الكتاب: اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس الناشر: دار إيلاف الدولية، الكويت الطبعة: الأولى، 1420هـ/1999م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث محمد بن عبد الرحمن الخميس الكتاب: اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث المؤلف: محمد بن عبد الرحمن الخميس الناشر: دار إيلاف الدولية، الكويت الطبعة: الأولى، 1420هـ/1999م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] بسم الله الرحمن الرحيم ال مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] . أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. أما بعد: فقد تصدى الكثير من أهل العلم لبيان عقيدة السلف أهل الحديث وأهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة والفرقة الناجية، والانتصار لتلك العقيدة، والذب عنها، ورد شبهات المضلين حولها، ودحض العقائد المخالفة، ومن هؤلاء الإمام أبو أحمد الحاكم "ت 387هـ" والإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري "ت 330هـ" والإمام أبو بكر الإسماعيلي "ت371هـ" فقد بينوا عقائد أهل الحديث وانتصروا لها، جزاهم الله على ذلك خير الجزاء، وكنت قد أفردت كتاباً مستقلاً لشرح ما قرره كل واحد منهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 من عقائد أهل الحديث، ثم رأيت أن أجمع كل ذلك في مجلد واحد لمسيس الحاجة إليها، لاسيما وأننا في زمن كثر القادحون في عقائد أهل الحديث، وتعدد من يصفونهم بصفات ذميمة كالحشوية والمجسمة وغير ذلك- وهم منه براء- وذلك بقصد التنفير منهم ومن عقائدهم، ولهم أساليب أخرى كالتشكيك في صحة تلك المصنفات عن مؤلفيها، والطعن في أسانيدها، والأمر كما قيل "رمتني بدائها وانسلت" فهم أحق بالتشكيك في صحة كتبهم والقدح في أسانيدها، فإنها في الحقيقة "ظلمات بعضها فوق بعض". وقد رتبت هذا الكتاب على أربعة أقسام: الأول: اعتقاد السلف عامة. الثاني: اعتقاد أهل الحديث لأبي أحمد الحاكم. الثالث: اعتقاد أهل الحديث للأشعري. الرابع: اعتقاد أهل الحديث للإسماعيلي. هذا: والله أسأل القبول وأن ينفع بهذا الكتاب كل من قرأه ويجعله في ميزان حسناتي وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. د. محمد بن عبد الرحمن الخميِّس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 القسم الأول: اعتقاد السلف عامة. ... المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] . أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد. فإن من أولى ما شغلت به الأوقات، تعلم العلم وتعليمه، ونشره بين الناس، ولاسيما علم أصول الدين الذي به يعرف الله عز وجل، وأسماؤه وصفاته، وما يجب له على خلقه، وما ينبغي في حقه وما لا يجوز، وغير ذلك من مسائل الإيمان، والقدر، واليوم الآخر، وغيرها كثير وقد اجتهدت طوائف المبتدعين في الانتصار لعقائدها، ونشرها بين الناس وأهل السنة والجماعة، من سلف هذه الأمة الصالحين ومن تبعهم -أولى بذلك منهم، فإنهم على الحق والهدى. هذا ومما يؤسف له أن بعض الجامعات الإسلامية في كثير من البلدان، لم تعط عقائد السلف ما تستحقه من العناية والدراسة، والبحث والنشر، وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 نشرت شيئاً من الكتب والبحوث في مجال العقيدة، فإنما هي عقيدة الأشعرية والماتريدية وأشباههم، وإن كان هناك وجود لكتب تتحدث عن عقيدة السلف. أهل السنة والجماعة- فإنها مشوبة بكلام المتكلمين ومصطلحاتهم الحادثة المبتدعة، وليست بصفاء عقائد السلف المأثورة عنهم، البعيدة عن التكلف والكلام والجدل، المقصورة على ما جاء في كتاب الله، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد أحببت- مستعيناً بالله تعالى- أن أسهم بهذا الجهد المتواضع في نشر عقيدة السلف الصالح والذب عنها، وإظهار ما كانوا عليه في مسائل أصول الدين، وما ردُّوا به على أصناف المبتدعة والملحدين. وقد بدأت في جمع أقوال عدد من أئمة السلف أهل السنة والجماعة في مسائل أصول الدين، وذلك من مصادر مختلفة، حيث حكى كل منهم ما يعتقده من مسائل أصول الدين، وما يدين به لله رب العالمين، ورتبت ذكر هؤلاء الأئمة وكلامهم على حسب الزمن، فبدأت بأقدمهم ثم الذي يليه وهكذا وقد بلغت عدتهم ثمانية وعشرون إماماً مرتبة أقوالهم وعقائدهم، وذلك على الترتيب الآتي: 1- أبو حنيفة "155" هـ. 2- الأوزاعي "157" هـ. 3- الثوري "161" هـ. 4- مالك "179" هـ. 5- ابن المبارك "181" هـ. 6- ابن عيينه "198" هـ. 7- الشافعي "204" هـ. 8- الحميدي "219" هـ. 9- بشر بن الحارث "227" هـ. 10- ابن المديني "234" هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 11- أبو ثور "240" هـ. 12- أحمد بن حنبل "241" هـ. 13- البخاري "256" هـ. 14- الذهلي "258" هـ. 15- أبو زرعة الرازي "264" هـ. 16- أبو حاتم الرازي "277" هـ. 17- ابن أبي حاتم "327" هـ. 18- ابن جرير "310" هـ. 19- أبو بكر بن أبي داود "316" هـ. 20- نصر المقدسي "490" هـ. 21- القادر بالله "422" هـ. 22- الهاشمي "428" هـ 23- الصابوني "449" هـ 24- الخطيب البغدادي "463" هـ 25- الزنجاني "471" هـ. 26- الكلوذاني "510" هـ. 27- الكرجي "532" هـ. 28- السلفي "576" هـ. كما قمت بعمل ترجمة مختصرة لكل واحد منهم أذكرها عند الكلام عن عقيدته، وذلك لبيان منزلته عند أهل العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 1- اعتقاد الإمام أبي حنيفة أ- أقوال الإمام أبي حنيفة في التوحيد: أولاً: عقيدته في توحيد الله وبيان التوسل الشرعي وإبطال التوسل البدعي: قال أبو حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1 ... "2. 2- قال أبو حنيفة: "يكره أن يقول الداعي أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام"3. 3- وقال أبو حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك4، أو بحق خلقك"5.   1 سورة الأعراف، الآية 180. 2 الدر المختار مع حاشية رد المحتار "6/ 396- 397". 3 شرح العمدة الطحاوية ص 234، وإتحاف السادة المتقين 2/285، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص 198. 4 كره الإمام أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أن يقول الرجل في دعائه: "اللهم إني أسألك بمعاقد العزّ من عرشك" لعدم وجود النص في الإذن به، وأما أبو يوسف فقد جوّزه لوقوفه على نص من السنة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من دعائه: "اللهم إني أسألك بمعاقد العزَّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك".. وهذا الحديث أخرجه البيهقي في كتاب الدعوات الكبيرة كما في البناية 9/382، ونصب الراية "4/272"، وفي إسناده ثلاثة أمور قادحة: ا- عدم سماع داود بن أبي عاصم لابن مسعود. 2- عبد الملك بن جريج مدلس ويرسل. 3- عمر بن هارون متهم بالكذب من أجل ذلك قال ابن الجوزي كما في البناية "9/382"، "هذا حديث موضوع بلا شك وإسناده محبط كما ترى". انظر تهذيب التهذيب "3/189"، "6/405"، "7/501"، وتقريب التهذيب "1/520". 5 التوسل والوسيلة، ص 82، وانظر شرح الفقه الأكبر ص 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ثانياً: قوله في إثبات الصفات والرد على الجهمية: 4- وقال: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السُّنَّة والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حيُّ قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه"1. 5- وقال: "وله يد ووجه ونفس، كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس، فهو له صفات بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال"2. 6- وقال: "لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء بل يصفه بما وصف به نفسه ولا يقول فيه برأيه شيئاً تبارك الله وتعالى رب العالمين"3. 7- ولما سئل عن النزول الإلهي قال: "ينزل بلا كيف"4. 8- وقال أبو حنيفة: "والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء"5. 9- وقال: "وهو يغضب ويرضى ولا يقال غضبه عقوبته ورضاه ثوابه"6.   1 الفقه الأبسط ص 56. 2 الفقه الأكبر ص 302. 3 شرح العقيدة الطحاوية "2/427"، تحقيق د. التركي، جلاء العينين ص 368. 4 عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 42، ط دار السلفية، الأسماء والصفات للبيهقي ص 456 د وسكت عليه الكوثري، وشرح العقيدة الطحاوية ص 245، تخريج الألباني، وشرح الفقه الأكبر للقاري ص 60. 5 الفقه الأبسط ص 51. 6 الفقه الأبسط ص56، وسكت عليه محقق الكتاب الكوثري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 10- وقال: "ولا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته"1. 11- وقال: "وصفاته بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويسمع لا كسمعنا، ويتكلم لا ككلامنا"2. 12- وقال: "لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين"3. 13- وقال: "ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر"4. 14- وقال: "وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة؟ والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته"5. 15- وقال: "ولم يزل فاعلاً بفعله والفعل صفة في الأزل والفاعل هو الله تعالى والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق"6. 16- وقال: "من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض"7.   1 الفقه الأكبر ص 301. 2 الفقه الأكبر ص 302. 3 الفقه الأبسط ص 56. 4 العقيدة الطحاوية بتعليق الألباني ص 25. 5 الفقه الأكبر ص 301. 6 الفقه الأكبر ص 301. 7 الفقه الأبسط ص 46. نقل نحو هذا اللفظ شيح الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/48) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 139، والذهبي في العلو ص 101- 102، وابن قدامة في العلو ص 116، وابن أبي العزّ في شرح الطحاوية ص 301. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 17- وقال للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده قال: "إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} 1 قال: هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه"2. 18- وقال كذلك: "يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه"3. 19- وقال: "إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} 4 قال: هو كما تكتب لرجل إني معك وأنت غائب عنه"5. 25- وقال: "قد كان متكلماً ولم يكن كلم موسى عليه السلام"6. 21- وقال: "ومتكلماً بكلامه والكلام صفة في الأزل"7. 22- وقال: "وتكلم لا ككلامنا"8. 23- وقال: "وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 9 وقد كان الله تعالى متكلماً ولم يكن كلم موسى عليه السلام"10. 24- وقال: "والقران كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنزل"11.   1 سورة الحديد، الآية 4. 2 الأسماء والصفات ص 429. 3 الفقه الأبسط ص 56. 4 سورة الحديد، الآية 4. 5 الأسماء والصفات (2/ 170) . 6 الفقه الأكبر ص 302. 7 الفقه الأكبر ص 301. 8 الفقه الأكبر ص 302. 9 سورة النساء، الآية 164. 10 الفقه الأكبر ص 302. 11 الفقه الأكبر ص 301. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 25- وقال: "والقرآن غير مخلوق"1. ب- أقوال الإمام أبي حنيفة في القدر 1- جاء رجل إلى الإمام أبي حنيفة يجادله في القدر فقال له: "ما علمت أن الناظر في القدر كالناظر في عيني الشمس كلما إزداد نظراً إزداد تحيراً"2. 2- يقول الإمام أبو حنيفة: "وكان الله تعالى عالماً في الأزل بالأشياء قبل كونها"3. 3- وقال: "يعلم الله تعالى المعدوم في حالة عدمه معدوماً، ويعلم أنه كيف يكون إذا أوجده، ويعلم الله تعالى الموجود في حال وجوده موجوداً ويعلم كيف يكون فناؤه"4. 4- يقول الإمام أبو حنيفة: "وقدره في اللوح المحفوظ"5. 5- وقال: "ونقر بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب فقال القلم: ماذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} 6"7. 6- وقال الإمام أبو حنيفة: "ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته"8.   1 الفقه الأكبر ص 301. 2 قلائد عقود العقيان (ق- 77- ب) . 3 الفقه الأكبر ص 302، 303. 4 الفقه الأكبر ص 302، 303. 5 الفقه الأكبر ص 302. 6 سورة القمر، الآيتان 52- 53. 7 الوصية مع شرحها ص 21. 8 الفقه الأكبر ص 302. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 7- ويقول الإمام أبو حنيفة: "خلق الله الأشياء لا من شيء"1. 8- وقال: "وكان الله تعالى خالقاً قبل أن يخلق"2. 9- وقال: "نقر بأن العبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق، فلما كان الفاعل مخلوقاً فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة"3. 10- وقال: "جميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره"4. 11- قال الإمام أبو حنيفة: "وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خلاقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، والطاعات كلها كانت واجبة بأمر الله تعالى وبمحبته وبرضاه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره، والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره، ومشيئته لا بمحبته ولا برضاه ولا بأمره"5. 12- وقال: "خلق الله تعالى الخلق سليماً من الكفر والإيمان6 ثم خاطبهم وأمرهم ونهاهم، فكفر من كفر بفعله وإنكاره وجحوده الحق بخذلان الله تعالى إياه، وآمن من آمن بفعله وإقراره وتصديقه بتوفيق الله تعالى ونصرته له"7. 13- وقال: "وأخرج ذرية آدم من صلبه على صور الذر، فجعلهم عقلاء فخاطبهم وأمرهم بالإيمان ونهاهم عن الكفر، فأقروا له بالربوبية فكان ذلك منهم إيماناً فهم يولدون على تلك الفطرة، ومن كفر بعد   1 الفقه الأكبر ص 302. 2 الفقه الأكبر ص 304. 3 الوصية مع شرحها ص 14. 4 الفقه الأكبر ص 303. 5 الفقه الأكبر ص 303. 6 الصواب: خلق الله تعالى الخلق على فطرة الإسلام كما سيبينه أبو حنيفة في قوله الآتي. 7 الفقه الأكبر ص 302 – 303. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ذلك فقد بذل وغيّر، ومن آمن وصدّق فقد ثبت عليه وداوم"1. 14- وقال: "وهو الذي قدّر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره، وكتبه في اللوح المحفوظ"2. 15- وقال: "لم يجبر أحداً من خلقه على الكفر ولا على الإيمان، ولكن خلقهم أشخاصاً والإيمان والكفر فعل العباد، ويعلم تعالى من يكفر في حال كفره كافراً، فإذا آمن بعد ذلك فإذا علمه مؤمناً أحبه من غير أن يتغيّر علمه"3. ج- أقوال الإمام أبن حنيفة في الإيمان 1- قال: "والإيمان هو الإقرار والتصديق"4. 2- وقال: "الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان والإقرار وحده لا يكون إيماناً"5. ونقله الطحاوي عن أبي حنيفة وصاحبه"6. 3- وقال أبو حنيفة: "والإيمان لا يزيد ولا ينقص"7. قلت: قوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه وقوله في مسمى الإيمان وأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان. قوله هذا هو الفارق بين عقيدة الإمام أبي حنيفة في الإيمان وبين عقيدة سائر أئمة الإسلام مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم والحق معهم، وقول أبي حنيفة مجانب للصواب وهو مأجور في   1 الفقه الأكبر ص 302. 2 الفقه الأكبر ص 302. 3 الفقه الأكبر ص 303. 4 الفقه الأكبر ص 304. 5 كتاب الوصية مع شرحها ص 2. 6 الطحاوية مع شرحها ص 360. 7 كتاب الوصية مع شرحها ص 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الحالين، وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العزّ ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن قوله والله أعلم1. د- أقوال الإمام أبي حنيفة في الصحابة: 1- قال الإمام أبو حنيفة: "ولا نذكر أحداً من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بخير"2. 2- وقال: "ولا نتبرأ من أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نوالي أحداً دون أحد"3. 3- ويقول: "مقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال"4. 4- وقال: "ونقر بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم أجمعين"5. - وقال: "أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم نكف عن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا بذكر جميل"6. هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين 1- قال الإمام أبو حنيفة: "أصحاب الأهواء في البصرة كثير، ودخلتها عشرين مرة ونيفاً وربما أقمت بها سنة أو أكثر أو أقل ظاناً أن علم   1 التمهيد لابن عبد البر (9/247) ، شرح العقيدة الطحاوية ص 395. 2 الفقه الأكبر ص 304. 3 الفقه الأبسط ص 40. 4 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 76. 5 الوصية مع شرحها 14. 6 كما في النور اللامع (ق 119- ب) عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الكلام أجل العلوم"1. 2- وقال: "كنت أنظر في الكلام حتى بلغت مبلغاً يشار إليّ فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان فجاءتني امرأة فقالت: رجل له امرأة أمة أراد أن يطلقها للسنة كم يطلقها؟. فلم أدر ما أقول فأمرتها أن تسأل حماداً ثم ترجع فتخبرني فسألت حماداً فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة ثم يتركها حتى تحيض حيضتين فإذا اغتسلت فقد حلّت للأزواج، فرجعت فأخبرتني فقلت: لا حاجة لي في الكلام وأخذت نعلي فجلست إلى حماد"2. 3- وقال: " لعن الله عمرو بن عبيد فإنه أحدث للناس الطريق إلى الكلام فيما لا ينفعهم في الكلام"3. وسأله رجل وقال: "ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام، فقال: "مقالات الفلاسفة عليك بالأثر وطريق السلف، وإيّاك وكل محدثة فإنها بدعة"4. 4- قال حماد ابن أبي حنيفة: "دخل عليّ أبي- رحمه الله- يوماً وعندي جماعة من أصحاب الكلام ونحن نتناظر في باب، قد علت أصواتنا فلما سمعت حسَّه في الدار خرجت إليه فقال لي يا حماد من عندك؟ قلت: فلان وفلان وفلان، سمَّيتُ من كان عندي، قال: وفيم أنتم؟ قلت: في باب كذا وكذا، فقال لي: يا حماد دع الكلام- قال: ولم أعهد أبي صاحب تخليط ولا ممن يأمر بالشيء ثم ينهي   1 مناقب أب حنيفة للكردي ص 137. 2 تاريخ بغداد 13/333. 3 ذم الكلام للهروي ص 28-31. 4 ذم الكلام للهروي (194/ ب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 عنه. فقلت له: يا أبت ألست كنت تأمرني به، قال: بلى يا بني وأنا اليوم أنهاك عنه، قلت: ولم ذاك، فقال: يا بني إن هؤلاء المختلفين في أبواب من الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم فألقى بينهم العداوة والاختلاف فتباينوا .... " 1. 5- وقال أبو حنيفة لأبي يوسف: "إيّاك أن تكلم العامة في أصول الدين من الكلام فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك"2. هذه طائفة من أقواله- رحمه الله- وما يعتقده في مسائل أصول الدين وموقفه من الكلام والمتكلمين.   1 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 183-184. 2 مناقب أبي حنيفة للمكي ص 373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 2- اعتقاد أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي1-2 المتوفى 157هـ قال اللالكائي أخبرنا الحسن بن عثمان قال أخبرنا أحمد بن حمدان قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحاق قال: سألت الأوزاعي فقال: اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم. وقد كان أهل الشام في غفلة من هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة- القول بخلق القرآن- بعدما ردها عليهم فقهاؤهم وعلماؤهم فأشربها قلوب طوائف من أهل الشام واستحلتها ألسنتهم (وأصابهم) ما أصاب غيرهم من الاختلاف فيه. ولو كان هذا خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم فإنه لم يدخر عنهم خير خبىء لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم وبعثه فيهم ووصفهم (بما وصفهم) به فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29] .   1 أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه كان رأساً في العلم والعمل جم المناقب. قال إسماعيل بن عباس: سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة. وقال عبد الله الخريبي: أفضل أهل زمانه. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهاداً في العبادة من الأوزاعي، وفي تهذيب النووي عن عبد الرحمن بن مهدي قاد: الأئمة في الحديث أربعة الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد، ولد سنة ثمان وثمانين كما قال ابن ناصر الدين وتوفي رحمه الله سنة سبع وخمسين ومائة. شذرات الذهب 1/241، 42. 2 شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 2/174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 3- اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه1 المتوفى سنة 161 قال اللالكائي أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس قال حدثنا أبو الفضل شعيب بن محمد بن الراجيان قال حدثنا علي بن حرب الموصلي- بسر من رأي سنة سبع وخمسين ومائتين- قال سمعت شعيب بن حرب يقول: قلت لأبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري: حدثني بحديث من السنة ينفعني الله عز وجل به فإذا وقفت بين يدي الله تبارك وتعالى وسألني عنه فقال لي من أين أخذت هذا؟ قلت يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان الثوري وأخذته عنه فأنجو أنا وتؤاخذ أنت. فقال يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر. والإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ولا يجوز القول إلا بالعمل ولا يجوز القول والعمل إلا بالنية ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة. قال شعيب: فقلت له يا أبا عبد الله وما موافقة السنة؟ قال: تقدمة الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.   1 أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الفقيه سيد أهل زمانه علماً وعملاً قال عنه أحمد بن حنبل: لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد. وقال شعبة ويحيى بن معين وغيرها: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال يحيى القطان: ما رأيت أحفظ من الثوري، وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره، مات رحمه الله بالبصرة عام 161هـ وله ست وستون سنة، شذرات الذهب 1/250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى تقدم عثماناً وعلياً على من بعدهما. يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم من قريش. يا شعيب بن حرب: لا ينفعك ما كتبت لك حتى ترى المسح على الخفين دون خلعهما أعدل عندك من غسل قدميك. يا شعيب بن حرب: ولا ينفعك ما كتبت حتى يكون إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أفضل عندك من أن تجهر بهما. يا شعيب بن حرب: لا ينفعك الذي كتبت حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره كل من عند الله عز وجل. يا شعيب بن حرب: والله ما قالت القدرية ما قال الله ولا ما قالت الملائكة ولا ما قالت النبيون (ولا ما قال أهل الجنة) ولا ما قال أهل النار ولا ما قال أخوهم إبليس لعنه الله. قال الله عز وجل {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] . وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] . وقال تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] . وقال نوح عليه السلام: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] . وقال شعيب عليه السلام: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [الأعراف: 89] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] . وقال أهل النار: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون: 106] . وقال أخوهم إبليس لعنه الله: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] . يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى ترى: الصلاة خلف كل بر وفاجر. والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل. قال شعيب: فقلت لسفيان يا أبا عبد الله: الصلاة كلها؟ قال: لا. ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة. يا شعيب بن حرب: إذا وقفت بين يدي الله عز وجل فسألك عن هذا الحديث فقل: يا رب حدثني بهذا الحديث سفيان بن سعيد الثوري ثم خل بيني وبين ربي عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 4- اعتقاد الإمام مالك بن أنس (179) هـ أ- قوله في التوحيد: (1) أخرج الهروي عن الشافعي قال: سُئل مالك عن الكلام والتوحيد، فقال مالك: "محال أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم، أنه علَّم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" 1 فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد"2. (2) وأخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: "سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت"3. (3) وقال ابن عبد البر: "سُئل مالك أيُرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم. يقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 4. وقال لقوم آخرين: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 5.6 وأورد القاضي عياض في ترتيب المدارك7 عن ابن   1 أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة (3/ 262) ح (1399) ، ومسلم كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله (1/5) ح (32) ، والنسائي كتاب الزكاة باب مانع الزكاة (5/14) ح (2443) ، جميعهم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وأخرجه أبو داود كتاب الجهاد باب على ما يقاتل المشركون (3/101) ح (2640) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة. 2 ذم الكلام (ق- 210) . 3 أخرج هذا الأثر الدارقطني في الصفات ص 75، والآجري في الشريعة ص 314، والبيهقي في الاعتقاد ص 118، وابن عبد البر في التمهيد (7/149) . 4 سورة القيامة، الآية 22. 5 سورة المطففين، الآية 15. 6 الانتقاء ص 36. (2/42) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 نافع1 وأشهب2 قالا: وأحدهم يزيد على الآخر يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين؛ فقلت له: فإن قوماً يقولون لا ينظر إلى الله، إن ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب قال: كذبوا بل ينظر إلى الله، أما سمعت قول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 3 أفترى موسى سأل ربه محالاً؟ فقال الله: {لَنْ تَرَانِي} 4 أي في الدنيا لأنها دار فناء، ولا ينظر ما يبقى بما يفنى، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 5. وأخرج أبو نعيم عن جعفر بن عبد الله قال: "كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فما وجد6 مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء -يعني العرق- ثم رفع رأسه ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه   1 الذي يروي عن الإمام مالك باسم ابن نافع رجلان، أما الأول فهو عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري أبو بكر المدني قال عنه ابن حجر: "صدوق مات سنة 216 هـ "، وأما الثاني فهو عبد الله بن نافع بن أبي نافع المخزومي مولاهم أبو محمد المدني قال عنه ابن حجر: "ثقة صحيح الكتاب في حفظه ليّن مات سنة 206 هـ وقيل بعدها"، تقريب التهذيب (1/ 445-456) ، وتهذيب التهذيب (6/50-51) . 2 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر المصري قال عنه ابن حجر: "ثقة فقيه مات سنة 204هـ"، تقريب التهذيب (1/80) ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/359) . 3 سورة الأعراف، الآية 143. 4 سورة الأعراف، الآية 143. 5 سورة المطففين، الآية 15. 6 جاء في لسان العرب (3/446) (وجد عليه في الغضب يجد ويجد وجداً مَوْجِدَة ووجداناً غضب وفي حديث الإيمان أفي سائلك فلا تجد علي، أي لا تغضب من سؤالي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج"1. (5) وأخرج أبو نعيم عن يحيى بن الربيع قال: "كنت عند مالك بن أنس ودخل عليه رجل فقال يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال مالك: زنديق2 فاقتلوه، فقال: يا أبا عبد الله إنما أحكي كلاماً سمعته، فقال: لم أسمعه من أحد إنما سمعته منك، وعظم هذا القول"3. (6) واخرج ابن عبد البر عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول من قال القرآن مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يتوب"4. (7) وأخرج أبو داود عن عبد الله بن نافع قال: "قال مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان"5.   1 الحلية (6/ 325، 326) وأخرجه أيضاً الصابوني في عقدة السلف أصحاب الحديث ص 17- 18، من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك وابن عبد البر ني التمهيد (7/151) من طريق عبد الله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص 408. من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ بن حجر في الفتح (13/406، 407) إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو ص 103. 2 الزنديق: كلمة معربة عن الفارسية استعملها المسلمون أولاً في الدلالة على القائلين بالأصلين النور والظلمة على مذهب المانوية وغيرهم ثم اتسع معناها عندهم فشمل الدهريين والملحدين وسائر أصحاب المعتقدات الضالة بل أطلق على المتشككين وكل متحرر عن أحكام الدين فكراً وعملاً. انظر الموسوعة الميسرة (1/929) وتاريخ الإلحاد لعبد الرحمن بدوي ص 14-32. 3 الحلية (6/ 325) وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/249) من طريق أبي محمد يحيى بن خلف عن مالك، وأورده القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/44) . 4 الانتقاء ص 35. 5 رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 263، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة ص11، الطبعة القديمة، وابن عبد البر في التمهيد (7/138) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ب- قوله في القدر: (1) أخرج أبو نعيم عن ابن وهب1 قال: "سمعت مالكاً يقول لرجل سألتني أمس عن القدر؟ قال: نعم، قال: إن الله تعالى يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 2. فلا بد أن يكون ما قال الله تعالى"3. (2) وقال القاضي عياض: "سُئل الإمام مالك عن القدرية مَن هم؟ قال: من قال: ما خلق المعاصي، وسُئل كذلك عن القدرية؟ قال: هم الذين يقولون إن الاستطاعة إليهم إن شاءوا أطاعوا وإن شاءوا عصوا"4. (3) وأخرج ابن أبي عاصم عن سعيد بن عبد الجبار قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: رأي فيهم أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا- يعني القدرية-"5. (4) وقال ابن عبد البر: "قال مالك: ما رأيت أحداً من أهل القدر إلا أهل سخافة وطيش وخفة"6. (5) وأخرج ابن أبي عاصم عن مروان بن محمد الطاطري قال: "سمعت مالك بن أنس يسأل عن تزويج القدري؟ فقرأ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} 7 ... "8.   1 هو عبد الله بن وهب القرشي مولاهم المصري قال عنه ابن حجر: "الفقيه ثقة حافظ عابد مات سنة 197هـ"، تقريب التهذيب (1/460) . 2 سورة السجدة، الآية 13. 3 الحلية (6/326) . 4 ترتيب المدارك (2/48) ، وأنظر شرح أصول اعتقاد أهل السُّنّة والجماعة (2/701) . 5 السنة لابن أبي عاصم (1/ 87، 88) وأخرجه أيضاً أبر نعيم في الحلية (6/326) . 6 الانتفاء ص 34. 7 سورة البقرة، الآية 221. 8 السُّنّة لابن أبي عاصم (1/88) الحلية (6/326) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 (6) وقال القاضي عياض: قال مالك: لا تجوز شهادة القدري الذي يدعو1، ولا الخارجي والرافضي"2. (7) وقال القاضي عياض: "سُئل مالك عن أهل القدر أنكف عن كلامهم؟ قال: نعم إذا كان عارفاً بما هو عليه، وفي رواية أخرى قال: لا يصلي خلفهم ولا يقبل عنهم الحديث وإن وافيتموهم في ثغر فأخرجوهم منه"3. جـ- قوله في الإيمان: (1) أخرج ابن عبد البر عن عبد الرزاق بن همام قال: "سمعت ابن جريج4 وسفيان الثوري ومعمر بن راشد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"5. (2) وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: "كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل"6. (3) وأخرج ابن عبد البر عن أشهب بن عبد العزيز قال: "قال مالك: فقام الناس يصلون نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم أُمروا بالبيت الحرام فقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 7 أي صلاتكم إلى بيت المقدس، قال مالك: وإني لأذكر بهذه قول المرجئه:   1 يدعو إلى بدعته. 2 ترتيب المدارك (2/47) . 3 ترتيب المدارك (2/47) . 4 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي، قال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ فقيه الحرم أبو الوليد" مات سنة 150هـ، تذكرة الحفاظ (1/169) ، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (10/400) . 5 الانتقاء ص 34. 6 الحلية (6/327) . 7 سورة البقرة، الآية 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 إن الصلاة ليست من الإيمان"1. د- قوله في الصحابة: (1) أخرج أبو نعيم عن عبد الله العنبري2 قال: "قال مالك بن أنس: من تَنَقَّصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان في قلبه عليهم غِل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 3. فمن تَنَقَّصهم أو كان في قلبه عليهم غل، فليس له في الفيء حق"4. (2) وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير5 قال: "كنا عند مالك - فذكروا رجلاً يَتَنَقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ مالك هذه الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} 6. فقال مالك: "من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أصابته الآية"7.   1 الانتقاء ص 34. 2 هو عبد الله بن سوار بن عبد الله العنبري البصري القاضي، قال عنه ابن حجر: "ثقة مات سنة 228 هـ" وقيل غير ذلك. تقريب التهذيب (1/421) ، وتهذيب التهذيب (5/348) . 3 سورة الحشر، الآية 10. 4 الحلية (6/327) . 5 الذي تتلمذ على مالك وسمع منه من ولد الزيير بن العوام هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، وقد تقدم التعريف به، ومصعب بن عبد الله بن مصعب، وسيأتي التعريف به. 6 سورة الفتح، الآية 29. 7 الحلية (6/327) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 (3) وأورد القاضي عياض عن أشهب بن عبد العزيز قال: "كنا عند مالك إذ وقف عليه رجل من العلويين وكانوا يقبلون على مجلسه فناداه: يا أبا عبد الله فأشرف له مالك، ولم يكن إذا ناداه أحد يجيبه أكثر من أن يشرف برأسه، فقال له الطالبي: إني أريد أن أجعلك حجة فيما بيني وبين الله، إذا قدمت عليه فسألني، قلت له: مالك قال لي. - فقال له: قل. - فقال: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - قال: أبو بكر، قال العلوي: ثم مَن؟ قال مالك: ثم عمر. قال العلوي: ثم مَن؟ قال: الخليفة المقتول ظلماً، عثمان قال العلوي: والله لا أجالسك أبداً. - قال له مالك: فالخيار إليك"1. هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين: (1) أخرج ابن عبد البر عن مصعب بن عبد الله الزبيري2 قال: "كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أحَبُّ إليَّ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل"3. (2) وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن نافع قال: "سمعت مالكاً يقول: لو   1 ترتيب المدارك (2- 44- 45) . 2 هو مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي المدني نزيل بغداد قال عنه ابن حجر: "صدوق عالم بالنسب مات سنة 236 هـ"، تقريب التهذيب (2/252) ، وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 162) . 3 جامع بيان العلم وفضله ص 415، ط/ دار الكتب الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعد ألا يشرك بالله ثم تخلى من هذه الأهواء والبدع- وذكر كلاماً- دخل الجنة"1. (3) وأخرج الهروي عن إسحاق بن عيسى2 قال: "قال مالك: من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب"3. (4) وأخرج الخطيب عن إسحاق بن عيسى قال: "سمعت مالك بن أنس يعيب الجدال في الدين ويقول: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل أرادنا أن نرد ما جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم"4. (5) وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "دخلت على مالك - وعنده رجل يسأله فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام، ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع "5. (6) وأخرج الهروي عن أشهب بن عبد العزيز قال: "سمعت مالكاً يقول: إيّاكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلّمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"6. (7) وأخرج أبو نعيم عن الشافعي قال: "كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما إني على بيّنة من ربي وديني، وأما أنت   1 الحلية (6/325) . 2 هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي قال عنه ابن حجر: "صدوق مات سنة 214 هـ" تقريب التهذيب (1/ 60) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/245) . 3 ذم الكلام (ق 173- أ) . 4 شرف أصحاب الحديث ص 5. 5 ذم الكلام (ق 173- ب) . 6 ذم الكلام (ق-173- أ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فشاكٌّ فاذهب إلى شاكٍّ فخاصمه"1. (8) روى ابن عبد البر عن محمد بن أحمد بن خويز منداد المصري المالكي قال في كتاب الإجارات من كتابه الخلاف: قال مالك لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم وذكر كتباً ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم وتفسخ إجارة في ذلك"2. فهذه لمحات من موقف الإمام مالك وأقواله في التوحيد والصحابة والإيمان وعِلم الكلام وغيره.   1 الحلية (6/324) . 2 جامع بيان العلم وفضله ص 416، 417 ط/ دار الكتب الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 5- اعتقاد عبد الله بن المبارك1 المتوفى سنة 181 هـ قال ابن المبارك2 رحمه الله: أدركت الناس بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وبمصر وخراسان، فأدركتهم مجتمعين على السنة والجماعة، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وفوض الأمر إلى الله عز وجل، وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، الخير والشر والكفر والإيمان، وعرف حق السلف الماضين، الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقدم أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين وترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرهم وصغيرهم، وحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم، وصلى العيدين وعرفات والجماعات، مع كل إمام بر أو فاجر، والقرآن كلام الله وتنزيله، ليس بمخلوق، والإيمان قول وعمل ونية مع إصابة السنة، والإيمان يزيد وينقص بالقلب والجوارح، والجهاد ماض منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة يقاتلون الدجال لا يضر جور جائر، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والحوض، والشفاعة، والميزان، أهل الجنة يرون ربهم عز رجل، وما أتت به الأنبياء والرسل عليهم السلام نؤمن بها، ولا نضرب لها الأمثال، وأن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله عز وجل، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وترك الرأي والقياس، فهذا الذي أدركت عليه علماءنا القدماء، يرزقنا الله- وإياكم- الاستقامة واللحوق بالصالحين. وقال رحمه الله تعالى: " ... إنا لنحكى كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية".   1 هو الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي، سمع هشام بن عروة وحميد الطويل قال أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، وقال شعبة ما قدم علينا مثله، وقال ابن ناصر الدين: الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأنام ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة حدث عنه ابن معين وابن منيع وأحمد بن حنبل وغيرهم، وقال الفضيل بن عياض: ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك، توفي في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة، شذرات الذهب 1/ 295، 297. 2 مختصر الحجه في بيان المحجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 6- اعتقاد سفيان بن عيينه رضي الله عنه1 المتوفى سنة 118هـ قال اللالكائي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن التوجي قال حدثنا محمد بن إسحاق بن عباد التمار قال حدثنا عبد العزيز بن معاوية قال حدثنا محمد بن عبد الجبار السلمي قال حدثنا بكر بن الفرج أبو العلا قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة ومن ترك (منها) فقد ترك السنة: إثبات القدر. وتقديم أبي بكر وعمر. والحوض. والشفاعة. والميزان والصراط. والإيمان: قول وعمل، والقرآن: كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم. ولما اطلع رحمه الله "على مقالة المريسي في كتابه الذي ألفه في التعطيل والقول بخلق القرآن؟ قال رحمه الله تعالى: "ما أشبه هذا الكلام بكلام النصارى؟!؟ "2.   1 أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي الحافظ نزيل مكة قال الشافعي رحمه الله: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز. وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة. حج رحمه الله سبعين حجة. سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار، وروى عن الأعمش وابن جريج وشعبة وهم من شيوخه والشافعي وابن المبارك وأحمد وخلق، توفي رحمه الله في أول رجب سنة ثمان وتسعين ومائة. شذرات الذهب 1/ 354، 355. 2 انظر شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 7- اعتقاد الإمام الشافعي (204) هـ أ- قوله في التوحيد: (1) أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: "قال الشافعي: من حلف بالله أو باسم من أسمائه فحنث فعليه الكفارة، ومن حلف بشيء غير الله مثل أن يقول الرجل والكعبة وأبي وكذا وكذا ما كان، فحنث فلا كفارة عليه، ومثل ذلك قوله لعمري.. لا كفارة عليه ويمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت" 1..2. وعلّل الشافعي لذلك بأن أسماء الله غير مخلوقة، فمن حلف باسم الله فحنث فعليه الكفارة3. (2) وأورد ابن القيَّم في اجتماع الجيوش عن الشافعي أنه قال: "القول في السُّنّة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء"4. (3) وأورد الذهبي عن المزني قال: "قلت"إن كان أحد يخرج ما في   1 أخرجه البخاري كتاب الإيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم (11/ 530) ، ومسلم كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله (3/1266) ح (1646) . 2 مناقب الشافعي (1/ 405) . 3 رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص 193، وأبو نعيم في الحلية (9/112، 113) ، والبيهقي في السُّنن الكبرى (10/28) ، وفي الأسماء والصفات ص 255، 256، وذكره البغوي في شرح السُّنّة (1/188) ، وانظر العلو ص121، ومختصره ص 77. 4 اجتماع الجيوش الإسلامية ص 165، إثبات صفة العلو ص 124، وانظر مجموع الفتاوى (4/181-183) ، والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص 176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد فالشافعي؛ فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوتُ بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون، أبَلَغَكَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا. قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجماً في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مِمَّ خُلق؟ قلت: لا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على أربعة أوجه فلم أصب في شيء منه فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 1. فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك"2. (4) وأخرج ابن عبد البر عن يونس بن عبد الأعلى3 قال: "سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المسمى أو الشيء غير الشيء فاشهد عليه بالزندقة"4. (5) وقال الشافعي في كتابه الرسالة: " الحمد لله.. الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به خلقه"5.   1 سورة البقرة، الآيتان 163، 164. 2 سير أعلام النبلاء (10/31) . 3 هو يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي الصمري قال عنه ابن حجر: "ثقة من صغار العاشرة مات سنة 264 هـ"، تقريب التهذيب (2/385) ، وانظر ترجمته في شذرات الذهب (2/149) ، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 28. 4 الانتقاء ص 79، ومجموع الفتاوى (6/187) . 5 الرسالة ص 7، 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 06) وأورد الذهبي في السير عن الشافعي أنه قال: "نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 "2. (7) وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 3 أعلمنا بذلك أن ثم قوماً غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته"4. (8) وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال: "حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال الشافعي: فلما أن حجبوا هؤلاء في السخط كان هذا دليلاً على أنهم يرونه في الرضا قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم وبه أدين الله"5. وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي6 قال: "ذكر عند الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن عليه7 فقال: أنا مخالف له في كل شيء وفي قول لا إله إلا الله لست أقول كما يقول أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلّم موسى عليه السلام تكليماً من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله   1 سورة الشورى، الآية 11. 2 السير (20/341) . 3 سورة المطففين، الآية 15. 4 الانتقاء ص 79. 5 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2 /506) . 6 لعله موسى بن أي الجارود قال عنه النووي: "أحد أصحاب الشافعي والآخذين عنه والرواة عنه"، وقال ابن هبة الله: "كان يفتي بمكة على مذهب الشافعي ولا يعلم تاريخ وفاته" تهذيب الأسماء واللغات (2/120) ، وطبقات الشافعي لابن هداية الله ص 29. 7 هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية قال عنه الذهبي: "جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن مات سنة 218هـ" ميزان الاعتدال (1/20) ، وانظر ترجمته في لسان الميزان (1/34، 35) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الذي خلق كلاماً أسمعه موسى من وراء حجاب"1. (10) وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان، قال الشافعي: "من قال القرآن مخلوق فهو كافر"2. (11) وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشافعي: اللهم نعم. قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تقر بأن القرآن كلام الله، قال: نعم. قال الشافعي: سبقت في هذه الكلمة قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ} 3 {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 4. قال الشافعي: فتقر بأن الله كان وكان كلامه؟ أو كان الله ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله وكان كلامه. قال: فتبسم الشافعي وقال: يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرون بأن الله كان قبل القبل وكان كلامه فمن أين لكم الكلام: إن الكلام الله، أو سوى الله، أو غير الله، أو دون الله؟ قال: فسكت الرجل وخرج"5. (12) وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي- من رواية أبي طالب العشاري6- ما نصه قال: وقد سُئل عن صفات الله عز وجل وما   1 الانتقاء ص 79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، اللسان (1/ 35) . 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 252) . 3 سورة التوبة، الآية 6. 4 سورة النساء، الآية 164. 5 مناقب الشافعي (1/ 407، 408) . 6 هو محمد بن علي العشاري شيخ صدوق معروف، وقد تفرد برواية هذا الجزء وهو مما أدخل عليه فحدث به بسلامة باطن قاله الذهبي في الميزان (3/ 656) ، لكن اعتمد غير واحد من السلف ما هو مثبت في هذه العقيدة كالموفق بن قدامة في كتاب صفة العلو ص 124، وابن أبي يعلى في الطبقات (1/283) ، وابن القيم في اجتماع الجيوش ص165، والذهبي نفسه في السير (10/79) ، ثم إن هذه الرسالة التي سأنقلها بنصها قد قرئت على الإمام الحافظ ابن نصر الدمشقي ونقلها جميعها ابن أبي يعلى في الطبقات وسأثبت الفروق بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ينبغي أن يؤمن به، فقال: الله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، أمته لا يسع1 أحداً من خلق الله عز وجل قامت لديه2 الحجة إن القرآن نزل به وصحيح عنده3 قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عنه العدل خلافه4 فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله5 عزَّ وجل، فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالدراية6 والفكر ونحو ذلك أخبار الله عز وجل أنه سميع وأن له يدين بقوله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} 7 وأن له يميناً بقوله عز وجل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 8، وأن له وجهاً بقوله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} 9 وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 10 وأن له قدماً بقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب عز وجل فيها قدمه" 11 يعني جهنم لقوله صلى الله عليه وسلم، للذي قتل في سبيل   1 في الطبقات: (لا يسمع) . 2 في الطبقات: (عليه) . 3 في الطبقات: (عنه بقوله) . 4 في الطبقات: (سقطت كلمة خلافة) . 5 في الطبقات: (فهو بالله كافر) . 6 في الطبقات: (ولا بالرواية) . 7 سورة المائدة، الآية 64. 8 سورة الزمر، الآية 67. 9 سورة القصص، الآية 88. 10 سورة الرحمن، الآية 27. 11 أخرجه البخاري كتاب التفسير باب: "وتقول هل من مزيدا" (8/ 594) ح (4848) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2187) ح (2848) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الله عز وجل أنه: "لقي الله عز وجل وهو يضحك إليه" 1 وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذلك وأنه ليس بأعور لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال فقال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" 2 وإن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له أصبعاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قلب إلا هو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل" 3. وإن4 هذه المعاني التي وصف الله عز وجل بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يدرك5 حقه6 ذلك بالفكر والدراية7 ولا يكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه وإن8 كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع "وجبت الدينونة"9 على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم،   1 أخرجه البخاري كتاب الجهاد باب الكبائر يقتل المسلم (6/ 39) ح (2826) ، ومسلم كتاب الإمارة باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة (3/ 1504) ح (1890) كلاهما من طريق الأعرج عن أبي هريرة. 2 أخرجه البخاري كتاب الفتن باب ذكر الدجال (13/91) ح (7131) ، ومسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال وصفته (4/2248) ح (2933) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك. 3 أخرجه بنحو هذا اللفظ أحمد في المسند (4/182) ، وابن ماجه في المقدمة باب: فيما أنكرت الجهمية (1/72) ح (199) والحاكم في المستدرك (1/525) ، والآجري في الشريعة ص (317) وابن منده في الرد على الجهمية ص87، جميعهم من حديث النواس بن سمعان قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في التلخيص، وقال عنه ابن منده: "حديث النواس بن سمعان حديث ثابت رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم". 4 في الطبقات: (فإن) . 5 في الطبقات: (مما لا يدرك) . 6 في الطبقات: (حقيقته) . 7 في الطبقات: (والروية) . 8 في الطبقات: (فإن كان) . 9 ما بين القوسين مثبت من الطبقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ولكن نثبت1 هذه الصفات وننفي2 التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3 ... " 4 آخر الاعتقاد. ب- قوله في القدر: (1) أخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان، قال: "سئل الشافعي عن القدر فقال: ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن5 (2) أورد البيهقي في مناقب الشافعي أن الشافعي قال: "إن مشيئة العباد هي إلى الله تعالى ولا يشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين، فإن الناس لم يخلقوا أعمالهم وهي خلق من خلق الله تعالى أفعال العباد وإن القدر خيره وشره من الله عز وجل، وإن عذاب القبر حق، ومساءلة أهل القبور حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة والنار حق، وغير ذلك مما جاءت من السنن"6. (3) وأخرج اللالكائي عن المزني قال: "قال الشافعي: تدري ما القدري؟ الذي يقول إن الله لم يخلق الشيء حتى عمل به"7.   1 في الطبقات: (يثبت) . 2 في الطبقات: (وينفي) . 3 سورة الشورى، الآية 11. 4 نقلت هذا الاعتقاد من نسخة مصورة من أصل خطي محفوظ في المكتبة المركزية بجامعة ليدن بهولندا. 5 مناقب الشافعي (1/412، 413) ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 777) . 6 مناقب الشافعي (1/ 415) . 7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 776) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (4) وأورد البيهقي عن الشافعي أنه قال: "القدرية الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم مجوس هذه الأمة" 1 الذين يقولون إن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون2. (5) وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه كان يكره الصلاة خلف القدري3. جـ- قوله في الإيمان: (1) أخرج ابن عبد البر عن الربيع قال: "سمعت الشافعي يقول: "الإيمان قول وعمل واعتقاد بالقلب، ألا ترى قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 4، يعني صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيماناً وهي قول وعمل وعقد"5. (2) وأخرج البيهقي عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص"6. (3) وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال: "قال رجل للشافعي أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يقبل عملاً إلا به، قال: وما ذاك؟ قال الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حظاً. قال الرجل ألا تخبرني عن الإيمان: قول وعمل، أو قول بلا عمل؟ قال الشافعي: الإيمان عمل   1 أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في القدر (5/ 66) ح (4691) والحاكم في المستدرك (1/85) ، كلاهما من طريق أبي حازم عن ابن عمر، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر ولم يخرجاه" وأقره الذهبي. 2 مناقب الشافعي (1/413) . 3 مناقب الشافعي (1/413) . 4 سورة البقرة، الآية 143. 5 الانتقاء ص 81. 6 مناقب الشافعي (1/387) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 لله والقول بعض ذلك ألعمل، قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه، قال الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه، والناقص البين نقصانه، والراجح الزائد رجحانه؛ قال الرجل: وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد؟ قال الشافعي: نعم، قال: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله جل ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم، فقسّمه فيها، وفرّقه عليها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى: فمنها: قلبه الذي يعقل به، ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره. ومنها: عيناه اللتان ينظر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباهُ من قبله، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه. فرض على القلب غير ما فرض على اللسان، وفرض على السمع غير ما فرض على العينين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه. فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله. {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} 1 وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} 2 وقال:   1 سورة النحل، الآية 106. 2 سورة الرعد، الآية 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} 1 وقال: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 2 فذلك ما فرض الله على القلب من إيمان، وهو عمله، وهو رأس الإيمان. "وفرض {الله} على اللسان: القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقرّ به، فقال في ذلك: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} 3. وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} 4 فذلك ما فرض الله على اللسان من القول، والتعبير عن القلب، وهو عمله، والفرض عليه من الإيمان. وفرض الله على (السمع) : أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم الله، وأن يُغض عما نهى الله عنه، فقال في ذلك: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} 5 ثم استثنى موضع النسيان، فقال جلَّ وعزَّ: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} أي: فقعدت معهم {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 6 وقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} 7 وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} 8 وقال: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} 9 وقال:   1 سورة المائدة، الآية 41. 2 سورة البقرة، الآية 284. 3 سورة البقرة، الآية 136. 4 سورة البقرة، الآية 83. 5 سورة النساء، الآية 140. 6 سورة الأنعام، الآية 68. 7 سورة الزمر، الآيتان 17، 18. 8 سورة المؤمنون، الآيات من 1-4. 9 سورة القصص، الآية 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} 1 فذلك ما فرض الله، جلَّ ذكره، على السمع من التنزيه عمّا لا يحل له، وهو عمله، وهو من الإيمان.، و"فرض على العينين": ألا ينظر بهما إلى ما حرَّم الله، وأن يغضهماة عمّا نهاه عنه، فقال تبارك وتعالى، في ذلك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} 2 الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه. وقال: كل شيء من حفظ الفرج، في كتاب الله، فهو من الزنا إلا هذه الآية، فإنها من النظر. فذلك ما فرض الله على العينين من غضّ البصر، وهو عملها، وهو من الإيمان. ثم أخبر عمّا فرض على القلب والسمع والبصر، في آية واحدة، فقال، سبحانه وتعالى، في ذلك: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} 3 قال: يعني وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرّم الله عليه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 4 وقال: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} 5 الآية يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عمّا لا يحل له، وهو عملها. "وفرض على اليدين": ألا يبطش بهما إلى ما حرَّم الله تعالى، وأن يبطش بهما، إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم، والجهاد في سبيل   1 سورة الفرقان، الآية 72. 2 سورة النور، الآيتان 30، 31. 3 سورة الإسراء، الآية 36. 4 سورة المؤمنون، الآية 5. 5 سورة فصلت، الآية 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الله، والطهور للصلوات، فقال في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 1 إلى آخر الآية، وقال: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 2 لأن الضرب، والحرب، وصلة الرحم، والصدقة من علاجها. "وفرض على الرجلين ": ألا يمشي بهما إلى ما حرّم الله، جل ذكره، فقال في ذلك: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} 3. "وفرض على الوجه": السجود لله بالليل والنهار، ومواقيت الصلاة، فقال في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 4 وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 5 يعني بالمساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته، من الجبهة وغيرها. قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح. وسمّى الطهور والصلوات إيماناً في كتابه، وذلك حين صرف الله، تعالى، وجه نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الصلاة إلى بيت المقدس، وأمره بالصلاة إلى الكعبة. وكان المسلمون قد صلّوا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، فقالوا: يا رسول الله، أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس، ما حالها وحالنا؟   1 سورة المائدة، الآية 6. 2 سورة محمد، الآية 4. 3 سورة الإسراء، الآية 37. 4 سورة الحج، الآية 77. 5 سورة الجن، الآية 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1 فسمّى الصلاة إيماناً، فمن لقي الله حافظاً لصلواته، حافظاً لجوارحه، مؤدياً بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها -لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة، ومن كان لشيء منها تاركاً متعمداً مما أمر الله به- لقي الله ناقص الإيمان. قال: وقد عرفت نقصانه وإتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟ قال الشافعي قال الله، جل ذكره: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} 2. وقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 3. قال الشافعي: ولو كان هذا الإيمان كله واحداً لا نقصان فيه ولا زيادة لم يكن لأحد فيه فضل، واستوى الناس، وبطل التفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله في الجنة،، وبالنقصان من الإيمان دخل المُفرِّطون النار. قال الشافعي: إن الله، جل وعز، سابق بين عباده كما سُوبق بين الخيل يوم الرهان. ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه، فجعل كل امرىء على درجة سبقه، لا ينقصه فيها حقه، ولا يُقدّم مسبوق على سابق، ولا مفضول على فاضل. وبذلك فضل أول هذه الأمة على آخرها. ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه- للحق آخر هذه الأمة بأولها"4.   1 سورة البقرة، الآية 143. 2 سورة التوبة، الآيتان 124، 125. 3 سورة الكهف، الآية 13. 4 مناقب الشافعي (1/387-393) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 د- قوله في الصحابة: (1) أورد البيهقي عن الشافعي أنه قال: "أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والإنجيل وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله، وهنأهم بما أتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، فهم أدوا إلينا سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوه والوحي ينزل عليه، فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سُنَّته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم"1. (2) وأخرج البيهقي عن ربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول في التفضيل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"2. (3) وأخرج البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم3 قال: "سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي- رضي الله عنهم-"4. (4) وأخرج الهروي عن يوسف بن يحيى البويطي قال: "سألت الشافعي أأصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي ولا القدري ولا المرجىء، قلت: صفهم لنا، قال: من قال: الإيمان قول فهو   1 مناقب الشافعي (1/442) . 2 مناقب الشافعي (1/432) . 3 هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري أبو عبد الله، قال عنه الشيرازي: "صحب الشافعي وتفقه به وحمل في المحنة إلى بغداد إلى ابن أبي داود ولم يجب إلى ما طلب منه ورد إلى مصر.. مات في سنة اثنتين وستين ومائتين" طبقات الفقهاء ص 99 وانظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن هداية الله ص30 وشذرات الذهب (2/ 154) . 4 مناقب الشافعي (1/433) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 مرجىء، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري"1. هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين: (1) أخرج الهرري عن الربيع بن سليمان قال: "سمعت الشافعي يقول: ... لو أن رجلاً أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام، لم تدخل في الوصية لأنه ليس من العلم"2. (2) وأخرج الهروي عن الحسن الزعفراني قال: "سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحداً في الكلام إلا مرة وأنا أستغفر الله من ذلك"3. (3) وأخرج الهروي عن الربيع بن سليمان قال: "قال الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتاباً كبيراً لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني، ولا أحب أن ينسب إليّ منه شيء"4. () وأخرج ابن بطة عن أبي ثور قال: "قال لي الشافعي: ما رأيت أحداً ارتدى شيئاً من الكلام فأفلح"5. (5) وأخرج الهروي عن يونس المصري قال: "قال الشافعي: لأن يبتلي الله المرء بكل ما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه بالكلام"6. فهذه أقوال الإمام الشافعي- رحمه الله- في مسائل أصول الدين، وهذا موقفه من علم الكلام.   1 ذم الكلام (ق-215) وأورده الذهبي في السير (10/31) . 2 ذم الكلام (ق-213) وأورده الذهبي في السير (10/30) . 3 ذم الكلام (ق-213) وأورده الذهبي في السير (10/30) . 4 ذم الكلام (ق-215) . 5 الإبانة الكبرى ص 535، 536. 6 مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص 182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 8- اعتقاد أبي بكر عبد الله الحميدي1 المتوفى سنة 219 هـ قال بشر بن موسى: حدثنا الحميدي قال: 1- السنة: أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ذلك كله فضل من الله عز وجل. 2- وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية، ولا قول وعمل بنية إلا بسنة. 3- والترحم على أصحاب محمد كلهم، فإن الله عز وجل قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} [الحشر: 10] ، فلم يؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن يسبهم أو ينقصهم أو أحداً منهم، فليس على السنة، وليس له في الفيء حق. أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: قسم الله تعالى الفيء فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ، قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [الحشر:10] ، الآية، فـ (من) لم يقل هذا لهم، فليس ممن له الفيء.   