الكتاب: الأعياد وأثرها على المسلمين المؤلف: سليمان بن سالم السحيمي الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الأعياد وأثرها على المسلمين سليمان بن سالم السحيمي الكتاب: الأعياد وأثرها على المسلمين المؤلف: سليمان بن سالم السحيمي الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ال مقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة 4.   1 سورة آل عمران، آية (102) . 2 سورة النساء، آية (1) . 3 سورة الأحزاب، آية (70-71) . 4 هذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة، وهي تشرع بين يدي كل حاجة. انظر سنن أبي داود (2/238) ، حديث (2118) ، والنسائي (3/104) ، حديث (1404) ، ومسند الإمام أحمد (1/392) ، حديث (3720) ، وسنن الدارمي (2/191) ، حديث (2202) ، والسنن الكبرى للبيهقي (3/214) ، حديث (5593) والمستدرك للحاكم (2/199) . وقد أفردها العلامة الألباني - رحمه الله - برسالة خاصة جمع الأحاديث الواردة فيها وطرقها فلتراجع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 منهجي في البحث: قد سرت في هذا البحث على المنهج التالي: 1 - بينت أشهر أعياد الكفار من اليهود والنصارى والمجوس والعرب في الجاهلية، لما لها من تأثير في الأعياد البدعية. 2 - بينت أن النهي عن مشابهة الكفار من مقاصد الشريعة وأوردت نماذج لأهم الأعياد التي وقعت فيها المشابهة. 3 - بينت الأعياد الشرعية الزمانية والمكانية وما اشتملت عليه من خصال. 4 بينت أشهر الأعياد المبتدعة، وذلك بذكر صفة الاحتفال بالعيد، ودليل من قال به من خلال كتب القوم بقدر المستطاع، ثم بينت بدعية ذلك العيد. 5 - قمت بعزو الآيات القرآنية الواردة في الرسالة إلى مواضعها من القرآن بذكر السورة ورقم الآية. 6 - قمت بتخريج الأحاديث النبوية، وذلك بذكر الكتاب والباب والجزء ورقم الصفحة ورقم الحديث إن وجد، ناقلاً حكم العلماء عليها إذا وجدته، إلا إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فأكتفي بعزوه فقط. 7 - اجتهدت في تفسير الكلمات الغريبة التي مرّت في البحث، وذلك بالرجوع إلى الكتب التي تعنى بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 8 - قمت بالترجمة لبعض الأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في الرسالة ما أمكن ذلك وخاصة من استشهدت بقوله. 9 - اختصرت بعض أسماء الكتب بذكر اسمها المشهور المتداول، فمثلاً: جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري، اكتفيت بتسميته "بتفسير الطبري". 10 - أنهيت البحث بخاتمة سجلت فيها أهمّ النتائج التي توصلت إليها. 11 - عملت فهارس في آخر البحث فهرساً للآيات، وفهرساً للأحاديث، وفهرساً للآثار، وفهرساً للأعلام المترجم لهم، وفهرساً لمصادر البحث، وفهرساً تفصيلي للموضوعات. وقد سرت في تطبيق هذا المنهج على الخطة التالية: فقسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة أبواب، وخاتمة. ذكرت في المقدمة: سبب اختياري للموضوع ومنهجي في البحث والخطة التي سرت عليها في كتابته. وأما التمهيد فهو في تعريف العيد: في اللغة والاصطلاح. الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية، ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها. الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها. الفصل الثالث: أعياد المجوس وعاداتهم فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها، ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية. المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية. المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية. الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار، وفيه فصلان: الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار. المبحث الثالث: إخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته. المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار. الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم، ويشتمل على ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم المبحث الثاني: أمثلة لوقوع مشابهة الكفار في أعيادهم. المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم. الباب الثالث: الأعياد الشرعية وآثارها الحميدة، وفيه فصلان: الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية، ويشتمل على مبحثين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ولقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، وفي جاهلية لا تعرف من الحق رسماً، ولا تقيم به في مقاطع الحقوق حكماً، بل كانوا ينتحلون ما تهواه نفوسهم، وما تزينه لهم شياطينهم، وما وجدوا عليه آباءهم، فجاهدهم وجاد لهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان والحجة، لمن كابر وعاند، فدعا إلى التوحيد وإخلاص العبادة ونبذ الشرك تحقيقاً لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1. فكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره، وانتصر على عدو الله وظهر دينه ودخل الناس في دين الله أفواجاً. ولم ينتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله لهذه الأمة الدين وأتمّ عليها النعمة ورضي لها الإسلام ديناً. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 2. وقد أمرنا أن نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 3.   1 سورة الذاريات، آية (56) . 2 سورة المائدة، آية (3) . 3 سورة الحشر، آية (7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 فشرع لنا من الأعياد ما يفرحنا دون بطر وما يحدد شخصيتنا دون تقليد وما يشيع في حياتنا السعادة والاستقرار. فدين الإسلام كامل لا يحتاج إلى زيادة ولا نقص وهو صالح لكل زمان ومكان، فمن زاد فيه فقد افترى على الله، وأتهم الشريعة بالنقص وعدم الكمال، وكأنّه استدرك على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك قبحاً. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والإحداث في الدين. فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 1. وقال أيضاً: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" 2. ولا شيء أفسد للدين وأشد تقويضاً لبنيانه من البدع، فهي تسري في كيانه سريان النار في الهشيم، وهي بريد الشرك والموصلة إليه، ولو خرج الرجل كفافاً لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفاً، بل لابد أن توجب له فساداً، منه نقص منفعة الشريعة في حقه، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه. ومن أشدّ وأخطر ما تساهل فيه بعض المسلمين إحداث أعياد بدعية ما أنزل الله بها من سلطان، ومنشأ ذلك كله: الابتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والمسارعة إلى التشبه بالأمم الأخرى في أعيادها واحتفالاتها لهم فزين الشيطان   1 سيأتي تخريجه، ص (220) . 2 سيأتي تخريجه، ص (219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ذلك حتى استحكمت الأهواء والفتن والجهالات، التي زينت الباطل وشوهت الحق وبلغ من استحكامها فيهم أن سموا الشرك توحيداً، فاتخذوا من الموتى وقبورهم آلهة وأنداداً من دون الله، وشرعوا لها أعياداً وموالد جعلوها فروضاً لازمة ومناسك ومشاعر صارت أحب إلى قلوبهم الغاوية. من فروض ومناسك عبادة رب العالمين. ولا يكاد يمرّ أسبوع إلا وتجد فيه عيداً، وهي في زيادة حتى جعلوا لكل شيء عيداً؛ وذلك أن هذا الأمر لا ضابط له إلا الشرع؛ لأن مسألة الأعياد من المسائل الشرعية التعبدية التي لا يجوز الابتداع فيها ولا الزيادة ولا النقصان، وقد حدد سبحانه هذه الأعياد فحرّم اتخاذ أعياد سواها. فلزوم السنة ومحاربة البدعة وحماية العقيدة من أيّ دخيل، واجب على كل مسلم ومسلمة وعلى العلماء وطلبة العلم خاصة. وقد رأيت أن يكون موضوع بحثي لنيل درجة الماجستير في هذا الموضوع، فجاء عنوان البحث " الأعياد وأثرها على المسلمين " وكان اختياري هذا الموضوع لأسباب منها: 1 - إن الأعياد من أهمّ الخصائص التي تتميز بها الديانات، ولكل ديانة أعيادها النابعة من أصل الاعتقاد فيها. 2 - الرغبة في معرفة الأصل في الأعياد المبتدعة، وأقوال العلماء فيها. 3 - الآثار المترتبة عليها وخطرها على الأمة. 4 - زعم البعض أن الأعياد والاحتفالات لا علاقة لها بالدين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المبحث الأول: الأعياد الزمانية، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى. المطلب الثاني: الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد. المطلب الثالث: يوم الجمعة. المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية. الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية. المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن. المبحث الثالث: أثر الأعياد في التكافل الاجتماعي. المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيئ, وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: في البدعة، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة. المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح. المبحث الثالث: أسباب انتشار البدع. المبحث الرابع: أحكام البدع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية، ويشتمل على مبحثين: المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى. المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة. الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة، وفيه المباحث التالية: المبحث الأول: يوم عاشوراء، ويشتمل على ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتماً. المطلب الثاني: اتخاذ عاشوراء عيداً. المطلب الثالث: السنة في يوم عاشوراء. المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويشتمل على ستة مطالب: المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه. المطلب الثاني: صورة الاحتفال بالمولد. المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد. المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردّها. المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم. المطلب السادس: في حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث: صلاة الرغائب، ويشتمل على مطلبين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها. المطلب الثاني: الأدلة على بدعيتها. المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج، ويشتمل على ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج. المطلب الثاني: صفة الاحتفال. المطلب الثالث: الأدلة على بدعيته. المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان، ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك. المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان. المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر، ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: صفة الاحتفال بها. المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته. المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار. المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة، ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: صفة الاحتفال به. المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 المبحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير، ويشتمل على أربعة مطالب: المطلب الأول: متى احتفل به. المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك. المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به. المطلب الرابع: الأدلة على بدعيته. المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويشتمل على مطلبين: المطلب الأول: منزلته عند الرافضة وصورة الاحتفال به. المطب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد. الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: اتخاذ القبور أعياداً، ويشتمل على ثلاثة مطالب. المطلب الأول: زيارة القبور. المطب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعياداً. المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعياداً. المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعياداً. المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعياداً. المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 هذا وبعد فإن هذا العمل قد أخذ مني جهداً ووقتاً كبيرين، وقد حرصت على ألا آلو جهداً ولا أدخر وسعاً في إعطاء هذا الموضوع حقه نظراً لأهميته، فإن أكن قد وفقت وأصبت في هذا البحث فذلك من نعم الله عليّ التي لا تعد ولا تحصى، وإن أخطأت فحسبي، أنني بذلت كل ما في وسعي وبذلت جهدي واعترف بتقصيري، وأني طالب مبتدئ وأبحث عن الحق. وبعد أن منّ الله عليّ بإتمام هذا البحث أشكر الله تعالى على فضله وتوفيقه وأعانته وتسديده، ثم أشكر كل من أعانني على إنجاز هذه البحث من مشايخي الأفاضل وزملائي الأعزاء. وأتوجه بالشكر إلى الجامعة الإسلامية التي كان لي شرف الانتساب إليها والنهل من معينها العذب العلم النافع وعقيدة السلف الصالح من غير أن تشوبها شائبة. كلية الدعوة وأصول الدين، وقسم العقيدة فيها الذي شرفني بأن أكون أحد طلابه، وأخصّ منهم بالذكر أستاذي الفاضل وشيخي الدكتور أحمد عطية الغامدي الأستاذ بقسم العقيدة والذي أشرف على هذا البحث فكان نعم الموجه والمرشد، فقد أسدى لي من النصح والتوجيه وبذل لي من الجهد والوقت كل ذلك في حلم وأناة ورحابة صدر، مما مكنني - بعد عون الله - من إنجاز هذا البحث، فجزاه الله كل خير وأثابه على ذلك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،،. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 تمهيد في تعريف العيد * تعريف العيد في اللغة: العيد كل يوم فيه جمع، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، وقيل اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، وعيد المسلمون شهدوا عيدهم 1. والجمع أعياد على لفظ الواحد فرقاً بينه وبين أعواد الخشب، وقيل للزوم الياء في واحده2. والعيد الموسم وعيدت "تعييداً" شهدت العيد وعاد إلى كذا وعاد له أيضاً يعود، عودة وعوداً صار إليه3. وفي التنزيل قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 4. والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العود فلما سكنت الواو كسرت ما قبلها صارت ياء 5. قال تأبط شرا 6: يا عيد مالك من شوق وإيراق ... ومر طيف على الأهواء طراق 7   1 لسان العرب (3/318) ، مادة عود، وانظر القاموس المحيط (386) . 2 المصباح المنير (2/436) ، وانظر لسان العرب (3/319) ، مادة عود. 3 المصدر السابق (2/436) . 4 سورة الأنعام، آية (28) . 5 لسان العرب (3/319) ، وتاج العروس (2/438) . 6 هو: ثابت بن جابر بن سفيان أحد بني فهم بن قيس بن عيلان يكنى أبا زهير، توفى عام 80 قبل الهجرة. انظر ترجمته: الشعر والشعراء لابن قتيبة (143) ، والأعلام للزركلي (2/97) . 7 ديوان تأبط شرا (125) ، جمع وتحقيق وشرح علي ذو الفقار شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قال ابن الأنباري1: في قوله يا عيد مالك: العيد ما يعتاده من الحزن والشوق2. وأيضاً يكون العيد ما أعتاد من الهمّ وغيره. قال الشاعر: والقلب من حبها عيد. وقال ابن الأعرابي3: سمي العيد عيداً؛ لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد4. وقد جاءت كلمة العيد بلفظها في موضع واحد من كتاب الله عز وجل ضمن قصة عيسى عليه السلام عند قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ} 5.   1 هو: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة الإمام أبو بكر الأنباري النحوي واللغوي، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظاً، وكان صدوقاً فاضلاً من أهل السنة، ولد سنة 271هـ، وكانت وفاته ببغداد سنة 327هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي (1/212-215) . 2 لسان العرب (3/318) ، وانظر: القاموس المحيط (386) ، وتاج العروس (2/438) . 3 هو: محمد بن زياد أبو عبد الله بن الأعرابي من موالي بني هاشم، كان نحوياً عالماً باللغة والشعر، ولد سنة 150هـ، وكانت وفاته بسر من رأى سنة 231هـ، وقيل 233هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي (1/105-106) . 4 لسان العرب (3/318-319) . 5 سورة المائدة، آية (114) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 أما في الاصطلاح: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك. فالعيد يجمع أمور منها: يوم عائد، كيوم الفطر، ويوم الجمعة. ومنها: اجتماع فيه. ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل هذه الأمور قد تسمى عيداً. فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة: "إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً" 1. والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" 2. والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا قبري عيداً" 3. وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقوله صلى الله عليه وسلم: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا "45.   1 السنن الكبرى للبيهقي ك الجمعة (3/243) ، وأورده الألباني في صحيح الجامع (2/259) .. 2 صحيح البخاري ك العيدين باب الخطبة بعد العيد (1/171) . 3 المصنف لابن أبي شيبة ك الصلوات عند قبر النبي إتيانه (2/375) ، وفي مسند الإمام أحمد (2/367) وسنن أبي داود ك الحج باب زيارة القبور (2/218) ، حديث (2042) ، بلفظ "لا تجعلوا قبري عيداً" وأورده الألباني في صحيح الجامع (6/132) . 4 صحيح البخاري ك العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام (1/170) ، وصحيح مسلم ك صلاة العيدين، باب في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد (1/607-608) ، حديث (892) . 5 اقتضاء الصراط المستقيم (1/441-442) ، وانظر: البحر المحيط لأبي حيان (4/56) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ولذلك سمي العيد بهذا الاسم لتكرره كل عام، وقيل لعود السرور بعوده، وقيل لكثرة عوائد الله على عباده فيه1. فعلى هذا كل اجتماع عام يحدثه الناس أو يعتادونه في زمان معين، أو مكان معين، أو هما معا؛ فإنه يكون عيداً، وكذلك كل أثر من الآثار القديمة، أو الجديدة يحييه الناس، أو يرتادونه، يصدق عليه العيد. وبهذا يتبين ارتباط التعريفين الشرعي واللغوي، وأنه لا فرق بينهما في مسمى العيد، ولكن الشرعي: ما بينه الشارع، وحده من الأعياد الزمانية والمكانية، كما سيأتي الكلام على ذلك مفصلاً.   1 انظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (2/376) ، والمجموع شرح المهذب للنووي (2/5) ، وأنيس الفقهاء للشيخ قاسم القونوي (118) ، والبناية في شرح الهداية للعيني (2/849) ، وكشاف القناع للبهوتي (2/49-50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الباب الأول: أعياد الكفار والعرب في الجاهلية الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها ... الفصل الأول: أعياد اليهود وعاداتهم فيها لكل دين من الأديان ولكل ملة من الملل ما تتميز به عن غيرها من المعتقدات والعبادات والعادات، ومن أهمّ هذه المميزات التي تختلف من ديانة إلى أخرى هي مسألة الأفراح والأعياد التي يحتفلون بها. ولقد تميزت الديانة اليهودية كغيرها من الديانات بأفراحها وأعيادها التي تقيمها في مواسم معينة من أيام السنة. وقد جاء في الكتاب المقدس تعيين هذه الأيام وكونها أياماً فاضلة، وأعياداً دينية يتوجهون بالعبادة فيها إلى الله تعالى ويحتفلون بها ويعترفون بفضلها على غيرها، وإليك أشهرها: 1 - يوم السبت: وهو من أهمّ الأيام وأعظمها عندهم تقديساً، حيث كان تقديسه من أبرز الواجبات الدينية التي زعموا أنهم أمروا بها والتي تضمنتها الوصايا العشر، التي هي أساس شريعتهم وعقيدتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 إذا جاء فيها "اذكر يوم السبت لتقدسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك"1. وفي هذا اليوم محرم العمل على الجميع حتى البهائم؛ لأنه يوم مقدس، وفيه انتهى الرب من الخلق. كما جاء في سفر الخروج "لا تصنع عملاً ما أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك؛ لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح 2 في اليوم السابع؛ لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه " 3. كما ورد أيضاً النهي عن البيع والشراء فيه.   1 سفر الخروج الإصحاح (20) ، الفقرة (8ـ10) ، وانظر: سفر نحميا الإصحاح (9) الفقرة (14) ، وانظر: سفر التثنية الإصحاح (5) ، الفقرة (12ـ24) . 2 هذا مما وصف به اليهود الله عز وجل افتراءً عليه، حيث قالوا: استراح. والاستراحة تعقب التعب تعالى الله عما يقولون، فهو القائل: قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] . وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت تكذيباً لهم ورداً عليهم. انظر: تفسير البغوي (4/226) ، وتفسير ابن كثير (4/229) ، كما أنه جل وعلا هو القائل: قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255] . وهو القائل: قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] . ولا يصح نسبة ذلك إلى الكتاب المقدس وإنما هو تحريف منهم لما أنزل الله. 3 الإصحاح (20) ، الفقرة (10ـ12) ، وانظر: سفر التكوين الإصحاح (2) ، الفقرة (1ـ3) ، وسفرة التثنية الإصحاح (5) ، الفقرة (14ـ15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 حيث جاء في سفر نحميا: " وشعوب الأرض الذين يأتون بالبضائع وكل الطعام يوم السبت للبيع لا تأخذ منهم في سبت ولا في يوم مقدس " 1. وأما من يخالف ذلك فيعمل في يوم السبت فجزاؤه القتل والنفي من بني إسرائيل؛ لأن العمل يعد تدنيساً لهذا اليوم وامتهاناً لتقديسه. وقد جاء النص على ذلك في سفر الخروج: " فتحفظون السبت؛ لأنه مقدس لكم، من دنسه يقتل قتلاً، أن كل من صنع فيه عملاً تقطع تلك النفس من بين شعبها..كل من صنع عملاً في يوم السبت يقتل قتلاً " 2. ومن خصائص يوم السبت تقديم القرابين للمحرقة تقديساً للرب، وبهذا تتم العبادة الإلهية كما يزعمون. فقد جاء في سفر حزقيال صفة تقديم هذه القرابين إلى الكهنة وكيفية حرقها وما هي القرابين المطلوبة لذلك. فقال: " والمحرقة التي يقربها الرئيس للرب في يوم السبت ستة حملان صحيحة وكبش صحيح " 3. ومع أنه كان يوماً معظماً ومقدساً فلم يرعوا تلك الحرمة التي أمرهم الله بها، بل خالفوا وتجاوزوا ما حده الله لهم فيه، وذلك هو حال اليهود وطبعهم من التلون والخداع. وقد حكى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز قصتهم في   1 الإصحاح (10) ، الفقرة (31) . 2 الإصحاح (31) ، الفقرة (14،16) ، وانظر: سفر العدد الإصحاح (15) ، الفقرة (32ـ36) ، والخروج (35) ، الفقرة (2ـ3) . 3 الإصحاح، الفقرة (1ـ4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ذلك، وما حل بهم؛ بسبب ذلك الإعراض ومخالفة أمره. فقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} 1. فالله سبحانه وتعالى أباح لبني إسرائيل العمل في ستة أيام من الأسبوع وحظر عليهم العمل في يوم واحد وهو يوم السبت، وفرض عليهم في هذا اليوم الاجتهاد في الأعمال الدينية إحياء للشعور الديني في قلوبهم وإضعافاً لشراهتهم في جمع الحطام وحبهم للدنيا، فتجاوز طائفة منهم حدود الله في السبت واعتدوها فكان لهم ذلك الجزاء2. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله إنما افتراض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة، فخالفوا إلى السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به، فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم فيه فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره"3. كما في قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 4.   1 سورة البقرة، آية (65) . 2 تفسير المنار (1/343) . 3 تفسير الطبري (1/330) . 4 سورة الأعراف، آية (163) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 فبذلك الاعتداء وتلك المخالفة لأمره جل وعلا مسخهم الله قردة وخنازير نكالاً لهم وعقوبة لما فعلوا1. فالسبت هو عيد الأسبوع عند اليهود وهو بمنزلة الجمعة عند المسلمين كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق" 2. 2 - عيد رأس السنة: ويكون في اليوم الأول من شهر تشري3 ويحتفل فيه بنفخ البوق، ويحرم فيه العمل كما يحرم في يوم السبت، وهو الذي فدى فيه إسحاق عليه السلام   1 انظر: تفسير البغوي (1/81) . 2 صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (2/586) ، حديث (856) . 3 تشري: هو الشهر الأول من شهور اليهود، وهي: تشرى، مرحشوان، كسلا طابات، شباط، آذار، نيسان، آيار، سيوان، تموز، أب، أيلون. انظر: نهاية الأرب للنويري (1/159) ، والخطط للمقريزي (2/472) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 من الذبح، كما يزعمون1، ويسمى أيضاً رأس هشايا أي رأس السنة وينزل منزلة عيد الأضحى عند المسلمين2. وقد جاء في سفر العدد: "وفي يوم فرحكم وفي أعيادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق على محرقاتكم وذبائح سلامتكم فتكون تذكاراً أمام إلهكم"3. وجاء في سفر العدد كيفية تقديم القرابين: "وفي رؤوس شهوركم تقربون محرقة للرب ثورين التي ابنى بقر وكبشاً واحداً وسبعة خراف حولية صحيحة "4. 3 - عيد المظال: وهو في اليوم الخامس عشر من شهر تشري وأيامه سبعة متوالية يستظلون فيها بأغصان الخلاف والقصب وغيرها من الأشجار التي لا يتناثر ورقها على   1والصواب: أن الذبيح إسماعيل عليه السلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية " الذي يجب القطع به أنه إسماعيل، وهو الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهور، وهو الذي تدل عليه التوراة التي بأبدي أهل الكتاب. انظر: تفسير الفتاوى (4/331) ، وما بعدها في تقرير ذلك، وانظر: السعدي (6/388) ، وكشف الخفأ (1/232) ، وما بعدها. 2 انظر: تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك مكاريوس (101) ، وتاريخ اليعقوبي (1/66) ، والآثار الباقية للبيروني (375) ، والخطط للمقريزي (2/473ـ479) ، ونهاية الأدب للنويري (1/195) ، صبح الأعشى للقلقشندي (2/436) ، وبلوغ للألوسي (1/36) . 3 الإصحاح (10) ، الفقرة (10) ، وانظر: سفر المزامير الإصحاح (1) ، الفقرة (1ـ3) . 4 الإصحاح (10) ، الفقرة (11ـ15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الأرض، وذلك تذكاراً منهم لإظلال الله إياهم في التيه بالغمام. وفيه يحرم العمل، ويسمى أيضاً بعيد الجمع1. وقد جاء في سفر اللاويين: أما اليوم الخامس عشر من الشهر السابع ففيه عندما تجمعون غلة الأرض تعيدون عيداً للرب سبعة أيام التي اليوم الأول عطلة وفي اليوم الثامن عطلة. وتأخذون لأنفسكم في اليوم الأول ثمر أشجار بهجة وسعف النخل وتفرحون أمام الرب إلهكم سبعة أيام، وتعيدونه عيد للرب سبعة أيام في السنة فريضة دهرية في أجيالكم، في الشهر السابع تعيدونه، في مظال تسكنون سبعة أيام. كل الوطنيين في إسرائيل يسكنون في المظال، لكي تعلم أجيالكم أني في مظال أسكنت بني إسرائيل لما أخرجتهم من أرض مصر2.   1 انظر: تاريخ الإسرائيليين (101) ، وتاريخ اليعقوبي (1/67) ، والآثار الباقية للبيروني (377) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/436ـ437) ، والخطط للمقريزي (2/473) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/361) . 2 الإصحاح (23) ، الفقرة (39ـ43) ، وانظر: التثنية الإصحاح (16) ، الفقرة (13ـ15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وجاء أيضاً وفي اليوم الأول محفل مقدس عملاً ما من الشغل لا تعملوا سبعة أيام تقربون وقود للرب1. وفي سفر زكريا "ليسجدوا للملك رب الجنود وليعيدوا عيد المظال"2. 4 - عيد الاعتكاف: ويكون في اليوم الثامن من أيام المظلّة وهو اليوم الثاني والعشرون من شهر تشرى3. كما جاء ذلك في سفر نحميا بعد أن ذكر عيد المظال وما يفعل فيه قال: "وفي اليوم الثامن اعتكاف حسب المرسوم"4. وفي سفر اللاّويين: "وفي اليوم الثامن يكون محفل مقدس تقربون وقوداً للرب انه اعتكاف كل عمل شغل لا تعلموا"5. 5 - عيد الفطير، أو الفصح: كما يسمى بعيد الربيع وعيد الحرية 6، ويكون في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان، وهو سبعة أيام لا يأكلون فيها إلا الفطير؛ وذلك تذكاراً لهم   1 الإصحاح (23) ، الفقرة (33ـ36) ، وانظر: العدد الإصحاح (29) ، الفقرة (13ـ16) . 2 الإصحاح (14) ، الفقرة (16) . 3 الخطط للمقريزي (2/473) . 4 الإصحاح (8) ، الفقرة (18) . 5 الإصحاح (23) ، الفقرة (36) . 6 انظر: في الفكر اليهود لحايم ناحوم (265-266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 عندما خلصهم الله من أسر فرعون ومن العبودية، وليتذكروا خروجهم من مصر إلى أرض التيه1. وقد جاء وصفه في سفر التثنية: "احفظ شهر أبيب وأعمل فصحاً للرب إلهك؛ لأنه في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً.. لا تأكل عليه خميراً، سبعة أيام تأكل عليه فطيراً خبز المشقة؛ لأنه بعجلة خرجت من أرض مصر، لكي تذكر يوم خروجك من أرض مصر كل أيام حياتك"2. وقد نحا اليهود في هذا العيد منحى وحشياً إجرامياً، حيث جعلوه من أفضل المناسبات التي يستخدمون فيها دماء البشر ويكون أعظم هدية تقدم إلى الحاخام، ويفضل أن يكون مسيحياً فإن لم يوجد، فإن دم المسلم يفي بالغرض المطلوب، وبناءً على ذلك يتم تناول الفطير المفروض على اليهود ممزوجاً بدم الضحية. ويؤيد هذا ما جاء في التلمود " عندنا مناسبتان دمويتان ترضيان إلهنا يهوه، إحداهما: عيد الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية، والأخرى: مراسيم ختان الأطفال"3.   1 انظر: تاريخ الإسرائيليين (101) ، وتاريخ اليعقوبي (1/66) ، والآثار الباقية للبيروني (381) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/437) ، والخطط للمقريزي (2/474،479) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/362) . 2 الإصحاح (16) ، الفقرة (1-8) ، وانظر: سفر العدد الإصحاح (28) ، الفقرة (16-25) ، وسفر للاويين الإصحاح (23) ، الفقرة (4/8) . 3 انظر: خطر اليهود على الإسلام والمسيحية لعبد الله التل (80) ، نقلاً عن سيكوم زوهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فأصبح الدم ضرورياً لإقامة هذا العيد. وقد جمع أحد كتاب أوربا "أزنولدلير" أهم جرائم اليهود الثابتة بالأدلة القطعية في مختلف بلدان العالم بهذا الخصوص منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى العقد الثالث من القرن العشرين ودونها في كتاب نشر عام 1938م تحت عنوان (طقوس الاغتيال اليهودية) فذكر فيه أكثر من ستين حادثاً1. ولعل من أشنع الحوادث في ذلك حادثة دمشق عام 1840م، والتي راح ضحيتها الأب توما وخادمه إبراهيم عمار من أجل الاحتفال بهذا العيد2. ولا يستغرب من اليهود مثل هذا العمل، فالمكر والحقد دينهم، والخديعة والجريمة ديدنهم. 6 - عيد سنة العطلة: وهي السنة السابعة من كل سبع سنوات وتكون عطلة، حيث يتركون الأرض بدون زراعة سبتاً للرب ولا يقطف زرعها، بل يترك لفقراء الشعب ووحوش البرية3. كما جاء ذلك في سفر اللاويين " وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطلة سبتاً للرب لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك"4.   1 انظر: أضواء على اليهودية من خلال مصادرها، للدكتور / محمد أحمد دياب (114) . 2 انظر: كتاب دم لفطير صهيون لنجيب الكيلاني، وأضواء على اليهودية (122-124) ، والكنز المرصود في قواعد التلمود. 3 تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك مكاريوس (101) . 4 الإصحاح (25) ، الفقرة (1-7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 7 - عيد سنة الخمسين أو اليوبيل: وهي سنة مقدسة لا يكون فيها زرع ولا حصاد1؛ وذلك أنهم يزرعون الأرض لمدة ست سنوات متتالية، وفي السنة السابعة يتركونها بدون زراعة سبتاً للرب، وهكذا تستمر العملية ست سنوات زراعة والسابعة سبوتاً للرب فيكون مجموع المدة سبع سنوات. وبعد أن تتكرر العملية سبع مرات، أي سبع دورات زراعية، فإنه يصبح مجموع السنوات تسعاً وأربعين سنة، وعليه فتكون السنة الخمسون يوبيلاً، وعيداً لهم يقيمون فيه احتفالات ضخمة بهذه المناسبة مستعملين بوق الهتاف، تعبيراً عن فرحتهم الكبرى منادين بالعتق في الأرض لجميع سكانها. كما نص على ذلك سفر اللاويين، حيث جاء فيه "وتعد ذلك سبعة سبوت سنين، سبع سنين مرات، فتكون لك أيام السبعة السبوت السنوية تسعاً وأربعين سنة. ثم تعبر بوق الهتاف في الشهر السابع في عاشر الشهر في يوم الكفارة تعبرون البوق في جميع أرضكم وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها … يوبيلاً، تكون لكم السنة الخمسون لا تزرعوا ولا تحصدوا زريعها ولا تقلفوا كرمها المحول، إنها يوبيل مقدسة تكون لكم2.   1 تاريخ الإسرائيليين (101) ، وانظر: مزيد بيان عن اليوبيل، ص (132) من البحث. 2 الإصحاح (5) ، الفقرة (8-12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 8 - عيد الأسابيع أو عيد الحصاد: وهي الأسابيع التي فرضت فيها الفرائض وكمل الدين، ويكون بعد عيد الفطير بسبعة أسابيع، وهو يوم عظيم وحج من حجوج بني إسرائيل. ويكون في اليوم السادس من شهر سيوان، ويسمى أيضاً بعيد العنصرة وعيد الخطاب وعيد الخميس1. وقد جاء في تحديده كما في سفر اللاويين " ثم تحسبون لكم من غد السبت من يوم إتيانكم بحزمة الترديد سبعة أسابيع، وتكون كاملة إلى غد السبت خمسين يوماُ، ثم تقربون تقدمة جديدة للرب من مساكنكم"2. 9 - يوم الكفارة أو عيد الغفران3: وهو من أعظم الأعياد عندهم، ويكون في اليوم العاشر من الشهر السابع. حيث جاء في سفر اللاويين: "وكلم الرب موسى قائلاً: أما العاشر من هذا الشهر السابع، فهو يوم الكفارة محفلاً مقدساً، يكون لكم تذللون نفوسكم وتقربون وقود للرب"4. وفيه ينقطع اليهود عن العمل ويتفرغون للعبادة وتكفير الذنوب التي اقترفوها في العام الماضي.   1 انظر: تاريخ الإسرائيليين (101) ، والآثار الباقية للبيروني (281) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/437) ، والخطط للمقريزي (2/474-479) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/363) . 2 الإصحاح (23) ، الفقرة (15-16) . 3 في الفكر اليهودي لحايم ناحوم (297) . 4 الإصحاح (23) ، الفقرة (26-27) ، وانظر: الإصحاح (16) ، الفقرة (29-30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 حيث جاء النص على أن جزاء من يعمل فيه أن يقتل ويباد من شعب بني إسرائيل؛ لأن ذلك فريضة دهرية لجميع الأجيال فلا يجوز العمل فيه. "عملاً ما لا تعملوا في هذا اليوم عينه؛ لأنه يوم كفارة للتكفير عنكم، أمام الرب إلهكم، إن كل نفس لا تتذلل في هذا اليوم عينه تقطع من شعبها"1. وقد كانت الطريقة المتبعة لديهم في التكفير غريبة سخيفة، وهي أن يحضر الكاهن تيساً حياً، ويضع يديه على رأسه ويعترف بكل ذنوب بني إسرائيل وكل سيئاتهم مع كل خطاياهم، ويجعلها على رأس التيس، ثم يطلقه في البرية حاملاً كل خطايا الشعب، ثم يعمل محرقه له ومحرقه للشعب للتكفير عن نفسه وعن الشعب2. وقد نص سفر اللاويين: على أن ذلك العمل فريضة دهرية في كل عام، حيث قال: "وتكون هذه لكم فريضة دهرية للتكفير عن بني إسرائيل من جميع خطاياهم مرة في السنة"3. ويقول الدكتور حسن ظاظا: "إن اليهود على طول تعرضهم للاضطهاد من الأمم التي عاشوا بين ظهرانيها، قد جعلوا من يوم الغفران، أو التكفير هذا يوماً يعلنون فيه نقضهم للعهود والمواثيق التي قطعوها لغير اليهود، وأفتى   1 الإصحاح السابق الفقرة (28-29) . 2 انظر: اللاويين الإصحاح: (16) ، الفقرة (20-22) . 3 الإصحاح (16) ، الفقرة (34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فقهاؤهم بأن الداعي إلى ذلك كان إكراه اليهود على تغيير دينهم، وشاع بين عوام اليهود أن يوم الغفران هذا يجوز فيه أكل الديون التي على اليهودي وعدم أدائها، كما يجوز فيه الرجوع في كل وعد، أو عهد قطعه على نفسه طول السنة"1. 10 - عيد صوماريا: ويسمونه عيد الصوم الكبير الذي يقولون: إن الله تعالى فرض عليهم صومه ومن لم يصمه قتل عندهم. ومدة هذا الصوم خمس وعشرون ساعة، يبدأ فيها قبل غروب الشمس في اليوم التاسع من شهر تشري إلى ما بعد الغروب بساعة في اليوم العاشر، وربما سموه العاشور، ويشترط فيه لجواز الإفطار عندهم رؤية ثلاثة كواكب، وهي عندهم تمام الأربعين الثالثة التي صامها موسى عليه السلام. ويزعمون أن الله كلم موسى عليه السلام فيه وأن صومه كفارة، وأن الله يغفر لهم فيه جميع الذنوب التي وقعت على وجه الغلط، بل أن الله يغفر فيه الذنوب جميعاً ماعدا الزنا بالمحصنة وظلم الرجل أخاه وجحده الرّبوبية2. 11 - عيد الحنكة: ويكون في ليلة الخامس والعشرين من شهر كسلا وهو ثمانية أيام، يوقدون في الليلة الأولى من لياليه على كل باب من أبوابهم سراجاً، وفي الليلة الثانية   1 الفكر الديني اليهودي (169) . 2 انظر: تاريخ الإسرائيليين (101) ، والآثار الباقية للبيروني (276-277) ، والخطط للمقريزي (2/479) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/436) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/361) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 سراجين، وهكذا إلى أن يكون في الثمانية ثمان سرج، يريدون بذلك أنهم يزيدون الشكر لله يوماً فيوماً بتنظيف بيت المقدس. وسبب اتخاذهم لهذا العيد: أن بعض الجبابرة تغلب على بيت المقدس وفتك ببني إسرائيل وافتض أبكارهم، فوثب عليه أولاد كاهنهم، وكانوا ثمانية فقتله أصغرهم، وطلب اليهود لوقود الهيكل فلم يجدوا إلا يسيراً، وزعوه على عدد ما يوقدون من السرج على أبوابهم في كل ليلة إلى تمام ثمان ليال فاتخذوا هذه الأيام عيداً وسموه الحنكة، ومعناه: التنظيف؛ لأنهم نظفوا فيه الهيكل من أقذار شيعة الجبار. وهذا العيد من الأعياد التي أحدثوها وابتدعوها1. ويعتبره اليهود رمزاً للإيمان والشجاعة والمحافظة على القيم اليهودية2. 12 - عيد الفوريم: ويكون في اليوم الرابع عشر من شهر آذار، وهو من الأعياد التي أحدثوها؛ والسبب في اتخاذهم له عيداً، أنه لما ملك أزدشير بن بابك وتسميه اليهود بالعبرانية (احشويرشي) وكان له وزيراً اسمه هامان، ولليهود يومئذ حبر يقال له: (مردخاى) فبلغ أزدشير أن له ابنة عم من أحسن نساءً أهل زمانها، وأكملهن عقلاً، فطلب تزويجها منه فأجاب لذلك فحظيت عنده حظوة صار   1 انظر: الآثار الباقية للبيروني (379) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/438-439) ، والخطط للمقريزي (2/473-474) ، وبلوغ الأرب للالوسي (1/364) . 2 انظر: في الفكر اليهودي لحايم ناحوم (328-330) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بها مردخاى قريباً منه فأراد هامان إصغاره واحتقاره حسداً له، وعزم على إهلاك طائفة اليهود التي في جميع مملكة أزدشير، فرتب مع نواب الملك في سائر الأعمال أن يهلك كل واحد منهم من بعمله من اليهود، وعين لهم يوم الثالث عشر من آذار وخص هذا اليوم دون غيره؛ لأن اليهود يزعمون أن موسى عليه السلام ولد فيه وتوفي فيه وأراد بذلك المبالغة في نكايتهم ليتضاعف الحزن عليهم بهلاكهم وبموت موسى عليه السلام. فبلغ ذلك مردخاى من بطانة هامان، فأرسل إلى ابنة عمه يعلمها بما عزم عليه هامان في أمر اليهود وحثها على أعمال الحيلة في تخليص قومها من الهلكة، فأعلمت الملك وذكرت له إنما حمله على ذلك الحسد على قربنا منك ونصحنا لك، ومازالت تغريه حتى أمر بقتل هامان وقتل أهله وأن يكتب لليهود بالأمان والبر والإحسان في ذلك اليوم. فاتخذ اليهود هذا اليوم من كل سنة عيداً وصاموه شكراً لله تعالى، وجعلوا بعده يومين اتخذوها أيام فرح وسرور ولهو وشرب ومهادة بعضهم إلى بعض. ومن عاداتهم فيه: أن يصوروا من الورق صورة هامان ويملأون بطنها نخالة وملحاً ويلقونها في النار تحترق ويخدعون بذلك صبيانهم 1.   1 انظر: تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك (151-155) ، وفي الفكر اليهودي لحايم ناحوم (331-333) ، والآثار الباقية للبيروني (280-281) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/437-438) ، والخطط للمقريزي (2/474) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/363-364) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وصاحبة هذه القصة هي (استير) وقد حظيت بسفر كامل يتكون من عشر اصحاحات جاء رمزاً لذلك، فقد أثبت في السفر قصة مردخاى أحد أفراد حاشية الملك أزدشير (أحشويرش) وكيف تزوج الملك بأستير، وكيف تم القضاء على هامان بمؤامرة من مردخاى. ولم يقتصر مردخاى على قتل هامان، بل تعداه إلى قتل عشرات الألوف من الشعب اللاهي الذي فوجئ بمهاجمة اليهود. حيث جاء في سفر استير "فضرب اليهود جميع أعدائهم ضربة سيف وهلاك وعملوا بمبغضيهم ما أرادوا ثم اجتمعوا اليهود الذين في شوشن في اليوم الرابع عشر أيضاً من شهر آذار وقتلوا ثلاثمائة رجل وباقي اليهود الذين في بلدان الملك اجتمعوا ووقفوا لأجل أنفسهم واستراحوا من أعدائهم، وقتلوا من مبغضيهم خمسة وسبعين ألفاً وجعلوه يوم شرب وفرح1. وجاء في سبب تسميته بعيد الفوريم، وكونه واجباً على اليهود: "لأن هامان بن همداثا الأجاجي عدو اليهود جميعاً تفكر على اليهود ليبيدهم وألقى فوراً أي قرعة لا فنائهم وإبادتهم.. لذلك دعوا تلك الأيام فوريم على اسم الفور لذلك من أجل جميع كلمات هذه الرسالة وما رأوه من ذلك وما أصابهم أوجب اليهود، وقبلوا على أنفسهم وعلى نسلهم وعلى جميع الذين يلتصقون بهم حتى لا يزول أن يعيدوا هذين   1 الإصحاح (9) ، الفقرة (5-17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 اليومين حسب كتابتهما وحسب أوقاتهما كل سنة، وأن يذكر هذان اليومان ويحفظا في دور فدور وعشيره فعشيره وبلاد فبلاد ومدينة فمدينه ويوما الفوز هذان لا يزولان من وسط اليهود وذكرهما لا يفنى من نسلهم "1. ولا يزال إلى يومنا هذا يحتفل اليهود بهذا العيد2، والذي يرونه يحمل في ثناياه أسمى معاني الاستقلال والوطنية3. فهذه هي أشهر أعياد اليهود فيما أطلعت عليه، وكما نص على ذلك الكتاب المقدس. قد كانت هذه الأعياد تختص بزيادة العبادة فيها، حيث يزيدون خمس صلوات على صلواتهم الثلاث4. كما أن بعضها يختص بزيادة الأعمال فيها من تقديم قرابين وغيرها بخلاف الأعياد الأخرى. فقد زعم اليهود أن الله أوجب عليهم أن يتقدموا ببعض الأعمال في أعياد الفطير والمظال والأسابيع، كما نطق بذلك الكتاب المقدس، جاء في سفر التثنية "ثلاثة مرات في السنة يحضر جميع ذكورك أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره في عيد الفطير وعيد الأسابيع وعيد المظال، ولا يحضروا أمام الرب فارغين، كل حسبما تعطي يده كبركة الرب إلهك التي أعطاك"5.   1 الإصحاح (9) ، الفقرة (24-28) . 2 تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك مكاريوس (154) ، 3 في الفكر اليهودي لحايم ناحوم (199) . 4 الخطط للمقريزي (2/479) . 5 الإصحاح (16) ، الفقرة (16-17) وانظر: سفر الخروج الإصحاح (34) ، الفقرة (14-23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 فهذه النصوص تدل على أفضلية هذه الأعياد الثلاث، والتي يذهبون فيها إلى أورشليم لزيارة الهيكل وتقديم القرابين هناك، وأنه لابد من تقديم شيء في هذه الزيارة. وهذه الأعياد الثلاث هي حجوجهم التي يذهبون فيها إلى البيت المقدس. ومن عادات اليهود في أعيادهم الترنم في أمور العبادة واستعمال آلات الموسيقى في تلك الأفراح، كما جاء ذلك في الكتاب المقدس في سفر المزامير، وهي عبارة عن أكثر من خمسة عشر مزموراً تحمل عنواناً واحداً، وهو نشيد المراقي؛ لأنها كانت تنشد أثناء الصعود إلى أورشليم لأعياد الحج الثلاث الكبرى. وفي ذلك يقول صاحب تاريخ الإسرائيليين: "لما كان عند اليهود بيت مقدس كانت الشريعة تلزمهم استعمال فن الموسيقى في العبادة الدينية والأفراح العمومية كالأعياد ورؤوس الشهور وغيرها.. وكان اليهود يصعدون في كل سنة ثلاث مرات إلى أورشليم في أعيادهم الثلاثة حسب وصية التوراة وفي طريقهم كانوا يطربون أنفسهم ويخففون أتعابهم بالترنم. كما أنهم خصوا وصنعوا أبواق من أجل الهتاف وخاصة في أفراحهم وأعيادهم ورؤوس شهورهم، وكذلك محرقاتهم وذبائحهم السلامية التي يتقربون بها. وكانوا يهتمون بالغناء حتى أنه صار في الهيكل رؤساء أربع وعشرين فرقة من المغنين يخدمون الهيكل بالدور؛ وذلك بضرب الأبواق والهتاف الخاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 بالقرابين، ويكثر عددهم بنوع خاص في الأعياد العظيمة، حيث يصطفون بالترتيب حول مذبح المحرقة ويردون الترنمات والمزامير الخاصة بذلك1. وبالتأمل في أعياد اليهود نجدها أعياداً متنوعة منها ما يتصل بالأحداث التاريخية: كعيد المظال وعيد الحنكة وعيد الفوريم وعيد الفطير. ومنها: ما يتصل بمواسم الزراعة والحصاد كعيد الأسابيع وعيد سنة العطلة وعيد اليوبيل. ومنها: ما يتصل بالهلال أو التوبة والتكفير عن الذنوب: كعيد رأس السنة ويوم الكفارة وعيد صوماريا. ويتضح من عاداتهم فيها أنها ضعيفة الصلة بشريعة موسى عليه السلام، حيث كانت بعيدة عن إخلاص العبادة لله تعالى لعدم التزامهم بالأوامر والنواهي التي جاءت في هذه الأعياد، وما حكاه الله سبحانه وتعالى في يوم السبت عنهم دليل على ذلك. كما أنه قوامها اللهو والفرح والشرب فضلاً عن الأساليب الوحشية التي يستخدمونها في بعض الأعياد، والتي بلغت الذروة في الإجرام وهتك الحقوق الإنسانية ولا سيما في عيد الفصح الذي أصبح شعار الاحتفال به تناول الفطير الممزوج بالدماء البشرية، ولا تتم الفرحة إلا بذلك. فأي إله هذا الذي يرضى بإراقة الدماء البريئة قربة له في أيام الأعياد وأوقات الشكر، إن هذا لا يتصور 1 تاريخ الإسرائيليين لشاهين بك مكاريوس (123-125) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الفصل الثاني: أعياد النصارى وعاداتهم فيها وكما تميزت اليهودية بأعيادها كذلك نجد أن للنصرانية ما يميزها من الاحتفالات والأفراح. وأعياد النصارى كثيرة جداً، وهي تربو على (140) عيداً1. ولست في مجال حصرها وعدها، وإنما سأقتصر على المشهور منها، وهي أربعة عشر عيداً سبعة كبار وأخرى صغار بالإضافة إلى عيد الأسبوع عندهم، وهي على النحو التالي: عيد الأسبوع: يوم الأحد: وهو من أعظم الأعياد عندهم ولم أجد في الكتاب المقدس أو العهد الجديد ما يشير إلى تعظيمه، وإنما كانت الإشارة والنص إلى تعظيم يوم السبت فقط، كما ورد ذلك في الوصايا العشر2. ولكن الكنيسة صرفت النصوص الواردة في السبت إلى يوم الأحد؛ وذلك بحجة أن لشريعة السبت ناحيتين: طبيعية وطقسية.   1 انظر: كتاب السنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين، وهو مجلدان، وضع الأنبا بطرس الجميل والأنبا ميخائيل والأنبا يوحنا أسقف البرلس وغيرهم من الأباء القديسين، والآثار الباقية للبيروني (288-315) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/425-435) . 2 انظر: سفر الخروج الإصحاح (20) ، الفقرة (8-11) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وفي ذلك يقول الأنبا يوحنا نوير: "والكنيسة لم تنقض الناموس، حينما أبدلت السبت بالأحد؛ لأن لشريعة السبت ناحيتين واحدة طبيعية والأخرى طقسية. وقد حافظت الكنيسة على الناحية الطبيعية، أما الطقسية فكان من حقها أن تلغيها كما ألغت شرائع طقسية أخرى منها الختان والحمل الفصحى"1. وقال: "إننا نؤمن بالتقليد كمصدر للوحي، فهناك أشياء صنعها الرسل ولم تكتب في الكتب، وضمن هذه الأشياء إبدال السبت بالأحد"2. وقد جاء النص على تقديسه في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بقرار رقم (106) ، حيث جاء فيها "ومن ثم كان يوم الرب في المرتبة الأولى من أيام الأعياد، واليوم الذي يجب أن يدعى المؤمنون إلى إحيائه وإرساخه في تقواهم، بحيث يصبح أيضاً يوم بهجة وانقطاع عن العمل، أما الاحتفالات الأخرى فلا يجوز أن تتقدم عليه إلا إذا كانت فائقة الأهمية؛ وذلك لأن يوم الأحد هو أساس السنة الطقسية كلها ونواتها3. قلت: وفي تفسير قوله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} 4.   1 الوصايا الإلهية العشر للأنبا يوحنا نوير (61) . 2 المصدر السابق (59) . 3 وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (2/536) ، لمجموعة من العلماء وراجع صياغته الأب د/ يوحنا قلته. 4 سورة المائدة، آية (114) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ما يشير إلى أن النصارى كانوا يحتفلون بيوم الأحد، حيث قيل إن المائدة نزلت عليهم يوم الأحد غدوة وعشية؛ فلذلك اتخذوه عيداً1. وكما جاء في الحديث الصحيح أيضاً عن حذيفة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد" 2. فدل على أن النصارى يعظمون يوم الأحد، وهو بمنزلة الجمعة عند المسلمين، والسبت عند اليهود. ومن عاداتهم فيه أن يجتمع في مكان واحد سكانٌ القرى والمدن وتقرأ شروحات الرسل وكتب الأنبياء بقدر ما يسمح به الوقت3. أما الأعياد الكبار فهي على النحو التالي: 1 ـ عيد البشارة ويسمى السبار: ويعنون به بشارة غبريال، وهو جبريل عليه السلام في زعمهم لمريم عليها السلام بميلاد عيسى صلوات الله عليه، ويكون في اليوم التاسع والعشرين من برمهات4 من شهور القبط، وهو من أعظم الأعياد عندهم5.   1 انظر: تفسير القرطبي (6/368) ، وروح المعاني للألوسي (6217) ، التفسير الكبير للرازي (12/139) . 2 تقدم تخريجه، ص (30-31) . 3 الوصايا الإلهية العشر للأنبا يوحنا نوير (53) ، وانظر: تفسير الأناجيل المقدسة التي تقرأ في أيام الأحاد والأعياد للأب لويس برسوم الفرنسيسكاني. 4 برمهات: هو الشهر السابع من شهور القبط، وهي: توت - بابه - هتور - كيهك - طوبه - أمشير - برمهات - برموده - بشنس، يؤنه - أبيب - مسرى - انظر: الخطط للمقريزي (1/270-273) . 5 انظر: إنجيل لوقا الإصحاح (1) ، الفقرة (24-36) ، وانظر: أنجيلك نور لحياتي يحوي مواعظ للأحاد والأعياد للأب إلياس كويتر المخلصي (3/1361) ، والآثار الباقية للبيروني (294) ، والخطط للمقريزي (1/264) ، والأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الجائرة للقرافي (404) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/425) ، والأعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (424) ، ونخبة الدهر في عجائب البر والبحر للأنصاري (280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 2 ـ عيد الزيتونة وهو عيد الشعانين: وتفسيره بالعربية التسبيح ويعملونه في سابع أحد من صومهم، وسنتهم فيه أن يخرجوا بسعف النخيل من الكنيسة، وهو يوم ركوب المسيح لليعفور "وهو الحمار" في القدس ودخوله صهيون1 وهو راكب والناس يسبحون بين يديه وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر2. ومن عاداتهم فيه تزيين الكنائس3. 3 ـ عيد الفصح: وهو العيد الكبير عندهم، ويعملونه في يوم الفطر من صومهم الأكبر ويزعمون أن المسيح عليه السلام قام فيه بعد الصلب4 بثلاثة أيام   1 صهيون بكسر أوله وإسكان ثانية اسم لبيت المقدس، وكذلك إيليا وشلم. انظر: معجم ما استعجم (3/844) . 2 انظر: الآثار الباقية للبيروني (308) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/425) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/357) . 3 الخطط للمقريزي (1/264) ، ونخبة الدهر في عجائب البر والبحر للأنصاري (280) . 4 القول بصلب المسيح عليه السلام، هو من جهلهم وكذبهم وهي دعوى باطلة، كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} سورة النساء، آية (157-158) . كما أن هذه الدعوى باطلة بالأدلة العقلية والنقلية من الأناجيل. انظر في ذلك: الفصل في الملل والنحل لابن حزم (1/46-50) ، وبين الإسلام والمسيحية لأبي عبيدة الخزرجي (158-178) ، والإعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (410،416) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وخلص آدم من الجحيم وأقام في الأرض أربعين يوماً آخرها الخميس ثم صعد إلى السماء1. وكان يوافق فصح اليهود قبل زمان قسطنطين2، ولما تنصر قسطنطين واجتمع الاساقفة حينئذٍ على وضع الأمانة وهي العقيدة التي يدين بها جميع فرق النصارى، اتفقوا أيضاً على مخالفة اليهود في الفصح فأخروه عنه وجعلوه يوم الأحد3. وقد عرف الفصح فيما بعد عند النصارى بالعشاء الرباني أو القربان المقدس، وهو من أهم أعمال الطقوس المسيحية. وأصل مشروعيته عندهم ما ورد في إنجيل متى: " وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ، وقال خذوا كلوا، هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً أشربوا منها كلكم؛ لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " 4.   1 انظر: الأجوبة الفاخرة للقرافي (404) ، والإعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (424) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/426) ، والخطط لملقريزي (1/264) ، ونخبة الدهر للأنصاري (280) . 2 هو: قسطنطين بن قسطنش بن ارشميوش بن قيون امبراطور الروم، وهو أول من ثبت دين النصرانية، وقد اجتمع بالبطاركة والاساقفة في مجمع نيقية سنة 325م من أجل ذلك. انظر: الخطط للمقريزي (1/266-267) ، والمسيحية د/ أحمد شلبي (147-148) . 3 انظر: مجموع الشرع الكنسي أو قوانين الكنيسة الجامعة جمع وترجمة الأرشمدريث حناينا الياسي كساب (115-119) . وهداية الحياري في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم (175) . 4 الإصحاح (26) ، الفقرة (27-29) ، وانظر: إنجيل يوحنا الإصحاح (6) ، الفقرة (51-58) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فيقيمون وليمة تذكارية في هذا العيد قوامها الخبز والخمر اللذان يرمزان إلى جسد ودم المسيح؛ وذلك إحياء لذكرى موته، كما أوصى بذلك حسب رواية بولس " اصنعوا هذا لذكري " 1. حيث يكون هذا طعاماً روحياً للمسيحيين تطبيقاً لاعتقادهم أن من أكل الخبز وشرب هذه الخمرة استحال الخبز إلى لحم المسيح والخمر إلى دمه، فيحدث الامتزاج بين الأكل وبين المسيح وتعاليمه 2. وفي ذلك يقول جورجيا هاركنس: " والعشاء الرباني هو من أقدس أسرار المسيحية ويشير إلى الخبز والخمر اللذانِ يستعملان في هذا السر إلى جسد المسيح ودمه الذي سفك على الصليب لفداء الإنسان، وهو فريضة مقدسة لامتحان النفس والتوبة أمام الله، وتكريس الحياة من جديد، والشكر لله على نعمته التي يعطيها للناس في المسيح"3. 4 ـ عيد خميس الأربعين: ويسميه الشاميون "السلاق" وهو الثاني والأربعون من الفطر، ويزعمون أن المسيح عليه السلام تسلق فيه من تلاميذه إلى السماء بعد القيام ووعدهم بإرسال الفارقليط، وهو روح القدس عندهم4.   1 رسالة بولس الأولى الإصحاح (11) ، الفقرة (24) . 2 النصرانية والإسلام لمحمد عزت الطهطاوي (65) . 3 بماذا يؤمن المسيحيون - لجورجيا هاركنس (80) . 4 انظر: الآثار الباقية للبيروني (308) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/426) ، والخطط للمقريزي (1/265) ، والأعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (424) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/257) ، ونخبة الدهر للأنصاري (280-281) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وأصل مشروعيته عندهم ما جاء في إنجيل يوحنا "وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم … "1. 5 ـ عيد الخميس: عيد العنصرة ويحتفلون به بعد خمسين يوماً من القيام، ويقولون أن روح القدس حلت في التلاميذ وتفرقت عليهم ألسنة الناس فتكلموا بجميع الألسنة، وذهب كل واحد منهم إلى بلاد لسانه الذي تكلم به يدعوهم إلى دين المسيح عليه السلام2. وقد جاء ما يدل على ذلك في سفر أعمال الرسل: " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت، كما من هبوب روح عاصفة وملأ كل البيت، حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأ يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا"3. وأصل مشروعيته عندهم ما جاء في إنجيل يوحنا "وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم … "4. 5 ـ عيد الخميس: وهو عيد العنصرة ويحتفلون به بعد خمسين يوماً من القيام، ويقولون أن روح القدس حلت في التلاميذ وتفرقت عليهم ألسنة الناس فتكلموا بجميع الألسنة، وذهب كل واحد منهم إلى بلاد لسانه الذي تكلم به يدعوهم إلى دين المسيح عليه السلام5. وقد جاء ما يدل على ذلك في سفر أعمال الرسل: " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت، كما من هبوب روح عاصفة وملأ كل البيت، حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأ يتكلمون بألسنة أخرى، كما أعطاهم الروح أن ينطقوا"6.   1 الإصحاح (14) ، الفقرة (26-27) . 2 انظر: تفسير الأناجيل المقدسة (2/314-315) ، وانظر: الآثار الباقية للبيروني (308) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/426) ، والخطط للمقريزي (1/265) ، والأعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (424) ، ونخبة الدهر للأنصاري (281) . 3 الإصحاح (2) ، الفقرة (1-4) . 4 الإصحاح (14) ، الفقرة (26-27) . 5 انظر: تفسير الأناجيل المقدسة (2/314-315) ، وانظر: الآثار الباقية للبيروني (308) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/426) ، والخطط للمقريزي (1/265) ، والأعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (424) ، ونخبة الدهر للأنصاري (281) . 6 الإصحاح (2) ، الفقرة (1-4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 6 ـ عيد الميلاد، والمعروف اليوم بالكرسمس: وهو اليوم الذي يقولون: إن المسيح عليه السلام ولد فيه ببيت لحم1 ويعملونه في التاسع والعشرين من كيهك من شهور القبط ويزعمون أنه ولد يوم الاثنين، فيجعلون عشية الأحد ليلة الميلاد، ويوقد فيها المصابيح بالكنائس ويزينونها2. وقد جاء ذكر ولادة عيسى عليه السلام في سفر إنجيل متى3، كما ورد النص أنه ولد عليه السلام في بيت لحم "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية"4. 7 ـ عيد الغطاس أو الظهور الإلهي5: والأصل فيه عندهم أن يحيى بن زكريا عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمد، عمد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء اتصل به روح القدس، فصار النصارى يغمسون أولادهم   1 بيت لحم بالحاء المهملة، وهي: قرية بالشام تلقاء بيت المقدس. انظر: معجم ما استعجم للبكري (1/289) . 2 انظر: الإحالة المتقدمة، ص (51) رقم (2) ، وتفسير الأناجيل المقدسة (2/279-28) . 3 الإصحاح (1) ، الفقرة (18-24) . 4 إنجيل متى، الإصحاح (2) ، الفقرة (1-3) ، وانظر: إنجيل لوقا الإصحاح (6) ، الفقرة (13) . وقد اختلف النصارى في تحديد مولده عليه السلام، فنصارى الغرب يحتفلون في 25 ديسمبر في فصل الشتاء ويدعون أنه ولد في هذا التاريخ، ونصارى الشرق يحتفلون في يناير في فصل الصيف من كل عام. انظر تفصيل ذلك في: النصرانية والإسلام للطهطاوي (236) . 5 تفسير الأناجيل المقدسة (2/296-297) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 في هذا اليوم، ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد، وليسمونه يوم الغطاس، ويكون في اليوم الحادي عشر من شهر طوبة1. والتعميد من أهم الشعائر والطقوس المسيحية، وقد ورد مشروعيته عندهم، كما في إنجيل مرقس "وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السموات، قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه2. فهذه هي الأعياد الكبار عند النصارى. أما الأعياد الصغار فهي على النحو التالي: 8 ـ عيد الختان: ويعملونه في سادس بؤنة من شهور القبط، ويقولون: إن المسيح عليه السلام ختن فيه، وهو اليوم الثامن من الميلاد3. وقد جاء ذكر ذلك في إنجيل لوقا " وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصَّبي " 4.   1 انظر: الآثار الباقية للبيروني (293) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/426) ، والخطط للمقريزي (1/265) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/258) . 2 الإصحاح (1) ، الفقرة (9-10) ، وانظر: الإصحاح (3) ، الفقرة (11) ، وسفر إنجيل يوحنا (1) ، الفقرة (18-34) . 3 انظر: تفسير الأناجيل المقدسة (2/290) ، وتاريخ اليعقوبي (1،74) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/427) ، والخطط للمقريزي (1/66) . 4 الإصحاح (1) ، الفقرة (59) ، والإصحاح (2) ، الفقرة (21) ، وقد وردت نصوص في معاقبة من يخالف ذلك بالقتل على من لا يختتن، كما جاء في سفر التكوين " أما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها؛ لأنه نكث عهدي "الإصحاح (17) ، الفقرة (14) . ومع ذلك نجد أن النصارى قد خالفوا تلك النصوص فتركوا الاختتان، حيث جعلوه سبباً مانعاً من الدخول في النصرانية، كما جاء ذلك في سفر الأعمال الإصحاح (15) ، الفقرة (19) ، وفي هذا دليل على تعارض الأناجيل وتحريفها وتبديلها. انظر: الأجوبة الفاخرة للقرافي (119-120) ، والأعلام بما في دين النصارى من الأوهام للقرطبي (420-422) ، والإسلام والنصرانية للطهطاوي (76-77) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 9ـ عيد دخول الهيكل: كما يسمى بعيد الأربعين وعيد الشمع وهو إتيان مريم هيكل القدس مع عيسى، وقد مضى على ميلاده أربعون يوماً1. ويقولون: إن سمعان الكاهن دخل بعيسى عليه السلام وأمه في الهيكل وبارك عليه، ويعمل في ثامن شهر أمشير من شهور القبط2. ويعللون سبب دخول الهيكل أن ذلك لإتمام شريعتي التطهير والفداء التطهير للأم والفداء للابن3. وقد جاءت الإشارة إلى دخول الهيكل كما في إنجيل لوقا: "ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب كما هو مكتوب"4.   1 تفسير الأناجيل المقدسة (2/303) ، وانظر: نخبة الدهر للأنصاري (281) . 2 انظر: الآثار الباقية للبيروني (294) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/427) ، والخطط للمقريزي (1/266) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/358) . 3 تفسير الأناجيل المقدسة (2/305) ، وانظر: السنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين (1/313) . 4 الإصحاح (2) ، الفقرة (22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 10 ـ عيد خميس العهد: ويعملونه قبل الفصح بثلاثة أيام وشأنهم فيه أن يأخذوا إناء ويملأونه ماء ويزمزموا عليه، ثم يغسل البطريرك به أرجل النصارى الحاضرين للتبرك ويزعمون أن المسيح عليه السلام فعل هذا بتلاميذه في هذا اليوم يعلمهم التواضع، ثم أخذ عليهم العهد ألا يتفرقوا وأن يتواضع بعضهم لبعض، والعامة من النصارى يسمونه خميس العدس؛ لأنهم يطبخون فيه العدس على ألوان شتى1. كما يعرف هذا العيد بيوم غسل أرجل الحواريين2. 11 ـ عيد سبت النور: وهو قبل الفصح بيوم، ويزعمون أن النور يظهر على مقبرة المسيح في هذا اليوم، فتشتعل منه مصابيح كنيسة القيامة3 التي ببيت المقدس، ثم يحملون ما يوقد من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به. وما ذلك إلا من التخييلات التي يفعلها القسيسون عن طريق الصناعة ليخدعوا بها ذوي العقول الناقصة، ويزعمون أن النار نزلت من السماء فأوقدت القناديل4.   1 انظر: نخبة الدهر للأنصاري (281) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/427) ، والخطط للمقريزي (1/266) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/358-359) . 2 الآثار الباقية للبيروني (309) . 3 كنيسة القيامة هي أعظم كنيسة للنصارى ببيت المقدس ولهم فيها مقبرة تسمى القيامة. انظر: معجم البلدان لياقوت (4/396) . 4 انظر: نخبة الدهر للأنصاري (281) ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/475) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/427-428) ، والخطط للمقريزي (1/266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 12 ـ عيد حد الحدود، ويسمى بالأحد الجديد: وهو بعد الفصح بثمانية أيام يعملونه أول أحد بعد الفطر ومن عادتهم فيه تجديد الآلات والأثاث واللباس، ومنه يأخذون في الاستعداد للمعاملات وأمور الدنيا والمعاش1. 13 ـ عيد التجلي: ويكون في الثالث عشر من شهر مسرى من شهور القبط حتى السابع والعشرين منه. ويزعمون فيه أن المسيح عليه السلام تجلى لتلاميذه بعد أن رفع في هذا اليوم، وتمنوا عليه أن يحضر لهم ايليا وموسى عليهما السلام، فأحضرهما لهم بمصلى بيت المقدس ثم صعد وتركهم2. والأصل فيه عندهم كما جاء في إنجيل مرقس: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا فأصعدهم إلى جبل عال على انفراد وتجلى قدامهم"3. 14 ـ عيد الصليب: ويكون في السابع عشر من توت من شهور القبط؛ وذلك أنه لما تنصر قسطنطين خرجت أمه هيلانة إلى الشام فبنت به الكنائس وسارت إلى بيت   1 المصادر السابقة. 2 انظر: تفسير الأناجيل المقدسة (2/332) ، والآثار الباقية للبيروني (310) ، ونحبه الدهر للأنصاري (281-282) وصبح الأعشى للقلقشندي (2/428) ، والخطط للمقريزي (1/266) . 3 الإصحاح (9) الفقرة (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 المقدس وطلبت الخشبة التي زعمت النصارى أن المسيح عليه السلام صلب عليها، فحملت إليها فغلفتها بالذهب وحملتها إلى ابنها، فعمل من المساير لجاما لفرسه وعمل صليباً من ذهب، ووضعه على جبهته واتخذ ذلك اليوم عيداً1. فهذا هو الأصل في عيد الصليب. وقد كان اتخاذه بعد المسيح والحواريين بأكثر من ثلاثمائة سنة2. وبالنظر إلى عقيدة النصارى نجد أن الصليب كان مقدساً لديهم قبل عملية الصلب - على زعمهم - حيث جاء في إنجيل لوقا على لسان عيسى عليه السلام: "إذا أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني"3. وفي معنى الصليب وتقديسه يقول جورجيا هاركنس: "الصليب هو الرمز المركزي للإيمان المسيحي، ولكن لماذا؟ إن موت يسوع بأيدٍ آثمة أساءوا فهمه وأبغضوا، حقيقة تاريخية، ويسمى التعليم المسيحي عن الصليب بعقيدة الكفارة.. ويجد المسيحيون في الصليب، أنموذج الحياة التي يجب أن يحيوها، كما يستمدون القوة منه لحياة أفضل4.   1 انظر: مواعظ الآحاد والأعياد للأب الياس كويتر المخلصي (3/1023) ، والآثار الباقية للبيروني (296) ، ومروج الذهب للمسعودي (1/329-331) ، ونخبة الدهر للأنصاري (282) ، وهداية الحياري لابن القيم (172-173) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/428-429) ، والخطط للمقريزي (1/266-267) . 2 الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح لابن تيمية (2/230) ، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (2/296) . 3 الإصحاح (9) ، الفقرة (3) . وانظر: إنجيل متى الإصحاح (16) ، الفقرة (24) . 4 بماذا يؤمن المسيحيون لجورجيا هاركنس (62-63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وعن يوم الصليب وعقيدة الكفارة التي يزعمها النصارى نتج إحداث أعياد بهذه المناسبة كأعياد الكرنفال1 التي تستمر ثلاثة أيام، وفيها تباح كل الأعراض والحرمات، وأيام الإباحية هذه تبدأ رسمياً من الساعة (11) من اليوم (11) من الشهر (11) من كل سنة مع تفاوت بسيط في مواعيدها بين مدينة وأخرى، وفي أثناء هذه المهرجانات بهذه المناسبة تتعرى النساء من كل شيء تقريباً، فيختلطن بالرجال فتحدث الدعارة الجماعية من ودون أن يعرف كل رجل ما اسم التي يرافقها، وكذلك العكس؛ لأن الجميع يحرص على ارتداء الأقنعة الخاصة بذلك. وللنصارى في هذا الاحتفال فلسفة خبيثة حقيرة، وهي أن من حق البشر أن يخطئوا؛ لأنهم إذا لم يخطئوا فسيرتفعون إلى مستوى الإلهية، وهذا غير معقول، وإن خطاياهم ستغتفر لهم حتماً؛ لأن المسيح قد دفع الثمن وصلب من أجلهم. وهم يرددون هذه الفلسفة في صحفهم ومجالسهم في كل مكان وزمان2. فهذا مثال لما يفعله النصارى في أعيادهم، حيث إن الاحتفال بالأعياد الأخرى على هذا النمط كفر والحاد، وانحلال أخلاق وفساد. وما تقدم هو أشهر أعياد النصارى وإن كان لهم أعياد ومواسم أخرى تتعلق بالتلاميذ والقديسين.   1 معناه: عيد الرفع، انظر: المورد الصغير لمنير البعلبكي (25) . 2 انظر: كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى (395) ، والكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائص التوحيد لخالد محمد الحاج (2/248-249) ، وانظر: بالنسبة لتحمل عيسى عليه السلام للخطيئة، كما في زعمهم: مواعظ الآحاد والأعيان للأب الياس كويتر المخلصي (3/1026-1031) ، والنصرانية والإسلام للطهطاوي (51-60) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وبالنظر إلى حقيقة هذه الأعياد نجد أن مبناها على الحوادث التي جرت لعيسى عليه السلام، حيث اتخذوا أيامها أعياداً وأفراحاً، ابتداء من البشارة وانتهاء بالصلب كما في زعمهم، وقوام هذه الاحتفالات الشرب واللهو والفسوق ويتجلى ذلك واضحاً في عيد الفصح والصليب، وهذا هو حال من استحوذ عليه الشيطان. وإليك نموذجاً فيه الأعياد النصرانية المتقدمة ووقت الاحتفال بها من كل شهر مقرونة بالشهور السريانية والقبطية: اسم العيد ... تاريخه بالشهور القبطية ... بالشهور السريانية الصليب ... 17 توت ... 14أيلول الميلاد ... 29 كهيك ... 15 كانون الأول أو 24 تشرين الثاني الغطاس ... 11 طوبة ... 7 كانون الثاني دخول الهيكل ... 8 أمشير ... 2 شباط الشعانين ... 24 برمهات ... 19 آذار البشارة ... 29 برمهات ... 24 آذار خميس العهد ... 18 برمودة ... 12 نيسان سبت النور ... 20 برمودة ... 14 نيسان الفصح ... 21 برمودة ... 15 نيسان الأحد الجديد ... 29 برمودة ... 22 نيسان خميس الأربعين ... 8 بشنس ... 2 آيار عيد الخميس ... 16 بشنس ... آيار الختان ... 6 بؤنة ... 1 حزيران التجلي ... 13 مسري ... 6 آب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الفصل الثالث أعياد المجوس1 وعاداتهم فيها للمجوس أعياد كثيرة جداً فلا يخلو شهر من شهورهم إلا ويحتفل فيه بعيد أو أكثر2. ومن أهم هذه الأعياد: 1 ـ عيد النيروز3: وهو أعظم أعيادهم وعيدهم الأكبر، ويقع في أول يوم من سنتهم4. ويقال أن أول من اتخذه جم شاد أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس، وأن الدين كان قد فسد قبله، فلما ملك جدده وأظهره فسمى اليوم الذي ملك فيه نوروز أي اليوم الجديد. ولهم في أسباب اتخاذه عيداً حكايات طويلة جلها مبني على الخيال، فبعضهم يزعم أن جم شاد ملك الأقاليم السبعة والجن والإنس، فاتخذ له عجلة وركبها، وكان يسير بها في الهواء، حيث شاء، فكان يوم ركوبها في أول يوم   1 وهم القائلون بإثبات أصلين اثنين قديمين مدبرين يقتسمان الخير والشر، والنفع والضر، والصلاح والفساد، يسمون أحدهما النور والآخر الظلمة. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (233) ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/299) . 2 انظر: الآثار الباقية للبيروني (215-230) ، وعجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني (51-54) . 3 النيروز: هو اليوم الجديد، انظر: اللسان (5/416) ، مادة نرز. 4 تاريخ اليعقوبي (1/174) ، وانظر: بلوغ الارب للألوسي (1/348) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 من شهر أفردوين ماه1، وكان مدة ملكه لا يريهم وجهه، فلما ركبها أبرز لهم وجهه وكان له حظ من الجمال فجعلوا رؤيتهم له عيداً وسموه نوروزا. ومن الفرس من يزعم أنه اليوم الذي خلق الله فيه النور، وأنه كان معظماً قبل جم شاد. وقيل غير ذلك من الحكايات التي يطول ذكرها. ومدة الاحتفال بهذا العيد عندهم ستة أيام من اليوم الأول من شهر أفرودين ماه إلى اليوم السادس منه، ويسمونه النوروز الكبير؛ وذلك لأن الأكاسرة يقضون في الأيام الخمسة حوائج الناس على اختلاف طبقاتهم، ثم ينتقلون إلى مجالس أنسهم مع طرفاء خواصهم في اليوم السادس. ومن عادتهم فيه أن يعد نوع من الطعام في طبق خاص بهذه المناسبة، ثم يوضع بين يدي الملك، ثم تدخل عليه الهدايا، ويكون أول من يدخل عليه بها وزيره، ثم صاحب الخراج، ثم صاحب المعونة، ثم الناس على طبقاتهم، ثم بعد ذلك يأكل من ذلك الطعام ويطعم من حضر. ثم يقول هذا يوم جديد، من شهر جديد، من عام جديد، يحتاج إلى أن يجدد فيه ما أخلق من الزمان، وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على سائر الأعضاء، ثم يخلع على وجوه دولته، ويصلهم، ويفرق عليهم ما وصل إليه من الهدايا.   1 أفرودين ماه هو الشهر الأول من أشهر الفرس، وهي أفرودين ماه، أرديبهشت ماه، خرداذماه، تيرماه، مراداذ ماه، أرديبهشت ماه، أبان ماه، أذار ماه، دينماه، بهمن ماه، استفندار مذ ماه. انظر: مروج الذهب للمسعودي (2/217) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أما بالنسبة لعوام الفرس فكانت عادتهم فيه إيقاد النار في ليلته ورش الماء في صبيحته، ويزعمون أن إيقاد النار فيه لتحليل العفونات التي أبقاها الشتاء في الهواء. وأن رش الماء إنما هو بمنزلة الشهرة لتطهير الأبدان مما انضاف إليها من دخان النار الموقد في ليلته. وقيل إنما فعلوا ذلك تنويهاً بذكره وإشهاراً لأمره، وقيل غير ذلك من الحكايات التي لا فائدة من ذكرها ومعرفتها1. ومن معتقداتهم في هذا اليوم أن من ذاق في صبيحته قبل الكلام السكر وتدهن بالزيت رفع عنه البلاء في عامة سنته، كما أنهم يتفاءلون به أيضاً2. 