الكتاب: إثبات صفة العلو المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ) المحقق: أحمد بن عطية بن علي الغامدي الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1409هـ / 1988م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]   __________ (تنبيه): الكتاب مرتبط بنسختين مصورتين، النسخة الموافقة في الترقيم، ونسخة الدار السلفية - الكويت، تحقيق بدر بن عبد الله البدر ---------- إثبات صفة العلو - ابن قدامة المقدسي، موفق الدين الكتاب: إثبات صفة العلو المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ) المحقق: أحمد بن عطية بن علي الغامدي الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1409هـ / 1988م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]   __________ (تنبيه): الكتاب مرتبط بنسختين مصورتين، النسخة الموافقة في الترقيم، ونسخة الدار السلفية - الكويت، تحقيق بدر بن عبد الله البدر ـ[إثبات صفة العلو]ـ المؤلف: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المحقق: أحمد بن عطية بن علي الغامدي الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1409هـ / 1988م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]   (تنبيه) : الكتاب مرتبط بنسختين مصورتين، النسخة الموافقة في الترقيم، ونسخة الدار السلفية - الكويت، تحقيق بدر بن عبد الله البدر المقدمة (رب يسر وأعن بمنك ورحمتك) (1) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي علا في سمائه، وجلا باليقين قلوب أوليائه، وخار لهم في قدره وبارك لهم في قضائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بلقائه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه. أما بعد: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتوارترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم (2) ، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أم مفتون (بتقليده) (3) واتباعه على ضلالته، وأنا ذاكر في الجزء بعض بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته والأئمة (المقتدين) (4) بسنته على وجه يحصل القطع واليقين بصحة ذلك عنهم، ويعلم تواتر الرواية بوجوده منهم، ليزداد من وقف عليه (5) من المؤمنين إيمانا وينتبه من خفي عليه ذلك، حتى يصير كالمشاهد له عيانا، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا. واعلم -رحمك الله- أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين   (1) من (هـ) و (ر) . (2) وهو دليل الفطرة التي سبق إيضاحه. (3) في (هـ) و (ر) بتقليد، وأضفت الهاء من (م) . (4) في (م) (المتقدمين) . (5) من أول الكلام إلى هنا لا يوجد في الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا، ولم يأت ما يكذبها ويقدح فيها، حتى استقر ذلك في القلوب (واستيقنته) (1) ، فقد حصل التواتر، وثبت القطع واليقين، (فإننا) (2) نتيقن جود حاتم، وإن كان لم يرد بذلك خبر واحد مرضي الإسناد، لوجود ما ذكرنا، وكذلك عدل عمر، وشجاعة علي وعلمه، وعلم عائشة وأنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر، وأشباه هذا، لا يشك في شيء من ذلك، ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الأسانيد، ونقل العدول المرضيين، وكثرة الأخبار وتخريجها (فيما) (3) لا يحصى عدده، ولا يمكن حصره من دواوين الأئمة والحفاظ، وتلقي الأمة لها بالقبول (وروايتهم لها) (4) من غير معارض يعارضها، ولا منكر (ممن يسمع) (5) منه لشيء منها أولى، سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} في مواضع من كتابه (6) ، وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} في موضعين (7) ، وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} (8) ، وقال سبحانه: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ   (1) في (م) (واستيقنت) . (2) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ (فإنا) . (3) في الأصل (ما) . (4) ما بين القوسين ساقط من النسخ الأخرى. (5) في (ر) و (هـ) (لمن يسمع) . (6) هذه المواضع خمسة في سورة الأعراف آية (54) ، وفي سورة يونس آية (3) ، وفي سورة الرعد آية (2) ، وفي سورة الفرقان آية (59) ، وفي سورة السجدة آية (4) . (7) سورة الملك آية (16-17) . (8) سورة فاطر آية/ 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 إِلَيْهِ} (1) ، وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه} (2) ، وقال لعيسى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي} (3) ، وقال تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (4) ، وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (5) ، وقال سبحانه وتعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (6) ، وأخبر عن فرعون أنه قال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} (7) ، يعني أظن موسى كاذبا (في أن الله إلهه في السماء) (8) ، والمخالف في هذه المسألة (قد أنكر هذا) (9) يزعم أن موسى كاذب في هذا بطريق (القطع) (10) واليقين، مع مخالفته لرب العالمين، وتخطئته لنبيه الصادق الأمين، وتركه منهج الصحابة والتابعين، والأئمة السابقين، وسائر الخلق أجمعين (11) . نسأل الله تعالى أن يعصمنا من البدع برحمته، ويوفقنا لاتباع سنته.   (1) سورة السجدة آية/ 5. (2) سورة المعارج آية/ 4. (3) سورة آل عمران آية/ 55. (4) سورة النساء آية/ 158. (5) سورة الأنعام آية/ 18. (6) سورة النحل آية/ 50. (7) سورة غافر آية/ 36-37. (8) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ (في أنه له إلها في السماء) . (9) ما بين القوسين لا وجود له في غير الأصل. (10) كلمة (القطع) لا توجد في الأصل. (11) يريد الإمام ابن قدامة أن التكذيب بأن الله في السماء سبق إليه فرعون حين كذب موسى عليه السلام حين دعاه إلى الإيمان بالله تعالى، وأن الله في السماء، ومن قال بقول فرعون من هذه الأمة، فقد كذب موسى عليه السلام قطعا، فضلا عن تكذيبه لرب العالمين، الذي أخبر عن نفسه بأنه في السماء بشتى الدلالات، وفيه تكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهجر لمنهج الصحابة والتابعين والأئمة السابقين، وسائر الخلق أجمعين، وهو بهذا يشير إلى ما قرره العلماء من أن الإيمان بأن الله في السماء أمر فطري، جبل عليه الخلق جميعا. وقد تقدم إيضاح دليل الفطرة الذي أشار إليه. وقد نسب الإمام ابن القيم من حرف نصوص العلو، من أجل أن يوافق هواه في النفي إلى فرعون، لأنه من حزبه، وهو إمامه في ذلك، وإمام كل مكابر جاحد. انظر: الصواعق المنزلة 1/107، ويقول الإمام ابن تيمية: ( ... وفرعون هو إمام النفاة، ولهذا صرح محققوا النفاة بأنهم على قوله، كما يصرح به الاتحادية من الجهمية النفاة، إذ هو أنكر العلو، وكذب موسى فيه، وأنكر تكليم الله لموسى) . مجموع الفتاوى 5/172. وتأويلات المؤولين تحريف صريح، حقيقته النفي المحض، لمخالفته النقل والعقل معا، لأن لازم قولهم أن القرآن والسنة لم يخبرا إلا بما يفيد الضلال، وأن عقولهم أهدى لهم من وحي الله. كبرت كلمة تخرج من أفواههم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ((ذِكْرُ الأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ)) (1) 1- أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقَرِّبِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ (يَوْمَئِذٍ) (2) [قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّرَّاجُ الْقَارِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ] (3) ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ (عُبَيْدُ اللَّهِ) (4) بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ السِّجْزِيُّ الْوَايِلِيُّ بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (بْنِ مُحَمَّدٍ) (5) الْمُهَلَّبِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ (مِنْ سُفْيَانَ) (6) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ (أَبِي) (7) قَابُوسٍ مَوْلًى   (1) هذا العنوان لا يوجد في الأصل. (2) كلمة (يومئذ) لا توجد في النسخ الأخرى. (3) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) . (4) في (م) و (ر) (عبد الله) ، وهو خطأ. (5) (بن محمد) لا يوجد إلا في الأصل. (6) كذا في الأصل وفي (م) ، وفي بقية النسخ (منه) . (7) في (م) (ابن) . الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا (أَهْلَ الأَرْضِ) (1) يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ (2) .   (1) في (ر) و (هـ) (من في الأرض) ، وهو لفظ الترمذي. (2) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الرحمة، ح (4941) ، 5/231، والذهبي في العلو ص 20، وأحمد في المسند 2/160، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين، ح (1904) ، 4/323، وهو عندهما أتم. والحاكم في المستدرك، وصححه 4/159، والدارمي في الرد على الجهمية ص 20. وهذا الحديث من الأدلة الصريحة الواضحة التي تدل على علو الله تبارك وتعالى بذاته، وأنه في السماء. ومن أجل ذلك أورده المصنف. كما يدل على إثبات صفة الرحمة لله تبارك وتعالى، وهي من الصفات الثابتة له سبحانه بالكتاب، كما ثبتت بالسنة، قال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} (غافر: من الآية7) ، وقوله سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب: من الآية43) ، وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (الأنعام: من الآية54) ، وقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين} (يوسف: من الآية64) . ومن السنة هذا الحديث، وحديث أسامة في البخاري: " ... إنما يرحم الله من عباده الرحماء" فتح الباري 13/434. وحديث أبي هريرة المتفق عليه في اختصام الجنة والنار وفيه: " ... فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي ... " الحديث، وغيرهما من الأحاديث. إلا أن المتكلمين من الجهمية وأضرابهم أنكروا صفة الرحمة، وأرجعوها إلى معنى الإرادة، بحجة أن في إثباتها تشبيها للخالق بالمخلوق، لأنها في الإنسان ضعف وخور وتألم على المرحوم، وإثبات الرحمة لله يقتضي إضافة هذا المعنى بما فيه من ذم. إلا أن هذا القول باطل، لأن مذهب السلف -رضوان الله عليهم- التفريق بين محبته وغضبه ورضاه وبين إرادته، وما أوردوه غير وارد للأمور الآتية: 1- أن وصف الرحمة في الآدميين من الأمور الممدوحة، أما وصف الخور والضعف فهو من الأمور المذموم. قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة} (البلد: من الآية17) ، ونهى عباده عن الوهن والحزن، فقال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:139) ، وندبهم إلى الرحمة. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". وقال: "من لا يرحم لا يرحم". ومحال مع هذا أن يكون المراد لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي. ولكن لما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور -كما في رحمة النساء، ونحو ذلك- ظن الغالط أنها كذلك مطلقا. 2- لو قدر أنه في حق المخلوقين مستلزمة لذلك، لم يجب أن تكون في خق الخالق مستلزمة له، كما أن جميع صفاتنا من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، تستلزم فينا نقصا وحاجة، يجب تنزيه الله تعالى عنها، لأن صفات الله كاملة لا نقص فيها، لأنه سبحانه بذاته وصفاته منزه عن النقائص. فصفاته لا تشبه صفات المخلوقين. 3- وكذلك الوجود والقيام بالنفس فينا يستلزم احتياجا إلى خالق يجعلنا موجودين، والله منزه في وجوده عما يحتاج إليه وجودنا، فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالحاجة إلى الغير، والحاجة لنا أمر ذاتي لا يمكن أن نخلو عنه، فهو بنفسه حي قيوم، واجب الوجود، ونحن بأنفسنا محتاجون فقراء، فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم، والقدرة، وغير ذلك هو مقرون بالحاجة والحدوث والإمكان، لم يجب أن يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال، ولا يقدر ولا يعلم، لكون ذلك ملازما للحاجة والضعف فينا. فكذلك الرحمة وغيرها إذا قدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف لم يجب أن يكون في حق الله ملازمة لذلك. 4- إننا نعلم بالاضطرار أنا إذا فرضنا موجودين أحدهما يرحم غيره، فيجلب له المنفعة، ويدفع عنه المضرة، والآخر قد استوى عنده هذا وهذا، وليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ولا دفع مضرة، كان الأول أكمل. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 6/117-118. وبهذا تبين أن شبهة القوم واهية، وأن صفة الرحمة ثابتة بالعقل، كما ثبتت بالنص، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث: "في الأرض وفي السماء" أي من على الأرض، ومن على السماء، لأن "في" هنا بمعنى "على"، كما في قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} (التوبة: من الآية: 2) ، أي على الأرض. وقوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (طه: من الآية: 71) ، أي عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ غَيْرَ مُسَلْسَلٍ (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ   (1) التسلسل: من نعوت الأسانيد، وهو عبارة عن تتابع رجال الإسناد، وتواردهم فيه واحدا بعد واحد على صفة أو حالة واحدة. كما في إسناد هذا الحديث. انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 عَنْ سُفْيَانَ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) (1) . 2- أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا (حَمَدُ) (2) بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: كَانَتْ لِي غَنَمٌ بَيْنَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ (3) فِيهَا جَارِيَةٌ لِي، فَأَطْلَعْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ ذَهَبَ مِنْهَا بَشَاةٍ وَأَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ، (آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ) (4) ، فَرَفَعْتُ يَدِي فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ (لَهُ ذَلِكَ) (5) فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ: ادْعُهَا، فَدَعَوْتُهَا. قَالَ: (فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (6) أَيْنَ اللَّهُ، قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) (7) ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَمَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (8)   (1) في (م) و (ر) (وقال حديث صحيح) . (2) في جميع النسخ عدا الأصل (أحمد) وهو خطأ، وإنما هو كما في الأصل، وهو حمد بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن مهران، أبو الفضل الأصبهاني الحداد. انظر: السير 19/20. (3) الجوانية: بفتح الجيم وتشديد الواو، وكسر النون، وياء مشددة: موضع أو قرية قرب المدينة. معجم البلدان 2/175. (4) (آسف كما يأسفون) معناه: أغضب كما يغضبون، ومن هذا قوله سبحانه: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} (الزخرف: من الآية: 55) . معالم السنن للخطابي مع المتن 1/572. (5) في النسخ الأخرى (ذلك له) . (6) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل، وهو موجود في النسخ الأخرى. (7) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل. (8) مسلم، كتاب المساجد، ح (537) ، 1/382. الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وأبو داود في كتاب الصلاة، ح (930) ، 1/570، وابن أبي عاصم في كتاب السنة بتحقيق الألباني، ح (489) ، 1/215، والنسائي، كتاب السهو، 3/13، ومالك في الموطأ، كتاب العتق والولاء، باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة، 2/776، إلا أن مالكا قال: عن عمر بن الحكم، صوابه: معاوية، وقد وهم فيه مالك، كما قال الحافظ. انظر: التقريب 2/53. وذكره الزرقاني في شرح الموطأ 4/84. ورواه ابن أبي زمنين المالكي في أصول السنة، انظر: ح (47) ، 1/353، بتحقيق محمد هارون، وتابع مالكا في هذا الوهم أيضا. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 422، إلا أنه وهم، فقال: إن مسلما أخرج الحديث دون قصة الجارية. وأحمد في المسند 5/447، وأبو داود الطيالسي ح (1105) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 121. التعليق: وهكذا نرى أن الجارية بادرت فأجابت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمحض الفطرة بأن الله في السماء - حين سألها أين الله؟ وكل صاحب فطرة مستقيمة لا يمكن أن يجيب على مثل هذا السؤال إلا بما أجابت به الجارية، ففي الخبر مسألتان -كما يقول الإمام الذهبي- رحمه الله -: إحداهما: شرعية قول المسلم: "أين الله". وثانيهما: قول المسؤول: "في السماء" فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. العلو ص 26. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: ففي حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله عز وجل في السماء دون الأرض فليس بمؤمن، ولو كان عبدا فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنة، إذ لا يعلم أن الله في السماء، ألا ترى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل أمارة إيمانها معرفتها أن الله في السماء، وفي قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أين الله؟ " تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان، لا يوصف بأين، لأن شيئا لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال: أين هو؟ ولا يقال أين؟ إلا لمن هو في مكان، يخلو منه مكان، ولو كان الأمر كما يدعي هؤلاء الزائفة لأنكر عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولها وعلمها، ولكنها علمت به فصدقها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد لها بالإيمان بذلك، ولو كان في الأرض كما هو في السماء لم يتم إيمانها حتى تعرفه في الأرض كما عرفته في السماء. فالله تبارك وتعالى فوق عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد، وعلمه من فوق العرش بأقصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   خلقه وأدناهم واحد لا يبعد عنه شيء. انتهى/ الرد على الجهمية ص 17-18. ويقول أستاذنا الفاضل الدكتور/ محمد خليل هراس -رحمه الله-: هذا الحديث يتألق نصاعة ووضوحا، وهو صاعقة على رؤوس أهل التعطيل، فهذا رجل أخطأ في حق جاريته بضربها، فأراد أن يكفر عن خطيئته بعتقها، فاستمهله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يمتحن إيمانها، فكان السؤال الذي اختاره لهذا الامتحان هو (أين الله؟) ولما أجابت بأنه في السماء، رضي جوابها وشهد لها بالإيمان. ولو أنك قلت لمعطل: أين الله؟ لحكم عليك بالكفران. انظر: حاشية التوحيد لابن خزيمة ص 121. ومن أنكر من المبتدعة صحة السؤال عن الله (بأين) فإنه إنما ينكر على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتهمه بارتكاب خطأ كبير، وهذا -كما ترى- في غاية الضلال، وهو قدح صريح واضح في عصمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته. وقد أعل بعض المبتدعة هذا الحديث بالاضطراب، كما فعل الكوثري حين علق على هذا الحديث في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، إلا أن هذا القدح غير وارد، لأنه تعسف واضح وتجن بين. وردا على هذا الزعم الباطل قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: "وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء الذين كلما جاءهم نص من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله، بل بتعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك حاولوا الطعن في ثبوته كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في صحيحه، وكذا أبو عوانة في مستخرجه عليه، والبيهقي في الأسماء، حيث عقبه (ص 422) وهذا صحيح قد أخرجه مسلم. ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب الأسماء بقوله (ص 441-442) : "انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في "كتاب العلو للذهبي" ما يدل على أن حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره (!) فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: (حدثني صاحب الجارية نفسه الحديث) وفيه: فمد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده مستفهما: من في السماء؟ قالت: الله. قال: فمن أنا، فقالت: رسول الله، قال: اعتقها فإنها مسلمة، وهذا من الدليل على أن (أين الله) لم يكن لفظ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (!) وقد فعلت الرواية بالمعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 3 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (1) ، أَثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا   في الحديث ما نراه من الاضطراب". كذا قال، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده، لأنه من رواية سعيد بن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقا، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى بن سعيد يضعفه جدا، وقد أشار الحافظ في "التقريب" إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام" زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والاستفهام هو مما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم، فتفرده بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكرا بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل (الكوثري) على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلا على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن هذا الرجل الذي يستغل علمه واطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ عامله الله بما يستحق، ثم إنه لم يكتف بهذا بل أخذ ينسب إلى الراوي (وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة الحديث ثقات) أخذ ينسب إليه الكذب على رسول الله (وهو يعلم، لأن معنى كلامه السابق أن الراوي اختار أن ينسب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للجارية: "أين الله" والواقع عند الكوثري أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فمد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إليها مستفهما": من في السماء؟ انتهى كلام الألباني. مختصر العلو ص 82. أقول: لقد تجرأ الكوثري كثيرا وأطلق لنفسه العنان في شتم أئمة أهل السنة وكتبهم، ورواة الحديث، والطعن عليهم، وتجريحهم حتى لكأنه لا يستريح له بال، ولا يقر له قرار إلا إذا نال منهم بالافتراءات الظالمة، والاتهامات الملفقة. وإذا أردت -أخي القارئ- مزيدا من الأدلة والإيضاح فعليك بمراجعة الدراسة التي قمت بوضعها -بالاشتراك- لكتاب الصواعق المنزلة لابن القيم، فسترى أن الكوثري قد أفرط في هذا الاتجاه الخطير حتى أصبح يعرف بأنه من أكثر المبتدعة عداء لأئمة الإسلام وعقيدة المسلمين. وسترى أن نعته بالإمامة -الذي منحه إياه أتباعه- إنما هو من باب إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق. والله المستعان. (1) في النسخ الأخرى "أبو بكر بن النقور". وهو أبو بكر بن النقور عبد الله بن محمد بن أبي = الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 الطُّرَيْثِيثِيُّ) (1) ، أَثَنَا (أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ) (2) أَيِ اللَّالَكَائِيُّ أَنَبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَبَأَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ (3) ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (عُتْبَةَ) (4) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) (5) أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ أَعْجَمِيَّةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيَّ (عِتْقَ) (6) رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ   = الحسين أحمد بن محمد البغدادي البزاز ثقة محدث توفي سنة (565) انظر شذرات الذهب 4 / 215 (1) في النسخ الأخرى (أبو بكر الطريثيثي) . وهو أحمد بن علي بن زكريا الطريثيثي، شيخ الصوفية بخرسان، توفي سنة (497) . طبقات الشافعية للسبكي 4/39. قال ابن الأثير: الطريثيثي، بضم الطاء وفتح الراء وسكون الياء المثناة هذه النسبة إلى "طريثيث" وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور. انظر: اللباب 2/281. (2) في بقية النسخ (أبو القاسم الطبري) . (3) المسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، الكوفي الهذلي، المسعودي. قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: "ثقة"، وقال علي بن المديني: ثقة وقد كان يغلط فيما روى عن عاصم بن بهدلة وعن سلمة. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: المسعودي ثقة اختلط بآخره، توفي سنة (160) . سير أعلام النبلاء 7/93، والتهذيب 6/210. (4) في بقية النسخ (عبيد) وهو خطأ. (5) (عن أبي هريرة) لا يوجد في غير الأصل. وما في النسخ الأخرى من إرسال موافق لما عند الإمام مالك في الموطأ، وعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي بقوله: قال ابن عبد البر: ظاهره الإرسال، لكنه محمول على الاتصال، للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة. قال الزرقاني: وفيه نظر. إذ لو كان كذلك ما وجد مرسل قط. فلعله أراد للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة الذين رووا الحديث. قلت: وقد ذكر الحافظ المزي ثلاثة عشر حديثا مما رواه عبيد الله عن أبي هريرة، وبعضها في الصحيح. انظر: تحفة الأشراف 10/241-244. (6) (عتق) لا توجد في النسخ الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ بِأُصْبُعِهَا السَّبَّابَةِ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا؟ فَأَشَارَتْ بِأُصْبُعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى السَّمَاءِ، أَيْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: اعْتِقْهَا. أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي الْبَرْقِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا (1) . 4- أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدِيٍّ (بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ) (2) أَنْبَأَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَ (الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ) (3) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ اشْتَكَى مِنْكُمْ، أَوِ اشْتَكَى أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبَّنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ   (1) رواه مالك في الموطأ، كتاب العتق والولاء 2/777. وأحمد في المسند 3/450، وابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 123. والذهبي في العلو ص 17، وقال: حديث حسن، وتعقبه الشيخ الألباني قائلا: في إسناده المسعودي واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، وكان اختلط، وهذا رواه في الاختلاط، لأنه من رواية يزيد بن هارون عنه، فقد قال ابن نمير: كان ثقة واختلط بآخره، سمع منه ابن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة. فقول الذهبي في (الأصل) إسناده حسن، غير حسن. انظر: مختصر العلو ص81. قلت: على فرض صحة هذه الرواية فإنها غير حديث معاوية بن الحكم السلمي السابق. وهي وأمثالها شواهد لا بأس بها. وثبوت حديث معاوية أمر واضح وجلي، وفي كل هذه الأحاديث، يمتحن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيمان هؤلاء الجواري بسؤاله لهن: "أين الله؟ ". أفلا يستحي هؤلاء المعطلة من مخالفة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فهم لا يصفون الله تعالى إلا بما يدل على عدمه لا على وجوده حين ينفون عنه العلو والاستواء. (2) لا توجد في الأصل. (3) في (م) (أبو القاسم) وهو خطأ، وإنما هو أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهامشي، توفي سنة 414هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 3/1135. الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَالأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ" (1) ، اغْفِرْ لَنَا (حَوْبَنَا) (2) وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطِّيِّبِينَ، أَنْزِلْ (3) رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى (4) الْوَجَعِ فَيَبْرَأَ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (5) . 5- أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ) (6) أَنْبَأَ (أَبُو الْفَضْلِ) (7) أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ (8) ، أَنْبَأَ أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحْمُدِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ (9) أَنْبَأَ أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ (بْنِ زِيَادٍ) (10) الديرعاقولي ثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ طَلِيقٍ (11) حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:   (1) في (هـ) و (ر) زيادة (والأرض) . (2) قال الخطابي: الحوب: الإثم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} (النساء: من الآية: 2) . والحوبة أيضا مفتوحة الحاء مع إدخال الهاء. انظر: معالم السنن بحاشية سنن أبي داود 4/218. (3) في (هـ) و (ر) (أنزل علينا) . (4) في (هـ) و (ر) (على هذا) . (5) انظر: سنن أبي داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى، ح (3892) ، 4/218، وأخرجه أيضا أحمد في المسند 6/21، والدارمي في الرد على الجهمية ص 18، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 533، والذهبي في العلو ص 27، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (648) ، 2/389، وفي إسناده زياد بن محمد الأنصاري، قال الذهبي في العلو: لين الحديث. وقال البخاري والنسائي وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. انظر: التهذيب لابن حجر 3/393. (6) هكذا ورد الاسم كاملا في الأصل، وفي بقية النسخ (محمد بن عبد الباقي) فقط. (7) (أبو الفضل) لا يوجد في النسخ الأخرى. (8) في النسخ الأخرى (أبو علي بن شاذان) فقط. (9) ورد الاسم كاملا في الأصل. وفي بقية (أبو سهل بن زيا) فقط. (10) (بن زياد) لا يوجد في غير الأصل. (11) هو عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين. الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 اخْتَلَفَتْ قُرَيْشٌ إِلَى الْحُصَيْنِ أبي عِمْرَانَ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا، فَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تُكَلِّمَهُ وَتَعِظَهُ، فَمَشَوْا مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَجَلَسُوا وَدَخَلَ حُصَيْنٌ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوْسِعُوا لِلشَّيْخِ، فَأَوْسَعُوا لَهُ، وَعِمْرَانُ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الَّذِي يَبْلُغُنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَشْتِمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ جَفْنَةً وَخُبْزًا (1) . فَقَالَ: (إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ) (2) ، يَا حُصَيْنُ كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: سَبْعَةً فِي الأَرْضِ وَإِلَهًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَإِذَا أَصَابَكَ الضِّيقُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ فَمَنْ تَدْعُو؟ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُمْ مَعَهُ؟! قَالَ: أَمَا (رَضِيتَهُ) (3) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، أَوَ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: لَا وَاحِدَةً مِنْ هَاتَيْنِ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ. فَقَالَ: يَا حُصَيْنُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، قَالَ: إِنَّ لِي قَوْمًا (وَعَشِيرَةً) (4) فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لأَرْشَدِ أَمْرِي، وَأَسْتَجِيرُكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَانْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا يَنْفَعُنِي، فَقَالَهَا، فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى أَسْلَمَ، فَوَثَبَ عِمْرَانُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: مِمَّا صَنَعَ عِمْرَانُ، دَخَلَ حُصَيْنٌ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى نَاحِيَتِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَضَى حَقَّهُ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ رِقَّةٌ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ حُصَيْنٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَشَيِّعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ سُدَّةِ الْبَابِ (5)   (1) الجفنة: الرجل الكريم، كانت العرب تدعو السيد المطعام "جفنة" لأنه يضعها -أي يضع الجفنة، وهي القصعة العظيمة- ويطعم الناس فيها، فسمي باسمها. انظر: لسان العرب، مادة "جفن". (2) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (3) في (م) (رضيت) . (4) كلمة (وعشيرة) لا توجد في (م) . (5) سدة الباب، بضم السين فناؤه. انظر: لسان العرب، مادة "سدد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 نَظَرَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالَتْ: صَبَأَ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ (1) . 6- أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ الْمَوْصِلِيِّ أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ (إِبْرَاهِيمَ) (2) بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ أَنْبَأَ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي (قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ) (3) خَرَجَ عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَعْضِ أَهْلِ خَيْبَرَ فِي غَنَمٍ لَهُ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالُوا: (رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَدْنُونِي مِنْهُ، قَالَ: فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ غَنَمَهُ فَرَمَى فِي وُجُوهِهَا بِالْبَطْحَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبِي   (1) أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 120، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 534، والذهبي في العلو ص 24، وقال: (عمران) ضعيف. وقد عجبت للمغالطة المكشوفة التي سطرها الكوثري في تعليقه على هذا الحديث في هامش الأسماء والصفات للبيهقي ص 534 حين زعم أن من عد هذا إقرارا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحصين على كون الله في السماء، فإنه يلزم عليه أن يعده أقره على الستة في الأرض. وهذا الإلزام واضح الفساد، ولا يحتاج إلى أدنى جهد لإبطاله، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حواره مع حصين ألزمه بالإيمان بالله وحده لا شريك له، والإقرار بأن الآلهة الأخرى التي كان يعبدها حين لا تملك له نفعا ولا تدفع عنه ضرا، بل الذي يملك له النفع ويدفع عنه الضر هو الله الذي أقر به في السماء وحده لا شريك له. ولا نستغرب هذه المغالطة من الكوثري لأنه وأمثاله من المعطلة يصدمون بصراحة الأدلة ووضوحها فلا يملكون إلا الكذب والافتراء، فيحرفون الكلم عن مواضعه، ويتشبثون بخيط العنكبوت، بل بما هو أوهى وأهن من الشبه العقلية الباطلة. (2) (إبراهيم) لا يوجد في النسخ الأخرى. (3) في النسخ الأخرى (ثنا ابن إسحاق) . الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 فَوَاللَّهِ لَا أَتَّبِعُكِ أَبَدًا، فَوَلَّتْ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَا، قَالَ: فَقَاتَلَ الْعَبْدُ حَتَّى اسْتُشْهِدَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي سَجْدَةً وَاحِدَةً، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُلْقِيَ خَلْفَهُ (فَالْتَفَتَ) (1) إِلَيْهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْتَفَتَّ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَعْرَضْتَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّ مَعَهُ الآنَ لَزَوْجَتَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، قَالَ: (وَاسْمُ الْعَبْدِ أَسْلَمُ) (2) . (أَخْرَجَهُ الأُمَوِيُّ فِي الْمَغَازِي) (3) . 7- أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَوْصِلِيُّ، أَنْبَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الطُّيُورِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الأجيرد الْكِنْدِيِّ، عَنِ الْعُرْسِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ بْنِ فَرْوَةَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: كَانَ بِأَرْضِنَا حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ شَهْلَا، فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا عَدِيُّ بْنَ عُمَيْرَةَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا ابْنَ شَهْلَا، فَقَالَ:   (1) في (ر) و (هـ) ثم التفت. (2) اختلف في اسمه، وقد اشتهر عند أكثر من ذكر قصته بالأسود الراعي. وقد ذكر ابن حجر أن اسمه أسلم، وأورد اعتراض ابن الأثير بأنه ليس في شيء من السياقات أن اسمه أسلم، وقال ابن حجر: وهو اعتراض متجه، وقد سماه أبو نعيم يسارا. وقال الرشاطي في الأنساب: أسلم الحبشي، أسلم يوم خيبر. انظر: الإصابة لابن حجر ص 63. (3) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل. وأثبته من (ر) و (هـ) . هذا الحديث أخرجه الحاكم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه بلفظ نحوه. