الكتاب: أحاديث في الفتن والحوادث (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الحادي عشر) المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ) المحقق: محمد محرز حسن سلامة، محمد شوقي خضر الناشر: جامعة الأمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: بدون عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- أحاديث في الفتن والحوادث (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الحادي عشر) محمد بن عبد الوهاب الكتاب: أحاديث في الفتن والحوادث (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الجزء الحادي عشر) المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ) المحقق: محمد محرز حسن سلامة، محمد شوقي خضر الناشر: جامعة الأمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: بدون عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] أحاديث في الفتن والحوادث تأليف: الإمام محمد بن عبد الوهاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابُ الْفِتَنِ قال رحمه الله:- (1) عن أبِي هريرة: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "بَادِرُوا بالأَعمالِ فِتناً1 كقِطَعِ اللّيل   1 الفتن: جمع فتنة. قال الرّاغب في أصل الفتن: - إدخال الذّهب في النّار لتظهر جودته من رداءته. ويستعمل في إدخال الإنسان النّار، ويطلق على العذاب. كقوله تعالى: - {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذّاريات، من الآية: 14] . وعلى ما يحصل عند العذاب. كقوله تعالى: - {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} ، [التّوبة، من الآية: 49] . وعلى الاختبار. كقوله تعالى: - {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه، من الآية: 40] . وفيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وفي الشّدة أظهر معنىً، وأكثر استعمالاً. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ، [الأنبياء، من الآية: 35] . ومنه قوله تعالى: - {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} ، [الإسراء، من الآية: 73] ، أي: يوقعونك في بليّةٍ وشدّةٍ في صرفك عن العمل بما أوحي إليك. وقال أيضاً: الفتنة تكون من الأفعال الصّادرة من الله، ومن العبد، كالبليّة والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية، وغيرها من المكروهات؛ فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة. وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذمّ الله الإنسان بإيقاع الفتنة، كقوله: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ، [البقرة، من الآية: 191] . وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ، [البروج، من الآية: 10] . وقوله: - {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} ، [الصّافات: 162] . وقوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} ، [القلم: 6] . وكقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ} ، [المائدة، من الآية: 49] . وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثمّ استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثمّ أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه، كالكفر والإثم والتّحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 المُظْلِم1، يصبحُ الرّجلُ مؤمناً ويُمْسي كافراً، ويُمسِي2   (كقطع اللّيل المظلم) : بكسر القاف وفتح الطّاء: جمع قطعة، وهي طائفة. والمعنى: كقطع من اللّيل المظلم لفرط سوادها وظلمتها وعدم تبين الصَّلاح والفساد فيها. ومعنى الحديث: الحثّ على المبادرة والمسارعة إلى الأعمال الصّالحة قبل تعذر والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشّاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام اللّيل المظلم، لا القمر. ووصف ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. نوعاً من شدائد تلك الفتن، وهو أنّه يمسي مؤمناً ثمّ يصبح كافراً، أو عكسه. وهذا لعظم الفتن، ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب. أعاذنا الله من الفتن. 2 وفي مسلم: "أو يمسي مؤمناً بدل ويمسي". وباقي المخطوطة موافق لرواية التّرمذي. انظر: تحفة الأحوذي جـ 6، كتاب الفتن ص: 438، طبعة الفجالة القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مؤمناً ويُصبحُ كافراً، يَبيِعُ دينَهُ بِعَرَضٍ مِن الدّنْيَا". رواه مسلم1. (2) وللبُخَارِيِّ2: عنْ زَيْنَبَبنتِ3 جَحْشٍ: أنَّ النّبيَّ – صلّى الله عليه وسلّم - خَرَجَ يوماً فزعاً4. مُحْمَراً وَجْهُهُ، يَقُولُ: "لا إلهَ إلاَّ اللهُ. ويلٌ للعَرَبَ مِنْ   1 أخرجه مسلم بشرح النّووي جـ 2، كتاب الإيمان، باب الحثّ على المبادرة بالأعمال ص: 133، طبعة المصرية بالأزهر. وصدره: عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: 2 فتح الباري شرح صحيح البخاري: جـ 13 – كتاب الفتن – باب يأجوج ومأجوج ص 106 ط السّلفية. وأخرجه مسلم بشرح النّووي جـ 18 كتاب الفتن – ص 2 باب اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج. وكذلك التّرمذي، تحفة الأحوذي ج6، أبواب الفتن، باب: يأجوج ومأجوج ص 421 كما أخرجه ابن ماجه جـ 2- كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن ص 1305ط عيسى الحلبي. 3 في البخاري (ابنة جحش) وما في المخطوطة موافق لما في مسلم، وابن ماجه. 4 وفي البخاري: "دخل عليها يوماً فزعاً". وفي مسلم، وابن ماجه: "استيقظ من نومه". وفي رواية للبخاري: "استيقظ النَّبِيُّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من النّوم محمراً وجهه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 شَر قَدِ اقْتَرَبَ1: فُتِحَ اليومَ مِنرَدْمِ2 يأَجوجَ ومأجُوجَ مِثْلُ هذِه". وحلَّقَ بإِصْبَعَيْهِ3: الإِبْهامِ والتي تَليِها. قالت: فقُلتُ: يا رسولَ الله: أَنَهْلِكُ وفِينَا الصّالِحُون4؟ قال: "نَعَمْ إذا كَثُر الْخَبَث " 5.   1 خصّ العرب بذلك؛ لأنّهم كمانوا حينئذٍ معظم من أسلم. والمراد بالشّرّ: ما وقع بعده، من قتل عثمان، ثم توالت الفتن، حتّى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة، كما وقع في حديث: "يوشك أن تَدَاعى عَلَيْكُم الأمَمُ، كَما تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها". وأنّ المخاطب بذلك العرب. قال القرطبي: "ويحتمل أن يكون المراد بالشّرّ: ما أشار إليه في حديث أمّ سلمة: ماذَا أُنْزل اللَّيلَة مِنَ الْفِتَنِ، ومَاذَا أُنْزلَ مِنَ الْخَزَائنِ". فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده، فكثرت الأموال في أيديهم، فوقع التّنافس الذي جرّ الفتن، وكذلك التّنافس على الإمرة؛ فإ، ّ معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أُمّيّة، وغيرهم؛ حتّى أفضى ذلك إلى قتله، وترتّب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمرّ. 2 الرّدم: السّدّ الذي بناه ذو القرنين. (وحلق بإصبعيه) أي: جعلهما مثل الحلقة. 4 كأنّها أخذت ذلك من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ، [الأنفال، من الآية: 33] . 5 الخبث: بفتحتين. فسر بالزِّنا وبأولاد الزِّنا والفسوق والفجور وهو أولى لأنّه قابله بالصّلاح. قال ابن العربي: فيه البيان: بأنّ الخيِّر يهلك بهلاك الشّرير، إذا لم يغير عليه خبثه، وكذلك إذا غير عليه، لكن حيث لا يجدي ذلك، ويصر الشّرير على عمله السّيء، ويفشو ذلك ويكثر، حتّى يعمّ الفساد، فيهلك حينئذ القليل والكثير، ثمّ يحشر كل أحد على نيته أ. هـ. فتح الباري جـ 13 ص 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 (3) وله1: عنْ أُسامةَ: أنّ النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم - أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ2 مِنْ آطامِ المدينةِ. ثُمَّ قال3: "هل تَروْنَ مَا أًرَى4؟ إني لأَرَى مَوَاقِعَ الفِتَنِ خِلالِ بُيُوتِكمْ كَمَواقِع5 الْقَطْر".   1 فتح الباري شرح البخاري جـ 13- كتاب الفتن – باب قول النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ويل للعرب من شر قد اقترب ص:11. وكذلك في الجزء رقم 4 كتاب فضائل المدينة ص 94. وفي مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن ص7. وفي أحمد جـ 5 ص 200. وما ذكره في المخطوطة هو لفظ مسلم. 2 الأطم ـ بضمّتين ـ: البناء المرتفع. كذا في النّهاية. وفي في الفتح: هي الحصون التي تُبْنَى بالحجارة. 3 لفظ البخاري: "فقال". 4 لفظ البخاري بعد جملة الاستفهام: "قالوا: لا. قال: فإنِّي". 5 لفظ البخاري: "كوقع القطر"، في كتاب الفتن. وفي روايات علامات النّبوّة كمواقع القطر. وإنّما اختصّت المدينة بذلك؛ لأنّ قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك. وحسن التّشبيه بالمطر لإرادة التّعميم؛ لأنّه إذا وقع في أرض معيَّنة عمّها، ولو في بعض جهاتها". ا. هـ. من الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 (4) ولِمسلم1: عن سالم بنِ عبد الله. قال: يَا أَهْلَ العِراق! مَا أَسْأَلَكُمْ الصَّغيرةَ، وَمَا أَرْكَبَكُم2 الكبيرة. سمعت أبي: عبد الله ابن عمر يقول: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: "إنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَهُنَا – وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نِحْوَ الْمَشْرِقِ -: مِنْ حَيْثُ يَطلعُ قَرْنُ3 الشَّيطَانِ، وَأَنْتُمْ   1 مسلم بشرح النّووي ج18 – كتاب الفتن – باب الفتنة من المشرق حيث يطلع قرنا الشيطان ص 32. وفي البخاري بشرح الفتح – كتاب الفتن – باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلّم الفتنة من قبل المشرق ج13 ص 45 مع اختلاف في الألفاظ واختصار. 2 لفظ مسلم: "وأركبكم". 3 لفظ مسلم: "قرنا الشّيطان" بلفظ المثنى، والإفراد موافق لبعض ألفاظ مسلم. وقرنا الشّيطان: قيل: المراد بهما: حزبه وأتباعه. وقيل: قوته وغلبته، وانتشاره وفساده. وقيل: القرنان: ناحية الرأس. وإنّه على ظاهره، وهذا هو الأقوى. وسمي شيطاناً لتمرده وعتوه، وكل مارد عات: شيطان. والأظهر: أنّه مشتقٌّ من شطن إذا بعد، لبعده من الخير والرّحمة. وقيل: مشتقٌّ من شاط إذا هلك واخترق. ا. هـ النّووي على مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 يَضْرِبُ بعضُكم رِقَابَ بَعْضٍ. وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسى الّذي قَتَلَ مِنْ آل فِرْعَونَ خَطَأً. فَقَالَ الله له: {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} ، [طه، من الآية: 40] . (5) وله1: عن معقل بن يَسِارٍ: عن النَّبِيِّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ2 كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ".   1 مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن – باب فضل العبادة في الهرج ص 88. 2 المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور النّاس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه: أنّ النّاس يغفلون عنها، ويشتغلون بغيرها ولا يتفرّغ لها إلاّ الأفراد. اهـ مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 (6) ولمسلم1: عن ابن عمرو2: أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: "إَذَا فُتِحَت عَلَيْكُم فَارِسُ وَالرُّومُ! أَيُّ قَومٍ أَنْتُم؟ "، قال عبد الرَّحْمَن بُن عَوفٍ: نكُون3 كَمَا أَمَرَ الله4. فقال النَّبِيُّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ تَتَنَافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُون. ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ. ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِنِ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعَضَهُم عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ"5.   1 مسلم بشرح النّووي جـ18- كتاب الزّهد ص 96. وأخرجه ابن ماجه جـ 2 – كتاب الفتن – باب فتنة المال ص 1324. تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي. 2 لفظ مسلم وكذلك ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: الحديث. 3 لفظ مسلم وكذلك ابن ماجه"نقول كما أمرنا الله"بدل:"نكون كما أمر الله". 4 معناه: نحمده ونشكره، ونسأله المزيد من فضله. 5 قال العلماء: التّنافس إلى الشّيء: المسابقة إليه، وكراهة أخذ غيرك إيّاه. وهو أوّل درجات الحسد. وأمّا الحسد: فهو: تمنِّي زوال النِّعمة عن صاحبها والتدابر التقاطع، وقد بقي مع التّدابر شيء من المودة، أو لا يكون مودة ولا بغض. وأمّا التّباغض: فهو بعد هذا، ولهذا رتبت في الحديث النّووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 (7) ولَه1: عن عَمْرُو بن عَوْفٍ: أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بَعَثَ أبا عُبَيْدَةَ إِلَى الْبَحْرَيْن، فَأَتَى2 بِجِزْيَتِهَا. وكان رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ صَالَحَ3 أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهُمُ العَلاَءَ بنَ الْحَضْرمي، فَقَدِمَ أبو عُبَيْدَة بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعْت الأنصار بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعِ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فَلَمَّا صلّى رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ انْصَرَفَ. فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حِيْنَ رَآهُم، ثمّ قال:   1 مسلم شرح النّووي جـ18 – كتاب الزّهد والرِّقائق – ص95. والبخاري بشرح الفتح جـ 6 الجزية ص 257 وأخرجه ابن ماجه الجزء الثّاني – كتاب الفتن – باب فتنة المال ص 1324 والتِّرمذي – تحفة الأوحوذي جـ7 ص 161. 2 لفظ مسلم وابن ماجه والبخاري "يأتي بجزيتها". 3 لفظ مسلم وابن ماجه والبخاري "هو صالح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 "أَظُنُّكُم سَمِعْتُم1 أبا عبيدة قَدِمَ بِشِيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟ "، قَالُوا: أَجَل يا رسولَ الله. قال: "فَأَبْشِرُوا، وأَمِّلُوا مِا يَسُرُّكُم، فَوَالله مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم. وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُم أَنْ تُبْسَطَ عَلَيكُم2 الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُم، فَتَنَافَسُوا3 فِيهَا، كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُم كَمَا أَهْلَكَتْهُم" 4. وفي رواية5: "فَتُلْهِيكُم كَمَا أَلْهَتْهُم". (8) وَلَهُما6: عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ: قَالَ رسولُ الله   1 لفظ مسلم وابن ماحه "أظنّكم سمعتم أن أبا عبيدة" وفي البخاري: "أظنّكم قد سمعتم أن أبا عبيدة". 2 لفظ مسلم وابن ماجه:"أن تبسط الدّنيا عليكم"وفي البخاري كما في المخطوط. 3 لفظ مسلم وابن ماجه والبخاري: "فتنافسوها". 4 لفظ مسلم والبخاري: "وتهلككم كما أهلكتهم"، وما في المخطوطة موافق لابن ماجه. 5 مسلم شرح النّووي ج18كتاب الزّهد ص96.واللفظ:"وتلهيكم كما ألهتهم". 6 البخاري بشرح ابن حجر العسقلاني – جـ 9 كتاب النِّكاح – باب ما يتّقي من شؤم المرأة. ومسلم بشرح النّووي جـ 17 – كتاب الرِّقاق – بيان الفتنة بالنِّساء جـ 17 ص 54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"1. (9) وَلِمُسلِمٍ2: من حديث أبي سَعِيدٍ: "إنَّ الدُّنْيَا خَضْرَةٌ حُلْوَةٌ3. وَإِنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُم فِيهَا4   1 في الحديث: أنّ الفتنة بالنِّساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ. ويشهد له قوله تعالى: - {زُيِّن للنّاسِ حبُّ الشّهواتِ منَ النِّساء} . [سورة آل عمران، من الآية: 14] . فجعلهن من حبِّ الشّهوات. وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنّهن الأصل في ذلك. 2 مسلم بشرح النّووي جـ 17، ص: 55، كتاب الرّقاق، بيان الفتنة بالنّساء. وفي التّرمذي، تحفة الأحوذي، ج 6، كتاب الفتن، باب ما أخبر النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة ص: 428. وابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة النّساء، ص: 1325. 3 في مسلم: "إنّ الدّنياء حلوة حضرة"، وما في المخطوطة موافق لما في التّرمذي وابن ماجه. وقوله: "إنّ الدّنيا خضرة حلوة"، يحتمل أنّ المراد به شيئان: أحدهما: حسنها للنّفوس ونضارتها ولذّتها: كالفاكهة الخضراء الحلوة؛ فإنّ النّفوس تطلبها طلباً حثيثاً فكذا الدّنيا. والثّاني: سرعة فنائها، كالشّيء الأخضر في هذين الوصفين. 4 "إنّ الله مستخلفكم فيها" أي: جاعلكم خلفاء من القرون الّذين قبلكم. فينظر هل تعملون بطاعته، أم بمعصيته وشهواتكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلاَ فَاتَّقُوا الله، واتّقوا النِّساء"1. (10) وله2: عَنْ حُذَيْفَةَ 3 قال: والله إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ. وَمَا بِيَ أَلاَّ يَكونَ4 رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - أَسَرَّ إِليَّ فِي ذَلِكَ شَيْئاً لَِمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي، وَلِكَن رسولُ الله– صلّى الله عليه وسلّم ـ قَالَ، وَهُوَ يُحدِّث   1 في مسلم: "فاتقوا الدّنيا، واتّقوا النِّساء" ثمّ قال: "فإنّ أوّل فِتْنَة بَني إسْرَائٍيلَ كانتْ في النِّساء". وعند التِّرمذي، وابن ماجه: "ألا فاتقوا الدّنيا واتقوا النِّساء". ومعنى "فاتقوا الدّنيا واتّقوا النِّساء" تجنبوا الافتتان بها، وبالنِّساء. وتدخل في النِّساء الزّوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزّوجات، لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر النّاس بهنّ ا. هـ النّووي. 2 مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن وأشراط السّاعة ص15. 3 قال النّووي في شرح مسلم: المشهور في الاستعمال: حذيفة إبن اليمان من غير ياء في آخر اليمان. وهو لغة قليلة. والصّحيح اليماني بالياء – من عون المعبود بشرح سنن أبي داود (جـ 11 – ص 306) . 4 لفظ مسلم: "وما بي إلاّ أن يكون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 مَجْلِساً أنا فِيهِ: عَنِ الْفِتَنِ. فقال رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: "مِنْهُنّ ثلاثٌ، لا يَكِدْنَ يَذَرْنَ شَيْئاً. وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ. مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ". قال حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ1 كُلُّهُم غَيْرِي. (11) وَلَهُ2: عَنْهُ قال: أَخْبَرَنِي رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلاّ قَدْ سَأَلْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ: مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ؟.   1 الرّهط: عشيرة الرّجل وأهله. والرّهط من الرِّجال: مادون العشرة. وقيل: إلى الأربعين، ولا تكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه. ويجمع على أرهط، وأرهاط، وأراهط جمع الجمع. النِّهاية في غريب الحديث. 2 مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن وأشراط السّاعة ص 16 – والضّمير في عنه لحذيفة بن اليماني. باب أخبار النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – فيما يكون إلى قيام السّاعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 (12) وَلَهُ1: عَن أَبِي زَيْدٍ2. قَالَ: صَلَّى بِنَا رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الْفَجْرَ، وَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا3، ثُمَّ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ. ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرُبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَمَا 4 هُوَ كَائنٌ، فَأَعْلَمُنَا: أَحْفَظُنَا. (13) وله5: عَنْ عَمْرو6 بن العاصِ: أنَّ رسولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاّ كَانَ عَلِيْهِ7 أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهَ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُم،   1 مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن – باب إخبار النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – فيما يكون إلى قيام السّاعة ص16. 2 فسّره مسلم بقوله: "يعني عمرو بن أخطب" بالخاء المعجمة. وهو الصّحابي المشهور. 3 لفظ مسلم: "فنَزل فصلّى" بحذف الجار والمجرور. 4 لفظ مسلم: "وبما هو كائن". 5 مسلم بشرح النّووي جـ 12 – كتاب الإمارة – باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء الأوّل فالأوّل ص 232 وللحديث بقية فراجعه. 6 راوي الحديث هو: عبد الله بن عمرو بن العاص. كما في مسلم. 7 لفظ مسلم: "إلاّ كان حقًّا عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَيُنْذِرُهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُم. وَإِنَّ أُمَّتَكُم هَذِهِ جُعِلَتْ1 عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا. وَسَيُصِيبُ آخرَهَا بَلاَءً، وَأُمُورٌ تُنْكَرُ2 فَتَجِيءُ3 فِتْنَةٌ، فَيُرَقَّقُ4 بَعْضُهَا بَعْضاً، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فيقولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكِتِي5. وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بالله   1 لفظ مسلم: "جعل"، بدون التّاء: 2 في مسلم: "وأمور تنكرونها". 3 في مسلم: "وتجيء فتنة"، بالواو بدل الفاء. 4 "فيرقّق" هذه اللفظة: رويت على أوجه: أحدها: وهو الذي نقله القاضي عن جمهور الرّواة: يُرقّق أي: يصير بعضها رقيقاً. أي: خفيفاً؛ لعظم ما بعده، فالثّاني يجعل الأوّل رقيقاً. وقيل: معناه: يشبه بعضه بعضاً. وقيل: يدور بعضها في بعض، ويذهب ويجيء. وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. والثّاني: فيرقّق بفتح الياء وإسكان الرّاء، بعدها فاء مضمومة. والثّالث: فيدفق. بالدّال المهملة السّاكنة، وبالفاء المكسورة: أي يدفع ويصب، والدفق: هو الصب. 5 في مسلم: "هذه مهلكتي ثم تنكشف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَالْيَوْمِ الآخرِ، وَلْيِأْتِ إِلَى النَّاسِ الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ1. وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً، فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ مَا2 اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخرِ"3. (14) وَلَهُمَا4 عن ابن عَبَّاسٍ: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيْرِهِ شيئاً فَلْيَصْبِر   1 "وليأت إلى النّاس الذي يحبّ أن يؤتى إليه" هذا من جوامع كلمه – صلّى الله عليه وسلّم – وبديع حكمه. وهذه قاعدة مهمّة. فينبغي الاعتناء بها. وإنّ الإنسان يلزمه ألا‍ّ يفعل مع النّاس إلا ما يحب أن يفعلوه معه. 2 في مسلم: "إن استطاع". 3 "فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". معناه: ادفعوا الثّاني، فإنّه خارج على الإمام؛ فإن لم يندفع إلاّ بحرب وقتال، فقاتلوه، فإن دعت المقاتلة إلى قتله جاز قتله، ولا ضمان فيه؛ لأنّه ظالم متعدٍ في قتاله. 4 البخاري – شرح الفتح جـ 13 – كتاب الفتن – باب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: سترون بعدي أموراً تنكرونها ص 5. ومسلم بشرح النّووي جـ 12 – كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة الجماعة ص 240. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 عَلَيهِ1؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً2، فَمَاتَ، فَمَيْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ". (15) ولأَبِي دَاوُدَ3: عَنِ ابن مَسْعُود: ٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "تَدُورُ رَحى4 الإسلام لِخَمْسٍ وَثَلاَثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ. فَإِنْ   1 صدر الحديث لفظ إحدى الرّوايتين عن ابن عبّاس عند مسلم. وعجزه ابتداء من قوله: "فإنّه من فارق الجماعة" الخ لفظ الرِّواية الأخرى عن ابن عبّاس. ومعنى قوله: "فليصبر عليه"، أي فليصبر على ذلك المكروه ولا يخرخ عن الطّاعة. (شبراً) أي قدر شبر. كنى به عن الخروج على السّلطان، ولو بأدنى نوع من أنواع الخروج، أو بأقلّ سبب من أسباب الفرقة. 3 سنن أبي داود – عون المعبود جـ 11 كتاب الفتن – باب ذكر الفتن ودلائلها – ص 327- تحقيق عبد الرحمن عثمان. 4 "تدور رحى الإسلام" اختلف العلماء في بيان معنى دوران رحى الإسلام على قولين: الأوّل: أنّ المراد منه: استقامة أمر الدِّين واستمراره، وهذا قول الأكثرين. الثّاني: أنّ المراد منه: الحرب والقتال، وشبهها بالرّحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يَهْلِكُوا فَسِبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُم دِيْنُهُم، يَقُمْ1 سَبْعِيْنَ عَاماً" قالَ: قُلْتُ: أَمِمَّا بَقِيَ2؟ قال: "مِمَّا مَضَى". (16) وَلِلتِّرْمِذِيِّ 3: عن ابن أخي عبد الله بن سلام؟ قال: "لَمَّا أُرِيدَ عُثْمَانُ4 جَاءَهُ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ. فقال له عثمان – رضي الله عنه ـ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قال: جِئْتُ فِي نَصْرَتِكَ. قال: أُخْرُجْ إلى النَّاسِ فَاطْرُدْهُم عَنِّي. فَإِنَّكَ خَارِجٌ خَيْرٌ لِيَ مِن دَاخِلٌ5.قَالَ قالَ: فَخَرَجَ   1 لفظ أبي داود: "يقم لهم سبعين عاماً". 2 لفظ أبي داود: "أمما بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى". 3 سنن التِّرمذي بشرح تحفة الأحوذي- تحقيق عبد الرّحمن عثمان جـ10 كتاب المناقب. باب مناقب عبد الله بن سلام ص 305. وأخرجه أيضاً في كتاب التّفسير- سورة الأحقاف ج9 ص 137. 4 "لما أريد عثمان"، أي: لما أريد قتله، كما أريد قتله. كما جاء في رواية المناقب للتِّرمذي. 5 في رواية المناقب (فإنّك خارجاً خير لي منك داخلاً) وما في المخطوطة موافق لرواية الترمذي في التفسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 عبدُ الله بنُ سلامٍ إلى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فُلاَنٌ. فَسَمَّانِي رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عبدَ الله. وَنَزَلَتْ فِيَّ آياتٌ مِنْ كِتَابِ الله: نَزَلَ1 فِيّ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} ، [الأحقاف، من الآية: 10] الآية2. وَنَزَلَ فِيّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، [الرّعد، من الآية: 43] 3. إِنَّ لله سَيْفاً مَغْمُوداً4 عَنْكُم، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُم فِي بَلَدِكُم هَذَا، الَّذِي نَزَلَ فِيهِ نَبِيُّكُم. فَالله الله في   1 في السّنن (نزلت) بالتّاء في الرِّوايتين. 2 والشّاهد من بني إسرائيل. هو عبد الله بن سلام. كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم – والسّورة وإن كان كانت مكيّة، إلاّ أنّ هذه الآية مدنية. فيخصص بها عموم القول بأن السّورة كلّها مكيّة. والشّهادة على مثل القرآن من المعاني الموجودة في التّوراة المطابقة له: من إثبات التّوحيد والبعث والنّشور وغير ذلك. والمثلية: هي باعتبار تطابق المعاني، وإن اختلفت الألفاظ. 3 {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، قيل: هو عبد الله بن سلاَم. وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب. 4 "مغموداً" أي مستوراً في غلافه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 هَذَا الرَّجُلِ. إِنْ تَقْتُلُوهُ، فوا الله إِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَطْرُدُنَّ جِيْرَانَكْم: الْمَلاَئَكةَ. وَلَيَسَلَنَّ سَيْفُ الله الْمَغْمُودُ عَنْكُم، فَلاَ يُغْمَدُ إِلَى يَوْمِ الْقَيَامَةِ. فَقَالُوا: اقْتُلُوا الْيَهُودِيَّ، وَاقْتُلُوا عُثْمَانَ. قال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ1. (17) وَلَهُمَا2: أنَّ عُمَرَ قَالَ: "أَيُّكُم يَحْفَظُ حَدِيْثَ رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فِي الْفِتْنَةِ؟ قال حُذَيْفَةُ: فَقُلْتُ: أنا. فقال: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. قَالَ: كَيْفَ؟. قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ3 تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ،   1 في السّنن: هذا حديث غريب. 2 البخاري بشرح الفتح – جـ 13 كتاب الفتن – باب الفتنة التي تموج كموج البحر ص 48. مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص 16. واللفظ لمسلم مع اختلاف في بعض الألفاظ – وفي كتاب الإيمان جـ 2 ص 170. 3 في مسلم: "فتنة الرّجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ". فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَذَا أُرِيْدُ، إنّما أريد الَّتِي تَمُوجُ مَوجَ الْبَحْرَ. قال: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنِ؟ إَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَاباً مُغْلَقاً. قَالَ: أَيُفْتَحُ الْبَابُ أَمْ يُكْسَرُ؟. قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ. قال: ذاك أَجْدَرُ أَلاَّ يُغْلَقَ. فَقُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرَ يَعْلَمُ مَنَ الْبَابِ؟ قَالَ: كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَة. إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثاً لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ1. قال: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ؟ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ. فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: عُمَرُ. (18) وَلأَبِي داود2: عَن نَصْرِ بن عاصمِ اللَّيْثِيّ. قَالَ:   1 "الأغاليظ": جمع أغلوطة: وهي الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به: لسان العرب. 2 سنن أبي داود بشرح عون المعبود. ج11 – كتاب الفتن والملاحم – باب ذكر الفتنة ودلائلها ص 316 مع اختلاف كثير في اللّفظ واختصار عما في المخطوطة. ومسند الإمام أحمد جـ 5 ص 386. طبع المكتب الإسلامي وما في المخطوطة قريب مما في المسند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 أَتَيْنَا الْيَشْكُرِيَّ فِي رَهْطٍ مِنْ بِنِي لَيْثٍ. فَقَالَ: مَنِ الْقَومُ؟ فَقُلْنَا: بَنُو لَيْثٍ: أَتَيْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. فَقَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ أَبِي مُوسَى قَافِلِيْنَ، وَغَلَتِ الدَّوَابُ بِالكُوفَةِ. قَالَ: فَسَأَلْتُ أبا مُوسَى أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَأَذِنَ لَنَا، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ. فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: إنِّي دَاخِلُ الْمَسْجِدَ، إَذَا قَامَتِ السُّوقُ خَرَجْتُ إِلَيْكَ، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا فِيهِ حَلَقَةٌ، كَأَنَّمَا قُطِعَتْ رُؤُوسُهُم، يَسْتَمِعُونَ لِحَدِيثِ رَجُلٍ. قَالَ: فَقُمْتُ عَلَيْهُم، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَامَ إِلَى جَنْبِي. قَالَ: فَقُمْتُ عَلَيْهُم، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَامَ إِلَى جَنْبِي. قَالَ. فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبَصْرِيٌّ أَنْتَ؟ قَلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ وَلَوْ كُنْتَ كُوفِيّاً لَمْ تَسْأَلْ عَنْ هَذَا. فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ. وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ يَسْبِقُنِي1. قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله: أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ فَقَالَ: "يَا حُذَيْفَةُ: تَعَلَّم كِتَابَ الله، واتَّبِعْ مَا فِيهِ". قُلْتُ: يا رسولَ الله: أَبَعْدَ   1 في مسند الإمام أحمد: "وعرفت أن الخيْر لن يسبقني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قال: "فتنة وشرّ". قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشّر خير؟ قال: "يا حذيفة! تعلم كتاب الله واتّبع ما فيه ثلاث مرّات". قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشّر خير؟ قَالَ: "هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ1 وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاء2 فِيهَا، أَوْ فِيهِم". قُلْتُ: يا رسولَ الله: أَبَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قال: "يَا حُذَيْفَةُ: تَعَلَّم كِتَابَ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ، واتَّبِعْ مَا فِيهِ".. ثلاث مرّاتٍ. قال: قُلْتُ يا رسولَ الله: هَلْ بَعْدَ الْخَيْر   1 "هدنة على دخن"، أي: على فساد واختلاف، تشبيهاً بدخان الحطب الرطب؛ لما بينهم من الإفساد الباطن تحت الصِّلاح الظّاهر – قاله في النِّهاية. 2 "وجماعة على أقذاء" أي واجتماع على أهواء مختلفة، أو عيوب مؤتلفة. وفي النِّهاية: أراد: أن اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم فشبهه بقذى العين والماء والشّراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 شرُّ؟ قال: "فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمْيَاءُ1 عَلَيهَا دُعَاةٌ2 عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ3؛ فَإِنْ مُتَّ يَا حُذَيْفَةُ، وَأَنْتَ عَاضٌ عَلَى جَذْلٍ4 خَيْرٌ لَّكَ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ أَحْداً مِنْهُم". (19) وَلَهُمَا5، عن أبي إِدْرِيس الْخَوْلاَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ   1 "فتنة عمياء صمياء"، أي: يعمى فيها الإنسان عن أن يرى الحقّ، ويصم أهلها عن أن يسمع فيها كلمة الحقّ أو النّصيحة. قال القاضي: المراد بكونها عمياء صمياء: أن تكون حيث لا يرى منها مخرجاً، ولا يوجد دونها مستغاث، أو أن يقع النّاس فيها على غرة من غير بصيرة، فيعمون فيها، ويصمون عن تأمّل قول الحقّ، واستماع النّصح. 2 "عليها دعاة"، أي: على تلك الفتنة دعاة: وهي بضمّ الدّال جمع داع. أي: جماعة قائمة بأمرها وداعية للنّاس إلى قبولها. 3 "على أبواب النّار"، أي: كائنون على شفا جرف من النّار، يدعون الخلق إليها حتّى يتفقوا على الدّخول فيها. 4 "على جذل"، أي: أصل شجرة. يعني والحال أنّك على هذا المنوال من اختيار الاعتزال من أن تتبع أحداً منهم، أي من أهل الفتنة، أو من دعاتها. 5 صحيح البخاري بشرح الفتح – جـ 13 – كتاب الفتن – باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة ص 35، وصحيح مسلم بشرح النّووي – جـ 12 – كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ص 236 مع اختلاف في بعض الألفاظ، وزيادة أو نقص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 حذيفةَ يقولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةً أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يا رسولَ الله إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيِّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا الله بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قال: "نَعَمْ"، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟ قال: "نَعَمْ، وَفِيْهِ دَخَنٌ"1، قال: قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قال: "قَومٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي2، تَعْرِفُ مِنْهُم وَتُنْكِر"، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَاكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ: فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ دَعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُم إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"،   1 الدخن، بفتحتين: هو الحقد، وقيل: الدغل، وقيل فساد القلب، ومعنى الثّلاثة متقارب. قال أبو عبيد: يفسر المراد بهذا الحديث: الحديث الآخر: "لا نرجع قلوب قوم على ما كانت عليه". وأصله: أن يكون في لون الدّابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: ألا تصفو القلوب بعضها لعض، ولا يزول حبثها، ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصّفاء. 2 "ويهدون بغير هديي". الهدي: الهيئة والسيرة والطّريقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فَقُلْتُ: يا رسولَ الله صِفْهُم لَنَا. قال: "نَعَم، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا1، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، فقلت: يا رسولَ الله مَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قال: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِيْنَ وَإِمَامِهِم"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةُ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ2 عَلَى أَصْلِ الشَّجَرَةِ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ".   1 "قوم من جلدتنا"، أي: من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا. وفيه إشارة إلى أنّهم من العرب. وقيل: معناه أنّهم في الظّاهر على ملتنا، وفي الباطن مخالفون. وجلدة الشيء ظاهره. وهي في الأصل: غشاء البدن. 2 "ولو أن تعض" بفتح العين المهملة وتشديد الضّاد المعجمة. أي ولو كان الاعتزال بالعض. فلا تعدل عنه. وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك – درءاً للفتن. وفيه حكمة الله في عباده. كيف أقام كلا منهم فيما شاء- فحبب إلى أكثر الصّحابة السؤال عن وجوه الخير، ليعملوا بها ويبلغوها غيرهم. وحبب لحذيفة السؤال عن الشّر ليجنّبه، ويكون سبباً في دفعه عمن أراد الله له النّجاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 (20) وَفِي رِوَايِةٍ1: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَةٌ، لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهُم رِجَالٌ: قُلُوبُهُم قُلُوبُ الشَّيَاطِيْنَ، فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ". قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يا رسولَ الله إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قال: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ2، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ". (21) وَلِمُسْلِمٍ 3: "إِنْ كَانَ لله خَلِيفَةٌ فِي الأَرْضِ، فَضَرَبَ4 عَلَى ظَهْرِكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، فَأَطِعْهُ، وَإِلاَّ، فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضُّ بِجِذْلِ شَجِرَةٍ"، قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 12 – كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ص 238. 2 في صحيح مسلم: "وتطيع للأمير". وهذا الأمر من الرّسول – صلى الله عليه وسلّم إنما هو درء للفتن – كما في الحديث السّابق. 3 لم يخرج مسلم هذا الحديث – وفد أخرجه أبو داود جـ 11 من عون المعبود – كتاب الفتن والملاحم – باب ذكر الفتن ودلائلها ص 313. 4 في أبي داود: "فضرب ظهرك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 "ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مَعَهُ نَهَرٌ وَنَارٌ1، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ، وَجَبَ أَجْرُهُ2 وَحُطَّ وِزْرُهُ. وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ، وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطّ أَجْرُهُ"3. قُلْتُ ثُمَّ: مَاذَا؟ قَالَ4: "هِيَ قِيَامُ السَّاعَةِ ".   1 "ومعه نهر ونار" أي: نهر ماء وخندق نار، قيل إنّهما على وجه التخيل من طريق السّحر. وقيل: ماؤه في الحقيقة، نار وناره؛ ماء. 2 "وجب أجره"، أي: ثبت وتحقّق أجر الواقع. "وحط وزره"، أي: ورفع وسومح. 3 "وحط أجره"، أي: بطل عمله السّابق. 4 في أبي داوود: "ثمّ هي قيام السّاعة". ومعنى الحديث: إذا لم يكن في الأرض خليفة، فعليك بالعزلة والصّبر على تحمّل شدّة الزّمان، وعض أصل الشّجرة: كناية عن مكابدة المشقّة. كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدّة الألم؟ أو المراد اللزوم؛ كقوله في الحديث الآخر؟: "عضوا عليها النّواجذ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 بَابُ أَمَارَاتِ السَّاعِةِ (22) وَلِمُسْلِمٍ1، عن أَنَسٍ. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ2 كَهَاتِيْنِ". وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى. (23) ولِلْبُخَارِيِّ3، عن أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رسولَ   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج18،كتاب الفتن، باب قرب السّاعة ص 89. 2 "بعثت أنا والسّاعة كهاتين" وضمّ بين السِّبابة والوسطى. وفي رواية وقرن بينهما. قال قتادة: كفضل إحداهما على الأخرى. روى بنصب السّاعة ورفعها. وأما معناه: فقيل: المراد بينهما شيء يسير، كما بين الأصبعين في الطّول. وقيل: هو إشارة إلى قرب المجاورة. 3 صحيح البخاري بشرح الفتح ج 13 كتاب الفتن – ص 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانَ، يَكُونُ1 بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ. دَعْواهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يَبْعَثُ2 دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ، كُلُّهُم يَزْعُمُ، أَنَّهُ رسولُ الله، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرُ الزِّلاَزِلُ3، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرَجُ – وَهُوَ الْقَتْلُ –، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيْكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ، وَحَتَّى يَهُمَّ رَبَّ4 الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وحَتَّى يَعْرِضَهُ   1 في الصّحيح "تكون" بالتّاء – وفي الصّحيح: دعوتها بالتّاء بدل الألف. 2 "وحتّى يبعث دجالون" المراد ببعثهم: إظهارهم – لا البعث بمعنى الرسالة. 3 "وتكثر الزلازل" قد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل. والذي يظهر أن المراد بكثرتها: شمولها ودوامها. 4 في صحيح مسلم "حتّى يهم"، بدون الواو – ويهم: ضبطوه بوجهين أجودهما: يُهم بضم الياء وكسر الهاء. ويكون رب المال منصوباً مفعولاً. والفاعل: من. وتقديره: يحزنه ويهتمّ له. والثّاني: يهم. بفتح الياء وضمّ الهاء. ويكون رب المال مرفوعاً فاعلاً. وتقديره يهم رب المال من يقبل صدقته. انظر النّووي، كتاب الزّكاة ج7 ص 97. قال أهل اللّغة: يقال: أهمه: إذا أحزنه، وهمه إذا أذابه. ومنه قولهم: همك ما أهمك. أي أذابك الشّيء الذي أحزنك؛ فأذهب شحمك. وعلى الوجه الثّاني: هو من هم به إذا قصده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فَيَقُولُ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي فِيهِ1. وَحَتَّى يَتَطَاوَلُ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ. وَحِتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيُقُولَ: يِا لَيْتَنِي مَكَانَهُ. وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، آمَنَ النَّاسُ أَجْمَعُون2. فَذَلِكَ حِيْنَ {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، [الأنعام، من الآية: 158] ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ   1 في صحيح البخاري: (لا أرب لي به". 2 في صحيح البخاري: "آمنوا أجمعون". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ1، فَلاَ يَطْعَمُهُ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ2 حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي مِنْهُ3. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، فَلاَ يَطْعَمُهَا. (24) وَلِمُسْلِمٍ4، عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "لا تقومُ السّاعَةُ حتّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ5 نِسِاءِ دَوْسٍ   1 "بلبن لقحته"اللقحة: بكسر اللام ويكون القاف بعدها مهملة: النّاقة ذات الدر. 2 "يليط" بفتح أوّله من الثّلاثي. ويضمّ من الرّباعي. والمعنى: يصلحه بالطّين والمدر. فيسد شقوقه ليملأه ويسقي منه دوابه. 3 في صحيح البخاري (فلا يسقى فيه) . 4 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18 كتاب الفتن وأشراط السّاعة ص 32 باب لا تقوم السّاعة حتّى تعبد دوس ذي الخلصة. وأخرجه البخاري شرح الفتح جـ 13 كتاب الفتن – باب تغير الزّمان حتى تعبد الأوثان ص 76. 5 "أليات نساء": أليات: بفتح الهمزة واللام. أي أعجازهن. والمراد: يضطربن من الطّواف حول ذي الخلصة – والخلصة: بفتح الخاء واللام: هو بيت صنم ببلاد دوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 حول ذيالْخَلَصَةِ "، وكانت صنماً تَعْبُدُهَا دَوْسٌ في الجاهلية بِتَبَالَة1. (25) وله 2، عن عائشة: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - يقول: "لا يَذْهَبُ اللّيلُ والنّهارُ3 حتّى تُعْبَدَ اللاَتَ وَالْعُزَّى"، فقلت: يا رسول الله: إن كنت لأَظُنُّ حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ، [التّوبة: 33، والصّف: 9] . أنّ ذلك تامّاً. قال: "إنَّهُ سَيَكُونُ مِن ذلك مَا شَاءَ الله".   1 "بتبالة" بمثناة فوقية مفتوحة ثمّ باء موحدة مخففة. وهي موضع باليمن. وليست تبالة التي يضرب بها المثل. ويقال: أهون على الحجّاج من تبالة؛ لأنّ تلك بالطّائف؟ 2 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18 كتاب الفتن وأشراط السّاعة – باب لا تقوم السّاعة حتّى تعبد دوس ذا الخلصة ص 33. 3 "لا يذهب اللّيل والنّهار"، أي: لا ينقطع الزّمان ولا تأتي القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ثُمَّ يَبْعَثُ الله رِيْحاً طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى1 كُلّ مَنْ كَان فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ2 مِن خَرْدَلٍ مِن إِيْمَانٍ. فَيَبْقَى مَن لا خيْرَ فيه، فَيَرْجِعُون إلى دين آبائهم. (26) ولَهما3، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى تَخْرجَ نَارٌ مِن أرضِ الْحِجَازِ، تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإبْلِ بِبصْرَى" 4. (27) وللتِّرمذي5: عن ابن عمر، قال رسولُ الله   1 "فتوفّى": أصله: تتوفى – حذفت إحدى التاءين؟ أي تأخذ الأنفس وافية تامّة. 2 في صحيح مسلم "مثقال حبّة خردل من إيمان". 3 صحيح البخاري بشرح ابن حجر جـ 13 – كتاب الفتن – باب خروج النّار ص 78. وصحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18 – كتاب الفتن وأشراط السّاعة – باب لا تقوم السّاعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ص 30. 4 "بصرى"، بضمّ الباء: مدينة معروفة بالشّام. وهي مدينة حوران. بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. 5 سنن الترمذي – تحفة الأحوذي جـ 6 – أبواب الفتن – باب لا تقوم السّاعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ص 463. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 – صلّى الله عليه وسلّم ـ: "سَتَخْرُجُ نَارٌ مِن حَضَرمَوْتَ قَبْلَ الْقِيَامةِ"1، قالوا: يا رسولَ الله، فما تَأْمُرُنَا؟ فقال: "عَلَيْكُم بالشَّامِ ". وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث ابن عمر. (28) وللتِّرمذي2، وحسّنه: عن حُذَيْفَةَ. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تقومُ السّاعَةُ حتّى تَقْتُلُوا   1 في سنن الترمذي: "ستخرج نار من حضر موت أو من نحو حضر موت قبل يوم القيامة تحشر النّاس". يحتمل أن تكون النّار حقيقة وهو الظّاهر. ويحتمل أن يراد بها الفتنة. "تحشر النّاس"، أي: تجمعهم النار وتسوقهم: على ما في النهاية؟ وأمرهم الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – بأن يلزموا الشّام وفريقها؟ فإنّها سالمة من وصول النّار الحسية أو الحكمية إليها لحفظ ملائكة الرّحمة إيّاها. 2 سنن الترمذي – تحفة الأحوذي جـ6 أبواب الفتن – باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ص 391. وأخرجه ابن ماجة – كتاب الفتن جـ 2 – باب أشراط السّاعة ص 1342. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ِمَامَكُم، وتَجْتَلِدُوا1 بأسيافِكم، ويَرِثَ دُنْيَاكُم شِرارُكُم"2. (29) ولَهُ3: عن أبي سعيدٍ، قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ: لا تقومُ السّاعَةُ حتّى يُكَلِّمَ4 السِّباعُالإنسَ. وحتّى يُكَلِّمَ الرّجلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ5،   1 "تجتلدوا"، أي: تتقاتلوا وتتضاربوا بها. 2 "ويرث دنياكم شراركم"، أي: يأخذ الظّلمة الملك والمال. وإيراد هذا الحديث في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. إما للإشعار بأن هذه الفتنة تقع من أجل ترك الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر. أو تنبيهاً على أن من بالمعروف ونَهى عن المنكر فهو من اللّذين وصفهم الله بِخير الأمّة. فالشرار الذين يرثون الدّنيا لا يكونون على هذا الوصف. 3 سنن الترمذي – تحفة الأحوذي – أبواب الفتن ج 6 – باب ما جاء في كلام السِّباع ص 409. 4 في سنن الترمذي: "تكلم" بالتّاء في الموضعين. وكذلك "تخبر". والسِّباع: جمع السّبع. وهو بضمِّ الباء وفتحها وسكونها: المفترس من الحيوان وتكلم السِّباع: أي سباع الوحش كالأسد. أو سباع الطّير كالبازي. ولا منع من الجمع. 5 "عذبة سوطه" العذبة: أي طرفه. على ما في القاموس وغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وشِرَاكُ نَعْلِهِ1، وَيُخْبِرُهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ". وقال: صحيحٌ غريبٌ2، لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديث القاسم بن فَضْلٍ. وهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونَ. (30) ولِمُسْلِمٍ3: عن أبي هريرة، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "لا تقُومُ السّاعَةُ حتّى يَكْثُرَ الْمَالُ ويَفِيضَ، وحتّى يُخْرِجَ4 الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ، فَلا يَجِدُ أَحَداً يَقْبَلُها مِنْهُ، وحتّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجاً وأَنْهَاراً"5.   1 وشراك نعله: أحد سيور النعل: تكون على وجهها. 2 في الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل، والقاسم بن الفضل ثقة مأمون. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 7 – كتاب الزّكاة – باب التّرغيب في الصّدقة قبل ألا يوجد من يقبلها ص 97. 4 في صحيح مسلم: "حتّى يخرج الرجل بزكاة ماله". 5 "مروجا"، أي: رياضاً ومزارع. وقال بعضهم: المرج: هو الموضع الذي ترعى فيه الدّواب والمعنى والله أعلم – أنّهم يتركونها، ويعرضون عنها، فتبقى مهملة: لا تزرع ولا تسقى من مياهها. وذلك لقلة الرجال، وكثرة الحروب، وتراكم الفتن، وقرب السّاعة، وقلّة الآمال وعدم الفراغ لذلك والاهتمام به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 (31) وذكر ابنُ عَبْدِ البرِّ، من حديث ابن مَسْعُودٍ1: عن النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "إنَّ بَيْنَ يَدَي السّاعَةِ: التّسْلِيمُ عَلَى الْخَاصَّةِ2، فُشُوُّ التِّجَارَةِ: حتّى تُعِيْنَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ. وَقَطعُ الأَرْحَامِ. وَفُشُوُّ الْقَلَمِ3 وَظُهُورُ شَهَادَةِ الزُّورِ. وَكِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ". (31) ولابنِ الْمُبَارَكِ4: عن ابن فضالة، عن الْحَسَنِ. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -:   1 مسند الإمام أحمد جـ 1 ص 407. والأدب المفرد للبخاري: توضيح فضل الله الجبلاني جـ 2 ص 505 باب من كره تسليم الخاصّ. 2 يكره إذا لقي جماعة أن يخصّ بعضهم بالسّلام؛ لأنّ القصد بمشروعية السّلام تحصيل الألفة. وفي التّخصيص إيحاش للغير. نعم: إذا سلم على الجميع مرّة، ثمّ خصّ بعضهم فلا بأس، وفي مشكل الآثار للطّحاوي: من سلم عليه خاصّة يجوز الرّد عليه خاصّة، كما ثبت في حديث المسىء صلاتة، وحديث أبي ذر في إسلاامه. 3 "فشوّ القلم"، ظهوره وانتشاره. وقد جاء في مسند الإمام أحمد: "ظهور القلم". وفي الأدب المفرد بلفظ: وفشوّ العلم. 4 لم نجده فيما بين أيدينا من مصادر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 "لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَفِيضَ الْمَالُ؛ ويظْهَرَ الْقَلَمُ، وتَكْثُرَ التّجارةُ". قال الحسن: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمانٌ، إنّما يقال: تاجرُ بَنِي فُلاَنٍ، وكَاتِبُ بَنِي فُلانٍ. ما يكونُ في الْحَيِّ إلاّ التَّاجِرُ الوَاحِدُ، أَوِ الكاتِبُ الْوَاحِدُ. (33) وللبخاريّ1، عن مُعَاوِيَةَ2: سَمِعْتُ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: "إنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، ويَظْهَرَ الْجَهْلُ، ويَظْهَرَ الزِّنَا، ويَكْثُرَ3 النِّساءُ، ويَقِلَّ الرِّجالُ،   1 صحيح البخاري – فتح الباري جـ 1 – كتاب العلم – باب رفع العلم وظهور الجهل – ص 178 وفي غير موضع من الصّحيح. وفي صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 16 كتاب العلم – باب رفع العلم وقبضه ص 221. 2 في صحيح البخاري: عن أنس – في المواضع المتعدِّدة. 3 في صحيح البخاري: "وتكثر النساء" بالتاء. وسبب كثرة النِّساء: أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنّهم أهل الحرب دون النِّساء. قال في الفتح: والظّاهر أنّها علامة محضة، لا لسبب آخر. بل يقدر الله في آخر الزّمان أن يقل من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الأناث، وكون كثرة النساء من العلامات: مناسبة لظهور الجهل ورفع العلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 حتّى تكونَ لِخَمْسِينَ امرأةًالْقَيِّمُ1 الْوَاحِدُ". (34) ولِمُسلمٍ2: عن أبي موسى عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -   1 "القيم" من يقوم بأمرهن. قال القرطبي في التذكرة: يحتمل أن يراد بالقيم: من يقوم عليهم، سواءكنّ موطوآت له أم لا. ويحتمل: أن يكون ذلك يقع في الزّمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله. الله. فيتزوج الواحد بغير عدد جهلا بالحكم الشّرعي. وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر؛ لكونها مشعرة باختلاف الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد. وهي الدين؛ لأنّ رفع العلم يخل به. والعقل، لأن شرب الخمر يخل به. والنسب، لأنّ الزنا يخل به. والنّفس والمال؛ لأنّ كثرة الفتن تخل بهما. قال الكرماني: وإنّما كان اختلال هذه الأمور مؤذناً بخراب العالم؛ لأنّ الخلق لا يتركون هملاً، ولا نبي بعد نبيينا – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فيتعيّن ذلك. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي – ج7 – كتاب الزّكاة – باب الترغيب في الصّدقة قبل ألا يجد من يقبلها ص 96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النّاسِ زَمَانٌ، يَطُوفُ الرّجلُ1 بِالصَّدَقَةِ من الذّهبِ2 ثُمَّ لا يَجِدُ أحَداً يأخذها منه. وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امرأةً3، مِن قِلَّةِ الرِّجالِ، وَكَثْرةِ النِّساءِ". (35) وللبخاريّ4، عن ابن عمر: سَمِعْتُ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول:   1 في صحيح مسلم "يطوف الرّجل فيه" بزيادة لفظ: فيه. 2 هذا يتضمن التنبيه على ما سواه؛ لأنّه إذا كان الذّهب لا يقبله أحد، فكيف الظّنّ بغيره. وقوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: "يطوف"، إشارة إلى أنّه يتردّد بها بين الناس، فلا يجد من يقبلها. فتحصل المبالغة والتّنبيه على عدم قبول الصّدقة: بثلاثة أشياء: كونه يعرضها، ويطوف بها، وكونها من ذهب. وفي هذا الحثّ على المبادرة بالصّدقة، واغتنام إمكانها قبل تعذرها. 3 في صحيح مسلم: بعد هذه الجملة: "يلذن به". ومعنى يلذن به. أي ينتمين إليه؛ ليقوم بحوائجهنّ، ويذب عنهن وهو من لاذ به. يلوذ. لوذاً ولياذا: إذا التجأ إليه واستغاث. 4 صحيح البخاري بشرح الفتح جـ 13 – كتاب الاعتصام بالسّنة – باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس – ص 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 "إنَّ الله لا يَنْزَعُ الْعِلْمِ1، أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعاً. وَلَكِن يَنْتَزِعُهُ مِنْهُم مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِم 2. ويَبْقَى ناسٌ جُهاَّلٌ: يُسْتَفتُون فَيُفْتُون بِرَأْيِهم، فَيَضِلُّون ويُضِلُّون". (36) ولأبِي داود3: عَنْ سَلاَّمَةَ بِنْتِ الْحُرِّ، أُخْتِ خَرْشَةَ بن الْحُرِّ الْفَزَازِيّ، مرفوعاً. قالت: سَمِعتُ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم - يقول: "إنّ مِن أشراط السّاعِةِ: أن يَتَدَافَعَ أهْلُ الْمَسجِدِ   1 في صحيح البخاري: "لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه"، بزيادة لفظ بعد. 2 "ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم". التقدير: ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم. ففيه بعض قلب. وفي رواية: "ولكن يقبض العلماء، فيرفع العلم معهم". وأخرى: "ولكن يقبض العلم بقبض العلماء". 3 سنن أبي داود – عون المعبود جـ 2 ص 289 كتاب الصّلاة – باب في كراهية التّدافع عن الإمامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 الإِمَامَةَ1 فَلاَ يَجِدُونَ إِمَاماً يُصَلِّي بِهِم". (37) ورَوَى2 يزيدُ بن هَارُون: أَنَا3 عبدُ الْمَلِكِ بن قُدَامَةَ عن الْمَقْبُرِيِّ عن أبِي هُرَيْرَةَ عن النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلّم- قال: "سَيَأْتِي على النّاسِ زَمَانٌ: سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ4 يُصَدَّقُ   1 في سنن أبي داود: "أن يتدافع أهل المسجد"، بدون ذكر لفظ "الإمامة". ومعنى "يتدافع"، أي: يدرأ كل من أهل المسجد الإمامة عن نفسه. ويقول: لست أهلاً لها؛ لما ترك تعلم ما تصحّ به الإمامة – ذكره الطيبي. أو يدفع بعضهم بعضاً إلى المسجد، أو المحراب؛ ليؤم بالجماعة فيأبى عنها؛ لعدم صلاحيته لها؛ لعدم علمه بها. 2 سنن ابن ماجه جـ 2 – كتاب الفتن – باب شدّة الزّمان ص 1339 – تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي طـ عيسى الحلبي. ولم تنسبه المخطوطة. 3 في سنن ابن ماجه: "ثنا عبد الملك بن قدامة الجُمَحِيُّ: عن إسحاق بن أبي الفرات: عن المقبري". وما في المخطوطة: أنا. رمز لأخبرنا – وما في السنن: ثنا رمز لحدثنا. 4 في سنن ابن ماجه: "سيأتي على النّاس سنوات خداعات"، بدون لفظ "زمان". والخداع: المكر والحيلة. ووصف السّنوات بالخداعات مجاز والمراد: أهل السّنوات. قال في النِّهاية: سنون خداعة. أي: تكثر فيها الأمطار، ويقل الريع فذلك خداعها؛ لأنها تطعمهم في الخصب بالمطر، ثمّ تخلف. وقيل: الخداعة القليلة المطر من خدع الريق إذا جف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصّادِقُ، ويُؤْتَمَنُ فيها الْخَائِنُ، ويُخَوَّنَ فِيهَا الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيهَا الرُّوَيْبِضَةُ"1، قِيلَ: يا رسولَ الله، وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: "الرّجلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ2 فِي أَمْرِ العَامّةِ". (38) وفي حديث3 جِبْرِيْلَ: "أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا4. وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعَرَاةَ   1 "الرويبضة"، تصغير رابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وتاؤه للمبالغة. 2 في سنن ابن ماجه، قال: "الرّجل التافه في أمر العامّة". بدون لفظ: "ينطبق". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ1 – كتاب الإيمان – باب أمارات السّاعة ص 158 – من حديث طويل. 4 "وأن تلد الأمة ربتها"، وفي الرواية الأخرى: "ربها"، على التذكير وفي الأخرى: "بعلها". وقال: يعني: السراري. ومعنى ربها، أو ربتها: سيدها ومالكها، وسيدها ومالكتها. قال الأكثرون من العلماء: - هو إخبار عن كثرة السّراري وأولادهن؛ فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها؛ لأنّ مال الإنسان صائر إلى ولده. وقد يتصرّف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال. وقيل معناه: أن الإماء يلدن الملوك، فتكون أمة من جملة رعيته، وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته. وقيل معناه: أنّه تفسد أحوال النّاس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزّمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين، حتى يشتريها ابنها ولا يدري. والصّحيح في معنى البعل: أنّه المالك أو السّيد، فيكون بمعنى ربها على ما ذكر. وقيل: المراد بالبعل في الحديث: الزّوج. ومعناه كما تقدم: أنّه يكثر بيع السّراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري. والأول أظهر؛ لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 الْعَالَةَرِعَاءَ1 الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". رواه مسلم.   1 "وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" أما العالة: فهم الفقراء. والعائل: الفقير. والعيلة: الفقر. والرعاء: بكثر الرّاء والمد. ويقال فيهم: رعاة بضم الراء وزيادة الهاء. ومعناه: أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة: تبسط لهم الدّنيا حتى يتباهون في البنيان. والله أعلم. النووي على مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 (39) وللتِّرمذي1: عن عليّ قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشَرَ2 خِصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاَءْ"، قيل: وما هي يا رسولَ الله. قال: إذا كان الْمَغْنَمُ دُوَلاً3، والأَمَانَةُ مَغْنَماً4، والزّكاةُ مَغْرَماً5،   1 تحفة الأحوذي شرح الترمذي جـ 6 – أبواب الفتن – باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف ص 454. 2 في سنن الترمذي "خمس عشرة" وهو الصّواب. 3 "إذا كان المغنم دولاً"، أي: إذا كانت الغنيمة دولاً: بكسر الدال وضمها مع فتح الواو جمع دولة بالضّم والفتح. وهو ما يتداول من المال. فيكون لقوم دون قوم. أي: إذا كان الأغنياء وأصحاب المناصب يستأثرون بحقوق الفقراء. أو يكون المراد منه: أن أموال الفيء تؤخذ غلبة وأثرة صنيع أهل الجاهلية وذوي العدوان. 4 "والأمانة مغنماً" أي: بأن يذهب النّاس بودائع بعضهم وأماناتهم، فيتّخذونها كالمغانم يغنمونها. 5 "والزّكاة مغرماً"،أي: بأن يشق عليهم أداؤها، بحيث يعدون إخراجها غرامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وأَطَاعَ الرّجُلُ زَوْجَتَهُ1، وَعَقَّ أُمَّهُ. وَبَرَّ صَدِيقَهُ، وجَفَا أَبَاهُ، وَارْتَفَعْتِ الأَصْواتُ فِي الْمَسَاجَدِ2، وكان زَعِيمُ الْقَومِ أَرْذَلَهُم3، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ4، وشُرِبَتِ الْخُمُورُ5، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ6، واتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ،   1 "وأطاع الرّجل زوجته"، أي: فيما تأمره وتهواه مخالفاً لأمر الله. "وعقّ أمه"، أي: خالفها فيما تأمره وتنهاه "وبر صديقه"، أي: أحسن إليه وأدناه وحباه "وجفا أباه"، أي: أبعده وأقصاه. وخص عقوق الأم بالذكر، وإن كان عقوق كل واحد من الأبوين معدوداً من الكبائر لتأكد حقّها، أو لكون قوله: "وأقصى أباه"، بمنْزلة: وعق أباه. 2 "وارتفعت الأصوات في المساجد"، أي: علت أصوات الناس في المساجد، بنو الخصومات والمبايعات واللهو واللعب. 3 "وكان زعيم القوم أرذلهم"، الزّعيم: الكفيل، وسيد القوم، ورئيسهم، والمتكلم عنهم. وأرذلهم: الدّون الخسيس، أو الرديء من كل شيء. قاموس. 4 "وأكرم الرجل مخافة شره"، أي: عظم الناس الإنسان خشية من تعدي شره إليهم. 5 "وشربت الخمور" جمعها لاختلاف أنواعها. أي أكثر الناس من شربها. أو تجاهروا به. 6 "ولبس الحرير"، أي: لبسه الرجال بلا ضرورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَالْمَعَازِفُ1، ولَعِنَ آخرُ هَذِهِالأمّةِ أَوَّلَهَا2، فَلْيَرْتَقِبُوا عَنْدَ ذَلِكَ رِيْحاً حَمْرَاءَ، وَخْسفاً وَمَسْخاً3") . وقال: غريب، وفي إسناده: فَرَجُ بن فُضَالَةَ، ضُعِّفَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وأَخْرَجَهُ من حديث أبِي هرَيْرَةَ أيضاً. وقال: غريب، لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه.   1 "واتخذت القينات والمعازف"، في سنن الترمذي: واتخذت. "القيان"، مفردة: قينة: وهي الأمة غنت أو لم تغن، وكثيراً ما تطلق على المغنية من الإماء. ومنه الحديث: "نهى عن بيع القينات"، أي: الإماء المغنيات. والمعازف: هي الدفوف وغيرها مما يضرب. النهاية. 2 "ولعن آخر هذه الأمة أولها"، أي: اشتغل الخلف بالطّعن في السّلف الصّالحين، والأئمة المهديين. 3 في السنن: "أو خسفاً"، بأو بدل الواو. والخسف: الذهاب في الأرض، والغور بهم فيها. والمسخ: أي قلب خلقه من صورة إلى أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 (40) ولابن مَاجَهَ1: عن أبِي مَالِكِ الأَشْعَرِيِّ: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِن أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهِا، يُضْرَبُ2 عَلَى رُؤُوسِهِم بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاِت، فَخَسَفَ3 الله بِهِم الأرضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ والْخَنَازِيرَ". (41) وللبخاريّ4: عن أبي عامر بن أبِي مَالِكِ الأَشْعَرِيِّ5: سَمِعَ النَّبِيَّ – صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: "لَيُكُونَنَّ نَاسٌ مِن أُمَّتِي6 يَسْتَحِلُّون الْخَمْرَ والْحَرِيرَ   1 سنن ابن ماجه جـ2 – كتاب الفتن – باب العقوبات- ص 1333. 2 في السنن: "يعزف". 3 في السنن: "يخسف الله بهم". 4 صحيح البخاري بشرح الفتح جـ10 – كتاب الأشربة – باب ما جاء فيمن يستحلّ الخمر ويسميه بغير اسمه – ص51. 5 في صحيح البخاري: "حدّثنِي أبو عامر، أو أبو مالك الأشعري". 6 في صحيح البخاري: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون: الحر، والحرير والخمر"، بزيادة لفظ: "الحر"، وهو بالحاء المهملة المكسورة: الفرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوامٌ إلِى جَنْبِ عِلْمٍ1، يَروحُ عَلَيْهُم بِسَارِحَةٍ لَهُم2، تَأْتِيهُم لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً. فَيُبَيِّتُهُمُ الله3، وَيَضَعُ الْعِلْمَ4، وَيَمْسَخُ آخرين وخَنَازِيرَ إلَى يَومِ الْقِيَامَةِ". (42) وَرُوِيَ5 عن أَبِي أُمَامَةَ؛ مَرْفُوعاً: "يكون في أُمَّتِي فَزِعَةٌ، فَيَصيْرُ النّاسُ إلَى عُلَمَائِهِم، فإذا هم قِرَدَة وَخَنَازِير".   1 العلم: بفتحتين: الجبل العالي. وقيل: رأس الجبل. 2 السارحة: الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها. وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها. 3 فيبيتهم: أي يهلكهم. والبيات هجوم العدو ليلاً. 4 "ويضع العلم"، أي: يوقعه عليهم. 5 نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول، لأبي عبد الله محمد الحكيم الترمذي طبعة المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الأصل المائة والخمسون في أن من غير الحق من العلماء يمسخ، وسر ما يمسخون به. ص193. وقال: وإنما حلّ بهم المسخ؛ لأنهم غيروا الحق عن جهته وحرفوا الكلام عن موضعه، فمسخوا قلوب الخلق وأعينهم عن رؤية الحق، فمسخ الله تعالى صورهم، وبدل خلقتهم كما بدلوا الحقّ باطلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (43) وعن حُذَيْفَةَ1. قال: حدّثنا رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - حديثين. قد رأيت أَحْدَهُما. وأنا أَنْتَظِرُ الآخرَ حدّثنا: "أنَّ الأَمَانَةَ2 نَزَلَتْ فِي جَذْرِ3 قُلُوبِ الرِّجال. ثمّ نَزَلَ الْقُرْآنُ. فَعَلِمُوا من الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السّنةِ". ثمّ حدّثنا عن رَفْعِ الأَمَانَةِ قال: "يَنَامُ الرّجلُ النَّوْمَةَ فَيُقْبْضُ4 الأَمَانَةُ مِن قَلْبِهِ،   1 صحيح البخاري بشرح الفتح جـ 13 – كتاب الفتن – باب إذا بقي في حثالة من الناس ص 38 وصحيح مسلم بشرح النووي جـ2 – كتاب الأيمان – باب رفع الأمانة والأيمان من بعض القلوب ص 167. 2 "الأمانة"، الظّاهر: أن المراد بالأمانة: التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم. وقال صاحب التحرير: الأمانة في الحديث هي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} ، [الأحزاب، من الآية: 72] ، وهي عين الإيمان. فإذا استمكنت الأمانة من قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف، واغتنم ما يرد عليه منها، وجدّ في إقامتها. (جذر قلوب الرجال) الجذر: بفتح الجيم وكسرها: لغتان. قال في الفائق: الجذر بالفتح، والكسر: الأصل. 4 في الصحيحين: "فتقبض الأمانة"، بالتاء بدل الياء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فَيَظَلُّ، أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ1، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ2، فَيَظَلُّ أَثَرُهُا مِثْل الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجَتْهُ عَلَى رِجْلِكِ، فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً3، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ (ثُمَّ أَخَذَ   1 في صحيح البخاري: "فيظلّ أثرها مثل أثر الوكت". وما في المخطوطة موافق لما في مسلم. والوكت هو: الأثر اليسير. كما قاله الهروي. وقال غيره: هو سواد يسير. وقيل: هو: لون يحدث مخالف للون الذي كان قبله. 2 بعد هذه الجملة في صحيح مسلم: "فيقبض الأمانة من قلبه. فيظل أثرها مثل المجل". وكذلك في البخاري مع اختلاف يسير. والمجل: بإسكان الجيم وفتحها لغتان، حكاهما صاحب التّحرير. والمشهور الإسكان. والمجل: هو: التنفط الذي يصير في اليد؛ من العمل بفأس أو نحوها. ويصير كالقبة فيه ماء قليل. 3 "فتنفط فتراه منتبراً"، نَفِطَ من باب تَعِبَ. إذا صار بين الجلد واللحم ماء. وتذكير الفعل المسند للرجل. وكذا قوله: "فتراه منتبراً" مع أن الأرجل مؤنثة، باعتبار معنى العضو. و (منتبرا) مرتفعا. وأصل هذه اللفظة: الارتفاع. ومنه المنبر؛ لارتفاعه، وارتفاع الخطيب عليه. قال صاحب التحرير: إنّ الأمانة تزول عن القلوب شيئاً فشيئاً، فإذا زال أول جزء منها زال نورها، وخلفته ظلمة كالوكت. وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله. فإذا زال شيء آخر، صار كالمجل، وهو أثر محكم، لا يكاد يزول إلاّ بعد مدة. وهذه الظلمة فوق التي قلبها. ثمّ شبه زوال ذلك النّور بعد وقوعه في القلب، وخروجه بعد استقراره فيه، واعتقاب الظلمة إياه، بجمر يدحرجه على رجله، حتّى يؤثر فيها، ثمّ يزول الجمر ويبقى التّنفط. وأخذ الرسول – صلى الله عليه وسلّم – الحصاة، ودحرجته إياها: أراد بها زيادة البيان وإيضاح المقصود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 حَصَاةً1 فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ) . فَيُصْبِحُ النّاسُ يَتَبَايِعُون، لا يَكَادُ أَحْدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِيناً. حَتَّى يُقَالَ للرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ من إِيْمانٍ". وَلَقَدْ أَتَى عليَّ زَمَانٌ مَا أُبَالِي أَيُّكُم بَايَعْتُ2 لَئِنْ   1 في صحيح مسلم: "ثمّ أخذ حصى فدحرجه على رجله". 2 "ولقد أتى عليّ زمان ما أبالي أيكم بايعت". معنى المبايعة هنا: البيع والشِّراء المعروفان. ومراده: أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع، وأن في الناس وفاء بالعهود، وكنت أقدم على مبايعة من أنفق، غير باحث عن حاله، وثوقاً بالنّاس وأمانتهم؛ فإنّه إن كان مسلماً، فدينه وأمانته تمنعه من الخيانة، وتحمله على أداء الأمانة، وإن كان كافراً فساعيه، وهو الوالي عليه، كان أيضاً يقوم بالأمانة في ولايته، فيستخرج حقي منه. وأما اليوم فقد ذهبت الأمانة، فما بقي لي وثوق بمن أبايعه، وَلاَ بِالسَّاعِي في أدائهما الأمانة، فما أبايع إلاّ فلاناً وفلاناً. يعني أفراداً من النّاس، أعرفهم وأثق بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 كَانَ مُسْلِماً لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دينه. وَلَئِنْ كان يَهُودِيّاً أو نَصْرَانَيّاً لَيَرُدَّنَّه عَلَيَّ سَاعِيهِ. وأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أَبَايِعُ مِنْكُم إِلاَّ فُلاَناً وفُلاَناً. أخرجاه. (44) وقال ابْنُ ماجه1: أنا2 أبو بكر بن أبِي شَيْبَةَ: ثنا وكيعُ: ثنا الأَعْمَشُ: عن سالِم بن أبِي الْجَعْدِ: عن زَيَادِ بن لَبِيدٍ. قال: ذكر النَّبِيُّ – صلّى الله عليه وسلّم - شيئاً. فقال: "ذَلِكَ عَنْدَ أَوَانِ ذِهَابِ الْعِلْمِ"، قُلْتُ: يا رسولَ الله: وكيف يَذْهَبُ الْعِلْمُ، ونَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، ونُقْرِؤُهُ   1 سنن ابن ماجه جـ2 – كتاب الفتن – باب ذهاب القرآن والعلم ص 1344. وفي الزوائد: هذا إسناده صحيح ورجاله ثقات. إلأّ أنّه منقطع. قال البخاري في التاريخ الصّغير: لم يسمع سالم بن أبي الجعد من زياد بن لبيد – وتبعه على ذلك الذّهبي في الكاشف وقال: ليس لزياد عند المصنف سوى هذا الحديث، وليس له شيء في بقية الكتب. 2 هذا رمز لأخبرنا – وثنا رمز لحدثنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أَبْنَاءَنَا، ويُقْرِؤُهُ أَبْنَاؤُنا أَبْنَاءَهُم إِلَى يَومِ الْقَيَامَةِ؟!. فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا زِيادُ1. إِنْ كُنْتُ لأَرَاكَ مِن أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، أَوَ لَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ والنَّصَارَى يَقْرَؤُون التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ، لاَ يَعْلَمُون بِشَيْءٍمِنْهَا؟! "2. (45) وخرّجه التِّرمذي3: عن جُبَيْر بن نُفَيْرٍ عن أبِي الدَّرْدَاءِ. قال: كنّا مع النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - فَشَخَصَ بَصَرُهُ إلِى السَّمَاءِ. ثمّ قال: "هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ4 مِنْهُ".   1 في السنن: "ثكلتك أمك زياد"، بدون حرف نداء. وثكلتك: أي فقدتك. وهو دعاء عليه بالموت ظاهراً. والمقصود العتب من الغفلة عن مثل هذا الأمر. 2 في سنن ابن ماجه: "لا يعملون بشيء مما فيهما"، أي: ومن لا يعمل بعلمه هو والجاهل سواء. 3 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي جـ7 – أبواب العلم – باب ما جاء في ذهاب العلم ص: 412. 4 في الترمذي: "حتّى لا يقدروا منه على شيء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فقال زيادُ بن لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ منّا، وقَدْ قَرَأْنَا الْقُرآنَ، فوالله لَنَقْرَأَنَّه، وَلَنُقْرِؤُنَّهُ نَسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا زيادُ! إِن كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِن فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجيْلُ عَنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهم"؟! قال جُبَيْرُ: فَلَقِيْتُ عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ. قُلْتُ أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخْوكَ أبُو الدّرداءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ1. قال: صَدَقَ أبو الدّرداء. إِنْ شِئْتَ لأُحَدِثِّنَّك بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرفَعُ مِنَ النّاسِ: الْخُشُوعُ. يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعِةٍ2، فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعاً3. وقال: حَسَنٌ غَرِيْبٌ.   1 في الترمذي: "فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء". 2 في الترمذي: "أن تدخل مسجد الجامع". 3 الخشوع: في الصوت والبصر كالخضوع في البدن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 (46) وذكر ابنُ ماجه1، مِن مُسْنَدِ زيادٍ، بإِسْنَادٍ صَحيحٍ كما تَقدَّمَ، وقال: حدّثنا عليّ بن محمّدٍ ثنا أبو معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن خراشٍ عن حذيفة: قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم ـ: "يَدْرُسُ2 الإسلامُ كمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوبِ. حَتَّى لاَ يُدْرىَ مَا صِيَامٌ، وَلاَ صَلاَةٌ، ولاَ نُسُكٌ ولاَ صَدَقَةٌ. وَيُسْرى3 عَلَى كِتَابِ الله تعالى فِي لَيْلَةٍ، فلا تَبْقَى4 منه فِي الأرض آيةٌ. وَتَبْقَى طَوائِفُ مِنَ النّاسِ: الشّيخُ   1 سنن ابن ماجه – جـ2 – كتاب الفتن – باب ذهاب القرآن والعلم. ص 1344. في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. رواه الحاكم وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم. 2 "يدرس الإسلام"، من درس الرسم دروساً، إذا عفا وهلك. ومن درس الثّوب درساً إذا صار عتيقاً. ووشى الثّوب: نقشه. 3 في سنن ابن ماجه: "وليسرى على كتاب الله". والمعنى يذهب باللّيل. 4 في سنن ابن ماجه: "فلا يبقى منه" بالياء "بدل التاء". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الْكَبِيْرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُون: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هِذِهِ الكِلْمَةِ: لا إله إلاّ الله. فَنَحْنُ نَقُولُها". فقال له صِلَةُ: ما يُغْنِي عِنْهم: لا إله إلاّ الله، وَهُمْ لا يَدْرُون، مَا صَلاَةٌ، وَلاَ صِيَامٌ، وَلاَ نُسُكٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيهِ ثَلاثاً. كلّ ذلك يُعْرِضُ عنه حذيفة. ثمّ أقبل حذيفة فقال: يَا صِلَةُ‍‍‍‍‍‍‍! تُنَجِّيهُم مِنَ النّار. ثلاثاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 باب: من أحاديث الفتن ... مِنْ أَحَادِيثِ الْفِتَنِ (47) ولِمُسْلِم1 عن حذيفة. قال: قَامَ فينا رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - مَقَاماً ما ترك فيه2 شيئاً يكون في مَقَامِهِ ذلك إلى قيامِ السّاعَةِ، إلاّ حَدَّثَ بِهِ. حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنِسَيَهُ مَن نَسِيَهُ3. فَأَذْكُرُه كَما يَذْكُرُ الرّجلُ وَجْهَ الرّجلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ. ثُمَّ إِذَا رَآه عَرَفَهُ.   1 صحيح مسلم بشرح النووي جـ18- كتاب الفتن – باب إخبار النّبي – صلّى الله عليه وسلم – فيما يكون إلى قيام الساعة ص15. 2 في صحيح مسلم: "ما ترك شيئاً". 3 في صحيح مسلم بعد هذه الجملة: "قد علمه أصحابي هؤلاء، وأنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه – فأذكره"، الحديث. وهو ساقط من المخطوطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 (48) قال1: والله ما أَدْرِي: أَنَسِيَ أَصْحَابِي، أَمْ تَنَاسَوهُ؟ 2،والله ما تَرَكَ رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - مِن قَائِدِ فِتْنَةٍ3 إِلَى أَنْ تَنْقَضِي الدّنْيا، يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلاَثُمَائةٍ فَصَاعِداً، إلاّ قَدْ سَمَّاهُ لَنَا: باسْمِهِ واسْمِ أَبِيهِ واسْمِ قَبِيلَتِهِ. (49) وَلَهُ4: عنه. قال: حدّثنا رسولُ الله – صلّى الله   1 القائل: حذيفة بن اليمان – وما ذكر بعد: إنّما هو بدء حديث آخر. أخرجه أبو داود ج11 من شرح عون المعبود – كتاب الفتن والملاحم – باب ذكر الفتن ودلائلها ص: 306. 2 في سنن أبي داود: "أم تناسوا"، بدون الهاء. 3 "قائد فتنة" أي: داعي ضلالة، وباعث بدعة: يأمر الناس بالبدع، ويدعوهم إليها ويحارب المسلمين. ومعنى الحديث: أنّه صلى الله عليه وسلّم - ذكر لنا القائدين للفتنة، الذين يبلغ أتباع كل منهم ثلاثمائة فصاعدا، باسمه ونسبه وقبيلته – دون غيرهم. وفي الحديث: كمال علم النبي – صلى الله عليه وسلّم –، وكمال شفقته على أمّته. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب إخبار النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيما يكون إلى قيام السّاعة، ص: 15. والضّمير في عنه؛ لحذيفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ‍ عليه وسلّم - مَجْلِساً أَنْبَأَ1 فِيهِ عَنِ الْفِتَنِ – فقال وهو يَعُدُّ الْفِتَنَ: "مِنْهَا2 ثَلاَثٌ لا يَكَدنَ يَذَرْنَ شَيْئاً. وَمِنْهَا فِتَنٌ كِرَيَاحِ الصَّيْفِ: مِنْهَا صِغَارٌ، وَمِنْهَا كِبَارٌ". قال حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُم غَيْرِي. (50) ولأبِي داود3: عن ابن عمر. قال: كنّا قعوداً عند رسولِ الله – صلّى الله عليه وسلّم - فذكر: "الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِيهَا4، حتّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاَسِ"5. فقال قائلٌ: يا رسولَ الله وما فِتْنَةُ الأحلاس؟ فقال:   1 في صحيح مسلم: "وهو يحدث مجلساً أنا فيه". 2 في صحيح مسلم: "منهن"، بدل منها في الموضعين الأولين. وهذا الحديث ذكر أولاً تحت رقم 10 – مع اختصار هنا. 3 عون المعبود شرح سنن أبي داود ج 11 – كتاب الفتن – باب ذكر الفتن ودلائلها ص 308. 4 في السنن: "فأكثر في ذكرها". 5 "الأحلاس"، قال في النهاية: الأحلاس: جمع حلس. وهو: الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب. شبهها به للزومها ودوامها. قال الخطابي: إنّما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها، أو لسواد لونها وظلمتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 "هِي هَرَبٌ وَحَرَبٌ1، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّوْدَاءِ2:دَخْنُهُا3 مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي4 يَزْعُمُ: أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ،   1 الهرب: بفتحتين، أي: يفر بعضهم من بعض، لما بينهم من العداوة والمحاربة. والحرب: قال في النهاية: الحرب: بالتحريك: نهب مال الإنسان، وتركه لاشيء له. وقال الخطابي: الحرب: ذهاب المال والأهل. 2 في سنن أبي داود: "ثمّ فتنة السراء"، وهذا هو الصواب. والمراد بالسراء: النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء، والعافية من البلاء والوباء. وأضيفت الفتنة إلى السّراء؛ لأنّ السبب في وقوعها: ارتكاب المعاصي بسبب كثرة التنعم، أو لأنّها تسر العدو. 3 "دخنها"، يعني: ظهورها وإثارتها. شبهها بالدخان المرتفع. والدخن: بالتحريك مصدر دخنت النار تدخن: إذا ألقى عليها حطب رطب، فكثر دخانها. وقيل: أصل الدخن: أن يكون في لون الدابة: كدورة إلى سواد. 4 "من تحت قدمي رجل من أهل بيتي"، تنبيهاً على أنّه هو الذي يسعى في إثارتها، أو إلى إنه يملك أمرها "ويزعم أنه مني"، أي في الفعل؟ وإن كان مني في النسب. والحاصل أن تلك الفتنة بسببه، وأنه الباعث على إقامتها."وليس مني"، أي من أخلاتي أو من أهلي في الفعل، لأنه لو كان من أهلي: لم يهيج الفتنة. ونظيره: قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ، [هود، من الآية: 46] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 إِنَّمَا أَوْلَيَائِي الْمُتَّقُون1. ثُمَّ يَصْطَلِحُ النّاسُ علَى رَجُلٍ كَوَرَكٍ عَلَى ضِلْعٍ2. ثُمَّ فِتْنَةُالدُّهْيَمَاءِ،3 لا تَدَعُ أَحداًً مِن هِذِهِ الأمّةِ إلاّ لَطَمَتْهُ لَطْمَةً4، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كاَفراً،   1 "وإنّما أوليائي المتقون" فيه أن الاعتبار كل الاعتبار للمتقي. وإن بعد عن الرّسول – صلى الله عليه وسلّم – في النّسب. وأنّه لا اعتبار للفاسق والفتّان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلّم – وإن قرب في النسب. 2 "كورك على ضلع"، ورك بفتح وكسر، وهو ما فوق الفخذ. وضلع بكسر ففتح واحد الضلوع، أو الأضلاع. قال الخطابي: هو مثل. ومعناه: الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم. وذلك أن الضّلع لا يقوم بالورك. وبالجملة: يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك، ولا مستقل به. وفي النهاية: أي يصطلحون على أمر واه، لا نظام له ولا استقامة؛ لأن الورك لا يستقيم على الضّلع، ولا يتركب عليه؛ لاختلاف ما بينهما وبعده. 3 "فتنة الدهماء"، بضم ففتح، والدهماء. السوداء. والتصغير للذّّم. أي: الفتنة العظماء والطّامة العمياء. وفي النهاية: تصغير الدهماء: يريد الفتنة المظلمة. والتصغير للتعظيم. 4 "إلاّ لطمته لطمة"، أصل اللطم: الضرب على الوجه ببطن الكف. والمراد: أن أثر تلك الفتنة يعمّ الناس، ويصل لكل أحد من ضررها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 حَتَّى يَصِيْرَ النّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْن1: فُسْطَاطِ إِيْمَانٍ، لاَ نَفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِِفَاقٍ لاَ إِيْمَانَ فِيهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكُم فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِن يَوْمِهِ، أَوْ مِن غَدٍ2. (51) وعن أبِي3 هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ من رسولِ الله – صلّى الله عليه وسلّم - وعَاءَيْن4. فَأمَّا أَحَدُهُما فَبَثَثْتُه5، وأمَّا الآخرُ فَلَو بَثَثَتُهُ لَقُطِعَ هَذَا الْبَلْعُومُ6– رواه البخاري.   1 "إلى فسطاطين"، أي: فرقتين. وقيل: مدينتين. وأصل الفسطاط: الخيمة فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال. 2 في السنن: "أو من غده"، بذكر الضمير. 3 صحيح البخاري بشرح الفتح، ج1 كتاب العلم، باب حفظ العلم ص 216. (وعاءين) أي: ظرفين. أطلق المحل، وأراد به الحال. أي: نوعين من العلم. (فبثثته) أي: أذعته ونشرته في الناس. 6 "البلعوم": مجرى الطعام. وهو بضم الموحدة. وكنَّي بذلك عن: القتل. وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه: على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السواء وأحوالهم وزمنهم. وليست هذه الأحاديث من الأحكام الشرعية. وإلاّ ما وسعه كتمانها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 (52) ولَهُ1 عنه: سَمِعْتُ الصّادقَ الْمَصْدُوقَ يقول: "هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدِي أُغِيْلِمَةٍ مِن قُرَيْشٍ". قال مَرْوَانُ2: لَعْنَةُ الله عَلْيهِم غِلْمَةً. قال أبو هريرة: لو شِئْتُ أَنْ أَقُولَ: بَنِي فُلاَنِ3 وَبَنِي فُلاَنٍ لَفَعْلُتُ؟ فَكُنْتُ4 أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إَلَى بَنِي مَرْوَان حِيْنَ مَلَكُوا الشَّامَ. فَإِذَا رَآهم هَؤُلاءِ أَحْدَاثاً غِلْمَاناً5 قال لنا: عَسَى هَؤُلاَءِ أن يَكُونُوا منهم. قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. وَجَدُّهُ: الرَّاوِي عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ.   1 صحيح البخاري بشرح الفتح – جـ 13 – كتاب الفتن باب قول النبي – صلى الله عليه وسلّم – هلاك أمتي على يدي أغليمة سفهاء ص9. 2 هو: مروان بن الحكم الذي ولي الخلافة بعد ذلك. 3 في صحيح البخاري: "بني فلان بن فلان"، بدون واو العطف. 4 المتكلم هو: عمرو بن يحي. الذي روى الحديث عن جده سعيد بن عمر، عن أبي هريرة. 5 في صحيح البخاري: "فإذا رآهم غلماناً أحداثاً"، بدون لفظ هؤلاء – وتقديم "غلماناً" على "أحداثاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 بَابُ النَّهْيِ عن السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ (53) ولأبِي1 داود، عن أبي موسى: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "إنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُم فِتَناً كَقِطَعِ اللّيلِ الْمُظْلِمِ2، يُصْبِحُ الرّجلُ فِيهَا مُؤْمِناً، ويُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً، وَيُصْبِحُ كَافِراً. الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمُ. وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي"3. قالوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يارسولَ الله؟   1 عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ 11 – كتاب الفتن والملاحم – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 343. 2 أنظر حديث رقم1. 3 في سنن أبي داود – القائم فيها خير من "الماشي، والماشي فيها خير من السّاعي"، وما بين القوسين ساقط من المخطوطة. والمقصود من الحديث: أن التباعد عنها خير، في أي مرتبة كانت. قال النووي: معناه: بيان عظم خطرها – والحث على تجنبها والهرب منها، ومن التسبب في شيء، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها – أي كلما بعد الإنسان من مباشرتها يكون خيراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 قال: "كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُم" 1. (54) ولابنِ ماجة2، عن أبِي بَرْدَةَ. قال: دَخَلْتَ عَلَى مُحَمَّد ابن مَسْلَمَةَ. فَقَالَ: - إنّ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: "إنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفِرْقَةٌ وَاخْتِلاَفٌ، فَإِذَا كان ذلك3 فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُداً، فَاَضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ4، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكِ حَتَّى تَأْتِيكَ5 يَدٌ خَاطِئِةٌ، أَوْ مَيْتَةٌ قَاضِيَةٌ".   1 "كونوا أحلاس بيوتكم"، أي ألزموا بيوتكم – أنظر حديث رقم 50 2 سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1310. وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح إن ثبت سماع حماد بن سلمة من ثابت البناني. 3 في سنن ابن ماجه: "فإذا كان كذلك". 4 قال النّووي: المراد: كسر السّيف حقيقة على ظاهر الحديث؛ ليسد على نفسه باب هذا القتال. وقيل: هو مجاز، والمراد: ترك القتال. والأول أصحّ. 5 "حتّى تأتيك يد خاطئة"، اليد الخاطئة، هي: التي تقتل المؤمن ظلماً. أي تقتل ظلماً، أو تموت بقضاء وقدر. والميتة: الموت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فَقَدْ وَقَعَتْ، وَفَعَلُتُ ما قال رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. (55) وَلَهُ1: عن عَائِشَةَ2 بِنْتِ أُهْبَانَ. قَالَتْ لَمَّا جَاءَ عَلِيُّ ابنُ أَبِي طَالِبٍ هَهُنَا الْبَصْرَةَ، دَخَلَ عَلَى أبِي فَقَالَ: يا أبا مسلمٍ! أَلاَ تُعِينُنِي عَلَى هَؤُلاَءِ الَقَومِ؟ قَالَ: بَلَى. قالت: فَدَعَا بِجَارِيَةٍ لَهُ. فقال: يا جَارِيَةُ! أَخْرِجِي سَيْفِي. قَالَت: فَأَخْرَجْتُهُ. فَسَلَّ3 منه قَدْرَ شِبْرٍ، فَإِذَا هُو خَشَبٌ. فقال: إنَّ خَلِيلِي وابنِ عَمِّك–صلّى الله عليه وسلّم -عَهِدَ إِلَيَّ، إَذَا كَانَتْ   1 سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1309. وفي سنن الترمذي بشرح تحفة الأحوذي ج6 أبواب الفتن – باب ما جاء في اتخاذ السّيف من خشب ص 445. 2 في سنن ابن ماجه: عن: عُدَيْسَةَ: بدل عائشة. وهو كذلك في الترمذي. (فسل) : أي أظهر وأخرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِميِنْ، فَأَتَّخِذُ1 سَيفاً مِن خَشَبٍ، فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ. قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِيكَ، ولا فِي سَيْفِكَ. (56) ولأبِِي2 داود: عن أبي موسى: قال رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إنَّ بَيْنَ يَدَي السّاعَةِ فِتْناً، كَقِطَعِ اللّيلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرّجلُ فِيهَا مُؤْمِناً، وَيُمْسِي كَافِراً. وَيُمْسِي مُؤِمناً، وَيُصْبِحُ كَافراً. الْقَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ   1 هكذا – مضبوطة – في ابن ماجه – بلفظ المضارع – والظّاهر أنه بلفظ الأمر – حتى يستقيم وجود الفاء الواقعة في جواب الشّرط مع الطّلب. 2 عون المعبود شرح سنن أبي داود – ج 11 – كتاب الفتن – باب النّهي عن السّعي في الفتنة – ص 337 وفي سنن ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة ص 1310. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 مِنَ الْقَائِمِ (والْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي) 1 وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي. فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُم2. وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُم، وَاضْرِبُوا بِسُيُوفِكُمُ الْحِجَارَةِ3. فَإِنَ دُخِلَ عَلَى أَحْدٍ مِنْكُم، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنِي4 آدم. (57) وَلَهُ5: عن سَعْدِ6، قُلْتُ: يا رسولَ الله7! إِنْ دَخَلَعَلِيّ بَيْتِي، وَبَسَطَ يَدَهُ إِلَيَّ8 لِيَقْتُلَنِي؟ قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم:   1 ما بين القوسين لا يوجد في سنن أبي داود. وما في المخطوطة موافق لسنن ابن ماجه. 2 "قسيكم"، بكسرتين: جمع قوس. وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة؛ لأن باب التفعيل للتكثير. 3 في سنن أبي داود: "واضربوا سيوفكم بالحجارة"، وما في المخطوطة موافق لسنن ابن ماجه. 4 أي فليستسلم حتى يكون قتيلاً كهابيل، ولا يكون قاتلاً كقابيل. 5 عون المعبود شرح سنن أبي داود – ج 11 – كتاب الفتن – باب النّهي عن السّعي في الفتنة ص 335. 6 "عن سعد" بن أبي وقاص كما في سنن أبي داود. 7 في سنن أبي داود: "يا رسول الله أرأيت إن دخل" بزيادة: "أرأيت". 8 في سنن أبي داود: "وبسط يده" بدون لفظ (إلى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 "كُنْ كَخَيْرِ ابْنِي آدمَ. وَتَلاَ1 هذه الآية: {لَئِنْ بَسَطْتَّ} ، الآية، [المائدة، من الآية: 28] . (58) وَلَهُ2: عن ابن عُمَرَ3: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: كَيْفَ بِكُم وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ4 أَنْ يَأْتِيَ، فَيُغَرْبَلُ النّاسُ فِيهِغَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِن النّاسَ قَدْ   1 في سنن أبي داود: "وتلا بزيد" – وهو من رواة الحديث: هذه الآية: 28 من سورة المائدة. 2 عون المعبود شرح سنن أبي داود ص 11 – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي 497. وفي سنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة ص 1307 3 في سنن أبي داود، وكذلك ابن ماجه: "عن عبد الله بن عمرو بن العاص". 4 في سنن أبي داود، "أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه"، وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه مع عدم ذكر الفاء في قوله: "فيغربل". والمعنى: يذهب خيارهم وأراذلهم، كما أن الغربال ينقي الدقيق ويبقي الحثالة. والحثالة: الرديء من كل شيء. والمراد: أراذلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 مَرَجَتْ1 عُهُودُهُم وَأَمَانَاتُهُم، واخْتَلَفُوا، فَكَانُوا: هَكَذَا وَهَكَذا2: "وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ". قالوا: كَيْفَ بنا يا رسولَ الله3! إِذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قال: "تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ4، وَتَدَعُونَ مَا5 تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُم6، وَتَدَعُونَ أَمْرَ عَامَّتِكِم".   1 مرجت: أي اختلطت وفسدت. وهي بكسر الراء، والمرج: الخلط. النهاية. 2 في السنن: "فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه" – بدون تكرار هكذا – وكذلك في ابن ماجة بلفظ: "وكانوا هكذا". والمعنى: يموج بعضهم ببعض، ويلبس أمر دينهم، فلا يعرف الأمين من الخائن، ولا البر من الفاجر. 3 في سنن أبي داود: "كيف بنا يا رسول الله؟ قال"، وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه، بدون ذكر لفظ: "الزّمان". 4 في سنن أبي داود: تأخذون ما تعرفون. وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه. وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح إن ثبت سماع حماد بن سلمة من ثابت البناني. 5 في سنن أبي داود: "وتذرون" في الموضعين – وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه. 6 في سنن أبي داود: وتقبلون على أمر خاصتكم. وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه. والمعنى: على من يختصّ بكم من الأهل والخدم أو على إصلاح الأحوال المختصة بأنفسكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 (59) وللنِّسَائِيِّ1: مِن حديث ابن عَمْرٍو: نَحْوَه وقال: فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قال: "الْزَمْ بَيْتَكَ، وَأَمْلِكْ2 عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ"3. وأوّلُهُ: "إَذَا رَأَيْتَ النّاسَ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ4 أَمَانَاتُهُم، وَكُانُوا: هَكَذَا وَهَكَذَا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. فَقُمْتُ إِلَيهِ. فَقُلْتُ ... الخ. (60) وللتِّرمذي5: عن أبِي هُرَيْرَةَ: عن النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال:   1 لم نجده في مظانه من سنن النسائي. وهو موجود: في سنن أبي داود بشرح عون المعبود ج 11 كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي ص 498، وفي مسند الإمام أحمد ج 2 ص 212. 2 "وأَمْلِكْ عليك لسانك"، أي: لا تُجِرْه إلاّ بما يكون لك لا عليك، ولا تتكلم في أحوال الناس. 3 أي الزم أمر نفسك، واحفظ ابنك، واترك الناس ولا تتبعهم. 4 "وخفت أمانتهم"، أي: قلت أمانتهم. 5 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي ج6 أبواب الفتن ص 545. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 "إِنَّكُم فِي زَمَانٍ، مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ فِيهِ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهَ هَلَكَ. وَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، مَنْ عَمِلَ مِنْهُم بِعُشْر مَا أُمِرَ بَهِ نَجَا". وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ. (61) ولابن ماجة: عن أبِي هُرَيْرَةَ. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -:   1"في سنن الترمذي: "ثمّ يأتي زمان". ومعنى الحديث: أن الزمان الأول – وهو متصف بالأمن وعز الإسلام – من ترك فيه عشر ما أمر به وقع في الهلاك؛ لأن الدين عزيز وأنصاره كثير، فالترك تقصير بلا عذر. ما الزمان الثاني. فمن عمل فيه بعشر ما أمر به نجا؛ لأنه المقدور في زمن ضعف فيه الإسلام، وكثر الظلم، وعم الفسق، وقل أنصار الدين. 2"في سنن الترمذي: (هذا حديث غريب"، بدون ذكر وصف: حسن. 3" سنن ابن ماجه ج 2 – كتاب الفتن – باب شدة الزمان- ص 1340. وفي الزوائد: في إسناده مقال. وأبو حميد، لم أر من جرحه، ولا وثقه. ويونس هو: ابن يزيد الأيلي. وباقي رجال الإسناد ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 "لَتُنْتَقُونَ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ مِنْ أَغْفَالِهِ1. وَلَيَذْهَبَنَّ2 خِيَارُكُم. وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُم. فَمُوتُواإِنْ3 اسْتَطَعْتُم". (62) وللبخاريّ4: عن مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ: قال رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم: "يَذْهَبُ الصَّالِحُون: الأوّلُ فَالأوّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةُ5 كَحُفَالَةِ الشَّعِيْرِ وَالتَّمْرِ، لاَ يُبَالِيْهُمُ الله6 بَالَةً".   1 "من أغفاله"، أي: مما لا خير فيه. جميع غُفل. 2 في سنن ابن ماجه: "فليذهبنّ"، بالفاء بدل الواو. 3 "فموتوا إن استطعتم"، أي: إذا تحقق ذلك فموتوا. يريد أن الموت خير حينئذ من الحياة- فلا ينبغي أن تكون الحياة عزيزة. 4 فتح الباري بشرح البخاري – ج11 – كتاب الرقاق – باب ذهاب الصالحين ص 251. 5 الحفالة والحثالة: بمعنى واحد. وقد وردت الرواية بكل من اللفظين. قال الخطابي: الحفالة بالفاء، وبالمثلثة: الرديء من كل شيء. وقيل: آخر ما يبقى من الشعير والتمر وأردؤه. وقال ابن التين: الحثالة: سقط الناس. 6 "لا يباليهم الله بالة". قال الخطابي: لا يرفع لهم قدراً، ولا يقيم لهم وزناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وفي رواية: "لا يَعْبَأُ الله1 بِهم".   1 "لا يعبأ الله بهم"، أي: لا يبالي. وأصله من العبء بالكسر. وهو: الثقل. فكأن معنى لا يعبأ به: أي لا وزن له عنده. وفي الحديث: انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبقى إلا أهل الشر. وفيه: أن موت الصّالحين من أشراط الساعة. وفيه: الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم، خشية أن يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بَابُ التّعرّب فِي الْفِتْنَةِ (63) ولَه1: عن أبي سيعد: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "يُوْشِكُ أَنْ يَكَونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَماً2 يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ3 الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ؛ يَفِرُّ بِدِيْنِهِ مِنَ الْفِتَنِ".   1 صحيح البخاري بشرح الفتح ج 13 – كتاب الفتن- باب التعرب في الفتنة ص 40. وفي سنن ابن ماجه ج2 – كتاب الفتن – باب العزلة. ص1317. وأخرجه النسائي ج 8 – كتاب الإيمان وشرائعه – باب الفرار بالدين من الفتن ص 123. 2 في صحيح البخاري: "غنم"، بالرفع وكذلك في ابن ماجه، والنسائي. ويجوز في "خير" الرفع والنصب. فإن كان غنم بالرفع فالنصب، وإلاّ فالرفع والأشهر في الرواية: "غنم"، بالرفع. 3 "شعف الجبال"؛ بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها فاء جمع شعفة. كأكم وأكمة: رؤوس الجبال. والمرعى فيها والماء ولا سيما في بلاد الحجاز – أيسر من غيرها. والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه. وقد اختلف السّلف في أصل العزلة. فقال الجمهور: الاختلاط أولى؛ لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية، بالقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة، وإغاثة، وعبادة، وغير ذلك. وقال قوم: العزلة أولى لتحقيق السلامة بشرط معرفة ما يتعين. قال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية. فإن أشكل الأمر، فالعزلة أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 (64) ولِمُسْلِمٍ1: عن أبِي بَكْرَةَ: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "إِنَّهَا سَتُكُونُ فِتَنٌ2: الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيهَا3، أَلاَ إِذَا نَزَلَتْ4، أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبْلٌ، فَلْيَلْحَقْ   1 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 – كتاب الفتن – باب نزول الفتن كمواقع القطر ص9. 2 في صحيح مسلم بعد هذه الجملة: "ألا ثم تكون فتنة". 3 وفي ذلك بيان عظم خطرها والحث على تجنبها. والهرب منها، ومن التثبت في شيء، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها. 4 في صحيح مسلم: "ألا فإذا نزلت"، بالفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بِإِبْلِهِ. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ، فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ". فقَالَ رَجُلٌ: يا رسولَ الله! أَرَيْتَ مَنْ لَمْ يَكْنْ لَهُ إِبْلٌ، وَلاَ غَنَمٌ، وَلاَ أَرْضٌ؟ قال: "يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ، فَيَدُقُّ عَلَيهْ بِحَجَرٍ1، ثُمَّ لِيَنْجُ، إِنْ اسْتَطاَعَ النَّجَاةَ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ". فَقَالَ رَجُلٌ: يا رسولُ الله! أَرَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلِقَ بِيَ إِلَى أَحْدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتِيْن، فَيَضْرِبُنِي2 رَجْلٌ بِسَيْفِهِ، أو يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قال: "يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، فَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ"3.   1 أنظر التعليق على حديث رقم – 54 – تعليق رقم (4) . 2 في صحيح مسلم: "فضربني"، بصيغة الماضي. 3 في صحيح مسلم: "ويكون من أصحاب النار"، بالواو بدل الفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 بَابُ النَّهي عَن تَعَاطِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ (65) وفِي الْمُسْنَدِ1: عنه2: قال: أتى رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم - عَلَى قَومٍ يَتَعَاطَونَ سَيفاً مَسْلُولاً. فقال: "لَعَنَ الله مَن فَعَلَ هَذا، أَوَ لَيْسَ قَدْ نَهَيُتُ عَن هَذَا؟ "، ثُمَّ قال: "إِذَا سَلَّ3 أَحْدُكُم سَيْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَخَاهُ، فَلْيَغْمِدْهُ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ".   1 مسند الإمام أحمد ج5 ص 42 طبعة المكتب الإسلامي ببيروت. 2 "عنه"، أي: عن أبي بكرة. 3 سل السيف: أخرجه من غمده - والغمد للسّيف: غلافه. ويقال: غمدت السيف وأغمدته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 بَابُ بَدَأَ الإسْلاَمُ غَرِيْباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً (66) ولِمُسْلِمٍ1: عن أبِي هُرَيْرَةَ: عن النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "بَدَأَ الإسلامُ غَريباً وَسَيَعُودُ غَريْباً كَمَا بَدَأَ2") . (67) ورواه أحمدُ3: عن ابن مَسْعُودٍ: - وفي آخره -: "فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" 4،   1 صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 – كتاب الإيمان – باب بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ص 175. وفي سنن ابن ماجه ج2 – كتاب الفتن – باب بدأ الإسلام غريباً ص 1319. 2 في صحيح مسلم: "وسيعود كما بدأ غريباً"، وفي ابن ماجه: وسيعود غريباً. 3 مسند الإمام أحمد ج1 – ص 398 - 4 هذه الجملة: "فطوبى للغرباء"، موجودة في صحيح مسلم، وفي سنن ابن ماجه تتمة الحديث السّابق. ومعنى الحديث: أن الإسلام بدأ في أحاد من الناس وقلة، ثمّ انتشر وظهر ثم سيلحقه النقص والإخلال. حتى لا يبقى إلاّ في آحاد وقلة أيضاً، كما بدأ. فبدأ بالهمز – من الابتداء. وهو الأشهر – ويؤيده المقابلة بالعود. فإن العود يقابل الابتداء، ويحتمل: أن يكون بدون همزة. ومعناه: ظهر. وغربة الإسلام: لقلة أهله. وأصل الغريب: البعيد عن الوطن. وقد فسر الرّسول صلى الله عليه وسلّم: الغرباء بالنّزّاع من القبائل- والنّزّاع: جمع نازع ونزيع وهو: الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته، قال الهروي: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله تعالى: ومعنى: "طوبى للغرباء"، طوبى: فُعلى من الطيب قاله الفراء. قال: وإنما جاءت الواو لضمة الطاء. أما معناها: فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} ، [الرّعد، من الآية: 29] . فروى ابن عباس أن معناه: فرح وقرة عين. وقال عكرمة: نعم مالهم. وقال الضّحاك: غبطة. وقال قتادة: حسنى لهم. وعن قتادة أيضاً: معناه: أصابوا خيراً. وقال إبراهيم خير لهم وكرامة. وقال ابن عجلان: دوام الخير. وقيل: الجنة. وقيل: شجرة في الجنة. وكل هذه القوال محتملة في الحديث. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 آخره: قيل: يا رسولَ الله! وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قال: "النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 (68) ورواه الآجُرِّيُّ1: وعنده: قيل: مَنْ هُم يا رسولَ الله؟ قال: "الّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذْ فَسَدَ النَّاسُ". (69) ولأَحْمَدَ2: في حديث سعد بن مالك: "فَطُوبَى يَوْمَئِذٍ لِلْغُرَبَاءِ، إَذَا فَسَدَ النَّاسُ".   1 مسند الإمام أحمد ج4 ص 73 ولفظ الحديث: عن عبد الرحمن بن سنة: أنه سمع النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: "بَدأَ الإِسْلاَمُ غَريباً، ثُمَّ يَعُودُ غَريباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبى للغُرباء. قِيلَ يَا رسولَ الله! وَمَن الْغُرَباء؟ قَالَ: الّذينَ يَصْلحون إذا فسد الناس، والذي نفسي بيده لينحازنّ الإيمان إلى المدينة، كما يحوز السّيل. والذي نفسي بيده ليأرزنّ الإسلام إلى ما بين المسجدين، كما تأرز الحية إلى جحرها". 2 مسند الإمام أحمد ج 1 – ص 184 ونص الحديث: عن ابن لسعد بن أبي وقاص قال: سمعت أبي يقول: سمعت النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – وهو يقول: "إنّ الإيمان يبدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ. فطوبى يومئذ لغرباء، إذا فسد الناس. والذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزنّ الإيمان بين هذين المسجدين، كما تأزر الحية في حجرها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 (70) وله1: عن ابن عمرو: عن النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "طَوبَى لِلْغُرَبَاءِ ". قلنا: وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قال: "قَوْمٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ، فِي نَاسٍ سُوءٍ كَثِيْرٍ، مَنْ يَعْصِيهُم أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُم". (71) [وفي الزُّهْدِ: عنه2] :   1 مسند الإمام أحمد ج2 ص 177 – ونص الحديث: عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء. فقيل: من الغرباء. يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير. من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم. 2 في كتاب الزهد للإمام أحمد – باب حكمة عيسى عليه الصّلاة والسّلام – ص 77 – ولفظ الحديث عن عبد الله بن عمرو. "إنّ أحبّ شيء إلى الله – عزّ وجلّ – الغرباء"/ قال: قيل: وما الغرباء؟ قال: "الفرّارون بدينهم يُجمعون إلى عيسى عليه السّلام يوم القيامة". وذكره أيضاً صاحب منتخب كنْز العمال في سنن الأقوال والأفعال في منتخبه المطبوع بهامش المسند للإمام أحمد – المكتب الإسلامي بيروت ج1 ص 119 – وفيه لفظ: "يبعثهم الله – عزّ وجلّ مع عيسى ابن مريم"، كما في المخطوطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 "إنَّ أَحَبَّ شِيْءٍ إِلَى الله الْغُرَبَاءُ" قال: "الفَرَّارُون بِدِيْنِهِم، يَبْعَثُهُمُ الله مَعَ عِيْسَى بن مريم ـ عليه السّلام ـ". رواه أحمد: عن الْهَيْثَمِ بنِ جَمِيل: ثنا محمد بن مسلم: ثنا عثمان بن عبد الله: عن سليمان ابن هُرْمُز: عنه. (72) ولأَحْمَد1: عن الْمُطَّلب بن حَنْطَب: عن النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم - قال: "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"، قيل: يا رسولَ الله! مَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قال: "الذين يَزِيدُونَ إِذَا نَقَصَ النّاسُ". (73) وللتِّرمذي2: من حديث كَثِيْرِ بن عبد الله   1 لم نجده في الأصول التي بين أيدينا. 2 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي ج 7 – كتاب الإيمان – باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً ص 381 ولفظ الحديث في سنن الترمذي: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – قال: "إنّ الدين ليأزر إلى الحجاز، كما تأرز الحية إلى جُحْرِهَا، وليعقلنّ الله الدين في الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إنّ الدين بدأ غريباً، ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء، الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنتي". هذا حديث حسن. ومعنى "يأرز" بكسر الراء، وقد تضم: أي ينضم ويجتمع. "الحجاز": اسم مكة والمدينة، وما حواليهما من البلاد، وسميت حجازاً؛ لأنها حجزت: أي: منعت وفصلت بين بلاد نجد والغور. ومعنى "ليعقلن: أي: ليعتصمن. أي يمتنع بالحجاز ويتخذ منه حصناً وملجأ". "والأروية" الأنثى من المعز الجبلي. وهي: بضم الهمزة وتكسر، وتشديد الياء – والمعقل: مصدر بمعنى العقل. والمعنى: أن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها. والمراد أن أهل الإيمان يفرون بإيمانهم إلى المدينة؛ وقاية بها عليه، أو لأنها وطنه الذي ظهر وقوي بها. وإنّ الدين في آخر الزمان عند ظهور الفتن، واستيلاء الكفرة والظلمة على بلاد أهل الإسلام، يعود إلى الحجاز، كما بدأ منه. وأهل الدين في الأول كانوا غرباء، ينكرهم الناس، ولا يخالطونهم، فكذا في الآخر، فطوبى للغرباء أولاً وآخراً، الذين يعملون بسنّتي ويظهرونها بقدر طاقتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْمُزَنِي: عن أبيه: عن جدّه: عن النَّبِيِّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 "طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ: الذين يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النّاسُ مِنْ سُنَّتِي ". قال الأَوْزَاعِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَمَا إِنَّه مَا يَذْهَبُ الإسلامُ، وَلَكِنْ يَذْهَبُ أَهْلُ السُّنَةِ، حَتَّى مَا يَبْقَى فِي الْبَلَدِ مِنْهُم إِلاّ رَجُلٌ وَاحِدٌ. (74) وفي الْمُسْنَد1: عن عُبَادَةَ: أنّه قال لِرَجُلٍ من أَصْحَابِهِ:   1 مسند الإمام أحمد – ج 4 ص 125 – ولفظه. قال عبادة بن الصامت: "لئن طال بكما عمر أحدكما، أو كلاكما. ليوشكان أن تريا الرجل من ثج المسلمين – يعني من وسط – قرأ القرآن على لسان محمد – صلى اله عليه وسلّم – فأعاده وأبدأه، وأحل حلاله، وحرّم حرامه، ونزل عند منازله. أو قرأه على لسان أخيه قراءة على لسان محمّد صلّى الله عليه وسل‍ّم – فأعاده وأبدأه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، ونزل عند منازله، لا يحور فيكم إلاّ كما يحور رأس الحمار الميِّت"، أصل الحور الرجوع إلى النقص. والمعنى: أي لا يرجع فيكم بخير ولا ينتفع بما حفظه من القرآن. كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه. نهاية؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 "يُوْشِكُ أَنْ تَرَى الرَّجُلَ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فَأَعَادَهُ، وَأَبْدَاهُ. فَأَحَلَّ حَلاَلَهَ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ. وَنَزَلَ عِنْدَ مَنَازِلِهِ. لاَ يَحُورُ فِيكُم، إِلاَّ كَمَا يَحُورُ رَأْسُ الْحِمَارِ الْمَيِّتِ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 بَابُ لاَ يَأْتِي زَمَانٌ إِلاَّ وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ (75) وللبخاريّ1: عن الزّبير بن عديّ. قال: أتينا أنساً، فَشَكَوْنَا إليه ما نلقى من الحجاج2. فقال: "اصْبِرُوا؛ فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُم زَمَانٌ إَلاّ والّذي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ"3، سَمِعْتُهِ من نبيِّكم – صلّى الله عليه وسلّم -. (76) ولِمسلم4: عن أبي هريرة. قال رسول الله   1 صحيح البخاري بشرح الفتح ج13 – كتاب الفتن – باب لا يأتي زمان إلاّ الذي بعده شر منه ص 19. 2 في الصحيح: "فشكوا إليه: ما يلقون من الحجاج"، وما في المخطوطة موافق لرواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان – الإسماعيلي ذكرها صاحب الفتح. 3 في الصحيح بعد هذه الجملة: "حتّى تلقوا ربكم". والمراد بتفضيل الزمان السابق على ما بعده: تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر اللاحق. 4 صحيح مسلم بشرح النووي ج16 – كتاب العلم – باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ص 222 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 – صلّى الله عليه وسلّم: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ1، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ2، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ. وَيَكْثُرُ الْهَرَجُ". قالوا: يا رسولَ الله! ما هو؟ - قال: "الْقَتْلُ الَقَتْلُ"3.   1 في صحيح مسلم: "ويقبض العلم"، بدل "وينقص العمل". وفي رواية أخرى لمسلم: "وينقض العلم". 2 في صحيح مسلم: "وتظهر الفتن ويلقى الشح" بالتاء في نظر مع التقديم والتأخير ومعنى "ويلقى الشح"، أي: يوضع في القلوب. ورواه بعضهم: يلقى بالتشديد. أي يعطى. والشح: هو البخل بأداء الحقوق، والحرص على ما ليس له. 3 في صحيح مسلم: قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل"، بدون تكرار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 بَابُ تَحْرِيْمِ رُجُوعِ الْمُهَاجِرِ إِلَى اسْتِيْطَانِ وَطَنِهِ (77) وله1: عن سلمة – وقد قال له الحجّاج2: -   1 صحيح مسلم بشرح النووي ج 23 – كتاب الإمارة – باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه ص 6. وأخرجه البخاري – ج13 – باب التعرب في الفتنة ص 40. 2 في صحيح مسلم: عن سلمة بن الأكوع: أنّه دخل على الحجاج. فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت ... الحديث وقوله ارتددت على عقبيك تعربت ألخ ... قال القاضي عياض: أجمعت الأمة: على تحريم ترك المهاجر هجرته والرجوع إلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابياً من الكبائر؛ ولهذا أشار الحجاج. إلى أن أعلمه سلمة: أن خروجه إلى البادية، إنما هو بإذن النبي – صلى الله عليه وسلّم – قال: ولعله رجع إلى غير وطنه. أو لأنّ الغرض في ملازمة المهاجر أرضه التي هاجر إليها، وفرض ذلك عليه إنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم – لنصرته أو ليكون معه. أو لأن ذلك إنما كان قبل فتح مكّة، فلما كان الفتح، وأظهر الله تعالى الإسلام على الدين كله، وأذل الكفر، وأعز المسلمين سقط فرض الهجرة – قال النبي – صلّى الله عليه وسلّم: "لا هجرة بعد الفتح"، وقال: "مضت الهجرة لأهلها" أي: الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم قبل فتح مكّة، لمواساة النبي – صلى الله عليه وسلّم – ومؤازرته، ونصرة دينه، وضبطه شريعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 أَرْدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ؟ قال: لا. ولكن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - أَذِنَ لَنَا فِي الْبَدْوِ1.   1 "أذن لنا في البدو"، أي: في الخروج إلى البادية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 بَابُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلَمَانِ بِسَيْفِهِمَا (78) وللبخاريّ1: عن الأَحْنَفِ. قال: خرجت وأنا أُرِيدُ هذا الرّجلَ، فَلَقِيَنِي أبو بكرة. فقال: أين تريد يا أحنف؟ فَقُلْتُ: أريد نُصْرَةَ2 ابن عَمِّ رسولِ الله – صلّى الله عليه وسلّم - يَعْنِي: عَلِياًّ – رضي الله عنه.   1 صحيح البخاري بشرح الفتح ج 13 – كتاب الفتن – باب إذا التقى المسلمان بسيفهما – ص 31. وأخرجه أيضاً في كتاب الإيمان – ج1 – باب: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ، [الحجرات، من الآية: 9] ص 84. وأخرجه كذلك مسلم في صحيحه ج 18 بشرح النووي – كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب: إذا التقى المسلمان بسيفهما ص 10. وما في المخطوطة موافق لرواية مسلم، مع اختلاف يسير. 2 ما في المخطوطة موافق لرواية البخاري في كتب الفتن، وفي مسلم: "نصر"، بدون التاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فقال لي: يا أحنف! ارْجِعْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: "إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيهِما1، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النّارِ"، فقلتُ، أو قيل: - يا رسولَ الله! هذا القاتلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولُ؟ قال: "إِنَّهُ2 أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ ". (79) ولِمسلم3: عن أبِي هريرة. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "والّذي نَفْسِي بِيَدِهِ،   1 "إذا تواجه المسلمان بسيفهما" معنى تواجها: ضرب كل واحد وجه صاحبه: أي: ذاته وجملته. وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار: فمحمول على من لا تأويل له، ويكون قتلهما عصبية ونحوها. ثم كونه في النار: أي مستحق لها. وقد يجازي بذلك. وقد يعفو الله تعالى عنه. وهو مذهب أهل الحق. النووي على مسلم. 2 ما في المخطوطة موافق للبخاري – وفي مسلم: "أنّه قد أراد قتل صاحبه". 3 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 – كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ص 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 لا تَذْهَبُ الدّنيا حتّى يأتِيَ عَلَى النّاس يومٌ، لا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيْمَ قَتَلَ؟ ولا الْمَقْتُولُ فِيْمَ قُتِلَ؟ "، فَقِيلِ: كيف يكون ذلك؟ قال: "الْهَرَجُ: الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النّارِ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بَابُ هَلاَكِ الأُمَّةِ بَعْضِهِم بِبَعِضٍ (80) ولِمسلم1: عن ثَوبَانَ. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم –: "إنّ الله زَوَى2 لي الأرضَ، فرأيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَها، وإنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا ما زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيْتُ الْكَنْزَيْنَ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ3. (قال ابنُ ماجه: يَعْنِي الذّهبَ والفضّةَ) ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَلاّ يُهْلِكَهَا   1 صحيح مسلم بشرح النووي – ج18 – كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب هلاك هذه الأمة: بعضهم ببعض – ص13. وأخرجه ابن ماجه – ج2 – كتاب الفتن – باب ما يكون من الفتن – ص 1304 – مع اختلاف اللفظ. وكذلك أخرجه أبو داود بشرح عون الْمعبود، ج11، كتاب الْفِتَن ص 322. 2 "زوى"، أي: جمع وضم بعضها إلى بعض. والمراد من الأرض ما سيبلغها ملك الأمة. يدل عليه ما بعده. 3 يعني: من كنزي كسرى وقيصر: ملكي العراق والشام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وألاّ يُسَلِّطَ عَلَيْهُم عَدُواً مِن سَوى أَنْفِسِهُم، فَيَسْتَبِيْحَ بَيْضَتَهُم1، وَإنَّ رَبِّي قال: يا محمّد! إذا قَضَيْتُ قَضَاءً، فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ: أَلاّ أُهْلِكَهُم بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ2. وألاّ أُسَلِّطَ عَلَيْهُم عَدُواً مِن سِوى أَنْفِسِهًم، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُم، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهُم مَنْ بِأَقْطَارِهَا، أو قال: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُم يُهْلِكُ بَعْضاً، وَيَسْبِي بَعْضُهُم بَعْضاً.   1 فيستبيح بيضتهم: أي جماعتهم وأصلهم. والبيضة أيضاً: العز والملك. قال في النهاية: بيضة الدار: وسطها ومعظمها. أراد عدو يستأصلهم ويهلكهم جميعهم. 2 المعنى: لا أهلكهم بقحط؛ بل إن وقع قحط، فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام. وفي صحيح مسلم: "بسنة عامة"، بدون الباء مع لفظ عامة – وما في المخطوطة موافق لسنن أبي داود – والباء فيها زائدة زيادتها في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ، [الحج: من الآية: 25] ، ويجوز ألا تكون زائدة، ويكون قد أبدل عامة من سنة بإعادة العامل. تقول: مررت بأخيك بعمرو. ومنه قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} ، [الأعراف، من الآية: 75] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 (81) زاد أبو1 داود: "وإنّما أَخَافُ على أُمَّتِي الأَئِمَةَ الْمُضِلِّين2. وإذا وُضع السّيفُ فِي أُمِّتِي، لَمْ يُرْفَعُ عَنْهَا إِلَى يوم الْقِيامَةِ3. ولا تقوم السّاعةُ، حتّى يَلْحَقَ قَبَائِلُ مِن أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِين، وحتّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِن أُمَّتِي الأوثانَ، وَأنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلاثُون كُلُّهُم يَزْعَم أَنَّه نَبِيٌّ. وَأنَا خَاتِمُ النّبيِّين. لا نَبِيَّ بَعْدِي. ولا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي على الحقِّ ظاهِرِين. لا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم. حتّى يأْتِيَ أَمْرُ الله". (82) ولِمسلم4: عن سعد أنّ رسول الله – صلّى   1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود - ج 11 – كتاب الفتن – ذكر الفتن ودلائلها – ص 322. عن ثوبان: الراوي للحديث السابق في مسلم. وكذلك أخرجه الترمذي في الفتن ج6 – ص 398 – أحوذي. 2 "الأئمة المضلين"، أي: الداعين إلى البدع والفسق والفجور. 3 فإن لم يكن في بلد، يكون في بلد آخر – والحديث مقتبس من قوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} ، [الأنعام، من الآية: 65] . 4 صحيح مسلم بشرح النووي ج18 – كتاب الفتن وأشراط الساعة باب هلاك الأمة بعضهم ببعض ص14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الله عليه وسلّم – أقبل ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ1، حتّى إذا مرّ بِمَسْجِد بَنِي مُعَاوِيَةَ، دَخَلَ، فَرَكَعَ فِيهِ ركْعَتَيْنِ، وَصَلَّينَا مَعَهُ، ودعا ربّه طويلاً، ثمّ انصرف إلينا، فقال: "سَألْتُ ربِّي ثلاثاً، فأعطانِي ثِنْتَيْن، وَمَنَعَنِي واحدةً، سألتُ ربِّي: ألاّ يُهْلِكَ أمّتِي بالسَّنَّة2، فأعطانيها. وسألته ألاّ يهلك أمّتي بِالْفَرَقِ، فأعطانيها. وسألته: ألاّ يجعل بأسهم بينهم، فمنعنِيها ".   1 العالية: اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمايرها – معجم البلدان. 2 السنة: الجدب. يقال أخذتهم السنة إذا أجدبوا، وأقحطوا. النهاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 بَابُ كَفِّ اللِّسانِ فِي الْفِتْنَةِ (83) ولأبِي داود1، عن ابن عمر2. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم -: "سَتَكُونَ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ3 الْعَرَبَ، قَتْلاَهَا فِي النّار4. اللِّسانُ5 فيها أشدُّ من وقعِ السّيفِ".   1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود: ج11 – كتاب الفتن – باب في كف اللسان ص 346. وأخرجه ابن ماجه – ج 2 – كتاب الفتن ص 1312 باب كف اللسان في الفتنة. 2 في سنن أبي داود: عن عبد الله بن عمرو: وهو غير ابن عمر. 3 "تستنظف"، بالظاء المعجمة: أي: تستوعبهم هلاكاً. من استنظفت الشيء. أخذت كله. النهاية. 4 "قتلاها في النار"، لقتالهم على الدنيا، واتباعهم الشيطان والهوى. 5 "اللسان" الخ. أي: وقعه وطعنه. على تقدير مضاف. قال القرطبي في التذكرة: بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم. فربما ينشأ من ذلك الغضب والقتل، والجلا والمفاسد العظيمة، أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قال التِّرمذي1: غريب، سَمِعتُ محمّداً يقول: لا يعرف لزياد ابن سَمين2 عن ابن عمر غير هذا. (84) ولأبي داود3، عن أبي هريرة: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم: "سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ4 اللِّسانُ فيها كوقع السّيف".   1 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي ج6 – أبواب الفتن – باب ما جاء في الرجل يكون في الفتنة ص 402 – بعد أن روى الحديث السابق قال: هذا حديث غريب، سمعت محمد ابن إسماعيل يقول: لا نعرف لزياد ابن سمين كُوشَ غير هذا الحديث. 2 صحة الاسم: سيمين: بياءين بينهما ميم – وسيمين كوش بالفارسية. يقال للفضة:: سيم. ويقال للنسبة إليها – سيمين. ويقال للأذن: كوش بكاف فارسية؛ يعني أذن فضة. 3 عون المعبود شرح سنن أبي داود – ج11 – كتاب الفتن – باب كف اللسان ص 346. 4 "ستكون فتنة صماء بكماء عمياء"، وصفت الفتنة بهذه الأوصاف بأوصاف أصحابها. أي: لا يسمع فيها الحق، ولا ينطق به، ولا يتضح الباطل على الحق. وقال القاري: لا يميزون فيها بين الحق والباطل، ولا يسمعون النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. بل من تكلم فيها بحق أوذي، ووقع في الفتن والمحن. وفي السنن بعد قوله: عمياء "من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان" الحديث. والمعنى: من تطلع إليها وتعرض لها – واتّته فوقع فيها. "وإشراف اللسان"، أي: إطلاقه وإطالته، كوقع السيف: أي في التأثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 (85) ولابن1 ماجه: عن ابن عمر: مرفوعاً: "إيّاكم والْفِتَنَ؛ فإنّ اللِّسانَ فيها مثل وقع السّيف". (86) ولَهما2، عن أبي هريرة: أنّه سَمِع رسولَ الله   1 ابن ماجه، ج2، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، ص 1312. وفي الزوائد: في إسناده محمد بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، وأبوه لم يسمع من ابن عمر. 2 صحيح البخاري بشرح الفتح – ج11 – كتاب الرقاق – باب حفظ اللسان ص 308. وصحيح مسلم بشرح النووي، ج 18، كتاب الزهد، باب حفظ اللسان ص 117. وما في المخطوطة قريب من رواية مسلم ولفظها: "إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة، ما يتبيّن ما فيها – يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: "إنّ الرّجلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكِلْمَةِ، لا يُلْقِي لَها بالاً1، يَهْوي بَها فِي النّار، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ.   1 "لا يلقي لها بالاً"، أي: لا يتدبرها ويتفكر في قبحها ولا يخاف ما يترتب عليها. وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة بقذف. أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ونحو ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 باب: من أحاديث النهي عن السعي في الفتنة ... مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ السَّعْيِ فِي الْفِتْنَةِ (87) ولأبِي1 داود عن أبي ذر: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: "يا أبَا ذَرٍّ"، قلت: لبّيك يا رسول الله! وسعديك وذكر الحديث. قال فيه: "كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَتِ2 النّاسَ مَوْتٌ، تكون الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ "3. – يعني:   1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود – ج11 – كتاب الفتن – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 340. 2 في سنن أبي داود:"إذا أصاب الناس موت"،وإلحاق تاء التأنيث في أخذ: خطأ. 3 المراد بالبيت: القبر. وبالوصيف: الخادم والعبد. قال الخطابي: يريد أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم. حتّى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت، أو يدفنه، إلاّ أن يعطي وصيفاً، أو قيمته. وقد يكون معناه: أن مواضع القبور تضيق عليهم، فيبتاعون لموتاهم القبور. كل قبر بوصيف. وقيل: المراد بالبيت: المتعارف. والمعنى: أن البيوت تصير رخيصة؛ لكثرة الموت، وقلّة من يسكنها. فيباع البيت بعبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الْقَبْر – قلت: الله ورسولُهُ أَعْلَمُ، أو قال: ما يَخْتَارُ1 الله لي ورسولُهُ. قال: "عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ"، أو قال:"تَصْبِرْ". ثُمَّ قال لي: "يَا أبَا ذَرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يا رسولَ الله! وسَعَدَيْكَ2. قال: "كَيْفَ أَنْتَ! إذا رَأَيْتَ أَحْجَارَ3 الزّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بالدَّمِ؟ "، قُلْتُ: مَا خَارَ الله لِي ورسولُه. قال: "عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ"4، قلتُ: يا رسولَ الله! أفلا آخذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي؟ قال: "شَارَكْتَ5   1 في السنن:"أو قال: ما خار الله لي ورسوله".وأو للشك. وما خار: أي اختار. 2 في السنن: "لبيك وسعديك"، بدون لفظ النداء. 3 "أحجار الزيت"، موضع بالمدينة: في الحرة. سمي بها لسواد الحجارة. كأنها طليت بالزيت. أي: أن الدم يعلو حجارة الزيت ويسترها؛ لكثرة القتلى. وهذا إشارة إلى وقعة الحرة. التي كانت زمن يزيد. 4 في السنن: "بمن أنت فيه"، بدل: منه: أي: بأهلك وعشيرتك. 5 "شاركت القوم إذا"، أي: إذا أخذت السيف ووضعته على عاتقك. وقوله: "شاركت"،لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء وإلاّ فالدفع واجب. قاله ابن عبد الملك. قال القاري: والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلماً، إن لم يترتب عليه مفسدة بخلاف ما إذا كان العدو كافراً، فإنّه يجب الدفع ما أمكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 الْقَومَ إِذاً"، قال: قُلْتُ: فماذا تَأْمُرُنِي1؟ قال: "تَلْزَمُ بَيْتَكِ"، قلتُ: فإن دخلَ عَلَى بَيْتِي؟ قال: "فَإِنْ خَشِيْتَ أَن يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ2، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِكَوَإِثْمِهِ". (88) زاد ابن3 ماجه: "كيفَ أنْتَ وَجَوائِحُ4 تُصِيبُ النّاسَ، حتّى تَأْتِي مَسْجِدَكَ، فَلا تستَطِيعُ أَنْ تَرْجِعَ إلى فِرَاشِكِ ولا5 تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِن فِرَاشِكَ إلى مَسْجِدَك؟ ". قُلْتُ: الله ورسولُهُ أعلم، أَوْ خَارَ6 الله لِي وَرُسُولُه. قال: "عَلَيْكَ بالعِفّة".   1 في السنن "فما تأمرني". 2 "إن خشيت أن يغلبك شعاع السّيف"، أي: أن خشيت أن يغلبك لمعان السّيف وبريقه، - وهو كناية عن أعمال السيف- فغط وجهك، حتى لا ترى ولا تفزع. والمعنى: لا تحاربهم وإن حاربوك. 3 سنن ابن ماجه، ج2، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة، ص 1308. 4 في سنن ابن ماجه: "وجوعاً يصيب الناس". 5 في السنن: "أولا تستطيع أن تقوم من فراشك"،بلفظ أو. بدل واو العطف. 6 في السنن: "أو ما خار الله لي ورسوله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 (89) وفي حديث1 عن ابن مسعود: وذكر الْفِتْنَةَ. قال: "الْزَمْ بَيْتَكَ"، قيل: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي؟ قال: "فَكُنْ مِثْلَ الْجَمَلَ الأَوْرقَ2 الثَّفَّال3، الّذي لا يَنْبَعِثُ إِلاّ كرهاً، ولا يَمْشِي إلاّ كَرْهاً". رواه أبو عبيد. (90) ولأبِي4 داود عن الْمِقْداد مرفوعاً: "إنّ5 السَّعِيدَ لِمَن جُنِّب الْفِتَن. إنّ السَّعِيدَ لَمَنْ   1 لم نجده فيما بين أيدينا من أصول. 2 الجمل الأورق: الأسمر. ومنه ناقة ورقاء. نهاية. 3 الثفّال: البطيء الثقيل الذي لا ينبعث إلاّ كرها – أي لا تتحرك في الفتنة. من لسان العرب. 4 عون المعبود بشرح سنن أبي داود – ج11- كتاب الفتن – باب النهي عن السعي في الفتنة ص 344. 5 صدر الحديث بلفظ: "أيم الله. لقد سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم –"، يقول: "إنّ السعيد لمن جنب الفتن"، وكررت هذه الجملة في السنن ثلاث مرات. وقد ذكرت في الأصل مرتين. ومعنى جنب: أبعد. والتكرار للمبالغة في التأكيد. ويمكن أن يكون التكرار باعتبار أول الفتن وآخرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 جُنِّب الْفِتَن. وَلِمَن ابْتُلِيَ فَصَبَرَ. فَوَاهاً"1.   1 "فواهاً"، معناه: التلهف والتحسر. أي: واهاً لمن باشر الفتنة، وسعى فيها. وقيل معناه: الإعجاب والاستطانة. ولمن بكسر اللام. أي: ما أحسن وما أطيب صر من صبر عليها. قال في القاموس: واهاً بالتنوين، وبدونه. كلمة تعجب من طيب شيء. وكلمة تلهف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 باب: من أمارات الساعة ... مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ (91) وللبخاريّ1، عن عوف بن مالك. قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلّى الله عليه وسلّم– في غزوة تَبُوكَ وهو فِي قبّة من أدمٍ2 فقال: "اعْدُدْ ستًّا بَيْنَ يَدَي السّاعةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بيتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَان3 يَأْخُذُكُم4 كَقِعَاصِ5 الْغَنَمَ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى   1 صحيح البخاري بشرح الفتح – ج 6 – كتاب الجزية والموادعة – باب ما يحذر من الغدر ص 277. 2 أدم: اسم جمع – والجمع: أدم. والمفرد: أديم. وهو الجلد قاموس. (موتان) بضم الميم وسكون الواو. هو: الموت. وقيل: الموت الكثير الوقوع. 4 في صحيح البخاري: يأخذ فيكم. (كقعاص) ضبطه في الفتح بتقديم العين على القاف، والمنصوص في كتب اللغة بتقديم القاف على العين. وكذلك في نسخ البخاري، وهو داء يأخذ الدواب، فيسيل من أنوفها شيء، فتموت فجأة. وقيل: إنّه داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق. ويقال: إن هذه الآية ظهرت في طاعون عَمْوَاس في خلافة عمر، بعد فتح بيت المقدس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الرّجلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطاً، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنِ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ1 تَكُونُ بَيْنَكُم وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ2، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُم تَحْتَ ثَمَانِيْنَ غَايَةً3، تَحْتَ كلِّ غَايَةٍ اثنا عشر ألفاً.   1 هدنة: بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون: هي الصّلح على ترك القتال، بعد التحرك فيه. 2 بنو الصفر. هم: الروم. 3 غاية: أي: راية. وسميت بذلك؛ لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف. وفي الحديث بشارة ونذارة؛ وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين، مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 بَابُ مُلاَحِمِ الرُّومِ (92) ولِمسلم1، عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجِِّيْري2 إلاّ يا عبد الله بن مسعود! ‍ جَاءَتِ السَّاعَةُ. قال: فَقَعَدَ وكان متّكئاً. فقال: إنّ السّاعة لا تَقُومُ حتَّى لا يُقسم مِيْراثٌ. ولا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ. ثمّ قال بيده: هكذا: (وَنَحَّاهَا نَحْو الشَّامِ) , فقال: عَدوُّ يَجمعون لأهل الإسلام. أو3 يَجْمَع لَهُمُ الإسلام. قلت:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18، كتاب الفتن، باب: إقبال الرّوم في كثرة القتل عند خروج الدّجّال، ص: 24. 2 "ليس له هجيري": هو بكسر الهاء والجيم المشدّدة مقصور الألف: بمعنى: الهجير، أي: شأنه ودأبه ذلك. 3 في صحيح مسلم: "ويجمع أهل الإسلام"، بالواو بدل (أو) أي: لقتالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الرّومَ تَعْنِي؟ قال نَعَم. قال: ويكون عند ذلكم1 الْقِتَالِ رِدَّةٌ شَدِيْدَةٌ، فَيُشْتَرطُ2 الْمُسْلِمُون شُرْطَةً لِلْمَوتِ، لا تَرْجَعُ إِلاّ غاليةً، فَيَقْتَتِلُون3 حتّى يُمْسُوا، فيبقى4 هؤلاء وهؤلاء، كلّ غَيْرُ غَالِبٍ، وتَفْنِى الشُّرْطَةُ، فَإِذا كان يومُ الرَّابِعِ نَهَدَ إِلَيْهُم5 بَقِيَّةُ أَهْلِ الإسلام، فَيَجْعَلُ الله الدّائرةَ عليهم6 فَيَقْتَتِلُون مَقْتَلَةً – إمّا قال: لَم يُرَ   1 في صحيح مسلم: "وتكون عند ذاكم القتال"، ورَدَّةٌ شديدةٌ بفتح الرّاء، أي: عطفة قويّة. 2 "فيشترط المسلمون"، ضبط بوجهين: أحدهما: فيشترط. والثّاني: فيشترط، بمثناة تحت ثم مثناة فوق، ثم شين مفتوحة وتشديد الرّاء، والشّرطة طائفة من الجيش تقدم للقتال. 3 في صحيح مسلم بعد هذا اللّفظ: "حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيل، فَيَفِيئُ هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَء كلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ. وتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِط الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لا تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَة، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجِزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِئ هَؤُلاَء وَهَؤُلاَء، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لاَ تَرْجِعُ إِلاَّ غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ". 4 في صحيح مسلم: "فيفيء"، أي: يرجع. 5 "نهد" بفتح الهاء، أي: نهض وتقدّم. 6 "الدّائرة"، أي: الهزيمة. وفي بعض روايات مسلم بلفظ: "الدّبرة"، وهي بمعنى الدّائرة، قال الأزهري: "الدّائرة: هم الدّولة تدور على الأعداء. وقيل: هي الحادثة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مِثْلُها. وإمّا قال: لا يُرَى مِثْلُها1، حتّى إنّالطَّيْرَ2 لَتَمُرُّ بِجَنَبَاتِهم3، فما يُخَلِّفُهم4 حتّى يَخِرَّ مَيْتاً، فَيَتَعَادُ5 بَنُو الأب كَانُوا مائة، فلا يَجِدُون6 بَقِي مِنْهُم إلاّ الرّجلُ الْوَاحِدِ. فبأَي غَنيمةٍ يُفْرَحُ، أَو بِأَيِّ مِيْراثٍ يُقْسَمُ؟ 7، فَبَيْنَمَا هُم كذلك إذ سَمِعُوا بِنَاسٍ8 هم أكثر من ذلك، فَجَاءَهُم الصّريخُ: إنّ الدّجّالُ قد خَالَفَهُم9 في ذَرَاريِّهم، فَيَرْفُضُونَ10 ما بِأَيْدِيهُم   1 في صحيح مسلم تقديم وتأخير بين الجملتين هكذا: "إمّا قال: لا يرى مثلها، وإمّا قال: لم ير مثلها ". 2 في صحيح مسلم: "الطّائر"، بدل: الطّير. 3 "بجنباتهم"، أي: نواحيهم، وحكى القاضي عن بعض رواتهم: بجثمانهم، أي: شخوصهم. 4 "فما يخلفهم"، بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام المشدّدة، أي: يجاوزهم، وحكى القاضي: فما يلحقهم، أي: يلحق آخرهم. 5 "فيتعاد بنو الأبّ" في النّهاية: أي: يَعُدُّ بعضهم بعضاً. 6 في صحيح مسلم: "فلا يجدونه". 7 في صحيح مسلم: "يقاسم". 8 في بعض روايات مسلم: "إِذْ سمعوا بيأس هو أكبر من ذلك". وهو الصّواب كما حكاه القاضي عياض: عن محقّقي رواتهم. 9 في صحيح مسلم: "قد خلفهم". 10 في صحيح مسلم: "فيرفضون ما في أيديهم"، أي: يتركون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 ويُقْبَلُون: فَيَبْعَثُون عَشْرَ1 فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم: "إنِّي لا أَعْرِفُ أَسْمَاءَهم وأَسْمَاءَ آبائهم، وأَلْوَانَ خُيولِهم. خَيْرُ2 فَوَارِسِ عَلَى ظَهْرِ الأرض يومئذٍ". (93) وَلَهُ3، عن أبي هريرة أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: "لا تقومُ السّاعةُ حتّى تَنْزِلَ4 الرّومُ بِالأَعْمَاقِ، أو بِدَابِقٍ5. فَيَخْرُجُ إِلَيهُم جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِن خِيَارِ أَهْلِ الأرض يومئذٍ؛ فإذا تَصَادَفُوا. قالتِ الرّومُ:   1 في صحيح مسلم: "عشرة فوارس"، وهو المتّفق مع القواعد. 2 في صحيح مسلم: "هم خير فوارس". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب في فتح قسطنطينية وخروج الدَّجَّال ونزول عيسى بن مريم ص: 21. 4 في صحيح مسلم: "حَتَّى يَنْزَلَ الرُّومُ"، بالياء. 5 "الأعماق، أو بدابق"، الأعماق بفتح الهمزة، وبالعين المهملة، ودابق: بكسر الباء الموحّدة، وفتحها: موضعان بالشّام بقرب حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 خَلوا بَيْنَنَا وبَيْنَ الّذين سُبُوا مِناًّ1 نُقَاتُلُهُم: فَيَقُولُ الْمُسْلِمُون: لا. والله! لا نُخَلِّي بَيْنَكُم وبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهم. فَيَنْهَزِم ثُلُثٌ لا يَتُوبُ الله عليهم أبَداً2، ويُقْتَلُ ثُلُثُهُم أَفْضَلُ الشُّهَدَاء عند الله، ويَفْتَحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُون أبداً، فَيَفْتِحُون قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُم يَقْتَسِمُون الْغَنَائِمَ، قَد عَلَّقُوا سُيُوفَهُم بِالزَّيُتُون. إِذْ صَاحَ فيهم الشَّيْطَان: إنّ الْمَسيحَ قَد خَالَفَكُمْ3 فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُون؛ وذلك بَاطِلٌ. فَإِذَا جاءوا الشَّامَ خَرَجَ، فينما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إِذْ أُقِيمَتِ الصّلاةُ؛ فَنَزَلَ عِيسى بن مريم فأمّهم. فإذا رآه عدوُّ الله، ذَابَ كما يَذُوبُ   1 "سبوا"، روي على وجهين: فتح السّين والباء، وضمّهما. قال القاضي في المشارق: "الضُّمُّ رواية الأكثرين، قال: وهو الصّواب، قلت: كلاهما صواب؛ لأنّهم سُبُوا أولا، ثم سبوا الكفار". اهـ. 2 "لا يتوب الله عليهم أبداً"، أي: لا يلهمهم التّوبة. 3 في صحيح مسلم: "إنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، فلو تركه لانْذَابَ حتّى يَهْلِكَ. ولكن يَقْتله الله بِيَدِهِ. فَيُرِيهم دَمَهُ فِي حِرْبَتِه". (94) وَلَهُ1 عنه عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قال: "سَمِعْتُم بِمَدِينَةٍ: جَانِبٌ فيها فِي2 البرّ، وجَانِبٌ فِي البحر؟ "، قالوا: نعم، يا رسولَ الله! ‍ قال: "لا تقُومُ السّاعةُ حتّى يَغْزُوَهَا سَبْعُون ألفاً من بنِي إسحاق3،   1 صحيح مسلم بشرح النّووي جـ 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب: لا تقوم السّاعة حتى يَمُرَّ الرّجل بقبر الرّجل، فيتمنّى أن يكون مكان الْمَيِّت من البلاء، ص: 43. والضّمير في عنه؛ لأبي هريرة. 2 في صحيح مسلم: "وجانب منها في البحر". 3 "من بني إسحاق"، قال القاضي: "كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم: من بني إسحاق". قال: قال بعضهم: المحفوظ: من بني إسماعيل، وهو الذي يدلّ عليه الحديث وسياقه؛ لأنّه إنّما أراد العرب. وهذه المدينة هي: القسطنطينية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فإذا1 نَزَلُوها لَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاح، ولَم يَرْمُوا بسهم. قالوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَر، فَيَسْقُطَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا". قال ثَورٌ: لا أعلمه قال2: إلاّ الّذي في البحر. "ثُمَّ يَقُولُوا3 لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَر، فَيَسْقط جَانِبُها الآخر، ثُمَّ يقولوا الثّالِثَةَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله والله أَكْبَر، فَيُفَرَّجُ لَهُم، فَيَدْخُلُونَها4 فَيَغْنَمُوها5، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْسِمُون الْغَنَائِمَ، إِذْ جَاءَهُمُ الصّريخُ، فقال: إنّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُون كَلَّ شَيْءٌ ويَرْجِعون". (95) ولابن ماجه6 من حديث?كثير7 بن عبد الله   1 في صحيح مسلم: "فإذا جاؤوها نزلوا". 2 في صحيح مسلم:"لا أعلمه" إلاّ قال: "الذي في البحر"،بتقديم إلاّ على قال. 3 في صحيح مسلم: "ثم يقولوا: الثّانية". 4 في صحيح مسلم: "فيدخلوها"، بدون النّون. 5 في صحيح مسلم: "فيغنموا". 6 سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الملاحم ص: 1370. وفي الزّوائد: "في إسناده كثير بن عبد الله، كذّبه الشّافعي، وأبو داود. وقال ابن حبان: روى عن أبيه، عن جدّه: نسخة موضوعة، لا يحلّ ذكرها في كتب، ولا الرّواية عنه، إلاّ على جهة التّعجّب". 7 وأوّل الحديث: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ أَدْنَى مَسَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِبُولاءَ، ثم قَالَ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: يا عَلِيّ! يَا عَلِيّ! قَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي. قال: إِنَّكُم سَتُقَاتِلُون ... " الحديث. ومسالح: جمع مسلحة، قال في النّهاية: "المسلحة: القوم الذين يحفظون الثّغور من العدوّ، وسُمّوا مسلحة؛ لأنّهم يكونون ذوي سلاح؛ أو لأنّهم يسكنون المسلحة، وهي كالثّغر والمرقب، يكون فيه أقوام يرقبون العدوّ؛ لئلا يطرقهم على غفلة، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأّهبوا له". وبولاء: اسم موضع. وجاء في تاج العروس بولاة وبولان، وقال: ذكرها ابن ماجه، في الفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ابن عمرو بن عوف عن أبيه: عن جدِّه مرفوعاً. "إنّكُم ستُقَاتِلُون بني الأصْفَر1. ويُقَاتِلُونَهم2 الّذين مِن بعدكم، حتّى يَخْرُجَ إليهم وَفْدُ الإسلام3: أَهْلُ الْحِجَازِ: الّّذين لا يَخَافُون في الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ. فَيَفْتَحُون الْقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيْر. فَيُصِيبُوا4   1 "وبني الأصفر"، يعني: الرّوم. 2 في سنن ابن ماجه: "ويقاتلهم الذين من بعدكم"، وهو الصّواب. 3 في سن ابن ماجه: "حتى تخرج إليهم رُوقَةُ الإسلام". وروقة الإسلام: أي: خيار المسلمين وسراتهم، جمع رائق، من راق الشّيء، إذا صفا وخلص. 4 في سنن ابن ماجه: "فيصيبون غنائم"، بالنّون وهو الصّواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 غَنَائِمَ لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَها. حتّى يَقْتَسِمُوا بِالأَترسَة. فَيَأْتِي آتٍ1، فيقول: إنّ الْمسيحَ قد خرج في بلادكم. ألا وهي كَذْبَةٌ. فالآخذُ نَادِمٌ، والتَّارِكُ نَادِمٌ"2. (96) ولأبِي داود3، وغيره عن ذي مخبر4 – وكان من أصحاب النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قال: سمعت النَّبِيّ ـ صّى الله عليه وسلّم ـ يقول: "سَيُصَالِحُكُمُ5 الرُّومُ صُلْحاً آمناً. ثُمَّ تَغْزُونَ أَنْتُم   1 في سنن ابن ماجه: "ويأتي آتٍ"، بالواو، بدل الفاء. 2 "فالآخذ نادم"، لظهور أنّه كذب، "والتّارك نادم"، لأنّ الدّجّال يخرج بعده بقريبٍ، بحيث يرى التّارك أنّه لو تأّهب له حين سمع ذلك القول كان أحسن. 3 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب ما يذكر من ملاحم الرّوم ص: 397. وفي سنن ابن ماجه، ج2، كتاب الفتن، باب الملاحم ص: 1369. (مخبر" بكسر الميم وسكون الخاء، وبالباء الموحّدة، ويقال: بالميم، بدل الباء، كما في ابن ماجه. 5 في سنن أبي داود: "ستصالحون الرّوم"، وفي سنن ابن ماجه: "ستصالحكم الرّوم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَهُم عدوًّا1. فَتُنْصَرُون وتَسْلَمُون، ثُمَّ يَنْصَرِفُون حتّى يَنْزِلُون بِمَرْج ذي تُلُولٍ2، فَرَفَعَ رَجُلٌ3 مِن أهلِ الْصَّلِيبِ الصَّلِيبَ؛ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ4. فَيَغْضَبُ رجلٌ من الْمسلمين، فَيَقُومُ إليه فَيَدْفَعُهُ5 فَعِنْدَ ذلك تَغْدِرُ الرّومُ، ويَجْمَعُون لِلْمُلاَحِمَة6. [فَيَأْتُون تَحْتَ   1 في سنن أبي داود: "فتغزون أنتم وهم عدوّاً من ورائكم"، أي: من خلفكم. وما في المخطوطة موافق لما في سنن ابن ماجه. 2 في سنن أبي داود: "فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتّى تنْزلوا"، وتنصورن: بالمجهول، وتغنمون: بالمعلوم. وفي سنن ابن ماجه: "فتنتصرون وتغنمون وتسلمون ثم تنصرفون حتّى تنْزلوا بمرج ذي تلول". فالخطاب في الألفاظ كلّها للمسلمين. بخلاف ما في المخطوطة فبعض الألفاظ بصيغة الغيبة. والمرج بفتح فسكون، آخره جيم: الموضع الذي ترعى فيه الدّواب. 3 في سنن أبي داود: (فيرفع رجل من أهل النّصرانية الصّليب". وفي سنن ابن ماجه: "فيرفع رجل من أهل الصّليب الصّليب". 4 "غلب الصّليب"، أي: دين النّصارى. قصداً لإبطال الصّلح، أو لمجرّد الافتخار وإيقاع المسلمين في الغيظ. 5 في سنن أبي داود: "فيغضب رجل من المسلمين فيدقّه". وفي سنن ابن ماجه: "فيقوم إليه فيدقّه"، أي: يكسر الصّليب. 6 في سنن أبي داود: "وتجمع للملحمة". وفي سنن ابن ماجه: "ويجتمعون للملحمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 ثَمانِيْنغَايَةً. تَحْتَ كُلّ غَايَةٍ اثنا عشر ألفاً] 1. زاد أبو داود2: "وتَثُورُ الْمُسْلِمُون إلى أَسْلِحَتَهُم، فَيَقْتَتِلُون. فَيُكْرِمُ الله تِلْكَ الْعِصَابَةَ بالشّهادة". (97) وَلَه3، وغَيْرِه عن معاذٍ عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قال: "الْمَلْحَمَةُ4 الْكُبُرَى، وَفَتْحُ قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعِةِ أَشْهُرٍ" حسّنه التِّرمذي5.   1 ما بين القوسين لا يوجد في سنن أبي داود، وهو من سنن ابن ماجه، بزيادة لفظ: حينئذٍ بعد قوله: فيأتون. 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر من ملاحم الرّوم، ص: 399. 3 عون المعبود بشرح سنن أبي دود ج 11، كتاب الملاحم، باب في تواتر الملاحم، ص: 402. وسنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب الملاحم، ص: 1370. 4 الملحمة: موضع القتال، ويطلق على القتال والفتنة أيضاً. إمّا من اللحم، لكثرة لحوم القتلى فيها، أو من لحمة الثّوب، لاشتباك النّاس، واختلافهم فيها، كاشتباك لحمة الثّوب بسداه. 5 تحفة الأحوذي بشرح التّرمذي ج 6، أبواب الفتن، باب ما جاء في علامات خروج الدّجّال ص: 496. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 (98) ولأبي داود1 عن عبد الله بن بشر مرفوعاً: "بين الْمُلْحَمَةِ وفَتْحِ الْمدينة سِتُ سنِيْن، ويَخْرُجُ الدّجّال2 في السّابِعَة ". قال3: هذا أصحّ من حديث عيسى، يعني: حديث معاذ. (99) وله4 عن ثَوْبَان: قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم: "يُوشِكُ الأَمَمُ أَن تَدَاعَى عَلَيكُم، كَمَا تَدَاعَى   1 عون المعبود، بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب في تواتر الملاحم، ص: 402. 2 في سنن أبي داود: "ويخرج المسيح الدّجّال". 3 قال أبو داود: "هذا أصحّ من حديث عيسى"، يعنِي: معاذ. وبذلك فلا تعارض بين الحديثين؛ لأنّ الثّاني أرجح إسناداً فلا ينافيه الأوّل. 4 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب تداعي الأمم على الإسلام ص: 404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" 1، فقال قائلٌ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: "بَلْ أَنْتُم كَثِيْرُ، وَلَكَنَّكُم غُثَاءُ2 كَغُثَاءِ السَّيلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ الله مِن صُدُورِ عَدِوِّكم الْمَهَابَةَ مِنْكُم، وَلَيَقْذِفَنَّ الله فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ"، فقال قائل: يا رسول الله! وما الْوَهْنُ؟ 3، قال: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهَةُ الْمَوتِ"4. (100) ولِمسلم5 عن أبي هريرة: قال رسول الله   1 "إلى قصعتها"، الضمير للأكلة، أي: التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع، فيأكلونها عفواً صفواً، كذلك يأخذون ما في أيديكم، بلا تعبٍ ينالهم، أو ضرر يلحقهم، أو بأسٍ يمنعهم. 2 "غثاء"، الغثاء؛ بضم الغين، هو: ما يحمله السّيل من زبدٍ ووسخٍ، شبّههم به لقلةّة شجاعتهم، ودناءة قدرهم، وأنّهم لا رأي لهم ويساقون بغيرهم. 3 "وما الوهن؟ "، أي: ما موجبه وما سببه؟ وهو سؤال عن نوع الوهن. أو كأنّه أراد: من أيّ وجهٍ يكون ذلك الوهن؟ 4 في سنن أبي داود: "وكراهية الموت" وحبّ الدّنيا وكراهة الموت متلازمان، فكأنّهما شيءٌ واحدٌ يدعوهم إلى إعطاء الدّنية في الدّين، نسأل الله العافية. 5 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب: لا تقوم السّاعة حتى يحسر الفرات عن جبلٍ من ذهب ص: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 – صلّى الله عليه وسلّم: "لا تَقُومُ السّاعَةُ، حتّى يَحْسِرَ1 الْفُرَاتُ عَن جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ. يَقْتُلُ النّاسُ عليه، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُون. ويقول كلّ رجلٍ مِنْهم: لَعَلِّي أنا الّذي أكون أنْجُو"2. وفي رواية: "فَمَن حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنهُ شيئاً"3. (101) وله4 عنه: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "إِذا مَنَعَتِ العِراقُ دِرْهَمَها وَقَفِيزَهَا5، ومَنَعَتِ الشَّامُ   1 "يحسر"، أي: ينكشف لذهاب مائه. 2 في صحيح مسلم: "لعلي أكون أنا الذي أنجو". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، الباب السّابق ص: 19. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، نفس الباب ص: 20. والضّمير في عنه: لأبي هريرة، وأوّل الحديث:"منعت العراق"،بدون لفظ:"إذا". 5 "وفقيزها"، القفيز: مكيال معروف لأهل العراق، قال الأزهري: "هو ثمانية مكاكيك". والمكوك: صاع ونصف؛ وهو خمس كيلجات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 مُدْيَهَا1 وَدِينَارَها، ومَنَعَتْ مِصْرَ إِرْدَبَّها2 وَدِينَارَها، وَعُدْتُم مِنْ حَيْثُ بَدَأْنتم، وَعُدْتُم مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُم، وَعُدْتُم مِنْ حَيْثُ بَدَأْتْم " شَهِدَ على ذلك لَحْمُ أبِي هريرة ودمه. (102) وله3 عن المستورد القرشي: سَمِعْتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم – يقول:   1 "ومديها"، على وزن قفل، مكيال معروف لأهل الشّام. قال العلماء: يسع خمسة عشر مكوكاً. 2 "إردبها"، مكيال معروف لأهل مصر، قال الأزهري وآخرون: يسع أربعة وعشرين صاعاً. وفي معنَى: منعت العراق وغيرها: قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وقع. والثّاني: وهو الأشهر، أنّ معناه: أنّ العجم والرّوم يستولون على البلاد في آخر الزّمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. وقد روى مسلم عن جابر، قال: "يوشك ألا يجيء إليهم قفيز، ولا درهم"، قلنا: من أين ذلك؟ قال: "من قبل العجم يمنعون ذاك". وذكر في منع الرّوم بالشّام مثله". اهـ النّووي. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، باب تقوم السّاعة والرّوم أكثر النّاس، ص: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 "تَقُومُ السّاعَةُ والرُّومُ أكثر النّاسَ". فقال1 له عمرو بن العاص: لَئِن قُلْتَ ذلك، إنَّ فيهم لَخِصَالاً أربعاً: إنّهم لأَحْلَمُ النّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَسْرَعَهُم إِفَاقَةٍ بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوشَكَهُم كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وخَيْرُهُم لِمِسْكِيْن وَيَتِيم وَضَعِيفٍ، وخَامِسَةٌحَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُم مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ. (103) وله2 عن جابر بن سَمَرة عَنْ نَافِع بُنِ عُتْبَةَ. قال: كُنّا مع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في غَزْوَةٍ. قال: فأتى النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قَوْم مِنْ قِبَلِ الْغُربِ. عَلَيْهِم ثِيَابُ الصَّوفِ. فَوَافَقُوهُ عَلَى أَكَمَة3؛ فَإِنَّهم لَقِيَامٌ ورسولُ الله – صلّى الله عليه   1 في صحيح مسلم: "فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول: ما سمعت من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: لئن قلت ... " الحديث. 2 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 8، كتاب الفتن، باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدّجّال ص: 26. 3 الأكمة: الرّابية، النهاية. وفي صحيح مسلم: "عند أكمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وسلّم – قاعدٌ. فقالت لي نفسي: إِئْتِهِم، فَاقْعُد1 بينهم وبينه؛ لا يَغْتَالُونَهُ2. ثُمَّ قُلْتُ: لعلّه نَجِي3 مَعَهُم. فَأَتَيْتُهم فَقُمْتُ بَيْنَهُم وَبَيْنَه. فَحَفِظْتُ مِنْهُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَعُدُهُنّ في يدي. قال: "تَغْزُون جزيرة الْعَرَبَ، فَيَفْتَحُها الله، ثُمَّ فَاِرس، فَيَفْتَحُها الله. وتَغْزُون الرّومَ، فَيَفْتَحُها الله. ثمّ تَغْزُون4 الدَّجَّال، َيَفْتَحُها5 الله". قال: فقال نافعٌ: يا جابر! لا نَرَى الدّجّالَ يَخْرُجُ حتّى يُفْتَحَ الرّوم6.   1 في صحيح مسلم: "فقم". 2 "لا يغتالونه"، يقتلونه غيلة. وهي القتل في غفلةٍ وخفاء وخديعة. 3 "نجي معهم"، أي: يناجيهم، ومعناه: يحدّثهم سرّاً. 4 في صحيح مسلم: "ثم تغزون". 5 في صحيح مسلم: (فيفتحه الله". 6 في صحيح مسلم: "حتّى تفتح الرّوم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 (104) وله1 عن أبي هريرة: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –قال: "لا تقُومُ السّاعَةُ، حتّى يَخْرجَ رَجُلٌ مِن قَحْطَانَ يَسُوقُ النّاسَ بِعَصَاهُ". (105) وله2 عنه عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم: "لا تَذْهَبُ الأيَّامُ واللّيالي، حتّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يقال له: الْجَهْجَاه"3. (106) وله4 عنه: أنّ النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قال:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب لا تقوم السّاعة حتى يمرّ الرّجل بقبر الرّجل فيتمنّى أن يكون مكان الميّت من البلاء، ص: 36. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، نفس الكتاب، والباب ص: 36. 3 "الجهجاه" بهاءين، وفي بعضها: الجحجا بحذف الهاء التي بعد الألف، والأوّل هو المشهور. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، عن أبي هريرة، كتاب الفتن، نفس الباب والصّفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 "لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى تُقَاتِلُوا قَوماً، كَأَنَّ وُجُوهَهُم الْمَجَان الْمُطْرَقَة1. ولا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى تُقَاتِلُوا قَوماً نِعَالُهُمُ الشّعرُ". وفي لفظ2: "تُقاتِلُكُم أُمَّةُ يَنْتَعِلُون الشَّعَرَ. وَجُوهُهم مِثْلُ الْمَجَانّ الْمطرَقَةِ". (107) وفي رواية3: "لا تَقُومُ السّاعَةُ، حَتَّى تُقُاتِلُوا قَوماً نِعَالُهُمُ الشّعر،   1 "المجان المطرقة"، المجان: جمع مجن، وهو التّرس، والمطرقة، بإسكان الطاء وتخفيف الرّاء من أطرق، هذا هو الفصيح المشهور في الرّواية، وفي كتب اللّغة والغريب. وحكي: فتح الطّاء وتشديد الرّاء، من طَرَّق، والمعروف الأوّل. قال العلماء: هي التي ألبست العُقْب وأطرقت به طاقة فوق طاقة. قالوا: ومعناه: تشبيه وجوه التّرك في عرضها، وتلون وجناتها بالتّرسة المطرقة. 2 صحيح مسلم، نفس الجزء، والكتاب، والباب، ص: 37، وأوّل الحديث: "لا تقوم السّاعة حتّى تقاتلكم أمّة ... " الحديث. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي، نفس الجزء، والكتاب، والباب ص: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ولا تَقُومُ السّاعَةُ، حتّى تُقَاتِلُوا قَوماً صِغَارَ الأَعْيُنِ ذُلْفَ الأَنُوفِ"1. (108) وفي لفظ2: "يُقَاتِلُ الْمسلمون التُّرْكَ: قَوماً وُجُوهُهُم كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ. يَلْبَسُون الشَّعْرَ وَيَمْشُونَ فِي الشّعر"3.   1 في صحيح مسلم: "ذلف الأنُفِ"، وذلف جمع أذلف، كأحمر وحمر. ومعناه: فطش الأنوف، قصارها مع انبطاح، وقيل: هو غلظ في أرنبة الأنف، وقيل: تطامن فيها، وكلّه متقارب. 2 صحيح مسلم شرح النّووي، نفس الجزء والكتاب والباب، ص: 37. وأوّل الحديث: "لا تقوم السّاعة حتى يقاتل المسلمون التّرك ... " الحديث. 3 "يلبسون الشّعر ويمشون في الشّعر". معناه: ينتعلون الشّعر، كما صرح به في الرّواية الأخرى: نعالهم الشّعر. وفي الرّواية الأخرى: "حمر الوجوه"، أي: بيض الوجوه مشوبة بحمرة. وفي هذه الرّاوية وغيرها: صغار الأعين. وهذه كلّها معجزات لرسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فقد وجد قتال هؤلاء التّرك بجميع صفاتهم التي ذكرها ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنف، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشّعر. فوجدوا بهذه الصّفات كلّها في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات. اهـ. نووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وفي لفظ1: "حُمْرُ الْوُجُوهِ، صَغَارُ الأَعْيُن". (109) ولأبِي داود2: عن ابن بريدة عن أبيه عن النَّبِيِّـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "يُقَاتِلُكُم قومٌ صِغارُ الأَعْيُن" – يعني: التّرك – قال: "تَسُوقُونَهم3 ثَلاثَ مِرَارٍ، حتّى تَلْحَقُونَهم4 بِجَزِيرَةِ الْعَرَب. فَأمّا فِي السِّياقة الأولى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُم. وأمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَيَنْجُو بَعْضٌ، وَيَهْلِكُ بَعْضٌ. وَأمّا في الثّالِثَةِ، فيصطلمون" 5، أو كما قال.   1 نفس المرجع، وأوّل الحديث: "تقاتلون بين يدي السّاعة قوماً نعالهم الشّعر كان وجوههم المجان المطرقة، حمر الوجوه، صغار الأعين". 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب في قتال التّرك، ص: 412. 3 تسوقونهم من السّوق، أي: يصيرون مغلوبين مقهورين منهزمين، بحيث إنّكم تسوقونهم. 4 في سنن أبي داود: "حتّى تلحقوهم بجزيرة العرب". 5 فيصطلمون بالبناء للمجهول، أي: يحصدون بالسّيف ويستأصلون من الصّلم وهو القطع المستأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 (110) وله1 عن أبي بَكَرَةَ: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –قال: "ينْزِلُ نَاسٌ مِن أُمَّتِي بِغَائِطٍ2 يُسَمُّونَهُ: الْبَصْرَةَ عَنْدَ نَهْرٍ يُقَالُلَهُ: دِجْلَةَ3 عَلَيهِ جِسْرٌ4، يَكْثُرُ أَهْلُهُا5 وَيَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُهَاجِرِيْنَ". (111) وفي لفظ6: "مِن أمصار المسلمين. فإذا كان في آخر الزّمان، جاء بنو قُنْطُورَاء7، عِرَاضُ   1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب في ذكر البصرة، ص: 417، وأوّل الحديث: "ينْزل أناس"، بدل: "ناس". 2 "بغائط"، الغائط: المطمئن، الواسع من الأرض. 3 "دجلة) ، بسكر الدّال وتفتح نهر بغداد. 4 في سنن أبي داود: "يكون عليه جسر"، والجسر القنطرة والمعبر. 5 أي: يكثر أهل البصرة، وهي مثلثة الباء، والفتح أفصح، بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ. 6 عون المعبود، بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب في ذكر البصرة، ص: 418، وأوّل الحديث: "وتكون من أمصار المسلمين". 7 "بنو قنطوراء"، بفتح القاف وسكون النّون ممدوداً، كذا ضبط. وقال القاري: مصوراً، وقد يمد، أي: يجيؤون ليقاتلوا أهل بغداد، وقال بلفظ: جاء، دون يجيء إيذاناً بوقوعه فكأنّه قد وقع. وبنو قنطوراء: التّرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 الْوُجُوهِ، صِغَارُ الأَعْيُنِ؛ حتّى ينْزِلُزا على شطِّ النّهر1، فَيَتَفَرَّق أَهْلُها ثلاث فِرَق: فِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ أَذْنَابَ الْبَقَر والْبَرِيَّة2، وَهَلَكُوا. فِرْقَةٌ يَأْخُذُونَلأنفسهم3، وكفروا. فِرْقَةٌ يَجْعَلُون ذَرَاريَّهُم4 خَلْفَ ظُهُورِهم، يُقَاتِلُونَهم، وَهُمُ الشّهداءُ". (112) وفي لفظ5 أحمد، بعد الفرقة الأولى: "وَأَمَّا   1 "على شطّ النّهر"، أي: على جانب النّهر، قال في المصباح: الشّطّ: جانب النّهر، وجانب الوادي. 2 "يأخذون أذناب البقر والبَريّة"، أي: أنّ فرقة يعرضون عن المقاتلة هرباً منها وطلباً لخلاص أنفسهم ومواشيهم، ويحملون على البقرة، فيهيمون في البوادي ويهلكون فيها. أو يعرضون عن المقاتلة ويشتغلون بالزّراعة ويتبعون البقر للحراثة إلى البلاد الشّاسعة فيهلكون. 3 "وفرقة يأخذون لأنفسهم"، أي: يطلبون أو يقبلون الأمان من بني قنطوراء. 4 "وفرقة يجعلون ذراريهم"، أي: أولادهم الصّغار والنّساء خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشّهداء، أي: الكاملون، قال القاري: وهذا من معجزاته ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فإنّه وقع كما أخبر، وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ستٍّ وخمسين وستمائة. اهـ. 5 مسند الإمام أحمد، ج 5، ص: 45، ولفظ الحديث فيه: عن أبي بَكَرَة، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لَيَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي أَرْضاً يُقَالُ لَهَا: الْبَصْرَةُ، يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُم، وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُم، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاء: عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةَ، فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلاَثَ فِرَقٍ، فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَاب الإبل، وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَة، وَهَلَكَتْ، وأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى نَفْسِهَا فَكَفَرَتْ، فَهَذِه وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُون عِيَالَهُم خَلْفَ ظُهُورِهِم، وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلاَهُم شُهَدَاءُ، وَيَفْتَحُ الله عَلَى بَقِيَّتِهَا". ولفظ أحمد هذا يدلّ صراحةً على: أنّ التّرك هم الذين يسوقون المسلمين ثلاث مرار، حتّى يلحقوهم بجزيرة العرب، ففي السياقة الأولى ينجو مَن هرب من المسلمين. وفي الثّانية ينجو بعض منهم، ويهلك بعض. وفي الثّالثة يستأصلون كلّهم. وهذا السّياق مخالف لما رواه أبو داود في الحديث رقم: (109) ؛ إذ إنّ لفظ أبي داود، يدلّ صراحةً على أنّ المسلمين هم الذين يسوقون التّرك ثلاث مرار، حتّى يلحقوهم بجزيرة العرب ... الخ. قال صاحب عون المعبود بشرح سنن أبي داود: "وعندي: أنّ الصّواب رواية أحمد، وأمّا رواية أبي داود، فالظّاهر أنّه قد وقع الوهم فيه من بعض الرّواة، ويؤيّده: أنّه وقع الشّكّ لبضع رواة أبي داود، ولذا قال في آخر الحديث: "أو كما قال"، ويؤيّده أيضاً أنّه وقعت الحوادث على نحو ما ورد في رواية أحمد". انظر: عون المعبود ج 11، ص: 413. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى نَفْسِهَا وَكَفَرَتْ. فَهِذِهِ وَتلك سَواءُ"، وقال في الثّالثة: "وَيَفْتَحُ الله على بَقِيَّتِهَا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 (113) وللبزّار1 عن أبي الدّرداء. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم:- "بَيْنَمَا أنا نائمٌ، رأيت عَمُودَ الْكتَاب رفع مِنْ تحت رأسي، فَظَنَنْتُ أنّه مَذّهُوبٌ به، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَذُهبَ به إلى الشّام. ألا وإنّ الأَيْمَان- حين تَقَعَ الْفِتَنُ – بالشّام" صحّحه عبد الحقّ. (114) ولأبِي داود2: عن أبي الدّرداء: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –قال:- "فُسْطَاطُ3 الْمسلمين يوم الْمَلْحَمَة بِالْغُوطَة4 إلى   1 مسند الإمام أحمد ج 5، ص: 199، بلفظٍ: "احتمل" بدل لفظ: "رفع". والمستدرك للحاكم ج 4، كتاب الفتن والملاحم، ص: 509، بلفظ مختلف عن عبد الله بن عمرو، وقال: صحيح على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه. 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الملاحم، باب معقل المسلمين، ص: 406. 3 في السّنن: "إنّ فسطاط"، والمقصود: الحصن الذي يتحصنون به. وأصله: الخيمة. والملحمة: المقتلة العظمى في الفتن. 4 "بالغوطة"، الغوطة: بضم الغين، موضع بالشّام، كثير الماء والشّجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 جانب مَدِينةٍ يُقَال لَها: دِمَشْقٌ1 مِن خَيْر مَدَائِن الشّام". (115) ولابن أبي شيبة2 عن أبي3. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "مَعْقَلُ الْمسلمين فِي الْملاحم: دِمِشْقُ. وَمَعْقلُهُم مِنَ الدّجّال: بَيَّتُ المقدس. ومَعْقُلُهم من يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ: الطُّورُ". (116) ولابن ماجه4: عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم:   1 "دمشق"، بكسر الدّال المهملة، وفتح الميم. قال العقلمي: "وهذا الحديث يدلّ على فضيلة دمشق، وعلى فضيلة سكانها، وأنّها حصن من الفتن، ومن فضائلها: أنّه دخلتها عشرة آلاف عين رأت النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. كما أفاده ابن عساكر. 2 منتخب كنْزل العمال في سنن الأقوال والأفعال المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت ج 6، ص: 15. 3 في منتخب كنْزل العمال، عن ابن عمرو. 4 سنن ابن ماجه 2، كتاب الفتن، باب الملاحم ص: 1369. في الزّوائد: هذا إسناد حسن، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 "إذا وقعت الْمَلاَحمُ بَعَثَ الله جَيْشاً1 من الْمَوالي2. هُم أَكْرَمُ الْعَرَبَ فَرَساً، وأجوده سلاحاً، يُؤيِّد الله به3 الدِّين". (117) ولِمسلم4 عن حذيفة بن أسيد. قال: اطّلع علينا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – من غرفة5، ونحن نتذاكر السّاعة6. فقال:   1 في السّنن "بعثا" بدل: "جيشا". 2 "من الموالي: المالك، والعبد، والمعتق، وقد اشتهر في المعتق غالباً، وعلى الرّجل الذي أسلم عل يد رجلٍ مسلمٍ. 3 في السّنن: "يؤّيد الله بهم الدّين"، بضمير الجمع للغائب. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب الآيات التي تكون قبل السّاعة ص: 27، وما بعدها. 5 "من غرفة"، هذه من رواية أخرى لمسلم. 6 رواية صحيح مسلم القريبة مما ذكره الأصل هي: "اطلع النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ علينا ونحن نتذاكر. فقال: "ما تذاكرون؟ "، قالوا: نذكر السّاعة، قال: "إنّها لن تقوم حتّى ترون قبلها عشر آيات"، فذكر: "الدّخان، والدّجّال، والدّابة، وطلوع الشّمس من مغربها. ونزول عيسى بن مريم ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد النّاس إلى محشرهم". فذكر الأصل: الحديث مع تقديم وتأخير ... ، ولم يذكر: آية الدّابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 "لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يكون عَشْرُ آياتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ من مَغْرِبِها، والدَّخَانُ1، والدَّجَّالُ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ. ونُزُولُ عِيسى بن مريم، وثَلاَثُ خُسُوفَاتٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ. وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ. وَخَسْفٌ بَجَزِيْرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ2 تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ، تَسُوقُ النّاسَ إلى   1 "والدّخان"، هذا الحديث يؤيّد قول مَن قال: إنّ الدّخان دخان يأخذ بأنفاس الكفّار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزّكام، وأنّه لم يأت بعد، وإنّما يكون قريباً من قيام السّاعة، وسيأتي ذلك في حديث رقم: (124) . 2 "ونار تخرج"، هذا اللّفظ من رواية التّرمذي ج 6، من تحفة الأحوذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في الخسف، ص: 413، ونصّه: "ونَارٌ مِن قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النَّاسَ، أَو تَحْشُرُ النَّاسَ، فَتَبِيتُ مَعَهُم حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُم حَيْثُ قَالُوا". ومعنى قعر عدن أي: من أقصى أرضها، وعدن غير منصرف، وقيل منصرف، باعتبار البقعة والمكان. وفي روايةٍ لمسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبْلِ بِبُصْرَى"، صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، ص: 30. وقد جعل القاضي عياض حاشرة، قال: "ولعلّها ناران تجتمعان لحشر النّاس، قال: أو يكون ابتداء خروجها من اليمن، ويكون ظهورها وكثرة قوّتها بالحجاز". هذا كلام القاضي، وليس في الحديث أنّ نار الحجاز متعلّقة بالحشر، بل هي آية من أشراط السّاعة مستقلة. اهـ. نووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الْمَحْشَرِ، تَبِيتُ مَعَهُم إذا بَاتُوا، وتَقِيلُ مَعَهُم إذا قَالُوا". وفي رواية1 له: "وآخر ذلك نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النّاسَ". وفي رواية له2: "وَرِيحٌ تُلْقِي النّاسَ فِي الْبَحْرِ"، بدل: "نُزُول عِيسى". (118) وله3 عن أبي هريرة: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: "بَادِرُوا4 بالأَعْمَالِ سِتًّا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن ص: 28. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن ص: 28. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب في بقية من أحاديث الدّجّال ص: 87. 4 "بادروا بالأعمال ستّاً"، أي: سابقوا ستّ آيات دالّة على وجود القيامة، قبل وقوعها وحلولها، فإنّ العمل بعد وقوعها وحلولها لا يقبل ولا يعتبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 أوِ الدُّخَانَ، أَوِ الدَّجَّالَ، أو الدَّابَّةَ، أو خَاصَّةَ أَحْدِكُم، أو أَمْرَ العامّة ". (119) وَلَهُ1 عن معقل بن يسار مرفوعاً: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجَ كَهِجِرَةِ إِلَيَّ" 2. (120) وله3 عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "ثلاث آيات4 إذا خَرَجْنَ: {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، [الأنعام، من الآية: 158] : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مغربِها، والدّجّالُ، ودابّةُ الأرض".   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب فضل العبادة في الهرج ص: 88. 2 "العبادة في الهرج كهجرة إليّ"، المراد بالهرج هنا: الفتنة، واختلاط أمور النّاس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه، أنّ النّاس يغفلون عنها، ويشتغلون بغيرها، ولا يتفرّغ لها إلاّ الأفراد. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 2، كتاب الإيمان، باب بيان الزّمن الذي لا يقبل فيه الإيمان ص: 195. 4 في صحيح مسلم: "ثلاث إذا خرجن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 (121) وله1: عن أبي زرعة. وذكر قول مروان عن الآيات: أوّلها خروجاً: الدّجال. فقال عبد الله بن عمرو: لم يقل مروانشيئاً. حفظت من رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم – حديثاً لم أنسه بعد. سَمِعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –يقول: "إنّ أوّل الآيات خروجاً: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مغربِها، وخروجُ الدّابّةِ على النّاسِ ضُحًى، وأيّهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً".   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص: 77، 78. ولفظ الحديث في مسلم: "عن أبي زرعة قال: جلس إلَى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين، فسمعوه وهو يحدّث عن الآيات: إنّ أوّلها خروجاً الدّجّال، فقال عبد الله بن عمرو: لم يقل مروان شيئاً، قد حفظت من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حديثاً لم أنسه بعد ... " الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (122) وللتِّرمذي1 عن صفوان بن عسّال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم –يقول: "إنّ بِالْمَغْرِب2 باباً مفتوحاً للتّوبة، مَسِيرةُ سَبْعِيْن سنة. لا يُغْلَقُ حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحوه ". وقال: حسن صحيح. (123) ولمسلم3 عن أبي هريرة. قال رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ الله عليه"4.   1 تحفة الأحوذي، شرح التّرمذي ج 9، كتاب الدّعوات، ص: 519. 2 ولفظه في التّرمذي: "إنَّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جَعلَ بِالْمَغْرِبِ باباً، عَرْضُهُ مَسيرةُ سَبْعِينَ عاماً لِلْتَوبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسِ مِن قِبله". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 17، كتاب الذّكر والدّعاء والتّوبة والاستغفار، باب التّوبة، ص: 25. 4 قال العلماء: "هذا حدٌّ لقبول التّوبة، وقد جاء في الحديث الصّحيح: "أنَّ لِلْتَّوْبَةِ باباً مَفْتُوحاً، فَلاَ تَزَالُ مَقْبُولَةً حَتَّى يُغْلَقَ، فإذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِن مَغرِبِهَا أُغْلِقَ وامْتَنَعَتِ التَّوبَةُ عَلى مَنْ لَم يَكُن تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ". وهو معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، [الأنعام، من الآية: 158] . ومعنى تاب الله عليه، قبل: توبته ورضي به. وللتّوبة شرط آخر، وهو أن يتوب قبل الغرغرة، وذلك قول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} ، [النّساء، من الآية: 18] . وكما جاء في الحديث الصّحيح، وأمّا في حالة الغرغرة ـ وهي حالة النّزع ـ فلا تقبل توبته ولا غيرها، ولا تنفّذ وصيته ولا غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 بَابُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الدُّخَانُ (124) وَرُوِيَ من1 حديث حذيفة عن النّبِيّ – صلّى الله عليه وسلّم-:   1 ذكره ابن جرير الطّبري، وابن كثير، والبغوي في التّفسير، عند الكلام على قول الله تبارك تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ، [الدّخان: 10] ، ج 5، ص: 114، من تفسير الطّبري، ج 4، ص: 139، من تفسير ابن كثير ج 6، ص: 121، من تفسير البغوي. كما ذكر حديث ابن مسعود الذي يقول فيه: إنّ النَّبِيَّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لَمّا رأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَاراً، قال: "اللَّهُمَّ سَبْعاً كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَخَذَتْهُم سنة حَصَّت كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، يَنْظُرُ أَحَدُهُم إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى دَخَاناً مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَان بن حربٍ فَقال: يا محمّدُ، إِنَّك جئتَ تأمرُ بالطّاعة، وبصلة الرَّحم وأنّ قَومَكَ قد هلكوا، فادْعُ الله لَهُم. فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ، [الدّخان: 10] ، إلى قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} ، [الدّخان، من الآية: 15] ، قال: فَكَشَفَ عَنْهُم، وبهذا فرأي ابن مسعود أنّ الدّخان هو عقاب لقريش وليس من علامات السّاعة. ورجّح ابن جرير رأي ابن مسعود، ويحتمل أنّهما دخانان للجمع بين هذه الآثار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 "إنّ1 من أَشْرَاطِ السّاعَةِ دُخَاناً مَلأَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، يَمْكُثُ فِي الأرض أربعين يوماً. أمّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ منه شبْهُ الزُّكَامُ، وأمّا الْكَافِرُ فَيَكوُن بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَان، يَخْرجُ الدّخان مِنْ أَنْفِهِ ومَنْخَرِهِ وعَيْنَيه وأُذُنِيهِ وَدُبِرِهِ". (125) ولأبي داود2، عن أنس: أنّ النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- قال له:   1 ولفظ حديث حذيفة كما جاء عند ابن جرير: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "أَوَّلُ الآياتِ الدَّجَّالُ، ونُزُولُ عيسى بن مريم، ونَارٌ تَخْرجُ مِن قَعْر عَدَنَ أَبْيَنِ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَر، تَقيلُ مَعُهُم إذَا قَالُوا، والدُّخَانُ، قال حذيفة: يا رسول الله! ومَا الدُّخَانُ؟ فَتَلاَ رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الآية: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، [الدّخان، الآيتان: 10-11] ، يَمْلأَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِب، يَمْكُثُ أَرْبَعِين يَوْماً وَلَيْلَةً، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُه مِنْهُ كَهَيْئِةِ الزُّكامِ، وأَمَّا الْكَافِرُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَة السَّكْرَانِ يَخْرَجُ مِن مَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ". 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الفتن، باب في ذكر البصرة، ص: 419. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 "يا أَنَسُ! إنّ النّاسَ يُمَصِّرُون أَمْصَاراً1، وإنّ مِصْراً مِنْهَا يُقَالُ لَهُ: الْبَصْرَةَ، أَوِ الْبَصِيْرَةُ؛ فَإِن أَنْتَ مَرَرْتَ2 بِهَا، أو دَخْلَتَهَا، فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكَلأَهَا وَسُوقَهَا، وبَابَ أُمَرائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَواحِيهَا3؛ فإنّه يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وقَذْفٌ وَرَجْفٌ4، وقَوْمٌ يَبيتُون يُصْبِحُون قرَدَةً وخَنَازِيرَ".   1 "يمصرِّون أمصاراً"، أي: يتخّذون بلاداً، والتّمصير: اتّخاذ المصر. 2 فإيّاك وسباخها وكلاءها وسوقها وباب أمرائها، أي: (احذر سباخها) ، وهو بكسر السّين جمع سبخة، بفتح فكسر، أي: أرض ذات ملح ولا تكاد تنبت إلاّ بعض الشّجر. وكلاء: بوزن كتاب موضع بالبصرة، قال في النّهاية: "الكلاء بالتّشديد والمدّ: الموضع الذي تربط فيه السّفن، ومنه: سوق الكلاء بالبصرة" اهـ. وسوقها: إمّا لحصول الغفلة فيها، أو لكثرة اللّغو بها، أو فساد العقود ونحوها. وباب أمرائها: لكثرة الظّلم الواقع بها. 3 "وعليك بضواحيها"، جمع: ضاحية. وهي النّاحية البارزة للشّمس. وقيل: المراد بها: جبالها، وهذا أمر بالعزلة، فالمعنى: الزم نواحيها. 4 "فإنّه يكون بها خسف وقذف ورجف"، أي: يكون بالمواضع المذكورة خسف، أي: ذهاب في الأرض وغيبوبة فيها، وقذف: أي: ريح شديدة باردة، أو قذف الأرض الموتى بعد دفنها، أو رمي أهلها بالحجارة، بأن تمطر عليهم، قاله القاري. قلت: الظّاهر المناسب ههنا هو المعنى الأخير. اهـ. عون المعبود. ورجف: أي: زلزلة شديدة، وقوم يبيتون طيّبين يصبحون قردة وخنازير. قال الطّبيّ: المراد به المسخ. وعبّر عنه بما هو أشنع. اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 باب: الدجال وصفه وما معه ... بَابُ الدَّجَّالِ وَصِفَتِهِ وَمَا مَعَهُ (126) ولِمسلم1: عن النَّوَّاس بن سَمْعَان. قال: ذَكَرَ رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم- الدَّجَّال2 ذَاتَ   1 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب: ذكر الدّجّال وصفته وما معه، ص: 63. وذكره ابن ماجه في سننه ج2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال ص:1356. 2 "الدّجّال"، قال ثعلب: كلّ كذّابٍ فهو دجّال. وقيل: الدّجّال المموَّه. يقال: دجل فلان إذا مَوَّه، ودجل الحقّ بباطله، إذا غطاه. وحكى ابن فارس هذا الثّاني عن ثعلب أيضاً. اهـ. من شرح مقدمة مسلم للنّووي ص: 79. وسُمِّيَ بالمسيح؛ لأنّه ممسوح العين، وقيل: لأنّه أعور، والأعور يُسَمَّى مسيحاً. وقيل: لمسحه الأرض حين خروجه. وأكثر العلماء على أنّ ضبط الاسم بفتح الميم وكسر السين، ولا فرق بينه وبين اسم عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في اللّفظ، ولكن عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مسيح هدى. والدّجّال مسيح ضلالة. ورواه بعض الرّواة بكسر الميم والشّين المشدّدة، وقاله غير واحدٍ كذلك. إلاّ أنّه بالخاء المعجمة. وقال بعضهم: بكسر الميم وتخفيف السّين. اهـ. شرح النّووي لمسلم ج 2، ص: 234. قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصّة الدّجّال حجّة لمذهب أهل الحقّ في صحّة وجوده، وأنّه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، من: إحياء الميّت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدّنيا والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتّباع كنوز الأرض له، وأمره السّماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كلّ ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرّجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويثبت الله الذين آمنوا". هذا مذهب أهل السّنة وجميع المحدِّثين والفقهاء والنّظّار، خلافاً لِمَن أنكره وأبطل أمره ـ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة ـ في أنّه صحيح الوجود، ولكن الذي يدّعي مخارف وخيالات لا حقائق لها، وزعموا أنّه لو كان حقّاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، وهذا غلط من جميعهم؛ لأنّه لم يدع النّبوّة فيكون ما معه كالتّصديق له، وإنّما يدّعي الألوهية، وهو في نفس دعواه مكذّب لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشّاهد بكفره المكتوب بين عينيه. ولهذه الدّلائل وغيرها لا يغترّ به إلاّ رعاع من النّاس لسدّ الحاجة والفاقة، رغبة في سدّ الرمق، أو تقية وخوفاً من أذاه؛ لأنّ فتنته عظيمة جدّاً، تدهش العقول وتحير الألباب، مع سرعة مروره في الأمر، فلا يمكث بحيث يتأمّل الضّعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنّقص. فيصدّقه مَن صدّقه في هذه الحالة. ولهذا حذّرت الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ من فتنته، ونبّهوا على نقصه ودلائل إبطاله. وأمّا أهل التّوفيق فلا يغترّون به، ولا يخدعون بما معه، لما ذكرناه من الدّلائل المكذِّبة له، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلاّ بصيرةً. هذا آخر كلام القاضي-رحمه الله-اهـ. نووي ج 18، ص: 58، 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ ورَفَّعَ1، حتّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فلمّا رُحْنَا إليه عَرَفَ ذلك فَينَا. فقال: "مَا شَأْنُكُم؟ "، قلنا: يا رسولَ الله! ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةَ فَخَفَّضْتَ   1 "فخفّض فيه ورفّع"، بتشديد الفاء فيهما، وفي معناه قولان: أحدهما: أنّ خفض بمعنى حقر، وقوله: رفع، أي: عظمه وفخمه. فمَن تحقيره وهوانه على الله تعالى: عوره. ومنه قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِن ذَلِكَ"، وأنّه لا يقدر على قتل أحدٍ إلاّ ذلك الرّجل، ثم يعجز عنه، وأنّه يضمحل أمره، ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه. ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة. وأنّه ما من نَبِيٍّ إلاّ وقد أنذره قومه. والوجه الثّاني: أنّه خفض من صوته في حال الكثرة فيما تكلّم فيه. فخفض بعد طول الكلام والتّعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كلّ أحدٍ بلاغاً كاملاً مفخماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فيه وَرَفَّعْتَ. حتّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ. فقال: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفَنِي عَلَيْكُم1، إِنْ يَخْرجْ   1 "غير الدّجّال أخوفنِي عليكم"، بالنّون بعد الفاء، ورواه بعضهم بحذف النّون، وهما لغتان صحيحتان، ومعناهما واحد. قال شيخنا الإمام أبو عبد الله ابن مالك ـ رحمه الله ـ: الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ الحديث ومعناه. فأمّا لفظه: فلكونه تضمّن ما لا يعتاد من إضافته أخوف إلى ياء المتكلّم مقرونة بنون الوقاية، وهذا الاستعمال إنّما يكون مع الأفعال المتعدية. والجواب: إنّه كان الأصل إثباتها، ولكنّه أصل متروك. ثم قال: ولأفعل التّفضيل أيضاً شبه بالفعل وخصوصاً بفعل التّعجّب. فجاز أن تحلقه النّون المذكورة في الحديث. هذا هو الأظهر في هذه النّون هنا. ثم قال: وأمّا معنى الحديث: ففيه أوجه: أظهرها: أنّه من أفعل التّفضيل، وتقديره: غير الدّجّال أخوف مخوفاتي عليكم، ثم حذف المضاف إلى الياء، ومنه: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأئمةُ الْمُضِلّون"، معناه: أنّ الأشياء التي أخافها على أمّتي أحقّها بأن تخاف الأئمة المضلِّون. والثّاني: أن يكون أخوف من أخاف بمعنى: خوف، ومعناه: غير الدّجّال أشدّ موجبات خوفي عليكم. والثّالث: أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة، كقولهم في الشّعر الفصيح: شعر شاعر، وخوف فلان أخوف من خوفك. وتقديره: خوف غير الدّجّال أخوف خوفي عليكم، ثم حذف المضاف الأوّل، ثم الثّاني، هذا آخر كلام الشّيخ ـ رحمه الله ـ اهـ. نووي على مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وَأَنَا فِيكُم، فَأَنَا حَجيجُهُ دُونَكُم، وإِنْ يَخْرُجُ وَلَسْتُ فَيكُم، فَاْمُرُؤُ حَجِيجُ نَفْسِهِ. والله، خلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. إنّه شابٌّ قططٌّ1، عينه طَافِئَةٌ كَأَنِّي أشبِّهُهُ بِعَبْدِ الُعُزَّى بن قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُم فَلْيَقْرَأْ عَلَيهُ فَوَاتِحَ سُورَةَ الْكَهْفِ. إنَّهُ خَارِجٌ خُلَّةَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاق2،   1 "قطط"، أي: شديد جعودة الشّعر، مباعد للجعودة المحبوبة. 2 "إنّ خارج خلة بين الشّام والعراق"، هكذا في نسخ بلادنا: خلة: بفتح الخاء المعجمة واللام، وتنوين الهاء. وقال القاضي: "المشهور فيه: حلة، بالحاء المهملة، ونصب التّاء، يعني: غير منونة. قيل: معناه: سحت ذلك وقبالته، وفي كتاب العين: الحلة: موضع حزن وصخور. قال: ورواه بعضهم حله بضم اللام وبهاء الضمير، أي: نزوله وحلوله. قال: وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصّحيحين، قال: وذكره الهروي خلة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحتين، وفسّره بأنّه ما بين البلدين، هذا آخر ما ذكره القاضي. وهذا الذي ذكره عن الهروي هو الموجود في نسخ بلادنا. وفي الجمع بين الصّحيحين أيضاً ببلادنا. وهو الذي رجّحه صاحب نهاية الغريب، وفسّره بالطّريق بينهما. اهـ. نووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فَعَاثَ يَمِيناً، وَعَاثَ شِمَالاً1، يا عبَادِ الله! فَاثْبُتُوا". قلنا: يا رسول الله! وما لُبْثُهُ فِي الأرض؟ قال: "أربعون يوماً: يومٌ كَسَنَةٍ، ويَومٌ كَشَهْرٍ، ويوْمٌ كَجُمْعَةٍ2، وسائرُ أيَّامِهِ كَأَيَّامِكُم", قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الّذي كسنةٍ أَتَكِفِينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال: "لا. اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ"3. قلنا: يا رسول الله! وما إِسْرَاعُهُ   1 "فعاث يميناً وعاث شمالاً"، العيث: الفساد، أو أشدّ الفساد والإسراع فيه. وحكى القاضي أنّه رواه بعضهم فعاثٍ بكسر الثّاء منونة اسم فاعلٍ، وهو بمعنى الأوّل. 2 يوم كسنة ويوم كشهرٍ ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قال العلماء: هذا الحديث على ظاهره، وهذه الأيّام الثّلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث، يدلّ عليه قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وسائر أيّامه كأيّامكم. 3 "أقدروا له قدره"، قال القاضي وغيره: "هذا حكم مخصوص بذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشّرع، قالوا: ولولا هذا الحديث، وَوُكِلنا إلى اجتهادنا، لاقتصرنا فيه على الصّلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيّام. ومعنى "أقدروا له قدره": أنّه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظّهر كلّ يومٍ، فصلّوا الظّهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر، فصلّوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب، فصلّوا المغرب، وكذا العشاء والصّبح، ثم الظّهر، ثم العصر، ثم المغرب، وهكذا حتّى ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلّها، مؤدّاة في وقتها. أمّا الثّاني الذي كشهر، والثّالث الذي كجمعةٍ، فقياس اليوم الأوّل أن يقدر لهما كاليوم الأوّل على ما ذكرناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فِي الأرض؟ قال: كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ. فيأتي على القوم فَيَدْعُوهُم، فَيُؤْمِنُون به ويَسْتَجِيبُون له، فيأْمُرُ السّماءَ فَتُمْطِرُ، والأرضَ فَتُنْبِتُ. فَتَرُوحُ عليهم سَارِحَتُهُم، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرّاً، وأَسْبَغَهُ ضُرُوعاً، وأَمَدَّهُ خَوَاصر1. ثمّ يأتِي القومَ. فَيَدْعُوهم فَيَرُدُّون عليه قَوْلَهُ، فَيَنْصِرُفُ عَنْهُم. فَيَصْبِحُون مُمْلحيْنِ2،   1 "فتروح عليهم سارحتهم ... " الخ، أما تروح فمعناه: ترجع آخر النّهار، والسّارحة: هي الماشية التي تسرح، أي: تذهب أوّل النّهار إلى المرعى، والذرا: الأعالي والأسنمة جمع ذروة بالضّمّ والكسر، وأسبغه: أي: أطوله لكثرة اللّبن، وكذا أمده خواصره، لكثرة امتلائها من الشّبع. 2 "فيصبحون ممحلين"، قال القاضي: "أي: أصابهم المحل، من قلّة المطر، ويبس الأرض من الكلأ". وفي القاموس: المحل، على وزن فحل: الجدب والقحط. والأمحال كون الأرض ذات جدب وقحط، يقال: أمحل البلد، إذا أجدب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ليس بأيديهم شيء، من أموالهم. ويَمُرُّ بالْخرْبَة، فيقول لها: أخرجي كُنُوزَك. فَتَتْبَعَهُ كنوزُها كَيَعَاسِيبِ النّحْل1، ثُمَّ يدعو رجلاً مُمْتَلِئاً شباباً. فَيَضْرِبُه بالسّيف، فَيَقْطَعُهُ جِزْلَتَيْن، رَمْيَةَ الْغَرَض2، ثمّ يدعوه فيُقْبَلُ ويَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمُا هو كذلك إِذْ بَعَثث الله المسيحَ ابن مريم – صلّى الله عليه3- فَيَنْزِلُ عند الْمَنَارَةِ الْبَيضَاءِ شرقي دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْن4، واضعاً كَفَّيْهِ   1 كيعاسيب النّحل: (هي ذكور النّحل) ، هكذا فسّره ابن قتيبة وآخرون. قال القاضي: "المراد: جماعة النّحل، لا ذكورها خاصّة، لكنّه كنّى عن الجماعة باليعسوب، وهو أميرها؛ لأنّه متى طار تبعته جماعته. 2 "فيقطعه جزلتين رمية الغرض": الجزلة: بالفتح على المشهور وحكى ابن دريد كسرها، أي: قطعتين ومعنى رمية الغرض: أنّه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية. هذا هو الظّاهر المشهور. وحكى القاضي هذا، ثم قال: وعندي أنّ فيه تقديماً وتأخيراً، وتقديره: فيصيب إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين. والصّحيح الأوّل. 3 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم. (فينْزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين) ، قال النّووي: "هذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق، والمهرودتان: روى بالدّال المهملة والذّال المعجمة، والمهملة أكثر، والوجهان مشهوران للمتقدّمين والمتأخّرين من أهل اللّغة والغريب وغيرهم، وأكثر ما يقع في النّسخ بالمهملة، كما هو المشهور. ومنعنَى: لابس مهرودتين، أي: ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران. وقيل: هما شقتان والشّقة نصف الملاءة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْن، إذا طَأْطَأْرأسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَهُ تَحذَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤ1، فلا يَحِلّ لِكَافِرٍ2. يَجِدُ ريحَ نَفْسِهِ إلاّ مَاتَ. ونَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرَفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لدٍّ3، فَيقْتُلُه، ثُمَّ يَأْتِي عيسى - – صلّى الله عليه وسلّم- قوماً4 قَدْ عَصَمَهُمُ الله منه. فَيَسْمَحُ عَنْ وُجُوهِهم5. ويُحَدِّثُهم بِدَرَجَاتِهم في   1 "تحدر منه جمان كاللؤلؤ"، الجمان: حبات من الفضّة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمراد: ينحدر منه الماء على هيئة اللّؤلؤ في صفائه. فسمى الماء جماناً لشبهه به في الصّفاء والحسن. 2 "فلا يحلّ لِكَافِرٍ"، معنى لا يحلّ: لا يمكن ولا يقع، وقال القاضي: "معناه عندي: حقّ وواجب". 3 "بباب لُدٍّ"، مصروف، بلدة قريبة من بيت المقدس. 4 في صحيح مسلم: "قومٌ"، بالرّفع، على أنّه فاعلٌ، يأتي وجملة ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا توجد في صحيح مسلم. 5 "فيمسح عن وجوهكم"، قال القاضي: "يحتمل أنّ هذا المسح حقيقة على ظاهره، فيمسح على وجوههم تبركاً وبرّاً، ويحتمل أنّه إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشّدّة والخوف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 الجنّة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله – عزّ وجلّ1 – إلى عيسى- عليه السّلام2 – إنِي قد أخرجت عباداً لي، لا يَدَان لأحدٍ بِقِتالِهم3، فَحَرِّزْ عبادي إلى الطُّورِ4، ويبعث الله يأْجُوجَ ومَأْجُوجَ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ5 يَنْسِلُونَ} ، [الأنبياء، من الآية: 96] ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهم على بُحَيْرَةٍ طَبَريَّةٍ، فَيَشْرَبُون ما فيها، ويَمرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بِهِذه مرَّةً مَاءٌ. ويُحْصَرُ نَبِيّ الله عيسى – عليه السّلام6 – وأَصْحَابُهُ، حتّى يكون رأس الثّورِ لأَحَدِهِم خيراً من مائة   1 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم. 2 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم. 3 "لا يدان لأحد بقتالهم"، يدان: تثنية يد، قال العلماء: منعاه: لا قدرة لا طاقة، يقال: ما لي بهذا الأمر يد، وما لي به يدان، لأنّ المباشرة والدّفع إن إنّما يكون باليد، وكأنّ يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. 4 "فحرز عبادي إلى الطّور"، أي: ضمّهم واجعله لهم حرزاً. يقال: أحرزت الشّيء، أحرزه، إحرازاً، إذا حفظته وضممته إليك، وصنته عن الأخذ، ووقع في بعض النّسخ حِزّبْ: أي: اجمعهم، وروى حوز، أي: نحهم وأزلهم عن طريقهم. 5 الحدب: النّشز. قال الفراء: من كلّ أكمة، من كلّ موضعٍ مرتفع، وينسلون: يمشون مسرعين. 6 لا توجد هذه الجمل في صحيح مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 دِينارٍ لأَحْدِكم الْيَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ الله عيسى وأَصْحَابُهُ – يعنِي إلى الله1 – فَيُرْسِلُ الله عليهم النَّغَفَ2 في رِقَابِهم، فَيُصْبِحُون فَرْسَى3. كَمَوتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ الله عيسى – عليه السّلام ـ وأَصْحَابُهُ إلى الأرض فلا يَجِدُون فِي الأرض مَوضِعَ شبْرٍ إلاّ مَلأَهُ زَهَمُهم وَنَتنُهم4، فَيَرْغَبُ نبي الله عيسى – عليه السّلام5 – وأصحابه إلى الله، فَيُرْسِلُ عليهم طيراً كأَعْنَاقِ الْبُخْت6.   1 جملة: "يعني إلى الله"، لا توجد في صحيح مسلم. والمعنى: إلى الله، كما ذكر أو يدعو. (النّغف) ، هو: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة: نغفة. (فرسى) ، أي: قتلي، واحدهم: فريس، كقتيل وقتلى. 4 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم في الموضعين. (زهمهم ونتنهم) ، أي: دسمهم ورائحتهم الكريهة. (البحث) ،قال في اللّسان: البخت والبختية دخيل في العربية، أعجمي معرَّب، وهي الإبل الخرسانية، تنتج من عربية وفالج، وهي جمال طوال الأعناق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 فَتَحْمِلُهُم فَتَطْرَحُهُم حَيْثُ شاء الله، ثُمَّ يُرْسِلُ الله مطراً لا يَكُن1 منه بيتُ مدرٍ2 ولا وَبَرٍ. فَيَغْسِل ُالأرض حتّى يَتْرُكَها كَالزَّلَفَةِ3، ثمّ يقال للأرض: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرَدِّي بَرَكَتَك. فيومئذٍ تَأْكُلُ العصابةُ4 مِنَ الرُّمَّانَة. ويَسْتَظِلُّون بِقَحْفهَا5، ويُبَارِكُ فِي الرِّسْلِ6؛ حتّى إِنَّ   (لا يكن) ، أي: لا يمنع من نزول الماء. (مدر) هو: الطّين الصّلب. (كالزّلفة) روي: الزّلفة، بفتح الزّاي واللام والقاف. وروى: الزّلفة: بضم الزّاي وإسكان اللام وبالفاء. وروى الزّلفة: بفتح الزّاي واللام وبالفاء. قال القاضي: "روي بالفاء والقاف، وبفتح اللام وبإسكانها، وكلّها صحيحة، واختلفوا في معناه، فقال ثعلب وأبو زيد وآخرون: معناه: كالمرآة. وحكى صاحب المشارق هذا عن ابن عبّاس أيضاً. شبّهها بالمرآة في صفائها ونظافتها. وقيل: كمصانع الماء، أي: أنّ الماء يستنقع فيها حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء. وقال أبو عبيد: معناه: كالأجانّة الخضراء. وقيل: كالصّفحة. وقيل: كالرّوضة". 4 "العصابة": الجماعة. 5 "بقحفها"، بكسر القاف، هو مقعر قشرها، شبّهها بقحف الرّأس، وهو الذي فوق الدّماغ. وقيل: ما انفلق من جمجمته وانفصل. 6 "الرّسل" بكسر الرّاء وإسكان السّين: هو اللبن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 اللَّقْحَةَ1 مِنَ الإِبْلِ لَتَكْفِيالْفِئَامَ2 مِنَ النّاسِ. واللَّقْحَةَ من البقر لتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النّاس. اللَّقْحَةَ من الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخْذَ من النّاس3. بينما4 هم كذلك بعث الله ريْحاً طيِّبة. فَتَأْخُذُهم تَحْت آباطِهِم. فَتَقْبضُ روحَ كلِّ مسلمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النّاِس، يَتَهَارَجُون فيها تَهَارُجُ الْحْمرُ5، فَعَلَيهم تَقُومُ السّاعةُ.   1 "اللّقحة" بكسر اللام وفتحها: لغتان مشهورتان، الكسر أشهر. وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها: لقح، كبركة وبرك، واللّقوح ذات اللّبن، وجمعها: لقاح. 2 "الفئام" هي الجماعة الكثيرة، هذا هو المشهور والمعروف في اللّغة وكتب الغريب. 3 "الفخذ من النّاس"، قال أهل اللّغة: الفخذ: الجماعة من الأقارب، وهم دون البطن، والبطن دون القبيلة. قال القاضي: قال ابن فارس: الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير، فلا يقال إلاّ بإسكانها، بخلاف الفخذ التي هي العضو، فإنّها تكسر وتسكن. 4 في صحيح مسلم: "فبينما" بالفاء. 5 "يتهارجون فيها تهارج الحمر"، أي: يجامع الرّجال النّساء علانية بحضرة النّاس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك، والهرج، بإسكان الرّاء: الجماع يقال: هرج زوجته، أي: جامعها، يُهرِجُها، بفتح الرّاء وضمّها وكسرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 (127) وفي رواية1 بعد قوله ـ لقد كان بهذا2 مرّة ماء-: ثمّ يسيرون حتّى يَنْتَهُون3 إلى جبل الْخَمَر4 ـ وهو جبل بيت الْمقدس. فيقولون: لقد قَتَلْنَا مَنْ فِي الأرض، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلُ مَنْ في السّماء. فيرمون بنشابهم5 إلى السّماء، فَيَرُدُّ الله عليهم نُشَّابَهُم مَخْضُوبَةً دَماً. (128) وله6 عن أبي سعيد: حدّثنا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يوماً، حديثاً طويلاً عن الدّجّال، فكان فيما حدّثنا. قال:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال وصفته، وما معه، ص: 70، 71. 2 في صحيح مسلم: "بهذه"، بدل هذا. 3 في صحيح مسلم: "حتّى يَنْتَهُوا" بحذف النّون للنّاصب. 4 إلى جبل (الخمر) ، هو: الشّجر الملتف الذي يستر من فيه، وقد فسّره في الحديث: بأنّه جبل بيت المقدس، لكثرة شجره، وهو بفتح الخاء المعجمة والميم المفتوحة. 5 "بنشابهم"، أي: سهامهم، واحده: نشابة. 6 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب في صفة الدّجّال، وتحريم المدينة عليه وقتله المؤمن وإحيائه ص: 71-72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 "يأتي، وهو مُحَرَّمٌ عليه أن يدخل نقَاب1 الْمَدينة، فينتهي إلىبعض السَّبَارخِ الّتِي تلي الْمَدينةَ، فَيَخْرُجُ إليه يومئذٍ رجلٌ هو خيْرُ النّاس أو من خيْر النّاس، فيقول2: أشهد أنّك الدّجّال الّذي حدّثنا رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم- حديثه. فيقول الدّجّال: أَرَأَيْتْم إن قتلتُ هذا ثُمَّ أَحْيَيْتُه، أَتَشُكُّونَ فِي الأمْرِ؟ فَيَقُولُون: لاَ. فَيَقْتُلُهُ3، ثُمَّ يُحْيِيه. فيقول حين يُحْيِيه: والله ما كنتُ فيكَ قط أشدَّ بصيْرَةً منِي الآن. قال: فيريد الدّجّال أن يقتله فلا يسلِّط عليه". (129) وله4 عنه: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-:   1 "نقاب المدينة"،أي: طرفها وفجاجها، وهو جمع ثقبٍ وهو: الطّريق بين جبلين. 2 في صحيح مسلم: "فيقول له"، بزيادة الجار والمجرور. 3 في صحيح مسلم: "قال: فيقلته". 4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب في صفة الدّجّال وتحريم المدينة وقتله المؤمن وإحيائه ص: 72-73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 "يَخْرج الدَّجَّال فيتوجّه قِبَلَهُ رجلٌ من الْمؤمنين، فَتَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ1: مَسَالِحُ الدَّجَّالِ. فَيَقُولُونُ له: أين تَعْمَدُ؟ فيقول: أعمد إلى هذا الّذي خرج. قال: فَيَقُولُونُ له: أَوَ مَا تُؤْمِنُ بربِّنا؟ فيقول ما بربنا خفاء. فَيَقُولُونُ: اقْتُلُوهُ. فيقول بعضهم لبعض: أَلَيْسَ قد نَهَاكم ربُّكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فَيَنْطِلِقُون به إلى الدّجّال، فإذا رآه الْمؤمن قال: يا أيّها النّاس! هذا الدّجّال الّذي ذكر رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: فيأمر الدّجّال به فَيُشَبَّحُ2، فيقول: خذوه وشَجوهُ3، فَيُوسَعُ ظَهْره وبطْنُهُ ضرباً. قال: فيقول: أما4 تُؤْمِنُ بِي؟ قال: فيقول: أنت الْمَسِيحُ الكذّاب. قال:   1 "المسالح": قوم معهم سلاح؛ يرقبون في المراكز كالخفراء، سُمُّوا بذلك لحملهم السّلاح. 2 "فيشبح"، بشين معجمة ثم باء موحّدة ثم حاء مهملة، أي: مدّوه على بطنه. 3 "شجوه"، بالجيم المشدّدة من الشّجّ وهو الجرح في الرّأس. 4 في صحيح مسلم: "أو ما تؤمن بي"، بزيادة الواو بعد الهمزة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فَيُؤْمَر به فَيُؤشَّر بالْمِئْشَار1: من مَفْرَقَة2 حتّى يُفَرَّقَ بيْنَ رجلَيْهِ. قال: ثُمَّ يَمْشِي3 بَيْن الْقطْعَتَيْن. ثُمَّ يقول له: قُمْ فَيَسْتَوي قَائِماً. قال: ثمّ يقول له: أَتُؤْمِنُ بِي؟ فيقول: ما ازْدَدْتُ فيكَ إلاّ بَصِيْرَةً. قال: ثُمَّ يقول: يا أيّها النّاس! إنّه لا يفعل بَعْدِي بِأَحدٍ من النّاس. قال: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَل ما بَيْنِ رَقَبَتِه إلَى تَرْقُوَته نُحَاساً4. فلا يَسْتَطِيعُ إليه سبيلاً. قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به. فيحسب النّاس أنّما قَذَفَهُ إلى النّا، وإنّما أُلْقِيَ في الجنّة". فقال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "هذا أعظم النّاس شَهادةً عند ربِّ الْعَالَمِين".   1 "فيؤشر بالمئشار"، هكذا الرّواية، بالهمزة فيهما، وهو الأفصح. ويجوز تخفيف الهمزة فيهما، فيجعل في الأوّل واواً، وفي الثّاني ياء، ويجوز: المنشار بالنّون، يقال: نشرت الخشبة وعلى الأوّل يقال: أشرتها. 2 مفرّقه مفرّق الرّأس، وسطه. 3 في صحيح مسلم: "ثم يمشي الدّجّال بين القطعتين". 4 "ترقوته" هي: العظم الذي بين ثغرة النّحر والعاتق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (130) وله1 عن المغيرة. قال: ما سأل أحد النَّبِيِّ – صلّى الله عليه وسلّم- عن الدّجّال أكثر مِمَّا سألته2. فقال: "وَمَا يُنْصبُكَ مِنْهُ؟ 3، إنّه لا يَضُرُّكَ"، قلت4: يا رسول الله! إنّهم يَقُولُونُ: إنّ مَعَهُ الطَّعَام والأنْهَار. فقال: "هُو أَهْوَنُ على الله من ذلك"5. وفي رواية6: "أَيْ بُنَي".   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب في الدّجّال، وهو أهو على الله ـ عزّ وجلّ ـ ص: 74. 2 في صحيح مسلم: "أكثر مما سألت"، بدون الضّمير. 3 "وما ينصبك منه"،أي: ما يتعبك من أمره، قال ابن دريد:"يقال: أنصبه المرض وغيره، ونصبه، والأوّل أفصح. قال: وهو تغيّر الحال من مرضٍ أو تعبٍ". 4 في صحيح مسلم: "قال: قلت". 5 "وهو أهون على الله من ذلك"، قال القاضي: "هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله تعالى على يده مُضِلاًّ للمؤمنين، ومشكِّكاً لقلوبهم، بل أنّما جعله له ليزداد الذين آمنوا إيماناً، وتثبت الحجّة على الكافرين والمنافقين ونحوهم، وليس معناه أنّه ليس معه شيء من ذلك". 6 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، ص: 75. وفي صحيح مسلم: "فقال لي: أي: بني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 (131) وله1 عن ابن عمرو، وجاءه رجلٌ، فقال: ما هذا الحديث الّذي تُحدِّثه به؟ تقول: إنّ السّاعَةَ تَقُومُ إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله! أو: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. أو كلمة نحوهما. لقد هَمَمْتُ ألا أُحدِّث أحداً شيئاً أبداً. إنّما قلتُ: إنّكم سَتَرَونَ بَعْدَ قَلِيلٍ أمراً عظيماً، يحرِّك البيت، ويَكُونَ، وَيَكُونَ، ثُمَّ قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم ـ: "يَخرج الدّجّال في أمَّتِي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً) . فيبعث الله عيسى بن مريم – عليه السّلام2 – كأنّه عرْوَة بن مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيهْلكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب في خروج الدّجّال ومكثه في الأرض ونزول عيسى، وقتله، وذهاب أهل الخيرة والإيمان، ص: 75، 76. 2 "عليه السّلام"، لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم، "فيبعث الله عيسى". قال القاضي ـ رحمه الله ـ: "نزول عيسى ـ عليه السّلام ـ وقتل الدّجّال حقّ، وصحيح عند أهل السّنة للأحاديث الصّحيحة في ذلك. وليس في العقل ولا في الشّرع ما يبطله، فوجب إثباته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 النّاسُ سَبْعَ سِنِيْنَ، ليس بين اثنيْن عداوةٌ، ثُمّ يُرسل الله ريْحاً باردةً من قبل الشّام، فلا يبقى على وجه الأرض أحدٌ في قلبه مثقال ذرّة مِنْ خيْر أو إيْمَان إلاّ قبضته؛ حتّى لو أنّ أحدَكم دخل في كبد جبل1 لدخلته عليه، حتّى تقبضه" قال: سَمِعْتُها من رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم. قال: "فَيبْقَى شرارُ النّاس في خِفَّة الطَّيْر وأحلام السِّباع2 لا يعرفُونَ مَعْروفاً، ولا يُنكرون مُنكَراً، فَيَتَمَثَّل لَهُمُ الشّيطان؛ فيقول: ألا تَسْتَجِيبُون؟ فَيَقُولُونُ: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادةِ الأوثان، وهُمْ فِي ذلك دارٌّ رزْقُهُم، حَسَنٌ عَيْشُهُم، ثُمّ يُنفخ في الصّور، فلا يسمعه أحدٌ إلاّ أَصْغَى ليتاً ورفع ليتاً3. وأوَّلُ مَنْ   1 "في كبد جبل"، أي: وسطه وداخله، وكبد كلّ شيءٍ وسطه. 2 "في خفة الطّير وأحلام السّباع"، قال العلماء: معناه: يكونون في سرعتهم إلى الشّرور وقضاء الشّهوات والفساد كطيران الطّير، وفي العدوان وظلم بعضهم بعضاً في أخلاق السّباع العادية. 3 "أصغى ليتاً ورفع ليتاً"، أصغى: أمال. واللّيت: صفحة العنق. وهي جانبه. وهو بكسر اللام، آخره مثناة فوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 يَسْمَعُهُ رجلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبله1. قال: فَيُصْعَقُ وَيَصْعَقُ النّاس، ثُمّ يُرْسِل الله- أو قال: يَنْزِلُ الله – مطراً، كأنّه الطّلّ، أو الظّلّ2. (نُعْمَانُ الشَّاكُ) فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النّاسِ. ثُمَّ يُنْفَخُ فيه أخرى {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، [الزّمر، من الآية: 68] . ثمّ يقال. يا أيّها النّاس! هلموا3 إلى ربِّكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} ، [الصّافات: 24] ثمّ يقال4: أخرجوا بعث النّار. فيقال: من كم؟ فيقال: من كلّ ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعين. قال:   1 "يلوط حوض إبله"، أي: يطينه ويصلحه. 2 "كأنّه الطّلّ أو الظّلّ"، قال العلماء: الأصحّ: الطّلّ. وهو الموافق للحديث الآخر: "إنّه كمني الرّجال"، والشّكّ من الرّاوي: نعمان. 3 في صحيح مسلم: "هلم" بالإفراد. 4 في صحيح مسلم: "قال ثم يقال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فذاك يومٌ {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} ، [المزمل، من الآية: 17] ، وذاك {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، [القلم، من الآية: 42] 1.   1 قال العلماء: معناه: يوم يكشف عن شدّة وهول عظيم، أي: يظهر ذلك، يقال: كشفت الحرب عن ساقها: إذا اشتدّت. وأصله: أنّ مَن جد في أمره كشف ساقه مشمراً في الخفة والنّشاط له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قِصَّةُ الْجَسَّاسَةِ (132) وله1 في حديث فاطمة بنت قيس: فلما قضى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-صَلاُتَهُ جَلَس على المنبر – وهو يضحك- فقال: "ليَلْزَم كُلّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّه". ثمّ قال: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إِنِّي والله ما جَمَعْتُكُم لرَغَبِةٍ ولا لِرَهْبَةٍ، ولكن جَمَعْتُكُم، لأنّ تَميماً الدّاري2، كان رجلاً نَصْرَانِياً، فجاء فَبَايَعَ وَأَسْلَم، وحدّثنِي   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة ، باب قصّة الجساسة، ص: 80، وما بعدها، وفي سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال، ص: 1354. 2 "لأنّ تميماً الدّاري"، هذا معدود من مناقب تميم؛ لأنّ النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ روى عنه هذه القصة. وفيه: رواية الفاضل عن المفضول ـ ورواية المتبوع عن تابعه ـ وفيه قبول خبر الواحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 حديثاً وافق الّذي كنت أحدِّثكم عن مسيح الدّجّال". حدّثني: أنّه ركب فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مع ثلاثين رجلاً مِنْ لَخْم وجُذَمَ، فلعب بِهِمُ الْمَوجُ شهراً فِي الْبَحر، ثُمّ أَرْفَؤُوا إلى جزيزة1 في البحر حين2 مغرب الشّمس، فجلسوا في أقرب السّفينة3، فدخلوا الجزيرة، فَلَقِيَتْهُم دَابَّةٌ أهلبٌ4 كثير الشّعر، لا يدرون ما قبله مِنْ دُبُره، من كثرة الشّعر. فقالوا: وَيْلَكَ ما أنت؟ قالت5: أنا الْجَسَّاسَةُ. قالوا: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت:   1 "ثم ارفؤوا إلى جزيرة"، أي: التجأوا إليها، قال في اللّسان: أرفأت السّفينة إذا أدنيتها إلى الجدة، والجدّة: وجه الأرض أي: الشّطّ. 2 في صحيح مسلم: "حتّى مغرب الشّمس". 3 "فجلسوا في أقرب السّفينة"، الأقرب جمع قارب، على غير قياسٍ، والقياس: قوارب، وهي سفينة صغيرة تكون مع الكبيرة، كالجنيبة يتصرّف فيها ركاب السّفينة لقضاء حوائجهم. وقيل: أقرب السّفينة: أخرياتها وما قرب منها للنّزول. 4 "أهلب"، الأهلب: غليظ الشّعر كثيره. 5 في صحيح مسلم: "فقالت": والجساسة: سمّيت بذلك لتجسسها الأخبار للدّجّال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرّجل في الدَّيْر؛ فإنّه إلى خبركم بالأشواق1. قال: لمّا سَمَّت لنا رجلا ًَ فَرِقْنَا منها2 أن تكون شيطانةً. قال: فانْطَلَقْنَا سِراعاً، حتّى دَخَلْنا الدَّيْرَ، فإذا فيه أعظم إنسانٍ3 رأيناه قطُّ خَلْقاً. وأشدُّه وثَاقاً مَجموعة يداه إلى عنقه، ما بين رُكْبَتَيْهِ إلى كَعْبَيْه بالْحَديد4. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال5: قد قدرتم على خبري. فَأَخْبِرُونِي ما أنتم؟ قالوا: نَحن من العرب، ركبنا في سفينةٍ بَحريَّةٍ، فصادفنا البحر   1 "فإنّه إلى خبركم بالأشواق"، أي: شديد الأشواق إلى خبركم. 2 "فرقنا منها"، أي: خفنا. 3 "أعظم إنسان"، أي: أكبره جثة، أو أهيب هيئة. 4 "بالحديد" الباء متعلّق بمجموعة، "وما بين ركبتيه إلى كعبيه"، بدل: اشتمال من يداه. 5 في صحيح مسلم: "قال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 حين اغْتَلَمَ1، فلعب بنا الموج شهراً، ثمّ أَرْفَأْنَا إلى جَزِيْرَتِك هذه. فجلسنا في أقربِها؛ فدخلنا الْجزيرة، فَلَقِيَتْنا دابّةٌ أهلب كثير الشّعر، لا ندري2 ما قبله من دبره من كثرة الشّعر. قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الْجَسَّاسَةُ. قلنا3: وما الْجَسَّاسَةُ؟ قالت: اعمدُوا إلى هذا الرّجل في الدّير؛ فإنّه إلى خَبَرِكُم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً. وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانةً. قال4: أخبروني عن نخل بيسان5. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِر؟ قال: [هل فيها ماءُ؟ قالوا: هي كَثِيْرَةُ الماء. قال] 6: أسألكم عن نَخْلِها   1 "صادفنا البحر حين اغتلم"، أي: هاج وجاوز حدّه المعتاد. قال الكسائي: "الاغتلام: أن يتجاوز الإنسان ما حدّ له من الخير والمباح. 2 في صحيح مسلم: "لا يدرى" بالبناء للمجهول. 3 في صحيح مسلم: "فقلنا" بالفاء. 4 في صحيح مسلم: "فقال" بالفاء. 5 "نخل بيسان"، هي: قرية بالشّام. 6 ما بين القوسين لا يوجد في مسلم، والظّاهر أنّه خطأ من النّاسخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أمّا إنّه يُوْشِكُ ألاّ يثمر. قال: أَخْبِرُونِي عن بًحَيْرَة الطَّبَريّة1. قلنا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أمَا إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زَغَرَ2. قالوا: عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ؟ وهل يَزْرَعُ أهلها بماء ذلك3 العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأُمَّتَيْن. ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكّة ونزل بيثرب4. قال: قاتله5 العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صَنَعَ بِهُم؟ فَأَخْبَرْنَاه أنّه قد ظهر على من يليه من   1 "بحيرة الطّبرية"، هي: بحر صغير معروف بالشّام. 2 "عين زغر"، هي: بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشّام. 3 في صحيح مسلم: "بماء العين" بدون اسم الإشارة. 4 في صحيح مسلم: "ونزل يثرب"، بدون الجارّ. 5 في صحيح مسلم: "أقاتله" بهمزة الاستفهام لفظاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 العرب وأطاعوه. قال1: قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إنّ ذلك2 خير لهم أن يطيعوه، وإنِّي مخبركم عنِّي: إنِّي أنا المسيح الدّجّال3، وإنِّي أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فَأَسِيْر في الأرض، فلا أدع قرية إلاّ هَبَطتها في أربعين ليلة، غير مكّة وطيبة4، فهما مُحَرَّمَتَان عليّ، كلتاهما كلّما أرادت أن أدخل واحدة منهما5، اسْتَقْبَلَنِي ملك بيده السّيف صلتاً6 يصدّني عنها، وأنّ على كلّ نقب منها ملائكة يَحْرُسُونَها. قال7 رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- وطعن بمخصرته في المنبر "هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ"، يَعْنِي: المدينة. "ألا هلْ كنْتُ حَدَّثْتُكم ذلك؟ ".   1 في صحيح مسلم لا توجد: "قال الأولى". 2 في صحيح مسلم: "أما إنّ ذاك"، بدون اللام. 3 في صحيح مسلم لا توجد كلمة: "الدّجّال". 4 "طيبة" هي: المدينة، ويقال لها أيضاً: طابة. 5 في صحيح مسلم: "أن أدخل واحدة أو واحد منهما". 6 "صلتا" بفتح الصّاد وضمّها، أي: مسلولاً. 7 في صحيح مسلم: "قالت: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فقال النّاس: نعم. "فإنّه أعْجَبَنِي حديث تَمِيم: لأنّه1 وفق الّذي كنتحدّثتكم2 عنه وعن المدينة ومكّة ألا إنّه في بحر الشّام، أو بَحْر الْيَمَن؛ لا بل من قبل الْمَشْرِق، ما هو، من قبل3الْمَشْرِقِ ما هو، من قبل الْمَشْرِقِ ما هو، وأومأ بيده إلى الْمَشْرِقِ قالت: فحفظت هذا من رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم. (133) وله4 عن أنس. قال رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم: "ما من5 بلدٍ ألاّ سَيَطَؤُهُ الدّجّال إلاّ مكّة والْمدينة   1 في صحيح مسلم: "أنّه وافق" بدون اللام. 2 في صحيح مسلم: "كنت أُحَدِّثُكم عنه". 3 "ما هو" قال القاضي: "لفظة: ما هو، زائدة، صلة للكلام ليست بنافية: والمراد إثبات أنّه في جهات المشرق. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج18،كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص: 85. وصحيح البخاري بشرح الفتح ج 9، ص: 95، مع اختلاف في اللّفظ. 5 في صحيح مسلم: "ليس من بلدٍ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وليس نقب من نقابها1، إلاّ عليه الملائكة صافين تحرسها، فينْزل بِالسَّبْخَة2، فترجف المدينة ثلاث رَجْفَاتٍ يَخرج3 إليه منها كلّكافرٍ ومُنَافِقٍ". وفي لفظٍ4: فيأتي سَبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضرب رواقةُ5. (134) وله6 عنه أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-قال: "يتبع الدّجّال من يَهُود أَصْبَهَان، سبعون ألفاً. عليهم الطَّيَالِسَة"7.   1 في صحيح مسلم: "من أنقابها". 2 بالسّبخة، في القاموس: السّبخة: محركة ومسكنة، أرض ذات نزّ وملح. 3 في صحيح مسلم: "يخرج إليه منها كل كافرٍ ومنافقٍ" بالبناء للمعلوم. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، نفس الصّفحة. 5 "فيضرب رواقه"، أي: يَنْزل هناك، ويضع ثقله. 6 صحيح مسلم بشرح النّووي نفس الصّحيفة. 7 "الطّيالسة" جمع طيلسان، والطّيلسان أعجمي معرَّب، قال في معيار اللّغة: ثوب يلبس على الكتف، يحيط بالبدن ينسج للبس، خالٍ من التّفصيل والخياطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 (135) وله1 عن أم شريك أنّها سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "لَيَفِرَّنَّ النّاسُ من الدّجّال في الْجبال"، قالت: يا رسول الله! فأين الْعَرَبُ يومئذٍ؟ قال: "هُمْ قَلِيلٌ". (136) وله2 عن عمران سَمِعتُ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "ما بَيْنَ خَلْق آدم إلى قيام السّاعة خلق أكبر من الدّجّال"3. (137) وله4 عن أنس قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، ص: 86. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18،كتاب الفتن وأشراط السّاعة، ص:86. 3 "خلق أكبر من الدّجال"، أي: أكبر فتنةً وأعظم شوكة. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة باب ذكر الدّجّال ص: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 "ومَا من نَبِيٍّ إلاّ وقد أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ ألا إنّه أعورُ – وإنّ ربّكم – عزّ وجلّ1 – ليس بأعور، ومكتوبٌ بَيْنَ عينيه: ك. ف. ر". وفي روايةٍ2: بعد الْحُرُوفِ: أي: كَافرٌ. وفي رواية3: ثمّ تَهَجَّاهَا: ك. ف. ر. "وَيَقْرَؤُهُ كل مسلم"4.   1 لا توجد هذه الجملة في صحيح مسلم. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن، وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال ص: 59. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب ذكر الدّجّال، ص: 60، ولفظ الحديث: "الدّجّال ممسوح العين، مكتوب بين عيْنيه كافر"، ثم تهاجاها ... الحديث. ومعنى ممسوح العين: الممسوحة هي الطّافئة بالهمزة التي لا ضوء فيها، وهي أيضاً موصوفة في الرّواية الأخرى بأنّها ليست مجراء ولا ناتئة. والصّحيح الذي عليه المحقّقون: أنّ هذه الكتابة على ظاهرها، وأنّها كتابة حقيقية، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بفكره وكذبه وإبطاله، ويظهرها الله تعالى لكلّ مسلمٍ، كاتب وغير كاتبٍ، ويخفيها عمَن أراد شقاوته وفتنته ولا امتناع في ذلك. 4 في صحيح مسلم: "يقرؤه كلّ مسلم" بدون الواو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 (138) وله1 عن حذيفة: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "الدّجّالُ أَعْورُ الْعَيْن الْيُسَرَى، جُفَالُ الشَّعَر2، معه جَنَّةٌ ونَارق" 3. (139) وله4 عنه قال رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم: لأنا أعلم مع الدّجّال منه. معه نَهْرَان يَجْرِيَان؛ أحدهما رأي العين، ماء أبيض، والآخر رأي العين   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجال، ص: 60، 61. 2 "جفال الشّعر"، أي: كثيره. 3 تتمة الحديث في صحيح مسلم: "فناره جنة، وجنته نار". قال العلماء: هذا من جملة فتنة، امتحن الله تعالى به عباده، ليحق الحقّ ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للنّاس عجزه. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، بنفس الباب ص: 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 نارٌ تَأَجَّجُ. فإمّا أدركن أحد1. فليأت النّهر الّذي يراه2 ناراً، ولْيُفَصِحَنَّ، ثُمَّ ليُطَأْطِيءْ رأسه فَيَشْرَبَ منه؛ فإنّه ماء بارد، وإنّ الدّجّال ممسوح العين. عليها ظَفرَةٌ غَلِيظَةٌ3 مَكْتُوبٌ بَيْنَ عينيه كافرٌ. يَقْرؤُه كل مؤمن، كاتبٌ وغير كاتبٍ. (140) وله4 عن أبي هريرة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ألا أُخْبِرُكُم عن الدّجّال حديثاً ما حدّثه نَبِيٌّ قومه: إنّه أَعْوَرُ، وإنّه يَجِيءُ معه مثل الجنّة والنّار، فالتي   1 "فإمّا أدركن أحد"، هكذا هو في أكثر النّسخ "أدركن"، وفي بعضهم: "أدركه"، وهذا الثّاني ظاهر، وأمّا الأوّل: فغريب من حيث العربية؛ لأنّ هذه النّون لا تدخل على الفعل الماضي. 2 "يراه" بفتح الياء وضمّها. 3 "ظفرة غليظة"،هي جلدة تغشي البصر، وقال الأصمعي: لحمة تنبت عن المآقي. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال، ص: 62، 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 يقول إنّها الْجنّة، هي النّار. وإنِّي أنذركم1 كما أنذر به نوح قومه". (141) وله2 عن نافع: "ألاَ إنّ المسيح الدّجّال أعور العين اليمنى؛ كَأَنَّ عينه عنبة طَافِئَةٌ"3. (142) وله4 عن أبي سعيد قول ابن صَيَّادٍ له:   1 في صحيح مسلم: "وإنّي أنذرتكم به". 2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن أشراط السّاعة، باب ذكر الدّجّال ص: 58، 59. ولفظ الحديث: عَن نَافِع عَن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْن ظَهْرانِي النَّاسِ فَقَالَ: "إنّ الله تعالى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ وَأَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ ... الحديث". 3 "كأنّ عينه عنبة طافئة"، أمّا طافئة: فرويت بالهمز وتركه، وكلاهما صحيح. فالمهموزة هي التي ذهب نورها، وغير المهموزة التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء. والعور في اللّغة: العيب، وعيناه معيبتان عوراوان، وإنّ إحداهما طافئة (بالهمزة) لا نور فيها، والأخرى طافية (بلا همز) ظاهرة ناتئة. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر ابن صياد ص: 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أَلَسْتَ سَمِعْتَ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "إنّه لاَ يُولَدُ لَه؟ "، قلت: بلى. قال: فقد ولد لي. أو ليس سَمِعتَ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم-يقول: "لا يدخل الْمدينةَ ولا مكّة"؟ قلت: بلى. قال: فقد وُلدتُ بِالْمَدينة، وهَأَنَا أريد مكّة1. ألم2 يقل نَبِيُّ الله – صلّى الله عليه وسلّم-: "إِنّه يَهُودِي"، وقد أسلمت؟ ... الخ.   1 في صحيح مسلم: "وهذا أنا أريد مكّة". وتتمة هذه الرّواية عند مسلم بعد لفظ: أريد مكّة: "قال: ثُمَّ قال في آخر قولِهِ: أَمَا الله إِنِّي لأعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَه، وَأَيْنَ هُوَ؟ قال: فَلَبِسَني"، ومعنى: لبسنِي بالتخفيف؛ جعلني ألتبس في أمره وأشكّ فيه. 2 ألم يقل نَبِيّ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إنّه يهودي"، هذا اللّفظ من رواية أخرى عند مسلم عن أبي سعيد أيضاً في نفس الصّفحة ونصّها: (عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: لي ابْن صائد ـ وأخذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ، هذا عَذَرْتُ النَّاسَ، مَا لي وَلَكُم يا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ؟ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إنّهُ يَهُودِيٌّ؟ "، وقد أَسْلَمْتُ. قال: "وَلاَ يُولَدُ لَهُ"، وقد وُلِدَ لِيَ، وقال: إِنّ الله حَرَّم عَلَيهِ مَكَّة" وقَدْ حَجَجْتُ، قال: فَمَا زَالَ حَتَّى كّادَ أن يَأْخُذَ فِيَّ قَوْلُهُ. قال: فَقَالَ لَهُ، أَمّاَ والله إِنِّي لأعْلَمُ الآن حَيْثُ هُوَ وَأَعْرَفُ أباهُ وَأُمُّهُ. قال: وقيل لَهُ: أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ الرَّجُلُ؟ قال: فَقَال: لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ". وذمامة: بذال معجمة مفتوحة ثم ميم مخفّفة، أي: حياء وإشفاق من الذّمّ واللّوم. ومعنى: "حتّى كاد أن يأخذ في قوله"، بتشديد ياء فيَّ. وقوله: مرفوع، وهو فاعل يأخذ، أي: يؤثّر فيَّ وأصدقه في دعواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (143) وله1 قول حَفْصَةَ لابن عمر: ما تريد إليه؟ ألم تعلم أنّه قد قال: "إنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ على النّاس غَضَبٌ يَغْضَبُهُ". (144) وله2 عن أبي الدّرداء، أنّ نبيّ الله – صلّى الله عليه وسلّم-قال:   1 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب ذكر ابن صياد، ص: 58. قالته أم المؤمنين ـ حفصة رضي الله عنها ـ لعبد الله بن عمر ـ تذكيراً له، وقد فعل مع ابن صياد ما أغضبه. انظر الحديث بأكمله في مسلم. 2 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 6، فضل سورة الكهف ص: 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ1 مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ من الدّجّال ". وفي رواية2: "مِنْ آخر الْكَهْفِ". (145) وله3 عن عمرو بن ثابت: عن الصّحابة مرفوعاً: "تَعَلَّمُوا4 أَنَّه لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِّنْكُم رَبَّه حَتَّى يَمُوتَ".   1 في صحيح مسلم: "مَن حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف) بزيادة لفظ: أوّل. 2 ذكرها النّووي في شرحه للحديث السّابق ج 6، ص: 93. قيل: سبب ذلك ما في أوّلها من العجائب والآيات، فمَن تدبّرها لم يفتن بالدّجّال، وكذا في آخرها قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} ، [الكهف، من الآية: 102] . 3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب ابن صياد، ص: 55، والرّاوي للحديث عمر ثابت، لا عمرو، ولفظ الحديث: أنّّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال يوم حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: "أنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ مَن كَرِهَ عَمَلَهُ، أو يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وقال: تَعَلَّمُوا أنَّهُ ... " الحديث. 4 "تعلَموا"، اتّفق الرّواة على ضبط تعلموا بفتح العين واللام المشدّدة، قالوا: ومعناه: اعلموا. (وبعدها كلمة مطموسة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (146) وله1 عن ابن عمر عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم-قال: "لتقاتلنّ اليهود، فَلْتَقْتُلَنَّهم حتّى يقول الْحَجَرُ: يا مسلم! هذا يَهُودِيٌّ، فتعال فَاقْتُلْهُ". وفي رواية: "إلاّ الْغَرْقَدَ2؛ فَإِنَّهُ من شجر اليهود". رواه من حديث أبي هريرة. (147) وقال ابن ماجه3: ثنا عليُّ بن محمّد ثنا عبد الرّحمن الْمَحَارِبِيّ عن إسْمَاعيلَ بن رافعٍ أبي رافعٍ، عن أبي عمرو الشّيبانِي – زرعة4، عن أبي أُمَامة5.   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، كتاب الفتن، ج 18، باب لا تقوم السّاعة حتّى يمرّ الرّجل بقبر الرّجل فيتمنّى أن يكون مكانه، ص: 44. 2 "الفرقد"، نوع من شجر الشّوك، معروف ببلاد بيت المقدس. وقال أبو حنيفة الدّينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة. 3 سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتَن، باب فتنة الدّجّال، ص: 1359، وما بعدها، 4 في سنن ابن ماجه: عن أبي زرعة الشّيباني، يحيى بن أبي عمر. 5 في سنن ابن ماجه: "عن أبي أمامة الباهلي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 قال: خطبنا رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- فكان أكثر خطبته حديثاً حدّثناه1 وحذرناه، وكَانَ مِنْ قوله أنّ قال: "إنّه لَمْ تَكُن2 فِتْنَةٌ فِي الأرض مُنْذُ ذَرَأَ الله آدم ـ صلّى الله عليه وسلّم3- أعظم من فِتْنَةِ الدَّجَّال، وإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ4 لم يبعث نبيّاً إلاّ حذّر أمّته الدّجّال. وأنا آخر الأَنْبِيَاء. وأنتم آخر الأمم، وهو خارج عليكم5 لا مَحَالَة؛ فإن6 يَخرج وأنا بَيْن ظَهْرانَيْكم فأنا حجيجُ كلِّ مسلم7، وإن يَخرج من بعدي فكلٌّ حجيجٌ بنفسه8، والله خليفتِي على كلّ مسلم، وإنّه يَخرج من خلّة بين الشّام والعراق، فََيعيثُ يَمِيناً ويَعِيث   1 في سنن ابن ماجه: "حدّثناه عن الدّجّال". 2 في سنن ابن ماجه: "إنّه لم تكن فتنة"، بالتّاء بدل الياء. 3 في سنن ابن ماجه: "منذ ذرأ الله ذريّة آدم". 4 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. 5 في سنن ابن ماجه: "وهو خارج فيكم". 6 في سنن ابن ماجه: "وإن يخرج" بالواو. 7 في سنن ابن ماجه: "فأنا حجيج لكّ مسلمٍ". 8 في سنن ابن ماجه: "فكلّ امرئٍ حجيج نفسه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 شَمالاً. يا عباد اللهَ! أيّها النّاس1! فاثبتوا؛ فإنِّي سَأَصِفُهُ لكم صِفَةً. لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاه نَبِيُّ قبلي ... إنّه يبدأ فيقول: أنا نِبِيٌّ وإنه لا نَبِيَّ بعدي2. ثمّ يَنْثَنِي3 فيقول: أنا ربّكم ولا ترون ربّكم حتّى تَمُوتوا، وإنّه أعور. وإنّ ربّكم – عزّ وجلّ-4 ليس بأعور، وإنّه مكتوبٌ بَيْن عينيه: كافرٌ، يقرؤه كلّ مُؤْمِنٍ: كاتبٌ وغير كاتبٍ5، وإنّ مِن فِتْنَته أنَّ مَعَهُ جَنَّةً وناراً6، فَمَنْ ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَعِذْ7 بالله، وليقرأ فَوَاتِيحَ الْكَهف؛ فتكون عليه برداً وسلاماً. كما كانت8 على إبراهيم – عليه السّلام–9 وإنّ مِنْ فِتْنَته: أنْ يقُولَ لأعْرَابِيٍّ:   1 لا توجد جملة: "أيها النّاس"، في سنن ابن ماجه. 2 في سنن ابن ماجه: "ولا نَبِي بعدي"، بدون لفظ: إنّه. 3 في سنن ابن ماجه: "ثم يثني فيقول". 4 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. 5 في سنن ابن ماجه: "كاتب أو غير كاتبٍ) ، بأو بدل الواو. 6 في سنن ابن ماجه: "بعد هذه الجملة: "فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُه نارٌ". 7 في سنن ابن ماجه: "فليستغث". 8 في سنن ابن ماجه: "كما كانت النّار على إبراهيم". 9 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أَرَأَيْتَ إن بَعَثت لك أَبَاكَ وأُمُّكَ، أَتَشْهَدُ أنِّي ربُّك؟ فيقول: نَعَم. فَيَمْثُل1 له شيطانان في صورة أبيه وأمِّه، فيقولان: يا بُنَيّ! اتَّبِعهُ، فإنّه ربّك. وإنّ من فتنته أن يسلِّط على نفسٍ واحدةٍ يقتلها ينشرها بِالْمِنْشَار2؛ حتّى يُلْقَي شَقَّتَيْن، ثُمّ يقول: انظروا إلى عبدي: فإنّه أبعثه الآن3، ثمّ يَزْعمُ أن له ربًّا غيري. فبعثه الله تعالى فيقول له الخبيث: من ربّك فيقول: ربِّي الله، وأنت عدو الله، أنت الدّجّال، والله ما كنت بعد أشدّ بصيرة بك منِّي الْيَومَ". قال أبو الحسن الطَّنَافَسِي: فحدثنا الْمَحَارِبِي. ثنا عبيد الله بن الوليد الوصّافيّ عن عطيّة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "ذلك الرَّجُلُ أَرْفَعُ أُمَّتِي دَرَجَةً فِي الْجَنَّة ".   1 في سنن ابن ماجه: "فيتمثل له شيطانان". 2 في سنن ابن ماجه: "فيقتلها وينشرها بالمنشار". 3 في سنن ابن ماجه: "انظروا إلى عبدي هذا، فإنّي أبعثه الآن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قال أبو سعيد: ما كنّا1 نُرَى ذلك الرّجل إلاّ عُمر ابن الخطّاب – رضي الله عنه2 – حتّى مضى لسبيله. قال الْمحاربيّ: ثمّ رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: وإنّ مِنْ فِتْنَته أَن يَأْمُرَ السَّمَاءَ أنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، ويَأْمُرَ الأرضَ أنْ تُنْبِتَ فَتَنْبِتَ. وإنّ من فتنته أن يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيكَذِّبُوهُ3، فَلاَ تَبقَى لَهُم سَائمَةٌ إِلاَّ هَلَكَت. وَإِنَّ مِن فِتْنَتِهِ أَن يَمُرَّ بِالْحَيِّ فيصدِّقوه4، فيَأْمُرُ السّماءَ أَنْ تُمْطرِ فَتُمطر، والأرض5 أن تُنْبت فَتُنْبت؛ حتّى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت   1 في سنن ابن ماجه: "والله ما كنا نرى"، بزيادة القسم. 2 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. 3 في سنن ابن ماجه: "وإن من فتنته أن يمر بالحيّ فيكذبونه! ". 4 في سنن ابن ماجه: "فيصدّقونه" بالنّون. 5 في سنن ابن ماجه: "ويأمر الأرض". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وأعظمه، وأمّده خواصر، وأدرّه ضروعاً، وإنّه لا يبقى شيء من الأرض إلاّ وَطِئَه وَظَهَر عليه إلاّ مكّة والْمدينة؛ فإنّه لا1 يَأْتِيهما من نَقْبٍ مِنْ نقَابِهما إلاّ لَقِيَتْهُ الْمَلائكةُ بالسُّيُوفِ صَلْتَةً2؛ حتّى يَنْزِلَ عند الظّريب3 الأَحْمَر، عند منْقَطَع السَّبْخَة4. فَتَرجفُ5 الْمَدينة بأهلها ثلاث رَجْفَاتٍ، فلا يَبْقَى منافقٌ، ولا مُنَافِقَةٌ إلاّ خَرج إليه فَتَنْفِي الْخَبَثَ6 منها كما ينفي الكيْرُ خَبَثَالْحديدِ، ويدعى ذلك اليوم يوم الْخَلاَص".   1 في سنن ابن ماجه: "لا يأتيهما من نقب"، بدون لفظ: فإنّه، والنّقب: الطّريق بين جبلين. 2 "صلته"، أي: مجرّدة، يقال: أصلت السّيف، إذا جرّده من غمده، وضربه بالسّيف صَلْتَاً وصُلْتاً. 3 "الظّريب"، تصغير ظربٍ، بوزن كتف، والظّراب: الجبال الصّغار. 4 "السّبخة"، هي: الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلاّ بعض الشّجر. 5 "فترجف"، أصل الرّجف: الحركة والاضطراب، أي: تتزلزل وتضطرب. 6 "الخبث" هو: ما تلقيه النّاس من وسخ الفضّة والنّحاس وغيرهما إذا أُذيبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فقالت أم شريك بنت أبي العَكَر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: "هُمْ قَلِيلٌ، وجلّهم ببيت المقدس، وإمامهم رجلٌ صالحٌ، قد1 تقدّم يصلِّي بِهم الصّبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم الصّبح. فرجع ذلك الإمام ينكص2: يمشي الْقَهْقَرَى، ليتقدّم عيسى – عليه السّلام-3 يصلِّي بالنّاس. فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثمّ يقول له: تقدّم فصلِّّ. فإنّها لك أقيمت. فيصلِّي بهم إمامهم. فإذا انصرف، قال عيسى – عليه السّلام- افتحوا الباب، فيفتح، ووراءه الدّجّال، معه سبعون ألف يهوديٌّ. كلّهم ذو سيف محلّى وساجٍ4؛ فإذا نظر إليه الدّجّال ذاب   1 في سنن ابن ماجه: "فبينما إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم". 2 "ينكص" النّكوص: الرّجوع إلى الوراء، وهو القهقري. 3 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. 4 "وساج" السّاج: هو الطّيلسان الأخضر، وقيل: الطّيلسان المقور, ينسج كذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 كما يذوب الملح في الماء، وانطلق1 هارباً، ويقول عيسى – عليه السّلام: إنّ لي فيك ضربة لن تَسبِقَنِي بها2، فيدركه عند باب لُدٍّ3 الشّرقي فيقتله، ويهزم الله اليهود، ولا يبقى شيء4 ممّا خلق الله يتوارى به يهوديٌّ إلاّ أنطق الله ذلك الشّيء، لا حجر ولا شَجَر ولا حَائِطَ ولا دَابَّة "إلاّ الْغَرْقَدَ فَإنَّه مِنْ شَجَرِهم لا ينطق) 5 إلاّ قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهوديٌّ؛ فتعال فأقتله" 6. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "وإنَّ أَيَّامَهُ   1 في سنن ابن ماجه: "وينطلق هارباً" بالمضارع. 2 "لن تسبقنِي بها"، أي: لن تفوّتها عليَّ. 3 في سنن ابن ماجه: "باب اللّدّ الشّرقي"، في النّهاية: لدّ، موضع بالشّام، وقيل: بفلسطين. 4 في سنن ابن ماجه: "فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيءٌ"، بالفاء في الجملتين. 