2 ـ عيد المهرجان: وهو في اليوم السادس عشر من مهرماه من شهور الفرس وبينه وبين النيروز مائة وسبعة وستون يوماً، ويكون في وسط الخريف ومدته ستة أيام، ويسمى السادس منه المهرجان الأكبر3. وقد اختلف في سبب تسميته بذلك: فقيل: لأن اسمه موافق لاسم الشهر وتفسيره محبة الروح. وقيل: أن مهر اسم الشمس وأنها ظهرت للعالم في هذا اليوم فسمى بها.   1 انظر: الآثار الباقية للبيروني (215-218) ، ونخبة الدهر للأنصاري (277-278) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/418-419) ، والخطط للمقريزي (1/268) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/348-349) . 2 عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقيزويني (52) . 3 انظر: تاريخ اليعقوبي (1/175) ، ونخبة الدهر لأنصاري (379) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/420-421) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ويدل على ذلك أن من عادات الأكاسرة في هذا اليوم التتويج بالتاج الذي على صورة الشمس وعجلتها الدائرة عليها1. وقيل: إنه ظهر في عهد أفريدون الملك ومعنى هذا الاسم إدراك الثأر؛ وذلك أن أفريدون أخذ بثأر جده، جم شاد من الضحاك فقتله وأعاد المجوسية إلى ما كانت عليه فأتخذ الفرس يوم قتله عيداً، وسموه مهرجان، والمهر الوفاء، وجان سلطان، وكان معناه سلطان الوفاء، وقيل غير ذلك2. ومن عادة الفرس في المهرجان، أن يدهن ملكهم بدهن ألبان تبركاً، وكذلك العوام وأن يلبس القصب والوشي3 ويتوج عليه صورة الشمس وحجلتها الدائرة عليها، ويكون أول ما يدخل عليه المؤبذان4 بطبق فيه أترجة وقطعة سكر، ونبق، وسفرجل وعناب وتفاح وعنقود عنب أبيض، وسبع طاقات أس قد زمزم عليها، ثم بعد ذلك يدخل الناس على طبقاتهم بمثل ذلك5. ومن عقائدهم أن من أكل في يوم المهرجان شيئاً من الرمان وشم ماء الورد دفع عنه آفات كثيرة6.   1 الآثار الباقية للبيروني (222) ، وعجائب المخلوقات للقزويني (53) . 2 انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (2/421) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/351-354) . 3 الوشيء: نوع من الثياب يتكون من عدة ألوان. انظر: اللسان (15/392) ، والقاموس المحيط (170) . 4 المؤبذان: بضم الميم وفتح الباء - فقيه الفرس وحاكم المجوس. انظر: القاموس المحيط (433) . 5 ضبح الأعشى للقلقشندي (2/421-422) ، وانظر: بلوغ الأرب للألوسي (2/355) . 6الآثار الباقية للبيروني (223) ، وعجائب المخلوقات للقزويني (53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 3 ـ عيد السذق1: ويسمى عندهم أبان روز، ويكون في ليلة الحادي عشر من شهر بهمن من شهور الفرس وسنتهم فيه إيقاد النيران بسائر الأدهان والولوع بها حتى أنهم يلقون فيها الحيوانات وسائر الحبوب. ويقال أن سبب اتخاذهم لهذا العيد: أن الأب الأول عندهم كيومرت لما كمل له من الولد مائة زوج الذكور بالإناث وصنع لهم عرساً أكثر فيه من النيران، ووافق ذلك الليلة المذكورة فاستنت ذلك الفرس بعده. وقيل في سبب اتخاذه غير ذلك2. قلت: وما يفعلونه من إيقاد النيران في هذا اليوم ما هو إلا تعبير لما يعتقدونه من تقديس للنار؛ لأنها مصدر النور كما في زعمهم. 4 ـ عيد الشركان: ويسمى أيضاً بعيد التيركان، ويكون في الثالث عشر من شهر تيرماه، من شهور الفرس، وهو المبني على الأسطورة التي يزعمون فيها، أنه لما وقعت المصالحة بين منوجهر وقراسياب التركي من المملكة على رمية سهم فأخذ السهم رجل يقال له أيس، وكان مؤيداً في الرمي وجعله في قوسه فرمى به، فأمتد السهم من جبال طبرستان إلى أعالى طخارستان3.   1 السذق: ليلة الوقود. انظر: اللسان (10/155) ، والقاموس المحيط (11153) . 2 انظر: عجائب المخلوقات للقيزويني (54) ، ونخبة الدهر للأنصاري (279) ، وصبح الأعشى للقلقشندي (2/422) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/355-356) . 3 انظر: صبح الأعشى للقلشندي (2/423) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/356) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ويقال إن من موضع الرمية إلى موقع السهم ألف فرسخ فاصطلحا على تلك الرمية، وكانت في هذا اليوم فأتخذه الناس عيداً1. 5 ـ أيام الفرودجان: وهي خمسة أيام أولها السادس والعشرون من شهر أبان ماه من شهور الفرس. ومعناه عندهم: تربية الروح؛ لأنهم كانوا يصنعون في هذه الأيام أطعمة وأشربة لأرواح موتاهم ويزعمون أنها تأتي وتتغذى بها2. كما يزعمون أن أرواح الأبرار تلم بالأهل والولد والأقارب وتباشر أمورهم وإن كانوا لا يرونها ومن سنتهم فيها تدخين بيوتهم بالراش3. لتستلذ أرواح الموتى برائحته4. 6 ـ عيد النساء: ويسمى بالفارسية "مزدكيران" ويكون في اليوم الخامس من شهر أستفندارمذ، وهو عيد خاص بالنساء يجود فيه الرجال عليهن بالهدايا والاحترام5. فهذه أشهر أعياد المجوس، وبالنظر إلى سبب الاحتفال بها نجد أنها مرتبطة بانتصار ملك من ملوكهم أو حصول منفعة لهم في هذا اليوم أو دفع ضرر عنهم، كما أنهم يتفاوتون في كيفية الاحتفال بها على حسب طبقاتهم.   1 الآثار الباقية للبيروني (220-221) . 2 انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (2/423) ، وبلوغ الارب للألوسي (1/356) . 3 الراش: هو القنس، وهو نبات طيب الرائحة ينفع من جميع الآلام. انظر: القاموس المحيط (732) . 4 الآثار الباقية للبيروني (225) ، وعجائب المخلوقات للقزويني (53) . 5 الآثار الباقية للبيروني (229) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ومن عادتهم إقامة الأسواق فيها، وهي تختلف باختلاف البلاد؛ فلذلك لا يمكن ضبطها ولا حصرها، ويكون قوام اجتماعهم فيها على اللهو والشرب. ومع كثرة أعياد المجوس نجد أيضاً أن لهم في أيام السنة كلها أياماً مختارة، وأياماً منحوسة مكروهة، وأياماً أخرى في كل شهر فيها عيد لطبقة دون طبقة1.   1 المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 الفصل الرابع: أعياد العرب في الجاهلية وعاداتهم فيها المبحث الأول: الدين السائد عند العرب في الجاهلية ... المبحث الأول الدين السائد عند العرب في الجاهلية لم يكن هناك دين أو معتقد يجتمع عليه العرب في الجاهلية، بل كانوا قبائل وشيعاً متفرقين وفرقاً مختلفين 1. وكانت أديانهم مختلفة بالمجاورة لأهل الملل أو الانتقال إلى البلدان والأمصار2. قال ابن قتيبة 3 عن أديان العرب: إن النصرانية كانت في ربيعة وغسان وبعض قضاعة، وكانت اليهودية في حمير وبني الحارث بن كعب وكنده، وكانت المجوسية في تميم، وكانت الزندقة4 في قريش5. والمقصود أن العرب لم يكونوا متفقي المذهب ولا متحدي المسلك والمشرب، ولا شك أن الأعياد من الديانات، كما جاء في تفسير. قاله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} 6.   1 بلوغ الأرب للألوسي (1/344) ، 2 تاريخ اليعقوبي (1/354) . 3 هو: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة صاحب التصانيف، ولد 213هـ، وكانت وفاته 276هـ. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (13/296) ، وشذرات الذهب لابن العماد (2/169) . 4 الزنديق: بالكسر من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة والربوبية، وقيل من يبطن الكفر، ويظهر الإيمان. انظر: القاموس المحيط (1151) . 5 المعارف لابن قتيبة (266) . 6 سورة الحج، آية (67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فالمراد بالمنسك العيد1، فالعرب لم يكونوا يومئذ متفقين في الأعياد، كما لم يتفقوا في الدين والاعتقاد2. ولكن كانت عبادة الأصنام هي السائدة بينهم، حيث كانت منتشرة انتشاراً واسعاً في القبائل العربية وبخاصة قبل الإسلام. فكان أول من غير دين إسماعيل عليه السلام عمرو بن لحي بن حارثة بن عمر الأزدي أبو خزاعة، فنصب الأوثان وسيب السائبة3، ووصل الوصيلة4، وبحر البحيرة5، وحمى الحامي6. وكما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب "7.   1 تفسير البغوي (3/357) . 2 بلوغ الأرب للألوسي (1/356) . 3هي الناقة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن بريء من مرض أو قدم من سفر، فلا تمنع من ماء ولا مرعى ولا تحلب، ولا تركب. انظر: النهاية لابن الأثير (2/431) . وجاء في صحيح البخاري عن سعيد بن المسيب أنه قال: السائبة التي يسيبونها لآلتهم فلا يحمل عليها شيء (2/269) . 4 وهي الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن، ومن الشاء التي وصلت سبعة أبطن أثنين أثنين، وولدت السابعة ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء وتجرى مجرى السائبة. انظر: النهاية لابن الأثير (5/192) ، والقاموس المحيط (1380) . 5 هي الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف، وتهمل لآلهتهم. انظر: النهاية لابن الأثير (1/100) . 6 هو: الفحل من الإبل يضرب الضراب المعدودة قبل عشرة أبطن فإذا بلغ ذلك قالوا حام، أي حمى ظهره، فيترك ولا يركب ولا ينتفع منه بشيء ولا يمنع من ماء ولا مرعى. انظر: لسان العرب (14/202) مادة "حمى" والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني (132) . 7 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب المناقب، قصة خزاعة (6/547) ، حديث (3521) ، وصحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (4/2192) ، حديث (2856) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وجاء عنه أيضاً قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لأكثم1 بن الجون الخزاعي: "يا أكثم: رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندق يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به، ولا بك منه، فقال أكثم: أتخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: لا. انك مؤمن وهو كافر، إنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة، وحمى الحامي" 2. وذلك أن الحارث هو الذي كان يلي أمر الكعبة، فلما بلغ عمرو بن لحى نازعه في الولاية وقاتل جرها ببني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة ونفاهم من بلاد مكة، وتولى حجابة البيت. ثم انه مرض مرضاً شديداً فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة3 إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها، فبرأ ووجد أهلها يعبدون الأصنام. فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقى بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة4. وبذلك انتشرت عبادة الأصنام في القبائل العربية حتى عمت الجميع.   1 هو: أكثم بن الجون، أو ابن أبي الجون. واسمه عبد العزي بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن خبيس بن حزام الخزاعي. انظر: الإصابة لابن حجر (1/61) ، ترجمة (240) . 2 رواه ابن إسحاق كما في السيرة لابن هشام (1/76) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الأهوال (4/605) ، وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. 3 الحمة عين ماء حار يستشفي بها المرضى. انظر: النهاية (1/445) ، ولسان العرب (12/154) . 4 الأصنام لابن الكلبي (1/445) ، والسيرة لابن هشام (1/77) ، وانظر: أخبار مكة للأزرقي (1/100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وذكر ابن الكلبي1 أنه كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه فإذا أراد أحدهم السفر، كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل أن يتمسح به أيضاً2. وكان من ضمن هذه الأصنام ما حكاه الله تعالى عن قوم نوح وعبادتهم للأصنام كما في قوله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً} 3. فكانت هذه الأصنام موجودة لدى العرب. فكان ود: لكلب بن دبره من قضاعة واتخذه بدومة الجندل. وكان سواع: لهذيل، وكان موضعه برهاط4 من أرض ينبع. وكان يغوث: لأنعم من طي، وكان بأكمة يقال لها مذحج5. تعبده مذحج ومن والاها. وكان يعوق: لهمدان وخولان ومن والاها من قبائل، وكان في موضع خيوان6.   1 هو: محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النظر الكوفي، النسابة المفسر الأخباري متهم بالكذب ورمي بالرفض، وكانت وفاته 146هـ. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي (3/556) ، وتقريب التهذيب لابن حجر (479) . 2 الأصنام لابن الكلبي (32) ، والسيرة لابن هشام (1/83) . 3 سورة نوح الآيات رقم (21-24) . 4 رهاط، بضم أوله وآخره طاء مهملة: موضع على ثلاث ليال من مكة. انظر: معجم البلدان لياقوت (3/107-108) . 5 مذحج، بفتح أوله وسكون ثانيه وكسر الحاء المهملة: قرية باليمن. انظر: معجم البلدان لياقوت (5/89) . 6 خيوان بفتح أوله وتسكين ثانيه وآخره نون: قرية باليمن. انظر: معجم البلدان لياقوت (2/445) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وكان نسر: لذوي الكلاع من حمير، اتخذوه في موضع بلخع من أرض سبأ. فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بهدمها1. وكما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، في تفسير الآية. قال: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف من سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع. أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت"2. فكانوا يعظمون تلك الأصنام فينحرون ويذبحون عندها ويتقربون إليها وهم على ذلك عارفون بفضل الكعبة عليها ويحجونها ويعتمرون إليها، وكانوا يطوفون على تلك الأصنام، ويسمى طوافهم "بالدوار" كما كانت تسمى تلك الذبائح والقرابين بالعتائر34. فنظراً لاختلاف العرب وتفرقهم كان الاتصال بينهم صعباً فصارت أعيادهم كثيرة غير متفقة في زمان أو مكان ذات صفة محلية، وهي مرتبطة عادة بالأصنام في الغالب وبالمواسم التجارية التي تتجلى في انعقاد الأسواق5.   1 الأصنام لابن الكلبي (55-57) ، وانظر: السيرة لابن هشام (1/78-81) ، وتاريخ اليعقوبي (1/255) ، وتفسير ابن كثير (4/426) ، وتفسير البغوي (4/399) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب التفسير (8/667) ، حديث (4920) . 3 العتائر جمع عتيره، والعتيرة هي شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم، وقيل هي الذبيحة التي يذبح للأصنام، النهاية لابن الأثير (3/178) ، وانظر: لسان العرب (4/537) ، مادة (عتر) . 4 انظر: الأصنام لابن الكلبي (33-34) . 5 المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على (8/100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 والأعياد من جملة مظاهر الأديان وشعائرها، وقد كانت للجاهلية أعياد لها صلة بأديانهم، ولكن لا توجد أعياد عامة لجميع الجاهليين عبدة الأصنام. لأن الأعياد العامة تستدعي وجود ديانة واحدة، أو أعياد إله واحد، أو آلهة مشتركة يعبدها جميع القوم، وإذا كانت العرب لا تعبد إلهاً واحداً، أو آلهة مشتركة يقدسها أهل الوبر وأهل المدر جميعاً، فلا يمكن أن يتصور وجود أعياد عامة لجميع العرب في عهود ما قبل الإسلام1. ولعدم وجود دين واحد لهم يجمع شملهم، والدين من أهمّ العوامل المساعدة لظهور الأعياد وجمع أصحابها للاحتفال بها؛ لذلك فأعياد الجاهليين أعياد موضعية كل قبيلة أو مدينة أو مملكة عيد، ولا تفعل ذلك القبائل الأخرى لوجود عيد آخر عندهم أو لعدم معرفتهم بذلك. بخلاف أعياد الأمم الأخرى كاليهود والنصارى فأمرها أمر آخر؛ لأن اليهودية والنصرانية قد حددتا تاريخاً ثابتاً للأعياد فيها، فصارت معروفة عند اتباع الديانتين يحتفلون بها في الأجل الموقت2. بناءً على ما تقدم فلعباد الأصنام من العرب في الجاهلية أعياد كثيرة منها مكانية ومنها زمانية.   1 انظر: المصدر السابق (6/397) . 2 انظر: المصدر السابق (5/100-101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 المبحث الثاني: الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية أعياد العرب المكانية في الجاهلية كثيرة جداً، وهي تكمن في مواضع أصنامهم وأوثانهم وأمكنة طواغيتهم وسأقتصر على ما كان مشهوراً بالتعظيم كمثال للأعياد المكانية. فكانت الطواغيت الكبار التي تشد إليها الرحال وتتخذ عيداً ثلاثة " اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى " وقد ذكرها سبحانه وتعالى في كتابه. فقال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} 1. وكل واحدة من هذه الثلاثة لمصر من أمصار العرب، والأمصار التي كانت من ناحية الحرم ومواقيت الحج ثلاثة: مكة والمدينة والطائف. فكانت اللات لأهل الطائف: ذكروا أنه كان في الأصل رجلاً صالحاً يلت السويق للحجيج، فلما مات عكفوا على قبره مدة، ثم اتخذوا تمثاله، ثم بنوا عليه بنية سموها بنية الربة2. وقيل كانت اللات: صخرة منقوشة، وهي أحدث من مناة، وكان سدنتها من ثقيف بنو عتاب بن مالك، وكانوا قد بنوا عليها بناءً، وكانت   1 سورة النجم، آية، (19-22) . 2 اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/653) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قريش وجميع العرب تعظمها، وبها كانت العرب تسمى زيد اللات وتيم اللات، وفيها يقول الشاعر: فإني وتركي وصل كأس كالذي ... تبرأ من لات، وكان يدينها فلم تزل كذلك حتى أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة فهدمها وحرقها 1، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة لما افتتحت الطائف2. أما العزى: فكانت لأهل مكة قريباً من عرفات، وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون. وهي أحدث من اللات ومناة، وكانت أعظم الأصنام عند قريش، وقد حمت لها شعباً من وادي حراض3، يقال له سقام يضاهون به حرم الكعبة. ولها منحر ينحر فيه هداياها، يقال له الغبغب4، فكانوا يقسمون لحوم هداياهم فيمن حضرها وكان عندها. وكان سدنتها بنو شيبان بن جابر بن مرة حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه عقب فتح مكة فأزالها، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم مالها وخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها فيئست العزى أن تعبد5.   1 الأصنام لابن الكلبي (16-17) ، وانظر: تفسير ابن كثير (4/253) ، والسيرة النبوية لابن هشام (1/85) . 2 السيرة النبوية لابن كثير (4/61) . 3 وهو وادٍ قرب مكة، انظر: معجم ما استعجم للبكري (2/433) . 4 انظر: معجم البلدان لياقوت (4/185) . 5 الأصنام لابن الكلبي (17-20) ، والسيرة لابن هشام (1/83-84) ، والبداية والنهاية لابن كثير (4/314-315) ، وتفسير القرطبي (17-99-100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أما مناة: فكانت لأهل المدينة يهلون لها شركاً بالله تعالى، وكانت حذو قديد الجبل الذي بين مكة والمدينة من ناحية الساحل1، وهي أقدم من اللات والعزى، وكانت العرب جميعاً تعظمه وتذبح حوله، ولم يكن أحد أشد إعظاماً له من الأوس والخزرج. فلم يزل على ذلك حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه عام الفتح فهدمها وأخذ ما كان لها. وقيل: إن الذي هدمها أبو سفيان بن حرب2. وكانت للعرب مواسم من السنة مخصوصة للاجتماع في هذه الأماكن الثلاثة، تقصدها من كل فج وتعظمها كتعظيم الكعبة مع اعترافهم بفضل الكعبة عليها لعلمهم أنها بيت إبراهيم الخليل عليه السلام ومسجده3. ولم تكن قريش بمكة ومن أقام بها من العرب يعظمون شيئاً من الأصنام إعظامهم العزى، ثم اللات، ثم مناة4. قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ} 5. وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز، وإنما أفرد هذه بالذكر؛ لأنها أشهر من غيرها6.   1 أخبار مكة للأزرقي (1/125) ، ومعجم البلدان لياقوت (5/204-205) . 2 الأصنام لابن الكلبي (13،15) ، والسيرة لابن هشام (1/85) ، وتفسير ابن كثير (4/354) . 3 بلوغ الأرب للألوسي (1/346) . 4 الأصنام لابن الكلبي (27) . 5 سورة النجم، آية (19-20) . 6 تفسير ابن كثير (4/353) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 قلت: ومن تلك الأصنام ذو الخلصة، وهو بيت باليمن لخثعم وبجيله فيه نصب يعبدونها ولهم فيه من السنة موسم عيد1 وسدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعث إليه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه فهدمه2. روى ذلك البخاري في صحيحه بسنده عن جرير بن عبد الله قال: "كان في الجاهلية بيت يقال له ذو الخلصة، وكان يقال له الكعبة اليمانية أو الكعبة الشامية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أنت مريحي من ذي الخلصة؟ قال فنفرت إليه في خمس ومائة فرس من أحمس قال: فكسرناه، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه فدعا لنا ولأحمس"3. وهذا غير ذي الخلصة الذي نصبه عمرو بن لحي أسفل مكة، والذي كانوا يلبسونه القلائد ويهدون إليه الشعير والحنطة ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده 4. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الأصنام ستعبد من دون الله في آخر الزمان وجعل ذلك من علامات الساعة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" 5.   1 معجم البلدان لياقوت (2/383) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/346) . 2 الأصنام لابن الكلبي (34-36) ، والسيرة لابن هشام (1/86) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي (7/131) ، حديث (3823) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" 1. ولم تكن الأعياد المكانية عند العرب في الجاهلية مقتصرة على الأصنام، بل كان الحج إلى مكة من أهم مواسمهم وأعيادهم، حيث يجتمع فيه الناس من مختلف القبائل ومختلف الأماكن للتقرب إلى الأصنام وللتلاقي في ظروف أمن وسلام لا يحل فيها قتال ولا اعتداء ولا لغو ولا فحش، ويقوم أهل مكة بخدمة الوافدين والضيوف وتمر أيام خالية من غدر واعتداء وقتل وأخذ بثأر، يلبس فيها الناس خير ما عندهم من لباس ويتحلون بأحسن صورة فإذا انتهت الأيام عادوا إلى ديارهم2 وهم بذلك يدخلون السرور والفرح على أنفسهم وأنفس آلهتهم بحسب اعتقادهم، وتقترن هذه الاحتفالات بذبح القرابين كل يذبح على قدر طاقته ومكانته، فيأكل منها في ذلك اليوم من لم يتمكن من الحصول على اللحم في أثناء السنة لفقره وحاجته فهي أيام يجد فيها الفقراء لذة ومتعة وعبادة3، فهذه مظاهر الاحتفال بالأعياد المكانية عند العرب.   1 صحيح مسلم، كتاب الفتن باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة (4/2230) . 2 انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد على (5/101) . 3 المصدر السابق (6/351) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 المبحث الثالث: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية تتمثل أعياد العرب الزمانية في أيام أفراحهم ومسراتهم لظفرهم على عدوهم ونصرتهم على خصومهم ومحاربيهم؛ وذلك إنما يكون بحسب قوم دون قوم ولقبيلة دون قبيلة فيتفق في يوم هو عيد لقوم وسرور ولآخرين حزن وبؤس1. وبما أن العرب ليس لهم دين واحد يجتمعون عليه، فكذلك نجد أعيادهم مختلفة متباينة، نظراً لاختلاف معتقداتهم، وكما تقدم من أن العرب في الجاهلية كانت تدين بأديان شتى، كانت فيهم اليهودية والنصرانية والمجوسية، كما كانت فيهم الزندقة والوثنية. وقد تأثرت هذه القبائل بمعتقدات الديانات التي تميل إليها، وكان ذلك واضحاً في بعض معتقداتهم مما جعل البعض يحتفل بأعياد تلك الديانة. فقد كان لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما هذان اليومان" قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى، ويوم الفطر" 2.   1 بلوغ الأرب للألوسي (1/347) . 2 سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب الصلاة العيدين (1/295) ، حديث (1134) ، وسنن النسائي، كتاب صلاة العيدين (3/179-180) ، حديث (1556) = والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين (3/277) ، ومسند الإمام أحمد (3/103) ، المستدرك للحاكم، كتاب صلاة العيدين (1/294) ، وقال حديث صحيح، ووافقه الذهبي. وشرح السنة للبغوي، باب العيدين (4/292) ، وقال: هذا حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وقد ذكر بعض شراح الحديث أن اليومين هما النيروز والمهرجان1. والنيروز والمهرجان هما عيدان من أعياد المجوس، كما تقدم بيانه2. فلعل العرب أخذوا ذلك عنهم. ومن أعياد العرب أيضاً: "يوم السبع" وهو عيد من أعياد قبائل العرب يشتغلون فيه باللهو واللعب3. ومنها: احتفالهم بيوم السباسب، وهو يعرف بالشعانين، وهو أحد أعياد النصارى4. وقد جاء ذكر ذلك في بيت للنابغة5: رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب6 ومنها احتفالهم بعيد الفصح، حيث كانوا يوقدون المشاعل ويعمرون القناديل ويضيئون الكنائس ويقصدونها للاحتفال وإقامة العيد فيها7.   1 انظر: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد للساعاتي (6/119) ، وعون المعبود 3/485) . 2 راجع: أعياد المجوس (61) ، من هذا البحث. 3 معجم ما استعجم للبكري (3/719) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/348) ، والقاموس المحيط (938) . 4 لسان العرب (1/460) ، وبلوغ الأرب (1/348) . وانظر: من هذا البحث أعياد النصارى (47) . 5 هو: زيادة بن معاوية بن ضباب بن جابر الذبياني الغطفاني المضري، أبو أمامة شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، وكان من أحسن شعراء العرب ديباجة، توفي نحو 18 ق هـ. انظر ترجمته: الشعر والشعراء لابن قتيبة (61-65) ، وطبقات الشعراء لمحمد بن سلام (25) ، والأعلام للزركلي (3/54-55) . 6 ديوان النابغة (12) . 7 المفضل في تاريخ العرب، لجواد علي (6/660) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 كما كان بعض العرب في الجاهلية يعمدون أولادهم ويأخذونهم إلى الكنائس على نحو ما يفعله سائر النصارى ويحتفلون بذلك1. وقد ذكر القزويني 2 أن اليوم الأول من محرم معظم عند ملوك العرب يقعدون فيه للهناء، كما أن اليوم الأول من سنة الفرس كان عندهم معظماً، وهو يوم النيروز3. قلت: وهذا اليوم يماثل عيد رأس السنة عند اليهود أيضاً. فمما تقدم يتضح أن العرب، قد أخذوا بعض العادات في الأفراح والاحتفالات من أهل الديانات الأخرى؛ وذلك لانتساب بعض القبائل إلى ملة من هذه الملل، أو بسبب المجاورة والانتقال إلى البلدان الأخرى. ولم يقتصر العرب على ذلك، بل كانت لهم مواسم معينة يحتفلون بها ويجتمعون فيها وتتجلى هذه المواسم في الأسواق التي كانوا يقيمونها خلال شهور السنة، وينتقلون من بعضها إلى بعض يحضرها سائر العرب، بما عندهم من المآثر والمفآخر يأمنون فيها على دمائهم وأموالهم. وقد كان للعرب أسواق كثيرة4:   1 انظر: لسان العرب (8/438) ، مادة "صبغ". 2 هو: زكريا بن محمد بن محمود القزويني، من سلالة أنس بن مالك الأنصاري مؤرخ جغرافي من القضاة، ولد بقزوين سنة 605 هـ، وكانت وفاته سنة 682هـ. انظر ترجمته: كشف الظنون (1/9) والأعلام للزركلي (3/46) . 3 عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني (44) . 4 انظر: تاريخ اليعقوبي (1/270) ، والآثار الباقية للبيروني (328) ، والأزمنة والأمكنة للمرزوقي (2/161-166) ، ونهاية الأرب للنويري (464) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/264-247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 منها دومة الجندل 1: وكانوا ينزلونها أول يوم من ربيع الأول يجتمعون في أسواقها للبيع والشراء، والأخذ والعطاء والتبادل. وكان أكيدر صاحب دومة الجندل يرعى الناس ويقوم بأمرهم أول يوم فيه ويستمر سوقهم إلى نصف الشهر، وربما غلب على السوق بنو كلب فيتولى أمرهم يومئذٍ بعض رؤساء بني كلب، فتقوم سوقهم إلى آخر الشهر2. ومنها المشقر3: ويرتحلون إليه من دومة الجندل، ويقوم سوقها أول يوم من جمادي الآخرة إلى آخر الشهر، ويرد إلى هذا السوق تجار فارس ببضائعهم يقطعون البحر ليتاجروا مع من يقصد هذا السوق من العرب، وكان من أنواع بيعهم في هذا السوق الملامسة4 والإيماء5 والهمهمة6 ويقوم بهذا السوق رؤساء بني تميم من بني عبد الله بن زيد رهط المنذر بن ساوي، وكانوا يتلقبون بألقاب الملك، ويسيرون في معاملتهم في السوق، سيرة الملوك بدومة جندل، حيث يأخذون العشر7.   1 بضم أوله وفتحه حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبل طيء. انظر: معجم البلدان لياقوت (2/487) ، وهي تقع في شمال المملكة في مدينة الجوف. 2 الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (2/161-162) ، وتاريخ اليعقوبي (1/270) ، وبلوغ الأرب (1/264-265) . 3 بضم أوله وفتح ثانيه وقافه مفتوحة مشددة وراء مهملة: قصر بالبحرين، وقيل مدينة هجر. انظر: معجم ما استعجم للبكرى (4/1232) ، ومعجم البلدان لياقوت (5/134-135) . 4 الملامسة والمماسة، هو: أن يقول إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي فقد وجب بكذا. انظر: القاموس (740) . 5 والإيماء: الإشارة. انظر: اللسان العرب (1/2101) . 6 الكلام الخفي. انظر: القاموس المحيط (1512) . 7 الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (2/162-163) ، وتاريخ اليعقوبي (1/270) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/265-266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 قلت: وهذا الفعل في البيع من عادات الفرس والمجوس ولعل العرب تأثروا بسبب تلك المخالطة. ومنها سوق السحر1: وتقوم في النصف من شعبان ويقصدها التجار من البر والبحر، ولم تكن فيها عشور؛ لأنها ليست بأرض مملكة2. ومنها عكاظ3: وهي أشهر أسواق العرب في الجاهلية وأعرقها، ولم تكن مقتصرة على البيع والشراء بل كانت سوق تجارة وسوق سياسة وأدب فيها يخطب كل خطيب مصقع، وفيها علقت القصائد السبع المشهورة افتخاراً بفصاحتها على من يحضر المواسم من شعراء القبائل. وكان يأتيها قريش وهوازن وسليم وعقيل والمصطلق وطوائف من العرب، فمن كان له أسير سعى في فدائه، ومن له حكومة أرتفع إلى من له الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم، وكان آخر من قام بها الأقرع ابن حابس، وكانت تقام فيها أشياء لم تكن في أسواق العرب الأخرى، وهي تقام للنصف من ذي القعدة إلى آخر الشهر4.   1 بكسر أوله وسكون ثانيه، بعده راء مهملة صقع على ساحل بحر الهند من ناحية اليمن، وهو بين عدن وعمان. انظر: معجم ما استعجم للبكري (3/783) ، ومعجم البلدان لياقوت (3/327) . 2 الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (2/163-164) ، وتاريخ اليعقوبي (1/270) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/266) . 3 بضم أوله وفتح ثانيه وبالظاء المعجمة صحراء مستوية لا علم فيها، ولا جبل وهي: من عمل الطائف وعلى بريد منها، وقيل عكاظ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة. انظر: معجم ما استعجم للبكري (3/959) ، ومعجم البلدان (4/142) . وقيل: سميت بعكاظ لتعاكظ القوم أي تفاخرهم فيها. انظر: لسان العرب (7/447-448) ، مادة "عكظ". 4 انظر: الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (1/165) ، والآثار الباقية للبيروني (328) ، وتاريخ اليعقوبي (1/270) ، وصبح الأعشى للققشندي (1/411) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وقد كان موضع عكاظ في الأصل مكاناً مقدساً، كما جاء ذلك عن أهل الأخبار فقد ذكروا أن العرب كانت تطوف بصخور هناك ويحجون إليها وينحرون إلى تلك الأصنام والأنصاب حتى تلطخت تلك الأصنام والأرض التي تحيط بها بدماء البدن 1. من هنا يتضح أن سبب تعظيم هذا الموضع لما له من مكانة دينية في نفوس العرب لوجود هذه الأصنام فيه. وبالتتبع لأماكن إقامة هذه الأسواق نجد أنها في الأصل مواضع مقدسة لوجود أصنام فيها تعبدها القبائل، وتأتي إلى التقرب إليها في مواسم معينة، وهي مواسم حج تلك الأصنام فتتحول تلك المواسم إلى أسواق للبيع والشراء والتبادل والتفاخر، فهي بهذا تصبح أيام عبادة وتجارة وأيام فرح وسرور. فمثلاً: نجد أن بني كلب كانوا يفدون إلى دومة الجندل للتقرب إلى صنم "ود" ومع ذلك يقام سوق في دومة الجندل. وحقيقة هذه الأسواق والمواسم أنها جمعت بين الأعياد المكانية والأعياد الزمانية، فهي أعياد زمانية من ناحية تحديد قيام السوق والموسم، ومكانية من ناحية الموضع الذي يقام فيه السوق، وما يشتمل عليه من أصنام وأوثان وما يفعل حوله من التقرب بالذبح والنذر وغير ذلك من أمور الوثنية. وقد جاء الإسلام وأبطل ذلك كله كما قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} 2. وعوض عنها الأعياد المشروعة المكانية والزمانية المتضمنة لا خلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والتي سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.   1 معجم ما استعجم للبكري (3/959-960) ، ومعجم البلدان لياقوت (4/142) . 2 سورة الإسراء، آية (81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الباب الثاني: مشروعية مخالفة الكفار الفصل الأول: النهي عن مشابهة الكفار المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح ... المبحث الأول: تعريف التشبه في اللغة والاصطلاح التشبه في اللغة: من شبه "الشين والباء والهاء" أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله لوناً ووصفاً1. يقال شبه وشبه بالكسر والتحريك وشبيه كأمير وتشبه بفلان بكذا وتشبه بغيره ماثله في العمل والتشبيه أي التمثيل2. وفي المثل: من يشبه أبه فما ظلم. وفي التنزيل: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} 3. المتشابهات في الآية من الاشتباه وهو الالتباس كما ذكر صاحب المصباح المنير، فليست شاهداً على التشابه والشبه!!. قيل معناه: يشبه بعضه بعضاً4. فالمشابهة المشاركة في معنى من المعاني والاشتباه الالتباس5. أما في الاصطلاح: فهو: عبارة عن محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبه به أو على هيئته وحليته ونعته وصفته، أو هو: عبارة عن تكلف ذلك وتقصده وتعلمه.   1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/243) . 2 القاموس المحيط (1610) ، ولسان العرب (12/503) ، مادة "شبه" والمصباح المنير (303) . 3 سورة آل عمران، آية (7) . 4 لسان العرب (13/504) . 5 المصباح المنير (304) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وقد يعبر عن التشبه بالتشكل والتمثل والتزيى والتحلي والتخلق، أو يختص هذا الأخير بتكلف الأخلاق والطبائع والصفات اللازمة1. وقال المناوي2 شارحاً معنى (من تشبه بقوم فهو منهم) 3. أي تزيا في ظاهره بزيهم وفي تعرفه بفعلهم وفي تخلقه بخلقهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم أي وكان التشبه بحق قد طابق فيه الظاهر والباطن. وقال بعضهم قد يقع التشبه في أمور قلبية من الاعتقادات والإرادات، وأمور خارجية من أقوال وأفعال، قد تكون عبادات، وقد تكون عادات في نحو طعام ولباس ومسكن ونكاح واجتماع وافتراق وإقامة وركوب وغيرها4. قلت: يفهم من هذا أن التشبه يتضمن الاعتقادات والعبادات، والأخلاق والعادات الظاهرة. ولكن أكثر ما يقع التشبه في الأخلاق والمظاهر البارزة والعادات، وهذه الأشياء هي التي تدل على اعتقاد الإنسان وأفكاره وما انطوت عليه نفسه، ومدى تأثره بالمجتمع الذي يعيش فيه والاتجاه الذي يسلكه. ولقد حرص الإسلام كل الحرص في تكوين شخصية مستقلة للفرد المسلم وللمجتمع الإسلامي مستوحاة من الكتاب والسنة لإبراز ذاتيته، بحيث لا يكون المسلم أمعة يقلد بدون وعي، أو إدراك، لذا جاء النهي عن مشابهة   1 حسن التنبه فيما ورد في التشبه للغزي مخطوط رقم (1115) ،بالجامعة الإسلامية لوحة (20) . 2 هو: محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي زين العابدين الحدادي، ثم المناوي القاهري، من كبار العلماء بالدين والفنون، ولد سنة (952) ، وتوفي (1031هـ) . انظر ترجمته: في البدر الطالع (1/357) ، والأعلام (6/204) . 3 سيأتي تخريجه قريباً. 4 فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي (6/104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 الكفار ومشاكلتهم لما في ذلك من تأثير على العقيدة؛ لأن التشبه بالكفار في الظاهر يورث المودة والمحبة، ويكون تابعاً لهم، وهذا ينافي الإيمان، والله سبحانه وتعالى يريد العزة والكرامة للمسلم. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 1. وهذا ما سيأتي توضيحه في المباحث التالية.   1 سورة المنافقون، آية (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 المبحث الثاني: أدلة تحريم التشبه بالكفار لقد دل الكتاب والسنة على مخالفة الكفار والنهي عن مشابهتهم وأن ذلك من مقاصد الشريعة. ـ أولاً: من الكتاب: 1 ـ قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1. فالله سبحانه وتعالى يأمر في هذه الآية أن نطلب الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الإسلام الصحيح الخالي من الزيادة والنقصان النقي من كل بدعة وخرافة. هذا الصراط الذي هو أقرب الطرق إلى ما يحب الله ويرضى وطبق ما أمر، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصراط الذي قال عنه: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ومعنى قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} أي غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إراداتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه، وغير صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم هائمين في الضلالة لا   1 سورة الفاتحة، آية (5-7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام بـ "لا" ليدل أن ثم مسلكين فاسدين وهما طريق اليهود المغضوب عليهم وطريق النصارى الضالين 1. 2 ـ قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} 2. أخبرنا سبحانه وتعالى: أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدنيا وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته. وأهواؤهم: هو ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك، فهم يهوونه وموافقتهم فيه   1 انظر: تفسير ابن كثير (1/27-30) ، وتفسير البغوي (1/4142) ، وفتح القدير للشوكاني (1/23-24) . 2 سورة الجاثية، الآيات (16-19) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 اتباع لما يهوونه؛ ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا عظيماً ليحصل ذلك. ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك أحسم لمادة متابعتهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها، وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيرها، فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه وأي الأمرين كان، حصل المقصود في الجملة، وإن كان الأولى أظهر1. 3 ـ قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} 2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الآية: فانظر كيف قال في الخبر "ملتهم" وقال في النهي "أهواءهم" لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقاً، والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين، نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه3.   1 اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/84-85) ، وانظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (7/143-144) . 2 سورة البقرة، آية (120) . 3 اقتضاء الصراط المستقيم (1/86) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 وقال ابن كثير: وفيه تهديد ووعيد شديد للأمة على اتباع طرائق اليهود والنصارى بعد ما علموا من القرآن والسنة ـ عياذاً بالله من ذلك ـ فإن الخطاب للرسول والأمر لأمته1. 4 ـ قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2. وهم اليهود والنصارى3 الذين افترقوا على أكثر من سبعين فرقة؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن متابعتهم في نفس والاختلاف مع أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كما جاء في الحديث "افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" 4. فالنهي عن المماثلة قد يعم بطريق اللفظ والمعنى، كقولك: "لا تكن مثل فلان"وإن لم يعم دل على أن جنس مخالفتهم، وترك مشابهتهم أمر مشروع ودل على أنه كلما بعد الرجل عن مشابهتهم فيما لم يشرع لنا كان أبعد عن الوقوع في نفس المشابهة المنهي عنها، وهذه مصلحة جليلة5.   1 تفسير ابن كثير (1/164) ، وانظر: فتح القدير للشوكاني (1/135) . 2 سورة آل عمران، آية (105) . 3 تفسير البغوي (1/339) . 4 سنن أبي داود، كتاب السنة، باب شرح السنة (4/197-198) ، حديث (4596) . وسنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق الأمة (5/25-26) ، حديث (2641) ، وقال: حديث حسن صحيح. وسنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم (2/1321) ، حديث (3991) ، ومسند الإمام أحمد (2/332) . والمستدرك للحاكم، كتاب العلم (1/128) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. 5 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/88) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 5 ـ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 1. فالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً هم الكفار، كما في قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2. ويدخل في هذه الآية: كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له، كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، وقد برأ الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم مما هم فيه. فقوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} يقتضي تبرؤه منهم في جميع الأشياء3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك: ومن تابع غيره في بعض أموره، فهو منه في ذلك الأمر؛ لأن قول القائل: أنا من هذا، وهذا مني. أي أنا من نوعه وهو من نوعي؛ لأن الشخصين لا يتحدان بالنوع، كما في قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} 4. وقوله عليه الصلاة والسلام: "أنت مني وأنا منك" 5. فقول القائل: لست من هذا في شيء، أي لست مشاركاً له في شيء، بل أنا متبرئ من جميع أموره.   1 سورة الأنعام، آية (159) . 2 سورة آل عمران، آية (105) . 3 انظر: تفسير البغوي (2/145) ، وتفسير ابن كثير (2/196) ، وفتح القدير للشوكاني (2/183) . 4 سورة آل عمران، آية (195) . 5 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصلح باب، كيف يكتب الصلح (5/303-304) ، حديث (3699) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وإذا كان الله قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع أمورهم، فمن كان متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة كان متبرئاً كتبرئه، ومن كان موافقاً لهم كان مخالفاً للرسول بقدر موافقته لهم، فإن الشخصين المختلفين من كل وجه في دينهما، كلما شابهت أحدهما خالفت الآخر 1. 6 ـ قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} 2. قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: "ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية"3. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فقوله: {وَلا تَكُونُوا} نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة القلوب، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي 4. 7 ـ قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} 5.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/152-153) . 2 سورة الحديد، آية (16) . 3 تفسير ابن كثير (4/310) . 4 اقتضاء الصراط المستقيم (1/255) . 5 سورة الأعراف، آية (142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 أي لا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، ومعونتهم أهل المعاصي على عصيانهم، ولكن اسلك سبيل المطيعين1. ففي هذه الآيات المتقدمة دلالة على النهي عن التشبه بالكفار في أي حال وأي موضع، وان كل ذلك يدل على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر واجب. ثانياً: من السنة: 1 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" 2. وهذا الحديث يعتبر أصلاً من أصول هذه المسألة. وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إسناده جيد. وأقل أحواله: أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان في ظاهره يقتضي كفر المتشبه به، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} 34. وقال ابن رجب5: هذا يدل على أمرين:   1 تفسير القرطبي (9/48) . وانظر: تفسير البغوي (3/195) . 2 سنن أبي داود كتاب اللباس باب من ليس الشهرة (4/44) ، رقم (4031) ، ومسند الإمام أحمد (2/50،92) ، ومشكل الآثار للطحاوي (1/88) ، ورواه الطبراني في الأوسط، كما في مجمع الزوائد للهيثمي، باب من تشبه بقوم فهو منهم (1/27) ، وقال ابن حجر في الفتح (6/98) ، سنده حسن، وصححه الألباني كما في إرواء الغليل (5/109) . 3 سورة المائدة، آية (51) . 4 اقتضاء الصراط المستقيم (1/236-237) . 5 هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي، ثم الدمشقي الحنبلي أبو الفرج، حافظ للحديث، من العلماء، ولد في بعداد سنة 736هـ وتوفي في دمشق 795هـ، انظر ترجمته: شذرات الذهب (6/1339) ، والدرر الكامنة (2/321) ، والبدر الطالع (1/328) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 أحدهما: التشبه بأهل الشر. مثل: أهل الكفر والفسوق والعصيان، وقد وبخ الله من تشبه بهم في شيء من قبائحهم. فقال تعالى: {فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} 1. والثاني: التشبه بأهل الخير والتقوى والإيمان والطاعة، فهذا حسن مندوب إليه، ولهذا يشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته وآدابه وأخلاقه. وذلك مقتضى المحبة الصحيحة، فإن المرء مع من أحب، ولابد من مشاركته في أصل عمله وإن قصر في المحبة عن درجته 2. 2 ـ وعن ابن عمر أيضاً قال: قال صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين احفوا الشوارب ووافوا اللحى"3. 3 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم" 4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أمر بمخالفتهم، وذاك يقتضي أن يكون جنس مخالفتهم أمراً مقصوداً للشارع؛ لأنه إن كان الأمر بجنس المخالفة حصل المقصود، وإن كان الأمر المخالفة في تغيير الشعر فقط هو لأجل ما فيه من   1 سورة التوبة، آية (69) . 2 الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب (53،60) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار (10/149) ، حديث (5892) . وصحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة (1/222) ، حديث (259) . 4 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (6/496) ، حديث (3462) . وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب في مخالفة اليهود في الصبغ (3/1663) ، حديث (2103) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المخالفة، فالمخالفة أما علة مفردة، أو علة أخرى، أو بعض علة، وعلى التقديرات تكون مأموراً بها مطلوبة من الشارع1. 4 ـ وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" 2. هذا اللفظ دل على الأمر بمخالفتهم والنهي عن مشابهتهم، فإنه إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب، الذي ليس من فعلنا؛ فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى3. 5 ـ نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وعلل بأنه "حينئذٍ يسجد لها الكفار" 4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق"5. فهذه النصوص وغيرها تهدف إلى سد الذرائع؛ لأن المشابهة في الظاهر ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل6.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/160-161) . 2 سنن الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في الخضاب (4/232) ، حديث (1752) ، وقال: حديث حسن صحيح، وسنن النسائي، كتاب الزينة، باب الإذن بالخضاب (8/137) ، حديث (5073) . ومسند الإمام أحمد (1/165) ، وقد أشار إلى صحته السيوطي. انظر: الجامع الصغير مع فيض القدير (4/408) ، وكذلك الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/512) . 3 اقتضاء الصراط المستقيم (1/176) . 4 انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمر بن عبسه (1/569-571) ، حديث (832) . 5 اقتضاء الصراط المستقيم (1/190-191) . 6 أعلام الموقعين لابن القيم (3/140) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ومما تقدم يتضح: أن الشريعة قطعت المشابهة في الجهات والأوقات والهيئات وغيرها من الأمور التي يكون فعلها مشابهة للكفار، والأحاديث في ذلك كثيرة ومستفيضة، فالنهى عن المشابهة لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة، بل نصوص السنة شاملة لجميع الأبواب من عبادات وآداب واجتماعات وعادات وغير ذلك، وما وأوردته فهو أمثلة للنهي عن المشابهة فقط وليس المراد الحصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 المبحث الثالث: أخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع المشابهة في أمته ومع ورود الأدلة في النهى عن مشابهة الكفار ومشاكلتهم، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع من كان قبلهم من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها: 1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشير وذراعاً بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك" 1. 2 ـ وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبٍ تبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ " 2. والسنن بفتح السين والنون هو الطريق، ويجوز في السين الضم والكسر3. قال النووي والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم في المعاصي والمخالفات 4.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (13/300) ، حديث (7319) . 2 المصدر السابق (13/300) ، حديث (7320) ، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (4/2054) ، حديث (2669) . 3 القاموس المحيط (1558) . 4 شرح صحيح مسلم للنووي (16/219-220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 قال القاضي عياض 1: "الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه". وقال ابن بطال2: "علم صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم"3. وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من استنان هذه الأمة بمن قبلها من الأمم خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك، والذم لمن يفعله، كما كان يخبر عما يفعله الناس بين يدي الساعة من الاشراط والأمور المحرمات. فعلم أن مشابهتها لليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو المطلوب4. وقد صدق صلى الله عليه وسلم حيث وقع ما أخبر به من ذلك الاتباع ولا سيما في هذا العصر الذي أصبح فيه التقليد والمشابهة سمة لأهله ولم يبق شيء مما فعله أعداء الإسلام إلا ويفعل مثله في كثير من أقطار المسلمين ولم ينج من ذلك إلا من رحم الله وهم القليل.   1 هو: الحافظ أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي المالكي، إمام وفقيه بلاد المغرب، كان عالماً بالحديث وعلومه، والنحو واللغة، توفي سنة (544هـ) . انظر ترجمته: تذكرة الحفاظ للذهبي (4/1304) . 2 هو: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال أبو الحسن، عالم بالحديث من أهل قرطبة، توفي سنة (449هـ) . انظر في ترجمته: شذرات الذهب (3/283) ، والأعلام للزركلي (4/285) . 3 انظر: فتح الباري لابن حجر (13/301) . 4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/147) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وكما أخبر صلى الله عليه وسلم عن اتباع سنن من كان قبلنا واقتفاء أثرهم فقد أخبر أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة متبعين سنته مقتفين أثر الصحابة والسلف الصالح إلى أن تقوم الساعة. وقد دلت الأحاديث على ذلك، فمنها: 1 ـ عن المغيرة بن شعبة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون" 1. 2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" 2. 3 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق وظاهرين إلى يوم القيامة" 3. وغير ذلك من الأحاديث التي جاء فيها التزام طائفة من أمته صلى الله عليه وسلم بالحق ولا يضرها من خالفها. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فعلم بخبره الصدق أنه في أمته قوم مستمسكون بهديه، الذي هو دين الإسلام محضاً وقوم منحرفون إلى شعبة من   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق (13/293) ، حديث (7311) ، وصحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين (3/1523) ، حديث (1921) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} (13/442) ، حديث (7460) ، وصحيح مسلم، كتاب الإمارة (3/1524) ، حديث (1037) . 3 صحيح مسلم، كتاب الإمارة (3/1524) ، حديث (1923) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 شعب اليهود، أو إلى شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفر بكل انحراف، بل وقد لا يفسق أيضاً، بل قد يكون الانحراف كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ. وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان؛ فلذلك أمر العبد بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلاً"1. قلت: فإخباره صلى الله عليه وسلم كما تقدم جاء في معرض النهي والتحذير واتخاذ أسباب الوقاية؛ وذلك بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثر السلف الصالح والحذر من الابتداع في الدين، واتقاء أسباب الضلالة والغواية.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/70) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 المبحث الرابع: أثر مشابهة الكفار من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته ووضح، فما من خير إلا ودل عليه وما من شر إلا حذر منه، ومن ذلك تحذيره صلى الله عليه وسلم من مشابهة الكفار والأمر بمخالفتهم لما في المشابهة من الآثار السيئة. وذلك أن الله تعالى جعل بني آدم، بل سائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. والمشاركة بين بني الإنسان أشد تفاعلاً فلأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم فاكتسب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة. فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي. فمثلاً نجد أن اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين، هم أقل كفراً من غيرهم، كما أن المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام. ثم أن المشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وان بعد المكان والزمان، وهو أمر محسوس بل إنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهو أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى أن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة، والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين؛ وذلك لأن الاشتراك في البلد وصف اختصا به في بلد الغربة، بل لو اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو الثياب أو الشعر ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر من غيرهما. وهذا كله موجب الطباع ومقتضاه إلا أن يمنع من ذلك دين أو غرض خاص، فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ نعم إن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان. قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} 1. فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً، فمن واد الكفار فليس بمؤمن2. والمشابهة الظاهرة مظنة الموادة فتكون محرمة3. ومن هنا يتضح أن أمر الشارع الحكيم بمخالفة الكفار في الهدي الظاهر، كان لحكم جليلة منها:   1 سورة المجادلة، آية (22) . 2 انظر: تفسير البغوي (4/58) . 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/487-490) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 1 ـ أن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال. وهذا أمر محسوس فإن اللابس لثياب العلماء يجد من نفسه نوع الانضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه مانع. 2 ـ أن المخالفة في الهدى الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام الحق، كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. 3 ـ أن مشاركتهم في الهدى الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهراً، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية. هذا إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم، وهذا أصل ينبغي أن يتفطن إليه1.   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/79-81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الفصل الثاني: مشابهة الكفار في أعيادهم المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ... المبحث الأول: الأدلة على تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم يتضح مما تقدم أن تحريم مشابهة الكفار عموماً في جميع أمورهم صغيرها وكبيرها من مطالب الشريعة، كما نصت على ذلك الأدلة وسنذكر في هذا الفصل بمزيد من البيان والتفصيل ما يتعلق بمشابهتهم في أعيادهم، لا سيما وان الشرع قد خص المسألة بأدلة خاصة فضلاً على ما تقدم من الأدلة العامة. ومما ورد من الأدلة في تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم ما يلي: أولاً: من الكتاب: 1 ـ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} 1. جاء عن بعض التابعين أن المراد بالزور في هذه الآية أعياد المشركين2. وفي رواية عن ابن سيرين3 أن المراد به "يوم الشعانين"4.   1 سورة الفرقان، آية (72) . 2 منهم أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك، والربيع بن أنس ومجاهد وغيرهم. انظر: تفسير ابن كثير (3/328ـ329) ، وتفسير البغوي (3/378) . 3 هو: أبو بكر محمد بن سيرين الأنصاري، مولى أنس بن مالك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان فقيهاً إماماً غزيراً بالعلم ثقة ثبتاً علامة في التعبير، توفي ـ رحمه الله ـ سنة 110هـ. انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء (4/606) ، والجرح والتعديل (7/280) . 4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/426) ، والأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع للسيوطي (71) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وقال عكرمة1: "لعب كان في الجاهلية يسمى بالزور"2، وقيل: "أن الزور هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل: الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل"3. وقال قتادة4: "المراد لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم"5. قلت: وأعياد الكفار من الباطل ومشاركتهم فيها إعانة لهم على فعل ذلك الباطل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقول هؤلاء التابعين أنه أعياد الكفار، ليس مخالفاً لقول بعضهم: أنه الشرك أو صنم كان في الجاهلية، ولقول بعضهم: أنه مجالس الخنا، وقول بعضهم أنه الغناء؛ لأن عادة السلف في تفسيرهم، هكذا يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبه به على الجنس. ووجه تفسير التابعين المذكورين أن الزور: هو المحسن المموه حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة.   1 هو: أبو عبد الله عكرمة البربري المدني، مولى ابن عباس، أصله من البربر من علماء التابعين، ومن المتبحرين بالتفسير، من كبار تلاميذ ابن عباس، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا تثبت عنه بدعة، وتوفي (104هـ) . انظر ترجمه: تقريب التهذيب (397) ، وتذكرة الحافظ (1/95) . 2 تفسير القرطبي (13/79ـ80) . 3 تفسير ابن كثير (3/328) ، وتفسير البغوي (3/378) . 4 هو: قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري الأعمى، أحد العلماء التابعين من أحفظ الناس، وكان فقيهاً وعالماً بالتفسير، توفي رحمه الله سنة (117هـ) وعمره 57هـ سنة. انظر ترجمته: البداية والنهاية (9/313) ، وتقريب التهذيب (453) . 5 تفسير البغوي (3/378) . وانظر: فتح القدير للشوكاني (4/89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 1 لما كان يظهر مما يعظم به مما ليس عنده. فالشاهد بالزور يظهر كلاماً يخالف الباطن؛ ولهذا فسره السلف تارة بما يظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة وهو قبيح الباطن. فالشرك ونحوه: يظهر حسنه للشبهة، والغناء ونحوه يظهر حسنه للشهوة. وأما أعياد المشركين فجمعت الشبهة والشهوة، وهي باطل إذ لا منفعة فيها للدين، وما فيها من اللذة العاجلة، فعاقبتها إلى الألم، فصارت زوراً وحضورها شهودها. وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع، فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده 2. وهذا هو ما وقع فيه كثير من المسلمين فلم يقتصر على المشاهدة والتهنئة بل شاركوا في إقامة الأعياد والاحتفال، حتى أصبح لا فرق بين المسلم والكافر في كيفية إقامة مثل هذه الاحتفالات، بل الجامع لهم الفرح والسرور في ذلك. 2 ـ قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} 3.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل (9/317) ، حديث (5219) ، وصحيح مسلم كتاب اللباس والزينة، باب النهى عن التزوير في اللباس (3/1681) ، حديث (2129) . 2 اقتضاء الصراط المستقيم (1/429) . وانظر: الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع للسيوطي (71) . 3 سورة الحج، آية (67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير ذلك أنه قال: عيداً. قال قتادة ومجاهد1: موضع قربان يذبحون فيه، وقيل: موضع عبادة، وقيل: مألفاً يألفونه. والمنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد لعمل خير أو شر، ومنه مناسك الحج2. قلت: ومعنى العيد مأخوذ من المعاودة سواء أكان زماناً، أو مكاناً. والآية شاملة لذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الآية: فالأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي نصت عليها الآية وهي: كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، بل الأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر مالها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره3وكما في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 4. أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم وذلك أن اللام تورث   1 هو: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي، مولاهم من التابعين، ومن كبار المفسرين، وكان فقيهاً عالماً، ثقة كثير الحديث، توفي سنة (103) ، وعمره (83) . انظر ترجمته: تقريب التهذيب (2/229) ، وتذكرة الحفاظ (1/92) . 2 انظر: تفسير البغوي (3/297) ، وتفسير ابن كثير (3/221ـ234) . 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/471) . 4 سورة المائدة، آية (48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الاختصاص، فان كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم 1. ثانياً: من السنة: 1 ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبان فيهما فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"2. وجه الدلالة: أن العيدين جاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: "قد أبدلكم بهما يومين آخرين" والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما" يقتضي ترك الجمع بينهما لا سيما. وقوله: "خيراً منهما" يقتضي الاعتياض بما شرع لنا، عما كان في الجاهلية 3. ومن هنا يتضح النهي عن إحياء مثل هذه الأعياد، أو المشاركة فيها لصريح نهيه صلى الله عليه وسلم.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/446) . 2 تقدم تخريجه (88) . 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/432ـ434) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 2 ـ عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه. قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن ينحر إبلاً في بوانة 1 فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هل فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا؟ قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم"قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر فيه معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم" 2. وجه الدلالة: إن هذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان أعياد أهل الجاهلية ومحل أوثانهم معصية لله سبحانه. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً، وإن كان أولئك الكفار قد اسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لا يتخذ المكان عيداً، بل يذبح فيه فقط، فقد ظهر أن ذلك سداً للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم، خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لأحياء أمر تلك البقعة، وذريعة إلى اتخاذها عيداً. وفي هذا نهى شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان، سواءً أكان عيداً مكانياً أو زمانياً3.   1 بوانة: بضم أوله وتخفيف الواو هضبة وراء ينبع قريبة من ساحل البحر. انظر: معجم البلدان لياقوت (1/505) . 2 سنن أبي داود، كتاب الإيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء، بالنذر (3/238) ، حديث (3313) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب النذور، باب من نذر أن ينحر بغير مكة (10/83) . وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (4/180) ، إسناده صحيح. 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/440ـ444) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 3 ـ ما جاء عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة" 1. ذكر في هذا الحديث أن الجمعة لنا، كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى واللام تقتضي الاختصاص، فأوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصاً بما جعل له، ولا يشركه فيه غيره، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت، أو عيدهم يوم الأحد خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي، فكذلك في العيد الحولي، إذ لا فرق بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي، فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي، أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك 2. 4 ـ ما روى كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياماً؟ قالت: كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم" 3.   1 تقدم تخريجه، ص (30-31) . 2 اقتضاء الصراط المستقيم (1/451) . 3 مسند الإمام أحمد (6/323ـ324) ، والحاكم في المستدرك، كتاب الصوم "ترغيب صيام يوم السبت والأحد " (1/436) . وقال صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وجه الدلالة: إن هذا الحديث نص في شرع مخالفتهم في عيدهم1. فالسبت عيد اليهود والأحد عيد النصارى وهما يوما فرح وسرور عندهم. ثالثاً: من الآثار: 1 ـ ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم"2. 2 ـ كما جاء عنه أيضاً أنه قال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"3. 3 ـ وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت، وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة"4. 4 ـ عن محمد بن سيرين قال: "أتى علي رضي الله عنه بهدية النيروز فقال ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز قال: فاصنعوا كل يوم فيروزاً، قال أبو أسامة: كره رضي الله عنه أن يقول نيروزاً"5.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (1/453) . 2 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية، باب كراهية الدخول على أهل الذمة (9/234) ، ومصنف عبد الرزاق، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (1/411) ، حديث (1609) . وقال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/455) ، إسناده صحيح. 3 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية (9/234) . 4 المصدر السابق (9/234) ، وقال شيخ الإسلام: إسناده صحيح. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/457) . 5 السنن الكبرى، كتاب الجزية (9/235) ، واقتضاء الصراط المستقيم (1/458) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وجه الدلالة: في هذه الآثار نص صريح على وجوب مخالفة الكفار في أعيادهم وعدم مشاركتهم فيها. فعمر نهى عن تكلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم، أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم أليست الموافقة في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟، أو ليس عمل بعض أعمال أعيادهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟. وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟. ثم قوله: " اجتنبوا أعداء الله في عيدهم" أليس نهينا عن لقائهم والاجتماع بهم فيه، فكيف بمن عمل عيدهم1. أما عبد الله بن عمرو فيقتضي كلامه أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول ظاهر لفظه. أما علي رضي الله عنه فكره موافقتهم في اسم العيد الذي ينفردون به فكيف بموافقتهم في العمل2 وفي هذا يقول البيهقي: الكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً3. فموافقتهم في أعيادهم من أسباب سخط الله تعالى؛ لأنه إما محدث أو منسوخ4.   1 مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/325) ، واقتضاء الصراط المستقيم (1/457) . 2 انظر: المصدر السابق (1/459ـ460) . 3 انظر: السنن الكبرى للبيهقي (9/235) . 4 انظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (70ـ71) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 رابعاً: الإجماع: فلقد جاء في شروط عمر رضي الله عنه، التي اتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم " أن أهل الذمة لا يخرجون صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين ولا يظهرون أعيادهم، وذكر منها الباعوث والشعانين، ولا يظهرون النيران في أسواق المسلمين … "1. ولقد نقل الاتفاق شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها، فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها، مظهراً لها؟ 2. وإليك بعض أقوال العلماء في النهي عن مشابهة الكفار ومشاركتهم في أعيادهم: 1 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل ينهي عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد، مخالفة للعادة في سائر الأوقات، غير هذا العيد، لم تقبل هديته، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم"3.   1 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية (9/202) ، وانظر: أحكام أهل الذمة (2/724ـ725) . 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/454) . 3 المرجع السابق (2/517) ، وانظر: مجموع الفتاوى (25/319) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 قال ابن الحاج1: وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيده وعوناً له على مصلحة كفره، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم … ولا يعانون على شيء من دينهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره2. وقال ابن كثير عند حديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم؛ لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرح له الدين العظيم القويم الشامل الكامل، الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حييّن لم يكن لهما شرع متبع، بل لو كانا موجود ين، بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم أن يكون على غير هذه الشريعة المكرمة المعظمة، فإذا كان الله تعالى قد منّ علينا بأن جعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، فقد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرح لهم أولاً.   1 هو: محمد بن محمد أبو عبد الله العبدري المعروف بابن الحاج المغربي الفاسي، كان فقيهاً وعارفاً بمذهب مالك، قدم القاهرة وسمع بها الحديث وحدث بها، وكانت وفاته فيها سنة (737هـ) وعمره 80 عاماً. انظر: الديباج المذهب (2/321ـ322) ، الدرر الكامنة (4/234) . 2 المدخل لابن الحاج (2/47ـ48) ، وانظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/725) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلاً ولا كثيراً ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم1. وقال ابن النحاس 2: " واعلم أن أقبح البدع وأشنعها موافقة المسلمين للنصارى في أعيادهم بالتشبه بهم في مأكلهم وأفعالهم والهدية إليهم وقبول ما يهدونه من مأكلهم في أعيادهم، وقد عاني هذه البدعة أهل بلاد مصر، وفي ذلك من الوهن في الدين، وتكثير سواد النصارى والتشبه بهم ما لا يخفى. وقد تكون المهاداة في الأعياد سبباً للتآلف بينهم وبين من يهدون إليه من المسلمين وتربية المودة والمحبة، وقد قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} 3. فالواجب على كل قادر أن ينكر على أهل الذمة التظاهر بأعيادهم ومواسمهم، ويمنع من أراد من المسلمين التشبه بهم في شيء من أفعالهم ومأكلهم وملابسهم ومخالطتهم فيها، ومن يضلل الله فلا هادي له، وهو على كل شيء قدير4.   1 البداية والنهاية لابن كثير (2/134) . 