ص818. وذلك يعني أن البركة السابقة تذهب منها، فلا تخرج الطعام إلا بعد التعب والكد، والمرأة لا تلد البنين إلا بالأوجاع والجهد الشديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وحيث لايثبت صحة المدلول إلا بالدليل1، والدليل هنا بقاء القصاصات (التي شرحناها هو ظاهر بين، فينتج إذاً من كون القصاصات) باقية:2 أن المسيح ما عمل خلاصاً كما يزعمون، وهذا هو المدلول الصحيح الذي لا شك فيه، لأن بهذا الميزان انتقض مدلولهم3.   1 كلام المصنف هنا فيه اختصار شديد، لأن مراده أنه لا تثبت صحة دعوى النصارى في الخطيئة والفداء، وهي المدلول عليه إلا بصحة الدليل، وهو ارتفاع قصاص الخطيئة، الذي هو الموت والتعب بفداء المسيح، ولما لم يصح الدليل وذلك ببقاء الموت والتعب لم يصح المدلول، الذي هو الفداء. 2 وردت العبارة في. د على النحو الآتي ((وأنها هي بالتمام باقية، فيستدل من ذلك أن)) 3 حاشية (اعلم أنه لو قيل [من بعض علماء النصارى] إن هذه العوارض المشروحة كالأوجاع والموت الموجود الآن، وأنها بعد مجئ المسيح لم تعد تحسب شيئا عند التابعين له ولا نظن أنها موت وأثقال، فنجيب: والحال أنّ عيسى نفسه كان يتضيق منها ويحزن ويتهرب من الموت ويطلب من الله رفعه عنه، وأيضا (نجد أن) هذه العوارض بعد المسيح كان حصولها وشكلها عند النصارى كمثل شكلها عند الذين هم خارجين عن النصرانية، لأن (محبي عيسى) الذين (مااعتبروا) الموت والعوارض شيئا (كالمحبين) الموجودين خارج دين النصرانية الذين (بذلوا) دماءهم (وجهدهم) رغبة في دينهم، فإذاً (لاتصح دعوى المدعي) ، لأن في القرآن الشريف إن الذين يموتون شهداء (في سبيل الإيمان لا يقال عنهم أموات بل أحياء) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وأما قولي: عن دعواهم إنها منافية للعدل: فلأن الوصية [في التوراة] تجتزيء1 ذنوب الآباء من الأبناء إلى ثلاثة وإلى أربعة أجيال، حسبما جاء في {الوصية الثانية} من الوصايا العشر2، وهذه [الوصية] يحتسبها العقل ظلماً؛ إذ أنه يسمع العدل الحقيقي الإلهي من فم نبي آخر يقول: إن النفس التي تأكل الحصرم هي تدرس3، وقوله: لا يموت الابن بخطيئة الأب4. فكيف يسلم العقل ههنا بأن خطيئة آدم وقصاصه يتسلسل جيلاً بعد جيل وشخصاً بعد شخص، حتى يجيء عيسى ليخلص جنس البشر؟ وأنّ الله تعالى العادل سبحانه يترك البشر تحت هذا الظلم القسري!؛ أعني: أنّ آدم يخطئ وتهلك ذريته معه بسبب خطئه إلى أجيال عديدة، [حتى] يرسل عيسى لكي يخلصهم، وما يرى في الناس خلاص، لأنه كما سبقالقول بأنه لا يوجد قصاص واحد من المترتب على آدم انحل وتلاشى بواسطة الخلاص، الذي يدعون أنه تحقق بعيسى، حتى يمكن أن نستدل به عليه إن كان حقاً.   1 قال في المعجم الوسيط 1/122:ط اجتزأه: ((طلب منه الجزاء)) .. 2 الخروج 5:20، تثنية 9:5. 3 إرميا 31: 30 وفيه ((كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه)) . 4 تثنية 16:24 وفيه ((لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فإذاً: حيث إننا لم نر انحلالا لقصاص من المترتب على آدم، والمتسلسل إلى ذريته حتى الآن، فيلزم أنه لا دليل على الخلاص الذي يعتقده النصارى المتأخرون ولا إثبات1. وإذا كانت خطيئة آدم لزمت البشر جميعهم على زعمهم الباطل، فكيف الله سيحانه وتعالى العادل يحبس بعضهم في الجحيم تحت يد إبليس وسلطانه نحو خمسة آلاف سنة، وبعضهم الذين جاؤا من بعد عيسى يخلصهم بعيسى2 بلا حبس ولا دقيقة واحدة، مع أنّ الكل أخطأوا بآدم فأين عدل الله بذلك.؟ 3.   1 في النسختين ((فيلزم أن ولا للخلاص المعتقد فيه عند النصارى المتأخرين ثبات ولا بيان)) وصوابها ما أثبت. 2 في النسختين ((ويخلصهم بواسطة عيسى وبعضهم المستقبلين المجيء)) وصوابها ما أثبت. 3 حاشية: (اعلم أنّ الأغرب من كل ما ذكرنا هو أننا لم نر في كتب موسى ولا في قصص نوح وإبراهيم وباقي الأنبياء خبراً بأن أنفسهم من بعد [موتهم] سوف تذهب إلى تحت يد حكم وسلطان الشيطان لسبب خطيئة (أبيهم) آدم، أوأنهم (ماتوا) على رجاء وإيمان بأن عيسى هو إلههم، وأنه مزمع أن يأتي ويموت ويخلص أنفسهم من هذا الأسر، بل إننا نسمع منهم وعنهم أنهم ناجوا الله - تعالى - وخاطبوه كرات عديدة، وحصلوا منه على نعم جسيمة في حياتهم مثل (إقامتهم) للأموات وغير ذلك من الآيات الخارقة. حتى وبعد موتهم قد أشار عنهم سليمان، وعن أمثالهم بأن نفوسهم في يد الله ولن يلامسهم عذاب، وأنهم من بعدموتهم قد (أصبحوا في سلامة وأنهم لما كانوا يعذبون في الدنيا كان (اعتقادهم أنهم لن يهلكوا بعد الموت، وأن الله سبحانه يقبلهم قبولاً كاملاً) ، وأنه تعالى يملك عليهمالدهر، ولم يقل عنهم أنهم من بعد موتهم (دخلوا) في الجحيم مأسورين تحت يد الشيطان وهو يملك عليهم كما تزعم بعض فرق النصارى. فاذاً هذا قولهم بأفواههم أنى يؤفكون) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 مع أنّ عيسى عليه السلام الذي نسبوا إليه هذه الدعوى لم يتكلم ولا تعرض لذكر هذه القضية في جميع تعاليمه على الإطلاق1، لا بل إنه تكلم بما يضاد هذا الاعتقاد عن لعازر: أن الملائكة نقلته إلى حضن إبراهيم، وإبراهيم قد أفاد عنه عيسى ههنا بأنه هو نفس النعيم2.   1 جزى الله المصنف خيراً، فإنه قد هدم بكلامه هذا أصلاً من أهم أصول الديانة النصرانية، وهي دعوى الصلب تكفيراً لخطيئة آدم، فإن من المتيقن والمعلوم أن المسيح وحسب رواياتهم عنه لم يذكر ولا مرة واحدة أنه جاء تكفيراً لتلك الخطيئة، وأن أول من ذكر ذلك هو أغسطينوس المتوفى عام 430م، وقد بنى قوله على كلام بولس الذي يقول فيه: ((بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم)) . وقد عارضه في ذلك الوقت بيلاجيوس الإيرلندي، وأنكر أن خطيئة آدم ورثها أبناؤه، بل خطيئة كل إنسان تخصه وحده، وتقع عليه وحده دون غيره. وبعد نقاش وجدل طويل تدخل امبراطور بيزنطة، وأصدر مرسوماً يدين فيه بيلاجيوس، ويأمر بنفي من ينادي بتعاليمه. وهكذا ثبتت مقولة أغسطينوس في مسألة خطيئة آدم، مع أنها بدعة لا أساس لها في الأناجيل. انظر: تاريخ الكنيسة لجون لوريمر 3/201-207. 2 لوقا 19:16 ونصه ((كان إنسان غني ... وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروباً بالقروح. فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: ياأبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب، فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزى وأنت تتعذب به)) . وهذا رد قوي مفحم من ناحية إثبات النجاة لرجل بسبب ما حل به من البلاء، وأنه مع إبراهيم بالنعيم، والآخر إنما عذب بسبب أكله طيباته في الحياة الدنيا، ففداء المسيح الناس من خطيئة آدم لم يكن له دور في نجاة من نجا ولاهلاك من هلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ويظهر من هذا الكلام على خلاص واقع قبل الفداء الموهوم. وإن قيل إن ذلك [القول في الإنجيل من سيدنا عيسى] كان مثالاً: فنجيب: أن المثل لابد من أن يكون له رابط فيما بينه وبين الممثل به، فكيفسيدنا عيسى يمثل إبراهيم بالنعيم، ويكون يومئذ إبراهيم على رأيكم في جوف الجحيم.؟ وما هو الرابط فيما بين المثل والممثل به؟ [وغلاقة هذا المبحث تراه في كتاب الأجوبة الجلية1 أصول وخصوم، أي ردودهم وجواباتها] ، مع قوله الصريح: بأني لم آت لأدعو صديقين، بل خطاة إلى التوبة 2. فإذاً ينتج: أنه يوجد صديقين وما أتى ليدعوهم؛ لأنه في مقدم هذه الجملة قد أورد سنداً قوياً لها وهو قوله: إن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب لكن المرضى 3. والبيان الأخير؛ أن هذا الرأي، أي: بأن الخطيئة موروثة من آدم، والمسيح خلّص البشر منها هو رأي [منكر] الآن عند النصارى الموحدين4، ومن ذلك يظهر أنه تزوير محدث.   1 كتاب الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية. انظر: المقدمة ص28. 2 مرقس 17:2، لوقا 32:5. 3 من قوله ((مع قوله الصريح)) إلى قوله ((لكن المرضى)) ليس في. د. 4 سبق الحديث عن النصارى الموحدين ص 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ونختم هذا الباب بقول مختصر1. ونقول: إن النصارى يقولون: إنهم هم أبناء الله بواسطة الإيمان والمعمودية، وقد ورد عندهم في كتابهم بأن من ولده فما يخطئ2، وأننا نرى إلى الآن الخطايا جميعها التي يدعو إليها إبليس والشهوات [يفعلها] النصارى، وقد ظهرت فيهم واستحوذت عليهم ليس بأقل من الخارجين عن معتقدهم، بل أكثر وأبلغ، ولم نر لهم ميزة تميزهم عن غيرهم في شئ، فلا يخلو إما أن يكون هؤلاء النصارى [لا يخطئون] من حيث إنهم أبناء الله، ومولودين من الروح الصالح، وخلصهم المسيح من الخطيئة ومن يد إبليس، كما ورد عنهم في كتابهم وهو صدق وحق، وإما أنهم أي النصارى إذا كانوا يخطئون دائماً، مثل الذين هم خارجون عن اعتقادهم، كما يرى ظاهراً فيهم، فليسو هم أبناء الله كما يزعم كتابهم عنهم ولا خلصهم المسيح من يد إبليس، ويكون كتابهم في هذا الباب متقول 3.   1 في. ت ((بهذا القياس)) وفي. د ((بمختصر القول)) وفصاحتها ما ذكرت. 2 رسالة يوحنا الأولى 18:5. 3 يقصد أن النصارى إذا كانوا يذنبون كما هو معلوم عنهم، فهم مثل غير النصارى من أصحاب الملل الأخرى الذين يذنبون أيضاً، فبالتالي لا يصح ادعاء أنهم أبناء الله، ولا أن المسيح خلصهم من إغواء إبليس لهم كما يزعم كتابهم. فيكون بهذا دعوى كتابهم: أنهم أبناء الله، وأنهم لا يخطئون دعوى باطلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الباب الثالث: الرد على مطاعن النصارى في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رد على ما يدعيه النصارى1 ويتوهمونه، بأن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم قد حصل منه أمور منافية، وغير حسنة، منقولة من القرآن الشريف، مع كون أن مثل هذه الدعاوى، والأمور الملحوظة فيه، قد وجدت مفعولة من الأنبياء الذين سبقوه وأبلغ منها، كما تشهد بذلك كتبهم، ولم تحسب منافية ولا غير حسنة. أقول: إن دعوى النصارى على نبينا صلى الله عليه وسلم، بأنه قد حصل منه أمور منافية، وغير حسنة، هي دعوى غير صحيحة [لأنهم] : أولاً: يدعون بأن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم كان قصده فيما ادعاه ليس روحانياً، بل كان يقصد (غاية جسدية) ؛ (وهذه الغاية هي التي لأجلها ادعى) 2 النبوة، مثل اتخاذ امرأة زيد، (ومثل تزوجه بعدة نساء) 3، وأنه كان يميل إلى الملاذ الجسدية.   1 في. ت ((ضد الله تعالى " وليست في. د ولامعنى لها. 2 في النسختين الجملة هكذا ((وهو الذي يحمله على ذلك؛ لأجل أن يدعي النبوة" وهي ركيكة واستقامتها كما أثبت. 3 في النسختين ((ومثل اتخاذه نساء بعدد أكثر من واحدة". وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 والحال أن الأخذ من النساء أكثر من واحدة (لم يكن) ممنوعاً في قبيلته وبني جنسه، حتى (يدعي النبوة) 1، لأجل أن يأخذ أكثر من واحدة، لاسيما وأن سيدنا إبراهيم عليه السلام وأولاده قد [ورد] عنهم في التوراة أنهم أخذوا نساءً كثيرات، حتى (إني) لأقول إن سيدنا سليمان2، وأباه داود قد أخذا نساءً بعدد وافر، ولم يحسب لهما ذلك ذنباً. (وفي ابتداء النصرانية قد كتب بولس إلى تيطس "بأن ينتخب الأسقف رجل امرأة واحدة"3. ويظهر من ذلك أن النصارى مباح لهم (أخذ) أكثر من امرأة واحدة) . وثانيا: عن اتخاذه امرأة زيد (زوجة) ، وأنه قد جاء عليه الأمر (بتزوجها) ، وعلى زعمهم أن هذا الشئ غير لائق. والحال أنّ هذه عادة كانت جارية عند العرب وعند اليهود أيضاً، أن يأخذوا نساء غيرهم بعد أن يتركوا من رجالهم، وهذا الترك هو   1 في النسختين ((يستدري بنبوته" وصوابها ما أثبت. 2 الملوك الأول 3:11، وفيه عن سليمان عليه السلام وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري. 3 تيطس 6:1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 المسمى طلاقاً، ومن فحوى آية الأحزاب 1 ترى هذا الجواب. * (قالت توراتكم في سفر الملوك الثاني2 في الإصحاح الثالث عن داود عليه السلام، وأنه أخذ ابنة شاؤل، التي كان اسمها ميكال من زوجها   1 آية الأحزاب قوله تعالى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [آية37] ويتضح من الآية الكريمة أن حكمة هذا الزواج هو إلغاء العادة التي تعارف عليها العرب، وهي اعتبار الابن بالتبني كالابن الصلبي، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبني، فألغى الله تعالى هذا بقوله في أول السورة {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [آية4] . فلما تزوج زيد زينب وطلقها، زوجها الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم لإلغاء تلك العادة عملياً، كما هو صريح الآية {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} . انظر: تفسير ابن كثير 3/458. (*) حاشية: (اعلم أن زيداً كان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه، ولما طلق زيد امرأته حسب العادة الجارية، فطلبت أن رسول الله يتزوجها فتمنع عن أخذها؛ لأنها كانت تحسب عند العرب أنها كنته ومحرمة عليه، فأتاه جبرائيل بصورة تحليلها له صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك تشريعاً لأمته، حتى إذا كان لأحد من المسلمين امرأة، وكان عندها غلام متبنياً له وتزوج هذا الغلام ثم طلق امرأته، فيجوز لزوج المرأة أن يتخذ المرأة المطلقة من الغلام امرأة له، بتوضيح أنها ليست كنة شرعية، بل كنة بالتبني) . (1) 2 هو صموئيل الثاني 12-16:3. ................ 1 هذا غير صحيح أنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، وإنما الله تعالى أنكحه إياهاكما هو ثابت في سورة الأحزاب، مع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشاه، من أن يقال إنه تزوج امرأة ابنه بالتبني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 "فليطال بن ليش"1، من دون أن تطلق من زوجها، وما حسبت التوراة ذلك ذنباً على داود} ، كما قررنا أن هذه العادة المستمرة عند اليهود والعرب، أي الطلاق قد جاء به الأمرفي التوراة2، ومثبت في القرآن الشريف3. وقد تزورون أن عيسى منعه، وقد استجازه في الزنا4 فقط، وأنه قال: "في البدء خلقهما ذكراً وأنثى والذي زوجه الله5 .... " إلى آخره.   1 في العهد القديم ((فلطيئيل بن لايش". 2 التثنية 1:24، وفيه ((إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر ". 3 الآيات في القرآن عن الطلاق كثيرة، منها {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} الآيات. (البقرة 229) 4 متى 32:5. 5 مرقس 6:10،وفيه ((ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً، إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لايفرقه إنسان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 والحال إن كان هذا (القول قاله) عيسى، فيلزمه أن يتزوج هو أيضاً، لأن هذا القول يلزم منه مع منع الطلاق وجوب الزواج له وللرهبان1. وعلى أي حال كان لم يحسب ذلك ذنباً، لأن رجال الله الصالحين الذين سبقوا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد تتهمونهم بأنهم عملوا أموراً منافية للشريعة وللطبيعة، ولم يخطئهم كتابكم، وذلك كتزوج سيّدنا إبراهيم للسيدةسارة، التي كانت أخته من أبيه، وليست من أمه، الموجود شرحها في الإصحاح العشرين، والعدد الثاني عشر من سفر التكوين2   1 في. د حاشية ليست موجودة في. ت، وهي ((اعلم أن معنى (كلام) المؤلف - رحمه الله تعالى- منحصر بكلام وجيز، ومعناه كيف يترك الرهبان كلام التوراة ويخالفونه ويضادونه، وهو مكرر من المسيح (وذلك بتركهم للزواج) مع أنه قيل، إنه في البدء خلقهما ذكراً وأنثى ". 2 هكذا زعموا في التوراة، والصحيح كما روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعي إلى آلهتهم، فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ} ، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} ، وقوله لسارة: ((إنها أختي". قال: ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بإمرأة من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك الجبار من هذه معك؟ قال: أختي، قال: فأرسل بها إليه، وقال: لا تكذبي قولي، فإني قد أخبرته أنك أختي، إنه ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك. " الحديث. فعليه قوله: أختي إنما هي الأخوة في الدين، أما قرابتها منه فقد قال ابن كثير: إن المشهور أن سارة ابنة عمه هاران. انظر: البداية والنهاية 1/154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وكيعقوب عليه السلام الذي تزوج الأختين معاً 1، وكيهوذا ابن سيدنا يعقوب الزاني بكنته2 ومن ذريته منها بالزنا كان المسيح، كما هو مصرح في التوراة والإنجيل3، وسيدنا لوط المقول [عنه] عندكم إنه سكر وزنى بابنتيه وحبلتا منه، كما هو مصرح في التوراة 4. وسكر سيّدنا نوح5، وأمثال ذلك كثير،   1 التكوين 29: 15-31 2 هي ثامار زوجة ابنه المتوفى، وانظر قصتها مع يهوذا في التكوين (38) .هكذا زعموا. 3 إنجيل متى 3:1. 4 في سفر التكوين 30:19-38، وحاشا نبي الله لوط عليه السلام من هذه الفعلة الشنيعة، ولعنة الله على اليهود الذين افتروا عليه هذه الفرية، وقد برأه الله عز وجل كما برأ أهله بوصفهم بالطهارة أيضاً. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (النمل 56) . وإنما افترى اليهود هذه الفرية من أجل أن يطعنوا في قوم من أعدائهم المؤابين والعمونيين، حيث زعموا أن ابنتي لوط إحداهما أنجبت مؤاب جد المؤابيين، والأخرى بن عمي جد بني عمون. 5 في سفر التكوين 9:20- 27، وحاشا نبي الله نوح عليه السلاممن هذه الفعلة، وقد وصفه الله تعالى بقوله {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . واليهود قوم بهت، وإنما طعنوا في هذا النبي الكريم لأجل أن يتوصلوا إلى لعن كنعان جد الكنعانيين، وفي هذا يقولون: "فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره علم مافعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لأخوته.. " ويتضح من هذا الكلام كذب اليهود وغبائهم، كيف يلعن نوح عليه السلام كنعان ابن حام، والذي أبصر عورته في دعواهم هو حام أبوه، كما أن لحام أبناء آخرين، وهم في دعواهم "كوش"، و "مصرايم"، و "فوط"، فلماذا خص كنعان من بينهم، مع أنه لا شأن له. هذا يدل على أن اليهود افتروا هذه الفرية لأجل الطعن في الكنعانيين أعدائهم فقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ولم يذكرفي مفعولاتهم هذه أنهم أخطأوا فيها، وحاشا أنبياء الله من ذلك 1. وثالثاً: قال النصارى بأن دعواه للنبوة كانت لأجل أنه كان يميل إلى الملاذ الجسدية، والحال أن ملاذ الجسد ليست من الأشياء المحرمة بذاتها والمذمومة، لأنها مخلوقة من الله سبحانه وتعالى، لأجل أن الإنسان إذا تمتع بها بالعدل يبتهج ويشكر الخالق، لأنه تبارك وتعالى خلق المخلوقات على أقسام منها، للنظر: المنظورات البهية، وللشم: المشمومات الزكية، ولحاسة الذوق: الأطعمة الشهية، ولحاسة السمع: الأخبار والأنغام المفرّحة، ولحاسة اللمس: الملموسات الناعمة الرهية2. فهذه بالدليل العقلي، فضلاً عن الدليل النقلي أن الله سبحانه ماخلقها للإنسان إلا لكي يتمتع بها، ولو كان الأخذ من النساء أكثر من   1 في النسختين هنا " وكيف" ولا يظهر لي أن لها معنى. 2 قال في اللسان: " الرهو الساكن والرهو الواسع. والرهو: السير السهل ". اللسان 3/1759. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 واحدة شيئاً ردياً ومذموماً لما (كان) الأنبياء والصالحون باشروه كإبراهيم1 وداود وسليمان 2 وغيرهم. ومحبة الملاذ لوكانت غير حسنة لما كانت الأفاضل استعملوها، لأنه مذكور في الإنجيل عمل ولائم كثيرة كقوله: "إنساناً صنع عرساً لابنه"3. وقوله: "وعجوله المعلوفة قد ذبحت"4*، وعرس قانا الجليل الذي كان سيدنا عيسى فيه5، ويزورون عليه بأنه (حول الماء إلى الخمر حتى يسكروا، ولو كان كذلك لما ذم بولس) 6 المانعين لها، إذ قال إنه في الأيام الأخيرة " يمرق قوما يحرّمون الأطعمة التي خلقها الله" 7. ورابعاً: يدَّعون على نبينا الأعظمصلى الله عليه وسلمدعوى أخرى، وهو أنه قتل أناساً 8 في أيام دعوته، وهذا شئ غير حسن على دعواهم الباطلة.   1 لأن إبراهيم عليه السلام كما ذكر تزوج "سارة"، ثم دخل على أمتها المصرية "هاجر"، وذكر اليهود أن إبراهيم تزوج بامرأة اسمها "قطورة". انظر: تكوين 1:25. 2 سبق ذكر ذلك ص 122. 3 متى 22: 1 وفيه " إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه". 4 لوقا 15: 23 وفيه " وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح". (*) حاشية: اعلم (أن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يورد هذين المثلين) إلا للترغيب، (ودليل على أنها) من الأشياء المستحسنة والمحبوبة) 5 ورد في يوحنا 2: 1-11حضور المسيح لعرس في الجليل، وتحويله الماء إلى خمر. 6 في النسختين "عمل سبباً لإيجاد الخمر وهم سكرانين حتى يكملوا سكرهم، ولاكان بولس ذم المانعين ". وفصاحتها وصوابها ما أثبت 7 بحثت عنه ولم أجده. 8 في. د " ألوفاً ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نعم إنه قتل أناساً في مغازيه الشريفة، إلا أن قتله كان لذوي التعصب عليه المحاربين له، العاصين لشريعته الغرّاء السامية، المريدين إبطال دينه الحق، المخاتلين له، الجاعلين عليه الفتن غير هادئة، كما يوجد شرح ذلك (بالتفصيل) في القرآن الشريف عن سبب نزول الآيات الواردة بحق ذلك، وكما (نراه ينصحهم المرات العديدة) قبل قتاله لهم، ويتهددهم ويتوعدهم ويوعدهم، لكي يميلهم عن كفرهم وشرهم (وإلحاق الضرر به وبدينه الحق) 1، وحينما لم (يقبلوا قوله) 2، ولم يرجعوا عما هم عليه من الكفر والضلال والشرك، كانت تنزل   1 في النسختين " وأننا كما ننظره فيها كان المرات العديدة ينصحهم"، واستقامتها ما أثبت. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي أمراءه على الجيوش أن يدعوا المشركين إلى ثلاث خصال قبل قتالهم، فروى مسلم في صحيحه 3/1356 عن بريدةرضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال:" اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولاتغلوا ولاتغدروا ولاتمثلوا ولاتقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ماأجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم..فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ". 2 في. ت "حينما لم يريدوا العطوف لقوله"، وفي. د " وحينما لم يريدوا القبول لقوله" وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 تلك الآيات الشريفة عليه حسب مقتضى الحال، تارة بأن يجادلهم بالرفق*، [بقوله {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1، وتارة بأن يأخذ الجزية منهم* [لتصغيرهم] ، وتارة برفع الشفقة عنهم**. بقوله تعالى له {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم} 2 وقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 3، ومثل ذلك في القرآن العظيم كثير.   (*) حاشية: (اعلم أنّ المجادلة كانت إلى محبي الأبحاث وأهل المعارف [بالتي هي أحسن] . 1 العنكبوت آية 46. (*) حاشية: (اعلم أنّ الأمر بأخذ الجزية كان من الذين كانوا كفاراً، ويتظاهروا بالكتاب وكانوا كامنين له الشر، حتى يذلهم ويضعف قوتهم لئلا يظهروا، كما يفهم من قوله {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} (التوبة آية (29) [ثم ومن كونه أيضاً له سلطان، وهذه عادة ذوي السلطة] . (**) حاشية: (اعلم [أنّ أمره تعالى] برفع الشفقة هو عن المظهرين لنبيه الشر عياناً (ويعلم ذلك من خاتمة الآية) لأنه تعالى يقول: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً} إلى آخره) . 2 التوبة آية (73) 3 التوبة آية (36) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وعدا ذلك: أن سيدنا موسى كليم الله، ويشوع بن نون خلفه، كانا قد قتلا ألوفاً كثيرة1، ولكن مع ذلك (لم يكن) قتلهما إياهم بهذه الوجوه المذكورة2 لأنهم، أي المقتولين ما (بادروهما بالشر) 3، كما تخبر توراتهم ولا عصوا شريعتهما، لأنهما لم ينذروهم بدينهما، بل لأن سكان تلك الأرض الموعود بها موسى المقتول منهم ألوفاً بليغة، لما سمعوا بقدوم بني إسرائيل ليأخذوا تلك الأرض من أيديهم ويستعبدوهم ويطردوهم منها، للحال نهضوا للمحاماة عن أوطانهم وأنفسهم، وكان موسىعليه السلام ونوابه (لا يقتلون في حروبهم الرجال) فقط [كماكان يفعل نبينا صلى الله عليه وسلم] ، بل النساء والأولاد والأطفال، ويحرقون بعض بلدانهم وحيواناتهم وكامل أمتعتهم 4. وكل ذلك إذا فحصنا أسبابه (إنما كان) خوفاً من استعبادهم   1 الخروج 18:17. 2 يقصد الأسباب التي كانت سبباً في قتال النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين. 3 في النسختين "ما ابتكروا معهما بالشر ". واستقامتها كما أثبت. 4 انظر: سفر يشوع 20:6 عن استيلاء يشوع بن نون على أريحا، وجاء فيه " وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة وحرموا كل مافي المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إياهم، فكانوا يمارونهم ويحاربونهم خوفاً على أنفسهم 1 *. وأما نبيّنا السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم مع كون توجهه على من عصى دينه الشريف كان بأمر الله تعالى، إلا أنه مع ذلك تراه بريئاً من مثل تلك الوجوه المشروحة والمنقولة عن موسى وخلفائه.   1 في النسختين هنا "ولأن ذلك كان بأمر الله تعالى". ولا أرى لها معنى. والله أعلم. (*) حاشية: "اعلم أن المقتولين في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم إذا قابلتهم على المقتولين في حروب موسى عليه السلام، تراهم بالقياس كل عشرين مقتول من موسى عليه السلام يقابله واحد من نبينا صلى الله عليه وسلم، والمشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقتل بيده الشريفة سوى رجل واحد مستحق القتل، لا كما قتل سيدنا موسى عليه السلام الرجل المصري ". وهذه الحاشية ليست في. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الباب الرابع: البشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل نورد فيه بينات من كتب العهدين، أعني من التوراة والإنجيل على أن نبينا الأعظم محمداً صلى الله عليه وسلم هو النبي الموعود به أيضاً والمشار إليه، والمنبأ عنه [من الأنبياء] كعيسى عليه السلام، بالأدلة الواضحة والبراهين المتينة كما قد تراها صريحة 1.   1 البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام واضحة في التوراة والإنجيل، وقد بين الله تعالى ذلك في القرآن الكريم، وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام في السنة المطهرة في نصوص عديدة. نذكر منها: قوله تعالى {النبي الأميّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات} الأعراف (157) . وقوله تعالى {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} البقرة (89) ، وقوله تعالى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} البقرة (146) ، وقوله تعالى {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} الصف (6) . ومن الأحاديث: حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني عبد الله لخاتم النبيين، وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين ترين". حم4/127. وعن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: "يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي كأنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام". حم 5/262. وهذه البشارات الواردة في التوراة والإنجيل، قد كتب فيها العلماء، فمنهم: "ابن ربن الطبري" صاحب كتاب" الدين والدولة"، و"المهتدي السموأل" في" إفحام اليهود"، و"الجعفري" في" تخجيل من حرف الإنجيل"، و"شيخ الإسلام ابن تيمية" في" الجواب الصحيح"، و"عبد الأحد داود" في"محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس"، و"الشيخ رحمة الله الهندي" في "إظهار الحق"، و" أحمد حجازي السقا" في"البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل".وغيرهم كثير، اهتموا بإبراز البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وشهدوا بأن التوراة والإنجيل قد جاءت فيهما بشارات كثيرة بالنبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الشهادة الأولى هو ما ورد عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سفر تثنية الاشتراع في الإصحاح الثامن عشر والعدد الخامس عشر من قول سيدنا موسى، إذ قال لقومه بني إسرائيل: "إن نبياً من بينك ومن اخوتك مثلي يقيمه الرب"1، ولم يقل من شعبك كما ترجمت إلى اللغة العربية، بل من بينك لأنها في اللغة العبرانية (مقربيخا) أي: من بينك، وفي العدد الثامن عشر أيضاً، قال: "إن الرب   1 في. ن. ع النص هكذا" يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 إلهكم سيقيم نبياً من إخوتكم مثلي، فاسمعوا له وكل نفس لا تسمع لذلك النبي وتطيعه تستأصل تلك النفس من شعبها"1. أقول: إن هذه الشهادة هي بلا ريب (منطبقة) على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من حيث إن إسماعيل وخلفه الذين منهم نبينا كانوا يسمون إخوة لبني إبراهيم، [أعني: إسحاق وخلفه عليهما السلام] ، لأن الله تعالى قال لهاجر رضي الله عنها امرأة سيدنا إبراهيم عن إسماعيل ابنها: "بأن قبالة إخوته ينصب المضارب2، ومن حيث إن إسحاق أبا يعقوب، (وذريته) بني إسرائيل دعواإخوة لإسماعيل3، فإسماعيل هو أخوهم بلا شك، فمن ههنا (ألغز) 4 النبي موسى عليه السلام بكلامه، وأشار إشارة خفية غير صريحة في النسق، حسب عادة الأنبياء بإخفاء بعض مقاصدهم وتكلمهم بالرموز عن أن الله تعالى سيقيم نبياً5 بينهم من إخوتهم* أي من بني إسماعيل   1 النص في. د هكذا"إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون في كل مايكلمكم به، ويكون كل نفس لاتسمع لذاك النبي تباد من الشعب". 2 تكوين 18:25. 3 في النسختين" أن إسحق أبو يعقوب وخلفه بني إسرائيل دعيو إخوة لإسماعيل"، وصوابها ما أثبت. 4 في النسختين"لغزور" ولامعنى لها، ويبدو صوابها ما أثبت. ومعنى ألغز أي: مال بكلامه عن وجههأو عمى مراده وأضمره على خلاف ما أظهره. المعجم الوسيط 2/830. 5 في. ت"من مابينهم" وصوابها ما أثبت. (*) حاشية: (اعلم أنّ قوله من إخوتكم هو قول ملغوز فائق الحكمة، لأنه لو كان قصد موسى عليه السلام عن أن النبي الذي وعد به هو من بني إسرائيل لكان ينبغي له أن يقول عوضاً من إخوتكم، إن منكم يقيم الرب نبياً أو من أسباطكم أو من سلسلتكم أو من نسلكم أو من زرعكم أو من بنيكم أو من مولوديكم، وبحيث إنه قد ترك ذكر هذه السلسلة النازلة لزم أن يكون الحق كما شرح المؤلف بتطبيق العلامات والقرائن الدالة عليه من موسى عليه السلام في هذه الشهادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 المباينين لهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم لكونه نبياً، ومن ولد إسماعيل، لأن من عادة الكتب المنزلة أن تسمي أولاد الأعمام عن بعدٍ بعيدٍ: إخوة، ومثل ذلك قد ورد في القرآن الشريف، إذ أنه دعى النبيين اللذين هما هود وصالح، إخوة لعاد وثمود1، وهما على بعدٍ بعيدٍ من أولاد الأعمام أيضاً. وفي سفر العدد في الإصحاح العشرين [في العدد الرابع] يقول: "وأرسل موسى من قادش إلى ملك أدوم2 قائلاً: هكذا يقول أخوك إسرائيل"3. مع أن الآخرين هم من بني الأعمام عن بعدٍ بعيدٍ.   1 وفي هذا يقول اللهعز وجل {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ} (الشعراء آية123،124) . وقال {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ} (الشعراء آية 141،142) . 2 في. ت" وأرسل موسى إلى ملك قادش"، وصوابها ما أثبت كما هو في. د وكذلك في العهد القديم. 3 العدد 14:20، ووصف موسى الملك أدوم بأنه أخو إسرائيل، لأن الأدوميين هم نسل عيسو أخو يعقوب عليه السلام، وهو الذي سمى أدوم كما قالوا في التكوين 8:36:ط"فسكن عيسو في جبل سعير وعيسو هو أدوم وهذه مواليد عيسو أبي أدوم". انظر: قاموس الكتاب المقدس ص649. وقالوا في سفر التثنية 8:2:" فعبرنا عن إخوتنا بني عيسو الساكنين في سعير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وأما قولنا: إن هذه الشهادة (منطبقة) على نبينا صلى الله عليه وسلم (بسبب أنه لايشاركه غيره فيها) ، لأنه إن ادعت اليهود أن هذه الشهادة قيلت عن يشوع بن نون [وليست عن] نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، (فنرى أنها لا تتفق مع دعواهم بل تنفرعنها نفوراً) 1 ظاهراً، لأن يشوع كان حاضراً معهم وعند موسى مقيماً بخدمته، وقد أشار عنه بعبارة صريحة قبل هذه في الإصحاح الثالث2 من التثنية بقوله: "فليكن يشوع بن نون خادمك فهو يدخل عوضك وهو يقسم الأرض لإسرائيل"3. فما (ينبغي) أن يذكره لهم باسم نكرة بعد [إشهاره] لهم باسمه العلم. وثانياً: إذا ادعت النصارى أن هذه الشهادة قيلت عن المسيح، فيقال لهم هذا الجواب؛ وهو: أن موسى قال "نبياً مثلي الذي يقيمه الله"، وهم: أعني النصارى، يدعون أن عيسى هو (إله وإنسان) ، فإذاً: ليس هو كموسى، من كون أن موسى إنسان فقط، وعيسى على زعمهم إله لموسى حتى، ولا ناسوت عيسى مثل ناسوت موسى، لأن ناسوت موسى هو من زرع بشري، وناسوت عيسى من غير زرع بشري، بل ناسوت عيسى من بتول فقط، (وموسى كان من امرأة مثل بقية النساء مفضوضة) 4، فما يكون   1 في النسختين" فقد ننظرها تنفر من دعواهم نفوراً ظاهراً" واستقامتها كما أثبت. 2 في النسختين" الأول" وصوابها ما أثبت. 3 التثنية 28:3. 4 هكذا في النسختين، ويقصد أنها ثيب مثل بقية النساء المتزوجات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 المسيح مثل موسى، لأن موسى قال عن النبي الذي وعد به: "إنه نبي مثلي"، حتى ولا شريعته مثل شريعته، لأن شريعة عيسى فضلية، وشريعة موسى عدلية1، ولا إنذاره مثل إنذاره، لأن موسى كان لبني إسرائيل حاكما وغنياً وبالسيف، وعيسى كان فقيراً ومحكوما عليه هذا على موجب زعمهم ولا كان لعيسى سيف مثل موسى ولا حكم. وأيضاً [أقول] إنه لم [يُقَل في الإنجيل عن] عيسى2 (على التغليب) اسم 3 نبي على الحقيقة بالاسم والفعل*.   1 يقصد أن شريعة عيسى جاءت بتغليب التفضل والإحسان، أما شريعة موسى فجاءت بإقامة العدل وأخذ الحق والقصاص، كما قال متى في إنجيله 39:5 عن المسيح أنه قال:" سمعتم أنه قيل عين بعين وسنبسن، وأما أنا فأقول لكم: لاتقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومنأراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك ميلاً واحدا فاذهب معه اثنين". 