1 الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي. روى عن الفضيل بن عياض وطبقته وكان إماماً حجة. قال أحمد بن حنبل: الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماماً أو كلاماً هذا معناه. وصحب الحميدي الشافعي ووالاه وقال ابن ناصر الدين: حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة. توفي رحمه الله سنة تسع عشرة ومائتين. شذرات الذهب 2/ 45، 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 4- والقرآن كلام الله: سمعت سفيان يقول: القرآن كلام الله، ومن قال (مخلوق) فهو مبتدع، لم نسمع أحداً يقول هذا. 5- وسمعت سفيان يقول: الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص. فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، لا تقل: ينقص. فغضب، وقال: اسكت يا صبي، بلى، حتى لا يبقى منه شيء. 6- والإقرار بالرؤية بعد الموت. 7- وما نطق به القرآن والحديث، مثل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 164] ، مثل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا نزيد فيه ولا نفسره. نقف على ما وقف عليه القرآن والسنة. 8- ونقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي. 9- وأن لا نقول كما قالت الخوارج: "من أصاب كبيرة فقد كفر". 10- ولا نكفر بشيء من الذنوب، إنما الكفر في ترك الخمس، التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". فأما ثلاث منها فلا يناظر تاركها: من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم، لأنه لا يؤخر من هذا شيء عن وقته، ولا يجزىء من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته. فأما الزكاة، فمتى ما أداها، أجزأت عنه، وكان آثماً في الحبس. وأما الحج، فمتى وجب عليه، ووجد السبيل إليه، وجب عليه، ولا يجب عليه في عامه ذلك، حتى لا يكون له منه بُد، متى أداه، كان مؤدياً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ولم يكن آثماً في تأخره إذا أداه، كما كان آثماً في الزكاة؛ لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين، حبسه عليهم، فكان آثماً حتى وصل إليهم. وأما الحج، فكان فيما بينه وبين ربه، إذا أداه، فقد أدى، وإن هو مات، وهو واجد مستطيع، ولم يحج، سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجوا أن يكون ذلك مؤدياً عنه، كما لو كان عليه دين فقضى عنه بعد موته1.   1 أصول السنة المطبوعة في آخر سنن الحميدي 2/546-548. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 9- اعتقاد بشر بن الحارث المتوفى سنة 227 قال أبو حفص عمر بن ياسر العطار: وأخرج صحيفة يزعم أنها بخط بشر بن الحارث1 رضي الله عنه دفعها إليهم، وقال تحفظوه، وتعلموه، فلتع أصل الإيمان، أولها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإقرار بما جاءت به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعقد قلبه على ما ظهر من لسانه، ولم يشك في إيمانه، ولم يكفر أحد أحداً من أهل التوحيد بذنب، وأرجأ ما غاب من الأمور إلى الله عز وجل وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، والخير والشر من الله عز وجل، ورجأ لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإحسان عمله ولا ينزله النار بذنب اكتسبه، حتى يكون الله عز وجل ينزل خلقه حيث يشاء، ويعرف حق السلف رضي الله عنهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقدم أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وترحم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم، وحدث بفضائلهم، وأمسك عما شجر بينهم، وصلى الجمعة والعيدين وعرفات مع كل أمير بر أو فاجر، والمسح على الخفين في الحضر والسفر، وأن يقصر الصلاة في السفر، والجهاد ماض منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى خير عصابة، يقاتلون الدجال لا يضرهم جور جائر، والقرآن كلام الله عز وجل وتنزيله ليس بمخلوق، والبيع والشراء حلال إلى يوم القيامة، على حكم السنة والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والتكبير على الجنائز أربعاً، 1 الرباني القدوة أبو نصر بشر بن الحارث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي سمع من حماد بن زيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما، قال الخطيب: هو ابن عم علي بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكرهها ودفن كتبه لأجل ذلك وكان في الفقه على مذهب الثوري توفي ببغداد في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين، الشذرات 2/60، 61، 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 والدعاء لأئمة المسلمين والصلاح، ولا يخرج عليهم بالسيف، ولا يقاتل في الفتنة، وتلزم بيتك، والإيمان بعذاب القبر، ومنكر ونكير، والإيمان بالحوض والشفاعة، والميزان، والإيمان بأن قوماً من الموحدين يخرجون من النار كما جاءت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأشياء نؤمن بها ولا نضرب لها الأمثال، ومن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الرأي والابتداع، ونشهد أن الله يقول ويخلق، وقوله قول وخلقه خلق، قوله باين من خلقه، وخلقه باين من قوله، وقوله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] ، وقوله: كن ليس بمخلوق، والحمد لله الذي ليس له شريك ولا شبيه، ولا وزير، ولا نظير، ولا ضد، ولا يشرك في حكمه أحداً. قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمداً بن يحيى الذهلي في المنام بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي ولمن صلى على جنازتي، ورفعت كتبي في أعلى عليين، وكتبت بماء الذهب، ثم رأيته مرة أخرى في المنام، فقلت: كنت رأيتك في المنام فسألتك ما فعل الله بك، فقلت: غفر لي أغفر لك؟ قال نعم، وقلت غفر لمن صلى على جنازتي، أغفر لهم؟ قال نعم: فقلت ورفعت كتبك في أعلى عليين وكتبت بماء الذهب؟ قال: نعم كما قلت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 10- اعتقاد علي بن المديني 1-2. المتوفى سنة 234 ومن نقل عنه ممن أدركه من جماعة السلف قال اللالكائي أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث النخعي قال حدثنا أبو سعيد يحيى بن أحمد قال سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن بسطام يقول سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن عبد الله بن جعفر المديني فقال له: قلت أعزك الله: السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره. ثم تصديق بالأحاديث والإيمان بها لا يقال، لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها وإن لم يعلم تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفى ذلك واحكم عليه. الإيمان به والتسليم. مثل حديث زيد بن وهب عن ابن مسعود قال حدثنا الصادق المصدوق ونحوه من الأحاديث المأثورة عن الثقات. ولا يخاصم أحداً ولا يناظر ولا يتعلم الجدل. والكلام في القدر وغيره من السنة مكروه ولا يكون صاحبه وإن أصاب السنة بكلامه من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم، ويؤمن بالإيمان.   1 أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف، سمع من حماد بن زيد وعبد الوارث وطبقتهما. قال البخاري: ما استصغرتُ نفسي إلا عند ابن المديني، وقال أبو داود: (ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد بن حنبل) وقال عبد الرحمن بن مهدي: علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة بحديث سفيان بن عيينه، توفي رحمه الله في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة، سنة أربع وثلاثين ومائتين، شذرات الذهب 2/81. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله عز وجل ليس بباين منه وليس منه شيء مخلوق يؤمن به ولا يناظر فيه أحداً. والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن العبد ولا يزن جناح بعوضة. يوزن أعمال العباد كما جاءت به الآثار، الإيمان به والتصديق والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته. وإن الله عز وجل يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم ليس بينهم وبينه ترجمان، الإيمان بذلك والتصديق. والإيمان بالحوض: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر آنيته كعدد نجوم السماء على ما (جاء) في الأثر ووصف. ثم الإيمان بذلك. والإيمان بعذاب القبر، إن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكما أراد الإيمان بذلك والتصديق. والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وإخراج قوم من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر كيف شاء الله وكما شاء إنما هو الإيمان به والتصديق. والإيمان بأن المسيح الدجال مكتوب بين عينيه "كافر" للأحاديث التي جاءت فيه الإيمان بأن ذلك كائن، وإن عيسى بن مريم ينزل فيقتله بباب لد، والإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية. والإيمان يزيد وينقص وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً. وترك الصلاة كفر ليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد حل قتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان بن عفان نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في ذلك. ثم من بعد الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك، كلهم يصلح للخلافة كلهم إمام كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أفضل الناس بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم كلهم. من صحبه سنة أو شهراً أو ساعة أو رآه أو وفد إليه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه، فأدناهم صحبة هو أفضل من الذين لم يروه ولو لقوا الله عز وجل بجميع الأعمال، كان الذي (صحب) النبي صلى الله عليه وسلم ورآه بعينيه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين كلهم ولو عملوا كل (أعمال) الخير. ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم. لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين. والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود للأئمة الماضية ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة قد برئ من دفعها إليهم وأجزأت عنه براً كان أو فاجراً. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاه جائزة قائمة ركعتان من أعادها فهو مبتدع تارك للإيمان مخالف وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم والسنة أن يصلوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأي وجه كانت برضا كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية. ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة. ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله أو ما دون نفسه فله أن يقاتل عن نفسه وماله حتى يدفع عنه في مقامه. وليس (له) إذا فارقوه إن تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم وقد سلم منهم، ذلك إلى الأئمة، إنما هو يدفع عن نفسه في مقامه. وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً فإن إتى على يده في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول. وإن قتل هو في ذلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجونا له الشهادة كما في الأثر. وجميع الآثار إنما أمر بقتاله ولم يؤثر بقتله. ولا يقيم عليه الحد ولكنه يدفعه إلى من ولاه الله أمره فيكون هو يحكم فيه. ولا يشهد على أحد من أهل القبلة بعمل عمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف على الطالح المذنب ونرجو له رحمة الله عز وجل. ومن لقي بذنب يجب (له) بذنبه النار تائباً منه غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. ومن لقي الله وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي استوجبت بها العقوبة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه مشركاً عذبه ولم يغفر له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 والرجم على من زنا وهو محصن إذا اعترف بذلك وقامت عليه البينة، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم الأئمة الراشدون من بعده. ومن تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه فهو مبتدع حتى يترحم عليهم جميعاً فيكون قلبه لهم سليماً. والنفاق هو الكفر: أن يكفر بالله عز وجل ويعبد غيره في السر ويظهر الإيمان في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منهم الظاهر فمن أظهر الكفر قتل. وهذه الأحاديث التي جاءت: "ثلاث من كن فيه فهو منافق " 1 جاءت على التغليظ نرويها كما جاءت ولا نفسرها. مثل: "لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " 2. ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" 3. ومثل: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" 4. ومثل: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" 5. ومثل: "كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق"6. ونحو هذه الأحاديث مما ذكرناه ومما لم نذكره في هذه الأحاديث. مما صح وحفظ فإنه يسلم له وإن لم يعلم تفسيره فلا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا يتكلم فيه ما لم يبلغ لنا منه ولا نفسر الأحاديث إلا على ما جاءت ولا نردها.   1 رواه البخاري (33) ومسلم (59) بلفظ (آية المنافق ثلاث.. "وأما باللفظ المذكور فقد رواه أبو يعلي في مسنده (4098) وهو حسن بشواهده. 2 رواه البخاري (121) ومسلم (65) وغيرهما. 3 رواه البخاري (31) ومسلم (2888) وغيرهما. 4 رواه البخاري (48) ومسلم (116) وغيرهما. 5 رواه البخاري (6103) ومسلم (111) وغيرهما. 6 حسن رواه أحمد (2/ 215) وابن ماجة (2744) وغيرهما، انظر صحيح الجامع (4485) ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 والجنة والنار مخلوقتان كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً1 ورأيت الكوثر2 " و "اطلعت في الجنة فإذا أكثر أهلها كذا واطلعت في النار فرأيت كثر أهلها كذا"3. فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالأثر ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار، وقوله "أرواح الشهداء تسرح في الجنة"4 وهذه الأحاديث التي جاءت كلها نؤمن بها. ومن مات من أهل القبلة موحداً مصلياً صلينا عليه واستغفرنا له لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصلاة عليه لذنب صغير أم كبير وأمره إلى الله عز وجل. وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة ويدعو له. ويترحم عليه (فارج) خيره واعلم أنه بريء من البدع. وإذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز ويذكر محاسنه وينشرها فاعلم أن وراء ذلك خيراً إن شاء الله. وإذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والإقتداء بهم (فارج) خيره. ثم من بعد هؤلاء: حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء محنة أهل البدع. وإذا رأيت الرجل من أهل الكوفة يعتمد على طلحة بن مصرف وابن ابجر وابن حيان التيمي ومالك بن مغول وسفيان بن سعيد الثوري وزايدة (فارجه) . ومن بعدهم: عبد الله بن إدريس ومحمد بن عبيد وابن أبي عتبه والمحاربي (فارجه) . وإذا رأيت الرجل يحب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه فلا تطمئن إليه وإلى من يذهب مذهبه ممن يغلو في أمره ويتخذه إماماً.   1 رواه البخاري (5226) ومسلم (2394) وغيرهما. 2 رواه البخاري (4964) وغيره. 3 رواه البخاري (3241- 5198) وغيره. 4 رواه مسلم (1887) وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 11 - اعتقاد أبي ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي1-2 الفقيه رحمه الله، المتوفى سنة 240هـ قال اللالكائي: أخبرنا محمد بن رزق الله قال أخبرنا أحمد بن حمدان قال حدثنا أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم قال: أرسل رجل من أهل خراسان إلى أبي ثور إبراهيم بن خالد بكتاب يسأل عن الإيمان ما هو؟ ويزيد وينقص؟ وقول؟ أو قول وعمل؟ أو قول وتصديق وعمل؟ فأجابه: إنه التصديق بالقلب والإقرار باللسان وعمل الجوارح. وسأله عن القدرية من هم؟ فقال: إن القدرية من قال أن الله لم يخلق أفاعيل العباد، وأن المعاصي لم يقدرها الله على العباد ولم يخلقها. فهؤلاء قدرية لا يصلى خلفهم ولا يعاد مريضهم ولا يشهد جنائزهم ويستتابون من هذه المقالة فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم. وسألت: الصلاة خلف من يقول القرآن مخلوق؟ فهذا كافر بقوله لا يصلى خلفه. وذلك أن القرآن كلام الله جل ثناؤه ولا اختلاف فيه بين أهل العلم. ومن قال: كلام الله مخلوق فقد كفر وزعم: أن الله عز وجل حدث فيه شيء لم يكن. وسألت: يخلد في النار أحد من أهل التوحيد؟ والذي عندنا أن نقول: لا يخلد موحد في النار.   1 أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام، تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره وبرع في العلم، ولم يقلد أحداً. قال أحمد بن حنبل: أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي في صلاح سفيان الثوري قال ابن الأهدل: صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه واستعمل أولاً مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق وصحبه فاتبعه وهو غير مقلد لأحد- توفي رحمه الله سنة أربعين ومائتين، شذرات الذهب 2/93. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 12- اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه1 المتوفى سنة 241 هـ قال اللالكائي: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله السكري قال حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله بن بريد الدقيقي قال حدثنا أبو محمد الحسن بن عبد الوهاب أو العنبر- قراءة من كتابه في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين ومائتين- قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري - بتنيس- قال حدثني عبدوس بن مالك العطار قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين. والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن. وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هي الإتباع وترك الهوى. ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:   1 أبو عبد الله أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي شيخ الإسلام وعالم أهل العصر، سمع من هشيم وابن سعد وطبقتهما، وكان إماماً في الحديث ودروبه، إماماً في الفقه ودقائقه، إماماً في السنة ودقائقها إماماً في الورع وغوامضه، إماماً في الزهد وحقائقه، قال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثاً لن يرى مثلهم يعجز النساء أن يلدن مثلهم: أبا عبيد القاسم بن سلام وبشر بن الحارث وأحمد بن حنبل، وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث، ولد عام 164هـ وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين، شذرات الذهب 2/96، 97، 98. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 الإيمان بالقذر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها لا يقال لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها. ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه الإيمان به والتسليم له مثل حديث الصادق والمصدوق وما كان مثله في القدر. ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع فإنما عليه الإيمان بها وإن لا يرد منها جزءاً واحداً وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات. لا يخاصم أحداً ولا يناظره ولا يتعلم الجدل فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه ولا يكون صاحبه- إن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدل ويسلم. ويؤمن بالآثار. والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا تضعف إن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق وإياك ومناظرة من أحدث فيه ومن قال باللفظ وغيره، ومن وقف فيه فقال لا أدري، مخلوق أو ليس بمخلوق؟ وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق. والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه وأنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح. رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس. والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا تناظر فيه أحداً. أقول: جواب العبارة هكذا: "يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة". وتوزن أعمال العباد كما جاء في الأثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 والإيمان به والتصديق به والإعراض عن من رد ذلك وترك مجادلته. وأن الله تبارك وتعالى يكلم العباد يوم القيامة ليس بينهم وبينه ترجمان والإيمان به والتصديق به. والإيمان بالحوض وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر، آنيته كعدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه. والإيمان (بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن الإيمان) والإسلام ومن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله عز وجل وكيف أراد، والإيمان به والتصديق به. والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقوم يخرجون من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء في الأثر كيف شاء الله؟ وكما شاء؟ إنما هو الإيمان به والتصديق به. والإيمان أن المسيح الدجال (خارج مكتوب) بين عينيه كافر والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن. وأن عيسى بن مريم ينزل فيقتله بباب لد. والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الخبر "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً". ومن ترك الصلاة فقد كفر وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله. وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان. نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في ذلك. ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى- الخمس- كما في الأصل والصواب الخمسة1- علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام.   1 يجوز الوجهان في نحو هذه المسألة وهي فيما إذا تأخر العدد عن المعدود فتقول جاء قومنا الثلاث أو الثلاثة. كما في حاشية الصبان. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ونذهب إلى حديث ابن عمر: (كنا نعد- ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت) . ثم من بعد أصحاب الشورى: أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة (أولاً فأولاً) . ثم أفضل الناس بعد هؤلاء: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم. كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه (نظرة) . فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال. كان هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه (ومن) رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير. والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به. ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين. والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك. وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم. ودفع الصدقات إليهم جائزة ونافذة من دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً. وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين من أعادهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا: برهم وفاجرهم فالسنة أن تصلي معهم ركعتين (من أعادهما فهو مبتدع) وتدين بأنها تامة ولا يكن في صدرك من ذلك شك. ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق. وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنها بكل ما يقدر عليه. وليس له إذ فارقوه أو تركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ليس لأحد إلا للإمام أو ولاة المسلمين إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً فإن أتى عليه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا: إنما أمر بقتاله ولم يؤمر بقتله ولا إتباعه ولا (يجهز) عليه إن صرع أو كان جريحاً وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه. ولا يشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار يرجو للصالح ويخاف عليه ويخاف على المسيء المذنب ويرجو له رحمة الله. ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائباً غير مصر عليه فإن الله عز وجل يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ومن لقيه مصراً غير تائب من الذنوب التي قد استوجب به العقوبة فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ومن لقيه كافراً عذبه ولم يغفر له. والرجم حق على من زنا وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رجمت الأئمة الراشدون. ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساوئه كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً. والنفاق هو الكفر إن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وهذه الأحاديث التي جاءت) 1. "ثلاث من كن فيه فهو منافق" هذا على التغليظ. ونرويها كما جاءت ولا نفسرها. وقوله: "لا ترجعوا بعدي كفاراً ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض". ومثل: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". ومثل: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". ومثل: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما". ومثل: "كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق". ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم يعلم (تفسيرها) ولا يتكلم فيه ولا يجادل فيه ولا تفسر هذه الأحاديث إلا مثل ما جاءت ولا نردها إلا بالحق منها. والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت   1 سبق تخريج هذه الأحاديث ص: 61 و 62. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الجنة فرأيت قصراً ورأيت الكوثر" و "اطلعت في الجنة فرأيت لأهلها كذا واطلعت في النار فرأيت كذا ورأيت كذا" فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار. ومن مات من أهل القبلة موحداً يصلى عليه (وتستغفر له ولا تترك الصلاة عليه) (لذنب أذنبه) صغيراً كان أو كبيراً وأمره إلى الله عز وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 المستدرك لعقيدة الإمام أحمد بن حنبل: أ- قوله في التوحيد: (1) جاء في طبقات الحنابلة1: "إن الإمام أحمد سئل عن التوكل، فقال: قطع الاستشراق باليأس من الخلق". (2) وجاء في كتاب المحنة2 لحنبل أن الإمام أحمد قال: "لم يزل الله. عز وجل متكلماً والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق وعلى كل جهة، ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه عز وجل". (3) وأورد ابن أبي يعلى عن أبي بكر المروزي قال: "سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها وقال: تلقتها الأمة بالقبول تمرّ الأخبار كما جاءت"3. (4) قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة: إن أحمد قال: "من زعم أن الله لا يتكلم فهو كافر إلا أننا نروي هذه الأحاديث كما جاءت4. (5) وأخرج اللالكائي عن حنبل5 أنه سأل الإمام أحمد عن الرؤية فقال: "أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر"6.   1 طبقات الحنابلة (1/416) . 2 كتاب المحنة ص (68) . 3 طبقات الحنابلة (1/56) . 4 السنة ص (71 ط دار الكتب العلمية) . 5 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو علي الشيباني وهو ابن عم أحمد بن حنبل قال عنه الخطب: "ثقة ثبت" مات سنة "273" هـ تاريخ بغداد (8/286، 287) . 6 شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 507) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 (6) وأورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنبل لمسدد1 وفيه: "صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه ... "2. (7) جاء في كتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد قوله: "وزعم- جهم بن صفوان- أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عن رسوله كان كافراً وكان من المشبهة"3. (8) وأورد ابن تيمية في "الدرء" قول الإمام أحمد: "نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله منه وله وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار"4. (9) وأورد ابن أبي يعلى عن أحمد أنه قال: "من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر مكذب بالقرآن "5. (10) وأورد ابن أبي يعلى عن عبد الله بن أحمد قال: "سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلّم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال أبي: تكلم الله بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت"6. (11) وأخرج اللالكائي عن عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: " ... والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق فإن كلام الله منه وليس منه شيء مخلوق"7.   1 هو مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري قال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ الحجة"مات سنة (228) هـ، سير أعلام النبلاء (10/ 591) . وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/107) . 2 مناقب الإمام أحمد 221. 3 الرد على الجهمية ص 104. 4 درء تعارض العقل والنقل (2/30) . 5 طبقات الحنابلة (1/ 59، 145) . 6 طبقات الحنابلة (1/185) . 7 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 157) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ب- قوله في القدر: (1) أورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنبل لمسدد وفيه: "ويؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومرّه من الله"1. (2) وأخرج الخلال عن أبي بكر المروزي قال: "سُئل أبو عبد الله فقال: الخير والشر مقدر على العباد؟ فقيل له: الله خلق الخير والشر، قال: نعم، الله قدره"2. (3) وجاء في كتاب السنة للإمام أحمد قوله: "والقدر خيره وشره وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومُرّه، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيّئه، وأوله وآخره من الله قضاء قضاه على عباده وقدر قدره، ولا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل ولا يجاوز قضاءه"3. (4) وأخرج الخلال عن محمد بن أبي هارون عن أبي الحارث قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: فالله عز وجل قدّر الطاعة والمعاصي، وقدّر الخير والشر، ومن كتب سعيداً فهو سعيد، ومن كتب شقياً فهو شقي"4. (5) قال عبد الله بن أحمد سمعت أبي وسأله علي بن جهم عمن قال بالقدر يكون كافراً؟ قال: "إذا جحد العلم إذا قال: إن الله لم يكن عالماً حتى خلق علماً فعلم فجحد علم الله فهو كافر"5. قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدري، فقال: إن كان يخاصم فيه ويدعو إليه فلا تصل خلفه"6.   1 مناقب الإمام أحمد ص 169، 172، ط/ دار الآفاق الجديد. 2 السُّنَّة للخلال (ق- 85) . 3 السُّنَّة ص 68. 4 السُّنَّة للخلال (ق- 85) . 5 السُّنَّة لعبد الله بن أحمد ص 119. 6 السُّنَّة ص (1/384) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ب- قوله في الإيمان: (1) أورد ابن أبي يعلى عن أحمد قال: "من أفضل خصال الإيمان الحب في الله والبغض في الله"1. (2) وأورد ابن الجوزى عن أحمد قال: "الإيمان يزيد وينقص كما جاء في الخبر: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً"2 ... "3. (3) وأخرج الخلال عن سليمان بن أشعث4 قال: "إن أبا عبد الله قال: الصلاة والزكاة والحج والبر من الإيمان والمعاصي تنقص الإيمان"5. (4) قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن رجل يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص ولكن لا يستثنى أمرجىء؟ قال: أرجو ألا يكون مرجئاً. سمعت أبي يقول: الحجة على ما لا يستثني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل القبور: "وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون" 6 ... "7. قال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي- رحمه الله- سُئل عن الإرجاء فقال: نحن نقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، إذا زنى وشرب الخمر نقص إيمانه"8.   1 طبقات الحنابلة (2/275) . 2 أخرجه أحمد في المسند (2/250) وأبو داود في كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (5/60) ح (4682) ح (1162) جميعهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال عنه الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". 3 مناقب الإمام أحمد ص 173، وانظر أيضاً ص 153، 168. 4 هو أبو داود سليمان بن أشعث بن إسحاق السجستاني صاحب السُّنن، قال عنه الذهبي: "الإمام الثبت سيد الحفّاظ" مات سنة (275 هـ) ، تذكرة الحفاظ (2/591) ، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (9/55) . 5 السنة للخلال (ق-96) . 6 أخرجه مسلم كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2/ 669) ح (974) من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها. 7 السنة لعبد الله (1/307، 308) ، ط/ المحققة. 8 السنة لعبد الله بن أحمد (1/307) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 د- قوله في الصحابة: (1) جاء في كتاب السنة للإمام أحمد ما يأتي: "ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم أجمعين، والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أحداً منهم فهو مبتدع، رافضي خبيث، مجلف، لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، بل حبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والإقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة". ثم قال: "ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد الأربعة خير الناس، ولا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه"1. (2) أورد ابن الجرزي رسالة أحمد إلى مسدد وفيها: "وأن تشهد للعشرة أنهم في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، شهدنا له بالجنة"2. (3) قال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن الأئمة فقال: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي"3. (4) وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن قوم يقولون: إن علياً ليس بخليفة، قال هذا قول سوء ردي"4. (5) وأورد ابن الجوزي عن أحمد قال: "من لم يثبت الخلافة لعلي فهو أضل من حمار أهله"5.   1 كتاب السنة للإمام احمد ص (77-78) . 2 مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص170، ط دار الآفاق الجديدة. 3 السُّنَّة ص 235. 4 السُّنَّة ص 235. 5 مناقب الإمام أحمد ص 163، ط/ دار الآفاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 (6) وأورد ابن أبي يعلى عن أحمد قال: "من لم يربع علي بن أبي طالب الخلافة فلا تكلموه، ولا تناكحوه"1. هـ- نهيه عن الكلام والخصومات في الدين: (1) أخرج ابن بطة عن أبي بكر المروزي قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: من تعاطى الكلام لم يفلح، ومن تعاطى الكلام لم يخل أن يتجهم"2. (2) وأورد ابن عبد البر في جامع بيان العلم عن أحمد قال: "إنه لا يفلح صاحب كلام أبداً ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل"3. (3) وأخرج الهروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "كتب أبي إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان4 لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله أو في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود"5. (4) وأخرج ابن الجوزي عن موسى بن عبد الله الطرسوسي قال: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالسوا أهل الكلام وإن (ذبوا) عن السنة"6. (5) وأخرج ابن بطة عن أبي الحارق الصايغ قال:"من أحب الكلام لم يخرج من قلبه، ولا ترى صاحب كلام يفلح"7.   1 طبقات الحنابلة (1/45) . 2 الإبانة (2/538) . 3 جامع بيان العلم وفضله (2/95) ط/ دار الكتب العلمية. 4 هو أبو الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ثم البغدادي، قال عنه الذهبي: "الوزير الكبير ... وزير للمتوكل وللمعتمد.. وحظي عند المتوكل وكان سمحاً جواداً"، وقال ابن أبي يعلى: "نقل عن إمامنا أشياء منها أنه قال: سمعت أحمد يقول: "أنزه نفسي عن مال السلطان وليس بحرام"، مات سنة (263هـ) ، سير أعلام النبلاء (13/ 9) ، طبقات الحنابلة (1/204) . 5 ذم الكلام (ق-216- ب) . 6 مناقب الإمام أحمد ص 205. 7 الإبانة لابن بطة (2/539) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (6) وأخرج ابن بطة عن عبيد الله بن حنبل قال: "حدثني أبي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: عليكم بالسنة والحديث وينفعكم الله به، وإياكم والخوض والجدال والمراء فإنه لا يفلح من أحب الكلام، وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة، لأن الكلام لا يدعو إلى خير، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا، ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير، أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة"1. (7) أورد ابن بطة في الإبانة عن أحمد قال: "إذا رأيت الرجل يحب الكلام فاحذره"2. فهذه أقواله- رحمه الله- في مسائل أصول الدين وهذا موقفه من علم الكلام.   1 الإبانة لابن بطة (2/539) . 2 الإبانة لابن بطة (2/540) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 13- اعتقاد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري1-2 رحمه الله، المتوفى سنة 256 في جماعة من السلف الذين يروى عنهم قال اللالكائي: أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص الهروي قال حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا أبو الحسين محمد بن عمران بن موسى الجرجاني قال سمعت أبا محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البخاري -بالشاش- يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر: لقيتهم كرات قرناً بعد قرن ثم قرناً بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد. بالحجاز ستة أعوام ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان ومنهم: المكي بن إبراهيم ويحيى بن يحيى وعلي بن الحسن بن شقيق وقتيبة بن سعيد وشهاب بن معمر. وبالشام: محمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وأبا المغيرة عبد القدوس بن الحجاج وأبا اليمان الحكم بن نافع ومن بعدهم عدة كبيرة. 1 الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزية البخاري مولى الجعفين صاحب الصحيح والتصانيف. ولد سنة أربع وتسعين ومائة. وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاءً ولم يخلف بعده مثله. قال ابن وضاح ومكي بن خلف: سمعنا محمد بن إسماعيل يقول: كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عن من قال الإيمان قول وعمل وعن ابن إسحاق الريحاني أن البخاري كان يقول صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته في ست مائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري. توفي رحمه الله ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد الظهر سنة ست وخمسين ومائتين. شذرات الذهب 2/ 134، 135، 136. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/193) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وبمصر: يحيى بن كثير وأبا صالح كاتب الليث بن سعد وسعيد بن أبي مريم وأصبغ بن الفرح ونعيم بن حماد. وبمكة: عبد الله بن يزيد المقري والحميدي وسليمان بن حرب قاضي مكة وأحمد بن محمد الأزرقي. وبالمدينة: إسماعيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن نفاع الزبيري وأحمد بن أبي بكر أبا مصعب الزهري وإبراهيم بن حمزة الزبيري وإبراهيم بن المنذر الحزامي. وبالبصرة: أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني وأبا الوليد بن هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال وعلي بن عبد الله بن جعفر المدني. وبالكوفة: أبا نعيم الفضل بن دكين وعبيد الله بن موسى وأحمد بن يونس وقبيصة بن عقبة وابن نمير وعبد الله وعثمان ابنا أبي شيبة. وببغداد: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبا معمر وأبا خيثمة وأبا عبيد القاسم بن سلام. ومن أهل الجزيرة: عمرو بن خالد الحراني. وبواسط: عمرو بن عون وعاصم بن علي بن عاصم. وبمرو: صدقة بن الفضل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي. واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصراً وأن لا يطول ذلك فما رأيت واحداً منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول وعمل وذلك لقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 1. وأن القرآن كلام الله غير مخلوق لقوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ   1 سورة البينة (5) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال ابن عيينة: فبين الله الخلق من الأمر لقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 2. وأن الخير والشر بقدر لقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 3 ولقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 4 ولقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 5. ولم يكونوا يكفرون أحداً من أهل القبلة بالذنب لقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 6. وما رأيت فيهم أحداً يتناول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: أمروا أن يستغفروا لهم، وذلك لقوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 7. وكانوا ينهون عن البدع ما لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 8 ولقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ} 9.   1 سورة الأعراف (54) . 2 هذه الآية جزء من التي قبلها. 3 سورة الفلق (21) . 4 سورة الصافات (96) . 5 سورة القمر (49) . 6 سورة النساء (48) . 7 سورة الحشر (10) . 8 سورة آل عمران (103) . 9 سورة النور (54) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ويحثون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه لقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1. وأن لا ننازع الأمر أهله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرىء مسلم: إخلاص العمل لله وطاعة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم. فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" 2 ثم أكد في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} 3. وأن لا يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الفضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد. قال ابن المبارك: يا معلم الخير من يجترىء على هذا غيرك. والخوارج مراق. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر. ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي. ومن وقف في القرآن جاهلاً علم وبدع ولم يكفر. ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي. قال! أبو محمد وسمعت أبي يقول:   1 سورة الأنعام (153) . 2 صحيح رواه الترمذي (2658) وابن ماجة (230) وغيرهما. 3 النساء: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر. وعلامة الزنادقة. تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار. وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة. وعلامة القدرية: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية. وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة. ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 14- اعتقاد محمد بن يحيى الذهلي المتوفى سنة 258 هـ قال أبو عمرو أحمد بن محمد بن حفص الحبري أملى علينا محمد بن يحيى الذهلي1 قال: السنة عندنا الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهو قول الميثاق عليه عهدنا أهل العلم، وأن القدر خيره وشره من الله عز وجل، قد جف القلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، علم الله جل وعلا العباد ما هم عاملون، وإلى ما هم صائرون، وأمرهم ونهاهم فمن لزم (أمر) الله تعالى وأطاعه وآثره، فبتوفيق الله عز وجل، ومن ترك أمر الله تبارك وتعالى وركب معاصيه فيخذله الله، ومن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل بالجوارح إليه إن شاء عمل وإن شاء لم يعمل فقد كذب بالقدر، ورد كتاب الله عز وجل نصاً وزعم أنه يستطيع ما لم يرده الله عز وجل ثناؤه، ونحن نتبرأ إلى الله عز وجل من هذا القول، ولكن نقول الاستطاعة في العبد مع الفعل فإذا عمل عملاً بالجوارح من بر وفجور، علمنا أنه مستطيعٌ للفعل الذي فعل، فأما قبل أن يفعل فإنا لا ندري لعله يريد أمراً فحال بينه وبين ذلك، والله جل اسمه يريد لتكوين أعمال الخلق، ومن ادعى خلاف ما وصفناه فقد وصف الله عز وجل بالعجز، وهلك في الدارين، والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، من جهاته، وحيث ينصرف من الوجوه كلها فكلامه، وليس شيء منه مخلوق، ومن زعم أن كلام الله مخلوق، فقد زعم أن في الله عز وجل شيئاً مخلوقاً، وأن الله تعالى عن هذا، قال الله تعالى في محكم كتابه {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] ففصل الخلق من الأمر، وبأمره خلق الخلق، وكون الأشياء وقال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ   1 هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي النيسابوري أحد الأئمة الأعلام الثقات سمع عبد الرحمن وطبقته وكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يحبه ويعظمه. قال أبو حاتم كان إمام أهل زمانه. وقال أبو بكر بن أبي داود: هو أمير المؤمنين في الحديث، توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين، شذرات الذهب 2/ 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] فمن زعم أن كن الذي به كون خلقه مخلوق فقد كفر، ومن وقف فقال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، كان محله محل من زعم أن القرآن مخلوق، ومن تكلم في اللفظ فقد بدع لأنه اخترع شيئاً لم يتكلم في السلف إلا رجل من أهل عصرنا، ممن كان ينتحل الحديث يقال له: الكرابيسي فنقل كلامه إلى إمامنا أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه فبدعه وأنكر عليه أشد الإنكار، وأمر بمهاينته ومجانبته، ونهى عن مجالسته، فمات متهلكاً خائباً مخذولاً، ونحن نستوفق الله بتوفيقه ونستهديه بهداه، فإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ومتى ما تكلم في اللفظ، انشعب عليه فيه، فلم يتخلص المراد منه، وخيف عليه الفتنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر" 1. وقال عبد الله بن عمرو "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون في القرآن، فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا الكتاب بعضه ببعض فلا تكذبوا بعضه ببعض ما علمتوه فقولوه، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه"2. قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} [آل عمران: 7] فهم الذين عنى الله عز وجل فاحذروهم3. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7] ويقول الراسخون في العلم آمنا به. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تضربوا القرآن بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم. وقال أبو موسى: من علم علماً فليعلمه الناس وإياه أن يقول ما لا يعلم فيكون من المتكلفين ويعوق من الدين. وأشياء لهذه الأشياء كثيرة مما قد ذكره الأسالف من أهل العلم، الخوض   1 حسن. رواه أحمد (4/ 170) وغيره. 2 حسن. رواه أحمد (2/ 195- 196) وابن ماجة (85) وغيرهما. 3 رواه البخاري (4547) ومسلم (2665) وأحمد (6/ 48) واللفظ له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فيه والتنازع، ولا يجب التلفظ فيما لم يحط علماً به من المشكلات التي لم يتقدمنا فيها إمام ولا الخوض فيه، فإنهم كانوا أعلم بالتنزيل والتأويل، وعنهم أخذنا هذا، وبه نعتقد، فأعاذنا الله وإياكم من مضلات الفتن، وأن نسمع ونطيع لولاة الأمر مع حب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ولا نرى شق العصيى مع النصح للجماعة في السر والعلانية وأن المتقدم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نشهد عليهم بشرك، إلا ما كان من جهم وأصحاب جهم، ونفوض ما غاب عنا من الأمور إلى الله عز وجل، لا نقطع بالذنوب العصمة من عندنا، ونرجو لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ونخاف على سيئهم، ونستغفر لذنبهم، ونقبل علانيتهم ونكل سرائرهم إلى الله عز وجل، ولا ندخل لمحسنهم الجنة بإحسان، ولا ناراً بذنب، حتى يكون الله جل ثناؤه هو يحكم بينهم يوم الفصل وهو أحكم الحاكمين، وأن الجهاد ماض من يوم بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم لا يضره جور جائر ولا ينفعه عدل عادل حتى تقوم الساعة وأن أفعال العباد جميعها من خير وشر مخلوقة مسطورة في اللوح المحفوظ، ومن زعم أنها غير مسطورة فقد كفر، لأنه رد كتاب الله تعالى نصاً. قال الله تعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذاباً شديداً كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الإسراء: 58] ، فإذا قال ذلك فقد رد نص كتاب الله عز وجل وكفر، وقد قال الله جل ثناؤه: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 21- 22] ونظيره أيضاً قوله تعالى: {وكل صغير وكبير مستطر} [القمر: 53] ، وقال تعالى: {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطورا} [الأحزاب: 33] وأن ترك الصلاة كفر للحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه، ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة1، هذا المعنى وألفاظهم مختلفة، وأن العشرة رضي الله تعالى عنهم في الجنة نشهد عليهم أنهم في الجنة للحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن بالحمل أو الاعتراف،   1 رواه مسلم (82) وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله تعالى عنهم بعده. وأن الجنة والنار مخلوقتان قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده فقد عرضت على الجنة والنار في عرض هذا الحائط وأنا أصلي فلم أر كاليوم في الخير والشر"1. وقال صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا في الجنة فرأيت فيها قصراً فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل لعمر رضي الله عنه" 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت النار فإذا فيها أخا بني دُعْدُع"4. وقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت النار فيها صاحبة الهرة" 5. (قال) "وقالت الجنة يا رب مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس ومساكينهم قال وقالت النار: أوثرت بالجبارين والمتكبرين فقال الله جل ثناؤه أنتما خلق من خلقي" 6. فمن زعم أنهما غير مخلوقتين، أو أنهما كانتا مخلوقتين فإنهما يفنيان، كما يفنى سائر الخلق فقد كذب من زعم هذا وأنكر الملة. وأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار يراه أهل الجنة فأما من سواهم من بني آدم فلا. والحجة في ذلك أحاديث مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قيل له يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة. الحديث"7. وفيما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23] .قال: النظر إلى وجه الله الكريم عز وجل. وفيما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما منكم أحد إلا سيكلمه الله يوم   1 رواه البخاري (7089) . 2 رواه البخاري (3342) ومسلم (163) وغيرهما. 3 رواه البخاري (5226) ومسلم (2394) وغيرهما. 4 حسن رواه أحمد (2/ 159- 188) وغيره. 5 حسن رواه أحمد (2/ 159- 188) وغيره. 6 رواه مسلم (2846) وغيره. 7 رواه البخاري (806) ومسلم (182) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 القيامة ليس بينه وبينه ترجمان"1. وإنما عنى بذلك أهل التوحيد، وإن كان فيهم من استوجب العقوبة لأن مصيرهم بعد العقوبة الجنة، والله جل ثناؤه عفو كريم يعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء. "وأن لله عز وجل مائة اسم غير واحد فإنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنة" 2، يؤثر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [الأعراف: 180] . فمن آمن بهذا وصدق به فقد أفلح ولزم أمر الله تعالى، ومن كذب به بتأول أو احتجاج في إبطاله فقد ضل وزاغ عن الحق وهلك في الدارين، إلا أن يتوب توبة نصوحاً، يعلم الله تعالى من قلبه أنه مفارق لهذه الأهواء راجع إلى الحق وبالله التوفيق. وأن الإيمان بهذه الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رؤية الرب جل وعلا يوم القيامة. والقدر والشفاعة وعذاب القبر والحوض والميزان والرجم والنزول والحساب والجنة والنار ونحوها من الأحاديث والتصديق بها، وللعباد، أن يؤمنوا بها. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان إذا أصبح قال: الحمد لله الذي ذهب بالليل وجاء بالنهار. ونحن منه في عافية مرحباً بخلق جديد، مرحباً بكما من آخرين وكاتبين وحافظين، اكتبا بسم الله في غرة يومي هذا، أني أشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى بالله شهيداً، وأشهدكما على مقالتي هذه في ساعتي هذه، أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً صمداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أمين الله ووفيه وخيرة الله من خلقه، وأشهد أنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته. وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور،   1 رواه البخاري (6539) ومسلم (1016) وغيرهما. 2 رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) وغيرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وأن الله عز وجل على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً وأقول على ذلك، وعلى كل نعمة أنعم بها على ربي عز وجل، الحمد لله عدد آياته وأسمائه، والحمد لله عدد ما في أرضه وسمائه، والحمد لله عدد ملائكته وخلقه، والحمد لله عدد ما في دنياه، وآخرته، الباعث الوارث يحيي الموتى ويميت الأحياء، ويحيي العظام وهي رميم، ومن التسبيح والتهليل والتكبير مثل ذلك، حسبي الله من لم يكلني إلى نفسي وهو كلائي في الليل والنهار، وغذائي في رحم أمي وحفظني حتى بلغت أشدي، وكنت ميتاً فأحياني، ومن بعد حياتي يميتني، حسبي الله ربي، لا أشرك به شيئاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب ورب أبائي الأولين، يا من دنى في علوه، ويا من تعالى في قربه، ويا من رفع السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، مسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا (لا تكون) إلا بأمره يا الله يا الله يا الله لا شريك لك، ولك الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل والآلاء والقدرة والكبرياء والعظمة عدد ما خلقت، وعدد ما هو سابق في علمك، وعدد ما أنت خالقه إلى يوم القيامة، وعدد ما يعجز عنه عقول أولي الألباب، عن مبلغ صفة ذلك عندك عملت سوء أو ظلمت نفسي وأنت العفو فاعف عني، وأنت الغفور فاغفر لي، وأنت التواب فتب علي، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، لك الحمد يا رب العالمين، ولك الكبرياء يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم يا مهيمن، لا إله إلا أنت، وأشهد جميع من خلقته، ومن أنت خالقه إلى يوم القيامة، على مقالتي هذه في ساعتي هذه، إنك أنت الله رب الحق المبين، لا إله إلا أنت، وبأنك أنت الله الرحمن الرحيم، وأن محمداً عبدك ورسولك نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام ديني، أسألك تمام ذلك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنك تبعث من في القبور، وأنك على كل شيء قدير، وأنك أحطت بكل شيء علماً، وأحصيت كل شيء عدداً، وأنك ما تشاء من أمر يكون، كان شهادة خالصة مخلصة، أنال بها منج جزيل كرامة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، الحمد لله الذي لم أصبح ميتاً ولا سقيماً ولا مضروباً على عرق، ولا مأخوذاً بأسوأ ما على ولا مقطوعاً يدي ولا مرتداً عن ديني، ولا منكراً لربي عز وجل، ولا مستوحشاً عن ديني، ولا مستهلاً من عقلي، ولا معذباً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 بعذاب، من الأمم قبلي، ولا أصبحت عبداً مملوكاً ظالماً لنفسي. لك الحجة علي ولا حجة لي، أصبحت لا أملك لنفسي خيراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وقيتني، فوفقني اللهم لما يرضيك عني، أصبحت وما بي وبغيري من نعمة أو عافية صغيرة أو كبيرة قديمة أو حديثة، فمنك وحدك لا شريك لك، أنت أحق المنعمين أن ينعم نعمته، وأحق المفضلين أن يتم فضله ونعمته، اللهم بك كنا ما كنا، وبك نكون ما كنا على الله أمورنا وتسديدنا وتوفيقنا وعصمتنا، أن نضل عن قولك، أو نفتن عن دينك، أو نتابع هدى دون الذي جاء من عندك، يا من أظهر الجميل وسر القبيح علي، يا من لم يؤاخذني بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم العفو، ويا كريم المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة، يا حسن التجاوز، يا شاهد كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، يا علام الغيوب، وما تخفي الصدور، ويا معتق الرقاب وفكاك الأعناق، ويا مقبل العثرات والسيئات ويا مهتدينا بالنعم قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه يا إلهاه، أسألك أن تجيرني من شر ما أحاذر في الدنيا والآخرة. وقال إبراهيم بن بشار الصوفي رحمه الله تعالى خادم إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: كان إبراهيم بن أدهم يقول كل هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح عشر مرات وإذا أمسى عشر مرات يقول مثل ذلك: مرحباً بيوم المزيد والصبح الجديد والكاتب الشهيد، يومنا هذا يوم عيد، أكتب لنا ما نقول فيه: بسم الله الحميد المجيد، الرؤوف الودود، والفعال لما يريد أصبحت بالله مؤمناً، وبلقاء الله عز وجل مصدقاً، وبحجته معترفاً، ومن ذنبي مستغفراً ولربوبيته خاضعاً، ولسوى الله جاحداً، وإلى الله فقيراً، وعلى الله متوكلاً، وإلى الله منيباً، أشهد الله وأشهد ملائكته وأنبياءه وحملة عرشه، ومن خلق ومن هو خالقه، بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق والحوض حق، والشفاعة حق، ومنكر ونكير حق، ولقاؤك حق، ووعدك حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، على ذلك أحيا، وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله، اللهم أنت ولا رب لي إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك اللهم من شر كل ذي شر، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، أنا بك وإليك، أستغفرك وأتوب إليك، آمنت اللهم بما أرسلت من رسول، وآمنت اللهم بما أنزلت من كتاب وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، خاتم كلامي ومفتاحه، وعلى أنبيائه ورسله أجمعين آمين يا رب العالمين، اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بكأسه شرباً روياً سائغاً هنيئاً، لا نظمأ بعده أبداً، واحشرنا في زمرته غير خزايا ولا ناكسين، ولا مرتابين ولا مفتونين، ولا مغضوب علينا ولا ضالين، اللهم اعصمني من فتن الدنيا، ووفقني لما تحب من العمل وترضى، وأصلح لي شأني كله، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، ولا تضلني وإن كنت ظالماً، سبحانك سبحانك يا عظيم يا بر يا رحيم يا عزيز يا جبار، سبحان من سبحت له السماوات بأكنافها، وسبحان من سبحت له الجبال بأصواتها، سبحان من سبحت له النجوم في السماء بأبراجها، وسبحان من سبحت له البحار بأمواجها، وسبحان من سبحت له الحيتان بلغاتها، وسبحان من سبحت له الشجر بأصولها ونضارتها، وسبحان من سبحت له السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومن عليهن، سبحانك سبحانك يا حي يا حليم، سبحانك لا إله إلا أنت وحدك. وعن سويد بن الحارث الأزدي قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من قومي، فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزينا، فقال ما أنتم؟ فقلنا مؤمنون، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ قال سويد رضي الله عنه: فقلت خمسة عشر خصلة، خمس منها أمرتنا بها، وخمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلقنا بها في الجاهلية ونحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ فقلت: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال فما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ فقلت: أمرتنا رسلك أن نقول جميعاً لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا، ونصوم شهر رمضان، فنحن على ذلك، قال فما الخمس التي تخلقتم بها أنتم؟ قال قلت: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء والصدق في مواطن اللقاء، والرضاء بمواقع القضاء، وترك الشماتة بالمصائب إذا حلت بالأعداء، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أدباء حكماء فقهاء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء من خصال، ما أشرفها وأعظم ثوابها؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأنا أوصيكم بخمس خصال لتكمل عشرين خصلة، قلنا أوصنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون، وأرغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون1. قال أبو سليمان الداراني: قال علقمة رضي الله عنه: فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفظوا وصيته وعملوا بها، ولا والله يا أبا سليمان ما بقي من أولئك النفر ولا من أتباعهم غيري، ثم قال اللهم اقبضني إليك غير مبدل ولا مغير. قال أبو سليمان: فمات والله بعد أيام قلائل.   1 إسناده ضعيف. رواه أبو نعيم في الحلية (9/291) والبيهقي في الزهد (970) وغيرهما. وراجع النهاية لابن كثير (5/ 94) ، والمغني عن حمل الأسفار (84) وكنز العمال (1363) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 15-16- اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم وأبي1 حاتم محمد بن إدريس بن المنذر2 الرازيين3 المتوفى سنة 277هـ قال اللالكائي: أخبرنا محمد بن المظفر المقري قال حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. والقرآن كلام الله غير مخلوق. بجميع جهاته. والقدر خيره وشره من الله عز وجل. وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام. وهم الخلفاء الراشدون المهديون. وأن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالجنة على ما   1 الإمام أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولى الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام. قال أبو حاتم: لم يخلف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانة وصدقاً وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في الكشوف، والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل. توفي رحمه الله سنة أربع وستين ومائتين. 2 الإمام أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الإمام محمد بن إدريس الحنظلي كان بارع الحفظ واسع الرحلة في أوعية العلم كان يقول: مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ وتال ابن ناصر الدين: أبو حاتم الرازي كان في مضمار البخاري، وأبو زرعة جارياً وبمعاني الحديث عالماً، وفي الحفظ غالباً، وأثنى عليه خلق من المحدثين. توفى سنة سبع وسبعين ومائتين رحمه الله.شذرات الذهب 2/171. 3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 شهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق. والترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والكف عما شجر بينهم. وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف؟ أحاط بكل شيء علما {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] . أنه تبارك وتعالى يُرى في الآخرة: يراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء. وكما شاء. والجنة حق والنار حق، وهما مخلوقان لا يفنيان أبداً والجنة ثواب لأوليائه والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله عز وجل. والصراط حق. والميزان حق. له كفتان توزن فيه أعمال العباد حسنها وسيئها حق. والحوض المكرم به نبينا حق. والشفاعة حق. والبعث من بعد الموت حق. وأهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل. ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل أسرارهم إلى الله غز وجل. ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان. ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ونسمع ونطيع لمن (ولاه) الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة. فإن الجهاد ماض منذ بعث الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء. والحج كذلك ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 والناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم ولا ندري ما هم عند الله عز وجل. فمن قال أنه مؤمن حقاً فهو مبتدع ومن قال: هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين. ومن قال: هو مؤمن بالله حقاً فهو مصيب. والمرجئة مبتدعة ضُلاَّل. والقدرية مبتدعة ضُلاَّل. فمن أنكر منهم: أن الله عز وجل لا يعلم ما لم يكن قبل أن يكون فهو كافر. وأن الجهمية كفار. وأن الرافضة رفضوا الإسلام. والخوارج مراق. ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر. ومن شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكاً فيه يقول لا ادري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي. ومن وقف في القرآن جاهلاً عُلِّم وبُدِّع ولم يكفر. ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي. قال أبو محمد وسمدت أبي يقول: وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر. وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار. وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشهبة. وعلامة القدرية: تسميتهم أهل الأثر مجبرة. وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية. وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء. وقال أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم وسمعت أبي وأبا زرعة يهجران أهل الزيغ والبدع يغلظان في ذلك أشد التغليظ وينكران وضع الكتب برأي في غير أثار. وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبدا. قال أبو محمد: وبه أقول! أنا. وقال أبو علي بن حبيش المقري: وبه أقول. قال شيخنا (ابن المظفر) 1: وبه أقول. وقال شيخنا: يعني المصنف وبه أقول. وقال الطريثيني: وبه أقول. وقال شيخنا السلفي: وبه نقول. ووجدت في بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي رحمه الله مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن بعدهم لإحسان وترك النظر في موضع بدعهم والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل: أبي عبد الله بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأبي عبيد القاسم بن سلام والشافعي. ولزوماً الكتاب والسنة والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل:   1 الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ابن الحافظ الجامع التميمي الراوي قال أبو يعلي الخليلي، أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأنصار وقال ابن الأهول: هو صاحب الجرح والتعديل والعلل والمبوب على أبواب الفقه وغيرها. توفي رحمه الله سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. شذرات الذهب 2/308. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مالك بن أنس في المدينة والأوزاعي بالشام والليث بن سعد: بمصر، وسفيان الثوري وحماد بن زياد بالعراق، من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين. وترك النظر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه، وشاجر ديه1 مثل: داود الأصبهاني وأشكاله ومتبعيه. والقرآن كلام الله علمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ليس بمخلوق بجهة من الجهات. ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر بالله كفراً ينقل عن الملة. ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر. والواقفة واللفظية جهمية. جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل. والإتباع للأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان. وترك كلام المتكلمين وترك مجالستهم وهجرانهم وترك مجالسة من وضع الكتب بالرأي بلا آثار. واختيارنا أن الإيمان: قول وعمل إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان، مثل الصلاة والزكاة لمن كان له مال، والحج لمن استطاع إليه سبيلا. وصوم شهر رمضان وجميع فرائض الله التي فرض على عباده: العمل به من الإيمان. والإيمان يزيد وينقص. ونؤمن بعذاب القبر. وبالحوض المكرم به النبي صلى الله عليه وسلم. ونؤمن بالمساءلة في القبر. وبالكرام الكاتبين.   1 هكذا في جميع النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وبالشفاعة المخصوص بها النبي صلى الله عليه وسلم. ونترحم على جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا نسب أحداً منهم لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] . والصواب نعتقد ونزعم1 أن الله على عرشه بائن من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . ولا نرى الخروج على الأئمة ولا نقاتل في الفتنة ونسمع ونطيع لمن ولي الله عز وجل أمرنا. ونرى الصلاة والحج والجهاد مع الأئمة ودفع صدقات المواشي إليهم. ونؤمن بما جاءت به الآثار الصحيحة بأنه يخرج قوم من النار من الموحدين بالشفاعة. ونقول إنا مؤمنون بالله عز وجل. وكره سفيان الثوري أن يقول: أنا مؤمن حقاً عند الله ومستكمل الإيمان وكذلك قول الأوزاعي أيضاً. وعلامة أهل البدع: أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة. وعلامة القدرية: أن يسموا أهل السنة مجبرة. وعلامة الزنادقة: أن يسموا أهل الأثر حشوية. ويريدون إبطال الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفقنا الله وكل مؤمن لما يحب ويرضى من القول والعمل وصلى الله على محمد وآله وسلم.   1 والزعم لا يجوز إطلاقه على الأمور اليقينية وقضايا العقيدة ينبغي أن تكون في مرتبة اليقين لا مرتبة الزعم ولهذا فلا ينبغي استعمال الزعم هنا. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "بئس مطية الرجل: زعموا" رواه أبو داود: ح/4972. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 17- اعتقاد أبي جعفر محمد بن جرير الطبري1-2 المتوفى سنة 310هـ قال اللالكائي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد- قراءة عليه- قال أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال أبو جعفر محمد بن جرير: فأول ما نبدأ فيه القول من ذلك كلام الله عز وجل وتنزيله إذ كان من معاني توحيده: فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله عز وجل غير مخلوق، كيف كتب و (كيف) تلى. وأي موضع قريء، في السماء وجد أو في الأرض، حيث حفظ، في اللوح المحفوظ كان مكتوباً في الواح صبيان الكتاتيب مرسوماً، في حجر نقش أو في ورق خط، في القلب حفظ أو باللسان لفظ، فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآناً في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه، أو قال بلسانه دايناً به فهو بالله كافر حلال الدم، وبريء من الله والله بريء منه لقول الله جل ثناؤه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [سورة البروج 21، 22] وقال وقوله الحق: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [سورة التوبة: 6] . فأخبرنا جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع وهو قرآن واحد من محمد مسموع وفي اللوح المحفوظ مكتوب وكذلك في الصدور محفوظ وبألسن الشيوخ والشبان متلو. فمن روى عنا أو حكى عنا أو تقول علينا، أو ادعى علينا أنا قلنا غير   1 الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة كان مجتهداً لا يقلد أحداً. قال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير. قال الخطيب: كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره. توفى رحمه الله سنة عشر وثلاثمائة، شذرات الذهب 2/260. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/206. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ذلك، فعليه لعنة الله وغضبه، ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وهتك ستره وفضحه على رؤوس الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وأما الصواب من القول لدينا في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وهو ديننا الذين ندين الله به وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة فهو أن أهل الجنة يرونه على ما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والصواب لدينا في القول فيما اختلف فيه من أفعال العباد وحسناتهم وسيئاتهم إن جميع ذلك من عند الله والله مقدره ومدبره لا يكون شيء إلا بإرادته ولا يحدث شيء إلا بمشيئته له الخلق والأمر. والصواب لدينا من القول: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مضى أهل الدين والفضل. والقول في ألفاظ العباد بالقرآن: فلا أثر فيه أعلمه عن صحابي مضى ولا عن تابعي قفي إلا عمن في قوله الشفاء والغنا رحمة الله عليه ورضوانه وفي إتباعه الرشد والهدى ومن يقوم لدينا مقام الأئمة الأولى: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل. فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية لقول الله عز وجل: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ممن يسمع؟ وأما القول في الاسم أهو المسمى (أو) غير المسمى فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ولا قول من إمام فيستمع والخوض فيه شين والصمت عنه زين، وحسب امرىء من العلم به والقول فيه أن ينتهى إلى قول الصادق عز وجل وهو قوله {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وقوله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] . ويعلم أن ربه هو الذي على {الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 5،6] . فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر فليبغ الشاهد منكم أيها الناس من بعد منا فنأي أو قرب فدنا: إن الدين الذي ندين به في الأشياء التي ذكرناها ما بيناه لكم على ما وصفناه، فمن روى خلاف ذلك أو أضاف إلينا سواه أو نحلنا في ذلك قولاً غيره فهو كاذب (مفتر) معتد متخرص يبوء بإثم الله وسخطه، وعليه غضب الله ولعنته في الدارين وحق على الله أن يورده المورد الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرباه، وأن يحله المحل الذي أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحله أمثاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 18- اعتقاد أبي بكر بن أبي داود1 المتوفى سنة 316هـ قال الإمام الحجة العالم الأثري الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشهير بالذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) أخبرنا أحمد بن عبد الحميد أنبأنا محمد بن قدامة سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرتنا فاطمة بنت على، أنبأنا على بن بيان، أنبأنا الحسين ابن علي الطناحيري، أنبأنا أبو حفص ابن شاهين لمحال: قال شيخنا أبو بكر عبد الله بن سليمان هذه القصيدة وجعلها محسنة. بسم الله الرحمن الرحيم تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعياً لعلك تفلح ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنجو وتربح وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأولياء وافصحوا ولا في القرآن بالوقف قائلاً ... كما قال اتباع لجهم وصصحوا ولا تقل القرآن خلق قراءة2 ... فإن كلام الله باللفظ يوضح وقل ينجلي3 الله للخلق جهرة ... كما البدر لا يخفي وربك أوضح وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبح وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصرح رواه جرير عن مقال محمد ... فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح   1 هو أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعت الحافظ السجستاني ابن الحافظ ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين. قال ابن شاهين كان ابن أبي داود يملى علينا من حفظه، ومن روى عنه ابن المظفر والدارقطني وأبو أحمد الحاكم وغيرهم. توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة، شذرات الذهب 2/ 273. 2 أي لا تقل القرآن مخلوق ولا لفظي بالقرآن مخلوق وانظر مجموعة رسائل الكمالية رقم (5) في المناظرات بين الفحول من علماء الإسلام وأعلامه: "البخاري ومحمد بن يحيى الدهلي". 3 يتجلى: فيراه المؤمنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه ... وكلتا يديه بالفواضل تنفح وقل ينزل الجبار في كل ليلة ... بلا كيف جل الواحد المتمدح إلى طبق الدنيا يمن بفضله ... فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول ألا مستغفر يلق غافراً ... ومستمنحا خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ... ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا وقل إن خير الناس بعد محمد ... وزيراه قدما ثم عثمان الأرجح وأربعهم خير البرية بعدهم ... على حليف الخير للخير ممنح وإنهم والرهط لا ريب فيهم ... على نجب الفردوس بالنور تسرح سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدح وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تك طعاناً تعيب وتجرح فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ... وفي الفتح آي1 في الصحابة تمدح وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... دعامة عقد الدين والدين أفيح2 ولا تنكرن جهلا نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض والميزان إنك تنصح وله منظومة في العقيدة السلفية ومن عقود السنة الإيمان ... بكل ما جاء به القرآن وبالحديث المسند المروي ... عن الأئمة عن النبي وأن ربنا قديم لم يزل ... وهو دائم إلى غير أجل كلم موسى عبده تكليماً ... ولم يزل مدبراً حكيماً كلامه وقوله قديم ... وهو فوق عرشه العظيم والقول في كتابه المفصل ... بأنه كلامه المنزل على رسوله النبي الصادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق   1 هي "محمد رسول الله والذين معه" إلخ السورة 2 الدعامة عماد البيت والأفيح الواسع السمح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 من قال فيه إنه مخلوق ... أو محدث فقوله مروق والوقف فيه بدعة مضلة ... ومثل ذاك اللفظ عند الجلة أهون بقول جهم الحسيس ... وواصل وبشر المريسي ذي السخف والجهل وذي العناد ... معمر وابن أبي دؤاد وابن عبيد شيخ الاعتزال ... وشارع البدعة والضلال والجاحظ القادح في الإسلام ... وجبت هذه الأمة النظام والفاسق المعروف بالجبائي ... ونجله السفيه ذي الخناء واللاَّحقيِّ وأبي هذيل ... مؤيدي الكفر بكل ويل وذي العمى ضرار المرتاب ... وشبههم من أهل الارتياب وبعد فالإيمان قول وعمل ... ونية عن ذاك ليس ينفصل هو على ثلاثة مبني ... خلاف ما يقوله المرجي وزعم الإمام الأشعري ... وصحبه وكلهم مرضى فتارة يزيد بالتشمير ... وتارة ينقص بالتقصير وحب أصحاب النبي فرض ... ومدحهم تزلف وفرض وأفضل الصحابة الصديق ... وبعده المهذب الفاروق ومن صحيح ما أتى به الخبر ... وشاع في الناس قديماً وانتشر نزول ربنا بلا امتراء ... في كل ليلة إلى السماء من غير ما حد ولا تكييف ... سبحانه من قادر لطيف ورؤية المهيمن الجبار ... وأننا نراه بالأبصار يوم القيامة بلا ازدحام ... كرؤية البدر بلا غمام وضغطه القبر على المقبور ... وفتنة المنكر والنكير فالحمد لله الذي هدانا ... لواضح السنة واجتبانا1   1 سير أعلام النبلاء 18/ 81- 82- 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وله منظومة أخرى في فضل أهل الحديث وعقائده. وقل يخرج الله العظيم بفضله ... من النار أجساداً من الفحم تطرح على النهر في الفردوس تحيا بمائة ... كحبة حمل السبل إذ جاء يطفح وأن رسول الله للخلق شافع ... وقل في عذاب القبر حق موضح ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... فكلهم يعصى وذو العرش يصفح ولا تعتقد رأي الخوارج إنه ... مقال لمن يهواه يردى ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ... ألا إنما المرجي بالدين يمزح وقل إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرح وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... فقول رسول الله أزكى وأشرح ولا تك من قوم تلهوا بدينهم ... فتطعن في أهل الحديث وتقدح إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه ... فأنت على خير تبيت وتصبح قال الإمام الكبير، والحافظ الشهير، شمس الدين الذهبي في كتابه العلو: هذه القصيدة متواترة عن ناظمها، رواها الآجري وصنف لها شرحاً، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة، قال ابن أبي داود. هذا قول أبي وقول شيوخنا، وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب، كان أبو بكر من الحفاظ المبرزين، ما هو بدون أبيه، صنف التصانيف وانتهت إليه رئاسة الحنابلة ببغداد، توفي سنة 316 ست عشرة وثلثمائة آهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 19- اعتقاد نصر المقدسي قال الشيخ الإمام الفقيه نصر رحمه الله1 المتوفى سنة 490هـ إن قال قائل: ذكرت ما يجب على أهل الإسلام من إتباع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الأئمة والعلماء، ممن عرف بالعلم والدين والصدق واليقين، وذكرت المنع من البدع، وذم الكلام، والأهواء الخارجة عن الحق والصواب، ووجوب ترك ذلك، والأخذ بما عليه أهل السنة والجماعة، فأذكر مذاهبهم، وما أجمعوا عليه من اعتقادهم، وما يلزمنا المصير إليه من إجماعهم، لنعلم ذلك ونصير إليه ونعتقده ونعتمد عليه. فالجواب وبالله التوفيق: إن الذي أدركت عليه أهل العلم2، ومن لقيتهم، وأحدث عنهم، ومن بلغني قوله من غيرهم، ممن يعول عليه ويرجع في النوازل إليه، ممن ينطق عن علم صائب، وفهم ثاقب، وأمانة قوية، وديانة أصلية، مشهور في وقته بالإمامة، موصوف بالقوة والزعامة، ناطق عن الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة، مجانب للبدعة والضلالة والأهواء والجهالة3 أنه لا يجوز اعتقاد ما لم يكن له أصل في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان عليهم من الله   1 أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد، شيخ الشافعية بالشام، وصاحب التصانيف، كان إماماً علامة مفتياً محدثاً حافظاً زاهداً متبتلاً ورعاً كبير القدر عديم النظير. ومن تصانيفه التهذيب والتقريب وكتاب المقصود له وهو أحكام مجردة وكتاب الكافي وله شرح متوسط على كتاب الإشارة لشيخه سليم وله كتاب الحجة على تارك المحجة وغيرها توفي رحمه الله سنة تسعين وأربعمائة. شذرات الذهب 3/395. 2 يعني أئمة أهل الحديث أئمة أهل السنة والجماعة. 3 جاء في حاشية الأصل ما نصه: "قف على ما يجب اعتقاده على كل مسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الرحمن، الرحمة والرضوان، ولا يحل الكلام فيه، وأنه بدعة وضلالة ومعصية وجهالة، ثم الاعتقاد بعد ذلك أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وأنه خلق العالم وبعث الأنبياء والرسل وأنزل عليهم الكتب وشرع لخلقه الشرائع، وأمرهم ونهاهم، وأنه يميتهم أجمعين، ثم يحييهم ليوم الدين، فيحاسبهم بما أسلفوا، ويقابلهم بما قدموا وأخروا (ما) نطقت به كتبه فهو الحق، وأخبرت به رسله فهو الصدق، وأنه لا يجوز لأحد مخالفة أمره تعالى وجل، ولا تجاوزه، نصفه بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لا نجاوز ذلك. ولا تزيد عليه، ولا نقيس بعقولنا غيره عليه، بل نسلم لذلك إليه، ونتوكل في توفيقنا عليه. وأن الإيمان قول وعقد وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. وأن القرآن كلام الله عز وجل وحيه وتنزيله غير مخلوق كيف تلي وكيف قريء وكتب. وأن القدر خيره وشره، وحلوه ومره من الله عز وجل، قدر جميع أعمال العباد وقضاها، قبل أن يخلق أعمالهم فهم يعملون ما قدر لهم عمله وقضاه وكتبه وأمضاه، ولا يجاوز ذلك تقديره ولا يفارق ترتيبه، ولا يخرج من علمه ولا يزول عن حكمه. وأن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم على بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وأنهم هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتباعهم ونهى عن خلافهم. وأن العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد على ما شهد به، وكذلك من سواهم ممن أخبر عنه بذلك، أو وعده على عمل عمله أو فعل فعله الجنة. والترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشر فضائلهم، وترك الخوض والنظر فيما شجر بينهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 وأن الله تعالى مستو على عرشه، باين من خلقه، كما قال في كتابه العزيز الحكيم، {أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12] {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28] {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] . وأن الله تعالى يرى في الآخرة يراه المؤمنون بأبصارهم والكفار عن رأيته محجوبون. وأن الجنة حق وأن النار حق وأنهما مخلوقتان لا يفنيان أبداً. وأن الميزان حق. وأن الحوض المكرم به نبينا صلى الله عليه وسلم حق. وأن الشفاعة حق، وأن أناساً من أهل التوحيد يخرجون من النار، ولا يبقى فيها من كان في قلبه شيء من الإيمان. وأن عذاب القبر حق. وأن منكر ونكير حق. وأن الكرام الكاتبين حق. وأن أهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، بل نحكم بإيمانهم وأحكامهم وموازينهم ونكل سرائرهم إلى الله تعالى. ونرى الحج والعمرة والجهاد والجمعة والصلوات وجميع الطاعات مع أئمة المسلمين ماض إلى يوم القيامة. والسمع والطاعة لولاة الأمر في طاعة الله عز وجل دون معصيته. فهذا ما أدركتهم عليه، وبلغني عنهم -رحمهم الله تبارك وتعالى- ووفقنا وإياكم لما يرضيه، واستعملنا فيما يحبه ويرتضيه، فإنما نحن به وإليه. وأنا أذكر بعد هذا، ما بلغني عمن أشرت إليه من الأئمة في ذلك بأسانيده مع اختلافهم في البسط والاختصار، واتفاق المعاني واختلاف الألفاظ، وأنقل قبل ذلك خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 عن عبد الرحمن العمي عن أبيه عن أربعين من التابعين عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تسع من سنن الهدى وفيهن الجماعة (ومن) خرج منهن خرج من الجماعة، لا تشهدوا على أحد من أهل قبلتكم بكفر ولا شرك ولا نفاق، وردوا سرائرهم إلى الله عز وجل وصلوا على من مات من أهل قبلتكم وأشهدوا الصلوات الخمس والجمعة في الجماعة، مع كل إمام بار أو فاجر، وجاهدوا المشركين مع كل خليفة، لكم جهادكم وعليهم مآثمهم، ولا تخرجوا عن أئمتكم بالسيف وإن جاروا وادعو لأئمتكم بالصلاح والمعافاة، ولا تدعوا عليهم، وجانبوا الأهواء كلها فإن أولها وآخرها باطل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 20- اعتقاد أحمد القادر بالله1 المتوفى سنة 422 هـ قال ابن الجوزي: "أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء قال: أخرج الإمام القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبو جعفر بن القادر بالله في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة الاعتقاد القادري، الذي ذكره القادر فقريء في الديوان وحضر الزهاد والعلماء، وممن حضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني، فكتب خطه تحته قبل أن يكتب الفقهاء وكتب الفقهاء خطوطهم فيه أن هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر وهو: يجب على الإنسان أن يعلم أن الله عز وجل وحده لا شريك له لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك وهو أول لم يزل وآخر لا يزال، قادر على كل شيء غير عاجز عن شيء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون غني غير محتاج إلى شيء لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم يطعم ولا يُطعم ولا يستوحش من وحدة ولا يأنس بشيء وهو الغني عن كل شيء لا تخلفه الدهور والأزمان وكيف تغيره الدهور والأزمان وهو خالق الدهور والأزمان والليل والنهار والضوء والظلمة والسموات والأرض وما فيها من أنواع الخلق والبر والبحر وما فيهما وكل شيء حي أو موات أو جماد. كان ربنا   1 هو القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة قال الخطيب: كان من أهل الستر والديانة وإدامة التهجيد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه صنف كتاباً في الأصول فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن. عده الشيخ تقي الدين بن الصلاح من فقهاء الشافعية ومدته في الخلافة من أطول المدد قال الذهبي: لما مات القادر بالله استخلف ابنه القائم بأمر الله وله إحدى وثلاثون سنة فبايعه الشريف المرتضى ثم إن الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة فقال إن القادر لم يخلف مالأ وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء توفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، شذرات الذهب 2/ 221، 222، 223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه فخلق كل شيء بقدرته وخلق العرش لا لحاجته إليه فاستوى عليه كيف شاء وأراد لا استقرار راحة كما يستريح الخلق وهو مدبر السموات والأرضين ومدبر ما فيهن ومن في البر والبحر ولا مدبر غيره ولا حافظ سواه يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون كلهم والخلق كلهم أجمعين وهو القادر بقدرة والعالم بعلم أزلي غير مستفاد وهو السميع بسمع والمبصر ببصر يعرف صفتهما من نفسه لا يبلغ كنههما أحد من خلقه متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه عليه السلام وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقية لا مجازية ويعلم أن كلام الله تعالى غير مخلوق تكلم به تكليماً وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل بعد ما سمعه جبريل منه فتلاه جبريل على محمد وتلاه محمد على أصحابه وتلاه أصحابه على الأمة ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقاً لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم الله به فهو غير مخلوق فبكل حال متلواً ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً ومن قال أنه مخلوق على حال من الأحوال فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ويعلم أن الإيمان قول وعمل ونية وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح وتصديق به يزيد وينقص: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو ذو أجزاء وشعب فأرفع أجزائه لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ولا بماذا يختتم له فلذلك يقول: مؤمن إن شاء الله وأرجو أن أكون مؤمناً ولا يضره الاستثناء الرجاء ولا يكون بهما شاكاً ولا مرتاباً لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه من أمر الآخرة وخاتمته وكل شيء يتقرب به إلى الله تعالى ويعمل لخالص وجهه من أنواع الطاعات فرائضه وسننه وفضائله فهو كله من الإيمان منسوب إليه ولا يكون للإيمان نهاية أبداً لأنه لا نهاية للفضائل ولا للمتبوع في الفرائض أبداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ويجب أن يحب الصحابة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ونعلم أنهم خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ويشهد للعشرة بالجنة ويترحم على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سب عائشة فلا حظ له في الإسلام، ولا يقول في معاوية إلا خيراً ولا يدخل في شيء شجر بينهم، ويترحم على جماعتهم قال الله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وقال فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] . ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها، فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر وإن لم يجحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "بين العبد والكفر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر"1 ولا يزال كافراً حتى يندم، ويعيدها، فإن مات قبل أن يندم ويعيد أو يضمر أن يعيد، لم يصل عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وسائر الأعمال لا يكفر بتركها وإن كان يفسق حتى يجحدها ثم قال: هذا قول أهل السنة والجماعة الذي من تمسك به كان على الحق المبين وعلى منهاج الدين والطريق الواضح ورجي به النجاة من النار ودخول الجنة إن شاء الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم" 2 وقال عليه السلام: "أيما عبد جاءته موعقة من الله تعالى في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه فإن قبلها يشكر وإلا كانت حجة عليه من الله يزداد بها إثما ويزداد من الله سخطا" 3 جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ولنعمائه ذاكرين وبالسنة معتصمين وغفر لنا ولجميع المسلمين لما.   1 رواه مسلم (82) وغيره. 2 رواه مسلم (55) وغيره. 3 ضعيف. رواه البيهقي في الشعب (7415) وغيره. انظر ضعيف الجامع (2245) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 21- اعتقاد محمد بن أحمد أبي علي الهاشمي1 المتوفى سنة 8 م 2 هـ جاء في طبقات الحنابلة: عنه قال: "باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات: حقيقة الإيمان عند أهل الأديان: الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان: أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير على كبير ولي نصير قوي مجير، ليس له شبيه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير، سبق الأشياء فهو قديم لا كقدمها، وعلم كون وجودها في نهاية عدمها. لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأبصار فتصفه، ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأبين ولم يقدم زمان فينطلق عليه التأبين، ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجرى ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] . أراد ما الخلق فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو أراد أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه. خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا سمي له في   1 هو أبو علي الهاشمي الحنبلي محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي صاحب التصانيف قال ابن أبي يعلى في طبقاته كان سامي الذكر له القدم العالي والحظ الوافر عند الإماميين القادر بالله والقائم بأمر الله، صنف الإرشاد في المذهب وشرح كتاب الخرقي، ولد في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وتوفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/238، 239، 240، 241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أرضه وسمواته، على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء. كذلك سئل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه قوله عز وجل {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] فقال: علمه. والقرآن كلام الله تعالى وصفته من صفات ذاته غير مخلوق ولا محدث كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى السن الناطقين وفي أسماع السامعين وأكف الكاتبين وملاحظة الناظرين، برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزة باهرة وأن الله عز وجل كلم موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً وأنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها. والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وأن مع كل عبد رقيباً وعتيداً وحفيظاً وشهيداً يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر، يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته. وأن منكراً ونكيراً إلى كل أحد ينزلانه- سوى النبيين- فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الأديان. وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب بالعذاب الأليم، وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأنه جل اسمه يعيد خلقهم كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور. وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأنه يخرج أقواماً من النار فيسكنهم الجنة دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار. وأن الميزان حق. توضع فيه أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار. وأن الصراط حق يجوزه الأبرار وأن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفار، وأن الإيمان غير مخلوق فهو قول وإخلاص بالجنان وعمل الأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين وأفضلهم: القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وأفضل القرن الذي صحبوه: أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم: أهل بدر إذ نصروه وأفضلهم: أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم: عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار: الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار، وأفضل الأربعة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام وأفضل القرون القرن الذي يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم الذين يتبعونهم. وأن نتولى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأسرهم، ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بإحسان الذكر لهم. وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ما كان فيهم من علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم فيما شجر بينهم أتباعا لقول رب العالمين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 22- اعتقاد أبي عثمان الصابوني1 المتوفى سنة 449هـ قال السبكي في طبقات الشافعية: وهذه وصيته وقد وجدت بها بدمشق عند دخوله إليها حاجاً: هذا ما أوصى به إسماعيل بن عبد الرحمن بن إسماعيل أبو عثمان الصابوني، الواعظ، غير المتعظ، الموقظ، غير المتيقظ، الأمر، غير المؤتمر، الزاجر، غير المنزجر، المتعلم، المعترف، المنذر، المخوف، المخلط، المفرط، المسرف، المقترف للسيئات، المغترف، الواثق مع ذلك برحمة ربه، الراجي لمغفرته، المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشيعته، الداعي الناس إلى التمسك بسنته وشريعته صلى الله عليه وسلم. أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً [أحداً] ، فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يشرك في حكمه أحداً، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، الباقي بعد فناء خلقه، المطلع على عباده، العالم بخفيات الغيوب، الخبير بضمائر القلوب، المبدىء، المعيد، الغفور، الودود، ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . هو مولانا، فنعم المولى، ونعم النصير، يشهد بذلك كله مع الشاهدين، مقراً بلسانه، عن صحة اعتقاد، وصدق يقين، ويتحملها عن المنكرين الجاحدين، ويعدها ليوم الدين: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً   1 شيخ الإسلام إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الشافعي الواعظ المفسر المصنف أحد الأعلام. قال ابن ناصر الدين كان إماماً حافظاً عمدة مقدماً في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم، وقال الذهبي: كان شيخ خراسان في زمانه. وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: شيخ الإسلام صدقاً وإمام المسلمين حقاً هو أبو عثمان الصابوني. توفي رحمه الله سنة تسع وأربعين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/282، 283. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان: 41، 42] . ويشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ويشهد أن الجنة حق، وجملة ما أعد الله تبارك وتعالى فيها لأوليائه حق. ويسأل مولاه الكريم، جل جلاله أن يجعلها مأواه، ومثواه، فضلاً منه وكرماً. ويشهد أن النار، وما أعد الله فيها لأعدائه حق، ويسأل الله مولاه أن يجيره منها، ويزحزحه عنها، ويجعله من الفائزين، قال الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] . ويشهد أن صلاته، ونسكه، ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمر وهو من المسلمين، والحمد لله رب العالمين. وأنه رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً، على ذلك يحيى وعليه يموت إن شاء الله عز وجل. ويشهد أن الملائكة حق، وأن النبيين حق، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. ويشهد أن الله سبحانه وتعالى قدر الخير وأفز به، ورضيه، وأحبه، وأراد كونه من فاعله، ووعد حسن الثواب على فعله، وقدر الشر، وزجر عنه، ولم يرضه، ولم يحبه، وأراد كونه من مرتكبه غير راض به، ولا محب له، تعالى ربنا عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وتقدس أن يأمر بالمعصية، أو يحبها، ويرضاها، وجل أن يقدر العبد على فعل شيء لم يقدره عليه، أو يحدث من العبد ما لا يريده، ولا يشاؤه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ويشهد أن القرآن كتاب الله، وكلامه، ووحيه، وتنزيله، غير مخلوق، وهو الذي في المصاحف مكتوب، وبالألسنة مقروء، وفي الصدور محفوظ، وبالآذان مسموع، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} [فاطر: 29] {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69] . ويشهد أن الإيمان تصديق بالقلب، بما أمر الله أن يصدق به، وإقرار باللسان بما أمر الله أن يقر به، وعمل بالجوارح بما أمر الله أن يعمل به، وانزجار عما زجر عنه، من كمسب قلب، وقول لسان، وعمل جوارح، وأ ركان. ويشهد أن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه، استوى عليه كما بينه في كتابه، في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] وقوله: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان: 59] في آيات أخر، والرسول صلى الله عليه وسلم تسليماً، ذكره فيما نقل عنه، من غير أن يكيف استواءه عليه، أو يجعل لفعله، وفهمه، أو وهمه سبيلاً إلى إثبات كيفيته، إذ الكيفية عن صفات ربنا منفية. قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، في جواب من سأله عن كيفية الاستواء: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة، وأظنك زنديقاً، أخرجوه من المسجد". ويشهد أن الله تعالى موصوف بصفات العُلَي، التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، لا ينفي شيئاً منها ولا يعتقد شبها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 له بصفات خلقه، بل يقول: إن صفاته لا تشبه صفات المربوبين، كما لا تشبه ذاته ذوات المحدثين، تعالى الله عما يقول المعطلة، والمشبهة علواً كبيراً. ويسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات البارىء، جل جلاله، والأخبار التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بابها، كآيات مجيء الرب يوم القيامة، وإتيان الله في ظلل من الغمام، وخلق آدم بيده، واستوائه على عرشه، وكأخبار نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، والضحك، والنجوى، ووضع الكنف على من يناجيه يوم القيامة، وغيرها، مسلك السلف الصالح، وأئمة الدين، من قبولها، وروايتها على وجهها، بعد صحة سندها، وإيرادها على ظاهرها، والتصديق بها، والتسليم لها، واتقاء اعتقاد التكييف، والتشبيه فيها، واجتناب ما يؤدي إلى القول بردها، وترك قبولها، أو تحريفها بتأويل يستنكر، ولم ينزل الله به سلطاناً، ولم يجر به للصحابة، والتابعين، والسلف الصالحين لسان. وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه [و] في الاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به، ونهوا، وزجروا عنه، فالجدال فيه والتعمق في دقائقه، والتخبط في ظلماته، كل ذلك يفسد القلب، ويسقط منه هيبة الرب، جل جلاله، ويقع الشبه الكبيرة فيه، ويسلب البركة في الحال، ويهدى إلى الباطل، والمحال، والخصومة في الدين، والجدال، وكثرة القيل والقال، في الرب ذي الجلال، الكبير المتعال، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، الحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، حمداً كثيراً. ويشهد أن القيامة حق، وكل ما ورد به الكتاب والأخبار الصحاح من أشراطها، وأهوالها، وما وُعدنا به، وأوعدنا به فيها فهو حق، نؤمن به ونصدق الله سبحان، ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عنه، كالحوض، والميزان، والصراط، وقراءة الكتب، والحساب، والسؤال، والعرض، والوقوف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 والصَّدَر عن المحشر إلى جنة أو [إلى] نار، مع الشفاعة الموعودة لأهل التوحيد، وغير ذلك، مما هو مبين في الكتاب، ومدون في الكتب الجامعة لصحاح الأخبار. ويشهد بذلك كله في الشاهدين، ويستعين بالله تبارك وتعالى في الثبات على هذه الشهادات إلى الممات، حتى يتوفى عليها، في جملة المسلمين، المؤمنين، الموقنين، الموحدين. ويشهد أن الله تبارك وتعالى يمن على أوليائه بوجوه ناضرة، إلى ربها ناظرة، ويرونه عياناً في دار البقاء، لا يضارون في رؤيته، ولا يمارون، ولا يضامون، ويسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل وجهه من تلك الوجوه، ويقيه كل بلاء، وسوء ومكروه، ويبلغه كل ما يؤمله من فضله، ويرجوه بمنه. ويشهد أن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، ويترحم على جميع الصحابة، ويتولاهم، ويستغفر لهم، وكذلك ذريته، وأزواجه أمهات المؤمنين، ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله معهم، ويرجو أن يفعله به، فإنه قد صح عنده من طرق شتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المرء مع من أحب"1. ويوصي إلى من يخلفه من ولد، وأخ، وأهل، وقريب، وصديق، وجميع من يقبل وصيته من المسلمين عامة أن يشهدوا بجميع ما شهد به، وأن يتقوا الله حق تقاته، وألا يموتوا إلا وهم مسلمون {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] . ويوصيهم بصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، والأقارب، والإخوان، ومعرفة حق الأكابر، والرحمة على الأصاغر.   1 رواه البخاري (3688) - 6167- 6170) ومسلم (2639- 264) والترمذي (2385) وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وينهاهم عن التدابر، والتباغض، والتقاطع والتحاسد. ويأمرهم أن يكونوا إخواناً على الخيرات، أعواناً، وأن يعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا، ويتبعوا الكتاب والسنة، وما كان عليه علماء الأمة، وأئمة الملة، كمالك بن أنس، والشافعي، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وغيرهم من أئمة المسلمين، وعلماء الدين، رضي الله عنهم أجمعين، وجمع بيننا وبينهم في ظل طوبى ومستراح العابدين. أوصى بهذا كله إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، إلى أولاده، وأهله، وأصحابه، ومختلفة مجالسه. وأوصى أنه إذا نزلت به المنية، التي لا شك أنها نازلة، والله يسأل خير ذلك اليوم الذي تنزل المنية به فيه، وخير تلك الليلة التي تنزل به فيه، وخير تلك الساعة وخير ما قبلها، وخير ما بعدها، أن يلبس لباساً طيباً، حسناً، طاهراً، نقياً، ويوضع على رأسه العمامة التي كان يشدها في حال حياته، وضعاً على الهيئة التي كان يضعها على رأسه أيام حياته، ويوضع الرداء على عاتقيه ويضجع مستلقياً على قفاه، موجهاً إلى القبلة، وتجلس أولاده عند رأسه، ويضعوا المصاحف على حجورهم، ويقرءوا القرآن جهراً، وحرج عليهم ألا يمكنوا امرأة لا قرابة بينه وبينها، ولا نسب، ولا سبب من طريق الزوجية تقرب من مضجعه تلك الساعة، أو تدخل بيتاً يكون فيه، وكذلك يحرج عليهم أن يأذنوا لأحد من الرجال في الدخول عليه في تلك الساعة، بل يأمرون الأخ، والأحباب، وغيرهم أن يجلسوا في المدرسة، ولا يدخلوا الدار، وليساعدوا الأصحاب في قراءة القرآن، وإمداده بالدعاء، فلعل الله سبحانه وتعالى [أن] يهون عليه سكرات الموت، ويسهل له اقتحام عقبة الموت على الإسلام والسنة، في سلامة وعافية. وأوصى إذا قضى نحبه، وأجاب ربه، وفارقت روحه جسده، أن يشد ذقنه، وتغمض عيناه، وتمد أعضاؤه، ويسجى بثوب، ولا يكشف عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وجهه لينظر إليه، إلا أن يأتيه غاسله، فيحمله إلى مغتسله، جعل الله ذلك الحمل مباركاً عليه، ونظر بعين الرحمة إلهي، وغفر له ما قدمه من الأعمال السيئة بين يديه. وأوصى ألا يناح عليه، وأن يمنع أولياؤه، وجميع الناس من الرجال والنساء أنفسهم عن الشق، والحلق، والتخريق للثياب، والتمزيق، وألا يبكوا عليه إلا بكاء حزن قلب، ودموع عين، لا يقدرون على ردهما، ودفعهما، وأما دعاء بويل، ورن شيطان وخمش وجوه، وحلق شعر، ونتفه، وتخريق ثوب وتمزيقه، وفتقه، فلا، وهو بريء ممن فعل شيئاً من ذلك كما برىء النبي صلى الله عليه وسلم منهم. وأوصى أن يعجل تجهيزه، وغسله، وتكفينه، وحمله إلى حفرته، ولا يحبس، ولا يبطأ به، وإن مات ضحوة النهار، أو وقت الزوال، أو بكرة، فإنه لا يؤخر تجهيزه إلى الغد، ولا يترك ميتاً بين أهله بالليل أصلاً، بل يعجل أمره، فينقل إلى حفرته نقلاً، بعد أن يغسل وتراً، ويجعل في آخر غسلة من غسلاته كافور، ويكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية1 إن وجدت، فإن لم توجد سحولية كفن في ثلاثة أثواب بيض، ليس فيها قميص، ولا عمامة، ويجمر2 كفنه وتراً، لا شفعاً قبل أن يلف عليه، ويسرع بالسير بجنازته، كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل للصلاة عليه إلى ميدان الحسين، ويصلى عليه ولده أبو نصر، إن كان حاضراً، فإن عجز عن القيام بالصلاة عليه، فأمر الصلاة عليه إلى أخيه أبي يعلى، ثم يرد إلى المدرسة، فيدفن فيها بين يدي والده الشهيد، رضي الله تعالى عنه، ويلحد له لحد3 وينصب عليه اللبن نصباً، ولا يشق له شق4، ولا يتخذ له   1 نسبة إلى السحول، وهو القصار، أو إلى سحول، وهي قرية باليمن. النهاية 2/ 347. 2 جمر ثوبه تجميراً: بخره. المصباح المنير. 3 في الأصول: "لحداً". 4 في الأصول: "شقاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 تابوت أصلاً، ولا يوضع في التابوت للحمل إلى المصلى، وليوضع على الجنازة ملفوفاً في الكفن، مسجى بثوب أبيض، ليس فيه إبريسم1 بحال، ولا يطين قبره، ولا يجصص، ويرش عليه الماء، ويوضع عليه الحصا، ويمكث عند قبره مقدار ما ينحر جزور، وينقسم لحمه حتى يعلم ما يراجع به رسل ربه، جل وعلا، ويسأل الله تعالى على رأس قبره له التثبيت الموعود لجملة المؤمنين، في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] ويستغفر له، ولوالديه، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ولا ينسى، بل يذكر بالدعاء، فإن المؤمن إذا قبر كان كالغريق المغتوت2، ينتظر دعوة صالحة تلحقه، ولا يمكن أحد من الجواري، والنسوان [أن] يكشفن رؤوسهن، وأن يندبنه في ذلك الوقت، بل يشتغل الكل بالدعاء والاستغفار، لعل الله سبحانه وتعالى يهون عليه الأمر في ذلك الوقت، وييسر خروج منكر ونكير من قبره، على الرضا منه، وينصرفان عنه، وقد قالا له: نم نومة العروس، فلا روعة عليك، ويفتحان في قبره باباً من الجنة، فضلاً من الله ومنه، فيفوز فوزاً عظيماً، ويحوز ثواباً كريماً، ويلقى روحاً وريحاناً، ورباً كريماً رحيماً آخر الوصية.   1 الإبريسم: الحرير. 2 غته في الماء يغته غتاً: غطه، والمغتوت: المغموم، اللسان (غ ت ت) 2/63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 23- اعتقاد الخطيب البغدادي1 المتوفى سنة 463هـ أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي، قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي- قراءة عليه، وأنا أسمع، في شوال سنة أربع وتسعين وأربع مئة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب: أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى البزار- بهمدان- حدثنا صالح بن أحمد الحافظ، قال: سمعت عبد الله بن إسحاق بن سيامرد يقول: التقيت مع المروذي بطسوس، فقلت له: يا أبا بكر، كيف سمعت أبا عبد الله يقول في القرآن؟ قال: سمعت أبا عبد الله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: (مخلوق) فهو كافر. قلت: كيف سمعته يقول فيمن وقف؟ قال: هذا رجل سوء، وأخاف أن يدعو إلى خلق القرآن. قلت له: يا أبا بكر، كيف سمعت أبا عبد الله يقول في اللفظ؟ قال: من قال: لفظه في القرآن مخلوق فهو جهمي.   1 أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ أحد الأئمة الأعلام وصاحب التأليف المنتشرة في الإسلام ولد في جمادى الآخرة سنة 392 هـ روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما، قال ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظاً وإثباتاً وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفنناً في علله وأسانيده وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره، قال لم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله. وله تاريخ بغداد الذي لم يصنف مثله، وقال ابن الأهدل: تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة وبرع فيه ثم غلب عليه الحديث والتاريخ مات رحمه الله سنة ثلاث وستين وأربعمائة، الشذرات ج3/311، 312. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 قلت أنا له: وأيش الجهمي؟ قال: شك في الله أربعين صباحاً. قلت: من شك في الله، فهو كافر. قال: نعم. أخبرنا الشيخ أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي- إذناً- قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني قراءة عليه، وأنا أسمع في ربيع الأول من سنة ست وخمس مئة- قال: أخبرنا الخطيب الحافظ أبو بكر أحمد بن علي البغدادي، قال: كتب إلي بعض أهل دمشق يسألني عن مسائل- ذكرها- فأجبته عن ذلك- وقرأه لنا في جواب ما سئل عنه- فقال: وقفت على ما كتب به الشيخ الفاضل، أدام الله تأييده وأحسن توفيقه وتسديده، وسكنت إلى ما تأدى إلي من علم أخباره، أجراها.. على آثاره، وأجيبه بما أرجو أن يقع وفاق اختياره، واسأل الله العصمة من الزلل والتوفيق، لإدراك صواب القول والعمل، بمنته ورحمته. أما الكلام في الصفات: فإن ما روى منها في السنن الصحاح مذهب السلف- رضوان الله عليهم- إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها. وقد نفاها قوم، فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف. والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمور، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 والأصل في هذا: أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين عز وجل هو إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد، وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا تشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح، وأدوات للفعل. ونقول: إنما وجب إثباتها؟ لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقوله عز رجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] . ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث، ولبسوا على من ضعف علمه، بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد، ولا يصح في الدين، ورموهم بكفر أهل التشبيه، وغفلة أهل التعطيل، أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات، يفهم منها المراد بظاهرها، وآيات متشابهات، لا يوقف على معناها إلا بردها إلى المحكم، ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع، فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى، ومنزلة على هذا التنزيل، يرد المتشابه منها إلى المحكم، ويقبل الجميع. فتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام: منها: أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها، لاستفاضتها وعدالة نقلتها، فيجب قبولها والإيمان بها، مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 يقتضى تشبيه الله بخلقه، ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات، والتغير والحركات. والقسم الثاني: أخبار ساقطة بأسانيد واهية، وألفاظ شنيعة، أجمع أهل العلم (بـ) النقل على بطلانها، فهذه لا يجوز الاشتغال بها، ولا التعريج عليها. والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها، فقبلها البعض دون الكل، فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها، لتلحق بأهل القبول، أو تجعل في حيز الفساد والبطول. وأما تعيين الأحاديث، فإني لم أشتغل بها، ولا تقدم مني جمع لها، ولعل ذلك يكون فيما بعد، إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 24- اعتقاد سعد بن علي الزنجاني المتوفى سنة 471هـ1 له قصيدة أبدى عقيدة السلف ونقل منها الإمام ابن القيم في الجيوش والذهبي في السير وهي من أبلغ القصائد: تدبر كلام الله واعتمد الخبر ... ودع عنك رأياً لا يلائمه الأثر ونهج الهدى فالزمه واقتد بالألى ... هم شهدوا التنزيل علّك تنجبر وكن موقناً أنَّا وكل مكلف ... أمرنا بقفوا الحق والأخذ بالحذر وحكم فيما بيننا قول مالك ... قدير حليم عالم الغيب مقتدر سميع بصير واحد متكلم ... مريد لما يجري على الخلق من قدر وفي ترك أمر المصطفى فتنة فذر ... خلاف الذي قد قاله واتل واعتبر2 في اجتماع الجيوش: تمسك بحبل الله واتبع الأثر ... ودع عنك رأياً لا يلائمه خبر   1 هو أبو القاسم الزنجاني سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين شيخ الحرم والحفاظ كان حافظاً قدوة علماً ثقة زاهداً روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء وعبد الرحمن بن ياسر. توفى في أول سنة إحدى وسبعين وأربعمائة أو في آخر سنة سبعين وأربعمائة، شذرات الذهب 3/ 339، 340. 2 سير أعلام النبلاء (18/ 387- 388) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قال ابن القيم: وقال في شرح هذه القصيدة: والصواب عند أهل الحق أن الله تعالى خلق السموات والأرض وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض على ما ورد به النص ونطق القرآن، وليس معنى اسوائه أنه ملكه واستولى عليه لأنه كان مستولياً عليه قبل ذلك وهو أحدثه، لأنه مالك جميع الخلائق ومستولي عليها، وليس معنى الاستواء أيضاً أنه ماس العرش أو اعتمد عليه أو طابقه فإن كل ذلك ممتنع في وصفه جل ذكره ولكنه مستو بذاته على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه1.   1 اجتماع الجيوش الإسلامية (تحقيق د. عواد عبد الله) . ص: 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 25- اعتقاد الشيخ الإمام الجليل ناصح الإسلام أبي الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني الحنبلي المتوفى سنة 510هـ، رحمه الله تعالى وعفا عنه1 دع عنك تذكار الخليط المنجد ... والشوق نحو الآنسات الخرد والنوح في أطلال3 سعدى إنما ... تذكار سعدي شغل من لم يسعد واسمع مقالي إن أردت تخلصاً ... يوم الحساب وخذ بهذا تهتد واقصد فإني قد قفيت موفقاً ... نهج ابن حنبل الإمام الأوحد خير البرية بعد صحب محمد ... والتابعين إمام كل موحد ذي العلم والرأي الأصيل ومن حوي ... شرفاً علا فوق السما والفرقد4 واعلم بأني قد نظمت مسائلاً ... لم آل5 فيها النصح غير مقلد وأجبت عن تسال كل مهذب ... ذي صولة يوم الجدال مسود6 هجر الرقاد وبات ساهر ليله ... ذي همة لا يستلذ بمرقد قوم طعامهم دراسة علمهم ... يتسابقون إلى العلا والسؤدد قالوا بما عرف المكلف ربه؟ ... فأجبت بالنظم الصحيح المرشد قالوا فهل رب الخلائق واحد؟ ... ملت الكمال لربنا المتفرد   1 هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي وليست الكلواذني حيث إنها خطأ على ما في معجم البلدان حيث يقول "الكلواذي ويقال الكلوذي" وضبطها بكسر الكاف. كان إماماً علامة ورعاً صالحاً وافر العقل غزير العلم تفقه على القاضي أبي يعلى وحدث عن الجوهري، وروى عنه ابن ناصر وأبو المعمر الأنصاري وقال السلفي: أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد يفتي في مذهبه توفي رحمه الله في جمادي الآخرة سنة عشرة وخمسمائة، شذرات الذهب 4/27، 28. 2 الخليط العشير المخالط والمجاور، والمنجد المسافر إلى نجد كالمعرق والمتهم والخرد جمع خريدة وهي البكر لم تمس قط. 3 الإطلال جمع طلل وهو الشاخص من الآثار. 4 الفرقد نجم قريب من القطب الشمالي يهتدي به. 5 لم آل أي لم أقصر. 6 أي أجبت فيها عما يتساءل عنه كل مهذب يصول بسيف الحجة في ميدان الجدال فيعترف له بالسيادة على الأقران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قالوا فهل تصف الإله؟ أبِنْ لنا ... قلت الصفات لذي الجلال السرمدي قالوا فهل تلك الصفات قديمة ... كالذات؟ قلت كذاك لم تتجدد قالوا فهل لله عندك مشبه؟ ... قلت المشبه في الجحيم الموقد قالوا فهل هو في الأماكن كلها؟ ... قلت الأماكن لا تحيط بسيدي قالوا فتزعم أن ذي العرش استوى؟ ... قلت الصواب كذلك أخبر سيدي قالوا فما معنى استواه أبِنْ لنا؟ ... فأجبتهم هذا سؤال المعتدي قالوا فأنت تراه جسما مثلنا ... قلت المجسم عندنا كالملحد قالوا تصفه بأنه متكلم؟ ... قلت السكوت نقيصة بالسيد قالوا فما القرآن؟ قلت كلامه ... لا ريب فيه عند كل موحد قالوا النزول؟ قلت ناقله له ... قوم هموا نقلوا شريعة أحمد قالوا فكيف نزوله؟ فأجبتهم ... لم ينقل التكييف لي في مسند قالوا فأفعال العباد؟ فقلت ما ... من خالق غير الإله الأمجد قالوا فهل فعل القبيح مراده؟ ... قلت الإرادة كلها للسيد لو لم يرده نقيصة ... سبحانه عن أن يعجزه الردي قالوا فما الإيمان؟ قلت مجاوباً ... عمل وتصديق بغير تردد قالوا فمن بعد النبي خليفة؟ ... قلت الموحد قبل كل موحد حاميه في يوم العريش1 ومن له ... في الغار أسعده من مسعد قالوا فمن ثاني أبو بكر2 الرضا ... سند الشريعة باللسان وبالي قالوا فثالثهم؟ فقلت مجاوباً ... من بايع المختار عنه باليد صهر النبي على ابنتيه ومن حو ... فضلين: فضل تلاوةوتهجد   1 العريش كالعرش خيمة أو شبه بيت من الجريد والمراد بيوم العريش يوم بدر إذ صنع النبي صلى الله عليه وسلم عريشاً كان فيه ومعه أبو بكر (رضي الله عنه) وفيه استغاث ربه ودعا على المشركين وكان أبو بكر (رضي الله عنه) يسليه، وفي ذلك نزول قوله تعالى {اذ تستغيثون ربكم} الآية في سورة الأنفال. 2 رفع أبا بكر على لغة من يلزم الكنية الرفع على الحكاية أو سهواً من النسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أعني ابن عفان الشهيد ومن دعى ... في الناس ذو النورين صهر محمد قالوا فرابعهم؟ فقلت مجاوباً ... من جاز دونهم أخوة أحمد زوج البتول وخير من وطىء الحصى ... بعد الثلاثة عند كل موحد أعنى أبا الحسن الإمام ومن له ... بين الأنام فضائل لم تجحد ولابن هند1 في الفؤاد محبة ... ومودة فيرغمن المعتدي ذاك الأمين المجتبي لكتابة الو ... حي المنزل ذو التقي والسؤود فعليهم وعلى الصحابة كلهم ... صلوات ربهم تروح وتغتدي إني لأرجو أن أفوز بحبهم ... وبما اعتقدت من الشريعة في غد2 قالوا أبان الكلوذاني الهدى ... قلت الذي رفع السماء مؤيدي   1 هو معاوية (رضي الله عنه) . 2 في غد متعلق فأفوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 26- اعتقاد أبي الحسن الكرجي1 إمام الحرمين، المتوفى سنة 532هـ هذا الإمام كان من كبار سيوف السنة المهتدين، أعطاه الله قوة البيان وفصاحة اللسان وقوة البلاغة، يعرف ذلك من قرأ له الأبيات التي سنذكرها إن شاء الله، وهذا الإمام من الأئمة الذين أغضبوا الشيخ النجدي- الكوثري- وحمل عليهم، فذكره في السيف الصقيل بأبشع الألقاب، وأما ابن السبكي فلا تسأل عن حماقته وتأويله البارد ودفاعه السمج عن القصيدة الرائعة التي تسمى عروس القصائد. وهي من خيرة الآثار التي خلفها الشيخ وهاك نذر يسير منها جاء في طبقات الشافعية: ثم قال ابن السمعاني وله قصيدة تائية في السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتي بيت، قرأتها عليه بداره في الكرج. ثم قال: السبكي فاعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ وتلقب "بعروس القصائد في شموس العقائد". ومنها: عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب ومنها: ففكرج والله من خوف أهلها ... يذوب بها البدعي ياشر ذائب   1 هو أبو الحسن الكرجي عمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي شيخ الكرج وعالمها. قال ابن السمعاني: إمام ورع فقيه ثبت محدث أديب أفنى عمره في طلب العلم ونشره، وله مختصر في الفقه يقال له الذرائع في علم الشرائع. ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وتوفى في شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، شذرات الذهب 4/100. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 يموت ولا يقوى لإظهار بدعة ... مخافة حز الرأس من كل جانب ومنها: طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزال مثل نسج العناكب وفي قدر الرفض طرق عمية ... وما قيل في الإرجاء من نعب ناعب وخبث مقال الأشعري تخنث ... يضاهي تلويه تلوي الشغازب يزين هذا الأشعري مقاله ... ويشبه بالسم ياشر قاشب فينفي تفاصيلاً ويثبت جملة ... كناقضة من بعد شد الذوائب يؤول آيات الصفات برأيه ... فجرأته في الدين جرأة خارب ويجرم بالتأويل في سنن الهدى ... ويخلب أغماراً فأشئم بخالب ومنها: ولم يكن ذا علم ودين وإنما ... بضاعته كانت مخوق مداعب وكان كلامياً بالاحساء موته ... بأسوأ موت ماته ذو السوائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ومنها: كذا كل رأس للضلالة قد مضى ... بقتل وصلب باللحى والشوارب كجعد وجهم والمريسي بعده ... وذا الأشعري المبتلي شرُّ دائب ومنها: معايبهم توفي على مدح غيرهم ... المبتلي المفتون عيب المعايب وذاوللشيخ كتاب مهم بين فيه عقيدة السلف ومذاهبهم سماه الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول. ذكره شيخ الإسلام في غير ما موضع من كتبه، ونقل منه جملة كبيرة، انظر مجموع الفتاوى "الجزء الرابع". وكذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية قال رحمه الله: "وله أي لأبي الحسن الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 27- اعتقاد الحافظ أحمد السِّلَفِي1 المتوفى سنة 576هـ وها أنا شارع في شرح ديني ... ووصف عقيدتي وخفي حالي وأجهد في البيان بقدر وسعي ... وتخليص العقول من العقال بشعرٍ لا كشعر بل كسحر ... ولفظ كالشمول بل الشمال فلست الدهر إمعة وما إن ... أزل ولا أزول لذي النزال فلا تصحب سوى السني دينا ... لتحمد ما نصحنك في المآل وجانب كل مبتدع تراه ... فما إن عندهم غير المحال ودع آراء أهل الزيغ رأسا ... ولا تغررك حذلقة الرذال فليس يدوم للبدعي رأي ... من أين المقر لذي ارتحال   1 هو أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير سند الدنيا ومعمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني قال ابن السمعاني هو ثقة ورع متقن مثبت حافظ له حظ من العربية مات يوم الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة، شذرات الذهب 4/255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 يوافي حائراً في كل حال ... وقد خلى طريق الاعتدال ويترك دائباً رأياً لرأي ... ومنه كذا سريع الإنتقال وعمدة ما يدين به سفاها ... فأحداث من أبواب الجدال وقول أئمة الزيغ الذي لا ... يشابهه سوى الداء العضال كمعبد المضلل في هواه ... وواصل أو كغيلان المحال وجعد ثم جهم وابن حرب ... حمير يستحقون المخالي وثور كاسمه أو شئت فاقلب ... وحفص القرد قرد ذي افتعال وبشر لا رأى بشرى فمنه ... تولد كل شر واختلال وأتباع بن كُلاَّبٍ كِلاَبُ ... على التحقيق هم من شر آل كذاك أبو الهذيل وكان مولى ... لعبد القيس قد شان الموالي ولا تنس ابن أشرس المكني ... أبا معن ثمامة فهو غالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ولا أبن الحارث البصري ذاك الـ ... مضل على اجتهاد واحتفال ولا الكوفي أعنيه ضرار بـ ... ـن عمرو فهو للبصري تالي كذاك ابن الأصم ومن قفاه ... من أوباش البهاشمة النغال وعمرو هكذا أعني بن بحر ... وغيرهم من أصحاب الشمال فرأي أولاء ليس يفيد شيئاً ... سوى الهذيان من قيل وقال وكل هوى ومحدثةٍ ضلال ... ضعيف في الحقيقة كالخيال فهذا ما أدين به الهي ... تعالي عن شبيه أو مثال وما نفاه من خدع وزور ... ومن بدع فلم يخطر ببالي أبياته في العقيدة السلفية: ضل المجسم والمعطل مثله ... عن منهج الحق المبين ضلالا وأبي أمثالهم بنكر لازعوا ... من معشر قد حاولوا الإشكالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 غدوا يقيسون الأمور برأيهم ... ويد لسون على الوري الأقوالا فالأولون تعذروا الحق الذي ... قد حل في وصف الإله تعالى وتصوروه صورة من جنسنا ... جسما وليس الله عز مثالاً والآخرون يعطلون ما جاء في الـ ... قرآن أقبح بالمقال مقالا وأبوا حديث المصطفى أن يقبلوا ... ورأوه حشوا لا يفيد منالاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] . أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فهذا القسم الثاني من سلسلة: (اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث) وكان القسم الأول (اعتقاد السلف عامة) وهذا القسم الثاني، وهو عبارة عن مقدمة كتاب (شعار أصحاب الحديث) للإمام الحافظ أبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي الحاكم الكبير شيخ الإمام أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك، وهو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة أهل الحديث بخراسان في وقته قال تلميذه الحاكم: "هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في معرفة شروط الصحيح والأسامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 والكنى، طلب الحديث وهو ابن نيف وعشرين سنة وسمع بالعراق والجزيرة والشام، وكان من الصالحين الثابتين على سنن السلف. سمع كثيراً من الشيوخ منهم ابن خزيمة والبغوي والسراج وغيرهم، وتخرج عليه كثيرون كأبي عبد الله الحاكم، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن منجوية، والكنجروذي وغيرهم. توفي رحمه الله في ربيع الأول سنة ثلاثمائة وثمان وسبعين للهجرة. وسبب الاهتمام بذكر عقيدة أهل الحديث، أننا في زمان كثر فيه أهل البدع، وتعددت طرائقهم، وكثر وقوعهم في أصحاب الحديث، وغمزهم إياهم، وطعنهم فيهم، لذلك رأيت من واجبي أن أهب للدفاع عنهم، وإبراز عقيدتهم، وذكر أصولهم، حتى يكون القاريء على بصيرة من أمر دينه، عارفاً بعقيدته التي يلقى الله عليها ومن علامات أهل البدع في زماننا - بل وفي كل زمان- أنهم يقعون في أهل الحديث بالغمز والطعن، بل وبالتصريح في مصنفاتهم، ويضيقون عليهم، إن كان لأهل البدع سلطة ومكانة، كما في بعض البلدان الإسلامية، فيطردونهم من مساجدهم، ويضيقون عليهم في مدارسهم، وغير ذلك، بدعوى أنهم وهابية وأنهم مجسمة ومبتدعة.. الخ تلك النعوت التي يطلقونها عليهم. وهذا يذكرني بقول الإمام أحمد بن سنان القطان: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه"1. وكذلك يقول أبي حاتم الرازي رحمه الله: "علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"2، قال الصابوني بعد إيراده: "وكل ذلك عصبية، ولا يلحق   1 سير أعلام النبلاء 16/372. 2 عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص 304. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الحديث كل من اشتغل بدراسة الحديث وسماعه وكتابته، بل هم من تمسك بالكتاب والسنة، واقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم2. يقول شيخ الإسلام رحمه الله في ذكر شيء من فضائلهم: "وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث والبحث عنهما، وعن معانيهما، والعمل بما علموه من موجبهما"3. وللإمام أبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله كتاب مؤلف في فضلهم سماه: "شرف أصحاب الحديث" فلله درهم على ما خدموا به الإسلام، وقمعوا من البدع، وأظهروا من السنة. وما نقله الإمام أبو أحمد الحاكم رحمه الله عن أهل الحديث وقرره في أصولهم في العقيدة لم يحظ بما يستحقه من العناية ولم يلق ما يناسبه من الاهتمام- حسب ما أعلم- فلذا وضعت هذا الشرح المختصر لكلامه في تعبيرهم. ومنهجي فيه كما يلي: 1- وضعت للكتاب أبواباً لتقسيمه بما يناسب كلام المصنف حتى تكتمل الاستفادة منه. 2- جعلت كلام المصنف في أعلى الصفحة، وجعلت الشرح تحته، مع تخريج الأحاديث والآثار. 