2 هو: أحمد بن إبراهيم بن محمد، أبو زكريا، محي الدين الدمشقي، المعروف بابن النحاس فرضي فاضل فقيه شافعي مجاهد، توفي رحمه الله في معركة مع الأفرنج سنة (814هـ) . انظر: شذرات الذهب (7/105) ، ومعجم المؤلفين (1/142) . 3 سورة المجادلة آية (22) . 4 تنبيه الغافلين لابن النحاس (307ـ310) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المبحث الثاني: أمثلة لوقوع المشابهة في أعياد الكفار مع صراحة الأدلة ووضوحها في تحريم مشابهة الكفار في أعيادهم فضلاً عن مشاركتهم فيها، نجد أن بعض المسلمين خالفوا تلك النصوص فحاكوا الكفار في أعيادهم وشاركوهم أفراحهم، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعنّ سنن من كان قبلكم" 1. وبالنظر إلى مشاركة بعض المسلمين للكفار في أعيادهم وأفراحهم نجد أنها لم تظهر ولم تعرف إلا بعد مضي القرون المفضلة، وذلك عندما توسعت الفتوحات الإسلامية وشملت كثيراً من بلدان العالم ودخل في الإسلام من أهل الديانات الأخرى من أضمر العداوة والكيد وأظهر الإسلام. ومعلوم أن لكل ديانة ما يميزها عن الأخرى وخاصة في الاحتفالات التي يرون أن فيها إظهاراً لشعائر الدين، ومتى سنحت الفرصة لهؤلاء أظهروا تلك الشعارات، ولا سيما إذا توصلوا إلى بلاط السلاطين والحكام أو جاءت السلطة تحت أيديهم. ويتجلى ذلك واضحاً في القرن الرابع الهجري، حيث انتشرت فيه أعياد الكفار والمشركين وأصبحت تقام طوال العام في ظل الدولة الفاطمية2 الرافضية الحاقدة.   1 تقدم تخريجه، ص (112) . 2 بدأت الدولة الفاطمية بدخول المعز محمد بن إسماعيل القاهرة سنة 362هـ، وهو بداية حكمهم في مصر وانتهت بوفاة العاضد سنة 567هـ. وحقيقة الدولة الفاطمية أنها دولة رافضية باطنية = وانتسابها إلى ولد علي رضي الله عنه انتساب باطل لا يصح. وأهل علم الأنساب من المحققين ينكرون دعوى ذلك النسب، فحقيقة مذهبهم الكفر المحض واعتقادهم الرفض، وقد قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: بأنهم من أفسق الناس ومن أكفر الناس، وإن من شهد لهم بالإيمان والتقوى أو بصحة النسب فقد شهد بما لا يعلم، وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر. انظر ذلك في: البداية والنهاية (11/291ـ369) ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (35/120) ، وما بعدها، ووفيات الأعيان (3/117ـ118) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وإن وجدت قبل ذلك بعض البوادر لإقامة بعض الاحتفالات فلم تكن على تلك الصورة التي كانت في زمن الدولة الفاطمية. فقد ذكر القلقشندي1: " أن أول من رسم هدايا النيروز والمهرجان في الإسلام الحجاج بن يوسف الثقفي، ثم رفع ذلك عمر بن عبد العزيز، واستمر المنع فيه إلى أن فتح باب الهدية فيه أحمد بن يوسف الكاتب2 فإنه أهدى فيه للمأمون سفط3 ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه وكتب معه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد السادة "4. قلت: ولعل ذلك لوجود بعض الفرس في الوزارة العباسية مما جعلهم يحتفلون بهذه المناسبة ولم يكن الاحتفال بالنيروز والمهرجان في هذا العصر بإظهار   1 هو: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله القلقشندي أديب فقيه، شافعي المذهب، توفي في جمادى الآخر سنة 821. انظر: شذرات الذهب (7/149) ، والأعلام (1/177) . 2 هو: أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح العجلي بالولاء، المعروف بالكاتب، من كبار الكتّاب من أهل الكوفة، ولي ديوان الرسائل للمأمون، توفي ببغداد سنة 213هـ. انظر: البداية والنهاية (10/280) ، والأعلام (1/72) . 3 هو: وعاء كالقفة. انظر: القاموس (865،1126) . 4 صبح الأعشى للقلقشندي (2/420ـ421) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 جميع شعارات الفرس التي كانوا يفعلونها في هذين العيدين، بل كان مقتصراً على الإهداء والرسائل. ولما جاء العصر الفاطمي اتخذوا أعياداً وابتدعوا مواسم كثيرة وأصبحوا يحتفلون بها طوال العام وشابهوا وشاركوا الكفار في أعيادهم. وقد ذكر المقريزي1 الأعياد والمواسم التي كانوا يحتفلون بها وهي على النحو التالي: 1 ـ رأس السنة 2 ـ أول العام. 3 ـ يوم عاشوراء 4 ـ مولد النبي صلى الله عليه وسلم. 5 ـ مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه 6 ـ مولد الحسن بن علي رضى الله عنه. 7 ـ مولد الحسين بن علي رضي الله عه. 8 ـ مولد فاطمة رضي الله عنها. 9 ـ مولد الخليفة الحاضر. 10 ـ ليلة أول رجب. 11 ـ ليلة النصف من رجب. 12 ـ ليلة أول شعبان. 13 ـ ليلة النصف من شبعان. 14 ـ غرة رمضان. 15 ـ ليلة الختم في رمضان. 16 ـ عيد الفطر. 17 ـ عيد الغدير.   1 هو: أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم الحسيني العبيدي البعلي الأصل القاهري، أبو العباس المعروف بابن المقريزي، كان متبحراً في التاريخ على اختلاف أنواعه، ولد سنة 766 هـ، وتوفي سنة 845 بالقاهرة. انظر: شذرات الذهب (7/254ـ255) ، والبدر الطالع (1/79ـ81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 18 ـ كسوة الشتاء. 19 ـ كسوة الصيف. 20 عيد النحر. 21 ـ فتح الخليج. 22 ـ يوم النيروز. 23 ـ يوم الغطاس. 24 ـ يوم ميلاد المسيح عليه السلام. 25 ـ خميس العهد. 26 ـ عيد النصر1. وسأقتصر على إيراد بعض الأعياد التي وقعت المشابهة والمشاركة من بعض المسلمين للكفار فيها، أما الأعياد المبتدعة والمواسم المحدثة فستكون في باب قادم إن شاء الله. 1 ـ الاحتفال برأس السنة: كان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول المحرم من كل عام؛ لأنها أول ليالي السنة، وابتداء أوقتها. وكان من رسومهم في الاحتفال بهذه الليلة أن يقام حفل بذلك، وتعد الولائم الخاصة بهذه المناسبة من اللحوم والحلوى وتفرق على جميع أرباب الرتب وأصحاب الدواوين، حتى يعم ذلك جميع أهل القاهرة ومصر، وجميع الشعب2. وعيد رأس السنة هو: أحد أعياد اليهود والذي نطقت به التوراة كما تقدم بيانه3.   1 الخطط للمقريزي (1/490) . 2 المصدر السابق. 3 انظر: أعياد اليهود من هذا البحث، ص (28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 2 ـ الاحتفال بأول العام: وفيه كان يقوم الخليفة بتفريق ما أعد لهذه المناسبة من الدنانير والمأكولات التي تعم الجميع وتعرف برسوم الركوب1. وهذا الاحتفال هو أحد أعياد العرب في الجاهلية، حيث كانوا يحتفلون في أول العام في المحرم ويعظمون رؤساءهم فيه، كما يفعله الفرس أيضاً2. وللأسف أن هذه البلوى سرت إلى بعض المسلمين إلى يومنا هذا، حيث تحتفل بعض الدول الإسلامية بهذه المناسبة، فتعطل الأعمال احتفالاً بتوديع عام ماض واستقبال عام جديد. وسيأتي زيادة تفصيل ذلك في الأعياد والمواسم المحدثة. 3 ـ الاحتفال بعيدي النيروز والمهرجان: وهما أعظم أعياد المجوس كما تقدم3، وكانت الدولة الفاطمية تحتفل بذلك ومن عادتها فيه أن تعطل الأسواق ويقل سعى الناس في الطرقات، وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة أولادهم ونسائهم4. وقد شاركهم بعض المسلمين في هذا الاحتفال فتراشوا بالماء على عادة الفرس فيه، حتى أصبح هذا العيد مجمعاً للمنكرات وفعل الفواحش من شرب الخمور والفسوق5.   1 المخطط للمقريزي (10/490) . 2 انظر: الأعياد الزمانية عند العرب في الجاهلية من هذا البحث، ص (88) . 3 انظر: أعياد المجوس في هذا البحث، ص (67) . 4 انظر: المخطط للمقريزي (1/490/493) . 5 انظر: المدخل لابن الحاج (2/50ـ54) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (308) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ولم تتوقف المشابهة على المشاركة الخارجية، بل أثرت حتى على الفكر فتغني الشعراء بذلك فكتبوا إلى السلاطين وأهدوا إلى الأصدقاء بتلك المناسبة1. ولا يزال الاحتفال بهذين العيدين إلى وقتنا الحاضر، حيث يحتفل الأعاجم في إيران بهذا العيد المجوسي ولا يقتصر الاحتفال والابتهاج بالفرس الموجودين هناك، بل يحتفل به أكثر من يدعي الإسلام هناك، ولا سيما الملوك والوزراء والأعيان وأرباب المدارس والكليات والجامعات وغيرهم. ويظهرون الابتهاج والفرح والسرور والحفلات الممتعة والزينات والتهاني ما يفوق العد والوصف2. 4 ـ الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام: وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم في الاحتفال به بعض المسلمين، حيث كانت الدولة الفاطمية تجعله من أهم المواسم لديها فتفرق فيه الهدايا والرسوم الخاصة بذلك والحلوى والسمك وغيرها، فيشمل جميع أرباب الدولة، وكانت توقد فيه الحوانيت والشوارع بالفوانيس ابتهاجاً بذلك3. واستمرت المشابهة والمشاركة فيما بعد وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول   1 انظر: العقد الفريد لابن عبد ربه (6/282ـ283) . 2 تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين لابن حجر آل أبو طامي (151) . 3 الخطط للمقريزي (1/265ـ495) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 لأربع وعشرين خلت منه، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام، فجميع ما يحدث فيه هو من المنكرات، مثل إيقاد النيران، وإحداث طعام، واصطناع شمع وغير ذلك. فإن اتخاذ هذا الميلاد عيداً هو دين النصارى وليس لذلك أصل في دين الإسلام ولم يكن لهذا الميلاد ذكر أصلاً على عهد السلف الماضين، بل مأخوذ عن النصارى، وانضم إليه سبب طبيعي، وهو كونه في الشتاء المناسب لإيقاد النيران وأنواع مخصوصة من الأطعمة1. وقد حكى المقريزي كيفية الاحتفال بميلاد المسيح في عصره، فقال أدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسماً جليلاً يباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس وتعلق في الأسواق والحوانيت بأعداد تفوق الحد من الكثرة والملاحة ويتنافس الناس في المغالات بأثمانها2. وبالنظر إلى كيفية احتفال أولئك بهذا العيد النصراني، نجد أنهم فعلوا عين ما يفعله النصارى، حيث كانت سنتهم فيه كثرة الوقود وتزيين الكنائس والبيوت والشوارع بالشموع الملونة والفوانيس المضيئة.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/516ـ517) ، وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (68ـ69) ، والمدخل لابن الحاج (2/59) . 2 انظر: الخطط للمقريزي (1/265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وما هذا الفعل إلا محاكاة للنصارى واتباعاً لهم في دينهم الباطل ولا يزال إلى يومنا هذا من يحتفل بهذا العيد من المسلمين ويشارك النصارى أفراحهم فيه. " حيث إن بعض البلاد الإسلامية تعتبر هذا اليوم إجازة رسمية، ويحتفل الناس بذلك وتعطل الدوائر الحكومية والشركات والتجار الكبار، تعظيماً لهذا اليوم واحتراماً له، فيقدمون الهدايا والتهاني إلى النصارى بهذه المناسبة كما يرسلون بطاقات التهنئة لمن كان منهم بعيداً"1. 5 ـ الاحتفال بعيد الغطاس: هو أحد أعياد النصارى، وقد وقعت المشاركة في هذا العيد من بعض المسلمين منذ زمن، وفي ذلك يقول المسعودي2: " ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وقد حضرت سنة (330) ، ليلة الغطاس بمصر والأخشيد محمد بن طغج3 في داره المعروفة بالمختارة في الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة، وجانب الفسطاط4 ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع.   1 تحذير المسلمين في الابتداع (150) . 2 هو: علي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي مؤرخ رحالة بحاثة من أهل بغداد أقام في مصر وتوفي بها سنة (346هـ) . لسان الميزان لابن حجر (4/223) ، والأعلام (4/277) . 3 هو: محمد بن طغج بن جف أبو بكر الملقب بالإخشيد، مؤسس الدولة الإخشيدية بمصر والشام، ولد سنة (268هـ) . انظر: شذرات الذهب (2/337) ، والأعلام (6/174) . 4 هو: ضرب من الأبنية وعلم بمصر نسبة إلى فسطاط عمرو بن العاص الذي أقيم فيه. انظر: القاموس المحيط (879) ، ومعجم البلدان لياقوت (4/263) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وقد حضر النيل في تلك الليلة مئات آلاف من الناس من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط لا يتناكرون الحضور، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف1. وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سروراً، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض مبرئ للداء2. قلت: بئست هذه الليلة التي فيها إعانة للكفار على إظهار عقيدتهم الباطلة ومشاركتهم في فسوقهم الواضح، ولا يقع هذا الفعل إلا ممن ضعف إيمانه، وقل حياؤه من جهلة المسلمين وغوغاء العامة. وهذا العيد هو أحد المواسم التي كانت تحتفل بها الدولة الفاطمية، ويشارك بعض المسلمين في ذلك فتنصب الخيام على السواحل، وتوقد الشموع ويحضر المغنون والملهون وتشرب الخمور، حتى يحين وقت الغطاس فينزل في البحر3. ومما يحدث في هذا الموسم من مشاركة المسلمين ما ذكره ابن الحاج "من أن بعض المسلمين تشبه بالنصارى في ذلك من كونهم يزيدون فيه النفقة، ويدخلون فيه السرور على أولادهم بأشياء يفعلونها فيه، مما يزيد في تعظيم هذا   1 هو اللهو واللعب، وقيل الجلبة والإعلان باللهو. انظر: لسان العرب (9/283) ، مادة (قصف) . 2 مروج الذهب للمسعودي (1/357) . 3الخطط للمقريزي (1/265ـ266) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الموسم، وبعض من انغمس في الجهل من المسلمين يغطس في تلك الليلة كما يغطسون، كما أنهم يزفون فيه بعض عيدان القصب وعليها الشموع الموقودة والفاكهة وغير ذلك مما فيه محاكاة للنصارى في باطلهم"1. والبعض من المسلمين يدخلون أولادهم الحمام في هذا الوقت، ويزعمون أن ذلك ينفع الولد، وهذا هو دين النصارى، وهو من أقبح المنكرات المحرمة2. 6 ـ الاحتفال بخميس العهد: وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم بعض المسلمين في الاحتفال بهذا العيد، حيث كانت الدولة الفاطمية، تضرب دراهم ودنانير، توزع على أهل الدولة بهذه المناسبة3. ومن مشاركة بعض المسلمين في هذا العيد أنهم اتخذوا فيه أشياء لا تنبغي ووقعوا في منكرات عديدة، منها: خروج النساء إلى ظاهر البلد، وتخمير القبور، ووضع الثياب على السطح، وكتابة الورق وإلصاقها بالأبواب واختصاصه بطبخ عدس، أو صبغ بيض أو نحوه ذلك. واتخاذه موسماً لبيع البخور وشرائه، فكل هذا الفعل هو دين النصارى والصابئين.   1 المدخل لابن الحاج (2/59) ، وانظر: تنبيه الغافلين لابن النحاس (309) . 2 الأمر بالاتباع للسيوطي (69) . 3 الخطط للمقريزي (1/450) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ولهم في ذلك معتقدات، حيث يزعمون أن ذلك الفعل يدفع عنهم العين والكسل وأمراض الجسد وغير ذلك من الأمور الفاسدة التي فيها محاكاة لما يفعله النصارى في هذا العيد1. 7 ـ الاحتفال بعيد سبت الظلام الذي يسمونه سبت النور: وهو أحد أعياد النصارى، وقد شاركهم في الاحتفال به بعض المسلمين، حيث كانوا يجمعون فيه أوراق الشجر على اختلاف أنواعها ويبيتونها في الماء ليلة السبت، ويزعمون أن ذلك يذهب عنهم الأمراض والأسقام، ويدفع عنهم السحر والعين. ومن ذلك زعمهم أن من كان فيه جرب2، أو حكة وأدهن في هذا اليوم بالكبريت، وقعد في الشمس عرياناً، أو غير مستور شفي مما به. فترى النساء يفعلن ذلك ويجلسن من غير مئزر ولا سراويل، والرجال يرون كثيراً منهم في البر والبحر وغير ذلك، مما ينزه أهل العلم عن ذكر ما يفعل فيه من المنكرات، ولا حاجة لذكر الحال والتفصيل في ذلك فسق وفساد وانحلال أخلاق3.   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/515ـ516) , والمدخل لابن الحاج (2/54ـ56) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (308) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (67ـ68) . 2 الجرب: بثر يعلوا أبدان الناس والإبل، انظر: لسان العرب (1/259) ، مادة (جرب) . 3 تنبيه الغافلين لابن النحاس (308ـ309) ، وانظر: المدخل لابن الحاج (2/57ـ58) والأمر بالاتباع للسيوطي (68) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 8 ـ الاحتفال بيومي السبت والأحد: فالسبت عيد الأسبوع عند اليهود، والأحد عند النصارى، وقد شاركهم بعض المسلمين في الاحتفال بهما، ومن أوجه المشابهة والمشاركة: تعطيل الدوائر والمحلات التجارية في بعض البلاد الإسلامية، وكونه يوم إجازة رسمية. وما هذا الفعل إلا تعظيماً لهما مخالفين بذلك فعله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يتعمد مخالفة اليهود والنصارى بصومهما ويقول: "انهما يوماً عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم" 1. فنص صلى الله عليه وسلم على مشروعية مخالفتهم في ذلك. 9 ـ الاحتفال باليوبيل الفضي واليوبيل الذهبي: والمقصود باليوبيل الفضي: هو مرور خمسة وعشرين عاماً على حدث، أو أمر هام في البلاد. والمقصود باليوبيل الذهبي: هو مرور خمسين عاماً على هذا الحدث، أو هذا الأمر الهام. وهذا الاحتفال هو أحد أعياد اليهود كما تقدم2 التي كانوا يقيمونها بعد فترة زمنية على زراعة الأرض، حيث تكون السنة الخمسون يوبيلاً لليهود، أي عيداً لهم يقيمون فيه احتفالات ضخمة للتعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة. فجاء بعض المسلمين فحاكوا اليهود في هذا الاحتفال فما يمضي خمس وعشرون على إنشاء مؤسسة، أو صناعة أو نحوها إلا ويتخذون ذلك اليوم   1 تقدم تخريجه، ص (30-31) . 2 انظر: أعياد اليهود من هذا البحث (27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 يوبيلاً فضياً، وما يمر خمسون سنة إلا ويتخذون بهذه المناسبة عيداً، إنها السنن!. ولم تقتصر المشاركة على هذا الحد، بل شاركهم بعض جهال المسلمين في احتفالاتهم التي يقيمونها في كنائسهم ودياراتهم1 التي يزعمون قدسيتها، ومنها دير الخوات وهو يقع بعكبرا2. ويكون عيده الأحد الأول من الصوم وفي ذلك يقول الشابشتي3: " ويجتمع إليه من قرب منه من النصارى والمسلمين، فيعيد هؤلاء ويتنزه هؤلاء، وفي هذا العيد ليلة الماشوش4 وهي ليلة يختلط فيها النساء بالرجال، فلا يرد أحد يده عن شيء، ولا يرد أحد أحداً عن شيء، وهو من معادن الشراب ومنازل القصف، ومواطن اللهو"5. قلت: وهذا هو حال أعياد النصارى وسائر أعياد الكفار عموماً، فمبناها على مثل هذه الليلة الساقطة، وما دعي أولئك إلى المشاركة إلا الخضوع   1 الديرخان النصارى، وهو كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم، وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (16/105) ، ومعجم البلدان (2/495) ، والقاموس المحيط (506) . 2 بضم أوله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحدة اسم بليدة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ. انظر: معجم البلدان لياقوت (4/142) . 3 هو: علي بن محمد الشابشتي أبو الحسن الندماء، اتصل بالعزيز صاحب مصر فولاه خزينة كتبه واتخذه نديماً وسميراً، توفي سنة (388هـ) . انظر: الأعلام (4/325) . 4 جاء في اللغة: المش، بمعنى الخلط. انظر: القاموس (781) ، ولسان العرب (6/347) ، مادة (مشش) . 5 الديارات للشابشتي (93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 لشهوات النفس والهوى لما يحصل في هذه الاحتفالات من الاختلاط وشرب المسكرات ورقص النساء الفاجرات. ولا تزال المشابهة في استمرار فما ينعق ناعق من الغرب إلا وله صدى في بلاد المسلمين، ولا سيما في الأعياد والاحتفالات التي كثرت وتنوعت حتى شملت جميع أنواع الأعياد، فجعلوا لكل شيء عيداً أو يوماً واشترك في ذلك الكفار، والكثير من المسلمين ممن جهلوا حقيقة الدين الإسلامي ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وهم الذين أشربوا حب التبعية والتقليد ويزعمون أن ذلك من الرقي والتقدم. فنجد هناك عيداً للأم وعيداً للعمال، وعيداً للوحدة، وعيداً للحزب، وعيداً للعلم، وعيداً للطفل، وعيداً للحب1 بل وحتى الشياطين أصبح لها عيد2. كما جعلوا يوماً للمسرح ويوماً للسينما ويوماً للفن ويوماً للموسيقي، بل ويوماً للكذب3. وما المانع إذا كان إحداث العيد متوقفاً على رغبة فئة معينة من الناس!. وسأتكلم عن أهم هذه الأعياد شهرة في عصرنا الحاضر لتكون مثالاً للأعياد الأخرى ولنقف على حقيقتها والأصل فيها.   1 انظر: دائرة المعارف الأمريكية (178) . 2 المصدر السابق (968ـ971) . 3 هو اليوم الأول من شهر إبريل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 * ـ الاحتفال بعيد شم النسيم: عيد شم النسيم هو أحد الأعياد المبتدعة، ويكون الاحتفال به في (11) إبريل من كل عام. ويتمثل الاحتفال به بالخروج إلى المنتزهات والمزارع وركوب البحر، أو النهر لاستنشاق الهواء، وشم النسيم والتمتع بتلك المناظر كما يزعمون، فيخرجون من المدن والقرى صغاراً وكباراً تاركين مصالحهم مرتكبين كثيراً من المنكرات؛ بسبب هذا الاحتفال. ولنترك الوصف لمن شاهد هذا الاحتفال عن قرب وعايشه، الشيخ علي بن محفوظ، حيث قال: " وناهيك ما يكون من الناس من البدع والمنكرات والخروج عن حدود الدين والأدب في يوم شم النسيم، وما أدراك ما شم النسيم هو عادة ابتدعها أهل الأوثان لتقديس بعض الأيام تفاؤلاً به أو تزلفاً لما كانوا يعبدون من دون الله، فعمرت آلافاً من السنين حتى عمت المشرقين واشترك فيها العظيم والحقير والصغير والكبير ويا ليتها كانت سنة محمودة، فيكون لمستنها أجر من عمل بها، ولكنها ضلال في الآداب وفساد في الأخلاق. حسبك أن تنظر في الأمصار بل في القرى، فترى في ذلك اليوم ما يزري الفضيلة ويخجل معه وجه الحياء من منكرات تخالف الدين وسوءات تجرح الذوق السليم وينقبض لها صدر الإنسانية. الرياضة واستنشاق الهواء ومشاهدة الأزهار من ضرورات الحياة في كل آن لا في ذلك اليوم الذي تمتلئ فيه المزارع والخلوات بجماعات الفجار وفاسدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الأخلاق فتسربت إليها المفاسد وعمتها الدنايا، فصارت سوقاً للفسوق والعصيان ومرتعاً لإراقة الحياء وهتك الحجاب. نعم لا تمر بمزرعة أو طريق إلا وترى فيه ما يخجل كل شريف ويؤلم كل حي، فأجدر به أن يسمى يوم الشؤم والفجور. ترى المركبات والسيارات تتكدس بجماعة عاطلين يموج بعضهم في بعض بين شيب وشبان ونساء، وولدان ينزحون إلى البساتين والأنهار ترى السفن فوق الماء مملوءة بالشبان يفسقون بالنساء على ظهر الماء ويفرطون في تناول المسكرات وارتكاب المخازي، فاتبعوا خطوات الشيطان في السوء والفحشاء، في البر والبحر، وأضاعوا ثمرة الاجتماع، فكان شراً على شر ووبالاً على وبال. تراهم ينطقون بما تصان الأذان عن سماعه ويخاطبون المارة، كما يشاءون من قبيح الألفاظ وبذي العبارات، كأنّ هذا اليوم قد أبيحت لهم فيه جميع الخبائث وارتفع عنهم فيه حواجز التكليف أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون. فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مواسمهم، والفاسقين الفاجرين في أماكنهم ويظفر بإحسان الله ورحمته. اهـ1.   1 الإبداع في مضار الابتداع (275ـ276) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 من هذا الوصف يتبين بدعية هذا الاحتفال وأن من يحتفل به فقد شارك اليهود والنصارى والملل الكافرة في باطلهم، فضلاً على اشتماله على مفاسد وقبائح لا يرضاها من في قبله ذرة إيمان أو صاحب عقل سليم. ولا يقتصر الاحتفال بهذا العيد على هذه الصورة، بل خصصوا له أكلاً معيناً من الأطعمة والأشربة، كما أن هذا اليوم يعد يوماً شعبياً يشترك فيه الجميع مسلمين كانوا أو كفاراً، ولهم فيه اعتقادات سيئة1. وبطلان هذا العيد واضح بين، وليس هذا منعاً من التنزه والتمتع والتفكر في آيات الله في هذا الكون، إنما الممنوع هو أن يكون ذلك في يوم بخصوصه من العام له مراسيم خاصة من حيث الأطعمة والأشربة والذهاب والرواح مما هو مثار للفسوق والتبرج كما تقدم. عيد الأم: ويكون الاحتفال به في يوم 21 مارس من كل عام. ومظاهر الاحتفال بهذا العيد تقديم الهدايا والتهاني إلى الأم وعادة ما يعبر عن ذلك بزهور أو شموع تقدم بين يديها، كما تكثر في هذا اليوم الخطابات والمكالمات الهاتفية، والزيارات التي تخصص لتلك المناسبة. فهذا هو مظهر الاحتفال بعيد الأم فيا ترى ما هو الأصل في ذلك؟. الأصل في تخصيص هذا اليوم للأم يرجع إلى سبب ديني نصراني، وهو أن عيسى عليه السلام له أم فقط ولا أب له. وهذا ما يعتقده بعضهم، ومنهم من   1 انظر: قاموس التقاليد والعادات المصرية أحمد أمين (193،195) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 افترى 1 على الله سبحانه، فاعتقد أنه جل وعلا أب لعيسى، ولكنه ليس من البشر - تعالى الله عما يقولون -. وقيل أن السبب تربوي اجتماعي لدى الغرب، حيث عدد كبير من الأطفال لا أباء لهم معروفون، أو لهم أباء هجروهم وأهملوهم وأمهاتهم، أو أن علاقات الأبوة معهم كعلاقات الأجنبي بالأجنبي. ولهذا السبب أو ذاك خصص الغرب يوماً للأم عيداً لها تكرم فيه بعد ملازمة الشعور بالإثم لهم بسبب مواقفهم منها. فصار أبناء الغرب يجهدون أنفسهم ويجتهدون في إرضاء الأمهات والإهداء إليهن في ذلك اليوم، وتعج الدنيا بالمراسلات والمهاتفات والزيارات، ثم يأتي عكس ذلك في الغالب، أو ما يشبه عكسه في بقية العام على اعتبار أنها ليست يوماً أو أياماً للأم. وبهذا قد تمت مقاومة وخز الضمير، فقد أخذت الأم حقها في يومها كاملاً، وتخلص الأولاد من عقدة التقصير، وذلك بأداء كامل الواجب في اليوم الوحيد المقنن المحدد. وأهملوا احترام الوالدات ورعايتهن، ولم يصحب ذلك شعور بالتقصير قد يوقظ الضمير، فالضمير ارتاح ونام على وهم، وهو أن الأم صار لها يوم في العام أعطاه إياها المجتمع، وهم يقومون خير قيام بجميع الفروض في ذلك اليوم؛   1 كما حكى الله عز وجل ذلك في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} سورة المائدة، آية (18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وبذلك تضررت الأم والأمومة بهذه النتيجة أكثر مما استفادت، وصارت ضحية آثار التكريم النادر. وما أكثر ما يسمع في الغرب أن أما عجوز أو شيخاً هرماً ماتا في منزلهما ومضت مدة من الزمن لم يدر بها أحد سوى الجيران فيما بعد على أثر الرائحة، أو ما شابه ذلك. وهكذا صار يوم الأم للتكفير عن عقوقها، وضياع حقوقها طوال العام1. ولا يستبعد أن يكون عيد الأم امتداداً لعيد النساء الذي خصصه لهن المجوس فقصره أولئك على الأم لامتيازها على سائر النساء، فهذا هو الأصل في عيد الأم والنتيجة الحتمية؛ لذلك الاحتفال، وقد أبى من جهل حقيقة الدين الإسلامي من المسلمين مَنْ سيطرت عليه عقيدة التبعية والانبهار بالغرب، فقلدهم واقتفى أثرهم في هذا الاحتفال وزعم أن في ذلك حفاوة واحتراماً فضلاً عن كونه رقياً وتقدماً. فإلى الذين يحتفلون بهذا العيد ويدعون إليه ويتبعون كل ناعق فيه إن في الدين الإسلامي الحنيف الغنية عن ذلك العيد، فلقد أكرم المرأة وصان آدميتها في كل الأيام، وليس بتخصيص يوم واحد من العام، وإنما أوصى بها خيراً على الدوام، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً" 2 وصية خالدة لها ولصالحها، كل ذلك لتعيش المرأة في ظل الإسلام معززة مكرمة.   1 انظر: العقلية الإسلامية وفكرة المولد لعلي بن محمد العيسى (125ـ126) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب النكاح، باب الوصايا بالنساء (9/253) ، حديث (5186) ، وصحيح مسلم، كتاب الرضاع. باب الوصية بالنساء، (2/1090) ، حديث (1468) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وقد أكد صلى الله عليه وسلم تلك العناية بالأم خصوصاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك" 1. فتقدير الأم والحفاوة بها في كل زمان ومكان لا يقتصر على تخصيص يوم واحد لها من العام، ثم تنسى بعد ذلك، وليس من البر أن يفعل مثل هذا. وبهذا يتبين بدعية هذا العيد وبطلانه. عيد الميلاد: ويكون هذا الاحتفال بكل سنة تمضى من حياة الفرد فمثلاً يحتفل الوالدان بمرور سنة على ميلاد ابنهما وفي السنة الثانية يحتفلون بمرور سنتين على ميلاده، وهكذا. وكذلك الأب والأم والأخوة الكل يحتفل بالعيد على هذا المنوال، ويكون الاحتفال في اليوم الذي يوافق ولادة المحتفل به. والعادة في هذا الاحتفال إقامة الزينات ودعوة الأقارب والأصدقاء، فيصطحب كل منهم هدية لصاحب هذا العيد. " ويكون الاحتفال بتجهيزات خاصة معروفة قوامها الحلوى، والتي تعرف بحلوى الميلاد وهي عبارة عن قطعة حلوى دائرية الشكل وترفع إلى عدة أدوار   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحابة، (10/401) ، حديث (5871) ، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين (4/1974) ، حديث (2548) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 تعلوها الشموع المضاءة، والتي تمثل سنوات عمر المحتفل به إن كان صغيراً وبعدد العقود إن كان كبيراً، فمثلاً إذا كان عمره أربع سنوات وضعوا أربع شمعات، وإذا كان كبيراً وعمره ستون سنة مثلاً، وضعوا ست شمعات على أساس أن كل عقد من عمره له شمعة واحدة1. ثم بعد ذلك يجتمعون حول هذه المائدة، ويكون المحتفل به في وسطها أمام تلك الشموع، ثم يطفي هذه الشموع بنفخه إياها وسط ترديد الحضور لعبارة " هابي بيرت دي تويو " ومعناها ميلاد سعيد، ومعنى ذلك أن المحتفل به قد مضى من عمره عدد تلك الشموع. ويختلف الاحتفال في هذا العيد بحسب الحالة الاجتماعية وعمر المحتفل به. وهذا العيد من الأعياد التي أحدثها الغرب، والأصل فيه أنه لما حصل في بعض المجتمعات الصناعية التفكك الاجتماعي والأسرى، وضاقت القيم الدينية وزيفت تعاليم النصرانية واليهودية، وصارت الدنيا هي دينهم وديدنهم، أوجدت ضمن ما أوجد مناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الشخص ليكون مناسبة سنوية لا تتكرر كثيراً لإظهار روح المودة والمحبة والمشاركة التي فقدت جذوتها، أو خفت بين أفراد الأسرة والأقارب والأصحاب والجيران، وهو يوم أشبه بيوم التكفير، أو الإبقاء المحدود على رموز المحبة والتراحم التي فقدت2. ويشترك في الاحتفال بهذا العيد كثير من المسلمين تعبيراً عن الفرحة وإظهار المحبة والمودة للمحتفل به.   1 انظر: قاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين (252) . 2 انظر: العقلية الإسلامية وفكرة المولد (128) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فإلى الذين يحتفلون بهذه الأعياد ويدعون إليها إن الدين الإسلامي، قد حد للمسلمين من الأعياد الشرعية ما يغنيهم عن ذلك؛ لأن شرع الله عز وجل كامل ومشتمل على جميع النواحي، كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1. " وكل هذه الأفعال بدع مستهجنة وعوائد مستقبحة وحوادث لا يرضاها الله ورسوله ولا أحد عنده غيرة على دينه، وفيها من تعظيم مواسم أهل الكتاب وتغبيطهم بدينهم الباطل والتشبه في أفعالهم القبيحة شرعاً وعرفاً ما لا يحتاج في تقبيحه إلى دليل، ولا يتوقف فيه إلا من ضل عن سواء السبيل، وهو من أفحش البدع وأقبح المناكير، ومن يضلل الله فما له من هاد"2. فالواجب على المسلم أن تكون له شخصيته المتميزة وأن يعتز بدينه ولا يكون أسيراً لتقليد الغرب ومشابهة الكفار على أن تكون تلك الشخصية بمقتضى شريعة الله، حتى يكون متبوعاً لا تابعاً، وأسوة لا متأسياً. كما أن في ذلك مضاهاة للأعياد الشرعية، وشرع دين لم يأذن به الله كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 3.   1 سورة المائدة، آية (3) . 2 تنبيه الغافلين لابن النحاس (309) . 3 سورة الشورى، آية (21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ولا يمكن أن يتخلص المسلمون من مركب النقص وإحساس غلبة الأعداء وموجة التبعية التي تجتاحهم اليوم والتي تكمن في التشبه بالغرب الكافر من قبل ضعاف الإيمان زاعمين أن ذلك من سعة الأفق، إلا إذا عادوا إلى الكتاب والسنة وتمسكوا بهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 المبحث الثالث: أثر مشابهة الكفار في أعيادهم إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة في الباطن، كما تقدم بيانه؛ وذلك أنها ذريعة إلى الموافقة في القصد والعمل، فإذا أشبه الهديُ الهديَ أشبه القلبُ القلبَ1. فمن الآثار المترتبة على مشابهة الكفار في أعيادهم ما يلي: 1 ـ أن مشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل سبب لنوع من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة. 2 ـ أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزاد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر. كما قد سوَّله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه في أعياد النصارى من الهدايا والأفراح والنفقات وكسوة الأولاد وغير ذلك مما يصير به مثل عيد المسلمين2. 3 ـ إن المشاركة في أعيادهم ينتج عنها فتور الرغبة في العيد الشرعي ومحبته، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:   1 انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/364) . 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/474) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 " فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض عن غيره، بخلاف من صرف همته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه. ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة. ولا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشويق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره، فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، والإحساس بفتور الرغبة يجده كل أحد، فإنا نجد الرجل إذا كسا أولاده أو وسع عليهم في بعض الأعياد المسخوطة، فلا بد أن تنقص حرمة العيد الشرعي من قلوبهم"1. 4 ـ إن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم، بما هم عليه من الباطل، فيطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء، وهذا أمر محسوس لا يستريب فيه عاقل فكيف يجتمع ما يقضي إكرامهم بلا موجب مع شرع الصغار في حقهم2.   1 انظر: المصدر السابق (1/484ـ485) . 2 انظر: المصدر السابق (1/486) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 5 ـ إنفاق كثير من الأموال والجهود وإضاعة الأوقات في سبيل هذه الأعياد الممقوتة. 6 ـ إدخال بعض العادات السيئة على الاحتفال بالأعياد الإسلامية. ومما تقدم يتضح أن النهي عن موافقة المسلمين ومشاركتهم للكفار في أعيادهم لمصلحة علياً وأهداف عظمى تعود لتحديد شخصية المجتمع الإسلامي، فلكل أمة طابعها الخاص، الذي تنفرد به وعليه يكون صلاحها سواء أكان ذلك في العبادات أو العادات أو المعاملات، فعلى هذا يجب على كل مسلم أن يهجر تلك الأعياد الممقوتة ويصرف همته إلى الأعياد الشرعية التي جعل الله فيها الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الباب الثالث: الأعياد المشروعة وآثارها الحميدة الفصل الأول: تحديد الأعياد الشرعية المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى ... بعد الحديث عن أعياد الكفار من الأمم السالفة والمعاصرة، وما انطوت عليه من رذائل ننتقل إلى الحديث عن الأعياد الإسلامية التي شرعها الله عز وجل لحكمة عظيمة أساسها إخلاص العبادة له جل وعلا والتي هي مجمع السعادة المنشودة. فلقد شرع الله لنا من الأعياد ما يفرحنا دون بطر، وما يحدد شخصيتنا دون تقليد، وما يشيع في حياتنا السعادة والاستقرار، حيث جاء الإسلام وفي الناس عادات وتقاليد، فكان شأنه من تلك العادات والتقاليد أن أقر منها الصالح الذي يسمو بالإنسانية ويرقى بها، ويعطيها القوة والصلاح، ورفض ماعدا ذلك. فلهذا أقر الإسلام مبدأ الأعياد ورسم لمعتنقيه الطريق للحفاوة بها والسعادة فيها، دون أن يطلق الغرائز إطلاقاً يعود بالضرر على الناس، أو يكبتها كبتاً يؤدي إلى الانفجار، كما أن الإسلام اتجه بالأعياد اتجاهاً يسمح للفرد بالمتعة الحلال، ويغري أن تتسع دائرة المتعة بالعيد، فتشمل أكبر عدد ممكن من المسلمين، أو تشمل المسلمين جميعاً1. وفيما يلي سأذكر تلك الأعياد في المباحث التالية: المبحث الأول: الأعياد الزمانية الشرعية لقد دلت الأدلة على أن الله شرع للمسلمين أعياداً زمانية، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة وعيد الجمعة، وإليك التفصيل: المطلب الأول: عيد الفطر والأضحى: - أولاً: تعريفهما: عيد الفطر: هو يوم الفطر نفسه، وهو أول يوم من شوال. أما عيد الأضحى: فهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يلي عرفة 2. - ثانياً: الأدلة على مشروعيتهما: 1 - من الكتاب: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 3. قال عكرمة وعطاء وقتادة: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} صلاة العيد يوم النحر {وَانْحَرْ} نسكك 4.   1 الحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي د / أحمد شلبي (159) . 2 الأم للشافعي (1/230) ، والمحلى لابن حزم (5/81) . 3 سورة الكوثر، آية (2) . 4 تفسير البغوي (4/534) . وانظر: تفسير ابن كثير (5/558-559) ، وفتح القدير للشوكاني (5/502) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 1. وقد جاء في تفسيرها: أي أعطى صدقة الفطر وصلى صلاة عيده 2. 2 - من السنة: أ - عن أنس رضي الله عنه قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية. فقال: "إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر" 3. ب - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت بيوم الأضحى عيداً جعله الله تعالى لهذه الأمة" 4.   1 سور الأعلى (14-15) . 2 تفسير البغوي (4/476-477) . 3 تقدم تخريجه، ص (88) . 4 سنن أبي داود كتاب الأضاحي، باب ما جاء في إيجاب الأضاحي (3/93) ، حديث (2789) ، وسنن النسائي، كتاب الضحايا، باب من لم يجد الأضحية (7/212-213) ، وسنن الدارقطني، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك (4/282) ، ومسند الإمام أحمد (2/169) ، والمستدرك للحاكم كتاب الأضاحي (4/223-224) ، وقال: حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 المطلب الثاني الأدلة على أن أيام التشريق وعرفة أيام عيد 1 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" 1. 2 - عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى 2 بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: "دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" 3. قال النووي قوله: "أيام منى" يعني: الثلاثة بعد النحر وهي أيام التشريق ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليها في كثير من الأحكام لجواز التضحية وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك 4.   1 سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم أيام التشريق (3/143-144) ، حديث (773) ، وقال: حديث حسن صحيح، وسنن أبي داود، كتاب الصوم، باب صيام أم التشريق (2/320) ، حديث (2419) ، وسنن النسائي، كتاب مناسك الحج، باب النهي عن صوم يوم عرفة، (5/252) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصيام، باب الأيام التي نهى عن صومها (4/298) ، ومسند الإمام أحمد (4/152) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الصوم (1/434) ، وقال: صحيح ووافقه الذهبي. 2 أي مغطى. انظر: القاموس المحيط (1669) . 3 تقدم تخريجه، ص (21) . 4 شرح صحيح مسلم للنووي (6/184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 3 - وعن عمار بن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} وعنده يهودي فقال: لو أنزلت هذه الآية علينا اتخذنا يومها عيداً، فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين: في يوم الجمعة، ويوم عرفة 1. 4 - عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب". وفي رواية بزيادة: "وذكر لله" 2. قال ابن رجب: إنما نهى عن صيام أيام التشريق؛ لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء.. وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل والشرب فيها سر حسن، وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم فهم في ضيافة الله عز وجل فيها لطفاً من الله بهم ورأفة ورحمة وشاركهم أيضاً أهل الأمصار في ذلك 3. من هذه النصوص يتضح أن أيام التشريق ويوم عرفة أيام عيد وأيام شكر ومغفرة للمسلمين.   1 سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة (5/250) ، حديث (3044) ، وقال: حديث حسن غريب. وابن جرير في تفسيره (6/82) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/45) . 2 صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق (2/800) ، حديث (1141) . 3 لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب (304-305) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 المطلب الثالث: يوم الجمعة 1: - أولاً: الأدلة على مشروعيتها: 1 - من الكتاب: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 2. 2 - من السنة: ما جاء عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" 3. - ثانياً: الأدلة على أنها يوم عيد: لقد وردت النصوص على أن يوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين فمن ذلك ما يلي:   1 بضم الميم وإسكانها وفتحها والأصل فيها التخفيف، وسميت بذلك لاجتماع الناس فيه. انظر: لسان العرب (8/58) . مادة (جمع) والنهاية لابن الأثير (1/297) ، وكانت العرب تسميها في الجاهلية بالعروبة. انظر: الأزمنة والأمكنة لقطرب (36) . 2 سورة الجمعة، آية (9) . 3 صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة (2/591) ، حديث (865) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 1 - عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قلبنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق" 1. 2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده" 2. 3 - عن إياس بن أبي رملة الشامي قال شهدت معاوية سأل زيد بن أرقم رضي الله عنه شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا، قال: نعم صلى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة فقال: "من شاء أن يجمع فليجمع" 3.   1 تقدم تخريجه، ص (30-31) . 2 مسند الإمام أحمد (2/303-532) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الصوم (1/437) ، وقال: هذا حديث صحيح، وصحيح ابن خزيمة، باب الدليل على أن الجمعة يوم عيد (3/315-316) ، حديث (3161) ، ورواه البزار كما في كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي، باب ما جاء في صوم يوم الجمعة (1/499) ، حديث (1069) ، وقال في مجمع الزوائد (3/199) ، إسناده حسن. 3 مسند الإمام أحمد (4/372) ، واللفظ له، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم (1/415) ، حديث (1310) ، وسنن النسائي، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد (3/194) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيد، باب اجتماع العيدين (3/317) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الجمعة (1/288) ، وقال: حديث صحيح، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 4 - روى ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "من كان منكم متطوعاً من الشهر فليكن صومه يوم الخميس ولا يصوم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر" 1. فهذه الأحاديث تدل صراحة على أن الجمعة عيد من أعياد المسلمين، وممن ذكر أن من خصائص الجمعة كونها عيداً ابن القيم والسيوطي وغيرهما 2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة عيداً في غير موضع ونهى عن إفراده بالصوم لما فيه من معنى العيد 3. وقال ابن رجب في معرض كلامه عن الأعياد فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات، فإن الله عز وجل فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم فيه شرع لهم في يوم استكمالهم وهو اليوم الذي كمل فيه خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها، وفيه ينتهي أمد الدنيا وتقوم الساعة. فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة وجعل ذلك لهم عيداً 4.   1 المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الصيام (3/44) ، وأورده ابن حجر في الفتح (4/235) ، وقال: إسناده حسن. 2 انظر: زاد المعاد لابن القيم (1/381) ، ونور اللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي (1/452) . 3 اقتضاء الصراط المستقيم (1/452) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ومما تقدم من الأدلة يتضح أن الأعياد الزمانية الشرعية هي: يوم الفطر ويوم الأضحى، ويوم عرفة، وأيام التشريق، ويوم الجمعة، فهذه الأيام السبعة هي أعياد المسلمين الزمانية فحسب ولم يشرع الله سبحانه وتعالى سوى هذه الأيام فقط وماعدا ذلك فاتخاذه عيداً أو موسماً بدعة لا أصل له في الشريعة ولا يقوم عليه دليل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 المبحث الثاني: الأعياد المكانية الشرعية - العيد المكاني: كما هو معلوم أن العيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة، أو لغيرها 1. وكما حدد الشارع الأعياد الزمانية نجده قد حدد الأعياد المكانية وهي تلك الأماكن التي يقصدها المسلمون في موسم الحج وهي ما تعرف بالمشاعر. والحج في اللغة: القصد وكثرة الاختلاف والتردد. وقيل: كثرة القصد إلى معظم 2. وفي الاصطلاح: قصد مكة للنسك في زمن مخصوص 3. ومواطن هذا النسك: البيت الحرام، ومنى وعرفة، ومزدلفة. أمكنة فاضلة ومشاعر معظمة تؤدى فيها هذه العبادة استجابة لأمر الله وابتغاء لمرضاته، وتلك هي الأعياد المكانية التي شرعها الله عز وجل لأهل الإسلام. وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم: " فالمسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبد فيها عيداً " 4.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/660) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (1/190) . 2 القاموس المحيط (234) . 3 كشاف القناع للبهوتي (2/375) ، والمغني لابن قدامة (3/217) ، وفتح الباري لابن حجر (3/378) ، ونهاية المحتاج للرملي (3/226) ، والتعريفات للجرجاني (82) . 4 إغاثة اللهفان (1/190) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 - وقد وردت هذه الأماكن في الكتاب والسنة: فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 1. وقال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. وإلى منى يشير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} 3. فالأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي أيام منى ورمى الجمار4. أما السنة فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة،   1 سورة آل عمران، آية (97) . 2 سورة البقرة، آية (198-199) . 3 سورة البقرة، آية (203) . 4 تفسير البغوي (1/178) ، وتفسير ابن كثير (1/245) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية 1. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب.. ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف.. فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس.. ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بآذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بآذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبر وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس.. حتى أتى الجمرة".   1 كانت قريش في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام، مزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزونها ويقفون بعرفات، فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف بالمشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزونه فتجاوزه صلى الله عليه وسلم إلى عرفات لأن الله تعالى قد أمره بذلك في قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} أي سائر الناس العرب غير قريش، حيث كانت تقف بالمزدلفة؛ لأنها منه الحرم، ويقولون: نحن أهل الله في بلدته، فلا نخرج منه. انظر: تفسير البغوي (1/175) ، وابن كثير (1/243) ، وفتح القدير للشوكاني (1/204) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحرت ههنا ومنى كله منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف" 1. وهذا الحديث يدل على الأماكن المذكورة وهي عرفات ومزدلفة ومنى فلم يشرع الله سبحانه وتعالى مكاناً يقصد للعبادة والتقرب فيه إلا هذه الأماكن وماعداها فمبتدع محدث. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ولم يشرع الله تعالى للمسلمين مكاناً يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكاناً يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج كعرفة ومزدلفة ومنى تقصد بالذكر والدعاء والتكبير، لا الصلاة، بخلاف المساجد فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر وفيها الصلاة والنسك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 2. وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة، ولا الدعاء ولا الذكر إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك وإن كان مسكناً لنبي أو منزلاً أو ممراً 3.   1 صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/886-892) ، حديث (1218) . 2 سورة الأنعام، آية (162-163) . 3 مجموع الفتاوى لابن تيمية (27/503-504) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فمما تقدم يتضح أن أعياد المسلمين الزمانية منحصرة في سبعة أيام يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى، ويوم عرفة وأيام التشريق. والأعياد المكانية منحصرة في مواضع الحج ومشاعره المعظمة البيت الحرام وعرفة ومزدلفة ومنى، فمن اتخذ عيداً مكانياً أو زمانياً سوى هذه فقد أحدث في الدين وابتدع وتشبه باليهود والنصارى والمشركين الذين قد أمرنا بمخالفتهم كيف لا وقد أبطل الإسلام أعيادهم وعوضننا عنها بتلك الأعياد الزمانية والمكانية والتي مبناها على إخلاص العبادة وتجريدها للخالق سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 الفصل الثاني: بيان أن الله تعالى أغنى المسلمين بأعيادهم الشرعية المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية ... المبحث الأول: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية الدين الإسلامي دين الوسطية لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا إجحاف، هذا هو حال الإسلام في جميع أموره لا يعتني بناحية دون أخرى، وهذه الوسطية تدل على اعتداله، حيث يتناول جانبي النفس الإنسانية الجانب الروحي والجانب المادي؛ وذلك بتلبية حاجتهما بعيداً عن المغالاة في التجرد الروحي، أو الإغراق في الجانب المادي؛ وذلك في حدود ما يحفظ هذا البناء ويجعله قوياً متماسكاً. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} 1. وذلك أن الناس كانوا قبل ظهور الإسلام على قسمين: قسم تقضي عليه تقاليده بالمادية المحضة فلا هم له إلا الحظوظ الجسدية كاليهود والمشركين، وقسم: تحكم عليه تقاليده بالروحانية الخالصة وترك الدنيا، وما فيها من اللذات الجسمانية، كالنصارى والصابئين وطوائف من وثني الهند وأصحاب الرياضات. أما الأمة الإسلامية فقد جمع الله لها في دينها الحقين حق الروح وحق الجسد وإن شئت قلت إنه أعطاها جميع الحقوق الإنسانية، فإن الإنسان جسم وروح 2.   1 سورة البقرة، آية (143) . 2 تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (2/514) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ولقد تجلت هذه الأمور في الاحتفال بالأعياد الإسلامية، حيث جمعت بين زاد الروح وزاد الجسد والأعياد الشرعية مرتبطة بعبادات جليلة وفرائض مكتوبة. " حيث تأتي بعد فترة يمتحن فيها الإنسان في فضيلتين من الزم الفضائل له في حياته الخاصة، وحياته العامة، وهما التضحية وضبط النفس " 1. وذلك أن كل قوم لهم يوم يتجملون فيه ويخرجون من بلادهم بزينتهم وتلك عادة لا ينفك عنها أحد من طوائف العرب والعجم. ولقد وصل صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: "قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" 2. وإنما بدلا لأنه ما من عيد في الناس إلا وسبب وجوده تنويه بشعائر دين، أو موافقة أئمة مذهب أو شيء يضاهي ذلك، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم إن تركهم وعادتهم أن يكون هناك تنويه بشعائر الجاهلية وترويج لسنة أسلافهم، فأبدلهما بيومين فيهما تنويه بشعائر الملة الحنفية، وضم التجمل فيهما ذكر الله وأبواباً من الطاعات، لئلا يكون اجتماع المسلمين بمحض اللعب، ولئلا يخلو اجتماع منهم من إعلاء كلمة الله. فأحدهما: يوم فطر صيامهم وأداء نوع من زكاتهم، فاجتمع الفرح الطبيعي، من قبل تفرغهم عما يشق عليهم وأخذ الفقير الصدقات.   1 الإسلام دعوة عالمية لعباس العقاد (69) . 2 سبق تخريجه، ص (80) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 و"العقلي" من قبل الابتهاج مما أنعم الله عليهم من توفيق أداء ما افتراض عليهم، وأسبل عليهم من إبقاء رؤوس الأهل والولد إلى سنة أخرى 1. " فعيد الفطر مترتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون المفروض عليهم واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار شرع لهم عقب ذلك عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره، وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة 2. فهذا العيد مرتبط بالسرور الذي يحصل عليه المسلم، وقد استطاع أن يلبي أمر ربه بصيام شهر رمضان، فهو يفرح بأن كملت له هذه النعمة وتمت له هذه الغاية 3. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطرة , وإذا لقي ربه فرح بصومه" 4. الثاني: عيد الأضحى فهو يوم أمر ذبح إبراهيم ولده إسماعيل عليهما السلام، وإنعام الله عليهما بأن فداه بذبح عظيم إذ فيه تذكر لحال أئمة الملة   1 حجة الله البالغة للدهلوي (2/30ـ31) وبلوغ الأرب للألوسي (1/364ـ365) . 2 انظر: لطائف المعارف لابن رجب (287) . 3 انظر: الحياة الاجتماعية، د/ أحمد شلبي (145) . 4 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم (4/118) ، حديث (1904) ، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصوم (2/806ـ807) ، حديث (1151) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 الحنيفية، والاعتبار بهم، وفيه تشبه لما بالحاج وتنويه بهم وشوق هم فيه؛ ولذلك شرع التكبير 1. وهو قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} 2. وهو يوم النحر وأكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحج، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم وكمل يوم عرفة واعتق الله عباده المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك، وشرع للجميع التقرب إلى الله بالنسك، وهو إراقة دماء القرابين 3. أما يوم الجمعة: فهو عيد الأسبوع ومتعلق بإكمال الصلوات المكتوبة، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين 4. وفي ذلك يقول ابن القيم إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوماً يفرغون فيه للعبادة ويجتمعون فيه لتذكير المبدأ والمعاد والثواب والعقاب، ويتذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قياماً بين يدي رب العالمين، وكان أحق الأيام بهذا الفرض المطلوب اليوم الذي يجمع الله فيه الخلائق وذلك يوم الجمعة فأدخره الله لهذه الأمة لفضلها وشرفها، فشرع اجتماعهم في هذا اليوم لطاعته وقدر اجتماعهم   1 انظر: حجة الله البالغة (2/31) ، وبلوغ الأرب للألوسي (1/365) . 2 سورة البقرة، آية (185) . 3 لطائف المعارف لابن رجب (287) . 4 انظر: المصدر السابق (287) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 فيه مع الأمم لنيل كرامته، فهو يوم الاجتماع شرعاً في الدنيا وقدراً في الآخرة 1. فهذه الميزة من الخصائص التي اختصت بها الأعياد الشرعية على ما سواها من أعياد الأمم والمبتدعة، وهي تأتي في أفضل أوقات السنة " فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، وهو عيد للمسلمين، ورمضان ميزان العام ويعقبه يوم الفطر وهو عيد للمسلمين، والحج ميزان العمر ويعقبه يوم النحر، وهو عيد للمسلمين 2.   1 زاد المعاد ((1/421) . 2 انظر: المصدر السابق (1/398) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 المبحث الثاني: اشتمالها على تغذية الروح والبدن لقد اشتملت الأعياد الإسلامية على سنن مثلى وصفات جليلة اتسمت بالشمولية التي جعلت المرء المسلم يعمل لدنياه وآخرته موفقاً بين مطالب الروح ومطالب الجسد. وإليك صوراً من هذه السنن تبين ذلك فمنها: 1 ـ مشروعية التجمل للأعياد: لقد شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين في أعيادهم التجمل في الملبس والهيئة؛ وذلك ليظهر المسلم بالمظهر الذي يليق به من نظافة الملبس ونقاء القلب؛ وذلك تأكيد لعوامل الألفة بين المسلمين وإمعاناً في إزالة أسباب النفرة والكراهة فيما بينهم، ولا سيما في تلك المجامع الدينية وما هذا إلا امتثال لأمره عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1. وكما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" 2.   1 سورة البقرة، آية (222) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة (2/356) ، حديث (877) ، وصحيح مسلم، كتاب الجمعة (2/579) ، حديث (844) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وعن أبي سعيد الخدري قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن وأن يمس طيباً إن وجد" 1. وعن مالك عن نافع "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن ليغدو إلى المصلى" 2. وقال ابن قدامة 3: يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر 4. وعن سعيد بن المسيب أنه قال: " سنة الفطر ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال " 5. وجاء في التجمل أيضاً: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق 6 تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجمعة، باب الطيب، للجمعة (2/364) ، حديث (880) وصحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة (2/581) ، حديث (846) . 2 موطأ مالك، كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين (1/177) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب غسل العيدين (3/278) ، والمصنف لعبد الرزاق، باب الاغتسال يوم العيد (3/309) ، حديث (5853) . 3 هو: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي من الأئمة الأعلام في الفقه وأصوله والتفسير والحديث، ولد سنة (541هـ) ، وكانت وفاته (626هـ) . انظر: كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/133) . 4 المغني لابن قدامة (2/37) . 5 المصنف لعبد الرزاق، باب الاغتسال في يوم العيد (3/309) ، حديث (5750) ، والشافعي في الأم (1/205) ، ورواه الفريابي في أحكام العيدين (14) ، وقال الألباني في إرواء الغليل (3/104) ، إسناده صحيح. 6 هو ما غلظ من الحرير والإ بريسم، انظر: النهاية لابن الأثير (1/47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 يا رسول الله ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباس من لا خلاق له" فلبث عمر ما شاء أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة ديباج، فأقبل بها عمر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنك قلت: "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وأرسلت إلي هذه الجبة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبيعها أو تصيب بها حاجتك" 1. فالتجمل يوم العيد كان عادة متقررة بينهم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم فعلم بقاؤها 2. وعن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر يوم الجمعة: "ما على أحدكم لو اشتري ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوب مهنته" 3. وعن نافع أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه 4. فهذه النصوص تدل على مشروعية التجمل ومس الطيب والغسل في الأعياد الإسلامية، وفي ذلك ترويح للنفس والجسد.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب في العيدين والتجمل فيه (2/439) ، حديث (948) ، وصحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة (3/1639ـ1640) ، حديث (2068) . 2 حاشية السندي على النسائي (3/181) . 3 سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة (1/348) ، حديث (1095) ، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب اللبس للجمعة (1/282ـ283) ، حديث (1078) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/181) . 4 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب صلاة العيدين، باب الزينة للعيد (3/281) ، وقال ابن حجر في الفتح (2/439) ، إسناده صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: وأحب أن يلبس الرجل أحسن ما يجد في الأعياد الجمعة والعيدين ومحافل الناس ويتنظف ويتطيب 1. 2 ـ الفرح والسرور في الأعياد: أباح الله سبحانه وتعالى للمسلمين إظهار الفرح والسرور في أعيادهم ابتهاجاً بذلك وترويحاً للنفس، وقد أشارت الأدلة إلى ذلك فمنها: أـ عن أنس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" 2. قال الصنعاني 3: وفيه دليل على أن إظهار السرور في العيد مندوب وان ذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده إذ إبدال الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدين المشروعين ما تفعله الجاهلية في أعيادها، وإنما خالفهم في تعيين الوقتين، والمراد من أفعال الجاهلية ما ليس محظوراً ولا شاغلاً عن طاعة 4.   1 الأم للشافعي (1/206) . 2 تقدم تخريجه، ص (88،125) . 3 هو: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني الكحلاني، ثم الصنعاني المعروف بالأمير، من علماء اليمن، وكان مجتهداً ومحدثاً، ولد سنة (1099) وكانت وفاته (1182هـ) . انظر: البدر الطالع (2/133ـ139) . 4 سبل السلام للصنعاني (2/502) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 ب ـ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث 1 فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني. وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا" 2. ـ والحديث يشير إلى فوائد منها: 1ـ مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى. 2 ـ وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين 3 كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذٍ "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة" 4. ولكن بعض الناس يطلق لنفسه العنان في الاحتفال بالأعياد الإسلامية من حيث الفرح والسرور واللعب والغناء وإحضار آلات الطرب والموسيقي مستدلاً بالأحاديث الواردة في جواز اللعب في العيد على إباحة الغناء والسماع.   1 بالضم موضع في نواحي المدينة كانت به وقائع بين الأوس والخزرج في الجاهلية. انظر: معجم البلدان لياقوت (1/451) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري (449) ، (2/440) ، كتاب العيدين. 3 فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/443) . 4 مسند الإمام أحمد (6/116) ، وصححه الألباني كما في الأحاديث الصحيحة (4/443) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وبالنظر إلى الأحاديث الواردة في جواز اللعب والغناء والفرح في أيام العيد نجد أنه لا دليل لهم في ذلك. حيث جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث، وقالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ب كر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا". فقولها: "ليستا مغنيتين" قال ابن حجر نقلاً عن القرطبي 1. أي ليستا ممن يعرف بالغناء، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن. وقد استدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة رضي الله عنها بهذا القول " فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما اللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب بفتح النون وسكون المهملة، وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح 2.   1 هو: أحمد بن عمر بن إبراهيم أبو العباس الأنصاري القرطبي، فقيه مالكي من رجال الحديث يعرف بابن المزين، ولد سنة (578) ، وكانت وفاته بقرطبة (656هـ) . انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (1/240) ، والبداية والنهاية (13/226) . 2 فتح الباري، شرح صحيح البخاري ((2/443) ، ومن أراد استيفاء الأدلة في تحريم الغناء وسماعه فليرجع إلى الكلام على مسألة السماع لابن القيم، وإغاثة اللهفان (1/224ـ268) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وهذا كاف في الرد على من استدل بأحاديث الباب على إباحة الغناء وسماعه. 3 ـ مشروعية التكبير وذكر الله في الأعياد: من شعائر الأعياد الإسلامية التكبير فيها لما في ذلك من التوحيد لله عز وجل وإخلاص العبادة والانقياد له بالطاعة، حيث يهتف المسلمون بذلك امتثالاً لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} 1. وذلك شكراً لله عز وجل أن مكنهم بفضله ومنته من صيام رمضان وقيامه وإن سهل لهم أداء فريضة الحج. ومما يدل على مشروعية التكبير ما جاء عن أم عطية أنها قالت: "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" 2. قال الخطابي 3: " الحكمة من التكبير في هذه الأيام هو أن الجاهلين كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له وعلى اسمه عز وجل 4.   1 سورة البقرة، آية (185) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة (2/462) ، حديث (971) . 3 هو: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي، فقيه محدث، ولد سنة 319هـ، وكانت وفاته في 388هـ. انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (3/1018ـ1020) . 4 انظر: فتح الباري 02/461ـ462) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وجاء استحباب الإكثار من الصلاة على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ" 1. وفي ذلك يقول ابن القيم: " ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكرِه وحمدِه وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته 2.   1 سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة (1/275) ، حديث (1047) ، وسنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب في فضل الجمعة (1/345) ، حديث (1085) ، وسنن النسائي، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة (3/91ـ92) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الجمعة، باب ما يؤمر في ليلة الجمعة ويومها (3/248ـ249) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الجمعة (2/278) ، وقال حديث صحيح ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (1/179) . 2 زاد المعاد لابن القيم (1/376) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 المبحث الثالث: أثر الأعياد الشرعية في التكافل الاجتماعي يحرص الدين الإسلامي دائماً على إتاحة الفرص التي تحقق سعادة الفرد المسلم وتجلب له الراحة، لكي يقوم بالفرائض التي كلفه الله سبحانه وتعالى بالقيام بها؛ وذلك بما يهيئه من أسباب لضمان الكفاية المعيشية، والتي تتمثل في التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم. فمن هذا التكافل ما تمتاز به الأعياد الإسلامية على غيرها، وذلك باقترانها بتشريعات اجتماعية تستهدف البر بالفقراء والمحتاجين والعطف على ذوي الأرحام والأرامل والأيتام. فعيد الفطر يقترن بتشريع زكاة الفطر، وعيد الأضحى يقترن بتشريع نحر الأضحية؛ وذلك للبر بالمعوزين والتوسعة على الفقراء في وقت أعده الله لفرح المسلمين وسرورهم ولجأ الكل إلى المشاركة في بهجة العيد , وأعياد الإسلام شرع فيها؛ ذلك لإزالة الأنانية والشحناء ولإشاعة روح البهجة بين المسلمين. فهذه التشريعات تدعو إلى التكافل والترابط بين أفراد الأمة المسلمة، ففي اقتران عيد الفطر بصدقة الفطر حكم عظيمة وفوائد جليلة، كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم "زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" 1.   1 سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر (2/111) ، حديث (1609) ، وسنن ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر (1/585) ، حديث (1827) ، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الزكاة (4/164) ، وسنن الدارقطني، كتاب الزكاة (2/138) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الزكاة (1/409) ، وقال حديث صحيح، ووافقه الذهبي. وقال النووي في المجموع (6/126) إسناده حسن. وحسنه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (1/306) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ـ فلمشروعية زكاة الفطر حكمتان: الأولى: ترجع إلى الصائم، وهي تطهير نفسه مما عساه أن يكون قد وقع فيه، وهو صائم من لغو القول وفحشة، وللحسنات أثرها الطيب في إزالة السيئات. قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: "واتبع السيئة الحسنة تمحها" 2. الثانية: ترجع إلى تلبية الإحساس بحاجة أخيه المسلم فتكون عنوناً له وسداً لحاجته وفاقته في العيد، وهي بهذا تكون مظهراً عملياً للتضامن الذي يبنى المجتمع الإسلامي على أساس منه. فيكون الفرح شاملاً للفقير والغنى؛ وبذلك تحصل وحدة السرور والغبطة بينهما كما حصلت الوحدة في الصيام. ومن هنا يتضح أن زكاة الفطر وسيلة تعاون وتضامن بين أفراد المجتمع المسلم؛ وذلك لتحقيق التماسك والترابط في البناء الاجتماعي الإسلامي الذي يتساوى فيه الغني والفقير، حيث تجبر بها خواطر الفقراء وتزول من النفوس النفرة للأغنياء.   1 سورة هود، آية (114) . 2 سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس (4/355) ، حديث (1978) ، وقال حديث حسن صحيح، ومسند الإمام أحمد (3/153) ، وسنن الدارمي، كتاب الرقائق، باب في حسن الخلق (2/323) ، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (1/86) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ونجد أن تشريع الأضحية مرتبط بأعظم مواسم المسلمين وأكبر أعيادهم "عيد الأضحى" ولقد اجتمع في هذا العيد المبارك الصلاة والنسك كما في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ْ} 1. وهما من أعظم العبادات لله عز وجل. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين وهما: الصلاة والنسك، الدالتان على القرب والتواضع وحسن الظن، وقوة اليقين وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته وأمره، وخلقه وفضله عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله، الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم يسألونه إياها، والذين لا ينحرون له خوفاً من الفقر، وتركاً لإعانة الفقراء وإعطائهم وسوء الظن منهم بربهم؛ ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2. فشكر المنعم عليه وعبادته أعظمها هاتان العبادتان: الصلاة والنحر؛ لأن أجل العبادات المالية النحر وأجل العبادات البدنية الصلاة، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم كثير الصلاة لربه كثير النحر 3. فعلى هذا فالأضحية شعيرة من شعائر المسلمين وسمة من سمات الاحتفال بعيد الأضحى.   1 سورة الكوثر، آية (2) . 2 سورة الأنعام، آية (162) . 3 مجموع الفتاوى (16/531ـ532) ، باختصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 ـ إنها من أجل العبادات المالية، وهي تدعيم لرابطة الأخوة بين المسلمين وإعانة للفقراء والمحتاجين في العيد. ـ إن النحر عبادة وقربة إلى الله تعالى، وهذا ما يميز أعياد المسلمين ويترفع بها عن أعياد المشركين وما يقربون فيها لآلهتهم من القرابين والذبائح. ومن هنا تتجلى حكمة مشروعية الأضحية وارتباطها بعيد الأضحى، فهي توسعة على الفقراء والمساكين، وربط لمشاعر المسلم في أي بقعة على ظهر الأرض بالمسلمين في منى ليكون هناك وحدة في الهدف والعمل. " ولئن كان المشركون يذبحون هذه القرابين للأصنام رجاء النفع والضر، فإن المؤمن لا يذبح لصنم ولا وثن، وإنما يتقرب بنسكه إلى الله وحده مخلصاً له العبادة جل وعلا، وهي تحمل في طياتها ذكرى الفداء لإسماعيل عليه السلام. فهي مع كونها توسعة وصدقة ومعونة لأهل الحاجة من الضعفاء قربة لله عز وجل 1. كما جاء أن يوم الجمعة يستحب فيه الصدقة، كما في حديث أبي سعيد الخدري أنه جاء رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة 2 فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصليت قال: لا. قال: صل ركعتين وحث الناس على الصدقة فألقوا ثياباً فأعطاه منها ثوبين، فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فحث الناس على الصدقة فألقى أحد ثوبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء   1 انظر: تفسير ابن كثير (2/198) . 