2 في. د" ولاإنذار عيسى بالزهد والسيرة النسكية كان مثل إنذار موسى، لأن موسى كان ينذر بالسعة وحسن الحال". 3 في. ت" لم يقال على عيسى بوجه التغلب" وما أثبت من. د. (*) حاشية: (اعلم أنّ التغليب المقول من صاحب التأليف قد يراد به عند أصحاب علم البديع بالمثال، علىأن اسم نبي قد ورد مقولا في الإنجيل على عيسى مرتين أو ثلاثة، وأما في القرآن الشريف قد ورد مقولا على رسول الله مرات عديدة، وتكثير هذه المرات قد يقال له عند العلماء: التغلب، وهو تكراره في الاستعمال كرات عديدة، النبي النبي النبي النبي) [وقد تكرر على عيسى في الإنجيل مرتين أو ثلاثة فقط] . وقد اختلف نص الحاشية في. د، إلا أن معناهما واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ويشوع بن نون كان نبياً أيضاً، ولكنه الآخرلم يغلب عليه اسم النبي، أعني: أنه لم يُقَل عنهما: يشوع النبي أو المسيح النبي في الغالب مثلما يقال: موسى النبي أو النبي محمد عليهم الصلاة والسلام. وفي القرآن الشريف ترى هذه اللفظة، أي: اسم النبي مكررة مرات على نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فتكون النبوءة من سيدنا موسىصادقة عليه، كما صدقت عليه لفظة "من إخوتكم"، من كونه من بني إسماعيل المبارك1 إخوة بني سيدنا إبراهيم الذين منهم بني إسرائيل، الذين رمز لهم موسىعليه السلام أن من إخوتهم يقام النبي الموعود به. وإن كان بنو2 عيسو أخو يعقوب، يسمون أيضاً إخوة لبني إسرائيل عن بعدٍ بعيدٍ، كما جاء عنهم في سفر تثنية الاشتراع في الإصحاح الثاني3، إلا أنه ماقام منهم نبي مثل محمد صلى الله عليه وسلم حتى نستدل عليه من شهادة الحال، مع أن عيسو تزوج (محلة) 4 ابنة إسماعيل.   1 يقصد ما أورد اليهود في كتابهم من أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جدا اثنى عشر رئيسا يلد وأجعله أمة كبيرة". التكوين 20:17 2 في. ت" بني عيسو" وصوابها ما أثبت من. د. 3 تثنية 4:2، وجاء فيه" وأوصى الشعب قائلا: أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير". 4 في النسختين" بمخملات" وصوابها ماأثبت كما هي في سفر التكوين 9:28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فينتج إذاً: أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو المشار إليه من موسى دون (شك) ، ومع ذلك فإن موسى بيّن بما أضاف من قولٍ مقصوده1، وهو: "بأن كل نفس لاتسمع لذلك النبي وتطيعه تستأصل تلك النفس من شعبها"، فلفظة استئصال يستدل منها على أنها كانت نبوءة من موسى على نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنه يستأصل كل من لايسمع له (بسيفه البتار) ، وأن هذه الوصية هي صادقة عليه بهذا الوجه المشروح، ولا تصدق على المسيح؛ لأن المسيح قال: إنه ماجاء ليميت أنفس الناس، وذلك يقول: تستأصل، وليست كما تصور النصارى: أنها مقولة على الخراب الذي عمله تيطس ملك روما2، الذي خرب بيت المقدس الشريف، وقتل اليهود الذين كانوا فيها3، وعلى ظنهم أن ذلك كان بسبب عيسى، مع أن تيطس كان غير مؤمن   1 في النسختين" أن موسى بين المخفار بالقول المضاف لهذا" وفصاحتها ما أثبت. 2 تيطس أو تيطوس إمبراطور روماني بعد زمن المسيح عليه السلام توفي سنة 81م. معجم الحضارات السامية ص290. 3 قام الإمبراطور الروماني تيطوس حين كان قائداً لجيوش أبيه في فلسطين بحصار بيت المقدس سنة 70م ثم استولى عليها بعد حصار خمسة أشهر، وقتل من أمكنه قتله من اليهود، ويقدر قتلاهم بأكثر من مليون شخص، وزالت بفعلته تلك الدولة اليهودية، ولم يصبح لهم وطن بعدها. انظر: معجم الحضارات السامية ص29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ولا (مطيع) لعيسى*، وكان قتله لهم بسبب (عصيانهم) له بالأمور (الملكية) ، لا لأجل الأمور الدينية، أي (لم يكن قتله لهم) لأنهم (لم يتبعوا) عيسى (ولم يطيعوه) ، لأنه هو أيضاً كان (مضطهداً لأتباع عيسى) 1. وربما كان يوجد نصارى (كثيرون) مختبئين، وقد قتلهم تيطس نفسه أيضاً مع اليهود، لأن حربه وقعت بعد أربعين سنة من عيسى2 وكان قد (تنصركثيرون) 3 في تلك الأراضي. (وبالاختصار أن) هذه الشهادة من موسى عليه السلام، أي لفظة "تستأصل" هي وحدها كافية بأنها مقولة على نبيناصلى الله عليه وسلم، [وظهر (تحقيقها) ] منه (ومن صحابته) وليس [من] غيره*، لأنه كان المنتقم [والمستأصل] من قبل الله للذين لم يسمعوا له.   (*) حاشية: ( [اعلم أنه] بالتبعية لكلام النبوة ينبغي أن يكون تيطس من المقتولين المستأصلين لأنه ماسمع لعيسى فكيف يسوغ أن يقال بأنه هو المستخلص حق عيسى والنائب عنه، والمنتصر لدينه) . 1 في النسختين" مضطهداً لعيسى" وفصاحتها ما أثبت. 2 يقصد بعد رفع عيسى عليه السلام. 3 في النسختين في الموضعين" كثيرين" وصوابها ما أثبت. (*) حاشية: (اعلم أنّ لفظة تستأصل في العبراني [مبنية] للمجهول، والقصد منها ليس الحصر بالاستئصال أن يكون متعلقاً بشخص النبي الكريم فقط، بل وبصحابته المنتصرين لدين الله القيم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الشهادة الثانية في إنجيل يوحنا في الإصحاح الأول [في العدد الحادي والعشرين] يقول: "وأرسل [الفريسيون] يسألون يوحنا المعمداني قائلين له: ألنبي أنت؟ فأجابهم: كلاّ. فأجابوه: ما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي؟ "1. أقول: إن هذه الشهادة (تتضمن) أن الفريسيين علماء اليهودإلى زمن مجئ عيسى عليه السلام، كان متداولاً بينهم عن آبائهم وأجدادهم (المتناقلين) لكلام النبي موسى عليه السلام، بأن الله –تعالى- (سيرسل) نبياً، وهم في انتظاره كالمسيح عليه السلام، وحيث إن علماء اليهود كانوا متحيرين في مجئ النبي المخبر عنه من موسى، ومعربسين2 قصة يوحنا ابن زكريا عليهما السلام، من أنه كان يسكن البراري كولد إسماعيل3، فأرسلوا يسألونه: ماتقول عن نفسك؟ فلما جاوبهم بأنه ليس هو المسيح ولا إيليا ولا النبي، اعترضوا وقالوا له: مابالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي؟.   1 يوحنا 1: 19- 26، وقد اختصرها المصنف. 2 هكذا في النسختين ولم أتمكن من فهمها، إلا أن تكون ويعرفون. 3 ورد عن يوحنا" يحيى بن زكريا" عليهما السلام في إنجيل مرقس 4:1" كان يوحنا يعمد في البرية ... وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه ويأكل جراداً وعسلاً بريا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فيظهر من (مضمون) كلامهم أنهم في (انتظار) ثلاثة أنفار عظام، قد كان الأنبياء السابقون أخبروا1 بمجيئهم وأسمائهم، وهم: المسيح وإيليا والنبي. فمن ههنا ينتج أن المسيح (شخص) ، وإيليا (شخص) ، والنبي (شخص) آخر2، وحيث إن الانتظار كان للنبي أيضاً، الذي هو غير المسيح، واسمه وارد بالسؤال بعد المسيح، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان وروده بعد المسيح، وهو خاتمة المطلوب3. فمن هذه الشهادة سقطت: أولاً: دعوى اليهود الزاعمين أن شهادة موسى السابقة هي مقولة عن يشوع بن نون، (لأنها لو كانت مقولة عن يشوع بن نون) لما كان علماء اليهود لحد زمان عيسى يسألون (المعمداني) عن النبي قائلين: ألنبي أنت؟ أجابهم: كلاّ. وثانياً: تسقط دعوى النصارى القائلين: إن النبي المقول عنه من موسى هو المسيح، لأنه ظهر من سؤال الفريسيين علماء اليهود القائلين: "إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي" أن النبي غير المسيح.   1 في. د" أنذروا". 2 في النسختين" المسيح آخر وإيليا آخر والنبي آخر". 3 يقصد خاتمة مطلوب اليهود في السؤال الذي وجهوه ليحيى عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 فإذا المسيح هو المطلوب الأول (لهم) 1، والنبي هو المطلوب الأخير لقولهم: "إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي". و (لو) كان النبي (هو) المسيح كما فسره النصارى، لكان ينبغي ليوحنا بن زكريا عندما سأله علماء اليهود عن المسيح وإيليا والنبي أن يجاوبهم: إن سؤالكم هذا هو جهل مبين، لأن المسيح هو (نفسه) النبي، فصمته عن مجاوبتهم، ونفيه بأنه ليس هو النبي هومصادقة كلية شرعية على أن الموعود به نبي آخر غير المسيح، وهو سيد الكائنات الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.   1 في النسختين" منهم" وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الشهادة الثالثة في إنجيل يوحنا في الإصحاح الخامس عشر يقول: "وإذا جاء البارقليط1 الذي أرسله إليكم من عند الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق هو يشهد لي وأنتم أيضاً شاهدون" 2 *. أقول: إن هذه الشهادة (المقصود بها) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أولاً: من اسم "بارقليط". ثانياً: من قوله: "هو يشهد لي". ثالثاً: من تسميته له: "روح الحق".   1 لفظة" البارقليط أو الفارقليط" وردت هكذا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831،1821م في لندن، أما الطبعات الأخرى فذكرت كلمة"المعزي أو روح الحق" وطبعة الملك جيمس ذكرت Confouter والتي تعني"المعزي"، أما طبعةNew American Bible فقد ذكرت كلمة Advocate والتي تعني"المحامي أو المدافع". ويبدو أن المصنف - رحمه الله - وقف على الطبعات التي تذكر هذهالكلمة، وهي "البارقليط" ومن تلك الطبعات التي ورد فيها كلمة "البارقليط" نسخة البشينا السريانية، ولعل المصنف اطلع عليها حيث هي فيما يظهر لغته. وانظر كلام عبد الأحد داود عنها في كتابه"محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" ص207-229، وكذلك كلام الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه" إظهار الحق" (4/1185) . 2 يوحنا 26:15. (*) حاشية: (اعلم أنّ هذه الشهادة مترجمة على موجب أصلها باليوناني [مع كون في نصفها ويدمس (هكذا، ولعل مراده قوسان) بشكل هلالين اللذين يدلان على أن الموجود فيما بين الهلالين هو دخيل] ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 رابعاً: من قوله عنه إنه: "من الأب ينبثق". أما عن قوله: "إنه ينبثق من الأب"؛ فهو بمعنى يخرج ويرسل، كما هو (مصرح به) في قواميس اللغة اليونانية، والكنائس الغربية هكذا تفسرها أيضاً، وهذا الإرسال (جاء) مصرحاً به عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} 1،وقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ} 2. وأما تسميته له صلى الله عليه وسلم بأنه "روح الحق"، فنرى هذا الاسم من جملة أسمائه الشريفة المندرجة في كتاب دلائل الخيرات3، (المجموعة) من الكتاب والسنة4. أما5 اسم "بارقليط" (فهي لفظة) يونانية، من معانيها في القواميس: المعزي6 والناصر، والمنذر، والداعي، {والاسم المطابق   1 الأعراف آية (158) . 2 الفتح آية (28) . 3 دلائل الخيرات ص 52. 4 كتاب دلائل الخيرات، تأليف محمد بن سليمان الجزولي الشاذلي المتوفى سنة 870هـ، والكتاب عبارة عن أدعية وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير من الأسماء التي ذكرها للنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها من الكتاب والسنة. 5 في النسختين" أما قوله عليه" واستقامتها كما أثبت. 6درس البروفسور عبد الأحد داود كلمة"الفارقليط" من ناحية لغوية، فقال عنها: إنها لاتعني المعزي أو المحامي، وتهجئة الكلمة هي"باراكليتوس" ParaklYtos ومعناها في الأدبيات الكنسية"شخص يدعى للمساعدة، محام، وسيط"، وإن الكلمة اليونانية التي تعني المعزي ليست باركليتوس بل"باراكالون" Paracalon ثم ذكر أن كلمة باراكليتوس Paraklytos هي صورة مشوهة عن كلمة يونانية اخرى هي Periqlytos"برقليطوس"، وتعني من الناحية اللغوية"الأمجد والأشهر والمستحق للمديح"، وهذا مايعني بالضبط اسم "أحمد" باللغة العربية. والصعوبة الوحيدة التي ينبغي حلها والتغلب عليها هي: اكتشاف الاسم السامي الأصل الذي استخدمه عيسى المسيح عليه السلام إما بالعبرية أو الآرامية. انظر: محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس ص216، 223. وهذه المعلومات المذكورة عن تقارب المفردتين"باراكليتوس، وبرقليطوس"بالنطق، واختلافهما في المعنى في اللغة اليونانية، وأن الأخيرة منهما تعني معنى قريباًمن"محمد" و"أحمد" ذكرها أحد قسس النصارى في رسالة أرسلها للشيخ رحمة الله الهندي، وأثبت ملخصها الشيخ، وبين أن الاختلاف بينهما يسير، وأن من عادة أهل التثليث التبديل والتلاعب بالألفاظ حسب أهوائهم، بل قد يعدون هذا من المستحسنات. انظر: إظهار الحق 4/1187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 هو الداعي} *. فالنصارى الذين آمنوا وأسلموا في العصور القديمة قد فهموا (أن معنى هذه اللفظة) منصرف إلى القرآن الشريف، وإلى سيد المرسلين الأعظم صلى الله عليه وسلم. فأما (انصرافها إلى) النبي الأعظمصلى الله عليه وسلمفمن كونه قد وصف بمثل هذه الأوصاف في الكتاب المنزل، كقوله تعالى في سورة النساء   (*) حاشية: (اعلم أنّ لفظة بارقليط إذا ترجمتها للعربي حرفاً بحرف بالمطابقة هي الداعي، ومشتقة من دعى يدعو، وهو اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم) وهذه الحاشية ليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} 1. وفي سورة الاحزاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} 2. أما النصارى الذين في الدهور المتأخرة، (المتناسلين) 3 من أولئك، فلم يفهموها إلا عن الروح الذي حل على الحواريين4، مع أن الروح الذي (يدّعون) أنه حل عليهم (لم يسم) "بارقليطاً" من الذين حل عليهم، ولا سمي روح الحق، ولا دعي المنبثق من الأب مثلما سماه عيسى لما وعد به، بل إنه سمي من الحواريين روح، وقوة، وألسنة كالنار*. وأما قوله: "إن البارقليط يشهد لي": فأقول: إنه يظهر من معناه بأن سيدنا عيسى (يقصد) 5 شخصاً آخر غير شخصه، يشهد له بالحق، وغير الحواريين6. وإثباتاً لهذا الدليلئ   1 النساء آية (75) والآية ساقطة من. ت. 2 الأحزاب آية (45-46) . 3 في النسختين" المتنزحين" وصوابها ما أثبت. 4 يقصد به ماذكره سفر أعمال الرسل 1:2"ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة، وصار بغتة من السماء صوت كما هبوب ريح عاصفة، وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى". (*) حاشية: (اعلم أنه قد أوصاهم أن لايبرحوا أورشليم إلى أن يلبسوا قوة من العلا بورود الروح القدس عليهم، ولم يقل إنهم يلبسوا بارقليطاً أي داعياً) . وهذه الحاشية ليست في. د. 5 في النسختين" يتعمد". 6 في. ت"شخصاً آخر غير الحواريين يشهد له بالحق" وما أثبت من. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 هو تعمد إشارته في نسق هذه الجملة1 الواحدة، القائلة عن البارقليط: هو يشهد لي وأنتم أيضاً شاهدون. فبقوله هذا يظهر أن المزمع والعتيد أن يأتي ويشهد له، هو غير الشاهدين الحاليين، ولو كانا واحداً لما قال: هو يشهد لي، بصيغة الزمان المستقبل البعيدكما في اليوناني*، وأنتم أيضاً شاهدون بصيغة الزمان الحال*. وأيضاً أقول: إنه لوكان معناه بأن البارقليط الحال يتكلم في المحلول فيهم2 لكان قال: إذا جاء البارقليط الذي أرسله إليكم هو يشهد لي بواسطة ألسنتكم، مثلما قال في موضع آخر عن الروح الذي حل عليهم "بأن روح أبيكم يتكلم فيكم"3، وحيث أن ههنا ثنى موضوع كلامه بقوله: يشهد لي وأنتم أيضاً شاهدون وغيّر أزمنة الشهادة، فيظهر أن الشاهدين له هم غير الشاهد الفريد الذي هو نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.   1 في. د" العبارة" والجملة غير واضحة، ويظهر لي أن صوابها"وتوضيحاً لهذا الدليل فقد تعمد المسيح الإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في نسق هذه الجملة". (*) حاشية: (اعلم أن في اللغة اليونانية يوجد فعلان للمستقبل فعل بعيد وفعل قريب، وهذه اللفظة وجدت مكتوبة في وزن الفعل البعيد، أعني: يشهد لي بمعنى سوف يشهد) . (*) حاشية: (ولفظة شاهدون قد يراد بها في اليوناني ليس الفعل الحالي فقط، بل والمستمر) . 2 يقصد على دعوى النصارى أن المراد بالفارقليط هو الروح القدس. 3 متى 20:10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وأما اسم بارقليط: فيحمل معناه أيضاً على القرآن الشريف، لأنه أي القرآن قد ورد من الله تعالى منبثقاً وخارجاً من لدن عنايته، مُعَزياً1 بلفظه المحكم لرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ولخواصه أيضاً. فأما ما أورده تعالى من التعزيةلرسوله، فمثل قوله {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} 2، وقوله تعالى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} 3، وقوله {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر} 4. وأما ما قاله تعالى من التعزية (لأصحابه) فقوله {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور} 5، وقوله تعالى {لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 6. وبالإجمال أقول: إذا أمعنت النظر في القرآن الشريف ترى أكثر معانيه منصرفة إلى التعزية وأجناسها7.   1 يقصد مواسياً ومصبرا. 2 آل عمران آية (176) . 3 المزمل آية (10) . والآية ليست في. د. 4 المدثر آية (7) . 5 آل عمران آية (186) . 6 آل عمران آية (153) . 7 وذلك أن القرآن الكريم تضمن كثيراً من قصص السابقين، وفي قصصهم عبرة للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وتعزية لما يصيبهم من جهد وبلاء في الدعوة إلى دين الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وإن قيل: إن البارقليط كان الوعد (فيه للحواريين) ، لأن سيدنا عيسى قال لهم: إنه يرسله إليهم. والقرآن جاء بعد الحواريين بستمائة سنة. فأجيب: إن قوله: أرسله إليكم مثل1 قوله لهم: "وها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر"2. فالحواريون لم يبقوا إلى انقضاء الدهر، بل خلفهم الذين بقوا إلى انقضاء عالم عيسى عليه السلام3. انتهى*. والحال (أن قوله) : "سيقيم لكم" مثل قول عيسى ههنا: "إنه يرسله إليكم"، فالضمير في اللفظتين متساوي للمخاطبين.   1 في النسختين (يحله أيضا) ولا يتضح بها المعنى المقصود. 2 متى 20:38. 3 هكذا في النسختين ولم يتبين لي معناها، إلا أن يكون قصد: إلى انتهاء زمن رسالة عيسى عليه السلام ببعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. (*) حاشية: (اعلم أنّ مثال ذلك قد قاله موسى أيضاً في تثنية الاشتراع: إن الرب إلهكم سيقيم لكم نبياً مثلي. وقد يفسره النصارى على عيسى الذي جاء بعد موسى بنحو ألف وقريب الستمائة سنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الشهادة الرابعة إن سيدنا داود عليه السلام في المزمور الخامس والأربعين، المعنون في العبراني: من بني قورح من أجل الحبيب قد ترنم به1. أشار إشارة مطابقة لسيد الخلق نبينا الأعظم حبيب الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "فاض قلبي كلمة صالحة، أقول أنا أعمالي للملك، لساني قلم كاتب سريع الكتابة، بهي في الحسن، أفضل من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الدهر، تقلدْ سيفك على فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك، استله وانجحْ، واملكْ من أجل الحق، ورأفة العدل، وتهديك بالعجب يمينك، نبلك مسنونة أيها القوي، الشعوب تحتك يسقطون في قلب أعداء الملك2، كرسيك يا ألوهيم إلى دهر الداهرين، عصا الاستقامة عصا ملكك، أحببتَ العدل وأبغضتَ الإثم، من أجل ذلك مسحك ألوهيم إلهك3 بدهن البهجة، أفضل من رفقائك،   1 عنوانه في ن. ع "لبني قورح قصيدة ترنيمة محبة". 2 العبارة في المزمور 45 هكذا "نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك شعوب تحتك يسقطون". 3 في نسخة. ت "يا ألوهيم إلهك"، وفي. د "ياألوهيم وبالعربي ياطايق إلهك". وفي النسخة العربية للعهد القديم "الله إلهك".ومثل ما في العهد القديم الطبعة العربية "الله إلهك" ذكرها الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق"4/1143، وذكر أنها هكذا في النسخة الأردية والفارسية، وغيرها من التراجم، وأن بولساعتمد في رسالته للعبرانيين هذا اللفظ، كما أفاد أن أحد النصارى، وهو صاحب كتاب "مفتاح الأسرار" ذكر أن النص هكذا "من أجل ذلك ياالله مسح إلهك". هكذا، وردها الشيخ رحمة الله الهندي، لكونها مخالفة لكلام بولس وسائر الترجمات الأخرى. والحق أنها تحريف من النصارى، لتنطبق فيما يزعمون على المسيح عيسى عليه السلام، باعتبار أنه الله -تعالى الله عن قولهم-. ولعل نسخةً من هذه النسخ هي التي نقل عنها الشيخ زيادة بن يحي هنا. وهي خطأ، والصواب ما أثبت، كما في النسخة العربية، والنسخ التي أفاد عنها الشيخ رحمة الله الهندي. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 المر1 والميعة2 السليخة3 من ثيابك4، من منازلك الشريفة العاج التي أبهجتك". أقول: والحق أن [سيدنا] رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم يفيض من قلبه كلمة   1 هو صمغ من شجرة ذات شوك رائحته ذكية. قاموس الكتاب المقدس ص852. 2 الميعة: هي شجرة صغيرة تنمو في جميع الأرض المقدسة، وهي ذات رائحة ذكية. قاموس الكتاب المقدس ص940 وكلمة "الميعة" ورد بدلاً عنها في ن. ع. كلمة "العود"، وهو أحد أنواع العطور الشرقية الغالية الثمن القوية الرائحة. قاموس الكتاب المقدس ص647. 3 السليخة: من العطر، شيء كأنه قشر منسلخ ذو شعب، والسليخة من البان، دُهنُ ثَمَرٍه قبل أن يربب بالطيب. فإذا ربب ثمره بالمسك اختلط الدهن بروائح الطيب ويسمى منشوش. لسان العرب (3/2063) 4 في. د "من أقصى ثيابك" وقال بعدها: حاشية "اعلم أن لفظة أقصى هي على موجب لفظها العبراني". أما النسخة العربية فالعبارة فيها هكذا "من قصور العاج سرتك الأوتار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 صالحة، وهي كلمة الشهادة بالتوحيد، التي هي "لا إله إلا الله"1، وأعماله كانت متجهة نحو: الملك المتعال2، ولسانه قلم كاتب سريع الكتابة3، بهي في الحسن4، أفضل من بني البشر5، لأنه لما كانت النعمة تنسكب على شفتيه الشريفتين كان يباركه الله، وتهبه تلك الفصاحة التي   1 قال تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} إبراهيم آية (24) . قال ابن عباس: "الكلمة الطيبة شهادة أن لا إله إلا الله". انظر تفسير ابن كثير 2/484. 2 الآيات التي تدل على إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم وابتغائه وجه الله بأعماله عديدة، منها قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} الجن آية (20) ، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي} الزمر آية (14) ، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام آيتا (162، 163) . 3 مراده والله أعلم تشبيه المعلومات التي وردت على لسانه عليه الصلاة والسلام بقلم الكاتب، سريع الكتابة لكثرتها. 4 روى الترمذي في الشمائل عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر" انظر: الشمائل ص 22. كما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر". الشمائل ص26 5 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع". أخرجه مسلم 4/1782. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 تدل عليها كتب الحديث التي تكلم بها1، وهو القوي الذي كان سيفه على فخذه2، وصاحب الحسن والجمال، الذي استله ونجح وملك، وأجرى الحق (والعدل مع الرأفة) 3، التي هي شريعة الفضل والإحسان، الممتزجة بالعدل4، وهو القوي الذي نباله مسنونة، الذي تساقطت تحته الشعوب، الذي كرسيّ ملكه يدوم إلى دهر الداهرين5،   1 سيأتي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: "وأعطيت جوامع الكلم". انظر: هامش ص 159. 2 عن ابن عمر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لاشريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري". أخرجه حم 2/50،92. 3 في النسختين "ورأفة العدل" وصوابها ما أثبت، ومراده من ذلك أن طلب الحق في الشرع مشروع {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة آية: (194) . مع التنبيه على أن العفو والسماحة أفضل في مثل قول الله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} الشورى آية (40-43) . 4 في النسختين "مقدامها بالعدل" واستقامتها كما أثبت. 5 عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي، وإني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ... ولاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل". حم 5/278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الذي عصا الاستقامة عصا ملكه، الذي أحب العدل وأبغض الإثم1، الذي مسحه الله بدهن الابتهاج أفضل من رفقائه الأنبياء2 عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام جميعاً. فالنصارى الغير منورين3 يفسرون هذا المزمور على سيدنا عيسى بنوع من المجاز، حيث إنه لم (تنطبق عليه) الحقيقة اللفظية، ولم يدركوا أنه إذا [وجدت] حقيقة للكلام فلا محل للمجاز، لأنه إذا وجد (نبي قد سل) 4 سيفاً حقيقياً (فلا يجوز) الالتفات إلى نبي استل سيفاً مجازياً، وهم إلى الآن يقولون: إن هذا المزمور مقول عن عيسى عليه السلام.   1 قال تعالى: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم} الأعراف آية (157) . 2 أوجه تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثيرة، من ذلك ماروى مسلم في صحيحه 5/8 كتاب المساجد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". 3 في. د "الغير المرتشدين". 4 في. ت "نبياً مستل سيفاً"، وفي. د "نبي مسل سيفاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وأما النصارى القدماء فقد فهموه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ هو واضح (الدلالة) عليه، لأن عيسى عليه السلام (لم يعرف له فصاحة في كلامه) ، بل كان كلامه بالبساطة، (بناءً) على دعوى النصارى، ولا تقلد سيفاً على فخذه، ولا نعت بالقوة، ولا كان شهيراً بالحسن والجمال، ولا استل سيفاً من أجل أن يحكم بالحق ورأفة العدل، بل إن أحد حوارييه {الذي هو بطرس} حين استل سيفاً منعه قائلاً: "اردد سيفك إلى غمده"1، مع أنه ما نجح ولا ملك في حياته، بل لما جاؤا ليصيروه ملكاً هرب2، {ولا كان له عصا الاستقامة الذي هو الرمح} ، ولا جاء بالشريعة العدلية على زعم إنجيلهم، بل كان يبدله بالقول: "من ضربك على خدك الايمن حوّل له الآخر"3، الشئ الذي ما قبلته الطبيعة، ولا صار شريعة [دائمة أو عامة] ، ولا كانت له نبال مسنونة {ولا غير مسنونة} ، ولا تساقطت تحته الشعوب، ولا كان ذا عيش رغد وابتهاج، وأنه ماكان يتعاطى العطورات في ثيابه ومنازله إلا مرة أو مرتين، من امرأة   1 متى 51:26. 2 يوحنا 15:6 وفيه "وأما يسوع فإذا علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده". 3 متى 39:5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 في أواخر ظهوره1*. ولا كان له منازل شريفة العاج ولا حقيرة، لأنه هو قال عن نفسه: "إن ابن البشر ليس له موضع يسند إليه رأسه"2. فإذاًً: هذه الشهادة هي بالحق دالة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كونها منطبقة عليه من كل جهاتها، لأنه كما قلنا عنه: إنه هو الذي كان يفيض قلبه كلمة صالحة، كلمة الشهادة بالتوحيد، وكانت شفتاه ولسانه متحركين بالفصاحة، أفضل من بني البشر، وهذا دليل أفضليته على الخلق ولذلك باركه الله، وهو الذي كانت أعماله متجهة نحو الملك المتعال، سبحانه وتعالى، وهو الذي كان قوياً وتقلد سيفه على فخذه ونجح وملك، وملكه إلى الآن باق، وإلى يوم القيامة، يجري في شرائعه الحق، ويحنو بالعدل، أي إن أحكامه تبتدئ بالحق (وترغب) بالرأفة3 [وتثيب عليها] ، وهو صاحب الوجه المنير بالحسن والجمال، وهو الذي رشق الكفار الذين عصوا دينه الشريف بعد نصحه لهم بنبال مسنونة، وقوته {مع تلك العصا الذي هو رمحه المستقيم تصدق نبوءة داود هذه} 4، وتساقطت تحته شعوبهم، وهو الذي مسحه الله بدهن البهجة، [أفضل من   1 مرقس 3:14. (*) حاشية للناسخ: (إن الطيب الذي سكبته الامرأة على عيسى كان عطورات، إلا إن ههنا ذكر داود أنه (مرّ) أي مسك وهو علامة للنبي.) 2 متى 20:8. 3 في النسختين "تبتدىء في الحق وتفوض الرأفة" وفصاحتها ما أثبت. 4 هكذا العبارة في. ت، أما في. د فقال "وقوته تصدق النبوة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 رفقائه الأنبياء] وثيابه الشريفة بالمرّ والميعة والسليخة، وهذه الروائح الطيبة التي كانت تصدر من منازله [السامية] ، ومن [أقصى] ثيابه الشريفة هي مخلوقة بجسمه الشريف1، تفضلاً من الله تعالى الذي مسحه وأرسله رحمة للعالمين2، وكان صحابته الكرام -رضي الله عنهم- إذا صافحوه تبقى رائحة المسك في أيديهم المدة الطويلة3، وإذا توجه إلى محل وأرادوا (اللحاق به) يستدلون في الأزقة من الروائح الطيبة ويعرفوا أين توجه4، وهذه كانت من أقل معجزاته الشريفة.   1 عن جابر بن سمرةرضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً، قال: أما أنا فمسح خدي، قال: فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار". وعن أنس رضي الله عنه قال: "ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئاً ديباجاً قط ولاحريراً ألين ملمساً من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعن أنس أيضاً قال: "دخل علينا النبيصلى الله عليه وسلم فقال (نام القيلولة) عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبيصلى الله عليه وسلم فقال "يا أم سليم ماهذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو أطيب الطيب". أخرج الروايات الثلاث: مسلم في الفضائل 4/1814. 2 قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء آية (107) . 3 ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا ولم يعزه. انظره 1/ 87. 4 روى ذلك البخاري في التاريخ الكبير عن جابر رضي الله عنه 1/ 399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وبالاختصار إن هذه العلامة تكفي للشهادة عليه* صلى الله عليه وسلم، وأما باقي المزمورفقد (يؤول) على زوجته، وباقي نسائه الفخام، رضي الله عنهنّ وعلى جواريه، (ويؤول) أيضاً على سمو ديانته ومركزها التي شبهها داود بالملك1. تنبيه2: (اعلم أنّ لفظة ألوهيم المرقومة في أصل الشهادة في المزمور الخامس والأربعين في جملة "كرسيك يا ألوهيم"، وفي قوله "مسحك يا ألوهيم" فلفظة ألوهيم هي عبرانية، وتترجم إلى اللغة العربية "إله" ويقال لها معربة، وتترجم أيضاً إلى معناها العربي "طايق"3 لكون لفظة ألوهيم هي مشتقة من "إيل" بفتح الياء، وتعريبها: "طايق" كقولنا: مالي طاقة أي   1 في النسختين "بالملكة" وتصويبها من المختصر. 2 هذا التنبيه ورد حاشية في نسخة. د. 3 في نسخة. د استخدم محل ألوهيم في المواضع السابقة "طايق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ما لي قوة1، فهذه لفظة ألوهيم التي تترجم إله معربة وتترجم: طايق (على) معناها [العربي] تقال وتطلق على أفاضل [المخلوقين] الناطقين، وتقال على الخالق جل وعلا، وهكذا وجدت في التوراة والإنجيل، ومن القرائن تعرف كما قررنا عنها في الباب الأول من هذا الكتاب2. ثم إن لفظة ألوهيم هنا (في قوله) : "مسحك يا ألوهيم إلهك بدهن البهجة أفضل من رفقائك"، تفيد من القرائن المشروحة أنها مقولة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لكونه من أشرف الناطقين، مثلما سمى بها عيسى وموسى عليهما السلام بلفظة تعريبها "إله"، وأما نحن بهذا المزمور لم نعربها ولا نكتبها إله، لعدم استعمالها عند العرب في هذا الشرع الطاهر على الخلق، بل أبقيناها على أصلها العبراني " ألوهيم "3.   1 كأنه يريد أن يقول: إن معنى "طايق" أي مطيق، وأرى أنه يقصد بها القادر القوي. والله أعلم. 2 انظر الباب الأول البيان الأول والثاني. 3 في نسخة. د ورد السطران الأخيران هكذا "وأما في هذا المزمور لم يعربها المؤلف ويكتبها إله، لعدم استعمالها عند العرب في هذا الشرع الطاهر على الخلق، بل أبقاها - أي المؤلف رحمه الله على أصلها العبراني ألوهيم". وهذا النص يدل على أن نسخة. د ليست منقولة عن نسخة المؤلف، وأن ناسخها قد تصرف فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 الشهادة الخامسة إن "إشعيا" النبي1 في التوراة في الإصحاح الخامس عندما أنهى كلامه (عن قصاص) الذين تركوا شريعة الرب رب الجنود، وأنه اشتد غضبه على شعبه، وألقى يده عليهم، وصارت جثثهم في الشوارع، ومع هذا كله2 لم يرتد غضبه ويده عالية، أضاف إلى قوله هذه العبارة والرمز على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله يرفعه، وينصبه علامة للأمم، ودليلاً ليهديهم به، قد تكلم في العدد السادس والعشرين وقال: "ويرفع علامة للأمم من بعيد ويصفر به من أقصى الأرض، وهو ذا يأتي سريعاً بخفة [ليس] (فيهم) تاعب ولا عائي] 3 لا ينعس ولا ينام، ولا تنحل منطقة حقويه، ولا ينقطع سير حذائه، سهامه حادة، وجميع قسيه موتورة، حوافر خيله مثل الصوان، وبكراته [أي نوقه] مثل العاصف، زئيره4 كالأسد، وبنهم يدرك الفريسة ويحوزها5، وليس من ينجى، ويهر عليه في ذلك اليوم   1 هكذا في النسختين، ونبوته لم تثبت عندنا بنص صحيح، فالتوقف في ذلك أولى. 2 في النسختين "وأن هذه كلها" ولايستقيم بها المعنى، وما أثبت يتفق مع النص في العهد القديم. 3 في. ت "تاعباً ولاعائيا" وما اثبت من. د. 4 في النسختين "وزيرانه" وكذلك هو في المواطن القادمة، وصوابها ما أثبت، وفي ن ع "زمجرته". 5 في النسختين "ويجوز" ولا معنى لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 كهدير البحر1، وينظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة ضيقة، والنور اعتم لضبابها. أقول: وبالحق إن هذه الشهادة (منطبقة) على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قلنا، ومن كل جهاتها لأن قوله: "ويرفع علامة للأمم"؛ يعني أنه هو العلامة المرفوعة للأمم*، والدليل الهادي، ليقودهم إلى نور دين الله الحق، وهو الذي رفع للأمم أولاً، كما عيسى رفع لليهود أولا، وبعده (عمموا) نبوته2.   