الكتاب: الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الإنجليزية المؤلف: الأستاذ الدكتور محمد مهر علي (المتوفى: 1428هـ) الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الإنجليزية محمد مهر علي الكتاب: الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الإنجليزية المؤلف: الأستاذ الدكتور محمد مهر علي (المتوفى: 1428هـ) الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الإنجليزية: عرض وتحليل الأستاذ الدكتور: محمد مهر علي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الفصل الأول: مؤلفات المسلمين وأنواعها إن المؤلفات عن السيرة النبوية باللغة الإنجليزية عديدة ومتنوعة، وهي تنقسم إلى قسمين كبيرين هما: (أ) مؤلفات المسلمين. (ب) مؤلفات غير المسلمين، ولاسيما الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية. أما مؤلفات المسلمين فبدأت تظهر في العصر الحديث، وذلك بعد رسوخ الاستعمار البريطاني في بعض الدول الإسلامية، وبخاصة في البنغال والجزء الشمالي من شبه القارة الهندية، ومن ثم انتشار اللغة الإنجليزية تدريجياً بين شعوب تلك البلدان. ومن المعلوم أن الحكم البريطاني تأسس في البنغال في سنة 1757م/1170هـ ثم انتشر في معظم المناطق من شبه القارة، في غضون نصف قرن من ذلك الوقت. وبدأ تدريس اللغة الإنجليزية على نحو منظم في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، وقررت الحكومة في البنغال سنة 1835م/1251هـ أن تكون اللغة الإنجليزية لغة التدريس بدلاً من اللغة الفارسية التي كانت سائدة في حقل التعليم والتعلم حتى ذلك التاريخ. فأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 المدارس التعليمية، والباب الوحيد للدخول في ساحة الوظائف الشاغرة للمواطنين. وفي الوقت نفسه اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات لتجريد المدرسة العالية بكلكتة من طبيعتها الإسلامية، وهي المؤسسة الرئيسة للدراسات الإسلامية في البنغال وقتذاك، وتحويلها إلى كلية لتدريس اللغتين العربية والإنجليزية، وذلك باستثناء القرآن والسنة من المقررات الدراسية. ونتيجة لهذه التطورات برز في الستينيات من القرن جيل جديد من المسلمين يتقنون اللغة الإنجليزية. ومن أبرز كتّاب هذا الجيل سيد أحمد خان من عليكره (Aligarh) في شمال الهند، وسيد أمير علي من كلكتة في البنغال، وكلاهما اهتم بالكتابة عن السيرة النبوية باللغة الإنجليزية. وكان الباعث وراءهما كتابات بعض المستشرقين عن السيرة وقتذاك، وبخاصة كتاب ويليم ميوير (W.Muir) والذي صدر في أربعة مجلدات في لندن بين 1858م و1861/ 1274و 1278هـ. وقد شوه فيه ميوير وجه الحقيقة عن السيرة، وبث كثيراً من الادعاءات والافتراءات. فعزم السيد أحمد خان الرد عليه، وكتب سلسلة من المقالات العلمية دحض فيها مزاعم ميوير بالأدلة النقلية والعقلية. صدرت هذه المقالات في لندن سنة 1870م/1278هـ، وأصبحت كلاسيكية منذ صدورها فجمعت فيما بعد في مجلد واحد بعنوان: مقالات في حياة محمد صلى الله عليه وسلم "Essays on the Life of Muhammad" وطبعت عدة مرات (1) .   (1) انظر الطبعة الجديدة، إدارة أدبية بدهلي 1981م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وفي الوقت نفسه كتب السيد أمير علي (1) عن السيرة بالغرض نفسه وهو الرد على ادعاءات المستشرقين مثل ميوير، ولكنه فعل ذلك بطريق غير مباشر، وعلى نطاق أوسع فعالج موضوع السيرة وتعاليم الإسلام مجتمعة في كتاب واحد بعنوان: "فحص نقدي في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليمه" (A Critical Examination of the Life and Teachings of Muhammad) صدر الكتاب في لندن سنة 1873م/ 1290?. وبعد عقدين عَدَّل الكتاب وحسَّنه، وأصدره من لندن سنة 1891 م بعنوان The Spirit of Islam (روح الإسلام) . وقد حاز الكتاب شهرة فائقة، وأعيد طبعه عدة مرات. ومن بداية القرن العشرين الميلادي حتى الوقت الحاضر صدر عدد كبير من المؤلفات عن السيرة من قِبل المسلمين. لا يتسع المجال هنا لحصر هذه المؤلفات، فأكتفي بالإشارة إلى الأصناف البارزة منها: الصنف الأول: يتكون من المؤلفات التي تعالج موضوع السيرة مجتمعة، ومن أمثال هذا الصنف: (1) The Life of Muhammad (حياة محمد صلى الله عليه وسلم) لأبي الفضل، والصادر في كلكتة سنة 1910م/1328هـ.   (1) هذا الكاتب شيعي رافضي، ويتحدث في كتابه عن أحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من وجهة النظر الشيعية (اللجنة العلمية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 (2) The Ideal Prophet (النبي المثالي) لخواجة، كمال الدين، والصادر في لاهور سنة 1925م/ 1344هـ. (3) Muhammad Rasulullah (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) للدكتور محمد حميد الله، الصادر في حيدر آباد جنوب الهند سنة1974م/ 1394?. (4) Muhammad: Seal of the Prophets (محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم) لمحمد ظفر الله خان (1) ، والصادر في لندن سنة 1982م/ 1402هـ. (5) The Prophet Muhammad His Life and Eternal Message (النبي محمد صلى الله عليه وسلم: حياته ورسالته الخالدة) لغلام وحيد شودهري، والصادر في لندن سنة 1995م/ 1416هـ، وغير ذلك من مؤلفات المسلمين الصادرة باللغة الإنجليزية. والصنف الثاني: يتألف من المؤلفات التي تعالج جانباً خاصاً بالسيرة، ومنها: (1) The Battlefields of the Prophet Muhammad (ميادين القتال للنبي محمد صلى الله عليه وسلم) للدكتور محمد حميد الله، والصادر في وكنج ـ إنجلترا سنة 1953م/1372هـ.   (1) المذكور قادياني (اللجنة العلمية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 (2) Muhammad and the Jews: A Re-examination (محمد صلى الله عليه وسلمواليهود: فحص من جديد) لبركة أحمد، والصادر في دلهي سنة 1979م/1399هـ. (3) Organization of Government under the Holy Prophet (نظام الحكومة تحت النبي صلى الله عليه وسلم) لياسين مظهر صديقي، الصادر في دهلي سنة 1987م/ 1407هـ. (4) The Prophet,s Concept of War (مفهوم القتال عند النبي صلى الله عليه وسلم) لغلذار أحمد، الصادر في لاهور سنة 1986م/1406هـ. (5) The Foreign Policy of Muhammad (سياسة محمد صلى الله عليه وسلم الخارجية) لمحمد صديق قريشي والصادر في لاهور سنة 1989م/ 1409هـ. وغير ذلك من هذا النوع من المؤلفات، ويأتي ضمن هذا الصنف المؤلفات الخاصة بأمهات المؤمنين والصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. والصنف الثالث: يتألف من كشوف موجزة ومفيدة عن السيرة النبوية، وهي مقدمات لكتب أخرى مثل ترجمة معاني القرآن الكريم أو مؤلفات عن الإسلام. والمثالان البارزان من هذا النوع هما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 (1) مقالة علمية وعميقة عن السيرة كتبها محمد مرمديوك بكثول Marmarduke Pickthall)) مقدمةً لترجمته لمعاني القرآن الكريم (1) . (2) مقالتان في السيرة كتبهما الحافظ غلام سرور ضمن مقدمته الطويلة لترجمة معاني القرآن له (2) . والصنف الرابع: يتكون من المقالات العلمية لا عن السيرة مجتمعة، بل عن مختلف الموضوعات المتعلقة بها والمنشورة في مجلات تخصصية ودوريات تابعة لمراكز البحوث والجامعات. وهذه بعض أمثلة تمثل هذا النوع: (1) "The Political Significance of the Constitution of Madina" (الأهمية السياسية لدستور المدينة) د ت. زين العابدين (3) . (2) "Was Muhammad Illiterate?" (هل كان محمد صلى الله عليه وسلمأمياً؟) لـ: م. أحمد (4) . (3) "Al-Hudaybia: An Alternative Version" (الحديبية   (1) M.Pickthall, The Meaning of the Glorious Qur'ân, vol. i, Hyderabad, Deccan,, Introduction pp (2) Hafiz Ghulam Sarwar, Translation of the Holy Qur'ân, first edition, London/Woking, n.d.,Introduction,pp I-Lxviii. (3) Arabian and Islamic Studies, ed. G.R. Smith, London, ,pp. . (4) Islam and the Modern Age, vol. , n. , , pp. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 تفسير بديل) لـ: ف. ب. علي (1) . (4) " New Light on the Story of Banu Qurayzah and the Jews of Madina " (ضوء جديد على قصة بني قريظة ويهود المدينة) لـ و. عرفة (2) . (5) "A critical Study of the poetry of the Prophet's time and its authenticity as the source of the sira" (دراسة نقدية للشعر في عصر النبي صلى الله عليه وسلموصحته مصدراً للسيرة) ?