2 أي رثه. انظر: غريب الحديث لابن الجوزي (1/62) ، والنهاية لابن الأثير (1/110) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 هذا يوم الجمعة بهيئة بذة فأمرت الناس بالصدقة فألقوا ثياباً فأمرت له منها بثوبين، ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة فألقى أحدهما فأنتهره فقال خذ ثوبك " 1. ويقول ابن القيم عند ذكره لخصائص يوم الجمعة: " إن الصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور " 2. فما تقدم يتضح أن جميع الأعياد الشرعية جاء فيها الحث على الصدقة والبر والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، وذلك من أهم الروابط بين أفراد الأمة الإسلامية، فالدين الإسلامي يدعو إلى التكافل والتعاون في كل وقت. وهذا مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 3. وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" 4. ولا يقتصر مغزى العيد على هذا الحد، بل يتجلى أثره في التكافل الاجتماعي بما يضيفه على القلوب من أنس وعلى النفوس من بهجة وعلى   1 سنن النسائي، كتاب الجمعة، باب حث الإمام على الصدقة يوم الجمعة في خطبته (3/106) ، سنن الترمذي، كتب الجمعة، باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب (2/106) . 2 زاد المعاد لابن القيم (1/407) ، ونور اللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي (98) . 3 سورة الحجرات، آية (10) . 4 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (10،438) ، حديث (6011) ، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم (4/1999ـ2000) ، حديث (2586) ، واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الأجسام من راحة وهو ما يدعو إليه من تجديد أواصر الحب بين الأصدقاء والتراحم بين الأقرباء والتعاون بين الناس جميعاً. ففي العيد تتقارب النفوس على الود، وتجتمع على الألفة، وفي العيد يتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق ويتصافون بعد كدر، ويتصافحون بعد انقباض، وفي ذلك كله تجديد للصلة الاجتماعية بين الناس على أقوى ما تكون حباً ووفاءً وإخاءً 1. كما تتجلى قوة البناء الاجتماعي للمسلمين في أداء الصلاة لهذه الأعياد، فصلاة الجمعة والعيدين من أكبر الشعائر الإسلامية التي تعطى القوة للمسلمين أمام الأمم الأخرى. حيث اجتماع الكلمة بين المسلمين ووجود التآلف والتراحم لاجتماعهم في مسجد واحد، أو مساجد متعددة كما أن فيها معنى المساواة لا التي تترنم بها الأمم الأخرى. حيث يقف المسلم الفقير بجانب الغني بلا فارق ولا تميز 2 وإنما يكون الفضل بالتقوى كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 3. وما أحوج الأمة الإسلامية في أعيادها إلى تطبيق هذه المثل لكي يعيش المجتمع الحياة السعيدة التي تنادي بها الشريعة، وإلى نبذ الخلافات والأحقاد   1 أخلاقنا الاجتماعية. د/مصطفى السباعي (170) . 2 انظر: الجمعة ومكانتها في الدين لأحمد بن حجر آل بوطامي (67) . 3 سورة الحجرات (13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 والعودة إلى العقيدة الصافية النابعة من الكتاب والسنة؛ وذلك أن الأعياد هي المظهر الحقيقي للأمم، حيث تظهر منه عادات وأخلاق من يحتفل به، وفي ذلك يقول الدكتور السباعي: ومن أراد معرفة أخلاق الأمم فليراقبها في أعيادها إذ تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد هو الذي تسمو أخلاقه الاجتماعية في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حين يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، حتى يخفق فيه كل قلب بالحب والبر والود " 1. فيجب على المسلم مراعاة هذه القيم والمثل التي تدعو إليها الأعياد الشرعية ليحصل بذلك التكامل الاجتماعي وقوة البناء للأمة الإسلامية، ولتكن أمة واحدة في تعاونها وتماسكها، كما أنها واحدة في عبادتها لله وحده لا شريك له كما قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 2.   1 أخلاقنا الاجتماعية لمصطفى السباعي (171) . 2 سورة الأنبياء، آية (92) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 المبحث الرابع: مقارنة بين الأعياد الشرعية والأعياد الأخرى بالنظر إلى أعياد الكفار وما يحدث في أثناء الاحتفال بها نجد أنها مشتملة على ما يجرح الأدب وما يفضي إلى الحرمات وما يدعو إلى الانحلال ونبذ الأخلاق كل هذا مباح عند أربابها بحجة أنها أيام أعياد وأيام فرح وسرور، فلا وازع ديني يمنعهم ولا خلقي يردعهم. فضلاً عن عدم وجود ضابط لتلك الأعياد لدى الأمم والشعوب، حيث تنوعت من عهد إلى عهد ومن عصر إلى آخر، وكانت تقل وتكثر ويزاد فيها وينقص لعدم ثباتها على أصل ولمجاراة الأهواء فيها، فتتغير أسماؤها وتتعدل مواقيتها ومراسم تقاليدها والاحتفال بها بتطور الزمن وتغير الأفكار. وذلك أن جلها من وضع البشر القاصر، حيث نجدها تفتقر إلى وجود العبادة والأخلاق النبيلة فيها، ومع هذا فهي أعياد ضيقة محدودة في إطار معين؛ لأن أصل قيامها على حب الهوى والشهوة، أو الأساطير والخرافة، ويتجلى ذلك في عنايتها بالجانب المادي فقط. فجل الأعياد غير الإسلامية تعتني بالجوانب المادية، وإشباع اللذات الحسية وعدم العناية بالجانب الروحي الذي ينمي الأخلاق ويزرع الصفات الحسنة النبيلة، حيث نجد أن أصحاب هذه الأعياد والمحتفلون بها، قد وقعوا في براثن الرذيلة فسايروا في احتفالاتهم شهواتهم وطلبوا إشباعها بدون ضابط فاتسمت بالمادية وأفرطت في الأنانية والبعد عن المصلحة العامة التي فيها التكافل والرفعة للفرد والمجتمع فضلاً عن الطاعة والعبادة لله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وهذا هو حال الأعياد التي قبل الإسلام، أو التي ابتدعت على غرار تلك الأعياد. وبنظرة يسيرة على الأعياد الشرعية نجد أنها تتميز على غيرها بجوانب وذلك أن مصدرها عن طريق الوحي الكتاب والسنة الذي قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي" 1. من أجل هذا تنفرد الأعياد الشرعية بخصائص تميزها عن سائر الأعياد الأخرى منها: 1 ـ الثبات في العدد والتسمية: من المعلوم أن الأعياد غير الشرعية لا تثبت على عدد معين ولا على اسم واحد، بل تتغير وتتبدل ويزاد فيها وينقص بحسب أصحابها، ومن يحتفل بها من زمن إلى آخر. أما الأعياد الشرعية فهي ثابتة من ناحية العدد والاسم؛ لأنها بوحي من الله فعددها ثلاثة وأسماؤها هي: عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الجمعة. ويلحق بعيد الأضحى أيام التشريق ويوم عرفة، فالأعياد الشرعية إذاً سبعة أيام فقط كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الصحيحة التي تقدم بيانها 2. وماعداها فلا أصل له في الشريعة فيكون محدثاً مبتدعاً.   1 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب أدب القاضي (10/114) ، وموطأ مالك، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر (2/899) . 2 انظر: ص (167-174) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فالأعياد الشرعية إذاً ثابتة العدد فلا تزيد ولا تنقص، ثابتة الأسماء فلا تتغير ولا تبدل، وهي باقية على ذلك كما شرعها الله لعباده. ومن هنا ندرك سر قلق الأعياد غير الشرعية وعدم ثباتها لعدم قيامها على وحي من الله، فهذا الثبات وعدم الاضطراب في الاسم والعدد أحد خصائص ومميزات أعيادنا الشرعية. 2 ـ الثبات في الأزمنة: مما تتميز به الأعياد الشرعية كونها في زمن محدد معلوم، وهذا ما تفتقر إليه كثير من الأعياد الأخرى. فنجد أن عيد الفطر: يكون في أول يوم بعد شهر رمضان أي في اليوم الأول من شهر شوال. وعيد الأضحى: في العاشر من شهر ذي الحجة. وعيد الجمعة: هو العيد الذي يتكرر في كل أسبوع ويقع في يوم الجمعة. وبناءً على هذا يتضح أن الأعياد الشرعية زمنها محدد، حيث تأتي في وقت معلوم، فيحتفل بها العالم الإسلامي اجمع كما أنها تأتي في جميع فصول السنة؛ وذلك لأنها مبنية على التوقيت القمري الذي يختلف موقعه من فصول السنة فلا يقتصر الاحتفال والبهجة بالعيد على موسم دون موسم، أو فصل دون فصل، بل يشمل جميع المواسم وجميع الفصول. وفي ذلك يقول العقاد: وذلك أن التوقيت بالأشهر القمرية في حساب العيدين الإسلاميين كان له أثر في تنزيه هذين العيدين عن كل صلة بالعقائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الجاهلية التي سبقت دعوة الإسلام، فلا ارتباط لهما اليوم بمواقيت عبادة الطبيعة، أو عبادة الكواكب، وليس لهما قوام من الذكريات المادية أو المعاني النفعية، فقد يعود الصيام في أشهر الصيف كما يعود في أشهر الشتاء، وقد يجب الحج مع أوان المرعى والسقاية كما يجب مع كل أوان، وهو عدل في توزيع أيام الفرائض يناسب العدل في تكاليف الدين وأعباء الواجبات. ويناسب العدل في أحوال الأمم التي تؤدي الفرائض وتنهض بتلك الأعباء، ومنها أمم الرعاية والزراعة وأمم التجارة والصناعة وأمم تقيم في كل مناخ وكل إقليم 1. 3 ـ الثبات في الاحتفال بها: بالتأمل في طريقة الاحتفال بالأعياد نجد أنها تختلف من شعب لآخر ومن عصر لعصر؛ وذلك حسب العادات والتقاليد الخاصة بالاحتفال بالعيد والأعياد مظهر من مظاهر الأمم والشعوب يتضح من خلالها قيمة ذلك الشعب وتلك الأمة، من حيث الرقي والانحطاط ومن حيث الرشد والضلال والاستقامة والانحراف. فيتفاوتون في كيفية الاحتفال وغالباً ما يحكم ذلك سبب هذا الاحتفال فقوام الاحتفالات غير الشرعية اللهو المحرم، والمجون الذي يخدش الحياء ويزيل المروءة.   1 أشتات مجمعات في اللغة والأدب لعباس محمود العقاد (98ـ99) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 كما قد يكون سبب هذا العيد ولادة ملك أو وفاة عظيم أو وجود حادثة كونية، أو غير ذلك من الأسباب التي يعتز بها ذلك الشعب، أو تلك الأمة , وهذه هي حال احتفالات الأمم السابقة من اليهودية، أو النصرانية أو المجوسية، وكذلك حال الأعياد المبتدعة. ومن أغرب العادات والتقاليد في الاحتفال بالأعياد ما يحكيه اليعقوبي 1 عن الصينيين في أحد أعيادهم حيث قال أولهم أعياد لأصنامهم، أعظمها عيد في أول السنة، يقال له الزارار، يخرجون إلى مجمع، ويعدون فيه الأطعمة والأشربة، ثم يأتون برجل قد حبس نفسه على ذلك الصنم العظيم، وعلى جميع شهواته، وتمكن من كل ما يريد، فيتقدم إلى ذلك الصنم، وقد صبر على أصابع يده شيئاً يشعل النار، ثم يحرق أصابعه بالنار ويسرجها بين يدي ذلك الصنم حتى يحترق، ويقع منها ميتاً فيقطع، فمن نال منه شظية، أو خرقة من ثيابه، فقد فاز ثم يأتون برجل آخر يريد أن يحبس نفسه للصنم للسنة الجديدة، فيقف موضعه ويلبس الثياب ويضرب عليه الصنوح 2، ثم يفترقون، فيأكلون ويشربون ويقيمون أسبوعاً وينصرفون 3. أما الأعياد الشرعية فقد بين الله سبحانه وتعالى كيفية الاحتفال بها، حيث جعلها مشتملة على ما يغذي الروح والبدن من الصفات العليا والقيم المثلى التي تعود على المجتمع بالخير والصلاح والتي تقوي صلة العبد بربه.   1 هو: أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي مؤرخ جغرافي من أهل بغداد، توفي بعد 292هـ. انظر: الأعلام للزركلي (1/95) . 2 آلة ذات أوتار يضرب بها. انظر: القاموس المحيط (250) ، والمصباح المنير (1/349) . 3 تاريخ اليعقوبي (1/183ـ184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 فطريقة الاحتفال بالأعياد الشرعية ثابتة وهادفة لا تختص بفرد دون فرد ولا إقليم دون إقليم، بل تشمل جميع الأمة الإسلامية. لأنها لا صلة لها بعظيم من العظماء ولا بولايته ولادته ولا بحياته أو موته، فلا ارتباط لها بشخص من الأشخاص أو فعل من الأفعال أو ظاهرة كونية أو حادثة وطنية من الحوادث، بل إنها تسمو عن ذلك كله فشعار الاحتفال بالأعياد الشرعية إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والصلاة والصدقة والبر والإحسان والتكافل بين المجتمع صغيرة وكبيرة غنية وفقيرة. وذلك لارتباطها بعبادات عظيمة وتشريعات جليلة، فعيد الفطر يعقب صوم رمضان وشرعت فيه صدقة الفطر. وعيد الأضحى يأتي عقب الحج وشرعت فيه الأضحية، وعيد الجمعة عقب الصلوات المفروضة ويستحب فيه الصدقة. فهذه بعض ما تتميز به الأعياد الشرعية على غيرها تواد وتراحم تعاطف وتكافل، متع حلال وفرح وسرور مع شكر الله عز وجل وإخلاص العبادة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الباب الرابع: الأعياد والمواسم المبتدعة وأثرها السيء الفصل الأول: في البدعة المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة ... المبحث الأول: تعريف البدعة في اللغة ـ البدعة في اللغة: اسم من الابتداع، يقال بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه أنشأه وبدأه. وبدع الركية استنبطها وأحدثها … والبديع والبدع الشيء الذي يكون أولاً. وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} 1. أي ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير 2. وفلان بدع في الأمر أي أول لم يسبقه أحد … وأبدع وابتدع: أتى ببدعة قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} 3. والبدعة الحدث: وبدّعه نسبه إلى البدعة. والبديع المحدث العجيب والبديع المبدع. وأبدعت الشيء اخترعته لا على مثال. والبديع من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع الأول قبل كل شيء كما قال سبحانه وتعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 4. أي خالقها ومبدعها، فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق.   1 سورة الأحقاف، آية (9) . 2 تفسير البغوي (4/162) . 3 سورة الحديد، آية (27) . 4 سورة البقرة، آية (117) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ويقال: سقاء بديع: أي جديد وشيء بدع بالكسر أي مبتدع، وأبدعت الإبل بركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال وأبدعت هي كلت وعطبت 1. ومما تقدم يتضح أن البدعة في اللغة لها معنيان: أحدهما: الشيء المخترع على غير مثال سابق ومنه قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} 2. وقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 3. الثاني: التعب والكلال يقال في الإبل إذا هزلت وانقطعت في الطريق، وكما جاء في الحديث "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أني أبدع بي فاحملني" 4. أي انقطع بي لكلال راحلتي. كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعاً إنشاء أي أمر خارج عمّا اعتيد منها 5. فالباء والدال والعين أصلان لشيئين: أحدهما: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال سابق.   1 انظر: لسان العرب (8/6ـ7) ، ومادة (بدع) ، والقاموس المحيط (906ـ907) . 2 سورة الحديد، آية (27) . 3 سورة البقرة، آية (27) . 4 صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب، وغيره (3/1506) ، حديث (1893) . 5 انظر: لسان العرب (8/7) ، مادة بدع، والنهاية لابن الأثير، ص (107) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 والثاني: الانقطاع والكلال 1. والبدعة تطلق في عالم الشر والخير 2 وأكثر ما تستعمل عرفاً في الذم 3، كما أن كلمة بدعة غلب استعمالها فيما نقص من الدين، أو زيد فيه 4. فالبدعة إذاً اسم هيئة من الابتداع كالرفعة من الارتفاع وهي كل شيء أحدث على غير مثال سابق 5.   1 معجم مقاييس اللغة لابن فارس (1/209) . 2 لسان العرب (8/6) . 3 النهاية لابن الأثير (1/107) . 4 المصباح المنير (1/44) . 5 المصدر السابق (44) . وانظر: البدعة وأثرها السيء على الأمة لسليم الهلالي (6) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 المبحث الثاني: تعريف البدعة في الاصطلاح لقد عرف عدد من العلماء البدّعة في الاصطلاح بتعريفات كثيرة تدل على معنى واحد وهو الإحداث في الدين بما يخالف الكتاب والسنة، وهذه التعريفات لا تخرج عن هذا المعنى، وإن اختلفت ألفاظها وتفاوتت في استيفاء جزئيات تعريفها. 1 ـ ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب ما أمر به أمر إيجاب، أو استحباب وعُلم الأمر به بالأدلة الشرعية فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك وسواءً كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلمأو لم يكن" 1. وقال أيضاً: " والبدعة ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات " 2. 2 ـ ويقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ 3: " هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله " 4.   1 مجموع الفتاوى (4/107ـ108) . 2 المصدر السابق (18ـ346) . 3 أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الشهير بالشاطبي أصولي حافظ وفقيه، محدث توفي (790هـ) . انظر: معجم المؤلفين (1/118) . 4 الاعتصام (1/371) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 3 ـ ويقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ: " والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة " 1. 4 ـ ويقول ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ: " البدعة أصلها ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع مقابل السنة فتكون مذمومة " 2. وقد نص على ذلك الطرطوشي 3 وابن حجر الهيثمي 4 والسيوطي 5. وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والآثار، حيث تضافرت على ذم البدع والمحدثات في الدين بصفة عامة شاملة لكل محدث ومبتدع. ـ فمن الكتاب: 1 ـ قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 6.   1 جامع العلوم والحكم (265) . 2 فتح الباري (5/253) . 3 أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان الفهري الطرطوشي، فقيه حافظ محدث، ولد سنة (451هـ) ، وكانت وفاته (520هـ) ، انظر: الديباج المذهب (276ـ278) ، ووفيات الأعيان (4/262ـ265) . 4 هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي، فقيه شافعي، ولد بمصر سنة (909هـ) ، وكانت وفاته بمكة (974هـ) . انظر: شذرات الذهب (8/370) ، والبدر الطالع (1/109) . 5 انظر الحوادث والبدع للطرطوشي (34ـ35) ، والفتاوى الحديثية لابن حجر (150ـ151) ، والأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي (88) . 6 سورة المائدة، آية (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن الشريعة قد كملت قبل انتقاله صلى الله عليه وسلم فهي كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان 1؛ لأن الزيادة عليها تعتبر استدراكاً وتوحي بأنها ناقصة. 2 ـ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2. فالمراد بالصراط المستقيم: سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة والسبل الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق، مثل: اليهودية والنصرانية، وسائر الملل والأهواء والبدع 3. وعن مجاهد قال: " ولا تتبع السبل قال البدع والشبهات "4. فأفادت الآية أن طريق الحق واحدة وأن للباطل طرقاً متعددة لا واحدة، وتعددها لم يخص بعدد مخصوص 5. 3 ـ وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 6.   1 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/48) . 2 سورة الأنعام، آية (153) . 3 تفسير البغوي (2/142) ، وانظر: فتح القدير للشوكاني (2/183) . 4 سنن الدارمي، باب في كراهية أخذ الرأي (1/68) . 5 الاعتصام للشاطبي (1/223) ، وانظر: تفسير ابن كثير (2/191) ، 6 سورة القصص، آية (50) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 4 ـ قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. 5 ـ قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. وغير ذلك من الآيات الواردة في ذم البدع وأهلها. ـ ومن السنة: 1 ـ ما رواه العرباض بن سارية، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. فقال قائل يا رسول الله كأنّ هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا فقال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" 3.   1 سورة النور، آية (63) . 2 سورة آل عمران، آية (31) . 3 سنن أبي داود كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4/200ـ201) ، حديث (4607) واللفظ له، وسنن ابن ماجه المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (1/15ـ16) ، وحديث (42) ، وسنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (5/44ـ45) ، حديث (2676) ، وقال حديث حسن صحيح، ومسند الإمام أحمد (4/126ـ127) ، والمستدرك للحاكم، كتاب العلم (1/95ـ96) ، وقال إسناده صحيح ووافقه الذهبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 2 ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.." 1. وفي رواية "وكل محدثة بدعة وكل بدعة في النار" 2. 3 ـ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وفي رواية "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " 3. وغير ذلك من الأحاديث الواردة في ذم الابتداع والآمر بالاتباع وموافقة السنة. ـ ومن الآثار: 1 ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع" 4.   1 صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة (2/592) ، حديث (867) . 2 سنن النسائي، كتاب صلاة العيدين، كيف الخطبة (3/189) ، وسنن ابن ماجه المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل (1/18) ، حديث (46) . 3 صحيح البخاري، كتاب الصلح (2/112) ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (4/268) . صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3/1343ـ1344) ، حديث (1718) . 4 البدع والنهي عنها لابن وضاح (25) ، وسنن الدارمي، باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 2 ـ وقال أيضاً: "ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة حتى تحيا البدعة وتموت السنة" 1. 3 ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" 2. فمما تقدم من الآيات والأحاديث والآثار الواردة في النهي عن البدعة والمحدثات وذمها يتضح لمن أراد الحق أن البدعة في الشرع لا تطلق إلى على ما خالف السنة، وأن البدعة لا تكون إلا مذمومة سواء كانت في العادات، أو العبادات فلا بدعة حسنة إذاً، وهو الراجح؛ وذلك أن هذه الأدلة جاءت في ذم البدع والمحدثات عامة ولم تختص بمحدثة دون أخرى. كما قرر ذلك الشاطبي ـ رحمه الله ـ عند تعريفه للبدعة في الشرع، حيث قال: البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ". وهذا على رأى من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها للعبادات. أما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول: " البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية " 3.   1 مجمع الزوائد للهيثمي، باب الاقتداء بالسلف (1/188) ، وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. وانظر: البدع والنهي عنها لابن وضاح (38ـ39) . 2 مجمع الزوائد للهيثمي، باب في البدع والأهواء (1/181) ، وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. انظر: البدع والنهي عنها لابن وضاح (10) ، والدارمي، باب في كراهية أخذ الرأي (69) . 3 الاعتصام للشاطبي (1/37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وهناك من ذهب إلى القول بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، أو ممدوحة ومذمومة 1. وهذا القول باطل؛ لأن البدع كلها قبيحة ليس فيها حسن، وكلها مذمومة ليس فيها ممدوح، وكلها ضلال ليس فيها هدى، وقد تقدم تقرير ذلك بنصوص من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة. " وإنما قال بهذا التقسيم من لم يفهم مقاصد النصوص على حقيقتها وكلام السلف على وجهته، فاستدلوا ببعض الأحاديث وببعض الآثار وحملوها على غير المراد منها وزعموا أنها تدل على تحسين بعض البدع 2. ـ ومن جملة ما استدلوا به: 1 ـ ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة في رمضان حيث قال: نعم البدعة هذه 3. 2 ـ عموم الأحاديث الواردة في أجر من سن سنة والتي فهموا منها أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة، مثل: أـ ما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شي،   1 انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (9/113) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (22ـ23) ، وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (2/172) . 2 انظر: موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء (1/112) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان (4/250) ، حديث (2010) ، ومالك في الموطأ، كتاب الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان (1/114) ، بلفظ "نعمت البدعة هذه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارها شيء" 1. ب ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم.. الحديث" 2. 3 ـ القول بأنه ليس كل بدعة ضلالة 3. وما احتج به من قال بتحسين البدع من هذه النصوص فليس له فيها حجة لما يلي: أولاً: احتجاجهم بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح " نعمت البدعة هذه ". وجعلوها مخصصة لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" فهو احتجاج مردود ولا تقوم به الحجة لأمور: 1ـ أن صلاة التراويح ليست بدعة في الشريعة، بل سنة بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله ولقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة وذلك لما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" 4.   1 صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة (2/705) ، حديث (1017) . 2 سنن الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة (5/45) ، حديث (2677) ، وقال هذا حديث حسن. 3 ذكره شيخ الإسلام في الاقتضاء (2/583) . 4 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصلاة التراويح، باب فضل قيام رمضان، (4/250ـ251) ، حديث (2012) ، وكتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال (13/264) ، حديث (7290) ، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (1/524) ، حديث (761) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم. فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم عل قارئ واحد، فصارت هذه الهيئة وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما قول عمر رضي الله عنه: " نعمت البدعة هذه " فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه لقالوا قول الصاحب ليس بحجة، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعتقد أن قول الصاحب حجة، فلا يعتقده إذا خالف الحديث. وتسمية عمر رضي الله عنه صلاة التراويح تسمية لغوية، لا تسمية شرعية؛ لأن البدعة اللغوية تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق. أما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي 2.   1 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/193ـ194) ، واقتضاء الصراط المستقيم (2/588ـ591) ، وفتح الباري لابن حجر (4/252) . 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/589ـ590) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وقال ابن رجب: وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدعة اللغوية لا الشرعية 1. 2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين كما ثبت في الحديث الصحيح قوله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور" 2. فأعطى هذا الحديث أن ما سنه الخلفاء الراشدون لاحق بسنته صلى الله عليه وسلم. فعلى هذا فعل عمر رضي الله عنه لم يكن بدعة، بل هو سنة. ثانياً: أما استدلالهم بالأحاديث الواردة في ثواب من سن سنة حسنة، فيجاب عليها بما يلي: 1 ـ لو نظرنا إلى سبب حديث من سن في الإسلام سنة حسنة وقصته نجده في سنة الصدقة وترغيب الناس فيها، فدل ذلك على أن المراد سنة الأحياء وليس المراد به الاختراع ونصه كما يلي: عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار 3 أو العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر 4 وجه رسول الله صلى الله عليه وسلملما رأى بهم من   1 جامع العلوم والحكم لابن رجب (252) . 2 تقدم تخريجه، ص (219) . 3 النمار: هو التخطيط في الثوب بالسواد والبياض. انظر: النهاية لابن الأثير (5/118) ، وانظر: القاموس المحيط (627) . 4 تغير. انظر: القاموس المحيط (614) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 1. والآية التي في سورة الحشر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2. تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال، فجاء رجل من الأنصار بصرة كانت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام، أوثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبه 3. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها.. الحديث". 3 ـ إن قوله: "من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من أصل؛ لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع؛ لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة والجماعة.   1 سورة النساء، آية (1) . 2 سورة الحشر، آية (18) . 3 المذهب الشيء المموه بالذهب. انظر: اللسان (1/395) ، مادة (ذهب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وإنما يقول بالتحسين والتقبيح بالعقل المبتدعة، فلزم أن تكون السنة في الحديث. أما حسنة في الشرع، وأما قبيحة بالشرع، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل" 1. وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها شرعاً 2. 4 ـ أما قولهم: " ليست كل بدعة ضلالة " فيجاب عليه بما يلي: فيه اعتراض على عموم الأحاديث الواردة في ذم البدع والمحدثات، ولقد أجاب شيخ الإسلام بن تيمية على هذا القول بقوله: والجواب: أما القول أن شر الأمور محدثاتها، وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والتحذير من الأمور المحدثات. فهذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع، ومن نازع في دلالته فهو مراغم. ولا يجوز حمل قوله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" على البدعة التي نهي عنها بخصوصها؛ لأن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث.. وهو من نوع التحريف والإلحاد، وليس من نوع التأويل السائغ..   1 صحيح مسلم، كتاب القسامة، باب بيان إثم من سن القتل (3/1302ـ1304) ، حديث (1677) . 2 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/182ـ184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ودلالة الحديث باقية لا ترد بما ذكروه، ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهي قوله: "كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة ـ فإن هذا إلى مشاقه الرسول صلى الله عليه وسلم أقرب منه إلى التأويل 1. ـ وفيه من المفاسد أشياء: أـ سقوط الاعتماد على هذا الحديث، فإن المنهي عنه علم حكمه بذلك التخصيص. ب ـ إن اسم البدعة يكون عديم التأثير. ج ـ ليس كل بدعة جاء عنها نهي خاص، وليس كل ما جاء فيه نهي خاصة بدعة، فالتكلم بأحد الاسمين وإرادة الآخر تلبيس وتدليس. د ـ مساواة البدعة بالمعاصي والحقيقة أن البدعة شر من المعاصي 2. كما قال سفيان الثوري: " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها " 3. وبهذا يبطل استدلال من قال بتحسين البدعة، ولا سيما أن الأدلة الواردة في ذم البدع واضحة الدلالة من وجوه: 1 ـ أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها ولم يقع فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها ما يقتضي أن من البدع ما هو هدى، فلو كان هنالك بدعة   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/583ـ588) . 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/586) ، والبدعة وأثرها السيئ في الأمة (32) . 3 مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/472) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ومحدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان لأشير إلى ذلك في آية أو حديث ولكنه لا يوجد. فدل على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم لا يتخلف عن مقتضاها فرد من أفراد البدعة. 2 ـ أنه قد تقرر في علم الأصول أن كل قاعدة شرعية كلية ودليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص مع تكرارها وإعادة تقررها، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم. وذلك أن الأدلة جاءت متعددة ومتكررة في أوقات شتى وبحسب الأحوال أن كل بدعة ضلالة وأن كل محدثة بدعة ونحو ذلك من العبارات الدالة على عموم ذم البدع والمحدثات في الدين، ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا يفهم منه خلاف ظاهر العموم والكلية فيها، فدل ذلك على أن هذه الأدلة على ظاهرها من العموم والإطلاق. 3 ـ إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان على ذم البدع بدون استثناء والهروب عنها وعن أصحابها، فدل ذلك على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل، الذي يجب تجنبه. 4 ـ أن مفهوم البدعة ومعناها يقتضي عموم ذم البدع كلها؛ لأنها مضاد للشارع وترك للشرع، وكل ما كان كذلك فممتنع أن ينقسم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 حسن وقبيح وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع ومخالفته 1. وبذلك تبين رجحان القول بأن البدعة في الشرع مذمومة، وانه لا بدعة حسنة، وان البدعة تكون في مقابل السنة والله أعلم.   1 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/141ـ142) باختصار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 المبحث الثالث: أسباب انتشار البدعة إن أسباب انتشار البدع كثيرة ومتعددة لا يمكن حصرها وتحديدها؛ ذلك لأنها تتغير وتتجدد وتظهر وتختفي بحسب الدوافع والموانع لها؛ لذا سأقتصر على أهمها باختصار، وهي كما يلي: 1 ـ الجهل بأدوات الفهم: وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن الكريم عربياً لا عجمة فيه، جار في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب. كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1. وغير ذلك من الآيات التي تبين أن القرآن نزل عربياً على أفصح عربي نطق بها محمد صلى الله عليه وسلم. فالشريعة لا تفهم ولا تعطي ما عندها إلا إذا فهم اللسان العربي، هذا وإن كان صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة، فجميع الأمم وعامة الألسنة في هذا الأمر تبع للسان العربي، وإذا كان كذلك فلا يفهم كتاب الله إلا من الطريق الذي نزل عليه، وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها، فيجب على كل مسلم أن يتعلم من اللسان العربي ما بلغه جهده حتى يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويتلو كتاب الله، وينطق به الذكر المفترض عليه من التكبير ونحوه 2.   1 سورة الزخرف، آية (3) . 2 انظر: الاعتصام للشاطبي (2/293ـ294) ، والبدعة والمصالح المرسلة للواعي (125ـ127) ، والرسالة للشافعي (48) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ولكي يسلم من الانحراف عن الدين والوقوع في الابتداع، وكثير من وقع في البدعة بسبب جهله باللسان العربي. 2 ـ الجهل بالدين والسنة وعلومها: مما يترتب على ذلك عدم التمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة؛ لذا فالمبتدعة لا يفرقون بين السنة والبدعة، فيعتمدون على الأحاديث الواهية الضعيفة والمكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى الابتداع والتشويه للشرع والافتراء عليه، فردوا الأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدعون أنها مخالفة للمعقول وغير جارية على مقتضى الدليل 1. متناسين تحذيره صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه كما قال: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" 2. وكما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 3. وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 4. وغير ذلك من الآيات الواردة في التحذير من مخالفته صلى الله عليه وسلم.   1 انظر: الاعتصام للشاطبي (1/224ـ231) ، والبدعة والمصالح المرسلة (152ـ153) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم (1/202) ، حديث (110) ، وصحيح مسلم، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/10) . 3 سورة النور، آية (63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 3 ـ اتباع الهوى: ولقد ذم الله سبحانه وتعالى من يتبعون الهوى ويعرضون عن الحق الذي جاء به الشرع. كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} 1. وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 2. وغير ذلك من الآيات الواردة في ذم الهوى وأصحابه. وفي ذلك يقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ: " لذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة مأخذ الافتقار إليها، أو التعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها وراء ذلك " 3. 4 ـ اتباع المتشابه: وذلك باتباعه وترك المحكم من الآيات والأحاديث وإلى ذلك يشير إلى قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} 4.   1 سورة النجم، آية (23) . 2 سورة الجاثية (23) . 3 الاعتصام للشاطبي (2/176) . 4 سورة آل عمران، آية (7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 فهم يطلبون به أهواءهم لحصول الفتنة، فليس في نظرهم، إذاً في الدليل نظر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمة، بل نظر من حكم بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد 1. 5 ـ القول في الدين بغير علم وقبول ذلك من قائله: وذلك باتخاذ الناس رؤوساً جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم، ويقولون في دين الله بغير علم، حيث تكثر الاستحسانات التي قوامها الأهواء والآراء. كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" 2. 3. ولقد حذر سبحانه وتعالى من القول بغير علم وجعله محرماً كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 4. فالآية تبين تحريم عموم القول في الدين بغير علم 5.   1 الاعتصام للشاطبي (1/221) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/194) ، حديث (100) ، وصحيح مسلم، كتاب العلم، باب رفع القلم وقبضه (4/3058) ، حديث (2673) . 3 البدعة وأثرها السيئ (47) . 4 سورة الأعراف، آية (33) . 5 تفسير البغوي (2/158) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 6 ـ الغلو في الأشخاص: وذلك بالتسليم لغير المعصوم صلى الله عليه وسلم والقول بعصمة الأئمة المتبوعين من الخطأ والتعصب لآرائهم الباطلة، أو تقديس الشيوخ باعتبار أن منازلهم تقارب منازل الأنبياء 1. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الغلو. فقال جل وعلا: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 2. كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك. فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله" 3. وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في النهي عن الغلو وأنه من أسباب الوقوع في الشرك والبدع بريد الشرك والموصلة إليه.   1 انظر: البدعة وتحديدها (245) ، والبدعة وأثرها السيئ في الأمة (48) . 2 سورة المائدة، آية (77) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب أحاديث الأنبياء (6/478) ، حديث (3445) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 المبحث الرابع: أحكام البدع لا شك في أن البدع كلها محرمة مذمومة بإطلاق، ولا بدعة حسنة كما تقدم تقرير ذلك، ولكن هذه البدع تتفاوت، وذلك بحسب إخلالها في الدين، وهي قسمين: بدعة مكفرة. وبدعة غير مكفرة. فضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، من جحود مفروض، أو فرض ما لم يفرض، أو إحلال محرم، أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه، من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل به رسله، كبدعة الجهمية 1 في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وإنكار أن يكون الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم موسى تكليماً وغير ذلك. وكبدعة القدرية 2 في إنكار علم الله عز وجل، وأفعاله وقضائه وقدره وغير ذلك من الأهواء.   1 أتباع الجهم بن صفوان الضال المبتدع، قال الذهبي: هلك في زمان التابعين، وما علمته روى شيئاً، لكنه زرع شراً عظيماً، وكان هلاكه سنة 128هـ. 2 انظر عن القدرية وفرقها: الملل والنحل للشهرستاني (54) ، والبرهان في معرفة عقائد أهل الأديان للسكسكي (50) ، وعون المعبود (12/452ـ453) ، وشرح صحيح مسلم للنووي (1/150ـ151) ، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/384ـ385) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ولكن هؤلاء منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله، فهذا مقطوع بكفره، بل هو أجنبي عن الدين من أعدى أعدائه، وآخرون مغررون ملبس عليهم، فهؤلاء إنما يحكم بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم وإلزامهم 1. أما ضابط البدعة الغير مكفرة، فهي: ما لم يلزم منها تكذيب بالكتاب ولا بشيء مما أرسل الله به رسله، بل ناتجة عن نوع تأويل وشهوات نفسانية 2. وقد ذكر الشاطبي ـ رحمه الله ـ " أن البدع تنقسم باعتبار تفاوت درجاتها إلى كبائر وصغائر، وأشار إلى أن ضابط التفريق بينهما هو ضابط التفريق بين كبائر الذنوب وصغائرها، حيث قال: "وأقرب وجه يلتمس لهذا المطلب ما تقرر في كتاب الموافقات 3، أن الكبائر منحصرة في الإخلال بالضروريات المعتبرة في كل ملة، وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وكل ما نص عليه راجع إليها وما لم ينص عليه جرت في الاعتبار والنظر مجراها، وهو الذي يجمع شتات ما ذكره العلماء، وما لم يذكروه مما هو في معناه، فكذلك نقول في كبائر البدع ما أخل منها بأصل من هذه الضروريات فهو كبيرة، وما لا فهو صغير" 4.   1 معارج القبول للشيخ الحكمي (2/503ـ504) . 2 انظر: المصدر السابق (2/504) . 3 انظر الموافقات (2/4) . 4 الاعتصام (2/57) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 فعلى هذا يكون التفريق بين البدع المكفرة وغير المكفرة، وبين كبائر البدع وصغائرها أن البدعة إذا كانت ناتجة عن إنكار وجحود، كما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهي مكفرة، وإن كانت ناتجة عن تأويل فهي غير مكفرة، ثم إن هذه البدع غير المكفرة متفاوتة، فإن كانت البدعة متعلقة بالضروريات الخمس فيهي كبيرة، وإلا فهي صغيرة. ويجب التنبيه إلى أن هذه ليست قاعدة مطردة مع كل أحد، بل تختلف بحسب حال المبتدع من حيث علمه وجهله، ودعوته إلى البدعة من عدمها، وإصراره عليها، أو عدم إصراره، فقد يكون للصغيرة حكم الكبيرة، وغير المكفرة حكم المكفرة بحسب تلك الأحوال 1.   1 انظر: موقف السنة والجماعة من أهل الأهواء (1/105ـ106) ، والاعتصام للشاطبي (2/58ـ62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الفصل الثاني: بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية * ... المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى لقد اشتملت الأعياد الشرعية على كثير من السنن التي تكفل للمجتمع المسلم بناءه وتزيد في قوة ترابطه وتعود عليه بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة. ولكن كثيراً من الناس لم يكتفوا بذلك ولم تسعهم تلك السنن فزين لهم الشيطان وأملى لهم باستحداث بدع ومخالفات في تلك الأعياد الشرعية، فاستجابوا لرغبته وأحدثوا ما لا يمكن حصره ولا مطمع في استيفائه واعتمدوا في ذلك على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وقلدوا أهل الزيغ والضلال وأطلقوا الشهوات للأنفس فتركوا بذلك كثيراً من السنن المشروعة، وهذا هو حال أهل البدع، فما يرتكبوا بدعة إلا ويتركوا سنة، وهذا يشير إلى أمر خطير في حياة المسلمين إلا وهو البعد عن التمسك بالهدى القويم. فالأعياد الشرعية لن تكون لها قيمتها الحقيقة إلا بنبذ ما اعتراها من بدع ومخالفات والعود إلى الاحتفال بها على الوجه المشروع. لذا سأذكر في هذا جملة من تلك البدع والمخالفات لكي تكون مثالاً ونموذجاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 المبحث الأول: بدع ومخالفات في عيدي الفطر والأضحى لقد لصق بالاحتفال بعيدي الفطر والأضحى كثير من البدع والمخالفات التي شوهت جمالهما، وذلك بالابتعاد عن إقامة السنن التي اشتملت عليها هذه الأعياد، ومن هذه البدع والمخالفات ما يلي: 1 - بدعة صلاة ليلة عيد الفطر وأيضاً صلاة النحر. ويستدلون على ذلك بما روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قام ليلتي العيد محتسباً لله لم يمت قلبه يوم تموت القلوب "1. وحديث "من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" 2.   1 سنن ابن ماجه (1782) ، (1/567) ، فيمن قام في ليلتي العيدين. وقال العراقي في تخريج أحاديث الأحياء (1/328) ، إسناده ضعيف، وقال ابن حجر في التلخيص ذكره الدارقطني في العلل من حديث ثور عن مكحول عنه، قال والصحيح أنه موقوف على مكحول (1/80) ، ورواه الشافعي موقوفاً على أبي الدرداء، الأم (1/231) . 2 مجمع الزوائد للهيثمي (2/198) ، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف وأثنى عليه ابن مهدي وغيره، ولكن ضعفه جماعة كثيرة، والله أعلم. وذكره ابن الجوزي في العلل (898) ، (2/547) ، وقال ابن حجر رواه الحسن بن سفيان من طريق بشر بن رافع عن ثور عن خالد عن عبادة بن الصامت، وبشر متهم بالوضع. انظر: التلخيص (1/80) . وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فصلاة ليلة الفطر صفتها: أن يصلي مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد، عشر مرات. ويستدلون على ذلك بما روي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق أن جبريل عليه السلام أخبرني عن إسرافيل عن ربه عز وجل أنه من صلى ليلة الفطر مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات، ويقول في ركوعه وسجوده عشر مرات: سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر.." الحديث 1. أما صلاة ليلة النحر فصفتها: أن يصلي ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب خمس عشرة مرة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة وقل أعوذ برب الفلق خمس عشر مرة، وقل أعوذ برب الناس، خمس عشر مرة. ويستدلون على ذلك بما روى عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، وقل هو الله أحد خمس عشر مرة، وقل أعوذ برب الفلق خمس عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس خمس عشرة مرة، فإذا سلم قرأ آية الكرسي ثلاث مرات ويستغفر الله خمس عشرة مرة، جعل الله اسمه في أصحاب   1 الموضوعات لابن الجوزي (2/130-131) ، وقال: " هذا حديث لا نشك في وضعه، وفيه جماعة لا يعرفون أصلاً ". وانظر: اللالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي (2/61) ، وقال: "موضوع ". والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني، ص (52) . وقال: "موضوع رواته مجاهيل ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 الجنة وغفر له ذنوب السر وذنوب العلانية وكتب له بكل آية قرأها حجة وعمرة، وكأنما أعتق ستين رقبة من ولد إسماعيل فإن مات فيما بينه وبين الجمعة الأخرى مات شهيداً" 1. 2 - ومنها: صلاة يوم الفطر. ويستدلون على ذلك بما روي عن سلمان الفارسي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى يوم الفطر بعد ما يصلي عيده أربع ركعات يقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالشمس وضحاها وفي الثالثة والضحى وفي الرابعة قل هو الله أحد، فكأنما قرأ كل كتاب أنزله تعالى على أنبيائه وكأنما أشبع جميع اليتامى ودهنهم ونظفهم، وكان له من الأجر مثل ما طلعت عليه الشمس ويغفر له ذنوب خمسين سنة" 2. 3 - ومنها: تأخير الأكل عن صلاة العيد يوم الفطر. وهذا مخالف للسنة فكان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلى العيد حتى يأكل فقد جاء ذلك في الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات" 3.   1 الموضوعات لابن الجوزي (2/134) ، وقال: "حديث لا يصح"، واللاليء المصنوعة للسيوطي (2/62-63) ، وانظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (52) . 2 الموضوعات لابن الجوزي (2/132) ، وقال: "هذا حديث موضوع وفيه مجاهيل". اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي (2/61) ، وقال: "موضوع". الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (52) ، وقال: "موضوع وفيه مجاهيل". 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج (2/446) ، حديث (953) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 والحكمة من ذلك حتى لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد الذريعة، وقيل: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى 1. وقد جاء في عدم الأكل قبل صلاة العيد حديث لا يصح يروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام صبيحة يوم الفطر كأنما صام الدهر" 2. 4 - ومنها: تقديم الأكل على صلاة العيد يوم الأضحى. وهو مخالف للسنة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطعم في عيد الأضحى حتى يرجع من المصلى. فقد جاء في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ويوم النحر لا يطعم حتى يرجع 3. والحكمة في تأخير الفطر يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها، فشرع له أن يكون فطره على شيء منها 4.   1 فتح الباري لابن حجر (2/447) . 2 العلل لابن الجوزي (2/547) ، وقال: هذا حديث لا يصح. 3 سنن الترمذي أبواب العيدين، باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج (2/426) ، حديث (542) ، وسنن ابن ماجه كتاب الصيام، باب في الأكل يوم الفطر قبل أن يخرج (1/558) ، حديث (1756) ، سنن الدارمي أبواب العيدين، باب في الأكل قبل الخروج يوم العيد (1/375) ، ومسند الإمام أحمد (5/352) ، والمستدرك للحاكم، كتاب العيدين (1/294) ، وقال صحيح ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (1/292) . 4 انظر: المغني لابن قدامة (2/371) ، ونيل الأوطار للشوكاني (3/357) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وقال ابن المنير: 1 " وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتها الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى " 2. 5 - ومنها صلاة ركعتين قبل صلاة العيد وبعدها. وهذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم فليس لها سنة لا قبلها ولا بعدها، حيث جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها" 3. قال ابن القيم: ولم يكن هو صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى قبل الصلاة وبعدها 4. 6 - ومنها: النداء للعيدين بالصلاة جامعة أو بالأذان. وهذا خلاف السنة لما جاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة، ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة 5.   1 هو: أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي ناصر الدين بن المنير الإسكندراني فقيه أصولي، ولد سنة 620، وكانت وفاته 683هـ-. انظر: الديباج المذهب (1/243) ، وشذرات الذهب (5/381) ، 2 فتح الباري لابن حجر (2/448) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها (2/476) ، حديث (989) . 4 زاد المعاد لابن القيم (2/443) . 5 صحيح مسلم، كتاب العيدين (2/604) ، حديث (887) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" 1. وفي ذلك يقول ابن القيم: " وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جماعة، والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك " 2. وقال الصنعاني: " وهو دليل على عدم شرعيتهما في صلاة العيد فإنهما بدعة " 3. 7 - ومنها: اشتغالهم عقب الصلاة بزيارة القبور 4 قبل العودة إلى أهليهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يذهب من طريق ويرجع من آخر. فعن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق " 5. ولم يثبت أن زار قبراً في ذهابه أو إيابه مع وقوع المقابر في طريقه 6، بل قال في عيد الأضحى: "إن أول ما نبدأ من يومنا أن نصلي ثم ننحر، فمن فعل فقد أصاب السنة" 7.   1 المصدر السابق (2/604) ، حديث (886) . 2 زاد المعاد لابن القيم (1/442) . 3 سبل السلام للصنعاني (2/495) . 4 زيارة القبور سنة لقوله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزورها". انظر: صحيح مسلم، كتاب الجنائز (2/672) ، حديث (977) . أما تخصيص الزيارة في أيام الأعياد فلا دليل عليه. 5 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد (2/472) ، حديث (986) . 6 الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (263) . 7 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل السلام (2/445) ، حديث (951) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وهذا الفعل من تلبيس الشيطان فإنه لا يأمر بترك سنة حتى يعوض لهم عنها شيئاً يخيل إليهم أنه قربة فعوض لهم عن سرعة الأوبة إلى الأهل زيارة القبور فحسنها وجعلها من البر والخير، فاعتقاد أن ذلك سنة في هذا اليوم بدعة منكرة ومخالفة للسنة، وربما يفعل ذلك بعض النساء على ما عهد منهن من التبرج والتزين، ولبس الفاخر من الثياب وإظهار البخور والطيب ونحو ذلك، وفي هذا من المحرمات ما لا يخفى 1. 8 - ومنها: تكبير المؤذنين على صوت واحد وسكوت الناس لأجل استماعهم وتركهم التكبير لأنفسهم، فكل هذا معارض لسنة التكبير التي شرعت 2. 9 - ومنها: اجتماع الناس يوم العيد بالمساجد وانقسامهم إلى طائفتين كل واحدة منهما ترد على الأخرى بالتكبير المعروف 3. 10 - ومنها: التشبه بالكفار والمشركين في الملابس واستماع المعازف وغيرهما من المنكرات، وذلك بحجة أنها أيام فرح وسرور 4. فهذه بعض البدع والمخالفات التي تقع في عيدي الفطر والأضحى.   1 انظر: تنبيه الغافلين لابن النحاس (303) ، والمدخل لابن الحاج (2/289) ، والإبداع في مضار الابتداع (263) ، والسنن والمبتدعات للشقيري (117) ، وأحكام العيدين في السنة المطهرة لعلي حسن عبد الحميد (36) . 2 انظر: المدخل لابن الحاج (2/285) . 3 الإبداع في مضار الابتداع (179) . 4 أحكام العيدين لعلي حسن عبد الحميد (34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 المبحث الثاني: البدع والمخالفات في الجمعة لقد وقعت في عيد الأسبوع كثير من البدع والمخالفات منها: 1 - صلاة ليلة الجمعة. ويستدلون على ذلك بما روي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ركعتين في ليلة الجمعة قرأ فيهما بفاتحة الكتاب وخمس عشرة مرة إذا زلزلت أمنه الله عز وجل من عذاب القبر ومن أهوال يوم القيامة" 1. 2 - ومنها: صلاة يوم الجمعة. وهي: ركعتين بين وقت الظهر والعصر ويستدلون على ذلك بما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى يوم الجمعة ما بين الظهر والعصر ركعتين يقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة واحدة وخمساً وعشرين مرة قل أعوذ برب الفلق، وفي الركعة الثانية يقرأ الفاتحة وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الناس خمساً وعشرين مرة، فإذا سلم قال لا حول ولا قوة إلا بالله خمسين مرة، فلا يخرج من الدنيا حتى يرى ربه عز وجل في المنام أو يرى مكانه في الجنة أو يرى له" 2.   1 الموضوعات لابن الجوزي (2/118) ، وقال لا يصح. والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (46) ، وقال: وحديث ركعتي صلاة ليلة الجمعة موضوع. 2 الموضوعات لابن الجوزي (2/119) ، وقال: هذا حديث موضوع لا يصح وفيه مجاهيل لا يعرفون. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (46) . وقال: موضوع، وقد ذكر الغزالي في الأحياء (1/232-235) ، بعض الصلوات المتعلقة بيوم الجمعة وليلتها، وقد قال العراقي. في تخريجها أنها باطلة لا أصل لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وهذه بدع منكرة لا أصل لها في شرع الله عز وجل لورود النهي عن تخصيص يوم الجمعة وليلتها بعبادة خاصة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" 1. 3 - ومن المخالفات: إرسال البسط والسجادات وغيرها قبل أن يأتي أصحابها وذلك لحجز المكان 2. قال شيخ الإسلام: وهذا منهي عنه بالاتفاق 3. 4 - ومنها التذكير يوم الجمعة وذلك بالدعاء إليها بالذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك 4. 5 - ومنها: الأذان جماعة يوم الجمعة، وذلك باتخاذ أكثر من مؤذن 5. 6 - ومنها: ما يقع من المؤذن عند إرادة الخطيب الخطبة بما يسمى بالترقية وهو تلاوة آية {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 6.   1 صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب كراهية صيام يوم الجمعة مفرداً (2/801) ، حديث (1144) . 2 المدخل لابن الحاج (2/224) . 3 مجموع الفتاوى لابن تيمية (2/39) ، وقال ابن قدامة: إن فرش مصلى له في مكان، فيه وجهان: أحدهما: يجوز رفعه , والجلوس في موضعه؛ لأنه لا حرمة له، ولأن السابق بالأجسام، لا بالأوطية والمصليات؛ ولأن تركه يفضي إلى أن صاحبه يتأخر ثم يتخطى رقاب المصلين ورفعه ينفي ذلك. الثاني: لا يجوز لأن فيه افيتاتاً على صاحبه وربما أفضى إلى الخصومة؛ ولأنه سبق إليه فكان كمحتجر الموات. انظر: المغني (3/234) . 4 انظر: المدخل لابن الحاج (2/258) ، والإبداع في مضار الابتداع (169) . 5 المدخل لابن الحاج (2/208) : تنبيه الغافلين لابن النحاس (264) . 6 سورة الأحزاب، آية (56) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ثم قوله: (أيها الناس) صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" 1 أنصتوا رحمكم الله 2. 7 - ومنها: تباطي الإمام في الصعود واشتغاله بالدعاء مستقبلاً القبلة قبل الإقبال على الناس والسلام عليهم ورفع يديه عند الدعاء 3. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ودعاء الإمام بعد صعود المنبر لا أصل له " 4. 8 - ومنها: الالتفات يميناً عند قوله آمركم وأنهاكم وعند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " 5. 9 - ومنها: تكلف بعض الخطباء رفع الصوت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فوق المعتاد في باقي الخطبة 6. 10 - ومنها: صلاة الظهر بعد الجمعة 7.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجمعة، باب الإنصات، يوم الجمعة والإمام يخطب (2/414) ، حديث (394) . 2 انظر: المدخل لابن الحاج (2/268) ، والإبداع في مضار الابتداع (168) . 3 انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (87) ، والمدخل لابن الحاج (2/267) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (121) . 4 الاختيارات لابن تيمية (48) . 5 انظر: الباعث على إنكار البدع لأبي شامة (88) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (121) . 6 انظر: المصادر السابقة وإصلاح المساجد من البدع والعوائد لمحمد جمال الدين القاسمي (48) . 7 انظر: السنن والمبتدعات للشقيري (84) ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد (49-50) ، والجمعة ومكانتها من الدين (241) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 11 - ومنها: كتابة الحروز 1 في آخر جمعة من شهر رمضان حال الخطبة. قال ابن النحاس: " وذلك بدعة سيما وهو يترك بسببه ما وجب عليه من سماع الخطبة والإنصات إليها " 2. 12 - ومنها: ما يفعله بعض المؤذنين حال جلوس الخطيب بين الخطبتين من قيامه ودعائه بالنفع للخطيب والمستمعين 3. فهذه بعض البدع والمخالفات التي وقعت في الأعياد الشرعية، وهي نتيجة لابتعادهم عن ما شرعه الله في تلك الأعياد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وترك السنن من جنس فعل البدع، فينبغي إقامة المواسم على ما كان عليه السابقون الأولون يقيمونها من الصلاة والخطبة المشروعة والتكبير والصدقة في الفطر والذبح في الأضحية، فإن من الناس من يقصر في التكبير المشروع، ومن الأئمة من لا يذكر في خطبته ما ينبغي ذكره، بل يعدل على إلى ما تقل فائدته إلى غير ذلك من أمور السنة، فإن الدين هو فعل المعروف والأمر به، وترك المنكر والنهي عنه 4.   1 الحرز: هو الموضع الحصين، ويسمى التعويذ حرزاً؛ لأنه يتحصن به من الأمراض والأسقام. انظر: الصحاح للجوهري (3/873) . 2 تنبيه الغافلين لابن النحاس (267-268) ، وانظر: الإبداع في مضار الابتداع (177) . 3 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (1/129) ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد (70) ، والجمعة ومكانتها من الدين (240) ، وقد ذكر الألباني كثيراً من البدع والمخالفات التي تقع في الجمعة. انظر: الأجوبة النافعة (56-75) . 4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1/641) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 فيجب على المسلمين التنبه إلى ذلك وأن يحتلفوا بأعيادهم الشرعية، كما أمر صلى الله عليه وسلم، لكي يتحقق الهدف من هذه الاحتفالات فيتجدد النشاط للطاعة والعبادة بعد أن تستروح النفس دون إطلاق للشهوات أو الغرائز، وبذلك يكون العيد نقطة تزويد وبداية لعمل جديد. وخاب أقوام يجعلون من العيد موسماً للمعاصي والشهوات وسوقاً للمخالفة وارتكاب الموبقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 الفصل الثالث: الأعياد الزمانية المبتدعة لقد انتشر كثير من الأعياد الزمانية المبتدعة لدى بعض المسلمين، والتي فيها محاكاة للكفار في أعيادهم، ولا سيما في هذا العصر. وكان أول من أحدث أكثر تلك الأعياد كما تقدم الفاطميون في بداية ظهورهم في مصر؛ وذلك لجذب الجماهير بهذه الاحتفالات، والتي يزعمون أنها دينية فينسون المذهب الحق ويتجهون إلى المذهب الجديد الباطل الذي يدعون إليه مذهب الرفض والتشيع، ولا سيما إذا كانت هذه الاحتفالات مصدر بهجة وفرح للشعب. وهدف الدولة الفاطمية من ذلك هو التمكين للدولة الجديدة في الثبات والرسوخ، فأخذت تستميل أهواء العامة بتلك الاحتفالات وتفرق فيها الهدايا على نحو متسع يشمل الكثير من أفراد الشعب فكثرت تلك المواسم وانشغل الناس في الاحتفال بها، وكان شعارهم فيها الطرب واللهو ما عدا يوم عاشوراء، فقد اتخذته الدولة الفاطمية يوم مأتم وحزن ونياحة. وقد تأصلت تلك الأعياد والمواسم في نفوس بعض المسلمين حتى أصبحت فيما بعد تعرف بالذكريات الإسلامية والتي يزعم البعض أنها من الدين وأن في الاحتفال بها الثواب الجزيل. وإليك بيان هذه الاحتفالات وتلك المواسم وما يفعل فيها لتقف على حقيقة بطلانها، وقد أفردت لكل منها مبحثاً خاصاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 المبحث الأول: يوم عاشوراء المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما ... المبحث الأول: يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم الحرام، وهو من الأيام الفاضلة، ولكن قد ابتدع فيه بدع منكره، وهلك فيه طائفتان بين إفراط وتفريط طائفة تجعله يوم فرح وسرور وأخرى يوم حزن ونياحة، وإليك تفصيل ذلك. المطلب الأول: اتخاذ عاشوراء مأتما: تتخذ الرافضة1 يوم عاشوراء من كل عام مأتماً ونياحة حزناً منهم على قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وذلك أن الله سبحانه وتعالى أكرم الحسين بالشهادة في ذلك اليوم من سنة إحدى وستين (61) ، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه، فأوجب ذلك شراً بين الناس   1 الرافضة: سموا بهذا الاسم لرفضهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: لرفضهم زيد بن علي رضي الله عنه عند ما أنكر عليهم الطعن في أبي بكر وعمر ومنعهم من ذلك فرفضوه، فقال لهم زيد: رفضتموني. قالوا: نعم، فبقي عليهم هذا الاسم، وأجمعت الرافضة على أن إمامة عليّ وتقديمه ثابتة نصاً، وأن الأئمة معصومون، وقالوا: أن الأمة ارتدت بتركها إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا النفر اليسير. إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة والآراء الفاسدة، وانقسموا إلى أكثر من عشرين فرقة. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/89) ، والفرق بين الفرق للبغدادي (21) ، واعتقاد فرق المسلمين والمشركين للرازي (52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فصارت طائفة جاهلة ظالمة، إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، فتظهر فيه شعائر الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية " 1. فهذه الطائفة هم الرافضة، وعلى مر العصور تتخذ يوم عاشوراء مأتماً وحزناً ويظهرون ذلك علناً كلما قويت لهم شوكة أو ظهرت لهم دولة. ففي سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة (352) ألزم معز الدولة ابن بويه 2 عاشوراء أهل بغداد بالنوح على الحسين رضي الله عنه وأمر بغلق الأسواق ومنع الطباخين من عمل الأطعمة. وخرجت نساء الرافضة منشرات الشعور مفحمات الوجوه يلطمن ويفتن الناس. وهذا أول ما نيح عليه 3. ولقد اتخذت الدولة الفاطمية على كثرة أعيادها ومناسباتها يوم عاشوراء يوم حزن، فكانت تتعطل فيه الأسواق ويخرج فيه المنشدون في الطرقات، وكان الخليفة يجلس في ذلك اليوم على الأرض متلثماً يرى به الحزن، كما كان القاضي والدعاة والأشراف والأمراء يظهرون وهم ملثمون حفاة.   1 مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/307) ، والفتاوى الكبرى (2/299) . 2 هو: أبو الحسين أحمد بن بويه بن فناخسرو بن تمام معز الدولة، كان من ملوك الجور والرفض، قيل أنه رجع في مرضه عن الرفض وندم على الظلم، كانت وفاته سنة 356. انظر: البداية والنهاية (11/293) ، وشذرات الذهب (3/18) . 3 العبر في خبر من غبر للذهبي (2/89) . وانظر: البداية والنهاية (11/259) ، والنجوم الزاهرة لتغرى بردي (3/334) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 كما يعمل في ذلك اليوم الموائد المسماة بسماط الحزن، ويتكون الطعام الذي يقدم عليه من العدس الأسود والملوحات والمخللات والأجبان وخبز الشعير المغير لونه قصداً إظهاراً للحزن. فيأخذ الشعراء بالإنشاد في هذه المناسبة ويرثون آل البيت ويلقون باللآئمة على من غصب الخلافة من أصحابها الحقيقيين كما في زعمهم، ثم يذكرون الروايات والقصص التي اختلقوها والتي رواها أصحابهم في مقتل الحسين رضي الله عنه 1. ولا زال إلى يومنا هذا تتخذ الرافضة يوم عاشوراء مأتماً يظهرون فيه الحزن والنياحة ويندبون الحسين رضي الله عنه، فتخرج المواكب العزائية في الطرقات والشوارع مظهرين اللطم بالأيدي على الخدود والصدور والضرب بالسلاسل على الأكتاف والظهور حتى تسيل الدماء. ويحصل التشبه بالنساء فيلبس الرجال ملابس النساء لإقامة التمثيلات العزائية في الحسينيات للبكاء على الحسين. وقد نص على جواز ذلك علماء الرافضة المعاصرين 2.   1 انظر: الخطط للمقريزي (1/431) . 2 انظر: مقتل الحسين وفتاوى العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر للشيخ مرتضي عياد (12-40) ، وإليك الفتوى التي قرضها أكثر من عشرين عالماً من علماء الرافضة في جواز ذلك. حيث وجهت أسئلة حول المواكب العزائية إلى رئيس الفقهاء العظام الشيخ محمد حسين العزوي النائيني، فأجاب بما يلي: 1 - خروج المواكب العزائية في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرقات والشوارع مما لا شبهة في جوازه ورجحانه، وكونه من أظهر مصاديق ما يقوم به عزاء المظلوم وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد. = 2 - لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حد الاحمرار والاسواد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل وان تأدى كل من اللطم والضرب على خروج دم يسير على الأقوى، وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً. 3 - الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيليات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون. وإن تضمنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى. فهذه الفتوى المعمول بها اليوم لدى الرافضة وممن قرضها: - آية الله العظمى السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي. - آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي. - آية الله العظمى السيد محمد حسين بن الشيخ محمد المظفر. - آية الله العظمى السيد محمد الحسن آل كاشف الغطاء. - بل أن شيخهم خضر بن شلال صاحب كتاب أبواب الجنان، قال: الذي يستفاد من مجموع النصوص، ومنها الإخبار الواردة في زيارة الحسين المظلوم، ولو مع الخوف على النفس يجوز اللطم والجزع على الحسين كيفما كان حتى لو علم بأنه يموت في نفس الوقت. انظر: (19-20) المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وفي ذلك يقول ناصر الدين شاه: وفي الهند وباكستان وإيران والعراق تكتسي هذه المآتم حللاً مرعبه إذا يخرج الرجال في الطرقات وهم يسيرون وراء هودج قد يبالغون أحياناً في ارتفاعه حتى يبلغ بضعة أمتار وهم عراة، وفي أيديهم زناجير من حديد وفي رؤوسها شفرات صغيرة حادة يضربون بها صدورهم حتى تسيل الدماء منهم، وفي كثير من الأحيان يموت بعضهم. أما النساء فإنهن يجلسن في دورهن ينحن ويبكين ويلطمن صدورهن بأيديهن كل هذا تكريماً للحسين الذي قتل مظلوماً بزعمهم 1.   1 العقائد الشيعية (135) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ويقول السيد محسن الأمين الحسيني العاملي 1: معللاً إقامة المآتم: ونريد بإقامة المآتم البكاء بقتله (ع) بإخراج الدمع بصوت وبدونه والتعرض لما يسبب ذلك وإظهار شعار الحزن والتأسف لما صدر عليه وتذكر مصابه ونظم الأشعار في رثائه وتلاوتها واستماعها وتهيج النفوس بها للحزن والبكاء … " 2. كما أن لهم في هذا اليوم وفي شهر محرم أيضاً بدع شنيعة منكرة، حيث يصنعون في هذا اليوم ضريحاً من الخشب مزيناً بالألوان ويسمونه ضريح الحسين أو كربلاء ويجعلون فيه قبرين ويطلقون عليه اسم التعزية ويجتمع الأطفال بملابس ورديه أو خضر ويسمونهم فقراء الحسين. كما تشعل النيران ويتواثب الناس عليها والأطفال يطوفون الطرقات ويصيحون يا حسين يا حسين، وكل من يولد في هذا الشهر يعتبر شؤماً سيئ الطالع. وغير ذلك من البدع التي استحدثوها من أجل ترسيخ هذه العقيدة في أذهان الناس 3. ولم يكتفوا بذلك، بل رتبوا على هذه المآتم وهذا الحزن والنياحة الأجر والثواب وأنه مكفر للخطايا والذنوب جالب للمغفرة والرحمة.   1 هو: محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمد الأمين الحسيني العاملي، آخر مجتهدي الشيعة الأمامية في بلاد الشام، ولد سنة 1282هـ-، وكانت وفاته 1371هـ. انظر: الأعلام (5/287) . 2 إقناع اللائم على إقامة المآتم، ص (2) . 3انظر: تحذير المسلمين عن الابتداع، ص (280) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 فقد روى الطوسي في الأمالي بسنده عن الرضى (ع) أنه قال من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنافي الجنان عينه.. " 1. وعن أبي عمارة الكوفي قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: من دمعت عينه معه لدم سفك لنا أو حق لنا انقصناه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوأه الله تعالى بها في الجنة أحقاباً 2. وعن الحسين بن علي رضي الله عنه " أنه قال: ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا " 3. وعن جعفر الصادق قال: " من ذكر عنده الحسين فخرج من عينيه دمع مثل جناح بعوضه غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر " 4. وغير ذلك من الروايات التي وضعوها في هذا الشأن ونسبوها إلى آل البيت كذباً وزوراً فهي مخالفة للشرع وللعقل. ولم يكتفوا أيضاً بذلك، بل زعموا أن هذه المآتم، وهذه المجالس هي التي حفظت الإسلام.   1آمالي الطوسي، ص (194) . 2آمالي المفيد، ص (112) ، وآمالي الطوسي (197) . 3 آمالي المفيد، ص (209) . 4 إقناع اللائم على إقامة المآتم للعاملي، ص (105) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وفي ذلك يقول الخميني: " إن البكاء على سيد الشهداء عليه السلام وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام منذ أربعة عشر قرناً " 1. فانظر كيف جنوا على الإسلام بمثل هذا فهذا هو يوم عاشوراء عند الرافضة، وهذا هو معتقدهم فيه، فهل هذا الفعل من الإسلام في شيء؟. للجواب على هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " وصار الشيطان يسب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سب السلف ولعنهم وإدخال من لا ذنب له من ذوي الذنوب حتى يسبب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب وقصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة. فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرم الله ورسوله 2. والذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع.   1 جريدة الإطلاع العدد (15901) ، في 16/8/1399هـ. انظر: الغلاف الخارجي لإقناع اللائم على إقامة المآثم للسيد محسن الأمين العاملي. وانظر: كشف الإسرار للخميني (193) ، حيث ذكر مضمون هذا. 2 منهاج السنة (2/248) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} 1. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال 3 من قطران 4 ودرع من جرب" 5. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها" 6. وإذا كان الله قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان؟ فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن،   1 سورة البقرة، آية (155-157) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب (3/163) ، حديث (1294) . 3 السربال: هو القميص. انظر: النهاية لابن الأثير (2/357) . 4 القطران: هو النحاس المذاب شديد الحرارة. انظر: اللسان (5/105) ، مادة (قطر) . 5 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة (2/644) ، حديث (934) . 