1 في النسختين "ويمهر عليه في ذلك اليوم مهرت البحر"، ولم أقف على معنى مناسب ليمهر، ومهرت البحر. ويظهر أنها خطأ، وما أثبت من النسخة العربية إشعيا 5:26-30، إلا أنها فيه بصيغة الجمع، هكذا: "يهرون عليهم في ذلك اليوم كهدير البحر"، كما أن النص فيها على صيغة الجمع فبدايته يقول: "يصفر لهم فإذا هم بالعجلة يأتون سريعاً ليس فيهم رازح ولاعاثر لاينعسون". و"الهر"كما في القاموس المحيط ص639 ضرب من زجر الإبل. فيبدو أن معناها أي يزجرون أعداءهم بصوت كهدير البحر. (*) حاشية: (اعلم أنّ مامن أحد من الأنبياء الذين هم من بني إسرائيل رفع علامة للأمم ولا أنذرهم، حتى ولا عيسى، بل محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي هو وحده رفع للأمم وهو من الأمم، كما تنبأ عليه إشعيا، ومن غلاقة شرح هذه الشهادة قد ترى هذا المعنى صريحا ظاهراً) . 2 في النسختين "وبعده عمت نبوتهما"، ويظهر لي أنها خطأ، وصوابها ما أثبت على معنى أن النصارى بعد المسيح ادعوا عموم رسالته. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقوله: "من بعيد" مشيراً على أن هذه العلامة ليست هي من أرض إسرائيل1 التي تكلم فيها إشعيا هذه الإشارة، أي [قوله] "ويرفع علامة للأمم" بل من أرض بعيدة، وإيضاح ذلك قد يظهر من العدد الذي يتلوه، حيث يكشف هذا الرمز بقوله: "ويصفر به من أقصى الأرض"، فقوله: "من أقصى الأرض"، يكشف أنه ليس من أرض إسرائيل ترفع العلامة، بل إنها ترفع من بعيد من أقصى الأرض، حيث رمز عنها بهذا الكلام، فكأنه يقول: إن نهاية وأقصى أرض إسرائيل هي الأرض التي خرج منها نبينا صلى الله عليه وسلم، أعني: مكة المشرفة، التي هي عند أقصىأرض إسرائيل، لأن إقليم العرب لا فاصل بينه وبين أرض الموعد2.   1 أرض إسرائيل: مراده الأرض التي كان يسكنها بنو إسرائيل في زمن إشعيا. 2 أرض الموعد: المراد بها عند اليهود ما وعد الله به إبراهيم عليه السلام، وذكروه في التكوين 15:18 "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات" فهذه أرض الموعد عندهم، ولو صح هذا النص فإن الأرض المذكورة قد صارت ملكاُ لأبناء ابراهيم الذين هم أبناء اسماعيل وإسحاق وذريتهما، وليس كما يدعي اليهود أنها خاصة ببني اسرائيل فقط، لأن تخصيصها ببني اسرائيل دليل على عدم صحتها، لأن بني اسرائيل لم يمتد ملكهم في أي فترة من فترات تاريخهم الى المساحة التي يزعمون أنها من النيل الى الفرات، فتخصيصها بهم دليل على عدم صحتها، مع أن منطوقها لايدل على ذلك بل يدل على عموم أبناءابراهيم عليه السلام. وأرض الموعد حولها النصارى إلى الإيمان بالموعد أو الوعد، وهو الإيمان بالمسيح، أو أن الله سيرسل المسيح عليه السلام، فمن آمن به على ما يعتقدون فقد نال الموعد أو الوعد. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص1030.وقد استخدمها المصنف رحمه الله فيما يظهر على المعنى الذي يقصده اليهود، وهي المنطقة المتاخمة للجزيرة العربية من ناحية الشمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ثم إن هذه الجملة قد تضمنت دليلاً رمزياً آخر، لئلا تجهل العلامة، وأنه عربي بقوله: "ويصفر به"؛ يعني ينادى به، لأن في اللغة العبرانية يقول: ويصفر به، أي أن الله تعالى نادى به الناس كالصفير1، كعادة العرب لكونه صلى الله عليه وسلم عربياً، لأن العرب ينادون بالصفير عند كمائنهم وأغراضهم الخفية2. وقوله: "يأتي سريعاً بخفة، ليس (فيهم) تاعب ولا عائي، لا ينعس ولا ينام، ولا تنحل منطقة حِقْويه، ولا ينقطع سيرحذائه، سهامه حادة، وجميع قِسِيِّه موتورة".   1 في النسختين "كبالصفير" ولامعنى لها، وصوابها فيما يبدو ما أثبت. 2 قال في اللسان 4/2460 الصفير من الصوت بالدواب إذا سيقت، ولم أقف على أن العرب كانوا يتنادون بالصفير، إنما ورد في معنى قوله تعالى {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} الأنفال آية (35) ، أن المكاء هو الصفير، والتصدية هوالصفق. وروى مسلم في صحيحه 1/72 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم". والفدادين هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم ومواشيهم. انظراللسان 5/3363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فالحق أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجيوشه بخفة، وما كان في أعوانه تاعب*، ولا كان ينعس، بل إنه سهران في عبادة الله سبحانه وتعالى، و (نشر) دينه الشريف، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم الليل كله حتى ترم قدماه الشريفتان1، فأمره تعالى في القرآن العظيم شفقة عليه وحباً وتعظيماً له بقوله له {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} 2.   (*) حاشية: (اعلم أنّ الخفة وعدم التعب اللذين ذكرهما إشعيا في جيوش النبي صلى الله عليه وسلم هما برهانان قويان ظاهران، مشيران على الملائكة الذين كانوا يحاربون معه وعنه، كما خبرهم مشاع في القرآن الشريف في سورة الأنفال بألف، وفي سورة آل عمران بخمسة آلاف {لأنهم أي الملائكة ماكان يعتريهم ألم ولا تعب ولا عي، وسريع إتيانهم إلى مساعدة رسول اللهٍ} . هكذا قال في الحاشية، والذي أراه: أن ذلك لايقصد به الملائكة، لأن لهم صفات شهيرة، فلو كانوا هم المقصودين لوصفهم بها، والذي يظهر أن المقصود بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين ما تأخروا، ولا تقاعسوا عن غزوة أو وجهة يوجههم إليها نبيهم الكريم، بل كانوا يبادرون لطاعته في كل ما يأمرهم به بلا كلل ولا ملل، يدل على ذلك سيرتهم في بدر وأحد والخندق وتبوك، وغيرها. والله أعلم. 1 روى البخاري في التهجد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهقال: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً". صحيح البخاري مع الفتح 3/14. 2 المزمل آية (1-4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 و"لا انحلت منطقة حقويه"، يعني أن عزيمته نشيطة، و"غير منقطع سير حذائه"، يعني أن قدميه الكريمتين1 غير فاترة عن السعي بالخير والعبادة، و"سهامه حادة"، يعني بما أنه (لا يوجد) من يساويه ممن كان يضرب بالسهام من قبل الله لأعدائه المعاندين بتلك القسي الموتورة، ويؤكد2 هذه المعاني غلاقة3 القول، بأن "حوافر خيله مثل الصوان"، كما وصفت تلك الخيل في القرآن الشريف في قوله تعالى {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} 4. ثم إن ههنا إشعيا قد أظهر بنبوءته أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو المقول عنه هذه الأقوال وليس سواه، (لأن) عيسى عليه السلاملم تكن عنده خيل، وإنما نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الذي كانت تقدح حوافر خيله، مثل الصوان المطابق لقوله تعالى {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} . [ثم قال إشعيا "وبكراته" أي نوقه، مثل العاصفة. فلفظة نوقه هي أعظم دليل على المصطفى صلى الله عليه وسلم، من حيث أن عيسى ما كان عنده نوق ولاجمال، "وزئيره كالأسد، وكان يدرك الفريسة ويحوزها، وما كان أحد يتخلص منه"، ههنا سمى إشعيا] "زئيره كالأسد". وفي الإصحاح الحادي   1 في النسختين "أقدامه الكرام" وصوابها ما أثبت. 2 في النسختين "ويطابق" وصوابها ماأثبت. 3 يقصد خاتمة الكلام. 4 العاديات آية (1-2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 والعشرين قال: "فصرخ الأسد"1. ونعم هذا التشبيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان سلطان البشر، كما أن الأسد سلطان الحيوانات بالفروسية والشجاعة. وآخر الأدلة من إشعيا على نبينا صلى الله عليه وسلم: "يدوي عليه في ذلك اليوم دَوِيَّ البحر وينظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة ضيقة والنور اعتم بضبابها"2. وقد صدق الدليل الأخير على أن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم هو الذي كان ينادي؛ كان يزعق على الكفر كدَوِيّ البحر، وانتهره وزجره وروعه؛ أي الكفر، وهوالذي نظر إلى الأرض وإذا هي مظلمة بالكفر ضيقة، وبالحقيقة كانت الأرض مظلمة بالكفر عابدةللمخلوقات. وقوله: "والنور أظلم بضبابها" يعني أن نور الاعتقاد بالله الذي كان موجوداً على الأرض عند النصارى واليهود القدماء3 قد غطّاه ضباب الإلحاد والجحود حينما ضلّوا4 عما تسلموه من موسى وعيسى عليهما السلام، وهذا بالحقيقة هو النور الذي أظلم بضبابها، [أعني بالأمكنة المشرفة مثل مكة والقدس وغيرهما وهؤلاء أركان القدس] .   1 إشعيا 8:21، وفيه "ثم صرخ كأسد". 2 في. د "أركانها"، وفي. ن. ع5: 30 "والنور قد أظلم بسحبها". 3 في. د "يومئذ" بدل القدماء. 4 في. د "تاهو". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الشهادة السادسة إن متّى الإنجيلي قد كتب [عما] رمز به سيدنا عيسى عليه السلام في الإصحاح الحادي والعشرين بقوله: ذلك المثل بعدما قتل الفعلة أولئك العبيد المرسلين من عند صاحب الكرم حتى وابنه بالنية1 *. قال: "وإذا جاء رب الكرم ماذا يصنع بأولئك الفعلة؟ فقالوا له: الأرديا بالردى يهلكهم ويدفع الكرم إلى فعلة آخرين ليعطوه ثمرته. ثم قال أيضاً يسوع: أما قرأتم قط في الكتب أن الحجر الذي رذله2. البناؤون هذا صار رأساً   1 نص المثل كما أورده متى في 33:21 عن المسيح أنه قال لليهود "اسمعوا مثلاً آخر كان إنسان رب بيت غرس كرماً وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة، وبنى برجاً وسلمه إلى كرامين وسافر، ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذ أثماره، فأخذ الكرامون عبيده، وجلدوا بعضاً، وقتلوا بعضاً، ورجموا بعضاً، ثم أرسل أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين ففعلوا بهم كذلك، فأخيراً أرسل إليهم ابنه قائلاً: يهابون ابني، وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا: هذا هو الوارث هلم نقتله، ونأخذ ميراثه، فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه" وبقية النص ذكره المؤلف. وقوله هنا "حتى وابنه بالنية" يقصد أن ما ورد في المثل من أن الكرامين قتلوا ابنه، أن اليهود لما قصدوا قتل المسيح عليه السلام وسعوا في ذلك وصفهم بقتله لأنهم نووا ذلك وعزموا، وإن لم يكونوا في الحقيقة تمكنوا من فعل ذلك. (*) حاشية: (اعلم ولتأكيد أنه بالنية لا بالفعل، (أن وقت) قول سيدنا عيسى (هذا المثل) ما كان قتل على زعمهم، وهو ذكر أنهم أخرجوه خارج الكرم وقتلوه) . 2 في. ت "برزله"، وفي. د كما أثبت، وفي ن ع "رفضه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 للزاوية، من قبل الرب كانت هذه، وهي عجيبة في أعيننا، من أجل هذا أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لآخرين لأمة يصنعون ثمرته1، ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط عليه فإنه يطحنه". أقول: وبالحق إن سيدنا عيسىعليه السلامأعطى هذا المثال نبوءة منه، رامزاً به عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من دون شك، لأنه بعدما (ذكر) الكرم: الذي هو الشريعة الموسوية2، والفَعَلَة هم: بنو إسرائيل، وأن صاحب الكرم (أرسل) عبيده: الأنبياء عليهم السلام، الذين كانوا (يحضونهم) على عمل الثمار فكانوا، أي الفعلة يقتلونهم، أي عبيد رب الكرم عوضاً عن عملهم الصلاح3، وأكمل4 بابنه الذي كان بيده إتمام شريعة موسى، كما قال هو عن نفسه: "ما أتيت لكي أحل الشريعة لكن لأكملها"5، {وكملها بالفضل} ، فهو: أي عيسى عليه السلام بعدما ذكر هذه الأفعال6، وقرر   1 في النسختين "يصنعون ثمرتها"، وفي ن. ع "تعمل أثماره". 2 في النسختين "الموسائية" وصوابها ما أثبت. 3 في. د "الثمار". 4 في النسختين "وأطبق" ولامعنى لها، وصوابها ما أثبت. 5 متى 17:5. 6 في النسختين "المفاعيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 لهم شريعته الفضلية ولم (يقبلوها منه) 1، لا بل إنهم كانوا (قدهموا) بقتله لولا (أن الله تعالى) رفعه إليه، وحوارييه عليهم السلام كانوا (مجتهدين) 2 بتنفيذها، ولأجل ذلك كانوا يحاربون ويقتلون وتزور كتبهم3، ويترك أكثرها ويقل زمان حسنها4. أفاد عليه السلام إذ قال – (لتأكيد) العبارة ـ: "فاذا جاء رب الكرم ماذا يفعل بأولئك الفعلة؟ فأجابوه: الأرديا بالردى يهلكهم، ويدفع الكرم إلى فعلة آخرين، ليعطوه ثمرته في حينها". هنا انكشف مجيئ صاحب الكرم، وأنه يهلكهم*. وظهر أيضاً أن   1 في النسختين "ولم تأخذ مفعولها منهم" وفصاحتها ما أثبت. 2 في النسختين "مهمين" وفصاحتها ما أثبت. 3 في. د حاشية ليست في. ت وهي (اعلم أنك إن أردت أن تعرف البينة من كتب النصارى أين وجد مشاراً بالتحريف في كتبهم ذاتها، فعليك بمطالعة كتب مؤرخيهم، وفي رسالة بولس إلى أهل قرينته الإصحاح الثاني والعدد السابع عشر، وفي رسالة بطرس الثانية الجامعة الإصحاح الثالث العدد السادس عشر، ثم إذا أردت أن تعرف أين وجد ذكر أناجيل غير الأربعة الموجودة الآن وقد اختفت، فعليك بمراجعة إنجيل لوقا الإصحاح الأول العدد الأول، فإنك تجد المطلوب الذي قاله المؤلف رحمه الله تعالى، عدا الشكوك اللاحقة المحررة في الباب الخامس التي تؤكد ذلك التحريف) . 4 لم أستطع فهم مراد المصنف الأخير، إلا أن يقصد (وتهجر كتبهم حتى تضيع وتصبح غير مقبولة) . (*) حاشية: (اعلم أنّ معنى الهلاك الذي ذكره عيسى ههنا هو نفس الاستئصال الذي ذكره موسى، إذ إن موسى في الشهادة الأولى قال: كل نفس لا تسمع لذاك النبي وتطيعه تستأصل تلك النفس من شعبها أي تهلك، وههنا عيسى قد كشف هذا الهلاك وفي أي زمان بقوله: إذا جاء رب الكرم فإنه يهلكهم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 صاحب الكرم الموعود به من عيسى، هو غير عيسى الواعد به، ومن المحقق أنه من بعد مجئ عيسى عليه السلام ما جاء غير نبينا صلى الله عليه وسلم صاحب الشريعة الغرّاء. ومن قوله: "إذا جاء" أن المسيح يقصد شخصاً آخر غير شخصه، ومجيئه مستقبلاً، وحيث إن الله تعالى بحسب ذاته العلية لا ينتقل من مكان إلى مكان من كونه حاضراً في كل مكان1، فلزم أن يكون المجيئ [المقول   1 قول المصنف "إن الله لا ينتقل من مكان ... إلخ" يحتاج إلى تعليق وتقييد، فإنه قد ثبت بالأدلة الشرعية أن الله تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فقد روى البخاريأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا". انظر البخاري مع الفتح 3/35 كتاب التهجد. كما ورد في القرآن الكريم إتيانه يوم القيامة ومجيئه، وفي ذلك يقول جل وعلا {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} (البقرة 210) ، وقال {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر22) . فهذه الأدلة تدل على أن الله يأتي ويجيء وينزل، فإذا قصد المصنف نفي مثل ذلك بقوله السابق فقوله خطأ، وإذا قصد غير ذلك فإن الأولى التوقف وعدم نفي شيء إلا بدليله الشرعي، حتى لانكون متقولين على الله عز وجل ما لاعلم لنا به، وقد قال جل وعلا {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء (36) . أما قوله "من كونه حاضراً في كل مكان" فإن قصد بعلمه وسمعه وبصره وتدبيره فهو حق، وإن قصد بأن الله بذاته في كل مكان، فهو باطل غير صحيح، لأن الدليل دل على أن الله فوق سماواته على عرشه. قال جل وعلا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عنه] من عيسى: " إذا جاء رب الكرم"، يقصد به رسوله وحبيبه محمداًصلى الله عليه وسلم 1، أعظم الرسل من الله سبحانه {ويشهد بمثل ذلك القرآن الشريف بقوله في سورة (الفتح) {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} 2، وسمي رب الكرم على وجه الاستعارة للمسند إليه، لأن له أُعطيت الأحكام والشريعة،   1 قوله "رسوله وحبيبه". لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب الله تعالى، فإن الله يحب ويُحَب، كما قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه} آل عمران (31) ، وقال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} البقرة (165) . ومرتبة المحبة حسب ما ورد في الشرع تحصل لأفراد المؤمنين، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم خصوصية بها، إنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بمرتبة أعلى منها، وهي مرتبة الخلة، كما قال عليه الصلاة والسلام "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً ولكن صاحبكم خليل الله". أخرجه م. في فضائل الصحابة،4/1855. قال في الفتح 7/23: "والخلة أرفع رتبة من المحبة"، وقال في اللسان 2/1252: "الخليل الذي أصفى المودة وأصحها". وأصحاب التصوف والكلام يرون: أن المحبة أرفع من الخلة. انظر: الشفا،1/284. ولا شك أن ذلك خلاف ما دل عليه الحديث السابق، فقد أبى عليه الصلاة والسلام أن يصف أبا بكر بالخلة، مع أنه وصفه بالمحبة، كما في حديث عمرو بن العاص، أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها". أخرجه. م في فضائل الصحابة 4/1856. 2 الفتح 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وقد تأخر مجيئه حتى يكمل شر اليهود بقتلهم التابعين لعيسى، بل (وكذلك) الكافرين وغيرهم، من الذين غلوا بعيسى عليه السلام، حتى إنهم تجاوزوا به حدّه (وجعلوه) إلهاً، فلما جاء صلى الله عليه وسلم، بعد سيدنا عيسى عليه السلام كان الله تعالى معه معاضداً ومساعداً، لكونه له رسولاً ونذيراً، لأنهعليه السلام أهلك الأرديا {الذين أشار عنهم عيسى} ، وأما سيدنا عيسى فما جاء مرة أخرى حتى يستدل عليه به، ولا غيره أتى بعده وأهلك الأرديا، الذين أشار عنهم هو، و"دفع الكَرْم"، أي: الشريعة، إلى خلافهم، (وإنما) الذي جاء وأهلك الأرديا هو نبينا الكامل صلى الله عليه وسلم * وأن الذين عملوا (مفاسد) من عهد عيسى [وماتوا من العصاة إلى زمان نبينا كثيرون] ، وأما سيدنا عيسى فلم يقصدهم ولا كانوا كالمرسلين1، بل إنه قصد رجلاً رب كرم، يدفع الكَرْم إلى فعلة آخرين،   (*) حاشية: (اعلموا أنه قد يتوهم بعض من علماء النصارى ويقولون: إن هذا المجئ هو متعلق بعيسى وإنه سوف يأتي بالقيامة. والحال أن القيامة (إذا قامت يكون) زمان الأعمال والشريعة قد مضى وانتهى وليس يوجد أعمال وشرائع (يؤديها) البشر وهنا عيسى عليه السلام يقول: ويدفع الكرم إلى فعلة آخرين ليعطوه ثمرته. فيظهر من قوله هذا أنه يوجد بعد مجئ رب الكرم الذي وعد فيه عيسى زمان (فيه) أعمال وثمار ترجى من البشر، وهي هذه التي ابتدت من حين ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نزع الملكوت، وأعطاها لأمته الشريفة حتى يثمروا، كما تنبأ عنهم ههنا عيسى عليه السلام. وقد اختلف نص الحاشية في. د قليلاً عما هو في. ت. 1 هكذا في النسختين ولم يتبين لي مراده منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أعني دفع الكرم الذي هو الشريعة الطاهرة إلى آخرين، الذين هم (ذرية) إسماعيل عوضاً عن بني إسحاق ويعقوب1 عليهم السلام، الذين كانت الشريعة عندهم، وحواريي سيدنا عيسى هم (من نسلهم) ، وأما الفعلة الآخرون هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لمطابقة قوله: "إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة لكي يصنعوا ثمرتها"، ولم يقل ههنا لأمم، بل قال: لأمة، لكونه (قصد هنا) الأمة الإسماعيلية، التي أخذت البركة قبل إسحاق عليه السلام2، التي إمامها ونبيها هو محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنها3 تنبث إلى غيرها*. فمن هنا يتضح أن الجملتين أعني قوله: "ويدفع الكرم إلى فعلة آخرين"، وقوله إذ سمى الكَرْم "ملكوت"، وأنه ينزع منكم ويعطى لأمة يصنعون ثمرته، هما مقولتان من عيسى عليه السلام على نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته   1 في. د "عوضاً عن بني إسرائيل". 2 جاء في. د حاشية ليست في. ت ونصها "لاحظ هذه البركة التي لإسماعيل في سفر التكوين في الإصحاح السادس عشر والسابع عشر، التي ما أخذت مفعولها إلا في ذات شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". وهي قريبة من معنى الحاشية الآتية الواردة في. ت. 3 في. ت "تنبت"، وفي. د "من تنبث"، ويبدو أن صوابها ما أثبت ويكون معناها: من ذرية إسماعيل تنتشر البركة على باقي الأمم. (*) حاشية: (اعلم أنّ البركة المقولة من الله سبحانه في سفر التكوين إلى سيدنا إبراهيم المتعلقة في إسماعيل لم (تتحقق) إلا في المصطفى صلى الله عليه وسلم وسليله، التي صدقت عليه هذه البركة مع كل علايمها وعليك في مراجعتها) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الطاهرة، وليس على غيره، ولكي يتأكد أن [هذا] الإعطاء هو لهذه الأمة؛ أضاف إلى ذلك إشعاره بحقارتها من نسب الحجر لها، إذ قد شبهها بحجر مهمل*. [والحق أن (ذرية إسماعيل كانوا) عند بني إسرائيل كحجر مهمل ومرذول عند البنائين، لأن (ذرية إسماعيل كانت متناسلة من أمة، وأبناؤه عند) 1 اخوته إسحاق ويعقوب وخلفه كحجر مرذول عند البنائين] 2. ولهذا أورده سيدنا عيسى بهذا القول الذي تنبأ عنه داود سابقاً إذ قال: "الحجر الذي رذله البناؤون هذا صار رأساً للزاوية" 3. أعني أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو الحجر الذي كان ثميناً وكريماً في طبيعته، إلا أنه كان عربياً4 غريباً عن بني إسرائيل، وكان غير معدود مع الحجارة الذين هم خلف إسحاق ويعقوب. (*) حاشية: ليست في. ت "اعلم أن بطرس أحد حواري سيدنا عيسى عليه السلام نظراً (لشدة محبته) لعيسى عليه السلام سماه حجراً، إذ إن التسمية بالحجر مفرداً هي صفة محمودة".   1 في. ت العبارة هكذا "إسماعيل وذريته كان متناسلاً من لدمه وبناته مع اخوته"، وفي. د "إسماعيل وذريته كان كتناسلاً من لضمه وبناته مع اخوته". ولامعنى لها ظاهر، وكتبتها حسب مافهمت من النص. 2 ما بين االقوسين جعله حاشية في نسخة. ت وهو ضمن المتن في. د ويبدو أن الصواب ما في نسخة. د لارتباط الكلام واستقامته. 3 المزامير 22:118. 4 في النسختين "أعرابياً" وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فهذا هو المصطفى المكرم الذي اختاره الله سبحانه أن يكون رأساً للزاوية، لأن [الزاوية من جملة أشكالها] الشكل المثلث للرؤوس المتساوية الجهات، ومعناه أن عيسى وموسى هما رأسان للزاوية شهيران، وحبيبه المصطفىصلى الله عليه وسلم هو الرأس الثالث لهذه الزاوية المشار إليها من عيسى في هذه العبارة، التي هي قوله: "وهذا صار رأساً للزاوية"، لمطابقة كلام النبي داود الذي أوردناه آنفاً. وأقول أيضاً إن عيسى عليه السلام دُعي من إشعيا: "حجر زاوية"1 كما تراه مصوراً أمامك:- ... محمد صلى الله عليه وسلم ... موسى عليه السلام ... عيسى عليه السلام وأشار عنه2 إشارة أخرى غير الإشارة التي أشارها {داود} وعيسى عليهما السلام عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه أي عيسى ممتحناً وكريماً وأساساً مطروحاً في صهيون"3، ولم يقل عنه مثلما قيل من داود وعيسى عن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأنه "الحجر الذي رذله البناؤون هذا صار رأساً للزاوية". فإذاً قد وضح أن سيدينا عيسى ومحمداً عليهما السلام هما رأسان للزاوية متميزان.   1 إشعيا 16:28. 2 أي إشعيا. 3 إشعيا 16:28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فعيسى عليه السلام قد تميز من إشعيا إذ وصفه بأنه أساسٌ للزاوية، بمعنى أنه متقدم في الزمان كالبناء، لأن الأساس يتقدم الرأس. ومحمد رسولنا صلى الله عليه وسلم قد تميز، إذ إنه وصف من داود وعيسى عليهما السلام بأنه رأس للزاوية، بمعنى أنه متأخر في الزمان كالخاتمة. وذاك في صهيون وكريم وممتحن. وهذا مرذول عند البنّائين، وعجيب في أعيننا. وقول عيسى ههنا عن الحجر (الممثل به عن) 1 المصطفىصلى الله عليه وسلم، "وأنه عجيب" يطابق قول إشعيا عنه صلى الله عليه وسلم أن اسمه عجيب، وسوف ترى شرح ذلك في الشهادة التي تتلو هذه. وفي هذه الشهادة نكمل الشرح ونقول: إن عيسى عليه السلام قال: "إن من قبل الرب كانت هذه وهو عجيب في أعيننا". فهاهنا أوضح سيدنا عيسى أن نبينا المختارصلى الله عليه وسلم هو رسول الله، ووارد من قبله تعالى حقاً وصدقاً لقوله: "هذا كان من قبل الرب". وبين أيضاً أنه عجيب في أعيننا، فلو كان هذا الكلام (الذي تنبأ به) داود (وكرره) عيسى عليهما السلام مقصوداً به عيسى عليه السلام، كما (ظنّه) النصارى (المتأخرون) ، لكان واجب [على سيدنا عيسى عندما كرر تلاوته] أن يقول: إنه عجيب في أعينكم، لا أن يقول: إنه عجيب في   1 في النسختين "المشبه بالمصطفى" وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أعيننا، لأن قوله: عجيب في أعيننا، قد أوضح أنه يقول عن سيد الأنام إنه عجيب في عينيّ أنا عيسى أيضاً، كما هو عجيب في أعينكم. وخاتمة الشهادة هي قوله: "من سقط على هذا الحجر يترضض ومن يسقط عليه يطحنه"، وهذا هو الدليل الأخير*. (الظاهرة عبارته جداً، أعني نبينا صلى الله عليه وسلم هو المشبه بالحجر الذي رض وطحن المخالفين لدينه السامي دون غيره) .   (*) حاشية: (اعلم أنّ لفظة هذا [هو الدليل الأخير المقيد] باسم الإشارة في قوله: "وهذا الحجر"، وأنه يطحن ويرضض، يستفاد منه أنه مقول عن شخص آخر غير شخص عيسى (القائل الكلام) ،لأن عيسى عليه السلام لا طحن ولا رض، ولا يجوز عند علماء [القراماتيك باليوناني أي علماء النحو والصرف] أن يعود اسم الإشارة عليه، لكونه هو المتكلم به، [أي أن عيسى هو المتكلم به فلا يجوز أن يعود عليه الضمير] ، {بل إنه ينطبق على شخص غير عيسى، لأن عيسى هو المتكلم به، والمشار إليه هو سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم} ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الشهادة السابعة إن النبي زكريا1 يقول في الإصحاح الثامن عبارة (دالة دلالة واضحة) 2 على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى صحابته العشرة الكرام رضي الله عنهم: كرآمار ياهواه صيباوت ((هكذا يقول الله رب الجنود)) فيايله هاهيما اشير عسوة اناسيم ((في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال)) ماكول لوشونوت هكوييم ((من كل ألسنة الشعوب)) واها حازيقي بختان ايش يااودي   1 في النسختين النبي زكريا، والمقصود به زكريا بن برخيا بن عدو، ويعده اليهود والنصارى من الأنبياء وينسبون إليه أحد الأسفار الموجودة في العهد القديم. انظر معجم الحضارات ص442، وليس هو النبي زكريا والد يحي عليهما السلام، المذكور في سورة آل عمران ومريم، لأن الأول كان في حدود 520ق. م، أما الأخير فهو في الزمن قبيل المسيح عليه السلام، لأنه كان قد كفل مريم أم المسيح عليه السلام، والأول لم يثبت عندنا نبوته، فالأولى التوقف في ذلك. 2 في النسختين كلية الوضوح وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ((ويتمسكون بذيل رجل حميد 1)) 2. ليامور تيلا خا عماخيم ((ويقولون لنذهب معك)) كه شامسنو ألوهيم عماخيم ((لأننا سمعنا أن الله معك)) 3*. أقول: إن هذه الشهادة التي رقمناها العبراني (بالحبر الأحمر والعربي بالحبر الأسود) حذراً من التزوير، تبين لنا بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو الموضوع الوحيد، (والمؤكد إطلاق) هذه الشهادة عليه من كل جهاته،   1 في ن. ع في تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم، يتمسكون بذيل رجل يهودي، قائلين: نذهب معكم، لأننا سمعنا أن الله معكم. زكريا 23:8. 2 في ت. زيادة يعني أبو حميد ولا معنى لها. 3 اختلف نص هذه النبوءة العبرية في نسخة. د عنه في نسخة. ت بتقديم وتأخير واختلاف في بعض العبارات. * حاشية: اعلم أنّ لفظة عماخيم ولفظة ألوهيم في العبراني: هما مقولتان بصيغة الجمع وأيضاً للتفخيم حينما تطلق على المفرد، ومن القرائن يعلم ذلك، فأما لفظة عماخيم المقولة في هذه الشهادة فمن قرينتها التي هي قوله: تبعوا رجلاً، يستدل على أنها مقولة للفرد على وجه التفخيم، كما في العربي أيضاً يجوز ذلك، وأما لفظة ألوهيم لايوجد لها مثال في العربي على الاطلاق، بل هو اصطلاح اللغة العبرانية فقط [وهي معلوم عند اليهود] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 لأنه أي زكريا قد أفصح بكلامه في هذه النبوءة عن الصحابة الكرام وأن عددهم عشرة، وأنهم من ألسنة ووجوه الشعوب أصحاب القول1، وليسوا من سفاسفها، وأنهم شعوبيون من الأمم، وليسو من اليهود، وعن اسم النبي الكريم ذاته، إذ قال: ((هكذا يقول الله رب الأجناد في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال من كل ألسنة الشعوب)) . أقول: يا ترى من هم هؤلاء العشرة رجال، الذين وجدوا في العالم، وتبعوا رجلاً، وكانوا هم وهو مشهورين سوى هؤلاء العشرة الصحابة الكرام الأقمار العظام2، الذين كان نورهم مستفاداً من نور   1 يقصد ذوي مكانة عند أهلهم وعشيرتهم. 2 الصحابة: جمع صحابيّ، والصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، سواء طالت صحبته أو قصرت. روى الخطيب في الكفاية ص99 بسنده عن الإمام أحمد أنه قال بعد أن ذكر أهل بدر: ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذين بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ماصحبه. كما روي عن البخاري أنه قال: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه فهو من أصحابه. والذين يعدون من الصحابة عدد كبير لا يعلم إحصاءهم إلا الله تعالى، وقد سئل أبو زرعة الرازي عن عدد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعاً أو رؤية؟ فقال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية. وقد ترجم ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الاستيعاب لـ3625 إنساناً منهم، مابين رجل وامرأة، وقد زاد عليه ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة في أسماء الصحابة، حيث ترجم لـ 10735 رجلاً منهم و1545امرأة، وكان رحمه الله قد قال في أول كتابه 1/4 فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا يقصد هو ومن سبقه من العلماء من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة. ولعل مراد المصنف رحمه الله بـ العشرة الصحابة الكرام العشرة المبشرون بالجنة، وهم كما روي عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". السنة لابن أبي عاصم 2/605. فهؤلاء العشرة هم أفضل الصحابة كما قال شارح الطحاوية رحمه الله ص 488 بعد أن ذكر فضائل هؤلاء العشرة. وقد اتفق أهل السنة على تعظيم هؤلاء العشرة وتقديمهم، لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم. فلعل مراد المصنف بقوله السابق هؤلاء العشرة من الصحابة، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 شمس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتمسكوا به وذهبوا معه ونادوه بلسان حالهم؛ فلنذهب معك يارسول الله، لأننا علمنا أن الله معك1. فهذا المعنى مكشوف وظاهر من عين ذاته ومطابق للنبوءة جداً، من كون أن زكريا تنبأ عن ظهور عشرة رجال يتمسكون بذيل رجل، والصحابة كانوا عشرة في العدد، وتبعوا نبينا محمداً (صلى الله عليه وسلم) ، واعترفوا بأن الله [تعالى] معه، وهؤلاء ما وجد غيرهم من عهد آدم إلى الآن، ولا سُمع   1 في. د حاشية هنا ليست في. ت وهي قوله: اعلم أن هذه الشهادة كلما قرئت من النصارى مع ضعف ترجمتها كنت أرى أكثرهم منقسمين الأفكار فيها، ويخط في ذهن أذكيائهم عنها بأنها مشيرة على المصطفى المختار، لكون صحابته مشهورين عندهم، وأن عددهم عشرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 بأن عشرة رجال تمسكوا في ذيل رجل وتبعوه سوى أولئك العشرة من الصحابةرضي الله عنهم. وبلا شك أن هذه الشهادة هي منطبقة عليهم على كل حال. وأما قوله عن العشرة رجال: إنهم يتجمعون من كل ألسنة الشعوب: أقول: إن الشعوب هم القبائل الخارجون عن بني إسرائيل، لأنه إلى هذا الزمان يسمون عند اليهود ((هكوييم)) (أي الشعوبيين الأممين) ، وأما ألسنة الشعوب، فهم المتكلمون في الشعوب، أصحاب القول وذوي الرأي السديد، كما جاء معنى ((لوشونوت)) في القاموس العبراني الذي يسمى ((شوراشيم)) . وأما قوله عن العشرة رجال يتمسكون بذيل رجل [اسمه] 1 حَمِيد: فلفظة حميد هي: اسم نبينا محمد، وهي في العبراني على وزن فَعِيل، وهذا الفعل بهذا الوزن يقصد فيه (معنيين: اسم فاعل، واسم مفعول) 2، أي أنه يشتق من اسم حميد اسمان: اسم حامد واسم محمود. وهذه المشتقات هي من أسمائه الشريفة، لأنه أي المصطفى كان يسمى   1 وردت بعد هذه اللفظة في نسخة. د حاشية، هي الحاشية الواردة بعد قليل، مع تقديم وتأخير في الكلمات. 2 ما بين القوسين في النسختين هكذا محل نائبين نائب فاعل ونائب مفعول وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 في زمان (صباه) 1: حميداً2، وذلك للتنويع، كما تنبأ عنه زكريا مع تسميته ((أحمد محمداً)) ، وذلك بوجه التفضيل والمبالغة، كقولك عن الكبير أكبر، وعن الحميد أحمد، وبالحق إنه حميد، لأن الله تعالى قد سبق وهيأ له هذا الاسم الكريم، الذي هو من جملة أسمائه تعالى السنية *. وحيث إن هذا الاسم الشريف هو مكتوب من زكريا باللغة العبرانية، ومضمونه عن النبي الهادي، [فكان] علماء اليهود يترجمونه بلفظه العبراني، ويقرأونه عبراني في اللغة العربية معرباً [كلفظة إبراهيم وإسحاق وباقي الأسماء الغريبة، ويسمى علم أعجمي] ، ويشرحون معناه على ما هو عليه في الاصطلاح النسبي، لا على ما هو عليه من أصول اللغة العبرانية إذا ترجمت إلى أصول اللغة العربية، بل كانوا يبقونه بلفظه العبراني، وكذا قد ترجمت هذه اللفظة إلى اليوناني واللاّتيني وغيرهما من اللغات بلفظها العبراني كما إلى العربي. فالنصارى الذين ترجمت إلى لغاتهم هذه الكلمة بلفظها العبراني، كانوا يفهمونها عن اليهود مثل اليهود، على ما هي عليه بالاصطلاح   1 في النسختين صبوته ولامعنى لها وصوابها ما أثبت. 2 لم أقف على من ذكر هذا، وإذا كان النص كما ذكر المصنف يتمسكون بذيل رجل حميد، فيكون اسم حميد وصفاً لرجل، وذلك سواء كان معناه رجل حامد أو رجل محمود، فكل ذلك ينطبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد ومحمد. * حاشية: اعلم أنّ لفظة اسم حميد هو من جملة أسماء الله، وفي هذه الجملة على موجب اللغة العبرانية لها محذوف مقدر أي اسمه أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 النسبي، لا على ما هي عليه من أصول اللغة العبرانية كما قررنا، ولا أدركوا من أين اشتقت هذه الكلمة، وأنها اسم لنبينا الأعظم، حتى أني أنا الفقير أيضاً كنت قرأتها جملة سنين وأتسلمها وأفهمها، كما يفهمها اليهود والنصارى لحد الآن على موجب الاصطلاح النسبي، لا على أصول اللغة العبرانية المنزلة فيها، بحيث إنها لا تقبل الوجهين إلا بمفردها لا بقرائنها1. ولما حصلت2 على كتب قواعد اللغة العبرانية التي كانت معدومة عند النصارى المتقدمين عنا في الزمان، ووجودها نادر أيضاً عند اليهود، بسبب أن المطابع لم تكن وجدت بعد، وقفت على هذه الأصول السنية عن جملة علماء من علماء الكتابين، وفهمت معنى هذه اللفظة، وأنها تقبل الوجهين إذا كانت بمفردها*. (عدا أن في جميع النسخ السريانية قد وجد عوض هذا، أي عوض لفظة ((يااودي)) لفظة ((يهوذا)) ، وهذه أعني:   1 في. د لايقرائتها. 