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: كان شرحبيل -راوي الحديث عن جابر - متهما. وقال فيه ابن حجر: "صدوق اختلط بآخره". انظر: التقريب 1/348. وأورد هذه القصة أيضا ابن هشام في السيرة 3/459-460، وابن القيم في زاد المعاد 3/323، والبيهقي في دلائل النبوة 4/219، وابن كثير في البداية والنهاية 4/191. بزيادة عند بعضهم ونقصان عند بعضهم الآخر، إلا أن موضع الشاهد من القصة وهو قوله: (الذي في السماء) لا يوجد عند منهم. الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 إِنِّي أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِرْدَوْسِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ رَبَّهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، لَا وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ هَذِهِ الصِّفَةَ إِلَّا فِينَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَأَجِدُ نَبِيَّهَا يَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، فَمَنْ تَبِعَهُ كَانَ عَلَى هُدًى، لا نَرَاهُ يَخْرُجُ إِلا مِنَّا مَعْشَرَ يَهُودَ. وَأَجِدُ وَقْعَتَيْنِ تَكُونَانِ، إِحْدَاهُمَا بِمِصْرِينَ، وَالأُخْرَى (بِصِفِّينَ) (1) ، فَأَمَّا مِصْرِينُ قَدْ سَمِعْنَا بِهَا مِنْ أَرْضِ الْفَرَاعِنَةِ، وأما صِفِّينُ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَيْنَ هِيَ. قَالَ عَدِيٌّ: فَوَاللَّهِ مَا مَكَثْنَا إِلا يَسِيرًا حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ تَنَبَّأَ، وَسَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ ابْنِ شَهْلَا، فَخَرَجْتُ مُهَاجِرًا إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَسْجُدُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَهُمْ فِي السَّمَاءِ، فَأَسْلَمْتُ وَاتَّبَعْتُهُ (2) . 8- قُرِئ عَلَى (الشَّيْخِ) (3) مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْبَاقِي وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَكُمْ (أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) (4) ، قَالَ: أَنْبَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ (الْحَسَنِ) (5) أَنْبَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ (مُحَمَّدِ) (6) بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ   (1) صفين موضع قرب الرقة، على شاطئ الفرات من الجانب الغربي، بين الرقة وبالس، فيه كانت وقعة صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما سنة (37هـ) . معجم البلدان 3/414. (2) هذا الخبر يوجد في النسخ الأخرى بعد حديث الراعي الأسود المتقدم، رقم (6) . وورد إسناده فيها مختصرا، حيث اكتفى بإسناد الحديث الذي قبله لتطابقهما فيما قبل سعيد بن يحيى ففيها: وبهذا الإسناد قال سعيد بن يحيى إلخ ... ولعل هذا تصرفا من النساخ. وقد أورد هذا الخبر ابن حجر عند ترجمة عدي بن عميرة، عن ابن إسحاق. الإصابة 4/474، والذهبي في العلو ص 25، وقال: هذا حديث غريب. (3) كلمة (الشيخ) لا توجد في النسخ الأخرى. (4) في النسخ الأخرى (أبو بكر الطريثيثي) وهو كنيته ونسبته. وقد تقدم. (5) في (ر) و (م) (الحسين) وهو خطأ، وإنما هو هبة الله بن الحسن اللالكائي، وسيأتي ذكر إخراجه لهذا الحديث. (6) في (هـ) و (ر) (أحمد) وهو خطأ، وهو أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل. الفقيه الشافعي، توفي سنة ( الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الأَنْطَاكِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ عَنْ شُعْبَةَ وَقَيْسٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ (1) عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ، يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ (2) . 9- أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الصَّالِحُ (3) أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ النَّقُورِ (الْبَزَّازِ) (4) أَنْبَأَ الأَمِينُ (أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْيُوسُفِيُّ) (5) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ (ثَنَا أَبِي) (6) ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنِ ابْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوضٍ لَمْ تُحَصِّلْ مِنْ تُرَابِهَا، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، بَيْنَ زَيْدٍ الْخَيِّرِ، وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حصن، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ، أَوْ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، شَكَّ   (1) هو أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، مشهور بكنيته، والأشهر أن لا اسم له غيرها. يقال: اسمه عامر، كوفي ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ثمانين. التقريب 2/448. (2) هذا الحديث مرسل، لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ذكر ذلك ابن حجر في التهذيب 5/75. أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (655) ، وأورده موقوفا على عبد الله بن مسعود، رقم: (657) ، تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان، وسيأتي في هذا الكتاب تحت رقم: (61) . وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 20، والحاكم في المستدرك 4/248، وقال: صحيح الإسناد. وأورده الذهبي في العلو ص 20، وقال: وراه عمار بن زريق عن أبي إسحاق مرفوعا، والواقف أصح، مع أن رواية أبي عبيدة عن والده فيها إرسال. اهـ. وهذا الحديث كما أنه من الأدلة على إثبات صفة العلو، فهو من الأدلة التي يستدل بها السلف أيضا على إثبات صفة الرحمة، كما تقدم عند الكلام على الحديث رقم: (1) . (3) في (هـ) زيادة (العالم) . (4) (البزاز) لا توجد إلا في الأصل. (5) في النسخ الأخرى (أبو طالب اليوسفي) فقط. (6) في (هـ) "قال حدثني أبي" وفي (م) "ثني أبي" بالاختصار وبدون "قال"، وفي (ر) "حدثني أبي" بدون "قال". الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 عُمَارَةُ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَالأَنْصَارُ وَغَيْرُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ مَنْ فِي السَّمَاءِ (صَبَاحَ مَسَاءَ) (1) ، ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ (2) مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ (3) ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ (4) ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، (قَالَ) (5) : فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: وَيْحَكَ، أَلَيْسَ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِ اللَّهَ أَنَا، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنَقَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَعَلَّهُ (يَكُونُ) (6) يُصَلِّي، فَقَالَ: إِنَّهُ (رُبَّ مُصَلٍّ) (7) ، يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُوْمَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: هَاهْ، إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِِئ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ (8) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، (مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا: الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ   (1) في النسخ الأخرى (صباحا ومساءا) . (2) غائر العينين: أي أن عينيه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة. (3) مشرف الوجنتين: أي غليظهما، والوجنتان تثنية وجنة، والوجنة من الإنسان ما ارتفع من لحم خده. (4) ناشز الجبهة: أي مرتفع الجبهة. (5) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (6) "يكون" لا توجد في بقية النسخ. (7) في (هـ) "رب رجل يصلي". (8) قال الخطابي: الضئضئ: الأصل، يريد أنه يخرج من نسله الذي هو أصلهم، أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به، ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قومه. والمروق الخروج من الشيء والنفوذ إلى الطرف الأقصى منه. والرمية: الطريدة التي يرميها الرامي. معالم السنن بحاشية أبي داود (5/122) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 عَنِ ابْنِ أَبِي نعم، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) (1) . 10- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ   (1) ما بين القوسين في الأصل فقط. وانظر الحديث في البخاري من الطريق المذكورة، كتاب المغازي، باب بعد علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن، ح (4351) ، فتح الباري (8/67) ، وأورده البخاري من طرق أخرى في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، ح (3610) ، 6/617. وكتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} ، ح (3344) ، 6/376، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} ، ح (7432) ، 13/415. وأخرجه مسلم من عدة طرق منها الطريق المذكورة هنا. انظر: صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج، ح (1064) ، 2/741. وأبو داود في كتاب السنة، باب في قتال الخوارج، ح (4764) ، 5/121. التعليق: هذا الحديث أورده المصنف للاستدلال به على علو الله تعالى. ودلالته في غاية الصراحة والوضوح، والحديث من أصح الأحاديث كما رأيت. والرجل المذكور فيه -صاحب الموقف مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو ذو الخويصرة التميمي رئيس الخوارج، كما جاء في أحد روايات الحديث عند البخاري، ح (3610) ، وهذا الحديث من دلائل نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه أخبر فيه بما لم يحدث بعد. وقد تحقق هذا الخبر فظهرت هذه الطائفة في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين خرجوا عليه في موقعة صفين التي دارت بينه وبين معاوية، رضي الله عنهما. وقد ذكر الشهرستاني أن أول الخارجين عليه كان من جنده في صفين، وأشدهم خروجا عليه ومروقا من الدين: الأشعث بن قيس الكندي، ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي، فقد حملوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبول التحكيم، بعد أن أوشك جند معاوية على الانهزام، وقالوا لعلي: القوم يدعوننا إلى كتاب الله، وأنت تدعونا إلى السيف، وأصروا على موقفهم وهددوا بأنه إن لم يستجب لهم فسيفعلون به ما فعلوا بعثمان رضي الله عنه، فقبل رضي الله عنه التحكيم. وكان من الأمر ما كان، فلم يرض الخوارج بما آل إليه الموقف. فما كان منهم إلا أن خرجوا على علي، وقالوا له: لم حكمت الرجال؟ لا حكم إلا لله، وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان. وهم فرق شتى، أكبرها المحكمة، والأزرقة، والنجدات، والبيهسية، والعجاردة، والثعالبة، والأباضية، والصفرية، والباقون فروعهم. انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/114-115. ويجمعهم تكفير علي، وعثمان، والتبري منهما، ويكفرون أصحاب الكبائر، ويرون الخروج على الإمام الجائر. وكانت هذه الطائفة من أعبد الناس، ولكنهم مع شدة عبادتهم اعتمدوا على التأويل لنصوص الوحي بما يتفق مع عقولهم، ويسند مذاهبهم وأهوائهم فجانبوا الإسلام الصحيح، ولذلك صدق عليهم ما وصفهم به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وهذه الفئة من أخطر الفرق الإسلامية. وللخوارج ألقاب، فبالإضفة إلى وصفهم بأنهم خوارج يلقبون بالحرورية، والشراة، والمارقة، والمحكمة، والنواصب. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/206. الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ (ثَنَا) (1) عَبْدُ اللَّهِ (ثَنَا) (2) أَبِي ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ. اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ (لَهَا) (3) ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيَقُولُونَ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بَرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ (لَهَا) (4) ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً، وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ، فَلَا يَزَالُ (يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ) (5) حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ، فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي   (1) في (هـ) "قال ثنا". (2) في النسخ الأخرى "حدثني". (3) "لها" ليست في الأصل وأضفتها من النسخ الأخرى. (4) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل، وأصفته من النسخ الأخرى. (5) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل، وأصفته من النسخ الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، ثُمَّ تُرْسَلُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ (1) . 11- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ صَدَقَةَ الْحَرَّانِيُّ، أَنْبَأَ الْفِرَاوِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو أَحْمَدَ الْجُلُودِيُّ، أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، ثَنَا مَرْوَانُ ثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى (فِرَاشِهِ) (2) ، فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا". (أَخْرَجَهُ مُسْلِم) (3) . 12- أَنْبَأَ أَبُو سَعِيدٍ (الْخَلِيلُ بْنُ أَبِي الرَّجَاءِ الرَّارَانِيُّ) (4) ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبِو عَلِيٍّ الْحَدَّادُ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي   (1) في هامش (ر) قال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث متفق على عدالة ناقله، اتفق الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج على ابن أبي ذئب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وهما من شرطهما، وراه المتقدمون الكبار عن ابن أبي ذئب مثل ابن أبي فديك، وعبد الرحيم بن إبراهيم. انتهى. أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، ح (4262) ، 2/1423. وأحمد في المسند 2/364، وأورده الذهبي في العلو ص 22، وقال: رواه أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: هو على شرط البخاري ومسلم. (2) في (هـ) و (ر) "فراشها". (3) في النسخ الأخرى (أخرجه البخاري ومسلم) . والحديث في مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها، ح (1436) ، 2/1060، وفي البخاري، كتاب النكاح أيضا، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، ح (5193-5194) ، إلا أنه أورده بلفظ آخر ليس فيه الشاهد، وهو "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجئ لعنتها الملائكة حتى تصبح"، ولفظ آخر: "إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع". انظر: فتح الباري 9/294. (4) في النسخ الأخرى "الخليل أبو الرجاء الرازاني" وإنما هو كما في الأصل. وهو الشيخ الجليل المسند أبو سعيد خليل بن أبي الرجاء بدر بن أبي الفتح، ثابت بن روح، الأصبهاني، الراراني -براءين مهملتين- الصوفي، مات سنة (596هـ) . انظر: سير أعلام النبلاء 21/269. الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 أُسَامَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا أَبُو الْحَارِثِ الْوَارِقُ، عَنْ (بَكْرِ) (1) بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَكْرَهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يخطأ أَبُو بَكْرٍ فِي الأَرْضِ" (2) .   (1) في (م) "بكير"، وهو خطأ. انظر ترجمته في: التهذيب 1/481. (2) موضوع، أورده ابن الجوزي في الموضوعات 1/319، وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يرويه عن بكر بن خنيس إلا أبو الحارث واسمه نصر بن حماد. قال يحيى: هو كذاب، وقال مسلم بن الحجاج: ذاهب الحديث، وقال النسائي ليس بثقة. أهـ. وانظر: ميزان الاعتدال (4/250/ 251) ، وقال العقيلي: نصر بن حماد كذاب. الضعفاء (4/301) ، وأورده الدارقطني في الضعفاء والمتروكين ص 380. أما بكر بن خنيس الكوفي فقال الدارقطني: متروك، وقال النسائي وآخرون: ضعيف. وقال أبو داود، وابن معين: ليس بشيء. انظر: التهذيب (1/481-482) ، والميزان 1/344. وأورده الذهبي في العلو ص 55، وقال أبو الحارث: مجهول، وبكر واه، وشيخه المصلوب تالف، والخبر غير صحيح، وعلى باغض الصديق اللعنة. اهـ. وقوله: أبو الحارث مجهول فيه نظر، لأنه -أي الذهبي ترجم له في الميزان- كما تقدم- وذكر آراء العلماء فيه. وأما المصلوب: فهو محمد بن سعيد راوي الحديث عن ابن نسى، فهو شامي من أهل دمشق. قال الذهبي في الميزان: هالك اتهم بالزندقة فصلب، وقال النسائي: غير ثقة، ولا مأمون، وقال الثوري، وأحمد بن حنبل: كذاب. وقال أبو داود عن أحمد بن حنبل: عمدا كان يضع الحديث. وقال النسائي: "الكذابون المعروفون بوضع الحديث أربعة: إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخرسان، ومحمد بن سعيد بالشام". وقال الدارقطني، وغيره: متروك. انظر: ميزان الاعتدال 3/561-562، والتهذيب 9/184-185. ورواه الطبراني في الكبير (20/67-68) بطريق لا تقل تهالكا عن هذه، لأن فيها أبو العطوف، جراح بن المنهال الجزري، منكر الحديث كما قال عنه البخاري ومسلم، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث، ويشرب الخمر. انظر: الميزان 1/390، وفيها الوضين بن عطاء، قال ابن سعد: ضعيف، وقال أبو حاتم: يعرف وينكر، وقال الجوزجاني: واهي الحديث. الميزان 4/334. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه له من المناقب والفضائل العظيمة ما ليس لغير من الصحابة، وقد وردت إلينا من طرق في غاية الصحة، كما في فضائله عند البخاري، ومسلم وغيرهما من أئمة المحدثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 13- كَتَبَ إِلَيَّ الإِمَامُ الْفَقِيهُ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ، أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ، يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُرِيدُ أَنْ أَسَأَلَكَ عَنْ مَسَأَلَةٍ، قَالَ: فَمَا هِيَ، قُلْتُ: جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، وَأَكْثَرُ النَّاسُ يُنْكِرُونَ هَذَا. وَمَنْ يُنْكِرُ هَذَا الأَمْرَ؟! كَذَلِكَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ (1) .   (1) هذا الخبر لا يوجد في الأصل. وهكذا نرى أن هذه الأحاديث وما سبقها من الآيات تدل بغاية الصراحة والوضوح على علو الله تبارك وتعالى بذاته، وأنه سبحانه في جهة العلو دون غيرها من الجهات، ورغم وضوح الأدلة وصراحتها بذلك فقد أنكر المبتدعة علو الله تعالى بذاته، وحكموا بعقولهم -المريضة- على نصوص الوحي، فقالوا: لو كان الله تعالى كذلك -أي في جهة العلو بذاته- لأشبه المخلوقات، لأن ذلك يعني أن يكون الله في مكان، والمكان يقتضي التحيز والتجسيم، وهذه من خصائص المخلوقين، لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته فهو مخلوق مجسم. إلا أن هذا لا يلزم أهل الحق في شيء. يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: ولا معنى لهذا الإلزام، لأنه تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من خلقه، ولا يقاس بشيء من بريته، ولا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس، لأنه سبحانه كان قبل الأمكنة، ثم يكون بعدها، لا إله إلا هو خالق كل شيء لا شريك له. وقد اتفق المسلمون وكل ذي لب أنه لا يعقل كائن إلا في مكان، وما ليس في مكان فهو عدم. وقد صح في العقول، وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان، وليس بمعدوم، فكيف يقاس على شيء من خلقه، أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   فإن قال قائل: إذا وصفنا ربنا أنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الأماكن فصار في مكان، ففي ذلك إقرار منافيه بالتغيير والانتقال إذا زال عن صفته في الأزل، وصار في مكان دون مكان، قيل له كذلك زعمت أنت أنه كان لا في مكان ثم صار في كل مكان، فقد تغير عندك معبودك، وانتقل من لا مكان إلى كل مكان، فإن قال إنه كان في الأزل في كل مكان، وكما هو الآن فقد أوجب الأماكن والأشياء معه وهذا فاسد ... "اجتماع الجيوش الإسلامية" ص 97. فالله سبحانه في السماء على العرش كما أخبر عن نفسه، وكما أخبر عنه نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلو مما تقتضيه الضرورة والفطرة، وبدائة العقول، إلا أن ذلك لا يعني أنه سبحانه حالا في مخلوقاته، لأن الجهة التي أثبتناها لله تعالى إنما هي جهة عدمية لا وجودية، فالجهة إنما هي ثابتة لله تعالى بهذا المعنى، ويوضح الإمام ابن تيمية المعنى الصحيح للجهة الذي يجب إثباته لله تعالى، فيقول: "أما من يعتقد الجهة، فإن كان يعتقد أن الله تعالى في داخل المخلوقات، وتحويه المصنوعات، وتحصره السماوات، أو يكون بعض المخلوقات فوقه وبعضها تحته، فهذا مبتدع ضال، وكذلك أيضا إن كان يعتقد أن الله يفتقر إلى شيء يحمله، إلى العرش، أو غيره، فهو أيضا مبتدع ضال، وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين ... فهو مبتدع ضال. فإن الكتاب والسنة مع العقل دلت على أن الله لا تماثله المخلوقات في شيء من الأشياء، ودلت على أن الله غني عن كل شيء، ودلت على أن الله مباين لمخلوقاته عال عليها. وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات، وأنه فوق سماواته على عرشه بائن من مخلوقاته، فإنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو مع استوائه على عرشه، يحمل العرش وحمله العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين، بل يثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينفي عنه مماثلة المخلوقات، ويعلم أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهذا مصيب في اعتقاده، موافق لسلف الأمة وأئمتها. انظر: مقدمة درء تعارض العقل والنقل 1/38-39. وهكذا نرى أن الحق في مسألة الجهة والمكان هو اعتقاد أن الله عال على مخلوقاته بائن منها منفصل عنها، وهذا يعني الجهة العدمية لا الوجودية، لأنه لا شيء من المخلوقات فوق العرش حتى يكون الله تعالى حالا فيها. وقد سبق الفيلسوف المعروف أبو اليد ابن رشد -سبق ابن تيمية على هذا التفصيل في الجهة، وهو ما ارتضاه شيخ الإسلام لموافقته الحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   الذي تدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة والعقل والفطرة جميعا، والمتكلمون ينفون الجهة بإطلاق، وهو نفي باطل، لأنهم يثبتون وجود الله تعالى، ويزعمون أنهم ينزهونه عن مشابهة المخلوقات بنفي أن يكون في جهة من الجهات، وهذا إثبات وهمي حقيقته نفي وجود الله تعالى. وهو خطأ جسيم كابروا به العقل والفطرة فضلا عن نصوص الوحي الصريحة القاطعة، والذي فصل أهل الحق فيه هذا التفصيل فنزهوه عن الحلول بإثبات علوه ومباينته وانفصاله عن جميع مخلوقاته سبحانه. وإنني لأعجب من أولئك المبتدعة الذين يلغون عقولهم، ويروجون لمذهبهم، ويصرون على صحته، وأنه لا حق سواه، مع أن مخالفته للوحي المعصوم لا تحتاج إلى كد ذهن، ولا إمعان روية، لأنها في غاية الجلاء وفي منتهى الوضوح. فالله تعالى يقول عن نفسه إنه في السماء وإنه فوق. ويخبر عنه رسوله بذلك فيما لا يحصى كثرة من الأحاديث، والفطرة والعقل شاهدان على ذلك. وهم يقولون موجود، ولكنه ليس في مكان. أو أنه في كل مكان، فهل هذا إلا تعطيل لنصوص الوحي، وإلغاء للعقل، ومكابرة الفطرة؟! وذلك كانت سفسطتهم وبالا عليهم، فأوقعهم في حيرة وشك، وكانت نهاية أمرهم الإفلاس، والاعتراف بالتخبط وعدم الاهتداء، كما سبق أن أوضحنا من مقالات أئمتهم في الدراسة التي قدمنا بها لهذا الكتاب. ولا ريب أن القوم سيكون لهم موقف مما خالف مذهبهم من نصوص الوحي، من أجل محاولة المحافظة على ماء وجوههم المهراقة، فعمدوا إلى النصوص المثبتة لهذه الصفة، التي هي من أعظم الصفات وأجلها، فأولوها بما يبعدها عن الوقوف في وجه باطلهم، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- واصفا موقفهم وحقيقته ومؤداه: " ... التاسع: التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلو والشرف، ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة، وهو شبيه بعزل السلطان عن ملكه، وتوليته مرتبة دون الملك بكثير، مثاله: تأويل الجهمية قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام: من الآية: 18) ، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (النحل: من الآية: 50) ، ونظائره بأنها فوقية الشرف. كقولهم: الدرهم فوق الفلس، والدنيار فوق الدرهم، فتأمل تعطيل المتأولين حقيقة الفوقية المطلقة التي هي من خصائص الربوبية، وهي المستلزمة لعظمة الرب جل جلاله، وحطها إلى كون قدره فوق قدر بني آدم، وأنه أشرف منهم، وكذلك تأويلهم علوه بهذا المعنى، وأنه كعلو الذهب على الفضة". الصواعق المنزلة 1/92-93. ومن اطلع على تأويلات القوم وجدهم لم يستفيدوا منها إلا تعطيل حقائق النصوص والانحراف بها عن دلالتها، إذ وجهوها إلى معان أخرى لا تستقيم لهم، ولزمهم فيها نظير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   ما فروا من أجله، فوقعوا في حبائل شراكهم التي نصبوها، ورضوا من الغنيمة بالتناقض والاضطراب، ويوضح الإمام ابن القيم هذا الأمر فيقول: " ... إن المتأولين لم يستفيدوا بتأويلهم إلا تعطيل النصوص، والتلاعب بها، وانتهاك حرمتها، ولم يتخلصوا مما ظنوه محذورا، بل هو لازم لهم فيما فروا إليه، كلزومه فيما فروا منه، بل قد يقعون في ما هو أعظم محذورا، كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء فرارا من التحيز والحصر، ثم قالوا هو في كل مكان بذاته، فنزهوه عن استوائه على عرشه ومباينته لخلقه، وجعلوه في أجواف البيوت والآبار والأواني والأمكنة التي يرغب عن ذكرها، فهؤلاء قدماء الجهمية، فلما علم متأخروهم فساد ذلك قالوا: ليس وراء العالم، ولا فوق العرش إلا العدم المحض، وليس هناك رب يعبد، ولا إله يصلى له ويسجد، ولا هو أيضا في العالم، فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. انظر: الصواعق المنزلة 1/121. وهذه هي نتيجة الزيغ والضلال، مصداقا لقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} (الصف: من الآية: 5) ، فاللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ((ذِكْرُ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ)) (1) 14- أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي (بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ) (2) وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ حَدَّثَنَا) (3) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ ثَنَا) (4) أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ) (5) ثَنَا (أَبُو سَعْدٍ) (6) (أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ) (7) ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قال ثنا أبو الحسن أحمد بن عيسى الفرضي) (8) ، ويده على كتفي، قَالَ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: ثنا أَبُو عمرو هِلالُ بْنُ العلا الرُّقِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي) (9) ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ) (10) : ثَنَا عَلِيُّ بْنُ   (1) هذا العنوان لا يوجد في الأصل. (2) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (3) في (م) و (ر) "ثنا" بالاختصار، وبدون "قال". (4) في النسخ الأخرى "قال حدثني". (5) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (6) في النسخ الأخرى "أبو سعيد" وكذا وردت كنيته عند الذهبي في العلو، وذكره بهذه الكنية ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة، وابن الأثير في الكامل، ولعل الصواب ما أثبتناه موافقا لما في الأصل، ولما عند الذهبي في السير. (7) في (هـ) و (ر) "محمد بن أحمد" وهو خطأ. وإنما هو الإمام المسند محدث أصبهان أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن علي بن أحمد البغدادي الأصل الأصبهاني، المتوفى سنة (540هـ) . انظر: سير أعلام النبلاء 20/119-122. (8) لا يوجد في النسخ الأخرى، وهو عند الذهبي موافقا للأصل. (9) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. وهو في العلو للذهبي موافقا لما في الأصل. (10) لا يوجد في النسخ الأخرى. الحديث: 14 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أَبِي طَالِبٍ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ النَّاطِقُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ جِبْرِيلُ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَافِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَلَمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّوْحَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى (مِنْ) (1) فَوْقِ الْعَرْشِ يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ، فَلَا يَكُونُ يَبْلُغُ الْكَافَ النُّونَ حَتَّى يَكُونَ مَا يَكُونُ (2) .   (1) "من" لا توجد في النسخ الأخرى، وهي عند الذهبي. (2) أورده الذهبي في العلو عن المصنف، وقال: هذا حديث باطل، ما حدث به هلال أبدا، وأحمد المكي كذاب، رويته للتحذير منه. العلو ص 45. قلت: فيه العلاء بن هلال الباهلي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف. وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال: يقلب الأسانيد ويغير الأسماء، فلا يجوز الاحتجاج به. وقال النسائي: يروي عنه ابنه هلال غير حديث منكر، لا أدري منه أتى أو من أبيه. ميزان الاعتدال 3/106، والتهذيب 8/194، والضعفاء الكبير 5/1864. أما أحمد المكي فقال الذهبي في الميزان 1/91: رمي بالكذب، كذبه أبو زرعة الكشي. تعليق: أورد المصنف -رحمه الله- هذا الحديث وما بعده للاستدلال به على فوقية الله تعالى على عرشه، بمعنى استوائه وعلوه عليه. وإذا كان هذا الحديث مما لا يصح الاستدلال به لعدم صحته، فإن صفة الاستواء من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، فقد تقدم في أول الكتاب بعض الآيات التي تدل عليها، وهناك الكثير من الأحاديث التي بلغت في جملتها حد التواتر منها ما ذكره المصنف هنا، ومنها ما لم يذكره. وقبل أن أوجز الكلام في مسألة الاستواء فإنني أرى من المناسب أن أوضح أن المتكلمين بدأوا بالعرش فأولوا النصوص الواردة فيه تمهيدا لما بعده، وهو تأويل نصوص الاستواء. وإذا كانت الأدلة على إثبات العرش مخلوقا من مخلوقات الله في غاية الصحة والوضوح -ولذلك أثبت السلف ما أثبتته- فإن المتكلمين تجرأوا على نصوصه، فأولوها جريا على عادتهم في التعامل مع كل نص يصح ويتعارض مع اتجاههم وتصوراتهم العقلية المجردة. فأولوا العرش الوارد في النصوص بالملك، وربما قالوا بعضهم: إنه فلك مستدير محيط بالعالم من جميع جوانبه، وربما سموه الفلك الأطلس، أو الفلك الواسع. إلا أن السلف قالوا بإثبات ما أثبتته النصوص من أن العرش حقيقة موجودة وأنه أعظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   مخلوقات الله تعالى، وأنه جسم مجسم خلقه سبحانه، واستوى عليه، لحكمة أرادها لا لحاجة منه إليه. وتعبد ملائكته سبحانه بحمله لا لحاجة منه إليهم، لأنه سبحانه هو الحامل بقدرته للعرش وما دون العرش، فالقرآن مليء بذكر العرش، وكذا السنة، فلا مجال للمراء. ولا شك في بطلان مذهب المتكلمين ورأيهم في العرش، لأن الله تعالى يقول: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: من الآية17) ، وليس يصح في ذهن أحد ولا في لغة العرب، أن يكون المعنى: ويحمل ملك ربك يومئذ ثمانية، وملك الله تعالى يشمل جميع خلقه من سموات وما فيهن، وأرضين وما فيهن، وكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى، وعلى تفسير هؤلاء المبتدعة يلزم أن يكون المراد أنهم حاملون لجميع مخلوقات الله لا لخلق خاص اسمه العرش، وهذا تفسير في غاية البطلان، وهو تكذيب صريح لله ولرسوله. كما أن التفسير الآخر باطل أيضا، لأنه قد ثبت في الشرع أن للعرش قوائم تحمله الملائكة، كما ورد في الحديث المتفق عليه " ... فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك كما قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النمل: من الآية: 23) ، وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغتهم. انظر: شرح الطحاوية ص248، والعلو للذهبي ص57. فالعرش من الأمور الغيبة التي يجب علينا الإيمان بها كما أخبر الله ورسوله، أما الاستواء على العرش فمذهب السلف فيه الإيمان بأن الله استوى على عرشه -كما أخبر بذلك القرآن في سبعة مواضع، وكما أخبرت به السنة في مواضع كثيرة- استواء يليق بجلاله، وعظمته، لا تشبيه فيه باستواء المخلوقين، ولا تعطيل له عن حقيقة الصفة، بل لا بد من الإثبات وفق المنهج المرسوم في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فأخذ السلف بنصوص الإثبات ونصوص التنزيه، فجمعوا بينهما في منهج واحد، كما هو شأنهم وطريقتهم في بقية الصفات. أما المتكلمون فأولوا الاستواء بالاستيلاء والغلبة والقهر، وليس لهم من دليل على هذا التأويل سوى بيت من الشعر للأخطل النصراني، ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 9/261، وهو: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق وعقب عليه بقوله: وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا. فإنه إنما يقال استولى على الشيء إذا كان ذلك الشيء عاصيا عليه قبل استيلائه عليه ... ولا نجد أضعف من حجج الجهمية حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح، وليس فيه حجة. ابن كثير نفس المصدر 9/262. أقول: وليس استدلالهم هذا عجيبا ولا غريبا، فقد استدلوا بكلام هذا النصراني ذاته في أخطر صفة من صفات الله تعالى ألا وهي صفة الكلام، فإفلاسهم هنا امتداد لإفلاسهم هناك. وهذا التأويل مرفوض تماما حتى من جهة اللغة -فضلا عما يشتمل عليه من معان لا يجوز إضافتها إلى الله سبحانه- فقد رد ابن الأعرابي -من علماء اللغة- على أصحاب هذا التأويل بقوله لمن قال له: إنما معنى استوى استولى: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى عليه، والله تعالى لا مضاد له، فهو على عرشه كما أخبر. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 412. وانظر: تأويلات من أول بهذا المعنى وهم المعتزلة، والأشاعرة، في: الأسماء والصفات للبيقهي ص 410، وغاية المرام في علم الكلام للآمدي 141، والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص 104، ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار 1/73، 351. وذكر الإمام ابن القيم تأويلا آخر ذهب إليه بعض القوم، وهو تأويلهم استوى بمعنى أقبل، ورد عليه فقال -رحمه الله-: تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} (لأعراف: من الآية: 54) ، بأنه أقبل على خلقه، فهذا إنشاء منهم لوضع لفظ (استوى على) أقبل على خلقه، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة، فإنهم ذكروا معاني استوى، ولم يذكر أحد منهم أصلا في معانيه الإقبال على الخلق، فهذه كتب اللغة طبق الأرض، هل تجدون أحدا منهم يحكي ذلك على اللغة؟ وأيضا فإن استوى الشيء، والاستوى إليه وعليه يستلزم وجوده، ووجود ما نسب إليه الاستواء بـ إلى أو بـ على، فلا يقال: استوى إلى أمر معدوم، ولا استوى عليه، فهذا التأويل إنشاء محض، لا إخبار صادق عن استعمال أهل اللغة. الصواعق المنزلة 1/155. والتفسير الصحيح للاستواء الذي ذهب إليه السلف هو تفسير استوى بمعنى علا، لأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   للاستواء أربعة معان، ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله- فقال: فلهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان وهي استقر، وقد علا، وكذلك ار تفع الذي ما فيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن وفي اختيار معنى العلو لتفسير الاستواء، قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ، أي علا. انظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/460. وقال مجاهد: استوى: علا على العرش، وحكى أيضا عن أبي العالية تفسيره بمعنى ارتفع. انظر: صحيح البخاري 13/403. كما ورد استعمالهم للألفاظ الأخرى، وكلما تؤدي إلى معنى العلو، كما حكى عن ابن عباس: استوى بمعنى استقر، وفسر أبو عبيدة: استوى بمعنى صعد. انظر: الإتقان للسيوطي 2/706. فالله تعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه معهم كما قال ابن أبي شيبة -رحمه الله-: " ... بل هو فوق العرش كما قال محيط بالعرش، متخلص من خلقه، بين منهم، علمه في خلقه لا يخرجون من علمه". العرش للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، المتوفى سنة 297هـ، ص 5. وانظر في تقرير مذهب السلف: الرد على الجهمية للدارمي ص 13-29، وإنما نفى القوم الاستواء وأولوه ليستقيم القول بالحلول لمن قال به منهم، والقول بأنه ليس في مكان لمن قال به. والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 15- قَرَأْتُ عَلَى (أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدِيٍّ) (1) أَخْبَرَكُمُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَ أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ اللؤلؤي، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فيهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحَابُ، قَالَ: وَالْمُزْنُ، قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ: وَالْعَنَانُ، قَالُوا: وَالْعَنَانُ. قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ (مَا) (2) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ قَالُوا لَا نَدْرِي، قَالَ: إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٍ، وَإِمَّا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَسَبَعْيِنَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ (3) .   (1) في النسخ الأخرى "قرأت على أبي المظفر بن حمدي"، وأبو المظفر كنيته. (2) "ما" ليست في (هـ) ، ولا في (ر) . (3) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب الجهمية، ح (4723) ، 5/93، والترمذي في التفسير، ح (3320) ، 5/424، وقال: هذا حديث حسن غريب، وروى الوليد بن أبي ثور عن سماك نحوه ورفعه، وروى شريك عن سماك بعض هذا الحديث ولم يرفعه. اهـ. ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 100-102، وابن أبي عاصم في السنة، ح (577) ، 1/253، وأحمد في المسند 1/206-207، والدارمي في الرد على الجهمية ص 19، وابن ماجه ف يالمقدمة، ح (193) ، 1/69، وأورده الذهبي في العلو، وقال: تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة. العلو ص 50، وقد حكم الشيخ الألباني -في تخريجه للسنة لابن أبي عاصم- بضعف إسناده. قلت: عبد الله بن عميرة الكوفي الذي عليه مدار الحديث -قال فيه البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وقال الذهبي: فيه جهالة. وذكره ابن حبان في الثقات، والترمذي حسن حديثه. انظر: التهذيب 5/344، والميزان 2/469. أما راوي الحديث عن سماك، وهو وليد بن أبي ثور، فقال عنه العقيلي: يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها. التهذيب 11/137-138. الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 16- وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمُظَفَّرِ (بْنِ حَمْدِيٍّ) (1) خَبَّرَكُمْ (مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ) (2) أَنْبَأَ (أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ) (3) أَنْبَأَ (الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ) (4) أَنْبَأَ (مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو) (5) ثَنَا (سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ) (6) (ثَنَا) (7) مُحَمَّدُ بن بشار، أثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَهِدَتِ الأَنْفُسُ، (وَضَاعَتِ) (8) الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟ وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ قَالَ: (وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ) (9) ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ (10) .   (1) "بن حمدي" ليست في النسخ الأخرى. (2) في النسخ الأخرى ذكر بكنيته "أبو الحسين". (3) في النسخ الأخرى ذكر لقبه "الخطيب" فقط، وهو البغدادي صاحب التاريخ. (4) في النسخ الأخرى "أنبأ أبو عمر". وهي كنيته. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/1057. (5) في (هـ) و (ر) "أنبأ أبو علي"، وفي (م) "اللؤلؤي أبو علي"، وهي لقبه ونسبته. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 15/307. (6) في النسخ الأخرى ذكر بكنيته فقط "أبو داود". (7) في (هـ) "قال حدثنا". (8) في النسخ الأخرى "وضاع". (9) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (10) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في الجهمية، ح (4726) ، وابن خزيمة في التوحيد ص 103. والآجري في الشريعة ص 293، وابن أبي عاصم في السنة 1/252. قال الألباني وإسناده ضعيف ورجاله ثقات، لكن محمد بن إسحاق مدلس، ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث، وهذا ما لم يفعله في ما وقفت عليه من الطرق إليه. انظر تعليقه على هذا الحديث في السنة لابن أبي عاصم 1/252. وأورده الذهبي في العلو ص 39، وقال فيه: هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أم لا، وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره ... وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبول تأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه، مما يوافق آيات الكتاب. انتهى. الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 17- قُرِئَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازَةُ الْمَعْرُوفَةُ (بِنَفِيسَةَ) (1) ، وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ أَنْبَأَ (أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ) (2) أَنْبَأَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَعْظَمُ نَسَائِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَأَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكَحًا، زَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ هُوَ السَّفِيرُ بِذَلِكَ، وَأَنَا ابنة عمتك، وليس لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي (3) .   (1) في الأصل "نفسية" والتصحيح من النسخ الأخرى. ومن المصادر التي ترجمت لها. (2) في النسخ الأخرى (أبو الحسين بن بشران فقط) . (3) الحديث مرسل. أخرجه الطبري، وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان، ذكر ذلك الحافظ في الفتح 13/412. وانظر: تفسير الطبري 22/14، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: "إن الله أنكحني في السماء" كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، ح (7421) . وفي نفس الموضع عن أنس أيضا بلفظ "زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات"، ح (7420) ، فتح الباري 13/403-404. وأخرجهما بهذين اللفظين ابن سعد في الطبقات (8/103، 106) . وباللفظ الأخير رواه الترمذي في كتاب التفسير، ح (3213) ، 5/354، وباللفظ الأول رواه أحمد في المسند 3/226. الحديث: 17 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 18- أَخْبَرَنَا (أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِيِّ) (1) أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ (الْبَرْتِيُّ) (2) ثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، هُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي" (3) . وَفِي لَفْظٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (سَمِعْتُ) (4) رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَمُسْلِمٌ) (5) .   (1) في النسخ الأخرى "أبو الفتح محمد بن عبد الباقي". (2) في الأصل "البرقي" وفي (هـ) ، (ر) "البرمي" فقط بدون اسم، وكلاهما خطأ، والصواب ما أثبتناه نقلا عن (م) . وهو كذلك في ترجمته، انظر: تذكرة الحفاظ 2/596. (3) هذا اللفظ لا يوجد في غير الأصل من نسخ الكتاب. (4) في الأصل "قال" والتصحيح من النسخ الأخرى. (5) "ومسلم" لا توجد في الأصل. والحديث متفق عليه. انظر البخاري، كتاب بدء الخلق، باب "وهو الذي يبدأ الخلق"، ح (3194) ، 6/287، وكتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، ح (7422) ، 13/404، وباب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، ح (7404) ، 13/383، وباب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، ح (7453) ، 13/440، وباب قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ، ح (7554) ، 13/522. ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، ح (2751) ، 4/2107. وأحمد في المسند 2/358، 381. وابن أبي عاصم في السنة، ح (608) ، 1/270. الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وابن ماجة، في كتاب الزهد، ب اب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، ح (4295) ، 2/1435. وابن خزيمة في التوحيد ص 58، والآجري في الشريعة ص 290، وأبو إسماعيل الهروي في الأربعين، ح (12) ، ص 55، بتحقيق الدكتور/ علي محمد ناصر فقيهي، وأورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح (1629) ، 4/171. والحديث يشتمل على إثبات ثلاث صفات هي: صفة الاستواء على العرش، وهي ما ساق المصنف الحديث من أجله، وقد تقدم الكلام عليها. الصفة الثانية: صفة الرحمة، وهي من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، وقد تقدم الحديث عنها تفصيلا. أما الصفة الثالثة: فهي صفة الغضب، وهذه الصفة ثابتة لله تعالى كغيرها من الصفات، فقد ثبت بالقرآن كما ثبتت بالسنة، يقول تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، النساء/ 93. وقال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} ، البقرة/ 61، وقال: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} ، آل عمران/ 112، وقال تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ، سورة النور/ 9. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في هذا المعنى. إلا أن المتكلمين -جريا على عادتهم- أولوا هذه الصفة بحجة أن إثباتها فيه إضافة نقص الله تعالى، لأن الغضب غليان دم لطلب الانتقال -بزعمهم- لذلك أولوا الغضب بإرادة التعذيب. راجع مشكل الحديث لابن فورك ص 395، وقال محققه: والمراد بالغضب لازمه وهو أيضا العذاب إلى من يقع عليه الغضب. انظر هامش مشكل الحديث ص 394. وقد رد الإمام ابن تيمية على تأويلهم وشبهتهم فقال: وأما قول القائل: "الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام" فليس بصحيح في حقنا، بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلا. وأيضا فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حمرة الوجه، والوجل يقارن صفرة الوجه، لا أنه هو. وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي، فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب، وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل، فاصفر الوجه كما يصيب الحزين. وأيضا فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فلا هو مماثلا لنا، لا لذواتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذلك. ونحن نعلم بالاضطرار أنا إذا قدرنا موجودين: أحدهما عنده قوة يدفع بها الفساد، والآخر لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عند تلك القوة أكمل. ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالديوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلمين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحمية يدفع بها الظلم، ويعلم أن هذا أكمل من ذلك، ولهذا وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرب بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح: "لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" وقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير منه". وقول القائل: هذه انفعلات نفسية. فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزا عن دفعها، وكان كل ما يجري في الوجوه، فإنه بمشيئته وقدرته، لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون، له الملك وله الحمد. انتهى. الفتاوى 6/119-120. وهكذا نرى أن القوم أولوا النصوص المثبتة لهذه الصفة مع أنها ثابتة بالعقل -على الوجه الذي ذكره شيخ الإسلام- كما هي ثابتة بالنص أيضا. ويلزم في المعنى الذي فروا إليه ما ألزموا به أنفسهم في المعنى الذي فروا منه، لأن الإرادة يقال فيها ما يقال في غيرها من الصفات، فيمكن أن يقال إنها ميل النفس وهذا انفعال نفسي، فقالوم يقيسون الغائب على الشاهد فيشبهون أولا ثم ينتقلون إلى مرحلة التأويل، فجمعوا بين التشبيه والتعطيل، وهذا شأن كل مبطل، يبدأ من باطل وينتهى إليه، والحال أن منهج الإثبات المقرون بالتنزيه هو المنهج الأقوم الذي لا سبيل إلى نقده. ولذلك وافق السلف بمنهجهم هذا العقل كما وافقوا النقل، أما المتكلمون فقد خالفوا النقل، وخالفوا العقل أيضا من حيث ظنوا أنهم وافقوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 19- أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَا (حَمَدُ) (1) بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ) (2) أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ بَيَّانٍ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ   (1) في النسخ الأخرى "أحمد" وهو خطأ تكرر، وسبق التنبيه عليه. (2) في الأصل "أخبرنا محمد أنبأ حمد" وأثبت الاسم كما ورد في النسخ الأخرى. الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُشْرِفُ عَلَى حَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا، فَيَذْكُرُهُ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ (سَمَاوَاتٍ) (1) ، فَيَقُولُ: مَلَائِكَتِي، إِنَّ عَبْدِي هَذَا قَدْ أَشْرَفَ عَلَى حَاجَةٍ مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا، فَإِنْ فَتَحْتُهَا لَهُ فَتَحْتُ لَهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، وَلَكِنْ أَزْوُوهَا عَنْهُ، فَيُصْبِحُ الْعَبْدُ عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ يَقُولُ: مَنْ سَبَقَنِي؟ مَنْ دَهَانِي؟ وَمَا هِيَ إِلَّا رَحْمَةٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَا". هَذَا حَدِيثٌ (غَرِيبٌ) (2) مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ (عَنِ) (3) الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ (أَبُو نُعَيْمٍ) (4) : لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدِ عن صالح (5) . 20- أخبر (مُحَمَّدٌ) (6) أَنْبَأَ (حَمَدٌ) (7) أَنْبَأَ (أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) (8) ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَّاءِ، ثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ،   (1) في (هـ) ، (م) "سماواته". (2) كلمة "غريب" أضفتها من الحلية. (3) في الأصل "و" ولعل ما أثبتناه هو الصواب. (4) في الأصل "قال أبو نعيم نعيم" وهو خطأ. (5) الكلام من بداية قوله: هذا حديث غريب إلى نهايته لا وجود له في النسخ الأخرى. ورواه أبو نعيم في الحلية 3/305، 7/208. وأورده الذهبي في العلو ص 44، وقال: "صالح تالف ولا يحتمل شعبة هذا". قلت: وصالح هذا هو ابن بيان الثقفي، ويقال العبدي، ويعرف بالساحلي. قال الخطيب: كان ضعيفا يروي المناكين عن الثقات. تاريخ بغداد 9/310. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم، ويحدث بالمناكير عمن لم يحتمل. الضعفاء الكبير 2/200. وقال الدارقطني: متروك، وساق له ابن عدي أحاديث باطلة. الميزان 2/290. وانظر: الكامل في الضعفاء لابن عدي 4/1384. (6) هو ابن عبد الباقي. تقدم في الحديث السابق. (7) في (ر) ، (هـ) "أحمد" وهو خطأ كما تقدم. (8) أحمد بن عبد الله، لا يوجد في النسخ الأخرى. وهو أبو نعيم الحافظ صاحب الحلية. الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أَنْتَ قُبِضْتَ فَمَنْ يُغَسِّلُكَ؟ وَفِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ وَمَنْ يُدْخِلُكَ الْقَبْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي أما الْغُسْلُ فَاغْسِلْنِي أَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الْمَاءَ، وَجِبْرِيلُ ثَالِثُكُمَا، فَإِذَا أَنْتُمْ فَرَغْتُمْ مِنْ غُسْلِي فَكَفِّنُونِي فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جُدُدٍ، وَجِبْرِيلُ يَأْتِينِي بِحَنُوطٍ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا أَنْتُمْ وَضَعْتُمُونِي عَلَى السَّرِيرِ فَضَعُونِي فِي الْمَسْجِدِ، وَاخْرُجُوا عَنِّي، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، ثُمَّ جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ زُمَرًا، ثُمَّ ادْخُلُوا (فَقَومُوا صُفُوفًا صُفُوفًا) (1) ، لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ الْمَسْجِدَ، وَخَرَجَ النَّاسُ عَنْهُ، فَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الرَّبُّ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، ثُمَّ جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ زُمَرًا زُمَرًا (2) .   (1) في النسخ الأخرى "فصفوا صفوفا". (2) هذا جزء من حديث مطول رواه أبو نعيم في الحلية 4/77، 78، وأورده الذهبي في العلو من طريق المصنف، وقال: هذا الحديث موضوع. وأراه من افتراءات عبد المنعم، وإنما رويته لهتك حاله. العلو ص 43. قلت: عبد المنعم بن إدريس بن سنان بن كليب، أورده العقيلي في الضعفاء 3/112. وقال: ذاهب الحديث. وذكره ابن حبان في المجروحين (2/157) ، وقال: يضع الحديث على أبيه وعلى غيره. وأورد هذا الحديث أيضا -بطوله- ابن الجوزي في الموضوعات، باب ذكر وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 1/295-301. وقال: هذا حديث موضوع محال، كافأ الله من وضعه، وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد، والكلام الذي لا يليق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بالصحابة، والمتهم به عبد المنعم بن إدريس، قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب، وقال يحيى: خبيث كذاب. وقال ابن المديني، وأبو داود: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به، وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان. انظر: الموضوعات 1/301. أقول: أما أبوه فهو إدريس بن سنان بن بنت وهب بن منبه، قال الدارقطني: متروك، وضعفه ابن عدي، وقال ابن معين: يكتب من حديثه الرقاق، وعده ابن حبان في الثقات، وقال: يتقى حديثه من رواية ابنه عبد المنعم عنه. انظر: الضعفاء والمتروكين /158، وميزان الاعتدال 1/169، وتهذيب التهذيب 1/194. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 21- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أنبأ أحمد أَنْبَأَ حَمَدٌ (1) ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ (2) ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ (3) ثَنَا يَحْيَى بْنُ (خُذَامٍ) (4) بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الأَنْصَارِيُّ، ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) (5) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي (وَوَحْدَانِيَّتِي) (6) (وَفَاقَةِ خَلْقِي إِلَيَّ) (7) ، وَاسْتِوَائِي عَلَى عَرْشِي، وَارْتِفَاعِ مَكَانِي، إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِي، وَأَمَتِي، يَشِيبَانِ فِي الإِسْلَامِ، ثُمَّ أُعِذِّبُهُمَا. وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: بَكَيْتُ لِمَنْ يَسْتَحْيِي اللَّهُ تَعَالَى منه، ولا يستحيي مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (8) .   (1) السند إلى هنا هو بعينه ما ورد في الحديث الذي قبله، فمحمد هو ابن عبد الباقي، و"حمد" الوارد خطأ في جميع النسخ "أحمد" هو ابن أحمد الحداد. وأحمد الأخير هو الحافظ أبي نعيم. (2) في (م) انقطاع في السند بين محمد بن عبد الباقي وابن الصباح حيث سقط ثلاثة من رجاله. (3) في (م) "محمد بن الصباح". (4) في (ر) ، و (هـ) "حرام" وفي (م) "حزام" وفي الأصل "حدام" بحاء ودال مهملتين. والصواب ما أثبت، وهو موافق لما في الحلية. وانظر ترجمته في الميزان 4/372. وجاء في التهذيب "خدام" بالدال المهملة 11/203. وفي التقريب: يحيى بن خذام بكسر المعجمة. وقال المعلق: ما في نسخة التهذيب من الإهمال تصحيف. انظر: التقريب 2/346. (5) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (6) لا توجد في النسخ الأخرى. (7) لا يوجد في (هـ) ، و (ر) . (8) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/387، وقال: لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري ترد به عنه يحيى بن خذام. وأورده الذهبي في العلو ص 43، وقال: عداده في الموضوعات وهذا الأنصاري ليس بثقة. وأورده في الميزان 3/600. قلت: ومحمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري قال عنه العقيلي: منكر الحديث جدا، وقال ابن طاهر: كذا وله طامات. وقال مالك بن دينار: منكر الحديث. انظر الميزان 3/598، والضعفاء الكبير للعقيلي 4/96. وقد أورد الذهبي مجموعة من طاماته التي أشار إليها ابن طاهر، منها هذا الحديث. انظر: الميزان 3/598-600. وأورده برهان الدين الحلبي في الكشف الحثيث عمن رومي بوضع الحديث ص 382. وذكر قول ابن طاهر: كذاب له طامات. وقال فقوله: "وله طامات" كناية عن الموضوعات، فالظاهر أنه يضع، لأنه كذاب. الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 22- أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَ جَدِّي الْحَافِظُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ (الأَنْبَارِيُّ) (1) أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (2) الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ (عَنْ) (3) عُبَيْدَةَ (الْهُجَيْمِيِّ) (4) قَالَ: قَالَ أَبُو جُرَيٍّ جَابِرُ بْنُ   (1) في (ر) "الأنصاري" وهو خطأ. (2) في (هـ) أبو عبد الله بن الحسين. وهو خطأ. وإنما هو الحسين وأبو عبد الله كنيته. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 17/265. (3) في (هـ) "ابن" وهو خطأ. (4) في جميع النسخ "الجهيمي" وهو خطأ. والتصحيح من مصادر الحديث الأخرى. ومن التهذيب. والهجيمي: بضم الهاء، وفتح الجيم، وسكون الياء -هذه النسبة إلى محلة بالبصرة، نزلها بنو الهجيم بن عمرو بن تميم بن مر بن أد، بطن من تميم، فنسبت المحلة إليهم ... وجماعة كثيرة ينسبون إلى القبيلة والمحلة. اللباب 3/382. قال في التهذيب: عبيدة -بفتح العين- أبو خداش الهجيمي البصري، عن أبي جري الهجيمي حديث لا تحقرن من المعروف شيئا. وقيل عن أبي تميمة عن أبي جري. التهذيب 7/86. الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 سُلَيْمٍ: رَكِبْتُ قَعُودًا لِي، وَأَتَيْتُ (مَكَّةَ) (1) فِي طَلَبِهِ، فَأَنَخْتُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِبُرْدَةٍ لَهَا طَرَايِقُ حُمْرٌ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْتُ: إِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ بِنَا الْجَفَا، فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِنَّ، قَالَ: أدن ثلاثا. فقال: أَعِدْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: إِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ بِنَا الْجَفَا، فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِنَّ، (فَقَالَ) (2) : اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، ولو أَنْ تَصُبَّ فَضْلَ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ (الْمُسْتَسْقِي) (3) ، وَإِذَا لَقِيتَ أَخَاكَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخْيَلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ سَبَّكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لَكَ أَجْرًا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ وِزْرًا، وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ أَبُو جُرَيٍّ: فَوَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَبَبْتُ لِي شَاةً وَلَا بَعِيرًا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ (إِسْبَالَ) (4) الإِزَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالرَّجُلِ القرح، أو الشيء يَسْتَحِي مِنْهُ، قَالَ لَا بَأْسَ إلى نصف السابق، أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبَلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَيْنِ فَتَبَخْتَرَ فِيهِمَا، فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فَمَقَتَهُ، فَأَمَرَ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ. فَاحْذَرُوا وَقَائِعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" (5) .   (1) "مكة" ليست في (ر) . (2) في النسخ الأخرى "قال". (3) في (ر) ، و (هـ) "المستقي". (4) في الأصل "الإسبال". (5) رواه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، ح (4084) ، 4/344، عن طريق أبي تميمة الهجيمي بدل عبيدة، وقال أبو داود: (وأبو تميمة اسمه طريف بن مجالد) . وروى بعضه الترمذي في الاستئذان، باب كراهية أن يقول: عليك السلام مبتدئا، ح (2722) ، 5/72، وليس عندهم الشطر الذي فيه الشاهد، وللحديث طرق ذكرها الإمام أحمد في المسند 5/63-64، وليس فيها الشاهد، وأورده الذهبي في العلو ص 36، وقال: إسناده لين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 23- قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ صَابِرٍ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَكَمُ الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْكِتَّانِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، أَنْبَأَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ (أَبِي) (1) ثَابِتٍ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَهِدْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ من عل وأنا أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَاهُمَا ... لَهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّلِ وَأَنَّ أخا الأحقاف إذا قَامَ فِيهِمُ ... يَقُولُ بِذَاتِ اللَّهِ فِيهِمْ وَيَعْدِلِ (2) 24 - أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ أَسْعَدَ بْنِ بَوْشٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ (عُبَيْدِ اللَّهِ) (3) بْنِ (كَادِسٍ) (4) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَينِ الْجَازِرِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى (الْجَرِيرِيُّ) (5) ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عدي بن عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: لَمَّا   (1) (أبي) ليست في الأصل. والصحيح إضافتها كما في النسخ الأخرى. وانظر ترجمته في التهذيب 2/187. (2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 8/695، والهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أبو يعلى وهو مرسل. ووردت هذه الأبيات في ديوان حسان ص 319، ضمن أبيات أنشدها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأورده الذهبي في العلو ص 40، وقال: هذا مرسل. (3) في النسخ الأخرى "عبد الله"، وهو خطأ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 19/558. (4) في (هـ) "كاؤس". (5) في النسخ الأخرى "الحريري" بالحاء المهملة. وهو خطأ، وهو نسبة إلى مذهب محمد بن جرير الطبري، والمعافى كانت نسبته إليه. انظر: اللباب 1/276. الحديث: 23 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفَدَ الشُّعَرَاءُ إِلَيْهِ، فَأَقَامُوا بِبَابِهِ أَيَّامًا لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَوْمًا وَقَدْ (أَزْمَعُوا الرَّحِيلَ) (1) (مَرَّ بِهِمْ) (2) بْنُ أَرْطَأَةَ، فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ: يَا أَيُّهَا (الرَّاكِبُ) (3) (الْمُزْجِي) (4) مَطِيَّتَهُ ... هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قد مضى زماني أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاقيه ... (أني لذي) (5) الْبَابِ كَالْمَصْفُودِ فِي قَرَنِي لَا تَنْسَ حَاجَتَنَا أَلْفَيْتُ مَغْفِرَةً ... قَدْ طَالَ مُكْثِي عَنْ أَهْلِي وَعَنْ وَطَنِي قَالَ: فَدَخَلَ عَدِيٌّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الشُّعَرَاءُ بِبَابِكَ، وسهامهم مسمومة، وأقوالهم نافذة، قَالَ: وَيْحَكَ يا عدي، ما لي وَللشُّعَرَاءُ. قَالَ: أَعَزَّ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ امْتُدِحَ فَأَعْطَى، وَلَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: امْتَدَحَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، فَأَعْطَاهُ حُلَّةً قَطَعَ بِهَا لِسَانَهُ. قَالَ: أَوَ تَرْوِي مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فأنشده: رأيتك بأخير الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ... نَشَرْتَ كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعْلِمَا شَرَعْتَ لَنَا دِينَ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا ... عَنِ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الْحَقُّ مُظْلِمَا وَنَوَّرْتَ بِالْبُرْهَانِ أَمْرًا مُدَلَّسًا ... واطفأت بالبرهان نار تَضَرَّمَا فَمَنْ بَلَّغَ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا كَانَ قَدَّمَا أَقَمْتَ سَبِيلَ الْحَقِّ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ ... وَكَانَ قَدِيمًا رُكْنُهُ قَدْ تَهَدَّمَا تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ (عَرْشِ) (6) إِلَهِنَا ... وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا   (1) في (م) "وقد أجعوا على الرحيل". (2) في (م) "إذ مر بهم" بزيادة "إذ". (3) في النسخ الأخرى (الرحل) . (4) في (م) (المرخي) . (5) في النسخ (هـ) ، و (م) "إني لدي) بالدال المهملة. وفي (م) "إنا" بضمير الجمع. (6) في (م) "العرش". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ (1) . 25- قُرِئ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بن شاذان، أبنأ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُغَلِّسِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، (حَدَّثَنِي) (2) أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَمَ في بني قريضة قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ حُكْمًا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ (3) .   (1) أورده الذهبي في العلو ص 42، عن طريق الهيثم بن عدي، وقال عنه: وهو إخباري ضعيف. وعزاها إلى المصنف. أقول: والهيثم بن عدي اتهم بالكذب، قال يحيى بن معين، والبخاري: ليس بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي، وغيره: متروك الحديث. انظر: الميزان 4/324، والضعفاء الكبير 4/352. والقصة أوردها كاملة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 1/205، ط الثانية بالمطبعة الأزهرية، سنة 1346هـ. وابن كثير في البداية والنهاية 9/262. (2) في النسخ الأخرى "قال حدثني". (3) أورده الذهبي في العلو ص 32، وقال: هذا مرسل. قلت: وورد عنده محمد بن مالك بدل معبد بن كعب وهو خطأ. انظر ترجمة معبد في التهذيب 10/224. وورد الحديث عند ابن إسحاق في السيرة مرسلا أيضا عن علقمة بن وقاص 3/293. وأورده الذهبي من طريق آخر عن سعد بن أبي وقاص، وقا: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمر العقدي عن محمد بن صالح التمار، وهو صدوق. اهـ. انظر: العلو ص 32. والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه، وليس فيه موضع الشاهد. انظر: البخاري، كتاب المغازي، ح (4121) ، فتح الباري 7/411، ومسلم، كتاب الجهاد، ح (1769) ، 3/1389. وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 420 من حديث سعد بن أبي وقاص المشار إليه آنفا. وفي سنده محمد بن صالح التمار، قال الحافظ بن حجر: صدوق يخطئ. التقريب 2/170. وترجم له الذهبي في الميزان 3/581، وذكر خلاف العلماء فيه، فقال: وثقه أحمد، وأبو داود، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. أقول: والأرقعة: قال الزمخشري: هي السموات، لأن كل واحدة منها رقيع التي تحتها. الفائق في غريب الحديث 2/77، وقال صاحب لسان العرب: والسموات السبع يقال إنها سبعة أرقعة، كل سماء منها رقعت التي تليها، فكانت طبقا لها، كما ترقع الثوب بالرقعة. انظر: مادة "رقع". الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 26- أَخْبَرَنَا (طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ) (1) أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَ (أَبُو بَكْرٍ الْجَرْشِيُّ) (2) ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ (قَالَ) (3) أَنْبَأَ (الشَّافِعِيُّ) (4) أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (حَدَّثَنِي) (5) مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ (عُبَيْدِ اللَّهِ) (6) بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ، فِيهَا نُكْتَةٌ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا هَذِهِ) ؟ (7) قَالَ هَذِهِ الْجُمُعَةُ، فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، (فَالنَّاسُ) (8) لُكُمْ فِيهَا تَبَعٌ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جِبْرِيلُ (مَا) (9) يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ   (1) في النسخ الأخرى "طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي". (2) في النسخ الأخرى "أبو بكر أحمد بن الحسن الجرشي"، والجرشي -بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة- نسبة على بني جُرش، بطن من حمير، وقيل إن جرش موضع باليمن، ويحتمل أن تكون هذه القبيلة نزلته فسمي بها. انظر: اللباب 1/272. (3) "قال" ليست في النسخ الأخرى. (4) في النسخ الأخرى "الشافعي محمد بن إدريس". (5) في النسخ الأخرى "قال حدثني". (6) في النسخ الأخرى "عبد الله" وهو خطأ. وما في الأصل موافق لما عند الشافعي في مسنده. (7) في (هـ) "ما هذه يا جبريل". (8) في النسخ الأخرى "والناس". (9) في (هـ) ، و (ر) "وما". الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 (اتَّخَذَ) (1) فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ، فَيهِ (كُثُبُ) (2) مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) (3) مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مِنَابِرُ مِنْ نُوْرٍ، عَلَيْهَا مقاعد النبيين، وخف تَلِكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، (فَيَجْلِسُوا) (4) مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ (الْكُثُبِ) (5) فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: أَنَا رَبُّكُمْ، قَدْ (صَدَقْتُكُمْ) (6) وَعْدِي، (فَسَلُونِي) (7) أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ، فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ فِيهِ، (وَفِيهِ خُلِقَ آدَمُ) (8) ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ (9) .   (1) في النسخ الأخرى "أعد". (2) في (ر) ، و (هـ) "كثيب". (3) ليست في الأصل. (4) في النسخ الأخرى "ويجلس". (5) في (ر) و (هـ) "الكثيب". (6) في النسخ الأخرى "صدقتم". (7) في (هـ) ، و (ر) : "فاسألوني". (8) لا توجد في النسخ الأخرى، وهي عند الشافعي في مسنده. (9) أخرجه الشافعي في مسنده، ح (374) ، 1/126، والذهبي في العلو ص 30، وقال: إبراهيم وموسى ضعفاء، وقال في الميزان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أحد الضعفاء. وقال يحيى بن معين: كذاب، وقال أحمد بن حنبل: تركوا حديثه، قدري، معتزلي، يروي أحاديث ليس لها أصل. وقال البخاري: تركه ابن المبارك والناس، كان يرى القدر، وكان جهميا. وقال ابن معين: كذاب رافضي. . . . انظر الميزان 1/57، 58. وانظر: التهذيب 1/158. أما موسى بن عبيدة فهو ابن نشيط، أبو عبد العزيز الزبذي، قال ابن حنبل: منكر الحديث، وقال الحافظ ابن حجر، وغيره: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء. انظر: الضعفاء الصغير للبخاري ص 221، والتقريب 2/282، وميزان الاعتدال 4/213. وممن روى هذا الحديث أيضا الدارمي في الرد على الجهمية ص 38، من طريق آخر. وبنفس طريق الدارمي رواه ابن أبي زمنين المالكي في أصول اعتقاد أهل السنة، ح (36) ، 1/299. ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 95، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/150. وهو ضعيف. ضعفه ابن معين، والدارقطني، وأحمد، والنسائي. انظر هامش كتاب العرش ص 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 27- أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدٌ) (1) أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ (أَبُو الْقَاسِمِ) (2) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، (قَالَ) (3) ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرَّقَّادِ، عَنْ زِيَادٍ الْنُمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (4) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ (5) .   (1) في النسخ الأخرى: "محمد بن عبد الباقي". (2) في (م) "القاسم". (3) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (4) من النسخ الأخرى. (5) رواه الذهبي في العلو ص 32، وقال: زائدة ضعيف، والمتن بنحوه في الصحيح للبخاري من حديث قتادة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي". وأخرجه أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة بإسناد قوي عن ثابت عن أنس، وفيه: "فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي تبارك وتعالى وهو على كرسيه، أو سريره، فأخر له ساجدا". وذكر الحديث. اهـ. أقول: حديث قتادة عن أنس أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، ح (7440) ، فتح الباري، 13/422، وباب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، ح (7410) ، 13/392. وأخرج الدارمي في رده على بشر المريسي حديث أبي نضرة عن ابن عباس، نحو حديث ثابت عن أنس ص 14. وأحمد في المسند 1/281-282، 295-296. وفي حديث عمرو بن جرير عن أبي هريرة عند البخاري " ... فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع لربي ساجدا ... "، كتاب التفسير، باب "ذرية من حملنا مع نوح"، ح (4712) ، 8/395-396. وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ح (327) ، 1/184-185. الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 28- قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، أَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعْدٍ، (أَخْبَرَكُمْ جَدِّي) (1) أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، (قَالَ) (2) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا أَنْبَأَ مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ (أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ) (3) أَنْبَأَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّاجِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بلغني حديث في الْقِصَاصِ وَصَاحِبُهُ بِمِصْرَ، فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا وَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلًا، ثُمَّ سَرِتُ شَهْرًا حَتَّى وَرَدْتُ مِصْرَ، فَسَأَلْتُ عَنْ صَاحِبِ الْحَدِيثِ فَدُلِلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَهُ بَابٌ لَاطٌ (4) وَغُلَامٌ أَسْوَدُ، فَقُلْتُ: أَهَهُنَا مَوْلَاكَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْبَرَ مَوْلَاهُ أَنَّ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا بِالْبَابِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ (لِي) (5) مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: (أَنَا) (6) جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ (لَهُ) (7) : بَلَغَنِي (عَنْكَ) (8) أَنَّكَ تُحِدِّثُ بِحَدِيثٍ فِي الْقِصَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَشْهَدْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لَهُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا (9) ، ثُمَّ يُنَادِي   (1) في النسخ الأخرى "أخبرك جدك". (2) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (3) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) . (4) أي مغلق. (5) "لي" ليست في النسخ الأخرى. (6) "أنا" ليست في النسخ الأخرى. (7) "له" ليست في (هـ) ، و (ر) . (8) "عنك" ليست في النسخ الأخرى. (9) غرلا: جمع "الأغرل" وهو الأقلف، والغرلة القلفة. النهاية في غريب الحديث 3/362. وبهما: جمع بهيم. وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض، التي تكون في الدنيا من العمى والعور والعرج، وغير ذلك، وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة. وقال بعضهم في تمام الحديث: وقيل ما البهم؟ قال: "ليس معهم شيء" يعني من أعراض الدنيا، وهذا يخالف الأول من حيث المعنى. النهاية في غريب الحديث 1/167. وانظر: منال الطالب لابن الأثير ص 514. الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 (بِصَوْتٍ) (1) وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى عَرْشِهِ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ غَيْرِ فَضِيعٍ، يُسْمِعُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، (يَقُولُ: أَنَا الدَّيَّانُ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (2) ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَأَقْتَصَّنَّ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، وَلَوْ لَطْمَةً، (وَلَوْ ضَرْبَةَ يَدٍ) (3) وَلَأَقْتَصَّنَّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَلَأَسْأَلَنَّ الْعُودَ لِمَ خَدَشَ صَاحِبَهُ، وَلَأَسْأَلَنَّ الْحَجَرَ لِمَ نَكَبَ صَاحِبَهُ، بِذَلِكَ أَرْسَلْتُ رُسُلِي، وَأَنْزَلْتُ كُتُبِي، وَفِي ذَلِكَ قُلْتُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (4) .   (1) ليست في النسخ الأخرى. (2) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (3) في النسخ الأخرى "ولو ضربة بيده". (4) الآية من سورة الأنبياء/ 47. والحديث أخرجه الخطيب البغدادي في الرحلة من ثلاث طرق، هذه إحداها. انظر ح (33) ، ص 115، وفيه زيادة ذكرها الخطيب بعد أن أورد هذا القدر الذي أورده المصنف، فبعد الآية قوله: ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط، ألا فلتترقب أمتي العذاب إذا تكافأ الرجال بالرجال، والنساء بالنساء". إلا أن هذه الطريق وصف إسنادها بالضعف، كما عند الحافظ في الفتح 1/174. وقال الذهبي: حديث المبتدأ لإسحاق بن (بشير) -هكذا قال الذهبي، وإنما هو ابن بشر- وهو كذاب، وقال بعد أن أورد الحديث: فهذا شبه موضوع. أقول: وإسحاق بن بشر هو أبو حذيفة البخاري صاحب كتاب المبتدأ. تركوه، وكذبه علي بن المديني، وقال ابن حيان: لا يحل حديثه إلا من جهة التعجب، وقال الدارقطني: كذاب متروك. ميزان الاعتدال 1/184. وفي سنده أيضا أبو الجارود، ولعله زياد بن المنذر الهمداني أبو الجارود الكوفي الأعمى، قال ابن معين، والنسائي، وغيرهما: متروك. وقال ابن حبان: كان رافضيا يضع الحديث في الفضائل والمثالب. الميزان 2/93. وأورده الدارقطني في الضعفاء والمتروكين/ 216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   إلا أن الدكتور نور الدين عتر يرى -في تعليقه على كتاب الرحلة للخطيب- أن أبا الجارود هذا ليس هو زياد بن المنذر الذي ذكرت، ويستند في ذلك إلى ثلاثة أمور: 1- أن أبا الجارود نسب هنا -أي عند البغدادي- عبسيا، أما زياد بن المنذر فإنه نهدي أو همداني. 2- أن أبا جارود الذي في هذا الحديث تابعي متقدم يروي عن جابر، ويروي عنه مقاتل بن حيان. أما زياد بن المنذر فمتأخر لا رواية له عن الصحابة. 3- أن الحافظ قال في سند هذا الحديث الذي الذي من طريق أبي الجارود: "وفيه ضعف" أما زياد المنذر فكذاب وضاع لا يصلح أن يقال في إسناده: "فيه ضعف" بل يقال: "واه" أو ما في هذا المعنى مما يفيد الوهن الشديد. اهـ. وفي نظري أن ما قاله الدكتور نور الدين عتر وارد إلا أنني لم أجد من كني بأبي الجارود إلا زياد بن المنذر. وفي سنده أيضا -عند الخطيب عمر بن الصبح، وهو ابن عمران التميمي العدوي الخرساني، راوي الحديث عن مقاتل. قال إسحاق بن راهوية أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير في الكذب والبدعة: جهم بن صفوان، وعمرو بن الصبح، مقاتل بن سليمان. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. وقال الأزدي: كذاب، وقال الدارقطني: متروك. انظر: التهذيب 7/462. فالحديث إذا شبه موضوع كما قال الذهبي. إلا أن رحلة جابر بن عبد الله ثابتة من طرق أخرى. وقد أخرج البخاري -رحمه الله- طرفا من هذا الحديث تعليقا في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه} ، فتح الباري 13/453. وأشار إليه في كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، 1/173. وأخرجه الخطيب في الرحلة من طريق أخرى، ح (31، 32) ، ص 109-114، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، أن جابر بن عبد الله حدثه، قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم أسمعه منه، قال: فابتعت بعيرا، فشددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى أتيت الشام، فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري، قال: فأرسلت إليه أن جابرا بالباب، قال: فرجع إلى الرسول، فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم، قال: فرجع الرسول إليه، فخرج إلي فاعتنقني واعتنقته. قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   قلت: حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المظلم لم أسمعه، فخشيت أن أموت، أو تموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر الله العباد، أو قال: يحشر الله الناس -وأومأ بيده إلى الشام- عراة غرلا بهما. قلت وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء. قال: فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أن الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وأحد من الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة. قال: قلنا: كيف هو وإنما نأتي الله تعالى عراة غرلا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات. وأخرج الحديث بهذه الطريق البخاري في الأدب المفرد، باب المعانقة، ص 143، وأحمد في المسند 3/495. وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/93، والقرطبي في التذكرة 1/323. وله طريق ثالثة حيث أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، وتمام الرازي في فوائده من طريق الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: "كان يبلغني عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث في القصاص ... " ذكر ذلك الحافظ في الفتح، وقال: "إسناده صالح". فتح الباري 1/174. ولا يوجد الشاهد في هذين الطريقين. إلا أنه كما ترى -قد اتفقت جميع الطرق على أن الله يتكلم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. وهذا يدل على أن الله تعالى يتكلم حقيقة، وأن هذه الصفة لا سبيل إلى تأويلها، فالله تعالى يتكلم بصوت يسمع، ولكن كلامه سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين، وصوته لا يشبه أصواتهم بدليل ما ورد في هذا الحديث، من أن كلام الله وصوته يسمعه من بعد ومن قرب على حد سواء، وليس هذا لكلام المخلوق، وصفة الكلام من أخطر الصفات التي تعرض لها المتكلمون بالنفي، حيث نفوا أن يكون الله تعالى يتكلم بصوت يسمع، إذ قالوا بأن كلام الله تعالى نفسي قديم قائم بذاته سبحانه، وهذا يعني أن الله تعالى لا يتكلم حقيقة. انظر: لمع الأدلة للجويني ص 92، تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود، والإرشاد ص 115، والأسماء والصفات للبيهقي ص 273، والمواقف بشرح الجرجاني، قسم الإلهيات ص 149-150، وشرح أم البراهين للسنوسي ص 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وغاية شبهتهم أن الكلام بحرف وصوت يحتاج إلى مخارج، وهذا من صفات المخلوقين، والله منزه عنها. ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن منشأ الخطأ في هذه المسألة هو عدم التفريق والمباينة بين الخالق وصفاته والمخلوق وصفاته، أما السلف فإنهم متفقون على التمييز بين صوت الرب وصوت العبد، ومتفقون على أن الله تكلم بالقرآن الذي أنزله على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرفه ومعانيه، وأنه ينادي عباده بصوته. مجموع الفتاوى 2/585. وقد رد الإمام أحمد بن حنبل على شبهة نفاة الحرف والصوت، ردا مفحما لا يدع مجالا لمتأول حيث قال: " ... وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله قال للسموات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} ، فصلت/ 11، وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْن} ، الأنبياء/ 79، أتراها سبحت بجوف وفم، ولسان وشفتين؟ والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} ، فصلت/ 21، أتراها نطقت بجوف وفم ولسان؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء، من غير أن يقول بجوف ولا فم، ولا شفتين ولا لسان". الرد على الجهمية والزنادقة ص 131. وفي إثبات الصوت لله تعالى، ونفي المشابهة بينه وبين أصوات المخلوقين يقول الإمام البخاري -رحمه الله- "ويذكر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون رفيع الصوت، الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله جل ذكره. وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال الله عز وجل: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} ، البقرة/ 22، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين". خلق أفعال العباد/ 59، فالسلف يرون أن الله يتكلم بصوت يسمع، كما دلت على ذلك الأدلة الدامغة من الكتاب والسنة، وأن صوته لا يشبه أصوات خلقه، كما أن ذاته لا تشبه ذاته، فهو سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ((ذِكْرُ أَخْبَارٍ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ)) (1) 29- (وَنَقَلٌ مِنَ الْجُزْءِ الأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ كَامِلِ بْنِ خَلَفٍ) (2) (أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ السَّيْبِيِّ الْقَصْرِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفٍ) (3) ثَنَا محمد بن سعيد الْعَوْفِيُّ، (ثَنَا) (4) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ عُمَرَ) (5) قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذا مَرَّتِ امْرَأَةٌ) (6) مِنْ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَذِهِ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا مِثْلُ مُحَمَّدٍ فِي بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا كَمِثْلِ رَيْحَانَةٍ فِي وَسَطِ الزِّبْلِ، فَسَمِعَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَأَبْلَغَتْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْسَبُهُ قَالَ مُغْضَبًا، فَصَعَدَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَقَالَ: "ما بال أقوال تُبَلِّغُنِي عَنْ أَقْوَامٍ، إِنَّ الله خلق سموات سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَمَاوَاتَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ أَرْضِينَ سبعا، فاختار العلياء فَأْسَكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ (ثُمَّ اخْتَارَ) (7) خَلْقَهُ، فَاخْتَارَ بَنِي آدَمَ، ثم اختار بني آدم فَاخْتَارَ الْعَرَبَ، ثُمَّ اخْتَارَ الْعَرَبَ فَاخْتَارَ مُضَرَ، ثُمَّ اخْتَارَ مُضَرَ فَاخْتَارَ قُرَيْشًا، فَاخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ اخْتَارَ   (1) هذا العنوان لا يوجد في الأصل. (2) في النسخ الأخرى: "ذكر أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف". (3) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. وليس للمصنف سند في هذا الحديث، ولذلك قال: "نقل" بالبناء للمجهول. وأبو القاسم يحيى بن أحمد القصري أول رجال السند توفي سنة (490هـ) . كما في الشذرات 3/396. (4) في النسخ الأخرى "أنبأ". (5) في (هـ) ، و (ر) : "بن دينار" وهو خطأ. (6) في النسخ الأخرى: "إذ مرت بنا امرأة" بزيادة "بنا". (7) في النسخ الأخرى "واختار". الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 بَنِي هَاشِمٍ فَاخْتَارَنِي، فَلَمْ أَزَلْ خِيَارًا مِنْ خِيَارٍ، أَلَا مَنِ أَحَبَّ قُرَيْشًا فَبِحُبِّي أُحِبُّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أُبْغِضُهُمْ (1) ". 30- أَخْبَرَنَا (محمد أنبأ حمد) (2) أَنْبَأَ أَحْمَدُ (ثَنَا سليمان، ثنا المقدام بْنُ دَاوُدَ) (3) ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ فَرْقَدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ   (1) أورده الذهبي في العلو ص 23، وقال: تابعه حماد بن واقد عن محمد بن ذكوان أحد الضعفاء، وبعضهم يقول: فيه عبد الله بن دينار، وهو حديث منكر، رواه جماعة في كتب السنة وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد. اهـ. قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير ح (13650) ، 12/455، وأبو نعيم في دلائل النبوة، ورواه العقيلي في الضعفاء عن يزيد بن عوانة، عن محمد بن ذكوان وقال: لا يتابع عليه 4/388، وابن عدي في الكامل 2/555، 6/2207. وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/345، وقال: ضعيف جدا. ومحمد بن ذكوان -الذي هو علة الحديث- قال عنه النسائي: ليس بثقة، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف. انظر: الميزان 3/542، والضعفاء الصغير للبخاري/ 206، والضعفاء والمتروكين للدارقطني ص 348، والتهذيب 9/156. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/215، وقال: فيه حماد بن واقد وهو ضعيف، يعتبر به وبقية رجاله وثقوا، وهذا تقصير من الهيثمي في بيان علة السند، لأن الطرق التي فيها حماد بن واقد كانت رواية حماد عن محمد بن ذكوان أيضا، وهو من سبق يان حاله، فأصبح ثمة علتان لا علة واحدة. وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/86-87، من طريق أخرى من عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مرفوعا مختصرا. قال الألباني: وفي سنده من لم أجد له ترجمة. سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/345. وساقه ابن أبي حاتم في العلل 2/367-368 من الطريق الأولى -أعني الطريق التي ساقه بها المصنف، وقال: قال أبي: هذا حديث منكر. ووافقه الذهبي في الميزان. (2) في (م) "محمد بن أحمد" وفي النسخ الثلاث الأخرى تكرر الخطأ بذكر "أحمد" وإنما هو "حمد" كما تقدم. وهم محمد بن عبد الباقي، وحمد بن أحمد الحداد بن عبد الله الحافظ. (3) في النسخ الأخرى "ثنا سليمان بن داود"، وهو خطأ. الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ: مَا بَالُ عِبَادِي يَدْخُلُونَ بُيُوتِي -يَعْنِي الْمَسَاجِدَ- بِقُلُوبٍ غَيْرِ طَاهِرَةٍ، وَأَيْدٍ غَيْرِ نَقِيَّةٍ، أَبِي يَغْتَرُّونَ، وَإِيَّايَ يُخَادِعُونَ؟ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَعُلُوِّي فِي ارْتِفَاعِي، لَأَبْتَلِيَنَّهُمْ بِبَلِيَّةٍ أَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ، لَا يَنْجُو مِنْهُمْ إِلَا مَنْ دَعَا كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ (1) ". 31- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ (النَّقُورِ) (2) أَنْبَا أَبُو طَالِبٍ الْيُوسُفِيُّ أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ الْمُذْهِبِ أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَفَّانُ ثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ به قال: بينا نَحْنُ فِي الْحَطِيمِ -وربما قال فتادة فِي الْحِجْرِ (مُضْطَجِعٌ) (3) إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: (ثم   (1) دعاء الغريق لعله دعاء الكرب كما عند البخاري عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم". البخاري مع الشرح 11/145. والحديث أورده الذهبي في العلو ص 44. وقال: أخرجه الطبراني ولا يصح هذا، ولكنه محتمل. قلت: ولم أجده عند الطبراني في الكبير. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 3/48. وأورد بعده حديثا كلاهما عن وهب بن راشد عن فرقد، وقال بعد ذلك: قال الشيخ رحمه الله: هذه الأحاديث الثلاثة بهذه الألفاظ لم يروها عن أنس رضي الله عنه غير فرقد، ولا عنه إلا وهب بن راشد، ووهب وفرقد غير محتج بحديثهما وتفردهما. أقول: أما فرقد فهو ابن يعقوب السبخي، قال الحافظ: صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ. التقريب 2/8. أما وهب بن راشد الرقي، ويقال البصري، قال ابن عدي: عن ثابت ومالك بن دينار وفرقد السبخي، ليست روايته عنهم بالمستقيمة. الكامل 7/2529، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. الميزان 4/352. فإسناد الحديث ضعيف جدا. (2) في (م) : "الزقور" وهو خطأ. (3) ليست في النسخ الأخرى. الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أتيت) (1) بداية دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ يَقَعُ (خَطْوُهُ) (2) عِنْدَ (أَقْصَى) (3) طَرْفِهِ قَالَ فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد، (قال) (4) أو قد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، قَالَ: فَلَمَّا حَصَلْتُ إِذَا فِيهَا آدَمُ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد، قيل: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا حَصَلْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا السَّلَامَ، وَقَالَا: مَرْحَبًا (بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) (5) ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا حَصَلْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالَأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفَتَحَ، فَلَمَّا حَصَلْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صعد حتى أتى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:   (1) في (هـ) ، و (ر) : "فأتيت". (2) في النسخ الأخرى: "حافره". (3) في (هـ) ، و (ر) : "منتهى". (4) في النسخ الأخرى: "قيل". (5) في (هـ) ، و (ر) : "بالنبي الصالح والأخ الصالح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ فَلَمَّا حَصَلْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فلما حصلت فإذا أَنَا بِمُوسَى قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالَأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ فَلَمَّا حَصَلْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، قَالَ: ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، قَالَ: ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَّاةً، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، قال: فرجعت على مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ، قَالَ: بِأَرْبَعِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلَّاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أمرت، قال: أُمِرْتَ بِثَلَاثِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 تَسْتَطِيعُ ثَلَاثِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فوضع عني عشر (أُخَرَ) (1) ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ عِشْرِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بِنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كل يوم، قال: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بَعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وعالجت بني إسرئيل أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ (سَأَلْتُ) (2) رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا نَفَذْتُ نَادَى مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ نَاصِرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَثُبُوتِهِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في صحيحهما، وَغَيْرُهُمَا (3) .   (1) ليست في النسخ الأخر. (2) في (هـ) ، و (ر) : "عالجت". (3) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، ح (3887) ، فتح الباري 7/201. ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السموات وفرض الصلوات، ح (162) ، 1/145. وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمه الله- في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 50، أن قصة الإسراء والمعراج متواترة، وقد أفردها بعض العلماء بالتأليف، كما فعل السيوطي في كتابه "الآية الكبرى في المعراج والإسراء"، وجمع ابن كثير -رحمه الله- طرق هذا الحديث في تفسير سورة الإسراء، ومنها الصحيح، والحسن، والضعيف. انظر: تفسير ابن كثير 5/4-39. وهذا الحديث من أدلة علو الله تعالى، إذ أنه صريح في ذلك، لأن جبريل عليه السلام كان يصعد بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سماء إلى سماء حتى انتهى إلى السماء السابعة، وتجاوزها إلى سدرة المنتهى، ثم إلى البيت المعمور، وكل ذلك وهو في صعود، وهذا دليل على أن الله تبارك وتعالى عال على جميع مخلوقاته بذاته، مستو على عرشه الذي هو أعلى مخلوقاته، وجميع الأدلة من الكتاب والسنة والعقل والفطرة متضافرة على إثبات ذلك، حتى أصبح من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، لا ينكرها إلا مكابر فاجر. أما مسألة الإسراء فقد حصل الخلاف فيها هل كان الإسراء بالروح فقط، أم بالروح والبدن جميعاً، وهل كان ذلك يقظة أم مناما؟ إلا أن الحق في ذلك ما عليه أكثر العلماء والأئمة من أن الإسراء كان بالروح والبدن جميعا يقظة لا مناما، ويدل على ذلك أمور: 1- قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} ، الإسراء/1، والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح، هذا هو المعروف عند الإطلاق، وهو الصحيح، فيكون الإسراء بهذا المجموع. 2- إن ذلك جائز عقلا، إذ لو جاء استبعاد صعود البشر، لجاز استبعاد نزول الملائكة، وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة؛ وهو كفر. 3- إن التسبيح في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} الآية، إنما يكون عند الأمور العظام، ولو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظما، ولما بادرت قريش إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم. 4- أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل على البراق، وهو دابة، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح، لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه. انظر: شرح الطحاوية ص 187، وتفسير ابن كثير/ 40-41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 32- قُرِئ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيِّ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَكُمْ (أَبُو مَنْصُورٍ) (1) مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (الْمُقَوِّمِي) (2) أَنْبَأَ (أَبُو طَلْحَةَ) (3) .   (1) لا توجد في النسخ الأخرى. (2) لا توجد في النسخ الأخرى. (3) لا تو جد النسخ الأخرى. الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، ثَنَا الْفَضْلُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نور، فرفعوا رؤسهم فَإِذَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ (قَالَ) (1) : وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (2) ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ، وَيَبْقَى نُورُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ (3) .   (1) "قال": لا توجد في (هـ) . (2) سورة يس/ 58. (3) أخرجه ابن ماجة في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، ح (184) ، 1/65، وأبو نعيم في الحلية 6/208-209، والعقيلي في الضعفاء 2/274، والهيثمي في مجمع الزوائد 7/98. وفي سنده أبو عاصم العباداني، وأبو الفضل الرقاشي، أما أبو عاصم فهو: عبد الله بن عبيد الله. قال الذهبي: واه، وهو واعظ زاهد، إلا أنه قدري. الميزان 2/458. وأورده العقيلي في الضعفاء، وقال: عبد الله أبو عاصم العباداني، عن الفضل بن عيسى الراقاشي، منكر الحديث، وكان فضل يرى القدر، وكاد أن يغلب على حديثه الوهم. اهـ. ثم ساق هذا الحديث عن أبي عاصم عن الفضل، وقال: "ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به". الضعفاء الكبير 2/274-275. وقال أحمد بن حنبل في فضل الرقاشي: إنه ضعيف. وقال ابن عيينة: لا شيء. وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال البخاري: كان يرى القدر، وليس أهلا أن يروى عنه. الكامل لابن عدي 6/2039. والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فإنه يشتمل على أمرين ثابتين بأدلة دامغة من الكتاب والسنة. أما الأمر الأول فعلو الله تعالى، وهو الذي من أجله أورد المصنف هذا الحديث هنا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وقد تقدمت الأدلة من الكتاب والسنة، على ثبوت هذه المسألة، وسيأتي المزيد. أما المسألة الثانية فهي مسألة الرؤية: وهذه المسألة من أعظم المسائل التي بحثها السلف، لأن الكتاب والسنة متظافران على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن ذلك أعلى نعيم أهل الجنة. قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، القيامة/ 23، وقوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ، سورة ق/ 35. وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ، يونس/ 26، وقد فسر السلف الزيادة الواردة في هاتين الآيتين بالنظر إلى وجه الله تعالى. انظر: الاعتقاد للبيهقي ص 48-49. ومما يدل على صحة هذا التفسير ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أهل الجنة نودوا، يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا لم تروه، قال: فيقولون فما هو؟ ألم يبيض وجوهنا ويزحزنا عن النار، ويدخلنا الجنة؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، قال: فوالله ما أعطاهم الله عز وجل شيئا هو أحب إليهم منه. قال: ثم قرأ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} . صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، ح (181) ، 1/163. وأورد الإمام البخاري -رحمه الله- مجموعة من الأحاديث المثبتة للرؤية، منها حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه قال: "كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ... " الحديث. وأورد مجموعة من الأحاديث التي تدل بغاية الصراحة والوضوح على إثبات هذه المسألة. انظر: صحيح البخاري مع شرحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، من ح (7434-7447) ، فتح الباري 13/419-424. والإثبات بهذه الأدلة هو مذهب السلف جميعا، ووافقهم الأشاعرة، يقول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي مبينا مذهب السلف: "فهذه الأحاديث كلها وأكثر منها قد رويت في الرؤية، على تصديقها، والإيمان بها، أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، ولم يزل المسلمون قديما وحديثا يروونها ويؤمنون بها، لا يستنكرونها ولا ينكرونها، من أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال، بل كان من أكبر رجائهم، وأجزل ثواب الله في أنفسهم، النظر إلى وجه خالقهم، حتى ما يعدلون به شيئا من نعيم الجنة". الرد على الجهمية ص 53-54. وقال أيضا: "قد صحت الآثار عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن بعده من أهل العلم، وكتاب الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   الناطق به، فإن اجتمع الكتاب وقول الرسول، وإجماع الأمة، لم يبق لمتأول عندها تأويل إلا لمكابر أو جاحد". نفس المصدر ص 54. أما المنكرون فهم المعتزلة، وقد استدلوا لإنكارهم بأدلة هي في الواقع عليهم لا لهم، مثل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} الأعراف/ 143، إذ يقول النفاة: إن قوله: {لَنْ تَرَانِي} ، دليل على عدم الرؤية إلا أن المثبتين يرون هذه الآية دليلا واضحا على وقوع الرؤية لا على عدم الوقوع، ووجه ذلك: أن موسى عليه السلام نبي من الأنبياء، ولو لم تكن الرؤية ممكنة الوقوع لما سألها موسى، كما أنه علق الرؤية على أمر ممكن، وذلك دليل على إمكان وقوعها، إذ أن الله تعالى لما كان قادرا على أن يجعل الجبل مستقرا كان قادرا على أن يري نفسه عباده المؤمنين، وإنه جائز الرؤية. وقوله: {لَنْ تَرَانِي} ، أراد النفي في الدنيا دون الآخرة. ومن أدلة النفاة أيضا، قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} الأنعام/ 103. إذ يرون أن الإدراك هنا معناه الرؤية، فنفي الإدراك نفي للرؤية. إلا أن المثبتين استدلوا أيضا بهذه الآية، وقالوا: إن الإدراك معناه الإحاطة، فالنفي في الآية للإحاطة بالله تعالى لا للرؤية، والإدراك قدر زائد على الرؤية، ونفيه دليل على أن الله يرى ولكن لا يحاط به. ومن أدلة النفاة أيضا قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} المطففين/ 15، ولكن استدلال المثبتين بهذه الآية هو الاستدلال المنطقي، لأن الله تعالى أخبر عن الكفار أنهم محجوبون عن رؤية الله تعالى يوم القيامة عقابا لهم وحرمانا لهم من نعمة هي أعظم نعيم أهل الجنة جزاء كفرهم وتكذيبهم، فلما عاقب الكفار بحجبهم عن رؤيته، دل ذلك على أنه يثيب المؤمنين برفع الحجاب عن أعينهم حتى يروه. انظر مذهب المعتزلة واستدلالاتهم في شرح الأصول الخمسة ص 233، 245، وديوان الأصول للنيسابوري ص 614، ورود السلف على هذا الاستدلال وتقرير الاستدلال بها للإثبات في شرح الطحاوية ص 142، والاعتقاد للبيهقي ص 46-47، وحادي الأرواح لابن القيم ص 228-229. يقول ابن القيم -رحمه الله- مبينا تهافت استدلال أهل الباطل على باطلهم بالأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة: "أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله، إلا في ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله". حادي الأرواح ص 228. لمزيد من التفصيل راجع كتاب البيهقي وموقفه من الإلهيات ص 305-316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 33- وَأَخْبَرَنَا (طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ) (1) أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي الْمُنْذِرِ، أَنْبَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (بْنِ سَلَمَةَ) (2) ، قَالَ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا (بَكْرُ) (3) بْنُ خَلَفٍ، (حَدَّثَنِي) (4) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الطَّحَّانِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ أَخِيهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ التَّسْبِيحَ والتهليل، والتحميد، بتعطفن (5) حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ (6) تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ، أَوْ يَزَالُ له من ذكر بِهِ؟ " (7) . 34- أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدٌ) (8) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ (بْنِ خَيْرُونَ) (9) ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ   (1) في (م) : "أبو طاهر". وما بعده من الاسم لا يوجد فيها ولا في النسخ الأخرى. (2) لا يوجد في النسخ الأخرى. (3) في (م) : "بكير" وهو خطأ. (4) في النسخ الأخرى "ثنا". (5) يتعطفن حول العرش: أي يتثنين حوله شفقة ورحمة بصاحبها، قال في اللسان: تعطف عليه، أشفق، والعطف: الشفقة والرحمة. انظر: اللسان، ومعجم مقاييس اللغة، مادة: "عطف"، ومنال الطالب لابن الأثير/ 553. (6) دوي النحل: صوته، قال في اللسان: الدوي صوت ليس بالعالي، كصوت النحل ونحوه، وسمعت دوي المطر والرعد إذا سمعت صوتهما من بعيد. انظر مادة: "دوا". (7) أخرجه ابن ماجة في كتاب الأدب من سننه، باب فضل التسبيح، ح (3809) ، 2/1252، والحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء 1/503، وال: هذا حديث على شرط مسلم. والذهبي في العلو عن النعمان بن بشير مرفوعا ص 51، وموقوفا على كعب الأحبار ص 93، وقطع بثبوته. وأخرجه موقوفا على كعب أيضا ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 72. (8) في النسخ الأخرى: "محمد بن عبد الباقي". (9) "ابن خيرون" لا توجد في النسخ الأخرى. الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 بِشْرَانَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ (يَزِيدَ) (1) الصُّدَائِيُّ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَالَ عَبْدٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، إِلَّا صَعَدَتْ لَا يَرُدُّهَا حِجَابٌ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى اللَّهِ نَظَرَ إِلَى قَائِلِهَا وَحَقٌّ على الله أن لا ينظر عَلَى مُوَحِّدٍ إِلَّا رَحِمَهُ" (2) . 35- أَخْبَرَنَا الرَّئِيسُ أَبُو الْعِزِّ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن مواهب الخرساني، أَنْبَأَ أَبُو الحسين بْنُ الطُّيُورِيِّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ (الْحَرْبِيُّ) (3) أَنْبَأَ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا عَبْدُوسُ بْنُ بَشِيرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الْعَسْقَلَانِيُّ، ثَنَا (أَبُو نُعَيْمٍ) (4) عُمَرُ بْنُ صُبْحٍ، عَنْ   (1) في الأصل: "بن زيد" وهو خطأ. راجع ترجمته في تاريخ بغداد (11/394) . (2) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات بنحوه، من طريق الحسين بن علي بن يزيد عن الوليد بن القاسم، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ح (3590) ، 5/575. وأورده الذهبي في العلو ص 36، وقال: هذا حديث غريب. وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، ح (919) ، 2/320، وقال: منكر، رواه ابن بشران في الأمالي (70/1، 108/2) ، عن علي بن الحسين بن يزيد الصدائي ... وذكر السند -ومن طريق ابن بشران رواه الخطيب في ترجمة علي بن الحسين هذا -التاريخ- (11/394) . وذكر أن وفاته كانت سنة (286هـ) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأنه روى عنه أبو بكر الشافعي، وأبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، قلت -أي الألباني-: وقد خالفه في متنه الإمام الترمذي، فرواه عن الحسين بن يزيد به بلفظ: " ... إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضى إلى العرش، ما اجتنب الكبائر". قلت -أي الألباني-: فهذا يدل على ضعف علي بن الحسين عندي، لمخالفته الترمذي في لفظ حديثه، على قلة روايته، ولذلك أوردت الحديث بلفظ الترمذي في الأحاديث الصحيحة، "والمشكاة" (2314) . انتهى كلام الألباني. (3) في النسخ الأخرى: "الحولي". (4) في النسخ الأخرى: "أبو القاسم" وهو خطأ. الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عَمُودًا مِنْ نُورٍ أَسْفَلُهُ تَحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَرَأْسُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ اهْتَزَّ ذَلِكَ الْعَمُودُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: اسْكُنْ، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْكُنُ وَأَنْتَ لَمْ تَغْفِرْ لِقَائِلِهَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، (قَالَ) (1) : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا مِنْ هَزِّ ذَلِكَ الْعَمُودَ (2) . 36- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أَنْبَأَ أَحْمَدُ أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ عِنْدَ رَبِّهَا، وَتَسْتَأْذِنُ فَلا يُؤْذَنُ لَهَا حَتَّى تَسْتَشْفِعَ وَتَطْلُبُ، فَإِذَا طَالَ عَلَيْهَا، قِيلَ لَهَا: اطْلَعِي مَكَانَكَ، فَذَلِكَ   (1) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (2) أورده ابن الجوزي في الموضوعات 3/166، وقال: قال الدارقطني: تفرد به عمر بن الصبح. قال ابن حبان: عمر يضع الحديث على الثقات. وقد تقدم بيان حاله. وقال ابن الجوزي أيضا: وقد روى نحوه يحيى بن أبي أنيسة عن هشام، عن الحسن، عن أنس، قال زيد بن أبي أنيسة: أخي يحيى يكذب. وقال أحمد، والنسائي: يحيى متروك الحديث. وقد رواه عبد الله بن إبراهيم الغفاري من حديث أبي هريرة مختصرا. وأورد حديث أبي هريرة هذا بسنده، وقال بعده: قلت: أما عبد الله بن إبراهيم فهو الغفاري نسبه ابن حبان إلى أنه يضع الحديث. وأما عبد الله بن أبي بكر فقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال موسى بن هارون: ترك الناس حديثه. انتهى. قلت: وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده، وقال: غريب من حديث سفيان الثوري عن صفوان مثله. الحلية 3/164. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/82، وقال: رواه البزار، وفيه عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو، وهو ضعيف جدا. اهـ. فالحديث له عدة طرق، ولكن كلها ضعيفة جدا. الحديث: 36 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ((1)) . صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قَالَهُ أَبُو نُعَيْمٍ) (2) ، (3) .   (1) سورة يس/ 38. (2) عبارة: "قاله أبو نعيم" في الأصل فقط. (3) البخاري كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر، ح (3199) ، 6/297، وكتاب التوحيد، باب "وكان عرشه على الماء" "وهو رب العرش العظيم"، ح (7424) ، فتح الباري 13/404، وكتاب التفسير، باب "والشمس تجري لمستقر لها"، ح (4802) ، 8/541. وأخرجه مسلم من عدة طرق، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، ح (159) ، 1/138-139. وأورده ابن كثير في تفسير سورة يس (6/552) . وكما ترى فإن الشاهد من الحديث واضح من قوله: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش عند ربها ... " وهذا يدل على إثبات العرش، وأن الله مستو عليه، كما يدل على صفة العلو لله تبارك وتعالى، لأن الشمس يشاهدها كل مخلوق، وأنها في السماء، فإذا كان تذهب للسجود تحت العرش وهي في السماء، والعرش أعلى المخلوقات، والله فوق العرش، فإن ذلك دليل على أن الله له العلو المطلق تبارك وتعالى، وعلو المكان من أبرز أوجه العلو الثابتة له سبحانه. يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (يّس: 38) : في معنى قوله (لمستقر لها) قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات، لأنه سقفها، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، وهو فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة، تكون أقرب ما تكون إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل، صارت أبعد ما تكون عن العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع، كما جاءت بذلك الأحاديث. ثم ساق حديث أبي ذر هذا من طرق متعددة. تفسير القرآن العظيم 6/562. ونرى هذا الحديث مبسوطا في إحدى طرقه عند مسلم حيث ساقه بسنده إلى أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوما: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   ذلك حتى يقال لها: ارتفعي، ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي، أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتدرون ما ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا". صحيح مسلم 1/138. وهذا الحديث صريح في أن مستقر الشمس تحت العرش. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر أنها تسجد تحت العرش، فقد علم اختلاف حالها بالليل والنهار، مع كون سيرها في فلكها من جنس واحد، وأن كونها تحت العرش لا يختلف في نفسه، وإنما ذلك اختلاف بالنسبة والإضافة، علم أن تنوع النسب والإضافة لا يقدح فيما هو ثابت في نفسه لا مختلف". بيان تلبيس الجهمية 2/228. ويوضح الشيخ عبد الله الغنيمان مراد ابن تيمية بقوله: وإنما ذلك اختلاف بالنسبة والإضافة فيقول: "يعني أن اختلاف السير يكون بالنسبة لمن في الأرض، فهي تطلع على جانب منها وتغرب عن جانب آخر، مع أن سيرها في فلكها ليس فيه هذا الاختلاف، فلا يختلف سجودها باختلاف الليل والنهار، لأن هذا الاختلاف يكون بالنسبة إلى من في الأرض، وبالإضافة إليهم، أما هي فسجودها في مكان معين من سيرها، وفي وقت معين لا يختلف". شرح كتاب التوحيد 1/412. وقال ابن تيمية -رحمه الله- عقب كلامه السابق: "ومن هنا يظهر الجواب عما ذكره ابن حزم وغيره في حديث النزول، حيث قالوا: قد ثبت أن الليل يختلف بالنسبة إلى الناس، فيكون أوله ونصفه، وثلثه بالمشرق قبل أوله، ونصفه، وثلثه بالمغرب، قالوا: فلو كان النزول هو النزول المعروف للزم أن ينزل في جميع أجزاء الليل، إذ لا يزال في الأرض ليل، قالوا: أو لا يزال نازلا وصاعدا، وهو جمع بين الضدين، وهذا إنما قالوه لتخيلهم من نزوله -تعالى- ما يتخيلونه من نزول أحدهم، وهذا عين التمثيل، ثم إنهم بعد ذلك جعلوه كالواحد العاجز منهم، الذي لا يمكنه أن يجمع من الأفعال ما يعجز غيره عن جمعه. وقد جاءت الأحاديث بأنه يحاسب خلقه يوم القيامة، كل منهم يراه مخليا به، ويناجيه، لا يرى أنه متخليا لغيره، ولا مخاطبا لغيره". بيان تلبيس الجهمية 2/228، وراجع بسط هذا الموضوع في شرح حديث النزول ص 109 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 37- أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي) (1) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ (أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) (2) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ (بْنِ عِيسَى) (3) ، ثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي، فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ (وَهُمْ) (4) يُصَلُّونَ، وَآتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) (5) .   (1) في النسخ الأخرى: "محمد" فقط. (2) في النسخ الأخرى: "أبو سهل بن زياد" وهو كنيته وجده الثاني. (3) في النسخ الأخرى: "البرتي" بدل "بن عيسى". (4) من النسخ الأخرى. (5) والحديث أخرجه البخاري في كتاب المواقيت، باب فضل صلاة العصر، ح (555) ، 2/33، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه} ، ح (7429) ، فتح الباري 13/415. وباب كلام الرب مع جبريل، ونداء الله الملائكة، ح (7486) ، 13/461. ومسلم في كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، ح (632) ، 1/439. والنسائي في كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، 1/194. وأحمد في المسند 2/257، 312، 486. ومالك في الموطأ، باب جامع الصلاة، ح (82) ، 1/170، وابن خزيمة في التوحيد ص 117. ومحل الشاهد في الحديث: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم يعرج الذين باتوا فيكم". قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى "ذو المعارج"، والمعارج: المصاعد والدرج، واحدهما معرج، يريد معارج الملائكة إلى السماء، وقيل: المعارج الفواضل العالية، والعروج: الصعود كأنه آلة له. النهاية 3/203. وقال في اللسان: وفي التنزيل: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} ، أي تصعد، يقال: عرج يعرج عروجا. وفيه: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} ، المعارج: المصاعد والدرج. وقيل: معارج الملائكة، وهي مصاعدها التي تصعد فيها، وتعرج فيها، وقال الفراء: "ذي المعارج" من نعت الله، لأن الملائكة تعرج إلى الله، فوصف نفسه بذلك. انظر: مادة "عرج". ومن هذا يتضح لنا أن معنى: "ثم يعرج الذين باتوا فيكم" أي يصعدون إلى الله عز وجل في السماء، وإذا كان العروج هو الصعود، والصعود لا يكون إلا من أسفل إلى أعلى، فإن هذا دليل على علو مكان الله عز وجل، وأن الملائكة تصعد إليه ليسألهم: كيف تركوا عباده سبحانه -وهو أعلم بهم- فكيف لمحرف بعد هذه الصراحة والوضوح، أن يدعي أن الله ليس في السماء، وأنه في كل مكان، أو أنه ليس في مكان؟! أليست هذه مكابرة، ومعارضة صريحة لله تعالى، فهو يخبر عن نفسه، ويخبر عنه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يدل صراحة على علو مكانه، والعقل والفطرة شاهدان على ذلك، وهؤلاء الأدعياء يقولون: لا، ليس في السماء معللين بعلل واهية، ومتشبثين بما يؤدي بهم إلى الباطل، ويسلك بهم سبيل الضلالة، ضاربين صفحا عن المنهج الأقوم الذي سلكه سلف هذه الأمة. كما سبق أن أوضحنا. الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 38- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ (1) ، أَنْبَأَ أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ (2) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ (3) ، ثَنَا يَحْيَى يَعْنِي الحماني، ثنا أبو مُعَاوِيَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ، فَضْلًا (4) عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى نَادَوْا:   (1) في النسخ الأخرى: "الحسن بن أحمد" وهو اسمه. (2) في النسخ الأخرى: "أبو سهل" فقط. (3) في (هـ) ، و (م) : "البرتي" فقط. وفي (ر) "أحمد بن محمد البرتي". بدون عيسى. وهو مشهور بهذه النسبة "البرتي" بكسر الباء الموحدة، وسكون الراء، وهذه النسبة إلى "برت" وهي قرية بنواحي بغداد. وممن اشتهر بهذه النسبة سواه العباد بن أحمد. انظر: اللباب 2/133. (4) أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق، ويروى بسكون الضاد وضمها، قال بعضهم: والسكون أكثر وأصوب، وهما مصدر بمعنى الفضلة والزيادة. النهاية في غريب الحديث 3/455. الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 هَلُمُّوا إِلَى بُغْيَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَ بِهِمْ، (يَعْنِي) (1) فَإِذَا تَفَرَّقُوا صَعَدُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَيُّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ، فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ، وَيَذْكُرُونَكَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لا، فيقول: وكيف لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا لَكَ أَشَدَّ تَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا، وَذِكْرًا، فَيَقُولُ: فَأَيَّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ طَلَبًا لَهَا وَأَشَدَّ حِرْصًا، فَيَقُولُ: مِنْ أي شيء يتعذون؟ فَيَقُولُونَ: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لو رأوها؟ قيقولون: لَوْ رَأَوْهَا لكَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا، وَأَشَدَّ مِنْهَا تَعَوُّذًا وَخَوْفًا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فِيهِمْ فُلَانٌ الْخَطَّاءُ لَمْ يَرِدْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُ: هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشَقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ مَرَّتَيْنِ (2) . 39- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ (حَمَدٌ) (3) ، أَنْبَأَ (أَحْمَدُ) (4) ، ثَنَا عَمْرِو بْنُ (حَمْدَانَ) (5) ، ثَنَا   (1) هكذا في جميع النسخ. ولا توجد في مصادر الحديث الأخرى. (2) الحديث متفق عليه. انظر: صحيح البخاري مع الشرح، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل، ح (6408) ، 11/208-209، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل مجالس الذكر، ح (4689) ، 4/2069. وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء أن لله ملائكة سياحين في الأرض، ح (3600) ، 5/579، وأحمد في المسند 2/251، 359، 382. وقد أورد المصنف هذا الحديث ليدلل به على أن الله في العلو، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أنها تصعد إليه، والصعود هو الارتفاع إلى أعلى. راجع اللسان، مادة "صعد". وقد تقدم الإخبار عن الملائكة بأنها تعرج إليه. ومعنى هذا أن الله في العلو تبارك وتعالى خلافا للمعطلة والحلولية من أرباب الابتداع. (3) في النسخ الأخرى: "أحمد"، وهو خطأ تكرر، وسبق التنبيه عليه. (4) في النسخ الأخرى: "أبو نعيم" وهي كنيته. (5) في (هـ) ، و (ر) : "حمدون"، وهو خطأ. الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عَبْدُ الله بن عمر بْنُ أَبَانٍ، ثَنَا (مَرْوَانُ) (1) بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ (يَزِيدَ) (2) بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (3) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا طَرَفَ صَاحِبُ الصُّورِ (4) مُذْ وُكِّلَّ بِهِ مُسْتَعِدًا يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ، مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ" (5) .   (1) في (ر) ، و (هـ) : "هارون" وهو خطأ. (2) في النسخ الأخرى: "زيد" وهو خطأ. (3) من (هـ) . (4) صاحب الصور هو إسرافيل عليه السلام، أما الصور فقال صاحب اللسان: والصور هو القرن. قال الراجز: لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحا شديدا لا كنطح الصورين وبه فسر المفسرون قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} (المؤمنون: من الآية: 101) ، ونحوه قال أبو الهيثم: اعترض قوم فأنكروا أن يكون الصور قرنا، كما أنكرو العرش والميزان والصراط، وادعوا أن الصور جمع الصورة، كما أن الصوف جمع الصوفة، والثوم جمع الثومة، ورووا ذلك عن أبي عبيدة. قال أبو الهيثم: وهذا خطأ فاحش، وتحريف لكلمات الله عز وجل عن مواضعها ... انظر: اللسان، مادة: "صور" 4/475. وقد زعم بعضهم أن المراد بـ "الصور" في قوله تعالى: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّور} (الأنعام: من الآية: 73) ، ونحوها، جمع صورة، أي ينفخ فيها فتحيا، قال ابن كثير: والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، وهكذا قال ابن جرير. والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن إسرافيل قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ"، وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر، قال: إن أعرابيا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصور، فقال: "قرن ينفخ فيه". ورواه أبو داود، والترمذي، والحاكم. انظر: محاسن التأويل لجمال الدين القاسمي 6/2367، وتفسير ابن كثير 3/276. ففي الحديث بالإضافة إلى الشاهد الذي أورده من أجله المصنف وهو قوله: "ينظر نحو العرش" إذ فيه إثبات العرش، الذي ثبت استواء الرحمن عليه. فيه أيضا إثبات الصور بالمعنى الذي أوضحت. (5) أخرجه الحاكم في مستدركه 4/559، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وافقه الذهبي في التلخيص، وزاد "على شرط مسلم". انظر: هامش المستدرك. إلا أن الشيخ الألباني خطأ الذهبي في قوله: "على شرط مسلم"، كما جاء في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/65، حيث قال: أصاب الحاكم، وأخطأ الذهبي، فإن الفزاري -أحد رجال السند عند الحاكم- من رجال مسلم لا من شيوخه، وابن ملاس -الراوي عن الفزاري- لم يخرج له مسلم أصلا، وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم، فليس على شرط مسلم إذن. انتهى. إلا أن ابن أبي الشيخ رواه في كتاب العظمة 3/964 من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، وهو من شيوخ مسلم، ولذلك فإن كلام الذهبي صحيح، وقد عاد الشيخ الألباني فوافق الذهبي في مختصر العلو عند تخريجه لهذا الحديث، حيث قال -بعد أن أورد تعقيب الذهبي على الحديث بقوله: أخرجه الحاكم وصححه- قلت: ووافقه المؤلف -أي الذهبي مؤلف كتاب العلو- في تلخيصه وزاد "على شرط مسلم" وهو كما قال انتهى. مختصر العلو ص 93، وذكر أبو الشيخ شاهدا آخر له من حديث ابن عباس 3/967. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 40- (أَخْبَرَنَا محمد، أنبأ حمد، أَنْبَا أَبُو نُعَيْمٍ) (1) ، وَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أحمد، ثنا المقدام بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، (عَنْ جَدِّهِ) (2) وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (3) ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ بشيء غير السموات؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نَارٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ رَفَارِفِ (الاستبراق، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ رَفَارِفِ) (4) السُّنْدُسِيِّ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَبْيَضَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَحْمَرَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَصْفَرَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا من در أحضر، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ضِيَاءٍ اسْتِضَاءَهُ مِنْ ضَوْءِ النَّارِ وَالنُّورِ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ثَلْجٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ مَاءٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ غَمَامٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ   (1) ما بين القوسين من النسخ الأخرى. وفي الأصل: "قال أحمد، وحدثنا سليمان ... ". (2) في الحلية والموضوعات (عن أبيه عن جده) . (3) من (هـ) . (4) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. الحديث: 40 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 بَرَدٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ الَّتِي لَا تُوصَفُ، قَالَ: فأخبرني عن مالك اللَّهِ الَّذِي يَلِيهِ، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَدَّقْتَ فِي مَا أَخْبَرْتُكَ يَا يَهُودِيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ الْمَلَكَ الَّذِي يَلِيهِ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ (1) . 41- (أَخْبَرَنَا أحمد بن مبارك، أَنْبَأَ جَدِّي ثَابِتٌ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ دُومَا، أَنْبَأَ مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى) (2) ، أَنْبَأَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، أنبأ ابن جريح، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُقَاتِلٍ، (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) (3) ، (قَالَ: قَالَ جِبْرِيلُ) (4) : يَا مُحَمَّدٌ، كَيْفَ لَوْ رَأَيْتَ إِسْرَافِيلَ، وَرَأْسُهُ مِنْ   (1) هذا الحديث موضوع. أورده ابن الجوزي في الموضوعات 1/117، وقال: هذا الحديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمتهم به عبد المنعم، وقد كذبه أحمد، ويحيى، وقال الدارقطني: هو وأبو متروكان. أقول: وعبد المنعم هو ابن إدريس اليماني، وقد تقدم بيان حاله في التعليق على الحديث رقم: 20، فليراجع. وممن أخرج هذا الحديث أبو الشيخ في العظمة 2/760-761، وأبو نعيم في الحلية 4/80. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 2/79-80، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد المنعم بن إدريس، كذبه أحمد، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث. وقد ورد في سند الحديث عند ابن الجوزي، وأبي نعيم في الحلية (عن أبيه عن جده) ، وأبو هو إدريس بن سنان، أبو العباس الصنعاني، ابن بنت وهب بن منبه، تكلم فيه. وقد تقدم بيان حاله أيضا في الكلام على الحديث المشار إليه آنفا مع ابنه. (2) ما بين القوسين يوجد في الأصل في الحديث الذي قبله، وفي الأصل: (قال إسحاق، وأخبرنا ابن جريج ... ) ولعل المؤلف اكتفى به لتطابق السند إلى إسحاق كما سيأتي في الحديث رقم: (46) الذي يقع قبله في الأصل، حيث انفرد الأصل بترتيب أجمعت النسخ الأخرى على خلافه، أو أن هذا اختصار من بعض النساخ، ولذلك أثبت ما بين القوسين كما ورد في النسخ الأخرى. (3) ساقط من النسخ الأخرى. (4) في (م) : قالا قال يا محمد بدون جبريل، وبتثنيه "قال". الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 تحت العرش، وجلاه مِنَ التُّخُومِ السَّابِعَةِ، وَإِنَّ الْعَرْشَ لَعَلَى كَاهِلِهِ، وَأَنَّهُ (لَيَتَضَائَلُ) (1) أَحْيَانًا (مِنْ) (2) مَخَافَةِ اللَّهِ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ (الْوَصَعِ) (3) ، يَعْنِي مِثْلَ الْعُصْفُورِ، حَتَّى مَا يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ إِلَّا عَظَمَتُهُ (4) .   (1) في الأصل، وفي (م) : "ليتضال" بدون الهمزة، وما أثبته في (م) ، و (ر) . (2) في الأصل "يا من" بزيادة "يا". (3) الوصع، والوصيع: الصغير من العصافير، وقيل: الصغير من أولاد العصافير. اللسان، مادة: "وصع". (4) أخرجه ابن المبارك بنحوه في كتاب الزهد، ص 74، عن ابن شهاب. وأورده السيوطي في الحبائك في أخبار الملائك ص 22، وذكر طرفا منه صاحب اللسان عن إيضاحه لمعنى الوصع. وهذا الأثر ضعيف جدا، لأن فيه إسحاق بن بشر، وهو من تقدم بيان حاله، وأنه اتهم بالكذب. انظر: التعليق على حديث رحلة جابر، رقم: (28) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ((ذِكْرُ أَخْبَارٍ وَارِدَةٍ فِي هَذَا عَنِ الأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)) 42- أَخْبَرَنَا (أَبُو الْفَتْحِ) (1) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ (حَمَدٌ) (2) ، أَنْبَأَ أَبُو نعيم، ثنا أبو عمر بْنُ حَمْدَانَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ، قَالَ: اللَّهُمَّ (إِنَّكَ) (3) وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَا فِي الأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ" (4) .   (1) لا يوجد في النسخ الأخرى. (2) في (هـ) ، و (م) ، و (ر) : أحمد بن أحمد. وفي الأصل: "أحمد". والصواب "حمد" وقد سبق التنويه بذلك. (3) في النسخ الأخرى: "أنت". (4) أخرجه ابن كثير في تفسيره، سورة الأنبياء 5/345. والدارمي في الرد على بشر المريسي ص 95، وأبو نعيم في الحلية 1/19، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 8/201-202، وقال: رواه البزار وفيه عاصم بن عمر بن حفص، وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف وضعفه الجمهور. أقول: وعاصم هذا الذي أشار الهيثمي إلى رواية البزار للحديث عن طريقه هو غير عاصم بن بهدلة الوارد في إسناد هذا الحديث عند المصنف، فعاصم بن عمر هو ابن حفص العمري، ضعفه أحمد، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، وقال النسائي، والترمذي: متروك. انظر: ميزان الاعتدال 2/355، والتهذيب 5/51-52. أما عاصم بن بهدلة فهو: ابن أبي النجود، مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ، صدوق، له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين -أي ومائة-. التقريب 1/383. وأورده الذهبي في العلو، وقال: هذا حديث حسن الإسناد، رواه جماعة عن إسحاق. العلو ص 21. الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 43- (ومن كتاب العرش قَالَ أَحْمَدُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بن عطاء الخرساني عَنْ أَبِيهِ) (1) ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَلْهَانِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُعَانَقَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، إِذَا هُوَ لَقِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ خَلِيلُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ يَرْتَادُ لِمَاشِيَتِهِ فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسَمِعَ صَوْتًا يُقَدِّسُ اللَّهَ فَذَهَلَ عَمَّا كَانَ يطلب، وقصد (قصد) (2) الصَّوْتَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَهْلَبٍ، (طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) (3) ذِرَاعًا يُقَدِّسُ اللَّهَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: يَا شَيْخُ، مَنْ رَبُّكَ؟ (قَالَ) (4) : الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: مَنْ رَبُّ مَنْ فِي السماء؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: وَمَا فِيهِمَا إِلَهٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ مَنْ فِي (السَّمَاءِ) (5) ، وَرَبُّ مَنْ فِي الأَرْضِ. قَالَ: يَا شَيْخُ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ قَوْمِي بَقِيَ غَيْرِي، قَالَ: فَمَا طَعَامُكَ؟ قَالَ: أَجْمَعُ مِنْ ثَمَرِ هَذَا الشَّجَرِ فِي الصَّيْفِ، فَآكُلُهُ فِي الشِّتَاءِ، قَالَ: فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ فِي تِلْكَ الْمَغَارَةِ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى بَيْتِكَ، قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ بَيْتِي وَادِيًا لَا ينخاض، قال: فيكف تَعْبُرُهُ؟ قَالَ: أَعْبُرُ عَلَى الْمَاءِ ذَاهِبًا، وَأَعْبُرُ عَلَيْهِ جَائِيًا. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: انْطَلِقْ فَلَعَلَّ الَّذِي يُذَلِّلُهُ لَكَ، يُذَلِّلُهُ لِي، فَانْطَلَقَا فَأَتَيَا الْمَاءَ فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْمَاءِ يَعْجَبُ مِمَّا أُوتِيَ صَاحِبُهُ، (فَدَخَلَا) (6) إِلَى الْغَارِ،   (1) في النسخ الأخر: "وذكر عن عطاء" فلا وجود للسند قبل عطاء إلا في الأصل. (2) لا توجد في النسخ الأخرى. (3) في الأصل: "ثماني عشرة" والتصحيح من النسخ الأخرى. (4) في (هـ) ، و (ر) : "فقال". (5) في النسخ الأخرى: "السماوات". (6) في النسخ الأخرى "فدخل" بالإفراد. الحديث: 43 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 (فَنَظَرَ إِبْرَاهِيمُ) (1) ، فَإِذَا قِبْلَتُهُ قِبْلَتُهُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: يَا شَيْخُ، أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ؟ قَالَ: يَوْمَ يَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ لِلْحِسَابِ، يَوْمَ تُؤْمَرُ جَهَنَّمُ أَنْ تَزْفُرَ زَفْرَةً لَا يَبْقَى لَهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا تَهُمُّهُ نَفْسُهُ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا شَيْخُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُؤَمِّنَنِي وَإِيَّاكَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، قَالَ: وَمَا يَصْنَعُ بِدُعَائِي، إِنَّ لِي دَعْوَةٌ مَحْبُوسَةٌ فِي السَّمَاءِ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ لَمْ أَرَهَا، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَا أُخْبِرُكَ مَا حَبْسُ دُعَاءِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَخَّرَ مَسْأَلَتَهُ لِحُبِّهِ صَوْتَهُ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا عَجَّلَ مَسْأَلَتَهُ، أَوْ أَلْقَى الأَيَاسَ فِي صَدْرِهِ، فَمَا دَعْوَتُكَ الْمَحْبُوسَةُ فِي السَّمَاءِ مُنْذُ ثَلَاثِ سِنِينَ؟ قَالَ: مَرَّ بِي فِي هَذَا الْمَكَانِ شَابٌّ لَهُ ذُؤَابَةٌ فِي رَأْسِهِ، مَعَهُ غنم كأنما خشيت، وَبَقَرٌ كَأَنَّمَا دُهِنَتْ، قُلْتُ: بِاللَّهِ لِمَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: لِخَلِيلِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ خَلِيلٌ في الأرض فأرينه قَبْلَ خُرُوجِي مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ، فَاعْتَنَقَ هُوَ وَإِبْرَاهِيمُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ السُّجُودُ، يَسْجُدُ هَذَا لِهَذَا، وَهَذَا لِهَذَا إِذَا لَقِيَهُ، ثُمَّ جَاءَ الإِسْلَامُ بِالْمُصَافَحَةِ، فَلَا تَفْتَرِقُ الأَصَابِعُ حَتَّى يُغْفَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَضَعَ عنا الآصار (2) .   (1) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (2) أورد بعضا منه الذهبي في العلو، وقال: حديث باطل طويل يروى عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي سفيان الألهاني، عن تميم الداري. العلو ص 56، وذكره في الميزان عند ترجمة عمر بن حفص بن محبر عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي سفيان الهذلي -هكذا في الميزان- عن تميم الداري، وذكر طرفا من الحديث، ثم حكم بوضعه، وقال: لعل الآفة منه في رفعه، فيحتمل أنه موقوف. الميزان 3/189. وذكره أيضا برهان الدين الحلبي في الكشف الحثيث، وذكر كلام الذهبي المذكور وعقب عليه بقوله: هذا الرجل إن كان عنده الحديث موقوفا فرفعه متعمدا فإنه يكون وضعا. انظر: الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/ 33، وأورده العقيلي في الضعفاء الكبير 3/155، وفي سنده أيضا عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، قال الحافظ بن حجر: ضعيف. التقريب 2/12، وضعفه أيضا الدارقطني، ومسلم، ويحيى بن معين، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن خزيمة: لا أحتج بحديثه. وقال الحاكم: يروي عن أبيه أحاديث موضوعة. وقال الحافظ أبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث منكرة. الميزان 3/48، والتهذيب 7/135. أما أبوه فهو عطاء بن أبي مسلم أبو عثمان الخراسان، صدوق يهم كثيرا، ويرسل ويدلس. من الخامسة، توفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 44- (أخبر أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) (1) ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ (الطَّرَيْثِيثِيُّ) (2) ، ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ، أَنْبَأَ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا (سَيَّارٌ) (3) ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا ثَابِتٌ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ، نَظَرَ الْعَبِيدُ إِلَى أَرْبَابِهَا يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ (4) . 45- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَ جَدِّي (لِأُمِّي) (5) ثَابِتٌ (6) ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ دُومَا، أَنْبَأَ مَخْلَدٌ (7) ، أَنْبَأَ (الْحَسَنُ) (8) بْنُ عَلُّوَيْهَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَنْبَأَ إِسْحَاقُ، أَنْبَأَ سَعِيدٌ   (1) ي النسخ الأخرى: "أخبرنا الشيخ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور قراءة عليه وأنا أسمع". (2) في النسخ الأخرى: "الطبري"، وهو خطأ. (3) في الأصل: "بشار"، وهو خطأ، وإنما هو سيار كما في النسخ الأخرى، وهو سيار بن حاتم العنزي. قال الذهبي: صالح الحديث، وثقه ابن حبان. وهو رواية جعفر بن سليمان. انظر: الميزان 2/253. (4) أخرجه الآلكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (669) ، 2/400، والطبري في التفسير 28/12، وأورده الذهبي في العلو وصححه ص 96. وقال الألباني في مختصر العلو ص 99: إسناده صالح. (5) لا توجد في الأصل. (6) في النسخ الأخرى: "ثبت بن بندارن". (7) في النسخ الأخرى: "مخلد بن جعفر". (8) في (هـ) : "حسين"، وفي (م) ، و (ر) : "الحسين". الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ سَمِعَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَسْبِيحَ الْحَصَا، وَتَسْبِيحَ الْحِيتَانِ، قَالَ: فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُقَدِّسُ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: سَيِّدِي فِي السَّمَاءِ مَسْكَنُكَ، وَفِي الأَرْضِ قُدْرَتُكَ وَعَجَائِبُكَ، سَيِّدِي مِنَ الْجِبَالِ أَهْبَطْتَنِي، وَفِي الْبِلَادِ سَيَّرْتَنِي، وَفِي الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ حَبَسْتَنِي، إِلَهِي سَجَنْتَنِي بِسَجْنٍ لَمْ تَسْجِنْ بِهِ أَحَدًا قَبْلِي، إِلَهِي عَاقَبْتَنِي بِعُقُوبَةٍ لَمْ تُعَاقِبْ بِهَا أَحَدًا قَبْلِي، فَلَمَّا كَانَ تَمَامُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَصَابَهُ الْغَمُّ نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (1) . 46- قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، أَحْمَدَ بْنِ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْمُرَقِّعَاتِيِّ، أَخْبَرَكُمْ جَدُّكَ أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بنْ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَقَّالُ، قَالَ أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ دُومَا، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ مَخْلَدِ بْنِ جَعْفَرٍ (الْبَاقَرَحِيُّ) (2) ، أَنْبَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، أَنْبَأَ أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ (3) ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا يُوسُفُ؟ إِنِّي كَثِيرَةُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، فَأُعْطِيكَ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى (تُنْفِقَهُ) (4) فِي مَرْضَاةِ سَيِّدِكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ (5) .   (1) لم أجد من أخرجه، سوى الذهبي في العلو، ذكر طرفا منه، فقال: حديث أبي حذيفة البخاري، وساق السند كما ورد هنا من عند حذيفة وهو إسحاق. ثم قال: أبو حذيفة كذاب. قلت: أبو حذيفة هذا هو إسحاق بن بشر، وقد سبق بيان حاله في الحديثن رقم: (28) ، فليراجع. فالأثر ضعيف جدا. (2) الباقرحي: نسبة إلى (باقرح) قرية من نواحي بغداد. انظر: اللباب 1/112. (3) ورد السند في النسخ الأخرى مختصرا هكذا: "وأخبرنا أحمد، قال: أنبأ جدي، أنبأ أبو علي بن دوما، أنبأ مخلد، أنبأ الحسن، ثنا إسماعيل، أنبأ إسحاق". (4) في الأصل: "تنفق". والتصحيح من النسخ الأخرى. (5) أورده الذهبي في العلو ص 88، فقال: "حديث جويبر بن سعيد -وهو واه- عن الضحاك ... ". وقال: "إسناده قوي عن جويبر". أقول: لا شك أن هذا وهم من الإمام الذهبي، لأن راوي الحديث عن جويبر هو أبو حذيفة إسحاق بن بشر -وقد تقدم بيان حاله- فالحديث لا يقل ضعفا عن سابقه. أما جويبر بن سعيد فهو أبو القاسم الأزدي البلخي المفسر، صاحب الضحاك. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الجوزجاني: لا يشتغل به، وقال النسائي، والدارقطني، وغيرهما: متروك. انظر: الميزان 1/427. وفي ملاقاة الضحاك لابن عباس مقال. انظر: السير 4/599. الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 47- (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَأَ حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ) (1) ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَا: ثَنَا الْحَسَنُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَحَطَ النَّاسُ فِي زَمَنِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَقَالَ الْمَلِكُ: لَيُرْسِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا السَّمَاءَ أَوْ لَنُؤْذِيَنَّهُ، فَقَالَ لَهُ جلساؤه: وكيف نقدر أَنْ تُؤْذِيَهُ، أَوْ تُغِيظَهُ، وَهُوَ فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ فِي الأَرْضِ، قَالَ: أَقْتُلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ" (2) .   (1) السند إلى "الحداد" غير موجود في الأصل، وإنما فيه: "قال أحمد"، وهو أبو نعيم، ثم ساق السند. وما أثبته موجود في النسخ الأخرى. (2) رواه أبو نعيم في الحلية 4/282، الذهبي في العلو ص 92، وقال: حديث نسيت سنده، إلا أنه ذكره بسنده في سير أعلام النبلاء 4/333، وفيه محمد بن حميد بن حيان الرازي، قال الحافظ: ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة، مات سنة ثلاثين -أي ومائة-. التقريب 2/156. الحديث: 47 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ((أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم)) (1) 48- قَدْ تَقَدَّمَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ (2) عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَخَرَجْتُ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَسْجُدُونَ (3) عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَهُمْ فِي السَّمَاءِ. وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ (4) . 49- وَكَذَلِكَ خَبَرُ الْعَبْدِ الأَسْوَدِ حِينَ انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ (رَسُولِ اللَّهِ) (5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ؟ قَالُوا: نَعَمْ (6) . 50- وَكَذَلِكَ بِرِوَايِتِهِمُ الأَخْبَارَ الَّتِي رَوَوْهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا مُصَدِّقِينَ بِهَا، مُعْتَقِدِينَ صِحَّتَهَا، وَكَذَلِكَ جَوَابُ مَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: هُوَ فِي السَّمَاءِ. 51- وَذَكَرْنَا شِعْرَ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ الَّذِي أَنْشَدَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7) . 52- وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الاسْتِيعَابِ: رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رواحة مشى ليلة إِلَى أَمَةٍ لَهُ فَنَالَهَا، فَرَأَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَامَتْهُ، فَجَحَدَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاقْرَإِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّ الْجُنُبَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ:   (1) في النسخ الأخرى زيادة "أجمعين"، وهذا العنوان يوجد في الأصل، ل (18) . (2) في النسخ الأخرى: "عنهم". (3) في النسخ الأخرى: "يسجدون بالأرض". (4) راجع ح رقم: (7) . (5) في غير الأصل "النبي". (6) راجع ح رقم: (6) . (7) الفقرتان "50، 51" لا توجدان في الأصل. وراجع شعر حسان، وعباس بن مرداس تحت الرقمين (23، 24) . الحديث: 48 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ... وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَا وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ ... وَأَمْلَاكُ الإِلَهِ مُسَوَّمِينَا (1) فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ (صَدَقَ اللَّهُ) (2) ، وَكَذَبَتْ عَيْنِي، وَكَانَتْ لَا تَحْفَظُ الْقُرْآنَ (3) . 53- وَأْخَبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ (4) ، أَنْبَا (أَبُو الْقَاسِمِ) (5) الْحُسَيْنِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَارِيَةٌ، وَكَانَ يُكَاتِمُ (امْرَأَتَهُ) (6) غَشَيَانَهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَاتَّهَمَتْهُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ عَلَيْهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: اقرأ القرآن إذاً، فَقَالَ: شهدت بإذن الله أَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ عَلِ وَأَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَاهُمَا ... لَهُ عَمَلٌ مِنْ ربه متقبل فقال: أَوْلَى لَكَ (7) .   (1) هذا البيت لا يوجد في النسخ الأخرى. (2) في غير الأصل: "آمنت بالله". (3) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة 2/296. وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 27، طبع المكتب الإسلامي. وقال الألباني في تعليقه عليه: إسناده حسن، ولكنه موقوف. وأورده الذهبي في العلو ص 42، وقال: روي عن وجوه مرسلة، منها يحيى بن أيوب المصري، حدثنا عمارة بن غزبة، عن قدامة بن محمد بن إبراهيم الحاطبي، فذكره، فهو منقطع. (4) في النسخ الأخرى: "أبو المعالي السلمي". (5) في (هـ) ، و (ر) : "أبو المعالي" وهو خطأ. (6) في النسخ الأخرى: "أهله". (7) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه 8/697. وهو من شعر لحسان بن ثابت تقدم ذكره تحت الرقم: (23) . الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 54- وَقَدِ اشْتُهِرَ شِعْرُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: مَجِّدُوا اللَّهَ وَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلٌ ... رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرَا بِالْبِنَاءِ الأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ الْخَلْقَ ... وَسَوَّى فَوْقَ السَّمَاءِ سَرِيرَا شَرْجَعٌ مَا يَنَالُهُ بَصَرُ الْعَيْنِ ... تَرَى دُونَهُ الْمَلَائِكُ صُورَا (1) وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ (2) .   (1) شرجع: أي طويل، وصورا: جمع أصور، وهو المائل العنق لنظره إلى العلو. انظر: اللسان، مادة: "شرجع"، و"صور". وانظر هذه الأبيات لأمية بن أبي الصلت في البداية والنهاية 2/229. وشرح الطحاوية ص 249، واجتماع الجيوش الإسلامية ص 218، والاختلاف في اللفظ لابن قتيبة ضمن عقائد السلف ص 240، وهي في ديوانه ص 400. (2) أورده ابن كثير في البداية والنهاية 2/228، وقال: لا أعرف. وقد ورد في السنة لابن أبي عاصم بسنده عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره، قال: رجل وثور تحب رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد والشمس تطلع كل آخر ليلة ... صحراء تصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق. وعلق عليه الشيخ الألباني بقوله: إسناده ضعيف، ورجاله ثقات، والعلة عنعنة ابن إسحاق. انظر: السنة لابن أبي عاصم بتخريج الألباني، ح (579) ، 1/256. والحديث أخرجه أحمد في المسند 1/256، وابن خزيمة في التوحيد/ 90، كلاهما بإسناد ابن أبي عاصم. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحسن شعر أمية، ويستزيد من إنشاده، لما فيه من الإقرار بالوحدانية والبعث، ففي صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه، قال: ردفت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما، فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا؟ قلت: نعم، قال: "هيه"، فأنشدته بيتا، فقال: "هيه"، ثم أنشدته بيتا، فقال: "هيه"، حتى أنشدته مائة بيت. مسلم كتاب الشعر، ح (2255) ، 4/1768. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم. البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر، ح (6147) ، 10/537، ومسلم كتاب الشعر، ح (2256) ، 4/1768. وفي هذا دليل على جواز سماع الشعر وإنشاده، إذا خلا من الفحش بشرط أن لا يكون غالبا على الإنسان، ومشغلا له عما هو أصلح وأهم. يقول الحافظ بن حجر: والذي يتحصل من كلام العلماء في حد الشعر الجائز أنه إذا لم يكثر منه في المسجد، وخلا من هجو، وعن الإغراق في المدح والكذب المحض، والتغزل بمعين لا يحل، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على جوازه إذا كان كذلك. فتح الباري 10/539. وأخرج الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام". الأدب المفرد ص 126. الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 55- أَخْبَرَنَا الشيخ أبو الحسين عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ الْيُوسُفِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ (النَّرْسِيُّ) (1) ، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْغَنْدَجَانِيُّ (2) ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدَانَ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَهْلٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ، وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ (3) .   (1) في (م) : "الرسي" وفي (هـ) ، و (ر) : "البرسي" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، والنرسي نسبة إلى "نرس"، وهو نهر من أنهار الكوفة، عليه عدة من القرى، ينسب إليه جماعة من مشاهير العلماء والمحدثين، منهم أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي. وهو المذكور هنا. انظر: اللباب 3/306. (2) في (هـ) ، و (ر) : "العرجاني". وفي (م) : "العبدجالي"، وكل ذلك خطأ. والغندجاني: هذه النسبة إلى غندجان، وهي مدينة من كور الأهواز. انظر: اللباب 2/390. (3) هذا الأثر لا يوجد في الأصل، وأثبته نثلا عن النسخ الأخرى، وقد أورده الذهبي في العلو، ص 62، ونسبه إلى المصنف في هذا الكتاب، وقال: هذا حديث صحيح. أخرجه البخاري في تاريخه تعليقا. وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 20-21، بلفظ نحوه، وأصل القصة في البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه، ح (1241، 1242) ، 3/113. وكتاب فضائل الصحابة ح (3668) ، 8/145، وكلها عن عائشة، وابن عباس. وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أيضا 1/29، وابن هشام في السيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه 4/446. الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 56- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ حَمَدٌ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شِبْلٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا، يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ، وَوُجُوهُهُمْ، فَقَالَ: لَا أَرَاكُمْ هَاهُنَا، إِنَّمَا الأَمْرُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ (1) . 57- قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ خَرَجَ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَمَرَّ بِعَجُوزٍ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهَا وَتُحَدِّثُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَبَسْتَ النَّاسَ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ، قَالَ: وَيْلُكَ، تَدْرِي مَنْ هِيَ؟ هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (2) ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّهَا وَقَفَتْ إِلَى اللَّيْلِ مَا فَارَقْتُهَا إِلَّا   (1) أورده الذهبي في العلو ص 62، وقال: إسناده كالشمس. وقال الشيخ الألباني في المختصر ص 103: وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1/47، وأبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، برقم: (15691) ، ورقم: (16290) ، 13/40، 263. والدارمي في الرد على الجهمية ص 21. (2) سورة المجادلة/ 1. العجوز المذكورة في هذا الأثر هي: خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت، وكانت قصتها مع زوجها سببا لنزول هذه الآية، راجع تفسير ابن كثير 8/61. وفي هذا الحديث دليل على عظمة الله سبحانه، وأنه لا يخفى عليه شيء، وأن سمعه سبحانه وسع الأصوات كلها، وقصة خولة بنت ثعلبة من أعظم الأدلة وأصرحها على أن الله تعالى يسمع جميع الأصوات لا يخفى عنه شيء منها قرب أو بعد، وهذا يدل على أنه لا شبيه لله في صفاته، لأن هذا الأمر ليس إلا لله، أما المخلوق فإنه لا يسمع من الأصوات إلا ما كان في مجال سمعه قريبا منه، تهيأت له أسباب سماعه. ساق الإمام أحمد -رحمه الله- بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلمه، وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (المجادلة: من الآية: 1) . مسند أحمد 6/46. ورواه البخاري في صحيحه تعليقا، انظر: كتاب التوحيد، باب "وكان الله سميعا بصيرا"، 13/372. فالله تعالى في السماء، وخولة في الأرض في ناحية من نواحي منزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تساره بقصتها، وعائشة قريبة منهما لا تسمع ما يقولان، والله سبحانه فوق سمواته وسمع قولها وفرج كربتها، وهذا من كمال الخالق وعظمته، وعجز المخلوق وافتقاره، فسبحان الله كيف عميت أعين الجهمية عن مثل هذه الأدلة الصارخة، بل كيف تجرأوا على التلاعب بها، وتحريفها عن موردها الذي أراد الله تعالى منها؟! الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَيْهَا (1) . 58- وَرَوَى خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُ الْجَارُودُ العبدي، فإذا امرأة بَرِزَةٍ (2) عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَرَدَّتْ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَتْ: إِيهًا يَا عُمَرُ، عَهِدْتُكَ وَأَنْتَ تُسَمَّى عُمَيْرًا في سوق عطاظ، ترع الصِّبْيَانَ بِعَصَاكَ، فَلَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حتى سميت عمر (ثُمَّ لَمْ) (3) تَذْهَبِ الأَيَّامُ حَتَّى سُمِّيتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي الرَّعِيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ خَافَ الْوَعِيدَ قَرُبَ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ، وَمَنْ خَافَ الْمَوْتَ خَشِيَ الْفَوْتَ، فَقَالَ الْجَارُودُ: أَكْثَرْتِ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْهَا أَمَا تَعْرِفُهَا؟ هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ الَّتِي سمع الله اللَّهُ قَوْلَهَا من فوق سمع سموات،   (1) هذا الأثر أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ص 26، وابن كثير في تفسيره 8/61، وابن حجر في الإصابة 7/620. (2) البرزة: الغفيفة الرزينة، التي يتحدث إليها الرجال فتبرز لهم، وهي كهلة قد خلا بها سن، فخرجت عن حد المحجوبات، أو لأنها تمتنع ممن كان يقصدها ويريدها لكمال عقلها، لا كالشواب الغرات اللآتي ينخدعن. منال الطالب ص 178. (3) في النسخ الأخري: "ولم". الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فَعُمَرُ أَحَقُّ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا (1) . 59- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ حَمَدٌ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) (2) ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فِي دَارِ الإِمَارَةِ، دَارِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا نَوْفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِالْبَابِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَيَّ بِهِمْ، فَلَمَّا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالُوا لَهُ: يَا عَلِيٌّ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ هَذَا الذي هو فِي السَّمَاءِ كَيْفَ هُوَ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟ وَمَتَّى كَانَ؟ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَاسْتَوَى عَلِيٌّ جَالِسًا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اسْمَعُوا مِنِّي وَلَا تُبَالُوا أَنْ لَا تَسْأَلُوا أَحَدًا غَيْرِي، إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الأَوَّلُ، لَمْ يُبْدَ مِمَّا، وَلَا مُمَازَجٌ مَعَ مَا، وَلَا حَالٌ وَهْمًا (وَلَا شَيْخٌ) (3) يَنْقَضِي (4) . 60- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي، أنبأ هِبَةُ اللَّهِ، أَنْبَأَ كَوْهِيُّ بْنُ   (1) أخرجه ابن حجر في الإصابة 7/620، وقال: قال أبو عمر: هكذا في الخبر خولة بنت حكيم ... وهو وهم في اسم أبيها ... وخليد ضعيف سيء الحفظ. (2) هكذا في جميع النسخ، وعند الذهبي في العلو ص 65: "عبد الرحمن بن إسحاق"، ولعله عبد الرحمن بن إسحاق أحد الضعفاء، هو ابن أخته. انظر: الميزان 4/265. (3) في الأصل: "شيح" بالباء الموحدة، والحاء المهملة. ولعل الأولى ما أثبتناه نقلا عن النسخ الأخرى. (4) أورده الذهبي في العلو ص 65-66، وقال: هذا حديث منكر إسناده غير ثابت. وأخرجه أبو نعيم بطوله، وقال: هذا حديث غريب من حديث النعمان، كذا رواه ابن إسحاق عنه مرسلا. حلية الأولياء 1/72-73. أقول: إذا كان الراوي عن النعمان هو محمد بن إسحاق صاحب المغازي فهو مدلس، وقد عنعن. وإذا كان عبد الرحمن بن إسحاق ابن أخت النعمان فهو ضعيف كما قال ابن حجر في التقريب 1/472. فالإسناد ضعيف في كلا الحالين ولا تثبت به حجة. الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْحَسَنِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ هَارَونَ الْحَضْرَمِيُّ، أَنْبَأَ الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الْقُصْوَى وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ (1) .   (1) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد ص 105، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 501، وابن أبي زمنين في أصول السنة، ح (39) ، 1/309، والذهبي في العلو ص 64، والدارمي في الرد على الجهمية ص 21، والرد على بشر المريسي ص 73، واللآلكائي في السنة، ح (659) ، 2/395. وقد أورد البيهقي حديث أبي هريرة مرفوعا بهذا المعنى ص 505 من الأسماء والصفات. وحديث ابن مسعود هذا ضعيف بهذا الإسناد، لأن فيه الحسن بن جعفر قال الحافظ: ضعيف. التقريب 1/164. وفيه عاصم بن بهدلة فيه مقال تقدم إيضاحه. وما أورده المصنف هنا إنما هو بعض قثول ابن مسعود ففيه أنه قال: ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ... وهو عند ابن خزيمة وغيره وذكروا بقية الخبر بنحو ما عند المصنف هنا. وقد تقدم في حديث العباس بن عبد المطلب، رقم: (15) ، أن بعد ما بين كل سماء وأخرى إما اثنتين أو ثلاث وسبعون سنة. إلا أن هذه الرواية عن ابن مسعود أشهر بين الناس كما قال الحافظ البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، إلا أن ما يظهر من تعارض بين الروايتين يندفع بما قاله الإمام ابن خزيمة -رحمه الله-: ولعله يخطر ببال بعض مقتبسي العلم أن خبر العباس بن عبد المطلب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعد ما بين السماء إلى التي تليها خلاف خبر ابن مسعود، وليس كذلك هو عندنا، إذ العلم محيط أن السير يختلف باختلاف سير الدواب من الخيل والهجن والبغال، والحمير، والإبل، وسابق بني آدم يختلف أيضا، فجائز أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بقوله: بعد ما بينهما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، أي يسير جواد الركاب من الخيل، وابن مسعود أراد مسيرة الرجال من بني آدم، أو مسيرة البغال والحمر والهجن من البراذين، أو غير الجواد من الخيل، فلا يكون أحد الخبرين مخالفا للخبر الآخر، وهذا مذهبنا في جميع العلوم، أن كل خبرين يجوز أن يؤلف بينهما في المعنى لم يجز أن يقال: هما متضادان، متهاتران، على قد بيناه في كتبنا. التوحيد ص 108، ويوافق البيهقي على هذا فيقول: ويحتمل أن يختلف ذلك باختلاف قوة السير وضعفه، وخفته وثقله، فيكون يسير القوي أقل، وبسير الضعيف أكثر، الأسماء والصفات ص 506. أقول: وإذا صح الخبران فإن الأمر فيهما كما تقدم، ويزيد الأمر وضوحا بوسائل النقل المعاصرة، فقد جدت السيارات، والطائرات والمراكب الفضائية على اختلاف سرعتها، فليس الجمع بين مثل هذين الخبرين مستعصيا لاتضاح صحة ما قاله الأئمة في ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 61- وَأْخَبَرَنَا (أَبُو بَكْرٍ) (1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، (قَالَ) (2) أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الطَّرَيْثِيثِيُّ (3) ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ (4) ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ سَلَامَةَ، ثَنَا أَبُو ثَوْبَانَ مِرْدَادُ بْنُ جَمِيلٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْمَلِكِ بن إِبْرَاهِيمَ الْجَدِّيُّ (5) ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ارْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكَ مَنْ فِي السَّمَاءِ (6) . 62- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النقور (قال) (7) أنبأنا أَبُو بَكْرٍ الطُّرَيْثِيثِيُّ، (قَالَ) (8) ، ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ (9) ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثَنَا   (1) الكنية لا توجد في النسخ الأخرى. (2) "قال" لا توجد في غير الأصل. (3) في النسخ الأخرى: "أحمد بن علي" وهو اسمه. (4) في النسخ الأخرى: "هبة الله". (5) قال ابن الأثير: الجدي، بضم الجيم وتشديد الدال المكسورة المهملة، هذه النسبة إلى جدة، وهي بليدة بساحل مكة، ينسب إليها عبد الملك بن إبراهيم الجدي وغيره. اللباب 1/264. (6) هذا الحديث تقدم مرفوعا، برقم: (8) ، وقد رواه موقوفا اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (657) ، 2/395. والذهبي في العلو ص 20، وقال: ورواه عمار بن زريق عن أبي إسحاق مرفوعا، والواقف أصح، مع أن رواية أبي عبيدة عن والده فيها إرسال. راجع ما ذكرته فيما تقدم تحت الرقم المشار إليه آنفا. (7) لا توجد في غير الأصل. (8) لا توجد في غير الأصل. (9) هو الطبري كما في النسخ الأخرى. الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَنْبَسِ، ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ بِالْقَدَرِ، فَقَالَ: يُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ، لَئِنْ أَخَذْتُ بشعر أحدهم لأنصونه (1) ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَخَلَقَ الْخَلْقَ، وَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ فُرِغَ مِنْهُ (2) .   (1) لأنصونه: أي لأخذن بناصيته، يقال: تناصى القوم تآخذوا بالنواصي في الخصومة. انظر: اللسان، مادة: "نصا". والنواصي جمع ناصية وهي شعر مقدمة الرأس. منال الطالب ص 57. وفي النسخ الأخرى: "لأنضونه"، ومعناه لأقطعنه وألقيه عنه. (2) أخرجه الآجري في الشريعة ص 293، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (660) ، 2/396. والدارمي في الرد على الجهمية ص 12، والذهبي في العلو ص 48، وقال الألباني في المختصر ص 95: صحيح الإسناد، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 70، وعزاه إلى الطبري في شرح السنة. وفي هذا الحديث دلالة على وجوب الإيمان بالقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان التي نص عليها حديث جبريل المشهور. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأن الله تعالى خالف أفعال العباد، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر/ 49، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} الفرقان/ 2، وأن الله تعالى يريد الكفر من الكافر ويشاؤه، ولا يرضاه ولا يحبه، فيشاؤه كونا، ولا يرضاه دينا. وخالف في ذلك القدرية والمعتزلة، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، وإنما قالوا هذا لئلا يقولوا شاء الكفر من الكافر وعذبه عليه، ولكن صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإنهم هربوا من شيء فوقعوا في ما هو شر منه، فإنه يلزمهم أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله تعالى، فإن الله شاء الإيمان منه -على قولهم- والكافر شاء الكفر، فوقعت مشيئة الكافر دون مشيئة الله تعالى!! وهذا من أقبح الاعتقاد، وهو قول لا دليل عليه، بل هو مخالف للدليل. انظر: شرح الطحاوية ص 215. والخوض في القدر من الأمور الخطيرة التي نهى السلف عنها، لأن القدر سر الله في خلقه، فلا يجوز التعمق فيه، والسلامة في الإيمان به جملة، وعدم الخوض في جزئياته التي خاض فيها المبتدعة، فوقعوا في الزيغ والضلال. راجع المزيد من الكلام في مسائل القدر ومناقشة القدرية في مذاهبهم: كتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري ص 39-64، وكتاب القدر للإمام ابن تيمية -رحمه الله- ضمن مجموع الفتاوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 63- قَالَ (1) : وَأَخْبَرَنَا بْنُ مُحَمَّدٍ (أَخْبَرَنَا) (2) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا (شِيرُوَيْهُ) (3) ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} (4) ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَسْتَطِعْ (أَنْ يَقُولَ) (5) مِنْ فَوْقِهِمْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مِنْ فَوْقِهِمْ (6) . 64- وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ، فإن بين السموات السَّبْعِ إِلَى كُرْسِيِّهِ سَبْعَةُ آلَافِ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (7) .   (1) القائل هو اللالكائي. وفي النسخ الأخرى: "أخبرنا أبو بكر، أنبأ أبو بكر، أنبأ أبو القاسم، أنبأ أحمد بن حمد ... ". (2) في النسخ الأخرى: أنبأ. وما في الأصل موافق لما عند اللالكائي. (3) هكذا في جميع النسخ، وعند اللالكائي: "ابن شيرويه"، ولعله الصواب. (4) سورة الأعراف/ 17. (5) "أن يقول" لا توجد في الأصل، وهي في النسخ الأخرى وعند اللالكائي. (6) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ح (661) ، 2/396-397. والطبري في تفسيره 8/37، وابن كثير 3/391، وكلاهما بلفظ: "ولم يقل من فوقهم، لأن الرحمة تنزل من فوقهم". (7) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 530، وأبو جعفر بن أبي شيبة في كتاب العرش، رقم: (16) ، ص 59. وذكره السيوطي في الجامع الكبير 1/477، والصغير 1/514، وأبو نصر السجزي في الإبانة، وقال: غريب ذكر ذلك السيوطي في الكبير، وأبو الشيخ في كتاب العظمة، رقم: (2) ، و (22) . وذكره الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 6/203، وعزاه إلى العسال في كتاب المعرفة. وذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 69. وأورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/396، وقال: هذا إسناد ضعيف، عطاء كان اختلط. قلت: وهو كما قال، لأن عطاء بن السائب قال فيه الحافظ: صدوق اختلط. التقريب 2/22. الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 65- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، قَالَ أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ (1) حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ (2) ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، قال: ثنا الحسن بن سُفْيَانُ، قَالَ (3) : ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جُنَادٍ (4) ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ (5) ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عَائِشَةَ (وَهِيَ تَمُوتُ) (6) ، فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِتَزْكِيَتِهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ (7) يَا أُمَّتَاهُ، إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ (صَالِحِ) (8) بَنِيكِ، جَاءَ يَعُودُكِ، قَالَتْ: فَأْذَنْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا أُمَّاهُ، (أَبْشِرِي) (9) فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَكِ وَبَيْنَ أَنْ تَلْقَيْ مُحَمَّدًا وَالأَحِبَّةَ إِلَّا أَنْ يُفَارِقَ رُوحُكِ جَسَدَكِ، كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ   (1) "أبو الفضل" لا يوجد إلا في الأصل. (2) في النسخ الأخرى اقتصرت على كنيته: "أبو نعيم". (3) كلمة "قال" الواردة في جميع السند لا توجد إلا في الأصل. (4) في النسخ الأخرى: "القاسم بن خلاد" وما في الأصل موافق لما عند أبي نعيم في الحلية. (5) في (م) : "عن أبي مليكة" بدون "بن". (6) ما بين القوسين من (هـ) ، و (ر) . (7) في النسخ الأخرى: "القاسم بن محمد" وهو ابن أبي بكر الصديق، وعائشة عمته، كما في التهذيب 8/333، وعند الحاكم: "فقال لها بنو أخيها" بدون اسم. (8) في (م) صالحي، وفي (هـ) ، و (ر) "مصالح". (9) في الأصل: "اشترى" وما أثبته من النسخ الأخرى. الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا، (قَالَتْ) (1) : أَيْضًا، قَالَ: هَلَكَتْ قِلَادَتُكِ بِالأَبْوَاءِ (2) ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَقِطُهَا، فلم يجدوا (3) ماء فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (4) ، فَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِكِ وَبَرَكَتِكِ، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الرُّخْصَةِ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ مِسْطَحٍ مَا كَانَ (5) فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، فَلَيْسَ مَسْجِدٌ يُذْكَرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ إِلَّا وَشَأْنُكِ يُتْلَى فِيهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ (6) . 66- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي (7) ، أَنْبَأَ حَمَدُ بْنُ أَحْمَدَ (8) ، أَنْبَأَ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ   (1) في (م) : وقال. وفي (هـ) ، و (ر) : قال. (2) الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر: معجم البلدان 1/79. (3) في النسخ الأخرى: "يجد". (4) سورة المائدة/ 6. (5) مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي. كان اسمه عوفا، وأما مسطح فهو لقبه، وأمه بنت خالة أبي بكر، كان من خاض مع أهل الإفك في أمر عائشة رضي الله عنها، فأنزل الله تعالى في براءتها عشر آيات من أول سورة النور، فجلد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسطحا ومن خاض معه في أمر الإفك حد القذف امتثالا لأمر الله تعالى. انظر: تفسير ابن كثير 6/19، والإصابة 6/93. (6) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/45، والدارمي في الرد على الجهمية ص 22، والرد على بشر المريسي ص 15، عن ابن أبي مليكة، أنه حدثه ذكوان حاجب عائشة رضي الله عنها أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على عائشة وهي تموت ... وليس فيه ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر ولا غيره. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/93-94. وأخرجه أيضا الحاكم في مستدركه 4/8، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. (7) في النسخ الأخرى: "محمد" فقط. (8) في النسخ الأخرى: "حمد". الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (1) ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ حَبْلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد بن الصالح، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ (2) ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ زَوَّجَنِي مِنَ السَّمَاءِ، وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا خُبْزًا وَلَحْمًا. وَفِي لَفْظٍ تقول: زوجكن أهليكن، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ (3) . 67- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ (4) ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (5) ، ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا أَبُو كِنَانَةَ مُحَمَّدُ بْنُ أَشْرَسَ الأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَبُو عُمَيْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قَالَتْ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالإِقْرَارُ بِهِ إِيَمَانٌ، وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ (6) .   (1) في النسخ الأخرى: "أبو نعيم" فقط. (2) العنقزي: بفتح العين، وسكون النون، وفتح القاف، وفي آخرها زاي، هذه النسبة إلى النعقز، نوع من النبات، كان يزرعه أو يبيعه، فنسب إليه. انظر: اللباب 2/362. (3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب "وكان عرشه على الماء" ح (7420) ، و (7421) ، 2/403-404. والترمذي في كتاب التفسير ح (3213) ، 5/354-355. وأبو نعيم في الحلية 2/52. وابن سعد في الطبقات 8/103، 106. والذهبي في العلو ص 20. (4) في النسخ الأخرى: "أنبأ الطريثيثي". (5) "عبيد الله بن محمد" ساقط من السند الذهبي. (6) هذا القول ينسب إلى جماعة مثل مالك، وربيعة الرأي كما سيأتي. أخرجه عن أم سلمة اللالكائي في السنة رقم: (663) ، 2/397، وأشار إلى هذه الرواية ابن حجر في الفتح 13/406. وشيخ الإسلام في الفتاوى 5/365، حيث قال بعد أن ذكر قول مالك في الاستواء: وقد روى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفا ومرفوعا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه. وأخرجه الإمام الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل المنيرة 1/110، الحديث: 67 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وأورده الذهبي في العلو ص 65، وقال: فأما عن أم سلمة فلا يصح لأن أبا كنانة ليس بثقة، وأبو عمير لا أعرفه. انظر ترجمة أبي كنانة في الميزان 3/485. أقول: يتشبث بعض المبتدعة بمثل ما روي عن أم سلمة، وما سيأتي مما هو ثابت عن ربيعة وعن الإمام مالك في إسناد رأيهم القائل بأن مذهب السلف هو التفويض، ويقولون: إنه لا معنى لهذه العبارات وأمثالها مما روي عن السلف إلا أنهم يرون التفويض في صفة الاستواء وغيرها من الصفات، والتفويض يعني أن نؤمن بالألفاظ ونتوقف عن معرفة المعنى، إذ لا سبيل لنا إليه -على حد زعمهم-. وممن ذهب إلى القول بأن مذهبهم التفويض السيوطي، حيث قال: وجمهور أهل السنة منهم السلف، وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها. ونقل السيوطي الرأي نفسه عن الرازي. انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/6. وممن نسب التفويض إلى السلف الزرقاني في مناهل العرفان حيث قال: مذهب السلف ويسمى مذهب التفويض ... وهو تفويض معاني هذه المتشابهات إلى الله وحده، بعد تنزيهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة. انظر: مناهل العرفان 2/182-183. إلا أن هذا الادعاء باطل، فعبارتهم المأثورة عنهم في إثبات الصفات الإخبارية عامة، وصفة الاستواء خاصة إنما تدل على الإثبات الحقيقي لتلك الصفة، وفق ما تضمنه النص المثبت للصفة من معنى، مع الجزم بعد المشابهة في ذلك بين الخالق والمخلوق. وهذا هو مذهب السلف القويم، وما قيل سوى هذا إنما هولي لعباراتهم وتحميل لها بما لا تدل عليه من أجل إسناد المبتدع لبدعته بما هو أوهى وأوهن من خيط العنكبوت. يقول الإمام ابن تيمية موضحا بطلان هذه الادعاء: وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعا، مثل أن الله فوق العرش، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم.. علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما قصدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك ... إلى أن قال -رحمه الله-: ما رأيت أحدا منهم نفاها، وإنما ينفون التشبيه، وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، مع إنكارهم على من نفى الصفات أيضا. الحموية الكبرى ضمن مجموعة الرسائل الكبرى 1/470-471. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 ((أَقْوَالُ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ)) (1) 68- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خُزَيْمَةَ (2) ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ (3) ، ثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الْجَرَّارُ (4) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قال: حدثني الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فوق سبع سموات (5) ، فَلَمْ أُكَذِّبْهَا (6) . 69- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ حَمَدٌ (7) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ   (1) هذا العنوان لا يوجد في الأصل. (2) هكذا في الأصل، وفي (هـ) . وفي (م) ، و (ر) : أبو الفضل خزيمة بدون "ابن"، وجاء في سند الأثر عند الذهبي في السير 2/180 موافقا لما في الأصل. ولعله أبو علي، وهو أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة البغدادي، كما عند الذهبي في السير 15/515، وكما في تاريخ بغداد 4/347-348. وقد تقدم بهذا الاسم في حديث رقم: (34) . (3) في (م) : "العوارم"، وهو خطأ. (4) في الأصل، و (م) : الخراز، وفي (هـ) ، و (ر) بدون نقط. والصواب ما أثبتناه كما في السير، وكما في التهذيب 6/98، والتقريب 1/465. (5) يشير إلى تبرئتها من حديث الإفك، في أول سورة النور. راجع رقم: (65) . (6) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/44، وابن كثير في البداية والنهاية 8/92، والذهبي في السيرر 2/180، والعلو ص 92، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 72. وأبو الشيخ في الغظمة، ذكر ذلك الألباني في مختصر العلو ص 129، واتفق الذهبي، وابن القيم على تصحيحه، إلا أن في سنده عبد المصنف أبو مسعود الجرار، وهو عبد الأعلى بن أبي المساور الزهري مولاهم، قال الحافظ: متروك، وكذبه ابن معين. التقريب 1/465. إلا أن أبا نعيم أورده بطريق أخرى أصح. (7) "حمد" لا يوجد في (م) . الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أَبَانٍ (1) ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا (2) ، ثَنَا سَلَمَةُ (3) بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مُسْتَلْقٍ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُحَرِّكْ شَفَتَيْهِ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ يَأْذَنُ لِي لَزَرَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمْ يَعْلَمْ إِلَّا وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ جَنَّتِهِ، قَابِضِينَ عَلَى أَكُفِّهِمْ، فَيَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَاسْتَوَى قَاعِدًا، فَقَالُوا لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ: تَمَنَّيْتَ شَيْئًا فِي نَفْسِكَ فقد (4) علمته، وقد بعث مَعَنَا هَذَا الْبِذْرَ، يَقُولُ: ابْذُرْ، فَأَلْقَى يَمِينًا، وَشِمَالًا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَلْفَهُ، فَخَرَجَ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، عَلَى مَا كَانَ تَمَنَّى (5) وَأَرَادَ، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ: كُلْ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَا يَشْبَعُ (6) . 70- قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَخَبَرَكُمْ (7) ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ بْنُ دُومَا، أَنْبَأَ مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ   (1) في النسخ الأخرى: "ابن زكريا" وهو خطأ. انظر ترجمته في السير 14/288، وتذكرة الحفاظ 3/784. وهو موجود عند أبي نعيم. (2) هذا الاسم لا يوجد في النسخ الأخرى. ويوجد في الحلية. (3) في النسخ الأخرى: "أبو سلمة" وما في الأصل موافق لما في الحلية، وهو سلمة بن شبيب البلخي. (4) في (هـ) ، و (ر) : "وقد". (5) في (هـ) ، و (ر) : "يتمنى". (6) أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/334، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 72، والذهبي في العلو ص 96، وقال: إسناده ليس بذاك. قلت: وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال الحافظ: ضعيف وصل مراسيل. التقريب 1/34، وانظر: الضعفاء للعقيلي 1/50، والكامل لابن عدي 1/240. أما أبوه الحكم بن أبان العدني فصدوق له أوهام، كما قال الحافظ. التقريب 1/190، فسند هذا الأثر ضعيف. (7) في النسخ الأخرى: "أنبأ". الحديث: 70 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 عِيسَى الْعَطَّارُ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذْلِيِّ (1) عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ عِنْدَ رَبِّكَ مِنَ الْخَلْقِ (2) أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ إِسْرَافِيلَ (3) ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ (4) سَبْعُ حُجُبٍ (5) ، كُلُّ حِجَابٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِسْرَافِيلُ دون هؤلاء، وأرسه مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الثَّرَى (6) . 71- أَخْبَرَنَا (7) مُحَمَّدٌ، أَنْبَأَ حَمَدٌ، أَنْبَأَ أحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (8) ، أَنْبَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، ثَنَا (9) أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، ثَنَا (10) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ (11) وَهَارُونُ قَالَا: ثَنَا سَيَّارٌ، ثَنَا جَعْفَرٌ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: إِنَّ الصِّدِّيقِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ طَرِبَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى الآخِرَةِ، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا فَيَقْرَأُ وَيَقُولُ: اسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ (12) .   (1) في (هـ) الهزلي. وهو خطأ. (2) "من الخلق" ليست في النسخ الأخرى. (3) في (هـ) ، و (ر) : "من إسرافيل إليه". (4) في النسخ الأخرى: "وبينه وبينه". (5) في (هـ) : "سبع حجاب". وفي (م) : (تسع حجب) . (6) أورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 74، والذهبي في العلو ص 93، وقال: أبو بكر واه. قلت: وأبو بكر قيل اسمه سلمى -بضم المهملة- بن عبد الله، وقيل روح متروك الحديث. التقريب 2/401، ورواية الحديث عن أبي بكر هو إسحاق بن بشر، وقد سبق بيان حاله، وأنه متهم بالكذب. راجع ح (28) . فالأثر ضعيف جدا. (7) في (هـ) ، و (ر) : "أنبأ". وفي (م) "أنبأنا". (8) في (م) : "أحمد" فقط. وفي (هـ) ، و (ر) سقط هذا الاسم. (9) في (هـ) : "أنبأ". (10) في (هـ) : "أنبأ". (11) في (م) : "ابن أبي زياد". وفي (ر) "ابن أبي زناد"، وفي (هـ) : "بن الزناد" بدون أبي. (12) أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/358، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 75، والذهبي في العلو في 97، وقال: حديث في الحلية بإسناد صحيح. وتعقبه الشيخ الألباني بقوله: وفيه نظر، فإنه في الحلية من طريقين عن سيار ثنا جعفر قال: سمعت مالك بن دينار به. وسيار الراوي عن جعفر -وهو ابن سليمان الضبعي- هو ابن حاتم العنزي أبو سلمة البصري، وهو كما قال الحافظ في التقريب: "صدوق له أوهام". وقد أورده المصنف في الميزان وقال: صالح الحديث. مختصر العلو في 131. وانظر التقريب 1/343، والميزان 2/253. الحديث: 71 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 73- قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبِي (1) ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْمَدَائِنِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، خَيْرِي يَنْزِلُ عَلَيْكَ (2) وَشَرُّكَ يَصْعَدُ إِلَيَّ، وَأَتَحَبَّبُ إِلَيْكَ بِالنِّعَمِ، وَتَتَبَغَّضُ إِلَيَّ بِالْمَعَاصِي، وَلَا يَزَالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَدْ عَرَجَ مِنْكَ إِلَيَّ بِعَمَلٍ قَبِيحٍ (3) . 74- قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (4) : وَذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي قَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ (إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} (5) الآيَةَ) (6) . قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا (7) .   (1) في (هـ) ، و (ر) أخبرنا محمد أنبأ حمد أنبأ أبي. إلا أن في (ر) ثنا بدل أنبأ. وفي (م) لا وجود للفظ "ثنا أبي" فقيها: "أخبرنا محمد، أنبأ حمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر". (2) في (هـ) ، و (ر) : "إليك". (3) أخرجه أبو نعيم في الحلية بهذا الإسناد 2/377، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 75، والذهبي في العلو ص 97، وقال: إسناده مظلم. (4) قال ابن عبد البر: لا يوجد في النسخ الأخرى. (5) الآية من سورة المجادلة آية/7. (6) في الأصل: الجزء الأول من الآية فقط. (7) هذه المعية التي يقول بها السلف، لأن الله تعالى بذاته في السماء مستو على العرش، وعلمه مع مخلوقاته لا يخفى عليه شيء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو سبحانه يخبر في هذه الآية عن إحاطة علمه بخلقه، واطلاعه عليهم، وسماعه كلامهم، ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأين كانوا، فبدأ الآية بالعلم واختتمها بالعلم، فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة: 7) . يقول ابن كثير -رحمه الله- ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علم الله تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم، وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه مطلع على خلقه، لا يغيب عنه من أمورهم شيء. تفسير ابن كثير 8/67، وقد تقدم بيان زيف من قال بأن الله بذاته في كل مكان مستدلا بمثل هذه الآية. الحديث: 73 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُهُ (1) . 74- أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن حميد (2) ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَا هِبَةُ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ يَحْيَى، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ، ثَنَا أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَبِيعَةُ عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: الاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، ومن الله الرسال، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ (3) .   (1) التمهيد 7/139، 142، وأورده الذهبي في العلو ص 99، وعزاه إلى أبي أحمد العسال، وأبي عبد الله بن بطة، وابن عبد البر، ووصف أسانيدهم بأنها جيدة، وقال: ومقاتل ثقة إمام. وأخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة بسنده، رقم: (592) ، 1/304، تحقيق الدكتور محمد بن سعيد القحطاني. واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة من مقاتل، رقم: (670) ، 2/400، والطبري في التفسير 28/12، والآجري في الشريعة ص 289. (2) في (هـ) ، و (ر) : أبو بكر بن النقور. وفي (م) : "ابن القيم". وهو أبو بكر بن النقور عبد الله بن محمد بن أبي الحسين. وقد تقدم. (3) أخرجه اللالكائي عبد الله بن الحسن الطبري في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم: (665) ، 2/398ن والبيهقي في الأسماء والصفات مع اختلاف يسير في اللفظ ص 516. والذهبي في العلو ص 98. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -بعد أن ذكر قولا مماثلا لمالك سيأتي- ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك. الفتاوى 5/365. وقال في الحموية ص 24: وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وذكر بقية الخبر. الحديث: 74 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 75- (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ) (1) أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ صَدَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ يَقُولُ: لَوْ سُئِلْتُ أَيْنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ قُلْتُ: فِي السَّمَاءِ (2) .   (1) ما بين القوسين لا يوجد في الأصل، وأبو بكر الثاني لا يوجد في (م) وفي الأصل: "قال وأخبرنا أحمد بن عبيد"، ولعل المعنى بـ "قال" هو الطبري الذي سبق ذكر اسمه في الأصل قبل هذا الأثر. وأبو بكر الأول هو ابن النقور، أما الثاني فهو الطريثيثي. (2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم: (671) ، وفيه: فإن قال: فأين عرشه قبل أن يخلق السماء؟ قلت: على الماء. فإن قال لي: أن كان عرشه قبل أن يخلق الماء؟ قلت: لا أدري. 2/401. والذهبي في العلو ص 99، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 73، عن ابن أبي خيثمة في تاريخه. الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ((أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)) (1) 76- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (قَالَ) (2) ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَبَأَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبِي، ثَنَا سُرَيْجُ (3) بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ (4) . 77- قَالَ أَبُو عُمَرَ (5) : عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ (6) . 78- وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَعْدَانَ (قَالَ) (7) : سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ (تَعَالَى) (8) : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (9) قَالَ: عِلْمُهُ (10) .   (1) هذا العنوان في الأصل ل 22. (2) "قال" لا توجد في النسخ الأخر. وفي (م) : أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن الحجاج، أنبأ أحمد بن الحسن. وفيه خلط كما ترى وإسقاط لما قبل أحمد بن الحسن من رجال السند. (3) في النسخ الأخرى: "شريح" وهو خطأ، وإنما هو كما في الأصل: سريج بن النعمان. وهو ابن مروان الجوهري. انظر ترجمته في التهذيب 3/457. (4) أخرجه اللالكائي، رقم: (673) ، 2/401، وفيه: حدثني عبد الله بن نافع، قال: "ملك الله في السماء". وإنما الصحيح قال: مالك: الله في السماء. ولعله خطأ مطبعي. وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة، رقم: (11) ، 1/107، والآجري في الشريعة ص 289. (5) في النسخ الأخرى: وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء ... (6) التمهيد 7/138-139. (7) "قال" لا توجد في (هـ) . (8) من النسخ الأخرى. (9) سورة الحديد/ 4. (10) التمهيد 7/142. واللالكائي (672) ، 2/401، وشرح حديث النزول لابن تيمية ص 127. الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 79- وَقَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} ، وَ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} ، قَالَ: عِلْمُهُ (1) ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ، يَعْلَمُ الْغَيْبَ، رَبُّنَا عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ وَلَا صِفَةٍ (2) . 80- وَرُوِيَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى الْعَرْشِ (وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ) (3) ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ (4) .   (1) في الأصل: (علمه علمه) بالتكرار. (2) أورده ابن تيمية في شرح حديث النزول ص 127، ط. الخامسة، سنة 1397هـ، المكتب الإسلامي، والذهبي في العلو ص 130، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 135. (3) من (هـ) . (4) أورده الذهبي في العلو ص 130، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 135، وعزاه إلى الخلال في كتاب السنة. وقد بسط الإمام أحمد -رحمه الله- الكلام على معنى المعية في كتابه الرد على الجهمية ص 140-144. كما أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية معنى المعية في هاتين الآيتين خاصة، وفي كل ما ورد من لفظ المعية في كتاب الله تعالى، فأوضح أن المعية معيتان: معية عامة، وأخرى خاصة، وضرب لذلك أمثلة مما ورد في القرآن الكريم، فقال -رحمه الله-: ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في هاتين الآيتين، وجاء خاصا كما في قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل/ 128. وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} طه/ 46، وقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، التوبة/ 40، فلو كان المراد أنه بذاته مع كل شيء، لكان التعميم يناقض التخصيص، فإنه قد علم أن قوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أراد تخصيصه وأبا بكر دون عدوهم من الكفار، وكذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل/ 128، خصهم بذلك دون الظالمين والفجار، وأيضا فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى، كما في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، الفتح/ 29، الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   وقوله: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ، النساء/ 146، وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، التوبة/ 119، وقوله: {وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ} ، الأنفال/ 75، ومثل هذا كثير، فامتنع أن ذاته مختلطة بذوات الخلق. وأيضا فإنه افتتح الآية بالعلم، وختما بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به". شرح حديث النزول ص 128. ثم أوضح -رحمه الله- أن لفظ المعية في اللغة -وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة- فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه، فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان، ويخض بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد. نفس المصدر ص 128. وإذا كان هذا هو مذهب السلف في المعية المتفق جملة وتفصيلا مع الكتاب والسنة والعقل والفطرة، فإنه من المناسب أن تعلم أخي القارئ أن مذهب القائلين بالحلول من الجهمية، أو القائلين بوحدة الوجود من الصوفية، قد صوروا معية الله بأقبح صورة، واختاروا لها أرذل معنى، تعالى الله عما يقولون ويعتقدون علوا كبيرا. يقول العلامة محمد حامد الفقي في تعليقه على كتاب الشريعة للآجري: الذين يقولون -فبحهم الله وأخزاهم-: إن ربهم حال في كل شيء، لأنه عندهم المادة الأولى التي انبثق منها وتولد كل شيء، وضربوا له المثل بالنواة خرجت منها النخلة، وبالخشبة الخام خرج منها الأبواب والكرسي والشبابيك وغيرها، فعندهم -لعنهم الله- أن هذا الوجود علوية وسفلية، طيبة وخبيثة، هو أسماء ربهم وصفاته، وأنه مجالي ومظاهر له -سبحان ربنا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا- ولهذا يقول لسانهم الناطق ابن عربي الحاتمي: عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا أعتقد كل ما اعتقدوه ويقول: العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب، أنى يكلف ثم أورد -رحمه الله- كلام عبد الغني النابلسي الذي يقول: إن ذلك الوجود المحض -الذي هو الحق تعالى- هو حقيقة جميع الموجودات، فهو وجودها الذي هي موجودة به، لا وجود لها غيره تعالى، وهو باطنها الذي هو غيب مطلق، وإنه لا تخلو عنه جميع الكائنات، ولذلك الوجود الحق مراتب. ثم ذكر هذه المراتب السبع، وقال في نهايتها: فذه سبع مراتب، الأولى: مرتبة اللاظهور، والستة الباقية هي مراتب الظهور ومشاهدة جميع الموجودات، حاصلة له تعالى عند اندراج الكل في بطون ذاته ووجدته، وهي المشاهدة في نفسه تعالى لجميع الشؤون والمخلوقات في ذاته تكون شهودا غيبيا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   أي مع غيبة المشهود في الشاهد، وعدم تميزه عنه، كشهود الشيء المفصل في المجمل قبل التفصيل، وشهود الكثير في الواحد غير متميز في نفسه أيضا، وكالنخلة مع أغصانها وتوابعها من العراجين والتمر والسعف، مندرج في النواة الواحدة غير متميز في نفسه، وهو تلك النواة. إلى أن قال -مستدلا على ذلك الكفر القذر-: فإن الثابت عند أصحاب الفكر والنظر: أن حدوث شيء لا عن شيء، أي لا عن مادة قابلة تكون محلا لاستعداده قبل حدوثه محال، سواء كان الحدوث زمنيا، أو ذاتيا، وإذن ذلك الوجود الحق باعتبار محض إطلاقه، سار في جميع ذوات المخلوقات كلها التي هي اعتبارات منه، إلى أن قال: ون صفات الوجود الحق: هي المخلوقات كلها بجميع أجزائها الظاهرة والناطنة، فهذه المخلوقات كلها أعراض، والمعروض هو الوجود الحق. انتهى كلام النابلسي. وقد عقب الشيخ الفقي بقوله: فهذا هو حقيقة مذهب الحلولية، الذي ينعق به شيوخ الصوفية، وأصرحهم ابن عربي الحاتمي، وابن الفارض، وابن سبعين، والسهروردي، وأشباههم من الزنادقة المجرمين، لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة، وطهر القلوب والأرض من مذهبهم الخبيث. انظر: هامش الشريعة للآجري ص 285-287. أقول: وهذا المذهب الخبيث قد تجاوز بمراحل بعيدة مذهب النصارى القائلين بالحلول مثلهم، إلا أنهم أقل شأنا من هؤلاء، لأنهم إنما قصروا بالحلول على عيسى عليه السلام، وإن الله تعالى حل فيه واتحد اللاهوت بالناسوت، وهذا قول بحلول الله تعالى في بشر كريم، وهو وإن كان في غاية الخبث والبطلان، إلا أن مذهب القائلين بوحدة الوجود على الوجه المتقدم، جعل الحلول في كل شيء، دون تفريق بين طيب وخبيث، فالحلول في جميع الموجودات دون استثناء، ولهذا كانت صرخة أئمة المسلمين من سلف هذه الأمة قوية نافذة في التحذير من هذا المذهب الخبيث. كما قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة (360هـ) : " ... أما بعد: فإني أحذر إخواني المؤمنين مذهب الحلولية: الذين لعب بهم الشيطان، فخرجوا بسوء مذهبهم عن طريق أهل العلم، إلى مذاهب قبيحة لا تكون إلا في كل مفتون هالك ... ". الشريعة ص 287. فلتكن يا أخي المسلم على بصيرة من أعداء الله، أعداء الدين ما فتئوا ينصبون شراكهم لشباب هذه الأمة، ليحيدوا بهم عن الطريق السوي والصراط المستقيم، وليوقعوهم في حبائل الشيطان التي عاونه في نصبها أولياؤه من زنادقة الصوفية الذين يحاولون في هذا العصر الدعوة إلى هذا المذهب بطرق خبيثة ملتوية، فيظهرون في ثوب الحمل الوديع تارة، وفي أثواب التقى والورع، وإنما هو أدعياء دجالون يهتبلون الفرص لنشر باطلهم، وترسيخ دعائمه، قاتلهم الله، ورد كيدهم في نحورهم، وكفى الإسلام والمسلمين شرورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 81- بلغني (1) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (رَحِمَهُ اللَّهُ) (2) أَنَّهُ قَالَ: (فِي كِتَابِ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ) (3) : مَنْ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) (4) فِي السَّمَاءِ فَقَدْ كَفَرَ (5) . 82- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ هِبَةُ اللَّهِ (6) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحَمَدَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ (7) ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَدَّادَ بْنَ حَكِيمٍ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الأَحَادِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا" وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الأَحَادِيثِ، إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ قَدْ رَوَتْهَا الثِّقَاتُ، فَنَحْنُ نَرْوِيهَا، وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا نُفَسِّرُهَا (8) .   (1) في النسخ الأخرى: "وذكر". (2) من النسخ الأخرى. (3) من النسخ الأخرى. (4) من النسخ الأخرى. (5) لم أجده في النسخة التي بين يدي من الفقه الأكبر. وقد أورده الإمام الذهبي في العلو ص 101، فقال: وبلغنا عن أبي مطيع البلخلي صاحب الفقه الأكبر قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر، لأنه تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ، عرشه فوق سماواته، فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. وبهذا نرى أن الذهبي قد نسب كتاب الفقه الأكبر إلى أبي مطيع البلخي، ولعله هو الذي جمعه. وأبو مطيع البلخي نقل الذهبي نفسه في الميزان تضعيف جماعة من الأئمة له. انظر: الميزان. (6) في النسخ الأخرى: "بن الحسن". (7) في النسخ الأخرى: "ثنا زيد" وهو خطأ. وإنما هو أحمد بن علي بن زيد الغجدواني، بضم الغين وسكون الجيم، نسبة إلى غجدوان، وهي قرية من قرى بخاري. انظر: اللباب 2/375. (8) أورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم: (741) ، 2/433، والذهبي في العلو ص 113. الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 83- أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَسَاكِرِ بْنِ الْمُرَحِّبِ الْبَطَائِحِيُّ الْمُقْرِئ، قَالَ (1) : أَنْبَأَ الأَمِينُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْيُوسُفِيُّ، قَالَ (2) : أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَنَبَأَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَخِيتٍ (3) ، قَالَ (4) : أَنْبَأَ أَبِو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ (5) : ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الطَّائِيُّ الأَثْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا (6) . 84- قَالَ أَبُو بَكْرٍ (7) الأَثْرَمُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَيْسِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يُحْكَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا (8) . 85- قَالَ الأَثْرَمُ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيُّ (9) ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ يَقُولُ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ (10) .   (1) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (2) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (3) في (هـ) ، و (ر) : مجيب: وفي (م) نجيب. وهو خطأ. (4) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (5) "قال" لا توجد في النسخ الأخرى. (6) أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة، رقم: (22) ، و (598) ، 1/111، 307، والبخاري في خلق أفعال العباد ص 8، والدارمي في الرد على الجهمية ص 9، والرد على بشر المريسي ص 103، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 76، وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 538. (7) لا يوجد في الأصل. (8) ذكره ابن أبي يعلى في الطبقات فيما رواه محمد بن إبراهيم القيسي عن الإمام أحمد 1/267. وذكره الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 2/34. وذكر مصدره في ذلك الخلال، وأورد سنده. (9) في الأصل وفي (هـ) : "الأنيسي" وفي اجتماع الجيوش الإسلامية: "الأوسي" وما أثبته من (م) ، و (ر) . ولم أجد له ترجمة. (10) أورده الذهبي بسنده عن محمد بن حماد عن ابن وهب بلفظ نحوه. العلو ص 118، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 78. الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 86- قَالَ: وَقُلْتُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي الْجَهْمِيَّةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ (1) . 87- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ، أَنْبَأَ هِبَةُ اللَّهِ (2) ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، (ثَنَا) (3) أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، ثَنَا نُوحُ بْنُ مَيْمُونٍ، ثَنَا بَكِيرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} ، قَالَ: هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَلَنْ يَخْلوَ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ (4) . 88- وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ) (5) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ (قَالَ) (6) : فَمَا رَأَيْتُ مَالِكًا وَجَدَ مِنْ شَيْءٍ كَمَوْجِدَتِهِ مِنْ مَقَالَتِهِ، وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ -يَعْنِي الْعَرَقَ- وَأَطْرَقَ القوم، وجعلوا ينظرون مَا يَأْتِي مِنْهُ فِيهِ، قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالإِيمَانُ بِهِ   (1) أورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 77، وعزاه إلى الإمام ابن خزيمة، وأورد بعد قوله الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: وهذا الذي كانت الجهمية يحاولونه، قد صرح به المتأخرون منهم، وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يحول بينهم وبين التصريح به، فلما بعد العهد، وخفيت السنة، وانقرضت الأئمة، صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه، ولا يتمكنون من إظهاره. (2) السند إلى هبة الله لا يوجد في الأصل، وأثبته من النسخ الأخرى. وقد عطفه في الأصل بقوله: "قال: وأخبرنا محمد بن الحسين" ويعني "بقال" اللالكائي، حيث تقدم ذكر الأثر الذي قبله في الأصل عن طريقه. (3) في (هـ) ، و (ر) : أنبأ. (4) أخرجه اللالكائي، رقم: (670) ، 2/400، وقد تقدم هذا الأثر، برقم: (73) ، حيث رواه هناك مقاتل عن الضحاك. ولا يمنع ذلك من أن يكون مقاتل قد قال به أيضا. (5) "أنه" من (هـ) . (6) لا توجد في النسخ الأخرى. الحديث: 86 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ضَالًّا، وَأُمِرَ بِهِ فَأُخْرِج (1) .   (1) أخرجه البيهقي من الأسماء والصفات ص 516 من طريقين: إحداهما: عن عبد الله بن وهب بلفظ: " ... الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه". والأخرى: عن يحيى بن يحيى بلفظ مثل لفظ المصنف. وقد جود الحافظ ابن حجر طريق ابن وهب، فقال: "وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب ... فذكره". فتح الباري 13/406-407. واللالكائي ي شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم: (664) ، 2/398. وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف، ضمن الرسائل المنيرية 1/111. وأبو نعيم في الحلية 6/325-326. والدارمي في الرد على الجهمية ص 27. والذهبي في العلو ص 103، وقال: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة". تقدم قول ربيعة، برقم: (75) . وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 81، وقال: وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده، قال يحيى بن إبراهيم الطليطلي في كتاب سير الفقهاء -وهو كتاب جليل غزير العلم- حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي الله، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان أو إن لله بكل مكان، قال أصبغ: وهو مستو على عرشه، وبكل مكان علمه وإحاطته، وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم. اهـ. أقول: ومن عجيب المفارقات أن ترى كثيرا من أصحاب مالك المتأخرين فاقوا عقيدته، ودانوا بغيرها، فسلكوا مسلك الأشاعرة في منهجهم في صفة الاستواء والعلو خاصة، وفي جميع الصفات الأخرى عامة، وإنهم بهذا ينزعون ثقتهم بإمام جليل لا يحيدون قيد أنملة عن مذهبه في الفروع، ويضربون مذهبه في الأصول عرض الحائط، وهو شأن بعض أتباع الأئمة الآخرين -أبي حنيفة والشافعي وأحمد، حيث ذهبوا مذاهب في الأصول فارقوا بها مذاهب أئمتهم الذين نهجوا منهج الوحي، ولم يفارقوا التنزيل، فارتضى أولئك المفارقون مذاهب الكلام والسفسطة التي أوردت بهم إلى الزيغ والضلال، نسأل الله الهداية والثبات على الحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 89- قَالَ هِبَةُ اللَّهِ (1) : وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نِفْطَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ (فَقَالَ) (2) : هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَيْسَ هَذَا مَعْنَاهُ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: اسْتَوْلَى، قَالَ: اسْكُتْ، مَا أَنْتَ وَهَذَا لَا يُقَالُ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ، أَوْ يَكُونُ (3) لَهُ مُضَادٌّ، فَإِذَا غَلَبَ أَحَدُهُمَا قِيلَ: اسْتَوْلَى، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ: أَلَا لِمِثْلِكَ أَوْ مَنْ أَنْتَ سَابِقُهُ ... سَبَقَ الْجَوَادُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الأَمَدِ (4) 90- حَدَّثَنِي ابْنِي أَبُو الْمَجْدِ عِيسَى (بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) (5) ، قَالَ (6) : أَخْبَرَنَا (7) الشَّيْخُ أَبُو   (1) في النسخ الأخرى: "أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأ أحمد بن علي أنبأ هبة الله بن الحسن". (2) "فقال" لا توجد في (هـ) . (3) عند اللالكائي "إلا أن يكون". (4) أخرجه اللالكائي، انظر رقم: (666) ، 2/399، والخطيب البغدادي في تاريخه 5/284، وفيه زيادة: "والله لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء بعد المغالبة". وأورده الحافظ في الفتح 13/406، وعزاه على أبي إسماعيل الهروي في الفاروق. والإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 83. وأورد ابن القيم قول ابن الأعرابي أيضا: أراد مني ابن أبي دوءاد أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها استوى بمعنى استولى، فقلت له والله ما يكون هذا، ولا وجدته. أقول: وهذا التفسير المبتدع كما إنه لا أصل له من الشرع، فإنه لا حظ له من اللغة، بل هو ابتداع صرف قصد أصحابه التخلص من إثبات هذه الصفة، حتى لو كان ذلك بالكذب والالتواء وادعاء ما ليس لهم من الأدلة، ولا يزال هذا دأبهم في جميع الصفات. (5) لا يوجد في النسخ الأخرى. (6) في (م) : قالا. (7) في النسخ الأخرى: "أنبأ". الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 طَاهِرٍ الْمُبَارَكُ (بْنُ) (1) أَبِي الْمَعَالِي بْنِ الْمَعْطُوشِيِّ، أَنْبَأَ أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ، أَنْبَأَ (الشَّيْخُ) (2) أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَيْرٍ (3) الْبَرْمَكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي (4) حَمْزَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنِي (5) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي (6) عَبَّاسُ بْنُ دِهْقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ: أُحِبُّ أَنْ أَخْلُوَ مَعَكَ، قَالَ: إِذَا شِئْتَ فَبَكَرْتُ يَوْمًا فَرَأَيْتُهُ قَدْ دَخَلَ قُبَّةً، فَصَلَّى فِيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا أُحْسِنُ أُصَلِّي مِثْلَهَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللهم إنك تعلم فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الْفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنَى، اللهم إنك تعلم فَوْقَ عَرْشِكَ أَنِّي لَا أُوثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئًا، فَلَمَّا سَمِعْتُهُ أَخَذَنِي الشَّهِيقُ وَالْبُكَاءُ، فَلَمَّا سَمِعَنِي قَالَ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أعلم أن هذا هاهنا لَمْ أَتَكَلَّمْ (7) . 91- (أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الزَّكِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ الْغَنَوِيُّ الرَّقِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا) (8) شَيْخُ الإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الْقُرَشِيُّ الْهَكَّارِيُّ، قَالَ:   (1) "بن" لا توجد في (هـ) . (2) لا توجد في الأصل. (3) في النسخ الأخرى: "عمر" وهو خطأ. (4) في النسخ الأخرى: "قال حدثني". (5) في النسخ الأخرى: "قال حدثني". (6) في النسخ الأخرى: "قال حدثني". (7) أورده الذهبي بسنده من طريق المصنف. العلو ص 127. وذكر من عقيدته التي رواها ابن بطة في كتاب الإبانة وغيره: إن الله على عرشه استوى كما شاء، وإنه عالم بكل مكان. وأورده الذهبي أيضا في السير 10/473. وقال الشيخ الألباني: عباس بن دهقان لم أجد له ترجمة. مختصر العلو ص 185. (8) ما بين القوسين لا يوجدف في النسخ الأخرى، وفيها: وذكر شيخ الإسلام أبو الحسن ... الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أَخْبَرَنَا (1) الزَّاهِدُ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، (ثَنَا) (2) أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي بِالْمَوْصِلِ، قَالَ: كَتَبْتُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ هِشَامٍ (3) الْبَلَدِيِّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -هَذَا مَا وَصَّى بِهِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ. ح (قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ) (4) : وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ خَلِيفَةَ (بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَلَدِيُّ) (5) ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ خَلِيفَةَ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عُمَرَ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (وَحْدَهُ) (6) وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ (7) ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رسله، و (إن صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ الجنة حق، و (أن) (8) النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَالْحِسَابَ، وَالْمِيزَانَ وَالصِّرَاطَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ، عَلَيْهِ أَحْيَا (وَعَلَيْهِ) (9) أَمُوتُ، وَعَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى فِي الآخِرَةِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ عِيَانًا،   (1) في النسخ الأخرى: "أنبأ" بدون "قال". (2) في غير الأصل: "أنبأ". (3) في جميع النسخ: "ابن هاشم"، وإنما هو ابن هشام كما جاء في جميع النسخ في السند الثاني، وكما في السير 10/79. وهو عند الذهبي في العلو ص 120. (4) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى، وفيها: قال: وأخبرنا. (5) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) . (6) لا توجد في الأصل. (7) في الأصل: "ورسوله". (8) "أن" لا توجد في النسخ الأخرى. (9) لا توجد في غير الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 جِهَارًا، وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، (وَأَنَّهُ) (1) فَوْقَ الْعَرْشِ، وَأَنَّ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَكُونُ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) (2) وَقَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَأنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيُّ (بْنُ أَبِي طَالِبٍ) (3) ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (4) أَجْمَعِينَ، وَأَتَوَلَّاهُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَلِأَهْلِ الجمل وصفين، القائلين وَالْمَقْتُولِينَ، وَجَمِيعِ أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجميعن (5) .   (1) في النسخ الأخرى: "وأن الله". (2) في غير الأصل: "تعالى". (3) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) . (4) في غير الأصل: "رضي الله عنهم". (5) هذه الوصية وإن كانت لم تصح سندا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، فإنها اشتملت على أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وفي موفقهم من صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما يجب أن يقتدي به كل مسلم، لأنهم قصدوا فيهم سواء السبيل، فابتعدوا عن الإفراط وجانبوا التفريط، وقد دأب قوم ممن يدعي الإسلام، على سب أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والانتقاص من مكانتهم، فاستحقوا بذلك أن يوصفوا بالزندقة ومحاربة الإسلام، لأن القدح في صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدح في الدين كله أصوله وفروعه، لأنه بلغنا عنهم، وهم واسطتنا فيه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد جاهدوا في الله حق حق جهاده وبلغوا دين الإسلام كما أراد الله منهم، ولذلك كانت لهم منزلة عظيمة، حذر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الانتقاص منها حيث قال: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه". رواه مسلم في فضائل الصحابة. ويقول الله تعالى في شأنهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة الحشر/ 8-10. فهذه ثلاثة أصناف ذكرتها هذه الآيات، وما سواها ممن حاد عنها، ليس له إلا الخذلان والبوار. والأحاديث في فضائل صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا تكاد تحصر ولا تحصى. ولذلك كانت عقيدة أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   السنة، موافقة لأمر الله تعالى وأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسطا بين الإفراط والتفريط، كما قال الإمام الحاوي -رحمه الله- موضحا هذه العقيدة: "ونحب أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، وببغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان". الطحاوية مع الشرح ص 466. وإن من صميم هذه العقيدة الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما وقع بينهم من خلاف، واعتقاد أن كلا منهم مجتهد في ما خالف فيه الآخر، والكل مأجور على اجتهاده. ومن ذلك ما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، من خلاف آل إلى الاقتتال بينهما، فأهل السنة يرون أن عليا رضي الله عنه مجتهد مصيب فله أجر اجتهاده وأجر إصابته، وأما معاوية رضي الله عنه فمجتهد مخطئ، له أجر اجتهاده ومغفور له خطؤه، وحبهم جميعا هو ما ندين الله تعالى به، لأن في ذلك الفوز والفلاح كما قال الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص 129: "فمن أحبهم وتولاهم ودعا لهم ورعى حقهم وعرف فضلهم فاز مع الفائزين، ومن أبغضهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج لعنهم الله، فقد هلك مع الهالكين". ويقول الإمام الذهبي -مبينا ما يجب أن نتعامل به مع الصحابة رضوان الله عليهم، والأحداث التي ارت بينهم: "كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقظع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه، لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف، العري عن الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله تعالى حيث يقول: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة الحشر/10. فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ويقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة، وجعفر، ومعاذ، وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأُولِي الأَمْرِ مَا دَامُوا يُصَلُّونَ، وَالْوُلَاةُ لَا يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، وَالْخِلَافَةُ فِي قريش، وأن قيليل مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرٌ، وَالْمُتْعَةُ حَرَامٌ، وَأُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلُزُومِ السُّنَّةِ، وَالآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح، ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد، والعباس، وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة، ثم سائر من صحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه. فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا تعرج عليه، ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل، أو رد ما في الصحاح والمسانيد، ... والعاقل خصم نفسه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. انتهى كلام الذهبي. سير أعلام النبلاء 10/92-94. فالروافض هم حملة لواء سب صحابة رسول الله، إذ لفقوا الافتراءات الظالمة على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآل بهم الأمر إلى تكفيرهم جميعا، إلا بضعة عشر رجلا منهم هم: سلمان الفارسي وأبا ذر، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة ابن اليمان، وأبا الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبا أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت، وأبا سعيد الخدري، وبغض الشيعة يرى أن الطيبين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقل عددا من هؤلاء. انظر: العواصم من القواصم مع حاشيته ص 182-183. ولا غرو أن يذهب هؤلاء الأدعياء هذا المذهب في صحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنهم إنما جاءوا لهدم الدين الإسلامي، فبدأوا أولا بحملته ومبلغيه، لأنهم واسطتنا فيه إلى نبي الهدى صلى الله الله عليه وسلم، والقدح فيهم قدح في الإسلام كله، فبدأت معاولهم تعمل في هدم الإسلام منذ ظهور مؤسسهم وزعيمهم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كاد للدين حقدا وحسدا، إلا أن مثلهم ومثل هذا الدين العظيم ودعاته ومبلغيه العظام، من صحابة سيد الأنام، ومن سار على نهجهم من الأئمة الأعلام: كناطح صخرة يوما لوهنها فلم يضرها وأهى قرنة الوعل فاللهم من أراد هذا الدين بسوء، فاردد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واعصمنا الله من الزلل، وارزقنا حب أصحاب نبيك وحب من أحبهم، وجاز من أبغضهم بشر أعمالهم وقبيح اعتقاداتهم، وسوء مقاصدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 (وَأَصْحَابِهِ) (1) ، وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَاجْتِنَابِهَا، وَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَإِنَّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلُزُومِ السُّنَّةِ وَالإِيَمَانِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَمَنْ حَضَرَنِي مِنْكُمْ فَلْيُلَقِّنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ محمدا عبده وروسله، وَتَعَاهَدُوا (2) الأَظْفَارَ وَالشَّارِبَ قَبْلَ الْوَفَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وإذا حضرت فإن كَانَتْ عِنْدِي حَائِضٌ فَلْتَقُمْ، وَلْيُدَخِّنُوا عِنْدَ فِرَاشِي (3) . 92- قَالَ شيخ الإسلام (4) : وأخبرنا (5) أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ (6) ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْقَوْلُ في السنة التي أَنَا عَلَيْهَا، وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا عَلَيْهَا، أَهْلَ   (1) لا توجد ي (هـ) . (2) في (هـ) : "وتعاهد". بدون واو الجماعة. (3) أشار إلى هذه الوصية الذهبي في العلو ص 120، فقال: وبإسناد لا أعرفه عن الحسين بن هشام البلدي. وذكر طرفا منها ثم قال: إسنادهما واه. يعني هذه الوصية وما قبلها عنده. وهو ما سيأتي برقم: (92) ، وقال في السير 10/79: وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحه. أقول: ولعل علته الهكاري، أبو الحسن علي بن أحمد، قال فيه ابن عساكر: لم يكن موثقا، وقال ابن النجار: منهم بوضع الأحاديث وتركيب الأسانيد. انظر: الاعتدال للذهبي 3/112، والكشف الحثيث ص 293. إلا أن ثمة وصية صحيحة للشافعي رضي الله عنه ذكرها الإمام البيهقي في مناقب الشافعي 2/288-289، بتحقيق السيد أحمد صقر، وهي في الأم للإمام الشافعي 4/48-51. وليس فيها محل الشاهد. (4) يعني الكاري المتقدم. كما في العلو للذهبي. (5) في النسخ الأخرى: "وأنبأ". (6) في (هـ) : "الأخرى". الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الْحَدِيثِ الَّذِينَ رَأَيْتُهُمْ (فَأَخَذْتُ عَنْهُمْ) (1) ، مِثْلَ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا، الإِقْرَارُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَذَكَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ:) (2) وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ، يُقَرِّبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ وَذَكَرَ سَائِرَ الاعْتِقَادِ (3) . 93- (وَبِهَذَا الإِسْنَادِ) (4) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (5) يَقُولُ -وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ (تَعَالَى) (6) وَمَا يُؤْمِنُ بِهِ- فَقَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، لا يسمع أحدا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدَّهَا، لَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القول بها في ما رَوَى عَنْهُ (الْعُدُولُ) (7) ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ، لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَلَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ، وَلَا نُكَفِّرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إليه بها، وثبت هَذِهِ الصِّفَاتَ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيهَ، كَمَا نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَاهَا فِي سَمَائِهِ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ قُلُوبَ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8) .   (1) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) . (2) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى، ولا عند الذهبي. (3) أورده الذهبي في العلو، وحكم بأن إسناده واه. انظر: العلو ص 120، والعلة للهكاري. وقد تقدم بيان حاله. (4) هذه العبارة لا توجد في غير الأصل. (5) لا توجد في النسخ الأخرى. (6) لا توجد في النسخ الأخرى. (7) في الأصل، وفي (هـ) ، و (ر) : "العدل" والتصحيح من (م) . (8) وهذا أيضا عن طريق الهكاري، فحاله حال سابقه، وقد أورده الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 10/79-80، نقلا عن كتاب عقيدة الشافعي للهكاري، وليس فيه، وقال الشافعي: خلافه أبي بكر ... إلخ. الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 94- أَخْبَرَنَا (1) أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ (2) قَالَ (3) : أَنَبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسْيَنِ بْنِ زَكَرِيَّا الطُّرَيْثِيثِيُّ قَالَ (4) : أَنْبَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْمُقْرِئ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْشٍ (5) الْمُقْرِئُ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ (قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ) (6) ح، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ الطُّوسِيِّ بِالْمَوْصِلِ، أَخَبَرَكُمْ (7) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَّافِ قَالَ (8) : أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ (مَرْدَكٍ) (9) قَالَ (10) : أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الأَمْصَارِ، وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ (فِي جَمِيعِ الأَمْصَارِ) (11)   (1) في النسخ الأخرى: أخبرنا الشيخ أبو الفتح ... (2) كذا في الأصل، وفي (ر) . وفي (هـ) ، و (م) سلمان. وما في الأصل موافق لما في العبر 3/44. والشذرات 4/213. وما في النسختين الأخريين موافق لما عند الذهبي في السير 20/481، وفي البداية والنهاية تحريف في نسبه إلى: محمد بن عبد الله بن عبد الواحد بن سليمان. انظر: 12/260. وقد أثبته كما هو في الأصل في جميع موارده لاختلاف المترجمين له في اسم جده الثاني. (3) "قال" لا توجد إلا في الأصل. (4) "قال" لا توجد إلا في الأصل. (5) في (هـ) ، و (ر) : "حنيش". وعند اللالكائي: "حبش". (6) ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. (7) في (هـ) : "قال أخبركم". (8) "قال" لا توجد في غير الأصل. (9) هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: "مدرك"، ولم أعثر على ترجمته. (10) "قال" لا توجد في غير الأصل. (11) لا توجد في الأصل. الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 حِجَازًا وَعِرَاقًا وَمِصْرًا وَشَامًا وَيَمَنًا، فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ (1) وَالْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {لَيْسَ   (1) هذا هو مذهب السلف الذي يتفق مع الأدلة الشرعية، إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، وأن هذه الأمور الثلاثة أركان فيه، كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- وقد سئل عن الإيمان: الإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار باللسان، والقبول بالقلب، والعمل به. انظر: السنة للإمام أحمد ص 74. ويقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، ... فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعلمه، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، كان في الآخرة من الخاسرين، وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول". كتاب الإيمان ص 142. وممن قال من السلف بهذا القول: الأئمة الثلاثة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومالك بن أنس، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر بن راشد وغيرهم. انظر: فتح الباري لابن حجر 1/47. وأدلتهم في ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها. وكما قال السلف بأن هذه أركان للإيمان، فقد قالوا بزيادته ونقصه، زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، كما ذكر الإمام النووي في شرح مسلم عن عبد الرزاق أنه قال: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والنخعي، والحسن البصري، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعبد الله بن المبارك. انظر: شرح مسلم 1/146. وذكر الإمام ابن تيمية -رحمه الله- عن أبي الدرداء قوله: الإيمان يزيد وينقص، وقوله: إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد إيمانه أم ينقص، وإن من فقه العبد أن يعلم نزعات الشيطان أنى تأتيه. انظر: الإيمان لابن تيمية ص 186. بقي أن نعرف من خالف في ذلك وهم المرجئة على اختلاف أصنافهم، فمن قائل: إن الإيمان قول باللسان فقط، وهم الكرامية ومن وافقهم، ومن قائل: المعرفة بالقلب فقط، على تفاوت بينهم في مدى اعتبار العمل، إلا الكل يتفق على أنه ليس ركنا في الإيمان، وأن الإيمان يزيد ولا ينقص. انظر: مقالات المرجئة في الملل والنحل للشهرستاني ص 141-145. والفرق بين الفرق للبغدادي ص 202. إلا أن أكثر فرق المرجئة تطرفا تلك الفئة التي حكى الآجري قولها: إن من قال لا إله إلا الله، لم تضره الكبائر أن يعملها، ولا الفواحش أن يرتكبها، وإن البار التقي الذي لا يباشر من ذلك شيئا، والفاجر يكونان سواء. انظر: الشريعة للآجري ص 147. وهؤلاء هم الذين اشتهر قولهم: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/42، ونهاية الإقدام في علم الكلام للشهرستاني ص 471. فهؤلاء -كما ترى- يذهبون مذهبا إباحيا يدعو إلى الغواية والفجور، ونبذ تعاليم الإسلام. نسأل الله العافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) . 95- قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ: وَجَدْتُ فِي (كُتُبِ) (2) أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنْظَلِيِّ، مِمَّا سُمِعَ مِنْهُ يَقُولُ: مَذْهَبُنَا وَاخْتِيَارُنَا اتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَالتَّمَسُّكُ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ (3) الأَثَرِ مِثْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ (تَعَالَى) (4) ، وَلُزُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) .   (1) أورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، برقم: (321) ، 1/176، وفيه تتمة المعتقد فليراجع. (2) في النسخ الأخرى: "كتاب" وفي اللالكائي: "في بعض كتب". (3) في الأصل: "الأهل". (4) من (م) . (5) ذكره اللالكائي اطول مما هنا، إذا اشتمل على مذهبه في كثير من أصول العقيدة، ولم يذكر المصنف هنا إلا طرفا مما ورد عند اللالكائي. فليراجع. انظر: شرح اعتقاد أهل السنة، رقم: (323) ، 1/180-182. الحديث: 95 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 96- أَنْبَأَ أَبُو الْمُطَهَّرِ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّيْدَلَانِيُّ (قَالَ) (1) : أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَنْبَأَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ، قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْضِ المزابل، حيث يتأذى المسلمون ولا الْمُعَاهِدُونَ بِنَتنِ رِيحِ جِيفَتِهِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا، لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذِ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، كَمَا قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) . 97- وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ (عَنِ) (3) ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (4) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى   (1) لا توجد في (هـ) . (2) هذا الأثر لا يوجد في الأصل، وأجمعت النسخ الأخرى على إيراده. ذكره الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/111، وعزاه إلى الحاكم في التاريخ، وفي معرفة علوم الحديث، وهو في معرفة علوم الحديث ص 84. وفي كتاب التوحيد لابن خزيمة: "فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا، أن خالقنا مستو على عرشه، لا نبدل كلام الله، ولا نقول قولا غير الذي قيل لنا، كما قالت المعطلة الجهمية إنه استولى على عرشه، لا استوى، فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود لما أمروا أن يقولوا "حطة" فقالوا: "حنطة" مخالفين لأمر الله جل وعلا، كذلك الجهمية". التوحيد ص 101. قال المعلق الدكتور محمد خليل هراس -رحمه الله-: ولهذا قيل لام الجهمية كنون اليهود. (3) في (هـ) ، و (ر) : "وعن". (4) من (هـ) . الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" وَقَالَ (1) : هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، صَحِيحُ الأَسَانِيدِ، لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ طُرُقٍ سِوَى هَذِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْعُدُولِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ مَكَانٍ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى   (1) إلى هنا فقط يوجد في الأصل، وبقية الكلام إلى نهاية الكتاب لا وجود له في الأصل سوى رقم: (99) الآتي، وقد تأخر حسب وضعه في ترتيب النسخ الثلاث الذي اعتمدته. (2) حديث النزول رواه مالك في الموطأ، كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء، ح (30) ، 1/214، وعنه رواه البخاري في صحيحه كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ح (1145) ، 3/29، وكتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه} ، ح (7494) ، 13/464، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، ح (758) ، 1/521, وهو حديث كثير الطرق، متواتر من جهة النقل، كما ذكر ابن عبد البر في التمهيد 7/128. وهذا الحديث من أدلة السلف على علو الله تبارك وتعالى، لأن النزول يكون من أعلى. وقد اتفق السلف على إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، وأن نزوله لا يشبه نزول المخلوق، فهو مستو على عرشه، باب من خلقه كما أخبر، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل يوم القيام لفصل القضاء، ولا منافاة بين استوائه سبحانه وعلوه، وبين نزوله، لأنه ينزل نزولا يليق بجلاله بجلالته وعظمته لا نعلم كيفيته، ولا ندرك كنهه. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مبينا ما يجب اعتقاده من حديث النزول: "اتفق سلف الأئمة وأئمتها، وأهل العلم بالسنة والحديث على تصديق ذلك، وتلقيه بالقبول، ومن قال ما قاله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله حق وصدق، وإن كان لا يعرف حقيقة ما اشتمل عليه من المعاني، كمن قرأن القرآن ولم يفهم ما فيه من المعاني، فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) ، وَقُوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (3) ، وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (4) ، وَقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (5) ، وَقَالَ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى   هذا الكلام وأمثاله علانية، وبلغه الأمة تبليغا عاما لم يخص به أحدا دون أحد، ولا كتمه عن أحد، وكان الصحابة والتابعون تذكره، وتأثره، وتبلغه في المجالس الخاصة والعامة، واشتملت عليه كتب الإسلام التي تقرأ في المجالس الخاصة والعامة، كصحيحي البخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وأمثال ذلك من كتب المسلمين، ولكن من فهم من هذا الحديث وأمثاله ما يجب تنزيه الله عنه، كتمثيله بصفات المخلوقين، ووصفه بالنقص المنافي لكماله الذي يستحقه، فقد أخطأ في ذلك، وإن أظهر ذلك منع منه، وإن زعم أن الحديث يدل على ذلك ويقتضيه فقد أخطأ أيضا في ذلك فإن وصفه سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات ... ". شرح حديث النزول ص5. ويقول الإمام ابن خزيمة: "نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب، من غير أن يصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك، ولا نبيه عليه السلام بيان بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة، من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير مكلفين القول بصفته، أو بصفة الكيفية، إذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار ما بال وثبت وصح، أن الله جل وعلا فوق السماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: ينزل من أسفل إلى أعلا، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل". التوحيد ص 125-126. هذا ما يجب اعتقاده في وصف الله تعالى بالنزول، وقد تجرأ المتكلمون على هذه الصفة، فأولوها كحالهم مع بقية الصفات الخبرية، وخاصة صفة الاستواء، فنحوا بهما منحى واحدا، من أجل أن يستقيم لهم اعتقادهم المتمثل في نفي صفة العلو. والله المستعان. (1) سورة طه آية/ 5. (2) سورة الفرقان آية/ 59. (3) سورة الملك آية/ 16. (4) سورة فاطر آية/ 10. (5) سورة النحل آية/ 50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (1) ، وَقَالَ: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (2) ، وَقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (3) ، وَقَالَ لِعِيسَى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (4) ، وَقَالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (5) ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (6) ، يَعْنِي: أَظُنُّ مُوسَى كَاذِبًا فِي أَنَّ لَهُ إِلَهًا فِي السَّمَاءِ، هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقُولُ: إِلَهِي فِي السَّمَاءِ، وَفِرْعَوْنُ يَظُنُّهُ كَاذِبًا. قَالَ: وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ عَلَى العرش فوق السموات السَّبْعِ: أَنَّ الْمَوْجُودِينَ أَجْمَعِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْرٌ، وَنَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ، رَفَعُوا وُجُوهَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، وَنَصَبُوا أَيْدِيهِمْ، رافعين لها، مشرين بِهَا إِلَى السماء، يستغيثون الله رَبِّهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ (أَنْ) (7) يُحْتَاجَ أَكْثَرِ مِنْ حِكَايَتِهِ، لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوقِفْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَمَةِ الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عِتْقَهَا، وَكَانَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ، فَاخْتَبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ (8) فَاكْتَفَى   (1) سورة السجدة آية/ 5. (2) سورة المعارج آية/ 4. (3) سورة الأنعام آية/ 18. (4) سورة آل عمران آية/ 55. (5) سورة النساء آية/ 158. (6) سورة غافر آية/ 36-37. (7) "أن" لا توجد في (م) . (8) تقدم حديث الجارية برقم: (9) . وهو هنا دليل الفطرة الذي تقدم بيانه، وحديث الجارية من شواهد الفطرة، كما أنه دليل نقلي يدل على العلو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَفْعِ رَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ (1) . 98- قَالَ أَبُو عُمَرَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالإِيمَانِ بِهَا، وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً. وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، الْجَهْمِيَّةُ (2) ، وَالْمُعْتَزِلَةُ (3) كُلُّهَا، وَالْخَوَارِجُ، فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا،   (1) انظر كلام ابن عبد البر هذا في التمهيد 7/128-130. وقد أورده المصنف هنا بتصرف. (2) الجهمية: تقدم ذكر طرف من مذهبهم في الصفات في القسم الخاص بالدراسة، وهم أتباع جهم بن صفوان الترمذي، من أهل خراسان، تتلمذ على يد الجعد بن درهم، وعنه أخذ الكلام بضاعته، إذ كان بمنأى عن علم الحديث والأثر، مفارقا بذلك جمهور المسلمين الذي كان مهتما بعلم الحديث وآثار الصحابة ومرياتهم، وكان هو ومن معه من زمرة المتكلمين يرون أن لا علم إلا ما هم فيه من كلام وجدل، ويمقتون أئمة الحديث، ويلقبونهم بالحشوية. وقد حدث مذهب الجهم بعد انقضاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم ببلاد المشرق، فعظمت به الفتنة، وتمالأ أهل الإسلام على إنكار بدعته وتضليله، وتضليل كل من اتبعه وافتتن به، وحذروا منهم وعادوهم في الله وذموا من جلس إليهم، ونشطوا في الرد عليهم بما لم يكن معهودا من قبل، فألفت عشرات الكتب من أجل بين زيغ هذه الطائفة، وبعدها عن الإسلام. انظر: تاريخ الجهمية والمعتزلة، لجمال الدين القاسمي ص 10، والخطط للمقريزي 2/357. (3) أما المعتزلة فقد ظهرت إثر سؤال طرح في مجلس الحسن البصري -رحمه الله- وهذا السؤال كان عن مرتكبي الكبائر الذين كفرهم الخوارج، وحكم لهم المرجئة بالإيمان المطلق، وقال أهل السنة هم تحت مشيئة الله ورحمته، وهم مؤمنون بما معهم من إيمان، فساق بقدر جرمهم ومعاصيهم ويوم القيامة يحكم الله فيهم، بما يريد إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم، إلا أنهم لا يخلدون في النار بل يخرجون منها، بعد أن يلقوا جزاء معاصيهم، واعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري، ليقرر مذهب المعتزلة، الذي انفردت به، وهو أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان، وهي ما عرف بالمنزلة بين المنزلتين هذا في الدنيا، أما في الآخرة فمرتكب الكبيرة عندهم خالد مخلد في النار، كمقالة الخوارج. ثم تشعبت آراء المعتزلة، وشرعوا في الحديث عن الصفات إثر تأثرهم بالفلسفة التي أشغلوا أنفسهم بقراءة كتبها، فكانوا بعد ذلك يمجدون كل ما هو عقلي، ولا يلوون على نصوص الوحي إلا بما يتفق مع عقولهم، ويوافق هواهم، ولذلك تأثروا بمقالة الجهمية في الصفات، فكان مذهب الجهمية أصلا انبثق عنه مذهب المعتزلة، وكل من كان عنده تعطيل. ولذلك سمي المعتزلة جهمية، ومن أبرز آرائهم قولهم بخلق القرآن، وأن الإنسان يخلق فعله، وأنه لا دخل لقدرة الله ومشيئته في فعل العبد، ولذلك سموا قدرية. انظر عن المعتزلة: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/235 وما بعدها. وكتاب الغلو والفرق الغالية ص 119-120، وتاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ص 57-59. الحديث: 98 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وَلَا يَحْمِلُ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ، وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (1) . 99- وَوَجَدْتُ فِي آخِرِ جُزْءٍ فِيهِ حَدِيثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيِّ (2) هَذِهِ الْحِكَايَةُ بِخَطِّ كَاتِبِ الْجُزْءِ، قال: رَأَيْتُهَا فِي آخِرِ الْجُزْءِ، وَرَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَاذَانَ، سَمِعَ ابْنِي الحَسَنُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ: كُنَّا نُغَسِّلُ مَيِّتًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَكَشَفْنَا عَنْهُ الثَّوْبَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: هو على عرشه وحده، هو على عرشه وحده. قَالَ: (فَتَفَرَّقْنَا) (3) مِنْ عِظَمِ مَا سَمِعْنَا، ثُمَّ رجعنا فغسلناه (4) .   (1) انظر مقالة ابن عبد البر في التمهيد 7/145. (2) في النسخ الثلاث الأخرى: "الجلدي" بالجيم. وهو خطأ. والخلدي هذا هو شيخ الصوفية، أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير بن قاسم البغدادي، والخلدي: بضم الخاء، وسكون اللام، نسبة إلى الخلد، وهي محلة ببغداد كان يسكن بها. انظر: سير أعلام النبلاء 15/558، وتاريخ بغداد 7/226، واللباب 1/456. (3) في غير الأصل: "فنفرنا". (4) ولعل هذه الحكاية من حكايات الخلدي، التي يعدها المؤرخون إحدى عجائب بغداد، كما قال الخطيب في تاريخه: كان أهل بغداد يقولون: عجائب بغداد ثلاثة: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جعفر. انظر: تاريخ بغداد 7/228، وسير أعلام النبلاء 15/559. الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فقد وضح الحق في هذه المسألة بحمد الله، من الحجج القاطعة، من الآيات الباهرة، والأخبار المتواترة، وإجماع الصحابة لما ذكروه في أشعارهم، ومنثور كلامهم، من قول أئمتهم وعامتهم، وروايتهم للسنة في ذلك، قابلين لها، مؤمنين بها، مصدقين بما فيها، لم ينكر ذلك منهم منكر، ولا اعترض منهم عليه معترض، ثم من بعدهم عصرا بعد عصر، حتى قال الإمامان أبو زرعة، وأبو حاتم: هذا ما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، حجازا، وعراقا، وشاما، ويمنا، ولم يخالف في ذلك غير مبتدع غال، أو مفتون ضال، وأول من خالف في ذلك فيما علمنا الجهم بن صفوان، فعاب ذلك عليه وعلى أصحابه الأئمة من العلماء، والسادة من الفقهاء، واستعظموا قولهم وبدعتهم، ثم إن الجهمية مضطرون إلى موافقة أهل الإسلام على رفع أيديهم في الدعاء، وانتظار الفرج من السماء (1) ، وقول سبحان ربي الأعلى، وتلاوة ما يدل على ذلك من كلام الله تعالى، وسنة رسوله المصطفى، ثم لا يزالون يسمعون من السنة ما يقرع رؤوسهم، ويحزن قلوبهم، ويسمعون من عامة المسلمين في أسواقهم ومحاوراتهم من ذلك ما يغيضهم، لا يستطيعون له ردا، ولا يجدون من سماعه بدا، وليس لهم في بدعتهم هذه حجة من كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي، ولا إمام مرضي، إلا اتباع الهوى، ومخالفة سنة المصطفى وأئمة الهدى، ومن وفقه الله تعالى لسلوك صراطه المستقيم، والاقتداء بنبيه الصادق الأمين، واتباع صحابته الغر الميامين، ورضي لنفسه بما رضي به أئمة المسلمين، وعامة المؤمنين، أراح نفسه في الدنيا من مخالفة المسلمين، وفي الآخرة من العذاب الأليم، وأتاه الله الأجر العظيم، وهداه إلى الصراط المستقيم، وأنعم عليه بمرافقة النبيين وأصحاب اليمين، بدليل قول الله   (1) يقصد المصنف ان القوم متمردون على الفطرة، ولذلك نجدهم يعودون إليها رغم أنوفهم من غير قصد منهم إلى ذلك، إلا الاضطرار الذي أودعه الله في قلوب مخلوقاته جميعا. ومثلهم في ذلك مثل المشركين الذين لا يذكرون الله إلا في حال الكرب، حين يدعون الله وحده لا شريك، وينسون ما يشركون، وإذا عادوا ونجوا عادوا إلى شركهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين} (1) ، جعلنا الله سبحانه ممن هداه إلى صراطه المستقيم، ووفق لاتباع رضى رب العالمين، والاقتداء بنبيه محمد خاتم النبيين، والسلف الصالحين، برحمته آمين. آخر الجزء، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده.   (1) سورة النساء/ 69. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مصادر ومراجع ثبت المراجع 1- الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي، الطبعة الثالثة سنة 1370هـ. 2- اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، لابن القيم الجوزية، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة. 3- الاختلاف في اللفظ للإمام ابن قتيبة الدينوري - ضمن مجموعة عقائد السلف تحقيق الدكتور علي سامي النشار. الناشر: منشأة المعارف بالإسكندرية سنة 1971هـ. 4- الأدب المفرد للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 5- الأربعين في دلائل التوحيد، لأبي إسماعيل الهروي، تحقيق الدكتور علي ناصر فقيهي، الطبعة الأولى عام 1404هـ. 6- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، لأبي المعالي الجويني، تحقيق محمد يوسف موسى، وعلي بن عبد المنعم. طبع مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1950م. 7- الأسماء والصفات، للإمام البيهقي. الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، سنة 1405هـ. 8- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، تحقيق علي محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 البجاوي، طبع مطبعة النهضة مصر بالقاهرة. 1- أصول أهل السنة لابن أبي زمنين المالكي، رسالة ماجستير، تحقيق محمد إبراهيم محمد هارون. 2- الأعلام، لخير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ. 3- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، للإمام ابن القيم الجوزية، تحقيق محمد سيد الكيلاني، طبع سنة 1381هـ. 4- الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي، الطبعة الأولى بدار الأمانة في بيروت سنة 1388هـ. 5- البداية والنهاية لابن كثير، الطبعة الأولى سنة 1966م. 6- بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، للإمام ابن تيمية، تصحيح وتعليق الشيخ محمد بن عبد الرحمن القاسم، الطبعة الأولى بمطبعة الحكومة بمكة المكرمة، سنة 1391هـ. 7- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 8- تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي، نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت، بدون تاريخ. 9- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي، تحقيق أحمد حجازي السقا، مطبوع سنة 1402هـ. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 10- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للحافظ المزي، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الطبعة الثانية سنة 1403هـ. الناشر: المكتب الإسلامي في بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 1- تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير، تحقيق عبد العزيز غنيم وآخرون، طبعت الشعب. 2- تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، طبع دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. 3- التكملة لوفيات النقلة، للمنذري، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف الطبعة الثانية سنة 1401هـ، الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت. 4- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر بن عبد البر، الطبعة الثانية. الناشر: وزارة الأوقاف المغربية. 5- التوحيد للإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق الدكتور محمد خليل هراس، طبع سنة 1377هـ، الناشر: مكتبة الكلية الأزهرية بمصر. 6- تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى سنة 1325هـ، بمطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند. 7- جامع بيان العلم وفضله، للإمام أبي عمر بن عبد البر، طبع إدارة الطباعة المنيرية بدون تاريخ. 8- الجامع الصحيح، للإمام الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى بمطبعة الحلبي سنة 1356هـ. 9- الجامع الصغير، للسيوطي، الطبعة الأولى سنة 1401هـ، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر بيروت. 10- الجامع الكبير، لجلال الدين السيوطي، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 11- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصفهاني، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 1- درء تعارض العقل والنقل، للإمام ابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى سنة 1399هـ. الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 2- دلائل النبوة، للإمام البيهقي، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى سنة 1405هـ. 3- ذم التأويل، للإمام ابن قدامة المقدسي، طبع مطبعة كردستان العلمية سنة 1329هـ. 4- ذيل طبقات الحنابلة، للإمام ابن رجب الحنبلي، طبع دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت. 5- الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، الطبعة الأولى سنة 1395هـ. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 6- رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي. الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 7- الرد على الجهمية للإمام عثمان بن سعيد الدارمي، ط. بدون. 8- الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، الطبعة الثانية سنة 1402هـ، الناشر: دار اللواء بالرياض. 9- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط. طبع مؤسسة الرسالة. الطبعة الثانية سنة 1405هـ. 10- سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي في بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 1- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعية، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي. 2- سنن ابن ماجة، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبع مطبعة الحلبي، بدون تاريخ. 3- سنن أبي داود، تعليق عزت عبيد الدعاس، الطبعة الأولى سنة 1388هـ. 4- سنن النسائي، الطبعة الأولى، بمطبعة الحلبي بمصر سنة 1383هـ. 5- سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وحسين الأسد، الطبعة الأولى بمطابع مؤسسة الرسالة سنة 1405هـ. 6- السيرة النبوية لابن هشام، تعليق الدكتور محمد خليل هراس. الناشر: مكتبة الجمهورية، بدون تاريخ. 7- شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، طبع المكتب التجاري للطباعة والنشر - بيروت. 8- شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار بن أحمد، تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، الطبعة الأولى بمطبعة الاستقلال الكبرى سنة 1384هـ. 9- شرح أصول اعتقاد أهل السنة، للإمام أبي القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض. 10- شرح أم البراهين للسنوسي، طبع مطبعة الاستقامة سنة 1351هـ. 11- شرح العقيدة الطحاوية، الطبعة الثالثة. الناشر: المكتب الإسلامي في بيروت. 12- شرح لمعة الاعتقاد، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الثالثة بمطابع مؤسسة الرسالة في بيروت سنة 1405هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 1- شرح كتاب التوحيد من صحيح الإمام البخاري، للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، الطبعة الأولى 1405هـ. 2- شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني، طبع مطبعة الحاج محرم أفندي باستانبول عام 1305هـ. 3- الشريعة للإمام محمد بن الحسين الآجري، تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى بمطبعة السنة المحمدية سنة 1369هـ. 4- صحيح البخاري مع شرحه، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبع المطبعة السلفية بالقاهرة، عام 1380هـ. 5- صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج، تحقيق وترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - بيروت. 6- الصواعق المنزلة على الطائفة الجهمية المعطلة، للإمام ابن القيم، تحقيق الدكتور علي من ناصر فقيهي، والدكتور أحمد بن عطية الغامدي. 7- الضعفاء الصغير للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق بوران الضناوي، الطبعة الأولى 1404هـ، الناشر: عالم الكتب - بيروت. 8- الضعفاء الكبير للعقيلي أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى سنة 1404هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 9- الضعفاء والمتروكون للإمام أبي الحسن الدارقطني، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الطبعة الأولى عام 1404هـ، الناشر: مكتب المعارف بالرياض. 10- طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي، تحقيق محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى بمطبعة الحلبي سنة 1383هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 1- العبر في خبر من غبر، للإمام الذهبي، تحقيق محمد السعيد بسيوني الطبعة الأولى سنة 1405هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 2- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، الطبعة الثانية بالمطبعة الأزهرية سنة 1346هـ. 3- عقيدة السلف وأصحاب الحديث للإمام أبي عثمان الصابوني، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، الطبعة الأولى بالمطابع المنيرية سنة 1370هـ. 4- العلو للعلي الغفار، تأليف الحافظ الذهبي، تحقيق عبد الكريم محمد عثمان، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1388هـ. 5- علوم الحديث لأبي عمرو بن الصلاح، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، طبع مطبعة الأصيل بحلب سنة 1386هـ. 6- العواصم من القواصم، للقاضي أبي بكر بن العربي، تحقيق محب الدين الخطيب، الطبعة الرابعة سنة 1396هـ. الناشر: المطبعة السلفية بالقاهرة. 7- غاية الأماني في الرد على النبهاني، لمحمود شكري الألوسي، طبع مطابع نجد التجارية سنة 1391هـ. 8- غاية المرام في علم الكلام، لسيف الدين الآمدي، تحقيق حسن محمود عبد اللطيف، طبع مطابع الأهرام التجارية سنة 1391هـ. 9- الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل، الطبعة الثانية بمطبعة الحلبي، بدون تاريخ. 10- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني، طبع المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1380هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 1- الفتوى الحموية الكبرى، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، الطبعة الرابعة سنة 1401هـ، المطبعة السلفية بالقاهرة. 2- الفرق بين الفرق، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، طبع مطبعة المدني بالقاهرة - بدون تاريخ. 3- القصيدة النونية لابن القيم مع شرحها للدكتور محمد خليل هراس، طبع مطبعة الإمام بالقاهرة- بدون تاريخ. 4- الكامل في الضعفاء لابن عدي الجرجاني، تحقيق لجنة من المختصين، الطبعة الأولى سنة 1404هـ. الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت. 5- كتاب الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي. 6- كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، تحقيق الدكتور محمد سعيد القحطاني، الطبعة الأولى سنة 1406هـ. الناشر: دار ابن القيم للنشر والتوزيع. 7- كتاب السنة للإمام أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1400هـ. الناشر: المكتب الإسلامي. 8- كتاب العرش، للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، تحقيق محمد بن حمد الحمود. الناشر: مكتبة المعلا بالكويت. 9- كتاب العظمة، لأبي الشيخ الأصبهاني، رسالة ماجستير تحقيق رضاء الله محمد إدريس. 10- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، للحافظ أبي بكر بن أبي شيبة، الطبعة الثانية سنة 1399هـ، الناشر: الدار السلفية بالهند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 1- كتاب النبوات للإمام ابن تيمية، نشر مكتبة الرياض الحديثة، بدون تاريخ. 2- الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، لبرهان الدين الحلبي، تحقيق صبحي السامرائي، طبع مطبعة العاني في بغداد. 3- اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير الجزري، الناشر: دار صادر في بيروت. 4- لسان العرب، لابن منظور. الناشر: دار صادر ببيروت. 5- لمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة، لعبد الملك الجويني، تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود، الطبعة الأولى سنة 1385هـ، الناشر: المؤسسة المصرية العامة. 6- لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، للإمام ابن قدامة المقدسي تعليق الشيخ طه محمد الزيني، طبع المطبعة المنيرية بالقاهرة سنة 1372هـ. 7- متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد، تحقيق الدكتور عدنان محمد زرزور، طبع دار النصر للطباعة بالقاهرة. بدون تاريخ. 8- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لابن حجر الهيثمي، الطبعة الثالثة عام 1402هـ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت. 9- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. طبع مطابع الحكومة بالرياض. 10- مختصر كتاب العلو للعلي الغفار، اختصار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي سنة 1401هـ. 11- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، للإمام ابن القيم الجوزية، طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1375هـ. 12- المستدرك على الصحيحين، للحاكم أبي عبد الله النيسابوري، الناشر: دار الكتاب العربي في بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 1- مسند الإمام أحمد بن حنبل، نشر المكتب الإسلامي. 2- مسند أبي داود الطيالسي، الناشر: دار المعرفة - بيروت. 3- مسند الإمام الشافعي، تحقيق يوسف بن علي الزواوي وعزت العطار، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 4- مشكل الحديث، لأبي بكر بن فورك، تحقيق موسى محمد علي، طبع مطبعة حسان بالقاهرة. بدون تاريخ. 5- معالم أصول الفقه، لفخر الدين الرازي، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة. 6- معالم السنن، للخطابي بحاشية سنن أبي داود، الطبعة الأولى سنة 1388هـ. 7- معجم البلدان لياقوت الحموي، الناشر: دار إحياء التراث العربي ببيروت سنة 1399هـ. 8- المعجم الكبير، للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية بمطبعة الزهراء الحديثة بالموصل، بدون تاريخ. 9- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، للإمام أبي الحسن الأشعري، تحقيق محمد محي الدين عبد المجيد، الطبعة الثانية سنة 1389هـ، الناشر: مكتبة النهضة المصرية. 10- الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، طبع مطبعة الحلبي سنة 1387هـ. 11- مناقب الإمام الشافعي، لأبي بكر البيهقي، تحقيق السيد أحمد صقر، الطبعة الأولى بدار النصر للطباعة سنة 1391هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 1- منال الطالب في شرح طوال الغرائب، لابن الأثير الجزري، تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي، الناشر: مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. 2- مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، طبع مطبعة الحلبي. 3- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار للمقريزي، الناشر: دار صادر بيروت. 4- المواقف بشرح الجرجاني - قسم الإلهيات، تحقيق الدكتور أحمد المهدي، طبع دار الحمامي للطباعة بالقاهرة. 5- الموضوعات، لأبي الفرج بن الجوزي، الطبعة الأولى سنة 1386هـ، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة. 6- موطأ الإمام مالك، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، طبع مطبعة الحلبي سنة 1370هـ. 7- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للإمام الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة ببيروت. 8- نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني، تحقيق الفرد جيوم، ط بدون. 9- النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير. 10- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219