الكتاب: الفتنة ووقعة الجمل المؤلف: سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (المتوفى: 200هـ) المحقق: أحمد راتب عرموش الناشر: دار النفائس الطبعة: السابعة 1413هـ/1993مـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الفتنة ووقعة الجمل سيف بن عمر الكتاب: الفتنة ووقعة الجمل المؤلف: سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (المتوفى: 200هـ) المحقق: أحمد راتب عرموش الناشر: دار النفائس الطبعة: السابعة 1413هـ/1993مـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] الفتنة: مقتل عثمان بن عفان نفي المخالفين من أهل الكوفة ... يقول سيف بن عمر: كان سعيد بن العاص [والي عثمان على الكوفة] لا يغشاه إلا نازلة أهل الكوفة ووجوه أهل الأيام وأهل القادسية وقراء أهل البصرة1 والمتمستون2 وكان هؤلاء دخلته إذا خلا, فأما إذا جلس للناس فإنه يدخل عليه كل أحد فجلس للناس يوما فدخلوا عليه فينما هم جلوس يتحدثون قال خنيس3 بن فلان ما أجود طلحة بن عبيد الله فقال: سعيد   1 - في ابن الكثير " الكوفة ". 2 - السمت: هيئة أهل الخير (لسان العرب) . 3 - هو خنيس بن حبيش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ابن العاص: أن من له مثل النشاستج1 لحقيق أن يكون جوادا والله لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشا رغدا فقال: عبد الرحمن بن خنيس - وهو حدث -: والله لوددت أن هذا الملطاط لك - يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة – قالوا: فض الله فاك والله لقد هممنا بك فقال:: خنيس غلام فلا تجاوزه2 فقال: وا: يتمنى له سوادنا! قال: ويتمنى لكم أضعافه قالوا: لا يتمنى لنا ولا له قال: ما هذا بكم قالوا: أنت والله أمرته بها فثار إليه الأشتر وإبن ذي الحبكة وجندب وصعصعة وإبن الكواء وكميل بن زياد وعمير بن ضابئ فأخذوه فذهب أبوه ليمنع منه فضربوهما حتى غشي عليهما وجعل سعيد يناشدهم ويأبون حتى قضوا منهما وطرا فسمعت بذلك بنوا أسد فجاءوا وفيهم طليحة فأحاطوا بالقصر وركبت القبائل فعاذوا بسعيد وقالوا: أفلتنا وخلصنا. فخرج سعيد إلى الناس فقال: ايها الناس قوم تنازعوا وتهاووا وقد رزق الله العافية ثم قعدوا وعادوا في حديثهم وتراجعوا فساءهم وردهم وأفاق الرجلان فقال: أبكما حياة؟ قالا:: قتلتنا غاشيتك قال: لا يغشوني والله أبدا فاحفظا علي ألسنتكما ولا تجرئا علي الناس ففعلا ولما انقطع رجاء أولئك النفر من ذلك قعدوا في بيوتهم وأقبلوا على الإذاعة حتى لامه أهل الكوفة في أمرهم فقال: هذا أميركم وقد نهاني أن أحرك شيئا فمن أراد منكم أن يحرك شيئا فليحركه. فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان في إخراجهم فكتب: إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية فأخرجوهم فذلوا وانقادوا حتى   1 - النشاستج: ضيعة بالكوفة كانت لطلحة بن عبيد الله التيمي, وكانت عظيمة الدخل اشتراها من أهل الكوفة المقيمين بالحجاز بما كان له بخيبر, وعمرها, فعظم دخلها (ياقوت8 – 288) . 22 - في نسخة: " تحاوروه " ط4 – 318. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 أتوه - وهم بضعة عشر - فكتبوا بذلك إلى عثمان وكتب عثمان إلى معاوية: إن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فرعهم وقم عليهم فإن آنست منهم رشدا فأقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم فلما قدموا على معاوية رحب بهم وأنزلهم كنيسة تسمى مريم وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق وجعل لا يزال يتغدى ويتعشى معهم فقال لهم يوما: إنكم قوم من العرب لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم وقد بلغني أنكم نقمتم قريشا وإن قريشا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم إن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة1 فلا تشذوا عن جنتكم وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة والله لتنتهن أو ليبتليكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم. فقال رجل من القوم: أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا. فقال معاوية: عرفتكم الآن علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيب القوم ولا أرى لك عقلا أعظم عليك امر الإسلام وأذكرك به وتذكرني الجاهلية وقد وعظتك وتزعم لما يجنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة أخزى الله أقواما أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم إفقهوا - ولا أظنكم تفقهون - أن قريشا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مروءة ولم   1 - الجنة, بضم الجيم: الوقاية. (أقرب الموارد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله الذي لا يستذل من أعز ولا يوضع من رفع فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة1 إلا ما كان من قريش فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله أن يستنقذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير خلقه ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم ولا يصلح ذلك إلا عليهم فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله أفتراه لا يحطوهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم! أف لك ولأصحابك! ولو أن متكلما غيرك تكلم ولكنك ابتدأت فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية أنتنها نبتا وأعمقها واديا وأعرفها بالشر وألأمها جيرانا لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سب بها وكانت عليه هجنه ثم كانوا أقبح العرب القابا وألأمه أصهارا نزاع الأمم2 وأنتم جيران الخط وفعلة فارس حتى أصابتكم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ونكبتك دعوته وأنت نزيع شطير3 في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فأنت شر قومك حتى إذا أبرزك الإسلام وخلطك بالناس وحملك على الأمم التي كانت عليك أقبلت تبغي دين الله عوجا وتنزع إلى اللآمة4 ولا يضع ذلك قريشا5 ولن   1 - دال الزمان دولة: انقلب من حال إلى الحال, وأصابه الدهر بدولة أي غير حاله إلى أسوا. 2 - نزاع: جمع نازع, والنازع والنزيع: الغريب. (أقرب الموارد) . 3 - الشطير: الغريب ط4 – 320. 4 - اللآمة: من اللؤم. 5 - لا يضع ذلك قريشا: لا يخفض منزلتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يضرهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم غير غافل قد عرفكم بالشر من بين أمتكم فأغرى بكم الناس وهو صارعكم1 لقد علم أنه لا يستطيع أن يرد بكم قضاء قضاه الله ولا أمرا اراده الله ولا تدركون بالشر أمرا أبدا إلا فتح الله عليكم شرا منه وأخزى. ثم قام وتركهم فتذامروا فتقاصرت إليهم أنفسهم فلما كان بعد ذلك أتاهم فقال: إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا والله لا ينفع الله بكم أحدا ولا يضره ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة ولكنكم رجال نكير وبعد فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم, وليسعكم ما وسع الدهماء ولا يبطرنكم الإنعام فإن البطر لا يعتري الخيار إذهبوا حيث شئتم فإني كاتب إلى أمير المؤمنين فيكم. فلما خرجوا دعاهم فقال: إني معيد عليكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معصوما فولاني وأدخلني في أمره ثم استخلف أبو بكر رضي الله عنه فولاني ثم استخلف عمر فولاني ثم استخلف عثمان فولاني فلم أل لأحد منهم ولم يولني إلا وهو راض عني وإنما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء ولم يطلب لها اهل الإجتهاد والجهل بها والضعف عنها وإن الله ذو سطوات ونقمات2 يمكر بمن مكر به فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون من أنفسكم غير ما تظهرون فإن الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدي للناس سرائركم وقد قال عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} 3. وكتب معاوية إلى عثمان: إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان,   1 - في نسخة " صادعكم ". ط4 – 220. 2 - نقمات جمع نقمة على وزن كلمة: اسم من الانتقام وهي المكافأه بالعقوبة (أقرب الموارد) . 3 - سورة العنكبوت, الآية: 1 – 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء ولا يتكلمون بحجة إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم ومخزيهم وليسوا بالذين ينكون1 احدا إلا مع غيرهم فانه سعيدا ومن قبله عنهم فإنهم ليسوا لأكثر من سغب أو نكير. وخرج القوم من دمشق فقالوا: لا ترجعوا إلى الكوفة فإنهم يشمتون بكم وميلوا بنا إلى الجزيرة ودعوا العراق والشام فأووا إلى الجزيرة وسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد - وكان معاوية قد ولاه حمص وولى عامل الجزيرة حران والرقة - فدعا بهم فقال: يا آلة الشيطان لا مرحبا بكم ولا أهلا قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد نشاط خسر الله عبد الرحمن إن لم يؤدبكم حتى يحسركم يا معشر من لا أدري أعرب أم عجم لكي لا تقولوا لي ما يبلغني أنكم تقولون لمعاوية أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته العاجمات أنا إبن فاقيء الردة والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذل أن أحدا ممن معي دق أنفك ثم أمصك2 لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى فأقامهم أشهرا كلما ركب أمشاهم فإذا مر به [أي صعصعة] قال: يا بن الحطيئة3 أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر! ما لك لا تقول كما كان يبلغني انك تقول لسعيد ومعاوية! فيقول ويقولون: نتوب إلى الله أقلنا أقالك الله فما زالوا به حتى قال تاب الله عليكم. وسرح الأشتر إلى عثمان وقال لهم: ما شئتم ان شئتم فاخرجوا وان شئتم فأقيموا وخرج الأشتر فأتى عثمان بالتوبة والندم والنزوع عنه وعن أصحابه فقال: سلمكم الله وقدم سعيد بن العاص فقال عثمان للأشتر:   1 - ينكون: من نكى العدو: قهره. 2 - أمصك, أي قال له: مص هن (ذكر) أبيك ط4 – 321. 3 - في نسخة "الخطيئة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أحلل حيث شئت فقال: مع عبد الرحمن بن خالد وذكر من فضله فقال: ذاك اليكم فرجع إلى عبد الرحمن [وفي رواية أخرى1] : لما قدم مسيرة أهل الكوفة على معاوية أنزلهم دارا ثم خلا بهم فقال لهم وقالوا: له فلما فرغوا قال: لم تؤتوا إلا من الحمق والله ما أرى منطقا سديدا ولا عذرا مبينا ولا حلما ولا قوة وإنك يا صعصعة لأحمقهم اصنعوا وقولوا ما شئتم ما لم تدعوا شيئا من أمر الله فإن كل شيء يحتمل لكم إلا معصيته فأما فيما بيننا وبينكم فأنتم أمراء أنفسكم فرآهم بعد وهم يشهدون الصلاة ويقفون مع قاص الجماعة فدخل عليهم يوما وبعضهم يقرئ بعضهم فقال: إن في هذا لخلفا مما قدمتم به علي من النزاع إلى أمر الجاهلية إذهبوا حيث شئتم واعلمو أنكم إن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم وإن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم ولم تضروا أحدا فجزوه خيرا وأثنوا عليه فقال: يا ابن الكواء أي رجل أنا: قال: بعيد الثرى كثير المرعى طيب البديهة بعيد الفور الغالب عليك الحلم ركن من أركان الإسلام سدت بك فرجة مخوفة قال: فأخبرني عن أهل الإحداث من أهل الأمصار فإنك أعقل أصحابك قال: كاتبتهم وكاتبوني وأنكروني وعرفتهم فأما أهل الإحداث من أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر وأعجزه عنه وأما أهل الاحداث من أهل الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير وأركبه لكبير وأما أهل الاحداث من أهل البصرة فأنهم يردون جميعا ويصدرون شتى وأما أهل الإحداث من أهل مصر فهم أوفى الناس بشر وأسرعه ندامة وأما أهل الإحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم وأعصاه لمغويهم.   1 - عن أبي حارثة وأبي عثمان ط4 – 328 و 329. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 نفي المشاغبين من أهل البصرة إلى الشام : لما مضى1 من إمارة ابن عامر [والي عثمان على البصرة] ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلا نازلا على حكيم بن جبلة وكان حكيم بن جبلة رجلا لصا إذا قفل الجيوش خنس عنهم فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الارض ويصيب ما شاء ثم يرجع فشكاه اهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان فكتب إلى عبد الله بن عامر: أن أحبسه ومن كان مثله لا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشدا فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها فلما قدم ابن السوداء2 نزل عليه واجتمع نفر إليه فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه وأرسل إليه ابن عامر فسأله: ما أنت؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام ورغب في جوارك فقال: ما يبلغني ذلك اخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم. [ثم] إن حمران3 بن أبان تزوج امرأة في عدتها فنكل به عثمان وفرق بينهما وسيره إلى البصرة فلزم ابن عامر فتذاكروا يوما الركوب والمرور بعامر بن عبد قيس - وكان منقبضا عن الناس - فقال حمران: ألا أسبقكم فأخبره فخرج فدخل عليه وهو يقرأ في المصحف فقال: الأمير أراد أن يمر بك فأحببت أن أخبرك فلم يقطع قراءته ولم يقبل عليه فقام   1 - عن عطية, عن يزيد الفقعسي ط4 – 326 و 327. 2 - هو عبد الله بن سبأ الذي سيرد ذكره ودوره مفصلا. 3 - عن محمد وطلحة ط4 -327. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 من عنده خارجا فلما انتهى إلى الباب لقيه ابن عامر فقال: جئتك من عند امرئ لا يرى لآل إبراهيم عليه فضلا وأستأذن بن عامر فدخل عليه وجلس اليه فأطبق عامر المصحف وحدثه ساعة فقال له ابن عامر: ألا تغشانا؟ فقال سعد: ابن أبي العرجاء يحب الشرف فقال: ألا نستعملك؟ فقال: حصين بن أبي الحر يحب العمل فقال: ألا نزوجك فقال: ربيعة بن عسل يعجبه النساء قال: إن هذا يزعم أنك لا ترى لآل إبراهيم عليك فضلا فتصفح المصحف فكان أول ما وقع عليه وافتتح منه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} 1 فلما رد حمران تتبع ذلك منه فسعى به وشهد له أقوام فسيره إلى الشام فلما علموا علمه أذنوا له فأبى ولزم الشام. [وفي رواية اخرى2] : أن عثمان سير حمران بن أبان أن تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه وسيره إلى البصرة فلما أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي يحب أذن له فقدم عليه المدينة وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أنه لا يرى التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة - وكان مع عامر انقباض وكان عمله كله خفية - فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك فألحقه بمعاوية فلما قدم عليه وافقه وعنده ثريدة3 فأكل أكلا غريبا فعرف أن الرجل مكذوب عليه فقال: يا هذا هل تدري فيم أخرجت؟ قال: لا قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم ورأيتك وعرفت أن قد كذب عليك وأنك   1 - سورة آل عمران, الآية: 33. 2 - عن محمد وطلحة أيضا ط4 - 327 3 - الثريدة: كسر الخبز المغمور بالبرق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 لا ترى التزويج ولا تشهد الجمعة؟ قال: أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي وأما اللحم فقد رأيت ولكني كنت امرأ لا آكل ذبائح القصابين منذ رأيت قصابا يجر شاة إلى مذبحها ثم وضع السكين على مذبحها فما زال يقول: النفاق النفاق حتى وجبت1 قال: فارجع قال: لا أرجع الى بلد استحل أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم بهذا البلد الذي اختاره الله لي وكان يكون في السواحل وكان يلقى معاوية فيكثر معاوية أن يقول: حاجتك؟ فيقول: لا حاجة لي فلما أكثر عليه قال: ترد علي من حر البصرة لعل الصوم أن يشتد علي شيئا فإنه يخف علي في بلادكم.   1 - حتى وجبت: حتى تم بيعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 اجتماع الثوار على عثمان : لما رجع معاوية المسيرين2 قالوا: إن العراق والشام ليسا لنا بدار فعليكم بالجزيرة فاتوها اختيارا فغدا عليهم عبد الرحمن بن خالد فسامهم الشدة فضرعوا له وتابعوه وسرح الأشتر إلى عثمان فدعا به وقال: إذهب حيث شئت فقال: ارجع إلى عبد الرحمن فرجع ووفد سعيد بن العاص إلى عثمان في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان وقبل مخرج سعيد بن العاص من الكوفة بسنة وبعض أخرى بعث الأشعث بن قيس على أذربيجان وسعيد بن قيس على الري وكان سعيد بن قيس على همذان فعزل وجعل عليها النسير العجلي وعلى أصبهان السايب بن الأقرع وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي,   2 - عن المستنير بن يزيد, عن قيس بن يزيد النخعي, ط4 – 330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وعلى الموصل حكيم بن سلامة الحزامي وجرير بن عبد الله على قرقيسياء وسلمان بن ربيعة على الباب وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى حلوان عتيبة ابن النهاس وخلت الكوفة من الرؤساء إلا منزوعا أو مفتونا فخرج يزيد بن قيس وهو يريد خلع عثمان فدخل المسجد فجلس فيه وثاب إليه اللذين كان فيهم ابن السوداء يكاتبهم فانقض عليه القعقاع فأخذ يزيد بن قيس فقال: إنما نستعفي من سعيد قال: هذا ما لا يعرض لكم فيه لا تجلس لهذا ولا يجتمعن إليك واطلب حاجتك فلعمري لتعطينها فرجع إلى بيته واستأجر رجلا وأعطاه دراهم وبغلا على أن يأتي المسيرين وكتب إليهم: لا تضعوا كتابي من أيديكم حتى تجيئوا فإن أهل المصر قد جامعونا1 فانطلق الرجل فأتى عليهم وقد رجع الأشتر فدفع إليهم الكتاب فقالوا: ما اسمك؟ قال: بغثر قالوا: ممن؟ قال: من كلب قالوا: سبع ذليل يبغثر النفوس لا حاجة لنا بك وخالفهم الأشتر ورجع عاصيا فلما خرج قال أصحابه: أخرجنا اخرجه الله لا نجد بدا مما صنع إن علم بنا عبد الرحمن لم يصدقنا ولم يستقلها فاتبعوه فلم يلحقوه وبلغ عبد الرحمن أنهم قد رحلوا فطلبهم في السواد فسار الأشتر سبعا والقوم عشرا فلم يفجإ الناس في يوم جمعه إلا والأشتر على باب المسجد يقول: أيها الناس إني قد جئتكم من عند امير المؤمنين عثمان وتركت سعيدا يريده على نقصان نسائكم إلى مائة درهم ورد أهل البلاء منكم إلى ألفين ويقول: ما بال أشراف النساء وهذه العلاوة بين هذين العدلين ويزعم أن فيئكم بستان قريش وقد سايرته مرحلة فما زال يرجز بذلك حتى فارقته يقول: ويل لأشراف النساء مني ... صمحمح2 كأني من جن   1 - جامعونا: اجتمعوا معنا ووافقونا. 2 - الصمحمح: الرجل الشديد المجتمع الألواح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فاستخف الناس وجعل أهل الحجي ينهونه فلا يسمع منهم وكانت نفجة1 فخرج يزيد وأمر مناديا ينادي: من شاء أن يلحق بيزيد بن قيس لرد سعيد وطلب أمير غيره فليفعل وبقي حلماء الناس وأشرافهم ووجوههم في المسجد وذهب من سواهم وعمرو بن حريث يومئذ الخليفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا بعد أن كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها فلا تعودوا في شر قد استنقذكم الله عز وجل منه أبعد الإسلام وهديه وسنته لا تعرفون حقا ولا تصيبون بابه فقال القعقاع بن عمرو: أترد السيل عن عبابه2؟ فاردد الفرات عن أدراجه هيهات! لا والله لا تسكن الغوغاء إلا المشرفية3 ويوشك ان تنتضي ثم يعجون عجيج العتدان4 ويتمنون ما هم فيه فلا يرده الله عليهم أبدا فاصبر فقال: أصبر وتحول إلى منزله وخرج يزيد بن قيس حتى نزل الجرعة ومعه الأشتر وقد كان سعيد تلبث في الطريق فطلع عليهم سعيد وهم مقيمون له معسكرون فقالوا: لا حاجة لنا بك فقال: فما إختلفتم الآن إنما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلا وتضعوا إلي رجلا وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل؟ ثم انصرف عنهم وتحسوا بمولى له على بعير قد حسر فقال: والله ما كان ينبغي لسعيد أن يرجع فضرب الأشتر عنقه ومضى سعيد حتى قدم على عثمان فأخبره الخبر فقال: ما يريدون أخلعوا يدا من طاعة؟ قال: اظهروا أنهم يريدون البدل.   1 - أي ضجة. ط4 – 331. 2 - أي عن ارتفاعه وكثرته. 3 - المشرفية: ضرب من السيوف ينسب إلى مشارف, وهي قرى قرب حوران في جنوبي سوريا. 4 - العتود: الجدي إذا بلغ الحول وجمعه عتدان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قال: فمن يريدون؟ قال: أبا موسى قال: أثبتنا أبا موسى عليهم ووالله لا نجعل لأحد عذرا ولا نترك لهم حجة ولنصبرن كما أمرنا حتى نبلغ ما يريدون ورجع من قرب عمله من الكوفة ورجع جرير من قرقيسياء وعتيبة من حلوان وقام أبو موسى فتكلم بالكوفة فقال: أيها الناس لا تنفروا في مثل هذا ولا تعودوا لمثله إلزموا جماعتكم والطاعة وإياكم والعجلة اصبروا فكأنكم بأمير قالوا: فصل بنا قال: لا إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان قالوا: على السمع والطاعة لعثمان. [قال عبد الله بن عمير الأشجعي] 1: قام من المسجد في الفتنة فقال: أيها الناس اسكتوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج وعلى الناس امام - والله ما قال: عادل - ليشق عصاهم ويفرق جماعتهم فاقتلوه كائنا من كان". [وفي رواية أخرى] 2. لما استعوى يزيد بن قيس الناس على سعيد بن العاص خرج منه ذكر لعثمان فأقبل إليه القعقاع بن عمرو حتى أخذه فقال: ما تريد؟ ألك علينا في أن نستعفي سبيل؟ قال: لا فهل إلا ذلك قال: لا قال: فاستعف واستجلب يزيد أصحابه من حيث كانوا فردوا سعيدا وطلبوا أبا موسى فكتب إليهم عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد امرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد والله لأفرشنكم عرضي ولأبذلن لكم صبري   1 - عن يحي بن مسلم, عن واقد بن عبد الله, عن عبد الله بن عمير الأشجعي, ط4 – 336. 2 - عن محمد وطلحه, واستعوى القوم: دعاهم إلى الفتنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ولأستصلحنكم بجهدي فلا تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصي الله فيه إلا سألتموه ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه أنزل فيه عندما أحببتم حتى لا يكون لكم علي حجة. وكتب بمثل ذلك في الأمصار فقدمت إمارة أبي موسى وغزو حذيفة وتأمر أبو موسى ورجع العمال إلى أعمالهم ومضى حذيفة إلى الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 دعوة عبد الله بن سبأ : كان عبد الله بن سبأ يهوديا1 من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عن أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} 2 فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصى محمد ثم قال: محمد خاتم الانبياء وعلى خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم واظهروا   1 - عن عطية, عن يزيد الفقعسي ط4 – 340. 2 - سورة القصص, الآية: 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر. فبث دعاته1 وكاتب من كان استفسد من الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار كتبا يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان2 قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعا:   1 - ط 4 – 341. 2 - أي اشتراك مع الراوي في الرواية محمد وطلحة اعتبارا من هذه النقطة. ويستنتج من هذا الكلام, أن عبد الله بن سبأ لم يكن إلا أحد أفراد جماعة سرية مؤلفة من اليهود وغيرهم. كانت تعمل جاهدة وفق مخطط مدروس لتحطيم الوحدة الإسلامية والقضاء على دولة المسلمين من داخلها بعد ما عجزت تلك القوى عن مجابهة المسلمين في ميادين القتال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الأمر أمر المسلمين إلا أن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون1 عليهم واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حجران وكنانة ابن بشر.   1 - في نسخة يقيمون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مشاورات عثمان مع ولاته : كتب عثمان2 إلى أهل الأمصار: أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يرفع علي شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون وآخرون يضربون فيامن ضرب سرا وشتم سرا من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قرئ في الأمصار ابكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه: عبد الله بن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم! ما هذه الشكاية؟ وما هذه الاذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب3 هذا إلا بي فقالوا: له: ألم تبعث! ألم نرجع إليك الخبر   2 - عن محمد وطلحة وعطية, ط 4- 342. 