2 في. ت ولاحصلت. * حاشية: اعلم أنّ معنى كلام المؤلف أنه وجدت هذه اللفظة أي يااودي في هذه الجملة، فلا عادت تقبل إلا الوجه الواحد وهو حميد، وذلك استناداً على القرائن المطابقة عليها. وقد اختلف نص الحاشية في. د كما يلي اعلم أن قوله أنها تقبل الوجهين إذا كانت بمفردها، أي إنها تقبل أن تترجم ياأودي كمثل باقي الأسماء المفردة تعريب، كما مر من كلام المؤلف كإبراهيم وإسحاق، وتقبل أيضاً أن تترجم حميد، ولكن في هذه الجملة المقولة من زكريا من حيث وجود القرائن المتعلقة فيها فما عادت تقبل إلا الوجه الواحد هو حميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 لفظة يهوذا، إذا ترجمت إلى اللغة العربية حرفاً بحرف هي أحمد1، وهو اسم نبينا الشهير والعلم، وقد نقل بالتأكيد أن زكريا كتب نبوءته التي فيها هذه الشهادة بالسرياني لما كان مسبياً في بابل2. وبهذا الوجه لا حاجة إلى شهود) . (وهذه الشهادة إذا فهمها أحدهم مصادفة) كنت (أراه) يفكر في أيما نبي من الأنبياء (قصد) بها، مع أنها اسم لنبينا المصطفى، وذلك لأنه لا يعرف إلا اسم نبينا الذي هو أحمد أو محمد فقط على ظاهر الأمر، ولم يدرك أن أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم محمد أو أحمد هما مشتقان من اسم حميد، وأن اسم حميد هو نفس اسم أحمد. و (بسبب) هذه الوجوه المشروحة، مع خبث بعض حاخاميم اليهود قد بقي اسم نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم مخبأً تحت هذه الستور، والذي يريد أن يحقق ذلك فليراجع هذه اللفظة في القاموس العبراني المسمى ((شوراش)) ، وفي كتاب الصرف والنحو المسمى عندهم ((دودوق)) في تصاريف اسم يهوذا واشتقاقاته، وليزيل عنه ظلمة   1 هكذا قال في القاموس: يهوذا اسم عبري معناه حمد. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 1085. 2 قال في القاموس: وقد تنبأ زكريا في الشهر الثامن من السنة الثانية لداريوس الملك الفارسي، وذلك في غضون المدة التي أذن فيها لرجال يهوذا أن يرجعوا من سبي بابل. قاموس الكتاب المقدس ص 428. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الغشاوة*، وليعلم أن هذه النبوءة هي منطبقة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم (من أربعة أوجه) :ـ أولاً: من عدد صحابته العشرة الكرام [رضي الله تعالى عنهم] . ثانياً: أنهم كانوا من الأمم ((هكوييم)) ، وليس هم من بني إسرائيل. ثالثاً: (أنهم) كانوا من ألسنة ووجوه الشعوب، وليس هم صيادي سمك. رابعاً: إن الذي تبعوه كان اسمه حميداً أحمد، وهو النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فعيسى عليه السلام ماكان اسمه حميداً أحمد، والذين تبعوه كانوا صيادي سمك فقراء، [وليسو من ألسنة الناس، ووجوه الشعوب، وكانوا يهودا] ، وليسو هم من الأمم شعوبيين، وكان عددهم اثني عشر نفراً، وليسو عشرة، كما تنبأ عنهم زكريا، وبهذا كفاية، لأن التعويل على شهادة   * حاشية: في. د وليست في. ت وهي اعلم أيها المطالع لهذه الشهادة الجوهرية الفريدة، أنه وجد في التوراة بخط اليد قديمة التاريخ باللغة السريانية، وبالأصح هي التي كتب النبي زكريا بنبواته فيها لما كان في بابل بالسبي، مكتوباً بصراحة عوضاً عن لفظة يا أودي الموجودة في اللغة العبرانية، التي استخدمها المؤلف رحمه الله ومبدلة بلفظة يهوذا، ولفظة يهوذا هي بالعربي أحمد، وهو اسم نبينا العلم الظاهر، ولايلزم شرح لذلك، لأن القرآن الشريف في سورة الصف يقول: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} . فلا حاجة بنا لشهود من بعد هذه الشهادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 الحال، أي الشئ المنظور الواقع هو (المساعد الأكبر على تحقيق) شهادة المقال، وهذه الشهادة هي المطابقة لقوله تعالى في سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيل} 1 وقوله تعالى أيضاً عن أن عيسى عليه السلام قال: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} 2. ثم مرادي الآن أن أسمي هذه الشهادة (التوأم) 3، بإضافتي لها شهادة أخرى تجانسها من إشعيا النبي. أقول: إن إشعيا قد قال في الإصحاح التاسع في العدد السادس: كه يلد بلاد لانوبين نتان. ((إن ولداً انولد لنا، ابناً انعطى لنا)) . ويتهى هم اسراه على شيخيمو رنيتاراسيموبيله. ((وتكون سيادته على كتفه*، ويدعى اسمه عجيباً)) . يوعموايل فبورا باعاد سار شلوم. ((طايقاً جباراً، أبا الأخير سيد سلام)) .   1 الأعراف آية 37. 2 الصف آية 6. 3 في النسختين قال: التومية، فلعله يقصد التوأم كما أثبت. والله أعلم. * حاشية: إن في العبراني هذه الجملة لها محذوف مقدر، وهو لفظة علامة، أي وتكون علامة سيادته على كتفه. وهذه الحاشية ليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ليماريه هم سراه ولشلوم ابن قيس. ((ليكثر سلطانه ولسلام ليس قياس)) . علكسه دافيد وعلى مملكته ليهاحيم. ((على كرسي داود وعلى مملكته يجلس)) . اوتاه ولساعداه به شناط وبمصداقاه. ((يرتبها وليساعدها بالعدل وبالصدقة التي هي الفضل)) والحقيقة أن هذه الشهادة يرى العقل السليم أن فيها مطابقة كلية على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء، إذ إن إشعيا يقول فيها: أولاً: إنه قد انولد لنا ولد، وأن سيادته على كتفه، فنبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الذي كانت سيادته على كتفه، متعلقة في ذراعه وسيفه، ولم يأخذها بالميراث، وذراعه وسيفه هما متعلقان في كتفه وفي فروسيته2، كما أخبر عنه إشعيا. [هذا على وجه المجاز، وأما على وجه الحقيقة، فنبينا   1 في ن. ع ورد النص هكذا لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً إلها قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود، وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد. 2 سبق حديث ابن عمر رضي الله عنه وفيه وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري. انظر الشهادة الرابعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 صلى الله عليه وسلم كان على كتفه علامة، وهي شامة كبيرة شهيرة1 و (مكشوفة) 2. ولا يلزم لها برهان، لكونها شائعة وصلت إلينا بالتواتر وسطرت في أخباره الشريفة، واسمها ختم النبوة، أي علامة] وثانياً: يقول إشعيا إنه ((يدعى اسمه عجيباً)) ، [ولفظة العجيب هي من جملة أسمائه الشريفة] ، (لأنه مامن أحد من الأنبياء سلفاً، ولا من جميع بني إسرائيل تسمى باسمه الشريف، أي أنه تسمى أحمد، محمداً، حميداً، محموداً، والعجب الأخير أيضاً من كونه من سلالة إسماعيل العربي، الذي ماقام منهم سواه واحداً وحيداً) . وعدا ذلك أن لفظة ((عجيباً)) قد وجدت في التوراة اليونانية ((رسولاً)) 3، ولفظة ((رسول)) يستحقها أيضاً، لأنها هي الاسم (الغالب)   1 روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "رأيت خاتماً في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام"، وعن السائب بن يزيد قال: "ذهبت بي خالتي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت: يارسول الله: إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة". صحيح مسلم، الفضائل 4/1823. وزر الحجلة: هو بيت كالقبة لها إزرار كبار عري، وقيل: الحجلة الطائر، وزر الحجلة يعني بيضه. انظر هامش صحيح مسلم 4/1823. 2 وردت في النص مكتوبة وصوابها ما أثبت. 3 في نسخة الملك جيمس الطبعة الإنجليزية: and his name shall be called wonderful وترجمتها وسوف يدعى اسمه عجيباً، وفي New American Bible مثله، حيث قال They name him wonder، وتعني يسمونه عجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 عليه، والشهير به، والمختص به دون غيره من الأنبياء، ومكرراً عليه كرات عديدة كلفظ نبي1، ثم أيضاً سماه إشعيا ((مشاوراً)) ، وذلك مطابق لما سماه الله تعالى في القرآن الشريف بقوله له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْر} 2 فهو مشاور، ثم دعاه إشعيا أيضاً ((جباراً طايقاً)) ، وهذه الأسماء مع ما تقدمها هي من أسمائه الشريفة، وقد تجدها حرفياً في كتاب ((دلائل الخيرات)) 3 مجمعة من الكتاب والسنة.   1 وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بـ الرسول، ورسول ورد في القرآن الكريم خمساً وسبعين مرة، أما وصفه بالنبي فقد وردت خمساً وثلاثين مرة. 2 آل عمران آية 159. 3 يقصد الأسماء أحمد ومحمد وحميد، التي تعني حامد ومحمود ورسول، فكلها موجودة في كتاب دلائل الخيرات. انظر من ص 37-49. وكذلك اسم جبار، إلا أن اسم جبار لا أعرف له مستنداً شرعياً ينص عليه، بل قد نفاه الله تعالى عن نبيه، كما قال تعالى {وما أنت عليهم بجبار} ق 45. قال القرطبي: أي بمسلط تجبرهم على الإسلام. إلا إن قصد في معناها شدته على أهل الكفر والضلالة، وهذا يفهم من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} التوبة9، وكذلك قوله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح 29، أو قصد بها شجاعته عليه الصلاة والسلام، فقد كان كما قال ابن عمر رضي الله عنهما ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الدارمي في سننه،1/33. وقد ذكر هذا الاسم للنبي صلى الله عليه وسلم القاضي عياض في الشفا،1/327، واستند في ذلك على ما ورد في كتاب داود، ويقصد به المزامير، وأنه ورد فيه تقلد أيها الجبار سيفك. وقال: معناه في حق النبي صلى الله عليه وسلم، إما لإصلاحه الأمة بالهداية والتعليم، أو لقهره أعدائه، أو لعلو منزلته على البشر، وعظيم خطره. أما قوله طايق فإن قصد بها القوة، فإن صاحب دلائل الخيرات قد ذكرها ص45، وقد كان عليه الصلاة والسلام موصوفاً بالقوة الجسمانية، فقد ذكر ابن هشام،2/28: "أن ركانة بن عبد يزيد كان من رجالات قريش، خلا بالنبي صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فقال: إني لو أعلم الذي تقول حقاً لاتبعتك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حقاً؟ قال: نعم، فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، حتى لا يملك من أمره شيئاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وثالثاً: أن إشعيا قد قال عنه بأنه ((أب الأخير)) وفي الحقيقة أنه صار أباً، واستولى على الدهر الأخير، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، لأنه لم يقم بعده صلى الله عليه وسلم نبي1. ورابعاً: قد قال عنه إشعيا أنه ((سيد السلام)) ، أعني أنه رئيس الإسلام والمسلمين، الذين هم الأمة المخلصة الدين، والحب لله تعالى، وأهل الوداد والعهود، أعني السلام والتسليم، وأشار إشعيا بلفظة ((سلام))   1 في. ن. ع. قال: أباً أبدياً ويؤيد قول المصنف رحمه الله حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بأصبعيه فيمدهما". أخرجه البخاري في كتاب الرقاق. انظر صحيح البخاري مع فتح الباري 11/347، ومعنى ذلك شدة التقارب بينهما كما بين السبابة والوسطى، وأنه رسول الساعة عليه الصلاة والسلام، فليس بعده نبي. انظر الفتح الموضع السابق. ووصف الأبوة للزمان الأخير تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم لما في الأبوة من معاني الرحمة والتعليم والهداية والحرص على إيصال الخير للأبناء ودعوتهم إليه. وهذه الصفات موجودة في في النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 من كون لفظة ((سلام)) هي كقطب دائرة، تجمع إليها من خطوطها سائر تصاريف السلام مع اشتقاقاته، من كونها مصدراً لتفريع معانيه، ونبينا المختار دعي رئيساً لهذا القطب، أي أنه رئيس ليس لدين الإسلام والمسلمين فقط، بل هو رئيس لجميع فروع السلام، كما نعت بها في القرآن الشريف مراراً 1، مثلما قال عنه إشعيا.   1 من ذلك قوله عز وجل {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} آل عمران آية 20، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام آية 162، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} البقرة آية208.والآيات غيرها كثيرة جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وخامساً: قد قال عنه إشعيا ((ليكثر سلطانه)) 1، وهذا القول قد ورد في سفر التكوين إلى سيدنا إبراهيم وللسيدة هاجر عن رئاسة نسل سيدنا إسماعيل، الذي منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 2*. وسادساً: قد أفادنا إشعيا عن دوام دين الإسلام بقوله: ((ولسلام ليس له حد وقياس)) . وهذه نبوءة صريحة بأن دين الإسلام [يبقى] إلى انتهاء (العالم) . وسابعاً: قد قال إشعيا بأن نبينا يجلس على كرسي داود، وعلى مملكته، ليرتبها ويساعدها بالعدل والاحسان، الذي هو الحنو، وحيث إن كرسي داود وسلالة ملكه قد فنوا قبل مجئ عيسى بزمان طويل3 *، واستولى عليها   1 في. ن. ع. قال: لنمو رياسته وللسلام. 2 وذلك فيما ذكروا في التكوين 20:1 وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه هاأنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً اثنى عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة. * حاشية: إن سلطنة النصرانية ما كانت دليلاً على دين عيسى، لأنها قامت بعد تاريخ عيسى بأكثر من ثلاثمائة سنة، وأما سلطنة نبينا فقد صارت دليلاً كافياً فقد انتشرت بنورها حالاً في شخصه السامي فعلياً، كما قال عنها إشعيا النبي (في هذه الشهادة، وثانياً من عدم مطابقتها على عيسى، من حيث إن إشعيا يذكر عن المنبأ عنه بأن له ملك دنيوي وأنه يجلس ويقوم بالعدل والإفضال. فعيسى ما كان له ملك دنيوي، لأنه قال: إن مملكتي ليست من هذا العالم، ولا كان له شريعة عدلية وفضلية معا كما قالت النبوءة، بل محمد صلى الله عليه وسلم الذي كانت له هذه الشريعة مع السلطة السامية) . 3 وذلك فيما قبل سنة 586ق. م حين هجم بختنصر الملك الكلداني على دولة يهوذا، وأسر آخر ملوكها وهو صدقيا، وأخذ مقيداً بالسلاسل بعد أن قتلوا أبناءه أمام عينيه، ثم قلعوا عينيه وقتلوه وقتلوا أناساً كثيرين، ودمروا أورشليم وهدموا أسوارها وهيكلها وسبوا اليهود إلى بابل، وبهذا انتهت تلك الدولة، وانتهى ملك آل داود. الملوك الثاني25، تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم ص209. * حاشية: اعلم أنّ انقضاء مملكة سلالة داود كانت قبل مولد عيسى بنحو خمسمائة وثمان وثمانون سنة، واستولت عليها البابليون ثم الرومانيون [وعيسى ما جلس عليها ولاملك] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الرومانيون قبل زمان عيسى، وفي زمانه، وبعد زمانه، فلزم أن يكون هذا الجلوس على وجه الاستعارة، أي أنه يقصد منه الجلوس والترتيب والمساعدة من رجل صالح مؤمن بالله، وصاحب شريعة يجري في شريعته العدل والفضل، وليس معناه أن يكون كطيباريوس الروماني1، أو كأوغسطس قيصر الوثني2، الذَيْن كانا متملكين على كرسي داود فعلياً، في زمان عيسى، وكانا بعيدين من شريعة عيسى وموسى، لأن كلام إشعيا إنما هو عن مجئ رجل يجمع الشريعتين، أعني: شريعة موسى العدلية، وشريعة عيسى الفضلية، ويجعل لكل منهما مركزاً، بحيث أن كل واحدة منهما مفتقرة إلى الأخرى.   1 طيباريوس قيصر: الإمبراطور الروماني الثاني الوثني، وكانت فلسطين تحت حكمه، وفي زمانه بعث المسيح عليه السلام، ومات سنة 37م. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص584. 2 أوغسطس قيصر:، وهو أول إمبراطور روماني، وكان وثنياً، وكانت فلسطين تحت حكمه، وفي زمانه ولد المسيح عليه السلام، ومات سنة 14م. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 ونرى ذلك الترتيب عياناً في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، المرتبة من العدل والفضل، كما جاء في قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 1. فهنا في قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} قد استعمل الشريعة العدلية، وأمافي قوله {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فقد أفادنا عن الشريعة الفضلية المفوضة إلى إرادة الإنسان، ومن قوله تعالى {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ 2 وَالسِّنَّ بِالسِّن} ، وباقي غلاقة القول العدلي قد أضاف إليه القول التصدقي أي الفضلي بقوله تعالى غِبْ ذلك3 {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} 4. وهذا القول الشريف المركب من العدل والاحسان، أي التصدق الجامع بين الشريعتين السابقتين (الذي كان في أصل شريعة موسى   1 الشورى آية 40. 2 في النسختين العين بالعين والسن بالسن. 3 أي بعد ذلك. انظر المعجم الوسيط 2/641. 4 المائدة آية 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وانمحى) 1 ينطبق على نبوءة إشعيا هذه، القائلة عن المتنبأ عنه: إن إتيانه يكون بالعدل وبالصدقة*. وهذه المعاني هكذا كان يفهمها النصارى واليهود القدماء، وكانوا يسلمونها اسلاماً خالصاً2. وأما النصارى المتأخرون (فيصرفونها إلى) 3 عيسى عليه السلام، والحال أنها لا تنطبق عليه. أولاً: لأنه ماكان لعيسى رئاسة مرتبطة في قوة كتفه المتعلق فيه ذراعه وسيفه، بل إنه كان خالياً من الرئاسة مطلقاً [ولا كان له في كتفه   1 يؤيد قوله هنا أن أول الآية السابقة قوله {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، ويقصد كتبنا على بني إسرائيل في التوراة. * حاشية: اعلم أنّ علماء اليهود يترجمون هذه الجملة خلاف أصلها العبراني الذي شرحه المؤلف [عن قاموس اللغة العبرانية وقواعدها] ، لأنهم يترجمونها [أي أحبار اليهود إلى الآن] بالعدل وبالإنصاف كونها من جنس واحد، وإذا سأل أحد ما السبب الذي أحوجكم لدفع لفظة التصدق وبدلتموها بالانصاف، فيجيبون أن العدل لايواسيه التصدق، أي أن العدل والفضل لايجتمعان، ولم يدركوا هذا السر الإلهي الذي الله سبحانه وتعالى قد أوحى به إلى إشعيا، إذ كان مزمعاً أن يضعه في شريعته المحمدية الجامعة للوجهين، أعني الفارضة العدل، والمفوضة التصدق [كما قال المؤلف رحمه الله] . 2 في. د هكذا الذين كانوا يسلمون إسلاماً خالصاً. ومراده: أنهم يسلمون معناها السابق الذكر. 3 في النسختين فقد يفسرونها عن، وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 علامة شامة كبيرة (مكشوفة) كالمصطفى صلى الله عليه وسلم] 1، وكان دائماً يتخوف ويتهرب، كما يخبر عنه إنجيلهم2، ومحكوماً عليه. ثانياً: أن سيدنا عيسى المسمى عندهم ((يسوع)) لم يكن اسمه ((عجيباً)) ، لأنه قد سبقه من كان باسمه (من الأنبياء) ، وهو يشوع بن نون*، وخلافه كثيرون3، ومع ذلك فنرى أن لفظة ((اسمه عجيباً)) قد انطبقت على نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم من كل جهاتها، لأنه من عهد آدم إلى الآن ما خرج نبي من الأنبياء اسمه أحمد، محمد، وأعجب من ذلك خروج هذا النبي الكريم من بني إسماعيل، في قبيلة معدومة الأنبياء4، عدا أن هذا الاسم الذي هو ((عجيباً)) هو من جملة أسمائه، وتراه مندرجاً في ((دلائل   1 في. ت مكان مابين القوسين أعاد فيه الجملة وهي قوله وكان خالياً من رئاسة. 2 انظر يوحنا 15:6. * حاشية: اعلم أنّ لفظة يشوع هي عبرانية، ولما ترجموها من العبراني إلى اليوناني كتبوها ايسوس، ولما ترجموها من اليوناني إلى العربي عربوها يسوع، وأما حقيقة [ترجمتها في العربي هي مخلص] ، وكثيرون هم الذين يتسمون بها إلى الآن عند اليهود في اللغة العبرية.. 3 أي غير يشوع بن نون كثيرون تسموا بهذا الاسم، وقد ذكر صاحب قاموس الكتاب المقدس ص1071 اثنى عشر رجلاً قبل المسيح تسموا بهذا الاسم. 4 في. د من قبيلة معدومة كثرة الأنبياء، أعني: أنها ليست مثل بني إسرائيل الكثيري الأنبياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الخيرات)) 1، ولهذا قد دعى إشعيا اسمه ((عجيباً)) ، وقد صادق على ذلك، أي على قوله: ((عجيباً)) عيسى بقوله: ((وهو عجيب في أعيننا)) 2، وما كان عيسى جباراً مثل المصطفى، بل إنه كان يتظاهر دائماً بأنه كان ضعيفاً فقيراً. وإن قيل عنه من النصارى إنه كان جباراً بلاهوته وليس بناسوته: فأقول: إننا نقضنا هذا الوجه نقضاً كافياً فيما سلف، وأنه ليس فيه لاهوت3، والآن نقول أيضاً: إن كان سيدنا عيسى جباراً بحسب لاهوته المتحد فيه ناسوته، فلماذا عندما تضيق وتحزن وبضجيج توسل وبخوار صوت وأظهر ضعف الإنسانية انحدر ملاك من السماء مقوياً له4؟ كما أخبر إنجيلهم، وأين كان جبروت لاهوته، ولماذا ماصبّر لاهوته ناسوته على التضييق وقواه؟ بل إنه افتقر إلى ملاك ليقويه، مع أن هذا الافتقار والمساعدة   1 لم أقف عليه في الطبعة الموجودة بين يدي من دلائل الخيرات. 2 انظر الشهادة السادسة. 3 انظر البيان رقم 6 من الباب الأول. 4 يشير إلى ماذكره لوقا عن آخر ليلة للمسيح عليه السلام فيما قالوا: إن المسيح عليه السلام انفصل عن تلاميذه نحو رمية بحجر، وجثا على ركبتيه وصلى قائلاً: يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك، وظهر له ملاك من السماء يقويه، وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض لوقا 22: 41 -44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 خلاف افتقاراته الطبيعية ومساعداتها. وأيضاً مادعي عيسى ((مشاوراً)) ولا تسمى بهذا الاسم على الإطلاق. ثالثاً: أن عيسى ما كان أبا الأخير1، بل كان متوسطاً فيما بين موسى ونبينا عليهما السلام وعليه البركات. رابعاً: أن عيسى ما كان رئيس سلام كما قال إشعيا، بل كان رئيس الأمة المسيحية2، وأما رئيس سلام أي رئيس الإسلام فقد كان محمداً المصطفى صلى الله عليه وسلم. خامساً: أن عيسى لم يكثر سلطانه كما تنبأ عنه إشعيا، بل إنه ما كان له ملك أبداً، لأن اليهود لما أرادوا أن يخطفوه ويصيروه ملكاً هرب3 *.   1 يقصد أن المسيح عليه السلام ليس هو من ختمت به النبوة واستمرت إمامته على الدنيا إلى آخر الزمان، وإنما كان هذا للنبي عليه الصلاة والسلام. 2 إطلاق اسم السيحية على أتباع المسيح غير صحيح، لأنهم في حقيقة الأمر أتباع لبولس وليسوا أتباعاً للمسيح عليه السلام، فقد حرفوا رسالة المسيح عليه السلام وغيروها، وليس المسيح عليه السلام رئيساً عليهم، فهو بريئ منهم، وإنما هو من المسلمين، كما قال الله تعالى عن الحواريين: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} آل عمران 52. 3 انظر يوحنا 15:6. * حاشية: اعلم أنّ الإنجيلي لم يشرح لنا كيف أرادوا أن يقيموه ملكاً، وكم واحداً من اليهود الذين كانوا يحبون عيسى وأرادوا أن يصيروه ملكاً، مع أن كل كبراء اليهود وعظمائهم الذين بيدهم الأمور كانوا يبغضونه، وأما المحبون له فكانوا من العوام، والعجب فيهم أنهم كيف تجرؤا على الحاكم الروماني، ولم يخشوا كبراءهم ورؤساء ديانتهم. وهذه الحاشية ليست في. د، وقد كتب في. د حاشية أيضاً ليست في. ت وهي اعلم أن من قول المؤلف الذي شرحه يتحقق أن السلطان الذي ذكره إشعيا هنا إنما تحقق في شخص محمد عليه الصلاة والسلام، وإن اعترض النصارى بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ما جلس على كرسي داود وعلى مملكته، كما قيل في غلاقة هذه الشهادة، فنجيبهم أنتم تسحبون هذه الشهادة إلى عيسى، وعيسى لم يجلس على كرسي داود، لأنه في زمن عيسى كان هيرودوس جالساً عن طيباروس قيصر، وحيث إنها لا تنطبق العبارة على الاثنين حقيقة، فيلزم أن تطلق مجازاً على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لأنه هو الذي قوم مملكة داود، إذ إنه الذي جاء بشريعة العدل والتصدق، وتشهد عل صحة إطلاقها عليه القرائن التي تقدم شرحها من المؤلف رحمه الله تعالى في بيان معانيها بالتفصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 سادساً: أن سيدنا عيسى ما كانت شريعته عدلية وفضلية، كما تنبأ إشعيا في هذه النبوءة، بل كانت شريعته فضلية فقط، وأما الذي انطبقت عليه هذه النبوءة وجاء بالشريعة المرتبة بالعدل والإحسان هو أبو القاسم محمد، خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم. فإذا كان إشعيا تنبأ عن رجل يكون إتيانه بهذه الصفات المشروحة، أي إنه يكون صاحب شريعة ممتزجة من العدل والفضل، وصاحب حكم وتملك1 [والأب] الأخير الذي لم يعقبه نبي آخر غيره، ورئيس سلام، أعني: رئيس الإسلام والمسلمين، ومشاوراً، وجباراً، [وطائقاً] وعجيباً اسمه، [وصاحب علامة على كتفه المتعلقة برئاسته الدالة عليه دون غيره، الذي إما على وجه المجاز   1 في. د صاحب سلطان ورئاسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 -على مذهب أصحاب علم المعاني والبيان هي رئاسته بسيفه، الذي كان يعلقه على كتفه، كعادة العرب إلى الآن*،- وإما على وجه الحقيقة تكون الشامة الكبيرة المكتوبة هي العلامة التي كانت على كتفه، التي لا تقبل أدنى شبهة] 1. وهذه الصفات قد وجدت فيه حقيقية ظاهرة، أي في النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليست مجازية، (وإذا وجدت) الحقيقة فلامحل للمجاز، فكيف يسلّم العقل قبولها على سيدنا عيسى عليه السلام، الذي لم تنطبق عليه، مع أنه ليس مفتقراً إلى سرقة الشهادات التي قيلت عن المختار صلى الله عليه وسلم، إذ أنه قيل عنه من إشعيا ومن الأنبياء شهادات أخر كثيرات، التي لم تنطبق على غيره، حتى ولا على نبينا المصطفى صلى الله عليهما وسلم أفضل الصلاة وأتم السلام.   * حاشية: اعلم أنّ البين الواضح الذي قد يحمل عليه هذا المعنى حرفياً، الذي هو إشعيا بأن رئاسته على كتفه، وهو أن هذه الرئاسة هي الدلالة التي كانت في منكبه الشريف، التي كانت تشير على رئاسته، وتسمى خاتم النبوة، وهي شامة كبيرة في لحم كتفه مكتوبة وشهيرة، وكما قررنا في حاشية سابقة أن هذه الجملة في العبراني أيضاً لها محذوف مقدر وهو لفظة علامة، أعني أن علامة رئاسته تكون على كتفه، وهذه العلامة كانت بالواقع على كتف رسول الله، وقد وصل إلينا خبرها بالتسلسل خلفاً عن سلف، بأنه صلى الله عليه وسلم كانت له علامة على كتفه كشامة كبيرة مكشوفة واشتداد ذراعه. ملاحظه: استخدم في الحاشية هنا بدلاً من الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام كلمة صلعم وهي الكلمة الوحيدة في هذه المخطوطة ولعلها من الناسخ، وهي اختصار قبيح لا يجوز استعماله. 1 نص العبارة في. ت الذي رئاسته متعلقة على كتفه، أعني أن رئاسته بسيفه الذي كان يعلقه على كتفه كعادة العرب إلى الآن والمثبت من. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الشهادة الثامنة إن النبي إشعيا قد أورد في الإصحاح الحادي والعشرين كله ألغازاً أخر (تنبيء) عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال من العدد الأول مبتكراً فيه وقائلاً: ((ثقل البحر البري)) 1. إن إشعيا النبي القائل: ((ثقل البحر البري)) ، قد أشار به عن نبينا، وأخذ فيه وجه الاستعارة التشبيهية بأنه بحر بري، أعني أن خروجه ومشيه وفعله في البر مميزاً إياه من البحر المائي، وإضافته إلى قوله: ((ثقل البحر)) ، أعني أمواجه صلى الله عليه وسلم البليغة التي كانت تهيج فيه، وتكسر سنن2 الكفر مع أصنامها، وأردف إذ قال عن [وجوه] وروده: ((إنه مثلما تأتي الزوابع من الجنوب يأتي إلينا من البر من بلد مخيف)) ؛ يعني أن هذا البحر مع ثقله وأمواجه، يأتي إلينا من البر، من بلد مخيف كالزوابع، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان مجيئه كالزوابع الجنوبية، وكالأمواج الثقيلة، وكان يلاطم ويهدم البروج الكفرية، التي كانت يومئذ مشيدة عند الأعم من البشر، وأضاف إلى قوله: ((إنني أخبرت ببيان صعب العاصي يعصي والناهب ينهب)) . ففي هذا النبي إشعيا قد أظهر ثقل فعل البحر البري، [وكيف نهب العصاة لله كموسى، وهذا النهب هو من خصال العرب، وقد تعجب منه   1 في. ن. ع. وحي من جهة برية البحر. 2 في. د سفن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 إشعيا إذ قال: إني أخبرت ببيان صعب الناهب ينهب، وأما على وجه المجاز فنقول بأنهصلى الله عليه وسلم نهب العصاة] 1. وأكد2 المعنى إذ أشار عن نفسه بلسان الحال: ((امتلأ حقوي وجعاً، ومغصاً في قلبي، وارتعاشاً، والظلمة أزعجتني)) ؛ يعني أن ظلمة الكفر التي كانت معششة في البشر* كانت مورثة على رسوله الانزعاج والمغص، ثم قال: ((ابسط المائدة اطلع من المطلع إلى الآكلين والشاربين قوموا أيها القواد ودربوا بالأترسة)) 3. كأنه يتكلم بلسان حال نبينا صلى الله عليه وسلم الناظر إلى الآكلين والشاربين، والمنادي إلى صحابته الكرام، ((قوموا أيها القواد ودربوا بالأترسة)) ، لأنه هكذا قال لي الرب: ((اذهب وأقِمْ الديدبان4 ليخبر مايرى، فرأى فارسين5 أحدهما راكب حمار، والآخر   1 في. ت اخنصر العبارة على النحو الآتي وكيف أنه ينهب العصاة إلى عبادة الله تعالى. 2 في النسختين وأطبق وصوابها ما أثبت. * حاشية: اعلم أنّ هذه الظلمة المذكورة في هذه الجملة هي التي ذكرها إشعيا في آخر الشهادة الخامسة أي قوله: وإذا هي مظلمة ضيقة، وهي في هذا المعنى ذاته. 3 في. ن. ع. هكذا يرتبون المائدة يحرسون الحراسة يأكلون يشربون قوموا أيها الرؤساء امسحوا المحبة. 4 الديدبان: هو الحارس والرقيب، وهو فارسي معرب. انظر المعجم الوسيط ص276، وفي. ن. ع. ورد الحارس. 5 هكذا في النسختين، وصوابها أن يقول راكبين، وفي. ن. ع. هكذا فرأى ركاباً أزواج فرسان ركاب حمير ركاب جمال. وسيذكر المصنف ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 راكب جمل)) . فالراكب على الحمار هو سيدنا عيسى بدخوله عليه1 القدس الشريف، وأما الراكب على الجمل فهو دليل كاف على نبيناصلى الله عليه وسلم. فهذه العبارة هي على موجب التوراة العربية المترجمة عن اللاتينية، وأما على موجب التوراة العبرانية فالمعنى فيها أجلى من هذا لأنها تقول: (قاري ريخيب صيميد فاراشيم ريخيب حاسود ريخيب كامال) وترجمتها إلى العربي: ((فرأى ركب رديف خيل ركب حمار ركب جمل)) ، وهذه كانت جيوش نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم، خلاف عساكر الملوك المقاتلين، لأن الملوك لا تركب جيوشها مراديف، ولا يركبون حميراً ولا جمالاً، وهذه عادة العرب فقط على وجه التغلب، وأن إشعيا على هذا المنوال أبصر في رؤياه جيوش نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ركب رديف2 خيل ركب حمار ركب جمل*.   1 في النسختين على وصوابها ما أثبت، وقد ذكر صاحب إنجيل مرقس دخول المسيح القدس على حمار فقال في 7:11 فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه ... فدخل يسوع أورشليم والهيكل. 2 الرديف: من أردف، وتعني راكب خلفه على الدابة، وأتبع الشيء وتوالى وتتابع. انظر المعجم الوسيط ص339. * حاشية: اعلم أنّ اسم حمار وجمل هما أسماء جنس معناهم حمير وجمال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ((فصرخ الأسد)) ، أي نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من الالتفات، ((على مطلع1 الرب أنا واقف بالليل وبالنهار)) . وبالحق إنه كالأسد، وأنه على أوامر الرب كان واقفاً، وبها عارفاً2. يقول إشعيا: ((وإذا برجل راكب أزواجاً من الفرسان)) ، وقال: ((سقطت بابل3 مع أصنامها)) ، وهذا التفات ثان. أقول: فكأن الله سبحانه قد كشف لإشعيا أعمال4 رسوله محمدصلى الله عليه وسلم مكرراً عليه المعاني لأجل التأكيد، مخبراً له عن رديف الفرسان أزواجاً أزواجاً ومعهم رجل. وبلا شك أنه هو صلى الله عليه وسلم الذي كانت جيوشه   1 يقصد هنا أن الأسد صرخ على مطلع، أي من مكان يطلع منه على غيره، وقد عبر عن ذلك بالمرصد في. ن. ع، حيث قال: ثم صرخ كأسد أيها السيد النائم أنا قائم على المرصد دائما. وترجمتها أن يقول المؤلف: فصرخ الأسد أنا واقف أيها الرب على المطلع بالليل وبالنهار. 2 في. ت وإذا برجل قد، وليست في. د، ولامعنى لها. 3 بابل: هي عاصمة الكلدانيين، وتقع بين دجلة والفرات جنوب بغداد في وسط العراق، وهي التي سبي إليها بنوإسرائيل زمن ملك الكلدانيين بختنصر. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص152. 4 في النسختين مفاعيل وصوابها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 مراديف1 أزواجاً، (وأبان) عن السقوط الكائن من فتح بابل2 وإسقاط أصنامها3. وختم4 إشعيا كلامه: ((إن هذا من عند رب الأجناد)) . ثم أفصح بنبوءته عن الأمكنة والأشخاص، أما عن الأمكنة فقال: ((دومة5 تصرخ إليّ من ساعير6 ياحارس فقال الحارس: ارجعوا وأقبلوا)) *.   1 أي يردف بعضها بعضا. 2 في. ت بغداد وما أثبت من. د، وهو الصواب. وكان فتح العراق ومن ضمنه بابل من قبل خالد بن الوليد، ثم من بعده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، في زمن الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قبل سنة 20هـ. 3 هنا حاشية في. د، وليست في. ت، وهي قوله اعلم أن هاهنا سمى إشعيا مكة باسم مجازي وهو بابل، لأن هناك أيضاً تبلبلت الآراء والعقول في أمر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وانقسمت عندما تساقطت أصنامها، كما خبر ذلك هو مشاع في القصة الحلبية وغيرها. 4 في النسختين وغلق وأفصح منها ما أثبت. 5 دومة: هي دومة الجندل، وهي شمال الجزيرة العربية في منطقة الجوف، ولا تزال تعرف بهذا الاسم. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص381. 6 ساعير: هي منطقة جبلية تقع مابين البحر الميت وخليج العقبة، وكانت تسمى أدوم، ويقع جزؤها الشرقي الآن ضمن المملكة الأردنية الهاشمية. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص39،467. * حاشية: اعلم أنّ دوما هو الولد السادس من الاثنى عشر، أولاد سيدنا إسماعيل، وهذا الولد هو الذي عمر هذه البلدة، وقبيلته كانت ساكنة فيها، وهي التي استغاثت وصرخت للنبي: يا حارس، كما أخبر هنا إشعيا. وقوله السابق إن هذا من عند رب الأجناد قد وافقه سيدنا عيسى وأكده بقوله: بأن هذا كان من قبل الرب وهو عجيب في أعيننا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أقول: إن ((ساعير)) اسم إيالة1، و ((دوما)) اسم بلد في ساعير2 قد كانت مثقلة بالضلال، وأهلها بلسان الحال قد استغاثوا بالحارس، أي بالنبي اليقظان فجاوبهم: ((إلى الله ارجعوا واقبلوا)) 3. وأما عن الأشخاص فقال: ((ثقل على العرب حسبتم تبيتون في الغاب)) 4. والمعنى الذي أورده في أول الإصحاح، أي ثقل البحر البري قد أورد توجيهه هنا: بأنه يكون على العرب، لقوله: ((ثقل على العرب)) ، أعني: أن أول توجيهه وإنذاره كان إلى العرب ثم إنه جمع بقوله: ((تلاقون العطشان بالماء ياسكان التيمن5 واخرجوا بالخبز للقاء المنهزم)) . إن هذه النبوءة من إشعيا قد انطبقت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من دون شك ولا مراجعة، إذ إن إشعيا المشار إليه ماترك مقطعاً من هذا الإصحاح   1 هكذا في النسختين، ولعلها أيله، وهي أيلات على خليج العقبة، وهي مدينة في منطقة الأدوميين، الذين كانوا يسكنون سعير. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص143. 2 هذا من ضمن ماقيل في المراد بدومة. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص381. 3 في. د حاشية وليست في. ت وهي اعلم أن هذا القول: أي ارجعوا إلى الله وأقبلوا كان لهج وإنذار النبي الكريم، لأن كذا كانت ألفاظه الشريفة ومضامينه. 4 هكذا أمكن قراءتها من. د، أما. ت فهي هكذا ثقل على العرب إذا آية تتوا في الغاب، أما في. ن. ع. فهكذا وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين ياقوافل الردانيين. 5 في. ن. ع. ياسكان أرض تيماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 خالياً من إشارة، ورمز على نبينا صلى الله عليه وسلم، فكأنه في هذا العدد الذي هو الخامس عشر يقول: ياسكان التيمن –أي القبلة1- اخرجوا بالخبز والماء للقاء المنهزم، فبقوله: المنهزم كأنه يتعمد شخصه السامي الشريف، لأنه في أول نبوته حينما انهزم2 وهاجر من وطنه، أي من مكة المشرفة وجاء إلى المدينة المنورة، فعلى الطريق قدم له الخبز والماء من سكان التيمن3*.   1 التيمن أو تيماء. قال في القاموس: اسم عبري معناه اليميني أو الجنوبي. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص228. 2 قوله: انهزم تعبير لا أراه مناسباً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مهاجراً لما منع من الدعوة إلى الله وأراد الكفار قتله لذلك. وقد سمى الله عز وجل خروجه من مكة نصراً في قوله: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ} التوبة 40 فقد نصره الله على الكفار في ذلك ولم يحقق لهم ما أرادوا، بل كان في تلك الهجرة النصر المؤزر على الكفر وأهله إلى يوم القيامة. 3 لعله يشير إلى قصة أم معبد التي ذكرها أهل السير، ومختصرها أن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج مهاجراً مر بخيمة أم معبد الخزاعية، وخزاعة من اليمن، فأرادوا القرى فلم يكن عندها شيء، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ليس فيها شيء من الحليب، فمسح ضرعها ثم حلبها فدرت فشربت المرأة وشرب الرسولصلى الله عليه وسلم وأصحابه منها. ومما يصدق على كلامه ملاقاة أهل قباء من ضواحي المدينة له صلى الله عليه وسلم، حين خرج مهاجراً ونزوله عليهم وإكرامهم له، ثم ماكان من الأنصار وهم من أهل اليمن في الأصل من القيام معه ونصره صلى الله عليه وسلم. انظر دلائل النبوة للبيهقي 2/222-227، سيرة ابن هشام 2/95-99. * حاشية: اعلم أنّ لفظة التيمن هي لفظة عبرانية ومعناها في العربي القبلة، التي قد ظهر منها نبينا الأعظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ولفظة التيمن مع لفظة العرب السابقة عليها هما من أكبر الأدلة على ظهوره من تلك المحلات لا من سواها، وفي المقطع الذي يتلوه قد عطف إشعيا بضمير الجمع إذ قال: ((لأنهم منهزمون من قبل السيوف، من وجه السيف الحاضر، من وجه القوس الموترة، ومن وجه الحرب الشديدة)) ؛ يعني أن خصومه ينهزمون في عودته ورجوعه عليهم من قبل السيوف من وجه السيف، كما جاء الأمر عليه بقوله تعالى له {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 1، وكذلك جرى ذلك الانهزام على أعدائه، أعني: من جراء سيفه وقوسه الموترة والحرب الشديدة، وكلام إشعيا ((بأنهم منهزمون)) متوجه علىالعرب وعائد ضميره إليهم، (والدليل) على ذلك هو قوله: ((ثقل على العرب)) . وترى هذه المعاني موضحة2 في محلاتها، إذ أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي كان وروده كثقل البحر، وكان هو بحراً برياً وليس مائياً، وهو الذي أتى لنا من البر من بلد مخيف، مثلما تأتي الزوابع من الجنوب، ونهب العصاة*.   1 التوبة آية 36. 2 في النسختين مفصحة، وفصاحتها ما أثبت. * حاشية: اعلم أنّ قوله: من بلد مخيف أي من مكة المشرفة التي كانت مخيفة لقلة تمدن سكانها يومئذ، [وقد وجد في التوراة العبرانية عوضاً عن قوله من بلد مخيف مكتوب من المدينة المنورة] قلت –المحقق-: وهذا القول بعيد، لأن المدينة لم تسم إلا بعد مجيء النبي عليه السلام، إلا إذا كان يقصد به صفتها. والله أعلم، وقوله: نهب العصاة يجوز إن ذلك القول كان حرفياً أيضاً بالفعل وكان لمحاربيه، كما أمر الله قبله يشوع ابن نون وموسى بمثل ذلك بنهب العصاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وهو الذي قد نادى صحابته: قوموا ياأيها القواد ودربوا (بالأتراس) 1، وكان صلى الله عليه وسلم فارساً، وجيوشه المراديف الراكبين الِجمال والخيل، والحمير*. وهو الأسد الذي صرخ ((على مطلع الرب: أنا واقف)) ، أي على مناظر الرب وأوامره، أنا واقف نهاراً وليلاً، وهو الرجل الراكب أزواجاً من الفرسان، العارف سقوط بابل (قبل كونه) 2 مع أصنامها، الصائر3 فيما بعد من أمته وخلفه، وهو الذي نادته دوما من ساعير: يا حارس، وأجا بها: ((إن طلبتم فاطلبوا ارجعوا إلى الله واقبلوا)) *. وهو الثقل الذي كان4 على العرب العصاة الذين انهزم منهم وهاجر، وقد لاقوه سكان التيمن أي القبلة بالخبز والماء، وفيما بعد عند   1 في النسختين بالأترسة وصوابها ما أثبت، والأتراس جمع ترس، وهو ماكان يتوقى به في الحرب ضربات السيوف. انظر: المعجم الوسيط ص84. * حاشية: اعلم أن هذه الأشكال من المراكيب والمراديف هي وحدها كافية أن تثبت هذه الشهادة على المختار، [لكون تلك المذكورات هي من خصال العرب] .. 2 قبل كونه، أي قبل وقوعه. 3 هكذا في النسختين، أي الذي وقع من أمته فيما بعد. * حاشية: اعلم أنّ لفظة ياحارس هي اسم من جملة أسمائه الشريفة وهي مشهورة وموجودة في كتب كثيرة منها دلائل الخيرات [وقد تراها مكتوبة في العبراني الحريص أو الحافظ] . 4 في النسختين وهو الذي كان الثقل وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 رجوعه غدت أعداؤه (منهزمين) من وجهه ومن سيفه وقوسه من وجه حربه الشديد. وبالاختصار أقول: إن إشعيا قد ختم كلامه بهذه الجملة الحاملة تلك الإشارة الوافية المعنى بقوله: ((بأن هكذا قال لي الرب في انقضاء سنة كسنة الأجير يفني كرامة قيدار وبقية عدد أصحاب القسي الجبابرة من بني قيدار يتقللون فإن الرب إله إسرائيل تكلم)) . أقول: إن معنى قوله في انقضاء سنة كسنة الأجير؛ أراد به حولاً طويلاً وثقيلاً، إذ إن الأجير المستأجر قد يحسب سنة استئجاره أنها طويلة ثقيلة. ونبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المشبه بالبحر البري من بعد انتهاء هذه السنة الطويلة التي جاهد فيها، التي شبهها إشعيا كسنة الأجير قد أفنى فيها جميع كرامة قيدار، لأن ((قيدار)) قبيلة وهي (سلالة) 1 من ثاني ولد من أولاد سيدنا إسماعيل، التي كانت تحارب رسول الله محمداًصلى الله عليه وسلم لما عصت دينه الشريف2، وأنشأت عليه الحروب الردية، فسحق قِسِي جبابرتهم وتقللوا   1 في النسختين سلسلة منسحبة من ثاني وفصاحتها ما أثبت. 2 واضح أن مراد المصنف -رحمه الله- أن سلالة قيدار ثاني أولاد إسماعيلعليه السلام قد حاربوا النبي (صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يتبين لي مراده أي قبيلة من القبائل هي، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وقد حاربته قريش إلى أن دخلوا جميعا في الإسلام، بعد أن قتل من قتل منهم في السنة الثامنة للهجرة، ثم ابتدأت قبائل العرب في الدخول في الإسلام بعد كفرها، كما أن نسب النبي صلى الله عليه وسلم الثابت منه إلى عدنان وبعد عدنان لايتضح نسبه إلى إسماعيل عليه السلام، ولكن بعض النسابة جعلوا عدنان من ولد قيدار بن إسماعيل، وبعضهم جعلوه من ولد نابت بن إسماعيل عليه السلام، ولكن كل ذلك لايثبت بخبر صحيح. انظر في ذلك تاريخ الطبري 1/516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 كما تنبأ عليهم إشعيا بقوله: ((يفني جميع كرامة قيدار وبقية أصحاب القسي الجبابرة، من بني قيدار يتقللون، فإن الرب إله إسرائيل تكلم)) . وهذه [النبوءة مربوطة بجملة علامات] ومنطبقة على نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم (دون) سواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 الشهادة التاسعة إنه في الإصحاح الثالث والثلاثين من تثنية الاشتراع قد أفادنا سيدنا موسى نبوءة، وإشارة عن الأرض، التي منها خرجت شريعة وأنوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو جبل فاران، الذي في أرضه موجود مكة المشرفة بقوله: ((جاء الرب من سيناء، وأشرق لنا من ساعير، واستعلن من جبل فاران)) 1. أقول: أما قول سيدنا موسى بأنه ((جاء الرب من سيناء)) ، أي أنه تعالى أورد شريعته بكتاب التوراة في سيناء، وأما قوله: ((وأشرق لنا من ساعير)) ، فهي نبوءة عن شريعة عيسى، لأن ((ساعير)) كما كتب عنها في سفر التكوين، وفي كتب الجغرافيا هي معلومة، بأن فيها أشرقت البشارة والإنذار في الديانة النصرانية، لأنها كانت من حظ سبط يهوذا، وعيسى كان من سلالة سبط يهوذا2.   1 تثنية 1:33. 2 هذا على أساس ماذكره النصارى في كتابهم من ذكر نسب المسيح عليه السلام، وأنه يعود إلى داودعليه السلام، وداود من سبط يهوذا بن يعقوب عليه السلام. والصحيح أن المسيح عليه السلام ليس من سبط يهوذا، ولا من نسل داود. ويكفي في الدلالة على كذب النصارى في ذلك، أن صاحب إنجيل متى جعل المسيح ابن يوسف خطيب مريم المزعوم، ثم في النهاية جعله من نسل سليمان بن داود عليه السلام، أما صاحب إنجيل لوقا فجعله ابن يوسف، ثم في النهاية جعله من سلالة ناثان بن داود، في سلسلة نسب لا تلتقي مع الأولى إلا في الاسم الأول والأخير، فهذا دليل واضح على كذب النصارى المتعمد، أو غير المتعمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 .....................................................................................................   فيما ذكروا وقد أنكر المسيح على اليهود هذه الدعوى كما ذكر متى في 43:22، وفيه وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ماذا تظنون في المسيح ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود، قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك، فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. والصحيح أن المسيح من سلالة هارون عليه السلام الذي يعود إلى لاوي بن يعقوب عليه السلام وذلك لعدة أدلة: أولاً -أن مريم أم المسيح عليه السلام كانت منذورة للعبادة، وهذا الأمر وهو النذر وخدمة معبد اليهود خاص ببني لاوي، كما هو في تشريعاتهم. ثانياً -أن أليصابات زوجة زكريا حسب ما ذكر النصارى نسيبة مريم وقريبتها، وهي من بنات لاوي، فتكون مريم كذلك، لأن كل رجل من بني إسرائيل يأخذ من سبطه وليس من سبط آخر. ثالثاً -أن زكريا عليه السلام يدعي النصارى فيه أنه كان كاهن الهيكل في زمانه، والكهانة كانت في بني لاوي كما هي شرعة اليهود. رابعاً -أن الله عز وجل ذكر قول اليهود لمريم ونسبتهم لها إلى هارون، حيث قال تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} مريم آية 28. فقولهم يا أخت هارون من جنس قول يا أخا تميم، يا أخا العرب، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، 3/112 عن السدي. وكان النصارى قد طعنوا في القرآن الكريم بناءً على هذه النسبة بين مريم وهارون، ظناً منهم أن هارون المذكور في الآية هنا هو هارون أخو موسى عليهما السلام، فقد روى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى نجران، فقالوا له: أرأيت ما تقرءون {يَا أُخْتَ هَارُونَ} ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال: فرجعت فذكرت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم. أخرجه. م.3/685. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين هنا بطلان هذا الطعن، وأن هارون المذكور في الآية ليس أخاً لمريم، كما ظنوا. ولا شك أن ذلك لا ينفي أن تكون مريم من سلالة هارون عليه السلام، بل إن القرطبي نقل عن مقاتل أنه قال في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} آل عمران 33. قال: هو عمران أبو موسى وهارون. فعليه تكون مريم من نسله، لأن قصتها ذكرت بعده مباشرة. انظر: تفسير القرطبي 4/ 63. أما ساعير التي وردت في البشارة هنا فلا يبعد أن يكون المقصود بها جبلاً في منطقة يهوذا مجاور لقرية يعاريم على مسافة تسعة أميال غربي القدس. انظر قاموس الكتاب المقدس ص467،729 وفي تلك المناطق بعث المسيح عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وأما قوله: ((واستعلن من جبل فاران)) ، فمعناه أنه من هناك ظهرت شريعة الله تعالى وناموسه العظيم، الذي هو القرآن الشريف الذي أنزل على المصطفى الكريم، لأن جبل فاران وأرضه هو ظرف لمكة المشرفة، حيث كان يتردد صلى الله عليه وسلم، وولادته كانت هناك، وله فيها أحاديث كثيرة وعجيبة. ولفظة فاران لها معان كثيرة في ((شوراش)) العبراني، أي القاموس، منها الجبل الظليل، ومنها الجبل الذي فيه مغر مجوف من داخله، كما ترجمت هذه اللفظة من اللغة اليونانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وجبل مكة الذي شرحنا عنه، الذي موقعه بقربها مسافة ثلاثة أميال، واسمه الآن ((غار حراء)) 1، بمعنى المغور، الذي كان صلى الله عليه وسلم يختلي فيه في مغارة ثمان سنوات2، معتزلاً لفراغ القلب بالذكر، وفيه أوحى الله تعالى3 إليه بواسطة جبرائيل عليه السلام4، والذي يؤكد ذلك ظهور أنوار سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم منه وشريعته الغرّاء وليس سواها، كما قد يثبت هذا   1 غار حراء: هو المكان الذي كان يتعبد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءه الوحي فيه. وهو يقع في شرق مكة، وهو الآن داخل مدينة مكة. انظر بعض هذا في: معجم البلدان،2/223. 2 لم أقف على من ذكر أن مدة اختلاء النبي صلى الله عليه وسلم بغار حراء ثماني سنوات، وإنما روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه –وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء". قال ابن حجر: "أصل الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان رمضان". انظر صحيح البخاري مع الفتح 1/23. 3 في النسختين يوحي، والصواب ما أثبت، لأن الله تعالى أوحى إليه فيه أول مرة، كما هو ثابت في الحديث المذكور في الحاشية قبله، ولم يستمر الوحي إليه فيه، ولا يعرف أنه عليه الصلاة والسلام رجع إليه، واستمر يوحى إليه فيه. والله أعلم. 4 في. ت هو بهذه الصورة بحوز ممغور، وليس لها معنى، وليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الباب حبقوق النبي1 في الشهادة التي تتلو هذه، إذ إنه مع ذكره اسم فاران، يعين أيضاً جهتها، التي هي القبلة لئلاّ تجهل وتلتبس*. وأيضاً أقول: إن لفظة فاران مشتقة من فاران في اللغة العبرانية، وتعريبها المتجِّمل المتزين، وكأن حبقوق مع موسى عليهما السلام يقولان عن نبينا: إنه يأتي من الجبل المتزيِّن. وجبل مكة يصدق عليه هذا الاسم   1 في النسختين قال حبقوق النبي، ولم يثبت عندنا نبوته بنص صحيح. * حاشية: اعلم أنّ بعضاً من النصارى يتوهمون أن فاران هي بقرب جبل سيناء، والحال لو أنها كانت هذه فاران المشار إليها من موسى، لكان يلزم أن يذكرها في هذه الشهادة قبل ساعير، وقد تراه أنه ذكرها بعد ساعير خلاف واقعهما، وأيضاً إن فاران التي وجودها بقرب سيناء هي برية كما أفاده عنها التوراة، وههنا موسى عليه السلام يذكر جبلاً بقوله: من جبل فاران، والقاعدة في ذلك أن تلك البرية دعيت فاران لسبب أنها ظليلة في الأشجار الهيشية، والجبل الذي هو بمكة سماه موسى ههنا فاران لكونه مجوفاً مغورا، ولفظة فاران هي عبرانية تقبل الوجهين عدا غيرهما، أي انها تترجم مجوف مغور، وتترجم أيضاً ظليل، فإذا كانت قرائنها في كتاب التوراة مذكورة برية يلزم أن تفهم أنها ظليلة، وإن كان لفظة فاران قرائنها جبلاً فينبغي لنا أن نفهم بأنها جبل مجوف مغور، فههنا في قول موسى: إنه يستعلن من جبل فاران، فعلم أن هذا هو جبل فاران، الذي فيه المغارة، الذي هو بقرب مكة المشرفة، وفيها كان صلى الله عليه وسلم يختلي. وهذا الجبل هوفي القبلة أيضاً، كما شرح عنه المؤلف عن موسى وحبقوق، وبالاختصار إن لفظة جبل فاران هي بالعربي جبل غار، وهو اسم شهير ومعلوم لجبل مكة المشرفة، وإن قلت: إنه مشتق من فاران وهو بالعربي أيضاً المتزين منطبق عليه هذا الاسم أيضاً من كونه متزيناً في وجود بيت الله، الذي يشرحه المؤلف بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 أيضاً، بحيث هو المتجمل بوجود بيت الله، الحرم الأعظم المبني فيه من دهور عديدة، قبل ظهور النبي الكريم من سيدنا إبراهيم، المتردد على تلك الأمكنة، كما هو محرر في سفر التكوين في الإصحاح الثاني عشر1. وقيل من قبله وعاد فتجدد، ومن هذا الجبل ظهر نبينا محمد الأعظم، وكانت صحابته عشرة، كما تنبأ عنهم زكريا في الشهادة السابقة وشهادة الحال، أعني ظهوره صلى الله عليه وسلم من ذلك الجبل المتزين، الذي هو بالعبراني فاران، هو الإثبات الجاذب لشهادة المقال. وإن قيل: إن سيدنا موسى تكلم بهذه الاشارة بصيغة الماضي، لأنه قال: ((استعلن)) ، ولم يقل يستعلن بصيغة المضارع. فأجيب: أنه من عادة الكتب أن تستعمل صيغة الماضي بمعنى المستقبل في بعض محلات، ومن واقع الحال قد يعلم ذلك، كما أنه قد قيل من سيدنا داود عن عيسى: ((بأن إلهاً قام في مجمع الآلهة)) 2، على صيغة الماضي، وهو وقتئذ لم يكن قام، وقوله: ((والرؤساء اجتمعوا   1 لعله يقصد ما ورد في التكوين 8:12 واجتاز ابرام إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض فبنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له، ثم نقل من هناك إلى الجبل الشرقي بيت إيل ونصب خيمته، وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق فبنى هناك مذبحاً للرب، ودعا باسم الرب، ثم ارتحل إبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب. 2 انظر المزامير 1:82، وفيه الله قائم في مجمع الله في وسط الآلهة يقضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 جميعا)) 1، ولم يكن بعد اجتمعوا، وأمثاله فهي في الماضي، والنصارى تفسرها بالمستقبل.   1 المزامير 2:2 وفيه وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه قائلين لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الشهادة العاشرة إن حبقوق يقول في الإصحاح الثالث: ((ايلواه من التيمن يأتي، والمقدس من جبل فاران يدعس، غطّى السماء ببهجته، ومن شكرانه امتلأت الأرض، بهاؤه يكون كالنور، قرون من يده، هناك مختفية قوته، قدامه يمشي الوبا، ويخرج الشرار لعند قدميه وقف ومسح الأرض، نظر وحل الأمم وتبدد1 جبال العالم وانحنت آكام الدنيا2، العالم هو له)) 3. أقول: إن هذه الشهادة قد حلت وكشفت أولاً نبوة سيدنا موسى عليه السلام، التي سبقت في الشهادة التاسعة، وهي قوله: ((استعلن من جبل فاران)) . فههنا قد كشفت، وعيّن حبقوق أن جبل فاران هو الذي موقعه في التيمن، التي هي القبلة4، وليس هو البرية التي هي مجاورة سيناء5 بقوله: ((ايلواه من القبلة يأتي، والمقدس من جبل فاران يدعس)) 6،وسماه حبقوق ايلواه أي إله.   1 في النسختين تبددوا وصوابها ماأثبت، وفي. ن. ع. ودكت الجبال. 2 في النسختين وانحوا آكام الدنيا وصوابها ما أثبت، وفي ن. ع. وخسفت آكام القدم. 3 سفر حبقوق 3: 3-7. 4 انظر ما سبق في الشهادة الثامنة. 5 هذا ما ذكروه في قاموس الكتاب المقدس ص667. 6 هكذا في النسختين، وفي ن. ع. هكذا الله جاء من التيمن والقدوس من جبل فاران سلاه. وقال في القاموس عن قوله سلاه تعبيرموسيقي، والبعض يقول: إن معناها وقفة موسيقية، وآخرون يقولون: إن معناها يشبه آمين، فكأنها تعني أعط البركة، ثم قال: ولكن المعنى الأساسي المقصود من هذه الكلمة غير معروف. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 479. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وكما قررنا عن لفظة إله أنها بالعبراني مشتقة من ((إيل)) ، التي ترجمتها إلى اللغة العربية طايق1 (مكين) 2، فكأن حبقوق قد عيّن مكان خروج نبينا صلى الله عليه وسلم ونعته بقوله ((الطايق3 من القبلة يأتي ومن جبل فاران يدعس)) . أي جبل فاران، الذي هو في لصيق الأرض التي فيها مكة المشرفة، وهو في القبلة أيضاً، وليس في حدود سيناء، لأن التي في حدود سيناء هي برية كما قلنا، وههنا حبقوق يذكر جبلاً مثلما يذكره موسى، مع أن برية فاران أيضاً مسكناً لإسماعيل وخلفه، وهناك تزوج (بالمرأة) المصرية. راجع سفر التكوين في الإصحاح الحادي والعشرين4.   1 مراده بها، قدير أو قادر، وقال في القاموس: إيل: اسم من اسماء الله في العبرية، وإيل تستخدم بمفردها للدلالة على الإله الواحد الحقيقي، وكثيراً مايستعمل إيل مع لقب من القاب الله، مثل: إيل عليون، الله العلي، إيل شداي، الله القدير. انظر: الكتاب المقدس ص142. 2 في. د الطايق مكين. 3 في. د المكين بدل الطايق. 4 التكوين 21:21، وذكر في نسخة. ت الخامس والعشرين، وصوابها ما أثبت من. د. وهنا حاشية في. د، وليس في. ت، وهو قوله اعلم أن معنى كلام المؤلف رحمه الله تعالى أعني إن كانت برية حدود سيناء المسماة فاران، وإن كان جبل فاران، أي جبل مكة المحفور المتزين الظليل فعلى كلا الوجهين هما متعلقان بنبينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فهذا النبي الكريم الذي سماه حبقوق ايلواه، وأنه يأتي من القبلة من جبل فاران، قد أشار عنه بأوصاف أخر وهي قوله: ((غطّى السماء ببهجته، ومن مدحه امتلأت الأرض، وبهاؤه يكون كالنور)) . فكل هذه الأوصاف تراها منطبقة على سيد المرسلين، بحيث لم يشترك معه غيره فيها، لأنه [ماوجد في الكون نبيٌّ أبهج منه وأبهى] ، ولا وجد سواه من يمدح في المنائروالمنابر في المساجد والأزقة، من العلماء والفقهاء من الأغنياء والفقراء، وقد ترى جميع ألسنتهم غير هادئة من مدحه وشكرانه وأداء الصلاة والسلام عليه وأنواع البركات، التي لم يكن لغيره صائر مثلها مثل موسى وعيسى عليهما السلام، وذلك تطبيق لنبوءة حبقوق القائلة: ((ومن مدحه1 امتلأت الأرض)) . وأثبت ((حبقوق)) نبوءته عليه صلى الله عليه وسلم بإشارته إلى القرون التي كانت من يده، وهم الصحابة الكرام، التي كانت قوته مختفية فيهم، [لأن حبقوق على بسيط القول تنبأ على أن قروناً في يده، هناك مختفية قوته] ، أي في القرون. أعني القوة التي ظهرت بالفتوحات، (وانتشار الدين) 2 من صحابته النجباء رضي الله عنهم، الذين قد سماهم ههنا حبقوق ((بالقرون)) ، وأضاف   1 في. ت ومن شكرانه، وما أثبت من. د وهي أوضح. 2 في النسختين والإنتشارات الديني وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 إلى ذلك بأن ((قدامه يمشي الوبا)) ، وهذا هو وجه الاستعارة التشبيهية، أي أنه شبه موت السيف العجول1 (الذي عمله) بالوبا، [وأما على وجه الحقيقة، فنرى هنا ((حبقوق)) كأنه كان ينظر بعينيه ماقد حدث من أمر الوباء، وكيف أنه أطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حضر لديه الوباء مع جبريل عليه السلام فأرسله إلى بلدة سكانها يهود، واسمها الجحفة 2، التي منها الآن تبتديء أعمال الحج المصري في القعدة، لأن يهودها في تلك الأيام كانوا كامنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الضر، وهذا الوباء هو الذي أرسله ومشى   1 هكذا في النسختين، مراده أنه شبه سرعة الموت بالسيف في الحروب بالوباء. 2 الجحفة: قرية بين المدينة ومكة، وهي ميقات أهل الشام ومصر، وهي قريبة من مدينة رابغ في الوقت الحالي، وقال ياقوت: قال الكلبي إن العماليق أخرجوا بني عقيل وهم إخوة عاد ابن رب فنزلوا الجحفة، وكان اسمها مهيعة، فجاءهم سيل واجتحفهم، فسميت الجحفة. معجم البلدان 2/111. ولم أجد من ذكر أن سكانها كانوا يهوداً، وهي الرواية التي ذكرها المصنف. أما إتيان جبريل للرسول عليه الصلاة والسلام بالوباء، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافرين". حم 5/81. أما إرسال الوباء إلى الجحفة، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه السلام قال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة"، وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلاً تعني ماء آجناً. صحيح البخاري مع الفتح 4/99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قدامه، وهو مطابق لنبوءة حبقوق هذه حرفياً، كما جاء هذا الخبر في أحاديثه الشريفة في سيرة حياته المنقولة في كتاب مؤلف من الشيخ علي برهان الدين الحلبي، ويسمى القصة الحلبية1. وقد نقل عنه في حديث آخر "بأنه صلى الله عليه وسلم أرسل قدامه الوباء إلى الشام، وهي بلد من بلد حوران" 2] . ((ويخرج الشرار لعند قدميه)) 3، إن الشرار الذي أفادنا عنه حبقوق هو الذي قال عنه إشعيا في الشهادة الخامسة: ((بأن حوافرخيله مثل الصوان الذي منه ينبعث الشرار)) 4، ويخرج لعند قدميه حينما كان يمشي قدامه الوبا ويحارب ويميت أعداء دينه السامي، الموردين الضر عليه، بعد نصحه لهم صلى الله عليه وسلم كإيليا الذي قتل كهنة باعال5 بالسيف، وبدد جبال   1 علي بن برهان الدين الحلبي المتوفى سنة 1044هـ، وكتابه المسمى السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون إنسان العيون. طبع في ثلاثة مجلدات، طبعته دار المعرفة ببيروت. 2 لم أجد من ذكر أن الشام بلد من بلدان حوران، وإنما الشام كما ذكرها ياقوت هي المنطقة التي تقع شمال الجزيرة العربية، وحدها من الفرات إلى عريش مصر، ومن جبل طي جنوباً إلى البحر الأبيض.3/312. 3 انظره في الشهادة الخامسة ص 164. 4 في. ن. ع. وعند رجليه خرجت الحمى. 5 هكذا في النسختين، وفي. ن. ع. البعل. انظر الملوك الأول 18: 19-40. وملخص ما ذكروه أن إيليا تحدى سدنة صنم من أصنام اليهود، التي كانوا يعبدونها في ذلك الزمان يسمى بعل، بأن يحضروا ثورين فيختار سدنة الصنم أحدهما ويذبحونه ويقطعونه ويضعونه على الحطب، وهو يفعل مثلهم، ثم هم ينادون معبودهم بعل، فإن أرسل ناراً أحرقت ذلك اللحم فهم على حق وهو على باطل، ثم هو ينادي إلهه وهو الله تعالى، فإن أرسل ناراً فإلهه حق وآلهتهم باطلة. فكان من أمرهم أن السدنة لم يستجب لهم، واستجيب لإيلياء فنزلت نار من السماء، وأكلت كل شيء وضع على المذبح، فعندها قبض على أولئك السدنة، وكانوا 450 كاهناً فذبحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 العالم، أعني: أنه قد شتت ذوي الاقتدار، وانحنت1 آكام الدنيا له (أعني الممالك، لأن العالم هو له) ، بحيث إنه هو سيد الأولين والآخرين. وبالاختصار: أن سيدنا عيسى ماجاء من التيمن، أي من القبلة كما قال حبقوق، ولا من جبل فاران دعس، وكل هذه الأوصاف المشروحة لم تنطبق عليه* [كانطباقها على المصطفى صلى الله عليه وسلم] **.   1 في النسختين وانحنوا وصوابها ما أثبت. * حاشية: اعلم أنّ هذه الشهادة التي هي العاشرة هي مترجمة من اللغة العبرانية خالية من الزغل وعليك بمقابلتها. ** حاشية: اعلم أن في هاتين الشهادتين المارتين أعني التاسعة والعاشرة قد ذكر فيها موسى وحبقوق اسم جبل فاران، والمؤلف رحمه الله ترجم لفظة فاران من القاموس العبراني بثلاثة معان: الظليل والمغور والمتزين، وهذه الثلاثة معاني قد انطبقت على جبل مكة بموجب القرائن. وهذه الحاشية ليست في. ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الشهادة الحادية عشر إن سيدنا عيسى عليه السلام قد أفاد عن ورود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعده، وأنه أعظم من كل الأنبياء بقوله في بشارة لوقا في الإصحاح السابع، وفي بشارة متّى الإصحاح الحادي عشر: ((إنه لم يقم في مواليد النساء نبي أعظم من يوحنا المعمدان وأما الأصغر الذي هو في ملكوت السماء فأعظم منه)) 1. أقول: ياترى2 ومن هو هذا النبي الأصغر الذي هو في ملكوت السماء، الذي أفاد وأشار عنه عيسى عليه السلام، وأنه أعظم من يوحنا المعمداني، الذي هو أعظم من كل الأنبياء3، (فلننظر) إلى الوسط من تفاسير علماء النصارى لهذه الآية، ونقول: إن قوماً منهم قالوا: إنها من   1 متى 11:11، لوقا 28:7. 2 في. د ليت شعري. 3 يوحنا المعمدان هو عند النصارى يحي بن زكريا عليهما السلام، وليس هو أعظم الأنبياء، بل الذي عليه أهل السنة أن أعظم الأنبياء هم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وهم أولو العزم من الرسل، وهم المجموعون في قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} الأحزاب آية 7، وانظر شرح الطحاوية ص424. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 يوحنا الإنجيلي –أحد حواريي سيدنا عيسى–، وقوماً منهم قالوا: [إن هذه الآية مقولة] عن (عيسى نفسه) 1. فأجيب: إن هذين القولين منقوضان، لأن يوحنا الإنجيلي ماتسمى نبياً على الإطلاق، ولا نعت بأنه أعظم من كل الأنبياء، إذ إن بعضاً من النصارى قالوا: إن بطرس الحواري أعظم منه، وقوماً قالوا: إنه مساو لبطرس2، (ومع ذلك فإنه ليس يوحنا الإنجيلي فقط الذي لم يكن نبياً، بل لم يكن بعد عيسى من قومه نبي، فضلاً عن أن يدعى أنه أعظم الأنبياء) 3، وصريح الآية تشهد عن الأصغر بأنه نبي، وأنه أعظم من كل الأنبياء. وأما الذين فسروا هذه الآية على شخص عيسى فنقول لهم: إن سيدنا عيسى ليس هو من مواليد النساء الطبيعية المعتادة، كمثل المعمداني،   1 هناك قول ثالث يدعيه كثير منهم، وهو زعمهم أن المراد به أقل نصراني أعظم من جميع الأنبياء، لأن النصارى آمنوا بالمسيح المصلوب في زعمهم، فاستحقوا أن يكونوا بذلك أعظم ممن لم يتحقق لهم ذلك. انظر تفسير العهد الجديد، وليم باركلي 1/236، وتفسير العهد الجديد، إصدار دار الثقافة ص29. 2 انظر قاموس الكتاب المقدس ص177،1109. 3 عبارة مابين القوسين في النسختين هكذا ومع ذلك أنه ليس يوحنا الإنجيلي وحده ماتسمى نبيا بعد عيسى ولاخلافه ادعى بعظمة النبوة، وكتبتها حسب ما فهمت من مراد المصنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 أو كباقي1 الأنبياء، حتى يستدل بأن هذه الآية مشيرة عليه، لأنه عليه السلام مولود من آنسة2بتولٍ3 عذراء، ولم يولد بالأوجاع والزرع النكاحي، والعامل النسائي المألوف، كالمعمداني أو كباقي الأنبياء. فبإبطال هذين [القولين] 4، وعدم احتمال المعنى (لهما) 5، وإسقاط الدعوى: ما يوجب أن يكون المضمون منصرفاً ومقولاً عن نبي آخر شهير عظيم خلافهما تنطبق عليه الآية: فيكون النبي6 الموعود به من عيسى هو من مواليد النساء الطبيعية المألوفة مثل يوحنا وباقي الأنبياء، ومنعوتاً وشهيراً بالعظمة. ونرى أنه لم يقم نبي بعد المعمداني بهذه الصفة، (بل لم يوجد من تسمى) 7 أصغراً وعظيماً وموجوداً في عالم الأرواح، تطبيقاً لإشارة سيدنا عيسى، سوى سيد المرسلين الأولين والآخرين، [وهو الذي قيلت   1 في النسختين مواليد الأنبياء وصحتها ما أثبت. 2 أنسة هي الفتاة التي لم تتزوج. انظر المعجم الوسيط ص89. 3 البتول من النساء: العذراء المنقطعة عن الزواج إلى الله. المعجم الوسيط ص38. 4 في. ت الوجهين والمثبت من. د. 5 في النسختين عليهما، وفصاحتها ماأثبت. 6 العبارة في النسختين هكذا أي أن يكون هذا النبي وفصاحتها ما أثبت. 7 في النسختين العبارة لابل وتسمى وصحتها كما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 عنه هذه النعوت صلى الله عليه وسلم] ، الذي قال عنه موسى الكليم في الشهادة الأولى: ((إن الرب إلهكم سيقيم نبياً من إخوتكم مثلي ... )) . وأيضاً نقول: إن لفظة الأصغر المقولة بهذه الآية الإنجيلية هي في اللغة اليونانية ((اوميكرتيروس)) ، وهذه اللفظة عند علماء الغراماتيك1 والنحو يونانياً وعربياً تفيد المبالغة بالصغر، كما أن لفظة ((ميغاليتوروس)) [التي هي أعظم] ، وهذه المبالغة بالصغر تصدق على المختار من كونه هو الأصغر في كل الأنبياء، إذ إنه آخرهم جميعاً وأتباعه، وبأن هذا الأصغر هو الأعظم بالمجد والشرف، وقد علم منه بأنه أي: نبينا هو الأصغر بالتأخير، وهو الأعظم بالمجد والشرف والكبير (في رتبة النبوة، انتهت الشهادات) .   1 لعله يقصد علماء القواعد، لأن قراماتيك يبدو أنها النطق للكلمة Grammatical والتي تعني الأمر الخاص بقواعد النحو والصرف. انظر: المغني الأكبر-عربي- إنجليزي ص527. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الباب الخامس: (التناقضات في التوراة والإنجيل الدالة على تحريفهما) في الشكوك الناتجة من القضايا المتناقضة، والقصور الحاصل من ركاكة الجمل الغير مرتبطة، الموجودة في كتب العهدين، المفيدة بأن التوراة والإنجيل مزوران، وذلك بأصرح عبارة وأجلى بيان. الشك الأول متّى الإنجيلي في الإصحاح الأول يقول: "إن يورام أولد عوزيا"1، ويناقضه سفر الأيام الأول في التوراة في الإصحاح الثالث حيث يقول إن: "ابن يورام أخزياهو وابن أخزياهو يواش وابن يواش امصيا وابن امصيا عوزيا" 2.*   1 متى 8:1. 2 أخبار الأيام الأول 11:3 * حاشية: جدول الفرق: الإنجيل متى ... التوراة الأيام 1 يورام ... يورام ... أخزياهو ... يواش ... امصيا عوزيا ... عوزيا في هذا الجدول يظهر نقص الثلاثة ملوك في الإنجيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 شرح صورة التناقض إن الفرق ههنا يظهر أن متّى قد نقص ثلاثة ملوك من هذه السلسلة عن سفر الأيام الأول، وهم "أخزياهو، ويواش، وامصيا"، لأن متّى ذكر أن يورام ولد عزيا، والحال أن في سفر الأيام الأول يذكر خلاف ذلك، وهو أن عوزيا هو ابن امصيا، وليس هو ابناً ليورام كما ذكره متّى، بل إن يورام هو جد جد عوزيا1. وإن قيل في حل هذا الشك الذي هو الشك الأول: إنه مكتوب في سفر أستير، التي كان أخذها ابن عمها مردخاي من بعد موت أبيها ورباها، وصارت كابنة له2، وعلى هذا المنوال صار عوزيا ابناً ليورام. فأقول: نعم إن "أستير" صارت بحسب التربية كابنة لمردخاي، ولكن هنا عوزيا لم يذكر عنه أن يورام ربّاه حتى إنه كان يدعى ابناً ليورام، لأن يورام كان قد مات قبل ثلاثة أجيال من ولادة عوزيا، ثم أستير لم يُقَل عنها   1 في النسختين في هذا الموضع "حاشية" وجعل كل مابعدها إلى نهاية الشك الأول من الحاشية، ولا يظهر أن ذلك صحيح لأن الكلام متصل ولا معنى لها. 2 انظر أستير 7:2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 إن [مردخاي ولدها كما قال ههنا متى: إن] يورام ولد عوزيا، بل قال: إن أستير قد صارت كابنة لمردخاي. وأيضاً أقول: إن متّى (ثنى) 1 بتأكيد سلسلته إذ قال: "إن من داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً 2، فيظهر أن كلامه (مرتباً محدداً) 3، يريد به أن يورام ولد عوزيا بالفعل، (وليس عنده علم بنقص ثلاثة أنفار) 4 من سلسلته، الذين لو حسبهم متّى لكان ينبغي أن يكون عدد الأجيال من داود إلى سبي بابل سبعة عشر جيلاً. وإن قيل: إن متّى قد ترك هؤلاء الثلاثة أنفار من سلسلته من أجل أنهم خطاة. فأجيب: وعساه أن يترك الكثير من السلسلة لأنه يوجد من هو (أكثر خطأً) منهم بكثير، مع أنه لم يكن قصده أن يعد [الصالحين فقط، بل] (أراد ذكر) سلسلة ولادتهم، سواءً كانوا صالحين أم طالحين،   1 في النسختين "استثنى" وصوابها ماأثبت. 