3- جعلت لكل فقرة خلاصة حتى نوجز الفائدة منها، وبعدها مناقشة لتنبيه القاريء وإثارة اهتمامه.   1 المصدر السابق ص305. 2 مجموع فتاوى ابن تيمية (4/95) . 3 المصدر نفسه الصفحة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 هذا وقد استفدت كثيراً من تعليقات محمد هارون على كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين. هذا والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر لي الخطأ والزلل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بقلم د. محمد بن عبد الرحمن الخميس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 باب إثبات العلو والاستواء ويعرف الله في السماء السابعة على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 5- 6] . الشرح: يؤمن أهل السنة بأن الله تعالى مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه كما وردت بذلك الآيات والأحاديث الصحيحة، وليس استواؤه كاستواء أحد من خلقه، إنما هو استواء على الكيفية اللائقة بجلاله عز وجل، نؤمن به ولا نكيف بل نكل علم الكيفية إلى الله تعالى، لكنه علا وارتفع واستقر على عرشه من غير حاجة إليه، وأنكرت ذلك الجهمية الأولى وطوائف من أهل الضلال كالمعتزلة، والمتفلسفة، والحنفية الماتريدية والأشعرية الكلابية والصوفية الإلحادية والصوفية الزنادقة الحلولية. وإليك البيان بشيء من البرهان فأقول: إن عقيدة أن الله تعالى فوق عباده عال على خلقه مستو على عرشه قد أجمعت عليها الشرائع السماوية والكتب الإلهية والأنبياء والمرسلون1. وأهل الأديان كلهم أجمعون مع المسلمين2. حتى الفلاسفة اليونانيين الكافرين3. وحتى اليهود والنصارى4.   1 انظر الغنية للجيلاني 1/63. 2 انظر خلق أفعال العباد 15-16، وتأويل مختلف الحديث 272. 3 انظر مناهج الأدلة 176. 4 خلق أفعال العباد 15-16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 بل العرب والعجم1. والآدميون كلهم عربهم وعجمهم مؤمنيهم وكافريهم2. واتفقت بذلك كلمة المسلمين والكافرين3. وكل عاقل من مسلم وكافر4. وجميع بني آدم5. وعلى ذلك إجماع الأولين والآخرين العالمين منهم والجاهلين وكل من مضى وعبر حتى فرعون ونمرود6. وعليه فطرة المسلمين علمائهم وجهالهم أحرارهم ومماليكهم ذكرانهم وإناثهم بالغيهم وأطفالهم وكل من دعا الله7. المخالفون لهذه العقيدة والخارقون لهذا الإجماع والخارجون على هذه الفطرة فرق شتى وكلهم معطلة زنادقة. 1- الجهمية الأولى: قالوا: إن الله في كل مكان. معاذ الله. 2- الصوفية الحلولية: قالوا الله في كل شيء حتى في الكلب والخنزير والقرد والفهد. معاذ الله. وهذا القول يرجع إلى الأول فقول الجهمية وهؤلاء الصوفية قول بالحلول المطلق وهو أخبث من قول النصارى. 3- الصوفية الاتحادية: قالوا: الله كل شيء حتى الخنزير! والفرج والذكر. معاذ الله عن ذلك.   1 تأويل مختلف الحديث 172، والتمهيد لابن عبد البر 7/134. 2 مجموع الفتاوى 5/320 عن ابن كلاب إمام الكلابية. 3 رد الدارمي على المريسي 25. 4 درء التعارض 6/208 عن أب يعلى. 5 نقض النطق 52. 6 الرد على الجهمية للدارمي 20- 21. 7 التوحيد لابن خزيمة 1/254. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وهم أكفر من اليهود والنصارى والمجوس والهندوس وغيرهم من الكفرة المشركين الوثنيين. 4- المعتزلة وأفراخهم من الحنفية الماتريدية ومتأخرة الأشعرية الكلابيين. قالوا: إن الله لا فوق العالم ولا تحته ولا يمين العالم ولا شماله ولا أمام العالم ولا خلفه1. وأنه ليس على العرش ولا فوق العرش. ولا فوق العالم2. وأن من وصف الله بأنه في السماء أو بأنه فوق فهو كافر3. وهؤلاء هم أهل الجحود والإنكار كما صرح بذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. وفيما يلي نصوص أن الإسلام في إثبات علو الله تعالى على خلقه وفوقيته على عباده واستوائه على عرشه وتكفير عن خالف حضرة العقيدة الراسخة: 1- قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله (150هـ) إمام الحنفية: "من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر.." 4. 2- وقال إمام أهل الشام الأوزاعي (157 هـ) : "كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله تعالى فوق عرشه"5.   1 شرح العقائد 40، شرح المواقت 8/19، حاشية الكستيلي 72، وبدء الأمالي مع شرح ضوء المعالي 23- 25 والنبراس 180. 2 أصول الدين للبزدوي 28، 31، وانظر ضوء المعالي للقاري 25. 3 البحر الرائق 3/120. 4 الفقه الأبسط 49-52. 5 الأسماء والصفات للبيهقي 408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 3- وقال إمام الهجرة مالك (179هـ) : "الله في السماء وعلمه في كل مكان"1. 4- وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) : "إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله قد كلم موسى وأن يكون على العرش يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم"2. 5- وسئل الإمام علي بن عبد الله المديني (234هـ) ما قول أهل السنة والجماعة فقال: "يؤمنون بالرؤية والكلام وأن الله عز وجل فوق السماوات على عرشه استوى"3. 6- وقال الإمام قتيبة بن سعيد (240هـ) : "هذا قول الأئمة في الإسلام نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه"4. 7- وسئل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (241هـ) : الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟ فأجاب: "نعم هو على عرشه وعلمه لا يخلو منه مكان"5. وسئل رحمه الله عمن يقول: إن الله تعالى ليس على العرش. فقال: "كلامهم كله يدور على الكفر"6. 8، 9- وقال الإمامان الجليلان أبو زرعة (264هـ) وأبو حاتم (277هـ) الرازيان: "أجمع أهل الإسلام على إثبات الصفات لله تعالى وأنه على عرشه بائن من خلقه وعلم الله في كل مكان من قال غير هذا فعليه لعنة الله"7.   1 التمهيد لابن عبد البر (7/138) ، وأبي داود في مسائل الإمام أحمد ص 263. 2 مسائل أبي داود 262. 3 الحموية 53 عنه. 4 تلبيس الجهمية 2/38 عنه. 5 السنة لأحمد ورواية الأصطخري 75 والسنة للالكائي 3/ 445. 6 اجتماع الجيوش عنه 200. 7 انظر أصول السنة 37-43 وانظر السنة للالكائي 1/198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 10- وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة (311هـ) : "من لم يقر بأن الله تعالى - على عرشه قد استوى فوق سماواته بائن من خلقه فهو كافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من الدين إذ المسلم لا يرث الكافر"1. 11- وقال الإمام الذهبي ناقد الرجال والفرق (748هـ) "مقالة السلف وأئمة السنة بل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون: أن الله عز وجل في السماء وأن الله على العرش وأن الله فوق سماواته .... ومقالة الجهمية: أنه في جميع الأمكنة: ومقالة متأخري المتكلمين: أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السماوات ولا في الأرض ولا في العالم ولا هو بائن من خلقه ولا هو متصل بهم. قال لهم أهل السنة والأثر ... فإن هذه السلوب نعوت العدوم تعالى الله جل جلاله عن العدم! بل هو يخبر خلقه بما وصف فيه: في أنه فوق العرش بلا كيف"2.   1 معرفة علوم الحديث للحاكم 84. 2 العلو 107، 195، ومختصر العلوم 146-147، 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 باب ذكر الدليل على أن القرآن كلام الله غير مخلوق1 10- أخبرنا أبو عروبة الحسين بن أبي معشر السلمي بحران، نا سلمة بن شبيب، نا الحكم بن عمد، نا سفيان بن عينية، عن عمرو بن دينار قال: سمعت مشيختنا منذ تسعين سنة، وأخبرنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس واللفظ له، نا محمد يعني ابن إسماعيل البخاري، قال: الحكم بن محمد أبو مروان الطبري حدثناه، سمع ابن عيينة، قال: أدركت مشيختنا منذ تسعين سنة منهم عمرو بن دينار يقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق.   الشرح: وهذا باب آخر من أبواب هذا الكتاب، وهو متعلق ببيان مذهب السلف في شأن كلام الله عز وجل، ومسألة كلام الله تعالى هي من أهم المسائل التي اضطربت فيها آراء الناس واختلفت أقوالهم وتفرقوا شيعاً وأحزاباً. ومنها حدثت فتنة خلق القرآن الكريم وإنكار صفة الكلام لله تعالى وأول من أظهر هذه الفتنة في الإسلام- فتنة خلق القرآن- الجعد بن درهم، في أوائل المائة الثانية، وضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق بواسط، يوم الأضحى، حيث خطب فقال: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه2.   1 خلق أفعال العباد ص 118 الرد على الجهمية للدارمي ص 133. الرد على بشر المريسي ص 476، الإبانة لابن بطة 2/ 12/456، السنة لللالكائي 1/ 55/ 2. 2 خلق أفعال العباد ص 118، الرد على الجهمية للدارمي ص 113- الرد على بشر المريسي ص 476 الإبانة لابن بطة 2/12/456 والسنة لللالكائي 1/ 55/ 2. والرد على من يقول القرآن مخلوق 86 ق الأسماء والصفات ص 254، ثم حمل لواء هذه الفتنة بعد الجعد جهم بن صفوان الذي قتله سلمة بن أحوز بخراسان. خلق أفعال العباد ص 131، تاريخ ابن الأثير 5/163 الرسائل والمسائل لابن تيمية 3/132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وبعد ذلك قوى عظامها بشر المريسي في أوائل القرن الثالث، حتى بلغت ذروتها، وتعرض علماء السلف- كإمام أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره على أيديهم فيها إلى أنواع من البلاء والأذى. ثم إن اختلاف الناس في مسألة القرآن يرجع إلى اختلافهم في صفة الكلام، ويجدر بنا في هذا المقام أن نسرد بعض هذه المقالات التي قيلت في هذه الصفة، ونشأت منها هذه الفتنة، أعنى فتنة خلق القرآن. مذهب السلف: قالوا إن الكلام صفة لله كسائر الصفات الأخرى، وهي صفة ذات وفعل، يتكلم بها متى شاء وكيف شاء، وهو حروف وأصوات يسمعها من يشاء من مخلوقاته، وإن الكلام بصوت ليس كصوت المخلوقين وكلامه قديم النوع، كما أن سائر صفات الله تعالى قديمة. * كما أنهم أجمعوا على أن موسى عليه السلام سمع كلام الله من الله تعالى، لا من الشجر أو الحجر، أو من غيره، كما قالت الجهمية والمعتزلة، لأنه لو سمع من غير الله تعالى، لكان بنو إسرائيل أفضل من ذلك منه، فإنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى لكونهم سمعوا من موسى عليه السلام، وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة، وهو غير معقول1. * وكذلك لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتاً وحرفاً، وليس معنى في النفس، فإنه لو كان معنى في النفس كما زعمت الكلابية والأشاعرة والماتريدية، لم يكن ذلك تكليماً لموسى عليه السلام ولا هو شيء يسمع. فالقرآن عند السلف كلام الله تعالى. ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته وأنه غير مخلوق بحروفه ومعانيه فهو كلام الله تعالى   1 مجموع الفتاوى 12/ 39- مختصر الصواعق المرسلة 3/ 296- 298- شرح العقيدة الطحاوية ص 181 لوامع الأنوار 1/140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 حقيقة، ويضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغاً ومؤدياً، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية كلام الله أو عبارة عنه، كما قالت الكلابية والأشاعرة والماتريدية. * ولما شاعت المحنة في عهد المأمون، وكثر اختلاف الناس وتنازعهم في ذلك، التزم السلف بوصف القرآن أنه غير مخلوق بياناً للحق ورداً على ما شاع من بدعة الجهمية والمعتزلة من أن القرآن مخلوق. * قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد: "القرآن كلام الله غير مخلوق ". * قال البخاري: "حركاتهم وأصواتهم، واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة وأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعي في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} 1 [العنكبوت: 49] . * ويقول ابن خزيمة في التوحيد: "باب من الأدلة التي تدل على أن القرآن كلام الله الخالق وقوله غير مخلوق، لا كما زعمت الكفرة من الجهمية المعطلة" ثم ذكر الأدلة على ذلك2. * وذكر اللالكائي مذهب السلف في القرآن فقال: "ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم به على الحقيقة، وأنة أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأمره بالتحدي، وأنه يدعو الناس إليه، وأن القرآن على الحقيقة، متلو في المحاريب، مكتوب في المصاحف محفوظ في صدور الرجال ليس بحكاية ولا عبارة عن القرآن، وهو قرآن واحد غير مخلوق، وغير مجهول ومربوب، بل صفة من صفات ذاته لم يزل به متكلماً، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف   1 خلق أفعال العباد ص 138. 2 كتاب التوحيد لابن خزيمة ص 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 لمذاهب السنة والجماعة، ثم أورد الأدلة على ذلك1. * وقال ابن بطة في الإبانة بعد كلام سبق: "ثم من بعد ذلك يعلم بغير شك ولا مرية ولا وقوف، أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله، فيه معاني توحيده، ومعرفة آياته، وصفات أسمائه، وهو علم من علمه غير مخلوق، كيف قرأ وكيف كتب وكيف تلي وفي أي موضع كان في السماء وجد أو في الأرض حفظ، في اللوح المحفوظ وفي المصاحف وفي ألواح الصبيان مرسوماً أو في حجر منقوشاً وعلى كل الحالات وفي كل الجهات كلام الله غير مخلوق"؟ 2. * هذا مذهب السلف في صفة الكلام ومن جملة ذلك القرآن عندهم كلام الله لفظه ومعانيه، فلا يقال اللفظ دون المعنى كما قالت الجهمية والمعتزلة، ولا المعنى دون اللفظ كما قالت الكلابية والأشاعرة، والماتريدية، وهو منزل غير مخلوق سمعه جبريل من الله والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، فهو المكتوب بالمصاحف والمحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة، فالسلف أثبتوا لله سبحانه صفة الكلام، منزهين الله تعالى عما لا يليق بجلاله من سمات النقص كما أثبتوا له سائر الصفات إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل. ويرى هذا كله عبرة تقال للماتريدية والأشعرية الذين خالفوا عقيدة السلف في القرآن وقالوا إن كلام الله هو كلام نفسي لا يسمع ولا بحروف ولا صوت وأن هذا القرآن العربي مخلوق وليس هو كلام الله على الحقيقة وإنما هو دال على كلام الله النفسي فهؤلاء الماتريدية والأشعرية من القائلين ببدعة خلق القرآن ومن أعظم المعطلين لصفة كلام الله ومن أعظم المبتدعين لبدعة الكلام النفسي فهم أبشع وأشنع من المعتزلة فإن أولئك كانت بدعتهم بدعة واحدة وهؤلاء بدعتهم بدعتان. والله المستعان3.   1 السنة لللالكائي 2/364. 2 الإبانة الصغرى ص 50. 3 انظر الماتريدية للدكتور شمس الدين الأفغاني- رحمه الله تعالى 3/ 73- 82. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الخلاصة: 1- إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى على الحقيقة، وهو غير مخلوق تكلم الله تعالى به، وسمعه جبريل من الله تعالى، ونزل به على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب بالمصاحف، متلو بالألسنة، محفوظ بالصدور. 2- كل ما سبق بيانه فهو مذهب أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى. 3- خالفت في هذا الباب طوائف من أهل الضلال كالجهمية والمعتزلة، والكلابية والأشعرية والماتريدية. المناقشة: 1- اذكر مذهب أهل السنة والجماعة في شأن القرآن الكريم. 2- هل القرآن المتلو بالألسن، المكتوب في المصاحف، هو كلام الله على الحقيقة؟ 3- اذكر أهم الفرق التي خالفت في هذا الباب، مع بيان مذهبها باختصار شديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 باب في إثبات الرؤية1 * ونؤمن بالرؤية، والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية حق.   الشرح: أجمع السلف على إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، كما أنهم اتفقوا على عدم حصول رؤيته سبحانه وتعالى في الدنيا بأبصارهم مع اختلافهم في رؤية النبي صير ربه ليلة الإسراء رالمعراج وقالوا: إن الله سبحانه رقعالى يرى جموم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدو صحوا، وكما ترى الشمس في الظهيرة رؤية حقيمة من غير شك ولا ارتياب. * وتكون هذه الرؤية من فوقهم لاستحالة أن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو أمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم، وعليه يدل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين. * وقال ابن خزيمة: إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم الميعاد، ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين2. * قال الآجري: وأما أهل السعادة فهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى، فآمنوا بالله وحده ولم يشركوا به شيئاً وصدقوا القول بالفعل، فأماتهم على ذلك فهم في قبورهم ينعمون وعند المحشر يبشرون، وفي الموقف إلى الله عز وجل بأعينهم ينظرون، وإلى الجنة بعد ذلك وافدون، وفي نعيمها يتفكهون، وللحور العين يعانقون، والولدان لهم يخدمون، وفي جوار مولاهم الكريم أبداً خالدون، ولربهم عز وجل في داره زائرون.   1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يلائم مضمون الباب. 2 حادي الأرواح: ص 245. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 * وبالنظر إلى وجهه الكريم يتلذذون، وله مكلمون وبالتحية لهم من الله عز وجل، والسلام منه عليهم يكرمون1. * قال الصابوني. ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم، وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" والتشبيه وقع للرؤية بالرؤية لا للمرئي2. * وذكر الأشعري مذهب أهل السنة والحديث في الرؤية فقال: ويقولون إن الله سبحانه وتعالى يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون، لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عز وجل {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وأن موسى عليه السلام سأله الله سبحانه الرؤيا في الدنيا، وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً، فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة3. * قال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقديته: وأجمع أهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق، أن الله يرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح به النقل عن رسوله ثم ذكر بعض الأدلة على ذلك وقال: قال أحمد بن حنبل: من قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر4. وذكر ابن قدامة مذهب السلف في الرؤية فقال: والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم ويزورونه ويكلمهم ويكلمونه، قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23] . وقال تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فلما حجب أولئك في حالة السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حالة الرضا، وإلا لم يكن بينهما   1 الشريعة: كتاب التصديق بالنظر إلى وجه الله عز وجل ص 251. 2 عقيدة السلف أصحاب الحديث 1/122. 3 مقالات الإسلاميين 1/322. 4 عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص 30- 31 ضمن المجموعة العلمية السعودية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فرق ثم ذكر حديث جرير في الرؤية وقال: وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئى بالمرئى، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير1. وهذه الرؤية هي أكبر سعادة للمؤمنين وأجلها وأعلاها على الإطلاق. *قال عثمان بن سعيد الدارمي: فأما في الآخرة فما أكبر نعيم أهل الجنة إلا النظر إلى وجهه، والخيبة لمن حرمه، وما تعجبون من أن كان الله ولا شيء من خلقه ثم خلق الخلق، ثم استوى على عرشه فوق سمواته واحتجب من خلقه بحجب النار والظلمة، كما جاءت به الآثار ثم أرسل رسله، يعرفهم نفسه بصفاته المقدسة ليبلو بذلك إيمانهم أيهم يؤمن به ويعرفه بالغيب ولم يره وإنما يجزي العباد على إيمانهم بالله بالغيب إلى أن قال ... "فإذا كان يوم القيامة تجلى لمن آمن به وصدق رسله وكتبه وآمن برؤيته، وأقر بصفاته التي وصف بها نفسه حتى يروه عياناً، مثوبة منه لهم وإكراماً ليزدادوا بالنظر إلى من عبدوه بالغيب نعيماً وبرؤيته فرحاً واغتباطاً ولم يحرموا رؤيته في الدنيا والآخرة جميعاً وحجب عنه الكفار يومئذ إذ حرموا رؤيته كما حرموها في الدنيا ليزدادوا حسرة وثبوراً2. * وأما أدلة السلف على إثبات رؤيته سبحانه فكثيرة جداً وقد ذكر المؤلف بعضها ونذكر البعض الآخر. * منها: قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة:22-23] وجه الاستدلال من الآية هو أن النظر في اللغة يرد لمعان مختلفة فإذا تجرد عن الصلات وتعدى بنفسه كان بمعنى التوقف والانتظار منه قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] . وإذا عدى بفي كان معناه التفكر والاعتبار كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 3.   1 لمعة الاعتقاد ص 33. 2 الرد على الجهمية للدارمي: ص 64. 3 الأعراف: 185. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وإذا عدى بإلى كان معناه المعاينة بالأبصار خاصة إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر وألا يحتمل إلا الرؤية1. قال الأشعري: لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العين ولذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار الذي يكون للقلب2. * وقال ابن قتيبة: ما ننكر أن نظرت قد يكون بمعنى انتظرت وأن الناظر قد يكون بمعنى المنتظر غير أنه يقال: "أنا لك ناظر أي أنا لك منتظر ولا يقال أنا إليك ناظر أي إليك منتظر إلا أن يريد نظر بعين، والله يقول: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22-23] ولم يقل لربها ناظرة3. * فالمراد بهذه الآية رؤية الله تعالى بالأبصار صريحة الدلالة ولم ينكرها إلا المعطلة من الجهمية والمعتزلة. * ومنها قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ، وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] . ذكر المفسرون أن المراد بالزيادة في الآية الأولى هي رؤية الله تبارك وتعالى وهو تفسير مأثور رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وموقوفاً. * فروى ابن صهيب أنه قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، نودي بأهل الجنة أن لكمم موعداً قالوا: وما هو ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار قال: فيكشف الحجاب فينتظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم منه ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . * عن أنس بن مالك: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي   1 حادي الأرواح ص 210. 2 الإبانة للأشعري: 536 (طبعة دار الأنصار بمصر) . 3 الاختلاف في اللفظ والرد عل الجهمية: ص 238. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله1. كما ورد ذلك أيضاً عن أبي موسى الأشعري وأبي بن كعب، وكعب بن عميرة وغيرهم من الصحابة2. وأيضاً ورد أن أبا بكر قرأ هذه الآية أو قرئت عليه فقال له تدرون ما الزيادة، الزيادة النظر إلى وجه ربنا. * وقال البيهقي: وروينا في إثبات الرؤية عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي موسى، وغيرهم ولم يرو عن أحد منهم نفياً، ولو كانوا فيها مختلفين لنقل اختلافهم في ذلك إلينا، فلما نقلت رؤية الله بالأبصار عنهم في الآخرة ولم ينقل عنهم في ذلك اختلاف يعني في الآخرة كما نقل عنهم فيها اختلاف في الدنيا، علمنا أنهم كانوا على القول برؤية الله بالأبصار في الآخرة متفقين مجتمعين3. وكذلك فسرت المزيد في الآية الأخرى بما فسرت به الزيادة. قال ابن كثير: {ولدينا مزيد} كقوله عز وجل {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] ، وقد سبق أن معنى الزيادة في النظر إلى وجه الله الكريم ثم سرد بعض الأحاديث والآثار الدالة على ذلك4. وهنها: قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: 44] وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} [البقرة: 223] وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] . * قال الآجري في الشريعة: واعلم- رحمك الله- أن عند أهل العلم باللغة أن اللقى ها هنا لا يكون إلا مغاينة، يراهم الله عز وجل ويرونه   1 تفسير الطبري 11/106. 2 انظر التوحيد لابن خزيمة: ص 184، الرد على الجهمية للدارمي ص 56، 57، الشريعة ص 260، 270، الاعتقاد ص 48، الرؤية للدار قطني 2/99/ 2. 3 الاعتقاد: ص 53. 4 تفسير ابن كثير: 4/ 229. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ويسلم عليهم ويكلمهم ويكلمونه1. وقال ابن بطة: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا يقول: "أجمع أهل اللغة على أن اللقاء ها هنا لا يكون إلا معاينة ونظراً بالأبصار"2. * قال ابن القيم: وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع، اقتضى المعاينة والرؤية3. منها قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} 4. * قال الرازي: "فإن إحدى القراءات في هذه الآية، ملكاً- بفتح الميم وكسر اللام- وأجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله وعندي التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها5. وقال الآلوسي: قيل هو النظر إلى الله عز وجل6. فعلى القراءة المذكورة تكون دلالة الآية على الرؤية ظاهرة. ومنها قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:106] وجه الاستدلال من هذه الآية هو أن الله سبحانه وتعالى إنما ذكرها في سياق التمدح، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به، وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمراً وجودياً لتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ولهذا لم يتمدح بعدم محض الذي لا يتضمن أمراً ثبوتياً، فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر   1 الشريعة. ص 152. 2 حادي الأرواح: ص 245. 3 حادي الأرواح: ص 204. 4 الإنسان: 20. 5 التفسير الكبير للرازي: 13/ 131. 6 روح المعاني:29/161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يشترك هو والمعدوم فيه، فلو كان المراد بقوله {لا تدركه الأبصار} أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في تلك، فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار، والرب جلا جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض. فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به، لأن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية1. قال ابن خزيمة: ولو كان معنى قوله: لا تدركه الأبصار ما تتوهمه الجهمية المعطلة، الذين يجهلون لغة العرب فلا يفرقون بين النظر وبين الإدراك، لكان معنى قوله لا تدركه الأبصار: أي أبصار أهل الدنيا قبل الممات2. منها قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} 3. والاستدلال بالآية من عدة وجوه: * الوجه الأول: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية، ولو امتنع كونه تعالى مرئياً لما سأل لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعها أو يجهله، فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال الممتنع لأنه عبث والأنبياء منزهون عنه، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله ويمتنع لا يكون نبياً كليماً، قد قال تعالى {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 4. * قال ابن قتيبة: وفي قوله موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} أبين الدلالة بأنه يرى في القيامة ولو كان الله لا يرى في حال من الأحوال ولا يجوز عليه   1 حادي الأرواح: 208. 2 التوحيد لابن خزيمة: ص 185. 3 الأعراف: 143. 4 سورة الأعراف: آية 144، ضوء الساري: 38 ق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 النظر، لكان موسى قد خفي عليه من صفة الله ما علموه1. الوجه الثاني: أن الله لم ينكر عليه لما طلب الرؤية ولو كانت محالة لأنكر عليه كما أنكر على نوح لما سأل نجاة ابنه من الغرق حيث قال {إني أعظك أن تكون من الجاهلين} ففي إنكاره تعالى على نوح دليل عدم جواز ما طلب وعدم الإنكار على موسى دليل الجواز وعدم الامتناع2. الوجه الثالث: أنه تعالى علق الرؤية على أمر جائز، وهو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز، فيلزم كون الرؤية في نفسها جائزة3. * قال عثمان بن سعيد الدارمي: ألا ترى أنه يقول فإن استقر مكانه فسوف تراني، ولو شاء لاستقر الجبل ورآه موسى. ولكن سبقت منه الكلمة أنه لا يراه أحد في الدنيا فلذلك قال {لن تراني} فأما في الآخرة فإن الله تعالى ينشر خلقه فيركب أسماعهم وأبصارهم للبقاء، فيراه أولياؤه جهراً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم4. ومنها قوله تعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] والاستدلال بهذه الآية على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة استدلال بالمفهوم حيث قال سبحانه عن اللقاء {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فجعل عقوبتهم كونهم محجوبين عن رؤيته سبحانه وهذا يدل على أن المؤمنين لا يحجبون، وإلا لا يكون فضل للمؤمنين على الكفار5. * قال الإمام الشافعي: لما حجب هؤلاء في السخط، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا6.   1 الاختلاف في اللفظ: ص 238. 2 حادي الأرواح: ص 203. 3 الإنصاف ص 179، المحصل: ص 191، حادي الأرواح ص 203. 4 الرد على الجهمية: ص 65. 5 إغاثة اللهفان: 1/32. 6 حادي الأرواح 1/32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قال عثمان بن سعيد الدارمي: ففي هذا دليل أن الكفار كلهم محجوبون عن النظر إلى الرحمن عز وعلا، وأن أهل الجنة غير محجوبين عنه1. * قال البيهقي: فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته دل على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب لهم عن أعينهم حتى يروه2. ولذا قال الإمام أحمد: إنا لنرجوا أن يكون الجهم وشيعته ممن لا ينظرون إلى ربهم، ويحجبون عن الله، لأن الله تعالى قال للكفار: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] فإذا كان الكافر يحجب عن الله، والمؤمن يحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر3. وأما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على الرؤية فمتواترة، رواها عنه صلى الله عليه وسلم- أكثر من خمسة وعشرين صحابياً: * قال ابن تيمية: إنه قد ثبت بالسنة المتواترة وباتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام الذين ائتموا بهم من دينهم، أن الله سبحانه وتعالى يرى في الدار الآخرة بالأبصار عياناً، وقد دل على ذلك القرآن في مواضع كما ذلك مذكور في مواضعه، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أعتنى بجمعها أئمة4. * وقال ابن كثير في النهاية: وأحاديث الرؤية لله يوم القيامة متواترة رواها جماعة الصحابة5. منها: حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم   1 الرد على الجهمية: ص 53. 2 الاعتقاد: ص 46، 47. 3 الرد على الزنادقة ص 34. 4 بيان تلبيس الجهمية: 1/348. 5 النهاية لابن كثير: 2/285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ليلة البدر فقال هل ترون هذا القمر؟ قلنا: نعم قال: "هكذا ترون ربكم يوم القيامة لا تضارون في رؤيته"1. منها حديث أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟ قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما. متفق عليه2. ومنها حديث أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس دونه حجاب؟ قالوا: لا. قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليس دونها حجاب؟ قالوا: لا. قال: فلا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما3. * ومنها حديث عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان4. فهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الكثيرة تدل على ما ذهب إليه أهل السنة وهو أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم وأن الكفار والمشركين يحجبون عنه- سبحانه- رواها جماعة من الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغت حد التواتر. قال ابن قتيبة: والخبر في الرؤية ليس من الأخبار التي يدفعها إلا جاهل أو معاند ظالم لتتابع الروايات به من الجهات الكثيرة عن الثقات5.   1 أخرجه البخاري (573- 7435) ومسلم (212) كتاب المساجد. 2 البخاري كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة} الآية: 9/158. مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى 1/113. 3 أخرجه البخاري (6573) ومسلم (305) كتاب الإيمان. 4 أخرجه البخاري (7512) ومسلم (67) كتاب الزكاة. 5 الاختلاف في اللفظ: ص 238. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 قال عثمان بن سعيد الدارمي: بعد ذكر الأحاديث الدالة على الرؤية: فهذه الأحاديث كلها أو أكثر منها قد رويت في الرؤية على تصديقها والإيمان بها، أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ولم يزل المسلمون قديماً وحديثاً يرونها ويؤمنون بها، لا يستنكرونها ولا ينكرونها ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال بل كان من أكبر رجائهم وأجزل ثواب الله تبارك وتعالى في أنفسهم النظر إلى وجه الله الكريم، خالقهم يوم القيامة حتى ما يعدلون به شيئاً من نعيم الجنة1. الخلاصة: 1- أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم عز وجل يوم القيامة بأبصارهم عياناً من غير توهم ولا تشبيه، وهذا أكبر نعيم أهل الجنة. 2- خالفت الجهمية وغيرهم في ذلك وأنكروا إثبات الرؤية. المناقشة: 1- ما هي عقيدة السلف في مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة؟ 2- اذكر ثلاثة أدلة على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة. 3- اذكر أربعة من النصوص عن السلف في إثبات الرؤية.   1 الرد على الجهمية للدارمي ص 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 باب ذكر الدليل على أن الإيمان في القلب 1- أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ببغداد، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان"1.   الشرح: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثال حبة من خردل من كبر، هذا الحديث يوضح خطورة الكبر، ويغلظ من شأنه، وذلك لأن الكبر يدفع الإنسان إلى رد الحق، واحتقار الناس، لكنه إن لم يكن عن استحلال كبيرة لا يكفر بها المرء ومعنى: "لا يدخل الجنة" لا يدخلها ابتداء، لكنه قد يكتب له دخولها بعد أن يعذب في النار لتكبره. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يدخل النار أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان". وهذا الشطر من الحديث فيه دليل لما ترجم عليه المصنف من كون الإيمان في القلب، وإن كانت الأعمال جزءاً من الإيمان، والمقصود من نفي دخوله النار، أنه لا يخلد فيها، وإلا فإن ناساً من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم رغم وجود التوحيد في قلوبهم، ثم يخرجون منها بسبب توحيدهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من كان في قلبه جزء من شعيرة من خير ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال: "لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير"2.   1 أخرجه مسلم (91) كتاب الإيمان حديث (148) والترمذي (1998) وابن ماجة (59) . 2 أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه (1/103) ح (44) ومسلم كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/182) ح، (325) كلاهما من طريق قتادة عن أنس بن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 باب ذكر الدليل على أن الإيمان يزيد وينقص [وأنه قول وعمل] 1 2- الإمام العالم الثقة مجد الدين شيخ الإسلام أبو علي النيسابوري المعروف بابن الصغير فيما كتبه قال إن المشايخ أبو محمد عبد الله بن سهل ابن عمر ... وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي وأبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي وأبو القاسم سهل بن إبراهيم السبيعي قراءة عليهم في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة، وأجاز فيه أيضاً الشيخ الفقيه أبو روح عبد المضر بن محمد بن أبي الفضل البازاز الهروي قال: أخبرني أبو القاسم زاهر من طاهر بن محمد بن الشحامي سماعاً عليه قال: أنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، أنا أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ فيما قريء عليه فأقر به قال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين. [باب زيادة الإيمان ونقصانه] قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 2. وقال سبحانه {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 3.   1 العنوان زيادة مني. 2 سورة الأنفال: الآية 2. 3 سورة الفتح: الآية 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} 1. الشرح: الآيات التي ساقها المصنف رحمه الله، وغيرها كثير هي مما يدل دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص، ففيها: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً} وفيها {زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وفيها {زَادَهُمْ هُدىً} فهي صريحة جداً في إثبات زيادة الإيمان وما كان قابلاً للزيادة فهو قابل للنقص، وزيادته تكون بالطاعات، ونقصانه يكون بالمعاصي وما ذكرناه من أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، هو قول أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى، وهذا من المسائل التي خالف فيها طوائف من المبتدعة، ونصوص الكتاب والسنة متضافرة لإثبات صحة هذا القول، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 2. وهذا أمر يعرفه كل عاقل، بل إن الإيمان قد يزيد وينقص عند نفس الشخص من حين لآخر، على حسب حاله، وعلى قدر طاعته أو معصيته. وفي هذا كله عبرة للماتريدية المخالفين لمذهب السلف. الخلاصة: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وزيادته بالطاعات، ونقصه بالمعاصي. المناقشة: س 1- ما هو مذهب أهل السنة في مسألة زيادة الإيمان؟ س 2- هات ثلاثة أدلة على إثبات زيادة الإيمان.   1 سورة محمد، الآية 17. 2 سورة التوبة، الآية 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 2- أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد العزبز البغوي ببغداد، () النسائي، نا حماد يعني ابن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبيه، عن جده محمد بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص. قيل: ما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا بالله فحمدناه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذاك نقصانه. قال: وسمعت أبا نصر التمار يقول: الإيمان يزيد وينقص. أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، نا هارون بن عبد الله، نا يزيد بن هاورن، عن حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، أن جده عمير بن حبيب وكانت له صحبة. 3- وأخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفى قال: سمعت محمد بن علي بن يعني ابن الحسن بن شفيق قال: سألت أحمد بن حنبل عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان فقال: حدثنا الحسن بن موسى، نا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبيه، عن جده، عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص. فقيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحانه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه. هذا لفظ حديث أحمد بن حنبل عن الحسن بن موسى. 4- أخبرنا أبو الحسن بن أحمد بن زهير القيس بطوس، نا عمرو بن شميل المروزي، أنا بقية يعني ابن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن أبي مجاهد يعني عبد الوهاب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الإيمان يزداد وبنقص. 5- أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي، حدثنا هارون بن عبد الله، نا حجاج بن محمد، نا إسماعيل بن عباس، عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن عبد الله بن لهيعة الحضرمي، عن أبي هريرة قال: الإيمان يزيد وينقص. 6- أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، نا محمد بن يحيى، نا أبو معمر، نا إسماعيل بن عياش، عن حريز بن عثمان، عن الحارث بن محمد، عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 7- أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال: سمعت محمد بن سهل بن عسكر، نا عبد الرزاق قال: سمعت مالكاً والأوزاعي وابن جريج والثوري ومعمرا يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. 8- أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجوني، نا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، نا إسحاق يعني الفروي، قال: جئت عند مالك قال: الإيمان يزيد وبنقص. قال الله عز وجل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1 وقال إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} 2. قال فطمأنينة قلبه زيادة في إيمانه. 9- أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي ببغداد، نا هشام يعني ابن عمار، نا يحيى بن سليم، نا ابن جريج ومالك ومحمد بن مسلم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان والمثنى وسفيان الثوري قالوا: الإيمان قول وعمل.   الشرح: أجمع السلف على الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان بعدما أجمعوا على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، نظراً إلى التفاوت الموجود في أعمال أفراد المكلفين. فمنهم من أتى بما أمر الله وانتهى عما نهى عنه على أكمل وجه مصدقاً بقلبه تصديقاً جازماً. ومنهم من قام بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي إلا أنه اكتفى بالإتيان بالواجبات ولم يتطرق إلى ما سواها من النوافل والسنن. وصدق الآخر بكل ما جاء من الله ورسوله غير أنه كان متهاوناً ومقصراً في أداء الواجبات، وقد تصدر منه المخالفات. فلا يمكن التسوية فيما بينهم لأن التفاوت بينهم موجود ودرجاتهم متباينة وبناء على هذا الفرق الواضح، قال علماء السلف إن الإيمان قابل للزيادة والنقصان.   1 الفتح (4) .. 2 البقرة (260) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب أهل السنة والحديث على أن الإيمان يتفاضل وجمهورهم يقولون يزيد وينقص. ثم قال: زيادة الإيمان الذي أمر الله به والذي يكون من عباده المؤمنين من وجوه. ثم ذكر عدة وجوه على زيادة الإيمان من جهة التصديق وبالتالي من جهة الأعمال1. وهذا هو قول جميع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وسيذكر المؤلف رحمه الله بعض الآثار التي تدل على ذلك، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وإسحق بن راهويه والثوري والأوزاعي، وابن عيينة، والحسن البصري، وابن المبارك، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ووكيع بن الجراح، وحماد بن سلمة، وغيرهم كثير من السلف الذين قالوا بأن الأعمال من الإيمان2. وهذا هو رأي جماعة من المتكلمين كالبغدادي والغزالي، والامدي والأيجي وكثير من الأشاعرة الذين قالوا إن الإيمان الذي هو التصديق يزيد وينقص3. فهؤلاء يوافقون السلف في الزيادة والنقصان من هذه الجهة وأما الخلاف بينهم وبين السلف فهو من جهة أخرى وهي الأعمال. فخالفوا السلف في هذه الجهة وقالوا الأعمال ليست من الإيمان وهذا قول باطل   1 الإيمان لابن تيمية ص 219. 2 انظر الإيمان لابن أبي شيبة ص 35، لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 72، الإيمان لأبي عمرو العدني. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص 76. الشريعة للآجري ص 117، السنة لأبي القاسم اللالكائي 4/911 الإيمان لأبي يعلى البغدادي به قال أبو الحسن الأشعري في قوله الجديد بعد العودة إلى مذهب السلف 1/ 322. 3 أصول الدين للبغدادي، ص252، الاقتصاد ص 208، المواقف ص 388، إتحاف المريد ص 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 مصادم للنصوص وعقيدة السلف. وذهب قوم إلى أن الإيمان يقبل الزيادة ولا يقبل النقصان وهو قول بعض الأشاعرة1. وقد روي عن الإمام مالك في إحدى الروايات أنه قال بزيادة الإيمان وأما النقصان فتوقف فيه فلم يجزم بنفي ولا بإثبات2 وذكر النووي سبب توقفه فقال: ولذلك توقف مالك رحمه الله في بعض الروايات عن القول بالنقصان إذ لا يجوز نقصان التصديق لأنه إذا نقص صار شكاً وخرج عن اسم الإيمان. وقيل إنما توقف مالك خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي، من المؤمنين بالذنوب3. لكن هذه الرواية لم تصح عن الإمام مالك. ولعل السبب الذي دفع هؤلاء القائلين بهذا الرأي وهم قليل جداً وهو قول شاذ والدافع. إلى هذا الرأي هو عدم ورود آية في القرآن، تدل بالصراحة على نقصان الإيمان. وقالت المعتزلة والخوارج إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص أبداً، لأن الإيمان عندهم شيء واحد لا يتجزأ إذ لا يمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه الآخر فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار. ونرى منهم على هذا الباطل الماتريدية وقد وافقهم أكثر الأشعرية، وبناء على هذا قالوا: بعدم زيادة الإيمان ونقصانه وأولوا تلك الآيات والأحاديث التي وردت في الزيادة وقالوا بأن الزيادة والنقصان في الإيمان   1 أصول الدين للبغدادي ص 252، تحفة المريد ص 51، وبه قال الحسين النجار من المتكلمين كما ذكره البزدوي في أصول الدين ص 153. 2 ترتيب المدارك 1/ 174. الإيمان لابن تيمية ص 210. 3 شرح مسلم للنووي 1/146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 تعتبر من ناحية التكاليف وهو شيء نسبي بين المكلفين فذاك الشخص إيمانه أكثر من إيمان هذا، لأن ذلك كلف بشيء زائد لم يكلف به الآخر، والآخر غير مؤاخذ على تركه لأنه لم يكلف به لعدم قدرته عليه، فالغني عندهم أكثر إيماناً من الفقير لأنه مكلف بأمر زائد وهو الزكاة1. وإن المعصية لا اعتبار لها في زيادة الإيمان ونقصه، لأن الإيمان عندهم لا يتجزأ فالزيادة والنقصان في الكم الذي يكون بطاعات الجوارح وأما الكيف فلا زيادة فيه ولا نقصان لاستواء المكلفين في وجوب التصديق القلبي2. وبه قالت المرجئة والجهمية والكرامية بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه عبارة عن شيء واحد وهو التصديق والمعرفة والإقرار، إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه البر والفاجر3. فالتصديق لا يقبل التفاوت عندهم لأن التفاوت فيه إنما هو لاحتمال النقيض وهو الشك وهو غير مفيد، وكذلك الإقرار غير قابل للتفاوت. وبه جزم الأشعري في قوله القديم4. وإليه ذهب أبو حنيفة وجمهور الحنفية كالطحاوي والماتريدية وكالنسفي والتفتازاني وملا علي القاري وغيرهم5. قال أبو حنيفة: فالإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه لا يتصور نقصانه إلا بزيادة الكفر ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمناً وكافراً، والمؤمن مؤمن حقاً والكافر   1 شرح الأصول الخمسة ص 707، متشابه القرآن 1/ 312، 0313 الإيمان لابن تيمية ص 210. 2 الإيمان لابن تيمية: ص 210. 3 مقالات الإسلاميين 1/ 198، أصول الدين للبغدادي 252، شرح السنة للبغوي 1/41، الملل والنحل: 1/88، لوامع الأنوار: 1/ 424. 4 أصول الدين ص 348. 5 انظر الماتريدية 1/ 404 لشمس الدين السلفي الأفغاني- رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 كافر حقاً، وليس في الإيمان شك كما أنه ليس في الكفر شك1. وفي الفقه الأكبر: وإيمان أهل السماء لا يزيد ولا ينقص والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال2. قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى3. ويقول أبو حفص النسفي في عقيدته: والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وشرح التفتازاني هذا القول فقال: "إن حقيقة الإيمان لا تزيد ولا تنقص لما مر من أنه التصديق القلبي الذي بلغ حد الجزم والإذعان وهذا لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان، حتى إن من حصل له حقيقة التصديق فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه باق على حاله لا تغير فيه أصلا"4. وقال ملا علي القاري: فالتحقيق أن الإيمان- كما قال الإمام الرازي لا يقبل الزيادة والنقصان من حيثية أصل التصديق لا من جهة اليقين5. وهو قول الأشعرية الكلابية قال الباقلاني: وإن كان الزيادة والنقصان فهو من حيث الحكم لا من حيث الصورة ويكون المراد: زيادة في الثواب والجزاء والمدح والثناء دون نقص وزيادة في تصديق من حيث الصورة6.   1 الوصية: ص 18. 2 الفقه الأكبر مع شرحه ص 87. 3 العقيدة الطحاوية شرح وتعليق ص 43، 44. 4 شرح العقائد النسفية: ص 157. 5 شرح الفقه الأكبر ص 70. 6 الإنصاف: ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وبه قال الرازي في المحصل وأقره الطوسي الوثني الساحر الكافر1. وحاصل الكلام أن الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية والكرامية وجمهور الأشعرية من الماتريدية وبعض الأشاعرة وجماعة من المتكلمين ذهبوا إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وكل منهم استدل بأدلة مختلفة ولكل منهم وجهة وكلهم هدفهم واحد، وهو أن الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان. والحق هو ما قاله السلف والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة كثيرة جداً، وقد ذكر المؤلف رحمه الله منها مجموعه لا بأس بها، وسنذكر أدلة أخرى تدل على صحة ما ذهب إليه السلف. فمن الكتاب: قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 2. فهذه الزيادة عند تلاوة القرآن هي حصول رغبة ورهبة في القلب المؤمن فزاد علمه بالله ومحبته لطاعته، وهذا زيادة الإيمان. وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} 3. فهذه الزيادة عند تخويفهم بالعدو فازدادوا يقيناً وطمأنينة وتوكلاً على الله وثباتاً على الجهاد. وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} 4.   1 نعم كان ساحراً وثنياً كافراً منكراً للمعاد يعبد الأصنام وقد جر ويلات على المسلمين وناصر التتار انظر إغاثة اللهفان 2/ 380- 381 وانظر الصواعق المرسلة 2/90، 3/ 1077- 1078، القصيدة النونية مع شرحها للهراس 1/158، 159، وتوضيح المقاصد 1/358- 364. 2 الأنفال آية 2. 3 آل عمران: آية 173. 4 التوبة: آية 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فهذه الزيادة في الإيمان هي حسب مقتضى الآية التي أنزلت. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1. فالسكينة والطمأنينة جعلت موجبة لزيادة الإيمان. وقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} 2، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} 3، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} 4. فالمقصود من زيادة الهدى في الآيتين هو زيادة الإيمان كما دل عليه قول ابن مسعود في تفسير الآية5. وأما الأحاديث: فقوله في حديث شعب الإيمان: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" 6. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"7. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها" 8 الحديث.   1 الفتح:4. 2 المدثر:31. 3 محمد:17. 4 الكهف:13. 5 تفسير الطبري: 15/ 207. 6 أخرجه البخاري (9) ومسلم (36) وغيرهما. 7 أحمد في المسند 3/ 20، 49. وأخرجه مسلم في صحيحه (1/ 69/ ح 49) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً. والترمذي: وقال: هذا حديث حسن صحيح. كتاب الفتن: باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب 4/469- 470 ح: 2172. والنسائي: كتاب الإيمان، تفاضل أهل الإيمان 2/265. 8 البخاري كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال: (1/12) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 فهذه الأحاديث كلها على أن أهل الإيمان ليسوا في أصله سواء بل بينهم تفاضل واضح، وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وهو المقصود. قال عمير بن حبيب الخطمي، الإيمان يزيد وينقص، قيل له ما زيادته ونقصانه، قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وخشيناه فذلك زيادته، فإذا عقلنا وضيفاه فذلك نقصانه. وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: هلموا نزدد إيمانا. فيذكرون الله1. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه "اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً"2. وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه3. قال أبو عبيد القاسم بن سلام "فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا كما اقتصصناه في كتابنا هذا، إن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا وأنه درجات بعضها فوق بعض إلا إن أولها وأعلاها الشهادة باللسان كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله بضعة وسبعين جزءاً. فإذا نطق بها القائل وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله ولا على تزكية النفوس وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد إيمانا4. فهذه الآيات والأحاديث والآثار كلها تدل على زياد الإيمان وأنها تزيد في قلب المؤمن طمأنينة وطاعة، وتصديقاً وخضوعاً ويقيناً وأنه ينقص حتى يكون مثل ذرة ومثقال حبة وأنقص من ذلك.   1 الإيمان لابن أبي شيبة ص 36، الشريعة: ص 112. 2 كتاب الإيمان لأحمد: 111/ 1. 3 الإيمان لأحمد: 111/ 4 الإيمان لابن أبي شيبة ص 35، الإيمان لأبي عبيد ص 72. وكذلك أورده البخاري في صحيحه تعليقاً: كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس 1/9. 4 الإيمان لأبي عبيد: ص 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الخلاصة: 1- مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد، كما أنه ينقص وزيادته بالطاعات، ونقصانه بالمعاصي. 2- النصوص الشرعية في الباب تؤيد كلها ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة. 3- خالف في هذا الباب طوائف منهم: المرجئة، والجهمية، والكرامية، وجمهور الماتريدية، وكثير من الأشعرية، فقالوا بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص. المناقشة: 1- اذكر مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه. 2- ما هي أهم الفرق التي خالفت هذا الباب؟ 3- اذكر ثلاثة نصوص في هذا الباب من القرآن تؤيد ما ذهب إليه السلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 في الجهاد والإمارة ومرتكب الكبيرة1 * "والمسح على الخفين والجهاد مع كل خليفة جهاد الكفار لك جهاده وعليه شره".   الشرح: إن أهل الحديث والسنة يرون المسح على الخفين بالشروط الواردة في كتب الفقه، ثلاثة أيام بليالهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم وكذلك المسح على الجوربين والنعلين، وقد خالفت الرافضة في ذلك، غير أن المسح على الخفين متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما خالفت الحنفية في المسح على الجوربين والنعلين بقيود لا دليل عليها2. ويرون الحج والجهاد باقيين مستمرين مع أمراء المسلمين، البر والفاجر، لا يبطلهما شيء ولا ينقصهما، ولا يرفع حكم وجوبهما وذلك إلى قيام الساعة، كل ذلك مع الأئمة العدول والجورة، فالجائر قوته للمسلمين وجوره على نفسه، ما داموا باقين في حظيرة الإسلام، أما إن خرجوا من الإسلام فذلك شيء آخر.   1 هذا التبويب كذلك من عندي بما يجمع شتات المسائل المتفرقة في الباب. 2 كقولهم لا بد من أن يكون الجوربان بحيث يمكن فيهما المشي ثلاثة أيام، ولا يشفان، ويتماسكان على القدم بدون ربط ونحوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 * والجماعة مع كل بر وفاجر- يعني الجمعة والعيدين- والصلاة على من مات من أهل القبلة سُنَّة.   الشرح: يرى أهل السنة الصلاة خلف كل مسلم براً كان أم فاجراً، مع تقديم البر إلا أن يكون في الصلاة خلفه مشقة، أو يكون هناك فتنة إن تركت الصلاة خلف الفاجر كما لو كان السلطان قد عينه، وذلك ما لم يكن صاحب بدعة مكفرة، وكذلك يرون الصلاة على المسلم الميت، براً أو فاجراً، إلا أن يكون قد مات على غير الملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 * ولا نكفر بذنب إلا ترك الصلاة:   الشرح: ولا يحكم أهل القبلة بجنة ولا نار على سبيل اليقين والقطع، لأحد من المسلمين بل من أحسن منهم رجونا له الجنة ولم نأمن عليه مكر الله، ومن أساء أشفقنا عليه ولم نقنطه من رحمة الله- تعالى- ولا نشهد على مسلم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، مما يخرج من الملة الإسلامية، إلا أن يكون قد ظهر منهم شيء من ذلك مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ويذرون السرائر إلى الله تعالى- حيث أنه العليم بها ويآخذون الناس بما ظهر منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 * لا يكفر أحد بذنب إلا ترك الصلاة وإن عمل الكبائر.   الشرح: أهل السنة من السلف الصالح يقولون بأن المسلم لا يكفر بارتكابه للمعصية، صغيرة أو كبيرة، ما دام مقراً بحرمتها ويقولون بأنه إن استحلها كفر باستحلاله لها، لجحده معلوماً من الدين حرمته وليس كفره بالمعصية نفسها، وقد ضلت طوائف في هذا الباب كالخوارج الذين كفروا مرتكب الكبيرة، بل إن الغلاة منهم كفروا عموم العصاة، وهذا ضلال بيّن وقد جر إلى كثير من المفاسد، والحق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم من أن العاصي يفسق بمعصيته لكنه ليس كافراً إلا باستحلالها، والله - تعالى- لم ينف الإيمان عن العصاة، وانظر إلى قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 1، فلم ينف عنهم الإيمان رغم اقتتالهم، والشواهد على ذلك كثيرة فتأمل.   1 سورة الحجرات، الآيتان 9، 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 * ولا نخرج على الأمراء بالسيف وإن حاربوا ونتبرأ من كل من يرى السيف في المسلمين كائنا من كان.   * الشرح ويرى أهل السنة حرمة الخروج على الأئمة وولاة الأمور، لو ظلموا الناس، وحتى إذا ظهر منهم فسوق في أنفسهم، وذلك لما للخروج من آثار سيئة: كإراقة الدماء، ونشر الفوضى، وذلك ما دام الأمراء باقين في حظيرة الإسلام، ولم يبدلوا دين الله، ولم يظهر منهم الكفر ولا يدعون عليهم، ولا يعصونهم، ويرون طاعتهم واجبة ما داموا يأمرون بمعروف أما إذا أمروا بمعصية فلا يسمع لهم ولا يطاع، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب. وكره ما لم يؤمر بمعصية"1. وقوله: "إنما الطاعة في المعروف" 2 وغير ذلك، ويدعون للأمراء بالصلاح في دينهم والمعافاة، فإن صلاحهم صلاح للأمة وفسادهم فساد وإفساد لها- والله أعلم.   1 أخرجه البخاري كتاب باب السمع والطاعة للإمام (13/121 ح (44/7) . ومسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية 3/1469 ح (1839) من حديث عبد الله بن عمر. 2 أخرجه مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3/1469) ح (1840) من حديث علي رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 باب في الإيمان بالقدر1 12- سمعت محمد بن إسحاق الثقفي قال: سمعت الثقفي قال: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد قال: المأخوذ في الإسلام والسنة والرضا بقضاء الله والإسلام لأمره، والصبر على حكمه الإيمان بالقدر خيره وشره، والأخذ بما أمر الله عز وجل والنهي عما نهى الله عنه، إخلاص العمل لله.   الشرح: (الإيمان بالقدر) وهذا من أصول أهل السنة والجماعة، ومن أصول الإيمان الستة كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 2، وقال عز وجل: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 3، وقال سبحانه وتعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} 4، فكل شيء كائن في هذا الكون إنما قدره الله وقضاه، (خيره وشره، حلوه ومره) . كما قال- تعالى – {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} 5، فالخير والشر مقدران وكل ذلك قدره الله ربنا ومقادير الأمور بيده ومصدرها عن قضائه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذا الكون إلا إذا أراده الله- تعالى- وكون الشيء أو وجوده- في حد ذاته دليل على أن الله قدره وقضاه، هذا وإن الإيمان بالقدر على أربع درجات: الأولى: في الإيمان بأن الله علم كل شيء وذلك قبل أن يخلق السموات والأرض.   1 وهذا التبويب من عندي كذلك حيث إن الباب هنا يتعلق بإثبات القدر. 2 سورة القمر، الآية 49. 3 سورة الفرقان، الآية: 2. 4 سورة الأحزاب، الآية: (38) . 5 سورة النساء، الآية: (78) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الثانية: الكتابة وهي الإيمان بأن الله تعالى- كتب كل ما هو كائن من خير أو شر، صغير أو كبير، كتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ثبت في الحديث: "أول ما خلق الله القلم، قال: اكتب. قال يا رب وماذا اكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"1. والمرتبة الثالثة: للإيمان بالقدر هي الإيمان بالإرادة المقتضية لكون الشيء، فالله تعالى أراد أن توجد الأشياء فوجدت كما أراد لا خروج لأحد عن إرادته ومشيئته، فالخير بقضائه، والشر بقضائه، ولا يكون شيء إلا بإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقد قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} 2 وقال- عز وجل-: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3 والآيات في هذا المقام كثيرة لا تحصى. * والمرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقدر هي الإيمان بأن- تعالى- خلق كل شيء وأوجده طبق ما سبق علم وكتب وأراد، وهي رتبة التنفيذ فإذا حصل خير فالله- تعالى- هو الذي خلقه وأوجده طبق ما سبق علم وكتب وأراد، وإذا وجد شر فالله- تعالى- هو الذي خلقه وأوجده لحكمة بالغة لكن لا يكون شيء بغير إذنه وخلقه، وقد نفت الطوائف من المنحرفين أن يكون الله- تعالى- قد أراد الشر أو خلقه، وقالوا الإنسان هو الموجد للشر، فجعلوا الإنسان خالقاً مع الله- تعالى- في نهاية الأمر. ومنهم المعتزلة وغيرهم.   1 أخرجه أبو داود في السنة باب في القدر (4700) والترمذي في القدر (1256) وفي التفسير (3316) . وهو حديث صحيح. 2 سورة البقرة، الآية: 253. 3 سورة الأنعام، الآية: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 * فهذه أربع مراتب للإيمان بالقدر، من كفر بواحدة منها كان كافراً بالقدر، ومن كفر بالقدر كان كافراً بالله العظيم، وهذا من كمال الاعتقاد الحسن في الله العظيم، أن يعتقد الإنسان بأنه ليس هناك شيءخارج عن إرادة الله تعالى ومشيئته،من اهتدى فا الله هداه بفضله، ومن ضل فا الله أضله بعدله وكل شيء جار على ما أراد الله-تعالى-وقدر. {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 1. وفي الإيمان بالقدر الرضى بكل ما قدر وفعل من خير وشر بدون الاعتراض على الله تعالى.   1 سورة الأنبياء، الآية: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 باب في مسائل الإيمان باليوم الآخر1 "وعذاب القبر حق "   الشرح: ومن أصول أهل السنة الإيمان بسؤال القبر ويباشره ملكان هما منكر ونكير وقد ثبت في حقهما عدة أحاديث صحيحة. منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير، فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل"2. الحديث. وهكذا فإن أهل السنة يؤمنون بأن الروح ترجع إلى الجسد في القبر للسؤال، وهذا حق ثبتت به الأحاديث الصحيحة، وكذلك ضغطه القبر وعذابه حق، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ومنها الحديث السابق، وهذا كله حق كائن للكفار لا شك فيه، وقد وردت فيه النصوص الكثيرة من القرآن والسنة، فلا سبيل لإنكاره، وأثبتت النصوص كذلك أن عصاة المؤمنين يجوز أن يعذب الله من يشاء منهم في القبر بذنوبه حتى يقضي ما عليه.   1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب مضمون الباب. 2 الترمذي (ب/383/ ح 1071) في الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر من حديث المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً وقال الترمذي: حسن غريب، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع 1/ 186/ ح 724) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 * والميزان حق والحوض حق والشفاعة حق وقوم يخرجون من النار حق.   الشرح: شفاعة الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} 1 فشفاعتهم ثابتة لكنها إنما تكون بإذن الله تعالى، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من المسلمين الذين استوجبوا العقاب بذنوبهم، هذه الشفاعة حق ثابت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" 2 شفاعته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين حق إن شاء الله تعالى. ووزن الأعمال بالميزان يوم القيامة حق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، عنه، وكذلك حوض النبي صلى الله عليه وسلم حق ثابت، وهو حوض عظيم، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ورائحته كريح المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً يرده المؤمنون يوم القيامة، ويصد عنه أهل البدع والمحدثات، وهو حوض عظيم الاتساع قال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً "3 وهذا الحوض المورود مما يكرم به نبينا صلى الله عليه وسلم.   1 سورة البقرة الآية 255. 2 أحمد (3/213) وأبو داود (5/106/ ح/ 4739) في السنة باب في الشفاعة والترمذي 4 (625 ح 2435) في صفة القيامة كلهم من حديث أنس مرفوعاً وورد من حديث جابر وابن عباس وابن عمر وكعب بن عجرة وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في (صحيح الجامع 1/ 691/ رقم 3714) . 