3 - يعصب بي: أي يناط بي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 عن القوم1 ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا وما كنت لنأخذ به أحدا فيقيمك على شيء وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها قال: فأشيروا علي فقال: سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتها جميعا اللين. وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت ولكل أمر باب يؤتى منه إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شيء فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لأحد علي حجة حق وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ولا نفسي ووالله إن رحا الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان   1 - في ابن الأثير "العوام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها. فلما نفر عثمان أشخص معاوية وعبد الله بن سعد إلى المدينة ورجع ابن عامر وسعيد معه ولما استقل عثمان رجز الحادي: قد علمت ضوامر المطي ... وضامرات عوج القسي أن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف رضي وطلحة الحامي لها ولي فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير والله بعده صاحب البغلة - وأشار إلى معاوية. ما زال معاوية يطمع فيها1 بعد مقدمه على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز: أن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف رضي قال كعب: كذبت! صاحب الشهباء بعده - يعني معاوية - فأخبر معاوية فسأله عن الذي بلغه قال: نعم أنت الأمير بعده ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا فوقعت في نفس معاوية. [وشاركهم في هذا المكان أبو حارثة وأبو عثمان عن رجاء بن حيوة وغيره قالوا:] : فلما ورد عثمان المدينة رد الأمراء إلى أعمالهم فمضوا جميعا وأقام   1 - عن بدر بن الخليل بن عثمان بن قطبة الأسدي, عن رجل من بني أسد, ط 4 - 343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 سعيد بعدهم فلما ودع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر متقلدا سيفه متنكبا قوسه فإذا هو بنفر من المهاجرين فيهم طلحة والزبير وعلي فقام عليهم فتوكأ على قوسه بعدما سلم عليهم ثم قال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال فلم يكن منكم أحد إلا وفي فصيلته من يرئسه ويستبد عليه ويقطع الأمر دونه ولا يشهده ولا يؤامره حتى بعث الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم وأكرم به من اتبعه فكانوا يرئسون من جاء من بعده وأمرهم شورى بينهم يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد فإن أخذوا بذلك وقاموا عليه كان الأمر أمرهم والناس تبع لهم وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى من كان يرئسهم وإلا فليحذروا الغير فإن الله على البدل قادر وله المشيئة في ملكه وأمره إني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك ثم ودعهم ومضى فقال علي: ما كنت أرى أن في هذا خيرا فقال الزبير: لا والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة. وكان معاوية1 قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي قال: فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك قال أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الارزاق بجند تساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين لتغتالن أو لتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل وقال: معاوية يا أيسار الجزور وأين أيسار الجزور ثم خرج حتى وقف على النفر ثم مضى.   1- الحديث هنا لسيف عن شيوخه. ط 4 – 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المواجهة الأولى سنة 34 هـ 1: وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن يثوروا خلاف أمرائهم واتعدوا2 يوما حيث شخص أمراؤهم, فلم يستقم ذلك لأحد منهم ولم ينهض إلا أهل الكوفة فإن يزيد بن قيس الأرحبي ثار فيها واجتمع إليه أصحابه وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو فأتاه فأحاط الناس بهم وناشدوهم فقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء فوالله إني لسامع مطيع وإني للازم لجماعتي إلا أني أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد فقال: استعفى الخاصة من أمر قد رضيته العامة؟ قال: فذاك إلى أمير المؤمنين فتركهم والاستعفاء ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك فاستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة واجتمع الناس على أبي موسى وأقره عثمان رضي الله تعالى عنه ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج إلى الأمصار وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ويسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه فتوافوا بالمدينة وأرسل عثمان رجلين: مخزوميا وزهريا فقال: انظرا ما يريدون واعلما علمهم - وكانا ممن قد ناله من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم يضطغنا - فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون فقالا:: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة نفر فقالا:: هل إلا؟ قالوا: لا قالا:: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأنا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبى قتلناه وكانت إياها فرجعا إلى عثمان بالخبر فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك أن لم تسلمهم شقوا.   1 - ط 4 – 345. 2 - اتعدوا: تواعدوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أما عمار فحمل على عباس بن عتبة بن أبي لهب وعركه وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه وأما ابن سهلة فإنه يتعرض للبلاء فأرسل إلى الكوفيين والبصريين ونادى: الصلاة جامعة! وهم عنده في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحاطوا بهم فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم خبر القوم1 وقام الرجلان فقالوا: جميعا2: اقتلهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أحل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا ولا نحاد أحدا حتى يركب حدا أو يبدي كفرا إن هؤلاء ذكروا أمورا قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علي عند من لا يعلم. وقالوا: أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين أو كذلك قالوا: اللهم نعم. وقالوا: وحميت حمى وإني والله ما حميت حمي قبلي والله ما حموا شيئا لأحد ما حموا إلا غلب عليه اهل المدينة ثم لم يمنعوا من رعية أحدا واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع ثم ما منعوا ولا نحوا منها أحدا إلا من ساق درهما وما لي من بعير غير راحلتين وما لي ثاغية ولا راغية وإني قد وليت وإني أكثر العرب بعيرا وشاء فما لي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم.   1 - أي خبر المنشقين. 2 - أي جميع الصحابة. واقتلهم: المقصود بالقتل الثوار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء أكذلك قالوا: نعم وسألوه أن يقيلهم1. وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف ثم رده رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم. وقالوا: استعملت الأحداث ولم أستعمل إلا مجتمعا محتملا مرضيا وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه وهؤلاء أهل بلده ولقد ولى من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم يعيبون للناس ما لا يفسرون. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وإني إنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذاك لهم أكذلك؟ قالوا: نعم. وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيهم من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا! وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلا فيجوز ذلك لمن قاله ولقد رددته عليهم وما قدم علي إلا الأخماس ولا يحل لي منها شيء فولي المسلمون وضعها في   1 - في نسخة أن يقتلهم, ط 4 – 348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أهلها دوني ولا يتلفت من مال الله بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إلا مالي. وقالوا: اعطيت الأرض رجالا وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله له فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني. وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطي, فبدأ ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف فأخذوا مئة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب. ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف وأبى المسلمون إلا قتلهم وأبى إلا تركهم فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوه مع الحجاج كالحجاج فتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوال حتى إذا دخل شوال من سنة خمس وثلاثين ضربوا كالحجاج فنزلوا قرب المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 خروج الثوار إلى المدينة عام 35 هـ : [وهكذا] لما كان شوال1 سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلل يقول: ستمائة2 والمكثر يقول: ألف على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر التجيبي3 وسودان   1 - عن محمد وطلحة وأبي حارثه وأبي عثمان, ط 4 – 348. 2 - أي عددهم ما بين 600 – 1000. 3 - في ب 7 – 173" الليثي "بدلا من التجيبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ابن حمران السكوني وقتيرة بن فلان السكوني وعلى القوم جميعا الغافقي ابن حرب العكي1 ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق وعلى الرفاق زيد بن صوحان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الاصم أحد بني عامر بن صعصعة2 وعددهم كعدد أهل مصر وعليهم جميعا عمرو بن الأصم وخرج أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي وإبن المحرش بن عبد بن عمرو الحنفي وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير السعدي سوى من تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير. فخرجوا وهم على الخروج جميع وفي الناس شتى لا تشك كل فرقة إلا أن الفلج3 معها وأن أمرها سيتم دون الآخرين فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص وجاءهم ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المروة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله ابن الاصم وقالا:: لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوالله إن كان اهل المدينة قد خافونا واستحلوا   1 - اعتمدت في ذكر الاسماء رواية ابن كثير في البداية والنهاية ص 173 لأن الطبري قال أربع رفاق وذكر أربعة أشخاص زيادة ربما يكونون نواب القواد وهم " عروة بن شيبم الليثي, أبو عمر بن بديل بن ورقاء الخزاعي, سواد بن رومان الأصبحي, زرع بن يشكر اليافعي". 2 - ب 7 – 173 (وعلى الجميع عمروا بن الأصم) 3 - الفلج: الظفر والفوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلا لنرجعن إليكم بالخبر. قالوا: إذهبا فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعليا وطلحة والزبير وقالا: إنما نأتم هذا البيت ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إلا لذلك واستأذناهم للناس بالدخول فكلهم أبى ونهى وقال: بيض ما يفرخن فرجعا إليهم فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم: إن بايعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ثم كررنا حتى نبغتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ما قاله علي وطلحة والزبير للثوار وتظاهرهم بالعودة : فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت عليه حلة أفواف1 معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح إبنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه فالحسن جالس عند عثمان وعلي عند أحجار الزيت فسلم عليه المصريون وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم الصالحون ان جيش ذي المروة وذي خشب2 ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صحبكم الله! قالوا: نعم فانصرفوا من عنده على ذلك.   1 - الفوف: ضرب من برود اليمن, وجمعها أفواف. والفوف أيضا: القطن. 2 - أضاف ابن الأثير "والأعوض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي وقد أرسل إبنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. وأتى الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى, وقد سرح إبنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون1 فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم, وهي ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكروا راجعين فافترق أهل المدينة لخروجهم.   1- أي تظاهروا أمام على وطلحة والزبير رضي الله عنهم بأنهم عائدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 مباغتة المدينة : فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير2 في نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياما, ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا أحدا من كلام فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي فقال: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم؟ قالوا أخذنا مع [ال] بريد كتابا بقتلنا وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون: فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم جميعا كأنما كانوا على ميعاد.   2 - ط 4 – 351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فقال لهم علي: كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا! هذا والله أمر أبرم بالمدينة! قالوا: فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا وهو في ذلك يصلي بهم وهم يصلون خلفه ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب وكانوا لا يمنعون أحدا من الكلام وكانوا زمرا بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 كتابة عثمان إلى الأمصار : وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا فبلغ عن الله ما أمره به ثم مضى وقد قضى الذي عليه وخلف فينا كتابه فيه حلاله وحرامه وبيان الأمور التي قدر فأمضاها على ما أحب العباد وكرهوا فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملأ من الأمة ثم أجمع أهل الشورى عن ملأ منهم ومن الناس علي على غير طلب مني ولا محبة فعملت فيهم ما يعرفون ولا ينكرون تابعا غير مستتبع متبعا غير مبتدع مقتديا غير متكلف فلما انتهت الأمور وانتكث الشر بأهله بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا ترة فيما مضى إلا إمضاء الكتاب فطلبوا أمرا وأعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر فعابوا علي أشياء مما كانوا يرضون وأشياء عن ملأ من أهل المدينة لا يصلح غيرها فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين1 وأنا أرى وأسمع فازدادوا على الله عز وجل جرأة حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه وأرض الهجرة وثابت إليهم الأعراب فهم كالأحزاب أيام   1 - في نسخة: "منذ سنتين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الأحزاب أو من غزانا بأحد إلا ما يظهرون فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق. فأتى الكتاب أهل الأمصار فخرجوا على الصعبة والذلول فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن حديج السكوني وخرج من أهل الكوفة القعقاع بن عمرو. وكان المحضضين بالكوفة على إعانة أهل المدينة عقبة بن عمرو وعبد الله بن أبي أوفى وحنظلة بن الربيع التميمي في أمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان المحضضين بالكوفة من التابعين أصحاب عبد الله مسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وشريح بن الحارث وعبد الله بن عكيم1 في أمثالهم يسيرون فيها ويطوفون على مجالسها يقولون: يا أيها الناس إن الكلام اليوم وليس به غدا وإن النظر يحسن اليوم ويقبح غدا وإن القتال يحل اليوم ويحرم غدا إنهضوا إلى خليفتكم وعصمة أمركم. وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر في أمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون مثل ذلك ومن التابعين كعب بن سور وهرم ابن حيان العبدي وأشباه لهما يقولون ذلك. وقام بالشام عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو أمامة في أمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون مثل ذلك ومن التابعين شريك بن خباشة النميري وأبو مسلم الخولاني وعبد الرحمن بن غنم بمثل ذلك وقام بمصر خارجة في أشباه له وقد كان بعض المحضضين قد شهد قدومهم فلما رأوا حالهم إنصرفوا إلى أمصارهم بذلك وقاموا فيهم. ولما جاءت الجمعة التي على اثر نزول المصريين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج   1 - ابن الأثير "حكيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء العدى, الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطايا بالصواب فإن الله عز وجل لا يمحو السيء إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة فقال: انا اشهد بذلك فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب1 فثار عليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وقال فأفظع وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى صرع على المنبر مغشيا عليه فاحتمل فأدخل داره. وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا في ثلاثة نفر فإنهم كانوا يراسلونهم: محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة وعمار بن ياسر وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن بن علي فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا فانصرفوا وأقبل علي عليه السلام حتى دخل على عثمان وأقبل طلحة حتى دخل عليه وأقبل الزبير حتى دخل عليه يعودونه من صرعته ويشكون بثهم ثم رجعوا إلى منازلهم. وقد سأل أبو عمر الحسن2 هل شهدت حصر عثمان؟ قال: نعم وأنا يومئذ غلام في أتراب لي في المسجد فإذا كثر اللغط جثوت على ركبتي أو قمت فأقبل القوم حين أقبلوا حتى نزلوا المسجد وما حوله فاجتمع إليهم أناس من أهل المدينة يعظمون ما صنعوا وأقبلوا على أهل المدينة يتوعدونهم فبينا هم كذلك في لغطهم حول الباب فطلع عثمان فكأنما كانت نارا طفئت فعمد إلى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه فثار رجل, فأقعده رجل   1 - أبغى الكتاب: أحضر لي الكتاب. 2 - عن أبي عمرو, عن الحسن "وقد وردت في النص عن لسان أبي عمر: قلت له هل ... " ط 4 – 353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وقام آخر فأقعده آخر ثم ثار القوم فحصبوا عثمان حتى صرع فاحتمل فأدخل فصلى بهم عشرين يوما ثم منعوه من الصلاة. [وفي رواية أخرى لسيف] 1. صلى عثمان بالناس بعدما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوما ثم أنهم منعوه الصلاة فصلى بالناس أميرهم الغافقي دان له المصريون والكوفيون والبصريون وتفرق أهل المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يخرج أحد ولا يجلس إلا وعليه سيفه يمتنع به من رهق القوم وكان الحصار اربعين يوما وفيهن كان القتل ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون.   1 - عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان, ط 4 – 354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 آخر خطبة لعثمان : [وكانت] آخر خطبة2 خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله جل وعز فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} 3.   2 - عن بدر بن عثمان عن عمه , ط 4 – 384. 3 - آل عمران: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 لما قضى عثمان1 في ذلك المجلس حاجاته وعزم وعزم له المسلمون على الصبر والإمتناع عليهم بسلطان الله قال: اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدة: أن ادنوا فاجتمعوا فأشرف عليهم فقال: يا أيها الناس اجلسوا فجلسوا جميعا المحارب الطارئ والمسالم المقيم فقال: يا أهل المدينة إني أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة من بعدي وإني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاءه ولأدعن هؤلاء وما وراء بابي غير معطيهم شيئا يتخذونه عليكم دخلا في دين الله أو دنيا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحب وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمدا وابن الزبير وأشباها لهم2 فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم وتاب عليهم إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار.   1 - عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان. ط 4 – 385. 2 - كان الصحابة يهدفون من ذلك إظهار تأييدهم لعثمان. وبذلك يدرك المنحرفون الذين كان عامتهم – وليس مدبرو الفتنة منهم – يميلون إلى تولية أحد الصحابة بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 الحصار : كان الحصر3 اربعين ليلة والنزول سبعين فلما مضت من الأربعين ثماني عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشام ومعاوية من مصر والقعقاع من الكوفة ومجاشع من البصرة فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء وقد كان يدخل علي بالشيء مما يريد وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم علة فعثروا في   3 - عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة, ط 4 – 385. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 داره بالحجارة ليرموا فيقولوا: قوتلنا - وذلك ليلا – فناداهم: ألا تتقون الله! ألا تعلمون أن في الدار غيري؟ قالوا: لا والله ما رميناك قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله قال: كذبتم إن الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئوننا. وأشرف عثمان على آل حزم وهم جيرانه فسرح إبنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء ففعلوا وإلى طلحة وإلى الزبير وإلى عائشة رضي الله عنها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة جاء علي في الغلس فقال: يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فإن الروم وفارس لتأسر فتطعم وتسقي وما تعرض لكم هذا الرجل فيم تستحلون حصره وقتله قالوا: لا والله ولا نعمة عين لا نتركه يأكل ولا يشرب فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني فرجع وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة1 مشتملة على إداوة2 فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة فضربوا وجه بغلتها فقالت: إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كي لا تهلك أموال أيتام وأرامل فقالوا: كاذبة وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد مالت رحالتها فتعلقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل فذهبوا بها إلى بيتها وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة واستتبعت أخاها فأبى فقالت: أما والله لئن استطعت أن يحرمهم الله ما يحاولمون لأفعلن. وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن أبي بكر فقال: يا محمد تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم!   1 - الرحالة: السرج من الجلد يتخذ للركش الشديد, ط 4 – 386. 2 - الإدواة: وعاء من جلد يستعمل للماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فقال: ما أنت وذاك يا بن التميمية فقال: يا بن الخثعمية إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف وانصرف وهو يقول: عجبت لما يخوض الناس فيه ... يرمون الخلافة أن تزولا ولو زالت لزال الخير عنهم ... ولاقوا بعدها ذلا ذليلا وكانوا كاليهود أو النصارى ... سواء كلهم ضلوا السبيلا ولحق بالكوفة وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على أهل مصر وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل فقالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني لا والله ولا أعير ولا أدري إلام يسلم أمر هؤلاء! وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات عليهم الرقباء فأشرف عثمان على الناس فقال: يا عبد الله بن عباس - فدعي له - فقال: اذهب فأنت على الموسم - وكان ممن لزم الباب - فقال: والله يا أمير المؤمنين لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج فأقسم عليه لينطلقن فانطلق إبن عباس على الموسم تلك السنة ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته فانصرف بها - وفي الزبير اختلاف: أأدرك مقتله أو خرج قبله - وقال عثمان: {وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} 1 اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل. [و] بعثت2 ليلى إبنة عميس إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فقالت: إن   1 - سورة هود, الآية: 89. 2 - عن عمرو بن محمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ٍالمصباح يأكل نفسه ويضيء للناس فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيكما فإن هذا الأمر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدا فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم فلجا وخرجا مغضبين يقولان: لا ننسى ما صنع بنا عثمان وتقول: ما صنع بكما! ألا ألزمكما الله؟ فلقيهما سعيد بن العاص وقد كان بين محمد بن أبي بكر وبينه شيء فأنكره حين لقيه خارجا من عند ليلى فتمثل له في تلك الحال بيتا: استبق ودك للصديق ولا تكن ... فيئا يعض بخاذل ملجاجا فأجابه سعيد متمثلا: ترون إذا ضربا صميما من الذي ... له جانب ناء عن الجرم معور فلما بويع الناس1 جاء السابق فقدم بالسلامة فأخبره من الموسم2 أنهم يريدون جميعا المصريين وأشياعهم وأنهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجهم فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار أعلقهم الشيطان وقالوا: لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل فيشتغل بذلك الناس عنا ولم يبق خصلة يرجون بها النجاة إلا قتله فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم واجتلدوا فناداهم عثمان: الله الله! أنتم في حل من نصرتي فأبوا ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم فلما رأوه أدبر المصريون وركبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين وأقسم   1 - عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان, ط 4 - 387. 