ـ م. م.خان (3) . والصنف الخامس: يتكون مما كتب مؤخراً في نقد وتحليل كتابات المستشرقين عن السيرة، ونذكر منه: (1) "Prophet Muhammad and his Western Critics" (النبي محمد صلى الله عليه وسلمونقاده الغربيون) لمحمد ظفر علي قريشي، مجلدان، وصدر في لاهور سنة 1992م/1413هـ. (2) "Image of the Prophet Muhammad in the West" (صورة النبي محمد صلى الله عليه وسلمفي الغرب) لجبل محمد بوابن، الصادر في ليستر سنة 1995م/1416هـ.   1 The Moslem World. Vo. , , pp. 2 Journal of the Royal Asiatic Society, , pp. 3 Islamic Culture, vol. ,. pp. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 (3) "S?rat al-Nab? and the Orientalists" (سيرة النبي صلى الله عليه وسلموالمستشرقون) لمحمد مهر علي، مجلدان، الصادر في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة سنة 1997م/1418هـ. أما النوع السادس فيتألف مما نقله المسلمون إلى اللغة الإنجليزية من مؤلفات المسلمين في السيرة بلغات أخرى، ولا سيما اللغة العربية والأردية وأمثالهما: (1) سيرة النبي صلى الله عليه وسلملشبلي نعماني بالأُردية، قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية محمد طيب بخش بدايوني، مجلدان، وصدر في لاهور سنة 1979م/1399هـ. (2) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلمللسيد أبي الحسن علي الندوي باللغة العربية، نقله إلى اللغة الإنجليزية محيي الدين أحمد، وصدر في لكهنو سنة 1979م/1399هـ. (3) الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري باللغة العربية، قام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية ونشرته المكتبة الإسلامية بالرياض سنة 1995م/1415هـ. (4) حياة محمد صلى الله عليه وسلملمحمد حسين هيكل باللغة العربية، ترجمه إلى اللغة الإنجليزية الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي ونشرته الأمانة الأمريكية للنشر "American Trust Publications" مع مقدمة لحسن بن عبد الله آل الشيخ، وزير التعليم العالي السعودي السابق، سنة1976م/1417هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 (5) الترجمة الإنجليزية للسيرة النبوية لابن كثير، 4مجلدات، نشر ريدينج سنة1998م/ 1419هـ. ويأتي ضمن هذا النوع موسوعة السيرة "Encyclopedia of Seerah" في عدة مجلدات، أعدَّها ونشرها أفضل الرحمن في لندن بين 1981م و1992م/1401هـ و1412هـ. فالموسوعة المذكورة في الأصل تأليف وترجمة لما كتبه الآخرون في السيرة والمرتب تحت عناوين مناسبة. وليس هذا التصنيف جامعاً لوقائع السيرة كما يفهم من عنوانه، بل هو إشارة إلى أنواع المؤلفات فقط، وجميعها يستهدف فهم السيرة وتفهيمها، وإن كان بعضها موجهاً إلى عامة القراء وبعضها إلى المتخصصين والمطلعين الجادين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الفصل الثاني: مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين مدخل ... الفصل الثاني: مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين إن مؤلفات الإنجليز والأوربيين عامة عن السيرة أقدم من مؤلفات المسلمين عن السيرة باللغة الإنجليزية، ويعود تاريخها إلى اتصال الأوربيين المباشر بالإسلام والمسلمين، وبخاصة إبان الحروب الصليبية1096-1273م/489-672هـ، ومنذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر ما زال الأوربيون في القارة الأمريكية وأماكن أخرى يكتبون عن السيرة. وربما زاد عدد هذه الكتابات بكثير على عدد كتابات المسلمين في السيرة باللغة الإنجليزية. ولكن خلافاً لما يكتبه المسلمون، فإن كتابات الإنجليز على العموم لا تهدف إلى عرض السيرة والإسلام على الوجه الحقيقي، بل إلى تشويهها وتضليل القراء. وقبل أن نتحدث عن كتاباتهم تجدر الإشارة إلى أنها أيضاً تتنوع إلى ستة أنواع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 المبحث الأول: أنواع مصنفاتهم : الصنف الأول: يتألف من تلك المصنفات التي تتحدث عن السيرة مجتمعة وأمثلتها: (1) The Life and Death of Mahomet (حياة محمد صلى الله عليه وسلمووفاته) لولتر رالي ((Walter Raleigh والصادر في لندن سنة 1637م/1047هـ. (2) The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet (طبيعة المدعي الحقيقية المنعكسة كاملة في حياة محمد صلى الله عليه وسلم) . لهمفري بريدو (Humphrey Prideaux) والصادر في لندن سنة 1697م/1109هـ. (3) "Life of Mahomet " (حياة محمد صلى الله عليه وسلم) لونشطن أرفينج Washington Irving)) والصادر في لندن سنة 1850م/1163هـ. (4) "Life of Mahomet from the Original Sources" (حياة محمد صلى الله عليه وسلم) من المصادر الأصلية، لويليم ميوير (William Muir) 4مجلدات، والصادر في لندن، 1858-1861م/1274-1278هـ. (5) The Life and Times of Muhammad (حياة محمد صلى الله عليه وسلموعصره) لـ: جون باجت جلاب John Bagot Glubb)) ، والصادر في لندن سنة 1970م/1390هـ. وغير ذلك من هذا النوع من المؤلفات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 النوع الثاني: يتألف من المقالات والدراسات الموجزة عن السيرة، وهي مقدمات لكتب أخرى مثل ترجمة معاني القرآن ومؤلفات عن الإسلام والتاريخ الإسلامي، ومن أبرزها: (1) مقالة عن السيرة كتبها.. هـ ستاب "H. Stubb" في مقدمة كتابه "An Account of the Rise and Progress of Mahometanism: With the Life of Mahomet" (قصة ظهور المحمدية وتقدمها: مع حياة محمد صلى الله عليه وسلم) ، والصادر في لندن سنة 1670م/1081هـ. (2) مقالة عن السيرة كتبها جورج سيل "George Sale" ضمن مقدمته لترجمة معاني القرآن له، وصدر في لندن سنة 1734م/1147هـ. (3) مقالة إدوارد جيبون Edward Gibbon)) عن السيرة في المجلد الثالث لكتابه الشهير "Fall of the Holy Roman Empire" (سقوط الإمبراطورية الرومانية المقدسة) ، الصادر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي. (4) مقالة عن السيرة لـ هـ. أ.ر. جيب "H. A. R. Gibb" في مقدمة كتابه "Mohammadanism: A Historical Survey" (المحمدية نظرة تاريخية) ، والصادر في أكسفورد سنة 1949م/1369هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 النوع الثالث: يتألف من المصنفات التي تعالج جانباً من جوانب السيرة، وأمثلتها: (1) "Aisha the Beloved of the Prophet" (عائشة رضي الله عنها: محبوبة النبي صلى الله عليه وسلم) لـ: نابيا أبوت "Nabia Abbott"، وصدر في نيويورك سنة1942م/1361هـ. (2) " The Ascension of the Prophet and the Heavenly Book " (معراج النبي صلى الله عليه وسلموالكتاب السماوي) لـ: ج. وايدن جرين "G. Widengren"، والصادر في أوبسلا سنة 1950م/1370هـ. (3) "Muhamad's Prophetic Office as protrayed in the Qur'an" (الوظيفة النبوية لمحمد صلى الله عليه وسلمكما يصورها القرآن لـ: ج. سى. ويلسون "J. C. Wilson"، وهو رسالة الدكتوراه بجامعة أدنبرة 1949م/1369هـ. النوع الرابع: يتألف من مقالات تعالج كل واحدة منها مختلف الموضوعات من السيرة، وصدر في مجلات ودوريات تخصصية وأمثالها: (1) "The character of Muhammad as a Prophet" (خلق محمد صلى الله عليه وسلمنبياً) لـ: ف. بول "F. Buhl" (1) . (2) "Mecca's food supply and Muhammad's boycott" تموين مكة ومقاطعة محمد صلى الله عليه وسلم، لـ: ف. دونار "F. Donner" (2) .   (1) The Moslem World, no. I, vol., , pp. (1) Journal of Economic and Social History, ,pp. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 (3) "A Note on the Sira of Ibn Ishaq" تعليقة على سيرة ابن إسحاق" لـ: أ. غيوم "A. Guillaume" (1) . (4) "Constitution of Madina: A Reconsideration" "دستور المدينة: إعادة النظر فيه"، لـ: م. غيل "M. Gil (2) ". (5) "The Illitrate Prophet "Nabi Ummi": An Enquiry into the Development of a Dogma in Islamic Tradition" "النبي الأمي: نظرة في تطور العقيدة في الروايات الإسلامية" لـ: أ. ي. جولد فيلد "I. Goldfield" (3) . الصنف الخامس: يتألف مما نقل إلى اللغة الإنجليزية من المؤلفات عن السيرة في بعض اللغات الأوروبية ومن الكتب العربية الأصيلة وأمثالها: (1) حياة محمد صلى الله عليه وسلملبولان فيليا "H. C. Boulainvilliers" ترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية بعنوان "Life of Mohammed"، والصادر في لندن سنة1731م/1144هـ.   (2) Bulletin of the School of Oriental and African Studies, vol. , pp. (3) Israel Oriental Studies, vol. , , pp. (4) Der Islam, vol. ,pp. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 (2) محمد صلى الله عليه وسلموالإسلام "Mohammed and Islam" لجولد تسيهر "I. Goldziher" ترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية مطابع جامعة ييل "Yale University" 1917م/1335هـ. (3) محمد صلى الله عليه وسلم: الشخص ودينه "Mohammad: The Man and His Faith" لتور أندري "Tor Andrae" ترجمة من السويدية إلى الإنجليزية، صدر في نيوهامبشاير سنة 1936م/1355هـ. (4) محمد صلى الله عليه وسلم، لـ: م. رودنسون "M. Rodinson" ترجمة من الفرنسية إلى الإنجليزية، صدر في لندن سنة1971م/1391هـ. (5) ترجمة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلملابن إسحاق إلى الإنجليزية قام بها أ. غيوم "A. Guillaume" بعنوان: "The life of Mohammed"، وصدر في أكسفورد سنة 1955م/ 1375هـ. والصنف السادس: يتكون من بعض الكتب في نقد الآراء المتطرفة والافتراءات التي تختص بها عامة المؤلفات عن السيرة باللغة الإنجليزية، ونقد بعض كتب المسلمين، ومنها: (1) "Apology for Mohammad" دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم، لـ: غ. هيجنس "G. Higgins"، وصدر في إله آباد سنة 1929م/1348هـ. (2) "An Apology for Muhammad and the Koran" دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلموالقرآن، لـ: جون دافنبورت "John Davenport"، صدر في لندن سنة 1869م/1286هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 (3) "Muhammad in Europe: A Thousand Years of Mythmaking" محمد صلى الله عليه وسلمفي أوروبا: ألف سنة من صناعة الأساطير. لـ: م. ريفس "Minion Reeves"، صدر في لندن، سنة2000م/ 1421هـ. (4) "A Modern Arabic Biography of Muhammad: A Critical Study of Muhammad Husyan Hykal.htm's Hayat Muhammad, by A Wessels" ترجمة حديثة لمحمد صلى الله عليه وسلمباللغة العربية: دراسة نقدية لكتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل. لـ: أ. ويسلس، وصدر في ليدن سنة 1982م/1392هـ. وباستثناء الصنف الأخير فإن جميع مؤلفات الإنجليز والناطقين باللغة الإنجليزية من غير المسلمين تتسم بسمة واحدة، وهي العدوان والهجوم على السيرة والإسلام بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة وإن كانت تختلف في الأساليب والمناهج. ويمكن تحديد ثلاث مراحل في تطور هذه الكتابات عن السيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 المبحث الثاني: مراحل التأليف عن السيرة باللغة الإنجليزية تمتد المرحلة الأولى من العصور الوسطى إلى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. في هذه الفترة كانت الكتابات عن السيرة مبنية تماماً على غاية الجهالة والغرض المشبوه، وكان الهدف الرئيس وراءها تحريض الشعوب الأوربية ضد الإسلام والمسلمين، ولا سيما من أجل الحروب الصليبية التي كانت جارية حوالي قرنين، فكان المؤلفون الأوربيون يصفون الإسلام طوال هذه الفترة على أنه تطور شيطاني يستحق المقاومة والقضاء عليه، وكانوا يقولون إن دين محمد صلى الله عليه وسلمنوع جديد من الوثنية وأن محمداً يدَّعي نفسه إلهاً، ويطلب من أتباعه عبادته. ونتيجة لهذه الادعاءات المبثوثة عبر قرنين من الزمن اكتسبت الكلمة "Mammet/Maumet" كما كانوا يتهجون اسم النبي صلى الله عليه وسلماكتسبت معنى الصنم لدى الإنجليز. وقد أدخلت الكلمتان "memmetry/memmet" بمعنى الصنم والوثنية؟ في المعاجم الإنجليزية (1) . والمرحلة الثانية بدأت من منتصف القرن الخامس عشر الميلادي واستمرت حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. في هذه المرحلة بدأ الأوربيون يعرفون الإسلام والمسلمين أكثر مما كانوا يعرفونهما من قبل، وذلك بسبب تعاملهم المتزايد مع الأتراك العثمانيين. فعرفوا أن دين محمد   (1) انظر Chambers Twentieth Century Dictionary الطبع لـ:1954م ص:644 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 صلى الله عليه وسلمليس بدين الوثنية وما الله بإله كاذب، ولكنهم تصوروا الآن أنه نبي كاذب ونشر دينه الباطل حسب قولهم بالخداع والقوة. وهذه التصورات الخاطئة في جميع الكتابات عن السيرة كانت في هذه المرحلة. فمثلاً مارتن لوثر، الزعيم الشهير للحركة الإصلاحية في النصرانية "The Reformation Movement" يقارن النبي صلى الله عليه وسلمبالبابا "Pope" ويصف كلاً منهما بأنه عبد الشيطان وهما عدو المسيح عيسى عليه السلام (1) . ومع ذلك فإن لوثر أدرك أن الإسلام ليس بدين الوثنية، هو دين التوحيد. ولكن تعصبه الشديد حوَّله عن الحق فانتابته المخاوف طوال حياته بأن دين محمد صلى الله عليه وسلمقد يغلبه فحذر نفسه والنصارى قائلاً: "The abominable Muhammad almost became my Prophet, and both Turks and Jews were on the way to sainthood ... So take my advice, do not celebrate too soon. Watch out that your skill does not desert you. Be concerned, be humble, and pray that you may grow in this art and be protected against the crafty Devil." (2) . "إن محمداً البغيض كاد يكون نبياً والأتراك واليهود كانوا على طريق القداسة الخالصة.. فخذوا نصيحتي ولا تفرحوا قبل الأوان وكونوا حذرين لكي تأمنوا الشيطان المكار".   (1) Martin Luther, Lectures etc., quoted in M. Reeves, Muhammad in Europe: etc., London, , p. (2) Martin Luther's Works, tr. J. Pelikan, St. Louis, , vol. ,pp. , quoted in ibid, p. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وكذلك كانت أفكار فولتير "Voltaire" بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلمفألف كتاباً متعصباً في السيرة بعنوان: "La fanatisme au Mahomet le Prophet" "التعصب على محمد النبي" قال فيه: "But when a camel driver stirs up rebellion, claims to have coversed with Gabriel, and to have received this incomprehensible book, in which every page does violence to sober reason, when he murders men and abducts women to force them to believe in this book, such conduct can be defended by no man unless he is a born Turk, or unless superstition has choked all of the light of nature in him". "ولكن عندما يثير جمَّالٌ فتنةً، ويدَّعِي أنه تكلم مع جبريل وتلقى هذا الكتاب غير المفهوم وكل صفحة فيه تخالف العقل السليم، عندما يغتال الناس ويختطف النسوة لإجبارهم على الاعتقاد بهذا الكتاب، ولا يمكن الدفاع عن هذا السلوك من قبل أي رجل إلا أن يكون تركياً بالنسل، أو أن تكون الخرافة قد خنقت نور الفطرة فيه برمتها". وفي إنجلترا كتب همفري بريدو "Humphrey Prideaux" كتاباً في نهاية القرن السابع عشر الميلادي تفوق فيه على جميع السابقين له في الادعاءات والافتراءات على نبي الإسلام. وصدر كتابه سنة1697م/1108هـ بعنوان: "The True Nature of Imposture Fully Displayed in the Life of Mahomet" "طبيعة المدّعي الحقيقية متوافرة كاملة في حياة محمد" والعنوان إشارة وافية لما يحتويه الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مثلاً يقول بريدو: ] "Muhammad made [such a religion as he thought might best go down, he drew up a scheme of that imposture he afterwards deluded them with, which being a medley made up of Judaism, the several heresies of the Christians then in the East, and the old pagan rites of the Arabs, with an indulgence to all sorts of Sensual Delights, it did too well answer his Design in drawing men of all sorts to the embracing of it" (1) . "إن محمداً صنع ديناً بصورة تجعله مقبولاً حسب ظنه، فدبر مكايد الخداع الذي خدع به الناس وهو دين مزيج مشوش من اليهودية وبدع النصارى المنتشرة في الشرق وقتذاك ونسك الوثنية القديمة للعرب مع إطلاق العنان للغرائز الشهوانية بجميع أشكالها وقد خدم هذا خطته الماكرة في جذب جميع الأصناف ممن يطمع في اعتناقه الإسلام". كما أيقظ بريدو الادعاء القديم أنه صلى الله عليه وسلمكان مصاباً بداء الصرع وأضاف أنه استخدم علامات هذا الداء احتيالاً لتلقي الوحي. يقول بريدو: "And whereas he was subject to the Falling Sickness, whenever the fit was upon him. He pretended it to be a trance, and that then the Angel Gabriel was come from God with some new revelations unto him" (2) .   (1) H. Prideaux, The True Nature of Imposture etc., p. (1) Ibid., p. 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 "وحيث إنه كان مصاباً بداء الصرع فكلما جاءته نوبة المرض ادعى أنها غيبوبة وأن الملك جبريل يأتيه بوحي جديد من الله إليه". وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي؛ أي بعد نصف قرن من صدور كتاب بريدو أعاد إدوارد جيبون "Edward Gibbon" جميع هذه الادعاءات والتهم ما عدا تهمة داء الصرع، في المجلد الثالث من كتابه الشهير: "Decline and Fall of the Holy Roman Empire" "انحطاط الإمبراطورية الرومانية المقدسة وسقوطها". يقول جيبون: إن محمداً مع إنجازاته السياسية كان خادعاً ماكراً وأنه لو كان مخلصاً في العهد المكي، .... لَماَ انزلق إلى الخداع بعد الهجرة وتحول إلى انتهازي سياسي مع إطلاق العنان للشهوات، وأنه كان: " ... a memorable instance ... of how a wise man may deceive himself, how a good man may deceive others, how the conscious may slumber in a mixed and muddled state of self– illusion and voluntary fraud" (1) . "مثلاً بارزاً.. كيف يمكن رجلاً حكيماً أن يخدع نفسه، وكيف يمكن رجلاً صالحاً أن يخدع الآخرين.. وكيف يهجع الضمير في خليط مشوش من خداع الذات والاحتيال الاختياري".   (1) E. Gibbon, Decline and Fall of the Holy Roman Empire, vol. iii, p., quoted in Clinton Bennet, In search of Muhammad, London & New York, , p.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 كما يقول جيبون: إن محمداً انتصر على العالم النصراني الشرقي بواسطة القرآن في إحدى يديه والسيف في الأخرى. هذه هي بعض أمثلة الكتابات عن السيرة في المرحة الثانية. أما المرحلة الثالثة فبدأت في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك إثر انتشار الاستعمار البريطاني في بعض الدول الإسلامية وبدء الأنشطة التنصيرية المنتظمة فيها من قبل عدة جمعيات إرسالية. وتزامنت هذه التطورات مع وقوع عديد من المصادر العربية الأصلية للسيرة في متناول الأوربيين والإنجليز، فأصبح من الضروري إعادة النظر في الأساليب المتبعة حتى ذلك الوقت في معالجة السيرة. وفي الواقع أشار توماس كرليل "Thomas Carlyl" إلى اتجاه جديد في سلسلة من المحاضرات ألقاها سنة 1840م/1256هـ عن الأبطال وعبادة البطل في التاريخ "On Heroes and Hero Worship in History" ومفاد قوله إن محمداً صلى الله عليه وسلمكان مخلصاً في اعتقاده أنه نبي، ولكنه كان مخطئاً في اعتقاده هذا. ومن ذلك الوقت بدأ الكتَّاب الأوربيون والإنجليز يشيرون إلى إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم، ولو لم يتركوا ادعاء الخداع تماماً، كما أنهم بدؤوا في استخدام المصادر العربية الأصلية على نحو متزايد في معالجتهم للسيرة، مع محاولاتهم في التشكيك بها حسب الضرورة أو تحريف معاني نصوصها والافتراضات من أجل التمسك بالادعاءات والافتراءات الموروثة من أسلافهم. وسيتضح هذا لو نظرنا إلى ثلاثة من أبرز ما كتب عن السيرة من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حتى الوقت الحاضر، وهي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 (1) "William Muir: Life of Mahomet from the Original Sources, 4 vols., London, " "حياة محمد صلى الله عليه وسلممن المصادر الأصلية" لوليم ميوير، في أربعة مجلدات، صدر في لندن سنة1858-1861م/1275-1278هـ. (2) "D. S. Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam, London, " "محمد صلى الله عليه وسلموطلوع الإسلام" لـ: د. س. مرغوليوث، والصادر في لندن سنة 1905م/1323هـ. (3) "W. M. Watt: Muhammad at Mecca and Muhammad at Medina, vols., Oxford, and " "محمد صلى الله عليه وسلمفي مكة، ومحمد صلى الله عليه وسلمفي المدينة"، لـ: و. م. وات، وصدر في أكسفورد سنة1953م/1372هـ و1956م/1375هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 المبحث الثالث: كتاب ميوير عن السيرة كان ميوير من كبار موظفي الحكومة البريطانية في الهند وكانت له صلة وطيدة مع الجمعيات الإرسالية العاملة في الهند وقتذاك، ولا سيما مع المنصِّر الشهير كارل غوتالب فندار "Carl Gottaleb Pfander" الذي كان يعمل في البنغال وشمال الهند. وفي الواقع كان ميوير حكماً من جانب النصارى في المناظرة بأكرا سنة 1853م/1269هـ بين فندر والشيخ رحمة الله الكيرانوي، وكان فندر هو الذي حرض ميوير على تصنيف كتاب عن السيرة كما يعترف به ميوير في مقدمة كتابه. وفي ذلك الوقت صدر عدد من المصادر للسيرة. ففي سنة 1856م/1272هـ طبع بكلكتة ترجمة موجزة لمغازي الواقدي، وقام بها المستشرق الشهير فون كريمر "Von kremer" بعنوان: "History of Muhammad's Campaigns by Aboo Abd-Allah Mohammad Omar al-Waqidi" كما صدر في الوقت نفسه الإصابة لابن حجر العسقلاني، والطبقات لابن سعد، وذلك بتحقيق ويليم ناسؤليز "William Nassau Lees" وهو عميد المدرسة العالية بكلكتة وقتذاك. وفي أوربا صدرت سيرة ابن هشام سنة 1859م/1275هـ بتحقيق: ف. وستنفلد "F. Wustenfeld". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 استفاد ميوير من هذه المصادر، وكتب في أول الأمر ثلاث مقالات عن السيرة بعناوين: "مولد محمد صلى الله عليه وسلموطفولته" "The Birth and Childhood of Mahomet" و"حياة محمد صلى الله عليه وسلممن شبابه إلى سن الأربعين" "The Life of Mahomet, from his youth to his fortieth year" و"اعتقاد محمد صلى الله عليه وسلم في الوحي إليه" "Belief of Mahomet in his inspiration". صدرت هذه المقالات الثلاث في عددين متتالين من مجلة كلكتا ريفيو "The Calcutta Review" لسنة1852م. وتجدر الإشارة إلى أن المقالين الأول والثاني هما الفصلان الأولان في كتابه عن السيرة. يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول مخَصَّص للكلام على مصادر السيرة. وخلاصة قول ميوير في هذا الموضوع أن الكتب في السيرة مثل كتاب ابن إسحاق متحيزة ومليئة بأساطير وقصص غير معقولة، فينبغي تنقيحها وتأويل الحقائق المسجلة فيها. أما الأحاديث/ الروايات فجميعها أو أغلبها مفتريات من قبل الأطراف المعنية، فلا يعتمد عليها إلا التي هي لغير صالح النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ـ يقول ميوير ـ لا يمكن إشاعة مثل هذا النوع من الروايات إلا أن تكون صحيحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 إن ميوير مخطئ في مزاعمه هذه بالنسبة للمصادر، وهو يتجاهل الحقيقة الهامة أن العلماء المسلمين وضعوا ضوابط وقواعد دقيقة لتمييز الروايات الصحيحة من الموضوعة. ولكن هدفه خفي وهو تمهيد السبيل إلى التلاعب بالمصادر وطرح الافتراضات لصالح آرائه. على أية حال فإن خَلَفَهُ مثل جولد تسيهر "Goldziher" وشاخت "J. Schacht" قد اتخذا تلميحاته في كتابيهما عن السنة. حتى نولديكه يعتمد على إشارات ميوير في كتابته عن تاريخ القرآن (1) . يسعى ميوير لتطبيق نظرياته بشأن المصادر في معالجته العهد المكي والعهد المدني في الجزأين الأخيرين من كتابه، فيشكك في المعلومات التي لا تتفق مع آرائه أو يحرف معناها ويستخدم الروايات المؤيدة لنظرياته بدون النظر في أسانيدها وصحتها، ويلجأ إلى الافتراضات والظنون في كثير من الأمور. وبهذه الأساليب يعيد ويضخم جميع الادعاءات والافتراءات القديمة والمتعلقة بالموضوعات الرئيسة للسيرة. أولاً: بالنسبة لخلفية الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول ميوير: إن الكعبة ليست لها أية صلة بإبراهيم عليه السلام وإن الذبيح هو إسحاق لا إسماعيل عليهما السلام، ثم يفترض أن المستعمرين الأولين بمكة كانوا من سكان اليمن الذين جاؤوا إليها بالوثنية وعبادة الحجر، وهم الذين بنوا الكعبة، وربطوا دينهم وعبادة الحجر الأسود بها وببئر زمزم. أما هاجر وإسماعيل فسكنا   (1) انظر اعتراف نولديكه في مقالاته عن القرآن في الموسوعة البريطانية الطبعة التاسعة 1891م ص597 