3 البخاري (11/ 472/ ح 6579) في الرقاق باب صفة الحوض من حديث ابن أبي مليكة عن ابن عمرو مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 * وخروج الدجال حق:   الشرح: ومما يؤمن به أهل السنة والجماعة ما وردت به النصوص من أشراط الساعة وعلاماتها ومنها خروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام من السماء وغيرها، وقد جمعها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الساعة: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج" 1 الحديث فكل هذه العلامات وغيرها مما وردت به الأخبار الصحيحة كله حق كائن ولا بد وذلك بمقتضى تصديقنا الخبر، والله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. الخلاصة: 1- يؤمن أهل السنة باليوم الآخر وما وردت به الآثار مما يتعلق به كأشراط الساعة ومنها الدجال، وفتنة القبر وعذابه، والحساب، والميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وسلم، والشفاعة، وغير ذلك. المناقشة: 1- اذكر ثلاثا من مسائل الإيمان باليوم الآخر عند أهل السنة مع الاستدلال لكل منها.   1 أخرجه مسلم (4/ 2226) ح 2901 في الفتن باب الآيات التي تكون قبل الساعة، وأحمد (614) وغيرهما من حديث أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 باب الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان1   الشرح: مما يعتقد أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وموجودتان لا تفنيان أبداً، خلافاً لقول من قال غير ذلك من أهل البدع، والحور العين خالدات لا يمتن أبداً بل خالدات بخلود الجنات، وكذلك فإن النار لا تفنى، ولا يفنى عذابها، فعقاب الله دائم لا ينقطع، وثوابه تعالى دائم لا ينقطع. وقد قال الله تعالى في كتابه {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106-108] ومما يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فنظر إليها ثم قال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكارة" 2. وقال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وقال تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 89] . الخلاصة: 1- مما يعتقده أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان لله تعالى، وأنهما موجودتان الآن وباقيتان لا تفنيان. المناقشة: 11- هل الجنة والنار مخلوقتان الآن؟ وهل تفنيان؟ 2- اذكر دليلين من القرآن يوضحان أن الجنة والنار موجودتان الآن.   1 وهذا الترتيب من عندي. 2 حسن. رواه أبو داود (4744) والنسائي (7/ 3- 4) والترمذي (2560) وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 القول في الصحابة1 * [وأفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي]   الشرح: (1) أهل السنة يرون أن أفضل الصحابة هم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي- رضوان الله عليهم- ويقدرونهم قدرهم ويثنون عليهم بالثناء الجميل. وينزلون كل واحد منهم منزلته فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين. فهم يقدمون أبا بكر وعمر، على عثمان وعلي- رضوان الله عليهم أجمعين- لقيام الأدلة: الصريحة على أفضليتهما وتقديمهما على غيرهما. قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى- خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان. ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب، ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته2. وذكر الأشعري في مقالاته: مذهب أهل السنة فقال: ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم أجمعين، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم3.   1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب مضمون الباب. 2 السنة للإمام أحمد بن حنبل ص 78. 3 مقالات الإسلاميين 1/ 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وقال ابن بطة: ثم الإيمان والمعرفة بأن خير الخلق وأفضلهم وأعظمهم منزلة- عند الله عز وجل- بعد النبيين والمرسلين وأحقهم بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان وهو عتيق بن أبي قحافة ونعلم أنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على وجه الأرض أحد بالوصف الذي قدمنا ذكره ثم من بعده على هذا الترتيب والصفة أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الفاروق ثم من بعدهما على الترتيب والنعت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أبو عبد الله أبو عمرو ذو النورين ثم على هذا النعت والصفة من بعدهم أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه1. وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته: ونعتقد أن خير هذه الأمة وأفضلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه الأخص وأخوه في الإسلام ورفيقه في الهجرة والغار، أبو بكر الصديق وزيره في حياته، وخليفته بعد وفاته عبد الله بن عثمان عتيق بن أبي قحافة ثم من بعده الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب، الذي أعز الله به الإسلام وأظهر الدين، ثم من بعده ذو النورين أبو عبد الله عثمان بن عفان الذي جمع القرآن، وأظهر العدل والإحسان، ثم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين فهؤلاء الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون2. فالسلف اتفقوا على تقديم الشيخين أبي بكر وعمر- على غيرهما من الصحابة- وسجلوا ذلك في كتبهم حتى جعلوه من أصولهم. قال ابن تيمية: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر كما تواتر ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقوفاً ومرفوعاً كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمة العلم3. * ثم إننا لم نجد أن أحداً من علماء السلف خالف في تقديم أبي بكر   1 الإبانة الصغرى ص 61. 2 عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص40. 3 الرسائل والمسائل: 371. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وعمر على عثمان وعلي إلا ما ذكره الأشعري في مقالاته حيث قال: وشذ قوم منهم فقال أن علياً أفضل من الشيخين- أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما1. وقال ابن حزم: ذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه2. لكن هذا الشذوذ الذي ذكره الأشعري وابن حزم لا قيمة له نظراً إلى وجود نصوص صريحة وكثيرة على تقديمهما، ثم إن الأشعري لم يذكر أسماء القائلين بهذا القول وكذا ابن حزم. * وأما ما قاله ابن عبد البر في الاستيعاب بأن السلف اختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي. فقد أجاب عنه ابن حجر الهيتمي، فقال: أما ما حكاه أولاً أن السلف اختلفوا في تفضيلهما فهو شيء غريب انفرد عن غيره ممن هو أجل منه حفظاً وإطلاعاً فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة جماعة من أكابر العلماء ثم سرد الهيتمي أسماءهم3. *قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي كما دلت عليه الآثار4. * وأما الذي اختلف فيه أهل السنة وعلماء السلف فهو تقديم عثمان على علي في الفضل فذهب الجمهور منهم أن عثمان أفضل الأئمة بعد الشيخين فهو الثالث في الترتيب في الخلافة والفضيلة واستدلوا على هذا بما   1 مقالات الإسلاميين 2/ 131. 2 الفصل: 4/ 111. 3 الصواعق المحرقة ص 63. 4 العقيدة الواسطية ص 64- 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 حصل من إجماع الصحابة على تقديمه في الخلافة وما ورد من الآثار الدالة على تفضيله. وقال قوم من أهل السنة أن علياً أفضل من عثمان وهو مذهب أكثر أهل الكوفة وإليه ذهب الثوري، وأبو حنيفة في روايته عنه. وتوقف قوم في عثمان وعلي ولم يفضل أحدهما على الآخر وإليه ذهب يحيى القطان، وابن معين، وابن حزم والإمام مالك في أحد قوليه1. * قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: إن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق ثم عمر ثم اختلفوا فالأكثرون ومنهم الشافعي، وأحمد وهو المشهور عن مالك أن الأفضل بعدهما عثمان ثم علي. وجزم الكوفيون ومنهم الثوري بتفضيل علي على عثمان. * وقيل بالوقوف عن التفاضل بينهما وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبد الله المازري في المدونة أن مالكاً رحمه الله سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم فقال أبو بكر ثم عمر ثم قال أو في ذلك شك؟ فقيل له وعلي وعثمان فقال: ما أدركت أحداً ممن اقتدى به يفضل أحدهما على الآخر. * ثم قال الهيتمي: وتوقفه هذا رجع عنه. فقد حكى القاضي عياض أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان2. * وقال الخطابي في معالم السنن: وقد ثبت عن سفيان أنه قال في آخر قوليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم3. * قال الحافظ بن حجر في الفتح: ونقل البيهقي بسنده إلى ثور بن   1 مقالات الإسلاميين 2/131، الفصل: 4/111، معالم السنن 5/ 25، الإرشاد: ص 431، أصول الدين للبغدادي ص 293، فتح الباري 7/16، الصواعق المحرقة ص 58، شرح العقيد ة الطحاوية: ص 548. 2 الصواعق المحرقة ص 57. 3 معالم السنن 5/35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 يزيد عن الشافعي أنه قال أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي1. فأهل السنة اتفقوا على تعظيم هؤلاء الخلفاء الأربعة وتقديمهم على غيرهم لما اشتهر من فضائلهم ومناقبهم كما إنهم يرون أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة فأبو بكر أول الخلفاء وأفضلهم ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم. قال شارح الطحاوية: وترتيب الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في الفضل لترتيبهم في الخلافة ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المزية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإتباع سنة الخلفاء الراشدين، ولم يأمرنا في الإقتداء بالأفعال إلا بأبي بكر وعمر فقال: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر". وفرق بين اتباع سنتهم والإقتداء بهم فحال أبي بكر وعمر فوق حال عثمان وعلي رضي الله عنهما2.   1 فتح الباري: 7/ 17. 2 شرح العقيدة الطحاوية: ص 548. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 * والكف عن مساوىء أ! حاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يذكر أحد منهم بسوء ولا ينقص أحد منهم.   الشرح: أجمع أهل السنة والجماعة على أنه يجب على كل مسلم تزكية جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بإثبات العدالة لهم والكف عن الطعن فيهم والثناء عليهم، فقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في آيات من كتابه وهي واضحة وصريحة في أن الصحابة هم خيار الناس بعد الأنبياء مطلقاً، ولا يجوز أحد من المسلمين أن يطعن فيهم أو يسب أحداً منهم، ومن فعل هذا فهو مبتدع ضال وقد يؤدي هذا العمل إلى الكفر والخروج عن الملة. * قال الإمام أحمد: ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحداً منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. * بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة1. * وذكر ابن بطة مذهب السلف في الصحابة فقال: ونحب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتبهم ومنازلهم أولاً فأول من أهل بدر والحديبية وبيعة الرضوان، وأحد، فهؤلاء أهل الفضائل الشريفة والمنازل المنيفة سبقت لهم السوابق رحمهم الله أجمعين2. قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم.   1 السنة: ص 78. 2 الإبانة الصغرى: ص 65. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 * ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. * وتثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون1. وقال ابن قدامة: "ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} 2. * قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 3. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" 4. فأهل السنة يعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضوان الله عليهم جميعاً، ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ   1 الطحاوية شرح وتعليق ص 57. 2 سورة الحشر: 11. 3 الفتح: 29. 4 رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1. فأثبت الخيرية لهم على سائر الأمم ولا شيء يعادل شهادة الله لهم بذلك. * وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} 2. * قال ابن حجر الهيتمي: والصحابة في هذه الآية والتي قبلها هم المشافهون بهذا الخطاب3. * وقال عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} 4. وقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 5. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 6. وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ   1 آل عمران: 110. 2 البقرة: 143. 3 الصواعق المحرقة: ص 209. 4 التوبة: 100. 5 الفتح:18. 6 الأنفال: 72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1. * قال البيهقي بعد ذكر بعض الآيات الدالة على فضائل الصحابة: فأثنى عليهم ربهم وأحسن الثناء عليهم ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل- والقرآن الكريم ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} 2 وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3 4. فهذه الآيات تتضمن الثناء على الصحابة من المهاجرين والأنصار وتذكر حسناتهم وتدل على أن الله رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، وهو دليل واضح على إثبات عدالتهم وعظمة قدرهم عند الله وعلو مراتبهم. وجاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً "لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه"5. وعن عبد الله مرفوعاً: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيىء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" متفق عليه. وفي صحيح مسلم عن أم مبشر مرفوعاً: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها" الحديث6.   1 الحشر:8-10. 2 سورة الفتح: الآية (29) . 3 التوبة: الآية10. 4 الاعتقاد: ص 159. 5 متفق عليه وسبق ص 197. 6 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة 7/ 169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 * فهذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على عدالة الصحابة رضي الله عنهم فأهل السنة يقدرون قدرهم ويثنون عليهم بالثناء الجميل وينزلون كل واحد منهم منزلته، والتزموا بذكرهم في أصولهم خلافاً للخوارج والرافضة والنواصب. قال ابن تيميه: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله في قوله {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" متفق عليه. ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من انفق من قبل الفتح- وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل ويقدمون المهاجرين والأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " "وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة" كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه. ويشهدن بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة1. * كما أنهم يرون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أفضل وأقرب إلى الحق من معاوية وممن قاتله معه لما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى   1 العقيدة الواسطية ص 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 الطائفتين بالحق) متفق عليه واللفظ لمسلم1. * ويعتقدون ما جرى بمن الصحابة هم فيه مجتهدون إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد والإصابة وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطأهم مغفور. * قال الأشعري في الإبانة: فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم فإنما كان على تأويل واجتهاد، وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم. * كذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم ويقيدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عن جميعهم2. فيجب على المسلم السكوت والإمساك عما شجر بينهم وصيانة لسانه عن ذكر مصائبهم مع إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه والإقرار بأنه أقرب إلى الحق من غيره. * قال الصابوني: ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم ويرون قدر أزواجه رضي الله عنهن والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين3. * وقال شارح الطحاوية: والفتن التي كانت في أيامه قد صان الله عنها أيدينا فنسأل الله أن يصون عنها ألسنتنا بمنه وكرمه4.   1 البخاري كتاب الأدب ما جاء في قول الرجل ويلك 8/ 47، كتاب التوحيد باب قول الله تعالى تعرج الملائكة إلخ 9/154. مسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 3/ 106. باب التحريض على قتل الخوارج: 3/113. 2 الإبانة: ص 190. 3 عقيدة السلف أصحاب الحديث 130. 4 شرح العقيدة الطحاوية: ص 547. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وذهب الخوارج إلى أن عثمان وعلياً كانا إمامين عادلين وهما على حق في أوائل أمرهما ولكنهما أخطآ في الأخير كفرا بذلك. * أما عثمان فإنه أحدث بدعاً وجب بها خلعه وإكفاره. * وأما علي فإنه حكم الرجال مع أنه لا حكم إلا لله فكفر بذلك التحكم واعتلوا بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . قالوا: إن الله أمر بقتال أهل البغي وترك علي قتالهم لما حكم فكان تاركاً لحكم الله عز وجل مستوجبا للكفر لقوله فأولئك هم الكافرون وكذلك كفروا الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي الله عنهما ومن وافقهما في تحكيمهما1. وذكر البغدادي اتفاق الخوارج على تكفير عثمان وعلي والحكمين فقال: إن الذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار علي، وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين2. وقال الشهرستاني في الملل والنحل: اجتمعوا على تكفير عثمان وعلي والتبرؤ منهما3. وذكر المقريزي قول الخوارج في الخلفاء فقال: وهم الغلاة في حب أبي بكر وعمر وبغض علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، ولا أجهل منهم فإنهم القاسطون المارقون خرجوا على علي رضي الله عنه وانفصلوا بالجملة وتبرؤوا منه4. * وقال الرازي في اعتقادات فرق المسلمين: إن سائر فرق الخوارج متفقون على تكفير عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة كما أنهم يعظمون   1 مقالات الإسلاميين 2/ 26، 128، الفصل: 4/ 153. أصول الدين ص 286-287، 292، مجموع الفتاوى 3/ 355. 2 الفرق بين الفرق ص 55. 3 الملل والنحل: 1/ 115. 4 الخطط والآثار 2/ 354. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أبا بكر وعمر رضي الله عنهما1. فالخوارج متفقون على تكفير عثمان وعلي والحكمين- أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص- رضوان الله عليهم أجمعين كما ذكره الأشعري في مقالاته2. ثم إنهم اختلوا في كفرهم هل هو كفر شرك أو كفر النعمة فقال قوم: هو كفر شرك، وهم الأزارقة. وقال الآخرون: هو كفر نعمة وليس بكفر شرك، وهم الأباضية3. ولكن الخوارج لم يقفوا عند هذا الحد من تكفير عليّ بل جعلوا لعنه -رضي الله عنه- من شعارهم وعاداتهم، حتى إن قوماً منهم جاوزت سخافة عقولهم الحد فزعموا أن الله تعالى أنزل في حق علي رضي الله عنه {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} 4. وهؤلاء صوبوا فعل عبد الرحمن بن ملجم- قاتل علي- وزعموا أن الله تعالى أنزل في حق ابن ملجم- قبحه الله- قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} 5. وفي ذلك يقول عمران بن حطان أحد شيوخ الخوارج وزهادهم في ضربة ابن ملجم لعلي رضي الله عنه يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً إني لأذكره يوما فأحبه ... أوفى البرية عند الله ميزاناً 6   1 اعتقادات فرق المسلمين: ص 51. 2 مقالات الإسلاميين 1/156. 3 المرجع السابق 2/ 126. 4 البقرة: 204. 5 البقرة: 207. 6 الاستيعاب 3/ 1128، مروج الذهب: 2/ 427. والملل والنحل: 1/120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 * وهناك طائفة أخرى- وهم النواصب- الذين بالغوا في حب عثمان ومعاوية ويزيد وقالوا إنهم كانوا أئمة حق وهم أفضل من علي كما أنهم ناصبوا العداء والبغض لأهل البيت عامة ولعلي رضي الله عنه خاصة وقالوا إن عليا لم يكن إماماً لأنه لم يجتمع عليه الأمة، وإن معاوية كان إماماً بعد عثمان وبعد معاوية ابنه يزيد، لأن المسلمين اجتمعوا على إمامتهما في وقتهما1. * قال ابن قتيبة وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلو الرافضة في حب علي، وتقديمه على من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عليه وادعائهم له شركة النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته، وعلم الغيب للأئمة من ولده، تلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منه قابلوا ذلك أيضاً بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه وبخسه حقه ولحنوا في القول وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق، ونسبوه إلى الممالأة على قتل عثمان رضي الله عنه وأخرجوه بجهلهم عن أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن، ولم يوجبوا اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه واتهموا من ذكره بغير خير2. * أما الرافضة فإنها غالت في حب علي رضي الله عنه وأهل البيت كما أنها غالت في بغض الخلفاء الثلاثة -أبي بكر وعمر وعثمان فسبوهم ولعنوهم ثم كفروهم. * كما أنهم لعنوا وكفروا أم المؤمنين عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وجماعة من الصحابة جميعاً سوى عدد قليل وقالوا إنهم- الصحابة- تركوا بيعة علي وبايعوا أبا بكر ثم عمر لأنهم يرون أن علياً كان   1 مقالات الإسلاميين 1/ 156، ومجموع الفتاوى 3/ 411، وبه قال الأصم من المعتزلة وبعض أهل الشام. أصول الدين: ص 287. 2 الاختلاف في اللفظ: ص 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 أحق بالخلافة من الشيخين- أبي بكر وعمر1. * وقال الشهرستاني في الملل والنحل: ثم إن الإمامية تخطت عن هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعناً وتكفيرا وأقله ظلما وعدوانا2. * وقال البغدادي في الفرق: أجمع أهل السنة على إيمان المهاجرين والأنصار من الصحابة وهذا خلاف قول من زعم من الرافضة أن الصحابة كفرت بتركها بيعة علي رضي الله عنه3. وقال في أصول الدين: "وزعمت الروافض أن طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا في قتالهم علياً وكذلك قالوا في معاوية وأصحابه بصفين4. وأما جميع طوائف الشيعة بما فيهم من الرافضة فإنهم أجمعوا على أنه لا ولاء إلا ببراء- أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من كبار الصحابة. قال الشهرستاني: "أجمعوا على القول بالتولي والتبرؤ قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حالة التقية"5. كما اتفقت جميع طوائف الشيعة على لعن الشيخين- أبي بكر وعمر- وجعلوه من شعارهم وعاداتهم، حتى جعلوا هذا اللعن دعاء يدعون به في صلاتهم ويقولون: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما ... الخ.   1 الفرق ص 22 الوافي للصفدي: 2/ 47. مختصر التحفة الأثني عشرية ص 0284 الوشية في نقد عقائد الشيعة. 2 الملل والنحل: 1/ 164. 3 الفرق: ص 352. 4 أصول الدين ص. 29. 5 الملل والنحل: 1/ 146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 ويريدون بالجبت والطاغوت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما- وبابنتيهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما1. * فقد جاء في كتاب أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ما نصه: واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنهم بذلك في النار مخلدون2. * فأهل السنة وسط بين الطرفين الخوارج والنواصب من جهة وبين الرافضة من جهة فإنهم يحبون عثمان وعليا ويؤمنون بأنهما على حق كما أنهم يرون أن الشيخين- أبا بكر وعمر- أفضل منهما لما خصهما الله له من الفضائل فيوالونهم كلهم وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف. * قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده وصار قوم ممن يحب عثمان ويغلو فيه ينحرف عن علي رضي الله عنه مثل كثير من أهل الشام ممن كان إذ ذاك يسب علياً رضي الله عنه ويبغضه وقوم ممن يحب علياً رضي الله عنه ويغلو فيه ينحرف عن عثمان رضي الله عنه مثل كثير من أهل العراق ممن كان يبغض عثمان رضي الله عنه ويسبه ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وزاد البلاء بهم حينئذ والسنة محبة عثمان وعلي جميعاً وتقديم أبا بكر وعمر عليهما لما خصهما الله من الفضائل التي سبقا بها عثمان وعليا جميعا فهذا موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله فإن السنة مبناها على العلم والعدل والاتباع لكتاب الله وسنة رسوله3.   1 مفتاح الجنان ص 114. عن الخطوط العريضة ص 18، مختصر التحفة الاثني عشرية ص 285. 2 أوائل المقالات ص10 عن الخطوط العريضة ص 46. 3 رسالة الوصية الكبرى ص 59-60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 * كما أن السلف يعظمون جميع الصحابة ولا يسبون أحداً منهم ولا يطعنون فيهم ويتبرؤون من طريقة الخوارج، والنواصب الذين يكفرون علياً ويلعنون أهل البيت. * ومن طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم بل ويكفرونهم. الخلاصة: - أهل السنة يحبون جميع الصحابة وأمهات المؤمنين، ويوالونهم، وينزلونهم منازلهم، ويعرفون لهم قدرهم. 2- وهم يقدمون في الفضل أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي على ترتيبهم في الخلافة. 3- يتبرأ أهل السنة من طريقة النواصب والروافض والخوارج وغيرهم في شأن الصحابة. المناقشة: 1- ما موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ 2- ماذا تعرف عن الناصبة والرافضة؟ 3- ماذا يجب تجاه من يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو يكفر أحداً منهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 باب (القول في الخلافة بعد رسوله صلى الله عليه وسلم) 11- وسمعت أبا عروبة الحسين بن أبي معشر السلمي (بحران) قال: سمعت الميموني يعني عبد الملك بن عبد الحميد يقول: سمعت أحمد بن حنبل وقيل له إلى ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: قال فقيل له: كأنك تذهب إلى حديث سفينة؟ قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يَتَسَمّ بأمير المؤمنين ولم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن قبل ذلك.   الشرح: ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأبي بكر الصديق تفضيلاً له وتقديماً على سائر الأمة، إذ فضله الرسول صلى الله عليه وسلم، وقدمه وألمح إلى خلافته في عدة أحاديث، وهو أولى الأمة بالفضل والتقديم، وقد اتفق المسلمون على بيعته يوم السقيفة ومن بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه- حيث استخلفه أبو بكر على الناس، وهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده عثمان بن عفان ذو النورين- رضي الله عنه- زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ابن عمه- رضي الله عنه- وزوج فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأربعة هم أفضل الصحابة، وهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهتدون، الذين أوصى رسول صلى الله عليه وسلم، بإتباع سنتهم.   1 هذا التبويب وضعته بما يلائم فحوى الفصل، وإلا فهو موجود في الكتاب أصلاً بعنوان (باب) دون أي زيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الخلاصة: 1- يثبت أهل السنة والجماعة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. 2- يفضل أهل السنة هؤلاء الأربعة على غيرهم من الأمة، ويجعلون فضلهم على حسب ترتيبهم في الخلافة. المناقشة: 1- من هم الخلفاء الراشدون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من هو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن الذي يليه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 باب محبة أئمة السلف1 وإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري ومالك بن أنس وأيوب السختياني وعبد الله بن عوف ويونس بن عبيد وسليمان التيمي وشريكاً وأبا الأحوص والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وابن المبارك ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فاعلم أنه على الطريق.   الشرح: * العلماء السابقون، من الصحابة والتابعين، أهل الصلاح وأتباع السنن وأهل الفقه، ولا نذكرهم إلا بالجميل والثناء ومن ذكرهم بسوء فهو على سبيل الضلالة، فإن محبتهم واجبة، ولحومهم مسمومة لمن ذكرهم بسوء، ومحبتهم من علامات كون الرجل صاحب حق وسنة. وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10] وهؤلاء المذكورون من أئمة السنة والهدى، ومحبتهم دليل على محبة الهدى، وبغضهم دليل على بغضه، والواجب على المؤمن أن يحبهم، فإنه من الحب في الله، وهو أوثق عرى الإيمان.   1 هذا التبويب من عندي بما يعبر عن مضمون الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 باب علامات أهل البدع وحكم الصلاة خلفهم1 إذا رأيت الرجل يقول هؤلاء الشكاك فاحذروه فإنه على غير الطريق. وإذا قال المشبهة فاحذروه فإنه جهمي، وإذا قال المجبرة فاحذروه فإنه قدري. والإيمان يتفاضل، والإيمان قول وعمل ونية والصلاة من الإيمان، والزكاة من الإيمان، ونقول الناس عندنا مؤمنون بالاسم الذي سماهم الله والإقرار والحدود والمواريث والعدل ولا نقول ولا يقول عبد الله ولا بقوله كإيمان جبريل وميكائيل لأن إيمانهما متقبل. ولا يصلى خلف القدري ولا الرافضي ولا الجهمي ومن قال إن هذه الآية مخلوقة فهو كافر {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} 2 وما كان الله ليأمر موسى أن يعبد مخلوقاً.   الشرح: من علامات أهل البدع أنهم يكرهون السنة وأهلها وأئمتها، ويرمونهم بالألقاب السيئة تنفيراً للناس منهم، كما هو دأب الجهمية المعطلة والقدرية والمرجئة والأشعرية والماتريدية والقبوربة والصوفية وغيرهم من أصناف المبتدعة. والإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان والصلاة والزكاة والحج وجميع الأعمال حتى إماطة الأذى عن الطريق. كل ذلك داخل في مسمى الإيمان. ولا بد من إقامة الحدود والمواريث والعدل، ولا يصلى خلف القدرية والروافض والجهمية، فمن قال إن قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} مخلوق فهو كافر لأنه ظن أن هذا القول خرج من الشجرة ولأنه تعالى لم يأمر موسى أن يعبد مخلوقا.   1 هذا التبويب كذلك وضعته بما يناسب مضمون الباب. 2 سورة طه: 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 باب (في ترك الجدال في الدين) * وترك الجدال والمراء والخصومات في الدين.   الشرح: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أوتوا الجدل" 2 ثم قرأ قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} 3، ولكن يجوز للمسلم أن يجادل أهل الباطل بالحسنى إن رجا منهم الاستجابة للحق والرجوع إليه وترك كل ما أحدثه المحدثون، فإنه قد ثبت في الحديث أن كل محدثة بدعة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، والإحداث في الدين بغير إذن الله تبديل للشريعة، وفي الكتاب: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 4، فلا يجوز الابتداع في دين الله- تعالى- بحال، بل يجب على الإنسان هجران البدع ولزوم السنن فإن الرد على أهل البدع وقمع شبهاتهم وكسر جموعهم وبغضهم وعداوتهم، ومناصرة السنن وأهلها من أعظم الجهاد في سبيل الله ومن أجل الطاعات لله عز وجل، ولذلك فسوف درساً وتدريساً وتأليفاً لأن اللين على أهل البدع يسبب تقوية شوكتهم، وظهور أمرهم ورفع رؤوسهم فضلاً عن موالاتهم ومناصرتهم.   1 وهذا التبويب كذلك من عندي بما يناسب فحوى الكتاب. 2 الحديث أخرجه أحمد (5/ 252، 256) والترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم من حديث أبي أمامة مرفوعاً وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 984/5633) . وتخريج المشكاة 1/64. 3 سورة الزخرف، الآية: 58. 4 سورة الشورى، الآية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 القسم الثاني: شرح اعتقاد أهل الحديث الذي قرره الإمام أبو أحمد الحاكم (378هـ) في كتابه: "شعار أصحاب الحديث". ... * ولا نكفر بذنب إلا ترك الصلاة:   الشرح: ولا يحكم أهل القبلة بجنة ولا نار على سبيل اليقين والقطع، لأحد من المسلمين بل من أحسن منهم رجونا له الجنة ولم نأمن عليه مكر الله، ومن أساء أشفقنا عليه ولم نقنطه من رحمة الله- تعالى- ولا نشهد على مسلم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، مما يخرج من الملة الإسلامية، إلا أن يكون قد ظهر منهم شيء من ذلك مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع، ويذرون السرائر إلى الله تعالى- حيث أنه العليم بها ويآخذون الناس بما ظهر منهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 القسم الثالث: شرح اعتقاد أهل الحديث الذي قرره الإمام الأشعري في مقالاته. ... المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فقد انتسب إلى أبي الحسن الأشعري في هذا العصر كثير من المسلمين وأطلقوا على أنفسهم الأشاعرة نسبة إليه وادعوا أنهم ملتزمون بما هو عليه في الاعتقاد وخاصة في مسائل الصفات والحقيقة أنهم لم يأخذوا بالعقيدة التي اعتنقها إمامهم في نهاية حياته كما في كتاب (الإبانة) و (المقالات) ، ومن العجيب أنهم زعموا أن الإمام أبا الحسن الأشعري ألف كتابه (الإبانة) مداراة للحنابلة وتقية، وخوفاً منهم على نفسه. وهذا كلام فيه نظر، بل إنه خطير جداً، إذ أن فيه قدحاً في الإمام أبي الحسن الأشعري واتهاماً له بأنه يبدل عقيدته- في الظاهر- على حسب الأحوال والملابسات، أو مجاراة للتيارات الفكرية السائدة، وهذه مسألة خطيرة، لأنه نوع من النفاق فالغاية لا تبرر الوسيلة عند أهل الحق   1 سورة آل عمران الآية (101) . 2 سورة النساء الآية (1) . 3 سورة الأحزاب الآية (70- 71) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وينبغي للإنسان أن يحسن الظن بأمثال الإمام في هذا، بل إنني أجزم ببطلان هذا الزعم في حق الإمام الجليل، إذ أنه لا يمكن أن يداري أو يجاري في عقيدته وهي مدار السلامة وهي العقد بينه وبين الله تعالى ولا يفعل هذا إلا الموغلون في البدعة، والذين ليسوا على رسوخ في عقيدتهم وثقة بما هم عليه، كأمثال الباطنية وغيرهم من المنافقين. ثم إن الحنابلة لم تكن لهم سلطة يمكن أن تلحق الأذى بالإمام، بل كان في أيامه كثير من المبتدعة المعاندين، ولم ينزل بهم بطش الحنابلة وبأسهم فهذه دعوى باطلة مردودة. وقد صرح الإمام في هذين الكتابين بأنه على عقيدة أهل الحديث والزاعمون لهذا البطلان ممن انتسبوا إلى الإمام وسموا أنفسهم بالأشاعرة إنما هم في الحقيقة قد سلكوا طريقة ابن كلاب البصري وهو ما كان عليه الأشعري في طوره الثاني من أطوار اعتقاده فقد كان أولاً معتزلياً ثم تحول إلى مذهب ابن كلاب ثم استقر أخيراً على عقيدة السلف. وادعى أتباعه أنهم هم أهل السنة والجماعة ونسبوا من آمن بالنصوص الشرعية في الصفات الإلهية وأجراها على ظاهرها بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، نسبوه إلى التشبيه والتجسيم وهذا عين المخالفة لإمامهم حيث صرح بإثبات الصفات التي وردت في الكتاب والسنة ورد على المعطلة والمشبهة. ولتوضيح هذه الحقيقة وتجليتها رأيت إبراز ما قرره في المقالات من مذهب أهل الحديث وصرح بأنه ملتزم به مع التعليق والإيضاح لما يحتاج إلى التعليق وذلك لبيان مدى موافقة الأشعري لمنهج السلف ومعتقدهم. ومن ثم يظهر مخالفة اتباعه له في الاعتقاد. وأن الأشعرية متقولون على الإمام الأشعري؛ وهذا من أعظم أنواع الضلال والإضلال؛ والله المستعان، وهذا كدأب الماتريدية حيث يدعون أنهم حنفية؛ والإمام أبو حنفية براء منهم ومن عقيدتهم في التعطيل والقبورية وإلى الله المشتكى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وحسب علمي فإن ما قرره الأشعري في مقالاته عن أهل الحديث لم يحظ بشرح مستقل ولم يعتن به. لذا وضعت عليه هذا الشرح المختصر. أما المنهج الذي سأتبعه في هذا الشرح فهو كالآتي: 1- رأيت أن أفضل من يشرح ما قرره الأشعري عن أصحاب الحديث في أمور الاعتقاد هم أهل الحديث أنفسهم لذا فإني أرجع إلى الكتب المؤلفة في عقيدة أهل السنة والجماعة على طريقة أهل الحديث وهي ما يأتي: أ- اعتقاد أئمة أهل الحديث للحافظ الإمام أبي بكر الإسماعيلي. ب- اعتقاد السلف أصحاب الحديث للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل الصابوني ج- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للحافظ الإمام شيخ الإسلام أبي القاسم عبد الله اللالكائي. د- الحجة في بيان المحجة للإمام الحافظ أبي محمد الفضل التيمي الأصبهاني وغير ذلك من كتب أهل السنة والجماعة. 2- فإن لم أجد اجتهدت في شرح كلام المؤلف مستدلاً له من الكتاب والسنة، وقد أذكر أقوال أهل العلم، وقد أكتفي بذكر الأدلة فقط لوضوح المسألة وجلائها. 3- لني لم التزم في الجملة بطريقة واحدة في العرض، فقد ابدأ بذكر الأدلة ثم أثني عن أهل العلم، وقد ابدأ بالنقل عنهم أولاً لتقرير وبسط وشرح ما ذكره الأشعري. 4- عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله تعالى وذلك بذكر السورة ورقم الآية. - قمت بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب سواء في ثنايا النقول عن الأئمة أو غير ذلك فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 اكتفيت به، وإلا اجتهدت في بيان موضعه من كتب السنة الأخرى مع بيان درجته من حيث الصحة وذلك نقلاً عن أهل العلم المعتبرين. 6- قسمت الكتاب إلى فقرات ووضعت لكل منها عنواناً وذلك على حسب موضوعها تسهيلاً على القارئ. 7- قمت بشرح معاني الكلمات الصعبة المحتاجة إلى بيان وذلك في البند الخاص بـ "اللغة". 8- قمت بعمل خلاصة لكل فقرة توجز أهم ما يستفاد منها. 9- قمت بعمل مناقشة تشتمل على بعض الأسئلة فيما يتعلق بموضوع الفقرة، وذلك تحفيزاً للقارئ على الانتباه، ولكي يصلح الكتاب كذلك للناشئة الذين يستفيدون من هذه الطريقة. هذا والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر لي الخطأ والزلل والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 قال أبو الحسن الأشعري: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة (أصول الاعتقاد عند أهل الحديث) جملة ما عليه أهل الحديث والسنة: 1- الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله: اللغة: (جملة) أي مجمل ومجموع- (الإقرار) الاعتراف والتصديق.   الشرح: سموا أهل الحديث لإتباعهم الحق بدليله من الكتاب والسنة ولتتبعهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمل بها وتقديمها على كل قول1 فهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية الثابتة على ما كان عليه الرسول وأصحابه كيف لا وهم يتقربون إلى الله تعالى بإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبهم لآثاره. قال علي بن المديني في تفسيره لحديث رسول الله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ولا يضرهم من خالفهم" 2، قال: "هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم"3 وسئل الإمام أحمد عن معنى هذا الحديث فقال: "إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم"4.   1 مقدمه اعتماد أئمة أهل الحديث ص 4. 2 رواه البخاري (3116) ، ومسلم (1523) وغيرهما. 3 شرف أصحاب الحديث ص 10. 4 معرفة علوم الحديث ص 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وقال الحاكم: "لقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ومنعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله وعلى آله أجمعين"1. وقال ابن حبان في قول النبي: "فعليكم بسنتي" 2 قال: "إن من واظب على السنن وقال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء فهو من الفرقة الناجية"3. وهذا رد بالغ على من يزعم أن أهل الحديث ليسوا طائفة معينة ومنشأ هذا الزعم الفاسد أن لفظ (أهل الحديث) يطلق على اصطلاحين: الأول: كل من اشتغل بعمل الحديث فهذا يدخل فيه أهل السنة والجماعة وأهل البدع فعلى هذا الاصطلاح ليس أهل الحديث طائفة معينة. الثاني: من يعتقد عقيدة أئمة الحديث والسنة فعلى هذا لا يدخل فيهم أهل البدع فكلام أئمة السنة في الثناء على (أهل الحديث) وأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ينصب هذا على الاصطلاح الثاني ويدخل في ذلك كل من كان على عقيدة أئمة السنة ولو لم يكن من علماء أهل الحديث4. تنبيه: كلمة: (أهل الظاهر) يستخدمها أهل البدع ويطلقونها على أهل السنة وهي أيضاً تطلق على معنيين: الأول: عدم تأويل نصوص الوحي سواء كانت في المسائل العلمية العقدية أو المسائل الفقهية العملية وتقديم نصوص الشرع على جميع أقوال الناس كائناً من كان والذهاب خلف النصوص أينما سارت ركائبها فكلمة   1 معرفة علوم الحديث ص 2. 2 أخرجه أبو داود (5/13) ح 4607 في السنة باب في لزوم السنة والترمذي (5/44) ح 2676 في العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة وغيرهما من حديث العرباض بن سارية مرفوعاً وهو حديث صحيح. 3 الإحسان (1/105) . 4 شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أهل الظاهر على هذا الاصطلاح تساوي كلمة أهل الحديث وأصحاب الحديث وأهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة. الثاني: هو من يقصر نصوص الشرع عن دلالتها الوضعية والإلتزامية والتضمنية كمن يزعم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" 1. أنه لا يجوز التبول في الماء الدائم ولكن لو بال في الإناء ثم صب ما في الإناء من البول في الماء الدائم جاز. ووجه بطلان هذا الزعم أنه قصر نص الشارع عن دلالاته المعنوية فإنه إن لم يجز التبول في الماء الدائم فصب ما في الإناء من البول في الماء الدائم أولى ألا يجوز فإن البول في الماء الدائم قد تدعو الحاجة إليه أما البول في الإناء ثم صبه فيه فلا موجب له بل هو محض العبث في الماء. فهذه الطريقة ليست طريقة أهل الحديث. فأهل الظاهر على هذا المعنى الثاني: هم على طرفي نقيض مع متعصبة أهل الرأي الذين حرفوا نصوص الشرع وأولوها لكي توافق مذاهبهم وقدموا أقوال أئمتهم وآرائهم على نصوص الشرع. وأهل الحديث هم وسط بين إفراط أهل الرأي وتفريط أهل الظاهر، وقد أطلق المبتدعة على أصحاب الحديث أنهم (أهل الظاهر) وأنهم (حشوية) و (مشبهة) و (مجسمة) لتنفير الناس عن طريقة أهل الحديث وهم كاذبون في رميهم لهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة وأما رميهم (بأنهم أهل الظاهر) . فإن قصدوا المعنى الأول فهذا لا يضرهم ويقال لأهل البدع بل أنتم باطنية في كثير من تأويلاتكم وتحريفاتكم لنصوص الشرع في العقائد والمسائل الفقهية. فأهل الحديث على هذا أهل ظاهر وليسوا باطنية مثلكم فهذه منقبة لهم لا مثلبة والحمد لله.   1 أخرجه البخاري (1/412) في الوضوء باب البول في الماء الدائم من حديث الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وإن قصدتم المعنى الثاني: (لأهل الظاهر) فعامة أهل الحديث براء من هذا والله أعلم. الإقرار بالله: شرع المؤلف في بيان أصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبريل وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وسيأتي كلام المؤلف على القدر واليوم الآخر في ثنايا الكتاب ومعنى الإيمان بالله عز وجل: الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومالكه وخالقه وأنه مستحق لصفات الكمال المنزه عن صفات النقص والعيب وأنه وحده المستحق لأن يفرد بالعبادة والخضوع والطاعة فهو سبحانه منفرد بالربوبية والألوهية وصفات الكمال فلا يكون العبد مؤمناً حتى يوحد الله في الربوبية والألوهية وفي الأسماء والصفات 1. الملائكة: وأما الإيمان بالملائكة فهو أن تصدق بوجودهم وأنهم عباد مكرمون خلقهم الله لعبادته فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يفترون عن عبادته {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} الأنبياء (20) . والإيمان بأوصافهم وأعمالهم التي يقومون بها كما جاء في الكتاب والسنة. والإيمان بمن ورد النص بتسميتهم على وجه الخصوص مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ونقول إن من قال بأنهم إناث فقد كفر لمخالفته كتاب الله، ولا يقال إنهم ذكروا إذ لم يرد في ذلك نص صحيح.   1 انظر تيسير العزيز الحميد ص 17، وتطهير الاعتقاد ص 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الكتب: وأما الإيمان بالكتب فهو أن تصدق بأنه تعالى أنزل على رسله كتباً ليعلم الناس بها الحق من الباطل والخير من الشر وهذه الكتب كثيرة يجب الإيمان بها جملة ولكن يجب الإيمان تفصيلاً بأربعة منها وهي التوراة التي أنزلت على موسى والزبور الذي أنزل على داود والإنجيل الذي أنزل على عيسى والقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأن ما في القرآن كلام الله على الحقيقة تكلم به وسمع منه جبرائيل وبلغ جبرائيل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فسمع من جبرائيل وليس كما يزعم أهل البدع أنه ليس كلام الله على الحقيقة بل هو عبارة عن كلام الله، ويجب الإيمان بأن الله تعالى قد حفظ القرآن من التحريف والتبديل وأن كل حرف فيه هو كلام الله تعالى. الرسل: وأما الإيمان بالرسل فهو أن توقن بأن الله أرسل للناس ليدعو الناس إلى عبادة الله وحده رسلاً مبشرين لأهل التوحيد والسنن ومنذرين لأهل الشرك والبدع وأهل المعاصي لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، كما يجب أن تؤمن بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله وأنبيائه وهم آدم ونوح وإدريس وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وإلياس واليسع وهود وصالح وشعيب وذو الكفل وأيوب ويونس ولوط وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 * وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً (1) .   اللغة: (فرد) أي وتر واحد ليس له ثاني، (صمد) المقصود في الحوائج، (صاحبة) زوجة. الشرح: (1) مأخوذ من قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} سورة الإخلاص. وهذا تنزيه منفصل ومنه تنزيه الله تعالى عن الشريك والظهير والشفيع بدون إذنه واتخاذ الصاحبة والكفؤ والند. قال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة (22) وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} سورة الشورى (11) . أما التنزيه المتصل تنزيه الله عن السِّنَة والنوم والموت والعجز والذل والسفه والنسيان والغفلة والحاجة والتعب واللغوب، قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} (سورة البقرة (255) ، وقال تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} سورة ق (38) . وأهل السنة (أصحاب الحديث) ينفون ما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يتعرضون لصفات الكمال ونعوت الجلال بنفي ولا تحريف، وعندهم أن إثبات الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ليس من التشبيه في شيء بل التشبيه في نفي الصفات لا في إثباتها. وخالفهم المتكلمون في مفهوم التنزيه فقد جعلوه معولاً لهدم بنيان صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة وأول من أدخل النفي في التنزيه هم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الجهمية فقد نقل عنهم الأشعري في المقالات أنهم أجمعوا على: "أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ليس بجسم ولا شبه ولا جثة ولا صورة ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عمق ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه الزمان ولا يجوز عليه المماسة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق". فهذا جملة قولهم في التوحيد وقد شاركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيعة والماتريدية. وقال ابن أبي العز الحنفي في بيان فساد هذه الطريقة: "والمعطلة يعرضون عمّا قاله الشارع من الأسماء والصفات ولا يتدبرون معانيها ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده.. والمقصود أن غالب عقائدهم السلوب ليس بكذا ليس بكذا وأما الإثبات فهو قليل وهو أنه عالم قادر وأكثر النفي المذكور ليس متلقى عن الكتاب والسنة ولا عن الطرق العقلية التي سلكها غيرهم من مثبتة الصفات فإن الله تعالى قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى الآية (11) . ففي هذا الإثبات ما يقرر معنى النفي ففهم أن المراد انفراده سبحانه بصفات الكمال فهو سبحانه وتعالى موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله"1. وأن محمداً عبده ورسوله: وصف الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالعبودية وبالرسالة في أشرف المقامات، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ   1 انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 105، ومقالات الإسلاميين ص 155، وشرح الطحاوية (54) ، ومجموع الفتاوى (11/ 483-484) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} سورة الإسراء الآية (1) ، وقال في مقام التحدي بالتنزيل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ} سورة البقرة (23) ، وقال في مقام الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} سورة الجن (19) ، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} سورة الفتح الآية (29) . ونهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في إطرائه فقال: "لا تطروني كما اطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله"1. وللأسف فإن كثيراً من المسلمين خالفوا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلوا فيه غلو النصارى في عيسى عليه السلام وصرفوا له كثيراً من العبادات وأفرطوا في حقه من جانب آخر فقدموا على كثير من أقواله أقوال الرجال الذين غلوا فيهم. وأصحاب الحديث إذا سمعوا حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة فكأنهم سمعوه من في الرسول صلى الله عليه وسلم فيصدقون به ويعملون به ولا يقدمون عليه قولاً ولا رأياً ولا ذوقاً ولا كشفاً ولا وجداً ولا قياساً ولا عقلاً.   1 أخرجه البخاري (3445- 6830) وغيره من حديث عمر، وابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 2- وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.   اللغة: (لا ريب فيها) لا شك فيها. (يبعث من في القبور) يحشرهم ويحييهم ويجمعهم للحساب. (1) الشرح: هذا الكلام مأخوذ من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" 1 أخرجه البخاري ومسلم. (2) اقتباساً من الآية الكريمة في سورة الحج الآية (7) {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} . الخلاصة: يؤمن أهل السنة بالله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله وبكل ما رواه الثقات عن الرسل ويقرون بتفرد الله بالوحدانية في كل شيء وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بالجنة والنار والبعث بعد الموت. المناقشة: س 1- اذكر أصول الإيمان عند أهل الحديث بإيجاز. س 2- فضل القول في المقصود بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.   1 البخاري (6/546) ح 3435 في أحاديث الأنبياء باب قوله:"يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم"ومسلم (1/57) ح 28 في الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً كلاهما من حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 (الاستواء على العرش) 3- وأن الله سبحانه وتعالى على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه الآية (5) .   اللغة: (الرحمن) فعلان من رحم وهي دالة على الإمتلاء والكثرة ومقصودها سعة الرحمة العامة. الشرح: وقد ورد ذكر الاستواء في غير هذا الموضع في ستة مواضع من كتاب الله تعالى. قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سورة الأعراف الآية (54) . وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سورة الرعد الآية (2) . وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سورة السجدة الآية (4) . وقال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سورة الحديد الآية (4) . وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} سورة الفرقان الآية (59) . وهذه الآيات تدل على استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه تبارك وتعالى وكلها بلفظ استوى المعدّى بعلى وقد فسره أئمة السنة كأبي العالية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 ومجاهد وغيرهم بالعلو والارتفاع وقد سئل الإمام مالك عن الاستواء فقال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" الأسماء والصفات ص (515: 516) . وقال ابن المبارك: "نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات على العرش استوى بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية" الرد على الجهمية للدرامي ص 67. وأجمع السلف على ذلك كما حكاه الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر ص (75) فقد قال: "وأجمعوا.. أنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه". هذه عقيدة أهل السنة قاطبة وعقيدة الأشعري كما ترى ومع ذلك كله خالفت الأشعرية إمامهم خاصة وسائر أئمة السنة عامة وهذا من عجائبهم وتناقضهم لأنهم إما على التفويض الذي هو جهل وتجهيل وإما على التأويل الذي هو تحريف وتعطيل. الخلاصة: يؤمن أهل السنة باستواء الله على عرشه استواء حقيقياً يليق بجلاله. المناقشة: س 1- بين مذهب أهل الحديث في صفة الاستواء على العرش لله سبحانه. س 2- اذكر الفرق بين قول أهل الحديث وقول الأشعرية في هذه الصفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 (صفة اليدين) 4- وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} سورة ص الآية (75) . وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} سورة المائدة الآية (64) .   اللغة: (بلا كيف) بلا تصور كيفية معينة للصفة. الشرح: ورد إثبات صفه اليدين في عدة مواضع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما الكتاب فقد ذكر المؤلف بعضاً منها وأما في السنة فقد عقد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} ضمن كتاب التوحيد أورد فيه جملة من الأحاديث الصحيحة كلها تثبت صفة اليدين لله تعالى منها حديث أنس بن مالك مرفوعاً في الشفاعة العظمى وفيه: "يجتمع المؤمنون يوم القيام فيقولون لو استشفعْنا إلى ربنا يرحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟ خلَقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا إلى ربك ... " 1، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك.. "2، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار"3.   1 البخاري (13/403) ح 7410 في التوحيد باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي من حديث قتادة عن أنس مرفوعاً. 2 البخاري (13/404) ح 7412 في التوحيد باب قول الله تعالى: لما خلقت بيدي من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعاً". 3 البخاري (13/404) ح 7411 في التوحيد باب قول الله تعالى لما خلقت بيدي من حديث الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فالنصوص المتقدمة دالة على إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى وهي لا تحتمل التأويل بحال ولا يمكن حمل اليدين إلا على الحقيقة ومن لم يحملها على الحقيقة فهو معطل لتلك الصفة ولقد صرح الإمام أبو حنيفة رحمه الله أن من لم يحمل النصوص على الحقيقة وتأول صفة اليدين بالقدرة أو بالنعمة فقد أبطل الصفة. فقد قال: "ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة وهو قول أهل القدر والاعتزال ولكن يده صفة بلا كيف" الفقه الأكبر ص 302. وقال ابن بطال في الرد على من أوَّل صفة اليدين بالقدرة أو النعمة: "ويكفي في الرد على من زعم أنهما بمعنى القدرة أنهم أجمعوا على أن له قدرة واحدة في قول المثبتة ولا قدرة له في قول النفاة.. ويدل على أن اليدين ليستا بمعنى القدرة أن في قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص (75) ، إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود فلو كانت بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته، ولقال إبليس وأي فضيلة له عليَّ وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك فلما قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ص الآية (76) دل على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه. قال: ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق لأن النعم مخلوقة) فتح الباري 13/393- 394. وهذا ما أجمع عليه السلف قال الأشعري: " أجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى وأن له تعالى يدين مبسوطتين وان الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه" رسالة الثغر ص 72. وقرره الإسماعيلي في عقيدة أهل الحديث حيث قال ص (51) : "وخلق آدم عليه السلام بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ومع ذلك كله ترى الأشعرية يخالفون إمامهم ويفوضون هذه الصفة تفويض أهل الجهل والتجهيل أو يؤولون تأويل أهل التحريف والتعطيل. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بصفة اليدين وأنها صفة حقيقية دالة على المعنى اللائق به سبحانه. المناقشة: س 1- ما هو قول أهل السنة في صفة اليدين؟ س 2- اذكر أقوال الأشعرية في صفة اليدين وكيف ترد عليهم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (صفة العينين) 5- وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} سورة القمر الآية (14) .   الشرح: صرح المؤلف بإثبات العينين لله تعالى واستدل له كما بوب في كتابه الإبانة (الكلام في الوجه والعينين والبصر واليدين) ثم استدل لكل صفة بالأدلة من كتاب الله ثم قال بعد ذكره لأدلة صفة الوجه والعين: "فأخبر أن له وجهاً وعيناً ولا تُكيف ولا تحد"، الإبانة 120- 121. وهذا ما قرره الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 5، حيث قال: "وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين". هذا وقد جاء ذكر العين وصفاً لله تعالى في القرآن مفردة مضافة إلى الضمير المفرد كما في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} سورة طه الآية (39) ، كما جاءت مجموعة كما في الآية التي ذكرها المؤلف. قال ابن القيم: "ذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا، كقولك: افعل هذا على عيني لا يريد أن له عيناً واحدة، وإنما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهراً، أو مضمراً فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ كقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} القمر الآية (14) ، وقوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} سورة هود الآية (37) ، وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد كقوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} تبارك الآية (1) ، و {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} آل عمران الآية (26) ، وإن أضيفت إلى ضمير الجمع جمعت، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} سورة يس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 (71) ، وقوله: {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} الأنبياء (61) ، وقد نطق الكتاب والسنة بذكر اليد مضافة إليه مفردة ومجموعة ومثناة وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن.. " مختصر الصواعق 1/ 34- 35، والحديث عند العقيلي في الضعفاء (1/70) وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي متروك. وقد عقد الإمام البخاري في كتاب التوحيد في صحيحه باب قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ، وقوله جل ذكره: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ثم روى بإسناده إلى نافع عن عبد الله قال: "ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور- وأشار بيده إلى عينه- وإن المسيح أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية"1. وكذا أسند إلى قتادة قال سمعت أنساً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر"2. قال العلامة عبد الحق الهاشمي في شرحه لكتاب التوحيد للبخاري ص 77 رحمه الله: "غرض الإمام البخاري في هذا الباب صحة إسناد العين إلى الله تعالى من غير تأويل مع اعتقاد التنزيه ". وقال فضيلة الشيخ عبد الله الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد للبخاري (1/276) : "وقد دل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صراحة وإجماع أهل العلم بالله والإيمان به، على أن الله تعالى موصوف بأن له عينين حقيقة   1 البخاري (13/401) ح 7407 في التوحيد باب قول الله تعالى {ولتصنع على عيني} من حديث نافع عن عبد الله مرفوعاً. 2 البخاري (13/401) ح 7408 في التوحيد باب قول الله تعالى {ولتصنع على عيني} من حديث قتادة عن أنس مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 على ما يليق بجلاله وعظمته) وقد ذكر الإجماع الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر. وقد خالفت الاشعرية إمامهم في إثبات صفة العين فأولوها بأنواع من التحريفات وعطلوها. الخلاصة: يثبت أهل السنة لله تعالى صفة العينين على الكيفية اللائقة بالله تعالى. المناقشة: س1- بين مذهب أهل السنة في صفة العين. س 2- بين كيف تستدل على صحة مذهب أهل الحديث في إثبات صفة العينين لله تعالى؟ س 3- ما هو موقف الأشاعرة والماتريدية من النصوص الدالة على إثبات صفة العينين لله تعالى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (صفة الوجه) 6- وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} سورة الرحمن الآية (27) .   اللغة: (الجلال) العظمة والكبرياء. الشرح: صرح المؤلف هنا بإثبات صفة الوجه واستدل له كما صرح به واستدل له في كتابه الإبانة ص 121 ثم قال: "فأخبر أن له سبحانه وجهاً لا يفنى ولا يلحقه الهلاك". قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله تعالى: "فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، ونقر بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجوه أحد من المخلوقين وعز ربنا أن نشبهه بالمخلوقين، وجل ربنا عما قالت المعطلة"، التوحيد ص (10: 11) . وهذا هو ما قرره أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 55 حيث قال: "ويثبتون أن له وجهاً ... ". وكذا الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 5- 6 حيث قال: "وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع.. والوجه"، فقد أثبت الله لذاته المقدسة صفة الوجه في أربع عشرة آية من آي الذكر الحكيم واستدل المؤلف بآية واحدة من تلك الآيات وهي قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} سورة القصص (88) ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} سورة الإنسان (9) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وأثبت له الرسول صلى الله عليه وسلم صفة الوجه في أحاديث معروفة مشهورة منها حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً وفيه: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور" وفي رواية: "لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"1. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ بوجه الله فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب (كل شيء هالك إلا وجهه) عن جابر رضي الله عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك فقال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك" قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أيسر" 2. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك" 3، ومن المعلوم أنه لا يستعاذ إلا بالله وصفاته، والاستعاذة لا تكون بالمخلوق أبداً. وقد خالفت الأشعرية إمامهم في تعطيلهم لهذه الصفة وتحريف نصوصها بأنواع من التأويلات.   1 مسلم (1/261: 162) ح 179 في الإيمان باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام من حديث أبي عبيدة عن أبي موسى مرفوعاً. 2 البخاري (13/400) ح 7406 في التوحيد باب قول الله عز وجل {كل شيء هالك إلا وجهه} من حديث عمر وعن جابر مرفوعاً. 3 أخرجه أبن أبي عاصم في السنة (1/ 185) والنسائي في سننه (3/ 4: 55) في الصلاة باب الدعاة بعد الذكر. والحاكم (1/ 524) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافق الذهبي من حديث عطاء عن أبيه عن عمار مرفوعاً وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/279/ 1301) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الخلاصة: صفة الوجه صفة ثابتة لله تعالى على الكيفيه اللائقة به ويرى أهل السنة أنها صفة حقيقية فلا يخرجونها عن ظاهرها بتأويل. المناقشة: س 1- ببن قول أهل السنة والجماعة في صفة الوجه. س 2- اذكر دليلاً يبين أن صفات الله تعالى غير مخلوقة. س 3- ما موقف الأشاعرة من النصوص الدالة على إثبات صفة الوجه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 (أسماء الله أسماء حسنى لله غير مخلوقة) 7- وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله كما قالت المعتزلة1 والخوارج2.   1 انظر قول المعتزلة في مقالات الإسلاميين (1/252) والرد على بشر المريسي (ص 366) وشرح أصول الاعتقاد للالكائي (1/ 207: 214) والمعتزلة فرقة كلامية إسلامية ظهرت في أول القرن الثاني الهجري وبلغت شأوها في العصر العباسي الأول، ويرجع اسمها إلى اعتزال إمامها واصل ابن عطاء مجلس الحسن البصري لقول واصل بأن مرتكب الكبيرة ليس كافراً ولا مؤمناً بل هو في منزلة بين المنزلتين، ولما اعتزل واصل مجلس الحسن، وجلس عمرو بن عبيد إلى واصل وتبعهما أنصارهما قيل لهم: معتزلة. أو معتزلون. وهذه الفرقة تعتد بالعقل، وتغلو فيه، وتقدمه على النقل، ولهذه الفرقة مدرستان رئيستان: إحداهما بالبصرة ومن أشهر رجالها: واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام والجاحظ. والأخرى ببغداد ومن أشهر رجالها: بشر بن المعتمر وأبو موسى المردار وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي داود. وللمعتزلة أصول خمسة يدور عليها مذهبهم وهي: العدل- التوحيد- المنزلة بين المنزلتين- الوعد والوعيد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهم في هذه الأصول معاني عندهم خالفوا فيها موجب الشريعة وجمهور المسلمين. الفرق بين الفرق (ص 117: 120) التبصير في أصول الدين (ص 37) الملل والنحل (1/ 46: 49) . 