6 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة (2/632-633) ، حديث ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذباً وفتناً ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية. فإنهم شر من الخوارج المارقين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان" 1. وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأمته المؤمنين، كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد 2 وغيرها، بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولد العباس، وغيرهم من أهل البيت والمؤمنين، من القتل والسبي وخراب الديار، وشر هؤلاء وضررهم على الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام" 3. ولا زالوا إلى يومنا هذا أعواناً للكفر وأهله وللشرك وأنصاره من اليهودية الصهيونية والشيوعية الماركسية، وكلما كانت لهم دولة أظهروا العداوة والكيد للإسلام وأهله.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب التوحيد (13/415) ، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفتهم (2/741-742) ، حديث (1064) . 2 انظر في ذلك البداية والنهاية لابن كثير (13/213-217) وما فعله نصر الدين الطوسي وابن العلقمي مع هولاكو في القضاء على الدولة الإسلامية وقتل مئات الالآف من المسلمين في بغداد. 3 مجموعة الفتاوى لابن تيمية (25/308-309) ، وانظر: الفتاوى الكبرى (2/299-300) ، وانظر: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع للسيوطي (88) ، وانظر: الرد على الرافضة لمحمد عبد الوهاب (47-49) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وما هذا الفعل إلا دليل لذلك فإن قتل الحسين فقد قتل من هو أفضل منه أبوه علي بن أبي طالب وقبله عمر وعثمان رضي الله عنهم، فلم يتخذ الرافضة لمقتل علي رضي الله عنه مأتماً كما لم يتخذ المسلمون لمقتل عمر وعثمان وما هذا إلا من تزين الشيطان لهم لإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين. ثم لماذا هذا البكاء وهذه النياحة على الحسين والرافضة يزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب وأنهم يموتون متى شاءوا، كما نص على ذلك الكليني 1 حيث قال: " باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم 2. ثم ساق روايات في ذلك منها: ما نسبه إلى جعفر عليه السلام أنه قال: " أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام حتى كان ما بين السماء والأرض ثم خيره النصر أو لقاء الله فأختار لقاء الله تعالى " 3. كما أفرد صاحب بصائر الدرجات باباً قال فيه: " باب أن الأئمة يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت ".   1 هو: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني صاحب كتاب الكافي والذي يعد أجل الكتب الأصول المعتمدة عند الرافضة، وهو بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين. قال محمد باقر الموسوي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم مصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله. وقال: أغابزرك الطهراني لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول. وقد كانت وفاته 328هـ. انظر: الفهرست للطوسي (165) ، وجامع الرواة للأرد بيلي (2/218) ، والذريعة لاغا بزرك الطهراني (17/245) ، وحاشية الاحتجاج للطوسي (469) . 2 أصول الكافي للكليني (1/258) . 3 المصدر السابق (1/260) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ثم ساق روايات منها: قال أبو عبد الله عليه السلام: " إن الإمام لو لم يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير إليه فليس بحجة الله على خلقه " 1. فإذا كان الأمر كذلك فعلام البكاء والنياحة واللطم مادام الحسين مات حينما أراد ومات الميتة التي أرادها. فكما أن علياً أختار أن يموت مطعوناً فكذلك أختار الحسين أن يموت مقتولاً، فلماذا هذا الإخلاص للحسين دون سواه 2. بئس هذه العقيدة ويالها من سخافة لا ترضاها العقول. ولا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من النبيين والسابقين الأولين، أو من قتل في حرب مسيلمة وكشهداء أحد، والذين قتلوا ببئر معونة وكقتل عثمان وعلي، ولا سيما والذين قتلوا أباه علياً كانوا يعتقدونه كافراً أو مرتداً وأن قتله من أعظم القربات بخلاف الذين قتلوا الحسين، فانهم لم يكونوا يعتقدون كفره وكان كثير منهم، أو أكثرهم يكره قتله ويرونه ذنباً عظيماً لكن قتلوه لغرضهم كما يقتل الناس بعضهم بعضاً على الملك " 3. فاتخاذ أيام المصائب مآتم ليس في دين المسلمين، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب 4. ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم 5.   1 بصائر الدرجات لمحمد بن الحسين بن فروخ الصفار (500) . 2 انظر: العقائد الشيعية لناصر الدين شاه (138-139) . 3 منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/249) . 4 اقتضاء الصراط المستقيم (2/621) ، وانظر: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (88) . 5 لطائف المعارف لابن رجب (52-53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أما ما تعتقده الرافضة بأن ذلك مما يتقرب به إلى الله تعالى وتكفر به سيأتهم وما يصدر عنهم في السنة كلها ـ فذلك باطل بل أن ذلك الفعل موجب لطردهم من رحمة الله تعالى، كيف لا وفيه هتك لبيت النبوة واستهزاء بهم ولله در من قال: هتكوا الحسين بكل عام مرة ... وتمثلوا بعداوة وتصوروا ويلاه من تلك الفضيحة إنها ... تطوى وفي أيدي الروافض تنشر 1 وكما قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} 2. ولقد تأثر بعض المسلمين بهذه العقيدة فشاركوا الرافضة في ذلك، ولكن بشكل صامت دون نياحة ولطم وذلك بنعيه وما حل به يوم قتله على المنابر سنوياً كل جمعة من عاشوراء بحقيقة مشوهه كما يريدها الرافضة 3. وذلك لجهالة أولئك لحقيقة مذهب الرافضة وما انطوت عليه عقائدهم من المكر والخديعة والخيانة للإسلام والمسلمين. والتاريخ أكبر شاهد على ذلك. فظن هؤلاء أن مثل هذا الفعل إظهار لمحبة آل البيت، فوقعوا فيما أرادت الرافضة من السب والشتم لبعض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم. والله المستعان.   1 انظر: مختصر التحفة لمحمود شكري الألوسي (283) . 2 سورة الكهف آية (103-104) . 3 انظر: العقائد الشيعية (136) ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد (165) ، والسنن والمبتدعات (137) ، وخطب ابن نباته (7-8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 المطلب الثاني: ـ اتخاذ عاشوراء عيداً: وكما اتخذت الرافضة يوم عاشوراء مأتماً وحزناً اتخذته طائفة أخرى عيداً وموسماً للفرح والسرور. وهم إما من النواصب 1 المتعصبين على الحسين وأهل بيته، وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء، كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم. فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح مقابلة لأولئك، وهي بدعة ثانية " 2. ومما ورد في ذلك ما يلي: 1 ـ حديث "من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" 3.   1 هم المغالون في بغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويطلق على الخوارج. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/301) والخطط للمقريزي (2/354) . 2 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/309-310) ، والفتاوى الكبرى (2/300) . 3 الموضوعات لابن الجوزي (2/203) ، وتنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة للكناني (2/157) ، والإسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا على القاري (222) ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (2/89) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 2 ـ حديث "من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً" 1. 3 ـ ابتداع صلاة مخصوصة في يومه وليلته: روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله تعالى بمثل عبادة أهل السموات والأرض، ومن صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة قل هو الله أحد غفر الله له ذنبه خمسين عاماً ماض وخمسين عاماً مستقبلاً وبني له في المثل الأعلى ألف ألف منبر من نور" 2. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى لله يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي عشر مرات وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم استغفر سبعين مرة أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء.." الحديث 3. وغير ذلك من البدع التي أحدثت في ذلك اليوم والتي لا أصل لها في دين الله عز وجل 4.   1 الموضوعات لابن الجوزي (2/203) ، وتنزيه الشريعة للكناني (2/157-158) ، والأسرار المرفوعة لملا على القاري (44) . 2 الموضوعات لابن الجوزي (2/122) ، وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 المصدر السابق (2/122-123) ، وقال: هذا حديث موضوع وكلمات الرسول عليه السلام منزهه عن مثل هذا التخليط والرواة مجاهيل. وانظر: الفوائد المجموعة للشوكاني (47) ، وقال: موضوع ورواته مجاهيل. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (4/116) ، ليس في حديث عاشوراء حديث صحيح غير الصوم، وما يروى في فضل صلاة معينة فيه، فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة ولم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم. 4 انظر: المدخل لابن الحاج (1/290-291) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (303) ، والإبداع في مضار الابتداع (271-272) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وقد علل ابن الجوزي ذلك عند ذكر عاشوراء فقال: تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة، فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين، وقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عاشوراء إذ قال انه كفارة سنة، فلم يقتنعوا بذلك حتى أطالوا واعرضوا وترقوا في الكذب " 1. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يفعله الناس في عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟. فأجاب " الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روي أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. وإنما حصلت هذه البدع في يوم عاشوراء؛ لأن الكوفة كان فيها طائفتان طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى.   1 الموضوعات لابن الجوزي (2/199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وطائفة ناصبة تبغض علياً وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى1. فوضعت الآثار في الاحتفال بعاشوراء لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة فان هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك آثاراً تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيداً وكلاهما باطل. فهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال، وإن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً 2. فعلى هذا لا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من الشريعة لأجل أحد وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المقابلة لبدع الرافضة. وقد يكون سبب الغلو في تعظيمه من بعض النواحي لمقابلة الرافضة، فإن الشيطان قصده أن يحرف الخلق عن الصراط المستقيم ولا يبالي إلى أي الجهتين صاروا 3. فمن جعل يوم عاشوراء مأتماً وحزناً ونياحة، أو جعله يوم عيد وفرح وسرور فقد ابتدع في الدين وخالف سنة سيد المرسلين.   1 الفتاوى الكبرى (2/295) ومجموع الفتاوى (25/299-301) ، وانظر: لطائف المعارف لابن رجب (52) ، والمنار المنيف لابن القيم (111-113) والأمر بالاتباع للسيوطي (88-89) . 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/622-623) . 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/622-624) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 المطلب الثالث: ـ السنة في يوم عاشوراء: يوم عاشوراء من الأيام الفاضلة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها، فجاء في الحديث الصحيح عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا الدهر كله، وصيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" 1. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم، عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان" 2. فالسنة إذاً في اليوم هذا الصيام فحسب وقد صامه صلى الله عليه وسلم وأخبر بفضل صيامه كما في الحديث السابق وأمر بصيامه، فقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. 1 ـ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء. وأن رسول صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان. قال صلى الله عليه وسلم: "إن عاشوراء من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه" 3.   1 صحيح مسلم كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء (2/818-819) ، حديث (1162) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (4/245) ، حديث (2006) ، وصحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (2/797) ، حديث (1132) . 3 صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء (2/792-793) ، حديث (1126) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" 1. وعنه أيضاً قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " بصوم يوم عاشوراء العاشر" 2. فهذه هي السنة في يوم عاشوراء ومن اتخذه عيداً ويوم فرح وسرور فقد شابه اليهود في ذلك فقد كانوا يتخذونه عيداً. كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود وتتخذه عيداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" 3. وفي رواية لمسلم: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فصوموه أنتم" 4. ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً أمر بمخالفتهم فقد جاء في الحديث.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء (4/244) ، حديث (2004) ، واللفظ له. وصحيح مسلم، كتاب الصيام (2/795) ، حديث (1130) . 2 سنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في عاشوراء، أي يوم هو (2/128) ، حديث (755) ، وقال: حديث حسن صحيح. 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصوم (4/244) ، حديث (2005) . 4 صحيح مسلم، كتاب الصيام (2/796) ، حديث (1131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع". قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع" 1. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوماً وبعده يوماً" 2. قال ابن رجب: وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيداً، وعلى استحباب صيام أعياد المشركين فإن الصوم ينافي اتخاذه عيداً فيوافقون في صيامه مع صيام يوم آخر، وفي ذلك مخالفة لهم في كيفية صيامه أيضاً فلا تبقى فيه موافقة لهم في شيء بالكلية" 3. فإذاً يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكي يسلم من المشابهة في ذلك. ولقد ذكر العلماء أن صوم يوم عاشوراء على ثلاث مراتب: 1 ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر لحديث "صوموا قبله يوماً وبعده يوماً".   1 صحيح مسلم، كتاب الصوم (2/797،798) ، حديث (1134) . 2 السنن الكبرى للبيهقي، كتاب الصيام (4/287) . 3 لطائف المعارف (52) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 2 ـ صوم التاسع والعاشر لحديث "إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع". 3 ـ إفراده بالصوم أي صوم عاشوراء وحده، للأحاديث الدالة على تأكيد صومه" 1. فهذه هي السنة في يوم عاشوراء، أما ما يفعله بعض الناس في عاشوراء من اتخاذ طعام خارج عن العادة، أو تجديد لباس أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به، أو قصده بالذبح، أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال أو زيارة المساجد والقبور ونحو ذلك. فهذا من البدع المنكرة المستحدثة في الدين التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين 2. ومن هنا تتجلى وسيطة مذهب أهل السنة والجماعة فلا إفراط ولا تفريط إنما هو تمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وامتثال لأمره ورجاء لثواب الله تعالى، فلم يتخذوا هذا اليوم مأتماً وحزناً، كما اتخذته الرافضة، حيث جعلته يوم نياحه وتألم فنصبوا العداوة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدثوا بدعاً ومراسم فيه يجددونها في كل عام حتى أصبحت سمة لهذا اليوم، تثير الاستغراب ويمقتها صاحب العقل السليم زاعمين أن ذلك نصرة لآل البيت وأنه من الدين فرتبوا على فعله الثواب العظيم.   1 انظر: زادا المعاد لابن القيم (2/76) ، وفتح الباري (4/246) . 2 انظر: مجموع الفتاوي لابن تيمية (25/312) ، والفتاوى الكبرى (3/301-302) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 ومن أطلع على التاريخ أدرك حقيقة أولئك القوم فهم الذين خذلوا الحسين رضي الله عنه وآل البيت 1 فابتدعوا ذلك تعويضاً لما فعله أسلافهم وتكفيراً لما صدره منهم. ولم يكن مذهب أهل السنة والجماعة اتخاذه يوم فرح وسرور كما اتخذه بعض الجهال، أو الذين ابغضوا علياً وآل البيت رضوان الله عليهم فقابلوا البدعة بالبدعة، ووضعوا الأحاديث في أفضليته، وانه يوم فرح وسرور فتنقصوا آل البيت. وبهذا يتبين أن الحق هو ما عليه أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة بأن تعظيم يوم عاشوراء يكون بالصوم فقط. ولا يكون بالفرح والسرور، أو المآتم والحزن. فهو وسط بين ضلالتين.   1 البداية والنهاية (8/170-171) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 المبحث الثاني: الاحتفال بمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام: ... المطلب الأول: نشأته وأول من أحدثه في الإسلام: - أولاً: أصل المولد ونشأته: من أعظم المواسم المبتدعة التي يحتفل بها كثير من المسلمين، الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، بل هو الأصل في تلك المواسم والاحتفالات الأخرى التي تتخذ للأولياء والصالحين والآباء والأبناء والموالد ظاهرة اجتماعية عرفتها المجتمعات منذ زمن بعيد، ولم يكن الاحتفال بالموالد مقتصراً على المسلمين، أو على مجتمع دون مجتمع بل كانت ظاهرة الاحتفال بالموالد معروفة من زمن العصور المتقدمة والسابقة للإسلام، فكان الفراعنة واليونان يحتفلون بالآلهة ويجعلون عيداً لظهورها1، وكذلك سائر الأديان الأولى. ثم انتقل ذلك إلى المسيحية فكانوا يحتفلون بالموالد وأهم الموالد عند النصارى ميلاد المسيح عليه السلام، حيث يتخذونه عيداً فتعطل فيه الأعمال ويجعلونه يوم فرح وسرور، وذلك بإيقاد الشموع وصنع الطعام وارتكاب المحرمات وفعل المنكرات من شرب خمور وفعل فاحشة وغير ذلك من المهازل والقبائح. ثم جاء بعض المنتسبين للإسلام فأخذوا يوم مولده صلى الله عليه وسلم عيداً مضاهاة للنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عليه السلام عيداً، فضاهوا النصارى فيما   1 الأدب اليوناني القديم ودلالته على عقائد اليونان ونظامهم الاجتماعي د / علي عبد الواحد الوافي (131) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 يفعلونه في هذا اليوم فأصبح يوم فرح وسرور وعيد يتكرر كل عام بمراسمه الخاصة. من هنا كان أصل الاحتفال بالمولد النبوي وفي ذلك يقول السخاوي 1: " إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أوْلى بالتكريم وأجدر " 2. فهذا نص في المشابهة: وهو أن الاحتفال بالمولد النبوي أصله مأخوذ من النصارى ومن تشبه بقوم فهو منهم ". وهو تحقيق لقوله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " 3. فهذا هو أصل المولد ونشأته. - ثانياً: أول من أحدث المولد في الإسلام: أجمع العلماء المنكرون لبدعة المولد والمؤيدون لها على أنه لم يحتفل صلى الله عليه وسلم بمولده ولم يأمر بذلك، ولم يحتفل صحابته ولا التابعون لهم، ولا تابعوا التابعين الذين هم خير الناس وأحرص الناس على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، ومضت القرون الثلاث التي شهد لها صلى الله عليه وسلم بالأفضلية على تلك الحالة لم يحتفلوا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعرفوا ذلك.   1 هو: محمد عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي، مؤرخ وعالم بالحديث والتفسير، ولد سنة (831) بالقاهرة، وكانت وفاته بالمدينة سنة (902هـ) . انظر: البدر الطالع (2/184-187) ، والإعلام للزركلي (6/194) . 2 التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي (14) . 3 تقدم تخريجه (101) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 فلما كان أواخر القرن الرابع الهجري وقامت الدولة الفاطمية في مصر ظهر الاحتفال بالمولد النبوي لأول مرة في تاريخ الإسلام. كما نقل ذلك المقريزي في خططه حيث ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يحتفلون بها ويتخذونها أعياداً في طوال السنة يوسعون فيها على الرعية، ويعظمون فيها العطاء والهبات. وهي تربو على عشرين موسماً وعيداً كما تقدم بيانها 1 منها الموالد الستة التي ابتدعوها وأحدثوها وهي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم ومولد الخلفية الحاضر. وكانت لهذه الموالد رسوم خاصة يفعلها الخليفة ويحتفل بها الشعب 2. وقد نص على ذلك أيضاً القلقشندي 3 وهو قول جماعة من المتأخرين 4. وهناك قول آخر: وهو أن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هو صاحب إربل 5 الملك المظفر أبو سعيد كوكبري 6، كما نص على ذلك السيوطي 7.   1 انظر: ص (123-124) . 2 الخطط للمقريزي (1/490-499) . 3 صبح الأعشى (3/498-491) . 4 انظر: أحسن الكلام لمحمد بخيت المطيعي (44) ، والإبداع في مضار الابتداع (126) ، ونفح الأزهار في مولد المختار لعلي الجندي (185-186) ، والقول الفصل في حكم الاحتفال بخير الرسل لإسماعيل الأنصاري (64) وكلمة الحق في الاحتفال بسيد الخلق لعبد الله بن زيد آل محمود (97-98) . 5 بالكسر ثم السكون قلعة حصينة ومدينة كبيرة وهي تعد من أعمال الموصل وبينهما مسيرة يومين، انظر: معجم البلدان (1/138) . 6 هو: الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن الأمير زين الدين علي كوحك التركماني، ولد سنة 549هـ، وتولى الملك بعد أبيه سنة 563هـ، وعمره 14 عاماً، اشتهر بعمل المولد، وكان يعمله سنة في الثامن من شهر ربيع وسنة في الثاني عشر لأجل الاختلاف الذي فيه، وكانت وفاته في ملقة إربل سنة (630) . انظر: البداية والنهاية (13/147) ، وشذرات الذهب (5/138-139) . 7 حسن المقصد في عمل المولد للسيوطي (42) ، وانظر: الرد القوي للشيخ حمود التويجري (89) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وجاء عن أبي شامة قوله: إن من أحسن ما ابتدع في زمانه ما كان يفعل في مدينة إربل من الاحتفال بالمولد النبوي، وكان أول من فعل ذلك بالموصل 1، الشيخ عمر بن محمد الملا 2 أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل 3. وعلى هذا يكون إحداث المولد في القرن السادس، أو السابع الهجري. وهذا القول مرجوح، فإحداث الملك المظفر للمولد في مدينة إربل لا ينافي هذا من أن أول من أحدثه في القاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك، فإن الدولة الفاطمية قد انقضت بموت العاضد سنة 567هـ، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام قبل ذلك. وما ذكره أبو شامة من أنه اقتدى بفعل الشيخ عمر بن محمد الملا، وهو أول من أحدثه لا يمنع أن يكون عمل المولد تسرب إليه من الفاطميين، لاسيما وأنهم قد استولوا على الموصل سنة 347هـ 4 هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فقد قيد أبو شامة تلك الأولوية بقوله: " أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر غالملا.. ".   1 بالفتح وكسر الصاد مدينة مشهورة بالعراق تقع على طرف دجلة ومقابلها من الجانب الشرقي نينوي. انظر: معحم البلدان (5/223) . 2 هو: عمر بن محمد بن خضر الإربلي الموصلي أبو حفص معين الدين، المعروف بالملا شيخ الموصل، كان مشهوراً في إقامة المولد، توفي (570هـ) ، انظر: الأعلام (5/60-61) ، ومرآة الجنان لابن الجوزي (8/310) . 3 الباعث لأبي شامة (23-24) . 4 البداية والنهاية (11/247) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وبهذا يتبين للقارئ أن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد الدولة الفاطمية، كما نطقت بذلك كتب التاريخ والسير. فعليهم تبعه ذلك، حيث جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها " 1. وأخذ عنهم عمر الملا، وأول من أحدثه في إربل الملك المظفر في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع. وسواء كان أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي الفاطميون في القرن الرابع، أو صاحب إربل في القرن السابع، فالبدعة في الدين مرفوضة ولا تقبل من أحد لا في عصور متقدمة ولا متأخرة فهي مردودة على صاحبها كما نص على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.   1 تقدم تخريجه، ص (222) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 المطلب الثاني: صور الاحتفال بالمولد: جرت عادة كثير من المسلمين بعد القرون المفضلة، أن تحتفل في شهر ربيع الأول في يوم الثاني عشر منه من كل عام بذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد اختلفت أساليبهم في الاحتفال؛ بهذه الذكرى باختلاف البيئات والبلدان والغنى والفقر كل بحسب حاله لهذه تنوعت صور الاحتفال ولم تكن على نمط واحد. فمنهم من يعدون في هذه المناسبة طعاماً خاصاً تجتمع الأسرة من حوله في هذه الليلة - أعني ليلة الثاني عشر من ربيع الأول - فرحة مسرورة حول مائدة واحدة. ومنهم من يحتفل بأصناف من الحلوى ذات أشكال وصور مخصوصة يصنعها الباعة لتلك المناسبة تعرف بحلوى المولد، والتي تعرض في الأسواق في ذلك الوقت. ومنهم من يجتمعون حول المنشدين ليسمعهم قصة المولد الشريف، وهذه هي الصفة السائدة في المجتمع الإسلامي اليوم، وصفة الاحتفال بذلك أن يكون عبارة عن اجتماع في أحد المساجد، أو الميادين المعدة لذلك، أو أحد بيوت الأغنياء، ويكون الاستعداد لذلك من بداية شهر ربيع الأول إلى اليوم الثاني عشر منه في كل عام، فيجتمع من أراد الحضور إلى هذا المكان، فيبدأ بقراءة بعض آيات القرآن الكريم، التي جاء فيها ذكره صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ثم يتناولون قراءة جانب من سيرته صلى الله عليه وسلم وما لاقاه في بداية حياته صلى الله عليه وسلم، وبيان نسبه الشريف من خلال ما هو مدون في قصة المولد المعروف 1، والمشتملة على بعض الشمائل الطاهرة الخِلقية منها والخُلقية، حتى إذا جاء ذكر مولده، قام الجميع إجلالاً وتعظيماً وترحيباً بمقدمه صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك يقول البرزنجي 2. " هذا وقد استحسن القيام عند ذكر مولده الشريف أئمة ذو رواية وروية، فطوبى لمن كان تعظيمه صلى الله عليه وسلم غاية مرامه ومرماه " 3. بل قد أوجب بعضهم القيام، وفي ذلك يقول المناوي 4 في مولده ما نصه. " ويجب معشر الحاضرين والسامعين القيام عند ذكر مولده الشريف تعظيماً لقدوم ذاته البهية، فيا سعادة من وقف تعظيماً له على الأقدام " 5. مرددين بعض أبيات الترحيب لقدومه صلى الله عليه وسلم، كقوله القائل: أشرقت أنوار محمد ... واختفت منها البدور 6   1 مثل: مولد النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر البرزنجي، ومولد النبي المسمى الأسرار الربانية لمحمد عثمان الميرغني، ومولد المناوي لعبد الله بن محمد المناوي، والأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية - لطريقة السادة الشاذلية، وغيرها كثيرة. 2 هو: جعفر بن حسن عبد الكريم البرزنجي زين العابدين من أهل المدينة، وكان مفتي الشافعية فيها، توفي سنة (1177هـ) . انظر: هداية العارفين ((1/255) ، والأعلام للزركلي (2/123) . 3 مولد النبي صلى الله عليه وسلم للبرزنجي (6) . 4 هو: عبد الله بن محمد المناوي - ولم أقف له على ترجمة له سوى ما أثبته، لكن مولده مشهور ومتداول نظماً ونثراً. 5 مولد المناوي (26) . 6 الأنوار القدسية في مولد خير البرية (8) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 أو صلاة ربي ذي الجلالذ ... على نور الهدى باهي الجمال 1 أو مرحباً يا مرحباً يا مرحباً ... مرحباً جد الحسين مرحبا يا نبي سلام عليك ... يا رسول سلام عليك 2 ثم بعد ذلك يواصلون قراءة قصة حياته صلى الله عليه وسلم، وعلى شكل مقاطع يتخللها قولهم: مولاي صل وسلم دائماً أبدأ ... على حبيبك خير الخلق كلهم ويندب لقراءة هذه القصة شاب حسن الصوت، فيترنم بالمدائح والأشعار المشتملة على الغلو والإطراء كقصيدة البردة، أو غيرها من القصائد المشتمل بعضها على الشرك والعياذ بالله. ثم بعد ذلك يتناول ما أعد لهذه المناسبة من طعام، وهم يعتقدون أنهم قد تقربوا إلى الله تعالى بأعظم قربة، ويتضح ذلك جلياً في دعاء ختم المولد، والذي يرددونه في نهاية هذه المناسبة راجين من الله قبول ذلك العمل، فمن هذا الدعاء قولهم: " اللهم إنا قد حضرنا قراءة ما تيسر من مولد نبيك الكريم فأفض اللهم علينا خلع القبول والتكريم، واسكنا بجواره في جنات النعيم.. " 3.   1 المولد المناوي (26) . 2 مولد النبي صلى الله عليه وسلم للبرزنجي نظم (119) ، ضمن مجموعة. 3 الأنوار القدسية (23) ، وانظر: مولد المناوي (62-63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وجاء في دعاء ختم مولد الديبع 1: " واغفر اللهم بجاهه لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمعلمينا وذي الحقوق علينا ولمن أجرى هذا الخير في هذه الساعة.. " 2. بل قد نص الميرغني 3 على قبول الدعاء فقال: " وأنه يستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه فنسأل الله الغفران 4. وبهذا الدعاء يختم الاحتفال بالمولد النبوي ويقوم بعض الأغنياء بتوزيع بعض الأموال على الفقراء الذين حضروا تلك المناسبة راجياً من الله مضاعفة أجر هذه الصدقة، ولا سيما أنها أتت عقب عمل صالح في زعمهم، ثم بعد ذلك ينفض ذلك الاجتماع. فهذه الصورة هي أمثل صورة للاحتفال بالمولد عندهم وهي التي في زعمهم لم يكن فيها اختلاط ولا غناء ولا ضرب دف، والذين يفعلون مثل ذلك الاحتفال يزعمون أنهم ملتزمون ومحافظون على المشروع من الاحتفال وذلك   1 هو: عبد الرحمن بن علي الديبع الشيباني العبدري الزبيدي الشافعي محدث مؤرخ، ولد سنة (866هـ) ، وكانت وفاته سنة (944هـ) . انظر: فهرس الفهارس للكتاني (1/412-415) ، والأعلام (3/318) . 2 مولد ديبع (17) ، ضمن مجموعة شرف الأنام. 3 هو: محمد عثمان بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله الميرغني، المحجوب الحنفي الحسيني، مفسر متصوف وهو أول من اشتهر من الأسرة الميرغنية بمصر والسودان، ولد بالطائف سنة (1208هـ) وتوفي بها (1268هـ) . انظر: الأعلام للزركي (6/262) . 4 الأسرار الربانية للميرغني (7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 لمنعهم إدخال الباطل والمنكر فيه، متناسين أبيات الشرك والغلو التي يرددونها كل حين. وحقا أن الهوى يعمي ويصم فالله المستعان. ولا يقتصر الاحتفال بالمولد على إقامة حفلة في الثاني عشر من ربيع الأول فحسب بل إن هناك صوراً من الاحتفال بالمولد النبوي، وذلك من خلال عقد الندوات والمحاضرات التي تنشر في وسائل الإعلام المختلفة المسموعة منها والمرئية والمقروءة، فتفتتح تلك الندوات والمحاضرات بتلاوة آيات من الذكر الحكيم يحرص قارؤها على أن تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1. ثم يتناول أصحاب المحاضرة، أو الندوة سيرته صلى الله عليه وسلم وما لقيه في هذه الحياة، ويكون ذلك العمل ابتداءً من ربيع الأول من كل عام. ومن العجيب والغريب أن المغنين والمغنيات والمطربين وأرباب الفجور يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم فيحيون تلك الليلة بالغناء والسهر والطرب مختلطين في ذلك رجالاً ونساءً، مترنمين بابتهالات وأغان وأدعية شركية يواكبها ضرب دف وصوت مزمار وقرع أعواد، كل ذلك احتفالاً بمولده صلى الله عليه وسلم، زاعمين محبته، وينطبق عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} 2.   1 سورة التوبة، آية (128) . 2 سورن الأعراف، آية (51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 ومن استمع إلى إذاعات بعض الدول الإسلامية في ذلك الوقت أدرك حقيقة ما أشرت إليه. ومن صور الاحتفال بالمولد اعتباره عيداً رسمياً تعطل فيه المصالح الحكومية عند بعض البلاد الإسلامية، كما تحتفل بعض الدول الإسلامية به رسمياً وتقيم لذلك موكباً خاصاً يتقدمه مسئول من الدولة حتى يصلوا إلى المكان المعد للاحتفال، وعادة ما يكون في أحد المساجد المشهورة، أو الميادين المعدة لذلك فتلقى الكلمات والقصائد والابتهالات التي يزعمون أنها دينية - بهذه المناسبة كما يحضرها أرباب الطرق الصوفية. ثم تمد سمائط الأكل والحلوى فيتناول الحاضرون ما لذ وطاب، ثم ينصرفون بعد ذلك. وهذا الفعل هو نظير ما كان يفعله الفاطميون بالاحتفال بالمولد 1. وقد حكي ذلك أيضاً عن الملك المظفر في احتفاله ببعض الموالد أنه أعد سماطاً فيه خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوي، وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع، ويطلق لهم، ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار 2.   1 انظر: الخطط للمقريزي (1/433) . 2 انظر: البداية والنهاية (13/147) ، ووفيات الأعيان (4/117-119) ، وحسن المقصد للسيوطي (43-44) ، وقد يكون في هذا نوع مبالغة ولكن لا يستبعد وقوع مثل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وكذلك الاحتفالات التي وقعت بعد ذلك فقد جرت على هذا المنوال من المبالغة والإسراف وصرف الأموال في غير طاعة الله عز وجل، فضلاً عما يحدث في هذه الاحتفالات من المنكرات التي يندي لها الجبين، وإليك نماذج منها لتقف على حقيقة الاحتفال بالمولد وإلى أي حد وصل أربابه ودعاته من البعد عن شرع الله عز وجل واتباع سنته صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 المطلب الثالث: المنكرات التي تحصل في المولد: مع كون الاحتفال بالمولد بدعة، فإنها لا تخلو من المنكرات المحرمة، وهذا هو حال البدعة من حيث التمدد والتوسع فتتوالد وتعظم حتى تفسد العقيدة وتخرج صاحبها من الدين وهو لا يشعر بأنه عمل ذنباً بل يظن أن ذلك العمل فيه قربة وطاعة. ومن أعظم المنكرات وأشنعها التي تقع في الاحتفال بالمولد النبوي الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم ذنب عصى به الله عز وجل. فقد جاء في الحديث: " أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك " 1. وهو المنافي لكلمة التوحيد الموجب لسخط الله وعذابه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2. ولا يقبل الله سبحانه وتعالى من صاحبه لا صرفاً ولا عدلاً 3 كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 4.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب التفسير (8/492) ، حديث (4761) ، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده (1/90) ، حديث (86) ، واللفظ له. 2 سورة النساء، آية (48) . 3 الصرف التوبة وقيل النافلة، والعدل الفدية، وقيل الفرض، انظر: النهاية لابن الأثير (3/24) ، ولسان العرب (9/190-191) . 4 سورة الفرقان، آية (23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 كل ذلك يقع في المولد بسبب الغلو في سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من دعائه والاستغاثة به، وطلب المدد والعون، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وغير ذلك من أمور العبادة التي لا تصرف إلا لله جلّ وعلا، بل إن البعض جعل الدنيا والآخرة له صلى الله عليه وسلم مخالفين بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" 1. ومعرضين عن قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله" 2. وإليك أيها القارئ نماذج من النثر والنظم الذي تُحيا به هذه الموالد ولا يخلو مولد منها حتى أصبح ذلك الفعل كأنه من السنن المأثورة التي يجب العمل بها، وتلاوتها في تلك الليلة التي يزعمون أنها توافق مولده صلى الله عليه وسلم. فمن ذلك زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم الأصل في المخلوقات، وانه خلق من نور الله ثم، خلق من هذا النور سائر المخلوقات. وقد أوردوا في ذلك حديثاً لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم يروونه:   1 سنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي (2/1008) ، حديث (3029) ، وسنن النسائي كتاب المناسك، باب التقاط الحصى (5/268،269) ، ومسند الإمام أحمد (1/215) ، وصحيح ابن حبان (1011) ، والمستدرك للحاكم، كتاب المناسك (1/466) ، وقال صحيح ووافقه الذهبي، وقال النووي في المجموع (8/137) ، وشيخ الإسلام في اقتضاء الصراط (1/289) ، إسناده صحيح على شرط مسلم. 2 صحيح البخاري، كتاب الأنبياء (4/142) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء، قال: "يا جابر إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة، حيث شاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لا لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء، ولا أرض ولا شمس ولا قمر.." 1. قال المناوي في مولده: وقد اشتمل اسمه الشريف على أربعة أحرف هجائية لكل حرف منها مزية ومقام، فالميم الأولى ما من نبي ولا رسول إلا خلق من نور طلعته البهية فهو أصل والكل منه فرع بلا شك، ولا إيهام.. " 2. وقال في نظمه: فالكل من نوره الرحمن أوجده ... لولاه ما كانت الأفاق قد نظمت 3 وقال الميرغني: وأشهد أن سيدنا محمداً الذي من ميم اسمه امتدت سائر العوالم الخلقية 4. وهذا القول بيّن البطلان، والحديث الوارد في ذلك موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.   1 انظر: المواهب اللدنية للقسطلاني (1/47) ، والمدخل لابن الحاج (2/34) ، وخطب ابن نباته (25-26) . 2 مولد المناوي (2-3) . 3 المرجع السابق. 4 الأسرار الربانية في مولد خير البرية (4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس هذا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا يعرف عن الصحابة، بل هو كلام لا يدرى من قائله 1. وقد سئل السيوطي عن هذا الحديث فأجاب بقوله: ليس له إسناد يعتمد عليه 2. ويبطله قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس بنو آدم وآدم من تراب" 3. ودعوى أنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله، فهذا كذب وبهتان يرده قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} 4. وهذا القول يشبه قول النصارى في المسيح عليه السلام وهو من الغلو والإطراء المذموم وفي ذلك يقول شيخ الإسلام عند الكلام على اعتقاد النصارى في المسيح ووجوده: وظن النصارى يضاهي ظن طائفة من غلاة المنتسبين إلى الإسلام وغيرهم، الذين يقولونّ إن ذات النبي صلى الله عليه وسلم كانت موجودة قبل خلق آدم. ويقولونّ إنه خلق من نور رب العالمين ووجد قبل خلق آدم وأن الأشياء خلقت منه حتى قد يقولون في محمد صلى الله عليه وسلم جنس قول النصارى في المسيح، حتى قد يجعلون مدد العالم منه، ويروون في ذلك أحاديث كلها كذب.. 5.   1 مجموعة الرسائل والمسائل (1/164) . 2 الحاوي للفتاوى (1/323-325) ، 3 سنن أبي داود كتاب الأدب، باب التفاخر بالأحساب (4/331) ، حديث (5166) ، وسنن الترمذي كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن (5/735) ، حديث (3956) ، وقال: حديث حسن غريب، ومسند الإمام أحمد (3/361) ، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع (5/111) . 4 سورة الكهف، آية (110) . 5 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (2/300-201) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 فهذا هو حال تلك الموالد وقصصها التي تقرأ في الاحتفال مبناها على مثل هذا الحديث الذي لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن ذلك الاعتقاد الباطل المأخوذ من عقيدة النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، وما أوردته هنا مثال على ذلك. ومن ألهمه الله حسن البصيرة والعقل السليم أدرك أن مثل هذا الكلام لا يصح ولا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم، حيث إن بطلانه واضح بالعقل والنقل. ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمثل هذه الأحاديث الواردة في هذا الشأن: " فهذه الأحاديث وأمثالها، مما هو كذب وفرية عند أهل العلم لا سيما إذا كانت معلومة البطلان بالعقل، بل مستحيلة في العقل ليس لأحد أن يرويها ويحدث بها إلا على وجه البيان لكونها كذباً، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 1. 2. ومن الأشعار التي يتغنون بها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ويرددونها في هذه المناسبة، وقد غالوا فيه صلى الله عليه وسلم حتى أعطوه ما لله من الحقوق، ما جاء في بردة المديح للبوصيري 3. وهي من أشهر هذه الأشعار:   1 صحيح مسلم المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/9) . 2 مجموع الفتاوى (28/371) . 3 هو: محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شاعر وأشهر شعره البردة، ونسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر ولد سنة (608) ، وتوفي (696هـ) . انظر: الأعلام للزركلي (6/139) ، ومعجم المؤلفين (10/28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تجلى باسم منتقم فإن من وجودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم 1 من تأمل هذه الأبيات أدرك ما انطوت عليه من الشرك بالله عز وجل المنافي للتوحيد والمحبط للعمل فمن ذلك: 1 - أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذٌ إلا هو جل وعلا. 2 - أنه دعاه وناداه بالتضرع، وإظهار الفاقة، والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله وذلك هو الشرك في الألوهية. 3 - سؤاله منه أن يشفع له في قوله: "ولن يضيق رسول الله جاهك بي.." وهذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوه وهو الجاه والشفاعة عند الله وهذا هو الشرك 2. ولقد أعرض قائل هذه الأبيات ومن يتغنى بها: يا أكرم الخلق.. عن قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} 3. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك نفع أحد ولا ضره، وإنما المالك للنفع والضر هو الله عز وجل.   1 قصيده البردة (172) ، ضمن مجموعة مولود شرف الأنام. مع ملاحظة أن هذه الأبيات ليست متتابعة في القصيدة. 2 تيسير العزيز الحميد (222) . 3 سورة الأنعام، آية (17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وقد غلا غلواً مفرطاً بقوله: " فإن من وجودك الدنيا وضرتها … وشاركه في هذا الغلو من يرددها، حيث أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يملكه إلا الله خالق السموات والأرض القائل: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} 1. فهذا القول شرك وكفر صريح حيث جزم أن من جود النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخرة ولم يكتف بذلك حتى أضاف علم اللوح والقلم إليه صلى الله عليه وسلم، ذلك العلم الذي استأثره الله لنفسه. وبهذا الفعل خالف قوله صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عنه الله عز وجل: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} 2. وقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} 3. وجاء في مولد المناوي: والكائنات لأجل المصطفى خلقت ... دنيا وأخرى جميعاً من ملاحته هو أول الخلق سر العالمين به ... كذا جميع البرايا من بدايته لولاه ما أوجد الله الوجود ولا ... قد كان ما كان إلا من كرامته 4 وقال أيضاً: أنا العبد الذليل وأنت جاه ... أنا في العالمين سواك مالي أنا يا مصطفى كثرت ذنوبي ... وأرجو العفو في من مولى الموالى   1 سورة الليل، آية (13) . 2 سورة الأنعام، آية (50) . 3 سورة الأعراف، آية (188) . 4 مولد المناوي (18) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 .. ... فكن بي شفيعاً يا مصطفانا ... وعوناً في المهمات الثقال فمن لي ارتجيه لكشف ضري ... غوثي في الشدائد والنوال 1 قال الميرغني: لوذوا به ثم قوموا ... صلى الله عليه 2 وجاء في الأنوار القدسية: فيك قد أحسنت ظني ... يا بشير يا نذير فأغثني يا ملاذي ... في مهمات الأمور 3 ... وقد اكتفيت بتوضيح ما ورد في بعض أبيات البوصيري من الشرك والضلال وما سقته بعد ذلك من الأبيات فهي على نظيرها في الحكم، والله الهادي إلى الصواب. فهذا الغلو وهذا الإطراء هو الذي وقعت فيه النصارى إلا أن هؤلاء لم يقولوا ثالث ثلاثة أو أن محمداً صلى الله عليه وسلم إله، ولكن صرفوا ما كان لله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فماذا تركوا لله جل وعلا. فهذه هي عين دعوة النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، لكن اختلف الاسم ووافق المضمون، وتغيير المسميات لا يغير الحقائق. وهذا هو حال الشيطان لإيقاع بني آدم في براثن الشرك والكفر والعياذ بالله.   1 المصدر السابق (27-28) . 2 الأسرار الربانية (26) . 3 الأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية (10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 يوضح ذلك ما قاله البوصيري: دع ما دعته النصارى في نبيهم ... وأحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم 1 أي: قل ما شئت من القول، ولا تقل: ثالث ثلاثة، أو أنه إله أو ابن إله، وفي ذلك يقول الشيخ سليمان بن عبد الله 2: عندما تناول بعض أبيات البرعي 3 وهي على نظير تلك الأبيات ما نصه: " وهذا بعينه هو الذي ادعته النصارى في عيسى عليه السلام إلا أن أولئك أطلقوا عليه اسم الإله، وهذا لم يطلقه ولكن أتى بلباب دعواهم وخلاصتها، وترك الاسم، إذ في الاسم نوع تمييز فرأى الشيطان أن الإتيان بالمعنى دون الاسم أقرب إلى ترويج الباطل وقبوله عند ذوي العقول السخيفة، إذ كان من المتقرر عند الأمة المحمدية أن دعوى النصارى في عيسى عليه السلام كفر، فلو أتاهم بدعوى النصارى اسماً ومعنى لردوه وأنكروه، فأخذ المعنى وأعطاه البرعي وأحزابه، وترك للنصارى وإلا فما ندري ماذا أبقى هذا المتكلم الخبيث للخالق تعالى وتقدس من سؤال مطلب أو تحصيل مأرب، فالله المستعان 4.   1 قصيدة البردة (155) ، ضمن مجموعة مولد شرف الأنام. 2 هو: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية، وكان عالماً في التفسير والحديث والفقه - وشى به بعض المنافقين إلى إبراهيم باشا عندما غزا الدرعية فأحضره وأظهر بين يديه آلات اللهو والمنكر إغاظة له، ثم أخرجه إلى المقبرة وأمر العساكر أن يطلقوا عليه الرصاص جميعاً فمزقوا جسده، وكان ذلك في سنة (1233) - رحمه الله -. انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد (1/212-213) ، والأعلام (3/129) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وما أوردته هنا ما هو إلا مثال لما يردد في الاحتفال بالمولد من أشعار ومدائح ولا يخلو مولد من ذلك ولا سيما قصيدة البردة، بل إن جل من يحضر المولد يحفظها عن ظهر قلب. فلا أدرى هل يجهلون معاني تلك الأبيات وما انطوت عليه من كفر وشرك وتنقص لله في ألوهيته وربوبيته، فبذلك يكونون جهله مقلدين لا يفقهون ما يقولون على حد قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1. أم إنه الهوى والإعراض عن السنة وحب البدعة والخرافة على حد قول الشاعر: يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن ومن المنكرات الأخرى: 1 - أحياؤه بالرقص والغناء الشركي الخليع، وبعرائس الحلوى المزينة وبعلب القمار وغير ذلك من الأعمال السيئة 2. 2 - ومنها: انتهاك حرمة المساجد بتقذيرها وكثرة اللغط فيها ودخول الأطفال حفاة أو بالنعال فلا يكاد يتيسر لأحد إقامة الشعائر في مسجد يعمل فيه مولد. 3 - ومنها: خروج النساء متبرجات مع اختلاطهن بالرجال إلى حد لا يؤمن معه وقوع الفاحشة.   1 سورة الزخرف، آية (23) . 2 انظر: صراع بين الحق والباطل لسعد صادق (124) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 4 - ومنها: استعمال الأغاني وآلات الطرب على الوجه المحرم بالإجماع وغير ذلك مما يفسد أخلاق الأمة ويبعث في نفوس الشبان روح العشق والميل إلى الفجور. 5 - ومنها قراءة القرآن على غير الوجه المشروع فيرجعون فيه كترجيع الغناء غير مراعين فيه ما يجب له من الأدب. 6 - ومنها: طلب الرياء بعمل هذا المولد والتنافس فيه، فترى الأغنياء يتنافسون في الليالي التي يحيونها بأسمائهم وكل يجتهد أن تكون ليلته أحسن الليالي 1. فهذه بعض المنكرات التي تحصل في بدعة المولد وأصحاب الموالد يعرفون من المفاسد المترتبة على هذا الاحتفال أكثر مما ذكرنا، ولكن هذا هو حال البدعة، عندما تتشربها القلوب حتى تقضي على الدين فهي كالنار في الهشيم، وبهذا يصبح الاحتفال بالمولد مبدأة للفساد وجمع لكل رذيلة وسفاهة، وهذا الفعل لا يطرد في كل مولد، بل يختلف من بلد إلى بلد، ومن جماعة إلى أخرى على حسب قوة الدعاة إليه. ولكن لا يخلو في الغالب احتفال من الاحتفالات بالمولد من وقوع الشرك والمعاصي فيه وذلك بسبب تلك المدائح والأشعار التي يرددونها، والأعمال التي يمارسونها.   1 انظر: الاتباع والنهي عن الابتداع (251-253) ، والمدخل لابن الحاج (2/2002) ، والمورد في عمل المولد للفكهاني (24-25) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (306-307) ، ومنكرات المآتم والموالد لجماعة من علماء الأزهر (57-58) ، والسنن والمبتدعات للشقيري (139) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 المطلب الرابع: الشبه التي اعتمد عليها من قال بالاحتفال بالمولد وردها: لم تكن هناك أدلة صحيحة تشير إلى الاحتفال بالمولد النبوي وجوازه، ولكن من قال بالاحتفال به اعتمدوا على شبة ظنوا وزعموا أنها تشير وتدعو إلى الاحتفال بهذه البدعة وانطلت على كثير من الناس لا سيما العوام منهم، وسنعرض أهم الشبه التي اعتمد عليها أولئك، ثم نبين بطلانها، وأنه لا دليل فيها على هذا العمل وذلك بعد عرضها على كتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال سلف هذه الأمة، وإليك بيان ذلك: - الشبهة الأولى: ما حكاه السيوطي عن ابن حجر أنه استخرج أصلاً فقال: قد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم ينقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك فقد اشتملت على محاسن وضدها. فمن تحرى في عملها المحاسن، وتجنب ضدها، كان بدعة حسنة، وإلا فلا. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من "أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجا موسى، فنحن نصومه شكراً لله تعالى" 1.   1 تقدم تخريجه، ص (278) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 فيستفاد منه فعل الشكر لله تعالى على ما مَنَّ به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو نبي الرحمة في ذلك اليوم. وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه، حتى يطابق قصة موسى عليه السلام في يوم عاشوراء. ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم في الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله 1. ويجاب على هذه الشبهة بما يلي: أولاً: أن ابن حجر - رحمه الله - صرح في أول كلامه أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، وهذه الجملة من كلام ابن حجر كافية في ذم المولد، إذ لو كان خيراً لسبق إليه الصحابة والتابعون وأئمة الهدى من بعدهم 2 فهم خير الناس وأولى الناس باتباعه صلى الله عليه وسلم فكيف يعزب عنهم ذلك؟! ثانياً: أن تخريج ابن حجر عمل المولد على حديث صوم عاشوراء لا يمكن الجمع بينه وبين جزمه أول تلك الفتوى بأن ذلك العمل بدعة لم تنقل عن أحد   1 حسن المقصد (63-64) ، وانظر: شرح المواهبة اللدنية للزرقاني (1/140) ، وانظر: حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لمحمد علوي المالكي (8) . 2 الرد القوى لمحمود عبد الله التويجري (30) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 من السلف الصالح من القرون الثلاثة، فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه منه من بعدهم يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحاً؛ إذ لو كان صحيحاً لم يعزب عن فهم السلف ويفهمه من بعدهم كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلاً عليه؛ إذ لو كان دليلاً عليه لعمل به السلف الصالح. فاستنباط ابن حجر الاحتفال بالمولد النبوي - مادام الأمر كذلك - من حديث صوم يوم عاشوراء، أو من نص آخر مخالف لما أجمع عليه السلف من ناحية العمل به وما خالف إجماعهم فهو خطا لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى1. فهم أوْلى الناس وأحرص الناس على اتباعه صلى الله عليه وسلم والهدى فيما كانوا عليه 2. ثالثاً: أن تخريج المولد على صيام يوم عاشوراء من التكلف المردود؛ لأن العبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع فإن الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: أن نعبد الله وحده ولا شريك له. والثاني: أن نعبده بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا نعبده بالأهواء والبدع.   1 القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلى الله عليه وسلم لإسماعيل الأنصاري (78) . 2 انظر: تفصيل القول في أن الهدى ما كان عليه الصحابة والتابعون. الموافقات للشاطبي (3/41-42) ، وإعلام الموقعين لابن القيم (2/389-392) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} 1. فليس لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من واجب أو مستحب ولا يعبد الله بالأمور المبتدعة 2. فلا يسع المسلم إلا الاتباع. رابعاً: أن صيام يوم عاشوراء قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ورغبه فيه 3، بخلاف اتخاذ يوم مولده عيداً، فإنه لم يفعله ولم يرغب فيه ولو كان في الاحتفال بالمولد واتخاذه عيداً أدنى شيء من الفضل لبيّنه صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه ما من خير إلا ودلهم عليه ورغبهم فيه، ولا شر إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه، والبدع من الشر الذي نهاهم عنها وحذرهم منها 4. فبهذا يتبين بطلان هذه الشبهة والتخريج المتكلف المردود. - الشبهة الثانية: قال السيوطي بعد ما نقل كلام ابن حجر وظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي، عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة " 5.   1 سورة الجاثية، آية (18-19) . 2 مجموع الفتاوى (1/80) . 3 انظر: السنة في يوم عاشوراء، ص (252) ، من هذا البحث. 4 الرد القوى (32) ، وانظر: الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف لأبي بكر الجزائري، ص (43) . 5 السنن الكبرى للبيهقي كتاب الضحايا (9/300) ، وقال: قال عبد الرزاق، انما تركوا عبد الله بن محرز لحال هذا الحديث. وانظر: ميزان الاعتدال (2/500) ، ومصنف عبد الرزاق كتاب العقيقة (4/329) ، حديث (7960) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم إظهار للشكر على إيجاد الله تعالى إياه، رحمة للعالمين، وتشريفاً لأمته كما كان يصلي على نفسه؛ لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان، وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات 1. - الجواب على هذه الشبهة: إن هذه الشبهة ساقطة ومردودة؛ وذلك لعدم ثبوت هذا الحديث. قال الإمام أحمد عنه: بأنه منكر 2. وقال النووي: حديث باطل 3. وقال ابن حجر: لا يثبت 4. - الشبهة الثالثة: ما نقله السيوطي عن الحافظ شمس الدين الجزري 5 وأنه قال في كتابه المسمى "عرف التعريف بالمولد الشريف " ما نصه: وقد رُؤى أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة   1 حسن المقصد في عمل المولد للسيوطي (64-65) . 2 انظر: تحفة المودود لابن القيم (51) . 3 المجموع للنووي (8/330) . 4 فتح الباري (9/595) ، والتلخيص الحبير (4/147) . 5 هو: محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف أبو الخير شمس الدين الدمشقي الشهير بالجزري، فقيه شافعي من حفاظ الحديث، ولد سنة (751هـ-) وكانت وفاته (833هـ) . انظر: شذرات الذهب (7/204-206) ، والأعلام للزركلي (7/45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 اثنين، وأمص من بين إصبعي هاتين ماء بقدر هذا، وأشار برأس إصبعه وان ذلك بإعتاقى لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له فإذا كان أبو لهب الكافر، الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم. ولعمري إنما يكون جزاؤه من المولى الكريم، أن يدخله بفضله جنات النعيم. وفي ذلك يقول الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي 1. وقد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سروراً بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنشد: إذا كان هذا كافراً جاء ذمه ... وتبت يداه في الجحيم مخلداً أتى أنه يوم الاثنين دائماً ... يخفف عنه السرور بأحمدا فما الظن بالعيد الذي طول عمره ... بأحمد مسروراً ومات موحداً 2؟ - الجواب على هذه الشبهة من وجوه: أولاً: أن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، كما جاء ذلك في   1 هو: محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن أحمد القيسي الدمشقي، المعروف بالحافظ ابن ناصر الدمشقي فقيه شافعي مؤرخ، ولد سنة (777هـ) ، وكانت وفاته (842هـ) . انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (317-325) ، وشذرات الذهب (7/243-344) . 2 حسن المقصد للسيوطي (65-66) ، وانظر: حول الاحتفال بالمولد لمحمد علوي المالكي (5-6) ، وعلموا أولادكم محبة رسول الله لمحمد عبده يماني، ص (97) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشرحيبه 1. قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقي ثويبة 2. وعلى تقدير أنه موصول، فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه 3. ثانياً: أنه لم يصح أن ثويبة أعتقها أبو لهب عند ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان إعتاقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بزمن طويل كما هو ثابت في كتب التاريخ والسير. قال ابن سعد 4: بسنده " كانت ثويبة مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلها وهو بمكة، وكانت خديجة تكرمها وهي على ملك أبي لهب وسألته أن يبيعها لها فامتنع، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها أبو لهب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إليها بصلة وبكسوة حتى جاء الخبر أنها ماتت سنة سبع مرجعه من خيبر 5. ثالثاً: دلت النصوص الصريحة من كتاب الله عز وجل على أن أعمال الكفار حابطة كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 6.   1 الحيبة: بسكر الحاء المهملة وفتح الباء أي بشر حال، والحيبة والحوبة الهم والحزن. انظر: النهاية لابن الأثير (1/466) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب النكاح (9/140) ، حديث (5101) . 3 فتح الباري لابن حجر (9/145) . 4 هو: محمد بن سعد بن منيع الزهري مولاهم، مؤرخ من حفاظ الحديث، ولد في البصرة سنة (168هـ) ، وتوفي في بغداد سنة (230هـ) . تهذيب التهذيب (9/182) ، وتذكرة الحافظ (2/425) . 5 الطبقات لابن سعد (1/108-109) ، وانظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (4/258) ، وفتح الباري (9/145) ، والوفاء بأحوال المصطفى لابن الجوزي (1/178-179) . 6 سورة الفرقان، آية (23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} 1. وأبو لهب يدخل تحت هذه الآيات ضمناً فلا ينتفع بإعتاق ثويبة؛ لأن أعماله كلها حابطة 2. رابعاً: أن نصوص القرآن دالة على أن العذاب لا يخفف عن الكفار 3. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} 4. وأبو لهب ممن تنطبق عليه هذه الآية لشدة كفره وعداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأذيته له. كيف لا وقد جاء النص الصريح بذلك كما في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} 5.   1 سورة إبراهيم، آية (18) . 2 انظر: الرد القوي لحمود التويجري (58-59) . 3 وقد جاء في السنة تخفيف العذاب عن أبي طالب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به، انظر: صحيح البخاري مع الفتح (11/417) كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار حديث (6564) . وصحيح مسلم (1/90-91) ، كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه، حديث (209) . 4 سورة فاطر، آية (36) . 5 سورة المسد، آية (1-3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 خامساً: أما أبيات الحافظ الدمشقي. فنحن ندعو للحافظ الدمشقي بالرحمة والمغفرة، ونؤكد معه قوله الصادق: فما الظن بالعبد الذي طول عمره ... بأحمد مسروراً ومات موحداً فهو - رحمه الله - يرجو ثواب ربه، بسروره برسول صلى الله عليه وسلم، طول عمره لا أنه يرتجي ثواب سروره بالرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة بعد ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة! ثم إنه - رحمه الله - يربط رجاء الثواب بموته موحداً الله تعالى بما هو أهله وبما يستحقه من العبادة والتعظيم.. 1. وبهذا يتبين أنه لا دليل لهم بهذه الشبهة، وأنه لم يثبت أن أبا لهب فرح بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا أنه أعتق ثويبة حال ولادته صلى الله عليه وسلم، بل كان من أشد الأعداء للرسول صلى الله عليه وسلم فتلك دعوى لا برهان عليها. - الشبهة الرابعة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود؛ إذ سعد به كل موجود وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين. فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ" 2. وهذا معنى الاحتفال به، والمعنى موجود سواءً كان ذلك بصيام، أم إطعام طعام، أو اجتماع على ذكر، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسماع شمائله الشريفة3.   1 حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالته لعبد الله بن سليمان بن منيع (47) . 2 صحيح مسلم كتاب الصيام (2/820) ، حديث (1160) . 3 حول الاحتفال بالمولد لمحمد علوي المالكي (7) . وانظر: علموا أولادكم محبة رسول الله، د. محمد عبده يماني (98) ، وللعقلاء فقط (160) ، ونفخ الأزهار في مولد المختار لعلي الجندي (181) ، والسنة والبدعة لعبد الله محفوظ محمد الحداد الحضرمي (106) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 - الرد على هذه الشبهة من وجوه: أولاً: أنه إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول ربه وهو الصوم، وعليه فلنصم كما صام غير أن أرباب الموالد لا يصومونه؛ لأن الصيام فيه مقاومة للنفس بحرمانها من لذة الطعام والشراب، وهم يريدون ذلك، فتعارض الغرضان، فآثروا ما يحبون على ما يحب الله وهي زلة عند ذوي البصائر والنهي 1. ويوضح ذلك أن بعض أرباب الموالد نص على كراهة صوم يوم الاثنين الموافق للثاني عشر من ربيع الأول بحجة أنه عيد من أعياد المسلمين. وقد نقل ذلك الحطاب 2 حيث قال: " قال الشيخ زروق 3: في شرح القرطبية صيام يوم المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه وورعه، وقال: إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا يصام فيه " 4. وجاء في حاشية الدردير " تنبيه: ومن جملة الصيام المكروه كما قال بعضهم: صوم يوم المولد المحمدي إلحاقا له بالأعياد " 5.   1 انظر: الإنصاف لأبي بكر الجزائري (44) ، بتصرف. 2 هو: محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني أبو عبد الله، المعروف بالحطاب، فقيه مالكي من علماء المتصوفين، ولد سنة (902هـ) ، وكانت وفاته سنة (954هـ) . انظر: الأعلام (7/58) . 3 هو: أحمد بن أحمد بن محمد عيسى البرنسي الفاسي أبو العباس زروق، فقيه محدث صوفي، وولد سنة (846هـ) ، وكان وفاته سنة (899هـ) . انظر: شذرات الذهب (7/363) ، والأعلام (1/91) . 4 مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبي عبد الله المغربي، المعروف بالحطاب (2/405) . 5 شرح الدردير لمختصر خليل مع حاشية الدسوقي (1/518) ، وانظر أيضاً: الخرشي على مختصر سيدي خليل (1/241) ، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير (2/232) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وهذا نص في مخالفته صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم صام يوم الاثنين ورغب فيه. وأولئك تعمدوا مخالفته صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يتبين بطلان دعوى محبته؛ إذ المحبة في المتابعة لا في الإدعاء. ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه كذلك. وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر أربع مرات أو أكثر، وبناءً على هذا فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعمل ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع يعتبر استدراكاً على الشارع وتصحيحاً لعمله وما أقبح هذا إن كان - والعياذ بالله - 1. ثالثاً: أن صيام يوم الاثنين له خصوصية أخرى، إضافة إلى ما ذكر في الحديث الذي استندوا إليه وذلك أنه يوم تعرض فيه الأعمال، كما تعرض في يوم الخميس، فندب النبي صلى الله عليه وسلم صومه. كما جاء عن أبي هريرة الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" 2.   1 الإنصاف فيما قيل في المولد للجزائري (44) . 2 سنن الترمذي، كتاب الصيام، باب ما جاء في صوم الاثنين والخميس (3/122) ، حديث (447) ، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، سنن النسائي، كتاب الصيام، باب صوم الاثنين الخميس (4/201ـ202) ، وسنن أبي داود كتاب الصوم، باب صوم الاثنين والخميس (2/325) ، حديث (5436) ، ومسند الإمام أحمد (5/201) ، وقال الألباني: صحيح كما في صحيح سنن الترمذي (1/227) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 فلم يكن الداعي إلى هذا الصوم لكونه يوم ولادته فحسب، بل لأجل أن الأعمال تعرض فيهما وأنه يوم أنزل عليه فيه. رابعاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم عندما صام يوم الاثنين أضاف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب؟ الجواب: لا وإنما اكتفى بالصيام فقط. إذاً ألا يكفى الأمة ما كفى نبيها صلى الله عليه وسلم ويسعها ما وسعه، وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟ إذاً فلِم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه والله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" 2. 3. خامساً: قولهم إن هذا في معنى الاحتفال به والمعنى موجود سواءً كان ذلك بصيام أم أطعام طعام.. الخ. في هذا القول اتهام خطير لخير هذه الأمة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم ورمي لهم بالتقصير، حيث لم يفهموا مقصوده صلى الله عليه وسلم من صيام هذا اليوم فلم يحتلفوا بهذه المناسبة. وفي هذا يقول الشيخ ابن منيع في رده على المالكي: عندما استدل بهذا الدليل - يقصد المالكي - أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بصيامه يوم ولادته يوحي إلى أمته وفي طليعة الأمة أصحابه وتابعوهم بإقامة احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم إلا أنهم من   1 سورة الحشر، آية (7) . 2 تقدم تخريجه، ص (219) . 3 انظر: الإنصاف فيما قبل في المولد للجزائري (44-45) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الغباء والجهل والبعد عن إدراك مقاصده صلى الله عليه وسلم بمكان حجب عنهم ذلك، حتى جاءت الرافضة والقرامطة والفاطميون ومن نحا نحوهم من أهل البدع والمحدثات، كالمالكي واضرابه، فأدركوا بثاقب بصرهم ونفاذ بصيرتهم وقوة إيمانهم وشدة محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدركوا مقصده صلى الله عليه وسلم بصيامه يوم الاثنين فدعوا إلى إقامة الاحتفال بالمولد. حقاً إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.. وبالتالي نقول: لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والستة الباقين من العشرة والحسن والحسين وأمهما فاطمة وأمهات المؤمنين أزواجه صلى الله عليه وسلم وغيرهم إنكم لم تقدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق قدره كما قدره أولئك المحتفلون فلم تقيموا احتفالات حوليه بذكرى ولادته صلى الله عليه وسلم، كما يوحي بذلك على حد زعم المالكي وفهمه السقيم، حقاً إن الهوى يعمى ويصم 1. فهذا هو حال من جانب الحق واتبع الهوى يقدح في مَنْ خالفه مِنْ سلف هذه الأمة وخيرها سواءً أراد بذلك أم لم يرد فالله المستعان والهادي إلى الصواب. - الشبهة الخامسة: أن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر القرآن من قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 2.   1 انظر: حوار مع المالكي (50-51) . 2 سورة يونس، آية (58) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فالله تعالى أمرنا أن نفرح بالرحمة والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الرحمة. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 1. 2. الجواب على ذلك: إن القول بذلك تعسف للأدلة بجعلها موافقة للهوى ومجانبة لما عليه هذه الأمة من كبار المفسرين وأئمة علم التفسير الذين نصوا على أن المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 3. قال الطبري في تفسيره لهذا الآية: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} يا محمد لهؤلاء المكذبين بك وبما أنزل إليك من عند ربك. {بِفَضْلِ اللَّهِ} . أيها الناس الذي تفضل به عليكم هو الإسلام. فبينه لكم ودعاكم إليه {وَبِرَحْمَتِهِ} التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه فبصركم بها معا لم دينكم وذلك القرآن. {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يقول فان الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وكنوزها 4.   1 سورة الأنبياء له (107) . 2 حول الاحتفال بالمولد لعلوي المالكي (7-8) . انظر: الذخائر المحمدية له (268) ، وعلموا أولادكم محبة رسول الله، د. محمد عبده يماني (98) . 3 سورة يونس، آية (57-58) . 4 تفسير الطبري (15-105) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} . قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: " فضله القرآن ورحمته الإسلام وعنهما أيضاً: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله"1. وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية ما نصه: يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزل من القرآن العظيم على رسوله الكريم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي زاجرا عن الفواحش. {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} أي من الشبه والشكوك وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس. {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} أي يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه ". كقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} 2. وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} 3. وقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى والدين الحق فليفرحوا فانه أولى بما يفرحون به. {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة 4.   1 الجامع لأحكام القرآن (8/353) . وانظر: البغوي (2/358) ، والتفسير القيم لابن (307) ، 2 سورة الإسراء، آية (82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وقال ابن القيم عند هذه الآية: وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته الإسلام والسنة 1. وبهذا تبين لطالب الحق أنه لا دليل بهذه الآية وهذا هو حال المبتدعة، فانهم يتعسفون الأدلة لمجارات آرائهم وأهوائهم وإن خالفت ما هو مجمع عليه. - الشبهة السادسة: إن المولد الشريف يبعث على الصلاة والسلام المطلوبين بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2. 3. - الجواب: - أولاً: إذا كان لا يذكر صلى الله عليه وسلم إلا في يوم ولادته فبئست هذا العقيدة وهذا جفاء في حقه صلى الله عليه وسلم فأين دعوى المحبة إذاً؟. إذا كان لا يصلى عليه إلا في ليلة من ثلاثمائة وست وخمسين ليلة نعوذ بالله من الغفلة والصدود عن الحق. ثانياً: الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحب في كل وقت وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً"4.   1 اجتماع الجيوش الإسلامية (6) . 2 سورة الأحزاب، آية (56) . 3 حول الاحتفال بالمولد (7-8) ، وانظر: عملوا أولادكم محبة رسول الله (99) . 4 صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد (1/306) ، حديث (408) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 والصلاة والسلام مقترنة عند ذكره صلى الله عليه وسلم في كل وقت وفي كل مناسبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ" 1. وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه في يوم الجمعة عيد الأسبوع فقال صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض وفيه النفخة، وفيه الصعقة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ.." 