2 متى 17:1. 3 في النسختين "برتبة تفقيط" ولعله يريد أن كلامه محدد بالعدد المذكور، وصوابها ما أثبت. 4 مابين القوسين في النسختين هكذا "وليس عنده شبهة بأن الثلاثة أنفار ناقصون" وصحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 بحيث إنه ذكر أشقى منهم بكثير. فمن هذه الأدلة [الأربعة] يثبت النقص والتزوير1 في إنجيل متّى. وإن قيل: إن كتاب التوراة قد جرت (فيه العادة) مثل هذا النقص كما ورد في الشك التاسع والعشرين عن سلسلة هارون. فأجيب: إن كان متّى يقتفي آثار التوراة (التي كتب فيها) 2 سلسلة هارون بالنقص، ويستند على العادة، فالنقص المكتوب في التوراة على من تسند عادته. وأيضاً أقول: إن الابن إذا ثبت عليه (عمل فاسد أخذه) 3 عن أبيه فلا يخلصه الاعتذار بأن يقول: هذا العمل هو عادة أخذتها عن أبي، بل إن الحق يعطى للخصم، وأن يُخطأ الاثنان كلاهما معاً.   1 في. د قال "التحريف" بدلاً من "النقص والتزوير". 2 في النسختين "الكاتبة" وفصاحتها ماأثبت. 3 في النسختين هكذا "إذا أثبت عليه ذلة نقص بعادة عن أبيه" وفصاحتها ما أثبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الشك الثاني في إنجيل متّى في الإصحاح الأول يقول: "إن يوشيا ولد يوخانيا، ويوخانيا ولد شألتئيل، وشألتئيل ولد زروبابل1، وزروبابل ولد أبيهود"2. ويناقضه سفر الأيام الأول في الإصحاح الثالث إذ إنه يسحب هذه السلسلة (مخالفاً) 3 لمتّى، لأنه يقول: إن يوشيا، ولد يهواقيم ويهواقيم، ولد يوخانيا، ويوخانيا ولد شألتئيل وأخوه فدايا، وفدايا ولد زروبابل، وزروبابل ولد سبعة أولاد وهم: مشولاهم، وحنانيا، واحشديا، واوهيل، وبارخيا، وحسديا، ويوشحشد، واشموميت، أختهم*.   1 هكذا في النسختين، وفي. ن. ع الأسماء هكذا على الترتيب "يكنيا شألتئيل زربابل". وهذه الحاشية ليست في. د. 2 متى 11:1 3 في النسختين "ضداً" وفصاحتها ما أثبت. (*حاشية: جدول الإنجيل متى التوراة الأيام1 يوشيا يوشيا … ياهوياقيم يوخانيا يوخانيا شألتئيل شألتئيل + فدايا زروبايل زروبابل أبيهود … … الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (إن زروبايل ولد سبعة أولاد ذكور وابنة، ولا ترى واحداً منهم اسمه أبيهود كما ذكر متّى) . صورة التناقض أقول: إن ههنا ثلاث مشاكل: أولاً: إن متّى يقول: إن يوشيا ولد يوخانيا، وفي سفر الأيام الأول يقول: إن يوشيا ولد يهواقيمويهواقيم هو الذي ولد يوخانيا1، فيكون يوخانيا ابن ابن يوشيا، وليس هو ابن يوشيا كما في سلسلة متّى. ثانياً: إن متّى يقول: "إن يوخانيا ولد شألتئيل، وشألتئيل ولد زروبابل"، وفي سفر الأيام الأول قال ضد ذلك: "إن يوخانيا ولد شألتئيل وأخوه فدايا، وفدايا هو الذي ولد زروبابل"2 فيكون شألتئيل عم زروبابل أخا أبيه، وليس هو أباه كما غلط متّى. (وإن قيل: إن سفر عزرا3 ونحميا 4 ذكرا أن زروبابل هو ابن شألتئيل كما ذكره متّى.   1 يوخانيا هو الذي يطلق عليه في. ن. ع "يكنيا". 2 سفر الأيام الأول 19:3. 3 عزرا 3: 2،8 4 نحميا 1:12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فنقول: إن الفرق صار فيما بين نحميا وعزرا وبين سفر الأيام الأول) .1 ثالثاً: إن متّى ذكر أن زروبابل ولد أبيهود، وفي سفر الأيام الأول قال عكس ذلك: إن أولاد زروبابل كانوا بالعدد سبعة، وابنة اسمها اشمونيت2، انظرهم [مسطرين في السلسلة المشروحة تجاهك لاترى واحداً منهم اسمه أبيهود، بل إن أسماءهم متباعدة عما كتبهم متّى الإنجيلي، عدا أن باقي هذه السلسلة من زروبابل إلى عدد ستة أسماء تنتهي بهم سلسلة التوراة المدونة في سفر الأيام الأول جميعهم متغيرون في إنجيل متّى، لأن متى كتب "أن زروبابل ولد أبيهود، وأبيهود ولد ألياقيم، وألياقيم ولد عازر، وعازر ولد صادوق، وصادوق ولد آخين3". وأما في التوراة في سفر الأيام الأول فيعدد أناساً خلافاً للذين عدهم متى، وهم: زروبابل ولد حنانيا، وحنانيا ولد شيخينا4، وشيخينا ولد تعريا5، وتعريا ولد اليوعينا، واليوعينا ولد يوحانان.   1 يقصد أن الاختلاف والتضاد صار بين سفر الأيام الأول وبين عزرا ونحميا. وقد أجاب صاحب قاموس الكتاب المقدس ص425عن ذلك بجوابهم المعتاد وهو قولهم: لعل فدايا أو شألتئيل تزوج بامرأته وأقام نسلاً لأخيه. 2 في. ن. ع "شلومية". 3 في. ن. ع "أخيم". 4 في. ن. ع "شكنيا". 5 في. ن. ع "وبنو شكنيا شمعيا وبنو شمعيا ... ونعريا" فيبدو أنه سقط على المصنف اسم شمعيا بين شكنيا ونعريا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ويظهر من هذه الاختلافات والتحريفات واحد من ثلاثة وجوه: إما أن متّى الإنجيلي جاهل لايعرف هذه السلسلة، أو أن قلماً آخر غريباً زوّر عليه أو أن التوراة مزورة والله أعلم] 1.   1 أثبت النص من. د لوضوحه وفصاحته عن. ت وحسن ترتيبه وقد جعل في. ت الأسماء المذكورة في الحاشية مع اختلاف في ذكر بعضها بعد قوله يوحانان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الشك الثالث في الابركسيس1 في الإصحاح السابع ذكر أن إبراهيم عليه السلام كان قد اشترى المغارة من بني حمور بن شخيم 2، وأما في سفر التكوين في الإصحاح الثالث والعشرين فيقول خلاف ذلك وهو أن: إبراهيم اشترى المغارة من عفرون بن صاحر من بني حث (في حبرون) 3. صورة التناقض يظهر لنا من هذا اختلاف 4: أولاً: اسم ومكان المغارة. وثانياً: تغير أسماء البائعين لها والمشتري هو واحد، لأن في الابركسيس يذكر أن إبراهيم اشترى المغارة من بني حمور بن شخيم [والبلد باسمه -أعني شخيم-] ، وفي سفر التكوين قال: إن إبراهيم اشترى المغارة من عفرون بن صاحر من بني حث. فمن هذين القولين يتبين لنا التناقض عياناً بحيث إنه قد تغير فيهما مكان المغارة، وتغير أيضاً أسماء البائعين لها.   1 يقصد سفر أعمال الرسل وهو في 16:7. 2 في. ن. ع "من بني حمورابي شكيم". 3 التكوين 23: 8-20. 4 قال في. د "يظهر لنا تغييران". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (فعلى العالم النحرير1 أن يحدد باختياروإرادة حرة مكان التزوير إن كان يريد أن يحدده) 2: التوراة القائلة عن البائع إنه كان من عفرون بن صاحر، أو أن يحدده في لوقا الإنجيلي كاتب الابركسيس، والقائل فيه بأن البائع كان من بني حمور بن شخيم. [فعلى كل حال التحريف واقع] .   1 النحرير هو الرجل الفطن المتقن البصير في كل شيء. انظر اللسان 5/197. 2 في. ت الجملة هكذا "فعلى العالم التحرير أن يختار بحرية إرادته أن يربط التزوير إن كان يريد أن يربط" وهو كلام غير مستقيم فعدلته حسب فهمي لمراد المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 الشك الرابع في إنجيل لوقا أيضاً كتب في الإصحاح الثالث أن شالح بن قينان ابن أرفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان، بن انوش1، وأما في سفر التكوين في الإصحاح الخامس2 والعاشر3 فأنقص من ذلك قينان واحد إذ قال فيه: إن آنوش ولد قينان وأرفخشد ولد شالح.*   1 3: 26- 28. 2 9:5. 3 10: 22-24 وفيه ذكر أن أرفكشاد ولد شالح فأسقط قينان. (*) حاشية: (ج   دول الإنجيل (لوقا) التوراة (التكوين) انوش انوش قينان قينان أرفكشاد أرفكشاد قينان شالح وهذه الحاشية ليست في د الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 صورة التناقض: إن التوراة العبرانية الموجودة عند اليهود تضادُّ إنجيل لوقا لأن لوقا يكتب في إنجيله قينانين اثنين: الواحد ابن أرفخشد، والآخر ابن آنوش. وأما التوراة العبرانية فتقول قينان واحد، وهو ابن آنوش ولم تذكر قينان الآخر، الذي هو ابن أرفخشدبل تذكرأن ابن ارفخشد هو شالح، وهذا هو التزوير 1 الظاهر.*   1 في. د قال "التحريف". * حاشية: (وإن قيل في التوراة السبعينية اليونانية موجود في بعض نسخها قينانين اثنين كما ذكر لوقا. فأجيب: إن التزوير في حل المشكل قد تحول وصار فيما بين التوراة السبعينية اليونانية، التي هي الفرع وبين التوراة العبرانية، التي هي الأصل، لأن الاثنتين أعني العبرانية واليونانية هما مسلمتان عند فرق من النصارى، إذ إن الكنائس الغربية تعتبر التوراة العبرانية مثل اعتبار اليهود لها والكنيسة الشرقية تعتبر التوراة اليونانية. ففي أي وقت الكنيسة الشرقية التي تعتبر التوراة اليونانية أثبتت صحتها، أي صحة التوراة اليونانية؛ أثبتنا نحن وهم التزوير على اليهود وعلى الكنيسة الغربية، وأنهم منقصون منها قينان واحد، الذي هو ابن ارفخشد، وإن كانت الكنائس الغربية التي تعتبر التوراة العبرانية التي هي الأصل أثبتت مع اليهود التوراة العبرانية، أثبتنا نحن وهم التزوير في التوراة اليونانية. وفي إنجيل لوقا أيضاً المزوّد فيهما قينان آخر الزائد عن التوراة العبرانية وعلى كلا الوجهين التزوير واقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الشك الخامس في التوراة العبرانية الموجودة عند اليهود في الإصحاح الخامس من سفر التكوين ذكر أن: شيث لما كان عمره مائة وخمس سنين ولد أنوش1، وأما في التوراة اليونانية السبعينية فيقال ضد ذلك: أن شيث لما كان عمره مائتين وخمس سنين ولد انوش. صورة التناقض إن التوراة العبرانية أنقصت مائة سنة من عمر "شيث" عن التوراة اليونانية السبعينية، وهذه التوراة العبرانية التى هي الأصل والمستعملة عند اليهود مقبولة عند الكنائس الغربية2 أيضاً، كما سبق القول وليس سواها، وأما التوراة السبعينية فهي المقبولة عند طائفة الروم3 الملكية وليس سواها، ومن جرّاء ذلك لا نعلم أيما هي التوراة الكاملة أو الناقصة المزوّرة4، وتبع ذلك الفرق وهو نقص السنين5 وزيادتها من عمر   1 6:5. 2 يقصد بذلك البروتستانت منهم. 3 يقصد بذلك الكاثوليك ويدخل فيهم الأرثوذكس في اعتبارهم للنسخة السبعينية وفي. د قال: فهي مقبولة عند الكنيسة الشرقية. 4 في. د "لانعلم أي هي التوراة الصحيحة". 5 في النسختين هكذا "وتبع ذلك مثل هذا الفرق نقص السنين وزودها" وهي ركيكة وعدلتها حسب ما فهمت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 "شيث" إلى عمر سيدنا نوح، أي نقص أعمار الأشخاص مع نقص عمر قينان الزائد الذي ذكرناه سابقاً فرق بين التوراتين1، هو ألف وأربعمائة وسبع وخمسون سنة*. وهذا النقص والتزوير فيما بين التوراتين لايلزمه إثبات2، لكونه مشهوراً عندهم بالتاريخ الذي لأبينا آدم عليه السلام لأنك إذا سألتهم: كم التاريخ الذي من أبينا آدم إلى سيدنا عيسى عليهما السلام؟ فالروم3 تقول: خمسة آلاف وخمسمائة وثمان سنوات، [والكنائس الغربية] 4 (الإنجيلية) تقول: أربعة آلاف وواحد وخمسين سنة، فيكون الفرق كما   1 أي فرق التاريخ بين التوراة السبعينية اليونانية والعبرية كما سيوضح المؤلف. * حاشية: "وهذه صورة الفرق من آدم إلى المسيح: تاريخ الكنائس الغربية عده: 4051 تاريخ الكنائس الشرقية: 5508 الفرق بينهما عده: 1457". وهذه الحاشية ليست في. د 2 يقصد برهان. 3 وهم الكاثوليك الأرثوذكس لأنهم الذين يأخذون بالنسخة اليونانيةوالتأريخ فيها أكثر من التأريخ في العبرية. 4 في. ت. قال: "وأتباع البابا" وهذا خطأ لأن البابا هو رأس الكاثوليك وهم يعتبرون النسخة اليونانية بخلاف الكنائس الإنجيلية التي هي البروتستانتية فإنها تعتبر النسخة العبرية وما أثبت من نسخة. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 حررنا أعلاه قبله: ألفاً وأربعمائة وسبعة وخمسين سنة لا غير، وهذا تزوير ظاهر.*   * حاشية: (اعلم أنه أيهما من التوراتين أثبتتا أنها صحيحة فيلزم أن يكون التزوير موجوداً عند الفرقة التي تحامي عن صدق التوراة الثانية التي بيدها كما مرّ في الشك الرابع) . وهذه الحاشية ليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الشك السادس في إنجيل لوقا في اللغة اللاّتينية في الإصحاح العاشر يذكر أن من بعد ذلك رسم الرب اثنين وسبعين تلميذاً، وأما في النسخة اليونانية فيذكرأنه رسم سبعين1. صورة التناقض إن حواريي سيدنا عيسى غير الاثنى عشر في أناجيل الغرب2 في اللغات الموجودة فيها: أن عددهم اثنان وسبعون تلميذاً، وأما في كنائس اليونان فموجود في إنجيلهم بأن عددهم سبعون، وهذا تناقض ظاهر، إذ إن أناساً من النصارى تعتقد بأن النسخة اليونانية هي الصادقة، وأن عدد الحواريين سبعون، وأناساً يعتقدون بخلافهم بأن النسخة اللاّتينية هي أصدق، وأنهم اثنان وسبعون، فلا يخلو صدق الواحدة من بطلان الأخرى، (وهذا هو المطلوب لبيان التزوير) .   1 1:10. 2 يقصد الغرب وهم اللاتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الشك السابع في إنجيل مرقص في الإصحاح الخامس عشر قال عن موت المسيح على زعمهم: إنه كان نهار الجمعة بعد الساعة التاسعة بقوله: "فأما يسوع فصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح، ولما كانت الجمعة التي قبل السبت"1. وأما لوقا في الإصحاح الرابع والعشرين فيذكر عنه قيامته فيقول: "وفي أحد السبوت باكراً جداً أتين إلى القبر فلم يجدن جسد يسوع"2. فأما متّى في الإصحاح الثاني عشر فيقول عن كلام عيسى إنه قال: "كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي، هكذا يكون ابن البشر في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي"3.   1 مرقس 15: 37 وفيه "فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح ... ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ماقبل السبت". 2 لوقا 24: 1 وفيه "ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع". 3 متى 12: 40 وفيه "لأنه كما كان يونان النبي في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 صورة التناقض إن ههنا حصل التناقض في الزمان بحيث إن معنى (كلام) مرقص والإنجيليين (الآخرين) أن عيسى مات نهار الجمعة بعد الساعة التاسعة، ويوافق (على ذلك) أيضاً لوقا معهم [عن] قيامته، وأنها كانت نهار الأحد باكراً جداً، فتكون إقامته في القبر ساعة واحدة من آخر نهار الجمعة1، وليل السبت ونهاره، أربعاً وعشرين ساعة، وليل الأحد إلاجزءاً لحين الغلس، فلنفرضها إحدى عشرة ساعة، فتكون جملة الساعات التي مكث فيها بالقبر ستاً وثلاثين ساعة. ومتّى الإنجيلي قال عن عيسى2 إنه قال: إنه يكون في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال جمعها اثنتان وسبعون ساعة، فهذا هو الفرق الأول الواقع فيما بين ست وثلاثين ساعة، وبين اثنتين وسبعين ساعة. والفرق الثاني هو مخالفته في ثلاثة أيام وثلاث ليال، لأن بقاءه في الأرض لو حسبنا الساعة من آخر نهار الجمعة [سميناها] يوماً بلا ليلة،   1 لأنه على زعمهم أنه مات في الساعة التاسعة بعد العصر وهذا على التوقيت الغروبي الذي يجعل النهار ثنتي عشرة ساعة آخرها وقت الغروب فيكون أدخل القبر بعد التاسعة فيكون مكثه في القبر ساعة أو أزيد قليلاً من نهار يوم الجمعة. 2 في. د قال "يكتب عن تعليم عيسى أنه قال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 وليلة السبت ونهاره سميناه يوماً كاملاً، وليل الأحد الناقص سميناه ليلة بغير نهار، فتكون الجملة يوماً واحداً كاملاً، ونهاراً وليلة ناقصين، فمن أين يكمل قوله: ثلاثة أيام وثلاث ليال. وإن قيل في حل هذا الشك (الذي هو الشك السابع) : إن الظلمة التي ذكرها مرقص الإنجيلي التي كانت نهار الجمعة من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة1 قد تحسب ليلة ونهارها يسبقها 2 فأجيب: إنه في وقت الظلمة لم يكن المسيح مات بعد، ولا قُبِرَ في بطن الأرض على زعمكم، [ومع ذلك أننا إذا حسبنا الظلمة بالتقدير المحال، فلا تكفي لتكميل الحساب المطلوب] . وإن قيل أيضاً إنه من حين أعطى جسده لتلاميذه مساء الخميس   1 15: 23 وفيه "ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة". 2 من قوله "وإن قيل في حل هذا الشك" إلى قوله "ونهارها يسبقها" ورد حاشية في. ت وهو ضمن المتن في. د وهو الأصوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (وأكلوه1 يمسك الحساب) على رأي الذهبي2 [مفسر الإنجيل] ، ويعتبر بالجواب أنه دفن في بطونهم بواسطة الخبز مجازاً. فأجيب: إن هذا الجواب هو أعقم من الذي قبله، لأن الذي دفن في بطونهم بواسطة الخبز لم يقم في اليوم الثالث، كما قال: إنه في اليوم الثالث يقوم (فعلا) ، ولا كان تألم فعلاً، [ولا دفن حقيقة على زعمكم، كما قال إنه قبل دفنه يتألم فعلاً] 3. وثانياً: إن رأيكم هذا يجوز لو كان لم يتألم فعلاً، ولم يدفن حقيقة على زعمكم (الباطل) في بطن الأرض، وكان يمكن أن يقبل تفسيركم بأنه دفن في بطون التلاميذ مجازاً، (معبراً عن ذلك بأكل) 4 الخبز والخمر، ولكن حيث دفن جسده حقيقة في بطن الأرض، فلا محل   1 وذلك في لوقا 22: 19"وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري". 2 يبدو أنه يقصد فم الذهب، من آباء الكنيسة ومعلميها، لقب بالذهبي الفم لبلاغته. توفي سنة 407م. انظر المنجد ص754 3 الجملة فيها ركاكة ومراده أنه لو كان حساب الثلاثة أيام من أكلهم للخبز الذي اعتبروه جسد المسيح، فذلك مجاز فيكون سائر ماذكره من تألمه ودفنه كل ذلك مجاز غير حقيقي. 4 في النسختين هكذا "تحت أعراض الخبز والخمر" ولامعنى لها وماأثبت هو مافهمت من مراده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 للمجاز مطلقاً، وهذا تزوير. (ويدل على) أنه ما مات بل شُبِّه لهم [كما أخبرت الآية الشريفة] 1.*   1 مراده بالآية قوله تعالى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما} النساء آية (156-157) . * حاشية: (ويا للعجب كيف يقول ما قال النصارى: إن جسد عيسى اندفن في بطون التلاميذ بواسطة الخبز مع أنه كان حياً، وكيف استجازوا أن يقولوا: إنه مات وهو بعد لم يكن تألم أو ربما كان يجوز عندهم أنه اندفن قبل أن يموت بالحقيقة بخٍ بخٍ من كذا رأي سقيم وسماع أسقم) وهذه الحاشية ليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الشك الثامن في إنجيل متّى ذكر عن عيسى في الإصحاح العاشر أنه قال: "لا تملكوا فضة ولا ذهباً ولا نحاساً في مناطقكم ولا همياناً في الطريق، ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا"1. وأما مرقص في الإصحاح السادس فيقول ضد ذلك: فقد أمرهم يسوع أن لا يأخذوا شيئاً في الطريق غير عصا فقط لا خرجاً ولا نحاساً في مناطقكم إلا نعالاً2.* صورة التناقض إن متّى كتب كل الوصايا التي ذكرناها بالسلب بقوله: "لا تملكوا ذهباً ولا فضةً ولا نحاساً [في مناطقكم] ولا أحذية ولا عصا"، وأما مرقص فيقول مثلما قال متّى بالسلب، لكن ليس كل الوصايا، بل إنه استثنى (الأحذية والعصا، مضاداً لمتّى لأنه يقول: غير عصا إلا نعالاً،   1 متى 10: 9 وفيه "لا تقتنوا ذهباً ولافضة ولانحاساً في مناطقكم ولامزودا للطريق ولاثوبين ولاأحذية ولاعصا". 2 مرقس 6: 8. * حاشية: (وإن قال بعض المتأخرين ربما يكون ذلك إرسالين. قلنا: إن المتقدمين وقريبي العهد قد قالوا: إن الارسال واحد ومن القرائن يعلم ذلك.) وهذه الحاشية ليست في د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 يعني أنهم يأخذون أحذية وعصا وذلك خلافاً لمتى كما قلنا) 1. وهذا تناقض ظاهر2.   1 العبارة في. د "أنه استثنى بالإيجاب غير العصا إلا نعالاً خلافاً لمتى أعني أنهم يأخذون أحذية وعصا". 2 جاء في. د بعد هذه العبارة نص قريب من معنى الحاشية السابقة والساقطة من. د وهو "وربما يظن البعض أن هذا القول كان وقوعه في زمانين أعني إرسالين: فأجيب: إن المفسرين للمقال من آباء النصارى وعلمائهم القريبي العهد لزمان عيسى يفسرونه بأن صدور المقال كان في زمان واحد، والإرسال هو واحد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الشك التاسع في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثاني كتب أنه "في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل"1 أي هيكل سليمان. وأما في سفر الملوك [الثالث] في الإصحاح السادس قال ضد ذلك وهو: "فمن هذا كمال2 البيت في جميع أموره وزينته وبناه في سبع سنين"3. صورة (النقض بالزمان) في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثاني قال: إن عمارة الهيكل كانت في ست وأربعين سنة إلى انتهائها، وفي سفر الملوك ينقض هذا القول بأن كمال البيت كان في سبع سنين، فهذا مع أنه تناقض، إلا أن الفرق بين السبعة والست والأربعين كبير5. وإن قيل في حل هذا الشك: إن مقصد يوحنا في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل، من حيث إنه بعد عمارته الأولى التي ذكر عنها في سفر الملوك الثالث: إنها تمت في سبع سنوات، (ثم) عاد انهدم وعمر مرة   1 2: 20. 2 في. د قال "الجمال" وهو خطأ. 3 الملوك الأول 6: 28 وفيه "أكمل البيت في جميع أموره وأحكامه فبناه في سبع سنين". 4 في. د قال "التناقض". 5 في النسختين "مبالغة" وهي ركيكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أخرى أيضاً. فلربما تكون جملة السنين الأولى والثانية في كلام يوحنا ستاً وأربعين سنة فأجيب: كلاّ، لأنه في سفر عزرا كتب أن ابتداء تعميره الثاني، الذي حصل بعد الانهدام كان في السنة الثانية من ملك داريوس1، ولما انتهى زمان العمارة كان في السنة السادسة2 [من ملكه] ، (فتكون العمارة الثانية تمت في أربع سنوات) 3، فإذا أضفنا هذه الأربع سنوات إلى السبع التي عمر بها سليمان البيت فتكون إحدى عشرة سنة، فلا تكمل الست وأربعين سنة المذكورة في يوحنا. وإذا قيل: إن قبل داريوس ابتدأ اليهود في وضع الأساس، (وذلك) في زمان قورش4 ومنعوا كما ذكر عزرا، وبعده في زمان داريوس5 أكملوه، فلربما تكون هذه المدة مكمّلة لما قاله يوحنا. فأجيب: أنه إذا حسبنا من حين وضع الأساس بأمر قورش، إلى حين بدء تعميره ثانية في السنة الثانية من ملك   1 عزرا 4: 24. 2 عزرا 6: 15. 3 في النسختين "كأنه استقامت العمارة الثانية أربعة سنوات" وهي ركيكة. 4 عزرا 1: 3 5 عزرا الإصحاح الرابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 داريوس لا تجمع [جملة] المطلوب، لأن جملة هذه المدة تجمع أربع عشرة سنة، كما ذكر في سفر عزرا، (ومدة) تعميره الثاني أربع سنين التي أولها كان السنة الثانية من ملك داريوس، (وانتهى في السنة السادسة من ملكه) كما ذكرنا، فإذا أضفنا السبع سنين الأخرى التي عَمّره فيها سليمان، فيكون الفرق الباقي المظهر للتناقض والتزوير إحدى وعشرين سنة. وهذا المعدل فيه الكفاية عند أرباب علم الحساب وذوي العقول السليمة أن يدركوا أنه تناقض بالحقيقة، إذ إنه في سبع سنين تمت عمارته الأولى وأربع سنوات أخرى التي تم بها عمارته الثانية وأربع عشرة سنة فاصل فيما بين وضع الأساس وبين البناء وإن فرضنا1 هذه الأربع عشرة سنة تقدير محال، فتكون الجملة خمساً وعشرين سنة، فلنخرجها من أصل الست والأربعين التي ذكرها يوحنا، فيكون الفرق إحدى وعشرين سنة. ومنها (يظهر) ظاهراً التناقض والتزوير2.   1 في. ت قال "ولئن كانت". 2 من قوله "وإن قيل في حل هذا الشك" ص260 إلى نهاية الشك جعله حاشية في النسختين، ويبدو لي أن ذلك خطأ، والصواب ماأثبت وأنها من المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الشك العاشر في سفر تثنية الاشتراع في الإصحاح الرابع والعشرين قالوا: "لا تقتل الآباء عوض البنين ولا البنون عوض الآباء"1. وأما في سفر الخروج في الإصحاح العشرين فقال ضد ذلك وهو قوله: "اجتزي ذنوب الآباء من الأبناء إلى ثلاثة وأربعة أجيال"2. صورة التناقض هذا الاشكال مع كونه تناقض ظاهرإلا أنه ظلم محض3، إذ إنه في موضع قال: إنه يقتص4 من الشخص (البرئ) عن غيره، وهو الظلم الذي ذكرناه، وفي موضع آخر يناقض كلامه السابق: بأن لايقتص من البنين عوض آبائهم. (ومثله يوجد تناقض آخر في إرميا في الإصحاح الحادي والثلاثين) : "ولكن كل واحد يموت بإثمه"5، ويقول هو نفسه في الإصحاح الثاني والثلاثين: "وتروا إثم الآباء على حضن أبنائهم"6   1 تثنية 16:24 وفيه "لايقتل الآباء عن الأولاد ولايقتل الأولاد عن الآباء". 2 الخروج 5:20 وفيه "افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي". 3 في. ت "إن هذا الإشكال هم إنه تناقض ظاهر هم ظلم محض" وما أثبت من. د ويبدو أن ماورد في. ت على لغة أهل العراق العامية وتعني أيضاً. 4 في الموضعين في النسختين "يقاصص". 5 إرميا 30:31 وفيه "بل كل واحد يموت بذنبه". 6 إرميا 18:32 وفيه "صانع الإحسان لألوف ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 فأولاً: إن هذين النصين عدا أنهما متنافران، إلا أن أحدهما أعني قصاص شخص غير مذنب 1 عن شخص آخر مذنب مباين للعدل مباينة كلية. وثانياً: يؤكد (إجراء) هذه الشريعة الظالمة بوجه أبلغ بولص بقوله إلى أهل رومية 2: "وكما أن بذنب إنسان واحد صار إلى جميع الناس الشجب"3، يعني أن البشر كلهم بقوا تحت الخطيئة التي لآدم*،   1 في. د قال "مؤثم" بدلاً من مذنب. 2 قال في. د "فإن كان منه اسم واحد مات كثيرون" ولامعنى لها. 3 رومية 12:5 وفيه "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم". * حاشية: (اعلم أنّ شجب البشر بسبب خطيئة جدهم آدم هو المركز والقاعدة في الديانة النصرانية وليست ظلماً) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فكيف يقبل العقل مثل هذا الظلم (القسري) ، ويسلم بمثل هذا التناقض، أذ إن هذا الشك مع أنه ظلم محض، فهو تناقض 1.   1 في. ت "إذ أن هذا الشك هم أنه ظلم بليغ هم تناقض" وماأثبت من. د وفيه "مع أن بعضه ظلم إلا أنه تناقض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الشك الحادي عشر في سفر الأيام الثاني في الإصحاح الحادي والعشرين ذكر أن يورام لما كان عمره اثنتين وثلاثين سنة نصبوه ملكاً، وقد تملك ثمان سنين ومات1، وأقيم بعده ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وملك سنة واحدة 2. صورة التناقض إن ههنا أخبرت التوراة أن يورام لما كان عمره أربعين سنة مات، وملك ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، فكأن أخزياهو قد خلق قبل أبيه بسنتين، وما أدري كيف أن الابن يخلق قبل الأب بسنتين، وهذا لايتكلم به عاقل. وإن3 [قيل في حله: بأن في سفر الملوك الرابع مذكورة هذه القصة، (وفيها) أنه لما مات يورام كان ابن أربعين سنة، (فجعلوا) ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وعشرين سنة 4 وهذا هو الحق.   1 أخبار الأيام الثاني 5:21. 2 أخبارالأيام الثاني 22:1،2. 3 هنا خرم في نسخة. ت إلى آخر الكلام على الشك العشرين فيكون مقدار الخرم فيه بقية الكلام على الشك الحادي عشر وتسعة شكوك أخرى أما نسخة. د فهي كاملة. 4 المذكور في سفر الملوك الثاني 8: 25 "وفي السنة الثانية عشرة ليورام بن أخاب ملك إسرائيل ملك أخزيا بن يهورام ملك يهوذا كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 فأجيب: نعم، ولكن هذا الجواب لاينفي التحريف بل يؤكده، بحيث قد بقي الفرق فيما بين سفر الأيام الثاني وبين سفر الملوك الرابع. وهذا هو المطلوب لبيان التحريف، لأن في التوراة اليونانية أيضاً مذكوراً في السفرين، بأن أخزياهو كان ابن اثنتين وعشرين سنة لما ملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 (الشك) الثاني عشر في الإصحاح العشرين في سفر الخروج قال "وإن عملت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه لي من حجارة يصيبها الحديد، لأن ما أصابه الحديد يتنجس".1 صورة الركاكة إن هذا القول نسبوه لله تعالى، وحاشاه من أن يتكلم بمثل هذا الكلام الذي لا يقبله العقل، لأن من يقول: إن المذبح الذي يعمل لايكون من حجارة معمولة بالحديد، لأن ماأصابه الحديد يتنجس، أما ينظر إلى الذباح على المذبح ذاته كيف يذبح بالحديد، وأعمال البشر جميعها من القبة والألواح المنحوتة وبناء الهيكل وعمل الأواني، أما يفطن إليها كلها مصنوعة من البشر بواسطة الحديد!! وماورد لها تطهير في الشريعة، فلا يخلو إما أن يكون البشر وأعمالهم، والقبة وأوانيها، والهيكل والذبائح، كلها تنجست بواسطة الحديد، أو أن الآية فيها تزوير على الله.*   1 الخروج 20: 25 وفيه "وإن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة إذا رفعت عليها إزميلك تدنسها". * حاشية: (إن أحبار اليهود يحلون هذا المشكل بجواب مضحك إذ يقولون عن حجارة البيت كلها وأنها لم تكن قطعت في حديد بل إن دودة يضعونها على الصخر فكانت تقطعه مستقيما من غير حديد لئلا يتنجس فأجيب: أولاً -أنه ماذكر في التوراة ولافي خلافها عن هذه الدودة أنها موجودة ثانياً -أنه لو كانت موجودة هذه الدودة لما كان أرسل سليمان ثمانين ألف نحات. القضية الثانية المزورة أيضاً على سليمان عليه السلام مع تقطيع الحجارة لأجل بناء الهيكل: السبعين ألف حمال والثمانين ألف نحات، الذين لم توجد في مملكة مثل المملكة العثمانية السامية التي أرض مملكة سليمان مع اليهودية بأجمعها وقتئذ لم تساوي قيراطاً من المملكة العثمانية المذكورة. ثالثاً -إن كانت هذه الدودة قطعت الحجارة لئلا تتنجس فعمل الطين للبيت وكنسه وباقي المنجدرات والمخبوطات بأي آلة كانت تعمل!!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 (الشك) الثالث عشر في إنجيل متى في الإصحاح التاسع يقال للأعميين اللذين شفاهما المسيح، "فانفتحت أعينهما فانتهرهما يسوع قائلاً: لا يعلم أحد".1 (الشك) الرابع عشر في إنجيل مرقس في الإصحاح الثامن قال للأعمى الذي شفاه وأرسله إلى بيته قائلاً: "اذهب إلى بيتك وإن دخلت القرية فلا تقل لأحد".2   1 في. د. "ألايعلم أحد" وما أثبت كما في متى 9: 30 وهو أوضح. 2 مرقس 8: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 (الشك) الخامس عشر في مرقص في الإصحاح الخامس قال: "إن المسيح لما أقام الميتة أمرهم كثيراً بأن لايعلم أحد".1 (الشك) السادس عشر في إنجيل مرقس في الإصحاح السابع يقول عن شفاء الأخرس والأطرش "وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم حسناً، وأوصاهم ألا يقولوا لأحد شيئا، فأما هم بقدر ماكان يأمرهم بقدر ماكانوا يزدادون مكررين".2 (صورة التحريف) إن المقول في هذا الشك والمقول في الثلاثة شكوك (السابقة) بمعنى واحد، إذ إنها محتوية على الركاكة، لأنه كيف يمكن للأعميين أن يخفيا أعينهما لكي لايعلم أحد، وكيف الميتة التي أقامها بين أنفار كثيرين أن ينكتم أمرها، أو الأخرس والأطرش الذي صار له سنوات قد نظروه   1 مرقس 5: 43. 2 مرقس 7: 35-36 وفيه "وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيماً فأوصاهم أن لايقولوا لأحد ولكن على قدر ماأوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيرا". 3 في. د كتب عنوان "السابع عشر" وهو خطأ لأنه أورد بعده السابع عشر كما سيأتي، فيبدو أنه سبق قلم من الناسخ، وكتبت العنوان على العادة التي يتبعها المصنف رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 صار يسمع ويتكلم، وذاك الأعمى الوحيد كيف يجوز العقل أن يخفى أمرهم! فالموصي في إخفاء مثل ذلك هو غير مدرك أن وصيته ممتنع أن تأخذ مفعولها، وهذه الركاكة الكلية حاشا سيدنا عيسى منها، ومن أن يتكلم في مثل هذه الوصايا، التي لايمكن أن تجري*.   * حاشية: (قد يقول النصارى في حل الإشكال إن سيدنا عيسى كان يجب أن يخفي ذلك، لكي يعلمهم بأنه ماكان قصده الافتخار ولا شفاهم لأجل الشرف، بل كان لأجل مجد الله، ولذلك كان يعلم بأن لايقال لأحد، فأجيب: أنه إذا كان سيدنا عيسى شفاهم لأجل مجد الله فينبغي له إظهاره، كما قال هو عن نفسه - في موضع آخر للذي شفاه -: "اذهب وخبر بما صنع الله بك ورحمته إياك"، أو أن يصمت عن أن يأمرهم في وصايا غير ممكن تنفيذها، لا بل معصيتها واجبة، لأنه كيف يمكن للأعمى إذا سئل من الذين كانوا يعرفونه أعمى بأن يكذب ويقول: أنا ماكنت أعمى، ولاالمسيح شفاني وكذلك الميتة التي أقامها، كيف كان يمكنها هي وأهلها بأن يقولوا هذه ما ماتت، وما أقامها المسيح، وكذا الأعميان والأطرش. فهذا ليس ركاكة فقط بل سفاهة وقصور، بحيث لا يمكن حصوله، وهو من قضايا المغفلين، مع أن القصد بعمل الآيات إظهارها لا إخفاؤها، لكونها أقوى وأنفد من كل منذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 (الشك) السابع عشر في إنجيل لوقا في الإصحاح الثاني عشر قال بعد قوله: "لا تهتموا بأنفسكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون، بأن من منكم إذا هم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً، فإن كنتم لا تستطيعون ولا ماهو صغير فكيف تهتمون بالبواقي".1 صورة الركاكة إن معناه ههنا: لا تهتم بالغد ماذا تأكل؟ أو ماذا تلبس، وضرب مثلاً بأنه: إن كنتم لاتقدرون أن تزيدوا على قامتكم ذراعاً واحداً فكيف تهتمون بالبواقي. فكأنه يقول: إن الحصول على مؤونة الغد شاق وصعب، أما التطويل للقامة فهو ممكن الحصول. والحال أن الأمر (بالعكس) ، لأن الاهتمام بالغد يقع مع الأكثر ويفعلونه، وأما التطويل للقامة ما وجد على الإطلاق، ولا قدر على فعله إنسان.   