2 انظر قول الخوارج في مقالات الإسلاميين (1/ 252) والرد على بشر المريسي (ص 366) والخوارج جمع (خارجة) أي فرقة خارجة، وهم كل من خرج عن الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة، واشتهر بهذا اللقب جماعة خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن كانوا معه في موقعة صفين، وحملوه على قبول التحكيم، ثم قالوا له حكمت الرجال؟ ما الحكم إلا لله. وسموا حرورية لانحيازهم إلى حروراء بعد رجوعهم من صفين وعددهم يومئذ اثنا عشر ألفاً، وقد ناظرهم عليّ وابن عباس فرجع بعضهم وقاتل على الباقين حتى هزمهم في النهروان. وقد افترقت الخوارج إلى عدة فرق يجمعهم القول تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعثمان بن عفان وأصحاب الجمل ومن رضي بالتحكيم أو صوب الحكمين أو أحدهما وتكفير صاحب الكبائر، والقول بالخروج على الإمام إذا كان جائراً، انظر: الملل والنحل (1/ 114) الفرق بين الفرق (ص 72: 73) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الشرح: القول بأن الأسماء غير الله أو عين الله بهذا الإطلاق من البدع التي أحدثها أهل الكلام فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به: اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده ونحو ذلك فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم ها هنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ (الغير) من الإجمال: فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى. انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص 80- 81) ودرء تعارض العقل والنقل (3/ 24- 25) . والأحسن أن يقال إن أسماء الله هي أسماء حسنى لله وقد خالفت الأشعرية إمامهم الأشعري وسائر أئمة الإسلام فجعلوا أسماء الله غير الله ثم حكموا بأنها مخلوقة وهذا القول لا يقل كفراً عن القول بخلق القرآن. قال الإمام أحمد: "من زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو كافر"وقال إسحاق بن راهويه: "أفضوا الجهمية إلى أن قالوا: أسماء الله مخلوقة.. وهذا الكفر المحض"، وقال خلف بن هشام المقري: "من قال إن أسماء الله مخلوقة فكفره عندي أوضح من هذه الشمس" نقلها اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (2/ 207، 214) . الخلاصة: لا يقال إن أسماء الله هي عين الله أو غيره إجمالاً بل الأمر فيه تفصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 المناقشة: س 1- هل يقال إن أسماء الله هي الله أو غيره؟ وضح ذلك. س 2- ما حكم من زعم أن أسماء الله مخلوقة؟ س 3- اذكر مذهب الأشاعرة والماتريدية في مسألة هل أسماء الله الحسنى هي الله أو غيره؟ س 4- عرف المعتزلة والخوارج بإيجاز مع ذكر أهم الأصول التي بني عليها مذهبهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 (صفة العلم) 8- وأقروا أن لله سبحانه علما كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} سورة النساء الآية (166) ، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ} سورة فاطر الآية (11) .   الشرح: يثبت أهل السنة والجماعة لله تعالى صفة العلم وقد قرر هذا الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 5- 6 حيث قال: "وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع ... والعلم"، وهذا هو ما دلت عليه الأدلة من كتاب الله كقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} سورة الأنعام الآية (59) ، فهذه الآية العظيمة من أعظم الآيات تفصيلاً لعلمه المحيط بجميع الأشياء وكتابه المحيط بجميع الحوادث، وعلمه الكامل بالغيوب كلها التي يطلع على ما شاء منها من شاء من خلقه، وكثير منها طوى علمه عن الملائكة والمرسلين فضلاً عن غيرهم من العالمين. وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات والأشجار، والرمال والحصى والتراب وما في البحار من حيوانات ومعادنها وصيدها، وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها ويشتمل عليه ماؤها، كل عنده في كتاب مبين، أي في اللوح المحفوظ وهذا دليل على عظمته سبحانه وتعالى، ولو أن الخلق اجتمعوا كلهم على أن يحيطوا ببعض صفاته لم يكن لهم قدرة ولا طاقة على ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 فالنصوص الشرعية الدالة على صفة العلم كثيرة فأهل السنة والجماعة أجمعوا على الإيمان بها وأثبتوا ما تدل عليه معنى ونفوا الكيفية. قال الأشعري في رسالة أهل الثغر ص 66 "وأجمعوا على أنه تعالى لم يزل موجوداً حياً قادراً عالماً .... " أما الجهمية فأنكروا أن يكون لله علم إضافة لنفسه وجحدوا أن يكون قد أحاط بكل شيء علماً وحاربوا النصوص الدالة على ذلك فمعبودهم على هذا الاعتقاد ليس العليم الخبير الذي هو بكل شيء عليم وإنما يعبدون العدم. الخلاصة: 1- صفة العلم صفة ثابتة لله تعالى دل عليها الكتاب والسنة والإجماع. المناقشة: س1- بين مذهب أهل السنة في إثبات صفة العلم لله؟ س 2- اذكر الأدلة التي تثبت أن لله تعالى علماً؟ س 3- ما موقف الجهمية من إثبات صفة العلم لله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 (صفة السمع والبصر) 9- واثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة. 1   يثبت أهل السنة لله تعالى صفتي السمع والبصر على الحقيقة وهذا ما قرره الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 55 حيث قال: "ويثبتون أن له وجهاً وسمعاً ... " والصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 5 حيث قال: "وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر ... " كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الشورى 11] ، بل هم مجمعون على إثباتها. قال الأشعري في رسالة الثغر ص 6: "وأجمعوا على أنه تعالى لم يزل موجوداً حياً قادراً عالماً مريداً سميعاً بصيراً". وهما صفتان حقيقتان وجمهور الماتريدية والأشعرية على إثباتهما وتفلسف بعضهم بإرجاعهما إلى صفة العلم وهذا تعطيل واضح فاضح. الخلاصة: يثبت أهل السنة لله تعالى صفتي السمع والبصر، وهما صفتان حقيقتان تدلان على المعنى الحقيقي لهما وعلى الكيفية اللائقة بالله تعالى. المناقشة: س 1- بين مذهب أهل السنة في صفتي السمع والبصر. س 2- اذكر دليلا على إثبات هاتين الصفتين لله تعالى. س 3- ما موقف الأشاعرة والماتريدية من إثبات صفتي السمع والبصر؟   1 انظر مذهبهم في هاتين الصفتين في شرح الأصول الخمسة في 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 (القوة لله جميعا) 10- وأثبتوا الله القوة كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [سورة فصلت الآية 15] .   الشرح: يثبت أهل السنة لله تعالى صفة القوة، فهو القوي الذي لا يغلب سبحانه وتعالى، وليس لقوته حدود. قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (7/ 157) : "أي أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة؟ فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيه قواها الحاملة لها، وإن بطشه شديد، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات الآية 47] فبارزوا الجبار العداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسوله"، وقال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية (25/101) : "فيحذروا عقابه، ويتقوا سطوته لكفرهم به، وتكذيبهم رسله". الخلاصة: أهل السنة يثبتون القوة لله تعالى: المناقشة: س 1- ما المراد بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} ؟ س 2- ما موقف أهل السنة من هذه الآية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 (الخير والشر بقضاء الله وقدره) 11- وقالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء   الشرح: قلت مذهب أهل السنة والجماعة أن الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدوران لله وهذا ما قرره الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 61: 62 حيث قال: "ويقولون إن الخير والشر والحلو والمر بقضاء من الله عز وجل أمضاه وقدره لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله وإنهم فقراء إلى الله عز وجل لا غنى لهم عنه في كل وقت". وفصل هذه المسألة الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 78- 81 فقد قال: "ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر بقضاء الله تعالى وقدره لا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يصدوه بما لم يقض الله عليه لم يقدروا، على ما ورد به الخبر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وقال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس 107] . ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم أن الخير والشر من الله وبقضائه لا يضاف إلى الله ما يتوهم منه نقص على الإنفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: "تباركت وتعاليت والخير في يديك والشر ليس إليك" [أخرجه مسلم] ومعناه- والله أعلم والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً حتى يقال لك في المناداة: يا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 خالق الشر أو يا مقدر الشر وإن كان هو الخالق والمقدر لهم جميعاً، ولذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف 79] ، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف 83] ، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء80] ، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الرب وإن كان الجميع منه جل جلاله". الخلاصة: الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدران لله تعالى، لا يكون شيء منهما إلا بإذنه، فهو خالقهما جميعاً، وهذا قول أهل السنة، غير أن الشر لا يضاف إليه على انفراد لما فيه من توهم النقص والعيب. المناقشة: س 1- هل الشر مخلوق لله تعالى أم لا؟ وضح مذهب أهل السنة في ذلك. س 2- ما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: "والشر ليس إليك"؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 (إثبات المشيئة) 12- وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [سورة التكوير الآية 29] ، وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.   الشرح: قلت وهذا مذهبهم أن كل ما هو كائن فبقضاء الله وقدره هذا ما قرره أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (51) حيث قال: "ويقولون ما يقوله المسلمون بأسرهم: (ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون) ، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ويقولون لا سبيل لأحد أن يخرج عن علم الله ولا أن يغلب فعله وإرادته مشيئة الله ولا أن يبدل علم الله فإنه العالم لا يجهل ولا يسهو والقادر لا يغلب ". قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (8/ 362) : "أي ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل بل ذلك كله تابع لمشيئة الله عز وجل رب العالمين". وقال البغوي في تفسيره لهذه الآية (8/ 351) : "أي أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وفيه إعلام أن أحداً لا يعمل خيراً إلا بتوفيق الله ولا شراً إلا بخذلانه". والفرق بين الإرادة الكونية والشرعية هو أن الإرادة الكونية لا بد أن تقع ولكنها ليست بالضرورة محبوبة لله، بل قد يراد أمر هو مكروه لله كالكفر وأما الإرادة الشرعية فإنها متعلقة بالمحبوب لله تعالى وإن كان لم يقع فهي أقرب لمعنى المحبة والأولى لمعنى المشيئة، فالأولى واقعة لا محالة، والثانية محبوبة من غير شك إلا أنها قد لا تقع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الخلاصة: يثبت أهل السنة (إرادة) كونية وهي التقدير الأزلي و (إرادة) شرعية وهي المراد من العباد شرعاً، فالأولى تنفذ ولو كانت غير مرضية من الله والثانية مرضية من الله وإن كانت غير نافذة، والعباد مسؤولون عن مقتضى الإرادة الشرعية. المناقشة: س 1- عرف أقسام الإرادة الإلهية عند السلف. س 2- فرق بين الإرادة الشرعية والكونية. س 3- اذكر بعض الأدلة على إثبات المشيئة لله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (الاستطاعة) 13- وقالوا: إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.   الشرح: رحم الله المؤلف فلم يكن دقيقاً في نسبة هذا القول إلى أصحاب الحديث أهل السنة والجماعة إذ أنه قول ضعيف مرجوح ومذهب أهل السنة في الاستطاعة هو ما قرره الإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية في عقيدة أهل السنة والجماعة ص 499 حيث قال: "والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به تكون مع الفعل وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب. وهو كما قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} البقرة: 286.. ". فالاستطاعة نوعان: الأولى: استطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات وهي التي تكون مناط الأمر والنهي وهي المصححة للفعل فهذه لا يجب أن تقارن الفعل بل قد تكون قبله متقدمة عليه وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين ومثال هذه الاستطاعة قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] فهذه الاستطاعة قبل الفعل ولو لم تكن إلا مع الفعل ما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج، ولا كان الحج واجباً على أحد قبل الإحرام، بل قبل فراغه، ومن أمثلتها قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] فأمر بالتقوى بمقدار الاستطاعة ولو أراد الاستطاعة المقارنة لما وجب على أحد من التقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 إلا ما فعل فقط، إذ هو الذي قارنته تلك الاستطاعة وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} و (الوسع) الموسوع، وهو الذي تسعه وتطيقه فلو أريد به المقارن لما كلف أحد إلا الفعل الذي أتى به فقط دون ما تركه من الواجبات إلى غير ذلك من الأدلة. وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس. الثانية: الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له ومن أمثلتها قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: 20] ، وقوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} [الكهف: 100- 110] فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة وإتباعها وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة للفعل، وهذه الاستطاعة هي الاستطاعة الكونية وهي مناط القضاء والقدر وبها يتحقق وجود الفعل، انظر مجموع الفتاوى 8/ 372، 373) ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 61، وشرح العقيدة الطحاوية 499-503. وخالف أهل السنة الجهمية والمعتزلة والأشعرية، أما الجهمية فقالوا: إنه ليس للعبد أي استطاعة لا قبل الفعل ولا معه، (انظر الملل والنحل 1/ 85، والفرق بين الفرق ص211) ، وأما المعتزلة فقالوا: إن الله تعالى قد مكن الإنسان من الاستطاعة وهذه الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرته عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل، انظر مقالات الإسلاميين 1/ 300 والفرق بين الفرق ص 116، وشرح الأصول! الخمسة ص 398. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وأما الأشعرية فقالوا: إن الاستطاعة مع الفعل لا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه، وما يفعله الإنسان فهو كسب له، انظر الإرشاد ص 219، والإنصاف ص 46، وشرح العقيدة الطحاوية 499-504. الخلاصة: يثبت أهل السنة للعبد استطاعة بمعنى الوسع والقدرة وسلامة الآلات وهذه قد تتقدم على الفعل أو تقارنه ولا يجب بها الفعل لكن خطاب الشرع مرتبط بها، وأما الاستطاعة التي يجب بها الفعل وهي بمعنى التوفيق فهذه بإرادة الله تعالى وحده وهي التي تقارن الفعل. المناقشة: س1- اشرح مذهب أهل السنة في مسألة استطاعة العبد. س 2- بين مذهب كل من الجهمية والمعتزلة والأشعرية في مسألة استطاعة العبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 (أفعال العباد) 14- وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن سيئات العباد يخلقها الله وأن أعمال العباد يخلقها الله عز وجل وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاُ.   الشرح: قلت: هذا أمر متفق عليه عند الأئمة وقد نقله عنهم الإمام الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (60: 61) : "ويقولون إنه لا خالق على الحقيقة إلا الله عز وجل وأن أكساب العباد كلها مخلوقة لله وأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا حجة لمن أضله الله عز وجل ولا عذر كما قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] ، وقال: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف: 30] ، وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} [الأعراف: 179] ، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] ، ومعنى (نبرأها) أي نخلقها بلا خلاف في اللغة، وقال مخبراً عن أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 143] وقال: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} [الرعد: 31] وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118-119] . قال التيمي في الحجة (1/421) باب الرد على الجهمية والمعتزلة: "أفعال العباد وليست بفعل الله وإنما هي مخلوقة له ". وقال الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 75-89: "ومن قول أهل السنة والجماعة في إكساب العباد أنها مخلوقة لله تعالى لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يمترون فيه ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه ويضل من يشاء عنه لا حجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وقال عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 16] ، وقال عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} [الأعراف: 179] . فسبحانه خالق الخلق بلا حاجة إليه فجعلهم فريقين فريقا للنعيم فضلاً وفريقاً للجحيم عدلاً وجعل منهم غوياً ورشيداً وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً.. وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها لم يؤمن أحد به إلا بمشيئته ولم يكفر أحداً إلا بمشيئته ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس، فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإلحاد الملحدين وتوحيد الموحدين وطاعة المطيعين ومعصية العاصين كلها بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية ولا يرضاها، قال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] . قلت: هذه خلاصة مذهب أئمة الحديث أهل السنة والجماعة فقد دلت النصوص من الكتاب والسنة والإجماع على أن الله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأفعال وغيرها وأن مشيئة الله عامة شاملة لجميع الكائنات فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة وأن خلقه سبحانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الأشياء بمشيئة إنما يكون وفقاً لما علمه منها بعلمه القديم ولما كتبه وقدّره في اللوح المحفوظ، وأن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم وأنهم الفاعلون حقيقة لهذه الأفعال باختيارهم وأنهم لهذا يستحقون عليها الجزاء إما بالمدح والمثوبة وإما بالذم والعقوبة وأن نسبة هذه الأفعال إلى العباد لا ينافي نسبتها إلى الله إيجاداً وخلقاً لأنه هو الخالق لجميع الأسباب التي وقعت بها وقد خالف في هذا: أولاً: الجهمية الجبرية: فقد سلبوا عن العبد قدرته وإرادته فالعبد عندهم كالريشة المعلقة في الهواء وتأثر بهم أيضاً الأشعرية حيث قالوا إن العبد غير مختار في فعله وكسب الأشعرية معروف لأنه جبر متطور لأن معنى الكسب عندهم هو: (أن العبد إذا صمم عزمه فالله تعالى يخلق الفعل عنده، والعزم أيضاً فعل يكون واقعاً بقدرة الله تعالى، فلا يكون للعبد في الفعل مدخل على سبيل التأثير وإن كان له مدخل على سبيل الكسب، والحق أن الكسب عند الأشاعرة هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور في محلها من غير تأثير". ثانياً: القدرية المعتزلة: وهؤلاء يقولون إن للعبد قدرة وإرادة مطلقتين مستقلتين عن الله تعالى، قال القاضي عبد الجبار: "إن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنهم المحدثون لها". فكأنهم أوجدوا خالقاً غير الله وهو الإنسان1 ولذلك سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة2.   1 انظر رسالة أهل الثغر ص 79، 88 محصل أفكار المتقدمين ص 280 والروضة البهية ص 42 وشرح الأصول الخمسة ص 223 والواسطية مع شرحها للهراس ص 229. 2 أخرجه أبو داود في كتاب السنة باب في القدر (5/66 ح 4691) ، وأخرجه الحاكم (1/85) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/818/ 4442) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وأن الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين، وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل. الخلاصة: يرى أهل السنة أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومقدرة له. المناقشة: س 1- بين مذهب أهل السنة بشأن مسألة أفعال العباد. س 2- هل يتفق قول المعتزلة مع قول أهل السنة في هذا الباب؟ س 3- بين مذهب الأشعرية في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 (القرآن كلام الله على الحقيقة غير مخلوق) 15- ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق.   الشرح: أجمل المؤلف رحمه الله تعالى مذهب أهل الحديث أئمة السنة في هذه المسألة الخطيرة التي ضل فيها طوائف وفرق عديدة وحبس الإمام أحمد بن حنبل من أجل أنه امتنع أن يقول إن القرآن مخلوق. كما أوذي غيره من علماء السنة بسببها من المأمون والمعتصم ومن بعده. وقد بسط الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي والصابوني من بعده والتيمي واللالكائي بيان مذهب أصحاب الحديث. فقد قال أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 57، "ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه كيفما يُصرف بقراءة القارىء له بلفظه، ومحفوظاً في الصدور، متلواً بالألسن، مكتوباً في المصاحف، غير مخلوق، ومن قال بخلق اللفظ بالقرآن يريد به القرآن فهو قد قال بخلق القرآن ". قال التيمي (1/368) : "قال أصحاب الحديث وأهل السنة: إن القرآن المكتوب الموجود في المصاحف، والمحفوظ الموجود في القلوب، هو حقيقة كلام الله عز وجل بخلاف ما زعم قوم أنه عبارة عن حقيقة الكلام القائم بذات الله عز وجل ودلالة عليه، والذي هو في المصحف محدث وحروف مخلوقة، ومذهب أهل السنة وفقهائهم أنه الذي تكلم الله به، وسمعه جبريل من الله وأدى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحدى به النبي صلى الله عليه وسلم ... ". فالحاصل أن مذهب أهل السنة في القرآن هو أن القرآن بلفظه ومعناه كلام الله حقيقة، تكلم به وسمع منه جبريل، وسمع من جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى تكلم بصوت يسمع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وكما أنه له ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه الصفات وكذلك صوته لا يشبه صوت أحد من خلقه، ونحن نتكلم بالقرآن بأصواتنا فأصواتنا مخلوقة ولكن كلام الله تعالى غير مخلوق. وأما الأشعرية والماتريدية فقالوا: كلام الله كلام نفسي بدون حرف ولا صوت ولا يتجزأ ولا يتبعض، وليس فيه أمر ولا نهي، ولا خبر ولا استخبار أما التوراة والإنجيل والقرآن فليس كلام الله على الحقيقة بل هو مخلوق وهو كلام الله مجازاً لأنه دال على كلام الله النفسي. واختلف الماتريدية عن الأشعرية بأن قالوا: كلام الله النفسي لا يسمع فموسى وغيره من الأنبياء لم يسمعوا كلام الله وإنما سمعوا صوتاً مخلوقاً في الشجرة، أما الأشعرية فقد قالوا: كلام الله النفسي يسمع فكلامهم هذا أبعد عن النقل والعقل. لذلك قال كثير من الأشعرية إن معنى سماع كلام الله، فهم كلام الله لعلمهم أن القول بسماع الكلام النفسي سفه وتغفيل. فالحاصل أن الجهمية الأولى والكلابية والماتريدية والأشعرية كلهم متفقون ومجمعون على أن هذا القرآن العربي مخلوق وليس كلام الله على الحقيقة1. وزاد الماتريدية والأشعرية بدعة أخرى وهي الكلام النفسي.   1 انظر كتاب التوحيد للماتريدي (59) ، تبصرة الأدلة (126) ، المسايرة (8: 81) ، واشارات المرام (55، 181: 182) ، والإرشاد للجويني (129: 130) ، وانظر خلق أفعال العباد (149) ودرء تعارض العقل والنقل (40، 93) ، ومجموع الفتاوى (12/304: 304، 365، 584: 586) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 (بدعة الوقف في القرآن) 16- والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم ولا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق.   اللغة: (الوقف) بمعنى التوقف في القرآن فلا يقال مخلوق أو غير مخلوق (مبتدع) هو المحدث في الدين ما لم يأذن به الله. الشرح: الواقفة: هم الذين وقفوا في القرآن فقالوا: لا نقول مخلوق، ولا غير مخلوق وبدعوا من خالفهم قال الدارمي في التعريف بهم: "ثم إن ناساً ممن كتبوا العلم بزعمهم وادعوا معرفته وقفوا في القرآن فقالوا: لا نقول: (مخلوق هو ولا غير مخلوق) ومع وقوفهم هنا لم يرضوا حتى أدعوا أنهم ينسبون إلى البدعة من خالفهم وقال بأحد هذين القولين) الرد على الجهمية ص 432 ضمن مجموعة عقائد السلف أما موقف أهل السنة من الواقفة فقد أفرد- عبد الله بن أحمد في كتابه السنة (1/179) باباً في "قول أبي عبد الله- أحمد بن حنبل- في الواقفة وفيه سمعت أبي رحمه الله وسئل عن الواقفة؟ فقال أبي: من كان يخاصم ويعرف بالكلام فهو جهمي ومن لم يعرف بالكلام يجانب حتى يرجع ومن لم يكن له علم يسأل". وقال عبد الله سمعت أبي رحمه الله مرة أخرى وسئل عن اللفظية والواقفة فقال: "من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي، وقال مرة أخرى: هم شر من الجهمية". وكذا اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/323) أفرد باباً في (سياق ما روي في تكفير من وقف في القرآن شاكاً فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أنه غير مخلوق) ذاكراً آثار علماء السلف من أهل المدينة والكوفة وبغداد ومصر والشام وأهل الجزيرة وخراسان في تكفير من وقف في القرآن شاكاً فيه. وكذا الدارمي أفرد باباً في الرد عليهم فقد قال (باب الاحتجاج على الواقفة) ص 342-344 ضمن مجموعة عقائد السلف. الخلاصة: يقول أهل السنة إن القرآن كلام الله حقيقة وأنه غير مخلوق، ويبدعون من توقف في القرآن أو قال لفظي بالقرآن مخلوق. المناقشة: س 1- بين قول أهل السنة في القرآن، وفي إثبات صفة الكلام الإلهي. س 2- اشرح مذهب الأشعرية والماتريدية والجهمية والكلابية في القرآن. س 3- ما هو قول الأشعرية والماتريدية في صفة الكلام؟ وما مقصودهم بالكلام النفسي؟ س 4- ما الفرق بين الأشعرية والماتريدية في مسألة الكلام النفسي؟ س 5- ما القول فيمن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة) 17- ويقولون إن الله سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون، قال الله عز وجل: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] وأن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.   اللغة: (تجلى) ظهر (محجوبون) يحجب بينهم وبين الرؤية بحجاب. (دكاً) مستوياً بالأرض. الشرح: دل على إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة بأبصارهم القرآن والسنة النبوية والإجماع. قال ابن القيم في كتاب حادي الأرواح ص241: "دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل الحديث.. على أن الله سبحانه يرى يوم القيامة بالأبصار عياناً كما يرى القمر ليلة البدر صحواً، وكما ترى الشمس في الظهيرة". وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته: "وأجمع جميع أهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله يرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح به النقل عن رسوله" عقيدة الحفاظ عبد المغني المقدسي ص30- 31 ضمن المجموعة العلمية السعودية. وقال الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر ص 76: "وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى" قلت: وكذا قرر عقيدة أهل الحديث في الرؤية الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (63:62) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 "ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة دون الدنيا، ووجوبها لمن جعل الله ذلك ثواباً له في الآخرة كما قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] ، وقال في الكفار: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه كانوا جميعهم عنه محجوبين وذلك من غير اعتقاد التجسيم في الله عز وجل ولا التحديد له، ولكن يرونه جل وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف". وكذا الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص65-66 حيث قال: "ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم- تبارك وتعالى- يوم القيامة بأبصارهم وينظرون إليه على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر" 1 والتشبيه في هذا الخبر وقع للرؤية بالرؤية لا المرئي والأخبار الواردة في الرؤية مخرجة في كتاب الانتصار بطرقها". تنبيه: إن الأشعرية والماتريدية يتظاهرون بإثبات رؤية الله ولكنهم اشترطوا شروطاً جعلوها من المستحيلات ولذلك قال أذكياؤهم لا خلاف بيننا وبين المعتزلة في الرؤية بل كلنا على الرؤية العلمية لا البصرية ولذلك قالوا بجواز رؤية أعمى في الصين بقة في الأندلس ولا شك أن رؤية أعمى في الصين بقة في الأندلس من الرؤية العلمية وليست من الرؤية البصرية في شيء2.   1 البخاري (2/40) ح 554 في مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر وأخرجه برقم (485، 4734، 7435، 7436) ح 183 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية من حديث عطاء عن أبي سعيد مرفوعاً. 2 انظر كتاب التوحيد للماتريدي (ص 58) والعقائد النسفية (ص73) وحاشية الكستلي على شرح العقائد (108) إشارات المرام (202) . وانظر الماتريدية للدكتور شمس الدين السلفي (رحمه الله تعالى) 1/475-477. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الخلاصة: يرى أهل السنة أن المؤمنين يرون الله تعالى في الآخرة بأبصارهم رؤية حقيقية لا يضامون في رؤيته وليست رؤية علمية كما قال المبتدعة. المناقشة: س 1- ما هو موقف أهل السنة من مسألة الرؤية في الآخرة؟ س 2- اذكر دليلاً واحداً من الكتاب والسنة على إثبات الرؤية في الآخرة. س 3- اذكر مذهب الأشعرية والماتريدية في مسألة الرؤية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 (قولهم في مرتكب الكبيرة) 18- ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر ومعهم بما هو من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر.   اللغة: - (ولا يكفرون) أي لا يحكمون بالكفر. - (الكبائر) هي الذنوب التي ورد في حقها لعن أو وعيد شديد. الشرح: دل على إثبات أن الكبيرة لا تخرج صاحبها من الإيمان القرآن والسنة والإجماع، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48] . قال الأشعري: "وأجمعوا على أن المؤمن بالله تعالى وسائر ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من المعاصي ولا يحبط إيمانه إلا الكفر وأن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان" رسالة الثغر ص 94، وهذا هو ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (64) حيث قال: "ويقولون إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى قبلة المسلمين، لو أرتكب ذنباً أو ذنوباً كثيرة صغائر أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله والإقرار بما التزمه وقبله عن الله فإنه لا يكفر به ويرجون له المغفرة، قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 148] . وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني حيث قال في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 7-72: "ويعتقد أهل السنة أن المؤمن وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 أذنب ذنوباً كثيرة صغائر كانت أو كبائر فإنه لا يكفر بها وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد والإخلاص فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة يوم القيامة سالماً غانماً غير مبتلى بالنار ولا معاقب على ما أرتكبه من الذنوب واكتسبه ثم استصحبه إلى يوم القيامة من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذبه مدة بعذاب النار وإذا عذبه لم يخلده فيها بل أعتقه وأخرجه منها إلى نعيم دار القرار". الخلاصة: لا يحكم أهل السنة على مرتكب الكبيرة بالكفر، بل هو مسلم فاسق ولا يكفرون أحداً بذنب ما لم يستحله، ويقولون إن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة يوم القيامة إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه. المناقشة: س1- عرف الكبيرة. س2- ما قول أهل السنة في مرتكب الكبيرة؟ س3- ما حكم مرتكب الكبيرة الذي يموت على غير توبة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 (أركان الإيمان) 19- والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم.   الشرح: تقدم شرح هذه الأركان في أول الكتاب أما الإيمان باليوم الآخر فسيذكره المؤلف مفصلاً في ثنايا الرسالة. وقوله: "وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم " فإنه مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" 1. ومعنى ذلك أن الإنسان إذا قدر الله له أن يصاب بسوء فليس من الممكن أن يخطئه هذا السوء، بل لا بد أن يصيبه وإن فعل ما فعل، وتحرز بما تحرز، فهو لا بد مصيبه وإن قدر الله له أن يعافى من هذا السوء فإنه لا يمكن أن يصاب به، وإن اجتمع الناس جميعاً على إنزاله به، لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا. الخلاصة: أركان الإيمان عند أهل السنة ستة هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. المناقشة: س 1- اذكر أركان الإيمان عند أهل السنة.   1 أخرجه الطبراني في الكبير (11/123) ح (11243) من رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 س2- ما مذهبهم في إثبات القدر؟ س3- اشرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن ما أصابك لم يكن لخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 (أركان الإسلام) 20- والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث.   اللغة: (الإسلام) في اللغة هو الاستسلام والإذعان والانقياد. الشرح: تضمنت هذه الكلمة العظيمة نفياً وإثباتاً فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله بقولك (لا إله) وأثبتت الإلهية لله وحده بقولك (إلا الله) ولا ريب أن الشهادة لا تكون شهادة إلا إذا كانت عن علم ويقين وصدق وأما مع الجهل بمعناها والشك فلا تعتبر ولا تنفع فيكون الشاهد والحالة هذه كاذباً لجهله بمعنى الذي شهد به فكم ضل بسبب ذلك من ضل وهم الأكثرون فقلبوا حقيقة المعنى فأثبتوا الإلهية المنفية لمن نفيت عنه من المخلوقين أرباب القبور والمشاهد والطواغيت والأشجار والأحجار والجن وغير ذلك واتخذوا ذلك ديناً وشبهوا وزخرفوا واتخذوا التوحيد بدعة وأنكروه على من دعاهم إليه، فلجهلهم معنى الإله قلبوا حقيقة المعنى إلى معنى توحيد الربوبية وهو القدرة على الاختراع فأثبتوا ما نفته (لا إله إلا الله) من الشرك وأنكروا ما أثبتته من إخلاص العبادة لله جهلاً منهم، والله المستعان. انظر قرة عيون الموحدين ص 14-15. وأما معنى: أشهد أن محمداً عبده ورسوله أي أشهد بصدق ويقين وذلك يقتضي إتباعه وتعظيم أمره ونهيه ولزوم سنته صلى الله عليه وسلم وأن لا تعارض قوله بقول أحد لأن غيره يجوز عليه الخطأ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد عصمه الله تعالى وأمرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 طاعته والتأسي به وتوعدنا على ترك طاعته بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 136] وقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وللأسف فقد وقع في التفريط في المتابعة وتركها أقوام وقدموا أقوال من يجوز عليهم الخطأ على قوله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان. انظر قرة عيون الموحدين ص 15-16، ومن مقتضى شهادتنا بأنه رسول الله أن لا تقدم على قوله قول أحد كائناً من كان وهو أحد نوعي التوحيد فإن التوحيد نوعان توحيد المرسل وهو الله وتوحيد متابعة الرسول. قال ابن أبي العز: "فهاهنا توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته.. "، شرح العقيدة الطحاوية (ص 160) . وقوله: على ما جاء في الحديث: يشير إلى حديث جبريل فقد سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان فقال النبي: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" 1. الخلاصة: يعرف أهل السنة الإسلام على ما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.   1 أخرجه مسلم في كتاب الإيمان والإسلام (1/36، 37) من طريق يحيى بن معمر عن عمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 المناقشة: س1- عرف الإسلام عند أهل السنة. س2- اذكر نوعي التوحيد اللذين لا يتم إلا بهما. س3- كيف تحقق توحيد المرسل؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 (الفرق بين الإيمان والإسلام) 21- والإسلام عندهم غير الإيمان.   الشرح: هذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. هذا ما قرره المؤلف عنهم لكن الحافظ أبو بكر الإسماعيلي أشار إلى أنهم قد اختلفوا في الفرق بين الإسلام والإيمان، وانظر اعتقاد أئمة الحديث ص (67) . فقد قال في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 68:67: "وقال منهم: إن الإيمان قول وعمل، الإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله إذا ذكر كل اسم على حدته مضموماً إلى الآخر فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر وإن ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمهم فكثير منهم قالوا: الإسلام والإيمان واحد قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] فلو أن الإيمان غيره لم يُقبل وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35-36] . ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به كما قال: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] ، وقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17] ، وهذا أيضاً دليل لمن قال هما واحد، قلت: وهناك أقوال أخرى والراجح في نظري قول من يقول: إن الإيمان والإسلام إذا افترقا اتفقا وإن اجتمعا افترقا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الخلاصة: الإسلام والإيمان إن اجتمعا أريد بالأول الأعمال الظاهرة وبالثاني الاعتقادات والأعمال الباطنة، وإن ذكر كل منهما منفرداً أريد به كلا الأمرين. المناقشة: س1- عرف الإسلام والإيمان مع ذكر الفرق بينهما. س2- ما معنى القول بأن الإيمان والإسلام إذا افترقا اتفقا وإذا اجتمعا اختلفا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 (الله سبحانه مقلب القلوب) 22- ويقرون بأن الله سبحانه مقلب القلوب.   الشرح: مأخوذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" 1. ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى يقلب قلوب العباد بين أصبعيه كما في الحديث، فقد يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً والله تعالى كل يوم هو في شأن، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله تعالى أن يثبت قلبه على الإسلام وأن يعافيه من الزيغ والضلال، وألا يضله بعد إذ هداه، وذلك لأن مقلب القلوب ومصرفها هو الله تعالى وحده. الخلاصة: يقول أهل السنة إن الله تعالى هو الذي يقلب قلوب العباد بين أصابعه. المناقشة: س 1- اذكر دليلاً على أن الله وتعالى يقلب قلوب العباد. س 2- ما معنى القول بأن الله تعالى يقلب القلوب؟   1 أخرجه بن أبي عاصم في السنة (1/98) ح 219 من حديث أبي إدريس الخولاني عن النواس مرفوعاً وصححه الألباني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 (الشفاعة) 23- ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لأهل الكبائر من أمته.   اللغة: (يقرون) يعترفون ويثبتون. (الشفاعة) هنا استشفاع النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر. الشرح: الشفاعة لا تكون يوم القيامة إلا بإذن الله تعالى للشافع ورضاه عن المشفوع له وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (68) حيث قال: "ويقولون إن الله يخرج من النار قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين، وأن الشفاعة حق". وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 61 حيث قال: "ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد ومرتكبي الكبائر كما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ودل على ثبوت الشفاعة الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، وبين الله الشفاعة الصحيحة وهي التي تكون بإذنه لمن يرتضي قوله وعمله. وقال عليه الصلاة والسلام: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين" 1، والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة   1 البخاري (11/425) ح 6566 في الرقاق باب صفة الجنة والنار من حديث أي رجاء عن عمران مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وقد نص بعض أهل العلم على تواترها كابن أبي عاصم في السنة (2/385) والقاضي عياض كما في شرح مسلم (3/35) وغيرهما. وذكر الأشعري الإجماع في رسالته إلى أهل الثغر ص 97 فقال: "وأجمعوا على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته وعلى أن يخرج من النار قوم من أمته بعدما صاروا حُمَمًا"، وخالفهم المعتزلة والخوارج. انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 258. أما صاحب كتاب شرح الأصول الخمسة المعتزل فيري الشفاعة ثابتة ويخالف في كونها للفساق ص 687-688، 690 ورد الأحاديث في الشفاعة للناس بأنها منقولة بطريق الآحاد. انظر الإرشاد (ص 393-395) و (المواقف 380) ، وقد عقد الإمام الحافظ إسماعيل التيمي فصلا في الرد على من ينكر إخراج الموحدين من النار فارجع إليه. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بأنواعها ومنها الشفاعة لأهل الكبائر من أمته. المناقشة: س 1-ما المراد بالشفاعة؟ س 2- هل الشفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم يشاركه غيره فيها؟ 3- ما شروط الشفاعة الصحيحة؟ 4- اذكر بعض المخالفين لأهل السنة في الشفاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 (عذاب القبر) 24- وبعذاب القبر.   الشرح: يؤمن أهل السنة بالنصوص الواردة في إثبات وجود عذاب القبر لمن شاء الله من خلقه من أهل الشقاء وهذا ما قرره وبسط الكلام فيه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (69) حيث قال: "ويقولون إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] ، فأثبت لهم ما بقيت الدنيا بالغدو والعشي دون ما بينهما، حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشدّ العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا، وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 124] ، يعني قبل فناء الدنيا، وقال تعالى: بعد ذلك: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] ، بين أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة وفي معاينتنا اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية في المعيشة ما يعلم أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا لوجود مشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به بعد الموت قبل الحشر". ومن الآيات التي استدل بها أهل السنة على إثبات عذاب القبر قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] . وقد استدل بها النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات عذاب القبر فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازب وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم إذا سئل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} 1، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة"2. والأحاديث في إثبات عذاب القبر كثيرة متواترة، قال الشيخ عبد الغني المقدسي في عقيدته ص 37 "رواه عن النبي اثنا عشر صحابيا" ضمن المجموعة العلمية السعودية ص 37، وخالف جمهور أهل السنة في ذلك ضرار بن عمر وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة. انظر شرح الأصول الخمسة ص 0 73 والمواقف ص 382. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بوجود عذاب في القبر على الحقيقة كما ورد في الكتاب والسنة. المناقشة: س 1- هل يوجد في القبر عذاب حقيقي أم لا؟ 2- اذكر دليلاً في إثبات عذاب القبر. س 3- اذكر بعض المخالفين لأهل السنة في هذا الباب.   1 البخاري (8/ 229) ح 4699 في التفسير باب {يثبت الله الذين آمنوا} . 2 البخاري (3/ 286) ح 1379 في الجنائز باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 (الحوض) 25- وأن الحوض حق.   الشرح: يؤمن أهل السنة بالحوض المورود الذي أعده الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (68) فقد قال: "والحوض حق"، وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص (65) فقد قال: "ويؤمنون بالحوض والكوثر ... "، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وقد تضافرت الأدلة من السنة على إثبات الحوض فقد بوب البخاري في صحيحه باباً في الحوض وكذا مسلم عقد باباً في إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن جملة تلك الأحاديث حديث أنس بن مالك مرفوعاً: "إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء واليمن وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء"1، وحديث جندب مرفوعاً: "أنا فرطكم على الحوض" 2، والأحاديث في ذلك كثيرة بلغت حد التواتر صرح بذلك بعض أهل العلم كالقرطبي في المفهم كما في فتح الباري (11/467) ، وابن كثير في النهاية 2/3 والقاضي عياض كما في شرح مسلم 15/53 وابن أبي عاصم كما في السنة 2/360 وغيرهم. فأهل السنة اتفقت كلمتهم قاطبة على إثبات حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو حوض عظيم ومورود كريم طوله مسيرة شهر كعرضه ماؤه أشد بياضاً من   1 البخاري (11/ 472) ح4580 في الرقاق باب في الحوض ومسلم (4/ 1800 ح 2303 في الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم كلاهما من حديث ابن شهاب عن أنس مرفوعاً. 2 البخاري (11/ 473) ح 6589 في الرقاق باب في الحوض ومسلم (4/1792) ح 2289) في الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم كلاهما من حديث عبد الملك بن عمير عن جندب مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 اللبن وأحلى من العسل وأطيب ريحاً من المسك، وآنيته عدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم وأنكرته طائفة من المبتدعة. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بحوض النبي صلى الله عليه وسلم على صفته الواردة في الآثار. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من مسألة حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟ س 2- اذكر بعضاً من صفات هذا الحوض كما وردت بها الآثار؟ س 3 - من هو فرط المسلمين على الحوض؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 (الصراط) 26- والصراط حق.   الشرح: أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات الصراط وهو جسر بفتح الجيم وكسرها ممدود على جهنم ليعبر المسلمون عليه إلى الجنة وهو أحد من السيف وأدق من الشعر ولا يعبره إلا المؤمنون فيمضون عليه على قدر نورهم منهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالطرف ومنهم من يرمل رملاً وهو ثابت بالكتاب والسنة. وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم: 71] فسرها عبد الله بن مسعود وقتادة وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط قال ابن أبي العز والأظهر أنه المرور على الصراط وفسرها جماعة منهم ابن عباس بالدخول في النار لكن ينجون منها. انظر تفسير البغوي (5/ 246) . وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب (الصراط جسر جهنم) ذكر فيه حديث أبي هريرة الطويل وفيه "ويضرب جسر جهنم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان" 1 الحديث. وأنكره بعض المعتزلة ينظر شرح الأصول الخمسة 737، 378، والإرشاد للجويني 370، 380.   1 البخاري (11/453) ح 6573 في الرقاق باب الصراط جسر جهنم من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الخلاصة: يؤمن أهل السنة بأن الصراط حق، كما ورد في الكتاب والسنة وعليه الإجماع. المناقشة: س 1- ما المراد بالصراط؟ وما صفته؟ س 2- ما مذهب أهل السنة في شأن الصراط؟ س 3- اذكر بعض المخالفين في هذا الباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (البعث) 27- والبعث بعد الموت حق.   اللغة: (البعث) هو إحياء الموتى يوم القيامة للحساب. الشرح: البعث بعد الموت قررته الأديان كلها ووردت فيه النصوص الشرعية التي لا تحصى. وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي فقد قال في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 68 "والمعاد حق". وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 60 حيث قال: "ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة وبكل ما أخبر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم من أهوال ذلك اليوم الحق". فالله يبعث الموتى من القبور ويعيدهم معاداً جسمانياً بأن يجمع ما تفرق من أجسامهم ثم ينشئهم نشأة أخرى ثم يعيد أرواحهم دل على ذلك قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 24، 25] وقوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم وفيه يركب"1 وأجمعت   1 مسلم (4/ 2271) ح 2955 في الفتن باب ما بين النفختين من حديث الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الأمة على إثبات البعث قال السفاريني في لوامع الأنوار 2/ 157: "اعلم أنه يجب الجزم شرعاً أن الله تعالى يبعث جميع العباد ويعيدهم بجميع أجزائهم الأصلية وهي التي شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره ويسوقهم إلى محشرهم لفصل القضاء فإن هذا حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة". بل اتفقت اليهود والنصارى على إثبات المعاد. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة على الحقيقة بالأبدان والأرواح. المناقشة: س 1- ما هو البعث؟ س 2- ما قول أهل السنة في مسألة البعث بعد الموت؟ س 3- هل البعث للأرواح فقط أو للأرواح والأبدان معاً؟ س 4- اذكر بعضاً ممن أنكر المعاد الجسماني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 (الحساب) 28- والمحاسبة من الله عز وجل للعباد حق، والوقوف بين يدي الله حق.   اللغة: (المحاسبة) مفاعلة من حاسب. والمقصود بها الحساب وعرض الأعمال على الله عز وجل (الوقوف) القيام. الشرح: يؤمن أهل السنة بالحساب وبما يكون فيه من العرض والمناقشة وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 68 حيث قال:"والحساب حق". وكذا الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 6 حيث قال: "واختلاف العباد فيه والخلق فيما يرونه ويلقونه هنالك في ذلك اليوم الهائل من أخذ الكتب بالإيمان والشمائل والإجابة عن المسائل إلى سائر الزلازل والبلابل الموعودة في ذلك اليوم العظيم والمقام الهائل من الصراط والميزان ونشر الصحف التي فيها مثاقيل الذر من الخير وغيرها". فقد كثرت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على إثبات وقوف الخلق للحساب دل على هذا قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حوسب عذب" فقالت عائشة: يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق: 7] قالت: فقال "إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك" 1.   1 البخاري (1/237) ح 103 في الإيمان من حديث أب مليكة عن عائشة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وقول النبي صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] قال: "ويقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه "1. قال السفاريني ذاكراً إجماع أهل العلم "وهو حق ثابت ورد به الكتاب والسنة وانعقد عليه الإجماع وهو يوم القيامة" لوامع الأنوار 1/ 394. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بالوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب والعرض عليه. المناقشة: س 1- ما المراد بالحساب- الوقوف؟ س 2- ما مصير من يناقش الحساب؟ س 3- ما المراد بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} .   1 مسلم (4/2195) ح 2862 في الجنة باب في صفة يوم القيامة من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 (زيادة الإيمان ونقصانه) 29- ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق.   الشرح: هذا هو قول أهل السنة والجماعة في مسألة الإيمان وهو ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (63: 64) حيث قال: "ويقولون إن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية من كثرت طاعته أزيد إيماناً ممن هو دونه في الطاعة". وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 67 حيث قال: "ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية". فالأدلة من الكتاب والسنة متضافرة على أن الإيمان قول واعتقاد وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وأجمع عليه أهل العلم قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] . قال الحليمي في كتابه المنهاج 1/379 "أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس فثبت أن الصلاة إيمان وإذا ثبت ذلك فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً فرق في هذه التسمية بين الصلاة وسائر الطاعات". وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة والحياء من الإيمان" 1.   1 البخاري (1/ 67) ح 9 في الإيمان باب أمور الإيمان ومسلم (1/ 63) ح 35 في الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان من حديث أبى صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أخرجه البخاري زاد مسلم في رواية "فأفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى من الطريق". قال ابن منده: "فجعل الإيمان شعباً بعضها باللسان وبعضها بالقلب وبعضها بسائر الجوارح"الإيمان (1/332) . وعقد البخاري باب (زيادة الإيمان ونقصانه وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31] وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص ثم ساق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير" 1 وحكى اتفاق السلف على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية غير واحد من أهل العلم. كالشافعي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/886،887) وأحمد كما في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 228 والبخاري في فتح الباري 1/ 47 وابن عبد البر في التمهيد 9/238 والبغوي في شرح السنة (1/38، 39) وعبد الرزاق الصنعاني كما في شرح مسلم 1/ 46 1. وقوله: أي قول القلب واللسان فقول القلب هو الاعتقاد وأما قول اللسان فهو التكلم بكلمتي الإسلام والإيمان. قوله (وعمل) : العمل قسمان: عمل القلب: وهو الإخلاص والنية وعمل الجوارح وهي الأعضاء.   1 البخاري (1/ 127) ح 44 في الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه من حديث قتادة عن أنس مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وقوله: (لا يقولون) وهذه المقالة من البدع التي أحدثها أهل الكلام وأصلها يرجع إلى القول باللفظ بالقرآن فقد تقدم أن الإمام أحمد نهى أن يقال لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق. ونهى كذلك أن يقال الإيمان مخلوق أو غير مخلوق فقد نقل ابن حامد أن أبا طالب نقل عن الإمام أحمد أنه يقول في الإيمان"إن من قال مخلوق فهو جهمي ومن قال إنه غير مخلوق فقد ابتدع وأنه يهجر حتى يرجع) طبقات الحنابلة 2/176. وقال القاضي أبو يعلى في مختصر المعتمد ص 191: "واعلم أنه لا يجوز إطلاق القول في الإيمان أنه مخلوق أو غير مخلوق لأن من قال مطلقاً إنه مخلوق أوهم أن كلام الله وأسماءه وصفاته مخلوقة ومن قال إنه غير مخلوق أوهم أن أفعال العباد قديمة غير مخلوقة ". الخلاصة: يؤمن أهل السنة أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ولا يقولون مخلوق أو غير مخلوق. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من مسألة دخول الأعمال في مسمى الإيمان؟ س 2- هل يقول أهل السنة إن الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟ س 3- اذكر بعض من خالف أهل السنة في مسألة الإيمان. س 4- ما الذي جرأ أهل البدع على القول بأن الإيمان مخلوق؟ تنبيه: لقد خالف الماتريدية والأشعرية مذهب السلف في الإيمان ووافقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 المرجئة، فلم يقولوا بزيادة الإيمان ونقصانه ولم يجعلوا القول والعمل من أركان الإيمان وبذلك قد وقعوا في أنواع من البدع وباينوا طريقة أهل السنة والجماعة والله المستعان1..   1 انظر الماتريدية للدكتور شمس الدين السلفي رحمه الله تعالى 1/404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 (الاسم المسمى) 30- ويقولون: أسماء الله هي الله.   الشرح: من البدع التي أحدثها أهل الكلام أن أسماء الله غير الله وما كان غيره فهو مخلوق وهذا من حماقاتهم وبذلك يمهدون الطريق لبدعة القول بخلق أسماء الله قال ابن جرير في كتابه صريح السنة. "وأما القول في الاسم هو المسمى أم هو غيره فإنه من الحماقات الحادثة التي لا أثر فيها فيتبع ولا قول من إمام فيستمع". قلت قول ابن جرير "ولا قول من إمام فيستمع" يشير إلى أن النزاع في هذه المسألة حدث بعد أئمة السلف الأوائل وذكر ابن أبي يعلى أن الإمام أحمد كان يشق عليه الكلام في الاسم والمسمى ويقول: هذا كلام محدث ولا يقول إن الاسم غير المسمى ولا هو ولكن يقول: إن الاسم للمسمى إتباعا لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] . وقال شيخ الإسلام "وهذا هو القول بأن الاسم للمسمى وهذا الإطلاق اختيار أكثر المنتسبين إلى السنة من أصحاب أحمد وغيره". وعقد اللالكائي في كتابه1 باب في "سياق ما فسر من كتاب الله تعالى وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وورد في لغة العرب على أن الاسم والمسمى وأحد وأنه هو هو لا غير" قال المحقق في الحاشية هنا في حاشية الأصل بخط دقيق كأنه جديد. "وأن الاسم للمسمى"وذكر الأدلة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] ومن أعظم الشرك أن يقال "إن العبادة لاسمه واسمه مخلوق   1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 204) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وقد أمر بالعبادة للمخلوق وهذا قول المعتزلة والنجارية وغيرهم من أهل البدع والكفر والضلالة وقال تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] وقد أجمع المسلمون على أن هو إشارة إليه وأن اسمه هو وقال تبارك وتعالى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] فأمر الله تبارك وتعالى أن يذكر اسمه على البدن حين نحرها للتقرب إليه، وعلى مذهب المبتدعة لو ذكر اسم زيد أو عمرو أو اللات والعزى يجزيه لأن هذه الأسماء مخلوقة وأسماء الله عز وجل عندهم مخلوقة وقال في آية أخرى {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] . وأجمع المسلمون على أن المؤذن إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فإنه قد أتى بالتوحيد وأقر بالنبوة إلا المعتزلة فإنه يلزمهم أن يقولوا: أشهد أن الذي اسمه (الله) لا إله إلا هو وأشهد أن الذي اسمه محمد رسول الله وهذا خلاف ما وردت به الشريعة وخلاف ما عليه المسلمون وكذلك هذه الإيمان التي باسم الله تبارك وتعالى كلها عندهم يجب أن تكون مخلوقة والناس يحلفون بالمخلوق دون الخالق لأن الاسم غير المسمى والاسم مخلوق عندهم والذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه "باسمك اللهم أحيا وأموت"1 وكان يستشفي للمرضى بقول: "أعيذك بكلمات الله التامة" وكان يعوذ بها حسناً وحسيناً، وجبريل حين اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عوَّذه بها، ثم قول الناس في الأدعية اللهم اغفر لي وارحمني: معناه عندهم من اسمه اللهم الذي هو مخلوق اغفر لي وهذا كفر بالله وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين ولغة العرب والعرف والعادة". والحاصل أن ها هنا ثلاث صور: الأولى: الاسم غير المسمى. والثانية: الاسم هو المسمى والثالثة: الاسم للمسمى فأما الصورتان الأوليان فتحتملان حقاً وباطلاً فقول القائل إن الاسم غير المسمى إن أراد أن لفظ   1 البخاري (11/ 96، 111) من حديث حذيفة وأبي ذر رضي الله عنهما مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الاسم غير الذات وأنه مخلوق فهذا معنى باطل لأن أسماء الله تعالى من كلامه وكلامه غير مخلوق فأسماء الله غير مخلوقة. وإن أراد القائل أن أسماء الله غير ذات الله فهذا كلام صحيح عقلاً ولغة، لأن لفظ زيد مثلا غير زيد الآكل الشارب. وأما الصورة الثانية: أن الاسم عين المسمى فأيضاً تحتمل حقاً وباطلاً، فمن قال إن الاسم عين المسمى وأراد بالاسم الذات وأراد أن ألفاظ أسماء الله مخلوقة فهذا معنى باطل كما سبق. وإن أراد أن الاسم عين المسمى بمعنى الاسم لا ينفك عن المسمى ولم يقل بخلق أسماء الله فهو كلام حق. وأما الصورة الثالثة: وهي إن الاسم للمسمى فهو كلام واضح لا تلبيس فيه ولا تدليس وليس من الكلمات المحدثة بل الكتاب والسنة يدلان عليه فقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فالحاصل أن قول القائل إن الاسم عين المسمى أو غير المسمى. إن صدر عن إمام من أئمة السنة فيحمل على المعنى الحق، وإن جرى على لسان إمام من أئمة أهل الكلام فيحمل على المعنى الباطل. ولذلك ننبه طلبة العلم إلى معرفة مصطلحات أهل الكلام لغموضها وتلبيسها ولما في طياتها من التعطيل والشطط1 والله المستعان. الخلاصة: الراجح عند أهل السنة أن يقال: إن الاسم للمسمى لورود الأدلة بذلك ولا يقال الاسم هو المسمى أو غير المسمى إلا ببيان المعنى الحق إذ إنها تحتمل حقاً وباطلاً.   1 انظر مجموع الفتاوى (6/ 185: 189: 197) 202) وشرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان (1/ 225: 226) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/ 204: 207) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 المناقشة: س1- بين القول الراجح عند أهل السنة في مسألة الاسم والمسمى. س2- ما المعاني الحقة والباطلة في قولنا إن الاسم هو المسمى أو غير المسمى؟ س3- بين مذهب المعتزلة في هذه المسألة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 (ترك الشهادة لأحد من الموحدين بالجنة أو النار إلا من شهد له رسول الله) 31- ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين، حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، ويؤمنون بأن الله سبحانه يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.   اللغة: (يشهدون) الشهادة هي الإخبار عن علم (الموحدين) جمع موحد وهو من أفرد الله تعالى بجميع أنواع التوحيد. الشرح: لا يحكم أهل الحديث لمسلم معين بجنة أو نار إلا من ورد في حقهم نص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قرر هذا الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (68: 69) حيث قال: "ولا يقطعون على أحد من أهل الملة أنه من أهل الجنة أو من أهل النار لأن علم ذلك يغيب عنهم لا يدرون على ماذا الموت؟ أعلى الإسلام؟ أم على الكفر؟ ولكن يقولون: إن من مات على الإسلام مجتنباً للكبائر والأهواء والآثام فهو من أهل الجنة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البينة: 7] ولم يذكر عنهم ذنباً {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [البينة:7-8] ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعينه وصح ذلك عنه فإنهم يشهدون له بذلك إتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقاً لقوله وكذا قال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 82 حيث قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 "ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة لا يدري أحد بم يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، لأن ذلك مغيب عنهم لا يعرفون علام يموت عليه الإنسان أعلى الإسلام أم على الكفر؟ ولذلك يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله أي من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله. ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله أنهم يعذبون بالنار مدة لذنوبهم التي اكتسبوها ولم يتوبوا منها فإنهم يردون أخيراً إلى الجنة ولا يبقى أحد في النار من المسلمين فضلاً من الله ومنة ومن مات والعياذ بالله- على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها ولا يكون لمقامه فيها منتهى. فمن خلال ما تقدم يتبين لنا أن الشهادة بالجنة أو النار تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة. فالعامة: هي المعلقة بالوصف مثل أن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة أو لكل كافر بأنه في النار أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع سبباً لدخول الجنة أو النار. والخاصة: هي المعلقة بشخص مثل أن نشهد لشخص معين بأنه في النار فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم1. الخلاصة: لا يشهد أهل السنة لأحد من المسلمين بجنة ولا نار بل هم تحت مشيئة الله تعالى، ويؤمنون بأن الموحدين يخرجون من النار ويدخلون الجنة.   1 شرح لمعة الاعتقاد ص 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 المناقشة: س1- ما موقف أهل السنة من قضية الحكم على المعين؟ س2- هل يخرج أحد من النار بعد أن يدخلها؟ س3- اذكر أنواع الشهادة بالجنة أو النار وما يجوز منها وما لا يجوز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 (ترك المراء والجدال في الدين) 32- وينكرون الجدال والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة والآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة.   