2. فهل يليق بالمسلم أن لا يصلي عليه صلى الله عليه وسلم إلا في ليلة واحدة من ثلاثمائة وست وخمسين ليلة كلا بل هذا هو الهجران ولا يقول بذلك عاقل وفي ذلك يقول أبو بكر الجزائري: كون المولد ذكرى.. الخ هذه تصلح أن تكون علة لو كان المسلم لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشرات المرات، فتقام له ذكرى سنوية أو شهرية يتذكر فيها نبيه ليزداد بذلك إيمانه وحبه له. أما والمسلم لا يصلي صلاة من ليل أو نهار إلا ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل وقت صلاة ولا يقام لها إلا ويذكر الرسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلى عليه، إن الذي تقام له ذكرى خشية النسيان هو من لا يذكر أما من يذكر ولا ينسى فكيف تقام ذكرى حتى لا ينسى، أليس هذه من تحصيل ما هو حاصل، وتحصيل الحاصل عبث ينزه عنه العقلاء 3.   1 سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " رغم أنف رجل " (5/551) ، حديث (3546) ، وقال: حديث حسن صحيح غريب. ومسند الإمام أحمد (1/201) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الدعاء (1/549) ، وقال: حديث صحيح، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح كما في صحيح سنن الترمذي (3/177) . 2 تقديم تخريجه، ص (195) . 3 الإنصاف فيما قيل في المولد (36-37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 - الشبهة السابعة: إن المولد أمر يستحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" 1.2. - والجواب من وجوه: 1 - إن ذلك القول دعوى يعوزها الدليل وهو قول مخالف للحق والصواب، ولقد أنكر ذلك الاحتفال أكابر علماء السلف وقالوا ببدعته وأنه مخالف لما جاء به صلى الله عليه وسلم وكل ما خالف شيئاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مكان له ولا اعتبار بل هو مردود بنص قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 3. وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 4. وقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 5. فلم يفعله الصحابة ولا تابعوهم ولا القرون المفضلة فكيف يكون أمراً مستحسناً؟   1 مسند الإمام أحمد (1/379) ، وهو موقوف على ابن مسعود وما يزعمه بعض من يحتفل بالمولد على أنه مرفوع فلا يصح. قال ابن حزم عنه في كتابه الأحكام في أصول الأحكام (2/197) ، وهذا لا نعلمه بسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه أصلاً، وأما الذي لا شك فيه فانه لا يوجد البتة في مسند صحيح وإنما نعرفه عن ابن مسعود. وانظر: المقاصد الحسنة للسخاوي (367) ، وكشف الخفاء للعجلوني (2/263) ، والأحاديث الضعيفة للألباني (2/17) . 2 حول الاحتفال بالمولد (12) ، والذخائر المحمدية لمحمد علوي ما لكي (270-271) . 3 تقدم تخريجه، ص (220) . 4 سورة الحشرة (7) . 5 سورة المائدة، آية (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 2 - أن "أل" في كلمة المسلمون للعهد ويبين ذلك السياق حيث جاء فيه " إن الله نظر في قلوب العباد فأختار محمداً فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ " وعليه فالمراد بهذا الأثر إجماع الصحابة واتفاقهم. ويؤيد ذلك: ما جاء عند الحاكم بزيادة " وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه " 1. وفي هذه الجملة بيان للمراد فقد استدل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على استخلاف أبي بكر بإجماع الصحابة. 3 - إن قيل: أن "أل" للاستغراق فيشمل كل المسلمين فيكون إجماعاً وأهل الإجماع هم أهل الاجتهاد والعلم. وذلك أنه إذا لم يرد به أهل الإجماع وأريد بعضهم فليزم عليه استحسان العوام وهو باطل بإجماع 2. قال العز بن عبد السلام - عندما سئل عن ذلك -: " إن صح الحديث فالمراد بالمسلمين أهل الإجماع 3.   1 المستدرك للحاكم كتاب معرفة الصحابة (3/78-79) ، وقال: حديث صحيح ووافقه الذهبي. 2 انظر: الاعتصام للشاطبي (2/152) ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (2/197) ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (2/18-19) والبدعة وأثرها السيئ (21-22) ، وأصول في السنن والبدع للعدوي (39-40) . 3 كتاب الفتاوى للعز بن عبد السلام (42) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الله عنه من أشد الصحابة إنكاراً للبدع وهجراً لأصحابها وهو القائل " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ". فلما لم يجدوا دليلاً صحيحاً على ذلك الاحتفال جعلوه بدعة حسنة، فاضطرهم انتصارهم لهذه البدعة إلى تعسف الأدلة وجعلها في غير مواضعها حيث صرفوها عن معانيها الحقيقية مخالفين بذلك ما جاء عن سلف هذه الأمة، فمتى تحقق أنه بدعة حسبما شهدوا به على أنفسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل بدعة ضلالة" وهي نكرة مضافة تعم كل بدعة فليس في الشرع بدعة حسنة، بل إن البدعة تنافي السنة وتنافي الحسنة. فلسنا في حاجة إلى مثل هذا الفعل الذي لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من القرون المفضلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين هم خير الناس وأحرصهم على اتباعه صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " ومعلوم أن كلما لم يسنه ولا استحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم فإنه يكون من البدع المنكرات، ولا يقول أحد في مثل هذا: إنه بدعة حسنه " 1. ومن قال بذلك فقد زعم أنه أتى في هذا الدين بخير مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وانه صلى الله عليه وسلم لم يؤد رسالة ربه، وبهذا الزعم خالفوا نص كلام الله عز وجل، حيث قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 2.   1 مجموع الفتاوى (27/152) . 2 سورة المائدة (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وكما قيل: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف فيا من تحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم ألا يسعكم ما وسع نبيكم وصحابته رضي الله عنهم، أما تتقون الله سبحانه وتعالى في ذلك القائل {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. وإذا كنتم تحتفلون بيوم مولده صلى الله عليه وسلم فاليوم الذي ولد فيه هو بعينه الذي توفي فيه فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه 2. فيتبين بغاية الوضوح والبيان أن المبتدعة أصحاب هوى، وربما كانوا أصحاب مصالح، فكل ما أوردوه من شبه زعموا دلالتها على بدعتهم إنما هي شبه واهية لا قرار لها ولا ثبات فهي بجانب الأدلة الشرعية الواضحة الصريحة سراب لا حقيقة له، وخيط عنكبوت لا قوة ولا صلابة فيه: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} 3. ومن فكر بعقل سليم باحثاً عن الحق والصواب استرشد إلى أن هذا الفعل بدعة منكرة، ومن كان تابعاً للهوى، ودعاة الضلالة معانداً فلا تزيده الأدلة ووضوحها إلا عناداً واستكباراً عن الحق، والعياذ بالله. (ومن يضلل الله فما له من هاد   1 سورة النور (63) . 2 انظر: المورد في عمل المولد للفكهاني (26-27) ، والمدخل لابن الحاج (2/15) . 3 سورة العنكبوت، آية (41) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 المطلب الخامس: دعوى أن ترك الاحتفال بالمولد ينافي محبة النبي صلى الله عليه وسلم: يصف بعض دعاة الاحتفال بالمولد من ينكره ولا يحتفل به، بأنه لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يبغضه ولو كان محباً له لاحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ويجاب على ذلك بأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أهازيج تردد، ولا قصائد تنشد، ولا دعاوى تدعى. والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات فأهلها أدعياء إن حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم اتباع أمره واجتناب نهيه، والسير على نهجه، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. ولا تتحقق المحبة إلا بذلك قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. فقد جعل سبحانه وتعالى الاتباع والانقياد دليل تلك المحبة وبه يعرف الصادق من المدعي. وفي ذلك يقول ابن كثير: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله..   1 سورة آل عمران (31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 قال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم بهذه الآية 1. وقال ابن القيم في قوله تعالى: {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها، وفائدتها فدليلها وعلامتها، اتباع الرسول. وفائدتها وثمرتها: محبة المرسل لكم، فما لم تحصل المتابعة فليست محبتكم له حاصلة، ومحبته لكم منتفية 2. فلا تحصل المحبة إذاً إلا بالإتباع والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم أما أن يدعى الشخص محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أمره في النهي عن الأحداث في الدين معلناً تلك فالمحب بدقات الطبول ونغمات المنشدين وتأوهات أصحاب الوجد التائهين الضالين، وبألوان المأكل والمطاعم فهذه دعوى كاذبة إذا الضدان لا يجتمعان، وكما قيل: تعصى إلا له وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع 3 فالمحبة لابد أن يوافق محبوبة فعلامة المحبة هي الطاعة وليست المحبة ذكرى عابرة تردد في مناسبات محدودة، أو ذكرى في شعر ينشد وقيام وقعود وقصة تتلى منغمة، إن ذلك الفعل فيه مشاقة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة ظاهرة لما جاء به صلى الله عليه وسلم.   1 تفسير ابن كثير (1/358) ، وانظر: تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن السعدي (1/179-180) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 فالاتباع هو الميزان الذي يعرف به من أحب حقيقة ومن أدعى ولا ريب أنه يجب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والمال والولد والناس أجمعين، حيث جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" 1. وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن عمر" 2. ولكن هذه المحبة يجب أن تكون ضمن ما حدده الشارع، بعيداً عن الغلو والإفراط والتفريط فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله" 3. وعلامة كون الإنسان محباً للرسول صلى الله عليه وسلم هي اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه ظاهراً وباطناً والوقوف على ذلك، وكلما قل الاتباع نقصت تلك المحبة، فبكمال الاتباع تكمل المحبة والعكس كذلك 4.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان (1/58) ، حديث (15) ، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/67) ، حديث (44) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الإيمان والنذور، باب كيف كانت محبة النبي صلى الله عليه وسلم (11/523) ، حديث (6632) . 3 تقدم تخريجه (235) . 4 انظر: مدارج السالكين لابن القيم (1/39) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 فيا ترى من الصادق في تلك المحبة من أطاع وأمتثل، أم من أحدث وابتداع في ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فلا يكون محباً لله إلا من يتبع رسوله، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية، وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم 1 ". وهذا كثير فيمن يحتفلون بتلك المواسم بدعوى محبته صلى الله عليه وسلم. وبهذا يتضح لمن أراد الحق أن حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكمن في امتثال أمره واجتناب نهيه والمحافظة على طاعته والتمسك بسنته ومن خالف ذلك فقد ضل في معرفة تلك المحبة، وما يفعله أرباب الموالد والمواسم المحدثة فهو من هذا القبيل حيث ظنوا أن محبته صلى الله عليه وسلم تتمثل في إقامة الحفلات والذكريات والتي قوامها تحسين المآكل والمشارب وإنشاد القصائد والطرب والتمايل، فأضافوا إلى الأحداث في الدين ارتكاب المحرمات والمنكرات. وهذا هو حال من أعرض عن سنته صلى الله عليه وسلم، حيث تتجاذبه الأهواء ويقع في الفتن ومزالق الشيطان. نسأل الله أن يرزقنا المحبة الصادقة له ولنبيه صلى الله عليه وسلم وأن يوفقنا لاتباع سنته والسير على نهجه وأن يحفظنا من الخطأ والزلل في القول والاعتقاد والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.   1 العبودية لابن تيمية (93) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 المطلب السادس: حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم: كما هو معلوم أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أحدثها المتأخرون، ليس لها أصل في دين الله ولا في شرع رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس على إقامة الحفلات بمناسبة المولد دليل من كتاب ولا سنة، ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بها ولا وصى بها المسلمين، ولم يفعلها خلفاؤه الراشدون الذين هم خير الناس بعد الأنبياء، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهم أهل السبق والمبادرة إلى الخيرات بفعل المأمورات وترك المنهيات، ولو كان الاحتفال بالمولد سنة أو أمراً مستحباً لسبقونا إليه ولأظهروه للناس، وأحيوه كما أحيوه السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم. ولما لم يرد شيء من ذلك، حيث لم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولا فعله أصحابه ولا أحد من أهل البيت، ولا من سلف هذه الأمة الذين يعتد بهم كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وبقية أئمة السلف دل على أن فعله بدعة محدثة منكرة، مردودة على أصحابها؛ لأن كل بدعة ضلالة. وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة الواردة في النهي عن البدع والإحداث في الدين، وإليك بيان ذلك. - أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 1.   1 سورة الحشرة، آية (7) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وفي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير: " أي مهماً أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهى عن شر " 1. وقال البغوي: " هو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه " 2. ولم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أمته باتخاذ ليلة المولد عيداً فكان العمل بها بدعة، وهو من قبيل المحدثات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ويبالغ في التحذير منها، وعلى هذا ففي الآية الكريمة أوضح دليل على المنع من اتخاذ ليلة المولد النبوي عيداً 3. 2 - وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} 4. قال ابن كثير: " أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهاجه، وطريقته، وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان.. " 5. 3 - قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 6.   1 تفسير ابن كثير (4/336) . 2 تفسير البغوي (4/318) ، وانظر: تفسير القرطبي (18/17) . 3 انظر: الرد على الكاتب المفتون للشيخ حمود بن عبد الله التويجري (47) بتصرف. 4 سورة النور، آية (63) . 5 تفسير ابن كثير (3/307) . 6سورة المائة، آية (3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وهذا الاحتفال يعد استدراكاً على الدين الذي أكمله الله لعباده ورضيه لهم، وبهذا يتبين بطلانه وخطورته على الدين. 4 - قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1. فهم القدوة والأسوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتفلوا بمولده صلى الله عليه وسلم ولو كان خيراً لسبقوا إليه. وغير ذلك من عموم الآيات الواردة في النهي عن الإحداث والابتداع في الدين والحث على التزام ما جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. - ثانياً: من السنة: 1 - حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه الذي جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" 2. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ليس منه فهو رد" 3.   1 سورة التوبة، آية (100) . 2 تقدم تخريجه، ص (219) . 3 تقدم تخريجه (220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فالاحتفال بالمولد محدث مبتدع فهو مردود، ولا سيما أن أربابه والدعاة إليه يجعلونه قربة يتقربون بها إلى الله عز وجل، وهذا الاعتقاد باطل بنص قوله صلى الله عليه وسلم. والأدلة في هذا الشأن كثيرة، وما ورد فيه الكفاية لمن طلب الحق وبحث عنه. - ثالثاً: من أقوال السلف: قال الشاطبي عند عده للبدع التي تضاهي الشرعية: ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك 1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليال شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد.. فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها 2. وقال الفكهاني 3 عند ما سئل عن الاحتفال بالمولد: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله من أحد من علماء الأمة الذين هم   1 الاعتصام للشاطبي (1/39) . 2 مجموع الفتاوى (25/298) . 3 هو: عمر بن علي بن سالم بن عبد الله اللخمي الاسكندراني المعروف بتاج الدين الفكهاني فقيه، نحوي، مفسر، وله مصنفات في أشياء متفرقة، ولد سنة (654هـ) ، وكانت وفاته (734هـ) ، وقيل (436) . انظر: البداية والنهاية (14/177) ، والديباج المذهب (2/80/81) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطَّالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون. وقد نص على بدعية المولد بجميع صوره 1. فالمولد إذا بدعة منكرة سواءً احتوى على محرمات من سماع، أو رقص وغيره، أو اقتصر على الاجتماع وإطعام الطعام، والمعروف أن البدعة تزيد ولا تنقص. قال ابن الحاج بعد ما ذكر أن من جملة البدع المحدثة المولد وأنه احتوى على بدع ومحرمات: فانظر - رحمنا الله وإياك - إلى مخالفة السنة ما أشنعها وما أقبحها وكيف تجر إلى المحرمات، ألا ترى أنهم لما خالفوا السنة المطهرة، وفعلوا المولد لم يقتصروا على فعله، بل زادوا عليه من المحرمات والأباطيل المتعددة 2. وقد نص على بدعيته جماعة من العلماء المحدثين منهم والمتقدمين 3، ولعل من المناسب أن أختم كلام العلماء في هذه البدعة بفتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في هذا الشأن والذي جاء فيها بعد نصه على عدم جوازه، وأنه من البدع المحدثة في الدين قوله: وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة   1 المورد في عمل المولد للفكهاني (20-22) . 2 انظر: المدخل لابن الحاج (2/10) . 3 منهم: ابن النحاس في تنبيه الغافلين (138) ، والشقيري في السنن والمبتدعات (138-139) ، ومحمد رشيد رضا في الفتاوى (4/1242-1243) ، ومحمد جمال الدين القاسمي في إصلاح المساجد من البدع والعوائد (114-115) ، والشيخ محمد ابن إبراهيم في فتاويه (3/48) ، وما بعدها، وأحمد بن حجر آل أبو طامي في تحذير المسلمين في عن الابتداع (184-190) وغيرهم كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم " 1. ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وفعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم 2. فمما تقدم من الأدلة وأقوال العلماء يتضح لطالب الحق بدعية هذا الاحتفال وأنه لا أصل له في دين الله وهو مخالف لما جاء به صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين.   1 صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء بيعة الخلفاء (3/1472-1743) ، حديث (1844) . 2 انظر: التحذير من البدع (4-5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 والذي ينبغي للمسلم العاقل أن لا يغتر بكثرة المؤيدين لهذا الاحتفال؛ لأن الله سبحانه تعبدنا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بالاتباع ونهانا عن الابتداع والإحداث في الدين. وما هذا الاحتفال إلا بدعة في الدين لم يعرفها سلف هذه الأمة، بل نشأت بعد القرون المفضلة، وانصراف كثير من الناس في هذا الزمان إلى مثل هذا الاحتفال ليس دليلاً على جوازه أو استحسانه، بل الحق ما كان موافقاً لما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن قل اتباعه والباطل ما خالفه وإن كثير أعوانه. قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} 1. ولقد وصف الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان والعمل الصالح بأنهم قليل. فقال جل من قائل: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} 2. كما أخبر جل وعلا أن كثيراً من الناس ينتحلون صفة الإيمان وهم في الحقيقة مشركون. قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 3. وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 4.   1 سورة الأنعام، آية (116) . 2 سورة ص، آية (24) . 3 سورة يوسف، آية (106) 4 سورة يوسف، آية (103) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وما وجد من أهل العلم نسب إليه القول بالاحتفال بالمولد النبوي واستحسانه كابن حجر والسيوطي والسخاوي وغيرهم من العلماء الذين لهم باع في أصول العلم الشرعي وفروعه. فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند كلامه عن المواسم المبتدعة من الموالد وغيرها: " وإذا فعلها قوم ذوي فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهيتها، وأنكرها قوم كذلك، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلوها فليس دونهم في الفضل فتكون حينئذٍ قد تنازع فيها أو لو الأمر فترد إذن إلى الله والرسول، وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها لا مع من رخص فيها، ثم إن عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء التاركين المنكرين 1. ومن ناحية أخرى فلعلها تكون زلة عالم، والحق يعرف بالدليل لا يعرف بالرجال وكثرة المؤيدين وفي ذلك قال الإمام مالك " ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك " 2. والإنسان في مراحل علمه المختلفة تعتريه بعض الشبه في مسائل من العلم تجعله يخالف بسببها الحق، وحسب العالم في ذلك صدقه وتحريه الحق والبحث عنه، ولعله قد ظهر لمثل هؤلاء العلماء الحق فيما خالفوا فيه الدليل فرجعوا عن القول الباطل ولم نقف نحن عليه.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/610) . 2 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (2/91) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 والبدعة مهما عمل بها من عمل ومهما قال بها من قال، ومهما بقيت من زمن فلا تكون سنة في يوم من الأيام بل هي بدعة مذمومة حتى تزول. وفي ذلك يقول الحكمي 1: " اعلم أن البدع كلها مردودة ليس فيها شيء مقبولاً، وكلها قبيحة ليس فيها حسن، وكلها ضلال ليس فيها هدى، وكلها أوزار ليس فيها أجر، وكلها باطل ليس فيها حق 2. وما بدعة المولد إلا إحدى البدع المتباينة التي عمت وطمت والتي أحدثها أعداء الإسلام من الفاطميين الحاقدين، وأرباب التصوف الجهال المارقين، فلم يعرفها سلف هذه الأمة، وخيرها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ثم تسللت وانتشرت حتى عمت كثيراً من المسلمين فقلّد بعضهم بعضاً في تلك البدعة، وكما قيل: " الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض " 3. ولاسيما في هذا العصر، حتى أصبح ذلك العمل شعاراً يدل على المحبة لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم في زعمهم، ولم يكن ذلك الفعل مقتصراً على الجهلة والعوام، ومن لا يعرف الدليل ولا يفقهه بل إن بعضاً ممن ينتسبون إلى العلم أصبحوا دعاة سوء وضلال إلى مثل هذا الاحتفال، معرضين عن كتاب الله وسنة نبيه وأقوال سلف هذه الأمة، باحثين عن إشباع رغباتهم وشهواتهم بالأكل والشرب والهوى واللعب، الذي يحصل لهم في ذلك الاجتماع فلا حول   1 هو: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي فقيه أديب حافظ، ولد بجيزان سنة (1342هـ) وكانت وفاته بمكة المكرمة سنة (1377) . انظر: الأعلام (2/159) . 2 معارج القبول للحكمي (2/616) . 3 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/150) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ولا قوة إلا بالله {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 1. وأخيراً فخلاصة القول في الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أنه باطل وبدعة منكرة لما يلي: 1 - أنه بدعة في الدين محدثة، وكل بدعة ضلالة، ولن يستطيع الذين يرون إقامته أن يقيموا عليه دليلاً من الشرع. 2 - أنه مشابهة للنصارى في احتفالهم بمولد المسيح بن مريم عليه السلام، وقد نهينا عن التشبه بهم، ومن الغريب أن احتفال النصارى بمولد عيسى عليه السلام، بدعة ابتدعها النصارى أيضاً فأصبح الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة مركبة. 3 - ما يقع فيه من المنكرات والمحرمات والتي أعظمها الشرك بالله جل وعلا والتي لا يخلو منها مولد من الموالد. ومن المعلوم أن البدعة لا تقف عند حد معين بل تزيد وتتوسع وذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي أصبح أصلاً في ابتداع موالد أخرى للأولياء والصالحين والآباء والأبناء. وذلك اتباعاً لأول من أحدث المولد النبوي، وهم الفاطميون، حث أحدثوا معه موالد أخرى لآل البيت كفاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل وللحاكم الحاضر أيضاً.   1 سورة الحج، آية (46) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ومن أطلع على حال العالم الإسلامي اليوم أدرك ذلك، بحيث لا يكاد يمر أسبوع واحد دون اجتماع بعض الناس حول ولي من الأولياء فيهرع البعض منهم من الأقاليم النائية لحضور مولد ذلك الولي، وغالباً ما يكون هذا الاحتفال عند قبره، بل توسعوا في ذلك حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة وإن كان من الملحدين بحجة أنه ولي من الأولياء، ولا يقتصر هذا الفعل على بلد دون بلد، بل كل بلد من البلدان، أو إقليم من الأقاليم له أولياؤه الذين يحتفل بهم. ولم يكتفوا بهذا الحد، بل سرى ذلك إلى الاحتفال بمولد الآباء والأبناء والأحفاد وأفراد الأسرة فأصبح أرباب هذه الموالد كل يوم في عيد. فضلاً عن المواسم المبتدعة الأخرى. وعلى هذا فبدعة الاحتفال بالمولد النبوي هي بداية سلسلة متصلة لموالد أخرى ابتداءً من الولي وصاحب الطريقة، وانتهاءً بالاحتفال بمولد الولد والحفيد وسنأتي على بيان بعض تلك الاحتفالات في الأعياد المكانية ليقف القارئ على حقيقة تلك البدعة وما آلت إليه. والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 المبحث الثالث: صلاة الرغائب المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها: ... المبحث الثالث: صلاة الرغائب وهي صلاة تكون في ليلة، أول جمعة من شهر رجب بين صلاة المغرب والعشاء ويسبقها صيام الخميس1 المطلب الأول: متى أحدثت وصفتها: - أولاً: متى أحدثت: لم تعرف هذه الصلاة إلا بعد المائة الرابعة، وأول ما أحدثت ببيت المقدس - طهره الله - وذلك بعد سنة (480هـ) ، ثمانين وأربعمائة، كما حكى ذلك الطرطوشي - رحمه الله - ولم يصلها أحد قبل ذلك 2. قال ابن رجب عند ذكره لها: " وإنما لم يذكرها المتقدمين؛ لأنها أحدثت بعدهم وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة؛ فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها " 3.   1 الرغائب هي: جمع رغيبة وهي العطاء الكثير انظر: مجمل اللغة لابن فارس (1/388) ، والصحاح للجوهري (1/77) . 2 البدع والحوادث للطرطوشي، ص (122) . 3 لطائف المعارف لابن رجب (123) ، وانظر: المساجلة العلمية بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح، حول صلاة الرغائب (15) ، واقتضاء الصراط المستقيم (2/613) ، والأمر بالاتباع للسيوطي (77) ، والسنن والمبتدعات للشقيري (140) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 - ثانياً: صفتها: ما يروى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة يعني ليلة الجمعة اثنتي عشر ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 1. ثلاث مرات، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2 اثنتي عشرة مرة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين مرة، ثم يقول اللهم صلى على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد فيقول في سجوده سُبّوح قُدّوس رب الملائكة والرّوح سبعين مرة، ثم يرفع رأسه ويقول: رب اغفر وأرحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعظم سبعين مرة، ثم يسجد الثانية فيقول مثل ما قال في السجدة الأولى ثم يسأل الله تعالى حاجته، فإنها تقضى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله تعالى له جميع ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد ورق الشجر وشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته.. الحديث". فهذه صفة الرغائب وهذا الحديث موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3.   1 سورة القدر، آية (1) . 2 سورة الإخلاص، آية (1) . 3 انظر: الموضوعات لابن الجوزي، (3/124-125) ، وقال هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم. وقال العراقي في حاشية إحياء علوم الدين (1/238) ، الحديث في صلاة الرغائب أورده رزين في كتابه وهو موضوع. وذكره ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (50-51) ، ضمن الأحاديث الموضوعة في رجب. وانظر اللآلي المصنوعة للسيوطي (2/56) ، وقال موضوع. والفوائد المجموعة للشوكاني (47-48) ، وقال حديث موضوع ورجاله مجهولون. وقد اتفق الحفاظ على أنها موضوعة. وانظر أيضاً: تحفة الذاكرين (142-143) ، والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا على القاري (289) ، وقال حديث الرغائب موضوع بالاتفاق. وقال ابن القيم في المنار المنيف (95) ، وكذلك أحاديث صلاة الرغائب كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 ومن صور الاحتفال بها اتخاذ ذلك الخميس موسماً يصنعون فيه أنواعاً من الحلوى ويجعلون فيها الصور المحرمة ويسمونها تعاليق وربما تكلف ذو العيال وأولاده من ذلك ما لا طائل له بعده، ويعتقدون أن ذلك قربة وأنه يثاب بإدخاله السرور على أهله وأولاده. ومنها إيقاد القناديل والمصابيح الكثيرة في البيوت والطرقات على المساجد والتفاخر فيها، كما يزدحم الناس على إحيائها في المساجد والجوامع، ويقوم أهل القرى لأجلها وتصلى بإمام وجماعة كأنها صلاة مشروعة، وينظم إلى ذلك مفاسد محرمة وهي اجتماع النساء بالرجال في الليل على ما علم من اجتماعهم أنه لابد أن يكون مع ذلك مالا ينبغي وينشأ من المفاسد ما لا يحصى وقد تكون سبباً لاجتماع من لا خير فيه وغير ذلك من الأمور المنكرة 1. وقد قال باستحسانها بعض العلماء كالغزالي 2 وابن الصلاح 3 وغيرهما.   1 انظر: المدخل لابن الحاج (1/291-292) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (303-304) ، وإصلاح المساجد من البدع والعوائد للقاسمي (98) . 2 هو: محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد فليسوف متصوف صاحب المؤلفات الكثيرة، ولد سنة (450هـ) وكانت وفاته سنة (505هـ) . انظر: شذرات الذهب (4/10) ، ووفيات الأعيان (4/216) . 3 هو: أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشافعي فقيه محدث حافظ، ولد سنة (577هـ) ، وكانت وفاته سنة (634هـ) . انظر: طبقات الشافعية (5/137) ، =وشذرات الذهب (5/221) ، وقد جرت بينه وبين العز بن عبد السلام مساجلة حول تلك الصلاة تبين فيها أن الحق مع العز بن عبد السلام القائل ببدعتها. انظر: مرآة الجنان لليافعي (4/155) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 واستدلوا على ذلك بما ورد في فضل الصلاة مطلقاً وقالوا: لا يلزم من ضعف الحديث بطلانها والمنع لدخولها ضمن ذلك العموم 1. ويقول الغزالي: فهذه صلاة مستحبة وإنما أوردناها في هذا القسم؛ لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد؛ لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ولكن رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها 2.   1 انظر: الرد على الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة لابن الصلاح (16-18) ، ضمن المساجلة العلمية. 2 أحياء علوم الدين للغزالي (1/238) تنبيه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى: (1/551-552) ، والإحياء فيه فوائد كثيرة، لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين " على أبي حامد " هذا في كتبه وقالوا مرضه " الشفاء " يعني شفاء ابن سينافي الفلسفة، وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتراهاتهم. وانظر: مزيد بيان: القول المبين في التحذير من كتاب إحياء علوم الدين للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ، وكتاب إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين، لعلي بن حسن عبد الحميد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 المطلب الثاني: الأدلة على بدعتها لا شك في بدعية هذه الصلاة ولا سيما أنها أحدثت بعد القرون المفضلة وأن مبناها والأصل فيها حديث موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتخاذ بعض الناس لها موسماً وشعاراً بدعة منكرة تضاد الشريعة. وما استدل به من قال باستحسانها فلا تقوم به الحجة وهو باطل مردود لما يلي: 1 - أن العبادات توقيفية أي أنها لا تعرف إلا عن طريق الشرع وليس لأحد أن يعبد الله تبارك وتعالى إلا بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصلاة الرغائب مبناها على حديث موضوع فكيف يتعبد بحديث موضوع؟ 2 - أنها حدثت بعد القرون المفضلة فهي مخالفة لفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم والسلف الصالح الذين هم خير الناس وأولى الناس باتباع سنته صلى الله عليه وسلم. 3 - أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام وهذا النهي بطريق النظر يشمل النهى عن صلاة الرغائب، فكان فعلها داخلاً تحت النهي. 4 - أنها مخالفة لسنة السكون في الصلاة من جهة عد التسبيحات وعد سورة القدر ولا يتأتى العد في الغالب إلا بتحريك بعض الأصابع وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اسكنوا في الصلاة" 1.   1 صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة (1/322) ، حديث (430) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 5 - أنها مخالفة لسنة النوافل من جهة أن فعلها في البيوت أفضل من فعلها في المساجد إلا ما استثناه الشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" 1. 6 - أنها مخالفة لسنة خشوع القلب وخضوعه وحضوره في الصلاة. 7 - أن القول بصحتها والعمل بها يؤدي إلى اعتقاد ما ليس بسنة سنة ويشجع على الابتداع في الدين حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً. 8 - اشتمالها على أنواع من المكروهات في الشريعة مثل تأخير الفطور وأداء العشاء الآخرة، بلا قلوب حاضرة، والمبادرة إلى تعجيلها والسجود بعد السلام لغير سهو وأنواع من الأذكار والمقادير لا أصل لها إلى غير ذلك من المفاسد التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته وسلمت سريرته 2. ويقول العز بن عبد السلام في ذلك: ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة أن العلماء الذين هم أعلام الدين وأئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وغيرهم ممن دوّن الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الآذان، باب صلاة الليل المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته (1/539-540) ، حديث (781) . 2 انظر: المساجلة العلمية العز بن عبد السلام وابن الصلاح حول الرغائب (6-9) ، والباعث لأبي شامة (47) ، وما بعدها واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/600-611) . والمدخل لابن الحاج (4/248) ، وما بعدها، والأمر بالاتباع للسيوطي (79-80) ، والبدعة وتحديدها وموقف الإسلام منها د/عزت عطية (293) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الفرائض والسنن لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة ولا دونها في كتابه ولا تعرض لها في مجالسه، والعادة تحيل أن تكون مثل هذه سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم أعلام الدين وقدوة المؤمنين، وهم الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن والحلال والحرام1. وقال النووي عندما سئل عنها: هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكاراً مشتملة على منكرات فيتعين تركها والإعراض عنها وإنكارها على فاعلها. ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثيرة من البلدان ولا بكونها مذكورة في "قوت القلوب" 2. وإحياء علوم الدين، ونحوهما فإنها بدعة باطلة. وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إلى كتابه. فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 3. ولم يأمر باتباع الجاهلين ولا بالاغترار بغلطات المخطئين 4. وقال ابن تيمية: " وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها، بل هي محدثة فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى.. والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ولم يذكره واحد من السلف والأئمة أصلاً: 5.   1 الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة للعز بن عبد السلام (9) ضمن المساجلة العلمية. 2 لمحمد بن علي بن عطية العجمي أبو طالب المكي زاهد واعظ، توفي سنة (386هـ) ، انظر: شذرات الذهب (3/120) ، وكشف الظنون (2/136) . 3 سورة النساء، آية (59) . 4 فتاوى الإمام النووي المسماة بالمسائل المنثورة (62-63) . وانظر: المجموع (4/56) . 5 مجموع الفتاوى (26/132) ، والاختيارات الفقهية (121) ، والفتاوى الكبرى (1/177-178) ، وانظر: المنار المنيف لابن القيم (95) ، ولطائف المعارف لابن رجب (123) ، والمدخل لابن الحاج (1/293) ، وتنبيه الغافلين (303) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 ومما يدل على بدعيتها أيضاً أنه لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به ولم يصح في فضل صوم رجب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم. قال ابن حجر: ولم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث يصلح للحجة 1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن تعظيم شهر رجب من الأمور المحدثة التي ينبغي اجتنابها، وان اتخاذ شهر رجب موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عند الإمام أحمد وغيره 2. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان 3. ويقول: " كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية " 4.   1 تبيين العجب بما ورد في فضل رجب (6) ، وانظر: لطائف المعارف لابن رجب (123) . 2 اقتضاء الصراط المستقيم (2/624-625) . 3 ما يوضع فيه الطعام. انظر: النهاية والبداية لابن الأثير (1/280) . 4 مصنف ابن أبي شيبة كتاب الصوم، باب في صوم رجب (3/102) ، والحوادث والبدع للطرطوشي (129) ، وقال الألباني: سنده صحيح: انظر: إرواء الغليل (1/192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قال الطرطوشي: " والذي بين أيدي الناس من تعظيمه إنما هو من بقايا الجاهلية " 1. فمما تقدم يتبين أن صلاة الرغائب من البدع المحدثة في الدين وأن تخصيص رجب بصيام، أو قيام دون غيره من الشهور أو تخصيصه بعبادة معينة واتخاذه موسماً لا أصل له في الإسلام، بل هو تشبه بأهل الجاهلية، حيث كانوا يعظمون شهر رجب دون غيره من الشهور. بالإضافة إلى ما ينظم إلى ذلك من البدع المحرمة والمفاسد الظاهرة في أثناء هذا الاحتفال وأداء تلك الصلاة، فالعجب كل العجب ممن يتعبد الله عز وجل بغير ما شرع بمثل تلك البدع والمحدثات مخالفاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة. والله المستعان.   1 انظر: الحوادث والبدع للطرطوشي (130) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 المبحث الرابع: الاحتفال بالإسراء والمعراج المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج: ... من المواسم التي اعتاد بعض الناس أن يحتفلوا بها يوم السابع والعشرين من رجب وليلته، وذلك احتفاء بإسرائه ومعراجه صلى الله عليه وسلم، جاعلين ذلك موسماً لإقامة حفلات الذكر والدعاء في كل عام مع صنع الأطعمة المختلفة لهذه المناسبة. المطلب الأول: تاريخ الإسراء والمعراج: على الرغم من ثبوت حادثة الإسراء والمعراج وشهرة ذلك في الكتاب والسنة إلا أن تحديد وقت وقوعه بالسنة، أو الشهر أو اليوم مما اختلف فيه أهل العلم والسير؛ هل وقع قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، أم بعده؟ فقيل: قبل المبعث وهو شاذ 1. وذهب الأكثر إلى أنه بعد المبعث، ثم اختلفوا في وقته. فقيل: 1 - قبل الهجرة بسنة، وكان ليلة السابع والعشرين من شهر ربيع الأول، وبه قال النووي 2. قال مقاتل: كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ويقال كان في رجب، وقيل كان في رمضان 3. 2 - قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً، وكان في السابع عشر من رمضان 4. 3 - قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر 5.   1 فتح الباري (7/203) . 2 شرح صحيح مسلم النووي (2/209) ، وتفسير ابن كثير (3/22) . 3 تفسير البغوي (3/92) . 4 الطبقات الكبرى لابن سعد (1/213) ، وعيون الأثر لابن سيد الناس (1/147) . 5 أوجز السير لخير البشر لابن فارس (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 4 - قبلها بستة أشهر. 5 - قبلها بسنة وشهرين أي في المحرم. 6 - قبلها بثمانية أشهر. 7 - قبلها بسنة وخمس أشهر، فعلى هذا يكون في شوال أو في رمضان على إلغاء الكسرين منه ومن ربيع الأول 1. 8 - ومن الناس من يزعم أن الإسراء والمعراج كان أول جمعة من رجب ليلة الرغائب التي أحدث فيها الصلاة المشهورة ولا أصل لذلك 2. وبناءً على ما تقدم من أقوال العلماء فليلة الإسراء والمعراج لم تكن معلومة ولا دليل لمن قال بتحديدها. قال ابن كثير والحديث الذي جاء فيه أن الإسراء والمعراج كان ليلة السابع والعشرين من رجب لا يصح 3. وقال أبو شامة: " ذكر القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب 4. وإلى ذلك يشير شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: " لم يقم دليل معلوم على شهرها ولا على عشرها ولا على عينها، بل النقول منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به " 5.   1 انظر: البداية والنهاية (3/107) ، والسيرة الحلبية (1/398) ، والرحيق المختوم للمباركفوري (134) . 2 البداية والنهاية (3/107) . 3 المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 المطلب الثاني: صفة الاحتفال: يكون الاحتفال بالإسراء والمعراج بأحياء ليلة السابع والعشرين وصوم يومها، كما نص على ذلك الغزالي، وقال: إن يومها وليلتها من الليالي الفاضلة التي يستحب أحياؤها 1. ومستندهم في ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتي عشر ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وهو جالس، ثم قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربع مرات، ثم أصبح صائماً حط الله عنه ذنوبه ستين سنة. وهذا الأثر موضوع على ابن عباس كما ذكر ذلك ابن حجر وغيره 2. ومن صور الاحتفال بها الاجتماع في المساجد وإيقاد المصابيح والشموع فيها على خلاف العادة واجتماع الناس في داخلها حلقات كل حلقة لها كبير   1 إحياء علوم الدين (1/426) ، وانظر مفاهيم يجب أن تصحح لمحمد علوي المالكي (222) . 2 انظر: تبيين العجب لابن حجر (46-47) ، حيث أورده ضمن الأحاديث الموضوعة وعزاه إلى موضوعات ابن الجوزي ولم أجده. وأورد أحاديث أخرى في السابع والعشرين من رجب، وقال: إنها منكرة موضوعة (58-60) ، وقال العراقي في حاشية إحياء علوم الدين (1/426) ، وحديث الصلاة المأثورة في ليلة السابع والعشرين من رجب منكر. وانظر: تنزيه الشريعة للكناني (2/90) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 يقتدون به في الذكر، والدعاء وليته كان ذكر أو قراءة، وإنما هو لعب في دين الله عز وجل، وذلك انهم يجعلونها على هيئة نغمات وترجيعات تشبه الغناء، والرقص الذي اصطلحوا عليه في هذه المناسبة، فقارئ القرآن يزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه، بحسب تلك النغمات المتفق عليها فحلقه فيها قرآن وأخرى فيها شعر، وثالثه نغمات وترديدات 1. ومن مظاهر الاحتفال بهذه الليلة قراءة قصة الإسراء والمعراج المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنهما والتي كلها أباطيل وأضاليل ولم يصح منها إلا أحرف قليلة، وغير ذلك من القصص المختلقة التي يدعون فيها إلى تفضيل هذه الليلة 2. حتى وصل بالبعض تفضيلها على ليلة القدر 3. كما أن من مظاهر الاحتفال بها أن ترسم صورة البراق على هيئة فرس له جناحان ووجهه وجه امرأة جميلة 4. ولم يقتصروا على ذلك، بل ضموا إليه اجتماع الرجال والنساء في الجامع مختلطين في الليل، وخروج النساء من بيوتهن على ما يعلم من الزينة والكسوة والتحلي مما يؤدي إلى الفساد وغير ذلك من الأمور التي يهتك بها حرمة المسجد   1 انظر: المدخل لابن الحاج (1/94،95) . 2 انظر: السنن والمبتدعات للشقيري (143) ، والإبداع ومضار الابتداع لعلي محفوظ (272) ، ومنكرات الأفراح وأثاره السيئة على الفرد والأمة (86) . 3 انظر: الإسراء والمعراج لموسى محمد الأسود (50) . 4 تحذير المسلمين من الابتداع لأحمد بن حجر آل طامي (282) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوى أن ذلك من الدين 1 حتى أصبح ذلك ملجأ لمن سولت له نفسه من فعل الفاحشة، وغير ذلك مما يقدح في المروءة فضلاً عن الدين. والاحتفال بها يختلف من منطقة إلى أخرى ومن جماعة إلى جماعة، ولكن الجامع بين تلك الاحتفالات الاستعداد لتلك الليلة بزيادة الوقود، والإنارة للمساجد ولا سيما التي يقام فيها الاحتفال وقراءة قصة الإسراء والمعراج المنسوبة لابن عباس رضي الله عنهما، أو أي قصة أخرى فيها ذكر الإسراء والمعراج. وقلّ أن يخلوا احتفال بهذه المناسبة من وجود نساء يحضرن ذلك الحفل. فهذه صفة وصورة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج.   1 تحذير المسلمين عن الابتداع لأحمد بن حجر آل بوطامي (287) ، وتنبيه الغافلين لابن النحاس (305) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 المطلب الثالث: الأدلة على بدعيتها: لا شك أن الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم وعظم منزلته عند ربه جل وعلا، كما أنها من الدلائل على قدرته عز وجل وعلوه على خلقه. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1. وقد جاءت الأخبار الصحيحة وتواترت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماء ورأى من آيات ربه ما رأى 2 وهي من أكبر معجزاته صلى الله عليه وسلم. ولكن ذلك لا يبرر الاحتفال بالإسراء والمعراج، فقد مكث صلى الله عليه وسلم بعد هذه المعجزة ولم يثبت أنه احتفل بها، أو أمر بذلك، ولم يفعلها أحد من صحابته ولا تابعيهم من السلف الصالح الذين هم أحرص الناس على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم. فضلاً على أنه لم يثبت في تخصيص شهر رجب بعبادة خاصة، كما تقدم بيانه. فالاحتفال بهذه الليلة وجعلها موسماً يقام كل عام بدعة محدثة تضاهي المواسم الشرعية. وذلك أن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية من البدع المحدثة التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة" 3.   1 سورة الإسراء، آية (1) . 2 انظر: التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز (7) . 3 تقدم تخريجه، ص (219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وغير ذلك من الأحاديث الواردة في النهي عن البدع والمحدثات في الدين. فتخصيص يوم السابع والعشرين وليلته بعبادة أو احتفال لا دليل عليه، ولا أفضلية لتلك الليلة على سائرها من الليالي حتى تختص بها. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيميه كما نقل عنه تلميذه ابن القيم: " ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لاسيما ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها؛ ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعباده شرعية " 1. وقال الزرقاني 2: وأما ليلة الإسراء فلم يأت في أرجحية العمل فيها حديث صحيح ولا ضعيف؛ ولذلك لم يعينها صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولا عينها أحد من الصحابة بإسناد صحيح ولا يصح إلى الآن ولا إلى أن تقوم الساعة فيها شيء، ومن قال فيها شيئاً فإنما قال من كيسه لمرجع ظهر له استأنس به؛ ولهذا تصادمت الأقوال فيها وتباينت ولم يثبت، الأمر فيها على شيء، ولو تعلق بها نفع للأمة ولو ذره لبينه لهم نبيه صلى الله عليه وسلم 3. وبهذا يتبين أن الاحتفال بها وتعظيمها ليس من الإسلام في شيء فضلاً على ما يقع في هذا الاحتفال من الاختلاط والمفاسد ما قد علم.   1 زاد المعاد لابن القيم (1/58) . 2 هو: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي فقيه محدث، ولد بالقاهرة سنة (1055) ، وتوفي فيها (1122هـ) . انظر: معجم المؤلفين (10/124) ، والرسالة المستطرفة للكتاني (143) . 3 شرح المواهب اللدنية للزرقاني (6/9) ، وانظر: التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز (7-9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 المبحث الخامس: الاحتفال بليلة النصف من شعبان المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك: ... المطلب الأول: أقوال العلماء في ذلك: اختلف العلماء في أحياء ليلة النصف من شعبان إلى قولين: 1 - أنه بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء1، وابن أبي مليكة 2 ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم. 2 - روي عن بعض التابعين 3 أنهم كانوا يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة ووافقهم طائفة من عباد أهل البصرة 4. واستدلوا على ذلك بالأحاديث الواردة في فضلها ومنها: 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع فقال صلى الله عليه وسلم: "كنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله. قالت: يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال:   1 هو: عطاء بن أسلم القرشي مولاهم المكي، ولد في خلافة عمر رضي الله عنه وكانت وفاته بمكة سنة (114هـ) ، وقيل (115هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (1/98) . 2 هو: عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي المكي، توفي سنة (117هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (1/101-102) . 3 كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم. انظر: لطائف المعارف لابن رجب (144) . 4 المصدر نفسه (144) ، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/627) ، والبدع والنهي عنها لابن وضاح (46) ، وأحياء علوم الدين للغزالي (1/426) ، وفضائل الشهور والأيام للنابلسي (39-43) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب" 1. 2. 2 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" 3. 3 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا حتى يطلع الفجر" 4.   1 حي من أحياء قضاعة. انظر: معجم قبائل العرب (3/991) . 2 سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان (1/444) ، حديث (1389) ، وسنن الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان (3/116) ، حديث (739) ، ونقل تضعيف البخاري له. مسند الإمام أحمد (6/238) ، ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/66) ، وضعفه الألباني، كما في ضعيف ابن ماجه (1/104) ، وانظر: إسعاف الخلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان لحماد الأنصاري (20-21) . 3 سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة (1/445) ، حديث (1390) ، قال البوصيري في الزوائد (2/10) ، إسناده ضعيف لضعف عبد الله ابن لهيعة وتدليس الوليد بن مسلم وللكلام على ابن لهيعة والوليد ابن مسلم. انظر: تقريب التهذيب (1/444،326) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/65) ، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما ثقات. وانظر: موارد الظمآن في زوائد ابن حبان (486) ، وإسعاف الخلاف بما ورد في ليلة النصف من شعبان للشيخ حماد الأنصاري (27-29) . 4 سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة (1/444) ، حديث (1388) ، وأورده العقيلي في الضعفاء (2/271-272) ، وقال ابن رجب في اللطائف (143) ، إسناده ضعيف وانظر: العراقي في تخريج = الأحياء للغزالي (1/238) ، وقال الألباني كما في ضعيف ابن ماجه (1/103) ، ضعيف جداً، أو موضوع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 4 - ما روي عن عكرمة في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} 1. " أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء والأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد منهم " 2؛ ولذلك تسمى بالليلة المباركة وليلة الرحمة وليلة البراءة والمغفرة 3 كما تسمى بليلة عيد الملائكة 4 وعيد قسام الأرزاق 5. 5 - ويرى البعض أن من أسباب تعظيم هذه الليلة أنه تم فيها تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة 6. ولقد اختلف من قال بفضلها على كيفية إحيائها إلى قولين: القول الأول: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد وبه قال: خالد بن معدان 7 ولقمان بن عامر 8 وغيرهما، وكانوا يلبسون فيها أحسن ثيابهم   1 سورة الدخان، آية (3-4) . 2 انظر: تفسير البغوي (4/148) ، وتفسير القرطبي (16/126) ، وتفسير الخازن (6/147) . 3 انظر: التفسير الكبير للرازي (27/238) ، والكشاف للزمخشري (3/429) . 4 فضل ليلة النصف من شعبان لحسنين مخلوف (21) . 5 مع البدو في حلهم وترحالهم لمحمد المرزوقي (207) . 6 انظر: خلاصة الكلام في أركان الإسلام لعلي فكري (254) ، والحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي لأحمد شلبي (152) . 7 خالد بن معدان الكلاعي الحمصي، توفي سنة (103هـ) ، وقيل (104هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (1/93) ، وشذرات الذهب (1/126) . 8 لقمان بن عامر الوصابي الحمصي تابعي روي عن أبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وجماعة. انظر: الجرح والتعديل للرازي (7/182) ، وتهذيب التهذيب (8/455-456) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم على ذلك إسحاق بن راهويه 1. القول الثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه وهو قول الأوزاعي 2 واختيار الحافظ ابن رجب 3 وبه قال السيوطي 4. والراجح: والله أعلم القول ببدعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان مطلقاً، وذلك لما يلي: 1 - أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ولا أحد من صحابته رضي الله عنهم وإنما حدث ذلك بعدهم. والأحاديث الواردة في ذلك أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها فضلاً عن أن الأحاديث الواردة في فضل الصلاة فيها موضوعة كما سيأتي بيانه. روى ابن وضاح عن زيد أسلم قال: " لم أدرك أحداً من مشايخنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول ولا يرى لها فضلاً على ما سواها من الليالي " 5.   1 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي، المعروف بابن راهوية، ولد سنة (161هـ-) ، وقيل (166هـ) ، وكانت وفاته سنة (238هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (2/433) ، وشذرات الذهب (2/89) . 2 هو: عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي مشقي ولد ببعلبك سنة (88هـ) وكانت وفاته، سنة (157هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (1/178) ، وشذرات الذهب (1/240) . 3 انظر: لطائف المعارف لابن رجب (144) . 4 الأمر بالاتباع للسيوطي (79) . 5 البدع والنهي عنها لابن وضاح (46) ، وانظر: البدع والحوادث للطرطوشي (119) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وقال ابن العربي: 1. " ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه 2. وقال أيضاً: " ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليه " 3. وقال أبو شامة: وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية 4 في كتاب ما جاء في شهر شعبان " قال أهل التعديل والتجريح ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح 5. 2 - أن الأحاديث الواردة في ليلة النصف من شعبان والذي جاء فيها أن الله سبحانه وتعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان.. " ليس فيها دليل على تخصيص هذه الليلة دون الليالي الأخرى؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له " 6.   1 هو: الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي الأشبيلي المالكي، ولد سنة (468هـ) ، وكانت وفاته (542هـ) . انظر: تذكرة الحفاظ (4/1294) . 2 عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي لابن العربي (3/275) . 3 أحكام القرآن لابن العربي (4/1690) . 4 هو: عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن فرج بن دحية بن خليفة الكلبي الحافظ ولد سنة (544هـ) وقيل غير ذلك، وكانت وفاته سنة (633هـ) . انظر: تذكرة (4/1420) ، والبداية والنهاية (13/155) . 5 الباعث لأبي شامة (36) . وانظر: التحذير من البدع لعبد العزيز بن باز (11) . 6 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة آخر الليل (3/29) ، حديث (1145) ، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل (1/512) ، حديث (758) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 3 - أما من يعتقد أنها الليلة المباركة التي قال الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} 1. فقد أخطأ وخالف الصواب،، فالليلة المباركة هذه هي ليلة القدر. يقول ابن كثير عند تفسير هذه الآية: يقول الله تعالى: مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر، كما قال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 2. وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} 3. ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان، كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة 4 فإن نص القرآن أنها في رمضان 5. وقال ابن العربي بعد بيان أنها ليلة القدر وأنها في رمضان، فمن زعم أنها في غيره فقد أعظم الفرية على الله 6. وبهذا قال جمهور العلماء وهو الراجح فعليه يبطل قول من زعم أنها ليلة النصف من شعبان لمخالفة النص الصريح للقرآن الكريم 7.   1 سورة الدخان، آية (4) . 2 سورة القدر، آية (1) . 3 سورة البقرة، آية (185) . 4 أي المذهب. انظر: لسان العرب (8/347) ، مادة (نجع) . 5 تفسير ابن كثير (4/137) . 6 أحكام القرآن لابن العربي (4/1690) ، وانظر: عارضة الأحوذي (3/275-276) . 7 انظر: تفسير البغوي (4/148) ، وتفسير القرطبي (16/128) ، وشفاء العليل لابن القيم (45) ، وروح المعاني للألوسي (25/110) ، وتفسير القاسمي (14/5293) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 4 - أما القول بأنه يستحب أحياؤها؛ لأن القبلة تحولت فيها إلى الكعبة المشرفة، فهذا لا يصح أن يكون دليلاً وذلك أن هذه رواية من تسع روايات أخرى ولم يجزم بأن التحويل كان في هذه الليلة 1. ولو سلمنا جدلاً وقلنا أن التحويل حصل في تلك الليلة فلم تكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذ أيام الحوادث أعياداً وذلك أن التخصيص بالعبادة موكل إلى الشرع ولم يرد في الشرع شيء من ذلك. 5 - أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم هم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية 2 ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً 3 وعمل التابعي أيضاً ليس بحجة 4. 6 - أما من قال أنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه فلا دليل على ذلك التخصيص؛ لأن ذلك موكل إلى الشرع ولا دليل شرعي يصح عليه، وفي ذلك يقول الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، وأما ما اختاره الأوزاعي - رحمه الله - من استحباب قيامها للأفراد واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف؛ لأن كل شيء لم يثبت بالدليل الشرعي كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين   1 انظر: فتح الباري لابن حجر (1/96) . 2 لطائف المعارف لابن رجب (144) . 3 البدع الحولية - رسالة ماجستير - لعبد الله التويجري (383) . 4 روضة الناظر لابن قدامة (1/381) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الله سواءً فعله فرداً، أو في جماعة وسواءً أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها 1. وبهذا يتبين رجحان القول ببدعية ذلك الاحتفال لاسيما وأنه قد اقترن بالاحتفال بها بدع أخرى، كإحداث صلوات وأدعية خاصة بهذه الليلة وإليك بيانها، كما في المطلب التالي.   1 التحذير من البدع للشيخ عبد العزيز بن باز (13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 المطلب الثاني: الصلاة الألفية في ليلة النصف من شعبان: - أولاً: متى أحدثت؟: أول من أحدث بدعة هذه الصلاة رجل من أهل نابلس قدم إلى بيت المقدس سنة (448هـ) ثمان وأربعين وأربعمائة وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم أنضاف إليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة. ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس، ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة 1. وقال ابن القيم وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربع مائة، ونشأت ببيت المقدس 2. - ثانياً: صفتها: أن يصلي مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عشر مرات، وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 3.   1 البدع والحوادث للطرطوشي (1/12) ، وانظر: البداية والنهاية (14/247) . 2 المنار المنيف لابن القيم (99) . 3 انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (1/238-426) ، وقد قال باستحسانها، وكذلك الزمخشري في الكشاف (3/429) ، والفخر الرازي في تفسيره (27/238) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 - ثالثاً: الأدلة على بدعيتها: لا شك في بدعيتها وذلك أن الأحاديث الواردة فيها لا تصح. وقد روى ابن الجوزي في الموضوعات صفة هذه الصلاة والأجر المترتب على أدائها من المغفرة والعتق وغير ذلك من عدة طرق، ثم قال: هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيه ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعاً 1. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد كلامه عن بدعية الاحتفال لهذه الصلاة، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل الحديث 2. وقال ابن القيم: والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها 3. وبهذا يتبين بدعية هذه الصلاة وهو ما اتفق عليه جمهور العلماء 4. كما اخترعوا لهذه الليلة دعاءاً مخصوصاً لم يرد من طريق صحيح ولا غيره، وإنما هو من جمع بعض المشايخ 5.   1 انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/127-130) . واللآلي المصنوعة للسيوطي (2/57) ، وتنزيه الشريعة لابن عراق (2/92) ، والفوائد المجموعة للشوكاني (51) . وقال: هو موضوع، وفي ألفاظه المصرحة بما ينال فأعلها من الثواب ما لا يمترى إنسان له تمييز في وضعه ورجاله مجاهيل، وقد روى من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل. 2 اقتضاء الصراط المستقيم (2/628) ، وانظر: مجموع الفتاوى (23/133-134) . 3 المنار المنيف لابن القيم (99) . 4 انظر الباعث لأبي شامة (32-36) ، والمجموع للنووي (4/56) . والأمر بالاتباع للسيوطي (81) ، والإبداع لعلي محفوظ (286-287) ، والسنن والمبتدعات للشقيري (148-149) . والتحذير من البدع لعبد العزيز بن باز (11) . 5 انظر: فضائل الشهور والأيام للنابلسي (41-42) وإصلاح المساجد للقاسمي (100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 والذي يطلب فيه إبدال الشقاوة التي كتبت على الشخص سعادة، والحرمان عطاء والإفقار غنى. وهو " الله يا ذا المنّ ولا يمنّ عليه يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين.. الخ. ويكون ذلك بعد صلاة المغرب من تلك الليلة عقب قراءة سورة يس " ثلاثة مرات الأولى بنية طول العمر، والثانية بنية دفع البلاء، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس" 1. كما يكون أحياء هذه الليلة بذكر الآيات الست من أول سورة الدخان وتفسيرها تبياناً لفضلها 2. معتقدين أن هذا العمل من الشعائر الدينية وأنه من مزايا هذه الليلة وخصائصها حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات، والسنن فتراهم يسارعون إلى المسجد قبل الغروب في هذه الليلة، ومنهم تاركو الصلاة، معتقدين انه يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يطيل العمر لذلك يتشأمون من فواته 3. مما نتج عن ذلك كثير من الفتن والمنكرات بسبب الاختلاط في تلك الاجتماعات. وبهذا يتبين لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة، أو غيرها وتخصيص يومها بالصيام وإعداد الطعام وإظهار الزينة وغير ذلك بدعة منكرة محدثة في الإسلام.   1 دلائل الخيرات للجزولي (239-241) . 2 فضل النصف من شعبان لحسين مخلوف (10/204) . 3 الإبداع لعلي محفوظ (290) وانظر: بلوغ الأماني لأحمد عبد الرحمن البنا (10/204) ، وصراع بين الحق والباطل لسعد، صادق (191) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأما صوم يوم النصف مفرداً فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسماً تصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزنية هو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها 1. وذلك لأنه لا يجوز تخصيص، شيء من العبادة إلا بدليل صحيح من الشرع يدل على التخصيص، ولا دليل على تخصيص هذه الليلة بعبادة، فدل على بطلان ذلك الفعل. والله أعلم.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/628) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 المبحث السادس: الاحتفال بليلة القدر المطلب الأول: فة الاحتفال بها: ... المبحث السادس الاحتفال بليلة القدر ويكون في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك من كل عام 1. المطلب الأول صفة الاحتفال بها: وذلك بتخصيصها بصلاة تعرف بصلاة القدر وهي أن يصلي بعد التراويح ركعتين في الجماعة، وفي آخر الليل يصلي تمام مائة ركعة 2. ويكثر إيقاد المصابيح والأنوار وتعليقها على المساجد والمنارات إشعاراً بتلك المناسبة، وبيان فضلها، كما تشارك وسائل الأعلام في كثير من البلاد الإسلامية في نقل ذلك الاحتفال والتحدث عنه. كما يحضر هذا الاحتفال في بعض البلدان الإسلامية رئيس الدولة، أو من ينوب عنه 3. ومن مظاهر الاحتفال بها إلقاء خطبة عقب صلاة التراويح يبين فيها فضل ليلة القدر وجزاء من عمل فيها.   1 قاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين (349هـ) ، ومع البدو في حلهم وترحالهم لمحمد المرزوقي (209هـ) . 2 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/122) . 3 خلاصة الكلام في أركان الإسلام (263-265) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 يقول الشيخ محمود شلتوت في وصف الاحتفال بتلك الليلة: تواضع المسلمون بعد عصورهم الأولى أن يحتفلوا في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان بليلة القدر، ويظن كثير من الناس أن هذا الاحتفال التقليدي الذي يقيمونه في السابع والعشرين من رمضان، والذي قوامه كلمة تلقى على الحاضرين، وحلوى توزع عليهم، يظنون أنه يحقق قيامها الذي رغّب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم 1. قلت: ومن العجيب أن بعض من يحتفلون بهذه الليلة يعلنون فرحهم بشكل مزر، حيث يحضرون فرقة صوفية لترقص في المسجد وقد لبس فيها الشبان المرد بعض الملابس النسائية ووضعوا على رؤوسهم الطواقي الاسطوانية الطويلة المضحكة فيرقصون بشكل دوري احتفالاً بهذه المناسبة 2. إلى هذا الحد وصل الاستهزاء بدين الله سبحانه وتعالى، حتى أصبح مناسبة للهو واللعب، ومع هذا يعدون ذلك من المواسم الشرعية، وأن هذا من دين الله {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} 3. فهذه صورة من مظاهر الاحتفال بليلة القدر كما يزعمون في بعض البلاد الإسلامية.   1 انظر: الفتاوى لمحمود شلتوت (152) . 2 انظر: منكرات الأفراح (63) . 3 سورة الكهف، آية (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته: لا شك في أفضلية ليلة القدر وشرفها فهي ليلة جليلة عظيمة قال تعال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} 1. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" 2. وهي تقع في شهر فاضل كريم قد حث الله على قيامه والعمل فيه، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" 3. وقد حث صلى الله عليه وسلم على التماسها في العشر الأواخر من رمضان كما صحت الأحاديث في ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "أريت ليلة القدر، ثم أيقظني أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر" 4.   1 سورة القدر، آية (1-3) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضل ليلة القدر (4/255) ، حديث (2014) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان (1/92) ، حديث (37) ، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان (1/523) ، حديث (759) . 4 صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر (2/824) ، حديث (1166) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر" 1. كما حث على تحريها في أوتار تلك العشر. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في رمضان" 2. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى3. فالله سبحانه وتعالى أبهم هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعاً في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس واسمه الأعظم في الأسماء ورضاه بالطاعات ليرغبوا في جمعيها، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذراً من قيامها 4. وهذا يفيد أن إحياء هذه الليلة بخصوصها وجعلها موسماً كل عام وتخصيصها بصلاة معينة تسمى باسمها كل هذا ليس من الدين.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضل ليلة القدر (4/269) ، حديث (2044) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضل ليلة القدر (4/259) ، حديث (2017) ، وصحيح مسلم، كتاب الصيام (2/828) ، حديث (1169) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري (4/260) ، حديث (2012) . 4 انظر: تفسير البغوي (4/509-511) ، وتفسير القرطبي (20/134-137) ، والمغني لابن قدامة (3/182) ، وشرح صحيح مسلم للنووي (8/57-59) ، وتفسير ابن كثير (4/532-534) ، وفتح الباري لابن حجر (4/262-266) ، ونيل الأوطار (4/364-367) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن حكم تلك الصلاة التي تسمى بصلاة القدر وهل الصواب مع من يفعلها أو مع من يتركها وهل هي مستحبة، أو مكروهة؟ فأجاب. الحمد لله، بل المصيب هذا الممتنع من فعلها، والذي تركها فإن هذه الصلاة لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، بل هي بدعة مكروهة باتفاق الأئمة، ولا فعل هذا الصلاة لا رسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا يستحبها أحد من أئمة المسلمين والذي ينبغي أن تترك وينهى عنها 1. بالإضافة إلى أحيائها بغيرها ما رغب الشارع فيه من كثرة إيقاد المصابيح وغيرها وما يحدث في مثل هذه الاجتماعات من الاختلاط المؤدي إلى المفسدة 2. وفي ذلك يقول محمد عبده: فهي ليلة عبادة وخشوع وتذكر لنعمة الحق والدين فلا تكون ليلة زهو ولهو تتخذ فيها مساجد الله مضامير للرياء يتسابق إليها المنافقون ويحدث أنفسهم بالبعد عنها المخلصون، كما جرى عليه عمل المسلمين في هذه الأيام فإن كل ما حفظوه من ليلة القدر هو أن يكون لهم فيها ساعة سمر يتحدثون فيها بما لا ينظر الله إليه ويسمعون شيئاً من كتاب الله لا ينظرون فيه ولا يعتبرون بمعانية، بل إن أصغوا إليه فإنما يصغون لنغمة تالية   1 مجموعة الفتاوى لابن تيمية (23/122) . 2 انظر: الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (274) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 ثم يسمعون من الأقوال ما لم يصح خبره ولا يحمد في الآخرين، ولا الأولين أثره، لهم خيالات في ليلة القدر لا تليق بعقول الأطفال فضلاً على الراشدين من الرجال 1. فهل الذين يحتفلون بهذه الليلة على هذا النحو قد عظموها كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم هل أدوا العبادة التي طلبها الله سبحانه وتعالى من قيام وخشوع والتجاء وتضرع وطلب للمغفرة والنجاة من النار واتباع ما شرع الله والابتعاد عما نهى عنه وزجر. بل إن كثيراً ممن يحتفلون بتلك الليلة لا يقيمون لشعائر الدين أي منزلة، وإنما ظنوا أن التعظيم وإحياء مثل هذه المواسم يكون بإنارة المساجد وكثرة الاجتماعات والخطب وأنه يوم فرح ولهو وإظهار زينة متناسين قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 2. نسأل الله العافية والسلامة.   1 تفسير جزء عم لمحمد عبده (133-134) . 