2 - أي من أمر أهل الموسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 على الصحابة ليدخلن فأبوا أن ينصرفوا فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريعة فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه فأدرك عثمان قبل أن يقتل وشهد المناوشة ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من داخل, وقال: ما عذرنا عند الله إن تركناك ونحن نستطيع أن لا ندعهم حتى نموت؟ فاتخذ عثمان تلك الأيام القرآن نحبا1 يصلي وعنده المصحف فإذا أعيا جلس فقرأ فيه - وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة - وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب فلما فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤوا بنار فأحرقوا الباب والسقيفة فتأجج الباب والسقيفة حتى إذا إحترق الخشب خرت السقيفة على الباب فثار أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخول وكان أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز: قد علمت جارية عطبول ... ذات وشاح ولها جديل أني بنصل السيف خنشليل ... لأمنعن منكم خليلي بصارم ليس بذي فلول وخرج الحسن بن علي وهو يقول: لا دينهم ديني ولا أنا منهم ... حتى أسير إلى طمار شمام وخرج محمد بن طلحة وهو يقول: أنا ابن من حامى عليه بأحد ... ورد أحزابا على رغم معد   1 - أي هما وعبادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وخرج سعيد بن العاص وهو يقول: صبرنا غداة الدار والموت واقب ... بأسيافنا دون ابن أروى نضارب وكنا غداة الروع في الدار نصرة ... نشافههم بالضرب والموت ثاقب فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير وأمره عثمان أن يصير إلى أبيه في وصية بما أراد وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالإنصراف إلى منازلهم فخرج عبد الله بن الزبير آخرهم فما زال يدعي بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه. وأحرقوا1 الباب وعثمان في الصلاة وقد افتتح {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} 2 - وكان سريع القراءة فما كرثه ما سمع وما يخطئ وما يتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه - ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 3. وارتجز المغيرة بن الأخنس وهو دون الدار في أصحابه: قد علمت ذات القرون الميل ... والحلي والأنامل الطفول لتصدقن بيعتي خليلي ... بصارم ذي رونق مصقول لا أستقيل إن أقلت قيلي   1 - عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان. ط 4 – 389. 2 - سورة طه الآية 1 – 2. 3 - سورة آل عمران, الآية: 173. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وأقبل أبو هريرة والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة قد سروا فاستقتلوا فقام معهم وقال: أنا إسوتكم وقال: هذا يوم طاب امضرب - يعني أنه حل القتال وطاب وهذه لغة حمير – ونادى: يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل رجل فبرز له رجل من بني ليث يدعى النباع فاختلفا فضربه مروان أسفل رجليه وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه فانكب مروان واستلقى فاجتر هذا أصحابه واجتر الآخر أصحابه فقال المصريون: أما والله لولا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير فقال المغيرة: من يبارز؟ فبرز له رجل فاجتلد وهو يقول: أضربهم باليابس ... ضرب غلام بائس من الحياة آيس فأجابه صاحبه: ... 1 وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس فقال الذي قتله: إنا لله فقال له عبد الرحمن بن عديس: مالك؟ قال: إني أتيت فيما يرى النائم فقيل لي: بشر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار فابتليت به وقتل قباث الكناني نيار بن عبد الله الأسلمي واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤها ولا يشعر الذين بالباب وأقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلا لقتله فانتدب له رجل فدخل عليه البيت فقال: اخلعها وندعك فقال: ويحك والله ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست خالعا قميصا كسانيه الله عز وجل وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء.   1 - كلام ناقص لم أجده في مراجع أخرى, ط 4 – 390. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 مقتل عثمان : فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علقنا والله والله ما ينجينا من الناس إلا قتله وما يحل لنا قتله فأدخلوا عليه رجلا من بني ليث فقال: ممن الرجل فقال: ليثي فقال: لست بصاحبي قال: وكيف؟ فقال: ألست الذي دعا لك النبي صلى الله عليه وسلم في نفر أن تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى قال: فلن تضيع فرجع وفارق القوم فأدخلوا عليه رجلا من قريش فقال: يا عثمان إني قاتلك قال: كلا يا فلان لا تقتلني قال: وكيف؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دما حراما. فاستغفر ورجع وفارق أصحابه فأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله وقال: يا قوم لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقم إلا بالسيف ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله والله لئن قتلتموه لتتركنها فقالوا: يابن اليهودية وما أنت وهذا فرجع عنهم. قالوا: وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي بكر فقال له عثمان: ويلك! أعلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقه1 اخذته منك فنكل ورجع. قالوا: فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا إنكساره ثار قتيرة وسودان ابن حمران السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف فاستقر بين يديه وسالت عليه الدماء وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت   1 - لعلها "لا أحقه" بمعنى لا أذكره, ط 4 – 391. والأرجح أن المقصود الا حق الله اخذته منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجيزة وضرب عثمان فقتله ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه - وقد كان عثمان أعتق من كف منهم - فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله ووثب قتيرة على الغلام فقتله وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء وأخذ رجل ملائة نائلة - والرجل يدعى كلثوم بن تجيب - فتنحت نائلة فقال: ويح أمك من عجيزة ما أتمك! وبصر به غلام لعثمان فقتله وقتل وتنادى القوم: أبصر رجل من صاحبه وتنادوا في الدار: ادركوا بين المال لا تسبقوا إليه وسمع أصحاب بيت المال اصواتهم وليس فيه إلا غرارتان فقالوا: النجاء فإن القوم إنما يحاولون الدنيا فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه وماج الناس فيه فالتانئ1 يسترجع ويبكي والطارئ يفرح وندم القوم وكان الزبير قد خرج من المدينة فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو بحيث هو, قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! رحم الله عثمان وانتصر له وقيل: إن القوم نادمون فقال: دبروا دبروا {وحيل بينهم وبين ما يشتهون ... } الآية2 وأتى الخبر طلحة فقال: رحم الله عثمان! وانتصر له وللإسلام وقيل له: إن القوم نادمون فقال: تبا لهم وقرأ {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} 3 وأتى علي فقيل: قتل عثمان فقال:   1 - التأني: المقيم. ط 4 – 392. 2 - سورة سبأ, الآية: 54. 3 - سورة يس, الآية:50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 رحم الله عثمان وخلف علينا بخير! وقيل ندم القوم فقرأ {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ ... } الآية1 وطلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال: لا أشهد قتله فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدينة تدنينا وقرأ: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} 2 اللهم أندمهم ثم خذهم. وعن المغيرة بن شعبة3 أنه قال: قلت لعلي: إن هذا الرجل مقتول وإنه إن قتل وأنت بالمدينة اتخذوا فيك فاخرج فكن بمكان كذا وكذا فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس فأبى وحصر عثمان اثنين وعشرين يوما ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد الله بن الزبير ومروان فقالوا: ائذن لنا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه فأحرج على رجل يستقتل ويقاتل4. وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ فيه والحسن عنده فقال: إن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت! وأمر عثمان أبا كرب - رجلا من همذان - وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت المال وليس فيه إلا غرارتان من ورق5 فلما أطفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير   1 - سورة الحشر, الآية: 16. 2 - سورة الكهف, الآية: 104. 3 - عن المجلد, عن الشعبي عن المغيره: ط 4 – 392. 4 - ابن الأثير "أو يقاتل". 5 - الورق: الفضة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ومروان وتوعد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته فقال: أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها فأرسلها ودخلوا عليه فمنهم من يجؤه بنصل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل بمشاقص معه فوجأه في ترفوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في قتله وكان كبيرا وغشي عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله فصاحت نائلة وبناته وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع يدها واتكأ بالسيف عليه في صدره وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس ونادى مناد: ما يحل دمه ويحرج ماله فانتهبوا كل شيء ثم تبادروا بيت المال فألقى الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا: الهرب الهرب هذا ما طلب القوم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه : كان عمر بن الخطاب1 قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذان وأجل فشكوه فبلغه فقام فقال: ألا إني قد سننت الإسلام سن البعير يبدأ فيكون جذعا ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سديا ثم بازلا2, ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان! ألا فإن الإسلام قد بزل ألا وان قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونات دون عباده ألا فأما وابن الخطاب هي فلا إني قائم دون شعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.   1 - عن عمارة بن القعقاع, عن الحسن البصري, ط 4 – 396. 2 - الثني: الذي يلقي ثنيته (3 سنوات) والجذع قبله, الرباعي: الذي ألقى رباعيته وهو بعد الثني, والسديس: ما أتت عليه السادسة: والبازل: الذي انشق فابه بدخوله في السنة التاسعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فلما ولي عثمان1 لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر فانساحوا في البلاد فلما رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع إليهم من لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام فكان مغموما2 في الناس وصاروا أوزاعا إليهم وأملوهم وتقدموا في ذلك فقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم وتقدمنا في التقريب والانقطاع إليهم فكان ذلك أول وهن دخل على الإسلام وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك.   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 397. 2 - مغموما. أي مغطى وهو استعمال قديم لأهل المدينة (شفاء الغليل ص: 193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 آراء متفرقة في تحليل الفتنة : لم يمت عمر رضي الله عنه حتى ملته قريش3 وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو - وهو ممن حبس بالمدينة من المهاجرين ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة – فيقول: قد كان في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبلغك وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس فكان أحب إليهم من عمر. [و] لما ولي عثمان4 حج سنواته كلها إلا آخر حجة وحج بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يصنع عمر فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه وجعل في   3 - عن عمرو. عن الشعبي. 4 - عن مبشر بن الفضيل, عن سالم بن عبد الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 موضع نفسه سعيد بن زيد هذا في مؤخر القطار وهذا في مقدمه وأمن الناس وكتب في الأمصار أن يوافيه العمال في كل موسم ومن يشكوهم وكتب إلى الناس إلى الأمصار أن ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ولا يذل المؤمن نفسه فإني مع الضعيف على القوي ما دام مظلوما إن شاء الله فكان الناس بذلك فجرى ذلك إلى أن اتخذه أقوام وسيلة إلى تفريق الأمة. [و] لم تمض سنة1 من إمارة عثمان حتى اتخذ رجال من قريش أموالا في الأمصار وانقطع إليهم الناس وثبتوا سبع سنين كل قوم يحبون أن يلي صاحبهم ثم إن ابن السوداء أسلم وتكلم وقد فاضت الدنيا وطلعت الأحداث على يديه فاستطالوا عمر عثمان رضي الله عنه. [وقد كان] أول منكر2 ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى وسع الناس طيران الحمام والرمي على الجلاهقات3 فاستعمل عليهما عثمان رجلا من بني ليث سنة ثمان فقصها وكسر الجلاهقات. [وهكذا فإن] أول من منع الحمام الطيارة4 والجلاهقات عثمان ظهرت بالمدينة فأمر عليها رجلا فمنعهم منها. [وفي رواية أخرى] 5 زيادة: وحدث بين الناس النشو قال: فأرسل عثمان طائفا يطوف عليهم بالعصا فمنعهم من ذلك ثم اشتد ذلك فأفشى   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 398. 2 - عن عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف, عن أبيه. 3 - الجلاهق: قوس البندق الذي يرمى به. 4 - عن محمد بن عبد الله, عن عمرو بن شعيب. 5 - عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد, عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الحدود, ونبأ ذلك عثمان وشكاه إلى الناس فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ فأخذ نفر منهم فجلدوا. [و] لما حدثت الأحداث1 بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين وليدنوا من العرب فمنهم من أتى البصرة ومنهم من أتى الكوفة ومنهم من أتى الشام فهجموا جميعا من أبناء المهاجرين بالأمصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلا ما كان من أبناء الشام, فرجعوا جميعا إلى المدينة إلا من كان بالشام فأخبروا عثمان بخبرهم فقام عثمان في الناس خطيبا فقال: يا أهل المدينة أنتم أصل الإسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم ويصلحون بصلاحكم والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلا سيرته ألا فلا أعرفن احدا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب فإن من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم دون أن يتكلم أحد منهم يما عليه ولا له وجعل عثمان لا يأخذ أحدا منهم على شر أو شهر سلاح - عصا فما فوقها - إلا سيره فضج آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون: ما أحدث التسيير2 إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سير الحكم بن أبي العاص فقال: إن الحكم كان مكيا فسيره رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى الطائف ثم رده إلى بلده فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره بذنبه ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده بعفوه وقد سير الخليفة من بعده وعمر رضي الله عنه من بعد الخليفة وأيم الله لآخذن العفو من أخلاقكم ولأبذلنه لكم من خلقي وقد دنت امور ولا أحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر فاحذروا واعتبروا.   1 - عن مبشر بن الفضيل, عن سالم بن عبد الله. 2 - التسيير: هو النفي بالمعنى المعروف حاليا تقريبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 [وقد] سأل سائل سعيد بن المسيب1 عن محمد بن أبي حذيفة: ما دعاه إلى الخروج على عثمان؟ فقال: كان يتيما في حجر عثمان فكان عثمان والي أيتام اهل بيته ومحتمل كلهم فسأل عثمان العمل حين ولي فقال: يا بني لو كنت رضا ثم سألتني العمل لاستعملتك ولكن لست هناك فقال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني قال: اذهب حيث شئت وجهزه من عنده وحمله وأعطاه فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغير عليه أن منعه الولاية قيل: فعمار ابن ياسر؟ قال: كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذاك بين آل عمار وآل عتبة شرا حتى اليوم وكنى عما ضربا عليه وفيه. قال مبشر2: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر: ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع قلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به وغره أقوام فطمع وكانت له دالة فلزمه حق فأخذه عثمان من ظهره ولم يدهن فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمما بعد أن كان محمدا. لما ولي عثمان لان لهم فانتزع الحقوق انتزاعا ولم يعطل حقا فأحبوه على لينه فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز وجل. [و] كان مما أحدث عثمان3 فرضي به منه أنه ضرب رجلا في منازعة استخف فيها بالعباس بن عبد المطلب فقيل له فقال: نعم أيفخم   1 - عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحي بن سعيد. 2 - عن مبشر. 3 - عن سهل, عن القاسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه وأرخص في الاستخفاف به لقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ومن رضي به منه. قال حمران بن أبان1: أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته إليه فقال: مالك تعبدتني قال: لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم قال: الزم خمسا لا تنازعك الأمة خزائنها ما لزمتها قال: وما هن؟ قال: الصبر عن القتل والتحبب والصفح والمداراة وكتمان السر. [و] بلغ عثمان2 أن ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجا - قال محمد بن سلمة: إنما هو نيرج3 - فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقر به فأوجعه فدعا به فسأله فقال: إنما هو رفق وأمر يعجب منه فأمر به فعزر وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان: إنه قد جد بكم فعليكم بالجد وإياكم والهزال فكان الناس عليه وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره فغضب فنفر في الذين نفروا فضرب معهم فكتب إلى عثمان فيه فلما سير إلى الشام من سير سير كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد الله - وكان دينه كدينه - إلى دنباوند لأنها أرض سحرة فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد: لعمري لئن طردتني ما إلى التي ... طمعت بها من سقطتي لسبيل رجوت رجوعي يابن أروى ورجعتي ... إلى الحق دهرا غال ذلك غول   1 - عن رزيق بن عبد الله الرازي, عن علقمة بن مرئد. 2 - عن محمد وطلحة, ط4 – 401. 3 - النيرج: أخذ كالسحر وليس به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل وإن دعائي كل يوم وليلة ... عليك بدنباوندكم لطويل فلما ولي سعيد أقفله وأحسن إليه واستصلحه فكفره فلم يزدد إلا فسادا. واستعار ضابيء بن الحارث البرهمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبا يدعى قرحان يصيد الظباء فحبسه عنهم فنافره الأنصاريون واستعانوا عليه بقومه فكاثروه فانتزعوه منه وردوه على الأنصار فهجاهم وقال في ذلك: تحشم دوني وفد قرحان خطة ... تضل لها الوجناء وهي حسير فباتوا شباعا ناعمين كأنما ... حباهم ببيت المرزبان أمير فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم ... فإن عقوق الأمهات كبير فاستعدوا عليه عثمان فأرسل إليه فعزره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين فاستثقل ذلك فما زال في الحبس حتى مات فيه وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه: هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... فعلت ووليت البكاء حلائله وقائلة قد مات في السجن ضابيء ... ألا من لخصم لم يجد من يجادله وقائلة لا يبعد الله ضائبا ... فنعم الفتى تخلو به وتحاوله فذلك صار عمير بن ضابيء سبئيا. عن المستنير عن أخيه قال1: والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان   1 - عن سيف عن المستنير, ط 4 – 403. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 رضي الله عنه ولا ركب إليه إلا قتل لقد اجتمع بالكوفة نفر فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب بن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورع وكميل بن زياد وعمير بن ضابيء فقالوا: لا والله لا يرفع رأس ما دام عثمان على الناس فقال عمير بن ضابيء وكميل بن زياد: نحن نقتله فركبا إلى المدينة فأما عمير فإنه نكل عنه وأما كميل بن زياد فإنه حسر وثاوره وكان جالسا يرصده حتى أتى عليه عثمان فوجأ عثمان وجهه (فوقع على أسته وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أولست بفاتك؟ قال: لا والله الذي لا إله إلا هو فحلف وقد اجتمع عليه الناس فقالوا: نفتشه يا أمير المؤمنين فقال: لا قد رزق الله العافية ولا أشتهي أن اطلع منه غير ما قال. وقال: إن كان كما قلت يا كميل فاقتد مني - وجثا - فوالله ما حسبتك إلا تريدني وقال إن كنت صادقا فأجزل الله وإن كنت كاذبا فأذل الله وقعد له على قدميه وقال: دونك قال: قد تركت. فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما فلما قدم الحجاج قال: من كان من بعث المهلب فليواف مكتبه ولا يجعل على نفسه سبيلا فقام إليه عمير وقال: إني شيخ ضعيف ولي إبنان قويان فأخرج احدهما مكاني أو كليهما فقال: من أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابيء فقال: والله لقد عصيت الله عز وجل منذ أربعين سنة ووالله لأنكلن بك المسلمين غضبت لسارق الكلب ظالما إن أباك إذ غل لهم وإنك هممت ونكلت وإني اهم ثم لا أنكل فضربت عنقه. قال سيف: حدثنا رجل من بني أسد قال: كان من حديثه أنه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه فيمن غزاه فلما قدم الحجاج ونادى بما نادى به عرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 رجل عليه ما عوض نفسه فقبل منه فلما ولي قال أسماء بن خارجة: لقد كان شأن عمير مما يهمني قال: ومن عمير؟ قال: هذا الشيخ قال: ذكرتني الطعن وكنت ناسيا1 أليس فيمن خرج إلى عثمان؟ قال: بلى قال: فهل بالكوفة أحد غيره؟ قال: نعم كميل قال: علي بعمير فضرب عنقه ودعا بكميل فهرب فأخذ النخع به فقال له الأسود بن الهيثم: ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر! فقال: أما والله لتحبسن عني لسانك أو لأحسن رأسك بالسيف قال: افعل فلما رأى كميل ما لقي قومه من الخوف وهم ألفا مقاتل قال: الموت خير من الخوف إذا أخيف ألفان من سبي وحرموا فخرج حتى أتى الحجاج فقال له الحجاج: أنت الذي أردت ثم لم يكشفك امير المؤمنين ولم ترض حتى أقعدته للقصاص إذ دفعك عن نفسه فقال: على أي ذلك تقتلني! تقتلني على عفوه أو على عافيتي؟ قال: يا أدهم بن المحرز اقتله؛ قال: والاجر بيني وبينك؟ قال: نعم قال أدهم: بل الأجر لك وما كان من إثم فعلي وقال مالك بن عبد الله - وكان من المسيرين: مضت لابن أروى في كميل ظلامة ... عفاها له والمستقيد يلام وقال له لا أقبح اليوم مثله ... عليك أبا عمرو وأنت إمام رويدك رأسي والذي نسكت له ... قريش بنا على الكبير حرام   1 - مثل تستعمله العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وللعفو أمن تعرف الناس فضله ... وليس علينا في القصاص أثام ولو علم الفاروق ما أنت صانع ... نهى عنك نهيا ليس فيه كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 دفن عثمان رضي الله عنه : لما قتل عثمان1 ارسلت نائلة إلى عبد الرحمن بن عديس فقالت له: إنك أمس القوم رحما وأولاهم بأن تقوم بأمري اغرب عني هؤلاء الأموات قال: فشتمها وزجرها حتى إذا كان في جوف الليل خرج مروان حتى أتى دار عثمان فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيد الله وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامة من ثم من صحابه فتوافى إلى موضع الجنائز صبيان ونساء فأخرجوا عثمان فصلى عليه مروان ثم خرجوا به حتى انتهوا إلى البقيع فدفنوه فيه مما يلي حش كوكب حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان الذين قتلوا معه فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوا فأدخلوهم حش كوكب فلما امسوا خرجوا بعيدين منهم فدفنوهما إلى جنب عثمان ومع كل واحد منهما خمسة نفر وامرأة فاطمة أم إبراهيم بن عدي ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر فقالوا: إنك أمس القوم بنا رحما فأمر بهاتين الجيفتين اللتين في الدار أن تخرجا فكلمهم في ذلك فأبوا فقال: أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لف لفهم فأخرجوهما فارموا بهما فجرا بأرجلهما فرمى بهما على البلاط فأكلتهما الكلاب وكان العبدان اللذان قتلا يوم الدار يقال بهما نجيح وصبيح فكان اسماهما الغالب على   1 - عن أبي حارثة, وأبي عثمان ومحمد وطلحة, ط 4 – 414. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الرقيق لفضلهما وبلائهما ولم يحفظ الناس اسم الثالث ولم يغسل عثمان وكفن في ثيابه ودمائه ولا غسل غلاماه. ودفن1 عثمان رضي الله عنه في الليل وصلى عليه مروان بن الحكم وخرجت ابنته تبكي في اثره ونائلة إبنة الفرافضة رحمهم الله. وكان قتل2 عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين [35 هـ] على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وإثنين وعشرين يوما من مقتل عمر رضي الله عنه وقتل وهو ابن ثلاث وستين سنة3.   