اللغة: (الجدال) شدة المخاصمة (المراء) هو الجدال. (عدلا) المؤدى للفرائض المجتنب للمحارم. الشرح: قرر هذا أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 99 حيث قال: "ويتقون الجدال في الدين والخصومات فيه"والحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (71) حيث قال "ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره لقول الله عز وجل {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] يعني يجادل فيها تكذيباً بها والله أعلم". قلت: ما ذكره الإسماعيلي من الجدال القبيح المنهى عنه أما إذا كان الغرض من الجدال إثبات الحق وإبطال الباطل فهذا من المجادلة الحسنة وهي المذكورة في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وقد وردت نصوص شرعية فيها الأمر بالإمساك عن القدر والنهي عن الخوض فيه فمما ورد في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا" أخرجه الطبراني في الكبير1. الخلاصة: يمنع أهل السنة الجدال والمراء في الدين والقدر، ويسلمون لما ورد في الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من مسألة الجدال في الدين؟ س 2- هل يجوز الخوض في مسائل القدر؟   1 الكبير (2/ 96) ح 1427 من حديث أبي الأشعث عن ثوبان مرفوعاً قال في مجمع الزوائد (7/ 202) وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف. (وصححه الألباني في الصحيحة رقم 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (الإرادة الكونية) 33- ويقولون: إن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنة وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن كان مريداً له.   اللغة: (يأمر) الأمر هو طلب الفعل على وجه الإلزام (نهى) النهي عن الشيء هو طلب الكف عنه. الشرح: الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوباً لله مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام: 125] فهي بمعنى المشيئة. وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوباً لله ولا يلزم وقوعه كقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] انظر مجموعة الرسائل الكبرى 3/ 76 الطحاوية 279، وقال التيمي في الحجة 1/ 23 فصل "في إثبات المحبة والفرق بينها وبين الإرادة" "والإرادة غير المحبة والرضا فقد يريد ما لا يحبه الله ولا يرضاه بل يكرهه ويسخطه ويبغضه قال بعض السلف: إن الله يقدر ما لا يرضاه بدليل قوله {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] . والشر لا يضاف إلى الله مفرداً قط، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] وإما أن يضاف إلى السبب كقوله {مِنْ شَرِّ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 خَلَقَ} [الفلق:2] وإما أن يحذف فاعله كقوله الجن {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن:10] انظر شرح العقيدة الطحاوية صلى الله عليه وسلم 407-408. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 (حقوق الصحابة والاعتراف بفضائلهم) 34- ويعرفون حق الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم.   اللغة: (الفضائل) جمع فضيلة وهي ما يحمد عليه الإنسان (يمسكون) يكفون. (شجر) دب ووقع من الشر. الشرح: يكفيهم في الفضل أن الله أثنى عليهم ورضي عنهم ووعدهم بالحسنى كما في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] . وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] . وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8-9] . فأفضل الصحابة المهاجرون لجمعهم بين الهجرة والنصرة ثم الأنصار الذين آووا المهاجرين وآثروهم على أنفسهم ونصروا دين الله. وأما مسألة الكف عما شجر بين الصحابة فهذا هو الصواب ويستثنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 منه ما إذا كان الغرض بيان الحق في مسألة ما دونما انتقاص لأحد منهم. وقد قرر هذا شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 93 حيث قال: "ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم وكذلك يرون تعظيم قدر أزواجه رضي الله عنهن والدعاء لهن ومعرفة فضلهن والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين". وكذا ابن بطة في الإبانة في أصول السنة ص 268. "ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم". وكذا أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (79) حيث قال "والكف عن الوقيعة فيهم وتأويل القبيح عليهم ويكلونهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل". الخلاصة: يؤمن أهل السنة بفضل الصحابة على من عداهم ويكفون عما شجر بينهم. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من الصحابة؟ س 2 -ما موقف أهل السنة مما شجر بين الصحابة من منازعات؟ س 3 ما الذي يستثنى من مسألة الكف عما شجر بين الصحابة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 (المفاضلة بين الصحابة) 35 - ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم.   الشرح: أفضل هؤلاء الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا نخير بين الناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان"1. فهذا الحديث الجليل فيه رد بليغ على أهل الضلال الذين قدموا علياً رضي الله عنه على الشيخين بل الحق الذي عليه أهل الحديث أهل السنة والجماعة أن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي رضي الله عنهم أجمعين على ترتيبهم في الخلافة ثم باقي العشرة ثم أصحاب بدر والرضوان وبيعة العقبة وهكذا. هذا هو قولهم وهو الذي يدينون الله به ولا يعدلون عنه، وقد ضل من عدل عن قولهم في هذه المسألة أو غيرها من المسائل. والصحابة كانوا يخيرون بهذا الترتيب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان باطلاً لما أقرهم عليه ولا وافقهم ولا سكت فتنبه.   1 البخاري (7/20) ح 3655 في فضائل الصحابة باب فضل أبي بكر من حديث نافع عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 (خلافة الخلفاء الراشدين) 36 - ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.   الشرح: هذا قول أهل السنة قاطبة في شأن الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وقد قرر هذا وبسطه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتاب اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (71: 72) حيث قال: "ويثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة إياه، ثم خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر إياه، ثم خلافة عثمان رضي الله عنه باجتماع أهل الشورى وسائر المسلمين عليه عن أمر عمر ثم خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن بيعة من بايع من البدريين عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ومن تبعهما من سائر الصحابة مع سابقة فضله". الخلاصة: يؤمن أهل السنة بتفضيل الخلفاء الأربعة على من سواهم من الصحابة وبفضلهم على ترتيبهم في الخلافة وأنهم خير الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. المناقشة: س 1- ما قول أهل السنة في التفضيل بين الصحابة؟ س 2 – من أحسن الأمة بالفضل بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ س 3- ما قولك فيمن يقدم علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 (صفة النزول) 37- ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر؟ " كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.   اللغة: (يصدقون) يؤمنون ويقرون. الشرح حديث النزول من الأحاديث المتواترة نص على ذلك أبو زرعة الرازي كما في عمدة القاري 7/199 وابن القيم في تهذيب السنن 7/108 والذهبي في العلو ص 73 وابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 304 والكتاني في النظم المتناثر ص 191 وغيرهم. ولفظه "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ... " متفق عليه. وهذا ما قرره عن أهل الحديث الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 62 حيث قال "وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا اعتقاد كيف فيه". وشيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 26 حيث قال: "ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهون فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويكلون علمه إلى الله" قلت: قوله يكلون علمه إلى الله يقصد به علم كيفية النزول فقد استأثر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 بعلم الكيف أما المعنى فهو معروف. من لغة العرب وهو لائق بجلال الله وعظمته من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . الخلاصة: يؤمن أهل السنة بصفة النزول الإلهي على الكيفية اللائقة بالله تعالى وأنه نزول حقيقي إلى السماء الدنيا كل ليلة. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من صفة النزول الإلهي؟ س 2 - هل ذكر أهل السنة كيفية معينة لنزول الرب سبحانه وتعالى؟ س 3 -ما حكم من شبه نزول الله تعالى بنزول الخلق؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 (التحاكم عندهم إلى الكتاب والسنة) 38 - ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} .   اللغة: (التحاكم) التماس الحكم. (تنازعتم) تخاصمتم. الشرح: هذا أصل من أصول مذهب أهل االحديث وهو التحاكم إلى الكتاب والسنة والتسليم لهما وعدم معارضتهما بالرأي أو العقل أو القياس فمن رام النجاة والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب والسنة فلا تقبل من أحد قولاً إلا وطالبه بالاستدلال على صحة قوله بآية محكمة أو سنة ثابتة أو قول صحابي من طريق صحيح. (انظر رسالة الحرف والصوت: 310) . قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 79 "فتمسكوا معتصمين بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا عنه، واعلموا أن الله تعالى أوجب محبته ومغفرته لمتبعي رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه وجعلهم الفرقة الناجية والجماعة المتبعة فقال عز وجل لمن ادعى أنه يحب الله عز وجل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] . وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 107 "وقد وفقهم-يعني أصحاب الحديث - الله جل جلاله لإتباع كتابه ووحيه وخطابه والإقتداء برسوله في أخباره التي أمر فيها أمته بالمعروف من القول والعمل وزجرهم فيها عن المنكر منهما وأعانهم على التمسك بسيرته والاهتداء بملازمة سنته.. وشرح صدورهم لمحبته ومحبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أئمة شريعته وعلماء أمته ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب"1. الخلاصة: يرى أهل السنة والجماعة أن من أصول الاعتقاد وجوب التحاكم إلى الله ورسوله عند التنازع في أي أمر. المناقشة: س1 - إلام تتحاكم عند التنازع؟ س2 - ما حكم من لم يسلم لله والرسول؟   1 أخرجه البخاري (10/573) ح 6170 في الآداب باب علامة الحب في الله من حديث أبي وائل عن أبي موسى مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 (اتباع السلف) 39 - ويرون إتباع من سلف من أئمة الدين لا يبتدعون في دينهم ما لم يأذن به الله.   اللغة: (اتباع) اقتفاء أثرهم وملازمة الأمر الذي كانوا عليه. الشرح: من أصول مذهب أهل الحديث إتباع أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أئمة الدين في أصول العقيدة خاصة وفي الدين عامة أما الصحابة فلما فضلوا به من شرف الصحبة وأخذهم الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلامة قلوبهم وأعمالهم من البدع وسلامة ألسنتهم من العجمة. وأما التابعون فلأخذهم الدين مباشرة عن الصحابة ولقربهم من عهد النبوة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم"1. وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 99 "ويقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدوا اهتدوا". وقال الإمام الحافظ أبو نصر السجزي "أئمة الحق، هم المتبعون لكتاب ربهم سبحانه المقتفون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، المتمسكون بآثار سلفهم بمعرفتها وجمعها والتقدم فيها أئمة لغيرهم".   1 البخاري (7/5) ح 3651 في فضائل الصحابة باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبيدة عن ابن مسعود مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الخلاصة: وجوب إتباع الصحابة والتابعين في جميع مسائل الدين وحرمة الابتداع بما لم يأذن به الله. المناقشة: س1 من الذين يجب عليك اتباعهم؟ س2 ما سبب وجوب اتباع الصحابة والتابعين؟ س3 اذكر حكم الابتداع في الدين بما لم يأذن به الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 (صفة المجيء) 40 - ويقررون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22] . مجيء الله للفصل بين عباده يوم القيامة ثابت بالكتاب والسنة قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 210] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل "حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله أتاهم رب العالمين" 1 متفق عليه. فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهو مجيء حقيقي يليق بالله تعالى وهذا ما قرره شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني حيث قال: "وكذلك يثبتون ما أنزله الله -عز اسمه- في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210] وقوله عز اسمه {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: 22] . عقيدة السلف أصحاب الحديث 27. وهذه صفة من الصفات الفعلية التي يفعلها الله تعالى إذا شاء وأهل السنة لم يشبهوا مجيء الله بمجيء الخلق كما فعلت المشبهة وكذلك لم يؤولوا ويحرفوا كما فعلت المعطلة.   1 البخاري (13/431) ح 7439 في التوحيد باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة} . ومسلم (1/167) ح 183 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية كلاهما من حديث عطاء بن أبي سعيد مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 (القرب) 41- وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] .   اللغة: (يقرب) يدنو (الوريد) جمعه أوردة وهي العروق التي يجري فيها الدم إلى القلب. الشرح: إن الله سبحانه فوق سمواته على عرشه كما أنه يقرب من عباده في آخر الليل وهو فوق عرشه فإن علوه سبحانه على سمواته من لوازم ذاته فلا يكون قط إلا عالياً ولا يكون فوقه شيء البتة كما قال أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء" 1 وهو سبحانه قريب في علوه عال في قربه كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير فقال: " أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"2 فأخبر صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق به أنه أقرب إلى أحدهم من عنق راحلته وأخبر أنه فوق سمواته على عرشه مطلع على خلقه يرى أعمالهم ويعلم ما في بطونهم وهذا حق لا يناقض أحدهما الآخر   1 ابن ماجة (2/1295) ح 3831 في الدعاء باب فضل الدعاء، وابن حبان (2/156،157) ح 962 كلاهما من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. 2 البخاري (10/191) ح 6384 في الدعوات باب الدعاء إذا علا عقبة ومسلم (4/2076) ح 2704 في الذكر والدعاء باب استحباب خفض الصوت بالذكر كلاهما من حديث أبي عثمان عن أبي موسى مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 والذي يسهل عليك فهم هذا معرفة عظمة الرد وإحاطته بخلقه وأن السموات السبع كخردلة في يد العبد وأنه سبحانه يقبض السموات بيده والأرض بيده الأخرى ثم يهزهن فكيف يستحيل في حق من هذا بعض عظمته أن يكون فوق عرشه ويقرب من خلقه كيف شاء وهو على العرش سبحانه وتعالى تقدست أسماؤه وعظمت صفاته1. الخلاصة: إن الله تعالى يقرب من خلقه كيف شاء ومتى شاء ولا تنافي بين هذا القرب وبين علوه على خلقه واستوائه على عرشه وهو سبحانه يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بينهم كما ورد في الأخبار. المناقشة: س 1- اذكر بعضاً من الأدلة الدالة على إثبات صفة المجيء لله تعالى؟ س 2 - اذكر دليلاً على أن الله تعالى يقرب من خلقه متى شاء؟ س 3 - هل هناك تنافي بين صفة القرب وبين العلو والاستواء؟   1 انظر مختصر الصواعق 2/271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 (الجمعة والجماعة خلف كل إمام مسلم) 42 - ويرون العيد والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر.   اللغة: (البر) هو المطيع الصالح (الفاجر) هو العاصي الفاسق. الشرح: هذا مذهب أهل السنة في مسألة الصلاة خلف البر والفاجر وهو الذي قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 75 حيث قال: "ويرون الصلاة -الجمعة وغيرها- خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً فإن الله عز وجل فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق ولم يستثن وقتا دون وقت ولا أمراً بالنداء للجمعة دون أمر". وكذا قرره شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 92 حيث قال: "ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً". الخلاصة: يرى أهل السنة صحة الصلاة خلف كل مسلم براً أو فاجراً. المناقشة: س 1- ما معنى: البر- الفاجر؟ س 2 ما حكم الصلاة خلف الإمام الفاجر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 (المسح على الخفين) 43 - ويثبتون المسح على الخفين سُنة ويرونه في الحضر والسفر.   اللغة: (الحضر) هو ضد السفر، وهو الإقامة. الشرح: المسح على الخفين من المسائل الفقهية ولأن أهل البدع أنكروا المسح على الخفين نص العلماء عليها في عقائدهم قال ابن أبي العز شارحاً كلام الطحاوي: "ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر" وقال: تواترت السنة عن رسول الله بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة.. والكلام عليها في كتب الفروع1. تنبيه: هذه المسألة من المسائل الفرعية ولكن مخالفتها والتشنيع على فاعليها يجعلها من مسائل أصول الاعتقاد ولذلك يذكرها أئمة السنة في كتب العقائد كما ذكروا مسألة رفع اليدين وسورة الفاتحة خلف الإمام لما رأوا أن كثيراً من أهل البدع من أهل الرأي شنعوا على من يعمل بها. الخلاصة: يرى أهل السنة جواز المسح على الخفين للمسافر والمقيم على ما تواتر في السنة النبوية.   1 شرح العقيدة الطحاوية ص 437، 439. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 المناقشة: س1 ما حكم المسح على الخفين للمسافر؟ وللمقيم؟ س2 لماذا تكلم العلماء في كتب العقيدة على هذه المسائل رغم أنها من مسائل الفروع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 (جهاد الكفار والمشركين ماض إلى يوم القيامة) 44 - ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك.   اللغة: (الجهاد) مصدر جاهد ومعناه بذل الجهد والوسع ومقصوده قتال الكفار والمنافقين. (عصابة) جماعة من الناس. (الدجال) الأعور الكذاب الذي وردت الآثار في شأنه. الشرح: جهاد الكفار والمشركين ماض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وقد قرر الإمام أبو بكر الإسماعيلي مذهب أهل الحديث في الجهاد مع الأئمة وإن كانوا جورة فقد قال في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 75 "ويرون جهاد الكفار معهم وإن كانوا جورة ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل". وكذا أبو عثمان شيخ الإسلام إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 92 حيث قال "ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية". الخلاصة: يرى أهل السنة وجوب قتال الكفار والمنافقين مع كل إمام عدل أو جائر وكذلك يرون الدعاء لهم بالتوفيق وتحري العدل واجتناب الظلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 المناقشة: س1 ما حكم قتال الكفار والمشركين؟ س2 ما حكم القتال مع الإمام الجائر؟ س3 هل يجوز الدعاء للحاكم بالخير؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 (نهيهم عن الخروج على أئمة المسلمين) 45 - ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة.   اللغة: (أئمة المسلمين) المراد بهم هنا أمراء المسلمين. الشرح: قلت هذا هو المذهب الحق في مسألة الخروج على الأئمة وهذا ما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (75: 76) حيث قال: "ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل ولا يرون الخروج بالسيف عليهم ولا قتال الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العدل، إذا كان وجد على شرطهم في ذلك". وشيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 93 حيث قال: "ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل". تنبيه: الخروج على الحكام الكفرة المطبقين للقوانين الكفرية ليس من هذا الباب بل هذا من الجهاد في سبيل الله فإن مراد عدم الخروج على ولاة الأمر الذين يعظمون شعائر الله وينفذون شرائع الله ولكن الخروج على الحكام الكفرة أيضاً يحتاج إلى التأني والتثبت فقد يكون في الخروج عليهم ضرر بالإسلام والمسلمين كما رأينا ذلك عياناً في عصرنا الحاضر. فمثل هذا يعمل بأخف الضررين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الخلاصة: يرى أهل السنة عدم الخروج على الأئمة وعدم القتال في الفتنة. المناقشة: س1 ما حكم الخروج عن طاعة الإمام المسلم؟ س2 هل يجوز قتال الفتنة؟ س3 ما حكم قتال الأئمة الذين بدلوا شرائع الإسلام واستبدلوا بها غيرها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 (خروج الدجال) 46- ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله.   اللغة: (الدجال) الكذاب الأعور الذي يخرج في آخر الزمان قبل قيام الساعة. الشرح: من أشراط الساعة الكبرى خروج الدجال في آخر الزمان يدعى الربوبية ومعه خوارق فيقول للسماء أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت. وقد ذكر النبي كثيراً من صفاته وحذر منها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه في الصلاة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"1. وفي حديث النواس بن سمعان "أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق فيدعو الناس إلى عبادته فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب ويتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان فيسير في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح إلا مكة والمدينة فيمنع منهما ومدته أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة وباقي أيامه كالعادة وهو أعور العين مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرؤه المؤمن فقط وله فتنة عظيمة منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت معه جنة ونار فجنته نار وناره جنة"2.   1 أخرجه مسلم في كتاب الصلاة 413 ح (314) باب ما يستفاد منه في الصلاة ومالك في الموطأ 1/216 وأحمد في المسند 1/298. 2 ابن ماجة كتاب الفتن باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم 2/1356، 1359 ح (4075) و (4077) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قال القاضي عياض "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا معه وجنته وناره ونهريه وإتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ثم يعجزه الله تبارك وتعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره فيبطل أمره ويتمثله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة"1. كما قال في حديث أبي داود وابن ماجة "أن عيسى يدرك الدجال عند باب لد الشرقي فيقتله". ولُدّ: بضم اللام وتشديد الدال بلدة قريبة من بيت المقدس من نواحي فلسطين"2. الخلاصة: يصدق أهل السنة بخروج الدجال وبما ورد في شأنه من الأحاديث وبأن عيسى بن مريم يقتله. المناقشة: س 1- عرف الدجال واذكر بعض ما ورد في شأنه وصفاته؟ س 2- ما حكم الإيمان بوجود الدجال وخروجه على الناس؟ س3 - هل تستمر فتنة الدجال طويلاً؟ س 4- من الذي يقتل الدجال؟ وأين؟   1 شرح مسلم للنووي (18/58: 59) . 2 معجم البلدان (5/15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (سؤال منكر ونكير) * ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام   اللغة: (منكر ونكير) ملكان يباشران سؤال القبر. (المعراج) مفعال من عرج وهو ما يصعد عليه (الرؤيا) ما يرى في المنام. الشرح: كل هذه المسائل مما يؤمن به أهل السنة وقرر هذا الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (70: 71) حيث قال "ويؤمنون بمسألة منكر ونكير على ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27] وما ورد تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قول الله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} 1. خالف أهل السنة في هذه المسألة ضرار بن عمرو وبشر المريسي 2. وحكم المعراج حكم غيره من المغيبات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته3 وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكباً على البراق   1 سبق تخريجه. 2 انظر شرح الأصول الخمسة ص 730) والمواقف (382) . 3 شرح الطحاوية (214) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 في صحبة جبريل ثم عرج به إلى السموات العلا، فرأى في الأولى آدم، وفي الثانية يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم عليهم السلام وكلهم قد رحبوا به، وأقروا بنبوته صلى الله عليه وسلم ثم رفع إلى سدرة المنتهى ثم رُفع إلى البيت المعمور ثم عُرج به إلى الجبار جل جلاله فدنا حتى كان قاب قوسين أو أدنى وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة فأشار عليه موسى عند عودته أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف فلم يزل بين موسى وربه حتى جعلها الله خمساً ثم نادى منادٍ: "قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي"1. وأما ذكر المصنف رحمه الله للرؤيا في المنام فلا أدري ما علاقة المنامات والرؤيا بأصول العقيدة عند أهل الحديث إلا إذا كان يقصد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا .... " 2. ويمكن أن يقصد أنه يجوز رؤية المؤمن ربه في المنام فإن من عقيدة أهل السنة جواز رؤية الله في المنام أما في الآخرة فيرونه بأبصارهم في اليقظة. وأما من يدعي رؤية الله في الدنيا يقظة فهو من الكاذبين الدجالين كما يدعى كثيرٌ من الصوفية كما ادعى ذلك التفتازاني الماتريدي. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بسؤال منكر ونكير في القبر، ويؤمنون بمعراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات وما رأى خلاله ويؤمنون بالرؤيا في المنام.   1 البخاري (7/241) ح 3887 في مناقب الأنصار باب المعراج من حديث أنس عن مالك بن صعصعة مرفوعاً. 2 أخرجه مسلم كتاب الرؤيا 4/1773 ح 2263 من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 المناقشة: س1 من هما: منكر ونكير؟ وما وظيفتهما؟ س2 ما حكم الإيمان بالمعراج؟ س3 ما المراد بالرؤيا في المنام؟ س4 اذكر بعضاً من مشاهد المعراج للنبي صلى الله عليه وسلم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 (الدعاء لموتى المسلمين) 48 - وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد مموتهم تصل إليهم.   اللغة: (الدعاء) أي طلب الخير لهؤلاء الموتى (تصل إليهم) أي ينتفعون بثوابها. الشرح: أخذاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"1. والمقصود أن الإنسان إذا هو مات طويت صحيفة أعماله فلا يزاد فيها ولا ينقص، لكنه ينتفع بأشياء منها الصدقة الجارية كالوقف الذي وقفه فإنه ينتفع به بعد موته وذلك لدوام ثوابه، وكذلك علم يكون قد علمه لغيره في الدنيا فإنها يدوم نفعه كذلك ويأتيه ثوابه ومنها استغفار الولد الصالح له، وكيف لا والولد من كسب أبيه. الخلاصة: يرى أهل السنة أن الميت ينتفع بالدعاء له وبالصدقة عنه على ما ورد في الآثار. المناقشة: س 1 - ما معنى تصل إليهم؟ س 2 - هل ينتفع الميت بشيء من أعمال الأحياء؟ ما الدليل؟   1 أخرجه مسلم (3/1255) ح 1631 في الوصية باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 (السحر والسحرة) 49 - ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله، وأن السحر كائن موجود في الدنيا.   اللغة: (الساحر) متعاطي السحر (السحر) ما يخفي سببه ويخالف حقيقته ويكون على وجه التمويه والخداع. الشرح: هذا هو موقف أهل السنة من إثبات السحر ومن حكم الساحر وقد قرر هذا الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 78 حيث قال "وأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر واستعماله كفر من فاعله معتقداً له نافعاً ضاراً بغير إذن الله". وكذا قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 96 حيث قال: "ويشهدون أن في الدنيا سحراً وسحرة إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله قال الله عز وجل {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102] ومن سحر منهم واستعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر بالله جل جلاله وإذا وصف ما يكفر به استتيب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وإن وصف ما ليس بكفر أو تكلم بما لا يفهم نهى عنه فإن عاد عُزِّر، وإن قال: السحر ليس بحرام، وأنا أعتقد إباحته وجب قتله لأنه استباح ما أجمع المسلمون على تحريمه، وقد عقد الإمام الحافظ إسماعيل التيمي الأصبهاني في كتاب الحجة 1/481 فصلاً (في بيان أن السحر له حقيقة وليس بتخيل) وذلك رداً على من أنكر السحر كالمعتزلة وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الخلاصة: يرى أهل السنة أنه يوجد سحر وسحرة، وأن السحر كائن، والساحر كافر وأن السحرة لا يملكون ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله. المناقشة: س1 عرف السحر – الساحر؟ س2 ما موقف أهل السنة من إثبات السحر والسحرة؟ س3 اذكر بعضاً من الطوائف التي أنكرت السحر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 (الصلاة على كل من مات من أهل القبلة) 50 - ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم.   اللغة: (البر) المطيع الصالح (الفاجر) الفاسق العاصي (الموارثة) هي التوارث يرثونهم ويورثونهم. الشرخ: يرى أهل السنة والجماعة الصلاة على كل مسلم بعد موته، ما دام منتسباً لأهل القبلة أي المسلمين وما دام لم يخرج من الإسلام بجحود ما أدخله فيه، ويستوي في ذلك الصالح والطالح، والمطيع والعاصي، والبر والفاجر، ما دام لم يخرج من الإسلام وكذلك يرون موارثته ما دام مسلماً، فأما إذا خرج من الإسلام فلا توارث وفي الحديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"1. الخلاصة: يرى أهل السنة الصلاة على كل من مات من أهل القبلة براً أو فاجراً وكذلك موارثته. المناقشة: س 1- ما حكم الصلاة على الميت؟   1 أخرجه أبو داود (3/328) ح2911 في الفرائض باب هل يرث المسلم الكافر وأحمد (2/178، 195) وغيرهما وحسنة الألباني في صحيح الجامع (2/ 1261/ 7614) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 س2 هل تصح الصلاة على الميت الفاجر عند أهل السنة؟ وهل تصح موارثته؟ س3 ما حكم التوارث بين أهل دينين مختلفين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 (الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان) 51 - ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.   الشرح: يرى أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان كائنتان في الحاضر وهذا ما قرره شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 6 حيث قال: "ويشهدون أهل السنة ويعتقدون أن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما باقيتان لا تفنيان أبداً ويؤمر بالموت فيذبح على سور بين الجنة والنار وينادي منادي يومئذ "يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت) على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد عقد الإمام الحافظ الأصبهاني التميمي في كتابه الحجة 1/ 471 في الرد على الجهمية الذين يقولون إن الجنة والنار لم تخلقا. وأورد فيه الأدلة من الكتاب والسنة لبيان بطلان مذاهب الجهمية واختار دليلاً واحداً من كل منهما. أما الكتاب فقال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر: 46] أما من السنة فقد روى بسنده إلى عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"1. وقد أنكرت الجهمية وطوائف من المعتزلة خلق الجنة والنار وأنهما موجودتان لأن خلقها الآن عبث لا فائدة عنه والله تعالى منزه عن العبث"2.   1 البخاري (6/366) ح3241 في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة من حديث أبي رجاء عن عمران مرفوعاً. 2 انظر شرح الطحاوية 476، والمواقف 377، وأصول الدين للبغدادي 237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الخلاصة: يرى أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وموجودتان وأنهما لا تفنيان. المناقشة: س1 هل الجنة والنار مخلوقتان كائنتان في الحاضر؟ س2 ما الطوائف التي أنكرت وجود الجنة والنار؟ وما حجتها؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 (الميت والمقتول استكمل أجله) 52 - وإن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله.   اللغة: (بأجله) الأجل هو الوقت الذي قدره الله تعالى لنهاية عمر الإنسان. الشرح: الله سبحانه قدر آجال الخلائق بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فالمقتول ميت بأجله، فعلم الله تعالى وقدر وقضى أن هذا يموت بسبب القتل، وهذا بسبب المرض، وهذا بسبب الهدم، وهذا بسبب الحرق، وهذا بالغرق، إلى غير ذلك من الأسباب والله سبحانه خلق الموت والحياة وخلق سبب الموت والحياة. انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 101. وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 93 "ويعتقدون ويشهدون أن الله عز وجل أجل لكل مخلوق أجلاً، وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً وإذا انقضى أجل المرء فليس إلا الموت وليس عنه فوت قال الله عز وجل {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وقال {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران: 145] . ويشهدون أن من مات أو قتل فقد انقضى المسمى له، قال الله عز وجل {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران 154] ، وقال {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 71] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وقال الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 77 "ويقولون إن الله عز وجل أجل لكل حي مخلوق أجلاً هو بالغه فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وإن مات أو قتل فهو عند انتهاء أجله المسمى له كما قال الله عز وجل {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] ". وخالفت المعتزلة أهل السنة في هذه المسألة فالمقتول عندهم انقطع أجله. الخلاصة: يرى أهل السنة أن الإنسان إذا انتهى أجله مات بأي سبب كان وحتى القتل فإنه سبب وقد انتهى أجل المقتول عند قتله. المناقشة: س 1- هل المقتول قد انتهى أجله كالميت أم أن أجله انقطع؟ س 2 - بين موقف أهل السنة من هذه المسألة. س 3- هل يمكن أن يتأخر أجل الإنسان عما قدره الله تعالى؟ س 4 بين موقف المعتزلة من قضية انتهاء أجل المقتول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 (الرزاق هو الله) 53- وأن الأرزاق من قبل الله سبحانه يرزقها عباده حلالاً كانت أم حراماً.   اللغة: (الأرزاق) جمع رزق وهو ما يرزقه الله عباده من صنوف النعم حلالاً كان أم حراماً. الشرح: يرى أهل السنة أنه لا رزاق إلا الله تعالى سواء كان الرزق حلالاً أو حراماً وهذا ما قرره الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 77 حيث قال "وإن الله تعالى يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي به قوام الحياة، وهو يضمنه الله لمن أبقاه من خلقه، وهو الذي رزقه من حلال أو من حرام وكذلك رزق الزينة الفاضل عما يحيى به" وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [سورة فاطر الآية 3] وقال عز وجل أيضاً: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [سورة هود الآية 6] فكل رزق يرزقه الخلق إنما هو من الله تعالى والرزق من أخص خصائص الربوبية وإذ لا خالق إلا الله ولا رب غيره فلا رازق غيره. الخلاصة: جميع ما يرزق به الخلق من صنوف الرزق حراماً أو حلالاً فهو من الله وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 المناقشة: س1 من الذي يرزق الخلق جميعاً؟ س2 هل الرزق من حرام هو من الله أيضاً؟ س3 هل يستغني أحد عن رزق الله تعالى؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (الله خالق الشياطين ووساوسهم) 54 - وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه.   اللغة: (يوسوس) الوسوسة حديث النفس، أي ما يلقيه الشيطان في قلب الإنسان (يشككه) يزرع فيه الشك والريبة (يخبطه) يفسده. الشرح: يرى أهل السنة أن الشيطان متسلط على الإنسان بالوساوس والشكوك وأنه قد يتخبطه ويصرعه وذلك كما قال الإمام لحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (77: 78) : "ويؤمنون بأن الله تعالى خلق الشياطين توسوس للآدميين ويخدعونهم ويغرونهم وأن الشيطان يتخبط الإنسان". وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 95 حيث قال: "ويتسقنون أن الله سبحانه خلق الشياطين يوسوسون للآدميين ويقصدون استذلالهم فيترصدون لهم قال الله عز وجل {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] . وأن الله يسلطهم على من يشاء، ويعصم من كيدهم ومكرهم من يشاء، قال الله عز وجل {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} [الإسراء 64-65] ، وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل 99 - 100] . الخلاصة: يرى أهل السنة أن الشيطان يوسوس للإنسان ويتخبطه ويشككه في أمر دينه غير أن كل ذلك كائن بمشيئة الله. المناقشة: س 1- من الذي تولى محاولة تشكيك الإنسان وإفساده والوسوسة إليه؟ س 2 - هل يمكن أن يتخبط الشيطان الإنسان؟ وما معنى التخبط؟ س 3 - هل يضل الشيطان أحداً بغير إذن الله؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 (التصديق بكرامات الصالحين) 55 - وأن الصالح قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم.   اللغة: (آيات) جمع آية. وهي العلامة والبرهان. الشرح: من أصول عقيدة أهل السنة التصديق بالآيات والكرامات الخارقة للعادة المألوفة للآدميين قال شيخ الإسلام ابن تيمية "ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات" (مجموع الفتاوى 3/156) ، ونفتها المبتدعة من الجهمية والمعتزلة وقد جاء ذكر الكرامات في القرآن من ذلك قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] . وكذا ذكر كرامات بعض الصالحين في السنة من ذلك تكلم الطفل ببراءة جريج الراهب من الفاحشة انظر صحيح مسلم (4/1976) وانفراج الصخرة عن الثلاثة في الغار بعد أن وقعت عليهم وسدت المنافذ انظر صحيح البخاري (4/408) ح (2215) على أنه ليس كل إنسان يحدث له شيء من خوارق العادة ولياً لله حتى ينظر في مدى موافقة حاله للشريعة إذ قد يكون ولياً للشيطان ويحدث له الشيطان شيئاً من الخوارق حتى يضل بها الناس. تنبيه: من العقائد المهمة في باب الكرامة: أن الكرامة وخرق العادة ليس في اختيار الولي بل يجرى ذلك للولي بإذن الله تعالى بدون اختيار الولي وقدرته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فلا يمكن للولي أن يقول أنا سأفعل كذا وكذا وإنما يدعى هذا الكهنة وأولياء الشيطان كما هو حال كثير من أئمة القبورية الوثنية. الخلاصة: يؤمن أهل السنة بكرامات الأولياء التي خصهم الله بها وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. المناقشة: س 1- هل يختص الصالحون بكرامات يحدثها الله لهم؟ س 2 - هل كل إنسان يحدث معه خوارق يكون ولياً لله؟ س 3 - ما موقف المعتزلة والجهمية من كرامات الأولياء؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 (السنة تنسخ القرآن) 56 - وأن السنة لا تنسخ القرآن.   اللغة: (لا تنسخ) أصل النسخ هنا إزالة الحكم. الشرح: هذا غلط من المؤلف رحمه الله ولعل (لا) زيدت من النساخ إما عمداً وإما سهوا لأن الحق الذي عليه كثير من أهل السنة أن السنة تنسخ القرآن من ذلك حديث (لا وصية لوارث) نسخ قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] . تنبيه: معنى نسخ السنة للقران أن تكون السنة مخصصة لعموم القرآن أو مقيدة لمطلق القرآن خلافاً للحنفية وقولهم باطل مبني على أصل فاسد وهو أن السنة ظنية عندهم. وهذا الأصل فاسد فإن أئمة السنة وأساطين الأمة على أن السنة الصحيحة ليست بظنية بل هي تفيد العلم اليقيني والقول بظنية أخبار الآحاد قول مبتدع سار عليه الجهمية من المعتزلة وغلاة أهل الرأي وأفراخهم من الماتريدية والأشعرية وغرضهم من ابتداع هذه البدعة تمهيد الطريق إلى تأويل أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا أبطل هذا الأصل بطل ما فرعوا عليه من عدم جواز نسخ السنة للقران. وكتاب أخبار الآحاد في صحيح البخاري كله رد على هذه البدعة، والحقيقة أن السنة بيان للقرآن والبيان قد يكون تخصيصاً لعموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 القرآن وقد يكون تقييداً لمنطق القرآن، وهذا معنى قول أئمة السنة قاضية على القرآن1. الخلاصة: اختلف أهل السنة في مسألة نسخ السنة للقران، والحق أنها تنسخه أي من جهة الحكم فتخصص العام وتقيد المطلق وغير ذلك. المناقشة: س 1- ما موقف أهل السنة من مسألة نسخ السنة للقرآن؟ س 2- ما معنى نسخ السنة للقرآن؟   1 كما صرح بذلك الإمام الدارمي في مقدمة سننه. وراجع لهذه المسألة إلى كلام قيم لابن القيم في كتابه القيم أعلام الموقعين وفي كتاب الماتريدية للدكتور شمس والمامة وتحقيق بديع للمسألة فراجعه، وانظر أيضاً مجموع الفتاوى 17/ 197-198، وإرشاد الفحول 190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 (حكم الأطفال الذين ماتوا) 57 - وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد.   اللغة: (الأطفال) من لم يبلغوا الحلم. الشرح: قال أبو المظفر السمعاني: "وأما اعتقاد أهل السنة في أمر الأطفال فهو ما نطق به الحديث من توقيف الأمر فيهم يفعل الله بهم ما يريد" انظر الحجة في بيان المحجة (2/39) . والأظهر أن الله لا يعذبهم لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] ولقوله صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق"1. وقال النووي في شرحه لمسلم (16/207) . "أجمع من يعتد به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا وأجاب العلماء عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع". الخلاصة: يرى أهل السنة أن الأطفال الذين يموتون دون الحلم تحت مشيئة الله تعالى.   1 صحيح. رواه أبو داود (4402 - 4403) وابن ماجة (2042) وغيرهما راجع الإرواء (2/ 5- 6) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 المناقشة: س1 من هم الأطفال؟ س2 ما حكم من مات قبل الحلم عند أهل السنة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 (العلم والكتابة) 58 - وأن الله عالم ما العباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله.   اللغة: (عالم) أصل العلم بالشيء معرفته على ما هو عليه وإدراكه. الشرح: هذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة وقد قرر هذا الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 57 حيث قال: "ويقولون لا سبيل لأحد أن يخرج عن علم الله ولا أن يغلب فعله وإرادته مشيئة الله ولا أن يبدل علم الله فإنه العالم لا يجهل ولا يسهو والقادر لا يغلب" فالله سبحانه وتعالى علم ما العباد عاملون قبل أن يخلقهم وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وأراد أن يكون ذلك، فكل شيء بيده، ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم فإنه سبحانه العليم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. هذا في غير محله وموضعه مسألة القدر إذ أن العلم الإلهي هو أول مراتب الإيمان بالقدر التي لا يتم إلا بها. الخلاصة: يرى أهل السنة أن الله علم أفعال العباد قبل خلقهم وكتب ذلك وقدره وأن ما قدره الله فهو كائن وجميع الأمور بيده سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 المناقشة: س1 هل يخفى على الله خافية من أعمال العباد؟ س2 هل علم الله أفعال العباد قبل أن تكون؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 (من آداب أهل الحديث) 59- ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل والنصيحة للمسلمين، ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين. واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والازدراء على الناس والعجب.   اللغة: (الصبر) حبس النفس عن الجزع والمقصود هنا القيام على حكم الله والمداومة عليه. (العصبية) الغضب لأجل الحسب أو القبيلة أو غير ذلك. (الكبر) بطر الحق وغمط الناس وهو التكبر. (الإزدراء) التحقير (العجب) الإعجاب بالنفس أو بالعمل. الشرح: كل هذه الآداب مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة رحمهم الله وقد قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 99 "ويتواصون بقيام الليل والسعي في الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبدار إلى فعل الخيرات أجمع واتقاء شر عاقبة الطمع ويتواصون بالحق وبالصبر ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه" وقال قبل ذلك في ص 97 "ويحرم أصحاب الحديث المسكر من الأشربة المتخذة من العنب أو الزبيب أو التمر أو العسل أو الذرة أو غير ذلك مما يسكر كثيره يحرمون قليله وكثيره ويجتنبونه ويوجبون به الحد ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات المكتوبات وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات" فكل هذه الأمور المذكورة هي من الآداب التي تأدب بها أهل الحديث وكلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 من الآداب التي أرشد إليها وحث عليها الكتاب والسنة، وأهل الحديث هم أولى الناس بالتأدب بهذه الآداب الإسلامية السامية. الخلاصة: يرى أهل السنة وجوب الصبر على المصائب وفعل الواجبات واجتناب المحرمات وإخلاص الدين والنصح لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر واجتناب تحقير المسلمين وغير ذلك من خصال البر. المناقشة: س1-اذكر بعضاً من الآداب التي يحض عليها أهل الحديث. س2- هل قليل المسكر مثل كثيره في الحرمة وإيجاب الحد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 (مجانبة أهل البدع) 60 - ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة.   اللغة: (مجانبة) أي اجتناب وهجران (بدعة) ما أحدث في الدين مما لم يأذن به الله. الشرح: هجران أهل البدع ومجانبتهم من المسائل التي تكلم فيها أهل السنة وقولهم فيها هو اجتناب الداعي إلى بدعته هذا ما قرره الحافظ الإمام أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 78 حيث قال: "ويرون مجانبة البدعة والآثام وترك الغيبة إلا لمن أظهر بدعة وهو يدعو إليها فالقول فيه ليس بغيبة عندهم". وكذا شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 99 - 100 - 106 حيث قال: "ويتجانبون أهل البدع والضلالات ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت" وقد أنزل الله عز وجل قوله {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم واستخفافهم بهم وتسميتهم إياهم حشوية وجهلة وظاهرية ومشبهة اعتقاداً منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل عن العلم وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية من الخير وكلماتهم وحججهم الباطلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23] {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] قال أبو عثمان قلت: أنا رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل السنة ولا يلحقهم شيء منها فضلا من الله ومنة سلكوا معهم مسلك المشركين لعنهم الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اقتسموا القول فيه فسماه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً وبعضهم شاعراً وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، وبعضهم مفترياً مختلقاً كذاباً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من تلك المعائب بعيداً بريئاً ولم يكن إلا رسولاً مصطفى نبياً قال الله عز وجل {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الفرقان: 9] وكذلك المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القول في جملة أخباره ونقلة آثاره ورواة أحاديثه المقتدين به المهتدين بسنته المعروفين بأصحاب الحديث فسماهم بعضهم حشوية وبعضهم مشبهة وبعضهم نابتة وبعضهم ناصبة وبعضهم جبرية وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب بريئة زكية نقية وليسوا إلا أهل السنة المضية والسيرة المرضية والسبل السوية والحجج البالغة القوية فقد وفقهم الله جل جلاله لإتباع كتابه ووحيه وخطابه والإقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أحسن الشيخ فيما قال في حقهم فلله دره كم من عظيم السجايا والصفات التي اتصف بها أهل الحديث ولم يقر لهم بها أهل البدع، وكم رموا بالتهم وهم منها براء وكم تجنى عليهم السفهاء، فبرأهم الله مما قاله الشانئون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الخلاصة: يرى أهل السنة وجوب اجتناب أهل البدع الداعين إليها وهجرانهم. المناقشة: س1 ما موقف أهل السنة من أهل البدع الداعين إليها؟ س2 هل تجوز مجادلة أهل البدع؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 (تعلم العلم) 61- والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه.   اللغة: (التشاغل) الاشتغال في الأوقات. الشرح: إن شغل الأوقات بالعلم النافع وطلبه هو مما حرص عليه أهل السنة والجماعة وهذا ما قرره الحافظ الإمام أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 78 حيث قال "ويرون تعلم العلم، وطلبه من مظانه، والجد في تعلم القرآن وعلومه، وتفسيره، وسماع سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها والتفقه فيها وطلب آثار أصحابه" وهكذا أهل الحديث، هم أكثر الناس طلباً للعلم، وانشغالاً به تعلماً وتعليماً وعملاً، وهم أتبع الناس للآثار كيف لا؟ وهم حملة النصوص الداعية إلى طلب العلم المرغبة في ذلك، والداعية إلى الانشغال بالقرآن والآثار، فلله درهم. الخلاصة: يرى أهل السنة الأوقات بما عاقبته حميدة من قراءة القرآن وكتابة الأحاديث والآثار والتأمل في مسائل الفقه. المناقشة: س 1 اذكر بعضاً من الأمور التي يرى أهل الحديث الانشغال بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 (من آداب أهل الحديث) 62- مع التواضع وحسن الحلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب.   اللغة: (الغيبة) ذكرك أخاك بما يكره (النميمة) نقل الكلام بين الناس على توجه المفسد بينهم (السعاية) الوشاية بقصد الإيقاع. جميع ما ذكر من آداب أهل الحديث وقال الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص 79 "مع لزوم الجماعة والتعفف في المأكل والمشرب والملبس، والسعي في عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإعراض عن الجاهلين حتى يعلموهم ويبينوا لهم الحق ثم الإنكار والعقوبة من بعد البيان وإقامة العذر بينهم ومنهم". وقال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 98- 99 "ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام على اختلاف الحالات وإفشاء السلام وإطعام الطعام والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام والاهتمام بأمور المسلمين والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمصرف والسعي في الخيرات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبدار إلى فعل الخيرات أجمع، واتقاء شر عاقبة الطمع ويتواصون بالحق والصبر ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه ويتقون الجدال في الله والخصومات فيه"وجميع ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى هنا مع سابقه، كل ذلك هو من الآداب التي تأدب بها أهل الحديث، فهم أعلم الناس بالله وشريعته، وحكمه وحكمته، فهم أولى الناس بأن يتبعوا، وأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 يقتفى أثرهم فيما هم عليه من الآداب، إذ هي آداب الإسلام التي دعا إليها الكتاب والسنة وحرصا عليها، فالواجب على كل مسلم أن يقتدي بهم في ذلك، وأن يقتفي أثرهم، وأن يهتدي بهداهم حتى يلحق بهم. تنبيه مهم: هذه الخصال الحميدة ومكارم الأخلاق قد ذكرها كثير من أئمة السنة في كتب العقيدة، فدل هذا أن هذه الخصال تنبثق من العقيدة السلفية ولها صلة بالعقيدة السلفية فيا أسفي على كثير من السلفيين حيث جل همهم رفع اليدين والثاني بالجهر ومسألة الاستواء على العرش، ولا يلتفتون إلى مكارم الأخلاق والخصال الحميدة والله المستعان. الخلاصة: يتحلى أهل السنة بصفات التواضع والحلم والعفة والبعد عن الحرام وحسن الخلق والورع وغير ذلك. المناقشة: س1-اذكر بعضاً من آداب أهل الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 (الأشعري يقول بأنه على مذهب أهل الحديث) 63 - فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكره من قولهم نقول إليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير. الشرح: هذه عقيدة الإمام الأشعري التي استقر عليها وصرح بها وفيها عبرة للأشعرية والماتريدية ممن انتسبوا إليه وهو بريء مما يقولون وما زالوا يدعون إليها، وإنما أردت بيان عقيدته التي استقر عليها في آخر أمره حتى يتقوا الله ويرجعوا إلى الحق إن كانوا فعلاً ممن يريد الحق، وإلا فهم مبطلون متبعون للشياطين وللهوى وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 القسم الرابع: اعتقاد أئمة أهل الحديث لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي 277 ــ 371 صاحب كتاب المستخرج على صحيح البخاري ... ... بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة "الحمد لله الذي جعل في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم. ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"1. "فضّلهم بشرف العلم، وكرّمهم بوقار الحلم، وجعلهم للدين وأهله أعلاماً وللإسلام والهدى مناراً، وللخلق قادة، وللعباد أئمة وسادة"2. وهم أهل الحديث الذين هم بالسُّنَّة ظاهرون وبالأتباع قاهرون يقول ابن قتيبة في وصف حالهم: "الذين لم يزالوا بالسُّنَّة ظاهرين وبالأتباع قاهرين يُدَاجُون بكل بلد ولا يُدَاجُوْن ويستتر منهم بالنحل ولا يَسْتَتُرون، ويَصْدَعون بحقهم الناس ولا يستغشون ولا يرتفع بالعلم إلا من رفعوا ولا يتضع فيه إلا من وضعوا؟ ولا تسير الركبان إلا بذكر من ذكروا"3. وسموا أهل الحديث لاتباعهم الحق بدليله من الكتاب والسنة ولتتبعهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، للعمل بها وتقديمها على كل قول، فهم الفرقة الناجية الثابتة على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كيف لا وهم يتقربون إلى الله تعالى باتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطلبهم آثاره.   1 الرد على الجهمية للإمام أحمد ص (52) . 2 صريح السنة للطبري ص (16) . 3 الاختلاف في اللفظ ص 224 ضمن مجموعة عقائد السلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 قال ابن حبان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" 1 قال: إن من واظب على السُّنن وقال بها، ولم يعرج على غيرها من الآراء فهو من الفرقة الناجية"2. وقال ابن قتيبة: "فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من جهته، وتتبعوه من مظانه، وتقربوا إلى الله تعالى بإتباعهم سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبهم لآثاره وأخباره براً وبحراً وشرقاً وغرباً. يرحل الواحد منهم راجلاً مقوياً في طلب الخبر الواحد أو السُّنَّة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة، ثم لم يزالوا في التنقيب عن الأخبار والبحث عنها حتى فهموا صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي. فنبّهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافياً وبسق بعد أن كان دارساً، واجتمع بعد أن كان متفرقاً، وانقاد للسُنن من كان عنها معرضاً، وتنّبه عليها من كان عنها غافلاً، وحكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان وإن كان فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم"3. فالحق فيما اعتقده أهل الحديث، وإن مخالفة عقائدهم ضلال وهوى لاعتصامهم بكتاب الله عزّ وجلّ، وتمسّكهم بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان على ذلك فقد استضاء بالنور واستفتح باب الرشد وطلب الحق من مظانه4 قال علي بن المديني في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تزال طائفة من   1 أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في لزوم السنة (5/13) ح (4607) والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (5/44) ح (2676) كلاهما من طريق عبد الرحمن السلمي عن العرباض بن سارية وأخرجه ابن ماجة المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (1/15) ح (42) من طريق يحيى بن أبي المطاع عن العرباض بن سارية قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) . 2 الاحسان (1/105) . 3 تأويل مختلف الحديث ص 71. 4 تأويل مختلف الحديث ص 82 بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 أمتي ظاهرين على الحق لا يضرّهم من خالفهم"1. قال: هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول ويذبون عن العلم2. وسئل أحمد عن معنى هذا الحديث فقال: "إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم"3. وقال الحاكم: "لقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ومنعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين"4. وقال ابن قتيبة: "وليس يدفع أصحاب الحديث عن ذلك إلا ظالم لأنهم لا يردون شيئاً من أمر الدين، إلى استحسان ولا إلى قياس ونظر، ولا إلى كتب الفلاسفة المتقدمين، ولا إلى أصحاب الكلام المتأخرين"5. وقال أبو مزاحم الخاقاني: "أهل الحديث لهُم الناجونَ إذ عملوُا ... به إذا ما أتى عن كل مؤتمنٍ قد قيل إنهمُ خيرُ العباد على ... ما كان فيهم إذا أنجوا من الفتن من مات منهم كذا حانت شهادتُه ... فطابَ من ميتٍ في اللحدِ مرتهنِ"6   1 أخرجه بنحو هذا اللفظ مسلم كتاب الإيمان باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/137 ح (156) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله. 2 شرف أصحاب الحديث ص (10) . 3 معرفة علوم الحديث ص (2) . 4 معرفة علوم الحديث ص (2) . 5 تأويل مختلف الحديث ص (82) . 6 شرف أصحاب الحديث ص (57) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وقال أبو عبيدة ابن زياد الأصبهاني: "دينُ النبيِ محمدٍ أخبارُ ... نعم المطيةُ للفتىَ آثارُ لا تُخْدعَنَّ عن الحديث وأهلهِ ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارٌ ولرُبما غلط الفتىَ سُبلَ الهْدىَ ... والشمسُ بازغةٌ لها أنوارُ1 ولا يضرهم ما سمْاهم به أهل الكلام من الألقاب المنبوذة والألفاظ الشنيعة لِيُنَفِّروا عنهم الناس فيقولون عنهم: "الحشوية، والنابتة، والمجبرة وغير ذلك". قال الحاكم: "كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية"2. وقال ابن قتيبة: "وهذه كلها أنباذ لم يأت بها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أتى عنه في القدرية أنهم مجوس هذه الأمة.. فهذه أسماء من رسول صلى الله عليه وسلم، وتلك أسماء مصنوعة"3. وقال الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي: "اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله فقالوا بنقص أصحاب الحديث ازدراءَ بهم وأسرفوا في ذمهم والتقوّل عليهم وقد شرّف الله الحديث وفضَّل أهله وأعلى منزلته وحكمه على كل نحلة وقدّمه على كل علم، ورفع من ذكر من حمله وعني به، فهم بيضة الدين ومنار الحجة"4 فمن يبغض أهل الحديث فهو على البدعة ومن يحبهم فهو على السنة. قال أحمد بن سنان القطان: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهُو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه"5.   1 شرف أصحاب الحديث ص (76) 2 معرفة علوم الحديث ص (14) . 3 تأويل مختلف الحديث ص (82) . 4 المحدث الفاصل ص (4) . 5 شرف أصحاب الحديث ص (73) ومعرفة علوم الحديث ص (4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وقال قتيبة بن سعيد: "إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وذكر قوماً آخرين فإنه على السنة ومن خالف هذا فاعلم أنه مبتدع"1. وجهود أهل الحديث في نصرة السنة وحفظها والذب عنها والرد على أهل الأهواء والبدع كثيرة لا ينكرها إلا مكابر حاقد. ومن جملة تلك الجهود في توضيح العقيدة والذب عنها ما قام به الحافظ الإمام أبو بكر الإسماعيلي من تصنيف هذا الكتاب في بيان معتقد أهل الحديث، فعلى رغم صغر الكتاب إلا أنه حوى أصول العقيدة السلفية إجمالاً. أ- أسباب تحقيق الكتاب: 1- كتاب اعتقاد أئمة أهل الحديث من الكتب السلفية، المهمة التي توضح عقيدة أهل السنة والجماعة وسلف الأمة. 2- إن مؤلفة من علماء السلف المشهود لهم بالرسوخ في العلم سواء في الأصول أو الفروع وقد نال شهرة واسعة وأثنى عليه كثير من العلماء وأقروا له بالحفظ والإمامة في الدين. 3- أدرك المؤلف القرن الأخير من القرون المفضلة، فقد ولدَ سنة 277 هـ وتوفي سنة 371هـ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" 2 4- إن هذا الكتاب حسب علمي لم يطبع من قبل. كل هذه العوامل جميعها شجعتني للمضي قدماً في تحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه.   1 شرف أصحاب الحديث ص (72) . 2 أخرجه البخاري كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (7/3) ح (3650) ومسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الصحابة (4/1964) ح (2535) كلاهما من طريق زهدم بن مضرب عن عمران بن الحصين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 ب - خطة البحث: رأيت من المناسب تقسيم البحث في هذا الموضوع إلى قسمين: القسم الأول في التعريف بالمؤلف وبالكتاب ويشتمل هذا القسم على المباحث التالية: المبحث الأول: التعريف بالمؤلف: أ - اسمه ونسبه وكنيته ومولده. ب - طلبه للعِلْم. ج- ثناء العلماء عليه. د - أشهر مصنّفاته. هـ - أشهر شيوخه. و أشهر تلاميذه. ز- وفاته. المبحث الثاني: التعريف بالكتاب ووصف المخطوطة. أولاً: التعريف بالكتاب: أ - توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف. ب - اسم الكتاب. جـ- موضوع الكتاب. د- منهج المؤلف. ثانياً: وصف المخطوطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 ثالثاً: المقارنة بين هذا الكتاب وكتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني. القسم الثاني: تحقيق الكتاب. عملي في الكتاب: جـ- عملي في الكتاب: لقد اجتهدت حسب الوسع والطاقة في خدمة هذا الكتاب وإخراجه بهذه الصورة، ويتلخص عملي في التحقيق في الخطوات التالية: 1- اعتمدت في تحقيق الكتاب على أصل محفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق وهي نسخة وحيدة خطها واضح لكنها لم تخل من سهو الناسخ وسيأتي وصفها تفصيلاً ضمن المباحث القادمة إن شاء الله تعالى. 2 - أثْبِتُ من النص ما في النسخة الخطية إلا أن يكون خطاً ظاهراً فإني أزيد على ما في النص المعنى المناسب له ولما يقتضيه السياق وأضعه بين معقوفين هكذا [] ، فهو من إضافتي وأُشير في الهامش إلى ما جاء في أصل المخطوط. 3- عزو الآيات القرآنية. 4- عزو الأحاديث إلى مصادرها الحديثية، فإن كان الحديث في الصحيحين اكتفيت بالعزو إليهما، أما إذا كان في غير الصحيحين فأجتهد في العزو إلى أكثر من مصدر وأنقل أقوال أئمة هذا الشأن في درجة الحديث وإذا لم أجد لأحد العلماء حكماً على الحديث اجتهدت في معرفة حال الإسناد. 5 - التعليق والشرح لما يحتاج إليه في بعض المواضع التي تحتاج في نظري إلى تعليق وفصلت بين الأصل وتعليقاتي عليه بوضع الأصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 في أعلى الصفحة والتعليق عليه بوضع الأصل في أعلى الصفحة والتعليق في أسفلها. 6 - وضع عناوين توضح المقصود. 7 - وضع فهارس عامة للكتاب وهي: أ - فهرس الآيات القرآنية. ب - فهرس الأحاديث النبوية. ج - فهرس الفرق. د - فهرس المصادر والمراجع. هـ - فهرس الموضوعات. وأخيراً فإني بذلت الجهد في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه فإن وفقت إلى ذلك وأصبت فهو من عند الله وله المنّة، وإن أخطأت فذلك مني وعذري أني قد استنفدت في البحث طاقتي. والله تعالى أسأل القبول إنه تعالى نعم المولى ونعم النصير وهو حسبي ونعم الوكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 المبحث الأول: التعريف بالمؤلف أ - اسمه ونسبه وكنيته ومولده: هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي1، وُلِدَ سنة سبع وسبعين ومائتين2. ضبط النسب: الإسماعيلي بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الميم وكسر العين المهملة بعدها ياء منقوطة باثنتين من تحتها3 وهي نسبة إلى جده إسماعيل بن العباس، والجرجاني بضم الجيم وسكون الراء المهملة والجيم والنون بعد الألف هذه نسبة إلى بلدة جرجان4. ب - طلبه للعلم: بدأ بكتابة الحديث بخطه وهو صبي مميز في سنة ثلاث وثمانين ومائتين. قال الإسماعيلي: "كتبت بخطي في سنة ثلاث وثمانين ومائتين ولي يومئذ ست سنين"5، وارتحل6 لسماع الحديث من جرجان إلى خراسان وبغداد والكوفة والبصرة والري وهمدان والأنبار ومكة وغير ذلك.   1 سير أعلام النبلاء 16/292. 2 انظر تاريخ جرجان ص 86 وسير أعلام النبلاء 16/293 وطبقات الشافعية 7/3. 3 الأنساب 1/239. 4 الأنساب 3/ 237 وانظر معجم البلدان 2/119. 5 تذكرة الحفاظ 3/ 947- 949، سير أعلام النبلاء 16/ 293. 6 سير أعلام النبلاء 16/0 2930، الوافي بالوفيات (213116) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 جـ - ثناء العلماء عليه: 1- قال عنه الحاكم: "كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدّثين والفقهاء وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسخاء"1. 2- وقال عنه السمعاني: "إمام أهل جرجان والمرجوع إليه في الحديث والفقه ... وهو أشهر من أن يُذكر"2. 