2 تقدم تخريجه، ص (220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 المبحث السابع: الاحتفال بعيد الأبرار ويكون في اليوم الثامن من شهر شوال وذلك بعد الانتهاء من عيد الفطر المبارك، يبدأ في صيام الستة الأيام الأول من شهر شوال واليوم الثامن يجعلونه عيداً ويسمونه بعيد الأبرار. والاحتفال بهذا العيد يكون غالباً في أحد المساجد فيختلطون رجالاً ونساءً ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بألفاظ جاهلية، ثم يذهبون بعد ذلك إلى تناول ما أعدوه من الأطعمة بهذه المناسبة 1. ويتفاوت المحتفلون في الاستعداد لهذه المناسبة. ولا شك أن هذا العيد من البدع المنكرة والمواسم المحدثة التي ابتدعها الجهلة وخالفوا بها السنة المطهرة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد.. أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها 2.   1 انظر: السنن والمبتدعات للشقيري (163) . 2 مجموع الفتاوى لابن تييمية (25/298) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وقال أيضاً: وأما ثامن شوال فليس عيداً لا للأبرار ولا للفجار، ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيداً ولا يحدث فيه شيئاً من شعائر الأعياد 1. فإن المسلمين متفقون على أنه ليس بعيد، وكره بعضهم صوم الست من شوال عقب العيد مباشرة؛ لئلا يكون فطره يوم الثامن كأنه العيد، فينشأ عن ذلك أن يعده عوام الناس عيداً آخر 2. وبهذا يتبين بطلان اتخاذ هذا اليوم عيداً.   1 الاختيارات الفقهية (111) . 2 مختصر الفتاوى المصرية للبعلي (290) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة المطلب الأول: صفة الاحتفال به ... المبحث الثامن: الاحتفال بالهجرة وهو في آخر يوم من السنة الماضية وأول يوم في السنة الجديدة. المطلب الأول: صفة الاحتفال به: ويكون بإقامة الخطب والمحاضرات وعقد الندوات والتحدث عن هجرته صلى الله عليه وسلم، وما لاقاه من قريش في أثناء الهجرة، واتخاذه يوم إجازة في بعض البلدان الإسلامية، كما ترسل التهاني والتبريكات بهذه المناسبة. ولم يقتصر الاحتفال به على هذا الحد، بل اخترع المبتدعة لتعظيمه دعاءاً يعرف بدعاء ليلتي أول العام وآخره1 ورتبوا على ذلك عظيم الأجر والحفظ من الشيطان. فمما جاء في دعاء أول السنة قولهم: " اللهم أنت الأبدي القديم الأول وعلى فضلك القديم وجودك المعول، وهذا عام جديد فد أقبل نسألك العصمة من الشيطان وأوليائه، والعون على هذه النفس الإمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك زلفى يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين ". يقول ذلك "ثلاثاً"   1 قال القاسمي في كتابه إصلاح المساجد (129) ، وهذا دعاء لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين ولم يرد في مسند من المسانيد ولا في كتب الموضوعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. ويزعمون " أن من دعا بهذا الدعاء أول يوم من المحرم فإن الشيطان يقول: استأمن على نفسه فيما بقي من عمره؛ لأن الله يوكل به ملكين يحرسانه من الشيطان 1. أما دعاء آخر السنة فهو: اللهم ما عملت في هذه السنة مما نهيتني عنه فلم أتب ولم ترضه ولم تنسه وحلمت عليّ بعد قدرتك على عقوبتي ودعوتني إلى التوبة منه بعد جرأتي على معصيتك فإني استغفرك فأغفر لي.. الخ. ويقولون بزعمهم أن من قرأ هذا الدعاء ثلاث مرات فإن الشيطان يقول تعبنا معه طول السنة فأفسد علينا تعبنا في ساعة واحدة 2. كما استندوا في تعظيم هذين اليومين إلى حديث موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو " من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعله الله كفارة خمسين سنة " 3.   1 انظر: هامش دلائل الخيرات للجزولي (237-238) . 2 المصدر السابق (242-243) . 3 الموضوعات لابن الجوزي (2/199) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 المطلب الثاني: الأدلة على بدعيته : لا شك في أن هذا الاحتفال أمر محدث مبتدع لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا سلف الأمة، ولم يكن من السُّنَّة اتخاذ أيام الحوادث أعياداً وأفراحاً. وإنما كان أول من احتفل به ـ فيما اطلعت عليه ـ ناصرو البدعة من ملوك الدولة الفاطمية، حيث كان أحد أعيادهم كما تقدم 1 اتخذوه محاكاة لليهود والنصارى في اتخاذ رأس السنة عيداً لهم. فمن ذلك الوقت حتى يومنا هذا نجد أن كثيراً من المسلمين اهتموا بهذا المناسبة وأولوها عناية فائقة وأضفوا عليها طابع القدسية والجلال حتى أصبحت كأنها شرعية. ومما يدل على بطلانه ما اخترعوا له من الأدعية المكذوبة التي رتبوا عليها الفضل العظيم مما جعل بعض الجهلة يترك الفرائض طوال السنة حتى إذا جاء هذا اليوم دعا بذلك الدعاء، فكان تكفيراً لجميع الخطايا التي ارتكبها في السنة، وهذا بين البطلان، فلا حول ولا قوة إلا بالله.   1 انظر: ص (135) من هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 الميحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير المطلب الأول: متى احتفل به ... المبحث التاسع: الاحتفال بعيد الغدير 1 ويكون الاحتفال في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو أحد أعياد الرافضة التي تحتفل بها ويزعمون أن فيه حدثت الوصية بالولاية لعلي رضي الله عنه. المطلب الأول: متى احتفل به: أول من احتفل بعيد الغدير هو: معز الدولة بن بويه في سنة 352هـ ببغداد. قال الذهبي 2: في حوادث سنة 352هـ في ثامن عشر ذي الحجة عملت الرافضة عيد الغدير ـ خم - ودقت الكُوسات 3 وصلوا بالصحراء صلاة العيد 4. وقال المقريزي: اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه في سنة (352هـ) ، فاتخذه الشيعة من حينئذٍ عيداً5. قلت: ولا يزال الرافضة يحتفلون بهذا العيد إلى يومنا هذا.   1 هو غدير خم - وخم بضم أوله واد بين مكة والمدينة عنه الجحفة. انظر: معجم البلدان (2/389) . 2 هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي حافظ مؤرخ محقق، ولد في دمشق سنة (673هـ-) ، وكانت وفاته فيها سنة (748هـ) . انظر: شذرات الذهب (6/153هـ) ، والأعلام (5/336) . 3 أي الطول، وهو معرب. انظر: القاموس المحيط (737) ، ولسان العرب مادة كوس. 4 العبر في خبر من غبر للذهبي (2/90) ، وانظر: البداية والنهاية (11/272) ، والنجوم لتغري بردي (4/25) . 5 الخطط للمقريزي (1/388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 المطلب الثاني: منزلته عند الرافضة والأدلة على ذلك : يعتبر عيد الغدير أعظم الأعياد عند الرافضة، بل هو عيد الله الأكبر 1 ولا يكاد يخلو مؤلف من مؤلفاتهم إلا وللغدير فيه ذكر لاعتقاد هم وزعمهم أن الإمامة حصلت فيه، بل وقد أفرد بأكثر من مؤلف 2. ومن هنا جاء تعظيمه والاحتفال به. وملخص واقعة الغدير كما ترويها كتب الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الحج في سنة عشرة من الهجرة، وأعلن ذلك على الناس فتوافدوا إليه زرافات ووحدانا، وقاد النبي صلى الله عليه وسلم قافلة الحجيج إلى مكة آمين البيت الحرام مصطحباً معه نساءه وسائر أهل بيته، ثم بعد أن قضى مناسكه قفل آيباً إلى المدينة وسار حتى وصل غدير خم من الجحفة، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، ويومها نزل عليه جبريل من الله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 3. وأمره أن ينصب علياً إماماً يبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد فحشر الناس في ذلك الموضع، وأوقف سيرهم ورد مقدمتهم   1 مصابيح الجنان لمحسن العصفور (395) . 2ولعل أشهرها وأعظمها كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب للأميني والذي يقع في أكثر من اثني عشر مجلداً. 3 سورة المائدة، آية (67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 على مؤخرتهم، ثم وقف عليهم خطيباً إلى أن قال: " أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله اعلم. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلى مولاه، يقولها ثلاث مرات. ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي وولاية علي من بعدي 2. فيزعمون أن ذلك دليل على الاحتفال بهذا العيد. ـ ومن الأحاديث التي أوردوها في تفضيله: 1 ـ ما نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم "يوم الغدير أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أولى الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً" 3.   1 سورة المائدة، آية (3) . 2 انظر: الغدير في الكتاب والسنة والأدب للأميني (1/9/11) ، واليقين لابن طاووس (113-115) ، والاحتجاج للطبرسي (1/55) ، ومعاني الأخبار للصدوق (67) ، وعقائد الإمامية للزنجاني (1/91) . 3 الآمالي للصدوق ((76-77) ، وبحار الأنوار للمجلسي (37/109) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 2 ـ عن فرات بن أحنف قال: قلت للإمام الصادق عليه السلام جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من عيد الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال عليه السلام: نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل فيه الدين وأنزل على نبيه محمد {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} قلت وأي يوم قال: إن بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من؟ بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وأنه اليوم الذي نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً للناس علماً وأنزل فيه ما أكمل الدين وتمت النعمة 1. قلت: وهذا الرواية تبين الصلة الوثيقة بين الرافضة واليهود وذلك تبعاً لمؤسس مذهب الرافضة عبد الله بن سبأ اليهودي، وإن عقيدة الوصية والإمامة مأخوذة من اليهود ـ فاتخاذ هذا اليوم عيداً على زعمهم محاكاة لليهود في كيفية اتخاذ أعيادهم. 3 ـ عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد غير الجمعة والأضحى والفطر قال: نعم أعظمها حرمة. قلت: وأي عيد جعلت فداك. قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عليه السلام. وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. قلت: وأي يوم؟ قال: وما تصنع باليوم؟ إن السنة   1 عيد الغدير لمحمد الموحد (59-60) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 تدور، ولكن يوم ثمانية عشر من ذي الحجة، فقلت: وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك الأنبياء عليهم السلام تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً 1. وبهذه النصوص تتبين منزلة هذا العيد عند الرافضة وأنه أهم من عيد الفطر والأضحى وأعظم منهما وفي ذلك يقول محمد إبراهيم الموحد عند شرحه لبعض الأحاديث الواردة في ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر يوم الغدير عيداً إسلامياً خالداً في عداد الأعياد الإسلامية، كما يعتبره أفضل من الأعياد الإسلامية الأخرى على الإطلاق 2.   1 فروع الكافي للكليني (4/149) . 2 عيد الغدير لمحمد إبراهيم الموحد (54) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 المطلب الثالث: مظاهر الاحتفال به : يكون الاحتفال بهذا العيد بالصلاة والدعاء والتزوار فيما بينهم وإظهار الفرح والسرور بهذه المناسبة، كما يعمدون إلى زيارة النجف الأشرف وإلى القبور والمشاهد التي جعلوها مرقداً لآل البيت في زعمهم ليمارسوا هناك طقوساً معينة من طواف وتبرك حولها وغير ذلك من أنواع الشرك. وفي ذلك يقول الأميني 1: للإمامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الأقدس يضم إليه رجالات القبائل، ووجوه البلاد من الدانين والقاصين إشادة إلى هذا الذكر الكريم 2. وإليك وصف الاحتفال بهذا العيد في هذا العصر كما يرويه محمد إبراهيم الموحد حيث يقول: ترى المسلمين الشيعة في جميع البلاد منذ زمن الأئمة الأطهار إلى زماننا هذا يتخذون الغدير عيداً لهم في كل عام.. وتتوافد جماهير الشيعة في هذا العيد السعيد من كل سنة إلى النجف الأشرف، حيث مرقد الإمام العظيم أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يقل المجتمعون عند قبره المقدس لزيارته عن نصف مليون، يأتون من كل فج عميق، ليؤكدوا لأنفسهم شرف الحضور عند مقامة المبارك، ولا ينفضون ولا ينصرفون حتى يحدقوا بالضريح   1 عبد الحسين بن أحمد الأميني مؤرخ أديب من فقهاء الإمامية، ولد في إيران وكانت وفاته فيها سنة (1371هـ) . انظر: أعيان الشيعة للعاملي (10/333) . 2 الغدير في الكتاب والسنة والأدب للأميني (1/13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 المقدس، ويزوروا إمامهم ويسلموا عليه ويهنئوه كما لو كان حاضراً أمامهم، ويلقوا في زيارته خطاباً مأثوراً عن بعض الأئمة الطاهرين، يشتمل على الشهادة لأمير المؤمنين بسبقه إلى الإسلام ومواقفه المشرفة الكريمة، وسوابقه العظيمة وجهاده الأكبر وعنائه في تأسيس قواعد الدين 1 فهذا هو دأب الرافضة في الاحتفال بهذا العيد.   1 عيد الغدير لمحمد إبراهيم الموحد (62-63) . انظر: المراجعات لعبد الحسين شرف الدين الموسوي (194-195) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 المطلب الرابع: الأد على بدعته ... المطلب الرابع: الأدلة على بدعيته: قبل بيان بطلان هذا العيد لابد من الوقوف على الأصل في حادثة الغدير التي بنى الرافضة عليها ذلك الاحتفال. فالأصل في غدير خم ما جاء عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: " أما بعد: ألا أيها الناس فإنما بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " الحديث 1. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح 2 لرسول صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيده علي رضي الله عنه فقال: " ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: بلى. قال ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي   1 صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4/1873) ، حديث (2408) . 2 أي كنس. انظر: لسان العرب (2/571) ، مادة (كسح) . والقاموس المحيط (304) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة " 1. فهذا هو الأصل في غدير خم وما حصل فيه، ولكن الرافضة زادوا فيه وبدلوا لتحقيق مطلبهم وغايتهم التي يزعمون وأكثروا الروايات المكذوبة في ذلك خلفاً عن سلف، وفي ذلك يقول الألوسي 2: " فهو من عمدة أدلتهم على خلافة الأمير كرم الله وجهه، وقد زادوا فيه إتماماً لغرضهم زيادات منكرة وصنعوا في خلالها كلمات مزورة " 3. وبهذا يعلم أن جعل اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عيداً وموسماً من المواسم التي يحتفل بها، ويفرح بقدومها، بدعة باطلة، وعيد محدث، لا أصل له في دين الله، إنما هو من وضع الرافضة للاستدلال به على إثبات الوصية والإمامة لعلي رضي الله عنه والأئمة من بعده، كما في زعمهم. ولا يستغرب من الرافضة أن يأتوا بمثل هذا العيد فالكذب سجية لهم ودين يعتقدونه.   1 سنن ابن ماجه المقدمة (1/43) ، حديث (116) ، وسنن الترمذي، كتاب المناقب، باب في مناقب علي رضي الله عنه (5/633) ، حديث (3713) ، وقد اقتصر على قوله صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" وقال: حديث حسن صحيح. ومسند الإمام أحمد (4/281) ، واللفظ له، وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (1/26) ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة له (4/343-344) . 2 محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي شهاب الدين أبو الثناء، مفسر محدث أديب، ولد في بغداد (1217هـ) ، وكانت وفاته فيها سنة (1270هـ) . انظر الأعلام (7/176) . 3 روح المعاني للألوسي (6/193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ولقد بين سلفنا الصالح بطلان ذلك العيد وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عند ذكره للنوع الثاني من أنواع الأعياد الزمانية وهو ما جرى فيه حادثة كما يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً كثامن عشر من ذي الحجة الذي خطب رسول الله فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه ووصى فيه باتباع كتابه ووصى فيه بأهل بيته فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي بعد أن فرش له وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار انه لم يكن في ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالوا على كتمان النص وغصبوا الوصي حقه وفسقوا وكفروا إلا نفراً قليلاً. والعادة التي جبل الله عليها بني آدم، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا ممتنع. وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة 1 وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيداً محدثاً لا أصل له، فلم يكن من السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم،   1 والأحاديث الواردة في الغدير لا تدل على أكثر من محبة على رضي الله عنه وموالاته لما عرف عن المنافقين بغضهم له؛ ولذا جاء في الحديث " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ". انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/86) ، حديث (131) ، ولحديث الموالاة سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا حين اشتكى إليه بعض صحابته جفوة على وغلظته فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن بريدة قال: غزوت مع علي فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه " رواه أحمد في مسنده (5/347) ، ومعلوم أن محبة آل البيت جزء من الإيمان لا يتم إيمان المرء إلا بها. وانظر: في بيان بطلان الاستدلال على الإمامة بأحاديث الغدير العواصم من القواصم لابن العربي (200) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (3/15-16) = ومجموع الفتاوى (4/418) ، والصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لابن حجر الهيثمي (64-76) ، ومختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي (159-162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 من اتخذ ذلك اليوم عيداً، حتى يحدث فيه أعمالاً، إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين وغيرها، وخطب متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرع الله اتبع وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه 1. قلت: ويتضح ذلك جلياً من الروايات المتقدمة التي أوردها الرافضة في أفضلية هذا العيد وهو أن بني إسرائيل إذا عقدوا الوصية والإمامة لأحدهم اتخذوا ذلك اليوم عيداً، وهو ما فعلته الرافضة في هذا العيد " ومن تشبه بقوم فهو منهم" 2. وبهذا يتبين بطلان ذلك العيد، وما اتخذته الرافضة إلا لبغض الصحابة، والنيل منهم، واتهامهم بالجور والظلم، فجعلوا ذلك اليوم محفلاً لهم لإظهار ما انطوت عليه نفوسهم من الخبث والخيانة والكيد للإسلام وأهله، وعدالة   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/316-615) . وانظر: مجموع الفتاوي (25-298) . 2 تقدم تخريجه، ص (97) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الصحابة أشهر من أن تعرف، وقد أثنى الله عليهم في عدة آي من القرآن الكريم. قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} 1. وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2. وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" 3. فالطعن فيهم رضي الله عنهم أجمعين طعن في الدين وهدم له وفي ذلك يقول الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: " إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقد حوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين " 4.   1 سورة الفتح، آية (18) . 2 سورة التوبة (100) . 3 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (7/21) ، حديث (3673) ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم (4/1967) ، حديث (450) . 4 الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم لابن تيمية (570) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وقال أحمد رحمه الله: " إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام " 1. وقال أبو زرعة الرازي 2: ـ رحمه الله ـ إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة 3. ويقول ابن كثير: " وأما طوائف الروافض وجهلهم وقلة عقلهم ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً فهو من الهذيان بلا دليل إلا مجرد الرأي الفاسد عن ذهن بارد، وهو أقل من أن يرد، والبرهان على خلافه أظهر " 4 وبهذا يتبين بطلان ذلك العيد وبطلان تلك الدعوى التي قام عليها والله أعلم.   1 المصدر نفسه (568) . 2 هو: عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي مولاهم من أئمة أهل الحديث، ولد سنة (200هـ) . وكانت وفاته بالري سنة (264هـ) . انظر: طبقات الحنابلة (1/199) . وشذرات الذهب (2/148) . 3 الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (97) . 4 الباعث الحثيث لابن كثير (155) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المطلب الأول: منزلته عند الراف1ضة وصورة الاحتفال به ... المبحث العاشر: الاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تقتصر الرافضة على ابتداع عيد الغدير فحسب، بل ابتدعوا أعياداً أخرى، تنبع من أساس معتقدهم وحقيقة مذهبهم، ومن أشهر تلك الأعياد يوم استشهاد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهو المعروف عندهم بعيد " بابا شجاع " ويعنون بهذا الاسم " أبا لؤلؤة المجوسي " لعنه الله، قاتل عمر رضي الله عنه، ويرونه من أفضل خلق الله وأنه نال المنزلة العالية بذلك الفعل. ويكون الاحتفال بهذا العيد في اليوم التاسع من ربيع الأول، الذي يزعمون فيه قتل عمر رضي الله عنه. المطلب الأول:منزلته عند الرافضة وصورة الاحتفال به: يعد هذا الاحتفال من أعظم أعياد الرافضة فيسمونه بالعيد الأكبر ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة العظمى، ويوم البركة والتسلية 1. ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك وأنه يوم لآل البيت فيستحب فيه إطعام   1 مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي (208هـ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 الطعام، ومصافحة الإخوان، وإفراحهم، والتوسعة في النفقة على العيال، ولبس الجديد، والتزاور بين الناس بعضهم بعضاً وإظهار السرور والفرح. ومن فعل ذلك زيد في ماله وعمره وأعتق من النار وجعل سعيه مشكوراً وذنبه مغفوراً 1 ويزعمون أن الله يرفع فيه القلم ثلاثة أيام ليفعلوا ما يشاؤا قال شاعرهم: ونستعيد التهاني في الربيع لنا ... بما تقدم من حفلاتها الأدبا فبعضهم حفلات الرقص يعقدها ... للحاضرين بها الأفراح فد نصباً يقول هذا ربيع ما به غير ... حول الجد فيه في السما لعبا وان فيه حبا المهدي شيعته ... كل الصغائر ما ذنب لهم كتبا 2 يوضح ذلك ما قاله نعمة الله الجزائري 3 صاحب كتاب الأنوار النعمانية تحت عنوان نور سماوي: يكشف عن ثواب يوم قتل عمر بن الخطاب، حيث ذكر فضيلة هذا اليوم. ثم ساق رواية عن الإمام الحسن العسكري، قال حدثني أبي عليه السلام أن حذيفة دخل في مثل هذا اليوم التاسع من شهر ربيع الأول على رسول الله. قال حذيفة: فرأيت أمير المؤمنين عليه السلام مع ولده الحسن والحسين عليهما   1 مفاتيح الجنان لعباس القمي (364) ، ومصابيح الجنان لمحسن العصفور (219) . 2 عرائس الجنان لمحمد صالح البحراني (3/242-243) . 3 هو: نعمة الله بن عبد الله الجزائري الموسوي التستري تتلمذ على يد المجلسي ولقي منه اهتماماً بالغاً وعناية فائقة، ولد سنة 1050، وكانت وفاته (1112هـ) . انظر: أعياد الشيعة للعاملي (10/226) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 السلام مع رسول صلى الله عليه وسلم وآله يأكلون والرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم في وجوههما ويقول كلا هنيئاً مرئياً لكما ببركة هذا اليوم وسعادته فإنه اليوم الذي يقبض الله فيه عدوه وعدو جدكما ويستجيب دعاء أمكما، فانه اليوم الذي يكسر فيه شوكة مبغض جدكما وناصر عدوكما، كلا فإنه اليوم الذي يفقد فيه فرعون أهل بيتي وهامانهم وظالمهم وغاصب حقهما، كلا فانه اليوم الذي يفرح الله فيه قلبكما وقلب أمكما. قال حذيفة قلت: يا رسول الله في أمتك وأصحابك من يهتك هذا الحرم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، جبت من المنافقين يظلم أهل بيتي ويستعمل في أمتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويتطاول على الأمة من بعدي، ويستجلب أموال الله من غير حلها وينفقها في غير طاعة ويحمل على كتفه درة الخزي، ويضل الناس عن سبيل الله، ويحرف كتابه، ويغير سنتي، ويغصب إرث ولدي وينصب نفسه علَماً، ويكذبني ويكذب أخي ووزيري ووصيي وزوج ابنتي، ويتغلب على ابنتي، ويمنعها حقها وتدعو فيستجاب لها الدعاء في مثل هذا اليوم. قال حذيفة: قلت يا رسول الله ادع الله ليهلكه في حياتك قال يا حذيفة لا أحب أن اجترئ على الله لما قد سبق في علمه لكني سألت الله عز وجل أن يجعل لليوم الذي يقبضه فيه إليه فضيلة على سائر الأيام، ويكون ذلك سنة يستن بها أحبائي وشيعة أهل بيتي ومحبوهم. فأوصى الله عز وجل إليّ فقال يا محمد انه قد سبق في علمي أن يمسك وأهل بيتك محن الدنيا، وبلاؤها، وظلم المنافقين والمعاندين من عبادي، ممن نصحتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وخانوك.. يا محمد أنا أنتقم من الذي يجترئ علي، ويستترك كلامي ويشرك بي ويبعد الناس عن سبيلي وينصب نفسه عجلاً لأمتك، ويكفر بي إني قد أمرت سكان سبع سموات من شيعتكم ومحبيكم أن يتعيدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إليّ فيه، وأمرتهم أن ينصبوا كراسي كرامتي بازاء بيت المعمور، ويثنوا على ويستغفروا لشيعتكم من ولد آدم، يا محمد وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق ثلاثة أيام من أجل ذلك اليوم ولا اكتب عليهم شيئاً من خطاياهم كرامة لك ولوصيك. يا محمد إني جعلت ذلك عيداً لك ولأهل بيتك وللمؤمنين من شيعتك وآليت على نفسي بعزتي وجلالي وعلوي في رفيع مكاني أن من وسع في ذلك اليوم على أهله وأقاربه لأزيدنّ في ماله وعمره، ولأعتقنه من النار ولأجعلنّ سعيه مشكوراً، وذنبه مغفوراً، وأعماله مقبولة. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله فدخل بيت أم سلمة فرجعت عنه وأنا غير شاك في أمر الشيخ الثاني حتى رأيته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وقد فتح الشر، وأعاد الكفر والارتداد عن الدين وحرف القرآن " 1. فمن خلال هذه الرواية تتبين منزلة هذا العيد عند الرافضة كما تتضح عقيدتهم ورأيهم في الفاروق رضي الله عنه، وفي هذا الكفاية لمعرفة حقيقة المذهب الرافضي.   1 الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري (1/108-111) . وانظر: شرح الخطبة الشقشقية لمحمد رضا الحكيمي (220-223) ، ومصابيح الجنان لمحسن العصفور (218-219) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 المطلب الثاني: الأدلة على بطلان هذا العيد : لا يستغرب من الرافضة مثل هذا الفعل فقد كفروا الصحابة إلا النفر اليسير وزعموا أنهم منافقون قد ارتدوا عن الإسلام 1 ولا سيما خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا لعنهما قربة وعبادة يتقربون بها في كل صباح ومساء 2. فهل يستغرب من قوم هذا حالهم وهذه عقيدتهم في أفضل خلق الله بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ومن اختارهم عز وجل لصحبة نبيه أن يحتفلوا بمثل هذا الاحتفال. ولست في مجال بيان بطلان معتقد الرافضة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعدالتهم أشهر من أن تعرف ولا ينكرها إلا جاحد زنديق ولقد بيّن سلفنا الصالح بطلان هذا المعتقد 3 والذي تقدم جزء منه لذا سأقتصر على بيان أن هذا العيد باطل ومحدث ولا أصل له وذلك من وجوه. 1 ـ يتضح من خلال الرواية الواردة في هذا العيد اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالتقية والجبن، حيث لم يستطع التصريح باسم من ظلم آل البيت، أو الذي أجرم في حقهم ذلك الذي يحتفل بهلاكه ولم يفهم ذلك إلا من راوي   1 انظر: الروضة من الكافي للكليني (8/246-247) ، والرجال للكشي (135) . 2 مفتاح الجنان (113) ، وتحفة العوام لمقبول جديد (422) . 3 انظر: في ذلك الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية (567) وما بعدها، والرد على الرافضة للمقدسي (295) ، وما بعدها، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (468-473) ، ورسالة في الرد على الرافضة لمحمد بن عبد الوهاب (12-20) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 هذه الرواية حذيفة بن اليمان وصاحب الأنوار أنه قال كل هذا في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ والسبب في عدم ذكره صلى الله عليه وسلم لذلك خوفه من عمر بن الخطاب، فقد يرتكب عمر عملاً ضده فلم يصرح باسمه مخافة ذلك. وهذا يشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداء من دور النبوة وحتى الوفاة قد اتخذ في حق عمر مذهب التقية وجعل هذا العمل سنة لأمته من بعده {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} 1. 2 ـ قضية رفع القلم عمّن يحتفل بذلك ثلاثة أيام ابتداء من اليوم التاسع من ربيع الأول واعتباره يوم فرح وسرور ولك أن تفعل ما تشاء فيا ترى ما هو الدين الذي يسمح لاتباعه بارتكاب الفواحش من الزنا وسفك الدماء والسرقة والنهب وغير ذلك من الفواحش في فترة من الزمن؟ كل هذا ممكن في معتقد الرافضة بل خاصية لهم في هذه المناسبة. إضافة إلى إعطاء الأجر والثواب والعتق من النار جزاء ذلك العمل، كل هذا بين البطلان فيالها من وقاحة وسخافة 2. 3 ـ أنه لم ينقل عن أحد من آل البيت أنه احتفل بذلك اليوم كما تزعمه الرافضة وليس من دين الله اتخاذ موت الأنبياء والخلفاء مأتماً ولا أفراحاً بل كان آل البيت يكنون المحبة لأبي بكر وعمر ويرون أنهما أفضل هذه   1 سورة الكهف، آية (5) . 2 انظر: الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام لمحمد منظور نعماني (166-167) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 الأمة بعد نبيها، وكذلك سائر الصحابة رضوان الله عليهم 1 وما هذه الرواية التي أوردها الرافضة في ذلك إلا كذباً وبهتاناً وافتراء على آل البيت وهم جميعاً أبرياء من ذلك كله. ومما يدل على بطلانه وكذب الرافضة في ذلك هو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن استشهاده في التاسع من ربيع الأول كما تزعم الرافضة، بل كان في ذي الحجة من عام 23 من الهجرة 2. وهذا يدل على كذب الرافضة وجهلهم وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيهم: " أنهم أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات " 3. وبهذا يتبين بطلان ذلك العيد وأنه لا أصل له في دين الله وإنما ابتدعته الرافضة كيداً للإسلام وأهله وحقداً على الفاروق الذي قضى على مملكة المجوس وأعياد النيران. ذلك الحقد الذي يتغلغل في أعماقهم، ويطفو على سطح ممارساتهم وعباداتهم بمناسبة أو غير مناسبة، وفيه يتجلى معتقد الرافضة والأساس الذي قام عليه، وإن الإسلام برئ من أولئك ومن فعل فعلهم.   1 انظر في ذلك كتاب الاعتقاد للبيهقي (204) ، وما بعدها، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (4/422) ، والرد على الرافضة للمقدسي (295-311) . 2 الطبقات الكبرى لابن سعد (3/365) ، وتذكرة الحفاظ للذهبي (1/8) . 3 منهاج السنة لابن تيمية (1/3) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الفصل الرابع: الأعياد المكانية المبتدعة لقد فتن كثير من المسلمين فابتدعوا أعياداً مكانية، كما ابتدعوا أعياداً زمانية وضاهوا بها الأعياد الشرعية الكعبة البيت الحرام وعرفة ومنى والمشاعر، وأصبحوا يعظمونها ويشدون الرحال إليها، ويذبحون عندها، ويوفون بالنذور لها، بل وصل بالبعض أن يطوف عليها أو يفعل عندها ما يفعل عند البيت الحرام، فسلكوا بذلك مسلك المشركين الذين عظموا الأوثان والأنصاب، حيث خصصوا لذلك وقتاً معلوماً يقصدون تلك الأمكنة ويجتمعون عندها وينتابونها من وقت لآخر. وهذه الأعياد لا تخرج عن ثلاثة أنواع: إما أن تكون قبوراً، أو آثاراً أو أحجاراً أو أشجاراً أو أمكنة لا خصيصة لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 المبحث الأول: اتخاذ القبور أعيادا المطلب الأول: زيارة القبور ... المطلب الأول: زيارة القبور: تنقسم زيارة القبور إلى قسمين: زيارة مشروعة وأخرى ممنوعة: - أولاً: الزيارة المشروعة: لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر عن زيارة القبور؛ لأن الناس حديثو عهد بكفر؛ ولأن الوثنية كان منشؤها القبور، إذ نصبت الأصنام والأوثان تعظيماً لبعض أصحاب القبور، فعكفوا على تلك التماثيل وتعهدوها بالزيارة، ومع مرور الزمن وطول الأمد عبدوها من دون الله، فلما تأصل الإيمان بالله في نفوسهم، وتمكنت العقيدة من قلوبهم، وأخلصوا العبادة له جل وعلا، وافردوه بالوحدانية، أذن صلى الله عليه وسلم في زيارتها، حيث قال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" 1. فشرعت هذه الزيارة لأمرين: 1 - تذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة" 2.   1 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (2/672) ، حديث (977) . 2 سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في زيارة القبور (3/218) ، حديث (3235) ، وسنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في زيارة القبور (1/500) ، حديث 1569) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ويستوي في هذا الأمر - أعني التذكر والاتعاظ - قبر المسلم والكافر، حيث هما سيان في ذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي". وفي رواية عنه أيضاً قال: "زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكي وأبكى من حوله فقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، استأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور 2 - الدعاء للميت والإحسان إليه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد 2" 3. وعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية" 4.   1 صحيح مسلم، كتاب الجنائز (2/671) ، حديث (976) . 2 الغرقد: نوع من شجر العضاة وشجر الشوك، وسمى البقيع بذلك؛ لأنه كان ينبت فيه ثم قطع. انظر: النهاية لابن الأثير (3/362) . 3 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2/669) ، حديث (974) . 4 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2/674) ، حديث (975) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فهذه الزيارة الشرعية للقبور تذكر الموت والآخرة والدعاء للميت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية " فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها بعد النهي وعلل ذلك بأنها تذكر الموت والدار الآخرة وأذن إذناً عاماً في زيارة قبر المسلم والكافر؛ والسبب الذي ورد عليه هذا اللفظ يوجب دخول الكافر، والعلة وهي تذكر الموت والآخرة موجود في ذلك كله. وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي قبور أهل البقيع والشهداء للدعاء لهم والاستغفار، فهذا المعنى يختص بالمسلمين دون الكافرين، فهذه الزيارة وهي زيارة القبور لتذكر الآخرة، أو لتحيتهم والدعاء لهم، هو الذي جاءت به السنة " 1. وهذه الزيارة الشرعية التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم لابد لها من شرطين: الأول: أن تكون الزيارة بدون شد رحل. لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى" 2. وجه الدلالة: أن هذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد، وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب، فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله غير الثلاثة لا يجوز مع أن قصده لأهل مصره يجب تارة، ويستحب أخرى. وقد جاء في قصد المساجد من الفضل ما لا يحصى فالسفر إذاً إلى مجرد القبور أولى بالمنع " 3.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/664-665) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (3/63) ، حديث (1189) ، وصحيح مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج، أو غيره (2/976) ، حديث (1338) ، 3 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/666) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 الثاني: التزام أدب الزيارة. لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الأمر بزيارة القبور " فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً " 1. والهجر: بالضم هو الكلام الفاحش والباطل 2 ومن أعظمه الطواف حولها أو دعاء أصحابها والتقرب إليهم. قال النووي: وكان النهي أولاً لقرب عهدهم من الجاهلية، فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الإسلام وتمهدت أحكامه، واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة، واحتاط صلى الله عليه وسلم بقوله: "ولا تقولوا هجراً" 3. - ثانياً: الزيارة الممنوعة: وهي التي لم تتوفر فيها الشروط السابقة أو اختل شرط منها. قال الصنعاني عقب أحاديث الزيارة: " الكل دال على مشروعية زيارة القبور والحكمة فيها، وأنها للاعتبار فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعاً 4. قلت: وذلك مثل اتخاذها أعياداً أو الطواف بها أو طلب الدعاء من أصحابها أو الصلاة عندها والعكوف عليها. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 5.   1 سنن النسائي، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور (4/89) ، ومسند الإمام أحمد (5/361) ، والمستدرك للحاكم، كتاب الجنائز (1/376) . 2 انظر: النهاية لابن الأثير (5/245) ، والقاموس المحيط (637) . 3 المجموع للنووي (5/310) . 4 سبل السلام للصنعاني (2/114) . 5 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصلاة (1/532) ، حديث (435) ، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/377) ، حديث (531) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وقوله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 1. فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد في آخر حياته، ثم أنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك من أهل الكتاب، ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك " 2. وقد بدل أهل البدع والشرك قولاً غير الذي قيل لهم: بدلوا الدعاء للميت بدعائه نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسوله صلى الله عليه وسلم إحساناً إلى الميت وإحساناً إلى الزائر، وتذكيراً بالآخرة: سؤال الميت، والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد، ومن المحال أن يكون دعاء الموتى أو الدعاء بهم، أو الدعاء عندهم مشروعاً وعملاً صالحاً ويصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرزقه الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون 3. وبهذا تبين الفرق بين الزيارة المشروعة والممنوعة.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصلاة (1/532) ، حديث (437) ، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/376) ، حديث (530) . 2 اقتضاء الصراط المستقيم (2/668) . 3 انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 المطلب الثاني: النهي عن اتخاذ القبور أعيادا ً: لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً والاجتماع عندها، كما نهى عن ذلك سلف هذه الأمة. 1 - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنت" 1. 2 - وعن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيدعو، فدعاه فقال ألا أحدثك حديثاً سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم" 2. 3 - عن سهيل بن أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لا أريده فقال: ما لي رأيتك عند   1 سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب زيارة القبور (2/534) ، حديث (2042) ، ومسند الإمام أحمد (2/367) ، وصححه النووي في الأذكار (98) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (2/654) ، إسناده حسن ورواته كلهم ثقات. 2 مسند الإمام أحمد (2/367) ، واللفظ له والجامع الصغير للسيوطي مع فيض القدير (4/99) ، ورمز لصحته. وصححه الألباني، كما في صحيح الجامع (2/706) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 القبر؟ قلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا دخلت المسجد فسلم. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم" 1. فهذه الأحاديث تدل على النهي عن اتخاذ القبور أعياداً. ووجه الدلالة: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً، فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان، ثم أنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا بيوتكم قبوراً" أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت , ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى، ومن تشبه بهم، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً" 2. ثم انه أعقب النهي عن اتخاذه عيداً بقوله: "صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم".   1 مصنف ابن أبي شيبه، كتاب الجنائز، باب من كره زيارة القبور (3/345) ، ومصنف عبد الرزاق، كتاب الجنائز، باب السلام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم (3/577) ، حديث (6726) . 2 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الصلاة، باب كراهية الصلاة في المقابر (1/528-529) ، حديث (432) ، واللفظ له. وصحيح مسلم، كتاب صلابة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته (1/538) ، حديث (777) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وفي الحديث الآخر: "فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم". يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل من قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً 1. ولكن من أخذ شبهاً من النصارى بالشرك وشبهاً من اليهود بالتحريف، حرف الأحاديث، فقال: هذا أمر بملازمة قبره والعكوف عنده، واعتياد قصده وانتيابه ونهى أن يجعل كالعيد الذي إنما يكون في العام مرة أو مرتين، فكأنه قال: لا تجعلوه بمنزلة العيد الذي يكون من الحول إلى الحول، واقصدوه كل ساعة وكل وقت. وقد أجاب على ذلك الإمام ابن القيم بقوله: "وهذا مراغمة ومحادة لله ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلب للحقائق، ونسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التدليس والتلبيس، بعد التناقص فقاتل الله أهل الباطل أني يؤفكون، ولا ريب أن من أمر الناس باعتياد أمر وملازمته، وكثرة انتيابه بقوله: "لا تجعلوه عيداً" فهو إلى التلبيس وضد البيان أقرب منه إلى الدلالة والبيان، فإن لم يكن هذا تنقيصاً فليس للتنقيص حقيقة فينا. ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله هؤلاء الضلال لم ينه عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ويلعن فاعل ذلك، فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها وأن يعتاد قصدها وانتيابها، ولا تجعل كالعيد الذي يجيء من الحول إلى الحول؟ وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/657) ، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/192) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 يعبد؟ وكيف يقول أعلم الخلق بذلك، ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن خشي أن يتخذ مسجداً 1. وكيف يقول: "لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليّ حيثما كنتم" وكيف لم يفهم أصحابه وأهل بيته من ذلك ما فهمه هؤلاء الضلال، الذين جمعوا بين الشرك والتحريف 2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ثم أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنه، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي وهو أعلم بمعناه من غيره. فبين أن قصده للدعاء ونحوه اتخاذ له عيداً. وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن شيخ أهل بيته، كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً. فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت، الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا لها أضبط 3.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (3/255) ، حديث (1389) ، وصحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/376) ، حديث (529) . 2 إغاثة اللهفان لابن القيم (1/192-193) . 3 اقتضاء الصراط المستقيم (2/659-660) ، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 من هنا يتبين أن من افتتنوا بالقبور والعكوف عندها والتمسح بها والالتجاء إلى أصحابها، أبوا إلا مخالفته صلى الله عليه وسلم ومشاقته، فعمدوا إلى التحريف في الأحاديث وحملها على خلاف الحق لتأييد باطلهم، فكانوا أعلم من صحابته صلى الله عليه وسلم - بزعمهم - فوقعوا في الشرك المحبط للعمل زاعمين أن ذلك تعظيم لساكني هذه القبور فجعلوا لكل قبر موسماً وموعداً يجتمعون فيه وينتابونه من وقت لآخر. فأشبهوا اليهود والنصارى وشاركوا أهل الجاهلية في ذلك فاتخاذ القبور أعياداً من مسائل الجاهلية، وعمل من أعمالها 1.   1 انظر: مسائل الجاهلية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (123) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 المطلب الثالث: أمثلة لاتخاذ القبور أعيادا ً: كما تقدم أن العيد المكاني هو أن تقصد مكاناً ما للاجتماع فيه والإتيان إليه من وقت لآخر للعبادة أو لغيرها. فمن قصد قبراً في وقت مخصوص ومعلوم وجعل له موسماً ينتابه من وقت لآخر فقد اتخذه عيداً؛ وذلك أن القبوريين يقصدونها ويجتمعون عندها في مواسم معينة، ولا سيما الأيام الفاضلة، أو التي يزعمون فضلها وهذا هو بعينه الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تتخذوا قبري عيداً". وهو داخل تحت قوله أيضاً: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وذلك أن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة ويسافر إليها أما في المحرم، أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها. وبعضها يجتمع عنده في يوم عاشوراء، وبعضها في يوم عرفة وبعضها في النصف من شعبان، وبعضها في وقت آخر، بحيث يكون لها يوم من السنة، تقصد فيه ويجتمع عندها فيه كما تقصد عرفة أو مزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة، وكما يقصد المصلي المصر يوم العيدين، بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد 1.   1 اقتضاء الصراط المستقيم (2/729-730) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 قلت: وفي الغالب أن هذه الزيارة وتلك الاجتماعات المحددة والمعنية في السنة تكون يوم ولادة صاحب القبر أو وفاته، حيث يذهب في هذا التاريخ إلى مرقده فيجتمع عنده، وتقام المراسم الخاصة بذلك الاحتفال وهو ما يعرف بالموالد والأعراس. وذلك أن أرباب القبور يزعمون أن زيارة الولي أو الصالح والاحتفال به هو الدليل الأكبر والشاهد الملموس على أن هذا الولي "صاحب القبر" مازال يعيش في قلوب الناس، يكرمونه ويدعونه، ويلتمسون لديه العون على حل مشاكلهم وأن هذا العمل طاعة وقربة يثاب فاعلها، كما يحصل لهم في هذا الاحتفال اللهو والمجون والفسحة والتسلية بحجة أنه يوم عيد لصاحب القبر. وإليك مثالاً لتلك الموالد وطريقة إحيائها، وما يفعل فيها وليكن هذا المثال الاحتفال بمولد البدوي 1 الذي يعد من أعظم الأولياء عند زواره والاحتفال به من أكبر المواسم التي تشد إليها الرحال، ليتضح فيه جلياً كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً، يعبد من دون الله والعياذ بالله. وذلك أن مراسم الاحتفال تكون في ساحة المسجد وحوله ويقصده الناس من جميع الجهات فتقدم فيه النذور والقربات وتقام فيه الصلوات، وتعقد المجالس والحلقات، فتزدحم مدينة طنطا بالزائرين بهذه المناسبة، وتضرب   1 هو: أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني أبو العباس البدوي، المتصوف صاحب الشهرة في الديار المصرية وإليه تنسب الطريقة الأحمدية، كما يعرف بأبي اللثامين السطوحي، وأصله من المغرب، ولد سنة (596هـ) ، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة ودخل مصر، وكانت وفاته بطنطا (675هـ) . انظر: شذرات الذهب (5/345) ، والطبقات للشعراني (1/162) ، والأعلام (1/175) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الصواني والخيام حول هذا المشهد ويشارك في هذا الاحتفال أصحاب الشعوذة والراقصات والعازفون لعرض أعمالهم على الجماهير الحاضرة. وتقوم الدولة بتنظيم هذا الاحتفال، وحفظ الأمن، والنظام فيصدر تصريح بإقامته من وزارة الأوقاف من كل عام، ويستمر لمدة سبعة أيام. وإليك وصفاً لهذا الاحتفال وما يقع فيه كما يحكيه محمد فهمي عبد اللطيف حيث قال: إذا ما صدر التصريح بإقامة المولد الأحمدي وأعلن ذلك في كآفة البلاد، توافد الناس من شتى الجهات في الموعد المحدد، فيقيمون الخيام ويضربون السرادقات في ساحة المولد، ويرضى أصحاب العوائد بدفع أي أجر يطلبه منهم المالكون للأرض لإقامة خيامهم عليها، وتقام الخيام والسرادقات الخاصة، بأهل الريف حول ساحة المولد والضواحي المجاورة لها، أما الخيام والسرادقات الخاصة بالحكومة وشيوخ الطرق وأرباب العوائد فإنها تقام في الساحة، وتسمى هذه البقعة بالسحابة وبالقرب من الساحة تقام سارية خشبية عالية تسمى بالصاري ويقدر متوسط ما يقام من الخيام عادة في هذا المولد بنحو خمسة آلاف خيمة. وفي اليوم الأول للمولد يطوف مأمور البوليس بطنطا في موكب من الجنود معلناً افتتاح المولد، ويسمى هذا الموكب بركبة الحاكم. ومن أول ليلة للمولد تقام حلقات الذكر حول الصاري، ويعتبر هذا الصاري جامعة المناكر والمفاسد، وللناس فيه عقائد عجيبة مريبة، فبينما يعتقد بعضهم أن زيارة هذه الخشبة تعادل زيارة السيد البدوي نفسه إذ يعتقد آخرون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 أن السيد يجلس فوقها أيام المولد ليشرف على زواره ويتعرف عليهم. ويجزم الكثيرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم يزور هذه الخشبة فجر يوم الاثنين قياماً بواجب السيد البدوي عليه. ولن يروعك في حياتك أسوأ مما تشهد من هول حول هذا الصاري، إذ يتراكم حوله خليط من الكتل البشرية على حال لا ترضي عاقلاً من العقلاء ولا متديناً بأي دين، فيختلط الرجال بالنساء والكبار بالصغار، ويتحلق حول الصاري كثير من المساليب والحمقى ورواد الفسوق، وكبار العصاة المجرمين المدمنين للحشيش وما إليه من الكيوف، ويسمي العامة هؤلاء بالمجاذيب، ويعتقدون أن لهم عند ربهم ما يشاءون، وينخرط هؤلاء كل ليلة في مجالس الذكر التي يقيمونها حول هذا الصاري وهي أشبه ما تكون بحفلات الرقص الخليع.. وقبل هذا يعمدون حال وصولهم إلى ضريح البدوي، فيطوفون به طواف القدوم على نحو ما يفعل القاصدون لحج بيت الله الحرام ويقولون أن هذه كانت سنة الشيخ عبد العال خليفة السيد، ولهم في هذا الاحتفال بدع شتى 1. من هذا العرض لصورة الاحتفال بمولد البدوي يتضح لنا كيف اتخذ قبره عيداً ووثناً حيث جعلوا له وقتاً معيناً وموسماً محدداً ينتابونه فيه.   1 انظر: السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر لمحمد فهمي عبد اللطيف (131-136) ، وقاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين (387-388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وهذا الفعل محاكاة لليهود والنصارى باتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، حيث يقصدون العبادة عندها، وهو بعينه ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، فأرباب الموالد لا يقصدون المشاهد والقبور إلا طلباً للبركة أو الاستغاثة أو الدعاء، فيذبحون لها ويطوفون بها ويمرغون الخدود على أعتابها، وهذا الفعل محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم مناف لكلمة التوحيد؛ لأن العبادة لا تكون إلا لله عز وجل، ومن صرف نوعاً من أنواعها فقد وقع فيما يناقض "لا إله إلا الله". وما يفعله أولئك نابع من عقيدة أن الأولياء لهم التأثير في الكون "كما يزعم الصوفية"، وأن الاحتفال بموالد الأولياء والعكوف على قبورهم من الدين وأنه قربة، فالذين لا يحتفلون بالأولياء ولا يزورون قبورهم ولا يقدمون النذور لها محجوبون من رحمة الله وبركته، بل من لم يفعل هذه الموالد قد يسلب منه الإيمان وتصيبه الأمراض والأسقام؛ بسبب امتناعه أو اعتراضه على حد زعمهم. ولا تظن أن هذا القول تجن على أصحاب الموالد، أو هو من نسج الخيال، بل هذه هي حقيقة تلك الاحتفالات ولنسمع ما يرويه الشعراني 1 في طبقاته معللاً سبب حضوره لمولد سيده البدوي في كل عام، حيث قال: " وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي 2 رضي   1 هو: عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني أبو محمد من علماء المتصوفين صاحب الطبقات الكبرى، ولد في قلقشند بمصر سنة (898هـ) ، وكانت وفاته بالقاهرة سنة (972هـ) . انظر: شذرات الذهب (8/732) ، والأعلام (4/180) . 2 محمد الشناوي شيخ الشعراني، توفي بالقاهرة سنة (932هـ) . انظر: الطبقات الكبرى للشعراني (1/120-122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله، قد كان أخذ عليّ العهد عند القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح، وقبضت على يدي وقال سيدي يكون خاطرك عليه وأجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم ثم أني رأيته بمصر مرة أخرى هو وسيدي عبد العال، وهو يقول: زرناً بطنطا ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك 1. هذه بعض الأسرار التي جعلت عبد الوهاب الشعراني يهتم بمولد سيده ويمضى أيضاً في تخريفاته وتعليلاته لحضور المولد، ولا تستغرب فهذا حال من استحوذ عليه الشيطان واتبع الهوى، حيث قال: "تخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة 948، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه، كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول أبطأ عبد الوهاب ما جاء" 2. ولم يكتف الشعراني بذلك حتى زعم أن الأحياء والأموات يحضرون الاحتفال بمولد سيده عند ضريحه، بل ويحضره النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والأولياء 3. وقد استطرد الشعراني في سرد هذا الهراء وهذه الحكايات الخرافية في الدعوة إلى حضور مولد سيده البدوي ولننظر في حال من ينكر المولد،   1 الطبقات الكبرى للشعراني (1/161) . 2انظر: المصدر السابق (1/161) . 3 انظر: المصدر السابق (1/161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 أو حضوره عند الشعراني حيث قال: أخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعره تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه. فقال: بشرط ألا تعود فقال: نعم فرد عليه ثوب إيمانه. فهذه نتيجة من ينكر مولد البدوي، أو يمتنع عن حضوره كما يزعم الشعراني أما من يحضره فالبدوي يحفظه ويرعاه ويشمله بشفاعته ويغفر خطيئته حيث قال: وعزّة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا تاب وحسنت توبته 1. بمثل هذا الهراء والكذب الصراح انتشر صيت البدوي، وهذا هو أسلوب كآفة الصوفية الدراويش في إثبات كرامات من يزعمون له الولاية وبهذه الدعايات الخرافية الأسطورية استطاعوا أن يجعلوا لمولد البدوي قداسة في النفوس المريضة كأنها قداسة الحج إلى بيت الله الحرام بل أشد. " ومن الذي لا يتلهف على حضور مولد البدوي بعد أن يعلم أنه كما يزعم الشعراني وأضرابه يكون مجمعاً للنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والصالحين من مشارق الأرض ومغاربها ومن وراء البحار والجبال، ومن الذي يجرؤ على أن يتطاول فينكر ما يقع في هذا المولد من المآثم والمناكر أو يجحد النفحات والبركات بعد أن يسمع قصة " السبعين الأسودين " 2. وحكاية: الشوكة التي اعترضت في   1 المصدر السابق (1/162) . 2 المصدر السابق (1/161-162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 حلق العالم تسعة أشهر " 1. وأسطورة " الفقيه الذي سلب العلم والإيمان " إلى آخر ما يهرف به الشعراني وأمثاله 2 ويتجلى من كلام الشعراني عقيدة تفضيل الولي على النبي، وذلك أن الأنبياء يحجون إلى البدوي في مولده، ولا يستغرب مثل هذا من الصوفية فقد ادعوا ما هو أعظم من ذلك من الألوهية والربوبية. وبتلك الدعاوى أصبح مئات الألوف من أتباع السيد يرهبون التخلف عن مولده، ويخشون إن هم قصروا في عادة من عاداتهم نحوه، أو أبطأوا في النذور والقرابين أن يبطش بهم حتى استدعى الأمر من بعض الذين لا يملكون الأموال التي تفي بمتطلبات ذلك الاحتفال أن يقترضوا بالربا للقيام بالزيارة وحضور المولد. فالفقراء يستدينون للإيفاء بتلك النذور والقربات والعمال يكدحون فيضيقون على أنفسهم، مع وجود الحاجة إلى ذلك المال من أجل الإيفاء بلوازمها. مثل هذا العمل هو الذي أثار مشاعر حافظ إبراهيم حتى قال أبياته المشهورة التي ينتقد فيها تلك الحال: أحياؤنا لا يرزقون بدرهم ... وبألف ألف ترزق الأموات من لي بحظ النائمين بحضرة ... قامت على أرجائها الصلوات   1 المصدر السابق (1/161-162) . 2 انظر: السيد البدوي ودولة الدراويش (124) ، والسيد البدوي بين الخرافة والحقيقة الدكتور / أحمد صبحي منصور (309) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 يسعى الإمام لها ويجري حولها ... بحر النذور وتقرأ الآيات ويقال هذا القطب باب المصطفى ... ووسيلة تقضي به الحاجات 1 وبهذا العمل أصبح مشهد البدوي تشد إليه الرحال ويفعل عنده ما يفعل عند المشاعر من أعمال الحج من طواف وذبح وغيره، بل أصبح البعض يطلق عليه الكعبة مضاهاة للبيت الحرام، بل قد يفضله البعض الآخر كما يدل عليه قوله قائلهم: هو الجوهر المكنون في معدن الرضا ... بأسراره حلت شموس الحقيقة هو الكعبة الفراء إذ الغراء بالتياذه ... تحط الخطايا عن أناس وجنة 2 وحتى يقتنع الزوار بأن ضريح البدوي كالكعبة تماماً رصع أرباب الموالد ودعاة الوثنية مقامه بحجر أسود يتمسح ويتبرك به. وفي ذلك يقول صاحب الجواهر السنية ومن كراماته، أي البدوي أن حجراً أسود مثبتاً في ركن قبته تجاه وجه الداخل من الجهة اليمنى، وفيه موضع قدمين شاع بين الناس وذاع واستفاض وملأ البقاع والأسماع أنه أثر قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من زار الأستاذ يتبرك بمحل القدمين 3. قلت: فصاروا يتمسحون به كما كانت العرب في الجاهلية تفعل بالأحجار والأوثان والأصنام التي كانوا ينصبونها.   1 ديوان حافظ إبراهيم (318) . 2 البدوي بين الحقيقة والخيال (293) ، نقلاً عن الجواهر السنية لعبد الصمد الأحمدي (119) . 3 المصدر السابق (294) ، نقلاً عن الجواهر السنية للأحمدي (83) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 أما النذور فهي الهدف الأسمى لسدنة الضريح والدعاة إليه سواءً كانت تلك النذور عيناً أو نقداً. وقل أن يخلو ضريح من صندوق للنذور وذلك أن المناسك والمشاعر حوله لا تنتهي إلا بإيداع بعض الأموال فيه. وعجل البدوي الذي يجهز ويطاف به حول الضريح في موكب معروف ومشهور 1. وقد بلغت قيمة ما أودع من الحصيلة النقدية في صندوق ضريح البدوي في عام 1984م مليوناً، و 200 ألف جنيه، والنذور العينية في حدود هذا المبلغ، فضلاً على ما يحصل من اختلاس أو تلاعب في الأموال قبل إيداعها 2. من أجل هذه السيولة المالية جاءت المحافظة على مثل هذه الأضرحة وتلك المشاهد والدعوة إلى أحياء الموالد لها، إضافة إلى ما يزعمون أن فيها رواجاً للتجارة الاقتصاد. فعلم أن النظرة مادية صرفة من بعض القائمين على هذه الأضرحة وتلك الموالد، ولم يلتفتوا إلى الجانب الديني أو المحافظة على العقيدة السليمة ونبذ   1 انظر: الفتاوى لمحمود شلتوت (238-239) ، والسيد البدوي بين الحقيقة والخرافة (296) ، وقال الدكتور / عبد الواحد في كتابه غرائب النظم والتقاليد والعادات (79) ، وله عجول تسمى عجول السيد تربي بعناية فائقة وينزلها الفلاحون منزلة تقرب من منزلة التقديس، فلا يمسها أحد بأذى حتى ولو أكلت من غير ملك صاحبها، أو تسببت في الأضرار بآدمي، ويحجون بها إلى طنطا عند اقتراب مولد السيد البدوي ليذبحوها أمام ضريحه. 2 انظر: الله توحيد وليس وحده لمحمد الأنور أحمد البلتاجي (303-305) ، نقلاً عن جريدة الأهرام العدد (35819) ، في 14/4/1405هـ الموافق 6 يناير 1985م، والحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي، الدكتور / أحمد شلبي (220) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 الشرك، فضلاً عن علمهم بأن هذه الموالد مبدءة للمفاسد الأخلاقية ومجمع لكل رذيلة، وجلب المصالح للمجتمع كما يزعمون أو لبعض الأفراد لا يبرر مثل هذا العمل المنافي للدين الحنيف والأخلاق المستقيمة، فيتحتم إبطال هذه الموالد وهدم تلك الأضرحة والمشاهد، والقاعدة الشرعية تنص على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. فمما تقدم من هذا العرض لمولد البدوي وما يفعل عند ضريحه يتضح كيف اتخذ وثناً يعبد من دون الله، وأصبح يحج إليه كما يحج إلى الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة، حيث جعلوه متصفاً بصفات المشاعر التي تؤدى فيها أعمال الحج فوصفوه بالكعبة الغراء، وأنه يقصد للزيارة وتقام فيه الشعائر كما تقدم فيه النذور والقربات والتي تكون بمقابل الهدي، وبتلك الدعاوى والصفات اكتسب هذه المشابهة، بل قد يكون أعظم عند أربابه مما حدا بالسخاوي وهو في القرن التاسع أن يذكر قول الغوغاء 1 " جاء الحجاج السنة لسيدي أحمد من الشام وحلب ومكة.. أكثر من حجاج الحرمين " 2. وما يفعل عند قبر البدوي يفعل عند قبر غيره من الأولياء المزعومين من حيث الطواف، والتمسح بأعتابها، والنذر، وغير ذلك من أمور العبادات التي لا تصرف إلا لله، وقد وقفت على ذلك وليس من رأى كمن سمع، وقلّ أن   1 ضعفاء العقول والجهلة من الناس. انظر: القاموس المحيط (1015) . 2 التبر المسبوك في ذيل السلوك للسخاوي (176) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 تجد بلداً إسلامياً إلا وله أولياءه المزعومون الذين تشد إليهم الرحال ويطاف على مشاهدهم وتقدم إليهم النذور والقربات وتجعل لهم الموالد والأعياد. " بل إن لغالب الأضرحة مواسم وأعياداً أسبوعية خلاف الموالد تسمى بالحضرة كليلة الثلاثاء ويومه للإمام الحسين رضي الله عنه، وليلة السبت ويومه للإمام الشافعي - رحمه الله -، وهكذا لكل ولي عندهم وقت معلوم تجتمع فيه العامة والخاصة من الرجال والنساء ومعهم الأطفال لزيارته على الوجه المعروف 1. والقبور التي أفتتن بها الضلال واتخذوها أعياداً أكثر من أن تحضر 2 وما أوردته هنا ما هو إلا غيض من فيض، والله المستعان.   1 الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ (185) . 2 للإطلاع على أمثلة من ذلك. انظر: تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم المباركات لأبي حسين نور الدين علي بن أحمد السخاوي الحنفي. ونزهة الأنصار في فضل علم التاريخ والأخبار المشهور بالرحلة الورثيلانية لحسين بن محمد الوريثلاني. ومساجد مصر وأولياؤها الصالحون للدكتورة سعاد ماهر محمد. والتصوف في تهامة لمحمد بن أحمد العقيلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 المبحث الثاني: اتخاذ الآثار أعيادا ً والمراد بالآثار مقامات الأنبياء والصالحين وهي: الأمكنة التي قاموا فيها أو أقاموا أو عبدوا الله سبحانه، لكنهم لم يتخذوها مساجد. فمن تتبع تلك الآثار وشد إليها الرحال للعبادة فقد اتخذها عيداً. وذلك أنه لا يستحب قصد بقعة للعبادة إلا أن يكون قصدها للعبادة مما جاء به الشرع، مثل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصدها للعبادة، كما قصد الصلاة في مقام إبراهيم، وكما يقصد المساجد للصلاة ويقصد الصف الأول ونحوه ذلك 1. وقد عمت البلوى وطمت ولاسيما في هذا العصر، حيث التشبث بأي أثر يزعم أنه للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لأحد الصحابة، أو الصالحين فشدوا الرحال إليها وتبركوا بها وجعلوا لها أعياداً في أوقات معلومة يرتادونها فيه، وذلك مثل ما يفعله بعض الناس من الذهاب إلى غار حراء أو موضع مولده صلى الله عليه وسلم أو غار ثور أو بيعة الرضوان، أو أن يسافر إلى غير هذه الأمكنة من الجبال وغيرها التي يقال فيها مقامات للأنبياء أو الصالحين. وهذا الفعل بين البطلان وقد أنكره الصحابة. 1 - فعن معرور بن سويد قال كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} 2.   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/742) . 2 سورة الفيل، آية (1) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 و {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 1. ثم رأى أقواماً ينزلون فيصلون في مسجد فسأل عنهم فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، من مر بشيء من المساجد فحضرته الصلاة فليصل وإلا فليمض" 2. فكره عمر رضي الله عنه اتخاذ مصلى النبي صلى الله عليه وسلم عيداً وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل ذلك 3. 2 - أمره رضي الله عنه بقطع شجرة الرضوان 4 لما رأى الناس يذهبون إليها مخافة الفتنة والوقوع في الشرك. فقد روى ابن سعد بسنده عن نافع قال: كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها الرضوان، فيصلون عندها، قال: فبلغ عمر بن الخطاب فأوعدهم   1 سورة قريش، آية (1) . 2 مصنف عبد الرزاق، باب ما يقرأ في الصبح في السفر (2/118-119) ، حديث (2734) ، وانظر: البدع والنهي عنها لابن وضاح (41-42) ، والحوادث والبدع للطرطوشي (148) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (117) ، صحيح الإسناد. وقال ابن حجر في فتح الباري (1/569) ، أنه ثابت عن عمر رضي الله عنه. 3 اقتضاء الصراط المستقيم (1/744) . 4 هي الشجرة التي حصلت تحتها المبايعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلح الحديبية وذلك عندما بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولاً لأخبار قريش أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً للبيت ومعظماً، فجاء الخبر إليه صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوا عثمان بن عفان فدعي حينئذٍ صلى الله عليه وسلم إلى المبايعة له على الحرب والقتال لأهل مكة، وهي تقع في الحديبية التي تبعد (22) كيلاً إلى الشمال الغربي من مكة، وتعرف الآن بالشميسي وفيها مسجد الرضوان. انظر: تفسير ابن كثير (4/186) ، وتفسير القرطبي (16/276) ، ومعجم البلدان (2/229) ، ونسب حرب للبلادي (350) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 فيها وأمر بها فقطعت 1. وقد علل ابن وضاح سبب قطع عمر رضي الله عنه لها مخافة الفتنة عليهم 2. وفي ذلك يقول السفاريني 3: "ولما كانت خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن ناساً يذهبون إلى الشجرة فيصلون تحتها ويتبركون بها فأمر رضي الله عنه بها فقطعت وأخفى مكانها خشية الافتتان بها، ولما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن من تعظيم أهل الجهل لها حتى ربما أفضى بهم جهلهم إلى أن بها قوة نفع وضر كما هو مشاهد من شأن الناس في هذه الأزمان، ومذ أزمان من تعظيم ما هو دونها من الشجر والبقاع 4. فإذا كان هذا فعل عمر رضي الله عنه بالشجرة التي ذكرها الله في كتابه عند قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} 5. فماذا حكمه فيما عداها من هذه الأنصاب والأوثان التي عظمت الفتنة بها واشتدت البلية بها 6.   1 الطبقات الكبرى لابن سعد (2/100) ، وقال ابن حجر في فتح الباري (7/48) ، إسناده صحيح. 2 البدع والنهي عنها لابن وضاح (42) ، وانظر: الحوادث والبدع للطرطوشي (137) . 3 هو: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني النابلسي الحنبلي عالم بالحديث والأصول والأدب، ولد سنة (1114هـ) بسفارين من من قرى نابلس، وكانت وفاته فيها سنة (1188هـ) . انظر: تاريخ الجبرتي (1/468) . والأعلام (6/14) . 4 لوامع الأنوار البهية للسفاريني (2/366) . 5 سورة الفتح، آية (18) . 6 انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/210) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 3 - أما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الشأن 1 فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، فلم ينقل عن الخلفاء الراشدين ولا غيرهم، من المهاجرين والأنصارأنه كان يتحرى قصد الأمكنة التي نزلها النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب مع جمهور الصحابة؛ لأن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بطاعة أمره، وتكون من فعله، بأن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله، فإذا قصد العبادة في مكان كان قصد العبادة فيه متابعة له، كقصد المشاعر والمساجد. وأما إذا نزل في مكان بحكم الاتفاق لكونه صادف وقت النزول، أو غير ذلك مما يعلم أنه لم يتحر ذلك المكان، فإذا تحرينا ذلك لم نكن متبعين له، فإن الأعمال بالنيات. فلو كان هذا الفعل عند الصحابة رضي الله عنهم مستحباً لكانوا إليه أسبق، فانهم اعلم بسنته وأتبع لها من غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" 2. وتحري هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مما ابتدع. وقول الصحابي إذا خالفه نظيره، ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟ 3.   1 أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي قد سلكها اتفاقاً لا قصداً. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/742) . 2 تقدم تخريجه، ص (219) . 3 اقتضاء الصراط المستقيم (2/745ـ748) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 ولم يكن من مذهب السلف تتبع الآثار والإتيان إليها، وفي ذلك يقول ابن وضاح: "كان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ماعدا قباء واحداً" أهـ. وقال أيضاً: "دخل سفيان مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به" 1 أهـ. فهذا هو مذهب السلف تجاه الآثار؛ لأن تتبعها وشد الرحال للعبادة إليها بدعة في الدين وأحداث فيه ومحاكاة لأهل الكتاب، مما يكون وسيلة إلى الشرك وذريعة إليه. وما يدعوا إليه البعض في زماننا هذا من الاعتناء بتلك الآثار وتعظيمها خشية أن تندثر ويجهلها الناس ولاسيما في مكة والمدينة. مثل: غار حراء وجبل ثور ودار مولده صلى الله عليه وسلم وبيعة الرضوان وصلح الحديبية وأشباهها؛ وذلك بتعمير ما تهدم منها، والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها واتخاذها مزارات ووضع لوحات إرشادية لتعريف الزائرين بها، ويضرب المثل باعتناء دول أوروبا بآثارهم ومشاهدهم. ويجاب على ذلك بأن هذه الدعوى بينة البطلان لكل من كان عالماً بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه من بعده، وذلك أنهم لم يكونوا يقصدون شيئاً من هذه الأمكنة.   1 والبدع والنهي عنها (43) ، وانظر: الحوادث والبدع للطروطشي (137) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فقد مكث صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة هو ومن آمن به من المهاجرين الأولين الذين هم أفضل الخلق، فلم يذهب هو ولا أحد من أصحابه إلى حراء، ثم هاجر إلى المدينة واعتمر أربع عمر وحج حجة الوداع ومعه جماهير المسلمين، وهو في ذلك كله لا هو ولا أحد من الصحابة يأتي غار حراء، ولا يزوره ولا شيئاً من البقاع التي حول مكة ولم يكن هناك عبادة إلا بالمسجد الحرام وبين الصفا والمروة، وبمنى والمزدلفة وعرفات. كما أنه لم يشرع لأمته زيارة موضع مولده ولا زيارة موضع بيعة العقبة ولا زيارة الغار الذي بجبل ثور ولا غيرها من الآثار. ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعاً ومستحباً يثيب الله عليه، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بذلك ولكان يعلم أصحابه ذلك، وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم، فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك علم أنه من البدع المحدثة التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة، فقد اتبع غير سبيلهم وشرع من الدين ما لم يأذن به الله 1. فتعظيم هذه الآثار بتلك الوسائل مخالفة صريحة لسلف هذه الأمة كما يترتب عليه مشابهة الكفار في تعظيم آثار أنبيائهم وصالحيهم واتخاذها معابد ومزارات. فإذا عظمت مثل هذه الآثار المذكورة وعبدت طرقها وعملت لها المصاعد واللوحات لا تزار كما تزار آثار عظماء الكفار وإنما تزار للتعبد والتقرب إلى   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/796-798) ، ومجموع الفتاوى له (26/132) و (27/134-150) و (500/501) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الله بذلك، فنكون بهذه الإجراءات قد أحدثنا في الدين ما ليس فيه وشرعنا للناس ما لم يأذن به الله وهذا هو نفس المنكر الذي حذر الله عز وجل منه في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 1. وحذر منه صلى الله عليه وسلم بقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" 2. وتعظيم الآثار لا يكون بالأبنية والكتابات والتأسي بالكفرة، وإنما يكون باتباع أهلها في أعمالهم المجيدة وأخلاقهم الحميدة وجهادهم الصالح قولاً وعملاً، هكذا كان السلف يعظمون آثار سلفهم الصالح. أما تعظيمها بالأبنية والزخارف ونحو ذلك فهو خلاف هدي السلف الصالح، وإنما ذلك سنة اليهود والنصارى ومن تشبه بهم؛ وبهذا يتبين بطلان تلك الدعوى وما شاكلها وأنها مخالفة للشريعة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد ذرائع الشرك والبدع وحسم الوسائل المفضية إليه 3. وبهذا يتضح لمن أراد الحق أن تتبع الآثار وشد الرحال إليها للعبادة من اتخاذها أعياداً وهو بدعة في الدين، فضلاً عن كونه مشابهة لأهل الكتاب الذين حرفوا دينهم وتلاعبوا به، فحذار أخي المسلم أن تكون أسير التقليد والتشبه بهم فتقع في براثن الشرك والرذيلة، فالدين الإسلامي حرص على أن تظهر   1 سورة الشورى، آية (21) . 