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 في فاران في شمال الجزيرة العربية، ثم بعد زمن طويل جاءت قبيلة إسماعيل إلى مكة نظراً لأهميتها التجارية وسكنت فيها. فهم الذين استوردوا الأسطورة الإبراهيمية، وطعموها بالكعبة والخرافات الموجودة هناك. فاستخدم محمد صلى الله عليه وسلم فيما بعد هذه الأسطورة الإبراهيمية لغرضه (1) . ثانياً: أما بالنسبة لحياته صلى الله عليه وسلم المبكرة يجدد ميوير الادعاء القديم أنه كان مصاباً بداء الصرع الذي تصاحبه الغشية والغيبوبة، وأنه استخدم هذه القرائن فيما بعد لتلقي الوحي (2) . ثالثاً: يعيد ميوير الادعاء أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان طموحاً للتقدم والرقي واستهدف توحيد الجزيرة العربية سياسياً وإخضاعها لسلطته. يقول ميوير: "Behind the quiet retiring exterior of Mahomet lay hid a high resolve, a singleness and unity of purpose, a strength and fixedness of will; a sublime determination, destined to achieve the marvellous work of bowing towards himself the heart of all Arabia as the heart of one man" (3) . "كان وراء ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وشخصيته الهادئة والانطوائية عزيمة مخفية وتفانٍٍ في سبيل هدف واحد، وقوة الإرادة والثبات وهمة سامية،   1 Muir, Life of Mahomet etc., st edition, vol. i, pp. cxi, cxv, cxxv- cxxvi. 2 المرجع نفسه: ص21-24 3 Muir, Life of Mahomet etc., third edition, pp. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 جميعها موجهة إلى إنجاز العمل البديع وهو إخضاع الجزيرة العربية إليه كقلب رجل واحد". كما يقول ميوير بهذا الصدد إن محمداً صلى الله عليه وسلم أعد نفسه للدور الذي قام به فيما بعد، وذلك بحضور المنافسة الأدبية في أسواق عكاظ وذي المجنة. رابعاً: وامتداداً لادعائه السابق، يكرر ميوير الحجة القديمة أنه صلى الله عليه وسلم تزوَّد بالمعلومات عن الديانتين اليهودية والنصرانية وقد أتى بها من أفراد اليهود والنصارى الموجودين في مكة والمدينة والذين لقيهم خلال رحلتيه إلى الشام، ولا سيما من أفراد مثل ورقة بن نوفل بمكة، كما يكرر ميوير ما كان قد قاله بريدو من قبل: أن انطباع محمد صلى الله عليه وسلم لهاتين الديانتين كان خاطئاً، حيث حصل على معلوماته من الكاثوليك المنحرفين. يقول ميوير: " .... the misnamed catholicism of the Empire thus grievously misled the mastermind of the age, and through him eventually so great a part of the eastern world." (1) . "هكذا أضلت الكثلكة في الإمبراطورية عقل العصر المدبر، ومن ثم الجزء الكبير من العالم الشرقي". خامساً: بالنسبة لأمر الوحي والرسالة يقول ميوير: "إنها من نتائج تأمل محمد صلى الله عليه وسلم وتدبره في غار حراء، فتبادر إلى ذهنه بعض التصورات عن   (1) المرجع نفسه: ص20-21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الله والبعث بعد الموت والتي أشاعها في قطع صغيرة من الشعر وتعبيرات زاخرة بالعواطف. فالوحي من ذات محمد صلى الله عليه وسلم ونفسه وهو أمر نفسي على الأرجح" (1) . وقد سبق أن أشرنا إلى أن ميوير يربط داء الصرع المزعوم بالوحي. سادساً: وبالنسبة للمرحلة الأولى للدعوة، يقول ميوير: "إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يتخل عن الوثنية تماماً في بداية الأمر وأنه لم يدَّع النبوة إلا بعد أن قال له المشركون إنهم لو كان قد أرسل إليهم نبي لآمنوا به" (2) . كما يصدق ميوير قصة الغرانيق، ويقول: "إن محمداً صلى الله عليه وسلم قام بالاتفاق مع الوثنيين وإنه كان في الواقع يتلقى الوحي من الشيطان". يقول ميوير: "Our belief in the power of the Evil One must lead us to consider this as at least one of the possible causes of the fall of Mahomet ... into the meshes of deception. May we conceive that a diabolical influence and inspiration was permitted to enslave the heart of him who had deiliberately yielded to the compromise with the evil". "إن اعتقادنا بقوة الشيطان ليقودنا إلى الأخذ في الاعتبار أن هذه كانت على الأقل من أسباب محتملة لسقوط محمد صلى الله عليه وسلم في شبكة الخدعة.   (1) المرجع نفسه: ص35-41. (2) المرجع نفسه: ص42-43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ويمكننا أن نتصور أن أثراً شيطانياً قد أوحى إليه واستولى على القلب الذي استسلم عمداً للتسوية مع الشر". هكذا يعيد ميوير بعبارات أخرى ما كان قد قاله مارتن لوثر وبريدو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مُدَّعياً، وتابعاً للشيطان. سابعاً: أما بالنسبة لمعارضة المشركين فيتعاطف ميوير مع اعتراضاتهم ويقلل من معاناة المسلمين واضطهادهم، يقول ميوير: "إن المسلمين الأرقاء الذين لم تكن لهم صلة وطيدة مع أسر ذات نفوذ في المجتمع تعرضوا للعذاب، ولكن الذين ينتمون إلى الأسر والقبائل نجوا من خطر الاضطهاد" (1) . ثامناً: أما بالنسبة للهجرة فيقول ميوير مثل قول جيبون من قبله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تحول إلى رجل دولة واستخدم الوحي لتحقيق أغراضه الدنيوية والشخصية" (2) . تاسعاً: أما بالنسبة للعلاقة مع مكة بعد الهجرة، فيعيد ميوير كذلك الحجة القديمة "أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالاعتداءات والهجوم على قريش، وأنها قاتلت دفاعاً عن نفسها فقط" (3) . يقول ميوير: "Vindictive thoughts died out of Mecca ... The thoughts of Mahomet, on the other hand, from the day of his flight,   (1) المرجع نفسه: ص 61. (2) المرجع نفسه: ص53. (3) المرجع نفسه ص196-206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 were not thought of peace. In his revelation vengeance was threatened against his enemies – a vengeance not postponed to a future life, but immediate and overwhelming even now. Sheltered in his present refuge, he might become the agent for executing the divine sentence, and at the same time truimphantly impose the true religion on those who had rejected it. Hostility to the Coreish lay a seed germinating in his heart; it wanted but a favourable opportunity to spring up" (1) . "إن أفكار الضغينة خمدت في مكة، ولكن أفكار محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن من يوم هجرته أفكار سلام، ففي وحيه جاء التهديد بالانتقام على أعدائه. انتقام لا يؤجل إلى مستقبل الأيام بل هو عاجل وساحق على الفور. وكان بإمكانه ـ وهو آمن في مأواه الحالي ـ أن يكون منفذاً للحكم الإلهي وفي الوقت نفسه أن يفرض دينه وينتصر على الذين كانوا قد رفضوه. كان العدوان على قريش كامناً في صدره كبذرة ناشئة تنتظر فرصة ملائمة لتنبت". عاشراً: أما بالنسبة لمعاملته صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة، فيتهمه بالظلم والقسوة عليهم ويخفف أو يخفي دورهم المعادي والخياني ونقضهم العهود (2) . حادي عشر: وكعادة السابقين له يتهم ميوير النبي صلى الله عليه وسلم بالشهوة بسبب تعدد زوجاته رضي الله عنهن، كما يقول في زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب   (1) المرجع نفسه: ص196. (2) المصدر نفسه ص: 234-235، 271-276، 304-312. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بنت جحش رضي الله تعالى عنها "أنه استعان بوحي إلهي لإنقاذ سمعته" (1) . ثاني عشر: فإن ميوير لا يعيد الحجة القديمة أنه صلى الله عليه وسلم نشر وفرض دينه بالقوة والعنف فحسب بل يعيد أيضاً ادعاء مارتن لوثر ومَنْ قبله "أن الإسلام خطر على الغرب والحضارة"، فيقول في ختام كتابه: "The sword of Mahomet and the Coran are the most stubborn enemies of Civilisation, Liberty and Truth which the world has yet known" (2) . "إن سيف محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن هما ألدُّ أعداء الحضارة والحرية والحق حتى الآن". هكذا يعيد ميوير جميع الادعاءات والافتراءات المبثوثة من قبله، وذلك بأساليب وافتراضات شتى، وجميع هذه الادعاءات والافتراضات باطلة وقابلة للدحض بالأدلة النقلية والعقلية. وفي الواقع قد فَنَّدْتُ تلك التي تخص العهد المكي في كتابي "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقون" (3) ، وأنوي معالجة البقية في مؤلف آخر إن شاء الله. وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع ما كتب عن السيرة باللغة الإنجليزية بعد ميوير ينتهج منهجه في تكرير   (1) المصدر نفسه: ص238. (2) المصدر نفسه: ص506. (2) M. M. Ali, Sîrat al-Nabî and the Orientalists, Vols., Madina, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الادعاءات المشار إليها بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة، مع الغلو فيها، وبالإضافة إليها بنظريات جديدة وافتراضات فرعية. فلننظر إلى كتاب مرغوليوث في السيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 المبحث الرابع: كتاب مرغوليوث : "Mohammed and the Rise of Islam" صدر كتاب مرغوليوث " Mohammed and the Rise of Islam" "محمد صلى الله عليه وسلم وطلوع الإسلام" سنة 1905م/1323هـ. ويقع الكتاب في 13فصلاً إضافة إلى المقدمة والفهارس. يتحدث مرغوليوث في المقدمة عما كتب عن السيرة من قبله مشيراً إلى كتاب ميوير وكتابات نولديكه وجولدتسيهر عن القرآن والسنة، ويقول: "إن موقفه من المصادر يتفق وموقف أولئك المؤلفين". ولكنه يقول: "إن ميوير عالج السيرة من وجهة نظر النصارى"، فيدعي هو لنفسه الموضوعية في معالجة السيرة. لكنه في الواقع يفعل عكس ذلك ويشن هجوماً أعنف على النبي صلى الله عليه وسلم مكرراً جميع ادعاءات ميوير ومن قبله. أولاً: في موضوع خلفية الرسول صلى الله عليه وسلم وصلة الكعبة بإبراهيم عليه السلام لا يؤيد مرغوليوث آراء ميوير فحسب، بل يخطو خطوة إلى الأمام قائلاً: "إن الأسطورة الإبراهيمية تبدو وكأنها قد تطورت بكاملها بعد أن طرأت حاجة سياسية لها في العهد المدني" (1) . ولا يتوقف مرغوليوث إلى هذا الحد بل يسيء إلى نسب النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: "إنه ينحدر من أسرة رذيلة"، ثم يحاول إثبات ذلك عن طريق   (1) Margoliouth, Mohammed etc. p. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 تفسير محرف لبعض الأحاديث من مسند أحمد (1) . كما يقول: "إنه صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة يعبد الأصنام" ويستدل لذلك بحديث عروة بن الزبير رضي الله عنه، ونصه: "قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: والله لا أعبد اللات والعزى والله لا أعبد أبداً. قال: فتقول خديجة: خل اللات خل العزى، قال: كانت صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون" (2) . يخطئ مرغوليوث في فهم العبارة الأخيرة من الحديث فيظن أنها تشير إلى عبادة النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام. ثانياً: يعيد مرغوليوث ـ مثل ميوير ـ زعم داء الصرع للنبي صلى الله عليه وسلم، ويربط هذا الزعم بكيفية نزول الوحي، قائلاً: "إنه صلى الله عليه وسلم اكتسب المهارة في إحداث القرائن للداء المزعوم احتيالاً لتلقي الوحي" (3) . ثالثاً: كما يكرر مرغوليوث مزاعم طموح النبي صلى الله عليه وسلم وإعداده نفسه للدور الذي قام به فيما بعد. ويحرف بهذا الصدد معاني سورة الشرح وآية من سورة هود (4) ، كما يقول ـ مثل ميوير ـ: "إن هدفه صلى الله عليه وسلم كان سياسياً من البداية، وهو توحيد الجزيرة العربية بواسطة دين خاص. ويقول: إنه كان يزور سوق عكاظ للتعرف على فن الشعر من الشعراء   (1) المرجع نفسه: ص45-51. (2) مسند أحمد (4/222) قال محقق المسند: إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين غير جار خديجة ... وهو صحابي وجهالته لا تضر. المسند تحقيق الأرنؤوط (29/467) . (3) Margoliouth, Mohammed etc. pp. (4) المرجع نفسه: ص64-65 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 المنافسين هناك، فاستخدم هذه الخبرة فيما بعد لإملاء القرآن (1) . ويقول أيضاً: إنه صلى الله عليه وسلم شارك في حرب الفجار لنيل الرفعة والسمعة (2) . رابعاً: كذلك يحذو مرغوليوث حذو السابقين له في ادعاء الاقتباس من اليهودية والنصرانية، ويقول: إنه صلى الله عليه وسلم تأثر على الأخص بمفهوم النبي والوحي والكتاب السماوي الموجود في هاتين الديانتين. كما يكرر الزعم القديم أن معرفته صلى الله عليه وسلم باليهودية والنصرانية كانت خاطئة وسطحية، ولكنه لم يعتنق النصرانية لا نتيجة لذلك ـ كما يظن ميوير ـ بل لأنه كان طموحاً ومدركاً تمام الإدراك أن اعتناق النصرانية يقتضي الاعتراف بسيطرة الإمبراطورية البيزنطية (3) . ويضيف قائلاً: إن معرفة محمد صلى الله عليه وسلم باليهودية والنصرانية تحسنت تدريجياً مع مضي الزمن وهذا يدل على أنه كان يستغل الفرص المناسبة حيث جاءت للحصول على معلومات أكثر عن هاتين الديانتين (4) . خامساً: أما بالنسبة لموضوع الوحي والرسالة فيقول مرغوليوث: إن هذا الأمر كان خداعاً من البداية إلى النهاية. ويستدل على ذلك بكتاب ف. بودمور "F. Podmore" بعنوان: "Modern Spiritualism" "الروحانية الحديثة" صدر في لندن سنة 1903م/1321هـ ويقول فيه   (1) المرجع نفسه: ص59. (2) المرجع نفسه: ص65. (3) المرجع نفسه: ص77-87. (4) المرجع نفسه: ص106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الكاتب: "إن رجلاً شريفاً يستطيع أن يكون خادعاً في الوقت نفسه" (1) . وفي هذا الصدد يقارن مرغوليوث النبي صلى الله عليه وسلم بيوسف سميت "J.Smith"، مؤسس فرقة مرمون الأمريكية "Mormon Sect"، الذي تجول في الغابة فترة من الزمن ثم جاء بكتاب مدَّعياً أنه قد أنزل إليه. كذلك ـ يقول مرغوليوث ـ بدأ محمد صلى الله عليه وسلم حياته النبوية بعد فترة من الانعزال (2) . وقد سبق أن أشرنا إلى أن مرغوليوث يربط داء الصرع المزعوم بأمر الوحي، ويقول: إنه صلى الله عليه وسلم اكتسب المهارة في إحداث أعراض احتيال لتلقي الوحي. إن ما يقوله بودمور في كتابه بشأن خداع رجل شريف والذي يتبناه مرغوليوث ليس بجديد، بل هو إعادة لما كان قد قاله جيبون "Gibbon" قبل حوالي قرنين. وإن مرغوليوث يعيد ادعاء الخداع مباشرة في حين يعيده ميوير عن طريق غير مباشر. سادساً: أما بالنسبة للمرحلة المبكرة للدعوة فيؤيد مرغوليوث جميع ما يقوله السابقون له بهذا الشأن، ويضيف إليه ادعاءات جديدة ـ مثلاً ـ يحرف قول ابن إسحاق بشأن إخفاء الدعوة في أول الأمر، ويقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وضع نفسه على رأس جمعية سرية "Secret Society" وجذب   (1) المرجع نفسه: ص86. (2) المرجع نفسه: ص90 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 إليها أفراداً مثل أبي بكر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ بشتى الوسائل المشكوك فيها (1) . ويعزو مرغوليوث إلى النبي صلى الله عليه وسلم غرضاً عسكرياً في أمر الهجرة إلى الحبشة، فيقول: إنه صلى الله عليه وسلم أرسل جمعاً من أصحابه إليها للحصول على مساعدتها العسكرية ولكي يعود أولئك المهاجرون على رأس جنود من الحبشة منتصرين (2) . كما يصدق مرغوليوث قصة الغرانيق ويقدم بهذا الصدد نظرية غريبة وبعيدة كل البعد عن الحقائق قائلاً: إنه صلى الله عليه وسلم قام بهذه التسوية المزعومة مع المشركين من أجل التخلص من حصارهم على بني هاشم (3) . وهكذا يعيد مرغوليوث ادعاءات السابقين له بالنسبة لبقية الموضوعات المهمة للسيرة. سابعاً: يتعاطف مع معارضة المشركين واعتراضاتهم، حتى يندم على فشلهم في مؤامرتهم في قتل النبي صلى الله عليه وسلم عشية هجرته إلى المدينة (4) . ثامناً: يقول: إنه بعد الهجرة تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل دولة، واستخدم الوحي لأغراضه السياسية والشخصية.   (1) المرجع نفسه، الفصل الثالث. (2) المرجع نفسه: ص157-166. (3) المرجع نفسه: ص171-173 (4) المرجع نفسه: ص208. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 تاسعاً: يقول: إنه صلى الله عليه وسلم كان بادئاً بالعدوان على قريش فجعل نفسه على رأس شرذمة من اللصوص لنهب القوافل التجارية (1) . عاشراً: طرد محمد صلى الله عليه وسلم يهود المدينة وعذبهم ظلماً وعدواناً (2) . حادي عشر: كان محمد صلى الله عليه وسلم شهوانياً (3) . ثاني عشر: فرض الإسلام على الجزيرة بالسيف والقوة (4) . وهكذا يعيد مرغوليوث الادعاءات القديمة ويضخمها. والآن للنظر في مؤلفات وات في السيرة.   (1) المرجع نفسه: ص236 وما بعدها.. (2) المرجع نفسه: الفصل التاسع. (3) المرجع نفسه: ص66. (4) المرجع نفسه: الفصلان الحادي عشر والثاني عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المبحث الخامس: مؤلفات وات في السيرة إن الادعاءات والافتراءات وتشويه الحقائق بأجمعها تصل إلى ذروتها على يد مونتغمري وات وذلك على الأخص في كتابيه "Muhammad at Mecca" "محمد صلى الله عليه وسلم في مكة" و"Muhammad at Medina" "محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة"، صدرا في أكسفورد سنتي 1953م/1372هـ ـ 1956م/1375هـ حسب ترتيب الذكر. وله كتابان آخران في السيرة هما: "Muhammad Prophet and Statesman" "محمد صلى الله عليه وسلم نبي ورجل دولة" و"Muhammad's Mecca" "مكة محمد صلى الله عليه وسلم "، صدرا في سنتي 1961م/1381هـ ـ 1988م/1408هـ حسب الترتيب المذكور. وكلاهما مبني على الكتابين الأولين. يقع كتاب "محمد في مكة" في ستة فصول وثمانية ملاحق، وكتاب "محمد في المدينة" في عشرة فصول واثني عشر ملحقاً. يتحدث وات عن العهد المكي حسب الترتيب الزمني ولكنه يعالج العهد المدني لا حسب الترتيب الزمني بل حسب الموضوعات. ومع هذا الاختلاف في خطة الكتابين فإن كلامه في العهدين المكي والمدني يدور في الجوهر حول الادعاءات والافتراءات التي قدمها السابقون له، وبخاصة مرغوليوث وميوير. ويختص وات بأنه يجمع ويتبنى جميع الادعاءات السابقة، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يلبسها بافتراضات وافتراءات أخرى، ويصنع بذلك نظريات غريبة وباطلة كما سنرى. يدَّعي وات في مقدمة كتابه الموضوعية وعدم الانحياز، ويقول: إنه لن يقول في كتابه شيئاً يتطلب نبذ أية عقيدة أصلية في الإسلام، ولكنه في الحقيقة ينوي عكس ذلك ـ كما يفعل مرغوليوث ـ فيتسرع بالقول: ومع أن هناك مجالاً لإعادة النظر فيما يقوله علماء الغرب بشأن الإسلام، فإن هناك أيضاً مجالاً لإعادة صياغة العقائد الإسلامية (1) . هكذا يقول وات مع الحذر في الكلام: إن المسلمين لا يفهمون دينهم فهماً صحيحاً، بل إنه هو الذي يفهمه على الوجه الصحيح، كما أن قوله هذا يشير إلى نياته الحقيقية، وهي ليست تشويه السيرة فحسب، بل تضليل القراء المسلمين. وفي الواقع يبدي وات هدفه في الفقرة التالية من مقدمته ونصها: "In so far as Christianity is in contact with Islam, Christians must adopt some attitude towards Muhammad and that attitude ought to be based on theological principles. I would readily admit that my book is incomplete in this respect, but would claim that it presents Christians with the historical material which must be taken into account in forming the theological judgement" (2) .   (1) Watt, Muhammad at Mecca, Introduction p. x. (2) Ibid. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 "وبقدر ما يتعلق باتصال النصرانية بالإسلام فإنه لا بد للنصارى من أن يتخذوا موقفاً من محمد، وأن يكون ذلك الموقف مبنياً على مبادئ دينية. وسأعترف طواعية بأن كتابي ناقص من هذه الناحية، ومع ذلك فإني أدَّعي أنه يقدم للنصارى المادة التاريخية التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار لصياغة ذلك الحكم الديني". وهكذا يعترف وات أن هدفه تنصيري وهو تزويد النصارى بالمادة التاريخية لهذا الغرض. أما موقفه من مصادر السيرة فلا يختلف من موقف ميوير ومرغوليوث. وفي الواقع يشير إلى آرائهم ويلفت النظر خاصة إلى كتابات نولديكه ولامنس وجولدتسيهر وشاخت في هذا الموضوع. فيستخدم الروايات المؤيدة لآرائه بدون النظر في أسانيدها، وينتقد تلك التي لا تؤيد نظريته، كما يحرف معانيها ومعاني الآيات القرآنية حسب الحاجة. وحسب ما يقوله بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة فهو كما يلي: أولاً: بالنسبة لخلفية النبي صلى الله عليه وسلم وصلة الكعبة بإبراهيم عليه السلام فيتبنى وات رأي مرغوليوث أن الأسطورة الإبراهيمية كانت قد طورت في العهد المدني ويضيف إليه مزاعم أستاذه ريتشارد بل "Richard Bell" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 أنه صلى الله عليه وسلم قام بتعديل الآيات القرآنية المتصلة بهذا الموضوع في العهد المدني (1) . كما يقلل من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا الغرض يحرف معنى الآية (31) من سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} كما يخفف مكانة عبد المطلب في المجتمع المكي، ويقول إنه تفاوض مع أبرهة الأشرم حين هجومه على الكعبة للحصول على بعض المميزات التجارية ضد بعض بني عبد شمس وبني مخزوم (2) . ثانياً: أما بالنسبة لحياته صلى الله عليه وسلم المبكرة فيتفق وات مع مرغوليوث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبد الأصنام قبل بعثته، كما يقبل زعم داء الصرع عن طريق غير مباشر قائلاً: "إنه صلى الله عليه وسلم تعود إحداث علامات ذلك الداء لتلقي الوحي" (3) . ثالثاً: أما بالنسبة لمزاعم طموح النبي صلى الله عليه وسلم وإعداده نفسه للدور الذي قام به فيما بعد، فيوسع وات قول السابقين له في هذا الصدد ويطرح ما يسميه تفسيراً اقتصادياً لظهور النبي والإسلام. ويدور تفسيره هذا حول ثلاث ركائز، هي: (1) كانت مكة مدينة تجارية قد خرجت من مرحلة الاقتصاد اليدوي على مرحلة الاقتصاد التجاري.   (1) المرجع نفسه: ص31-33-49. (2) المرجع نفسه: ص14 (3) المرجع نفسه: ص58 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (2) ونتيجة لذلك فقد انكسر التكافل القبلي وبرزت ظاهرة الفردانية "Individualism". (3) كانت هناك منافسة تجارية شديدة بين فريقين من قبائل مكة يترأس أحدهما بنو هاشم، والآخر بنو مخزوم وبنو عبد شمس. ويقول وات: إن محمداً صلى الله عليه وسلم كان في شبابه ممنوعاً عن دائرة التجارة الرابحة ومن ثم كان يعاني الشعور بالحرمان "Sense of deprivation"، وهذا ما دفعه إلى الأمام (1) . كما يربط وات حرب الفجار وحلف الفضول بهذا التفسير الاقتصادي والمنافسة التجارية. وخلاصة كلامه أن الحركة الإسلامية كانت في الأصل نضالاً بين الطبقتين الأولى والثانية في المجتمع المكي وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه كانوا هم الطبقة الثانية. إن هذا التفسير الاقتصادي لوات مبني على اقتراحات الآخرين مثل لامنس وتوري "C.C.Torrey" وإنه فاسد وباطل كما أثبتناه في كتابنا "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والمستشرقون" (2) . رابعاً: وبالنسبة لمزاعم الاقتباس من اليهودية والنصرانية فإن وات لا يعيدها فحسب بل يقول مثل قول مرغوليوث: أن معلوماته صلى الله عليه وسلم كانت خاطئة وناقصة في بداية الأمر وتحسنت مع مرور الوقت.   (1) المرجع نفسه: ص51-52. (2) M. M. Ali, op. cit., chapters IV & XXIV الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ويستدل لهذا بالآيات القرآنية المتعلقة بقصص إبراهيم ولوط عليهما السلام، ويقول: إن هذه الآيات تدل على أن معرفة محمد صلى الله عليه وسلم بقصص الأنبياء كانت تتحسن وأنه كان يتلقى المعلومات عن فرد أو أفراد ذوي صلة به (1) . ويحاول إثبات هذا القول بتحريف معنى الآية (103) من سورة النحل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} . والآيتين من سورة الفرقان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:4-5] . كما يقول وات: "إنه صلى الله عليه وسلم اقتبس الأفكار العلمية الخاطئة والسائدة في ذلك الوقت، وهذا من الأخطاء العلمية في القرآن" (2) . ويجادل وات أيضاً في أمية النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "إنه لم يكن بدون معرفة الكتابة والقراءة كما يظن المسلمون وأن كلمة "الأمي" في القرآن تعني بدون كتاب مُنزَّل لديهم" (3) . خامساً: أما بالنسبة للوحي فيتبع وات كذلك السابقين له في معالجته الموضوع ويضيف إليها اقتراح أستاذه "ييل" أن المَلَك جبريل عليه   (1) Watt, Muhammad at Mecca, p. (2) Watt, Muhammad's Mecca, pp. (3) المرجع نفسه: ص52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 السلام لم يكن معروفاً لدى محمد صلى الله عليه وسلم قبل العهد المدني وأنه ظن أنه رأى الله في غار حراء، ولكن ظنه هذا كان نمطاً نفسياً له. ومن أجل إثبات هذا الادعاء يقسِّم وات رواية عروة بن الزبير بهذا الشأن إلى (11) قطعة ويحرف معنى كل واحدة منها (1) . ومثل مرغوليوث الذي يستند إلى كتاب بودمور في معالجته للوحي، يلجأ وات إلى كتاب بولين "A.Poulain" عن اللاهوت، وهو بعنوان: "The Interior Graces of Prayer" "لطائف باطنية للدعاء" والصادر في لندن سنة1928م/1347هـ، وذلك لإثبات أن الوحي كان منبثقاً عن ذات محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عبارة عن محاورة كلامية ذهنية أو فكرية "Intellectual or Imaginative locution" له (2) . كما يكرر وات ما يقوله أستاذه "ييل": "أن محمداً صلى الله عليه وسلمكان يقوم بتعديل الآيات القرآنية من حين لآخر، وأنه أجاد تقنية الاستماع إلى ما كان قد نسي أو فقد من الوحي واسترجاعه" (3) . وقد سبق أن أشرنا إلى أن وات يتفق مع مرغوليوث في زعمه أن النبي صلى الله عليه وسلماعتاد إحداث داء الصرع المزعوم لتلقي الوحي. سادساً: بالنسبة للمرحلة الأولى للدعوة يحاول وات مثل ميوير تعيين التعاليم القرآنية الأولية ويقول: "إنه صلى الله عليه وسلملم يتخل عن الوثنية تماماً في   (1) Watt, Muhammad at Mecca, pp. (2) المرجع نفسه: ص52-58. (3) المرجع نفسه: ص58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 بداية الأمر ولم يكن توحيده خالصاً، كما يصدق قصة الغرانيق، ويطرح بهذا الصدد نظرية غريبة وعارية من الصحة وهي: أن معارضة المشركين بدأت بعد أن ألغى النبي صلى الله عليه وسلمالتسوية المزعومة التي كان قد أبرمها، وبعد أن تراجع عن اعترافه بآلهتهم (1) . سابعاً: وبالنسبة لمعارضة المشركين يتعاطف وات مثل ميوير مع اعتراضهم ويقلل من أمر المشركين واضطهادهم للمسلمين. يقول وات: " ... the persecution of the Muslims was mild and did not include any acts strictly forbidden by custom. The frequent references in the Qur'an to Muhammad's opponents are largely concerned with their verbal criticisms of his message and of himself. There is ... mention of plots and schemes against Muhammad and the Muslims, but hardly of anything that really merits the name of persecution" (2) . "إن اضطهاد المسلمين كان خفيفاً ولم يشمل إجراءات يمنعها العرف منعاً باتاً. والإشارات المتكررة في القرآن إلى معارضي محمد صلى الله عليه وسلمتخص إلى حد كبير بانتقاداتهم الشفوية والكلامية لدعوته ولنفسه. إن هناك ذكراً للمكايد والمخططات ضد محمد صلى الله عليه وسلمولكن من النادر أن يستحق أن يسمى اضطهاداً".   (1) المرجع نفسه: الفصلان الثالث والرابع. (2) المرجع نفسه: ص123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ويضيف قائلاً: "إن العنف أصاب فقط بعض الأرقاء مثل بلال وعامر ابن فهيرة رضي الله عنهما". ثامناً: وبالنسبة للهجرة فيعدها وات مثل ميوير ومرغوليوث منعطفاً، ويقول: "بعدها تحول النبي صلى الله عليه وسلمإلى رجل دولة ووجه جميع إجراءاته إلى تحقيق أهدافه السياسية". تاسعاً: وبالنسبة للعلاقة مع قريش والأحداث العسكرية التي تلت فيتهم وات مثل الآخرين النبي صلى الله عليه وسلمبالعدوان على قريش. وفي الواقع يسمِّي الفصل الأول من كتابه "محمد في المدينة" والذي يتحدث فيه عن الأحداث العسكرية حتى معركة بدر بـ"استفزاز قريش" "Provocation of Quraysh" والفصل الثاني الذي يتحدث فيه عن جميع الأحداث العسكرية حتى نهاية غزوة الخندق بـ"فشل الرد المكي" "The Failure of the Meccan Riposte". عاشراً: كذلك يعالج وات موضوع علاقة النبي صلى الله عليه وسلمبيهود المدينة معالجة متحيزة للغاية، ومن أجل ذلك يذهب إلى القول: "إن اليهود لم يبرموا أية معاهدة معه في صحيفة المدينة وأن مكانته في المدينة حتى فتح مكة لم تكن مختلفة من مكانة أي رئيس من رؤساء القبائل والفصائل الأخرى في المدينة". ولإثبات هذه النظرية يحرف وات معاني بنود صحيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 المدينة (1) . كما يتعاطف مع محاولات المنافقين ضده ويسميها "معارضة المسلمين" "The Muslim Opposition" للنبي صلى الله عليه وسلمبالمدينة (2) . حادي عشر: كذلك يشن وات هجوماً على خلق النبي صلى الله عليه وسلم على أساس تعدد زوجاته المطهرات رضي الله عنهن وأمور أخرى، ولو بطريقة غير مباشرة، وذلك بعنوان: "The Alleged Moral Failures" "القصور الخلقي المزعوم" (3) . ثاني عشر: ويقول وات مثل قول السابقين له إن محمداً صلى الله عليه وسلم فرض الإسلام على الجزيرة العربية بالقوة وإن دينه خليط من اليهودية والنصرانية والوثنية العربية القديمة (4) .   (1) Watt, Muhammad at Medina, chapters V,VI and Vll. (2) المرجع نفسه: ص 180-191 (3) المرجع نفسه: ص 324-334 (4) المرجع نفسه: الفصل الرابع والفصل التاسع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الخاتمة : يتضح مما سبق أن ميوير ومرغوليوث ووات يعيدون الادعاءات والافتراءات نفسها بالنسبة للموضوعات الرئيسة للسيرة. كما أن مواقفهم من المصادر متساوية ومتطابقة. ولهم افتراضات ونظريات أخرى في كثير من الأمور الفرعية للسيرة. فلا فرق بين معالجتهم للسيرة إلا في الأساليب والافتراضات والنظريات من أجل التوصل إلى نفس الاستنتاجات. وجميع ما كتبه أعداء الإسلام من المستشرقين عن السيرة في القرن الماضي يعيد بطريق أو آخر ما يطرحه ميوير ومرغوليوث ووات من الادعاءات والافتراءات. وما هذه الادعاءات والاستنتاجات إلا إعادة في الجوهر لما كان قد كتبه مؤلفو العصور الوسطى والعصر الحديث المبكر. ومن هذه الناحية لا فرق بين الكتابات عن السيرة في القرنين الماضيين والكتابات من قبلها. فالكتابات قبل القرن الثامن عشر الميلادي تعتمد عموماً على المصادر الثانوية والإشاعات التي وصلت إلى أوربا بطرق شتى عن الإسلام والمسلمين، والكتابات بعد القرن الثامن عشر الميلادي، وبخاصة بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، تستخدم المصادر العربية الأصلية ولكنها تقوم بالتشكيك فيها أو تحريف معاني نصوصها أو الاعتماد على روايات ضعيفة وموضوعة بدون النظر في أسانيدها وصحتها، وذلك من أجل تأييد الادعاءات والافتراءات القديمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وإن إشاعة هذه الادعاءات والافتراءات عبر تعاقب العصور من قبل العديد من الجامعات والمؤسسات والمراكز الاستشراقية قد أثرت تأثيراً واسعا في دوائر المثقفين والجامعيين ومن ثم في تكوين الرأي العام عن الإسلام والمسلمين في الغرب خاصة، وفي شتى أنحاء العالم التي تسود فيها اللغة الإنجليزية عامة. فعندما يكتب كاتب معاصر كتاباً بعنوان: "الآيات الشيطانية" فهو في الحقيقة يبدي تأثره بما يقوله مثلاً مارتن لوثر ومنتغومري وات بهذا الصدد، وعندما يدَّعي بعض الناس في الغرب أن الإسلام خطر وتهديد للحضارة والحرية والسلام، ويقارنه مع الإرهاب فإنه يعيد ما كان قد قاله ميوير قبل قرن ونصف قرن: "إن القرآن وسيف محمد صلى الله عليه وسلم هما ألد أعداء الحضارة والحرية والحق". والله المستعان على ما يصفون والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 مصادر ومراجع ... المراجع (1) Ali, M. M. Sirat al-Nabi and the Orientalists, Vols., king Fahd Complex for the Printing of the Qur'an,. (2) Ali, Sayyid Amir, The Spriti of Islam, reprinted Delhi,. (3) Bennet, Clinton, In Search of Muhammad, Cassell, London & New York,. (4) Buaben, Jabal Muhammad, Image of the Prophet Muhammad in the West, Lecester,. (5) Daniel, Norman, Islam and the West: The Making of an Image, Oxford,. (6) Davenport, John, An Apology for Mohammed and the Koran, London,. (7) Hussain, S.S., Misconceptions About Prophet Muhammad, karachi,. (8) Khan, Sayyid Ahmad, Essays on the Life of Muhammad, reprinted Delhi,. (9) Margoliouth, D. S. Mohammed and the Rise of Islam, third edition, London,. (10) Muir William, Life of Mahomet from the Original Sources, 4 vols., London. (11) Qureshi, Zafar Ali, Prophet Muhammad and his Western Critics, vols., Lahore,. (12) Reeves, Minion, Muhammad in Europe: A Thousand Years of Myth-Making, Garnet, Reading,. (13) Watt, William Montgomery, Muhammad at Mecca, Oxford,. ___, Muhammad At Medina, Oxford,. ___, Muhammad Prophet and Statesman, Oxford,. ___, Muhammad's Mecca, Edinburgh,. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52