1 - عن مجالد, عن الشعبي, ط 4 – 415. 2 - عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان, ط 4 - 416. 3 - يبدو أن هناك خطأ بين 63 و 83, لأن الرواة اختلفوا في عمره بين 82 و 90 سنة, وواقع حاله رضي الله عنه يدل أنه كان قد تجاوز الثمانين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 ولاة الأمصار عند وفاة عثمان : مات عثمان4 رضي الله عنه وعلى الشام معاوية وعامل معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري وعلى القضاء أبو الدرداء   4 - عن أبي حارثة وأبي عثمان ط 4 – 421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وفي رواية سيف عن عطية1: مات عثمان رضي الله عنه وعلى الكوفة على صلاتها أبو موسى وعلى خراج السواد جابر بن عمرو المزني - وهو صاحب المسناة إلى جانب الكوفة - وسماك الأنصاري وعلى حربها القعقاع بن عمرو وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى ماه مالك بن حبيب وعلى همذان النسير وعلى الري سعيد بن قيس وعلى أصبهان السائب بن الأقرع وعلى ماسبذان حبيش وعلى بيت المال عقبة بن عمرو وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت.   1 - ط 4 – 422. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 بعض خطب عثمان : خطب عثمان الناس بعدما بويع فقال2: أما بعد فإني قد حملت وقد قبلت ألا وإني متبع ولست بمبتدع ألا وإن لكم علي بعد كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثلاثا: اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ والكف عنكم إلا فيما استوجبتم ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها. [و] آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة3:   2 - عن القاسم بن محمد, عن عون بن عبد الله بن عتيبة. ط 4 – 422. 3 - عن بدر بن عثمان, عن عمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله إتقوا الله جل وعز فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذوا من الله الغير والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} 1.   1 - سورة آل عمران, الآية: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 خلافة علي بن أبي طالب الدولة بلا خليفة ... الدولة بلا خليفة: بقيت المدينة1 بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام وأميرها الغافقي ابن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه يأتي المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان2 المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا: لا نولي احدا من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا: إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فاقدم نبايعك فبعث إليهم إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على: لا تخلطن خبيثات بطيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا ثم إنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقال: وا أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر فقال:   1- عن محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة, وطلحة بن الأعلم, وأبي حارثة, وأبي عثمان, ط 4 – 432. 2- أي بساتين المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 إن لهذا الأمر انتقاما والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري. فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم وكانوا إذا لقوا طلحة أبى وقال1: ومن عجب الأيام والدهر أنني ... بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلي فيقولون: إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال: متى أنت عن دار بفيحان راحل ... وباحتها تخنو عليك الكتائب فيقولون: إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال: لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا فيقولون: إنك لتوعدنا فيقومون ويتركونه [و] لما كان يوم الخميس2 على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما   1 - عن سهل بن يوسف, عن القاسم بن محمد. 2 - عن أبي حارثة وأبي عثمان, ط 4 – 433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة, وأمركم عابر1 على الأمة فانظروا رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون.   1 - ابن الأثير "جائز". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 المبايعة لعلي : فقالوا لهم2: دونكم يا اهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشي الناس عليا فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى3 فقال علي: دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون امرا له وجوه وله الوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا: ننشدك الله ألا ترى ما نرى! ألا ترى الإسلام! ألا ترى الفتنة! الا تخاف الله! فقال قد أجبتكم لما ارى واعلموا ان أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد. وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا: إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت فبعث البصريون إلى الزبير بصريا وقالوا: إحذر لا تحاده - وكان رسولهم حكيم ابن جبلة العبدي في نفر - فجاؤوا به يحدونه بالسيف وإلى طلحة كوفيا وقالوا له: إحذر لا تحاده فبعثوا الأشتر في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا أتباعا   2 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 434. 3 - ابن الأثير والنويري "بين القرى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 لأهل مصر وحشوة فيهم وازدادوا بذلك على طلحة والزبير غيظا فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي حتى صعد المنبر فقال يا أيها الناس - عن ملأ وإذن - إن هذا امركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا اجد على أحد فقالوا: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس وجاء القوم بطلحة فقالوا: بايع فقال: إني إنما أبايع كرها فبايع - وكان به شلل - أول الناس, وفي الناس رجل يعتاف1 فنظر من بعيد فلما رأى طلحة أول من بايع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون اول يد بايعت امير المؤمنين يد شلاء لا يتم هذا الأمر! ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك وبايع - وفي الزبير اختلاف - ثم جيء بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا: نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا.   1- يعتاف: يتكهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 مبايعة طلحة والزبير : لما قتل عثمان2 رضي الله عنه واجتمع الناس على علي ذهب الأشتر فجاء بطلحة فقال له: دعني أنظر إلى ما يصنع الناس فلم يدعه وجاء به يتله تلا عنيفا3 فصعد المنبر فبايع.   2- عن أبي زهير الأزدي, عن عبد الرحمن بن جندب, عن أبيه, ط 4 – 435. 3- يتله تلا عنيفا: يدفعه دفعا شديدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 [و] جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتى بايع1 فكان الزبير يقول: جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللج2 على عنقي. وبايع الناس كلهم3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أول خطبة لعلي رضي الله عنه : [بويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة وكانت أول خطبة خطبها4 بعد أن حمد الله وأثنى عليه أن قال:] إن الله عز وجل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا امر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس اخراهم إتقوا الله عباده في عباده وبلاده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} .   4 - عن سليمان بن أبي المغيرة, عن علي بن الحسين, ط 4 – 436. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال المصريون: خذها واحذرا أبا حسن1 ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن وإنما الشعر: خذها إليك واحذرا أبا حسن فقال علي مجيبا: إني عجزت عجزة ما أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر [وفي رواية أخرى] 2: ولما أراد علي الذهاب إلى بيته قالت السبئية: خذها إليك واحذرا أبا حسن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن صولة أقوام كأسداد السفن ... بمشرفيات كغدران اللبن ونطعن الملك بلين كالشطن ... حتى يمرن على غير عنن فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما منوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى ... 3   1- هكذا غير موزون. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 436. 3- يوجد نقص في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 إني عجزت عجزة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر أرفع من ذيلي ما كنت أجر ... وأجمع الأمر الشتيت المنتشر إن لم يشاغبني العجول المنتصر ... أو يتركوني والسلاح يبتدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 مطالب طلحة والزبير : واجتمع إلى علي, بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا: يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد إشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم فقال لهم: يا اخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا قال: فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا إن الناس من هذا الامر إن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا. واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حال وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية وتفرق القوم وبعضهم يقول: والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار لترك هذا إلى ما قال علي أمثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وبعضهم يقول: نقضي الذي علينا ولا نؤخره ووالله إن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه إلا سيكون على قريش أشد من غيره فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذلك والأجر من الله عز وجل عليه ونادى: برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا: لنا غدا مثلها ولا نستطيع نحتج فيهم بشيء. [و] خرج علي في اليوم الثالث1 على الناس فقال: يا أيها الناس أخرجوا عنكم الأعراب وقال: يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم فأبت السبئية وأطاعهم الأعراب ودخل على بيته ودخل عليه طلحة والزبير وعدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دونكم ثأركم فاقتلوه فقالوا: عشوا2 عن ذلك قال: هم والله بعد اليوم اعشى وآبى وقال: لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا وقال طلحة: دعني فلآت البصرة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل فقال: حتى أنظر في ذلك وقال الزبير: دعني آتي الكوفة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل فقال: حتى أنظر في ذلك وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه فقال: إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحرز به ما في   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 438. 2 - عشوا: أعرضوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 غد وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد أقرر معاوية على عمله واقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت قال: حتى أنظر. فخرج من عنده وعاد إليه من الغد فقال: إني اشرت عليك بالأمس برأي وإن الرأي أن تعاجلهم بالنزوع فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك ثم خرج وتلقاه ابن عباس خارجا وهو داخل فلما انتهى إلى علي قال: رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك؟ قال: جاءني أمس بذية وذية وجاءني اليوم بذية وذية فقال: اما امس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال: فما الرأي؟ قال: كان الرأي ان تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتي مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك فإن كانت العرب جائلة مضطربة في اثرك لا تجد غيرك فاما اليوم فإن في بني أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر ويشبهون على الناس ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر على ما يريدون ولا يقدرون عليه ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك اموت لحقوقهم وأترك لها إلا ما يعجلون من الشبهة. وقال المغيرة: نصحته والله فلما لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق بمكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أخبار عمال علي : [ولما دخلت سنة ست وثلاثين] بعث علي عماله على الامصار1 فبعث   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 442. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشام. فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا: من أنت؟ قال: أمير قالوا: على أي شيء؟ قال: على الشام قالوا: إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال: أو ما سمعتم بالذي كان قالوا: بلى فرجع إلى علي. واما قيس بن سعيد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل فقالوا: من أنت؟ قال: من فالة عثمان فأنا أطلب من آوي إليه وأنتصر به قالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سعد قالوا: امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا: إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك أو نصيب حاجاتنا وفرقة قالوا: نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك. وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت: ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا. وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طلحة بن خويلد وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعوا إلى الطلب بدمه ويقول لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 يا ليتني فيها جذع ... أكر فيها وأضع فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة فطلع عليه عمارة قادما على الكوفة فقال له: إرجع فإن القوم لا يريدون بأميرهم بدلا وإن أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة وهو يقول: إحذر الخطر ما يماسك الشر خير من شر منه. فرجع إلى علي بالخبر. وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى ابن أمية كل شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشام وأتته الاخبار ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير فقال: إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم وإن الامر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته وإنها فتنة كالنار كلما سعرت إزدادت واستنارت فقالا له: فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن نكابر وإما أن تدعنا فقال: سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 كتابة علي إلى أبي موسى ومعاوية : وكتب [علي] إلى معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن بين ذلك حتى كأن عليا على المواجهة من أمر أهل الكوفة وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وكان رسول امير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله: أدم إدامة حصن أو خذا بيدي ... حربا ضروسا تشب الجزل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداع واللمما أعيا المسود بها والسيدون فلم ... يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه: من معاوية إلى علي فقال إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم اوصاه بما يقول وسرح رسول علي وخرجا فقدما المدينة في ربيع الاول لغرته فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على علي فدفع إليه الطومار ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول: ما ورائك؟ قال: آمن أنا؟ قال: نعم إن الرسل آمنة لا تقتل قال: ورائي أني تركت قوما لا يرضون إلا بالقود قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق فقال: مني يطلبون دم عثمان؟ ألست موتورا كتره عثمان؟ اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله, الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فإنه إذا أراد أمرا أصابه أخرج قال: وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن. فخرج العبسي وصاحت السبئية قالوا: هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه! فنادى: يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف بالله جل إسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفحولة والركاب! وتعاووا عليه ومنعنه مضر وجعلوا يقولون له: أسكت فيقول: لقد حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وقعة الجمل إستئذان طلحة والزبير عليا في العمرة ... إستئذان طلحة والزبير عليا في العمرة: استأذن1 طلحة والزبير عليا في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحب اهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه؟ وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي - وكان منقطعا إلى علي - فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي: يا زياد تيسر فقال: لاي شيء؟ فقال: تغزو الشام فقال زياد: الأناة والرفق أمثل فقال: ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم فتمثل علي وكأنه لا يريده: متى تجمع القلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم فعرفوا ما هو فاعل ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 444. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ابن عبد الأسد - ولاه ميسرته ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله علي مقدمته واستخلف على المدينة قثم بن عباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشآم وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك وأقبل على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال: إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا من حفظه الله وإن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إليها1 انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما افسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم فبيناهم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف فقام فيهم بذلك فقال: إن الله عز وجل جعل لظالم هذه الامة العفو والمغفرة وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة فمن لمن يسعه الحق أخذ بالباطل ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم.   1 - أي الى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 استنفار أهل المدينة : ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح فتعبى للخروج إليهم وقال: إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مؤونة ولا إكراه فاشتد على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله ابن عمر كميلا النخعي فجاء به فقال: انهض معي فقال: أنا مع أهل المدينة إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم فلا أفارقهم فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد قال: فاعطني زعيما بألا تخرج قال ولا أعطيك زعيما قال لولا ما اعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني دعوه فأنا به زعيم فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر. فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة وأنه يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض وكان صدوقا فاستقر عندها وأصبح علي فقيل له: حدث البارحة حدث هو أشد عليك من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومعاوية قال: وما ذلك؟ قال: خرج إبن عمر إلى الشام فأتى علي السوق ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طلابا وماج أهل المدينة وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليا وهو واقف في السوق يفرق الرجال في طلبه فقالت: ما لك لا تزند1 من هذا الرجل؟ إن الأمر على خلاف ما بلغته وحدثته قالت: أنا ضامنة له فطابت نفسه وقال: انصرفوا لا والله ما كذبت ولا كذب وإنه عندي ثقة فانصرفوا. ولما رأى علي2 من أهل المدينة ما رأى لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة وقال إن آخر هذا الأمر   1 - تزند: ضاق صدره. رجل مزند: سريع الغضب. 2 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 447. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لا يصلح إلا بما صلح أوله فقد رأيتم عواقب قضاء الله عز وجل على من مضى منكم فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فأجابه رجلان من أعلام الأنصار أبو الهيثم بن التيهان - وهو بدري - وخزيمة بن ثابت - وليس بذي الشهادتين مات ذو الشهادتين في زمن عثمان رضي الله عنه. [وقد سئل الحكم] 1: أشهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الجمل؟ فقال: ليس به ولكنه غيره من الأنصار مات ذو الشهادتين في زمن عثمان إبن عفان رضي الله عنه. قال الشعبي2: بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن. [وفي رواية أخرى] عن الشعبي3 قال: بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في ذلك الأمر إلا ستة بدريين ما لهم سابع فقلت: اختلفتما قال: لم نختلف إن الشعبي شك في أبي أيوب: أخرج حيث أرسلته أم سلمة إلى علي بعد صفين أم لم يخرج! إلا أنه قدم عليه فمضى إليه وعلي يومئذ بالنهروان. وعن سعيد بن زيد أنه قال4: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففازوا على الناس بخير يجوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم   1 - عن محمد, عن عبيد الله, عن الحكم, ط 4 – 447. 2 - عن مجالد, عن الشعبي. 3 - عن عمرو بن محمد, عن الشعبي. 4 - عن عبد الله بن سعيد بن ثابت, عن رجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ثم إن زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن علي ابتدر إليه وقال: من تثاقل عنك فإنا نخف معك ونقاتل دونك وبينما علي يمشي في المدينة إذ سمع زينب ابنة أبي سفيان وهي تقول: ظلامتنا عند مدمم وعند مكحلة [هما محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر] فقال: إنها لتعلم ما هما لها بثأر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وصول الخبر إلى عائشة : قتل عثمان في ذي الحجة1 لثمان عشرة خلت منه وكان على مكة عبد الله ابن عامر الحضرمي وعلى الموسم يومئذ عبد الله بن عباس بعثه عثمان وهو محصور فتعجل اناس في يومين فادركوا مع ابن عباس فقدموا المدينة بعدما قتل وقبل أن يبايع علي وهرب بنوا امية فلحقوا بمكة وبويع علي لخمس بقين من ذي الحجة يوم الجمعة وتساقط الهراب إلى مكة وعائشة مقيمة بمكة تريد عمرة المحرم فلما تساقط إليها الهراب استخبرتهم فأخبروها أن قد قتل عثمان رضي الله عنه ولم يجبهم إلى التأمير أحد فقالت عائشة رضي الله عنها: ولكن اكياس هذا غب ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح. حتى إذا قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث - وكانت واصلة لهم رفيقة عليهم - يقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمه أم كلاب فقالت: مهيم فأصم ودمدم فقالت: ويحك! علينا أو لنا؟ فقال: لا تدري؟ قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت: ثم صنعوا ماذا؟ فقال: أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على علي والقوم الغالبون على المدينة فرجعت إلى مكة وهي لا تقول شيئا ولا يخرج منها شيء حتى نزلت على باب المسجد وقصدت للحجر فسترت فيه واجتمع الناس إليها فقالت: يا أيها الناس إن الغوغاء   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 448. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه وقد استعمل اسنانهم قبله ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام والله لإصبع عثمان خير من طباق الارض أمثالهم فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه1 كما يماص الثوب بالماء فقال عبد الله بن عامر الحضرمي: هأنذا لها أول طالب - وكان أول مجيب ومنتدب.   1- في نهاية ابن الأثير: "في حديث عائشة قالت عن عثمان: مصتموه كما يمص الثوب, ثم عدوتم عليه فقتلتموه, الموص: الغسل بالأصابع, يقال: مصته أموصه موصا, أرادت أنهم استتابوه عما نقموا منه, فلما أعطاهم ما طلبوه قتلوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 توجه عائشة إلى المدينة وعودتها : خرجت عائشة2 رضي الله عنها نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء فقالت: ما أظن ذلك تاما ردوني فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذ دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي – وكان   2- عن عمرو بن محمد, عن الشعبي, ط 4 – 449. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أمير عثمان عليها - فقال: ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت: ردني أن عثمان قتل مظلوما وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة1 ويعلي بن أمية من اليمن وطلحة والزبير من المدينة واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة وقالت [عائشة] : أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم. [وفي رواية أخرى] 2: كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل عثمان ثم قدم عبد الله بن عامر ثم قدم يعلي بن أمية فاتفقا بمكة ومع يعلي ستمائة بعير وستمائة ألف3 فأناخ بالأبطح معسكرا وقدم معهما طلحة والزبير فلقيا عائشة رضي الله عنها فقالت: ما وراءكما؟ فقالا: وراءنا أنا تحملنا بقليتنا4 هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم قالت: فاتمروا أمرا ثم انهضوا إلى هذه الغوغاء وتمثلت: ولو أن قومي طاوعتني سراتهم ... لأنقذتهم من الحبال أو الخيل   1 - بعدها في ابن الأثير "بمال كثير". 2 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 450. 3 - أي ستمائة الف درهم. 4 - ارتحل القوم بقليتهم: لم يدعوا وراءهم شيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وقال القوم فيما ائتمروا به: الشام فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته فقال: له طلحة والزبير: فأين؟ قال: البصرة فإن لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى قالوا: قبحك الله! فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا اقمت كما اقام معاوية فنكتفي بك ونأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب! فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا حتى إذا استقام له الرأي على البصرة قالوا: يا أم المؤمنين دعي المدينة فإن من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها واشخصي معنا إلى البصرة فإنا نأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة ثم تقعدين فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين وإلا احتسبنا ودفعنا عن هذا الامر بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد. فلما قالوا ذلك لها - ولم يكن ذلك مستقيما إلا بها – قالت: نعم وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معها على قصد المدينة فلما تحول رأيها إلى البصرة تركن ذلك وانطلق القوم بعدها إلى حفصة فقالت: رأي تبع لرأي عائشة حتى إذا لم يبق إلا الخروج قالوا: كيف نستقل وليس معنا مال نجهز به الناس! فقال يعلي بن أمية: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها وقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهزوا به فنادى المنادي إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب -ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب - وكانوا جميعا ألفا - وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى عائشة: أن عبد الله حال بيني وبين الخروج فقالت: يغفر الله لعبد الله! وبعثت أم الفضل بنت الحارث رجلا من جهينة يدعى ظفرا فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليا بكتابها فقدم على علي بكتاب أم الفضل بالخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 [و] خرج المغيرة1 وسعيد بن العاص معهم مرحلة من مكة فقال سعيد للمغيرة: ما الرأي؟ قال: الرأي والله الاعتزال فإنهم ما يفلح أمرهم فإن أظفره الله أتيناه فقلنا: كان هوانا وصغونا2 معك فاعتزلا فجلسا فجاء سعيد مكة فأقام بها ورجع معها عبد الله بن خالد بن أسيد. [وفي رواية أخرى] : لما انتهت عائشة رضي الله عنها3 إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب - وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه - فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت: والله ليت أن هذه انطبقت على هذه أن تم الأمر لصاحبك! ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقا: لها ابن أم كلاب: ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا: وقولي الاخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب: فمنك البداء ومنك الغير ... ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام ... وقلت لنا إنه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله ... وقاتله عندنا من أمر ولم يسقط السيف من فوقنا ... ولم تنكسف شمسنا والقمر   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 452. 2- صغونا: ميلنا. 3- عن سيف بن عمر, عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي, ط 4 – 458. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وقد بايع الناس ذا تدرإ1 ... يزيل الشبا ويقيم الصعر ويلبس للحرب أثوابها ... وما من وفى مثل من قد غدر فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت الحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت: يا ايها الناس إن عثمان قتل مظلوما والله لأطلبن بدمه.   1- ذو تدرأ: ذو عدة وقوة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 توجه عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة : لما اجتمع2 إلى مكة بنو أمية ويعلي بن منية وطلحة والزبير ائتمروا أمرهم وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئية حتى يثأروا وينتقموا فأمرتهم عائشة رضي الله عنها بالخروج إلى المدينة واجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها وقال لها طلحة والزبير: إنا نأتي أرضا قد أضيعت وصارت إلى علي وقد أجبرنا على بيعته وهم محتجون علينا بذلك وتاركوا أمرنا إلا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة ثم ترجعي فنادى المنادي: إن عائشة تريد البصرة وليس في ستمائة بعير ما تغنون به غوغاء وجلبة الأعراب وعبيدا قد انتشروا وافترشوا أذرعهم مسعدين لأول واعية وبعثت إلى حفصة فارادت الخروج فعزم عليها ابن عمر فأقامت فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبير وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكان يصلي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل وخرج معها مروان وسائر بني أمية إلا من خشع وتيامنت عن أوطاس وهم ستمائة راكب سوى من كانت له مطية فتركت الطريق ليلة وتيامنت عنها كأنهم سيارة ونجعة مساحلين   2 - عن محمد بن قيس, عن الأعز ط 4 – 453. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد حتى أتوا البصرة في عام خصيب وتمثلت: دعي بلاد جموع الظلم إذ صلحت ... فيها المياه وسيري سير مذعور تخيري النبت فارعي ثم ظاهرة ... وبطن واد من الضمار ممطور [وقد] جمع الزبير1 بنيه حين اراد الرحيل فودع بعضهم وأخرج بعضهم وأخرج ابني أسماء جميعا فقال: يا فلان أقم يا عمرو أقم فلما رأى ذلك عبد الله بن الزبير قال: يا عروة أقم ويا منذر اقم فقال الزبير: ويحك! استصحب ابني واستمتع منهما فقال: إن خرجت بهم جميعا فاخرج وإن خلفت منهم أحدا فخلفهما ولا تعرض أسماء للثكل من بين نسائك فبكى وتركهما فخرجوا حتى إذا انتهوا إلى جبال أوطاس تيامنوا وسلكوا طريقا نحو البصرة وتركوا طريقها يسارا حتى إذا دنوا منها فدخلوها ركبوا المنكدر. خرج الزبير وطلحة2 ففصلا ثم خرجت عائشة فتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فلم ير يوم كان أكثر باكيا على الإسلام أو باكيا له من ذلك اليوم كان يسمى يوم النحيب وأمرت عبد الرحمن بن عتاب فكان يصلي بالناس وكان عدلا بينهم. [و] لما تيامن3 عسكرها عن أوطاس اتوا على مليح بن عوف السلمي وهو   1- عن سعيد بن عبد الله, عن أبي مليكة, ط 4 – 460. 2- عن ابن الشهيد, عن أبي مليكة, ط 4 – 460. 3- عن محمد بن عبد الله, عن يزيد بن معن السلمي, ط 4 – 461. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 مطلع ماله فسلم على الزبير وقال: يا أبا عبد الله ما هذا؟ قال: عدي على أمير المؤمنين رضي الله عنه فقتل بلا ترة ولا عذر قال: ومن؟ قال: الغوغاء من الأمصار ونزاع القبائل وظاهرهم الأعراب والعبيد قال: فتريدون ماذا؟ قال: ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب قال: والله إن ترك هذا لشديد ولا تدرون إلى اين ذلك يسير! فودع كل واحد منهما صاحبه وافترقا ومضى الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 موقف عبد الله بن عمر : لما إجتمع الرأي1 من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومن بمكة من المسلمين على السير إلى البصرة والانتصار من قتلة عثمان رضي الله عنه خرج الزبير وطلحة حتى لقيا ابن عمر ودعواه إلى الخفوف2 فقال: إني إمرؤ من أهل المدينة فإن يجتمعوا على النهوض أنهض وإن يجتمعوا على القعود اقعد فتركاه ورجعا.   1- عن سيف, عن محمد وطلحة , ط 4 – 460. 2- أي الخفة معهم وإعانتهم على ما يريدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 خروج علي إلى الربذة يريد البصرة : كان علي في هم من توجه القوم3 لا يدري إلى أين يأخذون! وكان أن يأتوا البصرة أحب إليه فلما تيقن أن القوم يعارضون طريق البصرة سر بذلك   1- عن سيف, عن محمد وطلحة , ط 4 – 460. 2- أي الخفة معهم وإعانتهم على ما يريدون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وقال: الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم فقال: له ابن عباس: إن الذي يسرك من ذلك ليسوءني إن الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيهم من يسمو إلى أمر لا يناله فإذا كان كذلك شغب على الذي نال حتى يفثأه فيفسد بعضهم على بعض فقال علي: إن الأمر ليشبه ما تقول ولكن الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم سابقة وقدمة فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم فإن أقنعهم ذلك كان خيرا لهم وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شرا على من هو شر له فقال ابن عباس: إن ذلك لأمر لا يدرك إلا بالقنوع. جاء عليا الخبر1 عن طلحة والزبير وأم المؤمنين فأمر على المدينة تمام بن العباس وبعث إلى مكة قثم بن العباس وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق واراد ان يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن. بلغ عليا الخبر2 - وهو بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالذي اجتمع عليه ملؤهم طلحة والزبير وعائشة, ومن تبعهم وبلغه قول عائشة وخرج على يبادرهم في تعبيته التي كان تعبي بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال: يا امير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فسبوه فقال: دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرهم فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة.   1- عن سهل بن يوسف, عن القاسم بن محمد, ط 4 – 455. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 455. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قال طارق بن شهاب1: خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه فلما إنتهينا إلى الربذة - وذلك في وجه الصبح - إذا الرفاق وإذا بعضهم يحدو بعضا فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أمير المؤمنين فقلت: ما له؟ قالوا: غلبه طلحة والزبير فخرج يعترض لهما ليردهما فبلغه أنهما قد فاتاه فهو يريد أن يخرج في آثارهما فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون آتي عليا فأقاتل معه هذين الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه إن هذا لشديد فخرجت فأتيته فأقيمت الصلاة بغلس فتقدم فصلى فلما إنصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال: قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك فقال علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية! وما الذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يدي غيرك فعصيتني في ذلك كله قال: أي بني أما قولك: لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به وأما قولك: لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار فإن الأمر أمر اهل المدينة وكرهنا ان يضيع هذا الامر وأما قولك حين خرج طلحة والزبير فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام ووالله ما زلت مقهورا مذ وليت منقوصا لا أصل إلى شيء مما ينبغي وأما قولك: إجلس في بيتك فكيف لي بما قد لزمني؟ أو من تريدني؟ أتريد ان أكون مثل الضبع التي يحاط بها ويقال: دباب دباب2 ليست هاهنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه فكف عنك أي بني.   1- عن خالد بن مهران البجلي, عن مروان بن عبد الرحمن الخميسي, ط 4 – 455. 2- دباب كقطام: دعاء الضبع للضبع, أي دبي, ط 4 – 458. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الموقف في البصرة : ومضى الناس1 حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة لقيهم عمير ابن عبد الله التميمي فقال: يا أم المؤمنين أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي منهم أحدا فيكفيكهم! فقالت جئتني بالرأي امرؤ صالح قال: فعجلي ابن عامر فليدخل فإن له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي ويسمعوا ما جئتم فيه فأرسلته فاندس إلى البصرة فأتى القوم وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى رجال من أهل البصرة وكتبت إلى الأحنف ابن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم من الوجوه ومضت حتى إذا كانت بالحفير انتظرت الجواب بالخبر ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران ابن حصين - وكان رجل عامة - وألزه2 بأبي الاسود الدؤلي - وكان رجل خاصة - فقال: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس وهم بالحفير فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود واقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على إمتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت: {لا خَيْرَ فِي   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 461. 2- أي الصقه, ألحقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} 1. ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره. فخرج أبو الأسود2 وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى واللج3 على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان ثم أتيا الزبير فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان قالا: ألم تبايع عليا؟ قال: بلى واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت: يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ..} 4 فسرحتهما ونادى مناديها بالرحيل ومضى الرجلان حتى دخلا على عثمان بن حنيف فبدر أبو الأسود عمران فقال: يابن حنيف قد أتيت فانفر ... وطاعن القوم وجالد واصبر وابرز لهم مستلئما وشمر فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون! دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف؟ فقال عمران: إي والله لتعركنكم عركا طويلا ثم   1- سورة النساء, الآية: 114. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 462. 3- اللج: السيف. 4- سورة المائدة, الآية: 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء قال: فأشر علي يا عمران قال: إني قاعد فاقعد فقال عثمان: بل امنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي قال عمران: بل يحكم الله ما يريد فانصرف إلى بيته وقام عثمان في أمره فأتاه هشام بن عامر فقال: يا عثمان إن هذا الأمر الذي تروم يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتق لا يرتق وصدع لا يجبر فسامحهم حتى يأتي أمر علي ولا تحادهم فابى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع وأقبل عثمان على الكيد فكاد الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ وامر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: يا ايها الناس أنا قيس بن الفقدية الحميسي إن هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائفين فقد جاؤوا من المكان الذي يأمن فيه الطير وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان رضي الله عنه فما نحن بقتلة عثمان أطيعوني في هؤلاء القوم فردوهم من حيث جاؤوا فقام الاسود ابن سريع السعدي فقال: أوزعموا أنا قتلة عثمان رضي الله عنه؟ فإنما فزعوا إلينا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال او البلدان فحصبه الناس فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرا ممن يقوم معهم فكسره ذلك واقبلت عائشة رضي الله عنها فيمن معها حتى إذا انتهوا إلى المربد ودخلوا من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يثوبون حتى غص بالناس. فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد ومعه الزبير وعثمان في مسيرته فأنصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان رضي الله عنه وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتى إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال: إن في ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إعزاز دين الله عز وجل وسلطانه وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حد من حدود الله وإنكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم وإن تركتم لم يقم لكم سلطان ولم يكن لكم نظام. فتكلم الزبير بمثل ذلك فقال من في ميمنة المربد: صدقا وبرا وقالا: الحق وأمرا بالحق وقال من في ميسرته: فجرا وغدرا وقالا الباطل وأمرا به قد بايعا ثم جاء يقولان ما يقولان! وتحاثى1 الناس وتحاصبوا وأرهجوا فتكلمت عائشة - وكانت جهورية يعلو صوتها كثرة كأنه صوت امرأة جليلة - فحمدت الله عز وجل وأثنت عليه وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ويرون حسنا من كلامنا في صلاح بينهم فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} 2. فافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة: صدقت والله وبرت وجاءت والله بالمعروف وقال الآخرون: كذبتم والله ما نعرف ما تقولون فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في موضع الدباغين وبقي اصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا ومال بعضهم إلى   1- الحثي كالرمي: ما رفعت به يدك, ط 4 – 464. 2- سورة آل عمران, الآية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 عائشة وبقي بعضهم مع عثمان على فم السكة وأتى عثمان بن حنيف فيمن معه حتى إذا كانوا على فم السكة سكة المسجد عن يمين الدباغين استقبلوا الناس فأخذوا عليهم بفمها. وأقبل جارية بن قدامة السعدي1 فقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس قال: فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال: أما أنت يا زبير فحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدك وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا: لا قال: فما أنا منكما في شيء واعتزل. وقال السعدي في ذلك: صنتم حلائلكم وقدتم أمكم ... هذا لعمرك قلة الانصاف أمرت بجر ذيولها في بيتها ... فهوت تشق البيد بالإيجاف غرضا يقاتل دونها أبناؤها ... بالنبل والخطي والاسياف هتكت بطلحة والزبير ستورها ... هذا المخبر عنهم والكافي وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة - وكان محمد رجلا عابدا - فقال:   1- عن نصر بن مزاحم, عن سيف, عن سهل بن يوسف, عن القاسم بن محمد, ط 4 – 465. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 أخبرني عن قتلة عثمان! فقال: نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة - وثلث على صاحب الجمل الأحمر - يعني طلحة - وثلث على علي بن أبي طالب فضحك الغلام وقال ألا اراني على ضلال ولحق بعلي وقال في ذلك شعرا: سألت ابن طلحة عن هالك ... بجوف المدينة لم يقبر فقال ثلاثة رهط هم ... أماتوا ابن عفان واستعبر فثلث على تلك في خدرها ... وثلث على راكب الأحمر وثلث على علي ابن أبي طالب ... ونحن بدوية قرقر فقلت صدقت على الأولين ... وأخطأت في الثالث الأزهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قتال عائشة وعثمان بن حنيف : فخرج أبو الأسود1 وعمران وأقبل حكيم بن جبلة وقد خرج وهو على الخيل فأنشب القتال وأسرع أصحاب عائشة رضي الله عنها رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن فقاتلهم وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول: إنها قريش ليردينها جبنها والطيش واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى فرموا باقي الآخرين بالحجارة وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا وثار إليهم الناس فحجز الليل بينهم فرجع عثمان إلى القصر ورجع الناس إلى   1- من هنا يرجع الحديث إلى رواية سيف بن محمد وطلحة, ط 4 – 466. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 قبائلهم وجاء أبو الجرباء - أحد بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم - إلى عائشة وطلحة والزبير فاشار عليهم بأمثل من مكانهم فاستنصحوه وتابعوا رأيه فساروا من مقبرة بني مازن فأخذوا على مسناة البصر من قبل الجبانة حتى انتهوا إلى الزابوقة ثم أتوا مقبرة بنو حصن وهي متنحية إلى دار الرزق فباتوا يتأهبون وبات الناس يسيرون إليهم واصبحوا وهم على رجل في ساحة دار الرق وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الذي تسب وتقول له ما أسمع؟ قال: عائشة قال: يابن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله ثم مر بامرأة وهو يسبها - يعني عائشة – فقالت: من هذا الذي ألجأك إلى هذا؟ قال: عائشة قالت: يابن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا؟ فطعنها بين ثدييها فقتلها ثم سار فلما اجتمعوا واقفوهم فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا من حين بزغت الشمس إلى أن زال النهار وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف وفشت الجراحة في الفريقين ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف فيأبون حتى إذا مسهم الشر وعضهم1 نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح والمتاب فأجابوهم وتواعدوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة وحتى يرجع الرسول من المدينة فإن كانا أكرها خرج عثمان وأخلى لهما البصرة وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير:   1 - في ابن الأُير: "وعضتهم الحرب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الاتفاق على وقف القتال بين عثمان بن حنيف وعائشة : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين إن عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 يقيم حيث ادركه الصلح على ما في يده وإن طلحة والزبير يقيمان حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهما حتى يرجع أمين الفريقين ورسولهم كعب بن سور من المدينة ولا يضار واحد من الفريقين الآخر في مسجد ولا سوق ولا طريق ولا فرضة بينهم عيبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر فإن رجع بأن القوم أكرهوا طلحة والزبير فالأمر أمرهما وإن شاء عثمان خرج حتى يلحق بطيته وإن شاء دخل معهما وإن رجع بأنهما لم يكرها فالأمر أمر عثمان فإن شاء طلحة والزبير أقاما على طاعة علي وإن شاءا اخرجا حتى يلحقا بطيتهما والمؤمنون أعوان الفالح منهما. فخرج كعب حتى يقدم المدينة فاجتمع الناس لقدومه وكان قدومه يوم جمعة فقام كعب فقال: يا اهل المدينة إني رسول أهل البصرة إليكم أأكره هؤلاء القوم هذين الرجلين على بيعة علي أم أتيا طائعين؟ فلم يجبه أحد من القوم إلا ما كان من أسامة بن زيد فإنه قام فقال: اللهم إنهما لم يبايعا إلا وهما كارهان فأمر به تمام فواثبه سهل بن حنيف والناس وثار صهيب بن سنان وأبو أيوب بن زيد في عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا ان يقتل أسامة فقال: اللهم نعم فانفرجوا عن الرجل فانفرجوا عنه وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزله وقال: قد علمت أن أم عامر حامقة أما وسعك ما وسعنا من السكوت؟ قال: لا والله ما كنت أرى أن الأمر يترامى إلى ما رأيت وقد أبسلنا1 لعظيم فرجع كعب وقد اعتد طلحة والزبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتد به منها أن محمد بن طلحة - وكان صاحب صلاة - قام مقاما قريبا من عثمان بن حنيف   1- أبسلت فلانا: أسلمته للهلكة, ط 4 – 468. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فخشي بعض الزط والسيابجة1 أن يكون جاء لغير ما جاء له فبعثا إلى عثمان هذه واحدة وبلغ عليا الخبر الذي كان بالمدينة من ذلك فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول: والله ما أكرها إلا كرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظرا فقدم الكتاب على عثمان بن حنيف.   1- السيابجة: قوم من السند كانوا بالبصرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فأصبح طلحة والزبير1 وبيت المال والحرس في ايديهما والناس معهما ومن لم يكن معهما مغمور مستسر وبعثا حين أصبحا بأن حكيما في الجمع فبعثت: لا تحبسا عثمان ودعاه ففعلا فخرج عثمان فمضى لطلبته وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع إليهم من افناء ربيعة ثم وجهوا نحو دار الرزق وهو يقول: لست باخيه إن لم أنصره وجعل يشتم عائشة رضي الله عنها فسمعته امرأة من قومه فقالت: يا ابن الخبيثة انت أولى بذلك فطعنها فقتلها فغضبت عبد القيس إلا من كان اغتمر منهم فقالوا: فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم! والله لندعنك حتى يقيدك الله فرجعوا وتركوه ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان ابن عفان وحصره من نزاع القبائل كلها وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة فاجتمعوا إليه فانتهى بهم إلى الزابوقة عند دار الرزق وقالت عائشة: لا تقتلوا إلا من قاتلكم ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدا فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادي فقال طلحة والزبير: الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة اللهم لا تبق منهم أحدا وأقد منهم اليوم فاقتلهم فجادوهم القتال فاقتتلوا اشد قتال ومعه أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول: أضربهم باليابس ... ضرب غلام عابس من الحياة آيس ... في الغرفات نافس   1- ما زال الحديث حديث سيف عن محمد وطلحة, ط 4 – 470. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فأصاب جسده فصرعه فأتاه حتى قتله ثم اتكأ عليه وقال: يا فخذ لن تراعي ... إن معي ذراعي أحمي بها كراعي وقال وهو يرتجز: ليس علي أن أموت عار ... والعار في الناس هو الفرار والمجد لا يفضحه الدمار فأتى عليه رجل وهو رثيث1 رأسه على الآخر فقال: مالك يا حكيم؟ قال: قتلت قال: من قتلك؟ قال: وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وأنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول: إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا محالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجواد اللهم إنهم لم يريدا عثمان فنادى مناد: يا خبيث جزعت حين عضك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة وأصبتم من الدماء ونلتم من الدنيا فذق وبال الله عز وجل وانتقامه وأقيموا فيمن أنتم. وقتل ذريح ومن معه وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجؤوا إلى قومهم ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة: ألا من كان فيهم من   1- الرثيث: الجريح وبه رمق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجئ بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير فإن بني سعد منعوه وكان من بني سعد فمسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه أجلا وخشنوا صدور بني سعد وإنهم لعثمانية حتى قالوا: نعتزل وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي فأمر للناس بإعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم وفضلا بالفضل أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضول فبادروا إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرج القوم حتى نزلوا على طريق علي وأقام طلحة والزبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلا حرقوص وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه: إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل حتى يكون الله عز وجل هو الذي يردنا عن ذلك فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم وخالفنا شرارهم ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة حتى إذا لم يبق حجة ولا عذرا استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير والله سبحانه مقيده إن شاء الله وكانوا كما وصف الله عز وجل وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به فنلقى الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا. وبعثوا به مع سيار العجلي وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفر بن معرض وكتبوا إلى أهل اليمامة وعليها سبرة بن عمرو العنبري مع الحارث السدوسي وكتبوا إلى أهل المدينة مع ابن قدامة القشيري فدسه إلى أهل المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم: أما بعد فإني أذكركم الله عز وجل والإسلام أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه إتقوا الله واعتصموا بحبله1 وكونوا مع كتابه فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده فأجابنا الصالحون إلى ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وقالوا: لنتبعنكم عثمان ليزيدوا الحدود تعطيلا فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر فقرأنا عليهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} 2 فأذعن لي بعضهم واختلفوا بينهم فتركناهم وذلك فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين فرد كيدهم في نحورهم فمكثنا ستا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده - وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه - فأبوا واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا فجمع الله عز وجل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم فاقادهم فلم يفلت منهم إلا رجل وأردأنا الله ومنعنا منهم بعمير بن مرثد ومرثد بن قيس ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فالزموا الرضا إلا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقه ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين فكتبت إلى رجال بأسمائهم فثبطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فإن هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضي الله عنه وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهد واعلينا فيما أمرناهم به وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر وقالوا لنا المنكر فأنكر   1- ط 4 – 473. 2- سورة آل عمران, الآية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا وقالوا: ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم أن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين! فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم وسيابجهم فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق وألا يحولوا بيننا وبين الحق فغدروا وخانوا فلم نقايسهم1 واحتجوا ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريدا فجاءهم بالحجة فلم يعرفوا الحق ولم يصبروا عليه فغادوني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي فوجدوا نفرا على باب بيتي منهم عمير بن مرثد ومرثد بن قيس ويزيد بن عبد الله بن مرثد ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فدارت عليهم الرحى فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا الغدر. وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين. وكتب عبيد بن كعب في جمادى.   1- أي لم مجارهم ونقابلهم المثل بالمثل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 مسير على بن أبي طالب إلى البصرة ... أياما وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة فسري بذلك عنه وقال: إن أهل الكوفة أشد إلي حبا وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم فكتب إليهم: إني قد اخترتكم على الأمصار وإني بالأثرة1. [و] لما قدم علي الربذة2 أقام بها وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وأيدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه3 فمضى الرجلان وبقي علي بالربذة يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره4 وقام في الناس فخطبهم وقال: إن الله عز وجل أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب أمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال: إنه لا بد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم واتبعوا سنته   1- الأثره: الحال غير المرضية – المكرمة المتوارثة. (أقرب الموارد) . 2- عن محمد وطلحة , ط 4 – 478. 3- غمصه: أي تهون به. 4- أمر أمره: اشتد أمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وأعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه وأرضوا بالله جل وعز ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن حكما وإماما. [و] لما اراد علي1 الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال: يا أمير المؤمنين اي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم قال: فنعم إذا وقام الحجاج بن غزية الأنصاري فقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول وقال: دراكها دراكها قبل الفوت ... وانفر بنا واسم نحو الصوت لا وألت نفسي إن هبت الموت والله لأنصرن الله عز وجل كما سمانا أنصارا فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبد الله بن عباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وخرج علي وهو في سبعمائة وستين وراجز علي يرجز به: سيروا أبابيل وحثوا السيرا ... إذا عزم السير وقولوا خيرا حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا ... نغزو بها طلحة والزبيرا وهو أمام أمير المؤمنين وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسا   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 478. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 كميتا فتلقاهم بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة بن عامر يدعى مرة فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أمير المؤمنين فقال: سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية فسمعها علي فدعاه فقال: ما اسمك؟ قال: مرة قال: أمر الله عيشك كاهن سائر اليوم؟ قال: بل عائف1 فلما نزل بفيد أتته أسد وطيء فعرضوا عليه أنفسهم فقال: الزموا قراركم في المهاجرين كفاية وقدم رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال: من الرجل؟ قال: عامر بن مطر قال: الليثي؟ قال: الشيباني قال: أخبرني عما وراءك قال: فأخبره حتى سأله عن أبي موسى فقال: إن أردت الصلح فأبو موسى صاحب ذلك وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب ذلك قال: والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يرد علينا قال: قد أخبرتك الخبر وسكت وسكت علي. ولما نزل علي الثعلبية2 أتاه الذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فقام وأخبر القوم الخبر وقال: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلمنا منهم أجمعين ولما انتهى إلى الإساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: الله أكبر ما ينجيني من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما؟ وقرأ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} 3 وقال: دعا حكيم دعوة الزماع ... حل بها منزلة النزاع   1- العائف: هو الذي يزجر الطير (يتكهن بجهة طيران الطير ويتنبأ به) . 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 481. 3- سورة الحديد, الآية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال: انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب فلم يزل بذي قار يتلوم محمدا ومحمدا وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق فقال: عبد القيس خير ربيعة في كل ربيعة خير وقال: يا لهف نفسي على ربيعة ... ربيعة السامعة المطيعة قد سبقتني فيهم الوقيعة ... دعا علي دعوة سميعة حلوا بها المنزلة الرفيعة قال: وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لهم مثل ما قال لطيء وأسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 موقف أبي موسى الأشعري : ولما قدم محمد ومحمد على الكوفة وأتيا أبو موسى بكتاب امير المؤمنين وقاما في الناس بأمره فلم يجابا إلى شيء فلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجي على أبي موسى فقالوا: ما ترى في الخروج؟ فقال: كان الرأي بالأمس ليس باليوم إن الذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جر عليكم ما ترون وما بقي إنما هما أمران: القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فاختاروا فلم ينفر إليه أحد فغضب الرجلان وأغلظا لأبي موسى فقال أبو موسى: والله إن بيعة عثمان رضي الله عنه لفي عنقي وعنق صاحبكما فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فانطلقا إلى علي فوافياه بذي قار وأخبراه الخبر وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجل إلى الكوفة فقال علي: يا اشتر أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كل شيء إذهب أنت وعبد الله بن عباس فأصلح ما أفسدت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة فقال للكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجرعة وأنا صاحبكم اليوم فجمع الناس فخطبهم وقال: أيها الناس إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جل وعز وبرسوله صلى الله عليه وسلم ممن لم يصحبه وإن لكم علينا حقا فأنا مؤديه إليكم؟ كان الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز وجل ولا تجترئوا على الله عز وجل وكان الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم ولا تكلفوا الدخول في هذا فأما إذ كان ما كان فإنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب فاغمدوا السيوف وأنصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة. ولما رجع1 ابن عباس إلى علي بالخبر دعا الحسن بن علي فأرسله فأرسل معه عمار بن ياسر فقال له: انطلق فأصلح ما أفسدت فأقبلا حتى دخلا المسجد فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما وأقبل عمار فقال: يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان رضي الله عنه؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا! فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمه إليه وأقبل على عمار فقال: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار؟ فقال: لم أفعل ولم تسؤني؟ وقطع عليهما الحسن فاقبل على أبي موسى فقال: يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا إلا   1- ما زال الحديث عن محمد وطلحة, ط 4 – 483. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء فقال: صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب" قد جعلنا الله عز وجل إخوانا وحرم علينا أموالنا ودماءنا, وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 1 {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} 2. وقال جل وعز: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} 3 فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا أيها الناس إنما قال له خاصة: أنت فيها قاعدا خير منك قائما وقام رجل من بني تميم فقال لعمار: أسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس وجعل أبو موسى يكفكف الناس ثم انطلق حتى أتى المنبر وسكن الناس واقبل زيد على حمار حتى وقف بباب المسجد ومعه الكتابان من عائشة رضي الله عنها إليه وإلى اهل الكوفة وقد كان طلب كتاب العامة فضمه إلى كتابه فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامة: أما بعد فثبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه. فلما فرغ من الكتاب قال: أمرت بأمر وأمرنا بأمر أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال: يا عماني - وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين - سرقت بجلولاء فقطعك الله وعصيت أم المؤمنين فقتلك الله! ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالإصلاح بين الناس فقلت:   1- سورة النساء, الآية: 92. 2- سورة النساء, الآية: 92. 3- سورة النساء, الآية: 93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ورب الكعبة وتهاوى الناس وقام أبو موسى فقال: أيها الناس أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي اليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف إنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم بما سمعنا إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تؤتى تذر الحليم كابن أمس شيموا1 سيوفكم وقصدوا2 رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم خلوا قريشا - إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة - ترتق فتقها وتشعب صدعها فإن فعلت فلأنفسها سعت وإن أبت فعلى أنفسها منت3, سمنها تهريق في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بحر هذه الفتنة من جناها. فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال: يا عبد الله بن قيس رد الفرات عن دراجه4 اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا} 5 إلى آخر الآيتين, سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق. فقام القعقاع بن عمرو فقال: إني لكم ناصح وعليكم شفيق أحب أن ترشدوا ولأقولن لكم قولا هو الحق أما ما قال الأمير فهو الأمر لو أن إليه   1- شام السيف: أغمده. 2- قصدوا رماحكم: اكسروها. 3- أي جلبت لنفسها المنية. 4- أي منحدره وطريقه. 5- سورة العنكبوت, الآية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 سبيلا وأما ما قال زيد فزيد في الامر فلا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو القول إنه لا بد من إمارة تنظم الناس وتزغ الظالم وتعز المظلوم وهذا علي يلي بما ولي وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا وكونوا من هذا الامر بمرأى ومسمع. وقال سيحان: ايها الناس إنه لا بد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنا سائرون معه. ولان عمار بعد نزوته الأولى فلما فرغ سيحان من خطبته تكلم عمار فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنفركم إلى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى طلحة والزبير1 وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا في الحق فقاتلوا معه فقال رجل: يا أبا اليقظان لهو مع من شهدت له بالجنة على من لم تشهد له فقال الحسن: اكفف عنا يا عمار فإن للإصلاح أهلا. وقام الحسن بن علي فقال: يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه والله لأن يليه أولو النهي أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم فسامح الناس وأجابوا ورضوا به وأتى قوم من طيء عديا فقالوا: ماذا ترى وماذا تأمر؟ فقال: ننتظر ما يصنع الناس فأخبر بقيام الحسن وكلام من تكلم فقال: قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه ونحن سائرون وناظرون.   1- ما زالت الرواية عن محمد وطلحة, ط 4 – 485. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وقام هند بن عمرو فقال: إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا إلى قوله وانتهوا إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الأمر وأعينوه برأيكم. وقام حجر بن عدي فقال: أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا: وأنا أولكم وقام الأشتر فذكر الجاهلية وشدتها والإسلام ورخاءه وذكر عثمان رضي الله عنه فقام إليه المقطع بن الهيثم بن فجيع العامري ثم البكائي؛ فقال: اسكت قبحك الله كلب خلي والنباح فثار الناس فأجلسوه. وقام المقطع فقال: إنا والله لا نحتمل بعدها أن يبوء أحد بذكر أحد من أئمتنا وإن عليا عندنا لمقنع والله لئن يكن هذا الضرب لا يرضى به علي فعض امرؤ على لسانه في مشاهدنا فأقبلوا على ما أحثاكم. فقال الحسن: صدق الشيخ وقال الحسن: ايها الناس إني غاد فمن شاء منكم ان يخرج معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء فنفر معه تسعة آلاف فأخذ بعضهم البر وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل أخذ البر ستة آلاف ومائتان وأخذ الماء ألفان وثمانمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 نزول أمير المؤمنين علي ذا قار : لما التقوا بذي قار1 تلقاهم علي في أناس فيهم ابن عباس فرحب بهم.   1- عن عمرو, عن الشعبي, ط 4 – 487. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وقال: يا أهل الكوفة أنتم وليتم شوكة العجم وملوكهم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك ما نريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق وبايناهم حتى يبدؤونا بظلم ولن ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله ولا قوة إلا بالله. فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي وأهل البصرة ينتظرون مرور علي بهم وهم آلاف - وفي الماء ألفان وأربعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 مساعي الإصلاح : [وفي رواية اخرى] 1. لما نزل علي ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وأرسل الحسن بن علي وعمار بعد ابن عباس والأشتر فخف في ذلك الامر جميع من كان نفر فيه ولم يقدم فيه الوجوه اتباعهم فكانوا خمسة آلاف أخذ نصفهم في البر ونصفهم في البحر وخف من لم ينفر فيها ولم يعمل لها وكان على طاعته2 ملازما للجماعة فكانوا أربعة آلاف فكان رؤساء الجماعة القعقاع بن عمرو وسعد3 بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وكان رؤساء النفار: زيد بن صوحان والأشتر مالك بن الحارث وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس ومعهم اتباعهم وأمثال   1 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 486. 2 - في نسخة "وكان علي ظاعنا". 3 - في نسخة: "سعد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 لهم ليسوا دونهم إلا أنهم لم يؤمروا منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري وأشباه لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم فبادروا في الوقعة إلا قليلا فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فارسله إلى أهل البصرة وقال له: الق هذين الرجلين يابن الحنظلية - وكان القعقاع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - فادعهما إلى الالفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له: كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني؟ فقال: نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي قال: أنت لها فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها وقال: أي أمة ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني إصلاح بين الناس قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فجاءا فقال: إني سالت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح فوالله لئن عرفنا لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح قالا: قتلة عثمان رضي الله عنه فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن وإن عمل به كان إحياء للقرآن فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الإستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة إلا رجلا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم ذلك الذي أفلت - يعني حرقوص بن زهير - فمنعه ستة آلاف وهم على رجل فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون وإن قاتلتموهم والذين إعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي حذرتم وقربتم به هذا الامر أعظم مما أراكم تكرهون وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير فقالت أم المؤمنين: فتقول أنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ماذا؟ قال: اقول هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل فقالوا: نعم إذا قد أحسنت وأصبت المقالة فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع إلى علي فأخبره فاعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه. وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل بذي قار فجاءت وفود تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأي إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليه وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الإصلاح ولا يخطر لهم قتال على بال فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم سأل علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له: ألا ابلغ بني بكر رسولا ... فليس إلى بني كعب سبيل سيرجع ظلمكم منكم عليكم ... طويل الساعدين له فضول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وتمثل علي عندها: ألم تعلم أبا سمعان أنا ... نرد الشيخ مثلك ذا الصداع ويذهل عقله بالحرب حتى ... يقوم فيستجيب لغير داع فدافع عن خزاعة جمع بكر ... وما بك يا سراقة من دفاع [و] لما جاءت1 وفود أهل البصرة إلى أهل الكوفة ورجع القعقاع من عند أم المؤمنين وطلحة والزبير بمثل رأيهم جمع علي الناس ثم قام على الغرائر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الجاهلية وشقاءها والإسلام والسعادة وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذي يليه ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا حسدوا من أفاءها الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الاشياء على أدبارها والله بالغ أمره ومصيب ما أراد ألا وإني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم.   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 493. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 رؤوس الفتنة يحبطون مساعي الإصلاح : فاجتمع نفر منهم علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة العبسي وشريح بن أوفى بن ضبيعة والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان ورضي بسير من سار وجاء معهم المصريون: ابن السوداء وخالد بن ملجم وتشاوروا فقالوا: ما الرأي؟ وهذا والله علي وهو أبصر الناس بكتاب الله وأقرب ممن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك وهو يقول ما يقول ولم ينفر إليه إلا هم والقليل من غيرهم فكيف به إذا شام القوم وشاموه1 وإذا رأوا قلتنا في كثرتهم؟ أنتم والله ترادون وما أنتم بأنجى من شيء فقال الأشتر: أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ورأي الناس فينا والله واحد وإن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا فهلموا فلنتواثب على علي فلنلحقه بعثمان فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكون. فقال عبد الله بن السوداء: بئس الرأي رأيت! أنتم يا قتلة عثمان من أهل الكوفة بذي قار الفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة وهذا ابن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا فارقأ على ظلعك2. وقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به وامتنعوا من الناس. فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت ود والله الناس أنكم على جديلة3 ولم تكونوا مع أقوام برآء ولو كان ذلك الذي تقول لتخطفكم كل شيء فقال عدي بن حاتم: والله ما رضيت ولا كرهت ولقد عجبت من تردد من تردد عن قتله في خوض الحديث فاما إذ وقع ما وقع ونزل من الناس   1- أي حققوا حملات الحرب. 