5 في سنن ابن ماجه: "إلاّ الغرقدة، فإنّها من شجرهم لا تنطق". بالتّأنيث. والغرقدة: هو ضرب من شجر العضاة وشجر الشّوك. 6 في سنن ابن ماجه: "فتعال اقتله" بدون الفاء مع لفظ: اقتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 أربعون سنة، السّنة كنصف السّنة، والسّنة كالشّهر، والسّنة1 كالْجمعة. وآخر أيّامه كالشَّرَرَةِ2، يصبح أحدكم على باب الْمدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمْسِيَ"، فقيل له: يا رسولَ الله! كيف نصلِّي في تلك الأيّام القِصَار؟ قال: "تُقَدِّرُون فيها الصّلاةَ، كما تُقَدِّرُونَها في هذه الأيام الطِّوال، ثُمّ صَلُّوا". قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "فَيَكُونُ عيسى3 – عليه السّلام – في أمّتي حكماً4 عدلاً، وإماماً مُنْشِطاً: يَدُقُّ5 الصَّلِيبَ، ويَذْبَحُ الْخِنْزِيرَ6   1 في سنن ابن ماجه: "والشّهر كالجمعة". 2 "كالشّررة": واحدة الشّرر، وهو ما يتطاير من النّار. 3 في سنن ابن ماجه: "فيكون عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ". 4 "حكماً أي: حاكماً بين النّاس ومقسطاً"، أي: عادلاً في الحكم. 5 يدقّ الصّليب، أي: يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصّليب شيءٌ. 6 "ويذبح الخنْزير"، أي: يحرم أكله أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحدٌ، والحاصل أنّه يبطل دين النّصارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ويضع الْجِزْيَةَ1. ويَتْرُكُ الصَّدَقَةَ2، فلا يسعى على شارةٍ ولا بعير، وتُرْفَعُ الشَّحنَاءُ والتَّبَاغُض، وتَنْزع حمَة3 كلِّ ذات حمة، حتّى يدخل الْوليد يده في الْحَيَّة، فلا تضرّه، وتُفرُّ4 الوليدة الأسد، فلا يضرها، ويكون الذِّئب في الغنم كأنّه كلبها. وتُمْلأُ الأرض مِنَ السِّلْمِ كَمَا يُمْلأُ الإِنَاءُ من الْمَاءِ، وتكون الْكَلْمَةُ واحِدَةً، فلا يعبد إلاّ الله، وتَضَعُ الْحَربُ أَوْزَارَها، وتُسْلَب قريشٌ ملْكَها، وتكون الأرض كَفَاثُور5 الفضّة، تنبت نباتها بعهد آدم – عليه السّلام ـ6   1 "ويضع الجزية"، أي: لا يقبلها من أحدٍ من الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام. 2 "ويترك الصّدقة"، أي: الزّكاة، لكثرة الأموال، فلا يسعى. قال في النّهاية: أي: يترك زكاتها فلا يكون لها ساعٍ. 3 "حمة" بالتّخفيف: السّمّ، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة؛ لأنّ السّمّ منها يخرج. 4 "وتفرّ" أي: تحمله على الفرار. 5 "كفاثور الفضّة"،الفاثور: الخوان، وقيل: هو طست أو جام من فضّةٍ أو ذهبٍ. 6 لا توجد هذه الجملة في سنن ابن ماجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حتّى يَجْتَمِعَ النَّفَر على الْقِطف1 من الْعِنَب فَيشْبعَهُم، ويَجْتَمِع النَّفَر على الرُّمَّانَة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا: من المال، وتكون الَفَرس بالدُّرَيْهِمَاتِ". قيل: يا رسول الله! وما يرخص الفرس؟ قال: "لا تركَب لِحَرٍب أَبَداً" فقيل له: وما2 يغلي الثّور؟ قال: "تُحرثُ الأرض كُلُّها. وإنَّ قبلَ خُروجِ الدّجّال ثلاثَ سَنَواتٍ شِدَاٍد، يصيب النّاس فيها جُوعٌ شَدِيدٌ، فيأمر3 الله السّماء في السّنة الأولى أن تَحْبِسُ ثُلُثَ مَطَرِها، ويأمر الأرض أن4 تَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِها، ثُمّ يأمر الله السّماء في السّنة الثّانية5، فتَحْبِسُ ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتَحْبِسُ ثلثي نباتِها، ثمّ يأمر الله السّماء في السّنة   1 "القطف" العنقود، وهو اسم لكلّ ما يقطف. 2 في سنن ابن ماجه: "فما يغلي" بالفاء. 3 في سنن ابن ماجه: "يأمر الله السّماء"، بدون الفاء. 4 في سنن ابن ماجه: "ويأمر الأرض فتحبس" بدون لفظ أن. 5 في سنن ابن ماجه: "ثم يأمر السّماء في الثّانية) بدون لفظي: الله، السّنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 الثّالثة، فتَحْبِسُ مطرها كلّه، فلا تقطر قطرة1، ويأمر الأرض فتَحْبِسُ نباتِها2، فلا تنبت خضراء، ولا يَبْقَى ذات ظلْفٍ إلاّ هلك3، إلاّ ما شاء الله". فقيل: فما يعيش النّاس في ذلك الزّمان؟ قال: "التَّهْلِيل والتَّكْبِير والتَّسْبِيح والتَّحْمِيد، ويَجري ذلك عليهم مجري الطّعام. قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطّنافسيّ يقول: سمعت عبد الرّحمن الْمحاربِيّ يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدِّب، حتّى يعلِّمه الصِّبيان في الكتّاب.   1 "فلا تقطر قطرة" في المصباح، يتعدّى، ولا يتعدى، هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدى بنفسه، بل بالألف. 2 في سنن ابن ماجه: "فتحبس نباتها كلّه"، بزيادة لفظ التّأكيد. 3 في سنن ابن ماجه: "فلا تبقى ذات ظلفٍ إلاّ هلكت"، بالتّأنيث. والظّلف: هو لما اجتر من الحيوانات كالبقرة والظّبي، بِمَنْزلة الحافر للفرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 باَبُ نُزُولِ عِيسَى1 عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ   1 يُسَمّى عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بالمسيح. وقد اختلف العلماء في سبب تسميته مسيحاً. قال الواحدي: ذهب أبو عبيد واللّيث: إلى أنّ أصله بالعبرانية مشيحاً، فعرّبته العرب وغيّرت لفظه كما قالوا: موسى، وأصله: موشى، أو ميشا بالعبرانية، فلما عرّبوه غيّروه، فعلى هذا لا اشتقاق له. قال: وذهب أكثر العلماء إلى أنّه مشتقٌ، وكذا قال غيره: إنّه مشتق على قول الجمهور، ثم اختلف هؤلاء. فحكى عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّه قال: لأنّه لم يمسح ذا عاهة إلاّ بُرِئَ. وقال إبراهيم وابن الأعرابي: المسيح: الصّديق. وقيل: لأنّه ممسوح أسفل القدمين، لا أخمص له. وقيل: لمسح زكريا إيّاه. وقيل: لمسحه الأرض، أي: قطعها. وقيل: لأنّه خرج من بطن أمّه ممسوحاً بالدّهن. وقيل: لأنّه مسح بالبركة حين وُلدِ. وقيل: لأنّ الله تعالى مسحه، أي: خلقه خلقاً حسناً. وقيل: غير ذلك. والله أعلم. اهـ. نووي. ونزول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ حقّ عند جمهور المحدِّثين والمفسِّرين والفقهاء، وقد جاء به كثير من الأحاديث الصّحيحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ......................................   في كتب السّنة، كما جاء به القرآن الكريم. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، [النّساء، من الآية: 159] . قال ابن كثير: قال ابن جرير: أولى الأقوال بالصّحّة في تفسير هذه الآية: أنّه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إلاّ آمن به قبل موت عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ، ثم قال ابن كثير: ولا شكّ أنّ هذا الذي قاله ابن جرير هو الصّحيح؛ لأنّه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادّعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم مَن سلم لهم من النّصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله: أنّه لم يكن الأمر كذلك، وإنّما شبّه لهم فقتلوا الشّبه وهم لا يتبيّنون ذلك، ثم إنّه رفعه إليه، وإنّه باقٍ حيٌّ، وإنّه سيَنْزِلُ قبل يوم القيامة، كما دلّت عليه الأحاديث المتواترة، فيقتل مسيح الضّلالة ويكسّر الصّليب، ويقتل الْخِنْزِير، يضع الجزية ـ يعني: لا يقبلها من أحدٍ من أهل الأديان بل لا يقبل إلاّ الإسلام أو السّيف ـ، فأخبرت هذه الآية الكريمة: أنّه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذٍ، ولا يتخلّف عن التّصديق به واحدٌ منهم: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} ، [النّساء، من الآية: 159] . أي: بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السّماء، وبعد نزوله إلى الأرض. فأمّا مَن فَسَّر هذه الآية بأنّ المعنى أنّ كلّ كتابي لا يموت حتّى يؤمن بعيسى أو بمحمّدٍ ـ عليهما الصّلاة والسّلام ـ. فهذا هو الواقع، وذلك أنّ كلّ أحدٍ عند احتضاره ينجلي له ما كان جاهلاً به فيؤمن به، ولكن لا يكون ذلك إيماناً نافعاً له إذا كان قد شاهد الملك، كما قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} ، [النّساء، من الآية: 18] . وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ..............................................................................................   وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} ، [غافر، الآيتان: 84-85] . وفي حديث أبي هريرة عند مسلم ج 2، ص: 189، بشرح النّووي، يقول أبو هريرة بعد أن روى حديث نزول عيسى هذا، واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ، [النّساء، من الآية: 159] ، وفيه دلالة ظاهرة على أنّ مذهب أبي هريرة في الآية أنّ الضّمير في موته يعود على عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كما ذكر، والرّاوي أعرف بما رواه. وقال الله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} ، [آل عمران، من الآية: 46] . يقول ابن جرير عند تفسيره لهذه الآية ص: 272، ج 3، نقلاً عن ابن زيد، يقول في قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} ، [آل عمران، من الآية: 46] ، قال: وقد كلّمهم عيسى في المهد، وسيكلّمهم إذا قتل الدّجّال وهو يومئذٍ كهل، يعني: كما أنّ كلامه في المهد آية ومعجزة يكون كلامه كهلاً، ولا يكون كهلاً آية، إلاّ بعد نزوله وقتله الدّجّال كما صرّحت بذلك الأحاديث. وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ، [الزّخرف، من الآية: 61] . قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: "الصّحيح أنّ الضّمير عائد على عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فإنّ السّياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة. ويؤيّد هذا المعنى القراءة الأخرى: [وَإِنَّه لَعَلَمٌ للسَّاعة] ، أي: أمارة ودليل على وقوع السّاعة. قال مجاهد: "وإنّه لعلم للساعة، أي: آية للسّاعة خروج عيسى بن مريم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قبل يوم القيامة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ...................................................................................................   وهكذا روى عن أبي هريرة وابن عبّاس وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه أخبر بِنُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحَكَماً مقسطاً. وليس المراد بِنُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ إنّه يَنْزِل بشرية متجدّدة غير شريعة نبيّنا محمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وإنّما نزل مقرِّراً لهذه الشّريعة، ومجدِّداً لها؛ إذ هي آخر الشّرائع، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ آخر الرّسل. قال الله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، [الأحزاب، من الآية: 40] . وقال ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لا نَبِيَّ بَعدي". وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكلمها وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فكان مَن دخلها ونظر إليها قال: ما أحسنها إلاّ موضع هذه اللّبنة! فأنا موضع هذه اللّبنة ختم بي الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ. رواه أبو داود الطّيالسي، ورواه الخباري ومسلم والتّرمذي إلى غير ذلك من الأحاديث. وأجمع المسلمون على أنّه لا نبي بعد نَبِيّنا محمّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وأنّ شريعته مؤبّدة إلى يوم القيامة. والحكمة في نُزُول عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ دون غيره من الأنبياء: الرّدّ على اليهود في زعمه: أنّهم قتلوه، فبيّن الله تعالى كذبّهم، وأنّه الذي يقتلهم. أو نُزُوله لدنوّ أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التّراب أن يموت في غيره. وقيل: إنّه دعا الله ـ لما رأى صفة محمّدٍ وأمّته ـ أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتّى يَنْزِلَ في آخر الزّمان مجدِّداً الأمر الإسلام، فيوافق خروج الدّجّال فيقتله، والأوّل أوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 (148) ولِمسلم1: عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "ليَنْزِلَنّ2 ابن مريم حكماً عادلاً، فَلَيَكسرَنّ الصّليبَ، ولَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، ولَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ ولَيَتْرُكَنَّ الْقَلاَئِصَ3، فلا يسعى عليها، ولَتَذْهَبَنَّ   1 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم، ص: 192. 2 في صحيح مسلم: "والله لَيَنْزِلَن" بالقسم. 3 في صحيح مسلم: "ولتُتْركَن القلاص"، والقلاص جمع القلوص، وهي من الإبل كالفتاة من النّساء والحدث من الرّجال، ومعناه: أن يزهد فيها ولا يرغب في اقتنائها لكثرة الأموال، وقلّة الآمال وعدم الحاجة، والعلم بقرب القيامة، وإنّما ذكرت القلاص لكونها أشرف الإبل، التي هي أنفس الأموال عند العرب، وهو شبيه بمعنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} ، [التّكوير: 4] . ومعنى: لا يسعى إليها: لا يعتني بها، أي: يتساهل أهلها فيها ولا يعتنون بها. هذا هوا الظّاهر، وقال القاضي عياض وصاحب المطالع ـ رحمهما الله ـ: معنى لا يسعى عليها، أي: لا تطلب زكاتها؟ إذ لا يوجد مَن يقبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ والتَّحَاسُدُ، ولَيَدُعُوَنَّ1 إلى الْمال فلا يقبله أحد". (149) وعنه2، قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "كَيْفَ أنتم إذا نزل ابن مريم فِيْكُم، وإِمَامُكم منكم؟ ". (150) وفي رواية3: "فأَمكُم مِنْكُم".   1 "وليدعون"، بضمّ العين وفتح الواو وتشديد النّون، وإنّما لا يقبله أحد لما ذكر من كثرة الأموال، وقصر الآمال، وعدم الحاجة، وقلّة الرّغبة، للعلم بقرب السّاعة. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ص: 193. 3 صحيح مسلم، بشرح النّووي، ج 2، كتاب الإيمان، باب نُزول عيسى بن مريم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ص: 193. ولفظ الحديث:"كَيْفَ أَنْتُم إذا نَزَلَ فِيكُم ابنُ مريَمَ فَأمّكُم مِنْكُم"،ص:193. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قال ابن أبِي ذئب: تدري ما: فأمكم1 منكم؟ قلت: تُخْبِرُنِي. قال: فأمّكم بكتاب ربِّكم2 وسنّة نبيِّكم ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. (151) ولأحمد3 في المسند عن عائشة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "يَخْرج الدّجّالُ، فَيَنْزِلُ عيسى بن مريم فَيَقْتُلُه، ثُمّ يَمْكُثُ فِي الأرض أَربَعِيْن سنةً إماماً عادلاً، حكماًَ مقسطاً".   1 في صحيح مسلم: "تدري ما: أمكم منكم؟ "، بدون الفاء. 2 في صحيح مسلم: "بكتاب ربّكم ـ تبارك وتعالى ـ". 3 مسند الإمام أحمد ـ الجزء السّادس ـ ص: 75، ولفظ الحديث: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دَخلَ عَلَيَّ رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وأنا أبكي، فقال: "مَا يُبْكِيكِ؟ "، قلت: يا رسولَ الله! ذكرت الدّجّال، فَبَكَيْتُ. فقال رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إِن يَخْرُج الدَّجَّالُ وأنا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وإِن يَخْرُجِ الدَّجَّال بَعْدِي، فإنَّ رَبَّكُم ـ عزَّ وجَلَّ ـ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ حَتَّى يَأتِيَ الْمَدِينَةَ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا، وَلَهَا يَوْمِئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ ثُقبٍ مِنْهَا مَلَكَان، فَيَخْرُجُ إِلَيهِ شِرَارُ أَهْلِهَا، حَتَّى يَأْتِي فلسطينَ ـ باب لُدٍّ ـ فَيَنْزِل عِيسَى ـ عليه السّلام ـ فَيَقْتُلُه ثُمَّ يَمْكُثُ عيسى ... " الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 (152) وله1: في الزّهد: عن أبي هريرة. قال: "يَلْبَثُ عيسى في الأرض أربعين2 لو يقول للبطحاء: سيري3 عسلاً لكانت". (153) وللحاكم في المستدرك4 عن ابن ميعود عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – قال: "بَيْنَ أُذُنَي الدّجّال أربعون ذراعاً". وذكر الحديث إلى أن قال: "ويَنْزِلُ عيسى بن مريم فيقتله، فَيُمَتَّعُوا أربعين   1 المعجم الصّغير للطّبراني، ج 2، ص: 211، وقد نسبه للإمام أحمد في الزّهد. 2 في المعجم: "أربعين سنة". 3 في المعجم: "سيلي عسلا لسالت"، باللام في الفعل بدل الرّاء، وبالفعل لسالت بدل: لكانت. 4 لم نجد الحديث في مكانه في المستدرك للحاكم، إلاّ الجزء الأوّل منه في حديثٍ لجابرٍ ولفظه: "وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً"، ج 4، كتاب الفتن، ص: 530. وقد ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 211، ونسبه كذلك إلى الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود، وأوّله: "بين أذني حمار الدّجّال"، مع اختلاف في الألفاظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 سنة، لا يَمُوت أحد منهم، فارعوا، وتمرّ الماشية بين الزَّرعين، لا تأكل منه سنبلةً واحدةً، والْحيّات والعقارب لا تؤذي أحداً، والسِّباع على أبواب الدور لا يؤذُون أحداً. ويأخذ الرّجل الْمُدَّ الْقَمح فَيبذُرُهُ بلا حرثٍ، فَيَجِيء منه سبعمائة مُدٍّ، فيمكُثُون في ذلك حتّى يكسر سدٌّ يَأْجُوج ومَأْجُوج، فيمرحون ويفسدون، فيبعث الله دابّة من الأرض، فتدخل في آذانِهم، فيصبحون موتى أجْمعين. وتَنْتُنُ الأرض منهم، فيؤذون النّاس بِنَتنهم، فيستَغيثُون بالله، فيبعث الله ريحاً يمانية غبْراً، وتكشف ما بهم بعد ثلاثة، وقد قذفت جيفهم في البحر، ولا يَلبثُون إلاّ قليلاً حتّى تطلع الشّمس من مغربِها". (154) وله1 فيه أيضاً في المختارة عن   1 المستدرك للحاكم ج 4، كتاب الفتن والملاحم، ص: 457. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بريدة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ لله تعالى ريْحاً يبعثُهَا على رأس مائة سنةٍ، تَقْبُضُ روح كلِّ مُؤْمنٍ". (155) ولابن أبي شيبة: عن1 ابن عمرو: أنّه قال لرجلٍ من أهل العراق: هل تَعْرِفُ أرضاً فيكم كثيرة السِّباخ، يُقَالُ لَها كُوثَي. قلت: نعم. قال: "مِنْها يَخْرجُ الدّجّالُ". ثمّ قال2: "إنّ الأشْرَارَ بعد الأخيار عشرين   1 ذكره الإمام عبد الرّزّاق الصّنعاني في مصنّفه ج 11، ص: 395، باب الفتن حديث رقم: (20829) ، مع اختلاف في اللّفظ، ورواه عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، باب ذكر مدّة مكث النّاس بعد طلوع الشّمس من مغربها ص: 212، غير أنّه قال عن عبد الله بن عُمَرَ. 2 هذا تتمة لكلام ابن عمرو، وقال الطّبراني: أخرجه بن حماد في الفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ومائة سنةٍ. لا ندري أحد من النّاس متى يدخل أوّلها؟ ". وقال1: ثنا وكيع: عن إسماعيل: عن خثيمة. قال: يَبْقَى النّاس بعد طلوع الشّمسِ من مغربِها عشرين ومائة سنة. (156) وقال: عبد2 بن حميد: نا يزيد بن هرون: نا إسْمَاعيل بن أبي خالد: سمعت أبا خيثمة يحدِّث عن عبد الله بن عمرو. قال: "يَبْقَى النّاس بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها عشرين ومائة سنة".   1 ذكره كذلك الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 313، وقال كذلك عن عبد الله بن عُمَر، وأوّل الحديث:"يمكثُ"بدل:"يبقى".ونسبه إلى ابن أبي شيبة. 2 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 213، باب ذكر مدّة مكث الناس بعد طلوع الشّمس من مغربها، غير أنّه قال: عن عبد الله بن عُمَرَ، ثم قال: أخرجه نعيم بن حماد في الفتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 (157) ولأبِي نعيمٍ1: عن عبسة بن عمرو. قال: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتّى تَعْبُدَ الْعَرَبَ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ آباؤها عشرين ومائة سنة، بعد نزول عيسى بن مريم. وللحاكم: عن بريدة: مرفوعاً: معناه.   1 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 213، نفس الباب قال: أخرج نعيم عبن عبد الله بن عُمَرَ، قال: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ الْعَرَبُ مَا كانت تَعْبُدُ آباؤها عَشْرين ومَائَةَ عامٍ بَعْدَ نُزُولِ عيسى بْنِ مريم وبَعْدَ الدّجّال"، بزيادة قوله: "وبعد الدّجّال"، وبلفظ: "عامٍ"، بدل: "سنة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 بَابُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَعِمَارَتِهَا قَبْلَ السّاَعَةِ (158) ولِمسلم1 عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "تَبْلُغُ الْمَسَاكِنُ إِهَاب. أو يهَاب" 2. قال زُهَيْرٌ: قلت لسُهَيْلٍ: وكم3 ذاك من الْمدينة. قال: كذا وكذا ميلاً. (159) ولأبِي داود4 عن ابن عمر. قال رسول الله   1 صحيح مسلم شرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل السّاعة ص: 30. 2 "تبلغ المساكن إهاب أو يهاب"، أمّا إيهاب فبكسر الهمزة. وأمّا يهاب فبياء مثناة تحت مفتوحة ومكسورة، والمشهور الأوّل، وهما اسم موضعٍ بقرب المدينة، يعني: أنّ المدينة تتوسع جدّا حتّى يصل مساكنها إلى ذلك الْموضع. 3 في صحيح مسلم: "فكم ذلك". 4 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها ص: 320. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 صلّى الله عليه وسلّم: "يوشِكُ1 الْمُسْلِمُون أن يُحَاصَرُوا إلى الْمدينة. حتّى يكون أبعد مسالِحهم سُلاحٌ" 2. قال الزّهريّ: وسلاحٌ قريب من خيبر. (160) ولِمسلم3: عن أبي هريرة: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول:   1 "يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة"، يحاصروا بالبناء للمجهول، أي: يحبسوا ويلتجئوا إلى مدينة النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لمحاصرة العدوّ إيّاهم، أو يفرّ المسلمون من الكفار ويجتمعون بين المدينة وسلاح، أو أنّ بعضهم دخل في حصن المدينة، وبعضهم ثبتوا حواليها احتراساً عليها. 2 "أبعد مسالحهم سلاح"، مسالح جمع مسلحة، وأصله: موضع السّلاح، ثم استعمل للثّغر، وهو المراد هنا، أي: أنّ أبعد ثغورهم هذا الموضع القريب من خيبر، وقد يستعمل لقوم يحفظون الثّغور من العدوّ، وسلاح بضم السّين وفتحها: موضع أسفل خيبر. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 9، كتاب الحجّ، باب في المدينة حين يتركها أهلها ص: 160. وصحيح البخاري بشرح الفتح ج 4، كتاب فضائل المدينة، باب مَن رغب عن الْمدينة، ص: 89، مع اختلاف في اللّفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يَتْرُكُون الْمدينةَ علَى خَيْرٍ مَا كانت، لا يَغْشَاهَا إلاّ العوافي1 – يريد عوافي السِّباع والطّير- يَخرج2 راعيان من مزينة، يريدان الْمدينة. يَنعَقَان3 بغنمها، فيجدانِها   1 "لا يغشاها إلاّ العوافي"، العوافي، جمع عافية، وهي التي تطلب أقواتها، ويقال للذّكر: عاف. قال ابن الجوزي: "اجتمع في العوافي شيئان: أحدهما: أنّها طالبة لأقواتها من قولك: عفوت فلاناً أعفوه فأنا عاف والجمع: عفاة، أي: أثبت أطلب معروفه. والثّاني: من العفاء، وهو الموضع الخالي الذي لا أنيس به، فإنّ الطّير والوحش تقصده لأمنها على نفسها فيه. شرح الفتح. 2 في صحيح مسلم: "ثم يخرج"، بزيادة: ثم وأمّا معنى الحديث: فالظّاهر المختار: أنّ هذا التّرك للمدينة يكون في آخر الزّمان عند قيام السّاعة، وتوضّحه قصة الرّاعيين من مزينة، فإنّهما يخران على وجوههما حين تدركهما السّاعة. وهما آخر مَن يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري، وقد وقع عند مسلم بلفظ: "ثم يحشر راعيان". 3 "ينعقان"، أي: يصيحان بغنمهما، فالنّعيق زجر الغنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وحشاً1؛ حتّى إذا بلغا ثنيّةالوداع خرّاً على وجوههما2. (161) وروى عمر بن3 منبِّه عن سُلَيْمَانَ بن الوليد ابن مسلم عن ابن لَهيعة عن أبي الزّبير، عن جابر عن عمر يقول: أنّه سَمع رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "يَخْرجُ أَهلُ الْمدينة منها، ثمّ يَعُودُون إليها، فيعمرونَها حتّى تَمْتَلِئ. ثمّ يَخرُجون منها، فلا يَعُودُون إليها أبداً ". وله: من حديث أبي سعيد نحوه. (162) وله4: عن أبي هريرة. قال:   1 "فيجدانها وحشا"، قيل: معناه: يجدانها خلاء، أي: خلية ليس بها أحد. قال إبراهيم الحربي:"الوحش من الأرض: الخلاء، والصّحيح أنّ معناه: يجدانها ذات وحوش ويكون وحشاً بمعنى وحوشاً، وأصل الوحش: كلّ شيء توحش من الحيوان، وجمعه: وحوش، وقد يعبّر بواحده عن جميعه، كما في غيره". 2 "خرا على وجوههما"، أي: سقطا ميتين. 3 لم أنجده في الأصول التي بين أيدينا. 4 لم نجده فيما بين أيدينا من أصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 والذي نفسي بيده لَيَكُونَنَّ بِالْمدينة مَلْحَمَةُ يُقَالُ لها الْحاَلِقَةُ، لا أقول: حَالقَةُ الشّعر، ولَكن حَالقَةُ الدِّين، فأخرجوا من الْمدينة ولو على قدر بريد". (163) ولِمسلم1: عن أبي هريرة. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "والّذي نَفسي بيده لا تَذْهَبَ الدُّنيا حتّى يَمُرَّ الرَّجُلُ على القبر، فَيَتَمَرَّغُ عليه، ويقول: يا ليتنِي كنت مكان هذا القبر، وليس به الدِّين إلاّ البلاء". (164) وله2: عنه. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18،كتاب الفتن، باب لا تقوم السّاعة حتّى يمر الرّجل بقبر الرّجل فيتمنّى أن يكون مكان الميّت من البلاء، ص:34. 2 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن، وأشراط السّاعة، الباب السّابق، ص: 35. وصحيح البخاري بشرح الفتح، ج 3، كتاب الحجّ، باب هدم الكعبة، ص: 460. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْن1 من الْحَبَشَة". (165) وللبخاري2: عن ابن عبّاس: عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- قال: "كَأنِّي به أَسْوَدَ أَفْحَجَ3 يَقْلَعُها حَجَراً حَجراً" 4.   1 "ذو السّويقتين"، هما: تصغير ساقي الإنسان، قال القاضي: "صغّرهما لرقّتهما، وهي صفة سوق السّودان غالباً، ولا يعارض هذا قوله تعالى: {حَرَماً آمِناً} ، [العنكبوت، من الآية: 67] ؛ لأنّ معناه: آمناً إلى قرب القيامة وخراب الدّنيا، ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان: "لا يعمر بعده أبداً". وقد قيل: ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشّام له إلى غير ذلك من الوقائع، وكلّ ذلك لا يعارض قوله تعالى: {حَرَماً آمِناً} ، [العنكبوت، من الآية: 67] ، لأنّ ذلك إنّما وقع بأيدي المسلمين فهو مطابق لقوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "ولن يستحلّ هذا البيت إلاّ أهله"، فوقع ما أخبر به النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، وهو من علامات نبوّته، وليس في الآية ما يدلّ على استمرار الأمن المذكور فيها". 2 صحيح البخاري بشرح الفتح ج 3، كتاب الحجّ، باب هدم الكعبة، ص: 460. 3 "أسود أفحج"، أفحج بوزن أفعل بفاء ثم حاء ثم جيم، والفحج: تباعد ما بين السّاقين. 4 "حجراً حجراً"، حال، كقولك: بَوَّبْتُه باباً باباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 (166) وقال أبو1 عبيد: ثنا يزيد بن هرون عن هشام بن حسّان عن حفصة عن أبي العالية عن علي في حديث: "اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ بِهَذا الْبَيْتِ قبل أن يُحَالَ بَيْنَكُم وَبَيْنَه، وكَأَنِّي برجلٍ من الْحَبَشَةِ أَصْعَل2، أَصْحَم، حَمشَ السّاقَيْن3. قاعد عَلَيها وهي تُهدِم". قال الأصمعي: أصعل كذا يروى: فأمّا كلام الْعَرَب فهو: صعل. بغير ألفٍ. وهو صغير الرّأس.   1 ذكره ابن حجر في الفتح ج 3، كتاب الحجّ، باب هدم الكعبة، ص: 461، نقلاً عن أبي عبيد في غريب الحديث بلفظٍ: "أصلع أو قال: أصْمع، وقال: ورواه الفاكهي من هذا الوجه بلفظٍ: أصعل بدل أصلع، وهو الموافق لما في المخطوطة. 2 "أصعل"، الأصعل: الصّغير الرّأس، والأصمع: الصّغير الأذنين، والأصلع: مَن ذهب شعر مقدم رأسه. 3 "حمش السّاقين"، حمش: بحاء مهملة، وميم ساكنة ثم معجمة، أي: دقيق السّاقين وهو موافق لرواية أبي هريرة السّابقة حديث رقم: (164) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (167) ولأبِي1 داود الطّيالسي عن أبي هريرة عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- قال: "كَأَنِّي2 يُبايعُ لِرَجُلٍ بينَ الرّكن والْمقَام، وأوّل من يستحلّ هذا البيت أهله، فإذا استحلّوه فلا تسأل عن هَلَكَةِ العرب، ثمّ تَجيء3 الْحبشة فيُخَرِّبونه خراباً، لا يعمر بعده، وهم الّذين يستخرجون كنْزه. (168) ولِمسلم4 عن جابر بن عبد الله، قال:   1 أبو داود الطّيالسي، الجزء العاشر، ص: 312، رقم الحديث: (2373) ، الطّبعة الأولى طبعة الهند سنة: 1331هـ. وأوّل الحديث: "حدّثنا بن أبي ذئب، قال: أخبرني سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يحدّث أبا قتادة وهو يطوف بالبيت، فقال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "يبايع لرجلٍ بين الرّكن والمقام ... " الحديث. 2 لا توجد كلمة: "كأني في الطّيالسي". 3 في الطّيالسي: "ثم يجيء" بالياء بدل التّاء. 4 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب: لا تقوم السّاعة حتّى يمرّ الرّجل بقبر الرّجل فيتمنّى أن يكون مكان الميّت من البلاء، ص: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 يُوشِك1 أهل العراق ألاّ يُجْبَى إليهم قَفِيزٌ، ولا دِرْهَمٌ. قلنا: من أين2؟ قال: من قبل الْعَجَم؟ يمنعون ذلك؟ 3، ثمّ قال: يوشك أهل الشّام ألاّ يُجْبِى إليهم دينارٌ ولا مدي. قلنا: من أين ذلك؟ 4. قال: من قبل الرّوم. ثمّ سكت5 هنيّةً. ثمّ قال: قال رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم -:"يَكُونُ فِي آخر أُمَّتِي خليفةٌ يَحثُو6 المالَ حثياً.   1 "يوشك أهل العراق"، معناه: يسرع وقد سبق شرح ألفاظ الحديث في حدث رقم: (101) . 2 في صحيح مسلم: "من أين ذاك". 3 في صحيح مسلم: "ذاك" بدل: ذلك. 4 في صحيح مسلم: "ذاك" بدل: ذلك. 5 "ثم سكت" في صحيح مسلم: "ثم أَسْكَتَ"، وذكر القاضي أنّهم ردّوه بحذف الألف كما في المخطوطة، وسكت وأسكت لغتان بمعنى: صمت. وقيل: أسكت بمعنى: أطرق. وقيل: بمعنى: أعرض. وقوله: هُنَيةً: فمعناها: قليلاً من الزّمان، وهو تصغير: هنة، ويقال: هنيهة أيضا. 6 "يحثو المال حثياً"، في رواية جابر هذه في صحيح مسلم: "يحثي"، بالياء، وفي رواية أبي سعيد عند مسلم: "يحثو المال حثياً" ص: 39، نفس الكتاب والباب، قال أهل اللّغة: يقال: حثيت أحثي حثياً وحثوت أحثو حثواً، لغتان، وقد جاءت اللّغتان في هذا الحديث. وجاء مصدر يحثي مع الفعل يحثو، وهو جائز من باب قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} ، [نوح: 17] . والحثو: هو الحفن باليدين، وهذا الحثو الذي يفعله الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات، مع سخاء نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ولا يعُدُّه عدّاً"1. قيل2 لأبي نضرة وأبي العلا: تريان أنّه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا. (169) وله3 عن أبي سعيد وجابر، قالا: قال رسول الله – صلّ الله عليه وسلّم: "يَكُونُ فِي آخر الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ، يقسم الْمَالَ، ولا يَعُدُّهُ".   1 "ولا يعدّه عدّاً"، في رواية جابر: "لا يعده"، بدون الواو، وما في المخطوطة موافق لرواية أبي سعيد في مسلم. وقوله: "عدّاً"، مخالف لكثيرٍ من النّسخ؛ إذ فيها: "عدوا". قال في المصباح: يقال: عددته عدّاً من باب قتل، والعدد بمعنى المعدود. وفي بعضها: عدا، فحينئذٍ يكون مصدراً مؤكّداً. 2 في صحيح مسلم: "قال: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنّه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا.". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 18، نفس الباب ص: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَهْدِيِّ 1:   1 قال صاحب كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود عند أوّل كتاب المهدي: "وأعلم أنّ المشهور بين الكافّة من أهل الإسلام، على مَمرّ العصور: أنّه لا بدّ في آخر الزّمان من ظهور رجلٍ: من أهل البيت، يؤيّد الدِّين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويُسَمَّى بـ: (المهدي) ، ويكون خروج الدّجّال وما بعده، ـ من أشراط السّاعة الثّابتة في الصّحيح ـ على أثره، وأنّ عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يَنْزِل من بعده فيقتل الدّجّال، أو يَنْزِل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدي في صلاته. وخرّج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة، منهم: أبو داود، والتّرمذي، وابن ماجه، والبزّار، والحاكم، والطّبراني، وأبو يعلى الموصلي. وأسندوها إلى جماعةٍ من الصّحابة مثل: عليّ، وابن عبّاس، وابن عمر، وطلحة، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وأنس، وأبي سعيد الخدري، وأمّ حبيبة، وأم سلمة، وثوبان، وقرّة بن إياس، وعليّ الهلالي، وعبد الله بن الحارث بن جزء ـ رضي الله عنهم ـ. وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيحٍ، وحسنٍ، وضعيفٍ. وقد بالغ الإمام المؤرِّخ عبد الرّحمن بن خلدون المغربي في تاريخه: في تضعيف أحاديث المهدي كلّها، فلم يصب بل أخطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ...................................................................................................   وما روى مرفوعاً من رواية محمّد بن المنكدر عن جابر: "مَن كذّب بالمهدي فقد كفر"، فموضوع، والمتهّم فيه أبو بكر الأسكاف. وربّما تمسّك المنكرون لشأن المهدي بما روى مرفوعاً: أنّه قال: "لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم". والحديث ضعّفه البيهقي والحاكم، وفيه: أبان بن صالح وهو متروك الحديث. والله اعلم. وقال صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع التّرمذي، في باب ما جاء في المهدي، بعد أن نقل ما سبق من عون المعبود: "قلت: الأحاديث الواردة في خروج الإمام المهدي كثيرة جدّاً، ولكن أكثرها ضعاف. ولا شكّ في أنّ حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه التّرمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن، وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف. فحديث ابن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج بلا مرية. فالقول بخروج الإمام المهدي وظهوره: هو القول الحقّ والصّواب. والله تعالى أعلم". وقال القاضي الشّوكاني في الفتح الرّباني: "الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الورادة في المهدي المنتظر خمسون حديثاً، وثمانية وعشرون أثراً، ثم سردها مع الكلام عليها. ثم قال: "وجميع ما سقناه بالغ حدّ التّواتر، كما لا يخفى على مَن له فضل اطّلاع". انتهى كلام صاحب تحفة الأحوذي. وحديث ابن مسعود الذي أشار إليه صاحب تحفة الأحوذي هو: عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رَسُولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرْبَ رَجَلٌ مِن أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي". ثم قال التّرمذي: وفي الباب: عن عليّ، وأبي سعيدٍ، وأمّ سلمة، وأبي هريرة. وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (170) ولأبِي1 داود عن أمِّ سلمة: أنّ النَّبِيّ – صلّ الله عليه وسلّم- قال: "يَكُونُ اخْتِلاَفٌ عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فيخرج رجلٌ من أهل الْمدينة2 هارباً إلى مكّة3، فيأتيه ناسٌ من   1 عون المعبود بشرح سنن أبي داود ج 11، كتاب المهدي، ص: 375. 2 "فيخرج رجل من أهل المدينة"، أي: كراهية لأخذ منصب الأمارة، أو خوفاً من الفتنة الواقعة فيها. 3 "هارباً إلى مكّة"؛ لأنّها مأمن كلّ مَن التَجَأَ إليها، ومعبد كلّ مَن سكن فيها، فيأتيه ناس من أهل مكّة بعد ظهور أمره ويخرجونه ـ وهو كاره ويبايعونه بين الرّكن ـ أي: الحجر الأسود ـ والمقام ـ أي: مقام إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ. قال الطّيبِي ـ رحمه الله ـ: وهو المهدي بدليل إيراد أبي داود هذا الحديث في باب المهدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 أهل مكّة، فَيُخْرِجُونَه وهو كارهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بيْن الرّكن والْمَقَام، ويُبعَثُ إليه بعثُ جَيْشٍ1 من الشّام، يَخسف2 بِهِم بِالبيداء، بين مكّة والْمدينة، فإذا رأى النّاس ذلك أَتَاهُ أَبْدَالُ الشّام3، وعَصَائِبُ4 الْعِرَاق، فيبايعونه، ثمّ ينشر5 رجل من قريش، أخواله   1 في سنن أبي داود: "ويبعث إليه بعث من الشّام"، بدون لفظٍ: "جيش"، أي: لحربه وقتاله. 2 في سنن أبي داود: "فيخسف بهم" ـ بالفاء ـ والبيداء: أرض ملساء بين الحرمين، أو هو موضع بين مكّة والمدينة، ـ وهو أكثر ما يراد بها. 3 "أبدال الشّام"، أبدال جمع بدل بفتحتين. قال في النّهاية: "هم الأولياء الواحد بدل، سمّوا بذلك؛ لأنّهم كلّما مات منهم واحد بدل بآخر". 4 "وعصائب العراق" أي: خيارهم، من قولهم: عصبة القوم خيارهم. قال في النّهاية:"جمع عصابة، وهم الجماعة من النّاس من العشرة إلى الأربعين، ولا واحد لها من لفظها، والمعنى: أنّ الأبدال والعصائب يأتون المهدي. وفي سنن أبي داود: وعصائب أهل العراق. 5 وفي سنن أبي داود: "ثم ينشأ رجل من قريشٍ"، بدل ينشر. هذا الرّجل هو الذي يخالف المهدي وينازعه في أمره، ويستعين عليه بأخواله، فيظهر الله أتباع المهدي عليه وعلى مَن يستعين بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 كلب، فيبعث إليهم بعثاً، فيظْهَرُون عليهم، وذلك بعث كلب، والْخيبةُ لِمَن لِم يشهد غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فيقسم الْمال ويعمل في النّاس بسنّة نبيِّهم – صلّ الله عليه وسلّم، ويلقي الإسلام بِجرانه1 إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، ثُمّ يُتوفّى ويصلِّي عليه الْمسلمون". (171) وذكر2 ابن شيبة عن موسى بن إسماعيل، ثنا حَمّاد ابن سلمة، ثنا أبو الْمهدم عن أبي هريرة، قال: يَجِيء جيشٌ من قبل الشّام، حتّى يدخل الْمدينة، فيقاتل الْمقاتلة، ويبقُرُ بُطُونَ النِّساء. ويَقُولُون لِلْحُبْلَى في البطن: اقتلوا صافَة السُّوء. فإذا حلّوا البيداء من ذي الْحُلَيفَة خُسِفَ بِهِم. فلا يُدْرِك أَسْفَلُهُم أَعْلاَهُم،   1 "ويلقي الإسلام بجرانه"، جرانه: بسكر الجيم بعدها رواء ثم نون: هو مقدم العنق. قال في النّهاية: "الجران باطن العنق، ومنه حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: "حتّى ضرب الحقّ بجرانه"، أي: قرّ قراره واستقام. كما أنّ البعير إذا برك واستراح مدّ عنقه على الأرض". انتهى. 2 لم نجده فيما بين أيدينا من أصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ولا أعلاهم أسفلهم. قال أبو المهدم: فلمّا جاء جيش ابن دلجة: قلنا: هم. فلم يكونوا هُمْ. (172) ولمسلم1: عن أم سلمة2، وسئلت عن الجيش الّذي يخسف به. وكان ذلك في أيّام ابن الزّبير. فقالت: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم:   1 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 18، كتاب الفتن وأشراط السّاعة، باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت، ص: 4. وفي سنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب البيداء ص: 1351، بمعناه. وكذلك في سنن أبي داود، بشرح عون المعبود ج 11، كتاب المهدي، 380 بمعناه أيضاً. 2 "عن أمّ سلمة"، قال القاضي: "قال أبو الوليد الكتاني: هذا ليس بصحيحٍ؛ لأنّ أمّ سلمة توفيت في خلافة معاوية، قبل موته بسنتين، سنة تسع وخمسين، ولم تدرك ابن الزّبير. قال القاضي: قد قيل: إنّها توفيت أيّام يزيد بن معاوية، في أوّلها، فعلى هذا يستقيم ذكرها؛ لأنّ ابن الزّبير نازع يزيد أوّل ما بلغته بيعته، عند وفاة معاوية، ذكره الطّبري وغيره. ومِمَن ذكر وفاة أمّ سلمة أيّام يزيد: أبو عمرو بن عبد البرّ في الاستيعاب، وكذلك أبو بكر بن أبي خيثمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 "يعُوذُ بِالْبيت عائذٌ1، فيُبعثُ إليه بعثٌ. فإذا كانوا ببيداءَ من الأرض2 خُسِفَ بِهِم". فقلت: يا رسول الله! وكيف3 بِمَن كان كارهاً؟ قال: يُخْسَف بِهِم4 معهم، ولكنّه يُبْعَثُ يومَ الْقِيَامَة على نيِّته ". قال أبو جعفر: هي بيداء المدينة. فقال له عبد العزيز بن رفيع: إنّما قالت: ببيداء من الأرض. فقال: كلاّ والله. إنّها لبيداء المدينة. (173) ولأبي5 داود عن أبي سعيد أنّ النّبيّ -– صلّى الله عليه وسلّم- قال: "يكون في أُمَّتِي الْمهديّ: إن   1 في صحيح مسلم: "يعوذ عائذ بالبيت". 