3- وقال عنه الذهبي: "الإمام الحافظ الفقيه شيخ الإسلام"3. وقال في موضع آخر: "الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام"4. 4- وقال عنه الصفدي: "الإمام.. الفقيه الشافعي الحافظ"5. 5- وقال عنه الأتاباكي: "الحافظ ... كان إماماً طاف البلاد ولقي الشيوخ"6. 6- وقال عنه ابن كثير: "الحافظ الكبير الرّحال الجوال سمع الكثير وحدّث وخرّج وصنّف فأفاد وأجاد وأحسن الانتقاد والاعتقاد"7. 7- وقال عنه ابن عبد الهادي: "الإمام الحافظ الكبير أحد الأئمة الأعلام.. كبير الشافعية بناحيته"8. 8- وقال عنه ابن ناصر الدين: "الإمام.. أحد الحفّاظ الأعيان كان شيخ المحدّثين والفقهاء وأجلّهم في المروءة والسخاء"9.   1 سير أعلام النبلاء 16/ 294. 2 الأنساب 1/ 239. 3 سير أعلام النبلاء 16/ 292. 4 تذكرة الحفاظ 3/ 947. 5 الوافي بالوفيات 6/ 213. 6 النجوم الزاهرة 4/140. 7 البداية والنهاية 11/317. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 د - أشهر مصنفاته: 1- مسند عمر بن الخطاب.. قال عنه الذهبي: "يقع في مجلدين"1. 2- المستخرج على الصحيح، قال عنه الذهبي: "يقع في أربعة مجلدات"2. 3- كتاب المعجم، طبع بتحقيق د. زياد بن منصور، ويقع في مجلدين. 4- العوالي3. 5- الفرائض4. هـ - أشهر شيوخه5: 1- إبراهيم بن زهير الحلواني. 2- أحمد بن علي بن المثني الموصلي. 3- أحمد بن محمد بن مسروق. 4- الحسن بن سفيان الشيباني. 5- حسن بن علوية القطان. 6- حمزة بن محمد الكاتب. 7- جعفر بن محمد الفريابي. 8- الفضل بن حباب الجمحي. 9- عمران بن موسى السختياني. عبدان بن أحمد العسكري.   1 سير أعلام النبلاء (16/ 293) . 2 سير أعلام النبلاء (16/ 293) . 3 النجوم الزاهرة (4/140) . 4 النجوم الزاهرة (4/140) . 5 انظر سير أعلام النبلاء16/ 292-296 تاريخ جرجان 69-77 البداية والنهاية 11/298 وطبقات علماء الحديث 3/141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 11 - محمد بن الحسن بن سماعة. 12 - محمد بن عبد الله الحضرمي. 13 - محمد بن إسحاق بن خزيمة. 14 - محمد بن عثمان بن أبي شيبة. 15 - محمد بن يحيى المروزي. و أشهر تلاميذه1: 1- أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البلقاني الخوارزمي. 2- أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي. 3- حمزة بن يوسف السهمي. 4- الحسين بن محمد الباشاني. 5- عبد الرحمن السجستي. 6- عبد الرحمن بن محمد الفارسي. 7- علي بن دلان الجرجاني. 8 - عبد الواحد بن منير المعدل. 9 - عيسى بن عبادر الدينوري. 10 - محمد بن عبد الله الحاكم. 11 - أبو بكر محمد بن إدريس الجرجرائي. 12- محمد بن علي الطبري. 13- محمد بن علي بن سهل الماسرجسي. 14- محمد بن محمد الحجاجي. 15 - يحمى الأبهري.   1 انظر سير أعلام النبلاء 16/ 292-296، تاريخ جرجان 69-77، طبقات علماء الحديث 13/141 البداية والنهاية 11/298. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 ز - وفاته: توفي أبو بكر الإسماعيلي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وهو ابن أربع وتسعين سنة1.   1 الأنساب 1/241، تاريخ جرجان 109، النجوم الزاهرة 4/140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 المبحث الثاني التعريف بالكتاب ووصف المخطوطة أولاً: التعريف بالكتاب: أ - اسم الكتاب: لم يرد على النسخة الخطية بسبب السقط الحاصل فيها عنوان صريح، لكن جاء في آخر الكتاب بعد انتهائه من ذكر أصول عقيدة أهل الحديث على وجه الإجمال قال: "هذا أصل الدين والمذهب اعتقاد أئمة أهل الحديث". وجاء في كتاب العلو للذهبي ما يأتي: (اعتقاد السُّنَّة) 1، وأحسب أن الذهبي اختصر عنوان الكتاب كما هي العادة الجارية، وإلا فلا معنى لقوله اعتقاد السُّنَّة دلَّ على أنه أشار إلى أصل الكتاب لا إلى العنوان. أما الحافظ الصابوني فسمّاه رسالة الإسماعيلي لأهل جيلان، فقد قال: "فإن الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته التي صنَّفها لأهل جيلان"2. وقال في موضع آخر: "قرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان"3. وكذا الإمام الحافظ ابن رجب فقد نقل في كتابه جامع العلوم والحكم ما يأتي: "قال أبو بكر الإسماعيلي في رسالته إلى أهل الجبل"4.   1 العلو ص (167) . 2 عقدة السلف أصحاب الحديث ص (9) . 3 عقيدة السلف أصحاب الحديث ص (27) . 4 جامع العلوم والحكم (106) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ونستنتج من العناوين السابقة أن هذا الكتاب لم يستقر على اسم واحد، وأرى أن أقرب اسم لهذا الكتاب هو: (اعتقاد أئمة أهل الحديث) لما يأتي: أولاً: لأن المؤلف أشار إلى هذا العنوان في نهاية كتابه فقال: "هذا أصل الدين والمذهب اعتقاد أئمة أهل الحديث". ثانياً: هذا العنوان يدل على مضمون الكتاب فإنه يذكر عقائد أئمة أهل الحديث لذا تجد عباراته (يعتقدون، ويثبتون، ويقولون، ويؤمنون، ويرون) بصيغة الجمع. ب - توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه: من الأدلة التي تثبت نسبة الكتاب إلى المؤلف ما يأتي: أولاً: السند المتصل إلى المؤلف، ولا شك أن هذا من أقوى الأدلة وأكدها في هذا الجانب. وقد رواه بإسناده المتصل إلى المؤلف ابن قدامة في رسالته ذمّ التأويل1 والذهبي في العلو2 وفي تذكرة الحفاظ3 وفي السير4. وقال في كتاب الأربعين بعد ما نقل منه: "وهذا المعتقد معناه بإسناد صحيح عنه"5. وقال الألباني في مختصر العلو: "أخرجه المصنف بإسناده ورجاله كلهم ثقات معروفون غير مسعود بن عبد الواحد الهاشمي فلم أجد له ترجمة"6.   1 ص (139) ضمن مجموعة الرسائل الكمالية. 2 ص (167) . (3/949) (16/265) 5 ص (118) ضمن مجموعة ست رسائل للذهيي. 6 ص (249) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وصفة السند هي كالآتي: قال ابن قدامة: "أخبرنا الشريف أو العباس مسعود بن عبد الواحد بن مطر الهاشمي قال: أنبأنا الحافظ أبو العلاء صاعد بن يسار الهروي، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الجرجاني، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي"1. ثانياً: ذكر هذا الكتاب العلماء القريبون من عصر الإسماعيلي وغيرهم على أنه من مؤلفاته ونقلوا عنه بهذا الاعتبار، ومن هؤلاء الإمام الحافظ أبو عثمان إسماعيل الصابوني، وابن قدامة، وابن تيمية، والذهبي، والحافظ بن رجب. 1- فأما أبو عثمان الصابوني فقد ذكر الكتاب وعزاه إلى مؤلفه ونقل عنه في موضعين في كتابه (عقيدة السلف أصحاب الحديث) ، فقد جاء في صفحة 9 ما يأتي: "فأما اللفظ بالقرآن فإن الشيخ أبا بكر إسماعيل الجرجاني ذكر في رسالته التي صنَّفها لأهل جيلان قال فيها: "إن من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فقد قال بخلق القرآن"، قلت هذا كله مذكور في كتابنا هذا في الورقة 39 من المخطوط. وقد ذكره أيضاً في مكان آخر في مسألة النزول، فقد جاء في كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث ما يأتي، قال الصابوني: "وقرأت في رسالة الشيخ أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: إن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"2 هذا النص كله مذكور في هذا الكتاب في الورقة 39 من المخطوط. 2 - وأما ابن قدامة فقد روى هذا الكتاب بإسناده إلى المؤلف وقد   1 ذم التأويل ص (139) ضمن مجموعة الرسائل الكمالية. 2 عقيدة السلف أصحاب الحديث ص (27) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 تقدّمت الإشارة إليه وقد نقل عنه في أول الكتاب وبه يتم السقط الحاصل في أول المخطوطة، فقد ساق بإسناده إلى حمزة بن يوسف السهمي راوي هذه العقيدة عن أبي بكر الإسماعيلي. قال أبو بكر الإسماعيلي: "اعلموا -رحمنا الله وإيّاكم- أن مذهب أهل الحديث أهل والسُّنَّة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى وصحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدل عمَّا ورد به. ولا سبيل إلى رده، إذ كانوا مأمورين بإتباع الكتاب والسُّنَّة، مضموناً لهم الهدى فيهما مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم، يهدي إلى صراط مستقيم محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى وموصوف بصفاته التي سمّى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، خلق آدم بيده {ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} بلا اعتقاد كيف وأنه عزَّ وجلَّ استوى على العرش بلا كيف فإن الله تعالى انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه"1، والموجودة من هذا الكلام في النسخة الخطية قوله: "فإن الله تعالى انتهى في ذلك إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه". 3- شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد جاء في مجموع2 الفتاوى ما يلي: "وقال أبو عثمان: قرأت في رسالة أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم"، وهذا النص كله مذكور في هذا الكتاب في ورقة 39 من النسخة الخطية. وكذا في الحموية3 فقد نقل شيخ الإسلام قول أبي سليمان الخطابي مذهب السلف في الصفات ثم قال بعد ذلك: "وهذا الكلام الذي ذكره الخطاب قد نقل نحوا منه من العلماء ما لا يحصى عددهم   1 ص (139 - 140) ضمن مجموعة الرسائل الكمالية. (5/ 5) ، شرح حديث النزول ص 186. 3 الحموية ص 124 - 125 ضمن مجموعة النفائس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 مثل أبي بكر الإسماعيلي"، قلت: انظر ورقة 38 من المخطوط فهو مماثلة لما ذكره الخطاب وقرره عن السلف. 4- وأما الحافظ الذهبي فقد نقل عن هذا الكتاب قي عدة مواضع من كتبه، ككتاب العلو، وتذكرة الحفّاظ، وسير أعلام النبلاء، وساق إسناده إلى المؤلف ونقل عنه في كتابه صفات ربِّ العالمين بدون إسناد، فقد جاء في كتاب العلو ما يأتي: أخبرنا عزالدين بن إسماعيل بن الفراء أنبأنا أبو محمد بن قدامة أنبأنا مسعود بن عبد الواحد الهاشمي أنبأنا صاعد بن سيار الحافظ، أنبأنا علي بن محمد الجرجاني، أنبأنا يوسف بن حمزة الحافظ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي بكتاب اعتقاد السُّنَّة له قال: "اعلموا -رحمكم الله- أن مذهب أهل الحديث أهل السُّنَّة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وقبول ما نطق به كتاب الله وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدل عما ورد به ويعتقدون أن الله مدعو بأسمائه الحسنى موصوف بصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها نبيه خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف استوى على العرش بلا كيف، فإنه انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه"1. والموجود من هذا الكلام في النسخة الخطية قوله: "بلا كيف فإن الله تعالى انتهى في ذلك إلى أنه استوى على العرش ولا يذكر كيف كان استواؤه". وأما بقية النص فلا يوجد لوجود الخرم في أول صفحة من الكتاب وبمثل ما نقل الحافظ في العلو نقل في تذكرة الحفاظ2، وسير أعلام النبلاء3، وكتاب صفات ربِّ العالمين4.   1 العلو ص 167. 2 2/929. 3 16/265. 4 ص 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 5- وأخيراً يأتي نقل الحافظ ابن رجب عن كتاب الإسماعيلي في كتابه جامع العلوم والحكم يقول الحافظ ابن رجب: "قال أبو بكر الإسماعيلي في رسالته إلى أهل الجبل: قال كثير من أهل السنة والجماعة: إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله إذا ذكر كل اسم على حدته مضموماً إلى الآخر. فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر وإذا كان أحد الاسمين شمل الكل وعمّهم"1. وهذا النص كله موجود في هذا الكتاب في ورقة 40 من النسخة الخطية. ثالثاً: كما أن السماعات المثبتة على هذا الكتاب من العلماء وطلبة العلم يعتبر دليلاً فيما نحن بصدده من توثيق كتاب أئمة الحديث إلى الإسماعيلي وإليك تلك السماعات: السماع الأول: في سنة (574) هـ، وهو المثبت على الورقة (42-ب) وجاء فيه سمع هذا المعتقد كله على الشريف أبي العباس مسعود بن عبد الواحد بن مطر الهاشمي عرضاً بأصل سماعه، وأبي العلا صاعد بن سيار الهروي بقراءة أبي محمد عبد المحسن طغري بن عبد الله الأميري المسترشدي أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن وعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي وأبو الفضل يحيى بن أبي الحسن بن أبي نصر المعدلي بمنزل الشيخ يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رمضان سنة أربع وسبعين وخمسمائة وصح ذلك ولله الحمد والمنة وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم عليه. السماع الثاني:   1 جامع العلوم والحكم ص 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 في سنة (617) هـ، سمع جميع اعتقاد الإسماعيلي على الشيخ الإمام العالم موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، وعلى الشيخ الإمام بهاء الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسيين بقراءة أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم ... بن أخيه عبد الله بن العلي يوسف، وأحمد ومحمد وعبد الرحمن ... المجد عيسى بن الشيخ موفق الدين، وأحمد ومحمد ابنا عبد الرحمن بن عبد الرحيم وعمها محمد، والسماع بخطه، وسعد بن منصور بن سعد، وعبد الرحيم بن علي بن بشوان، ومحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد، وعبد الرحمن وعبد الغني ابنا العم محمد، وسليمان بن الإمام عبد الرحمن الحافظ، وإبراهيم بن الشرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر، ومحمد وأحمد ابنا الشرف أحمد بن عبيد الله ومحمد بن الزين أحمد بن عبد الدائم، ومحمد وعبد الرحمن وعبد الرحيم بنو الزين أحمد والفقيه عبد الحميد بن محمد وبنوه عبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد الحافظ وعبد الخالق وعبد الغافار ويحيى وعيسى وعبد القادر ومحمد بن الشيخ أحمد بن محمد وابن عمه علي بن موسى، ومحمد علي إسماعيل بنو أحمد بن عبد الله بن موسى، ومحمد بن عبد الحميد بن محمد وخاله علي بن عبد العزيز، ومحمد وعبد الله وإبراهيم بنو عبد الرحيم.. وعبد الغني ومحمد ابنا ... ، وعيسى وعبد الرحيم وعبد الله بنو عمر بن عوض وعمر ... ، وعبد الله بن سعد وعبد الله.. بن سلطان وعبد الرحمن ابنا العلم أحمد بن كامل المقدسيون، والشريف أبو عبد الله محمد بن الحسين الشجاع البصري، وحسين بن عبد الله الآمدي، ونصر الله بن ناصر بن نصرالله، ومحمد بن نصر بن منصور المقري، وأحمد بن أبي محمد العطار، وعبد الواحد وإبراهيم ابنا كامل المقري وإبراهيم وإسماعيل ابنا محمد..، ومحمد وعبد الرحمن ابنا الصفي إسحاق بن ... ، ويوسف ويحيى ابنا عيسى بن مسلم بن كثير، وإبراهيم وإسماعيل ابنا نور بن قمر الهيتمي، وفارس بن منصور بن عبدان، وأحمد بن علي بن يوسف، ومحمد وأحمد وعلي وإبراهيم بنو أبي المجد بن منصور اللحام، وإسماعيل بن محمد بن عمر الحراني، وإبراهيم وأحمد ابنا عبد العزيز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الانطاكي والحسن ومحمد ابن الكمال عبد الله بن الحافظ، وأحمد بن محمد بن عياش وذلك يوم السبت في العشر الأوسط من ذي القعدة من سنة سبع عشرة وستمائة.. والحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً وسمع مع الجماعة إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل الواسطي وصح وتمت. السماع الثالث: في سنة (667) هـ، سمع جميع اعتقاد الإسماعيلي على الشيخ الإمام العالم، أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم المقدسي بحق سماعه محمد بن حمزة بن أحمد بن عمر وهذا خطه وأحضر ولده أحمد وهو في السنة الرابعة، وأحمد بن الشيخ المسمع في الرابعة، ومحمد بن حازم وولده أحمد، وعبد الرحمن وأحمد ابنا حسن بن عبد الله، وعبد الله وعلي ابنا عمر بن أحمد بن عمر، وعبد الله وأبو بكر ابنا أحمد بن عبد الحميد، وإبراهيم بن أبي بكر بن أحمد، وعبد الله ابن أحمد بن عبد الرحمن وأبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الجبار، وابنا عمه أحمد ومحمد ابنا عبد الله، وعلي بن عبد الله بن عبد الرحمن، وأحمد بن إبراهيم بن مري، ومحمد وعبد الرحمن ابنا أحمد بن محمد بن يونس، وأحمد بن عبد الله بن أحمد، ومحمد بن سليمان بن عبد الحميد، ومحمد بن محمد بن معالي ... ، وأحمد بن سليمان بن أحمد وولده عبد القادر، وعمر بن عبد الله بن أحمد، وعلي بن أحمد بن علي وأولاده أحمد وعبد الرحمن وعبد الحميد، وعبد الرحمن ومحمد ابنا أحمد بن محمد المرداوي وعلي بن ماجد بن طاهر المرداوي، وإبراهيم بن محمد ... ، وأحمد بن عبد الرحيم بن أحمد المقدسيون وأحمد بن محمد بن إسحاق الدمشقي، وعبد الخالق بن مطر بن عبد الرازق وإسماعيل ومحمد ابنا إبراهيم ابن قاسم ... ، وعبد الله بن محمد بن عبد المنعم، وذلك في العشر الأوسط من المحرم سنة سبع وستين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 جـ - موضوع الكتاب: يتضح من اسم الكتاب: (اعتقاد أئمة أهل الحديث) الذي أشار إليه المؤلف في آخر الكتاب، فقد ذكر فيه المؤلف عقيدة السلف أئمة السنة التي تمسك بها من مضى منهم ودعوا الناس إليها ونهوا عما يضادها ويقدح فيها، ووالوا في إتباعها، وعادوا فيها وبدعوا وكفروا من اعتقد غيرها، فهذا الكتاب يحتوي على عرض جملة عقائد أئمة الحديث والسنة من السلف الصالح. وهو ليس وحيداً في بابه، بل إن علماء من السلف أهل الحديث ألفوا كتباً كثيرة في هذا الصدد وأطلقوا على الكثير منها اسم (السنة) ، أو أصول (السنة) ، أو (صريح السنة) ، أو (شرح السنة) ، أو (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) ، ومن ذلك إطلاق الحافظ الذهبي على هذا الكتاب اسم (اعتقاد السنة) ... فيستعملون لفظ السنة فيما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون من بعدهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين من السلف الصالح من اعتقادات، ومن هذا الباب قول الشافعي - رحمه الله تعالى-: "القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل: سفيان، ومالك وغيرهما، الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله1. ثم ذكر بعض مسائل الاعتقاد، وقول الأوزاعي: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا وكفّ عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم"2. وقول سفيان بن عيينة: "السنة عشر فمن كن فيه فقد استكمل السنة ومن ترك منها شيئاً فقد ترك السنة: إثبات القدر، وتقديم أبي بكر وعمر والحوض والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن   1 إثبات صفة العلو ص 180-181. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 154. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا تقطعوا بالشهادة على مسلم"1. وقول شعيب بن حرب لأبي عبد الله سفيان الثوري: "حدَّثني بحديث من السُّنَّة ينفعني الله عزَّ وجلَّ به، فإذا وقفت بين يدي الله سبحانه وتعالى وسألني عنه فقال لي: من أين أخذت هذا؟ قلت: يا ربِّ حدّثني بهذا الحديث سفيان الثوري، وأخذت عنه فأنجو أنا وتؤاخذ أنت، فقال: "يا شعيب هذا توكيد وأي توكيد أكتب بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق.." 2، ثم ذكر مسائل الاعتقاد. وقول علي بن المديني: "السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره.." 3، ثم ذكر مسائل الاعتقاد. وقول الإمام أحمد بن حنبل: "أصول السُّنَّة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات.."، وهذا الكتاب (اعتقاد أئمة أهل الحديث) من جنس الكتب المؤلفة في السُّنَّة وقد جمع فيه بين عرض عقيدة السلف أصحاب الحديث وبين الرد على فرق المبتدعة كالمرجئة والمعطلة وغيرهم. د - منهج المؤلف: جرى المؤلف في كتابه هذا على عرض عقيدة السلف أئمة الحديث بطريق الاختصار فلم يذكر فصولاً ولا أبواباً، بل يبدأ المسألة غالباً بقول: (يعتقدون) ، أو (يرون) ، أو (يثبتون) ، أو (يقولون) ، أو (يؤمنون) ، ثم بعد   1 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 155- 156. 2 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/151. 3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/ 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ذلك يذكر معتقدات أئمة السلف في المسألة ونستدل لها بنصوص القرآن والسُّنَّة وقد يقتصر على بعض الأدلة من القرآن اكتفاء بها عن غيرها، وقد يسوق بعض مسائل العقيدة مجرَّدة من الدليل، وقد يذكر خلاف العلماء في بعض المسائل كحكم تارك الصلاة أو مسمى الإيمان والإسلام، وبالجملة فهذا الكتاب قد حوى مجمل مسائل عقيدة السلف أصحاب الحديث. ثانياً: وصف المخطوطة: لقد اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسخة وحيدة وهي غير كاملة، فقد سقطت منها الصفحة الأولى، استدركتها من كتاب: ذمِّ التأويل لابن قدامة فقد ذكرها مروية بإسناده إلى المؤلف، والنسخة هذه التي اعتمدت عليها في التحقيق هي من رواية ابن قدامة نفسه، فمنها نقل ابن قدامة في كتابه ذم التأويل1 والنسخة الخطية مصورة عن نسخة محفوظة بدار الكتب الظاهرية بدمشق تبدأ بالورقة (38) وتنتهي بنهاية الورقة (43) وتقع في (10) صفحات وعدد الأسطر في كل صفحة ما بين (17) إلى (28) سطراً وفي كل سطر حوالي (15) كلمة كتبت بخط واضح وبها بعض الأخطاء، ولم يعتن الناسخ بوضع النقاط. ثالثاً: المقارنة بين س كتابنا هذا (اعتقاد أئمة أهل الحديث) وكتاب (عقيدة السلف أصحاب الحديث) للصابوني: في أثناء قراءة للكتابين لاحظت ما يلي: 1- أن هناك تشابهاً بين محتوى الكتابين وتقارباً بين عنوانهما. أن هناك تشابهاً من حيث الموضوعات فنجد أن الاثنين قد طرقا نفس الموضوعات وبنفس الترتيب في بعض المواضيع وانفرد كتاب   1 تقدم بيان سماع ابن قدامة في مبحث توثيق الكتاب إلى مؤلفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الإسماعيلي ببعض الموضوعات كما يلي: وجوب لزوم مذهب أهل الحديث الفرقة الناجية، ودار الإسلام، وتعليم العلم، وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. أما كتاب الصابوني فانفرد عن كتاب الإسماعيلي بالمواضيع التالية: موقف السلف من أخبار الصفات وعلامة أهل السنة وأهل البدع. 3- أن هناك بعض الموضوعات تكاد تكون متطابقة متماثلة مثل ما يأتي: أ - جاء في كتاب الإسماعيلي ما يأتي؛ "ويقولون إن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن كثرت طاعاته أزيد إيماناً ممن هو دونه في الطاعة"1. وجاء في كتاب الصابوني ما يلي: "ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"2. ب- وجاء في كتاب الإسماعيلي ما يلي: "واختلفوا في متعمدي ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها من غير عذر، فكفّره جماعة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "بين العبد وبين الكُفر ترك الصلاة" 3، وقوله: "من ترك الصلاة فقد كفر" 4. وقوله: "ومن ترك الصلاة فقد برئت منه ذمة الله " 5، وتأويل جماعة منهم بذلك من تركها جاحداً لها كما قال يوسف عليه السلام: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 6، ترك جحود الكفر"7.   1 ص (63-64) . 2 ص (67) . 3 سوف يأتي تخريج هذه الأحاديث. 4 سوف يأتي تخريج هذه الأحاديث. 5 سوف يأتي تخريج هذه الأحاديث. 6 سورة يوسف الآية (37) . 7 ص 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وجاء في كتاب الصابوني ما يأتي؛ "اختلف أهل الحديث في ترك المسلم صلاة الفرض متعمداً، فكفّره بذلك أحمد بن حنبل وجماعة من علماء السلف وأخرجوه من الإسلام بالخبر الصحيح المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "بين العبد والشِّرك ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر". وذهب الشافعي وأصحابه وجماعة من علماء السلف "إلى أنه لا يكفر به ما دام معتقداً لوجوبها وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتد عن الإسلام. وتأول الخبر من ترك الصلاة جاحداً كما أخبر سبحانه عن يوسف عليه السلام أنه قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 1، ولم يكن تلبس بكفر فارقه ولكن ما تركه جاحداً له"2. ج - وجاء في كتاب الإسماعيلي ما يلي: "وأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر واستعماله كُفْر من فاعله معتقداً له نافعاً ضاراً بغير إذن الله"3. وجاء في كتاب الصابوني: "ويشهدون أن في الدنيا سحراً وسحرة، إلا أنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله.. ومن سحر منهم واستعمل السحر واعتقد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى فقد كفر بالله تعالى"4. 4- يمتاز كتاب الصابوني (عقيدة السلف أصحاب الحديث) بأنه يسند الأحاديث التي يستدل بها بخلاف الإسماعيلي، فيذكر الأحاديث مستدلاً بها بدون أن يسندها. 5- يمتاز كتاب الصابوني عن كتاب الإسماعيلي بكثرة استشهاده بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار المروية عن السلف. 6 - عندما يقتبس الصابوني من غيره يصرّح باسم من نقل عنه، فيقول مثلاً:   1 سورة يوسف الآية (37) . 2 ص (74-75) . 3 ص (78) . 4 ص (96) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 "قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب التوحيد"، ويقول: "وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى – رحمه الله – في كتابه الاعتقاد) . وأحياناً لا ينسب القول الذي يقتبسه إلى قائله صراحة بل يصدره بقيل. أما الإسماعيلي فلا يصرح باسم من نقل عنه فالحاصل أن هذين العالمين تصديا لتقرير عقيدة السلف أهل الحديث، وقد عاشا في عصرين مختلفين، توفي الإسماعيلي سنة 371 هـ، وتوفي الصابوني سنة 449 هـ. فما بين وفاتيهما (78 سنة) فاستفاد المتأخر من كتاب المتقدم واقتبس منه ما نسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 "وقال ابن قدامة أخبرنا1 الشريف أبو العباس مسعود بن عبد الواحد بن مطر الهاشمي2 قال: أنبأ الحافظ3 أبو العلا4 صاعد بن يسار5 الهروي6 7 أنبأ أبو الحسن8 علي بن محمد الجرجاني، أنبأ أبو القاسم9 حمزة10 بن يوسف السهمي، أنبأ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي11 قال: ["أصول الاعتقاد عند أهل الحديث"] : 1- اعلموا رحمنا12 الله وإياكم أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى13. وصحت14 به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدَّل عن ما وردا به ولا سبيل إلى رده إذ كانوا مأمورين بإتباع الكتاب والسنة، مضموناً لهم الهدى فيهما، مشهوداً لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم، يهدي إلى صراط مستقيم، محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم15.   1 في كتاب العلو: (أنبأنا) . 2 في كتاب العلو: (مسعود بن عبد الرحمن الهاشمي) . 3 سقطت كلمة: (الحافظ من كتاب العلوم) . 4 سقطت كلمة: (أبو العلا) من كتاب العلو. 5 في كتاب العلو: (سيار) . 6 سقطت كلمة: (الهروي) من كتاب العلو. 7 في كتاب العلو: (الحافظ) . 8 سقطت كلمة: (أبو الحسن) من كتاب العلو. 9 سقطت كلمة: (أبو القاسم) من كتاب العلو. 10 في كتاب العلو: (يوسف بن حمزة الحافظ) . 11 في كتاب العلو: (الإسماعيلي بكتاب اعتقاد السنة له) . 12 في كتاب العلو: (رحمكم الله) . 13 سقطت كلمة: (تعالى) من كتاب العلو. 14 في كتاب العلو: (وما صحت) . 15 سقط ما بين كلمة: (ولا سبيل إلى رده) إلى كلمة: (العذاب الأليم) من كتاب العلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 ["القول في الأسماء والصفات"] : 2 - ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى وموصوف1 بصفاته التي سمّى2 و3 وصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم4، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء5 بلا اعتقاد كيف، وأنه عزّ وجلّ6، استوى على العرش7، بلا كيف فإن8 الله تعالى9 انتهى10 من ذلك11 إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه. ["ذكر بعض خصائص الربوبية"] : 3- وأنه مالك خلقه وأنشأهم لا عن حاجة إلى ما خلق ولا لمعنى دعاه إلى أن خلقهم، لكنه فعّال لما يشاء ويحكم ما يريد لا يُسأل عمّا يفعل، والخلق مسؤولون عما يفعلون. ["إثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى"] : 4- وأنه مدعو بأسمائه، موصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، وسمّاه ووصفه بها نبيه عليه الصلاة والسلام، لا يعجزه   1 في كتاب العلو: (الحسنى موصوف) . 2 سقطت كلمة (سمى) من كتاب العلو. 3 الواو ساقطة من كتاب العلو. 4 سقطت كلمة صلى الله عليه وسلم من كتاب العلو. (ينفق كيف يشاء) سقطت من كتاب العلو. 6 وأنه عز وجل سقطت من كتاب العلو. 7 المثبت ما بين القوسين من كتاب ذم التأويل لابن قدامة. 8 في كتاب العلو. (فإنه) . 9 سقطت كلمة: (الله تعالى) من كتاب العلو. 10 في كتاب ذم التأويل: (أنهى) . 11 سقطت من كتاب ذم التأويل وكتاب العلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة، فإنه عز وجل تعالى عن ذلك. ["إثبات صفة اليدين"] : 5- وخلق آدم عليه السلام بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف يداه إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف. 6- ولا يعتقد فيه الأعضاء، والجوارح، ولا الطول، والعرض، والغلظ، والدقة1، ونحو هذا مما يكون مثله في الخلق، وأنه ليس كمثله شيء تبارك وجه ربنا ذو الجلال والإكرام. 7- ولا يقولون إن أسماء الله عز وجل كما تقوله المعتزلة2   1 هذه الكلمات ليست من الألفاظ المعروفة عند أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة بل هي من الكلمات المخترعة المبتدعة والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها وما كان أغنى الإمام المصنف رحمه الله تعالى عن مثل هذه الكلمات المبتدعة فإن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال منعوت بنعوت العظمة والجلال وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائنا من كان والقاعدة السلفية في مثل هذه الكلمات أنه لا يجوز نفيها ولا إثباتها إلا بعد التفصيل وتبيين مراد قائلها وكان على المؤلف أن يجمل في النفي غير أنه أراد بهذا النفي أن يسد الطريق على المعطلة لئلا يكون لهم مدخل في رمي أهل الحديث بالتشبيه، ولكنه بهذه العبارات فتح الباب لهم ليلزموا من إطلاقها بموافقتهم على نفي بعض الصفات الذاتية كالوجه واليدين فلو أمسك رحمه الله عن هذه العبارات لكان أجدى. 2 المعتزلة فرقة كلامية إسلامية ظهرت في أول القرن الثاني الهجري وبلغت شأنها في العصر العباسي الأول ويرجع اسمها إلى اعتزال إمامها واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري لقول واصل بأن مرتكب الكبيرة ليس كافراً ولا مؤمناً بل هو في منزلة بين المنزلتين ولما اعتزل واصل مجلس الحسن وجلس عمرو بن عبيد إلى واصل وتبعهما أنصارهما قيل لهم معتزلة أو معتزلون وهذه الفرقة تعتد بالعقل وتغلو فيه وتقدمه على النقل ولهذه الفرقة مدرستان رئيسيتان: إحداهما بالبصرة ومن أشهر رجالها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام والجاحظ وأخرى ببغداد ومن أشهر رجالها بشر بن المعتمر وأبو موسى المردار وثمامة بن الأشرس وأحمد بن أبي دؤاد وللمعتزلة أصول خمسة يدور عليها مذهبهم هي: العدل، والتوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، والرعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهم في هذه الأصول معان عندهم خالفوا فيها موجب الشريعة وجمهور المسلمين. انظر الفرق بين الفرق ص (117-120) ، التبصير في أصول الدين ص (37) الملل والنحل (1/ 46- 49) الخطط للمقريزي (2/ 245-246) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 والخوارج1 وطوائف من أهل الأهواء مخلوقة2. ["قولهم في صفة الوجه والسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام"] : 1- ويثبتون أن له وجهاً، وسمعاً، وبصراً، وعِلْماً، وقدرةً، وقوةً،   1 الخوارج جمع خارجة أي فرقة خارجة: هم كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة واشتهر بهذا اللقب جماعة خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن كان معه في حرب صفين وحملوه على قبول التحكيم ثم قالوا له لم حكمت بين الرجال لا حكم إلا الله. وسموا حرورية لإنحيازهم إلى حروراء بعد رجوعهم من صفين وعددهم يومئذ إثنا عشر ألفاً وقد ناظرهم علي رضي الله عنه فرجع بعضهم وقاتل الباقين حتى هزمهم. وقد افترق الخوارج إلى عدة فرق يجمعهم القول بتكفير عليّ بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأصحاب الجمل ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما وتكفير صاحب الكبائر والقول بالخروج على الإمام إذا كان جائراً. انظر الملل والنحل (1/114) ، والفرق بين الفرق ص (72-73) . ومقالات الإسلاميين (1/167) ومجموع الفتاوى (3/279) . 2 هذه من حماقات الجهمية والمعتزلة ومن تابعهم وهي مبنية على قولهم بخلق القرآن قال الدارمي في الرد على المريسي ص (366) : "وقد كان للإمام المريسي في أسماء الله مذهب كمذهبه في القرآن كان القرآن عنده مخلوقاً من قول البشر لم يتكلم الله بحرف منه في دعواه وكذلك أسماء الله عنده من ابتداع البشر من غير أن يقول: "إنني أنا الله رب العالمين" إلى أن قال: "فهذا الذي ادعوا في أسماء الله أصل كبير من أصول الجهمية التي بنوا عليها محنتهم، وأسسوا بها ضلالاتهم غالطوا بها الأغمار والسفهاء" وشبهتهم: "إنهم لو أثبتوا لله تسعة وتسعين اسماً لأثبتوا تسعة وتسعين إلهاً" انظر شرح أصول الاعتقاد 2/215 قال الدارمي في الرد عيهم "أرأيتم قولكم: إن أسماء الله مخلوقة فمن خلقها؟ أو كيف خلقها؟ اجعلها أجساماً وصوراً تشغل أعيانها أمكنة دونه من الأرض والسماء؟ أم موضعاً دونه في الهواء؟ فإن قلتم لها أجسام دونه فهذا ما تنقمه عقول العقلاء، وان قلتم خلقها على ألسنة العباد فدعوه بها، وأعاروها إياه، فهو ما ادعينا عليكم: إن الله كان بزعمكم مجهولاً لا اسم له حتى أحدث الخلق وأحدثوا له أسماء من مخلوق كلامهم فهذا هو الإلحاد بالله والتكذيب بها" قال: {الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} . كما يضيفه إلى {رب العالمين} ولو كان كما ادعيتم لقيل: الحمد لله رب العالمين المسمى الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. لذا كفرهم جماعة من السلف يقول إسحاق بن راهويه: "أفضوا: الجهمية إلى أن قالوا أسماء الله مخلوقة.. وهذا الكفر المحض.." شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/214) . وقال الإمام أحمد بن حنبل: "من زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو كافر" شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/214) وقال خلف بن هشام المقري: "من قال إن أسماء الله مخلوقة فكفره عندي أوضح من هذه الشمس" شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/207) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وعِزَّة، وكلاماً، لا على ما يقوله أهل الزيغ من المعتزلة1 وغيرها، ولكن كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 2، وقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 3، وقال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} 4، وقال: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} 5، وقال: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} 6 وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} 7، وقال {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 8. فهو تعالى ذو العلم، والقوة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، كما قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} 9 {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} 10، وقال: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 11، قال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 12، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 13.   1 انظر مذهبهم في كتاب نهاية الإقدام ص 180-183 ولشرح الأصول الخمسة 201 وتلبيس الجهمية 1/605. 2 سورة الرحمن الآية (27) . 3 سورة النساء الآية (166) . 4 سورة البقرة الآية (255) . 5 سورة فاطر الآية (10) . 6 سورة الذاريات الآية (47) . 7 سورة فصلت الآية (15) . 8 سورة الذاريات الآية (58) . 9 سورة طه الآية (39) . 10 سورة هود الآية (37) . 11 سورة التوبة الآية (6) . 12 سورة النساء الآية (164) . 13 سورة يس الآية (82) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ["إثبات المشيئة"] : 9- ويقولون ما يقوله المسلمون بأسرهم: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون"، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. ["علم الله"] : 10- ويقولون لا سبيل لأحد أن يخرج عن عِلْم الله ولا أن يغلب فعله وإرادته مشيئة الله ولا أن يبدّل عِلم الله فإنه العالم لا يجهل ولا يسهو والقادر لا يغلب. ["القرآن كلام الله"] : 11- ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه كيفما يُصَرَّف بقراءة القارىء له وبلفظه ومحفوظاً في الصدور، متلواً بالألسن، مكتوباً في المصاحف، غير مخلوق، ومن قال2 بخلق3   1 سورة التكوير الآية (29) . 2 في كتاب عقيد السلف أصحاب الحديث (من زعم) . 3 مسألة اللفظ بالقرآن اضطرب فيها أقوام من أهل الحديث والسنة قال ابن قتيبة في كتاب الاختلاف في اللفظ ص245: "ثم انتهى بنا القول إلى ذكر غرضنا من هذا الكتاب، وغايتنا من اختلاف أهل الحديث في اللفظ بالقرآن وتشانئهم وإكفار بعضهم بعضاً. وليس ما اختلفوا فيه مما يقطع الألفة ولا مما يوجب الوحشة. لأنهم مجموعون على أصل واحد وهو القرآن كلام الله غير مخلوق" وقال ابن القيم: "وأئمة السنة والحديث يميزون بين ما قام بالعبد وما قام بالرب والقرآن عندهم جميعه كلام الله حروفه ومعانيه، وأصوات العباد وحركاتهم وأداؤهم وتلفظهم كل ذلك مخلوق بائن عن الله" إلى أن قال: "البخاري أعلم بهذه المسألة وأولى بالصواب فيها من جميع من خالفه وكلامه أوضح وأمتن من كلام أبي عبد الله فإن الإمام أحمد سد الذريعة حيث منع إطلاق لفظ المخلوق نفياً وإثباتاً على اللفظ) إلى أن قال: "والذي قصده أحمد أن اللفظ يراد به أمران: أحدهما: الملفوظ نفسه وهو غير مقدور للعبد ولا فعل له. الثاني: التلفظ به والأداء له وفعل العبد. فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني فمنع الإطلاقين وأبو عبد الله البخاري ميز وفصل وأشبع الكلام في ذلك وفرق بين ما قام بالرب وما قام بالعبد وأوقع المخلوق على تلفظ العباد وأصواتهم وحركاتهم وأكسابهم ونفى اسم الخلق عن الملفوظ وهر القرآن الذي سمعه جبرائيل من الله وسمعه محمد من جبرائيل". مختصر الصواعق (2/ 306، 310 -311) . تنبيه: لقد زعم كثير من أهل الأهواء أن الإمام البخاري قال لفظي بالقرآن مخلوق ولكن بعد التحقيق تبين أن نسبة هذا القول للإمام البخاري رحمه الله من قبل شهادة الزور عليه وأنه براء من هذه المقالة ولقد صرح الإمام البخاري نفسه أن من قال إني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب علي. قال محمد بن نصر: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: "من زعم أني قلت الفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله". فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: "ليس إلا ما أقول". طبقات الحنابلة (1/277) ، سير أعلام النبلاء (12/457) وقال أبو عمر والخفاف: "أتيت البخاري فَناظرتُهُ في الأحاديث حتى طابت نفسه. فقلت: يا أبا عبد الله ها هنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك: "من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة" تاريخ بغداد (2/32) ، مقدمة فتح الباري (492) سير أعلام النبلاء (12/ 457 - 458) . إذن الثابت عنه أنه قال أفعالنا مخلوقة فيدخل في هذا تلفظ القارئ بالقرآن وكتابة الكاتب لألفاظ القرآن وحفظ الحافظ للقرآن وجهر القارئ بالقرآن وحسن صوته وتغنيه بالقرآن فهي أمور مخلوقة لأنها من أفعال العباد، فهذا ما ذهب إليه رحمه الله، وهذا تفصيله في المسألة فتأمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 اللفظ1 بالقرآن2 يريد به القرآن، فهو قد قال بخلق القرآن. ["أفعال العباد مخلوقة لله"] : 12 - ويقولون إنه لا خالق على الحقيقة إلا الله عز وجل، وأن أكساب3 العباد كلها مخلوقة لله، وأن الله يهدي من يشاء ويُضِل من يشاء، لا حجة لمن أضله الله عز وجل، ولا عذر كما قال الله عز وجل: {قُلْ   1 في كتاب عقيد السلف أصحاب الحديث (أن لفظه) . 2 في كتاب عقيد السلف أصحاب الحديث (بالقرآن مخلوق) . 3 جمع كسب والكسب في اللغة بمعنى الجمع والكسب طلب الرزق قال ابن فارس: "وهو يدل على ابتغاء وطلب وإصابة" وقال سيبويه: "كسبه جمعه" أما معنى الكسب عند أئمة السنة فهو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر كما قال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فبين سبحانه أن كسب النفس لها أو عليها انظر مجموع الفتاوى (8/387) ومعجم مقاييس اللغة (5/179) وتهذيب اللغة (10/79) والصحاح (1/212) وتاج العروس (1/455) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 1، وقال: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} 2، وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} 3، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} 4، ومعنى (نبرأها) أي نخلقها بلا خلاف في اللغة، وقال مخبراً عن أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} 5، وقال: {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} 6، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} 7. ["الخير والشر بقضاء الله"] : 13 - ويقولون إن الخير والشر والحلو والمُر، بقضاء من الله عز وجل، أمضاه وقدّره لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله، وإنهم فقراء إلى الله عز رجل لا غنى لهم عنه في كل وقت. ["النزول إلى السماء الدنيا"] : 14- وأنه. 8 عزَّ وجل ينزل إلى السماء الدنيا على ما صح به الخبر9 عن   1 سورة الأنعام الآية (149) . 2 سورة الأعراف الآية (29-30) . 3 سورة الأعراف الآية (179) . 4 سورة الحديد الآية (22) . 5 سورة الأعراف الآية (43) . 6 سورة الرعد الآية (31) . 7 سورة هود الآية (118-119) . 8 في كتاب عقيد السلف أصحاب الحديث (إن الله سبحانه) . 9 في كتاب عقيد السلف أصحاب الحديث على ما صح به الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وقال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} ونؤمن بذلك كله على ما جاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلا اعتقاد كيف فيه1. ["رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة"] : 15 - ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة دون الدنيا، ووجوبها لمن جعل الله ذلك ثواباً له في الآخرة، كما قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 2، وقال في الكفار: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 3. فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه كانوا جميعهم عنه محجوبين وذلك من غير اعتقاد التجسيم4 في الله عز وجل ولا التحديد له ولكن يرونه جلَّ وعز بأعينهم على ما يشاء هو بلا كيف. ["حقيقة الإيمان"] : 16 - ويقولون إن الإيمان قول وعمل5 ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ومن كثرت طاعته أزْيدُ إيماناً ممن هو دونه في الطاعة.   1 في كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث (بلا كيف فلو شاء سبحانه أن يين لنا كيفية ذلك فعل فانتهينا إلى ما أحكم وكففنا عن الذي يتشابه إذ كنا قد أمرنا به في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} . 2 سورة القيامة الآيتان (22، 23) . 3 سورة المطففين الآية (15) . 4 التجسيم: من الألفاظ المجملة المحدثة التي أحدثها أهل الكلام فلم ترد في الكتاب والسنة ولم تعرف عن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وما كان أغنى الإمام المصنف رحمه الله تعالى عن مثل هذه الكلمات المبتدعة فلذلك لا يجوز إطلاقها نفياً ولا إثباتاً فإن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله نفياً وإثباتاً. انظر مجموع الفتاوى (3/306) ، ومنهاج السنة (2/135) . 5 العمل قسمان عمل القلب وهو الإخلاص والنية وعمل الجوارح وهي الأعضاء ويدخل في ذلك اللسان إن كان عمله غير عملها فإن عمله الذكر والدعاء والثناء على الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 ["قوله في مرتكب الكبيرة"] : 17 - ويقولون إن أحداً من أهل التوحيد ومن يصلي إلى قبلة المسلمين، لو ارتكب ذنباً أو ذنوباً كثيرة، صغائر، أو كبائر مع الإقامة على التوحيد لله والإقرار بما التزمه وقبله عن الله فإنه لا يكُفر به ويرجون له المغفرة. قال تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1. ["حكم تارك الصلاة عمداً"] : 18 - واختلفوا في متعمدي ترك الصلاة المفروضة حتى يذهب وقتها من غير عذر، فكفّره جماعة2 لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "بين العبد وبين الكُفر ترك الصلاة" 3، وقوله "من ترك الصلاة فقد كفر" 4، "ومن ترك الصلاة فقد برأت منه ذمة   1 سورة النساء الآية (48) . 2 منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاذ بن جبل وابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبو الدرداء ومن التابعين إبراهيم النخعي وعبد الله بن المبارك وأيوب السختياني واسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم: انظر المحلي لابن جزم (2/ 242) ومعالم السنن للخطابي (5/85) وكتاب الصلاة لابن القيم ص 37. 3 أخرجه أبو داود كتاب السنة باب في رد الإرجاء (5/85) ح (4678) والترمذي كتاب الإيمان باب ما جاء في ترك الصلاة (5/13) ح (2620) وابن ماجه كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1/342) ح (1078) . جميعهم من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح من حديث بريدة رضي الله عنه". 4 أخرجه النسائي (1/231) والترمذي (2621) وابن ماجه (1079) وغيرهم بلفظ "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" وهو حديث صحيح. وأخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (1/295) من حديث أنس بن مالك ولفظه: "من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً". قال الهيثمي: "رجاله موثوقون إلا محمد بن داود فإني لم أجد من ترجمه فقد ذكر ابن حبان في الثقات محمد بن أبي داود البغدادي فلا أدري هل هو هذا أم لا؟ ". وأورده السيوطي في الجامع الصغير (58912) وقال عنه: "حديث صحيح" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5/184) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الله" 1. وتأول جماعة2 أنه يريد بذلك من تركها جاحداً لها، كما قال يوسف عليه السلام: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 3 جحود الكفر4. ["أقوال أهل العلم في الفرق بين الإسلام والإيمان"] : 19 - وقال كثير5 منهم6: إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض على الإنسان أن يفعله إذا ذكر كل اسم على حدته مضموماً إلى الآخر فقيل: المؤمنون والمسلمون جميعاً مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد بالآخر وإن7 ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمهم.   1 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/253) ح (3023) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولفظه: "من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله ورسوله" قال محقق الكتاب: "هو منقطع" وأخرجه أحمد كما في مجمع الزوائد (1/295) من طريق مكحول عن أم أيمن ولفظه: "من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله ورسوله". قال الهيثمي عنه: "رجاله رجال الصحيح إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن" ورواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/295) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ولفظه: "من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله عز وجل". قال الهيثمي عنه: "فيه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه". 2 كالشافعي وجماعة من أصحابه. انظر كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث ص (75) . 3 سورة يوسف الآية (37) . 4 معلوم أن نبي الله يوسف عليه السلام لم يكن تلبس بملة الكفر ولكن أعرض عن الكفر جاحداً له ومعلوم أن ترك الشيء لا يستلزم الوقوع فيه أولاً. 5 في كتاب جامع العلوم والحكم (قال كثير من أهل السنة والجماعة) . 6 كالخطابي وغيره. 7 كتاب جامع العلوم والحكم: (وإذا ذكر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وكثير منهم1 قالوا: الإسلام والإيمان واحد. قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 2. فلو أن الإيمان غيرهُ لم يقبل، وقال: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 3، ومنهم من ذهب إلى أن الإسلام مختص بالاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه فيما هو مؤمن به، كما قال: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 4، وقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} 5. وهذا أيضاً دليل لمن قال هما واحد. ["الشفاعة والحوض والميزان والحساب"] : 20- ويقولون إن الله يخرج من النار قوماً من أهل التوحيد بشفاعة الشافعين برحمته وإن الشفاعة حق وإن الحوض حق، والميزان حق، والحساب حق. ["ترك الشهادة لأحد من الموحدين بالجنة أو النار"] : 21- ولا يقطعون على أحد من أهل الملّة أنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار، لأن علم ذلك مغيب عنهم لا يدرون على ماذا يموت؟ أعلى   1 منهم محمد بن نصر المروزي وسفيان الثوري والبخاري والمزني وابن عبد البر. انظر جامع العلوم والحكم ص170 وروي عن الشافعي انظر فتح الباري (1/ 114 - 115) . 2 سورة آل عمران الآية (85) . 3 سورة الذاريات الآية (35 - 36) . 4 سورة الحجرات الآية (14) . 5 سورة الحجرات الآية (17) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الإسلام؟ أم على الكُفر؟.. ولكن يقولون إن مَن مات على الإسلام مجتنباً للكبائر والأهواء والآثام، فهو من أهل الجنة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 1، ولم يذكر عنهم ذنباً: {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} 2، ومن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، بعينه بأنه من أهل الجنة، وصح له ذلك عنه، فإنهم يشهدون له بذلك إتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديقاً لقوله. ["عذاب القبر"] : 22- ويقولون إن عذاب القبر حق، يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه، قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 3. فأثبت لهم ما بقيت الدنيا عذاباً بالغدو والعشي دون ما بينهما حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشدَّ العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا. وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} 4 يعني قبل فناء الدنيا، لقوله تعالى بعد ذلك: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} 5 بيَّن أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة وفي معاينتنا اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية في المعيشة ما يعلم به أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا لوجود مشركين6 في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به بعد الموت قبل الحشر.   1 سورة البينة الآية (7) . 2 سورة البينة الآية (8) . 3 سورة غافر الآية (46) . 4 سورة طه الآية (124) . 5 سورة طه الآية (124) . 6 في النسخة الخطية (يا مشركين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 ["سؤال منكر ونكير"] : 23- ويؤمنون بمسألة منكر ونكير على ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} 1. وما ورد تفسيره2 عن النبي صلى الله عليه وسلم. ["ترك الخصومات والمراء في الدين"] : 24 - ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره لقول الله عز وجل: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} 3، يعني يجادل فيها تكذيباً بها والله أعلم. ["خلافة الخلفاء الراشدين"] : 25 - ويثبتون خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، باختيار الصحابة إياه، ثم خلافة عمر بعد أبي بكر رضي الله عنه باستخلاف4 أبي بكر إياه، ثم خلافة عثمان رضي الله عنه باجتماع أهل الشورى وسائر5 المسلمين عليه عن أمر عمر، ثم خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ببيعة من بايع من البدرين عمّار بن ياسر، وسهل بن حنيف، ومن تبعهما من سائر الصحابة مع سابقته وفضله.   1 سورة إبراهيم الآية (27) . 2 قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ..} أخرجه البخاري كتاب التفسير باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (8/ 378) ح (4699) من طريق سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب. 3 سورة غافر الآية (4) . 4 قبل كلمة (باستخلاف) كلمات مطموسة هي: (لاجتماع أهل الشورى) . 5 في الأصل: (ساير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 ["المفاضلة بين الصحابة"] : 26 - ويقولون بتفضيل الصحابة الذين رضي الله عنهم وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 1، وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} 2. ومن أثبت الله رضاه عنه لم يكن منه بعد ذلك ما يوجب سخط الله عز وجل ولم يوجب ذلك للتابعين إلا بشرط الإحسان، فمن كان من التابعين من بعدهم يتنقصهم لم يأت بالإحسان فلا مدخل له في ذلك. ["قوله فيمن يبغض الصحابة"] : 27 - ومن غاظه مكانهم من الله فهو مخوف عليه ما لا شيء أعظم منه لقوله عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} 3 إلى قوله: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} 4، فأخبر أنه جعلهم غيظاً للكافرين، وقالوا بخلافتهم لقول الله عز وجل {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} 5، فخاطب بقوله: "منكم" من نزلت الآية وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم، على دينه فقال بعد ذلك: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ6 لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ   1 سورة الفتح الآية (18) . 2 سورة التوبة الآية (100) . 3 سورة الفتح الآية (29) . 4 سورة الفتح الآية (29) . 5 سورة النور الآية (55) . 6 {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} سقطت من النسخة الخطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} 1، فمكّن الله بأبي بكر وعمر وعثمان الدين، وعد الله آمنين يَغزون ولا يُغزون، يُخيفون العدو ولا يُخيفهم العدو. وقال عز وجل للذين تخلّفوا عن نبيه في الغزوة التي ندبهم الله عز وجل بقوله: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} 2، فلما لقوا النبي صلى الله عليه وسلم، يسألونه الإذن في الخروج للعدو فلم يأذن لهم، أنزل الله عز وجل: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً} 3، وقال لهم: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} 4 والذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحياء خوطبوا بذلك لما تخلفوا عنه وبقي منهم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ما أوجب لهم بطاعتهم إياهم الأجر وبترك طاعتهم العذاب الأليم إيذانا من الله عز وجل بخلافتهم رضي الله عنهم، ولا جعل في قلوبنا غلاّ لأحدٍ منهم فإذا أثبتت خلافة واحد منهم انتظم منها خلافة الأربعة.   1 سورة النور الآية (55) . 2 سورة التوبة الآية (83) . 3 سورة الفتح الآية (15) . 4 سورة الفتح الآية (16) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ["الجمعة خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً"] : 28 - ويرون الصلاة -الجمعة وغيرها- خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً، فإن الله عز وجل فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضا مطلقا، مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت، ولا أمراً بالنداء للجمعة دون أمر. ["الجهاد مع الأئمة وإن كانوا جورة"] : 29 - ويرون جهاد الكفار معهم، وإن كانوا جورة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل، ولا يرون الخروج بالسيف عليهم، ولا قتال في الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العادل، إذا كان ووجد على شرطهم في ذلك ["دار الإسلام"] : 30- ويرون الدار دار الإسلام لا دار كفر، كما رأته المعتزلة ما دام النداء بالصلاة والإقامة ظاهرين وأهلها ممكنين منها آمنين. ["أعمال العباد لا توجب لهم الجنة إلا بفضل الله"] : 31 - ويرون أن أحداً لا يخلص له الجنة وإن عمل أي عمل إلا بفضل الله ورحمته التي يخصّ بهما من يشاء، فإن عمله للخير وتناوله الطاعات إنما كان عن فضل الله الذي لو لم يتفضل به عليه لم يكن لأحد على الله حجة ولا عذر، كما قال الله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} 1، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ   1 سورة النور الآية (21) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 إِلا قَلِيلاً} 1، وقال: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} 2. ["تقدير الآجال"] : 32- ويقولون إن الله عز وجل أجَّل لكل حي مخلوق أجلاً هو بالغه، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإن مات أو قُتل فهو عند انتهاء أجله المسمّى له، كما قال الله عز وجل: " {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} 3. ["الرزاق هو الله"] : 33- وإن الله تعالى يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي به قوام الحياة، وهو يضمنه الله لمن أبقاه من خلقه، وهو الذي رَزَقَه من حلال أو من حرام، وكذلك رزق الزينة الفاضل عمَّا يحيا به. ["الله خالق الشياطين ووساوسهم"] : 34 - ويؤمنون بأن الله تعالى خلق شياطين توسوس للآدميين ويخدعونهم ويغرونهم وأن الشيطان يتخبط الإنسان4. ["السحر والسحرة"] : 35- وأن في الدنيا سحراً وسحرة، وأن السحر واستعماله كفر من فاعله معتقداً له نافعاً ضاراً بغير إذن الله.   1 سورة النساء الآية (83) . 2 سورة آل عمران الآية (74) . 3 سورة آل عمران الآية (154) . 4 كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} سورة البقرة (275) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 ["مجانبة البدعة"] : 36 - ويرون مجانبة البدعة والآثام، والفخر، والتكبّر، والعجب، والخيانة، والدغل1 والاغتيال والسعاية2، ويرون كفّ الأذى وترك الغيبة إلا لمن أظهر بدعة وهو يدعو إليها، فالقول فيه ليس بغيبة عندهم. ["تعلم العلم "] : 37- ويرون تعلّم العلم وطلبه من مظانه، والجد في تعلّم القرآن وعلومه، وتفسيره، وسماع سُنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وجمعها والتفقه فيها، وطلب آثار أصحابه. ["الكف عن الصحابة"] : 38 - والكفّ عن الوقيعة فيهم وتأول القبيح عليهم، ويكلونهم فيما جرى بينهم على التأويل إلى الله عز وجل. ["لزوم الجماعة"] : 39 - مع لزوم الجماعة والتعفف في المأكل والمشرب والملبس، والسعي في عمل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإعراض عن الجاهلين حتى يعلموهم ويبينوا لهم الحق ثم الإنكار والعقوبة من بعد البيان، وإقامة العذر بينهم ومنهم. ["وجوب لزوم مذهب أهل الحديث الفرقة الناجية"] : 40- هذا أصل الدين والمذهب، واعتقاد أئمة أهل الحديث، الذين لم   1 هو الذي يبغي الشر. انظر تهذيب اللغة (8/71) . 2 الوشاية والنميمية بين الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 تشنهم بدعة، ولم تلبسهم فتنة، ولم يخفوا إلى مكروه في دين، فتمسّكوا معتصمين بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا عنه، واعلموا أن الله تعالى أوجب محبته ومغفرته لمتبعي رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه، وجعلهم الفرقة الناجية والجماعة المتبعة، فقال عز وجل لمن ادّعى أنه يحب الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} 1 نفعنا الله وإياكم بالعلم، وعصمنا بالتقوى من الزيغ والضلالة بمَنِّة ورحمته..   1 سورة آل عمران الآية (31) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 مصادر ومراجع ... (فهرس المصادر والمراجع) - إثبات صفة العلو لابن قدامة المقدسي، ط مكتبة العلوم والحكم المدينة، ط أخرى الدار السلفية الكويت. - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية لابن القيم، تحقيق د. عبد الله المعتق، ط الأولى 1408هـ، مطابع الفرزدق الرياض، ط أخرى دار الكتب العلمية. - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، ط الأولى 1407هـ، دار الكتب العلمية بيروت.. - الأنساب للسمعاني، ط دائرة المعارف العثمانية،. حيدر أباد. - اعتقاد السلف أصحاب الحديث للصابوني ضمن مجموعة الكمالية الناشر مكتبة المعارف بالطائف، ط أخرى دار الكتب السلفية الكويت. - البداية والنهاية لابن كثير، ط دار الكتب العلمية بيروت. - تاريخ بغداد "أو مدينة السلام" للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. - تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ط دار الكتب العلمية وبيروت. ط الأولى1405هـ. - تاريخ جرجان للسهمي، ط عالم الكتب بيروت، 1401هـ. - التبصرة في أصول الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين للإمام أبو المظفر الاسفراييني، عالم الكتب بيروت، ط أخرى مطبعة الأنوار القاهرة. - تذكرة الحفّاظ للإمام الذهبي، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. - تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ط مطبعة الحكومة، مكة 1391 هـ. - تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني، ط دار المعارف النظامية بحيدر أباد الهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 - تهذيب اللغة، محمد بن أحمد الأزهري، ط مطابع سجل العرب، القاهرة الدار المصرية للتأليف والترجمة. - الجامع الصغير للسيوطي، ط دار الفكر بيروت 1401هـ. - جامع الترمذي، الجامع الصحيح المسمى سُنن الترمذي لمحمد بن عيسى الترمذي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية 1398هـ. - خطط المقريزي (المسمى المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) لتقي الدين أبي العباس أحمد بن علي المقريزي، ط دار صادر بيروت. - ذم التأويل لابن قدامة المقدسي ضمن مجموعة الرسائل الكمالية، الناشر مكتبة المعارف الطائف. - الرد على بشر المريسي للدارمي ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف الإسكندرية. - سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني، إعداد وتعليق عزت دعاس، ط دار الحديث سوريا. - سنن ابن ماجة لمحمد بن يزيد القزويني ترقيم وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار الفكر العربي بيروت. - سير أعلام النبلاء الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، ط مؤسسة الرسالة، بيروت 1402هـ. - شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار. - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن عماد الحنبلي، ط دار المسيرة بيروت. - شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي، ط دار إحياء السُّنَّة النبوية. - شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة لأبي القاسم هبة الله بن الحسين بن منصور الطبري اللالكائي، تحقيق د. أحمد سعد حمدان، ط طيبة للنشر والتوزيع، الرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 - الصحاح لإسماعيل بن محمد الجوهري، ط دار العلم للملايين، بيروت. - كتاب الصلاة للإمام ابن القيم، تحقيق تيسير زعيتر، ط المكتب الإسلامي، بيروت. - صريح السنة للإمام محمد بن جرير الطبراني، تحقيق بدر المعتوق، ط دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت. - ضعيف الجامع الصغير، محمد ناصر الدين الألباني، ط المكتب الإسلامي، بيروت. - طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسن محمد بن أبي يعلى، ط دار المعرفة، بيروت. - طبقات الشافعية للسبكي، تحقيق محمود الطانجي، مطبعة عيسى البابي الحلبي. . - عقيدة السلف أصحاب الحديث لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، الدار السلفية، الكويت. - العلو للعلي الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها للذهبي، ط المكتبة السلفية بالمدينة، سنة 1388هـ. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار السلف، مصر. - الفرق بين الفرق لعبد القادر بن طاهر البغدادي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط محمد علي الصبيح وأولاده، مصر. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لأبي بكر الهيثمي، ط دار الكتاب العربي بيروت. - مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن محمد بن قاسم، ط مؤسسة الرسالة، بيروت. - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، نشر إدارة البحوث العلمية، الرياض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 - مختصر العلو للعلي الغفار، اختصره وعلّق عليه محمد ناصر الدين الألباني. - معجم مقاييس اللغة لأبي الحسن أحمد بن فارس، ط دار الكتب العلمية. - معجم البلدان لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت. - معجم الطبراني الكبير تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط مطبعة الوطن العربي، الجمهورية العراقية. - مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، ط مكتبة النهضة العربية 1389هـ، ط أخرى تحقيق هلموت ريتر، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت. - الملل والنحل للشهرستاني، تعليق محمد سيد كيلاني، ط دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت، الطبعة الثانية 1395هـ. - منهاج السنة النبوية لابن تيمية، ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. - النجوم الزاهرة قي ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين الأتابكي، ط دار الكتب المصرية، القاهرة. - نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني، حرره الفرد جيوم. - الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل الصفدي، ط دار النشر فرانز شتاينز 1389هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424