2- أرقا على ظلعك: أي أصلح أمرك أولا. 3- أي على رأي واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 بهذه المنزلة فإن لنا عتادا من خيول وسلاح محمودا فإن أقدمتم أقدمنا وإن أمسكتم أحجمنا فقال ابن السوداء: أحسنت. وقال سالم بن ثعلبة: من كان أراد بما أتى الدنيا فإني لم أرد ذلك والله لئن لقيتهم غدا لا أرجع إلى بيتي ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتهم لا يزد على جزر جزور وأحلف بالله إنكم لتفرقون السيوف فرق قوم لا تصير أمورهم إلا إلى السيف فقال ابن السوداء: قد قال قولا. وقال شريح بن أوفى: أبرموا أموركم قبل أن تخرجوا ولا تؤخروا أمرا ينبغي لكم تعجيله ولا تعجلوا أمرا ينبغي لكم تأخيره فإنا عند الناس بشر المنازل فلا أدري ما الناس صانعون غدا إذا ما هم التقوا. وتكلم ابن السوداء فقال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فأنشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع ويشغل الله عليا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون. وأصبح علي على ظهر فمضى ومضى الناس حتى إذا انتهى إلى عبد القيس نزل بهم وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك ثم ارتحل حتى نزل على أهل الكوفة وهم أمام ذلك1 والناس متلاحقون به وقد قطعهم ولما بلغ أهل البصرة رأيهم ونزل علي بحيث نزل قام أبو الجرباء إلى الزبير بن العوام فقال: إن الرأي أن تبعث الآن ألف فارس فيمسوا هذا الرجل ويصبحوه قبل أن يوافي أصحابه فقال الزبير: يا أبا الجرباء إنا لنعرف أمور الحرب,   1- ط 4 – 495. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ولكنهم أهل دعوتنا وهذا أمر حدث في أشياء لم تكن قبل اليوم هذا أمر من لم يلق الله عز وجل فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة ومع ذلك إنه قد فارقنا وافدهم على أمر وأنا أرجوا أن يتم لنا الصلح فأبشروا وأصبروا وأقبل صبرة بن شيمان فقال: يا طلحة يا زبير انتهزا بنا هذا الرجل فإن الرأي في الحرب خير من الشدة فقالا: يا صبرة إنا وهم مسلمون وهذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن أو يكون فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إنما هو حدث وقد زعم قوم أنه لا ينبغي تحريكه اليوم وهم علي ومن معه فقلنا: نحن لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخره فقال علي: هذا الذي ندعوكم إليه من إقرار هؤلاء القوم شر وهو خير من شر منه وهو كأمر لا يدرك وقد كاد أن يبين لنا وقد جاءت الأحكام بين المسلمين بإيثار أعمها منفعة وأحوطها. وأقبل كعب بن سور فقال: ما تنتظرون يا قوم بعد توردكم أوائلهم؟ اقطعوا هذا العنق من هؤلاء فقالوا: ياكعب إن هذا أمر بيننا وبين إخواننا وهو أمر ملتبس لا والله ما أخذ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مذ بعث الله عز وجل نبيه طريقا إلا علموا أين مواقع أقدامهم حتى حدث هذا فإنهم لا يدرون أمقبلون هم أم مدبرون! إن الشيء يحسن عندنا اليوم ويقبح عند إخواننا فإذا كان من الغد قبح عندنا وحسن عندهم وإنا لنحتج عليهم بالحجة فلا يرونها حجة ثم يحتجون بها على أمثالها ونحن نرجوا الصلح إن أجابوا إليه وتموا وإلا فإن آخر الدواء الكي. وقام إلى علي بن أبي طالب أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن إقدامهم على القوم فقام إليه فيمن قام الأعور بن بنان المنقري فقال له علي: على الإصلاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وإطفاء النائرة1 لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم وقد أجابوني قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا, قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا قال: فهل لهم مثل ما عليهم من هذا؟ قال: نعم. وقام إليه ابو سلامة الدألاني فقال2: أترى لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله عز وجل بذلك؟ قال: نعم, قال: فترى لك حجة بتأخيرك3 ذلك؟ قال: نعم, إن الشيء إذا كان لايدرك, فالحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا, قال: فما حالنا وحالكم إن ابتلينا فدا؟ قال: إني لأرجو ألا يقتل أحد نقي قلبه لله منا ومنهم إلا أدخله الله الجنة. وقام إليه مالك بن حبيب, فقال: ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: قد بان لنا ولهم أن الإصلاح الكف عن هذا الأمر فإن بايعونا فذلك فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم قال: فإن ابتلينا فما بال قتلانا؟ قال: من أراد الله عز وجل نفعه ذلك وكان نجاءه. وقام علي فخطب الناس غحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس, املكوا أنفسكم كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم, فأنهم إخوانكم واصبروا على ما يأتيكم, وإياكم أن تسبقونا فإن المخصوم غدا من خصم اليوم. ثم ارتحل وأقدم ودفع تعبيته التي قدم فيها, حتى إذا أطل على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامه ومالك بن حبيب: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وننظر في هذا الأمر.   1- النائرة: العداوة والشحناء. (المنجد) . 2- ط 4 – 496. 3- ابن الأثير: "بتأخير ذلك". النويري: "بتأخير ذلك إلى اليوم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا حرقوص بن زهير ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب فقال: يا علي إن قومنا بالبصرة يزعمون إنك إن ظهرت عليهم غدا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم فقال: ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر ألم تسمع إلى قول الله عز وجل {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} 1 وهم قوم مسلمون! هل أنت مغن عني قومك؟ قال: نعم واختر مني واحدة من ثنتين إما أن أكون آتيك فأكون معك بنفسي وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال: يال خندف فأجابه ناس ثم نادى يال تميم فأجابه ناس ثم نادى: يال سعد فلم يبق سعدي إلا أجابه فاعتزل بهم ثم نظر ما يصنع الناس فلما وقع القتال وظفر علي جاؤوا وافرين فدخلوا فيما دخل فيه الناس. [كذلك] أرسل عمران بن حصين2 في الناس يخذل من الفريقين جميعا كما صنع الأحنف وأرسل إلى بني عدي فيما أرسل فاقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم: ألا إن أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام ويقول لكم: والله لأن أكون في جبل حضن3 مع أعنز خضر وضأن أجز أصوافها وأشرب ألبانها أحب إلى من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد: إنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء - يعنون أم المؤمنين.   1- سورة الغاشية, الآية 22 – 23. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 502. 3- في نسخة "حصين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وأهل البصرة فرق1: فرقة مع طلحة والزبير وفرقة مع علي وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين وجاءت عائشة رضي الله عنها من منزلها الذي كانت فيه حتى نزلت في مسجد الحدان في الأزد وكان القتال في ساحتهم ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان فقال له كعب بن سور: إن الجموع إذا تراءوا لم تستطع وإنما هي بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإني أخاف ألا يكون صلح وكن وراء هذه النطفة ودع هذين الغارين من مضر وربيعة فهما إخوان فإن اصطلحا فالصلح ما اردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا - وكان كعب في الجاهلية نصرانيا - فقال صبرة: أخشى أن يكون فيك شيء من النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأن أخذل أم المؤمنين وطلحة والزبير وإن ردوا عليهم الصلح وأدع الطلب بدم عثمان لا أفعل ذلك أبدا فأطبق أهل اليمن على الحضور. [و] لما رجع الأحنف2 بن قيس من عند علي لقيه هلال بن وكيع بن مالك ابن عمرو فقال: ما رأيك قال: الاعتزال فما رأيك؟ قال: مكانفة أم المؤمنين أفتدعنا وأنت سيدنا؟ قال: إنما أكون سيدكم غدا إذا قتلت وبقيت فقال هلال: هذا وأنت شيخنا؟ فقال: انا الشيخ المعصي وأنت الشاب المطاع فاتبعت بنو سعد الأحنف فاعتزل بهم إلى وادي السباع واتبعت بنو حنظلة هلال وتابعت بنو عمرو أبا الجرباء فقاتلوا.   1- حديث سيف هنا عن محمد وطلحة, ط 4 – 503. 2- عن الضريس البجلي, عن ابن يعمر, ط 4 – 504. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [و] لما أقبل الأحنف نادى: يا لأد1 اعتزلوا هذا الامر وولوا هذين الفريقين كيسة وعجزه فقام المنجاب بن راشد فقال: يال الرباب لا تعتزلوا واشهدوا هذا الأمر وتولوا كيسه ففارقوا فلما قال: يال تميم اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قام أبو الجرباء - وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم - فقال: يال عمرو لا تعتزلوا هذا الأمر وتولوا كيسه فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم والمنجاب بن راشد على بني ضبة فلما قال: يال زيد مناة اعتزلوا هذا الامر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قال هلال بن وكيع: لا تعتزلوا هذا الأمر ونادى: يال حنظلة تولوا كيسه فكان هلال على حنظلة وطاوعت سعد الأحنف واعتزلوا إلى وادي السباع. كان على هوازن2 وعلى بني سليم والأعجاز مجاشع بن مسعود السلمي وعلى عامر زفر بن الحارث وعلى غطفان أعصر بن النعمان الباهلي وعلى بكر ابن وائل مالك بن مسمع واعتزلت عبد القيس إلى علي إلا رجلا فإنه أقام ومن بكر بن وائل قيام واعتزل منهم مثل من بقي منهم عليهم سنان وكانت الأزد على ثلاثة رؤساء: صبرة بن شيمان ومسعود وزياد ابن عمرو والشواذب عليهم رجلان: على مضر الخريت بن راشد وعلى قضاعة والتوابع الرعبي الجرمي - وهو لقب - وعلى سائر اليمن ذو الآجرة الحميري. فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزابوقة في موضع قرية الأرزاق فنزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت ربيعة فوقهم جميعا وهم لا   1- عن محمد, وعن أبي عثمان, ط 4 – 504, في نسخة "يا لزيد" وهو أد بن طابخة, أصل تميم. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 505. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يشكون في الصلح ونزلت اليمن جميعا أسفل منهم وهم لا يشكون في الصلح وعائشة في الحدان والناس في الزابوقة على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفا وردوا حكيما ومالكا إلى علي بأنا على ما فارقنا عليه القعقاع فأقدم فخرجا حتى قدما عليه بذلك فارتحل حتى نزل عليهم بحيالهم فنزلت القبائل إلى قبائلهم مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة واليمن إلى اليمن وهم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض وبعضهم يخرج إلى البعض ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح وخرج أمير المؤمنين فيمن معه وهم عشرون الفا وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار وعبد القيس على ثلاثة رؤساء: جذيمة وبكر على ابن الجارود والعمور على عبد الله بن السوداء وأهل هجر على ابن الأشج وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث ابن نهار وعلى دنور بن علي الزط والسبابجة وقدم علي ذا قار في عشرة آلاف وانضم إليه عشرة آلاف. فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وطلحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الإنقشاع وأنه لا يدرك فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 المعركة : وبعث علي من العشي1 عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى علي وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه فقالوا: نعم   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 506. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 فلما أمسوا وذلك في جمادى الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما خلا أولئك الذي هضوا عثمان فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى إجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم انسلوا إلى ذلك الأمر انسلالا وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربعيهم إلى ربعيهم ويمانيهم إلى يمانيهم فوضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم1. وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة وهم ربيعة يعبؤها2 عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيد وثبتا في القلب فقال: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة وأنه لن يطاوعنا ثم رجعا بأهل البصرة وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردوهم إلى عسكرهم فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما يريدن فلما قال: ما هذا؟ قال ذاك الرجل ما فجئنا إلا وقوم منهم بيتونا فرددناهم من حيث جاؤوا فوجدنا القوم على رجل فركبونا وثار الناس وقال علي لصاحب ميمنة: إئت الميمنة وقال لصاحب ميسرته: إئت الميسرة ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهين حتى يسفكا   1 - بهتوهم: كذبوهم. 2 - أي يرأسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الدماء ويستحلا الحرمة وإنهما لن يطاوعانا والسبئية لا تفتر إنشابا ونادى علي في الناس: ايها الناس كفوا فلا شيء فكان من رأيهم جميعا في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدؤوا يطلبون بذلك الحجة ويستحقون1 على الآخرين ولا يقتلوا مدبرا ولا يجهزون على جريح ولا يتبعوا فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما. وأقبل2 كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها فقال: أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل الله يصلح بك فركبت والبسوا هودجها الأدراع ثم بعثوا جملها وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلي بن أمية اشتراه بمائتي دينار فلما برزت من البيوت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر قالت: بخير أو بشر؟ قالوا: بشر قالت: فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون, وهي واقفة فوالله ما فجئها إلا الهزيمة فمضى الزبير من سننه3 في وجهه فسلك وادي السباع وجاء طلحة سهم غرب4 يخل ركبته بصفحة الفرس فلما إمتلأ موزجه5 دما وثقل قال لغلامه: اردفني وأمسكني وابغني6 مكانا أنزل فيه فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير:   1- يستحقون: يطلبون الحق. 2- عن محمد وطلحة وأبي عمر, ط 4 – 507. 3- سنان الرمح: نصله. 4- سهم غرب: لا يدري راميه. 5- موزجه: حفه, والموزج معرب من الفارسية, جمعه موازج. (أقرب الموارد) 6- أبغنى مكانا: التمس لي مكانا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فإن تكن الحوادث أقصدتني ... وأخطأهن سهمي حين أرمي فقد ضيعت حين تبعت سهما ... سفاها ما سفهت وضل حلمي ندمت ندامة الكسعي لما ... شريت رضا بني سهم برغمي أطعتهم بفرقة آل لأي ... فألقوا للسباع دمي ولحمي [وفي رواية أخرى] : ولما انهزم الناس1 في صدر النهار نادى الزبير: أنا الزبير هلموا إلي أيها الناس ومعه مولى له ينادي: أعن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهزمون؟ وانصرف الزبير نحو وادي السباع واتبعه فرسانه وتشاغل الناس عنه بالناس فلما رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم ففرق بينهم فكروا عليه فلما عرفوه قالوا: الزبير! فدعوه فلما نفر فيهم علباء بن الهيثم ومر القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول: إلي عباد الله الصبر الصبر! قال له: يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل فادخل الأبيات فقال: يا غلام أدخلني وابغني مكانا فدخل البصرة ومعه غلام ورجلان فاقتتل الناس بعده فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة فلما رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قلبا كما كانوا حيث التقوا وعادوا إلى أمر جديد ووقفت ربيعة البصرة منهم ميمنة ومنهم ميسرة وقالت عائشة: خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه ودفعت إليه مصحفا وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلا إقداما فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحدا فقتلوه ورموا عائشة في هودجها فجعلت تنادي: يا بني البقية البقية - ويعلو صوتها كثرة - الله الله اذكروا الله عز وجل والحساب فيابون إلا   1- حديث سيف, عن محمد وطلحة, ط 4 – 512. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 إقداما فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: أيها الناس إلعنوا قتلة عثمان وأشياعهم واقبلت تدعو. وضج أهل البصرة بالدعاء وسمع علي بن ابي طالب الدعاء فقال: ما هذه الضجة؟ فقالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم فأقبل يدعو ويقول: اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم وأرسلت إلى عبد الرحمن ابن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث: اثبتا مكانكما وذمرت الناس حين رأت أن القوم لا يريدون غيرهما ولا يكفون عن الناس فازدلفت مضر البصرة فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم علي فنخس علي قفا محمد وقال: احمل فنكل فأهوى علي إلى الراية ليأخذها منه فحمل فترك الراية في يده وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبات1 على حالها لا تصنع شيئا2 ومع علي أقوام غير مضر فمنهم زيد بن صوحان فقال له رجل من قومه: تنح إلى قومك ما لك ولهذا الموقف ألست تعلم أن مضر بحيالك وأن الجمل بين يديك وأن الموت دونه؟ فقال: الموت خير من الحياة الموت ما أريد فأصيب وأخوه سيحان وارتث صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة: أن اجتمعوا على من يليكم فقام رجل من عبد القيس فقال: ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل قالوا: وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله سبحانه ومن قتل داعي الله كعب بن سور! فرمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه وقام مسلم بن عبد الله العجلي مقامه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم.   1- ابن الأثير: "والمجبنتان على حالهما". 2- ط 4 – 514. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 [و] كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف النهار1 واصيب فيه طلحة رضي الله عنه وذهب فيه الزبير فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة ذمرتهم2 عائشة فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال: إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم. [و] اقتتلت المجنبتان3 حين تزاحفتا قتالا شديدا يشبه ما فيه القلبان واقتتل أهل اليمن فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة كلما أخذها رجل قتل خمسة من همذان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد ابن قيس أخذها فثبتت في يده وهو يقول: قد عشت يا نفس وقد غنيت ... دهرا فقطك اليوم ما بقيت أطلب طول العمر ما حييت وإنما تمثلها وهو قول الشاعر قبله. وقال نمران بن أبي نمران الهمداني: جردت سيفي في رجال الأزد ... أضرب في كهولهم والمرد كل طويل الساعدين نهد   1 - عن محمد وطلحة, ط 4- 514. 2 - زمر: حض. 3 - أي قلب جيش على وقلب جيش عائشة, ط 4 – 515. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وأقبلت ربيعة فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد وصرع صعصعة ثم سيحان ثم عبد الله بن رقبة بن المغيرة ثم أبو عبيدة بن راشد ابن سلمى وهو يقول: اللهم أنت هديتنا من الضلالة واستنقذتنا من الجهالة وابتليتنا بالفتنة فكنا في شبهة وعلى ريبة حتى قتل ثم الحصين بن معبد ابن النعمان فأعطاها ابنه معبدا وجعل يقول: يا معبد قرب لها بوها تحدب فثبتت في يده. [و] لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة الصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر علي: يا أيها الناس طرفوا إذا فرغ الصبر ونزع النصر فجعلوا يتوجؤون1 الاطراف: الأيدي والارجل فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة ورجلا مقطوعة منها ولا يدرى من صاحبها وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتاب يومئذ قبل قتله وكان الرجل من هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى أن يقتل. [و] اشتد2 الأمر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب حتى لزقت به ولزقت ميسرة البصرة بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم وإن كانوا إلى جنبهم وفعل مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة فقالت عائشة رضي الله عنها لمن عن يسارها: من القوم قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد قالت: يا آل غسان حافظوا اليوم جلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت:   1- يتوجؤون الأطراف: يضربونهم في أيديهم وأرجلهم, ط 4 – 516. 2- عن الصعب بن عطية بن بلال, عن أبيه, ط 4 – 516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وجالد من غسان اهل حفاظها ... وهنب وأوس جالدت وشبيب وقالت لمن عن يمينها: من القوم؟ قالوا: بكر بن وائل قالت: لكم يقول القائل: وجاءوا الينا في الحديد كأنهم ... من العزة القعساء بكر بن وائل إنما بازائكم عبد القيس فاقتتلوا أشد القتال من قتالهم قبل ذلك وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم؟ قالوا: بنو ناجية قالت: بخ بخ سيوف أبطحية وسيوف قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت: ويها جمرة الجمرات! حتى إذا رقوا خالطهم بنو عدي وكثروا حولها فقالت: من أنتم؟ قالوا: بنو عدي خالطنا إخواننا فقالت: ما زال رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبة حولي فأقاموا رأس الجمل ثم ضربوا ضربا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا: لا يزال القوم أو يصرع وأرزت مجنتا علي فصارتا في القلب وفعل ذلك أهل البصرة وكره القوم بعضهم بعضا وتلاقوا جميعا بقلبيهم وأخذ بن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز وادعى قتل علباء بن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو فقال: أنا لمن ينكرني ابن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين علي فناداه عمار: لقد لعمري لذت1 بحريز وما إليك سبيل فإن كنت صادقا فاخرج من هذه الكتيبة إلي فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى   1 - ابن الأثير: "عذت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كان بين أصحاب عائشة وأصحاب علي فزحم الناس عمارا حتى أقبل إليه فاتقاه عمار بدرقته فضربه فانتشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج فخرج عمار إليه لا يملك من نفسه شيئا فأسف عمار لرجليه فقطعهما فوقع على أسته وحمله أصحابه فارتث بعد فأتى به علي فأمر بضرب عنقه ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام ثم خرج فنادى: من يبارز؟ فخنس عمار وبرز إليه إليه ربيعة العقيلي - والعدوي يدعى عمرة بن بجرة أشد الناس صوتا - وهو [أي ربيعة] يقول: يا امنا أعق أم نعلم ... والأم تغدو ولدا وترحم ألا ترين كم شجاع يكلم ... وتختلى منه يد ومعصم ثم اضطربا فأثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا وقال عطية بن بلال: ولحق بنا من آخر النهار رجل يدعى الحارث من بني ضبة فقام مقام العدوي فما رأينا رجلا قط أشد منه وجعل يقول: نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل الموت أحلى عندنا من العسل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل1 [و] جعل2 أبو الجرباء يومئذ يرتجز ويقول: أسامع أنت مطيع لعلي ... من قبل أن تذوق حد المشرفي وخاذل في الحق أزواج النبي ... أعرف قوما لست فيه بعني   1 - يجل: أي حسب. 2 - عن الصعب بن عطية, عن أبية, ط 4 – 525. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 [وقد] كانت1 ام المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان يحمل الراية واللواء لا يحسن تركها وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب لها: أنا فلان ابن فلان فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت وما رامه احد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه ففقئت عينه ونكل فجاء الأشتر فحامله عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وإنه لأقطع منزوف فاعتنقه ثم جلد به الارض عن دابته فاضطرب تحته فأفلت وهو جريض. [و] بما أنه كان لا يجيء2 رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول: أنا فلان بن فلان يا أم المؤمنين فجاء عبد الله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله أنا ابن أختك قالت: واثكل أسماء! - تعني أختها - وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم فخرج عبد الله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فمشى إليه الأشتر فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر ومشى إليه عبد الله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وخرا إلى الارض يعتركان فقال عبد الله بن الزبير: "اقتلوني ومالكا"3. وكان مالك يقول: ما أحب أن يكون قال: "والأشتر" وإن لي حمر النعم وشد ناس من أصحاب علي وأصحاب عائشة فافترقا وتنقذ كل واحد من الفريقين صاحبه.   