2 "فإذا كانوا ببيداء من الأرض". وفي رواية: ببيداء المدينة. قال العلماء: البيداء: كلّ أرضٍ ملساء لا شيء بها، وبيداء المدينة: الشّرف الذي قدام ذي الحليفة، أي: إلى جهة مكّة. 3 في صحيح مسلم: "فكيف بِمَن كان كارهاً"، بالفاء. 4 في صحيح مسلم: "يخسف به معهم"، بإفراد الضّمير في "به". 5 لم نجده في مظانّه في سنن أبي داود، وهو في سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب خروج المهدي ص: 1366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 قُصر1 فَسَبعٌ، وإلاّ فَتِسْعٌ. تَنعُمُ2 فيه أُمَّتِي نِعمةً لَم يسمعُوا3 بِمثلها قطٌّ، تُؤتي أُكُلُهَا، ولا تتْرُك4 منه شيئاً. والمال يومئذ كُدُوسٌ5، يقوم الرّجل فيقول: يا مَهْدِيُّ! أعطني، فيقول: خُذْ". (174) وله6 عنه قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "الْمَهْدِيُ مِنّي7. أجلى الْجبهة8، أقنى الأنف9   1 "إن قصر"، أي: بقاؤه منكم. 2 في سنن ابن ماجه: "فتنعم فيه". 3 في السّنن: "لم ينعموا مثلها قط". 4 في السّنن: "ولا تتدخر منهم شيئاً". 5 "كدوس" أي: مجموع كثير. 6 "وله عنه" أي: لأبي داود، عن أبي سعيد، عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب المهدي، ص: 375. 7 "المهدي منِّي"، أي: من نسلي وذرّيّتي. 8 أجلى الجبهة، قال في النّهاية: "الجلا مقصوراً، انحسار مقدم الرّأس من الشّعر، أو نصف الرّأس. وهو دون الصّلع، فمعنى أجلى الجبهة: منحسر الشّعر من مقدم رأسه، أو واسع الجبهة". 9 "أقنى الأنف"، قال في النّهاية: "القنا في الأنف: طوله، ودقّة أرنبته، مع حدب في وسطه، والأرنبة: طرف الأنف، والحدب: الارتفاع. قال القاري: "والمراد أنّه لم يكن أفطس، فإنّه مكروه الهيئة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 يَمْلأُ الأرضَ قسطاً وعَدْلاً كما مُلِئَتْ جوراً وظلماً1، يملك سبع سنين". (175) وعن عبد2 الله عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم: "لَوْ لَم يَبْقَ من الدّنيا إلاّ يوم – قال زائدة في حديثه – لَطَوَّلَ الله ذلك اليوم3؛ حتّى يبعث الله رجُلاً مِنْ أُمَّتِي4، أو من أهل بَيْتِي. يُواطِيءُ5 اسْمُهُ اسْمِي، واسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أبِي". صحّحه التِّرمذي6.   1 في سنن أبي داود: "كما ملئت ظلماً وجوراً". 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب المهدي، ص: 369. 3 في سنن أبي داود بعد هذا اللّفظ: "ثم اتّفقوا". 4 في سنن أبي داود: "حتى يبعث الله فيه رجلاً منِّي". 5 "يواطئ" أي: يوافق، من المواطأة أي: الموافقة. 6 تحفة الأحوذي بشرح سنن التّرمذي، ج 6، باب ما جاء في المهدي، ص: 486، وقال: هذا حديث حسن صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (176) وله1 وحسّنه عن أبي سعيد، قال خشينا أن يكون نبيِّنا حدث2. فسألنا النّبيّ - – صلّى الله عليه وسلّم- فقال: "إنَّ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيَّ" 3، يعيش خمساً أو سبعاً، أو تسعاً – زيد هو الشّاك – قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: "سنين، فيجيء إليه الرّجل، فيقول: يا مهديّ! أعطنِي4، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله" 5.   1 تحفة الأحوذي بشرح سنن التّرمذي، ج 6،باب ما جاء في المهدي، ص:487. 2 "خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث"،قال في النّهاية:"الحدث: الأمر الحادث المنكر". 3 في سنن التّرمذي: "إنّ في أمّتي المهدي، يخرج يعيش". 4 في سنن التّرمذي: "أعطني أعطني". 5 "فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله"، الحثو، الحفن باليدين. ما استطاع أن يحمله: أي: يعطيه قدر ما يستطيع حمله وذلك لكثرة الأموال والغنائم، مع سخاء نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 (177) وروى الشّافعي1، عن أنس: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إلاّ شدّةً2، ولا الدّنيا إلاّ إدباراً، ولا النّاس إلاّ شُحّاً. ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلاّ على شِرَارِ الْخَلْقِ3، ولا مهديّ4 إلاّ عيسى بن مريم".   1 سنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب شدّة الزّمان، ص: 1341. في الزّوائد: "قال الحاكم في المستدرك ـ بعد أن روى هذا المتن بهذا الإسناد ـ: هذا حديث يعدّ في أفراد الشّافعي. وليس كذلك، فقد حدّث به غيره، وقد بسط السّيوطي القول فيه، وخلاصة ما نقل عن الحافظ عماد الدّين ابن كثير أنّه قال: هذا حديث مشهور بمحمّد بن خالد الجندي الصّنعاني المؤذّن؛ شيخ الشّافعي، وروى عنه غير واحدٍ أيضاً، وليس هو بمجهول، بل روي عن ابن معين أنّه ثقة". 2 "لا يزداد الأمر إلاّ شدّة"، أي: التّمسّك بالدِّين والسّنة، بقلّة الأعوان وكثرة المخالفين. 3 في سنن ابن ماجه: "إلاّ على شرار النّاس". 4 في سنن ابن ماجه: "ولا المهدي إلاّ عيسى بن مريم". وقد ذكر المحقّقون لهذا الحديث علله. وقد تواترت الأخبار عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بذكر المهدي، وأنّه بين أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّ عيسى يَنْزل فيساعده على قتل الدّجّال، وأنّه يؤم هذه الأمّة ويصلّي عيسى خلفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 رواه الشّافعي عن الجنديِّ. قال الحاكم: مجهول. واختُلف عليه في إسناده: فتارة يرويه عن أبان: عن ابن عيّاش، عن الحسن، عن النّبيّ -– صلّى الله عليه وسلّم- مع ضعف أبان. وتارة عن الحسن، عن أنس. فهو منفرد به، مجهول عن أبان، متروك عن الحسن، منقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 بَابُ ذِكْرِ الْمَسِيحِ بْنِ مَريَم وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ (178) وعن ابن1 عمر. قال رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم: "أراني2 اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ الْكَعْبَة؛ فإذا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ ما يُرى من أدمٍ الرّجل3، تَضْرِبُ   1 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 2، كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ، والمسيح الدّجّال، ص: 236. 2 "أراني اللّيلة في المنام عند الكعبة"، أراني: بفتح الهمزة، وأمّا الكعبة، فسميت بذلك لارتفاعها وتربعها. وكلّ بيتٍ مربّع عند العرب فهو كعبة. وقيل: سمّيت كعبةً لاستدارتها وعلوّها، ومنه كعب الرّجل، ومنه: كعب ثدي المرأة إذا علا واستدار. 3 في صحيح مسلم: "كأحسن ما ترى من أدم الرّجال"، والآدم من النّاس: الأسمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 لمَّتَهُ بَيْنَ كَتْفَيهِ1 رَجِلُ الشَّعْر2، يَقْطُرُ رَأْسُهُ ماءً3، واضِعٌ4 يَدَيْه عَلَى مَنْكِبَي رجلين، وهو5 يطوف بالبيت. فقلت: من هذا الرّجل؟ قالوا: المسيح بن مريم.   1 في صحيح مسلم: "تضرب لمته بين مكنبيه"، بدل كتفيه. ولمة: بكسر اللام وتشديد الميم، وجمعها: لمم، كقربة وقرب، قال الجوهري: ويجمع على لمام، يعنِي بكسر اللام. وهو الشّعر المتدلي الذي جاوز شحمة الأذنين، فإذا بلغ المنكبين فهو جُمّة. 2 "رجل الشّعر"، بفتح الجيم وكسرها، أي: ليس شديد الجعودة، ولا سبطاً مسترسلاً. 3 "يقطر رأسه ماء"، قال القاضي عياض: "يحتمل أن يكون على ظاهره، أ: يقطر بالماء الذي رجلها به لقرب ترجيله. وإلى هذا نحا القاضي الباجي. قال القاضي عياض: ومعناه عندي: أن يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه واستعارة لجماله". 4 في صحيح مسلم: "واضعاً يديه على منكبي رجلين"، والمنكب: مجمع عظم العضد والكتف. 5 في صحيح مسلم: "وهو بينهما يطوف بالبيت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 ورأيت1 رجلاً جعداً قططاً2 أعورالعين اليمني3،   1 في صحيح مسلم: "ورأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور عين اليمنى"، بزيادة لفظ: وراءه وبتجريد لفظ: "عين" من الألف واللام. 2 "جعد قططاً"،قال الهروي: الجعد في صفات الرّجال يكون مدحاً، ويكون ذمّاً. فإذا كان ذمّا فله معنيان: أحدهما: القصير المتردّد، والآخر: البخيل. يقال: رجل جعد اليدين وجعد الأصابع، أي: بخيل. وإذا كان مدحاً فله أيضاً معنيان: أحدهما: أن يكون معناه شديد الخلق، والآخر يكون شعره جعداً غير سبطٍ، فيكون مدحاً. قال القاضي: "قال غير الهروي: الجعد في صفة الدّجّال ذم، وفي صفة عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مدح. والله أعلم". 3 "أعور العين اليمنى"، هو عند النّحويّين الكوفيّين على ظاهره من الإضافة. وعند البصريّين يقدر فيه محذوف، والتّقدير: أعور عين صفحة وَجْهِهِ اليمنى. والله أعلم. وأمّا طواف عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ. فقال القاض عياض-رحمه الله-:"إن كانت هذه رؤيا عين كما جاءت مطلقة فيع بعض الرّوايات، فعيسى حيّ لم يمت، يعني: فلا امتناع في طوافه حقيقة، وإن كان مناماً كما جاء في هذه الرّواية فهو محتمل لما تقدم، ولتأويل الرّؤيا. قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما ذكر من طواف الدّجّال بالبيت وأنّ ذلك رؤيا، إذ قد ورد في الصّحيح: أنّه لا يدخل مكّة ولا المدينة، مع أنّه لم يذكر في رواية مالك طواف الدّجّال. وقد يقال: إنّ تحريم دخول المدينة ومكّة عليه إنّما هو في زمن فتنته. والله أعلم". نووي على مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 كأشبه من رأيت من النّاس بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح الدّجّال". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 باب: من أحاديث الدجال ... مِنْ أَحَادِيْثِ الدَّجَّالِ (179) ولابن أبِي شَيْبَةَ عن ابن عباس1: أنّ رسولَ الله– صلّى الله عليه وسلّم-قال: "الدّجّالُ أَعْوَرُ أَجْعَدُ، هِجَانُ أَحْمَرُ2، كأنَّ رَأْسَهُ غُصْنَةُ شَجَرَةٍ، أَشْبَهُ النّاس بِعَبْدِ الْعُزَّي بن قَطَنٍ".   1 ذكره الهيثمي في موارد الظّمآن إلى زوائد ابن حبّان بتحقيق: محمّد عبد القادر حمزة، كتاب الفتن، باب ما جاء في الكذّابين والدّجّال ص: 468، ولفظه: عن ابن عبّاس، عن النَّبِيّ ـ صلّى الله علي وسلّم ـ أنّه ذكر الدّجّال فقال: "أَعور هِجَانٌ أَزْهَرُ، كأنَّ رأَسَهُ أَصْلَةُ، أشبه النَّاس بعبد العزّى بن قطن، فإن هلك الهالك فإنّ ربكم ليس بأعورَ". الهجان: الأبيض، ويقع على الواحد، والاثنين، والجمع، والمؤنث، بلفظٍ واحدٍ. الأزهر: الأبيض: المستنير. والأصلة: الحية العظيمة الضّخمة القصيرة، والعرب تُشَبِّهُ الرّأس الصّغير، كثير الحركة برأس الحية. 2 والأجعد خلاف السّبط، أو القصير المتردد الْخَلْق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 (180) ولأبي داود1 الطّيالسي، عن أبي هريرة: عن النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم- قال: "أمّا مَسِيحُ الضَّلاَلَةِ، فإنّه أَعْوَرُ الْعَيْن، أَجْلَى الْجَبْهَة2، عَريضُ النَّحْرِ، فِيهِ انْدِفَاءُ3، مِثْلُ قَطَنَ ابن عَبْدِ الْعُزَّى". فقال الرّجل: يَضُرُّنِي يا رسولَ الله شبهه؟ قال: "لاَ. أنت مسلم، وهو كافر". (181) ولابن4 ماجه بسند صحيح. عن أَبِي بَكْرٍ   1 مسند أبي داود الطّيالسي، ج 10، ص: 230، رقم: (2532) ، وأوّل الحديث قال: "خَرَجْتُ إِلَيْكُم وَقَدْ بُيِّنَتْ لِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمَسِيحُ الضَّلالَةِ، فَكَانَ تِلاَحٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ، فَذَهَبْتُ لأَحْجُزَ بَيْنَهُمَا، فَأُنْسَيْتُهُما وَسَأًَبْدُو لَكُم بَدْواً، أَمَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخَرِ، فِي وِتْرِ، وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلالَة ... " الحديث. 2 أجلى الجبهة: الخفيف شعر ما بين النَّزْعَتَين من الصُّدْغَين والذي انحسر الشّعر عن جبهته. 3 "فيه اندفاء" أي: انْحِنَاءٍ. 4 سنن ابن ماجه ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال وخروج عيسى بن مريم، ص: 1353. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الصِّديقِ – رضي الله عنه- قال رسولُ الله– صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الدّجّال يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ. يُقَالُ لَهَا: خُراسَانُ. يَتْبَعُهُ أَفْوَاجٌ1، كَأَنَّ وُجُوهَهُم الْمُجَانَّ الْمَطْرَقَةُ" 2. (182) ولأبي3 داود الطّيالسي: في مسنده: عن سفينة مرفوعاً:   1 في سنن ابن ماجه: "يتبعه أقوام"، بدل: أفواج. 2 "كأنّ وجوههم المجان المطرقة"، قال في النّهاية: "أي: التّراس التي ألبست العقب شيئاً فوق شيءٍ، ومنه: طَارَق الفعل: إذا صيرها طاقاً فوق طاق، وركب بعضها فوق بعضٍ، ورواه بعضهم بتشديد الرّاء للتّكثير. والأوّل أشهر. والمجان: جمع مجن، وهو التّرس، قال السّندي: التّرس المطرق: الذي جعل على ظهره طراق. والطّراق: جلد يقطع على مقدار التّرس، فيلصق على ظهره. شبه وجوههم بالتّرس لبسطها وتدويرها، وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها. 3 مسند أبي داود الطّيالسي، الجزء الخامس، ص: 150، حديث رقم: (1106) . ومن تتمة الحديث: "يعني ـ مكتوب: كاف، فاء، راء ـ ويخرج معه واديان: أحدهما جنة والآخر نارٌ، فناره جنته، وجنته ناره. فيقول الدّجّال: ألست بربّكم أحيِي وأميت؟ ... " الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 "إنّهُ لَم يَكُن نَبِيٌّ إلاّ وقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدّجّال، ألا وإنّه أعور الْعَيْن الشَّمَالِ. وبِالْيُمْنَى ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ1، بَيْنَ عَيْنِيْهِ كَافِرٌ ... "، الحديث. (183) ولأبِي داود2، في سننه، عن عبادة بن الصّامت: إنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إنِّي كُنْتُ حدَّثْتُكم3 عن الْمسيح الدّجّال؛ حتّى خشيتُ ألا تَعْقِلُوا4. إِنَّ الْمسيحَ5 الدَّجَّالَ قَصِيْرٌ6 أَفْحَجُ، جَعدٌ أَعْوَرُ،   1 "ظفرة غليظة"، هي بفتح الظّاء والفاء: لَحْمةٌ تنبت عند المآقي، وقد تمتد إلى السّواد فَتُغْشِيه. 2 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 11، كتاب الفتن، باب خروج الدّجّال، ص: 443. 3 في سنن أبي داود:"إنّي حدّثتكم عن الدّجّال"،بدون ذكر لفظ: كنت، المسيح. 4 "حتى خشيت ألا تعقلوا"، قال الطّيبِي ـ رحمه الله ـ: "أي: حدّثتكم أحاديث شتى، حتى خشيت أن يلتبس عليكم الأمر فلا تعقلوه، فاعقلوه". 5 في السّنن: "إنّ مسيح الدّجّال" بدون الألف واللام. 6 في السنن: "رجل قصير"، هذا يدلّ على قصر قامة الدّجال. ولا ينافي أنّه أعظم إنسانٍ، كما جاء في حديث تميم الدّاري، وجه الجمع: أنّه لا يبعد أن يكون قصيراً بطيناً عظيم الخلقة، قال القاري: "وهو المناسب؛ لكونه كثير الفتنة، أو أنّ الغظمة مصروفة إلى الهيبة". (أفحج) كأسود: هو الذي إذا مشى باعد بين رجليه، كالمختتن. و (جعد) هو من الشّعر، خلاف السّبط، أو القصير منه. (أعور) إحدى عينيه مطموس العين، أي: ممسوحها بالنّظر إلى الأخرى. قال في النّهاية: "إنّ الدّجّال مطموس العين، أي: ممسوحها من غير بخص ـ أي قلع العين ـ. والطّمس: استئصال أثر الشّيء. والدّجّال سُمِّي بالمسيح؛ لأنّ عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه، ومسيح، وهو ألا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلاّ استوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مَطْمُوسُ الْعَيْن، ليس بِنَاتِئَةٍ، ولا جَحْرَاءَ1. فَإِنِ الْتَبَسَ2 عليكم، فاعْلَمُوا أنَّ ربَّكم- عزّ وجلّ –3 لَيْسَ بِأَعْورَ".   1 "ليس بناتئة ولا جحراء"، ناتئة: أي: مرتفعة، ولا جحراء، قال في النّهاية: "جحراء: أي: غائرة متجحرة في نقرتها، وهو بفتح الجيم وسكون الحاء. 2 في السّنن: "فإن ألبس عليكم" بصيغة المجهول، أي: إن اشتبه عليكم أمر الدّجّال بنسيانٍ ما بينتُ لكم، أو بما يدّعيه من الألوهية بالأمور الخارقة عن العادة، فاعلموا أنّ ربّكم ليس بأعور. أي: أقلّ ما يجب عليكم من معرفة صفات الرّبوبية: هو التَّنْزِيه عن الحدوث والعيوب لاسيما النّقائص الظّاهرة المرئية. 3 لا توجد هذه الجملة في سنن أبي داود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 (184) ولابن1 أبي شيبة عن سمرة بن جندب عن النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ. وذكر الدَّجَّال. قَالَ: وإنّه متى يَخْرج فإنّه يَزْعُمُ أنّه الله، فَمَنْ آمَنَ بِهِ واتَّبِعَهُ وَصَدَّقَهُ، فليس يَنْفَعُه صالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، ومَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ، فَلَيْسَ يُعَاقَبُ بِشَيءٍ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وإنّه سيظهر على الأرض كلِّها إلاّ الحرم وبيتَ المقدس، وإنّه يَحْصُر الْمُؤْمِنِين فِي بيت الْمقدس" الحديث. (185) وزاد2 التِّرمرمذي: في حديث النّواس: عند ذكر يأجوج ومأجوج: "ويَسْتَوْقِدُ النّاس من قِسَيِّهم ونُشَابِهِم وجِعَابِهم3 سبْعَ سِنِيْن".   1 لم نجده فيما بين أيدينا من أصول. 2 تحفة الأحوذي بشرح سنن التّرمذي، ج 6، أبواب الفتن، باب ما جاء في فتنة الدّجّال، ص: 506، في حديثٍ طويلٍ. 3 "من قسيهم ونشابهم وجعابهم"، القسي: جمع قوس، والضّمير ليأجوج ومأجوج، ونشابهم: أي: سهامهم، وجعابهم: جمع جعبة، بالفتح ـ وهي ظرف النّشاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 (186) وللبزّار عن حذيفة1، قال: كنّا مع رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم – فذكر الدّجّال. فقال: "لَفِتْنَةُ بَعْضِكُم أخوف عندي من فتنة الدّجّال، ليس2 من فتنةٍ صغيْرَةٍ ولا كَبِيْرَةٍ إلاّ تَتَّضَعُ لِفِتْنَة الدّجّال، فَمَنْ نَجَا مِنْ فتنة ما قبلها، فقد نَجَا منها3، والله لا يضرّ مسلماً4. مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْه كافِرٌ "5.   1 ذكره الحافظ نورالدِّين علي بن أبي بكر الهيثمي في موارد الظّمآن إلى زوائد ابن حبان، بتحقيق: محمّد عبد القادر حمزة، كتاب الفتن، باب ما جاء في الكذّابين والدّجّال، ص: 468. وذكره صاحب مجمع الزّوائد ج 7، ص: 335، مع اختلاف، وقال: رواه أحمد والبزّار ورجاله رجال الصّحيح. 2 "في زوائد ابن حبان: "إنّها ليست". 3 لا يوجد لفظ: "فقد" في زوائد ابن حبان. 4 في زوائد ابن حبان: "وإنّه لا يضرّ مُسْلِماً". 5 في الزّوائد بعد قوله: "مكتوب بين عينيه كافر" بهجاوة: ك ف ر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 (187) ولابن1 ماجه: عن أبي هريرة: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرَان2 كلَّ يَوْمٍ؛ حتّى إذا كَادُوا يَرَونَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قال الّذي عَلَيْهِم: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهَ3 غداً، فَيُعِيدُهُ الله – تعالى4 – أَشَدَّ مَا كَانَ؛ حتّى إذا بلغت مُدَّتُهم، وأراد الله تعالى – أن يَبْعَثَهُم على النّاس حَفَرُوا؛ حتّى إذا كادوا يرون شُعَاعَ الشَّمْسِ، قال5: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ6 إن شاء الله – تعالى- فَاسْتَثْنَوا7، فَيَعُودُون إليه، وهو كَهَيْئِتِهِ   1 سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال، وخروج عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، ص: 1364. 2 في السّنن: "يحفرون" بصيغة الجمع. 3 في السّنن: "فسنحفره غدا". 4 لا توجد هذه الجملة في السّنن في الموضعين. 5 في السّنن: "قال الذي عليهم". 6 في السّنن: "فستحفرونه غدا". 7 في السّنن: "واستثنوا"، بالواو بدل الفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 حِيْن تركوه، فَيَحْفِرُونَهُ ويَخْرَجُون على النّاس فَيَسْقَونَ1 الْمَاءِ. وَيَتَحَصَّنُ النّاسُ مِنْهُم فِي حُصُونِهِم؛ فَيَرْمُون سِهَامَهم2 إلى السّماء، فَيَرْجِعُ عَلَيهَا الدَّمُ الّذي اجْفَظَّ3، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأرض، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السّماء، فَيَبْعَثُ الله نَغَفاً فِي أَعْنَاقِهم4، فَتَقْتُلُهم". قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم: "والّّذي نفسي بيده! إنّ دَوَابّ الأرض لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ5 شُكْراً مِنْ لُحُومِهِم".   1 في السّنن: "فَيَنْشِفُون الماءَ"، وأصل النّشف: دخول الماء في الأرض أو الثّوب، يقال: نشفت الأرض الماء تنشفه نشفاً، شربته. ونشف الثّوب العرقَ وتَنَشَفّه. 2 في السّنن: "فيرمون بسهامهم". 3 "فترجع عليها الدّم الذي اجفظ" أي: ملأها، أي: ترجع السّهام عليهم حال كون الدّم ممتلئاً عليها، فكأنّ قوله: "عليها الدّم الذي اجفظ" جملة حالية من قوله: "فترجع"، فلفظ: "اجفظ" من باب أحمر، من الجفظ، في القاموس: الجفيظ: المقتول المنتفخ، والْجَفْظُ الملء، واجفاظّت الجيفة، واجفأظّت، كاحمارّ واطمأن: انتفخت. 4 في السّنن: "فيبعث الله نغفاً في أقفائهم فيقتلهم بها" والنّغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نَغَفة. 5 "وتشكر" أي: تسمن وتمتلئ شحماً، يقال: شَكِرَت النّاقة تَشْكَر شكراً، إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 بَابٌ فِي خُرُوجِ الدَّابَّةِ 1   1 قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} ، [النّمل: 82] . قال ابن كثير في تفسيره: "هذه الدّابة تخرج في آخر الزّمان، عند فساد النّاس وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدّين الحقّ. وخروج هذه الدّابّة، قيل: من مكّة، وقيل: من غيرها، فتكلم النّاس على ذلك، (أي على ما أحدثوا وغيّروا وبدّلوا) . قال ابن عبّاس، والحسن، وقتادة، ويروى عن عليّ ـ رضي الله عنهم ـ: "تكلّمهم كلاماً"، أي: تخاطبهم مخاطبة. وفي تفسير الألوسي: ويؤيّد ذلك قراءة أبيّ: "تنبّئهم"، وقراءة يحيى بن سلام: "تحدّثهم". وقيل: هو من الكلم بمعنى: الجرح، والتّفعيل للتّكثير. وفي تفسير الألوسي: "ويؤيّد ذلك قراءة ابن عبّاس: "تَكْلمهم" بفتح التّاء وسكون الكاف، وقراءة بعضهم: "تجرهم" مكان "تكلمهم". ولقد سئل ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ هل ما في الآية تُكَلِّم أو تَكْلَمُهم؟ فقال: كلّ ذلك تفعل، تُكَلِّم المؤمن، وتَكْلُم الكافر. وهذا القول: قول حسن ينتظم الرّأيين ويجمع بينهما، والله أعلم". أمّا القول بأنّ المقصود بالدّابّة، هو الجراثيم التي اكتشفت حديثاً هي تنقل الأمراض وتجرح النّاس، وكان ذلك عقاباً لهم على ما أحدثوا. فلا وجه له؛ إذ إنّ الدّابّة، كما تدلّ الآية: تخرج للنّاس على غير ما ألفوا حتّى يكون فيها الإنذار والزّجر، وقد وصف الرّسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ خروج الدّابّة بأنّه آية من علامات السّاعة، وما ذكر من الأمراض والجروح معهود للنّاس قديماً وحديثاً. فلا آية فيه. وأيضاً ما ذكر يخالف تفسير ابن عبّاس والحسن وغيرهما للتكليم بمعنييه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (188) ولابن ماجه1 عن بريدة. قال: ذهب2 رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم- إلى موضع بالبادية، قريب، من مكّة. فإذا أرض يابسة حولها رمل. فقال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم-: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِع"، فإذا فتر في شبر.   1 سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب دابّة الأرض، ص: 1352. في الزّوائد: "هذا إسناد ضعيف؛ لأنّ خالد بن عبيد قال البخاري: في حديث نظر. وقال ابن حبان والحاكم: يحدث عن أنس بأحاديث موضوعة". 2 في السّنن: "ذهب بي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 قال ابن بريدة فحججت بعد ذلك سنين فأرانا عصا له. فإذا هو بعصاي هذه هكذا وهكذا.‍‍‍‍‍‍ (189) وله1: عن أبي هريرة: أنّ رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم-قال: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ ومَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بن داود، وعصا موسى بن عمران2، فتجلو وجه الْمؤمن3 بالعصا، وتَخْطِ‍‍‍‍‍م4 أنف الكافرِ بالْخَاتَم؛ حتّى إِنَّ أَهْلَ الْخِوَاِن لَيَجْتَمِعُوا5، فيقول هذا: يا مؤمن! ويقول هذا: يا كافر! " 6. وحسّنه التِّرمذي.   1 سنن ابن ماجه، ج 2، كتاب الفتن، باب دابّة الأرض، ص: 1351. 2 في السّنن: زيادة جملة: "عليهما السّلام". 3 "فيجعلو وجه المؤمن"، أي: تنوره. 4 "وتخطم" كتضرب لفظاً ومعنى. وقال السّيوطي: أي: تسمه. 5 في السّنن: "حتى إنّ أهل الحِواء ليجتعون" والحواء: بيوت مجتمعة من النّاس على ماء. "ليجتمعون" بثبوت النّون وهو الصّواب، والخوان، بضمّ الخاء وكسرها، قال الجزري: هو ما يوضع عليه الطّعام عند الأكل، النّهاية. 6 تحفة الأحوذي بشرح سنن التّرمذي، ج9،كتاب التّفسير سورة النّمل ص:44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 (190) وروى1 ابن جُريج عن ابن الزّبير أنّه وصف الدّابّة. فقال: "رَأْسُها رأسُ الثَّورِ، وعَيْنُهَا عَيْنُ الْخِنْزِيرِ، وأذنُها أذنُ فِيلٍ، وقَرنُها قرنُ أُيّل2، وصَدْرُها صدرُ أَسَدٍ. ولَونُها لونُ نَمِرٍ، وخَاصِرَتُها خَاصِرَةُ هِرَّةٍ، وذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ. وقَوَائِمُها قَوَائِمُ بَعِيْرٍ، بَيْنِ كلِّ مَفْصلَيْن3 اثنا عشر ذارعاً، معها عصا موسى، وخاتَم سُلَيْمَان. ولا يبقى مُؤْمِنٌ إلاّ نَكَتَتْه بعصا موسى نُكْتَةً بَيْضَاءَ، يَضِيء لَها وَجْهُهُ. ولا يبقى كافِرٌ إلاّ نَكَتَتْ وَجْهَهَ بِخَاتَم سليمان، فَيَسْوَد لَهَا وَجْهُهُ، حتّى أن النّاس يَتَبَايَعُون   1 ذكره البغوي في تفسيره، وكذلك ابن كثير عند الكلام على قول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} ، [النّمل: 82] ، في الجزء الثّالث من تفسير ابن كثير، والجزء الخامس من تفسير البغوي، مع الخازن، مع اختلاف في الألفاظ في كلّ. 2 أُيَّل بضم الهمزة وكسرها، والياء مفتوحة وهو ذكر الأوعال، أي: التّيس الجبلي، مصباح. 3 المفصل: بوزن: مسجد، أحد مفاصل الأعضاء، مصباح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 في الأسواق: بِكَمْ يا مؤمنٌ؟ وبِكَمْ يا كافرٌ؟ ثُمّ تقول لَهُمُ الدَّابَّةُ: يا فلان أنت من أهل الْجنّة، وأنت من أهل النّار. وذلك قوله- عزّ وجلّ: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} الآية، [النّمل، من الآية82] . (191) ولأبِي1 داود الطّيالسي في مسنده: عن حذيفة: قال: ذَكَرَ رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّم- الدّابَةَ فقال: "لها ثَلاَثُ خَرَجَاتٍ مِنَ الدّهْرِ: فَتَخْرُجُ فِي أَقْصَى البَادِية، ولا يدخل ذكرها في الْقَرْيَةِ- يعنِي: مكّة – ثُمّ يَكْمُن2 زماناً طويلاً، ثُمّ تَخْرُج خَرْجَةً أخرى دون ذلك، فَيَفْشُو3 ذكرُها فِي أَهْلِ الْبَادِية، ويدخل ذكرُهَا فِي القرية4: مكّة". قال رسول الله –   1 مسند أبي داود الطّيالسي، الجزء الرّبع، ص: 144، رقم الحديث: (1069) ، الطّبعة الأولى، طبعة الهند، 1331هـ. وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك ج 4، ص: 484، كتاب الفتن، وقال: "صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه". 2 في المسند: "ثم تكمن"، بالتّاء. 3 في المسند: "فيعلو" بدل فيفشو. 4 في المسند: "ويدخل ذكرها القرية"، بدون لفظ: في. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 صلّى الله عليه وسلّم-: "بينما1 النّاس في أعْظَمِ الْمَسَاجِدِ على الله حُرْمَةً، خَيْرُهَا وَأَكْرَمُها على الله – تعالى ـ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ2، لِمْ يَرعهم إلاّ وهي تَرْغُو بيْن الرّكن والْمقام، تَنْفُضُ عَنْ رَأْسِها التُّرَابُ، فارْفَضَّ3 النّاس منها شَتَّى، ويَثْبُتُ عِصَابَةٌ من الْمُؤْمِنِيْن، وعَرَفُوا أنّهم لِم يُعْجِزُوا4 الله – تعالى – فَبَدَأَتْ بِهم. فَجَلَتْ وُجُوهُهُم حتّى جعلتها كَالكواكب5 الدّرِّيِّ وولّت في الأرض. لا يُدْرِكُها طَالِبٌ، ولا ينجو منها هارب؛ حتّى إنّ الرّجل ليتعوّذ منها بالصّلاة، فَتَأْتِيهِ   1 في المسند: "ثم بينما" بزيادة لفظ: (ثم) . 2 في المسند: "وأكرمها: المسجد الحرام"، بدون ذكر لفظ: (على الله تعالى". 3 في المسند: "فارفض النّاس فيها شتى ومعاً، وثبت عصابة"، بزيادة لفظ: (ومعاً" وبالفعل الماضي: "ثبت". وارفض النّاس: أي: تفرّقوا. 4 في المسند: "لن يعجزا" بلفظ: (لن) ، بدل: (لم) . 5 في المسند: "حتى تجعلها كأنّها الكوكب بالفعل المضارع"، وأداة التّشبيه كأنّ بدل: (الكاف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 من خَلْفِهِ فَتُقُولُ: يا فلان! 1 الآن تُصَلِّي؟ فَتَقْبَلُ عليه2 فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ، ثُمّ تَنْطَلِقُ، وتَشِتَرِكُ النّاس في الأموال، وَيَصْطَلِحُون3 في الأمصار، يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ من الكافر. حتّى إنّ الْمُؤْمِن يقول: يا كافر! اقض حقِّي، وحتّى إنّ الكافر يقول: يا مؤمن! اقض4 حقِّي". (192) وقال أبو القاسم5 البغوي: أنا عليُّ بن الْجعد عن فضل بن مرزق الرّقاشيِّ – وسئل ابن مَعِيْن، فقال: ثقة- عن عطيّة العوفيِّ: عن ابن عمر قال:   1 في المسند: "يا فلان! يا فلان! ". 2 في المسند: "فيقبل عليها" بإسناد الفعل للمصلّي، لا للدّابّة. 3 في المسند: "ويصطحبون". 4 في المسند: "أقضنِي حقي"، في الموضعين، بذكر المفعول الأوّل ونون الوقاية. 5 ذكره البغوي في تفسيره، وكذلك ابن جرير الطّبري وابن كثير عند الكلام عل قول الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ} ، [النّمل، من الآية: 82] ، من رواية فضيل بن مرزوق عن عطية عن ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 تَخرج الدّابّة من صدع1 في الكعبة، كجري الفرس، ثلاثة أيّام لا يخرج ثلثها2. (193) ولِمسلم3: عن عبد الرّحمن بن شَماسة. قال: كنت عند مسلم بن مجلز4، وعنده عبد الله بن عمرو، فقال عبد الله: لا تقوم السّاعة إلاّ على شرار الخلق، وهم5 شرٌ من أهل الجاهلية. لا يدعون الله بشيء إلاّ ردّه عليهم، فبينما هم6 كذلك، أقبل عقبة بن عامر. فقال له ابن شماسة7: اسمع ما يقول   1 الرّواية عند الثلاثة: "من صدع في الصّفا". 2 الرّواية عن ابن جرير والبغوي: "وما خرج ثلثها"، وعند ابن كثير: "لم يخرج ثلثها". 3 صحيح مسلم بشرح النّووي ج 13، كتاب الأمارة، باب قوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لا تَزال طَائفَةٌ من أُمَّتِي ظاهرين على الحق لا يضرّهم مَن خالفهم ... "، ص: 67. 4 في صحيح مسلم: "كنت عند مسلمة بن مُخَلّد". 5 في صحيح مسلم: "هم شرّ من أهل الجاهلية". 6 في صحيح مسلم: "فبينما هم على ذلك". 7 في صحيح مسلم: "فقال له مسلمة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 عبد الله. فقال عقبة: هو أعلم. وأمّا أنا فسمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يقول: "لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُون على أمر الله، قَاهِرِيْن لِعَدُوِّهم، لا يَضُرُّهم مَنْ خَالَفَهُم، حتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ، وهم على ذلك". فقال عبد الله: أجل، ثمّ يبعث الله ريحاً كريح المسك، مسها كمسِّ1 الحرير، لا تترك2 نفساً في قلبه مثقال حبّة من إيمانٍ3 إلاّ قبضته، ثمّ يبقى شرار النّاس، عليهم تقوم السّاعة. (194) وروى4 حمّاد بن سلمة عن قتادة عن مطرّف عن عمران بن حصين: قال النّبيّ– صلّى الله   1 في صحيح مسلم:"مسها مس الحرير"،وفيه إشارة إلى الرّفق بهم والإكرام لهم. 2 في صحيح مسلم: "فلا تترك نفساً"، بزيادة الفاء. 3 في الصّحيح: "مثقال حبّةٍ من الإيمان". 4 عون المعبود بشرح سنن أبي داود، ج 7، كتاب الجهاد، باب في دوام الجهاد ص: 162. وفي المستدرك ج 4، كتاب الفتن والملاحم، ص: 450: "وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 عليه وسلّم: "لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُون على الْحقِّ1، حتّى يُقَاتِلَ آخرُهُمُ الْمَسيحَ الدّجّالَ". وكان مطرف يقول: هم أهل الشّام. (195) قال البيهقي: وروي2 عن ابن عبّاس: من طرق صحاح: أنّه قال: "الدُّنْيَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ، كُلُّ يَومٍ أَلْفُ سَنةٍ، وبعث رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- في آخرها". وصحّح أبو جعفر الطّبري هذا الأصل، وعضّده بآثار.   1 في سنن أبي داود، وفي المستدرك: "يُقاتِلُون عَلى الْحَقِّ ظَاهرين عَلَى مَن نَاوَأَهم"، بزيادة: ظاهرين على مَن ناوأهم". ومعنى ناوأهم: أي: ناهضهم وعاداهم، يقال: ناوأت الرّجل نواء ومناوأة، إذا عاديته، وأصله من ناء إليك ونؤْت إليه إذا نهضتما. وفي الحديث: بيان أنّ الجهاد لا ينقطع أبداً، وإذا كان معقولاً أنّ الأئمة كلّهم لا يتّفق أن يكونوا عدلاً، فقد دلّ هذا على أنّ جهاد الكفّار مع أئمة الجور واجب، كَهو مع العدل، وأنّ جورهم لا يسقط طاعتهم في الجهاد، وفيما أشبه ذلك من المعروف. 2 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 208. كما ذكر تصحيح أبي جعفر الطّبري له، وأنّه عضّده بآثار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 (196) وروى ابن أبي الدّنيا: عن سعيد بن جُبير. قال: الدّنيا جُمْعَةُ مِنْ جُمَعِ الآخرة1. (197) وقال ابن إسحاق2: ثنا محمّد بن أبي محمّد عن عكرمة، أو سعد بن جبير عن ابن عبّاس: أنّ اليهود3 كانوا يقولون: مدّة الدّنيا سبعة آلاف سنة، الدّنيا يوماً واحداً في النّار؛ وإنّما هي سبعة أيّام معدودة ثمّ ينقطع العذاب. فأنزل الله في ذلك: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ، [البقرة، من الآية: 80] ، إلى قوله: {خَالِدُونَ} ، [البقرة، من الآية: 81] . أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم.   1 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، 209. ولفظه: "الدّنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى منها ستة آلاف". 2 ذكره ابن جرير الطّبري، ج 1، ص: 380، عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ، [البقرة، من الآية: 80] . 3 في رواية ابن جرير: "قدم رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ المدينة، ويهود تقول: إنّما مدة الدّنيا سبعة آلاف سنة، وإنّما يعذّب النّاس في بكلّ ألف سنة من أيّام الدّنيا يوماً واحداً في النّار من أيّام الآخرة، فإنّما هي سبعة أيّام ثم ينقطع العذاب ... " الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وقال عبد بن حميد: أنا شبابة: عن ورقاء: عن أبي نجيح: عن مجاهد مثله. (198) ولابن أبي حاتم1: عن عبد الله بن عمر. قال: ما كان منذ كانت الدّنيا رأس مائة سنة، إلاّ كان عند رأس المائة كانت الدّنيا رأس مائة سنة، إلاّ كان عند رأس المائة أمر، فإذا كان رأس مائة، خرج الدّجّال، ونزل2 عيسى بن مريم، فيقتله. (199) ولِمسلم3: عن جابر بن سمرة: عن النّبيّ– صلّى الله عليه وسلّم- قال: "لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّين قائماً يُقَاتِلُ عليه عِصَابَةُ مِنَ الْمُسْلِمِيْن. حتّى تَقُومَ السّاعة".   1 ذكره الطّبراني في المعجم الصّغير ج 2، ص: 210. وذكر ما ورد أنّ الدّجّال يَنْزل على رأس مائة، كما ذكر أنّه من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص. 2 في المعجم: "يخرج الدّجّال ويَنْزل عيسى"، بالفعل المضارع. 3 صحيح مسلم بشرح النّووي، ج 13، كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفةٌ من أُمَّتِي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم مَن خالفهم، ص: 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 (200) وله1 من حديث جابر بن عبد الله: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ". وله2 من حديث معاوية: "يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ".   1 نفس المرجع، ولفظه: "لا تزال طائفةٌ من أُمَّتِي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة". 2 نفس المرجع ص: 67. ولفظ الحديث: "مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدّين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحقّ، ظاهرين على مَن ناوأهم إلى يوم القيامة". ومعنى هذه الأحاديث: أنّهم لا يزالون على الحقّ، حتّى تقبضهم هذه الرّيح اللّينة قرب القيامة، وعند تظاهر أشراطها. وبهذه فلا تنافي بين هذه الأحاديث، والأحاديث الأخرى التي تقول: "لا تقوم السّاعة حَتّى لا يقال: في الأرض: الله الله". و"لا تقوم على أحدٍ يقول: الله الله". و"لا تقوم إلاّ على أشرار الخلق". حيث أطلق في أحاديث الباب بقاءهم إلى قيام السّاعة، على أشراطها، ودنوّها المتناهي في القرب. والله أعلم. والمراد بالطّائفة: قال البخاري: هم أهل العلم. وقال أحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث، فلا أدري مَن هم؟! قال القاضي عياض: "إنّما أراد أحمد أهل السّنة والجماعة، ومَن يعتقد مذهب أهل الحديث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 ...............................   قال الإمام النّووي: "يحتمل أنّ هذه الطّائفة مفرّقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدِّثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير. ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرّقين في أقطار الأرض. وفي هذا الحديث معجزةٌ ظاهرةٌ، فإنّ هذا الوصف ما زال ـ بحمد الله تعالى من زمن النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إلى الآن، ولا يزال حتّى يأتي أمر الله المذكور في الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وجد بآخر المخطوطة ما يلي: (آخر ما وجد بخطه رحمه الله وأسكنه جنّة الفردوس الأعلى ومن خطِّه نقلت. والحمد لله حمداًً كثيراً طيباً مباركاً، كما يحبّ ربنا ويرضى. كتبه أحمد بن حسين بن ...................... وكتب في الهامش: بلغ مقابلة ولله الحمد على خط مؤلفه شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب عفا الله عنه. سبحانك الله وبحمده نستغفرك ونتوب إليك، ونشهد ألا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك – ونشهد أن سيدنا محمّداً عبدك ورسولك– صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً – نسألك أن تغفر لنا زلاتنا وأن تستر عيوبنا وأن تتقبل منا إنّك أنت السّميع العليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 مصادر ومراجع ... الْمراجع: 1- القرآن الكريم. 2 - جامع البيان: عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر، محمّد بن جرير الطّبري، مطبعة مصطفى الحلبي. 3- معالم التَّنْزيل: للإمام أبي محمّد: الحسن البغوي، بهامش تفسير الخازن، طبعة دار الفكر، بيروت. 4 - تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير القرشي، المكتبة التّجارية، بالقاهرة. 5 - صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر، المطبعة السّلفية. 6- صحيح مسلم بشرح النّووي، للإمام النّووي، المطبعة المصرية بالأزهر. 7 - سنن أبي داود بشرح عون المعبود، الكتبة السّلفية بالمدينة المنوّرة. 8 - سن التّرمذي بشرح تحفة الأحوذي، مطبعة الفجالة الجديدة، بالقاهرة. 9- سنن ابن ماجه، تحقيق: فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة. 10 المستدرك للحاكم، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 11- المسند، للإمام أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت. 12 - المسند، لأبي داود الطّيالسي، مطبعة الهند. 13 - المصنّف، للإمام عبد الرّزّاق الصّنعاني، المجلس العلمي، بيروت. 14- مجمع الزّوائد ومنبع الفوائد، للحافظ أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب، بيروت. 15 - منتخب كَنْزل العمال المطبوع على هامش مسند الإمام أحمد، المكتب الإسلامي. 16 - موارد الظّمآن إلى زوائد ابن حبان. 17 - الأدب المفرد للبخاري، توضيح فضل الله الجيلاني، المكتبة الاسمية، حمص. 18 - المعجم الصّغير للطّبراني، المكتبة السّلفية، المدينة المنوّرة. 19 - كتاب الزّهد، للإمام أحمد مطبعة أم القرى. 20 - نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرّسول، للحكيم التّرمذي، المكتبة العلمية بالمدينة. 21 - النّهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير. 22 - كتب اللّغة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275