2 تقدم تخريجه، ص (220) . 3 انظر: فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1/395-396،405-412) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 بالمظهر السوي الذي اختاره لك رب العزة والجلال، ولا يكون ذلك إلا بتحقيق ما أمر به واجتناب ما نهى عنه فاحرص على ذلك تنل الكرامة والسعادة. ومن أعظم من أفتتن باتخاذ الآثار أعياداً وأوثاناً الرافضة ولاسيما الآثار التي يزعمون لآل البيت فوضعوا الأحاديث المكذوبة في ذلك، واختلقوا القصص والأساطير على آل البيت ونسبوها إليهم؛ ترويجاً لبدعتهم، ونشراً لشركهم ورتبوا الثواب الجزيل لمن زارها أو تقرب إليها، كل ذلك لإوراء شهوات نفوسهم وملذاتها. فمما أوردوه في تفضيل الكوفة ما رواه الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " مكة حرم الله وحرم رسول الله وحرم أمير المؤمنين عليهم السلام الصلاة فيها بمائة ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حرم الله وحرم أمير رسوله وحرم أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم المؤمنين عليهما السلام الصلاة فيها بألف صلاة والدرهم فيها بألف درهم" 1 أهـ. ولم يكتفوا بذلك بل تطاولوا على الكعبة المسجد الحرام فجعلوا كربلاء أفضل منها. فعليهم من الله ما يستحقون. كما جاء ذلك عن المفضل في ذكر الكوفة وقيام مهديهم المزعوم فيها، حيث قال له أبو عبد الله على حد زعمه: " يا مفضل إن البقاع تفاخرت ففخرت   1 الفروع من الكافي للكليني، كتاب الحج (4/586) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى الله إليها أن أسكتي كعبة البيت الحرام ولا تفتخري على كربلاء فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وأنها الربوة التي آوت إليها مريم والمسيح عليهما السلام.. ثم أخذ يسرد الخصائص والفضائل التي تميزت إلى أن قال: وأنها خير بقعة 1. في ذلك يقول قائلهم: ومن حديث كربلاء والكعبة ... لكربلاء بان علو الرتبة وغيرها من سائر المشاهد ... أمثالها بالنقل ذي الشواهد 2 من هنا جاء حجهم إلى كربلاء والنجف لاعتقادهم انهما أفضل بقاع الأرض، وهذا بعض معتقدهم في الأماكن والآثار وما هو إلاّ مثال من ظلمات بعضها فوق بعض، ومن أطلع على كتبهم أدرك ذلك 3. فالقوم من أكذب الناس وأعظمهم شركاً وأبعدهم عن التوحيد؛ وذلك أن مبنى الشرك والبدع على الكذب والافتراء، والرافضة الكذب دينهم والافتراء ديدنهم 4. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مبنياً حكم من شد الرحال إلى مثل هذه الآثار: فمن سافر إلى بقعة غير بيوت الله التي يشرع السفر إليها ودعا غير الله فقد جعل نسكه وصلاته لغير الله عز وجل، وإذا كان السفر إلى بيوت الله غير   1 الرجعة لأحمد بن زين الدين الأحسائي (185-186) . 2 مفتاح الجنان لعباس القمي (377) . 3 انظر: المصدر السابق (371-660) ، وبحار الأنوار للمجلس (97/102) ، والمجلدات (98-99) . 4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/751) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 الثلاثة المساجد ليس بمشروع باتفاق الأئمة الأربعة، بل قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بالسفر إلى بيوت المخلوقين الذين تتخذ قبورهم مساجد، وأوثاناً وأعياداً ويشرك بها، وتدعى من دون الله 1. قلت: فكيف بالسفر إلى مثل هذه الآثار التي لم تثبت ولم يعلم صحتها. ومن فعل مثل هذا فقد ابتدع في الإسلام ولم يعرف شريعة الإسلام وما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله وسد أبواب الشرك.   1 انظر: مجموع الفتاوى (27/360) ، والجواب الباهر في زوار المقابر (36-37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 المبحث الثالث: اتخاذ الأحجار والأشجار ونحوها أعيادا ً 1. وذلك مثل أن يقصد شجرة أو حجراً أو بقعة ويخصها بالعبادة وهي لا فضل لها في الشريعة أصلاً ولا فيه ما يوجب تفضيلها، بل هي كسائر الأمكنة أو دونها. فقصد تلك الأمكنة أو قصد الاجتماع عندها لصلاة أو دعاء أو ذكر ونحوه ضلال بين البطلان 2. وذلك أنه نظير ما كان يتخذه المشركون من الأصنام والأوثان التي كانوا يقصدونها للتقرب إلى الله عندها، حيث كان لكل قوم صنم أو وثن أو تمثال في بقعة معينة يقصدونه ويخصونه بالزيارة في مواسم معينة من السنة كما ذكر الله ذلك في كتابه حيث قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} 3. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " يقول الله مقرعاً للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان واتخاذهم لها بيوتاً مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن عليه السلام 4.   1 إن اتخاذ مثل ذلك أعياداً شرك أكبر وذلك أن الأعياد المحدثة تتفاوت في حكمها فمنها البدعي ومنها الشركي كهذه. 2 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/642) . 3 سورة النجم، آيات (19-22) . 4 تفسير ابن كثير (4/253) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 فكانت هذه الأصنام اللات والعزى ومناة أشهر الطواغيت عند العرب، حيث اتخذوها أعياداً يقصدونها في وقت محدد من العام. وقد نهينا عن مشابهة الكفار كيف والعيد من أهم خصائص الدين؟. ومن اتخذ شيئاً في ذلك فقد اتخذ له ذات أنواط لما جاء في الحديث عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 1. لتركبن سنن من كان قبلكم} 2. وذات أنواط كما ذكر الأزرقي 3 شجرة عظيمة يعظمها أهل الجاهلية ويذبحون لها ويعكفون عندها يوماً وكان من حج منهم وضع زاده عندها ويدخل بغير زاد تعظيماً لها 4.   1 سورة الأعراف، آية (138) . 2 سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم (4/475) ، حديث (2180) ، وقال: حديث حسن صحيح. ومسند الإمام أحمد (5/218) ، والمصنف لعبد الرزاق، باب سنن من كان قبلكم (11/369) ، حديث (20763) ، والسنة لأبي عاصم بتحقيق الألباني (1/37) ، حديث (76) ، وقال الألباني: إسناده حسن. 3 محمد بن عبد الله بن أحمد محمد بن الوليد بن عقبة، أبي الوليد الأزرقي مؤرخ يماني الأصل، توفي سنة (250هـ) . انظر: الفهرست لابن النديم (162) ، والأعلام (6/222) . 4 أخبار مكة للأزوقي (1/130) ، وانظر: تفسير القرطبي (7/73) ، ومعجم البلدان لياقوت (1/273) ، وقال: إنها قريبة من مكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو الشرك بعينه 1. وفي ذلك يقول الطرطوشي: انظروا - رحمكم الله تعالى - أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها ويرجون البرء والشفاء من قبلها ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها 2. وقال الحافظ أبو شامة: عند ذكره للبدع: ومنها ما قد عم به البلاء، من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة من كل بلد يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحد ممن اشتهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائص الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي بين عيون وشجر وحائط 3. وبهذا يتضح أن الاعتقاد بمثل هذه الأشياء من الأنصاب التي هي من عمل الشيطان وقد أمر الله سبحانه وتعالى باجتناب ذلك وعلق الفلاح بهذا الاجتناب. فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/644) ، وإغاثة اللهفان لابن القيم (1/205) . 2 الحوادث والبدع للطرطوشي (33) . 3 الباعث على إنكار البدع لأبي شامة (25-26) ، وانظر: الأمر بالاتباع للسيوطي (53) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَالْمَيْسِرُ1 وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ2 رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3 قال ابن القيم: فمن الأنصاب ما قد نصبه الشيطان للمشركين من شجرة أو عمود أو وثن أو قبر أو خشبة أو عين ونحو ذلك. والواجب هدم ذلك كله ومحو أثره، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه بهدم القبور المشرفة وتسويتها بالأرض، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته 4 " 5. فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات، وبعضه أشد من بعض، سواءً كانت البقعة شجرة أو عين ماء أو قناة جارية، أو جبلاً أو مغارة، وسواءً قصدها ليصلي عندها أو ليدعوا عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسك عندها بحيث   1 هو: القمار واللعب بالقداح. انظر: النهاية لابن الأثير (5/296) ، والقاموس المحيط (643) . 2 القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له، فإذا أراد سفراً أو أمراً مهماً أدخل يده وأخرج منها زلماً فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله. انظر: النهاية لابن الأثير (2/311) . 3 سورة المائدة، آية (90) . 4 صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر (2/666) ، حديث (969) . 5 إغاثة اللهفان لابن القيم (1/209) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عيناً ولا نوعاً 1. وذلك أن التفضيل، والتخصيص من حكم الشارع ولا يجوز التعبد إلا بما جاء به الشرع فمن خصص مكاناً للتعبد عنده فقد اتخذه عيداً وخالف شريعة سيد المرسلين التي جاءت بإخلاص العبادة لله وحده ونبذ الشرك ومظاهرة، وما يكون وسيلة إليه.   1 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/644) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 المبحث الرابع: المفاسد الناتجة عن تلك الأعياد إن للأعياد المكانية المحدثة الأثر السيئ على الأمة الإسلامية لاشتمالها على مفاسد عظيمة تسخط الرب وتحبط العمل من صرف أنواع العبادة لغير الله ذلك الفعل الذي يندى له الجبين ويغضب لأجله كل من في قبله ذرة إيمان، وغيرة على التوحيد، وذم وتقبيح للشرك وأهله، حيث نفت تلك الأعياد توحيد العبادة الذي من أجله خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب. ومع كون أرباب تلك الأعياد وقعوا في أعظم ذنب عصي الله به وهو الشرك نجدهم قد وقعوا في سفاف الرذائل من انحلال الأخلاق ونبذ المكارم والمحاسن، كل ذلك حصل بفساد العقيدة؛ لأن بفسادها تفسد الأخلاق، وقمة الأخلاق تتمثل في التطبيق الحق للإسلام وأوله إصلاح العقيدة فبصلاحها يصلح الفرد والمجتمع وبفسادها يقع الانحلال والاختلال، وبما أن أصحاب هذه الأمكنة شرعوا طبق أهوائهم أعياداً ومواسم يحتفلون بها فأطلقوا العنان لأنفسهم في تلك المواسم فوقعوا في الإثم والفجور والمفاسد العظيمة التي أجملها فيما يلي: 1 - الصلاة إليها سواءً كانت قبوراً أو شجاراً، أو آثاراً والطواف بها وتقبيلها واعتقاد النفع والضر فيها وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم والتي لا تطلب إلا من رب العالمين عز وجل. 2 - الافتتان بها والسفر إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 3 - مشابهة اليهود والنصارى في اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد وتتبع آثارهم. 4 - محادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومناقضة ما شرعه في هذه الأمكنة. 5 - تفضيلها على خير البقاع وأحبها إلى الله حتى قلت أهمية الكعبة البيت الحرام والمشاعر المقدسة عند أرباب القبور والآثار. 6 - عمارتها وجعل القباب والمشاهد عليها وتعطيل المساجد وعدم توقيرها. 7 - إماتة السنن وإحياء البدع 1. 8 - إنفاق الأموال في النذور والقربات على تلك الأمكنة مع وجود الفقر والحاجة. 9 - اجتماع الرجال والنساء واختلاطهم وما ينتج عن ذلك من وجود الفجور وفعل الفاحشة، كما حكى ذلك المقريزي في ذكر الاحتفال بمولد إسماعيل بن يوسف الأنبابي 2 عند ضريحة. فقال: كان فيه من المفاسد ما لا يوصف ووجد في المزارع مائة وخمسون جرة فارغة من جرار الخمر التي شربت في الخيم سوى ما حكي عن الزنا واللياطة 3.   1 انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (1/194-198) . 2 هو: إسماعيل بن يوسف بن محمد الأنبابي كان أبوه صاحب الزاوية بامبابه على الطريقة السطحوية، توفي سنة (790هـ) . انظر: أنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر (2/297) . 3 السلوك لمعرفة الملوك للمقريزي (3/576) ، وانظر: نزهة النفوس والأبدان للصيرفي (1/169) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وقال الجبرتي 1: عند ترجمة عبد الوهاب العفيفي: 2 ثم انهم ابتدعوا له موسماً وعيداً في كل سنة يدعون إليه الناس.. فيملؤون الصحراء والبستان فيطأون القبور ويؤقدون النيران ويصبون عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون 3. فهذه بعض الآثار ولا ذنب أعظم ولا مفسدة أقبح مما يفعل في تلك الأعياد شرك وشرب خمر وزنا ولواط، كبائر اجتمعت ومفاسد انتشرت وعقول عطلت، فأصبحوا كالأنعام بل هم أضل، وزعموا أن كل ذلك مغفور ببركة المكان أو صاحب ذلك القبر. فالشيطان هو الذي زين لهم ذلك العمل وأملى عليهم تلك التأويلات والتعليلات للخروج من هذه المآثم بالمغفرة والثواب على حد قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} 4. وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 5. عن الحق واتباعه فشرعوا لأنفسهم ما وافق الهوى مما أوقعهم في ذلك.   1 هو: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، مؤرخ مصر، ومدون وقائعها وسير رجالها في عصره، ولد سنة في القاهرة سنة (1167هـ) وكانت وفاته فيها (1237هـ) . انظر: الاعلام (3/304) . 2 هو: عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد بن حجازي العفيفي المالكي البرهاني، توفي سنة (1172هـ) . انظر: تاريخ الجبرتي (1/302-303) . 3 المصدر السابق (1/304) . 4 سورة محمد، آية (25) . 5 سورة محمد، آية (23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وهذا الفعل لا يصدر إلا ممن أخذ شبهاً من اليهود أو النصارى من أهل البدع والشرك، فكانوا أبعد الناس عن توحيد الله، فبئس هذا الاعتقاد وذاك المسلك. قال ابن القيم - رحمه الله -: ومن له خبرة بما بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره، علم أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد ما بين المشرق والمغرب وانهم على شيء والسلف على شيء 1. فيا أرباب الموالد والأعياد مكانية كانت أو زمانية ألا يسعكم ما وسع أفضل خلق الله سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة فثوبوا إلى رشدكم وتوبوا إلى بارئكم وانظروا إلى ما فيه نفعكم في الدنيا والآخرة فلا نجاة إلا باتباع شرعه صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه والإخلاص والمتابعة في القول والاعتقاد والعمل، وما هذه النكبات التي تحيط بالمسلمين إلا نتيجة حتمية للابتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلا رفعة ولا عزة إلا بالتمسك بهما. والله المستعان.   1 إغاثة اللفهان، (1/205) ، وهذا في عصره - رحمه الله - القرن السادس، فما بالكم في هذا العصر ‍‍!! . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الخاتمة هذا وبعد أن منّ الله على بإتمام هذا البحث فإني أختمه بأهم النتائج التي توصلت إليها وهي كما يلي: 1 - إن العيد اسم يطلق على كل اجتماع يحدثه الناس أو يعتادونه في زمان معين، أو مكان معين أو هما معاً، سواءً كان ذلك في الأسبوع أو الشهر أو السنة. 2 - إن الأعياد من أهم الخصائص التي تتميز بها الديانات ولكل ديانة أعيادها وأفراحها النابعة من أصل الاعتقاد فيها. 3 - إن أعياد الكفار لا تثبت على حال لا من ناحية العدد والوقت ولا من ناحية الاحتفال بها فهي باطلة وقصورها واضح بيّن، حيث إن قوامها اللهو وإطلاق العنان للشهوة بما يتنافى مع الفضائل والأخلاق، ويعارض الفطر السليمة. 4 - إن احتفال بعض المسلمين بعيد ميلاد المسيح أو النيروز أو شم النسيم أو عيد الأم، ونحو هذه الأعياد تشبه بأهل الكتاب ومن تشبه بقوم فهو منهم. 5 - وجوب مخالفة الكفار في عاداتهم وأعيادهم، وما هو من خصائصهم. 6 - إن في الله شرع للمسلمين من الأعياد الزمانية والمكانية، ما يغنيهم والتي اشتملت على خيري الدنيا والآخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 7 - إن الأعياد الشرعية اتصفت بالشمولية والاستقرار والثبات في كلّ، فهي ثابتة في العدد والتسمية كما أنها ثابتة في الوقت وكيفية الاحتفال بها. 8 - انه لا بدعة حسنة، وأن البدعة كل ما خالف السنة، فلا محمود فيها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. 9 - إن البدع تتفاوت في أحكامها فمنها ما هو كفر ومنها ما هو دون ذلك 10 - وقوع بعض البدع والمخالفات من بعض المسلمين في الاحتفال بالأعياد الشرعية مما قلل من أهدافها. 11 - ابتداع بعض المسلمين للأعياد الزمانية والمكانية على غرار أعياد الكفار، وهي ما تعرف بالذكريات، وكان أول من ابتدعها واشتهر بها فيما اطلعت عليه الفاطميون وذلك في أواخر القرن الرابع الهجري والذي أستطيع أن أقول إن العصر الفاطمي كان قاموساً للأعياد والمواسم المبتدعة وغيرها من أعياد الكفار. 12 - بدعية اتخاذ يوم عاشوراء مأتماً أو عيداً. 13 - إن أول من ابتدع الاحتفال بالمولد النبوي وسائر الموالد الأخرى الفاطميون 14 - بدعية صلاة الرغائب التي تكون في ليلة أول جمعة من رجب وأنها أول ما أحدثت بعد سنة 480هـ. 15 - بدعية الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والتي يزعمون أنها في السابع والعشرين من رجب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 16 - بدعية الاحتفال بليلة النصف من شعبان. 17 - بدعية الاحتفال بليلة القدر والذي يكون في السابع والعشرين من رمضان. 18 - بدعية الاحتفال بعيد الأبرار في الثامن من شوال. 19 - بدعية الاحتفال بغدير خم الذي يعد أهم الأعياد عند الرافضة والذي يزعمون أن فيه حصلت الإمامة والوصية لعلي رضي الله عنه. 20 - بدعية احتفال الرافضة بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي يتضح فيه معتقد الرافضة تجاه صحابة الرسول الله صلى الله عليه وسلم. 21 - إن من أعظم الفتن في هذا العصر اتخاذ القبور والآثار أعياداً وتعظيمها وتفضيلها على الكعبة والمشاعر المقدسة. 22 - أن الأعياد الزمانية والمكانية المبتدعة كان لها الأثر السيئ على المسلمين، حيث يقع فيها من الشرك والمفاسد الكثيرة ما الله به عليم، فضلاً عن عدم الاهتمام بالأعياد الشرعية، بل قد يفضل البعض تلك الأعياد عليها. هذا وأسأل الله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفقني لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقني حسن الاعتقاد في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع 1 - الآثار الباقية عن القرون الخالية: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، تحقيق س ادوارد بروكهاوس، 1923م. 2 - الإبداع في مضار الابتداع: لعلي محفوظ، طبع دار النصر للطباعة الإسلامية، الناشر دار الاعتصام. 3 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: لابن قيم الجوزية، الناشر المكتبة السلفية، لصاحبها محمد عبد المحسن الكتبي - المدينة المنورة. 4 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: لأحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس القرافي، تحقيق الدكتور / بكر زكي عوض، الناشر مكتبة وهبة - القاهرة، ط الثانية، 1407هـ. 5 - الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة: لمحمد بن ناصر الدين الألباني، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة، 1400هـ. 6 - أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام: لمحمد بن نجيب المطيعي، طبع ونشر جمعية الأزهر العلمية بمصر، ط الثانية، 1358هـ. 7 - أحكام أهل الذمة: لابن القيم الجوزية، تحقيق الدكتور / صبحي الصالح، دار العلم للملايين، ط الثانية، 1403هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 8 - أحكام العيدين: لأبي جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي: تحقيق أبي عبد الرحمن مساعد بن سليمان بن راشد، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى، 1406هـ - 1986م. 9 - أحكام العيدين في السنة المطهرة: لعلي بن حسن علي عبد الحميد، الناشر المكتبة الإسلامية، عمان الأردن، ط الأولى، 1405هـ. 10ـ أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي المعروف بابن العربي، دار المعرفة، بيروت. 11 - إحياء علوم الدين: لأبي حامد الغزالي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1406هـ. 12 - أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار: لأبي الوليد بن محمد بن عبد الله ابن أحمد الأزرقي، تحقيق والتوزيع، بيروت. 13 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام: جمع علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي، تحقيق محمد حامد الفقي، نشر دار المعرفة بيروت. 14 - أخلاقنا الاجتماعية: للدكتور مصطفى السباعي، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الرابعة، 1397هـ. 15 - الأدب اليوناني القديم ودلالته على عقائد اليونان ونظامهم الاجتماعي: للدكتور / عبد الواحد الوافي، الناشر دار النهضة للطبع والنشر، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 16 - الأذكار: لمحيي الدين أبي زكريا يحيي بن شرف النووي، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه / عبد القادر الأروناؤوط، دار الملاح للطباعة والنشر، 1391هـ. 17 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: لمحمد بن ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى، 1399هـ. 18 - الأزمنة وتلبية الجاهلية: لأبي علي محمد بن المستنير "قطرب" تحقيق الدكتور / حاتم صالح الضامن، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية، 1405هـ - 1985هـ. 19 - الأزمنة والأمكنة: لأبي على المرزوقي، مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد 1332هـ. 20 - الإسراء والمعراج المعجزة التي خرق الله بها نواميس الكون: لموسى محمد الأسود، مطبعة الفيصل مكتبة دار الأقصى، ط الأولى، 1407هـ - 1987م. 21 - الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، المعروف بالموضوعات الكبرى: لنور الدين علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملا على القاري، تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بسيوني، ناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1405هـ - 1985م. 22 - إسعاف الخلان فيما ورد في ليلة النصف من شعبان: لحماد بن محمد الأنصاري، ط مكتبة المعلا الكويت، 1406هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 23 - الإسلام دعوة عالمية ومقالات أخرى: لمحمود عباس العقاد - منشورات المكتبة العصرية، بيروت. 24 - أشتتات مجمعات في اللغة والأدب: لمحمود عباس العقاد، الناشر دار المعارف، مصر، ط الخامسة. 25 - الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني، ط دار صادر. 26 - إصلاح المساجد من البدع والعوائد: لمحمد جمال الدين القاسمي، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الرابعة، 1399هـ. 27 - الأصنام: لمحمد بن السائب الكلبي، دار الكتب المصرية، ط الثانية، 1924م. 28 - أصول في السنن والبدع: محمد أحمد العدوي، الناشر مصطفى البابي الحلبي، ط الثانية، 1353هـ. 29 - أضواء على اليهودية من خلال مصادرها: للدكتور / محمد أحمد دياب عبد الحافظ، الناشر دار المنار، للنشر والتوزيع، القاهرة 1406هـ - 1985م. 30 - الاعتصام: لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، نشر دار المعرفة، بيروت، طبع سنة 1402هـ. 31 - الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة: للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الناشر دار السلام العالمية، للطبع والنشر والتوزيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 32 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: لفخر الدين الرازي، مراجعة وتحرير علي سامي النشار، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1402هـ. 33 - الأعلام: لخير الدين الزركلي، نشر دار العلم الملايين، بيروت، ط الخامسة، 1980م. 34 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام: للإمام القرطبي، تحقيق الدكتور / أحمد حجازي السقا، دار التراث العربي. 35 - اعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم الجوزية، راجعه وقدم له وعلق عليه، طه عبد الرؤوف سعد، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1388هـ. 36 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: لإمام ابن قيم الجوزية، تحقيق وتصحيح / محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. 37 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: لشيخ الإسلام بن تيمية، تحقيق الدكتور / ناصر العقل، طبع مطابع العبيكان، الرياض، ط الأولى، 1404هـ. 38 - الله توحيد وليس وحده: لمحمد الأنور أحمد البلتاجي، الناشر مكتبة وهبة، القاهرة ط الأولى، 1406هـ. 1986م. 39 - الأم: للإمام محمد بن إدريس الشافعي، مطبعة الشعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 40 - الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع: لجلال الدين السيوطي، دراسة وتحقيق مصطفى عاشور، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة. 41 - إنباء الغمر بأبناء العمر: لابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية، 1406هـ. 42 - أنساب العيون في سيرة الأمين المأمون الشهيرة بالسيرة الحلبية: لعلي برهان الدين الحلبي، مطبعة البابي الحلبي، بمصر، ط الأولى، 1384هـ. 43 - الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف: لأبي بكر الجزائري، طبع مطابع الرشيد، بالمدينة النبوية، 1402هـ. 44 - الأنوار القدسية في مولد المصطفى خير البرية لطريقة السادة الشاذلية: مكتبة تاج بطنطا، لصاحبها الحاج / إبراهيم تاج الكتبي وولده بطنطا. 45 - أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء: للشيخ قاشم القونوي، تحقيق الدكتور / أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، دار الوفاء للنشر والتوزيع. 46 - أوجز السير لخير البشر: لأحمد بن فارس، تحقيق هلال ناجي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1393هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 47 - الباعث الحثيث: لإسماعيل بن عمر بن كثير، دار التراث، ط الثالثة، 1399هـ. 48 - الباعث على إنكار البدع والحوادث: لأبي محمد عبد الرحمن ابن إسماعيل المعروف بأبي شامة، تقديم وتعليق وتحقيق عثمان أحمد عنبر، نشر دار الهدي، ط الأولى، 1398هـ. 49 - البداية والنهاية: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، دار الكتب العلمية، تحقيق جماعة من العلماء. 50 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: لمحمد بن علي الشوكاني، الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 51 - البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها: للدكتور عزت علي عطية، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثانية، 1400هـ. 52 - البدعة وأثرها السيئ في الأمة: لسليم الهلالي، الناشر المكتبة الإسلامية، عمان - الأردن، ط الثانية، 1406هـ. 53 - البدعة والمصالح المرسلة بيانها تأصيلها أقوال العلماء فيها: للدكتور توفيق يوسف الواعي، الناشر مكتبة دار التراث، الكويت، ط الأولى 1404هـ. 54 - البدع الحولية: لعبد الله بن عبد العزيز التويجري، رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام 1405ـ1406هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 55 - البدع والنهي عنها: لمحمد بن وضاح القرطبي، دار الرائد العربي، بيروت، ط الثانية، 1402هـ. 56 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: لجلال الدين، السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط الثانية، 1399هـ. 57 - بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب: للسيد محمود شكري الألوسي البغدادي، عني بشرحه وتصحيحه وضبطه، محمد بهجت الأثري، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية. 58 - البناية في شرح الهداية: لأبي محمد محمود بن أحمد العيني، دار الكتب. 59 - بين الإسلام والمسيحية: لأبي عبيد الخزرجي، حقيقة وقدم له لدكتور / محمد شامة، مكتبة وهبة، القاهرة. 60 - تاج العروس من جواهر القاموس: لمحمد مرتضي الزبيدي، الناشر مكتبة الحياة، بيروت. 61 - تاريخ اليعقوبي: لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي، الناشر دار صادر، بيروت. 62 - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار: لعبد الرحمن الجبرتي، نشر دار الجيل، بيروت، ط الثانية، 1978م. 63 - التبر المسبوك في ذيل السلوك: لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 64 - تبيين الحقائق: لفخر الدين عثمان علي الزيلعي الحنفي، دار المعرفة، للطباعة والنشر، بيروت. 65 - تبيين العجب بما ورد في فضل رجب: لابن حجر العسقلاني، قدم له وعلق عليه، إبراهيم يحيى أحمد نشر وتوزيع مكتبة سليم الحديثة، القاهرة ط الأولى - 1972م. 66 - تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين: لأحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي، نشر مكتبة ابن تيمية، الكويت، ط الثانية، 1403هـ. 67 - التحذير من البدع: للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة، 1396هـ. 68 - تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات: لأبي الحسن نور الدين علي بن أحمد بن عمر بن خلف بن محمود السخاوي الحنفي، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ط الثانية 1406هـ - 1986م. 69 - تحفة المودود لأحكام المولود: لابن قيم الجوزية، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى، 1391هـ. 70 - تذكرة الحفاظ: لأبي عبد الله شمس الدين الذهبي، نشر دار أحياء التراث العربي، توزيع دار الباز للنشر والتوزيع بمكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 71 - التصوف في تهامة: لمحمد بن أحمد العقيلي، الناشر دار البلاد للطباعة والنشر، جدة. 72 - التعريفات: للشيخ علي بن محمد الجرجاني، ضبطه وجماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1403هـ 1983م. 73 - تفسير البحر المحيط: لمحمد بن يوسف الشهير بأبي حيان، دار الفكر، بيروت، ط الثانية، 1398هـ. 74 - تفسير جزء عم: للإمام الشيخ عبده، الناشر دار مكتبة الهلال، بيروت، 1985م. 75 - تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن عمر بن كثير، نشر دار الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 76 - التفسير القيم: للإمام ابن القيم الجوزية، جمعه محمد أويس الندوي، حققه محمد حامد فقي، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت. 77 - تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار: لمحمد رشيد رضا، ط الثانية، 1367هـ، مطبعة حجازي، بالقاهرة. 78 - التفسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب: لمحمد فخر الدين الرازي، دار الفكر، ط الثالثة، 1405هـ. 79 - تقريب التهذيب: للحفاظ ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 80 - تلبيس إبليس: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، عني بنشره وقدم له وخرج أحاديثه، محمود مهدي استانبولي، 1396هـ، نشر دار الطباعة المنيرية، مصر 1368هـ. 81 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق الدكتور / شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة. 82 - تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين: لأحمد بن إبراهيم الدمشقي الشهير بابن النحاس، طبع مكتبة الحرمين بالرياض، ط الثانية 1406هـ. 83 - تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة: لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني، حققه وراجع أصوله، علق عليه عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية، 1401هـ 1981م. 84 - تهذيب التهذيب: للحافظ ابن حجر العسقلاني، دائرة المعارف النظامية بالهند، الطبعة الأولى. 85 - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: لسليمان بن عبد الله ابن محمد بن عبد الوهاب، نشر المكتب الإسلامي، ط الثالثة، 1397هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 86 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، طباعة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام 1398هـ توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة. 87 - الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام: للشيخ محمد منظور نعماني كبير علماء الهند، ترجمة الدكتور / محمد البنداري، الناشر دار عمان للنشر والتوزيع، عمان، ط الأولى، 1408هـ - 1987م. 88 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثانية، 1372هـ. 89 - جامع بيان العلم وفضله: لأبي عمر يوسف عبد البر النمري القرطبي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ. 90 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر. 91 - جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم لأبي الفرح عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي. 92 - الجرح والتعديل: للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، دار أحياء التراث العربي. 93 - الجمعة ومكانتها في الدين: لأحمد بن حجر آل بوطامي، آل بن علي، مطبوعات إدارة أحياء التراث الإسلامي بدولة قطر، ط الثالثة، 1403هـ - 1983م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 94 - الجواب الباهر في زوار المقابر: لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، صحح أصله وحققه الشيخ / سليمان بن عبد الرحمن الصنيع وشارك في تحقيقه وخرج أحاديثه الشيخ / عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني نشر المطبعة السلفية، ط الثالثة 1397هـ. 95 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لشيخ الإسلام ابن تيمية، الناشر مطابع المجد التجارية. 96 - حاشية رد المحتار على الدر المختار: لابن عابدين، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي. 97 - حاشية الصاوي على الشرح الصغير: لأحمد بن محمد الصاوي المالكي، مطبعة البابي الحلبي. 98 - الحاوي للفتاوى: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، عام 1403هـ. 99 - حجة الله البالغة: للشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله بن عبد الرحيم، المحدث الدهلوي، الناشر دار التراث، القاهرة، صورة عن الطبعة الأولى سنة 1355هـ. 100 - حسن التنبه فيما ورد في التشبه: لنجم الدين أبو المكارم محمد بن محمد بن محمد العامري الغزي، مخطوط مصور في الجامعة الإسلامية تحت رقم 1115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 101 - حسن المقصد في عمل المولد: لجلال الدين السيوطي، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1405هـ. 102 - الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة: لزين الدين عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تقديم ناصر الدين الألباني، الناشر دار مرجان للطباعة. 103 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم الأصبهاني، نشر دار الكتب العلمية، مصور عن دار الفكر العربي. 104 - كتاب الحوادث والبدع: لأبي بكر الوليد الطرطوشي، تحقيق محمد الطالبي المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية 1959م. 105 - حوار مع المالكي في رد منكراته وضلالاته: لعبد الله بن سليمان بن منيع، طبع ونشر الرئاسة العامة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، عام 1403هـ. 106 - حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: لمحمد بن علوي المالكي الحسني، ط الأولى 1402هـ. 107 - الحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي: للدكتور أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط الخامسة 1986م. 108 - الخرشي علي مختصر سيدي خليل: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن علي الخرشي، الناشر، دار صادر، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 109 - خطب ابن نباته: لعبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الشهير بابن مناته، الناشر مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة. 110 - خطر اليهودية على الإسلام والمسيحية: لعبد الله التل، المكتب الإسلامي، ط الثالثة، 1399هـ. 111ـ الخطط المقريزية: "المسمى المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار": لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي، دار صادر، بيروت. 112 - خلاصة الكلام في أركان الإسلام: لعلي فكري، ط الثانية، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي 1367هـ. 113 - الدر في اختصار المغازي والسير: الحافظ يوسف عبد البر، تحقيق الدكتور / شوقي ضيف، دار المعارف القاهرة، ط الثانية. 114 - الدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: لابن حجر العسقلاني، طبع مطبعة دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن، الهند، عام 1350هـ. 115 - دم لفطير صهيون: لنجيب الكيلاني، الناشر دار النفائس، بيروت، ط السادسة، 1403هـ - 1983م. 116 - دلائل الخيرات: لأبي عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، دار أحياء الكتب العربية، لصاحبها عيسى الحلبي وشركاه. 117 - الديارات: لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بالشابشتي، تحقيق كوركيس عواد، دار الرائد العربي، بيروت، ط الثالثة، 1406هـ. 118 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: لبرهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المالكي، دار التراث القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 119 - ديوان تأبط شرا وأخباره: جمع وتحقيق وشرح على ذو الفقار، دار الغرب الإسلامي، ط، 1404هـ. 120 - ديوان حافظ إبراهيم: ضبطه وصححه وشرحه ورتبه أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الأبياري، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987م. 121 - ديوان الإمام الشافعي: جمع وشرح الأستاذ، نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، ط الرابعة 1412هـ. 122 - ديوان النابغة الذبياني: تحقيق كرم البستاني، دار صادر، بيروت. 123 - الذخائر المحمدية: لمحمد بن علوي بن عباس المالكي، الناشر، مطبعة حسان القاهرة. 124 - ذيل طبقات الحنابلة: لأبي فرج عبد الرحمن بن أحمد البغدادي المعروف بابن رجب الحنبلي، تصحيح محمد حامد فقي، مطبعة السنة المحمدية، سنة 1372هـ. 125 - الرحيق المختوم: بحث في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتسليم، لصفي الرحمن المباركفوري، دار القلم، بيروت، ط الأولى، 1406هـ. 126 - الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي: لحمود بن عبد الله بن حمود التويجري، الناشر دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، ط الأولى، 1403هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 127 - الرسالة: للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق أحمد شاكر. 128 - رسالة في الرد على الرافضة: للشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق الدكتور / ناصر بن سعد الرشيد، مركز البحوث العلمية وأحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط الثانية 1400هـ، بإشراف دار المأمون للتراث. 129 - رسالة في الرد على الرافضة: لأبي حامد محمد المقدسي، تحقيق عبد الوهاب خليل الرحمن، الناشر الدار السلفية، الهند، ط الأولى 1403هـ 1983هـ. 130 - رسالة في فضل ليلة النصف من شعبان: لمحمد حسنين مخلوف العدوي المالكي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، ط الأولى، 1394هـ. 131 - الرسالة المستطرفة: لمحمد بن جعفر الكتاني، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، عام 1400هـ. 132 - الرسول صلى الله عليه وسلم: لسعيد حوي، الناشر مكتبة وهبة، القاهرة. 133 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: لأبي الثناء شهاب الدين الألوسي، إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة. 134 - روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 135 - روضة الناظر وجنة المناظر: لموفق الدين أبي محمد عبد الله ابن محمد بن قدامة، الناشر دار الكتب العلمية. 136 - زاد المعاد في هدى خير العباد: للإمام ابن القيم الجوزية، تحقيق وتخريج / شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأنارؤوط، طبع مؤسسة الرسالة للطباعة، بيروت، ط الأولى، 1399هـ، الناشر مكتبة المنار الإسلامية، الكويت. 137 - سبل السلام شرح بلوغ المرام، من جمع أدلة الأحكام: لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، راجعه وعلق عليه محمد عبد العزيز الخوني، الناشر، دار أحياء التراث العربي، ط، الرابعة 1379هـ - 1960هـ وطبعة عارف. 138 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: لمحمد بن ناصر الدين الألباني، طبع المكتب الإسلامي، ط الرابعة 1398هـ. 139 - سلسلة الأحاديث الصحيحة: لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط الثانية، 1399هـ. 140 - السلوك لمعرفة دول الملوك: لتقي الدين أبي العباس أحمد بن علي المقريزي، تصحيح محمد مصطفى زسادة، لجنة التأليف والنشر، القاهرة، ط 20، 1956م. 441 - السنة والبدعة: لعبد الله محفوظ محمد الحداد الحضرمي، شركة مطابع الوزان العالمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 442 - السنة: لعمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1400هـ. 143 - سنن ابن ماجه: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجح القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة العلمية، بيروت. 144 - سنن أبي داود: للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، مراجعة وتعليق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية. 145 - سنن الترمذي المسمى "بالجامع الصحيح": للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق عبد الرحمن ابن محمد عثمان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط الثانية، 1403هـ. 146 - سنن الدارقطني: للإمام علي بن عمر الدارقطني، طبعة دار المحاسن للطباعة بالقاهرة. 147 - سنن الدارمي: لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، طبع بعناية محمد أحمد دهمان، نشر دار أحياء السنة المحمدية، وتوزيع دار الكتب العلمية. 148 - السنن الكبرى: للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دار المعرفة، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 149 - سنن النسائي: للحافظ أبي عبد الرحمن بن أحمد بن شعيب النسائي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط الأولى 1348هـ. 150 - السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات: لمحمد بن عبد السلام الشقيري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400هـ. 151 - السيد البدوي بين الخرافة والحقيقة: للدكتور / أحمد صبحي منصور، ط الأولى 1407هـ. 152 - السيد البدوي ودولة الدراويش في مصر: لمحمد فهمي عبد اللطيف، الناشر سمير أبو داود المركز العربي للصحافة، القاهرة، ط الثانية. 153 - سير أعلام النبلاء: للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق مجموعة من المحققين ط مؤسسة الرسالة. 154 - السيرة النبوية: لأبي محمد عبد الملك بن هشام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة. 155 - السيرة النبوية: لإسماعيل بن كثير، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت. 156 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي، دار أحياء التراث العربي، بيروت. 157 - شرح الدردير لمختصر خليل: للشيخ محمد بن عرفة الدسوقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 158 - شرح السنة: للإمام أبي محمد بن الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط الثانية، 1403هـ. 159 - شرح صحيح مسلم: ليحيى بن شرف النووي، نشر وتوزيع دار الفكر، بيروت، 1401هـ. 160 - شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي، حققها وراجعتها جماعة من العلماء، وخرج أحاديثها محمد ناصر الدين الألباني، الناشر مكتبة الدعوة الإسلامية، القاهرة. 161 - شرح المواهب اللدنية: لأبي عبد الله بن محمد بن عبد الباقي، المطبعة الأزهرية المصرية، 1325هـ. 162 - الشعر والشعراء: لأبي محمد بن عبد الله مسلم بن قتيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1401هـ. 163 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: للقاضي عياض بن موسى ابن موسى اليحصبي، طبعة مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني، ط الثانية، 1971م. 164 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: لابن القيم الجوزية، الناشر مكتبة دار التراث، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 165 - الصارم المسلول علي شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم: لشيخ الإسلام ابن تيمية، حققه وعلق حواشيه محمد محيى الدين عبد الحميد، طبعه خاصة بالحرص الوطني السعودي. 166 - صبح الأعشى في صناعة الإنشاء: لأبي العباس أحمد بن علي القلقشندي، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1405هـ. 167 - الصحاح: إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطاء مطابع دار الكتاب العربي، بمصر، ط الثانية، 1402هـ. 168 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان: للحافظ محمد بن حبان البستي، دار الكتب العلمية. 169 - صحيح ابن خزيمة: للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق الدكتور / محمد مصطفى الأعظمى، نشر دار المكتب الإسلامي، ط الأولى 1399هـ. 170 - صحيح البخاري: للإمام الحافظ أبي عبد الله بن محمد بن إسماعيل البخاري. 171 - صحيح الجامع: لمحمد ناصر الدين الألباني، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة 1402هـ. 172 - صحيح سنن ابن ماجه: لمحمد ناصر الدين الألباني، مطبعة المكتب الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 173 - صحيح سنن الترمذي: لمحمد ناصر الدين الألباني، مطبعة المكتب الإسلامي. 174 - صحيح مسلم: للإمام الحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار أحياء التراث العربي. 175 - صراع بين الحق والباطل: لسعد بن صادق محمد، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، ط الرابعة، 1398هـ. 176 - الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: لأحمد بن حجر الهيثمي، المكي، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية، 1405هـ - 1985م. 177 - ضعيف سنن ابن ماجه: لمحمد ناصر الدين الألباني، مطبعة المكتب الإسلامي، الناشر مكتبة التربية العربي لدول الخليج. 178 - الضعفاء الكبير: لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي، تحقيق الدكتور / عبد المعطي أمين قلعجي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1404هـ. 179 - طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسن محمد بن أبي يعلي، تصحيح محمد حامد فقي، السنة المحمدية، القاهرة. 180 - طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب السبكي، تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 181 - طبقات الشعراء: لمحمد بن سلام الجمحي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400هـ. 182 - الطبقات الكبرى: لابن سعد، نشر دار صادر. 183 - الطبقات الكبرى: لأحمد بن علي الشعراني، طبع مكتبة محمد علي صبح وأولاده، القاهرة. 184 - غرائب النظم والتقاليد والعادات: للدكتور / علي عبد الواحد وافي، الناشر دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة. 185 - غريب الحديث: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، دار الكتب العلمية. 186 - عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي: لأبي بكر محمد ابن عبد الله الإشبيلي المعروف بابن العربي، دار الكتاب العربي. 187 - العبر في خبر من غبر: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، حققه وضبطه محمد العيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1405هـ. 188 - العبودية: لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 189 - عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: لزكريا بن محمد محمود القزويني، الناشر شركة ومكتبة ومطبعة البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط الرابعة، 1385هـ - 1966هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 190 - العقائد الشيعية: لناصر الدين شاه، ط الأولى 1407هـ. 191 - العقد الفريد: لأحمد بن محمد عبد ربه الأندلسي، المطبعة الأزهرية 1321هـ. 192 - العقلية الإسلامية وفكرة المولد: لعلي بن محمد العيسى، الناشر مكتبة الخريجي، ط الأولى، 1405هـ. 193 - علموا أولادكم محبة رسول الله: للدكتور / محمد عبده يماني، الناشر دار القبلة للثقافة الإسلامية، جدة، مؤسسة علوم القرآن، بيروت ط الثانية، 1407هـ - 1987م. 194 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، دار الكتاب العربي. 195 - عنوان المجد في تاريخ نجد: لعثمان بن بشر النجدي الحنبلي، الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 196 - العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي - حققه وعلق حواشيه محب الدين الخطيب، خرج أحاديثه وعلق عليه محمود مهدي الاستانبولي، الناشر دار الكتب السلفية، ط الأولى، 1405هـ. 197 - عون المعبود شرح سنن أبي داود: لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، دار ابن تيمية الطبعة الثالثة، 1407هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 198 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: لابن سيد الناس 734، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. 199 - الفتاوى الحديثة: لأحمد بن حجر الهيثمي المكي، نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الثانية 1390هـ. 200 - الفتاوى دراسة لمشكلات المسلم المعاصر في حياته اليومية والعامة: للشيخ محمود شلتوت، الناشر دار الشروق، القاهرة، ط الرابعة عشر، 1407هـ - 1987م. 201 - الفتاوى الكبرى: لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار المعرفة، بيروت، 1403هـ. 202 - فتاوى محمد رشيد رضا: جمع وتحقيق الدكتور / صلاح الدين المنجد، نشر دار الكتاب الجديد، بيروت، ط الأولى، 1390هـ. 203 - فتاوى النووي: ترتيب تلميذه علاء الدين بن العطار، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1402هـ. 204 - فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: جمع وترتيب وتحقيق محمد عبد الرحمن بن قاسم، ط الأولى، 1399هـ، مطبعة الحكومة، بمكة المكرمة. 205 - فتح الباري شرح صحيح البخاري: لابن حجر العسقلاني رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعة محب الدين الخطيب، الناشر، دار المعرفة بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 206 - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني: لأحمد عبد الرحمن البناء، دار الشهاب، القاهرة. 207 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد ابن علي الشوكاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 208 - الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، حقق أصوله وفصوله وضبطه مشكلة وعلق، على حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. 209 - الفصل في الملل والأهواء والنحل: لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم، مكتبة الخانجي، بمصر. 210 - فضائل الشهور والأيام: للإمام عبد الغني بن إسماعيل النابلسي 1143، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى، 1406هـ - 1986هـ. 211 - الفكر الديني اليهودي أطواره ومذاهبه: للدكتور ظاظا، الناشر دار القلم، دمشق، وداره العلوم، بيروت، ط الثانية، 1407هـ. 212 - الفهرست: لأبي الفرح محمد بن أبي يعقوب النديم المعروف بالوراق، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت 1398هـ. 213 - فهرس الفهارس والإثبات: لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، دار الكتب العلمية، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 214 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة 1402هـ. 215 - فيض القدير شرح الجامع الصغير: لعبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة، بيروت. 216 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: لشيخ الإسلام ابن تيمية، المكتبة العلمية. 217 - قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية: لأحمد أمين، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط الثانية. 218 - القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية 1407هـ - 1987م. 219 - قصيدة البردة: لمحمد بن إسماعيل بن حماد بن عبد الله البوصيري ضمن مجموعة مولد شرف الأنام، مكتبة ومطبعة دار المعارف. 220 - قواعد الأحكام في مصالح الأنام: لأبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت. 221 - القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسول صلى الله عليه وسلم: لإسماعيل بن محمد الأنصاري، طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض، 1405هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 222 - كشاف القناع عن متن الإقناع: لمنصور بن يونس البهوتي، مراجعة وتعليق هلال مصلحي مصطفى هلال، عالم الكتب. 223 - الكشاف في حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، دار المعرفة، بيروت. 224 - الكشاف الفريد عن معاول الهدم ونقائص التوحيد: لخالد محمد علي الحاج، حققه وراجعه عبد الله بن إبراهيم الأنصاري من مطبوعات إدارة أحياء التراث الإسلامي، بدولة قطر 1403هـ - 1983هـ. 225 - الكفاية في علم الرواية: لأبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي، طبع دار التراث العربي، الطبعة الثانية. 226 - كشف الخفاء ومزيل الألباس: لإسماعيل بن محمد العجلوني، تصحيح وتعليق حمد الفلاش، طبع ونشر مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة الثالثة، 1403هـ. 227 - كشف الظنون: لمصطفى عبد الله الشهير بالملا الحلبي المعروف بحاجي خليفة، الناشر دار الفكر 1402هـ. 228 - الكلام على مسألة السماع: لابن قيم الجوزية، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1409هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 229 - كلمة الحق في الاحتفال بمولد سيد الخلق وأمور أخرى تتعلق بشخصية النبي صلى الله عليه وسلم: للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، الناشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى 1402هـ - 1982م. 230 - اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار المعرفة، بيروت، 1403هـ. 231 - لسان العرب: لأبي الفضل محمد بن مكرم بن منظور، دار صادر، بيروت. 232 - لسان الميزان: للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1390هـ. 233 - لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف: للحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي، دار الجيل، بيروت. 234 - للعقلاء فقط: للدكتور محمد عبده يماني، ط الثانية 1406هـ 1986هـ. 235 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة، المرضية: للعلامة محمد بن أحمد السفاريني، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، ومكتبة أسامة، الرياض. 236 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة، 1402هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 237 - المجموع شرح المهذب: لأبي بكر محيي الدين بن شرف النووي، الناشر دار الفكر. 238 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1398هـ. 239 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة: للشيخ عبد العزيز بن باز، أشرف على تجميعه وطبعه الدكتور / محمود بن سعد الشويعر، مطابع الفرزدق، التجارية، الرياض، ط الثانية 1409هـ. 240 - مجموعة الرسائل والمسائل: لشيخ الإسلام ابن تيمية تعليق وتصحيح مجموع من العلماء، بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1403هـ. 241 - محاسن التأويل والمعروف بتفسير القاسمي: محمد جمال الدين القاسمي، دار أحياء الكتب العربية. 242 - المحلى لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الفكر. 243 - مختصر التحفة الاثنى عشرية: لمحمود شكر الألوسي، حققه وعلق حواشيه محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة 1373هـ. 244 - مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية: لبد.. الدين أبي عبد الله بن محمد بن علي البعلي، صححه محمد حامد فقي أشرف على تصحيحه الشيخ عبد المجيد سليم، الناشر دار ابن القيم، الدمام، ط الثانية 1406هـ - 1986هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 245 - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، الناشر مكتبة المحمدية، توزيع ابن تيمية، القاهرة. 246 - المدخل: لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري الشهير بابن الحاج، دار الفكر 1402هـ. 247 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان: لضيف الدين عبد الله بن سعد اليافعي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405هـ. 248 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، شرحه وقدم له الدكتور / مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى 1406هـ 1986م. 249 - مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية: ألف أصلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتوسع فيها السيد محمود شكري الألوسي - طبع مؤسسة مكة للطباعة والأعلام توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة 1396هـ. 250 - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: الدكتور / ماهر محمد، الناشر دار الكتاب المصري، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 251 - مساجلة علمية بين العز بن عبد السلام وابن الصلاح حول صلاة الرغائب المبتدعة: تحقيق محمد ناصر الألباني ومحمد زهير الشاويش المكتب الإسلامي، ط الثانية 1405هـ. 252 - المستدرك على الصحيحين: للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحكم، طبعة صورة عن الطبعة الأولى بمطبعة دار المعارف النظامية، بالهند. 253 - المسند: للإمام أحمد بن حنبل، طبع المكتب الإسلامي، ط الرابعة 1403هـ. 254 - المسيحية: للدكتور أحمد شلبي، الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ط الثامنة 1984م. 255 - مشكل الآثار: لأبي جعفر الطحاوي: مؤسسة قرطبة السلفية، ط الأولى. 256 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: للحافظ أحمد بن أبي بكر البويصيري، تحقيق المنتفي الكشناوي، دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط الثانية 1403هـ. 257 - المصباح المنير في غريب، شرح الرافعي الكبير: لأحمد بن محمد علي المقري الفيومي 258 - المصنف: للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة، تحقيق عبد الخالق الأفغاني الدار السلفية، الهند، ط الثانية، 1399هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 259 - المصنف: للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، ط الثانية 1403هـ. 260 - معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد: للشيخ حافظ بن أحمد حكمي، المطبعة السلفية. 261 - المعارف: لأبي محمد عبد الله بن سلم المعروف بابن قتيبة، تحقيق الدكتور / ثروت عكاشة، دار المعارف بمصر، ط الرابعة. 262 - معالم التنزيل المعروف بتفسير البغوي: للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، الناشر دار المعرفة بيروت، ط الثانية 1407هـ - 1987م. 263 - مع البدو في حلهم وترحالهم: لمحمد المرزوقي، الدار العربية للكتاب، تونس ط الثانية 1984م. 264- معجم المؤلفين: لعمر رضا كحالة، دار أحياء التراث العربي، بيروت 265 - معجم البلدان: لشهاب الدين ياقوت الحموي، دار صادر بيروت، 1400هـ. 266 - معجم قبائل العرب، لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت الثالثة، 1403هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 267 - معجم ما استعجم: لأبي عبيد الله البكري الأندلسي، تحقيق مصطفى السفا عالم الكتب، بيروت، ط الثالثة 1403هـ. 268- معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، ط الثانية 1389هـ - مطبعة مصطفى البابي الحلبي. 269 - المغني: لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، مكتبة الرياض الحديثة بالرياض 1401هـ. 270 - مفاهيم يجب أن تصحح: لمحمد علوي المالكي المكي الحسني، دار الإنسان، للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى 1405هـ 1985م. 271 - المفردات في غريب القرآن: لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني الناشر، دار المعرفة، بيروت. 272 - المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: لجواد علي، دار العلم للملايين، بيروت. 273 - المقاصد الحسنة: لمحمد عبد الرحمن السخاوي، دار الكتب العلمية. 274 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1389هـ - 1969م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 275 - الملل والنحل: لأبي الفتح محمد بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت. 276 - المنار المنيف: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية ط الثانية 1402هـ. 277 - منكرات الأفراح وآثارها السيئة على الفرد والأمة: رسالة الفها بعض علماء الأزهر بتكليف من وزارة الأوقاف في جمهورية مصر العربية، حققها وقدم لها وعلق حواشيها / محمود مهدي الاستانبولي، مكتبة التوعية الإسلامية. 278 - منكرات المآتم والموالد: رسالة أصدرتها وزارة الأوقاف المصرية بقلم، طائفة من علماء الأزهر، حققها وقد لها وعلق عليها محمود مهدي الاستانبولي، مكتبة التوعية الإسلامية، ط الثانية 1407هـ. 279 - منهاج السنة: لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت. 280 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: للحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق عبد الرزاق حمزة دار الكتب العلمية. 281 - الموافقات في أصول الأحكام: لأبي إسحاق إبراهيم اللخمي الشهير، بالشاطبي، دار الفكر، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 282 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب، الناشر مكتبة النجاح، ليبيا. 283 - المورد في عمل المولد: للإمام أبي حفص تاج الدين الفاكهاني، مكتبة المعارف بالرياض، ط الثانية 1407هـ. 284 - الموطأ: للإمام مالك بن أنس تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة. 285 - الموضوعات: لأبي الفرح عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبع مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، ط الثانية، 1407هـ. 286 - مولد ديبع: لعبد الرحمن بن علي الديبع الشيباني، ضمن مجموعة مولد نشرف الأنام، مكتبة ومطبعة دار المعارف. 287 - مولد المناوي: لعبد الله بن محمد المناوي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر، ط الأولى 1374هـ، 1954هـ. 288 - مولد النبي صلى الله عليه وسلم المسمى الاسرار الربانية: للسيد محمد عثمان الميرغني، طبعة شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، بمصر1351هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 289 - مولد النبي صلى الله عليه وسلم: للسيد جعفر البرزنجي، أشرف على تصحيحه وضبطه ومراجعته عبد الله الصديق الغماري، مكتبة القاهرة، لصاحبها علي يوسف سليمان. 290 - ميزان الاعتدال: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت. 291 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لجمال الدين أبي المحاسن يوسف الأتابكي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد القومي. 292 - نخبة الدهر في عجائب البر والبحر: للشيخ الإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد أبي طالب الأنصاري شيخ الربوة. 293 - نزهة الأنظار في فضائل علم التاريخ والأخبار المشهور بالرحلة الورثيلانية: للحسين بن محمد محمد الوريثلاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثانية 1394هـ - 1974م. 294 - نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان: لنور الدين علي بن داود الصيرفي، تحقيق حسن حبشي، دار الكتب القومية، القاهرة 1970م. 295 - نسب حرب: لعاتق بن غيث البلادي، ط الثانية، دار مكة للنشر والتوزيع، 1404هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 296 - النصرانية والإسلام: لمحمد عزت إسماعيل الطهطاوي، الناشر مكتبة النور للطباعة والنشر والتوزيع، مصر الجديدة، ط الثانية 1407هـ - 1987م. 297 - نفح الأزهار في مولد المختار: لعلي الجندي، دار الرائد العربي، بيروت، طبع سنة 1979هـ. 298 - نهاية الأرب في فنون الأدب: لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، المؤسسة المصرية العامة للكتاب، القاهرة. 299 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لمجد الدين بن أبي السعادات المبارك محمد بن الأثير الجزري، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار أحياء الكتب العربية. 300 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: لشمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الرملي، المكتبة الإسلامية. 301 - نور اللمعة في خصائص الجمعة: لجلال الدين السيوطي، تحقيق أبو هاجر السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر دار المكتبة العلمية، بيروت، ط الأولى 1405هـ - 1985م. 302 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخبار: للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني، نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية، والإفتاء والدعوة والإرشاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 303 - هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصارى: لابن القيم الجوزية، الناشر المكتبة القيمة، القاهرة. 304 - هداية العارفين: لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، 1402هـ. 305 - الوفاء بأحوال المصطفى: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تعليق محمد زهري النجار، مؤسسة السعيدية، الرياض. 306 - وفيات الأعيان وأنبا أبناء الزمان: لأبي العباس أحمد بن محمد خلكان، تحقيق الدكتور / احسان عباس، دار صادر، بيروت * - مصادرو مراجع الرافضة: 307 - الاحتجاج: لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، منشورات الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط الثانية، 1403هـ 1983م. 308 - إقناع اللائم على إقامة المآتم: للسيد محسن الأمين الحسيني العاملي، مطبعة العرفان، صيد، 1344هـ. ط الأولى، توزيع مكتبة نينوي الحديثة. 309 - آمالي الصدوق: لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالصدوق، ط الخامسة، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 310 - آمالي الطوسي: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط الثانية، 1401هـ - 1981م، نشر مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان. 311 - أعيان الشيعة: لمحسن الأمين العاملي، طبعة دار التعارف، بيروت. 312 - الأنوار النعمانية: لنعمة الله الموسوي الجزائري، مطبعة شركة جاب تبريز، إيران. 313 - بحار الأنوار لدرر أخبار الأئمة الأطهار: لمحمد باقر المجلسي، ط الثانية 1403هـ، مؤسسة الوفاء، بيروت. 314 - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وسلم: لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ "الصفار" منشورات الأعلمي - طهران، تاريخ الطبعة 1362هـ. 315 - تحفة عوام مقبول: مجهول المؤلف، مطبعة حيدري، بريس لاهور. 316 - جامع الرواة: لمحمد بن علي الأردبيلي، مكتبة المصطفري، قم، إيران. 317 - ديوان عرائس الجنان، ونفائس الجنان: لمحمد صالح السيد عدنان الموسوي البجراني، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ط الأولى 1401هـ - 1981م. 318 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: لاغا بزرك الطهراني، الأضواء، بيروت، ط الثالثة 1403هـ، 1983م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 319 - رجال الكشي "معرفة أخبار الرجال" لمحمد عمر بن عبد العزيز الكشي، المطبعة الصفوية ببلدة بمبني باي دهوني. 320 - الرجعة: لأحمد بن زين الدين الإحسائي، الطبعة الثانية، منشورات مكتبة العلامة الحائري العامة، كربلاء. 321 - شرح الخطبة الشقشقية: لمحمد رضا الحكمي، ط الأولى 1402هـ، مؤسسة الوفاء، بيروت. 322 - عقائد الأمامية الاثني عشرية: تأليف الموسي الزنجاني النجفي، مؤسسة الوفاء، بيروت. 323 - عيد الغدير: للسيد محمد إبراهيم الموحد، مؤسسة الوفاء، ط الأولى، 1401هـ. 324 - الغدير في الكتاب والسنة والأدب: لعبد الحسين الأميني النجفي، دار الكتاب العربي، بيروت ط الخامسة 1403هـ. 325 - الفهرست: لأبي جعفر الطوسي، ط الثالثة 1403هـ - 1983م، مؤسسة بيروت، لبنان. 326 - الكافي: لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني تصحيح وتعليق على أكبر الغفار، الناشر دار الكتب الإسلامية، طهران. 327 - كشف الأسرار لروح الله الخميني: ترجمة عن الفارسية الدكتور / محمد البنداري وعلق عليه سليم الهلالي، الطبعة الأولى 1408هـ - 1987م، دار عمار للنشر والتوزيع، عمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 328 - المراجعات: لعبد الحسين شرف الدين الموسوي - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت. 329 - مصابيح الجنان: لمحسن العصفور، ط الأولى 1405هـ - 1985م، دار مكتبة وليد الكعبة. 330 - معاني الأخبار: للشيخ الصدوق، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم 1379هـ. 331 - مفتاح الجنان: مجهول المؤلف - نشر مكتبة الماحوزي، البحرين. 332 - مفتاح الجنان: لعباس القمي، دار الأضواء للطباعة والنشر، بيروت، ط الثانية، 1407هـ 1987م. 333 - مقتل الإمام الحسين وفتاوى العلماء الأعلام في تشجيع الشعائر: للشيخ مرتضى عياد، الناشر دار الزهراء للطباعة، بيروت. 334 - اليقين في إمرة أمير المؤمنين: لابن طاووس، المكتبة الحيدية مطبعتها، النجف الأشرف. - مصادر ومراجع اليهود والنصارى: 335 - إنجيلك نور لحياتي يحوي مواعظ للآحاد والأعياد حسب ترتيب كنيسة الروم الكاثلوليك الملكية: كتبها وجمعها الأب إلياس كويتر المخلصي، منشورات اليوبيل المئوي الثالث للرهبانية المخلصية 1985م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 336 - بماذا يؤمن المسيحيون: لجورجيا هاركنس، نقلة إلى العربية الكائن ابن مسعد. 337 - تاريخ الإسرائيليين: لشاهين بك مكاريوس، مطبعة المقتطف بمصر 1904م. 338 - تفسير الأناجيل المقدسة: "التي تقرأ في أيام الآحاد والأعياد حسب طقوس الكنيسة الإسكندرية". للأب لويس برسوم الغرنسيسكاني، الناشر المعهد الاكليريكي الفرنسيسكاني الشرقي، الجيزة مصر، ط الثانية 1972م. 339 - السنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين وضع الأنبا بطرس الجميل أسقف مليج والأنبا ميخائيل أسقف أتريب والأنبا يوحنا أسقف البرلس وغيرهم من الآباء القديسين، الناشر مكتبة المحبة القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة. 340 - في الفكر اليهودي: لحايم ناحوم، الناشر دار مجلتي للطبع والنشر، القاهرة. 341 - الكتاب المقدس: 342 - الكنز المرصود في قواعد التلمود: ترجمة من اللغة الفرنساوية الدكتور / يوسف حنا نصر الله، ط الثانية، بيروت 1388هـ. 343 - مجموع الشرع الكنسي، أو قوانين الكنيسة الجامع: جمع وترتيب الأرشميديت حنايا إلياس كساب، مطبعة المقتطف بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 344 - مقالات الأنبا بولس: أسقف مصر وأعمالها من علماء القرن الثالث عشر، تقديم القس منقريوس عوض الله، الناشر المطبعة التجارية الحديثة. 345 - وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني: للدكتور يوحنا قلته، مطبعة المقتطف بمصر. 346 - الوصايا الإلهية العشر: للأنبا يوحنا نوير، المطبعة التجارية الحديثة، 1984م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538