1 لوقا 12: 22-26 وفيه ((لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة، فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر فلماذا تهتمون بالبواقي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فكيف عيسى عليه السلام يصعب الممكن صنعه، وبجعل الهين المصنوع ممتنعاً* (والمستحيل الغير ممكن صنعه يجعله هيناً) 1، فهذا الأمر لا يتصوره عاقل. والذي يؤكد تزوير هذا المثال شرح صورته الصحيحة في إنجيل متى الإصحاح السادس2، حيث (ذكره بدون الجملة المزورة) ، التي هي "فإن كنتم لا تقدرون ولا ماهو صغير كيف تهتمون بالبواقي".3   * حاشية: (اعلم أنه وإن قيل إن الاهتمام بالغد هو برتبة الممتنع كما ظنه بعض المفسرين، فلذلك جاز عندهم ضرب الممتنع بالممتنع. فالجواب عليه نقول: إن قدرنا أن الاهتمام بالغد ممتنع مع استحالته فالممتنع لا يمنع منه، لأنه لا ترد به شريعة مطلقاً، أي أن الشارع لا يحكم عليه بالمنع، لكونه إن منعه، وإن لم يمنعه غير ممكن للإنسان عمله. ومثال هذا: كما أنه إذا قال إنسان: إني أريد أن أطير اليوم مع الطيور، وأنا مهتم بذلك، فلا يقتضي من العقلاء أن يمنعوه، لأنه ممتنع طيرانه بالطبع. ثم نقول: والنتيجة من ذلك إن قالوا: إن الاهتمام بالغد ممكن، فقد ورد عليه الجواب من المؤلف رحمه الله تعالى، وإن قالوا: إنه ممتنع، قلنا: إن الممتنع لا يمنع منه، وجميع الأجوبة التي تقدر في هذا الباب تدخل تحت هذين الحدين: إما ممكن أو ممتنع، وكلاهما منقوضان. ثم نرى أن الاهتمام بالغد، الذي جعله المزور ممتنعاً، وأسنده إلى عيسى عليه السلام هو أمر طبيعي مرتبط بالرجاء الطبيعي، لأن القمح مع أكثر المزروعات لا تخرج من الأرض إلا سنوياً في أيام معلومة، وبالضرورة يلتزم البشر في حفظها ويهتمون لصيانتها ليكمل معاش السنة. وقد يلحظ من كل ماذكرنا أن المزور على عيسىعليه السلام في هذا المثال، -إن الاهتمام بالغد هو أبلغ من التطويل للقامة -هو رجل مبغض لعيسى عليه السلام. 1 ما بين القوسين ليس في. د ولابد منه ليتم الكلام. 2 إنجيل متى 6: 25-29 فقد ورد فيه المعنى السابق إلا أنه لم يذكر فيه الجملة الأخيرة التي أشار إليها المصنف رحمه الله 3 لوقا 12: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 (الشك) الثامن عشر في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا يقول عيسى لليهود "قد كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق هي فأنا أشهد لنفسي وأبي الذي أرسلني يشهد لي" 1. صورة الركاكة فأقول حاشا سيدنا عيسى أن يذكر مثل هذا الكلام السخيف، لأنه هو المدعي وهو الشاهد لنفسه، كأنه غير عارف معنى الشريعة التي ذكرها، أن المدعي يقتضي أن يستشهد اثنين خلاف شخصه، فالمسيح كيف يقول عن ذاته: إنه هو يشهد لنفسه، وأبوه هو الشاهد الثاني، الكلام الذي هو مضاد للعقل، ومضاد أيضاً لنقله، الذي هو استند عليه بقوله "كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق"، مع أنه كان يكفي عن قوله "كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق "أن يقول أبي يشهد لي فقط، فالمؤمن يصدق، وغير المؤمن لا يصدق، ففي الوجهين أولى من ورود هذه الدعوى2، التي يظهر أنها مزورة عليه وهو بريء منها، لكونه له معرفة تامة بالشريعة.   1 يوحنا 8: 17-18. 2 يعني في الحالين تصديق من يصدق وتكذيب من يكذب أولى من ادعاء هذه الدعوى الباطلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 (الشك) التاسع عشر في الإصحاح السابع والعشرين من إنجيل متى قال "حينئذ تم ما قيل في إرميا النبي وأخذوا الثلاثين الفضة ثمن المثمن الذي أثمنه بنو إسرائيل وجعلوها في حقل الفخار كما أمرني الرب".1 صورة التزوير هذه الشهادة التي ذكرها، وأنها من نبوة إرميا ليس لها وجود في نبوة إرميا، بل هي موجودة في نبوة زكريا في الإصحاح الحادي عشر2. فالحاكم العاقل له أن يحكم في أحد ثلاثة وجوه: إما بعدم معرفة متى الإنجيلي، وأنه ما أدرك إن كان إرميا كتبها أو زكريا، أو بتحريف هذه الشهادة في إنجيله، وإما أن قلماً آخر غير موضعها في التوراة.   1 متى 27: 9-10. 2 زكريا 11: 12-14 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الشك العشرون في إنجيل يوحنا في الإصحاح التاسع يقول: "بينما يسوع كان مجتازاً رأى رجلاً أعمى مولوداً فسأله تلاميذه قائلين: من أخطأ أهذا أم أبواه حتى أنه ولد أعمى؟ أجاب يسوع وقال: لا هذا أخطأ ولا أبواه، ولكن لتظهر أعمال الله فيه".1 صورة التحريف إن هذا الرجل الذي ولد وهو أعمى: متى أخطأ، حتى أنهم سألوا سيدنا عيسى: من أخطأ أهذا أم أبواه، حتى أنه ولد أعمى2؟ فلابد أن يظهر من سؤالهم هذا أنه كان في الدنيا قبل هذه المرة ومات، [وقد بقي عليه خطايا كما تزعم اليهود إلى الآن] ، ولما رجع إلى الدنيا ثانية؛ أعني في زمان عيسى اقتص منه بالعمى في جوف أمه عن خطئه السابق قبل موته الأول. وهذا المعنى الوارد منهم، أعني أن الإنسان يوجد في العالم ويموت ثم بعده يرجع ويعيش، لا يخلو: إما أن يكون عيسى قد سلم به واستصوبه، بحيث أنه لم ينقضه عليهم ويقول لهم: أيا جهال متى أخطأ هذا؟ أقبل ولادته؟ وإما أنه ما فهم منهم قوة معنى كلامهم، ولا أدرك قوة مصادقة كلامه الذي أورده لجواب كلامهم أي قوله: لا هذا المخطئ ولا أبواه. وعلى الحالتين الركاكة والقصور في الاعتقاد موجودان.   1 يوحنا 9: 1-3. 2 إلى هنا نهاية السقط الذي في نسخة ت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الشك الحادي والعشرون في سفر التكوين في الإصحاح التاسع يقول: فلما نظرحام أبو كنعان عرية أبيه أنها مكشّفة أخبّر إخوته خارجاً، فلما استيقظ نوح من الخمر وعلم ماعمل به ابنه الأصغر فقال: ملعونٌ كنعان بن حام ويكون عبداً لعبيد إخوته 1. صورة ظلم كنعان إن حاماً أبا كنعان هو الذي نظر عرية أبيه نوحا، وأما اللعنة من نوح فكانت على كنعان بن حام، عوضاً عن أن تكون على حام، الذي نظر عرية أبيه، وهذا الوجه ظلم لامناص منه مطلقاً، بحيث إنه حسب تقرير التوراة أن حاماً هو الذي أخطأ، واللّعنة صارت على ابنه كنعان*.   1 تكوين 9: 22-25 وفيه ((فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً … فلما استيقظ نوح من خمره علم مافعل به ابنه الصغير فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته)) .ولا شك أن اليهودقد كذبوا على نوح عليه السلام وذلك من افتراءاتهم على أنبياء الله التي ملأوا بها كتابهم، فما سلم من طعنهم وافترائهم أحد من الأنبياء، ونوح عليه السلام قد وصفه الله عز وجل بأنه عبد شكور. قال تعالى في معرض الامتنان على بني اسرائيل: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} الإسراء 3، فكيف يتأتى من نبي من أنبياء الله أن يرتكب هذا المنكر العظيم –سبحانك هذا بهتان عظيم–، وما افترى اليهود هذه الفرية على نوح عليه السلام إلا لأجل أن يتوصلوا إلى لعن كنعان أبي الكنعانيين ووصفه بالعبودية لإخوته، وذلك لأن الكنعانيين كانوا أعداء بني اسرائيل الألداء، فأرادوا أن يطعنوا بهم بذلك، وهذا دليل على حمقهم وتغفيلهم وفسقهم، لأن دلائل الكذب ظاهرة في النص كما شرح المصنف رحمه الله * حاشية: (وإن قيل من أحبار اليهود والنصارى إن حاماً هو كان ابن البركة، وليس من الواجب أن يلعن وإن كان كنعان ابنه قد تحولت عليه اللّعنة من حيث أمه قد حملت به أيضاً وهم ضمن السفينة، فمن هذين الوجهين اقتضى تحويل اللّعنة من حام إلى ابنه كنعان. فأقول: إن هذين الوجهين لايبرءان حاماً من القصاص، ولا يوجبان اللّعنة على كنعان، لأنه إن كان حام هو المبارك وأخطأ لا يلزم أن يلعن كنعان ابنه عوضه، وإن كانت أم كنعان حملت به وهم ضمن السفينة، لا يلزم أن يلعن، بل الحكم كله على أبيه، الذي زرعه في السفينة، [وهو الذي ضحك لما نظر عرية نوح] ، وعلى جده نوح أيضاً، الذي تزورت عليه أنه كان سكراناً، وعلى كلا الوجهين فلعنة كنعان من جده نوحٍ عوضاً عن أبيه حام هي إما ظلم وإما تحريف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (الشك) الثاني والعشرين في إنجيل متّى في الإصحاح السادس عشر العدد الحادي والعشرين1 قال: "وبدأ من ذلك الزمان يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يمضي إلى أورشلم ويقبل آلاماً كثيرة من المشيخة والكتبة ورؤساء الكهنة ويقتل ثم يقوم في اليوم الثالث، فاتخذه بطرس وبدأ ينهاه قائلاً: حاشاك يارب أن يكون لك هذا، فالتفت يسوع وقال لبطرس: اذهب خلفي يا شيطان لأنك أنت لي شكٌ لأنك لا تفكر فيما لله بل فيما للناس".   1 متى 16: 21،22 وفيه ((من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم من كثير الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يارب لا يكون لك هذا فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (صورة) ظلم بطرس: فأقول: إنه إذا كان سيدنا عيسى يعلم بأن من قال لأخيه: يا أحمق، وجبت عليه نار جهنم، فكيف يجعل من يستعطفه شيطاناً، الذي قال له: "حاشاك يارب" -وبالحق حاشاه - كان الجواب له: اذهب خلفي ياشيطان. ففي (تلك) المشاكل السابقة كنا ننظر قصاصاً بليغاً على خطايا جزئية، وقلنا إنها ظلم بلا شك، فهذا الذم الوارد على من يستعطف المسيح، مع أنه لا يليق إذلاله، (والحط من) شأنه، وتوجيه اللوم (إليه، مع أنه خال) 1 من كل وجه من وجوه الخطأ، ويقال له من نبي مثل هذا2 "ياشيطان"، فماذا يحكم العقل فيه؟ أليس تزويراً كما الحكاية كلها3. والدليل على أنه تزوير هو من الجملة التي كتبها لوقا في الإصحاح التاسع في هذا المعنى فقط، الخالية من قوله: اذهب خلفي يا شيطان4 *.   1 في النسختين ((وتوجه العوارض عليه الخالي من كل وجه)) وصوابها ما أثبت. 2 أي من نبي مثل عيسى عليه السلام. 3 يقصد دعوى أن المسيح أخبر أتباعه أنه يقتل ويقبر ثم يقوم في اليوم الثالث. وفي. د قال ((أليس إلا أنه تحريف كباقي التحاريف)) . 4 لوقا 9: 22 حيث لم يذكر فيها كلام بطرس ولا رد المسيح عليه. (*) حاشية: (اعلم أنّ الذي يؤكد ذلك التزوير غلاقة هذه الجملة وهي قوله لبطرس: لأنك لا تفكر فيما لله، ومعناه أنك أنت يا بطرس أو خلافك إذا نظروا رجلاً مثلي في غاية الكمال من السيرة الطاهرة قد يلزم لهم إذا سمعوا منه بأنه مزمع أن يقتل بلا سبب ويألم، بأن يظنوا فيه بأنه من جملة أفعال الله الخارقة، وحاشا، أن يسمح بأن يقتل ظلماً، وأما إذا ظنوا ذلك قد يحكم عليهم بأنهم شياطين، وهذا الحكم قد يضاد العقل والنقل، ولهذا قد نسبوه إلى عيسى، الذي هو برئ من مثل هذه التهمة، مع أنه كان ينبغي لهم أن ينظروا أن استعطاف بطرس للمسيح هو ناتج من ظنه فيما لله، لأنه أدرك من الله أنه ليس بظالم حتى يترك عيسى البرئ من كل ذنب أن يقتل ظلماً) . وهذه الحاشية ليست في. د. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 [وإن قيل: إن أفكار بطرس كانت منصرفة إلى روح العالم، وليست هي متعلقة بالله، لأن يسوع عليه السلام قال له "إنك يابطرس لاتفكر فيما لله بل فيما للناس". فأجيب: إن هذه الجملة اللاحقة التي هي قوله "لا تفكر فيما لله" يظهر أنها محرفة أيضاً، لأن كلام بطرس السابق يدل على أن أفكاره متعلقة بالله سبحانه وتعالى، وتراه فكر تفكيراً صائباً، وهو أن الله لايليق بأحكامه أن يترك رجلاً حاوياً مثل هذه المناقب الحميدة والأفعال الصالحة يأخذه اليهود ويهينونه، ويقتلونه ظلماً وجوراً. فهذا الفكر الذي هو: أن الله ليس بظالم، هو الظاهر معناه من مضمون كلام بطرس، وليس فكراً متعلقاً فيما للناس، كما ظنه بعض المفسرين من النصارى، بل هو فكر متعلق فيما لله سبحانه وتعالى] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (الشك) الثالث والعشرون في إنجيل مرقص في الإصحاح الحادي عشر يقول: "ونظر يسوع إلى تينة من بعيد ذات ورق فجاء (إليها) لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليهالم يجد إلا ورقاً فقط لأنه لم يكن زمان التين، (فقال) : لايأكل أحد منك ثمراً إلى الأبد، ولما جازوا في الغد فرأوا التينة يابسة من أصلها، فتقدم بطرس وقال: يا معلم ها التينة التي لعنت قد يبست"1. (صورة) ظلم التينة (فأقول) إن مرقص ههنا شهد أنه لم يكن زمان التين، فكيف يغضب عليها سيدنا عيسى عليه السلام إذا كان لا يوجد فيها ثمر في غير زمان (التين) والثمار؟،لأن جميع النبات2 لا يثمر في غير حينه، فإذاً يظهرأن هذا الفعل هو مباين للعدل، فكيف ينسب فعله إلى المسيح، وحاشاه من أن يفعل مثل هذا الفعل في هذا الوجه، وهذا النص الوارد من مرقص كان (واقعة حقيقية) 3؛ أعني: أنها شجرة تين صريحة لا تقبل   1 مرقس 11: 13-22. 2 في. د قال ((الثمار)) 3 في النسختين ((واقعاً فعلياً حقيقياً)) ومراده: أنه ليس مجازاً بل الوارد في النص أنها شجرة تين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 التأويل1، لأن بطرس يؤكد حقيقة هذا الكلام بقوله: "يا معلم ها التينة التي لعنت قد يبست". فهذا المشكل يجب أن يحكم فيه العقلاء الخالون من الغرض، ويميزوا إن كان المسيح تكلم بمثل ذلك، أو أن ذلك تزوير عليه كباقي التزاوير2.   1 الجملة في النسختين ((أعني أنها شجرة تين لا تنفر من معنى حرفيتها، ولا تقبل التأويل إذا تمثلت إلا من بعد تقويم حرفيتها المثالية)) . وهي عبارة ركيكة، ومراد المؤلف رحمه الله إثبات أن لفظة التين ليست مجازية، وكتبتها حسب ما فهمت من مراده. 2 في. د ((أو تحريفاً عليه كباقي التحاريف)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 (الشك) الرابع والعشرون في إنجيل متّى في الإصحاح الثامن عشر يقول للذي كان مديوناً إلى سيده فأمر سيده أن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله حتى يوفي، وذلك إذ ليس له مايوفي 1. (صورة) ظلم المديون إن هذا ظلم مبين: أن مديوناً ليس عنده شئ يوفي؛ يحكم عليه بأن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله حتى يوفي (الدين) . أقول: إن كان هذا الأمر (جرى) وصدر لأنه عبده فيكون أمره بأن يباع العبد هو وامرأته وبنوه وكل ماله، فليس هو من وجوه الاستيفاء لكون العبد وما ملكت يداه لسيده إذ إنه إن باعه وإن لم يبعه فهو تحت ملكه وحوزة تصرفه، ولا ينبغي له أن يقول حتى يوفي. وإن كان هذا العبد في الوقت الذي أمر به أن يباع هو وامرأته وبنوه كان مطلقاً من العبودية وحراً فالقصاص عليه بأن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله هو مضاد لشرائع الله تعالى ومناف للعدل بل هو مناف لشريعته الفضلية*.   1 متى 18: 25 وفيه ((وإذ لم يكن له مايوفي أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين)) . * حاشية: للناسخ: نعم إن التوراة قالت إن افتقر أخوك وابتعته فلا تستخدمه مثل العبد إلا أنها لم تأمر صاحب المال ان يبيع المديون وأولاده وامرأته، وهذا الحكم قد صدر عليه من قبل أن (يظلمه) أخوه ويقسو عليه. وهذه الحاشية ليست في. د، وإنما ورد فيها بعد قوله في المتن أعلاه ((الفضلية)) العبارة الأخيرة الواردة في الحاشية من قوله ((وهذا الحكم قد صدر عليه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (الشك) الخامس والعشرون 1 في رسالة بولس إلى كولوسي في الإصحاح الرابع يقول: "واقرأوا أنتم الرسالة التي من لاودكية" 2، وفي سفر الملوك الثالث يقول: إن عدد الأمثال التي إلى سليمان ثلاثة آلاف مثل، وتسابيحه ألف وخمسة تسابيح3 ونبوة أخنوخ4. صورة النقض أقول: إنك أيها العالم النحرير تجد تأكيد التزوير في التوراة والإنجيل ليس مما شرحناه لك في الشكوك الماضية فقط، بل إنك هنا   1 من بداية الشك الخامس والعشرين سقط من نسخة. ت إلى منتصف الشك الثامن والعشرين وهو موجود في نسخة. د. 2 في 4:16 وفي النسختين ((اللاذقية)) . 3 في سفر الملوك الأول 4: 32 قالوا عن سليمانعليه السلام ((وكان صيته في جميع حواليه وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمسا)) . 4 ذكرها يهوذا في رسالته 14 وأخنوخ كما يذكر ابن كثير هو إدريس عليه السلام الوارد في قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} مريم (56-57) انظر البداية والنهاية (1/101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 تتأكد من نقص وانعدام رسالة لاودكية، ونقص أمثال سليمان، وتسابيحه التي لم يبق منها ولا ثلثها، ونقص نبوة أخنوخ التي ذكر جملة منها يهوذا الحواري1 في رسالته الجامعة. وهذا وحده يكفي للبيان. ويوجد نقص آخركثير قد أعرضنا عنه، كما يخبرنا بذلك يوسيفوس المؤرخ في كتابه2، وفي كتاب لافجانيوس3 المبتدي فيه من المائة سنة الأولى4، المسلم عند النصارى، التي ذكر بها: أن الأناجيل التي كانت موجودة في ابتداء الديانة النصرانية كان عددها أكثر من نحو ثلاثين إنجيلاً، التي تعدد أسماء كاتبيها وقد أشار إليهم لوقا إجمالاً في أول إنجيله: بأن كثيرين باشروا كتابة قصص الأمور التي كانت كملت فينا5، التي   1 قوله الحواري هنا لايصح لأنه لادليل عليه، بل إن ضمن رسالته مايدل على أنه ليس حواريا. 2 يوسيفوس هو مؤرخ يهودي، ولد في أورشليم وشهد خرابها على يد تيطس، له ((الحرب اليهودية)) و ((العاديات اليهودية)) ، وهو تاريخ للعالم القديم حتى عام 69م. توفي عام 100م. انظر المنجد ص756. 3 لم أتمكن من معرفته. 4 في الأصل: ((الأولى، الأولى)) ويبدو أن الثانية خطأ. 5 هكذا العبارة وفيها ركاكة وما ورد في بداية إنجيل لوقا هو قوله ((إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وصل إلينا منها إلى حد زماننا هذا أربع مقالات من متى ومرقس ولوقا ويوحنا وتسمى أناجيلاً فقط. وهذا النقص يدلنا على نقص شهادات أخر كثيرة في التوراة والإنجيل ذكر فيها1 اسم نبينا صلى الله عليه وسلم حرفياً، غير التي أوردناها لصدق القرآن العظيم القائل و"اسمه أحمد"، وأنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل2.   1 في النسخة العبارة هكذا ((مقولة حرفياً في التوراة والإنجيل في اسم النبي صلى الله عليه وسلم)) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت. 2 وذلك في قوله تعالى {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيل} الأعراف آية (157) .، وفي الآية الأخرى قوله تعالىعن المسيح {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد} الصف آية (6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 (الشك) السادس والعشرون في نبوة حزقيال في الإصحاح الرابع يقول: إن الله تعالى شأنه قال لحزقيال "وخبز ملة من شعير تأكله وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان" ولما اعتذر حزقيال واستعفى من أكل الخبز الملوث بزبل الإنسان، كما يخبر عنه في الفصل ذاته، فبدله بخبز ملوث بزبل البقر، بقوله في العدد الخامس عشر فقال له: "أعطيتك زبل البقر عوضاً عن رجيع الإنسان وتصنع خبزك فيه"1. صورة أكل زبل الإنسان: إن هذه النبوءة قد صيرت عقلي مذهولاً، كيف أن الله تعالى وحاشاه يأمر النبي بأكل خبز ملطخ بزبل الإنسان، ولا أقدر أن أتصور كيف أن الغائط يؤكل، وكيف أن الله سبحانه وتعالى ما أهلك الناسبين له هذا الأمر وأنه من أمره2، وحاشاه.   1 حزقيال 4: 12-16 وقالوا فيه مدعين أن ذلك أمر الله تعالى إلى حزقيال -تعالى الله عن ذلك- ((وتأكل كعكاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم، وقال الرب هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم، فقلت آه ياسيد الرب ها نفسي لم تتنجس ومن صباي إلى الآن لم آكل ميتة أو فريسة ولادخل فمي لحم نجس، فقال لي: انظر قد جعلت لك خثى البقر بدل خرء الإنسان فتصنع خبزك عليه)) . 2 هذا حِلم الله على عباده قالعز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فاطر آية (45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 (الشك) السابع والعشرون في سفر الخروج في الإصحاح الثاني عشر قال: "فكان جميع ماسكنه بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثون سنة، وبعد أن كملت الأربعمائة وثلاثون سنة في ذلك اليوم خرج جنود الرب جميعهم من أرض مصر".1 وفي الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين قال خلاف ذلك، حيث قال لإبراهيم: "اعلم عالما أن نسلك سيكون ساكناً في أرض غريبة ويستعبدونهم ويضيقون عليهم أربعمائة سنة ومن بعدها يخرجون بمال جزيل".2 صورة التناقض فأقول: في سفر التكوين قال أربعمائة سنة، وفي سفر الخروج قال أربعمائة وثلاثون سنة، وأيضاً فإن بني إسرائيل لم يبقوا في مصر حتى ولاأربعمائة سنة التي ذكر الله عز وجل لسيدنا إبراهيم، لأن قاهت جد سيدنا موسى كان قد نزل إلى مصر مع أبيه لاوي، فقاهت هذا إذا كان تزوج على التقدير ابن خمسة وستين سنة، وولد عمران أبا موسى، وعمران لما تزوج فلنفرض عمره خمسة وستين سنة أخر، وولد سيدنا موسى، وهذا   1خروج 12: 40-42. 2 التكوين 15: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 موسى عليه السلام لما خرج بنو إسرائيل من مصر كان عمره ثمانين سنة، فتكون جملة السنين المجموعة مائتين وعشرة سنين. وهذا التقدير يطابق حسب دفاتر اليهود الموجودة عندهم في التلمود. فأين غلاقة الأربعمائة وثلاثين سنة المكتوبة في سفر الخروج، لأن الفرق ههنا مائتا سنة وعشرون سنة. *   * حاشية: (قد يقول تلمود اليهود مع مفسري النصارى أن مدة العبودية قد تحسب من حين خروج إبراهيم من أرض الكلدانيين، وإتيانه إلى أرض كنعان، إلى حين خروجهم من إرض مصر، فهذه المدة تصير قريبة من الأربعمائة وثلاثين سنة، ويستندون على التوراة اليونانية بحيث أنها تذكر في سفر الخروج أن جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر وأرض كنعان أربعمائة وثلاثون سنة. فأقول: إن ههنا ظهر لنا من هذا الكلام تحريفا آخر في التوراة اليونانية، حيث إنها تقول أربعمائة وثلاثون سنة في أرض مصر وأرض كنعان، وفي التوراة العبرانية التي هي الأصل تذكر أن إقامتهم كانت في أرض مصر، وفي قول التوراة الأخرى في أرض مصر وأرض كنعان. وأيضا أقول: إن الذي يزيف تفسير التلمود هذا، ويبين تحريف التوراة اليونانية هو نفس نسق العبارة القائلة إن جميع ما سكن بنو إسرائيل في مصر، ولم يقل إن جميع ما سكن إبراهيم وبنو إبراهيم كما فسره التلمود، لأنه إذا كان مراد التلمود أن يحسب الأربعمائة وثلاثون سنة من دخول إبراهيم أرض كنعان، لكن ينبغي أن التوراة تقول: إن جميع ماسكن إبراهيم وبنو إبراهيم وليس كما قالت: إن جميع ما سكن بنو إسرائيل، لأنه يوجد فرق بليغ فيما بين اسم إبراهيم وإسرائيل، عدا فرق السنين التي بينهما. وأيضا أقول: إن أرض كنعان التي أسندوا إليها تحريفهم لا تحسب أرض عبودية وضيق، لأنها هي الأرض التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم حين أخرجه من أرض الكلدانيين، وأسكنه فيها وأوعده أن يعطيها لنسله أيضا، فكيف تعد بأرض أسر وعبودية، كما زعمت التوراة اليونانية، المضادة للتوراة العبرانية، القائلة في أرض مصر. والذي يؤكد ذلك (قولهم: إن الله قال) لأبراهيم في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين "وأني سأعطي لك ولنسلك أرض غربتك جميع أرض كنعان ملكا أبديا". حاشية (أخرى) (اعلم أن من بعد قول الله لإبراهيم وأنه يعطي له ولنسله جميع أرض كنعان، فما عاد يجوز عند العقلاء ولاعند الشرع أن تحسب أرض كنعان بأنها أرض أسر وعبودية، لأن الإيهاب لايعد تارة نعمة وتارة نقمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ونتيجة الأمر أن الشك يجمع (ثلاثة تحريفات) : أولاً - الفرق بين الأربعمائة وبين الأربعمائة وثلاثين. ثانياً - أن التوراة العبرانية تذكر أن إقامة بني إسرائيل كانت في أرض مصر، واليونانية تقول في أرض مصر وأرض كنعان. ثالثاً - أن الزمانين على حساب دفاتر اليهود غير صحيحين، لأن بني إسرائيل لم يقيموا في مصر غير مائتين وعشرة سنين مأسورين تحت العبودية والضيق، وبهذا كفاية لإثبات التحريف. وأيضاً نقول: إنه لو قدرنا المحال وحسبنا حساباً آخر، وهو أن قاهت عند انقضاء حياته التي هي مائة وثلاثين سنة ولد عمران، وعمران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عند انقضاء حياته، أيضاً التي هي مائة وسبعة وثلاثين سنة ولد موسى*، وموسى حينما خرج من أرض مصر كان عمره ثمانين سنة، كما قالت التوراة، فإذاً على جميع الوجوه المشروحة التغيير واقع وموجود، عدا ضعف قولهم المستند على التوراة اليونانية: إن أرض كنعان الشريفة والموهوبة لإبراهيم عليه السلام ولنسله هي أرض أسر وعبودية. والنهاية إذا كانت أرض كنعان، التي هي أرض موعدهم هي أرض أسر وعبودية، والله سبحانه وعدهم بأن يخرجهم من أرض الأسر والعبودية بمال جزيل، فإلى أين خرج بنو إسرائيل من أرض كنعان؟؟، وأين سكنوا خلافها؟؟.   * حاشية "أعمارهم في سفر الخروج الإصحاح السادس". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (الشك) الثامن والعشرون في الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج قال "وارتحل بنو إسرائيل من أرض رعمسيس1 إلى (سكوت) 2 نحو ستمائة ألف مقاتل غير الأطفال، ولفيف عظيم أيضاً بغير عدد"3، ثم في سفر العدد في الإصحاح الثاني قال "فهذا عدد بنو إسرائيل لبيوت آبائهم وأفواجهم المتفرقين في العسكر ستمائة ألف وخمسمائة وخمسين رجلاً عدا سبط بني لاوي هؤلاء كانوا رجالاً مقاتلين "4، (ونراهم) في مجموع أسباطهم بالعدد ذاته. صورة التحريف يلزم أن نعمل معدلاً لهذه الكثرة والألوف من أين وجدت وولدت؟ لأنه أولاً: أن هؤلاء الست كرات5 من الرجال يقتضي أن ينضاف إليهم أربع كرات أخر من أولاد دون البلوغ وكهول، فتصير   1 رعمسيس: هي مدبنة مصرية من ناحية الشرق، وقد سكنها بنوا اسرائيل بأمر فرعون مصر، كما يقول اليهود في كتابهم. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص406 2 في النسخة قال ((ساحوث)) وما أثبت هو الصواب، وسكوت: تل يقع شرق الأردن بالقرب من الزرقاء انظر قاموس الكتاب المقدس ص472 3 الخروج 12: 37. 4 العدد 2: 32. 5 يقصد بالكرة مائة ألف. انظر: المنجد في اللغة ص 679. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الجملة عشرة كرات من الذكور، ولنضيف لهم سبط لاوي، وبالفرض نحسبه كرة أخرى، بحيث هو واحد من الاثنى عشر سبطاً، فتكون جملة عدد بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر إحدى عشرة كرة من الذكور، أعني: أحد عشر مائة ألف من الذكور، ثم ولنضيف لهم قدرهم، أي إحدى عشرة مائة ألف أنثى حسب القاعدة الطبيعية، فتصير جملتهم اثنتين وعشرين مائة ألف نفس (2200000) ، أي اثنتين وعشرين كرة 1. فإذا كان حسب أخبار التوراة نفسها المذكور في سفر التكوين: أن يعقوب أبا الأسباط، الذي هو ابن البركة عندما نزل إلى مصر هو وبنيه وبني بنيه، ثلاثة أجيال جمعت عيلته من الثلاثة أجيال، أي المتوالدين من بنيه وبني بنيه فكان عددهم سبعين نفراً2 وفي مكوثهم في مصر توالد هؤلاء السبعون نفساً أولاد سيدنا يعقوب خلال ثلاثة أجيال أخر مثل أبيهم وجدهم يعقوب، وفي الجيل الثالث خرجوا من مصر. وهذا شيء ظاهر أمره ومصرح به في الإصحاح السادس والأربعين من سفر التكوين، وفي الإصحاح السادس من سفر الخروج 3. أما الثلاثة أجيال المذكورة في سفر التكوين فهم: يعقوب ولاوي وقاهت، وأما الثلاثة أجيال المذكورين في سفر الخروج فهم: قاهت   1 أي يصير عددهم مليونين ومائتي ألف إنسان. 2 التكوين 46: 27. 3 الخروج 6: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 المذكور في سفر التكوين، وعمران أبو موسى، وموسى هذا الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر، فإذا كان يعقوب الذي كانت البركة له، كان عدد أهله وبني بنيه على ثلاثة أجيال، سبعين نفساً، فيقتضي1 على هذا المنوال أن هؤلاء السبعين نفساً على ثلاثة أجيال أخر، الذين هم: قاهت وعمران وموسى أن يولدوا سبعين سبعيناً، وإذا انضرب في الحساب سبعين في سبعين يكون أربعة آلاف وتسعمائة نفس، فمن أين توجد اثنتان وعشرون كرة، الذين ذكرناهم بناءً على كلام التوراة2.   1 من هنا نهاية السقط الذي في نسخة. ت. 2 حاشية: (اعلم أنّ هذه المقدمة التي أوردها هذا المؤلف [رحمه الله تعالى] بحصره هذه الدعوى في يعقوب وخلفه وعدتهم، بعددهم [الشهير عندهم في التوراة] في ثلاثة أجيال [الأول] ، هي التي أظهرت [التحريف وأوضحت النتيجة على أن] الثلاثة أجيال التالية لاينبغي أن تتجاوز هذا الحد بالتوليد، [وعلى ذلك يشهد القرآن الشريف القائل عنهم في سورة الشعراء {إن إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} ] ، (إن هذا المؤلف قد أظهر إنسانية بليغة لأنه ما عامل الحساب إلا بأنقص من حقه لأنه أولاً: حسب الناس القاطعين الأولاد من السبعين مع السبعين، وثانياً: قد حسب الذين أعمارهم من تحت العشرين سنة، والناس من فوق الخمسين سنة إلى مائة وأكثر الذين لا يحملون سلاح أربع كرات، والحال ينبغي أن يكونوا أربع عشرة كرة، بحيث المولود من عشرين إلى خمسين إذا (أخرجوا) من الناس المولودين في مسافة مائة سنة، تظهر كميتهم ثلاثة من عشرة، فإذا كان الحاملون للسلاح ست كرات، يقتضي أن يكون غير الحاملين سلاحاً أربع عشرة كرة، ويكون جمعهم أربعة وأربعين كرة لا اثنين وعشرين كما ذكرهم المؤلف)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وإن قيل في حل هذا المشكل: إنه موجود في تلمود اليهود تفسيراً أن بني إسرائيل بحيث هم مباركون، فكانوا يتوالدون كل خمسة أولاد في بطن واحد مشكوكين مثل حب المسبحة، بخلاف الطبيعة: فأجيب: إن كان بنوا إسرائيل يتوالدون بخلاف الطبيعة، فلماذا (لم تذكر) التوراة عنهم ذلك، (ولم تقل) إن بني إسرائيل لما كانوا بمصر، وقبل نزولهم إلى مصر كانت المرأة منهم تلد في بطن واحد خمسة أولاد؟!، ولماذا يعقوب الجد ذكرت عنه أنه في ثلاثة أجيال خلف سبعين نفساً؟!، وذكرت أيضاً مواليد يوسف وأنه أولد منسى، وبعده أفرام، وعن قاهت ابن لاوي أنه أولد عمران ويصهر وحبرون وعوزيل، وأن عمران أولد مريم [بعدها] وهارون، وبعد ثلاث سنوات أولد موسى، وموسى أولد جرشون واليعازر، وأمثال ذلك كثير (ممن) قد ذكرتهم التوراة، وكلهم توالدوا على (مألوف) العادة الطبيعية، (ولم تذكر) عن واحد منهم أنه أولد ثلاثة أولاد أو أربعة في بطن واحد، عدا يهوذا ابن يعقوب الزاني بكنته، فمنها أولد توأماً ذكوراً، وهما فارص الذي من سلسلته ولد عيسى على زعمهم، والولد الثاني هو زارخ. لاحظ هذه المعاني في سفر الخروج1، وفي سفر العدد2، وفي سفر الأيام الأول 3   1 تكوين 38: 29 ولم أقف عليها في سفر الخروج. 2 26: 20. 3 2: 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 ثم نعود إذاً إلى ما ذكرناه: أنه ينبغي (أن) السبعين الذين توالدوا من يعقوب في ثلاثة أجيال أن يولد لكل واحد من السبعين سبعين نفساً على ثلاثة أجيال أخر، وإذا ضربت كما قررنا السبعين في سبعين (تكون) أربعة آلاف وتسعمائة، فمن أين يكون (تكميل) الاثنتين وعشرين كرة1 *   1 في هذا الموضع وإلى آخر الشك الثامن والعشرين حسب نسخة. ت تقديم وتأخيروارتباك في وصل الكلام وفصله، وقد أثبته وفق ترتيب نسخة. د، وقد نبه ناسخ. ت إلى وجود التقديم والتأخير مابين الحواشي والنص. * حاشية: (اعلم أنه يوجد حساب آخر من التوراة نفسها [يظهر عدم وجود] هذه المبالغ المذكورة في هذا الشك، وهو أن موسى عليه السلام على موجب شرح التوراة عد شعب إسرائيل الناقلين السلاح في مائتين وعشرة سنين من السبعين (ذرية) يعقوب [الذين نزلوا مصر] فأولد الواحد منهم تسعة آلاف نفس، وداوود عليه السلام من بعد موسى بأربعمائة وأربعة وسبعين سنة عد الشعب مرة ثانية فكان مجموعهم أن الواحد صافيه اثنين من الناقلين السلاح. وما أدري هذا الفرق كيف أن نفراً واحداً (يأتي منه) تسعة آلاف نفر في مائتين وعشرة سنين؟ ونفراً واحداً أيضا (يأتي منه) نفرين في أربعمائة وأربعة وسبعين سنة في الشعب نفسه؟، وإن هذا الفرق الغير ممكن وجوده وقبوله يؤكد التزوير عند كل عاقل وخبير في علم الحساب، إذ أنه يدرك أن صافي حساب موسى لو انتهى إلى زمان حساب عدد [سيدنا] داود بالقاعدة الأولى نفسها لكان شعب إسرائيل تواصل إلى أعداد تسعة عشر قلماً من علم الحساب1 الذين اذا وجدوا في [ذلك الزمان] لم تسعهم الكرة الأرضية ذات السكن بأجمعها، اضربهم في علم الحساب تنظر صحة ذلك بشرط (أن تضيف إلى) كل رجل ناقل سلاح ثلاثة أنفار من الكهول (ومن هم) دون البلوغ والإناث مبتدئا بهم في ضربهم من الأول (وأقول حتى عدد داود غير ممكن (وجوده)) وهذا يؤكد التحريف في التوراة بزيادة لأن الضرب يتعلق في علم الحساب. والله أعلم] . ............................................... 1 يقصد تسع عشرة رقم من الأعداد، وهو عدد لا أستطيع قراءته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 [وأيضاً أقول: إن الواحد الذي هو يعقوب إذا كان خلف سبعين نفساً في ثلاثة أجيال، والسبعين خلفوا في تكميل الخمسة أجيال أربعة آلاف وتسعمائة، فهذا أيضاً من أعجب العجائب، لأنك إذا] ضربت معدل رجل واحد من باقي طوائف العالم صالحاً كان أم طالحاً، من قديم الزمان إلى الآن، وحسبت (ذريته) إلى خمسة أجيال، لا تجد الباقي من سلسلته إلا أقل من مائة نفر، وذلك على وجه المبالغة، فإذاً كان يعقوب عليه السلام خالف هذا الحد المذكور، وأولد من الخمسة أجيال، الذين هم يعقوب نفسه، ولاوي، وقاهت، وعمران، وموسى، عوض المائة [نفر تسعة وأربعين] ومائة [نفس] ، أما يكفي أن تكون هذه الكثرة الغير مألوفة أن تعد من أعجب العجائب! ثم أيضاً نقول: إن [المقول] في سفر الخروج في الإصحاح الأول عن فرعون أنه قال عن بني إسرائيل: إنهم قد صاروا أكثر منا1، فهذا القول على موجب ماشرحناه يقتضي أن يكون مبنياً على ثلاثة أوجه: إما   1 خروج 1: 6 وفيه ((وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً وامتلأت الأرض عنهم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 أن يكون تزويراً وتكميلاً لهذه التزاوير، أو أنه قيل على طريق المبالغة كمثل القول: إني أجعل نسلك كرمل البحر، أو أن فرعون كان كملك من ملوك [الأرض الموجودين في] تلك الأيام الذين ذكرتهم التوراة1 في الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين، الذين منهم خمسة ملوك كان غلبهم سيدنا إبراهيم، واستخلص لوطاً ابن أخيه، وذلك بواسطة ثلثمائة وثمانية عشر نفراً أو أكبر2. وهذا الرأي الأخير ربما هو الأرجح، [عدا أن لفظة أكبر منا هي في اللغة العبرانية أعظم منا] . *   1 يعني أنهم ملوك صغار وعدد أتباعهم قليل جداً. 2 تكوين 14: 14 وفيه ((فلما سمع إبرام أن أخاه مسبي جمع غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلث مائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 (الشك) التاسع والعشرون في سفر الأيام الأول في الإصحاح السادس يذكر أن: مربوث أولد أمريا، وأمريا أولد أخيطوب، وأخيطوب أولد صادوق، وصادوق أولد أخيماعص، وأخيماعص أولد عزريا1، [وعزريا أولد يوحانان، ويوحانان أولد عزريا] ، وأما في الإصحاح السابع يقول عزرا في سفره أن   1 أخبار الأيام الأول 6: 6 وفيه ((ومرايوث ولد أمريا وأمريا ولد أخيطوب وأخيطوب ولد صادوق وصادوق ولد أخيمعص وأخيمعص ولد عزريا)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ابن مريوث هو عزريا1*. صورة النقض: إن من ههنا يعلم [أن] عدد الأنفار الموجودين في سفر الأيام الأول أزيد من الموجودين في سفر عزرا بستة أنفار، (كما تراهم أمامك   1 عزرا 7: 2،3 وفيه (( ... بن شلوم بن صادوق بن أخيطوب بن أمريا بن عزريا بن مرايوث)) . * حاشية الجداول: وهذه الحاشية ليست في. د. الأيام الأول ... سفر عزرا مريوث ... مريوث امريا ... أخيطوب ... صادق ... أخيماعص ... عزريا ... يوحانان ... عزريا ... عزريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 في الجدول) ، وهم: أمريا، وأخيطوب، وصادوق، وأخيماعص، وعزريا، ويوحانان، فبواسطة نقص هؤلاء الستة أنفار يثبت التزوير بالتوراة*.   * حاشية: ربما يقال في حل هذا الشك مثاما قيل في حل الشك الأول المعادل لهذا في النقص، وهو أن هؤلاء الستة أنفار الناقصين كانوا رجالا أشرارا. فأجيب: أولا: إنه ما كتب عنهم أنهم كانوا رجالا أشرارا. ثانيا: إنهم إن كانوا أشرارا فلماذا (كتبوا) في سفر الأيام الأول، وأعرض عن كتابهم في سفر عزرا، لأن السفين كان قد كتبهم عزرا نفسه، فإن كان قد كتبهم في سفر الأيام الأول، وسلسلهم، وما خشي من كونهم أشرارا، فيلزم أن يكتبهم في سفره وما يخشى أيضا، وحيث أن عزرا كتبهم في سفر الأيام الأول وسلسلهم، ثم نقصهم من سفره فيكون إما أنه سهو منه وأنه غير مدرك ماذا كتب، أو أن قلما آخر خلاف قلمه زوّر عليه، وعلى الوجهين النقص واقع، مع أن قصده ليس كتابة الصالحين فقط، بل كتابة سلسلة نسبهم أشرارا كانواأم صالين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 الشك الثلاثون إن النصارى (المبتدعين) ، الذين ابتدعوا الألوهية لعيسى عليه السلام، التي ليس لها ذكر في كتابهم كما قررنا ذلك في أول الكتاب، قد ابتدعوا أشياء أخرى في (ديانتهم) ، من جملتها أنهم زعموا أن الله -تعالى شأنه (وتنزه عما يقولون) –ثلاثة أقانيم، أعني ثلاثة أشخاص، وهذا الاعتقاد ما وجد بهذا اللفظ حرفياً لا في التوراة، (ولا في الأنبياء) ، ولا في إنجيلهم*، حتى ولا خطر لأحد على بال، وبحيث أن لفظة أقنوم قد   * حاشية: (اعلم أن معنى [كلام] المؤلف أنه ما وجد في الإنجيل مكتوبا [إن الله] ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، [ومعناه: كيف قاعدة دين مثل هذه تؤخذ بالتأويل، ولا يوجد لها أثر صريح في الكتب المنزلة التي تعلم قواعد الدين] ، {حتى ولا في الكتب المضافة للإنجيل وجد هذا الاعتقاد على الاطلاق حسب مافحصته أنا أيضا، , والذي لا يصدق الؤلف فليحضر وليقل إني نظرت في الموضع الفلاني مكتوبا فيه إن الله ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، ثم أقول: إن كلام المؤلف (يتضمن) نتيجة فريدة وهي: أنه لايخلو أن الأشخاص التي يسميها علماء النصارى أقانيما التي هي: العقل والكلمة والروح، هم متداخلون في بعضهم أم غير متداخلين في بعضهم أي أن العقل في الكلمة، والروح والكلمة في العقل، والروح في العقل والكلمة، فيكون حيثما وجد واحد منهم يلزم أن يكون الاثنان معه أيضا، ويكون التجسد للأقانيم الثلاثة، وإن كانوا منفصلين فيكون التجسد للكلمة الخالية من العقل ومن الروح، ويكون الغقل والروح بغير كلمة} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 حدها العلماء والمنطقيون: هو الشئ القائم بذاته من جوهر وعرض1، وله ست جهات، فلكي يتخلصوا من هذه الحدود التي تفيد الحصر، ابتدعوا للفظة أقنوم حداً آخر جديداً، وهو الشئ القائم من جوهر وخاصة جوهرية، ولكنهم لم يتخلصوا من هذا (التشويش بهذا الحد الذي ذكروه للأقنوم) ، فلنسألهم عن أقنوم الابن القائم من جوهر، (وله) خاصة جوهرية: هل هو موجود في كل مكان، كما (أن) أقنومي الأب والروح موجودان في كل مكان، من حيث (أنهما) إله واحد؟. فإن كان2 أقنوم الابن موجوداً في كل مكان مع أقنومي الأب والروح، (لزم أنه) مع وجود أقنوم الابن في ناسوت3 (عيسى) ، أن يوجد أيضاً أقنومي الأب والروح معه، وتكون [الثلاثة] أقانيم: (الأب والابن والروح) تجسدوا في جسد عيسى، وليس أقنوم الابن وحده تجسد   1 العرض عند أهل الكلام هو: ما يحتاج في وجوده إلى محل، فلا يقوم بذاته كالألوان والصفات والحركة والسكون ونحوها. انظر: التعريفات للحرجاني ص148، فيكون في قول المصنف في معنى أقنوم: هو الشيء القائم بذاته من جوهر وعرض خطأ أو سبق قلم والله أعلم. 2 في. د ((فإن قالوا)) . 3 أي في جسد عيسى عليه السلام الإنساني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 في جسد عيسى، وإذا اعتقدوا بهذا فيكونوا اعتقدوا ضد ديانتهم، وضد الله تعالى أيضاً1. وإن قالوا: إن أقنوم الابن وحده تجسد، فيكونوا (قد) خالفوا معتقدهم الذي اعتقدوه، وهو أن الله تعالى موجود في كل مكان (بأقانيمه، ويفهم أنهم أنكروا أن الأقانيم موجودة2 في كل مكان) ، ويكون أقنوم الابن، الذي تجسد في جسد عيسى هو وحده موجود في جسد عيسى، وجسد عيسى خال من أقنومي الأب والروح، وينتج من ذلك انقسام الأقانيم وانفصالهم وحصرهم. وهذا الرأي أيضاً يضاد معتقدهم وهو ضد الله تعالى شأنه، مع أن الكلام الذي ألفوه في حدود بدعتهم هذه يفيد بأن: الأب والابن والروح ثالوث متساوي الجوهر، غير منقسم ولا منفصل3، وقد يلزم من هذا   1 ضد ديانتهم لأنهم يزعمون أن التجسد هو تجسد الابن فقط، فلا يرون أن الأب ولا الروح القدس تجسد مع الابن، وكونه ضد الله تعالى لأن لازم ذلك: أن الله تعالى عن قولهم قد كان في بطن مريم وقد خرج من حيث يخرج الولد، وعاش حياة الطفولة ثم الشباب، وهو المعتدى عليه من قبل اليهود في زعمهم وهو المصلوب، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وهذا الإلزام لامحيد لهم عنه لأنه لازم قولهم: إن الأقانيم جوهر واحد. انظر قولهم: في حقائق أساسية في الإيمان المسيحي. ص53. 2 في النسختين ((أنكروا على أن الأقانيم ليس هم موجودين في كل مكان)) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت. 3 قال صاحب كتاب ((حقائق أساسية في الإيمان المسيحي)) ص53 ما نصه عن التثليث ((إن تعليم الثالوث يتضمن (أ) وحدانية الله، (ب) لاهوت الأب والابن والروح القدس، (ج) أن الأب والابن والروح القدس أقانيم يمتاز كل منهم عن الآخر منذ الأزل وإلى الأبد، (د) أنهم واحد في الجوهر متساوون في القدرة والمجد)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الحد أيضاً أن التجسد هو للأقانيم الثلاثة معاً، لأنهم على زعمهم غير منقسمين ولا منفصلين، بل هم معاً في كل حالاتهم، في أفعالهم وحلولهم ووجودهم في كل مكان، الثلاثة متساوون في ذلك [على زعمهم] . والنتيجة من هذا جميعه: إن قالوا: بأن الأقانيم هي متحدة مع بعضها وغير منفصلة، يلزمهم أن يعتقدوا تجسد الأقانيم الثلاثة معاً، لأنهم غير منقسمين ولا منفصلين، وإن قالوا: إن الأقانيم منفصلة عن بعضها ومنقسمة، فيلزمهم أن يعتقدوا بالخلو، أي أن الأقانيم ليست موجودة في كل مكان معاً1. وعلى الحالتين: إن هذه القضية (ممتنعة في جميع الحالات) 2، لا بل معدومة لا يمكن وجودها.   1 في. د النص هكذا ((إن قالوا بأن الأقانيم هي متحدة مع بعضها يلزم تجسدها معاً، وإن قالوا إنها منفصلة عن بعضها يلزمهم أن يعتقدوا بالإنقسام والخلو، أي أن الأقانيم ليست موجودة في كل مكان)) . 2 في النسختين (هي مانعة الجميع) وكتبتها حسب ما فهمت من كلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الخاتمة وهي في نتائج هذه الخمسة أبواب، بوجه الاختصار، وبعض ملحقات لها مفيدة. أقول: إنني أكتفي الآن بما قد كتبته في مؤلفي هذا، حيث إن نتائجه صريحة، ويقبلها العلماء والفقهاء، وذوي العقول السليمة، إذ أني (ابتدأت فيه بالاستدلال) من الإنجيل والتوراة على (نقض) 1 ما ابتدعه النصارى من ألوهية عيسى عليه السلام، وبينت عدم مساواته لله تعالى في الجوهر، وأن النعوت المقولة عنه ووصفه: بأنه إله وابن الإله ورب قد وصف بها في التوراة والإنجيل غيره من الأنبياء والملائكة ومن العلماء الصالحين، وعلى أن آياته وعجائبه لا تثبت مساواته لله عز وجل، المشروحة في مذهبهم، لأن الأنبياء عليهم السلام سلفاً قد عملوا مثلها، (وما يعلوها ويفوقها) 2. ثم (بينت) تنزيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مما ظنوا به أنه عمل أموراً منافية وقاصرة غير حسنة، وبينت أن الأنبياء سلفاً قد عملوا مثلها، ولم تحسب عليهم بأنها غير حسنة.   1 في. د قال ((نتيجة سلب)) . 2 في. د قال ((وأبلغ منها)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وقد أقمت البينات [والأدلة] بالشهادات المنطبقة والواردة على نبينا صلى الله عليه وسلممن التوراة والإنجيل والزبور، أنه هو النبي الموعود به، والمشار إليه كعيسى المسيح عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى {اسْمُهُ أَحْمَد} 1، {مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ} 2. وبنوع خصوصي أظهرت في الباب الخامس تلك الشكوك المشتملة على التناقض والنقص والظلم والقصور والركاكة، التي جمعتها من كتاب التوراة والإنجيل تطبيقاً لقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} 3، وقوله {كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} 4، مختصراً إياها حذراً من ملل القارئ، إذ أني أعرف جيداً أن الرجل الفهيم يقنع بالقليل، وإذا قابل صحة الشهادات المشروحة يستدل منها (أيضاً) بأني قد جمعتها بسنين كثيرة وعرق غزير5.   1 الصف آية 6. 2 الأعراف آية 157. 3 النساء آية 46. 4 المائدة آية 15. وقد وردت الآية في. د كاملة. 5 يقصد أنه رحمه الله قد تعب في جمع هذه الأمور التي ضمنها كتابه، ويبدو أن المصنف لم يقف على شيء من كتب علماء المسلمين الذين ردوا على النصارى في هذه الأمور من جنس رد المصنف رحمه الله، مثل كتاب ((الرد على النصارى)) ، و ((الدين والدولة)) ، وكلاهما لابن ربن الطبري، وكتاب ((تخجيل من حرف الإنجيل)) ، لأبي البقاء الجعفري، وكتاب ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) ، لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم كثير. ويشكر للمصنف -رحمه الله - اجتهاده البالغ في استخراج تلك المسائل، وإبرازها بمجهود فردي، فجزاه الله خيراً، ورحمه وعفا عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فيا أيها الغافلون التفتوا من كتابي هذا إلى كتاب الله السامي المنيف، الذي هو القرآن الشريف، الذي أنزل على المصطفى، ذو اللّب الحصيف، وانظروا هل يوجد فيه مثل هذه التزاوير والشكوك والركاكة والقصور والظلم المباين لعدل الله تعالى، واعلموا أيها الأحباب أن الذي حملني على جمعها ثلاثة أسباب: الأول: هو محبتي لأصحاب الكتابين1، من كونهم مشاركين لي في الطبيعة. والثاني: أن هذه الشكوك موجودة عندهم2، وهي متفرقة، فلا يكترث فيها [ولا تعتبر أنها تحريف] . والثالث: أني قصدت راحة مطالعيها، وأن يقرؤوها من دون تعب ولا عناء، إذ أني عينت محل الشهادات ومواضعها3، لأن القارئ إذا قرأ   1 يقصد بذلك اليهود والنصارى. 2 في. د قال ((كتبهم)) . 3 في. د قال ((عنونت مواضع المحلات المرقومة فيها)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 في هذه الكتب1، ويمر عليه مشكل من هذه التزاوير2، فإنه يظن أنه مشكل مثل باقي المشاكل التي يحلها المفسرون فيتركه ويجوزه، وبعد مدة من الزمان إذا وقع في شك آخر غيره يكون قد نسي الشك الأول فيتركه ويقنع ضميره بأن علماء ديانته يعرفون حلّه، وهكذا يقع بين كل مدة ومدة في (شك آخر) 3 من الشكوك فيتكلم فيه مثل تكلمه في الأول والثاني بتلك الإقناعات البسيطة، وبهذه الوجوه المشروحة (لا يتحرك شيء من ضميره ينبهه) 4 أن كتبه مزورة ومحرفة من قديم الزمان. وأيضاً أقول عن القارئ لهذه الكتب، واعتذاره أن هذه الكتب هي كتب ديانته، وتربى فيها، وصاحبها منذ صباه، فهي على كل محبوبة، والمحب لا يتبصر في غلطات محبوبه، إذا كانت متفرقة، لأنه مثلاً إذا درس محب الإنجيل في سلسلة متّى الإنجيلي وقرأ أن فلاناً أولد فلاناً، فلا {يظن) أن في التوراة موجودة هذه السلسلة، وأنها (تناقض) 5 أقوال متّى، فضلاً   1 العبارة في النسختين هكذا ((لأن لما كان يريد أن يجلس القارىء ليقرأ في هذه الكتب)) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت. 2 في. د قال ((شك في هذه الشكوك)) . 3 في. د ((في خلافه من الشكوك)) . 4 في. د ((لا يفضل معه شيء يحرك الضمير ويريه)) . 5 في. د ((تخالف لسلسلة متى)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 عن أن الكثير من علمائهم لايعرف في أسفار التوراة أين يوجد هذا التناقض*. حتى أنك ترى كبار1 مفسريهم كرجل يقال له ((الذهبي)) -الذي يسمونه سلطان المفسرين- قد أعرض عن ذكربعض هذه الشكوك، لأنه لم يذكر الشك الثاني مطلقاً في تفسيره، ولا تعرض له (بوجه من الوجوه) ، وتارة كان يذكر البعض، لكنه لم يشرحها لأنه لم يجد لها شرحاً، كما (فعل) بالشك الأول الذي ذكره (وأنه نقص، إلا أنه تركه لغيره وجازه) 2، وغيرها من الشكوك قد ذكرها وأخذ في شرح معناها، (إلا أنه لم يتنبه للتزوير والغلط فيها) ، كالشك السابع عشر الذي فيه ذمّ الاهتمام3، (حيث أنه) لم يتبصر في أن المزوّر لهذه الجملة (قد جعل)   * حاشية: (اعلم أنّ السبب الأقوى [لقلة المعرفة] (مع الذي ذكره المؤلف) هو أنه لم يوجد في أزمنتنا هذه المتأخرة فضلاً عن المتقدمة غير نسخة واحدة للتوراة عربية مأخوذة عن اللاًتيني، [ومشهود بها من علماء النصارى] ، وهي مع ذلك مليئة بالأغلاط، وقليلة الوجود، وكأنه في كل مدينة مشهورة لا يوجد فيها غير كتاب واحد أو اثنين (بالنادر. إلا أنه بعد انتشار الإنكليز في بلاد العرب طبعوا هذه النسخة المغلوطة كتباً، وفرقوها. صح كلام صاحب الحاشية)) . 1 في النسختين (حتى إن بواسطة هذه الوجوه قد ترى أرهاط) وكتبتها حسب ما فهمت من كلام المؤلف. 2 في. د ((الذي ذكره لغيره وجاز)) . 3 يقصد الاهتمام للدنيا كما هو في الشك السابع عشر. انظر: ص 265. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 الممكن ممتنعاً والممتنع ممكناً، وباقي الشكوك تراها على هذه الوجوه مصنوعة ومزورة (*) . ثم إني أقول: وإذا وجد في النادر رجل من هؤلاء القوم، وكان خبيراً، وجمع بعضها من هذه التزاوير في فكره، وفهم عجز المفسرين لها، فقد يمنعه عن إظهارها، ورفض كتبها موانع كثيرة، وأخصها الذي هو المانع الأعظم، أنه لا يعرف شرف الدين المحمدي، ولا فهم شرائعه، ولا طالع في كتابه، الذي هو القرآن الشريف، وفهم معاني آياته1، حتى يستنير به، ويتبع طريقة الهادي، ولا يعلم أن الأنبياء في التوراة والإنجيل قد تنبؤا عن نبيه الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، وأشاروا عنه، كما (أنهم) أشاروا عن عيسىعليه السلام، وإنما يعرف القذف والشتيمة عليه من المتعصبين في دينهم، ومن جرّاء ذلك قد يبقى في تيار هذه (الأمور) والمشاكل غارقاً، وانسداد هذه الطرقات قد عرفته وتحققته من معاشرتي لأفراد منهم، لأني رأيتهم (واقفين) عند أبواب هذه الشكوك ومبهوتين، لا يمكنهم الدخول فيها ولا الخروج منها. فهذا وأمثاله هو الذي حركني -كما قررت- على تأليف هذا الكتاب، الذي سميته (البحث الصريح في (أيما هو) الدين الصحيح) ،   * حاشية: (اعلم أنّ الذهبي أو خلافه من المفسرين كانوا يشرحون بعض هذه الشكوك بالوجه المجازي، حيث لم يكن لهم معرفة بالحقيقة نظراً لغرضهم، والحال أنه لا يجوز عند العلماء تفسيرها بالمجاز، إذا كان لها وجهاً حقيقياً، كما قال هذا المؤلف) . 1 في. د ((وفهم معانيه عن إيمانه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 لكي يطالعه العلماء فيهم والفقهاء، حتى إذا صار فرصة لأحدهم، وتحرك الحق في قلبه، (ونظر تورط نفسه) ، ينفر من هذا الشرك نفور الغزال، وينصح غيره إن أمكنه ذلك، ويؤمن ويشهد: بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الإيمان الذي لا يعتري العقول فيه شكّ، ولا لذوي الأفكار الثاقبة بهت، وليس هو متطرفاً (ومعرضاً) للسقوط، كتطرف مذاهب بعض الهنود والنصارى. أما مذهب بعض الهنود (فهو التطرف باعتقاد خالق) موجود فائق الأوصاف، ولكنه قد ترك اعتناءه بمخلوقاته وانعزل وسلمها إلى بعض مخلوقاته كالشمس والقمر (والكواكب) وباقي الأفلاك والعناصر، ولذلك يقدمون لها العبادة والإكرام كأنها الله، وتتوجه ضمائرهم إلى ترك العبادة والإكرام للخالق سبحانه وتعالى، حتى إنهم مع تداول الأزمنة قد نسوا عبادة الله، التي هي الأصل لديانتهم، وصاروا يعبدون المخلوقات، واعتبروها خالقة وليست مخلوقة، وهذه الملة تسمى ((سينتو)) 1 وكثير منها في جزائر آسيا.   1 لم يتبين لي أصحاب هذه الملة، مع أن مذاهب الهنود كثيرة جداً وكلها أديان وثنية ويعبد أصحابها كثيراً من المعبودات والأصنام. انظر: فصول في أديان الهند ص88- 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وأما بعض النصارى (فقد تطرفوا حيث) بالغوا في اعتنائه [تعالى] بالبشر، وغلوا، حتى إنهم (قد قعدوا قاعدة) لهذه المبالغة والغلو1، وأخذوها عن رجل عندهم اسمه بولص2، [مؤولين كلامه ومفسرينه] أن جميع البشر هالكين بخطيئة جدهم آدم، حتى سيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وباقي النبيين عليهم السلام هم في الأسر تحت يد إبليس وسلطانه، وأنهم مفتقرون لإله يخلصهم، حتى غلوا في دينهم3، لأنهم لما   * حاشية: (اعلموا أن ذلك الغلو [الذي ذكره المؤلف] قد أشار إليه تعالى في القرآن الشريف (مناديا به وقائلا) {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَق} النساء آية (171) 2 بولس (شاؤول اليهودي) هو أول من حرف الديانة النصرانية، وادعى أن المسيح هو ابن الله، وأنه نزل ليصلب تكفيراً للخطايا، ورسائله وكتبه هي التي تشكلت منها الديانة النصرانية، وهي أربع عشرة رسالة ضمن ما يسمونه بالعهد الجديد. 3 بولس في رسالته إلى رومية 5: 12 قال ((من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين)) . فهذا النص هو من أهم النصوص لديهم في الدلالة على أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم. والواقع أن النص لا يدل على ذلك، بل غاية ما فيه أنه يدل على أن آدم عليه السلام لما أخطأ حل عليه الحكم الذي نصوا عليه في التوراة في سفر التكوين 2: 16، وفيه ((وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)) . فهذا الموت الذي ذكروه أصاب آدم وأصاب ذريته بسبب الأكل من الشجرة، ومع أنه كلام ظاهر بطلانه من ناحية أن الله لو كان أوصى آدم أن لا يأكل منها، لأن في أكلها موته لما أكل منها، مثل أي إنسان يحذر من شيء أن فيه موته فسيتجنبه ولا يأكل منه. والمهم هنا بيان أن كلام بولس لا يدل على ما ادعاه النصارى وتعلقوا به، من أن خطيئة آدم انتقلت إلى أبنائه وصاروا جميعاً خطاة، وأن المسيح جاء ليفتدي الناس من تلك الخطيئة، وأنه لا نجاة لأحد إلا بالإيمان بالمسيح المصلوب، فهذه كلها دعاوى لا أساس لها من الإنجيل، ولا حتى الرسائل الملحقة بها، وإنما هي من مخترعات المتأخرين من النصارى وافتراءاتهم وترقيعاتهم لخرافات ديانتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 سمعوا من كتابهم: أن عيسى إله وابن الإله لم يدركوا أن هذه أسماء ونعوت، وقد تسمى بها غيره من الأنبياء والملائكة والصالحين، بل اعتقدوا أن هذه النعوت حقيقية وليست مجازية، وأن عيسى ابن الله بالطبيعة ومساوٍ له في الجوهر –تعالى الله عن ذلك–، حتى ألجأه الحال إلى أنه أنزله من السماء، وأسكنه في (رحم) 1 مريم تسعة أشهر، وأخرجه من [باب رحمها] 2 -تعالى الله عن ذلك [علواً كبيراً]- وأعوذ به من هذا   1 في. د قال ((في بيت ولد مريم)) . 2 في. ت ((استها)) وهو خطأ، لأن الاست العجز أو حلقة الدبر. انظر: القاموس المحيط ص 1609. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 الاعتقاد، وليس ناسوتاً من دمها وأنه صلب ومات ونزل إلى جهنم، حتى يخلص إبراهيم وموسى والأنبياء مع جنس البشر الهالكين. 1 فهذان الرأيان المتطرفان المهلكان قد نفر منهما الدين المحمدي2، واعتقد بما قد أوحى له الله تعالى في (الكيفيات التي تجب العبادة وفقها) ، والمصحوب بشرائع مهندمة، منزلة على نبيه الهادي، بكتاب سامٍ ترى فيه كلما تطلب من الصالحات، مشروحاً بتلك الألفاظ اللطيفة، والجمل   1 أسباب ضلال النصارى وانحرافهم عن رسالة المسيح عيسى عليه السلام عديدة وذكر المصنف هنا واحداً منها، وهناك أسباب أخرى منها: ضياع كتبهم الصحيحة، وتحريف الإنجيل، وتزعم بولس لهم، وسعيه الحثيث في تحريف الرسالة، وكذلك اختلاطهم بالوثنيين وتأثرهم بالفلسفة، كل ذلك وغيره مما لا يمكن تفصيل الكلام فيه هنا من عوامل انحراف النصارى عن رسالة المسيح عليه السلام للاستزاده انظر كتاب ((تحريف رسالة المسيح عليه السلام عبر التاريخ أسبابه ونتائجه)) من ص129-400. 2 قول المصنف عن الإسلام ((الدين المحمدي)) غير صحيح، لأن الدين في الشرع لم يأت منسوبا إلى أحد من الأنبياء، وإنما جاءت نسبته إلى الله عز وجل، كما قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} آل عمران 83، {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه} النور2، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} النصر2، كما أن نسبة الدين إلى النبي محمد (يشعر بأن هذا الدين من عنده وليس من عند الله عز وجل، وهذا ما يقصد إليه النصارى والكفار عموما في إطلاق هذا المسمى على الإسلام، إذ إنهم هم الذين أشاعوا مثل هذا الإطلاق، فأخذه عنهم بعض المسلمين في هذه الأزمان المتأخرة. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الظريفة، والمعاني الفائقة المنيفة، والأخبار بالأمثال الشريفة، والأحكام العادلة اللطيفة. وقولي عن أحكام القرآن إنها [عادلة] لطيفة، لأنك لا ترى فيها قساوة، كما حكمت التوراة بالموت على من قرب قرباناً خارج المذبح والهيكل، ولا رخاوة كما وجد في الإنجيل، إذ أنه ترك الزانية من غير قصاص ولا نصيحة وارتداد إلى معرفة طريق التوبة، لأنه قال لها: أين هم الذين دانوك؟ اذهبي ولا أنا أدينك -يعني إنهم ما رجموك بحيث أنهم نظروا أنفسهم خطاة- وأنا أيضاً مثلهم اذهبي1. وينتج من هذا الجواب إبطال الشرائع والأحكام، لأنه لا يوجد أحد من البشر بغير خطيئة، فلا يطبق شيئاً من الأحكام، وكذلك إباحته السكر في عرس قانا الجليل [عند] تحويل الماء خمراً للسكرانين 2، وذلك مما يثبت التزوير في التوراة والإنجيل. وغلاقة هذه الخاتمة أقول: إن سيدنا عيسى عليه السلام قد أعطى (على صحة الانتساب إلى) 3 دينه الشريف دلالتين محكمتين صريحتين لا تقبلان تحريفاً ولا تصحيفاً4،   1 يوحنا 8: 10 وفيه ((قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد فقالت: لا أحد يا سيد فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضاً)) . 2 يوحنا 2: 9. 3 في. د ((وجو)) . (2) في النسختين ((سوى معنى لفظ خبرها)) . ولا معنى لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وهاتان الدلالتان قد وجدتا في الأزمنة الأولى فعلياً حسياً، وبسببهما قامت الديانة النصرانية (ونمت) ، (وحيث يوجد الدليل يوجد مدلوله معه) والدلالتان هما: الأولى: هي فعل العجائب والآيات المعجزات (بالتتابع) ، خلفاً عن سلفٍ من المؤمنين بالله، الواردة في إنجيل مرقص، في أواخر إنجيله [على لسان عيسى عليه السلام] عن أن الآيات تتبع المؤمنين بقوله: وهذه الآيات تتبع المؤمنين باسمي، يخرجون الشياطين، ويتكلمون بألسنٍ جديدة ويحملون الحيات بأيديهم وإن شربوا شيئاً مميتاً فلا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون1. والثانية: هي شرف الطريقة الممتلئة هدىً ونوراً، لتصديق قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُور} 2، مثل محبة الأعداء، وعدم مقاومة الشر بالشر، ورفض الاهتمام (للدنيا) ، والقناعة بثوب واحد، المبني على قوله: ((حبوا أعدائكم ولا تقاوموا الشر ولا تهتموا بالغد ولا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض ولا تقتنوا ثوبين)) 3. وأمثال ذلك كثير مما تفيده هذه المعاني،   1 مرقس 16: 16-18. 2 المائدة 46. 3 متى 6: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 المطابقة لدلالته الثانية بقوله: ((بهذه يعرف الناس أنكم تلاميذي إن عملتم وصاياي)) 1. فلنفحص الآن هاتين الدلالتين أقلّه عند خلف الحواريين في كامل طوائف النصارى من البابوات والبطاريك والمطارين والمبشرين، هل يوجد فيهم من يعمل آية أو أعجوبة معجزة واحدة كبيرة أم صغيرة من الذين ذكرهم مرقص في إنجيله؟. وهل يوجد رئيس من الرؤساء المذكورين المدعى أنه سليل الحواريين محباً لأعدائه وغير مقاوم الشر، وإذا ضرب على الخد الأيمن يحول له الآخر، أو غير مهتم بالغد، أو أنه لا يوجد عنده ثوبان؟. وهل يوجد قاض في كامل (ملل وطوائف) 2 النصارى يجري هذه الشرائع؟. نعم أقول: إنه لم يوجد شيء من كل ما ذكرت، بل يوجد (عكسه) 3 عوض الثوبين أثواب، وتحف من أموال الناس جمعوها بعلة   1 يوحنا 13: 35. 2 في. د ((فرق)) . 3 في. د ((بالضد)) . * حاشية: (اعلم أنّ كل ما ذكره المؤلف [رحمه الله تعالى] (في هذا المقطع) يصنعونه [مضادة لإنجيلهم، ويتراؤون عنه] ، (لأجل) إماتة اللذات، وحفظ بتولية رهابينهم [وإني لأعرض عن ذكر تعريض وتعظيم أطراف ثيابهم تبياناً لعصاوتهم لسيدنا عيسى عليه السلام] ) . هكذا في. د. وفي. ت. أكثر غموضاً ولم أستطع فهم المراد. * * حاشية: (اعلم أنّ كل ما تراه من بطلان ومحو شريعة عيسى الفضلية لا شك أنه (قدر) وفعل إلهي، وهو دليل عظيم يعلم به انتهاء زمان أحكامها، لأنك لا ترى في كامل طوائف النصارى إنساناً إلا مخالفها، وليس يخطر في ذهنه أو يتوجه في ضميره على أنه مخالفها، ولا ترى حاكماً ولا ناموساً يوبخ على عدم إجرائها ويصنع لها قصاصاً وقانوناً، وهذا وحده يكفي لكل عاقل أن يدرك ويستدل على انتهائها أي انتهاء شريعة عيسى، وقد صادق على ذلك قوله تعالى {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} (المائدة 14) وقوله تعالى أيضاً {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة 34) وقوله تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد 27) . وهذه الحاشية ليست في. د، وإنما جاء فيها قوله ((وقد صادق على ذلك)) إلى نهاية الآية مع اختلاف بسيط في العبارات ضمن المتن في. د بعد قوله أعلاه ((والجحود)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 تطويل صلواتهم، وكنوز بليغة، وموائد منمقة بالأطعمة اللذيذة، ومنازل مزوقة بالألوان الظريفة * (وفضة كثيرة) ، وكذلك مقاومة الشر بالشر، وهذه وأمثالها تنظر علانية، غير قابلة الإنكار والجحود**. فإذاً ينتج أن هذه الدلالات الدالة على1 دين عيسى الصحيح المشار إليها (فيما سبق) من عيسى نفسه عليه السلام غير موجودة2، أعني   1 في. د ((وجود)) ، وفي. ت ((كيان)) ، ولا معنى لها. (2) يقصد الدلالتين السابقتين وهما: الآيات والمعجزات، والمحبة والتسامح، التي ذكر أن المسيح جعلها علامات لأتباع دينه الصحيح. انظر: ص 311 – 312. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الشرائع والآيات، فيقتضي أن يكون مدلولها غير موجود؛ لأنه إذا كان الدالّ باطلا فيبطل بالضرورة مدلوله. ويجب قبل ختم القول أن نعلم بأن الله سبحانه وتعالى بعد انتهاء هذه الدلالات التي ذكرناها، وإبطال مدلولها، لم يترك خليقته بغير مرشدٍ ولا هادٍ، لكنه أرسل الدلالة العظمى والآية الكبرى، التي هي ظهور وإشراق أنوار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الهادي، (الأمين) الصادق، الذي تنبأت عن وروده الأنبياء سلفا عليهم السلام، واتساع بهجة دينه، ودوام سيادته وسلطانه، وتعميم شريعته حتى وفي الممالك الأجنبية؛ هو من الدلالات الدالّة على صدق نبوته. وعدا أن كتابه السامي، الذي ليس له في الوجود مماثل، والذي قد جمع فيه كل كمال، وضم إليه أخص ما ورد في التوراة والإنجيل يشهد له بذلك، وقد انتشرت أحكامه في البسيطة، وأكد على الشرف والذكر الحميد لعيسى وموسى وإبراهيم وباقي النبيين، وكان نزوله على سيد الأولين والآخرين، فعليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين آمين. (تمّ هذا الكتاب الذي هو: ((البحث الصريح في الدين الصحيح)) وهو الكتاب الأول للمرحوم الشيخ زيادة بن الراسي، ويتلوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 كتابه الثاني الذي هو: ((الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية)) 1، وقد تمت نساخته في أواخر جماد الآخر سنة ألف ومائتين وثلاث وستين) .   1 لم أقف على الكتاب الثاني في الأصل المخطوط، فيظهر –والله أعلم– أن أحداً قد نزعه من المجلد الذي كان يضم الكتابين، وقد بينت في المقدمة: أن تلخيصاً للكتاب قد كتبه الشيخ محمد الطيبي، وقد طبع حاشية كتاب: إظهار الحق. انظر: ص 30. وبه يتم التعليق على الكتاب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 مصادر ومراجع ... قائمة المراجع القرآن الكريم. أديان العالم. حبيب سعيد. دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية. القاهرة. 1977م. الاستيعاب في معرفة الأصحاب (بهامش الإصابة) . ابن عبد البر يوسف بن عبد الله. ط1. القاهرة. مكتبة الكليات الأزهرية. الأسفار المقدسة. علي وافي. القاهرة. دار نهضة مصر. الإصابة في تمييز الصحابة. ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني. ط1. القاهرة. مكتبة الكليات الأزهرية. إظهار الحق. رحمة الله الهندي. تحقيق: محمد ملكاوي. القاهرة. دار الحديث. الأعلام. الزركلي خير الدين. ط8. بيروت. دار العلم.1989 م. الأنساب. السمعاني أبو سعيد عبد الكريم بن محمد التميمي. اعتنى بنشره المستشرق د. س مرجليوت. أعادت طبعه بالأوفست مكتبة المثنى ببغداد. إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون. إسماعيل باشا البغدادي. بيروت. دار الكتب. 1413هـ. البداية والنهاية. ابن كثير عماد الدين. تحقيق: محمد عبد العزيز النجار. الرياض. مطبعة السعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم. محمد عزة دروزة. بيروت. المكتبة العصرية. 1389. تاريخ الطبري. ابن جرير أبو جعفر الطبري. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. طبعة دار المعارف. تاريخ الفكر المسيحي. القس حنا الخضري. القاهرة. دار الثقافة المسيحية. تاريخ الكنيسة. جون لوريمر. ترجمة عزرا مرجان. القاهرة. دار الثقافة المسيحية. تفسير العهد الجديد. وليم باركلي. ط1. القاهرة. دار الثقافة. تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) . أبو الفداء إسماعيل ابن كثير. القاهرة. دار إحياء الكتب العربية. جهود من أسلم من النصارى في كشف فضائح النصرانية. مامادو كارامبيري. رسالة دكتوراة. الجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. 1417هـ. حقائق أساسية في الإيمان المسيحي. القس فايز فارس. دار الثقافة المسيحية. مطبعة القاهرة الجديدة. خلاصة الترجيح للدين الصحيح. الشيخ محمد بن علي الطيبي. بهامش إظهار الحق. مصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 لدعوة إلى الإسلام. توماس أرنولد. ترجمة حسن إبراهيم حسن، عبد المجيد عابدين. ط3.القاهرة. مكتبة النهضة المصرية. 1970. دلائل الخيرات. محمد بن سليمان الجزولي. دلائل النبوة. البيهقي أبو بكر بن الحسين. ط1. بيروت. دار الفكر. 1389. السنة. عمرو ابن أبي عاصم. ط2. بيروت. المكتب الإسلامي. 1405. سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي للمباركفوري. بيروت. دار الفكر. سلسلة الأحاديث الضعيفة. محمد ناصر الدين الألباني. ط4. بيروت. المكتب الإسلامي. 1389هـ. سيرة ابن هشام. أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري. ط3. القاهرة. مكتبة الكليات الأزهرية. 1398. شرح العقيدة الطحاوية. ابن أبي العز الحنفي. تحقيق: عبد الله التركي، شعيب الأرنؤوط. ط2. بيروت. مؤسسة الرسالة. 1413هـ. الشمائل. الترمذي محمد بن سورة. ط2.بيروت. دار الحديث.1405 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر العسقلاني. الرياض. نشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء. صحيح مسلم. مسلم بن الحجاج. عناية محمد فؤاد عبد الباقي. ط. دار إحياء الكتب. 1374. طائفة الموحدين من المسيحيين عبر القرون. أحمد عبد الوهاب. ط1. القاهرة. مكتبة وهبة 1400هـ. فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية. لويس جارديه، جورج قنواتي. ترجمة صبحي الصالح، فريد جبر. ط2. بيروت. دار العلم. 1978. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. الشوكاني محمد بن علي. تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. مصر. مطبعة السنة المحمدية. 1398 قاموس الكتاب المقدس. نخبة من الأساتذة النصارى. ط2. القاهرة. دار الثقافة المسيحية. القاموس المحيط. الفيروزآبادي مجد الدين محمد. ط2. بيروت. مؤسسة الرسالة. 1407هـ. القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم. موريس بوكاي. ط2. المكتب الإسلامي. 1407. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) .دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. الكفاية. الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي. القاهرة. دار الكتب الحديثة. لسان العرب. ابن منظور. مصر. دار المعارف. مجلة إسلاميات مسيحيات. إصدار المعهد البابوي للدراسات العربية. روما. 1978. مجموعة الشرع الكنسي. جمع وترجمة وتنسيق: حنانيا إلياس كساب. بيروت. منشورات النور. 1975. محاضرات في النصرانية. محمد أبو زهرة. القاهرة. دار الفكر العربي. المسيحية. أحمد شلبي. ط8. القاهرة. مكتبة النهضة المصرية.1984. محمد (في الكتاب المقدس. عبد الأحد داوود. ط1. ترجمة فهمي شما. قطر. مطبوعات المحاكم الشرعية. 1405. مختصر الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية (بهامش إظهار الحق) . الشيخ محمد بن علي الطيبي. مصر. المسند. أحمد بن حنبل. بيروت. دار صادر. مختصر تاريخ الكنيسة. أندروملر. ط3. مصر. مكتبة كنيسة الأخوة. 1993. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 معجم البلدان. ياقوت الحموي الرومي البغدادي. ط1. بيروت. دار الكتب 1410هـ. معجم الحضارات السامية. هنري عبودي. ط2. لبنان. جرورس. 1411هـ. المعجم الوسيط. جماعة من العلماء. ط2. المنجد في اللغة والأعلام. ط22. بيروت. دار المشرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355