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 525. 2- عن هشام بن عروة, عن أبيه, ط 4 – 525. 3- فذهبت هذه الكلمة مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وجاء محمد بن طلحة1 فأخذ بزمام الجمل فقال: يا أمتاه مريني بامرك قالت: آمرك أن تكون كخير بني آدم إن تركت قال: فحمل فجعل لا يحمل عليه أحدا إلا حمل عليه ويقول: "حم لا ينصرون" واجتمع عليه نفر فكلهم ادعى قتله: المكعبر الأسدي والمكعبر الضبي ومعاوية بن شداد العبسي وعفان بن الأشقر النصري فأنفذه بعضهم بالرمح ففي ذلك يقول قاتله منهم: وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم يذكرني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم على غير شيء غير ان ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يندم قال القعقاع بن عمرو للأشتر يؤلبه: يومئذ هل لك في العود؟ فلم يجبه فقال: يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك فحمل القعقاع وإن الزمام مع زفر بن الحارث وكان آخر من أعقب في الزمام فلا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل فقتل فيمن قتل يومئذ ربيعة جد إسحاق بن مسلم وزفر يرتجز ويقول: يا أمنا يا عيش لن تراعي ... كل بنيك بطل شجاع ليس بوهام ولا براعي   1- عن الصعب بن عطية, عن أبيه, ط 4 – 526. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وقام القعقاع يرتجز ويقول: إذا وردنا آجنا جهرناه ... ولا يطاق ورد ما منعناه تمثلها تمثلا. [و] كان آخر من قاتل1 ذلك اليوم زفر بن الحارث فزحف إليه القعقاع فلم يبق حول الجمل عامري مكتهل إلا أصيب يتسرعون إلى الموت وقال القعقاع: يا بجير بن دلجة صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فقال: يال ضبة يا عمرو بن دلجة ادع بي إليك فدعا به فقال: أنا آمن حتى ارجع؟ قال: نعم قال: فاجتث ساق البعير فرمى بنفسه على شقه وجرجر البعير وقال القعقاع لمن يليه: أنتم آمنون واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودج فوضعاه ثم أطافا به وتفار من وراء ذلك من الناس. لما أمسى الناس2 وتقدم علي وأحيط بالجمل ومن حوله وعقره بجير بن دلجة وقال: انكم آمنون كف بعض الناس عن بعض - وقال علي في ذلك حين أمسى وانخنس عنهم القتال:   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 527. 2- عن الصعب بن عطية, عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 إليك أشكو عجري وبجري ... ومعشرا عشوا علي بصري قتلت منهم مضرا بمضري ... شفيت نفسي وقتلت معشري قال طلحة يومئذ1: اللهم اعط عثمان مني حتى يرضى فجاء سهم غرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت حتى امتلأ موزجه2 دما فلما ثقل قال لمولاه: أردفني وابغني مكانا لا أعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما [مني] 3. فركب مولاه وأمسكه وجعل يقول: قد لحقنا القوم حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة خربة وأنزله في فيئها فمات في تلك الخربة ودفن رضي الله عنه في بني سعد. كانت ربيعة4 مع علي يوم الجمل ثلث اهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن فقال بنو صوحان: يا أمير المؤمنين ائذن لنا نقف عن مضر ففعل فأتى زيد فقيل له: ما يوقفك حيال الجمل وبحيال مضر؟ الموت معك وبإزائك فاعتزل الينا فقال: الموت نريد فأصيبوا يومئذ وأفلت صعصعة من بينهم.   1- عن اسماعيل بن أبي خالد, عن حكيم بن جابر, ط 4 – 527. 2- الموزج: الخف, كلمة فارسية معربة. 3- من ابن الأثير. 4- عن البختري العبدي, عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قال الصعب بن عطية1: كان رجل منا يدعى الحارث فقال يومئذ: يال مضر علام يقتل بعضكم بعضا؟ تبادرون لا ندري إلا أنا إلى قضاء وما تكفون في ذلك. كان القتال2 يومئذ في صدر النهار مع طلحة والزبير فانهزم الناس وعائشة توقع الصلح فلم يفجأها إلا الناس فأحاطت بها مضر ووقف الناس للقتال فكان القتال نصف النهار مع عائشة وعلي ... 3 كعب بن سور أخذ مصحف عائشة وعلي فبدر بين الصفين يناشدهم الله عز وجل في دمائهم وأعطى درعه فرمى بها تحته وأتي بترسه فتنكبه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه رضي الله عنه ولم يمهلوهم أن شدوا عليهم والتحم القتال فكان أول مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة. قال والد مخلد بن كثير4: ارسلنا مسلم بن عبد الله يدعو بني أبينا فرشقوه - كما صنع القلب بكعب - رشقا واحدا فقتلوه فكان أول من قتل بين يدي امير المؤمنين وعائشة رضي الله عنهما فقالت أم مسلم ترثيه:   1- ط 4 - 528. 2- عن ابن صعصعة المزني- أو عن صعصعة- عن عمرو بن جأوان، عن جرير بن أشرس. 3- يوجد نقص في الأصل. 4- عن سيف عن مخلد بن كثير عن أبيه، ط4- 529. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 لا هم إن مسلما أتاهم ... مستسلما للموت إذ دعاهم إلى كتاب الله لا يخشاهم ... فرملوه من دم إذ جاهم وأمهم قائمة تراهم ... يأتمرن الغي لا تنهاهم لما انهزمت1 مجنبتا الكوفة عشية الجمل صاروا إلى القلب - وكان ابن يثربي قاضي البصرة قبل كعب بن سور فشهدهم هو وأخوه يوم الجمل وهما عبد الله وعمرو فكان واقفا أمام الجمل على فرس - فقال علي: من رجل يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمرو المرادي فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثربي ثم حمل سيحان بن صوحان فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثربي ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يثربي فقتله ثم حمل صعصعة فضربه فقتل ثلاثة أجهز عليهم في المعركة: علباء وهند وسيحان وارتث2 صعصعة وزيد فمات أحدهما وبقي الآخر. أخذ الخطام3 يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام وحمل الأشتر فاعترضه عبد الله بن الزبير فاختلفا ضربتين ضربة الأشتر فأمه4 وواثبه عبد الله فاعتنقه فخر به وجعل يقول: "اقتلوني   1- عن سيف, عن الصعب بن حكيم بن شريك, عن أبيه عن جده. 2- ارتث: حمل جريحا. 3- عن عمرو بن محمد, عن الشعبي, ط 4 – 530. 4- أمه: جرحه جرحا بليغا في رأسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ومالكا - وكان الناس لا يعرفونه بمالك ولو قال:" والأشتر" وكانت له الف نفس ما نجا منها شيء - وما زال يضطرب في يدي عبد الله حتى أفلت وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد وجرح يومئذ مروان وعبد الله ابن الزبير. ارتجز يومئذ ابن يثربي1. أنا لمن أنكرني ابن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين علي وقال: من يبارز؟ فبرز له رجل فقتله ثم برز له آخر فقتله وارتجز وقال: أقتلهم وقد أرى عليا ... ولو أشأ أوجرته عمريا فبرز له عمار بن ياسر وإنه لأضعف من بارزه وإن الناس ليسترجعون حين قام عمار وانا أقول لعمار من ضعفه: هذا والله لاحق بأصحابه وكان قضيفا2 حمش الساقين3 وعليه سيف حمائله تشف عنه قريب من إبطه,   1- عن داود بن أبي هند, عن شيخ من بني ظبة. 2- القضيف: الدقيق العظم, القليل اللحم. 3- حمش الساقين: دقيقهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فيضربه ابن يثربي بسيفه فنشب في حجفته1 وضربه عمار وأوهطه2 ورمى أصحاب علي ابن يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتثوه3. لما قال الضبي يوم الجمل4: نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ردوا علينا شيخنا ثم بجل قال عمير بن أبي الحارث: كيف نرد شيخكم وقد قحل5 ... نحن ضربنا صدره حتى انجفل6 [وقد] عقر الجمل7 [كما مر معنا] رجل من بني ضبه يقال له: ابن دلجة - عمرو أو بجير - وقال في ذلك الحارث بن قيس - وكان من أصحاب عائشة: نحن ضربنا ساقه فانجدلا ... من ضربة بالنفر كانت فيصلا لو لم نكون للرسول ثقلا ... وحرمة لاقتسمونا عجلا وقد نحل ذلك المثنى بن مخرمة من أصحاب علي.   1- الجحفة: الترس. 2- أوهطة: أضعفه وأثخنه ضربا. 3- أي حملوه من المعركة جريحا. 4- عن سيف, عن حماد البرجمي, عن خارجة بن الصلت. 5- قحل: مات وجف جلده (اللسان) . 6- انجفل: سقط. 7- عن الصعب بن حكيم, عن أبيه عن جده, ط 4 – 531. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 صفة القتال يوم الجمل : قال القعقاع1: ما رأيت شيئا أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفين لقد رأيتنا ندافعهم بأسنتنا ونتكيء على ازجتنا وهم مثل ذلك حتى لو أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم.   1- عن محمد بن نويرة, عن أبي عثمان, ط 4 – 532. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 إنزال هودج عائشة : أتى محمد بن أبي بكر2 وعمار بن ياسر عائشة وقد عقر الجمل فقطعا غرضة3 الرحل واحتملا الهودج فنحياه حتى أمرهما علي فيه أمره بعد قال: أدخلاها البصرة فأدخلاها دار عبد الله بن خلف الخزاعي. [و] أمر علي4 نفرا بحمل الهودج من بين القتلى وقد كان القعقاع وزفر ابن الحارث انزلاه عن ظهر البعير فوضعاه إلى جنب البعير فاقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه نفر فأدخل يده فيه فقالت: من هذا؟ قال: أخوك البر قالت: عقوق قال عمار بن ياسر: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه؟ قالت: من أنت؟ قال: أنا إبنك البار عمار قالت: لست لك بأم قال: بلى وإن كرهت. قالت: فخرتم إن ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم هيهات والله لن يظفر من كان هذا رأبه وأبرزوها بهودجها من القتلى   1- عن محمد بن نويرة, عن أبي عثمان, ط 4 – 532. 2- عن محمد بن راشد السلمي, عن ميسرة أبي جميلة, ط 4 – 533. 3- الغرضة للرحل كالحزام للسرج. 4- عن محمد وطلحة, ط 4 – 533. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ووضعوها ليس قربها أحد وكأن هودجها فرخ مقصب1 مما فيه من النبل وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى أطلع في الهودج فقالت: إليك لعنك الله فقال: والله ما أرى إلا حميراء قالت: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي به عريانا في خربة من خربات الأزد فانتهى إليها علي فقال: اي أمه يغفر الله لنا ولكم قالت غفر الله لنا ولكم. [وفي رواية اخرى] 2. انتهى محمد بن ابي بكر ومعه عمار فقطع الانساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال: اخوك محمد فقالت: مذمم قال: يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذاك؟ قال: فمن إذن؟ الضلال؟ قالت: بل الهداة وانتهى إليها علي فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت بخير قال: يغفر الله لك قالت: ولك. ولما كان3 من آخر الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة ابن عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار وهي ام طلحة الطلحات بن عبد الله ابن خلف.   1 - في نسخة "معضب", والفرخ: الزرع اذا تهيأ للانشقاق بعدما يطلع. ومقصب: أي ذو أنابيب. 2 - عن الصعب بن حكيم ابن شريك, عن أبيه, عن جد, ط 4 – 534. 3 - عن محمد وطلحة, ط 4 – 534. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 [وكانت الواقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36 في قول الواقدي] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 مقتل الزبير بن العوام : لما انهزم الناس1 يوم الجمل عن طلحة والزبير ومضى الزبير رضي الله عنه حتى مر بعسكر الأحنف فلما رآه وأخبر به قال: والله ما هذا بخيار2 وقال للناس: من يأتينا بخبره؟ فقال: عمرو بن جرموز لأصحابه: أنا فاتبعه فلما لحقه نظر إليه الزبير - وكان شديد الغضب – قال: ما وراءك؟ قال: إنما أردت أن أسألك فقال غلام للزبير يدعى عطية كان معه: إنه معد فقال: ما يهولك من رجل؟ وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز: الصلاة فقال الزبير: الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه في جربان3 درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر فأما الأحنف فقال: والله ما أدري أحسنت أم اسأت؟ ثم انحدر إلى علي وابن جرموز معه فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فقال: سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث بذلك إلى عائشة ثم أقبل على الأحنف فقال: تربصت فقال: ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد وأنت إلي غدا أحوج منك أمس فاعرف إحساني واستصف مودتي لغد ولا تقولن مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا.   1- عن سيف, عن الوليد بن عبد الله, عن أبيه, ط 4 – 543. 2- أي باختيار منه إنما اضطر إلى ذلك؟ 3- الجربان: الجيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد : ومضى الزبير1 في صدر يوم الهزيمة راجلا نحو المدينة فقتله ابن جرموز وخرج عتبة بن أبي سفيان وعبد الرحمن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة قد شججوا في البلاد فلقوا عصمة بن أبير التيمي فقال: هل لكم في الجوار؟ قالوا: من أنت؟ قال عصمة بن أبير قالوا: نعم قال: فأنتم في جواري إلى الحول فمضى بهم ثم حماهم وأقام عليهم حتى برئوا ثم قال: اختاروا أحب بلد إليكم أبلغكموه قالوا: الشام فخرج بهم في اربعمائة راكب من تيم الرباب حتى إذا وغلوا في بلاد كلب بدومة قالوا: قد وفيت ذمتك وذممهم وقضيت الذي عليك فارجع فرجع وفي ذلك يقول الشاعر: وفي ابن أبير والرماح شوارع ... بآل أبي العاصي وفاء مذكرا وأما ابن عامر فإنه خرج أيضا مشججا فتلقاه رجل من بني حرقوص يدعى مريا فدعاه للجوار فقال نعم فأجاره واقام عليه؟ وقال: اي البلدان أحب إليك؟ قال: دمشق فخرج به في ركب من بني حرقوص حتى بلغوا به دمشق وقال حارثة بن بدر - وكان مع عائشة واصيب في الوقعة ابنه أو أخوه زراع2. أتاني من الأنباء ان ابن عامر ... أناخ والقى في دمشق المراسيا   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 535. 2- في نسخة "دراع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وأوى مروان بن الحكم إلى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة فقال لهم: اعلموا مالك بن مسمع بمكاني فأتوا مالكا فأخبروه بمكانه فقال لاخيه مقاتل: كيف نصنع بهذا الرجل الذي قد بعث إلينا يعلمنا بمكانه؟ قال: أبعث ابن أخي فأجره والتمسوا له الأمان من علي فإن آمنه فذاك الذي نحب وإن لم يؤمنه خرجنا به وبأسيافنا فإن عرض له جالدنا دونه بأسيافنا فإما أن نسلم وإما أن نهلك كراما وقد استشار غيره من أهله من قبل في الذي استشار فيه مقاتلا فنهاه فأخذ برأي أخيه وترك رأيهم فأرسل إليه فأنزله داره وعزم على منعه إن اضطر إلى ذلك وقال: الموت دون الجوار وفاء وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرفوهم بذلك وأوى عبد الله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا وقال: إئت أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا محمد بن أبي بكر فأتى عائشة رضي الله عنها فأخبرها فقالت: علي بمحمد فقال: يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد فأرسلت إليه فقالت: إذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن اختك فانطلق معه فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال1: جئتك والله بما كرهت وأبت أم المؤمنين إلا ذلك فخرج عبد الله ومحمد وهما يتشاتمان فذكر محمد عثمان فشتمه وشتم عبد الله محمدا حتى انتهى إلى عائشة في دار عبد الله ابن خلف - وكان عبد الله بن خلف قبل يوم الجمل مع عائشة وقتل عثمان أخوه مع علي - وأرسلت عائشة في طلب من كان جريحا فضمت منهم ناسا وضمت مروان فيمن ضمت فكانوا في بيوت الدار.   1- ط 4 – 537. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وغشي الوجوه عائشة1 وعلي في عسكره ودخل القعقاع بن عمرو على عائشة في أول من دخل فسلم عليها فقالت: إني رأيت رجلين بالأمس اجتلدا بين يدي وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك منهما؟ قال: نعم ذاك الذي قال: "أعق أم نعلم" وكذب والله إنك لأبر أم نعلم ولكن لم تطاعي فقالت: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وخرج فأتى عليا فأخبره أن عائشة سألته فقال: ويحك من الرجلان قال ذلك أبو هالة الذي يقول: كيما أرى صاحبه عليا فقال: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة فكان قولهما واحدا. وتسلل الجرحى2 في جوف الليل ودخل البصرة من كان يطيق الإنبعاث منهم وسألت عائشة يومئذ عن عدة من الناس منهم من كان معها ومنهم من كان عليها وقد غشيها الناس وهي في دار عبد الله بن خلف فكلما نعي لها منهم واحد قالت: يرحمه الله فقال لها رجل من أصحابها: كيف ذلك؟ قالت: كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان في الجنة وفلان في الجنة وقال علي بن أبي طالب يومئذ: إني لارجو ألا يكون أحد من هؤلاء نقى قلبه إلا أدخله الله الجنة. قال علي3: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم آية أفرح له من قول الله عز وجل:   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 537. 2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 537. 3- عن عطية, عن أبي أيوب, عن علي, ط 4 – 537. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 1 فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب المسلم في الدنيا من مصيبة في نفسه فبذنب وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر وما أصابه في الدنيا فهو كفارة له وعفو منه لا يعتد عليه فيه عقوبة يوم القيامة وما عفا الله عز وجل عنه في الدنيا فقد عفا عنه والله أعظم من أن يعود في عفوه".   1- سورة الشورى, الآية 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 دفن القتلى وتوجع علي عليهم : وأقام علي2 بن ابي طالب في عسكره ثلاثة أيام لا يدخل البصرة وندب الناس إلى موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم فطاف علي معهم في القتلى فلما أتي بكعب بن سور قال: زعمتم أنما خرج معهم السفهاء وهذا الحبر قد ترون وأتى على عبد الرحمن بن عتاب فقال: هذا يعسوب القوم - يقول الذي كانوا يطيفون به - يعني أنهم قد كانوا اجتمعوا عليه ورضوا به لصلاتهم وجعل علي كلما مر برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء هذا العابد المجتهد وصلى على قتلاهم من أهل البصرة وعلى قتلاهم من أهل الكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء فكانوا مدنيين ومكيين ودفن علي الأطراف في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من شيء ثم بعث به إلى مسجد البصرة أن من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان فإنه لما بقي لم يعرف خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز وجل لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفي شيء وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفيل3 من السلطان.   2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 538. 3- أي محمد وطلحة من السلطان, ط 4 – 539. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عدد قتلى الجمل : كان قتلى الجمل1 حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة من الازد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان وخمسمائة من قيس وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل: قتل من أهل البصرة في المعركة الاولى خمسة آلاف وقتل من أهل البصرة في المعركة الثانية خمسة آلاف فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة ومن أهل الكوفة خمسة آلاف وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخا كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن. وقالت عائشة رضي الله عنها: ما زلت أرجو النصر حتى خفيت أصوات بني عدي.   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 539. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 دخول عائشة على علي ومعاقبته من أساء إليها : ودخل علي البصرة يوم الاثنين فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فأتاه الناس ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف مع عائشة وصفية1 ابنة الحارث مختمرة2 تبكي فلما رأته قالت: يا علي يا قاتل الأحبة يا مفرق الجمع3 أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه فلم يرد عليها شيئا ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال لها: جبهتنا صفية أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم فلما   2- مختمرة: أي واضعة الخمار على وجهها. 3- ما زال الحديث عن محمد وطلحة, ط 4 – 540. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام فكف بغلته وقال: اما لهممت - وأشار إلى الأبواب من الدار - أن أفتح هذا الباب واقتل من فيه ثم هذا فاقتل من فيه ثم هذا فاقتل من فيه - وكان أناس من الجرحى قد لجئوا إلى عائشة فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم - فسكتت فخرج علي فقال رجل من الأزد والله لا تفلتنا هذه المرأة فغضب وقال: صه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن الرجل ليكافيء المرأة ويتناولها بالضرب فيعير بها عقبه من بعده فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة فانكل به شرار الناس ومضى علي فلحق به رجل فقال: يا أمير المؤمنين قام رجلان ممن لقيت على الباب فتناولا من هو أمض لك شتيمة من صفية قال: ويحك لعلها عائشة قال: نعم قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما: جزيت عنا أمنا عقوقا وقال الآخر: يا أمنا توبي فقد خطيت فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين فقال: اضرب أعناقهما ثم قال: لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة وأخرجهما من ثيابهما. [و] هما رجلان من أزد الكوفة1 يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله.   1- عن الحارث بن حصيرة. عن أبي الكنود, ط 4 – 540. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 بيعة أهل البصرة عليا وقسمه ما في بيت المال عليهم : بايع الأحنف من العشي لأنه كان خارجا هو وبنو سعد ثم دخلوا جميعا البصرة فبايع أهل البصرة على راياتهم وبايع علي أهل البصرة حتى الجرحى والمستأمنة فلما رجع مروان لحق بمعاوية وقال قائلون: لم يبرح المدينة حتى فرغ من صفين. ولما فرغ علي1 من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة فقسمها على من شهد معه [الوقعة] فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال: لكم إن أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى اعطياتكم وخاض في ذلك السبئية وطعنوا على علي من وراء وراء.   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 541. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل : كان من سيرة علي2 ألا يقتل مدبرا ولا يدفف3 على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا فقال قوم يومئذ: ما يحل لنا دماءهم ويحرم علينا اموالهم؟ فقال علي: القوم أمثالكم من صفح عنا فهو منا ونحن منه ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر وإن لكم في خمسه لغنى فيومئذ تكلمت الخوارج.   2- عن محمد بن راشد, ط 4 – 541. 3- لا يذفف: لا يجهز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 خروج عائشة من البصرة إلى مكة : قصدت عائشة مكة1 فكان وجهها من البصرة وانصرف مروان والاسود ابن أبي البختري إلى المدينة من الطريق وأقامت عائشة بمكة إلى الحج ثم رجعت إلى المدينة.   1- عن محمد وطلحة, ط 4 – 542. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 كتابة علي إلى عامله بالكوفة : وكتب علي بالفتح إلى عامله بالكوفة2 حين كتب في أمرها وهو يومئذ بمكة: من عبد الله علي امير المؤمنين أما بعد فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة - فناء من أفنية البصرة - فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين وقتل منا ومنهم قتلى كثيرة وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن المثنى وهند بن عمرو وعلباء بن الهيثم وسيحان وزيد ابنا صوحان ومحدوج. [وكتب عبيد الله بن رافع وكان الرسول زفر بن قيس إلى الكوفة بالبشارة في جمادى الآخرة] . [وقد] علم أهل المدينة3 بيوم الجمل يوم الخميس قبل أن تغرب الشمس من نسر مر بما حول المدينة معه شيء متعلقه فتأمله الناس فوقع فإذا كف فيها خاتم نقشه "عبد الرحمن بن عتاب" وجفل من بين مكة والمدينة من أهل   2- عن محمد وطلحة, ط 4 – 542. 3- عن محمد وطلحة, ط 4 – 543. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 البصرة من قرب البصرة أو بعد وقد علموا بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من الايدي والأقدام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 تجهيز علي عائشة وإرسالها إلى المدينة : وجهز1 علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد فبلغها فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم وقالت: يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي من الاخيار وقال علي: يا أيها الناس صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة 36 هـ وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما. [تمت نصوص رواية سيف بن عمر المتعلقة بمقتل عثمان ووقعة الجمل] .   1- عن محمد وطللحة, ط 4 – 544. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183